الفروق للقرافي = أنوار البروق في أنواء الفروق

القرافي

[خطبة الكتاب]

[خِطْبَة الْكتاب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ. الْحَمْدُ لِلَّهِ فَالِقِ الْإِصْبَاحِ وَفَارِقِ أَهْلِ الْغَيِّ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَسَائِقِ السَّحَابِ الثِّقَالِ بِهُبُوبِ الرِّيَاحِ وَمُنَزِّلِ الْفُرْقَانِ عَلَى عَبْدِهِ يَوْمَ الْكِفَاحِ بِبِيضِ الصِّفَاحِ مُحَذِّرًا مِنْ دَارِ الْبَوَارِ وَحَاثًّا عَلَى دَارِ الْفَلَاحِ الْمُنَزَّهِ فِي عَظِيمِ عَلَائِهِ عَنْ مُشَابَهَةِ الْأَرْوَاحِ وَمُشَاكَلَةِ الْأَشْبَاحِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً زَاكِيَةَ الْأَرْبَاحِ يَوْمَ الْقَدَّاحِ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ وَالْحُرُمَاتُ تُسْتَبَاحُ وَحِزْبُ الْكُفْرِ قَدْ عَمَّ الْفِجَاجَ وَالْبِطَاحَ فَلَمْ يَزَلْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرْشِدُ إلَى الْحَقِّ بِالْحِجَاجِ الْوِضَاحِ وَسَمْهَرِيَّةِ الرِّمَاحِ حَتَّى أَعْلَنَ مُنَادِيهِ فِي نَادِيهِ وَبَاحَ، وَظَهَرَ دِينُ اللَّهِ عَلَى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ فَطَارَ فِي الْآفَاقِ بِقَادِمَةٍ كَقَادِمَةِ الْجَنَاحِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَمُحِبِّيهِ مَا أَزَالَ الظُّلَمَ الْحَنَادِسَ ضَوْءُ الصَّبَاحِ صَلَاةً نَحُوزُ بِهَا أَعْلَى رُتَبِ النَّجَاحِ وَنَخْلُصُ بِهَا مِنْ دَرَكَاتِ الْإِثْمِ وَالْجُنَاحِ. (أَمَّا بَعْدُ) فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ الْمُعَظَّمَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ زَادَ اللَّهُ تَعَالَى مَنَارَهَا شَرَفًا وَعُلُوًّا اشْتَمَلَتْ عَلَى أُصُولٍ وَفُرُوعٍ، وَأُصُولُهَا قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا الْمُسَمَّى بِأُصُولِ الْفِقْهِ وَهُوَ فِي غَالِبِ أَمْرِهِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا قَوَاعِدُ الْأَحْكَامِ النَّاشِئَةُ عَنْ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ خَاصَّةً وَمَا يَعْرِضُ لِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ مِنْ النَّسْخِ وَالتَّرْجِيحِ وَنَحْوَ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَالنَّهْيِ لِلتَّحْرِيمِ وَالصِّيغَةِ الْخَاصَّةِ لِلْعُمُومِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذَا النَّمَطِ إلَّا كَوْنَ الْقِيَاسِ حُجَّةً وَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي قَوَاعِدُ كُلِّيَّةٌ فِقْهِيَّةٌ جَلِيلَةٌ كَثِيرَةُ الْعَدَدِ عَظِيمَةُ الْمَدَدِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَسْرَارِ الشَّرْعِ وَحِكَمِهِ، لِكُلِّ قَاعِدَةٍ مِنْ الْفُرُوعِ فِي الشَّرِيعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْعَلَّامَةُ الْمُتَكَلِّمُ الْأُسْتَاذُ الْأَوْحَدُ أَبُو الْقَاسِمِ قَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَنْصَارِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الشَّاطِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - آمِينَ. (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُنْفَرِدِ بِالْجَلَالِ وَالْكَمَالِ الْمُنَزَّهِ عَنْ الْأَكْفَاءِ وَالنُّظَرَاءِ وَالْأَشْبَاهِ وَالْأَمْثَالِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْأَتَمَّانِ الْأَكْمَلَانِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى مِنْ الْإِرْسَالِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ خَيْرِ صَحْبٍ وَخَيْرِ آلٍ. (أَمَّا بَعْدُ) فَإِنِّي لَمَّا طَالَعْتُ كِتَابَ الْإِمَامِ شِهَابِ الدِّينِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ إدْرِيسَ الْقَرَافِيِّ الْمَالِكِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) حَمْدًا لِمَنْ أَنْزَلَ الْفُرْقَانَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ سَيِّدِ وَلَدِ عَدْنَانَ فَارِقًا بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ الْمُوجِبِ لِلرِّضْوَانِ وَالْبَاطِلِ الْمُوجِبِ لِلْخُسْرَانِ، وَلَمْ يَزَلْ يُرْشِدُ إلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ بِهِ وَبِمَا بَلَّغَهُ مِنْ وَاضِحِ الْبَرَاهِينِ حَتَّى ظَهَرَ دِينُ اللَّهِ عَلَى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّاهِرِينَ وَأَصْحَابِهِ الْبَاذِلِينَ نُفُوسَهُمْ فِي تَشْيِيدِ قَوَاعِدِ الدِّينِ وَمَعَالِمِ الْإِيمَانِ. أَمَّا بَعْدُ فَيَقُولُ تُرَابُ أَقْدَامِ السَّادَةِ الْعُلَمَاءِ وَالْقَادَةِ النُّجَبَاءِ الْأَتْقِيَاءِ الْعَبْدُ الْحَقِيرُ الْمُعْتَرِفُ بِذَنْبِهِ الْمُفْتَقِرُ إلَى عَفْوِ رَبِّهِ مُحَمَّدٌ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ الْمَكِّيُّ الْمَالِكِيُّ إنَّ كِتَابَ أَنْوَارِ الْبُرُوقِ فِي أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ لِلْعَلَّامَةِ شِهَابِ الدِّينِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ إدْرِيسَ الصِّنْهَاجِيِّ الْمَشْهُورِ بِالْقَرَافِيِّ بَيْنَ النَّاسِ لِمَا امْتَازَ بِوَضْعِهِ فِي الْفُرُوقِ بَيْنَ الْقَوَاعِدِ لَا فِي الْفُرُوقِ بَيْنَ الْفُرُوعِ كَمَا هُوَ عَادَةُ الْفُضَلَاءِ الْأَمَاجِدِ، لِمَا لَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ شَرَفِ السَّمَاءِ

مَا لَا يُحْصَى وَلَمْ يُذْكَرْ مِنْهَا شَيْءٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَإِنْ اتَّفَقَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ هُنَالِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ فَبَقِيَ تَفْصِيلُهُ لَمْ يَتَحَصَّلْ، وَهَذِهِ الْقَوَاعِدُ مُهِمَّةٌ فِي الْفِقْهِ عَظِيمَةُ النَّفْعِ وَبِقَدْرِ الْإِحَاطَةِ بِهَا يَعْظُمُ قَدْرُ الْفَقِيهِ، وَيَشْرُفُ وَيَظْهَرُ رَوْنَقُ الْفِقْهِ وَيُعْرَفُ وَتَتَّضِحُ مَنَاهِجُ الْفَتَاوَى وَتُكْشَفُ، فِيهَا تَنَافَسَ الْعُلَمَاءُ وَتَفَاضَلَ الْفُضَلَاءُ، وَبَرَزَ الْقَارِحُ عَلَى الْجَذَعِ وَحَازَ قَصَبَ السَّبْقِ مَنْ فِيهَا بَرَعَ، وَمَنْ جَعَلَ يُخْرِجُ الْفُرُوعَ بِالْمُنَاسَبَاتِ الْجُزْئِيَّةِ دُونَ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ تَنَاقَضَتْ عَلَيْهِ الْفُرُوعُ وَاخْتَلَفَتْ وَتَزَلْزَلَتْ خَوَاطِرُهُ فِيهَا وَاضْطَرَبَتْ، وَضَاقَتْ نَفْسُهُ لِذَلِكَ وَقَنَطَتْ، وَاحْتَاجَ إلَى حِفْظِ الْجُزْئِيَّاتِ الَّتِي لَا تَتَنَاهَى وَانْتَهَى الْعُمْرُ وَلَمْ تَقْضِ نَفْسُهُ مِنْ طَلَبِ مُنَاهَا وَمَنْ ضَبَطَ الْفِقْهَ بِقَوَاعِدِهِ اسْتَغْنَى عَنْ حِفْظِ أَكْثَرِ الْجُزْئِيَّاتِ لِانْدِرَاجِهَا فِي الْكُلِّيَّاتِ، وَاتَّحَدَ عِنْدَهُ مَا تَنَاقَضَ عِنْدَ غَيْرِهِ وَتَنَاسَبَ. وَأَجَابَ الشَّاسِعَ الْبَعِيدَ وَتَقَارَبَ وَحَصَّلَ طِلْبَتَهُ فِي أَقْرَبِ الْأَزْمَانِ وَانْشَرَحَ صَدْرُهُ لِمَا أَشْرَقَ فِيهِ مِنْ الْبَيَانِ فَبَيْنَ الْمَقَامَيْنِ شَأْوٌ بَعِيدٌ وَبَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ تَفَاوُتٌ شَدِيدٌ، وَقَدْ أَلْهَمَنِي اللَّهُ تَعَالَى بِفَضْلِهِ أَنْ وَضَعْتُ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الذَّخِيرَةِ مِنْ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ شَيْئًا كَثِيرًا مُفَرَّقًا فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ كُلُّ قَاعِدَةٍ فِي بَابِهَا وَحَيْثُ تُبْنَى عَلَيْهَا فُرُوعُهَا. ثُمَّ أَوْجَدَ اللَّهُ تَعَالَى فِي نَفْسِي أَنَّ تِلْكَ الْقَوَاعِدَ لَوْ اجْتَمَعَتْ فِي كِتَابٍ وَزِيدَ فِي تَلْخِيصِهَا وَبَيَانِهَا وَالْكَشْفِ عَنْ أَسْرَارِهَا وَحُكْمِهَا لَكَانَ ذَلِكَ أَظْهَرَ لِبَهْجَتِهَا وَرَوْنَقِهَا، وَتَكَيَّفَتْ نَفْسُ الْوَاقِفِ عَلَيْهَا بِهَا مُجْتَمِعَةً أَكْثَرَ مِمَّا إذَا رَآهَا مُفَرَّقَةً، وَرُبَّمَا لَمْ يَقِفْ إلَّا عَلَى الْيَسِيرِ مِنْهَا هُنَالِكَ لِعَدَمِ اسْتِيعَابِهِ لِجَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، وَأَيْنَمَا يَقِفُ عَلَى قَاعِدَةٍ ذَهَبَ عَنْ خَاطِرِهِ مَا قَبْلَهَا بِخِلَافِ اجْتِمَاعِهَا وَتَظَافُرِهَا، فَوَضَعْتُ هَذَا الْكِتَابَ لِلْقَوَاعِدِ خَاصَّةً وَزِدْتُ قَوَاعِدَ كَثِيرَةً لَيْسَتْ فِي الذَّخِيرَةِ وَزِدْتُ مَا وَقَعَ مِنْهَا فِي الذَّخِيرَةِ بَسْطًا وَإِيضَاحًا فَإِنِّي فِي الذَّخِيرَةِ رَغِبْتُ فِي كَثْرَةِ النَّقْلِ لِلْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ أَخَصُّ بِكُتُبِ الْفُرُوعِ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَجْمَعَ بَيْنَ ذَلِكَ وَكَثْرَةِ الْبَسْطِ فِي الْمَبَاحِثِ وَالْقَوَاعِدِ فَيَخْرُجُ الْكِتَابُ إلَى حَدٍّ يَعْسَرُ عَلَى الطَّلَبَةِ تَحْصِيلُهُ أَمَّا هُنَا فَالْعُذْرُ زَائِلٌ وَالْمَانِعُ ذَاهِبٌ فَأَسْتَوْعِبُ مَا يَفْتَحُ اللَّهُ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَجَعَلْتُ مَبَادِئَ الْمَبَاحِثِ فِي الْقَوَاعِدِ بِذِكْرِ الْفُرُوقِ وَالسُّؤَالِ عَنْهَا بَيْنَ فَرَعَيْنَ أَوْ قَاعِدَتَيْنِ فَإِنْ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ فَبَيَانُهُ بِذِكْرِ قَاعِدَةٍ أَوْ قَاعِدَتَيْنِ يَحْصُلُ بِهِمَا الْفَرْقُ. وَهُمَا الْمَقْصُودَتَانِ، وَذِكْرُ الْفَرْقِ وَسِيلَةٌ لِتَحْصِيلِهِمَا وَإِنْ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فَالْمَقْصُودُ تَحْقِيقُهُمَا، وَيَكُونُ تَحْقِيقُهُمَا بِالسُّؤَالِ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَوْلَى مِنْ تَحْقِيقِهِمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ ضَمَّ الْقَاعِدَةِ إلَى مَا يُشَاكِلُهَا فِي الظَّاهِرِ وَيُضَادُّهَا فِي الْبَاطِنِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الضِّدَّ يُظْهِرُ حَسَنَةَ الضِّدِّ وَبِضِدِّهَا تَتَمَيَّزُ الْأَشْيَاءُ وَتَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا كِتَابٌ لِي سَمَّيْتُهُ كِتَابَ الْأَحْكَامِ فِي الْفَرْقِ بَيْن الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ وَتَصَرُّفِ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ ذَكَرْتُ فِي هَذَا الْفَرْقِ أَرْبَعِينَ مَسْأَلَةً جَامِعَةً ـــــــــــــــــــــــــــــS- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُسَمَّى بِأَنْوَارِ الْبُرُوقِ فِي أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ أَلْفَيْتُهُ قَدْ حَشَدَ فِيهِ وَحَشَرَ وَطَوَى وَنَشَرَ، وَسَلَكَ السُّهُولَ وَالنُّجُودَ وَوَرَدَ الْبُحُورَ وَالثَّمُودَ، خَلَا أَنَّهُ مَا اسْتَكْمَلَ التَّصْوِيبَ وَالتَّنْقِيبَ، وَلَا اسْتَعْمَلَ التَّهْذِيبَ وَالتَّرْتِيبَ فَانْتَسَبَ بِسَبَبِ ذَيْنِكَ الْأَمْرَيْنِ إلَى الْإِخْلَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا لِلْأُصُولِ عَلَى الْفُرُوعِ مِنْ شَرَفِ الِارْتِقَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَسْتَكْمِلْ التَّصْوِيبَ وَالتَّنْقِيبَ، وَلَمْ يَسْتَعْمِلْ التَّهْذِيبَ وَالتَّرْتِيبَ فَوَفَّقَ اللَّهُ الْإِمَامَ الْعَلَّامَةَ أَبَا الْقَاسِمِ الْمَعْرُوفَ بِابْنِ الشَّاطِّ قَاسِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ الْحَقِيقَ بِالِاغْتِبَاطِ لِتَنْقِيحِ مَا عَدَلَ بِهِ عَنْ صَوْبِ الصَّوَابِ وَتَصْحِيحِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ صَوَابٍ فِي حَاشِيَةِ إدْرَارِ الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ عَنَّ لِي وَإِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَهْلًا لِذَلِكَ وَلَا مِنْ رِجَالِ هَذِهِ الْمَهَامِهِ وَالْمَسَالِكِ أَنْ أُلَخِّصَهُ مَعَ التَّهْذِيبِ وَالتَّرْتِيبِ وَالتَّوْضِيحِ مُرَاعِيًا مَا حَرَّرَهُ ذَلِكَ الْمِفْضَالُ مِنْ التَّصْحِيحِ وَالتَّنْقِيحِ لِقَوْلِ أَهْلِ التَّحَرِّي وَالِاحْتِيَاطِ: عَلَيْكَ بِفُرُوقِ الْقَرَافِيِّ، وَلَا تَقْبَلْ مِنْهَا إلَّا مَا قَبِلَهُ ابْنُ الشَّاطِّ كَمَا فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ لِلْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ عَلَى شَرْحِهِ عَلَى الْمَجْمُوعِ مَعَ مَا يَفْتَحُ اللَّهُ بِهِ عَلَيَّ مِمَّا تَتِمُّ بِهِ الْإِفَادَةُ مِنْ جَوَابِ إشْكَالٍ تَرَكَ جَوَابَهُ أَوْ زِيَادَةِ رَجَاءٍ مِنْ مَفِيضِ الْإِحْسَانِ أَنْ يَجْعَلَهُ سَبَبًا لِلْعَفْوِ وَالْغُفْرَانِ وَسَمَّيْتُهَا بِتَهْذِيبِ الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السّنِيَّةِ فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ وَرَتَّبْتُهُ عَلَى مُقَدِّمَةٍ وَعَلَى فُرُوقٍ تَشْتَمِلُ عَلَى نَحْوِ خَمْسِمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ قَاعِدَةً مُوَضَّحَةً بِمَا يُنَاسِبُهَا مِنْ الْفُرُوعِ لِيَزْدَادَ انْشِرَاحُ الْقَلْبِ لِغَيْرِهَا فَتَتِمُّ الْفَائِدَةُ، وَتِلْكَ الْفُرُوقُ مِنْهَا مَا هُوَ وَاقِعٌ بَيْنَ فَرْعَيْنِ يَحْصُلُ بَيَانُهُ بِذِكْرِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ قَاعِدَةٍ أَوْ قَاعِدَتَيْنِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ وَاقِعٌ بَيْنَ قَاعِدَتَيْنِ مَقْصُودِ تَحْقِيقِهِمَا بِالسُّؤَالِ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا نَظَرًا لِكَوْنِ تَحْقِيقِهِمَا بِذَلِكَ أَوْلَى بِلَا إبَاءٍ مِنْ تَحْقِيقِهِمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ لَدَى النُّبَلَاءِ لِأَنَّ لِضِدِّهِ الثَّنَاءَ وَبِضِدِّهَا تَتَمَيَّزُ الْأَشْيَاءُ. (مُقَدِّمَةٌ) فِي فَائِدَتَيْنِ: (الْأُولَى) اعْلَمْ أَنَّ الشَّرِيعَةَ الْمُعَظَّمَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ قَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى أُصُولٍ

لِأَسْرَارِ هَذِهِ الْفُرُوقِ وَهُوَ كِتَابٌ مُسْتَقِلٌّ يُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ الْإِعَادَةِ هُنَا فَمَنْ شَاءَ طَالَعَ ذَلِكَ الْكِتَابَ فَهُوَ حَسَنٌ فِي بَابِهِ وَعَوَائِدُ الْفُضَلَاءِ وَضْعُ كُتُبِ الْفُرُوقِ بَيْنَ الْفُرُوعِ، وَهَذَا فِي الْفُرُوقِ بَيْنَ الْقَوَاعِدِ وَتَلْخِيصِهَا فَلَهُ مِنْ الشَّرَفِ عَلَى تِلْكَ الْكُتُبِ شَرَفُ الْأُصُولِ عَلَى الْفُرُوعِ وَسَمَّيْتُهُ لِذَلِكَ أَنْوَارَ الْبُرُوقِ فِي أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ وَلَكَ أَنْ تُسَمِّيَهُ كِتَابَ الْأَنْوَارِ وَالْأَنْوَاءِ أَوْ كِتَابَ الْأَنْوَارِ وَالْقَوَاعِدِ السَّنِيَّةِ فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ كُلُّ ذَلِكَ لَكَ وَجَمَعْتُ فِيهِ مِنْ الْقَوَاعِدِ خَمْسَمِائَةٍ وَثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ قَاعِدَةً أَوْضَحْتُ كُلَّ قَاعِدَةٍ بِمَا يُنَاسِبُهَا مِنْ الْفُرُوعِ حَتَّى يَزْدَادَ انْشِرَاحُ الْقَلْبِ لِغَيْرِهَا. (فَائِدَةٌ) سَمِعْتُ بَعْضَ مَشَايِخِي الْفُضَلَاءَ يَقُولُ فَرَّقَتْ الْعَرَبُ بَيْنَ فَرَقَ بِالتَّخْفِيفِ وَفَرَّقَ بِالتَّشْدِيدِ الْأَوَّلُ فِي الْمَعَانِي وَالثَّانِي فِي الْأَجْسَامِ، وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِيهِ أَنَّ كَثْرَةَ الْحُرُوفِ عِنْدَ الْعَرَبِ تَقْتَضِي كَثْرَةَ الْمَعْنَى أَوْ زِيَادَتَهُ أَوْ قُوَّتَهُ، وَالْمَعَانِي لَطِيفَةٌ وَالْأَجْسَامُ كَثِيفَةٌ فَنَاسَبَهَا التَّشْدِيدُ وَنَاسَبَ الْمَعَانِيَ التَّخْفِيفُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى خِلَافُ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} [البقرة: 50] فَخَفَّفَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ جِسْمٌ. وَقَالَ تَعَالَى {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 25] وَجَاءَ عَلَى الْقَاعِدَةِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] وقَوْله تَعَالَى {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: 102] وَ {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1] وَلَا نَكَادُ نَسْمَعُ مِنْ الْفُقَهَاءِ إلَّا قَوْلَهُمْ مَا الْفَارِقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَا يَقُولُونَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِالتَّشْدِيدِ، وَمُقْتَضِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنْ يَقُولَ السَّائِلُ اُفْرُقْ لِي بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَا يَقُولُ فَرِّقْ لِي وَلَا بِأَيِّ شَيْءٍ تُفَرِّقُ مَعَ أَنَّ كَثِيرًا يَقُولُونَهُ فِي الْأَفْعَالِ دُونَ اسْمِ الْفَاعِلِ، وَقَدْ آنَ الشُّرُوعُ فِي الْكِتَابِ مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى عَلَى خُلُوصِ النِّيَّةِ وَحُصُولِ الْبُغْيَةِ وَأَسْأَلُهُ بِعَظِيمِ جَلَالِهِ وَكَمَالِ عَلَائِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ نَافِعًا لِي وَلِعِبَادِهِ، وَأَنْ يُيَسِّرَ ذَلِكَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ إنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. (الْفَرْقُ الْأَوَّلُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ) ابْتَدَأْتُ بِهَذَا الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ لِأَنِّي أَقَمْتُ أَطْلُبُهُ نَحْوَ ثَمَانِ سِنِينَ فَلَمْ أَظْفَرْ بِهِ، وَأَسْأَلُ الْفُضَلَاءَ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَتَحْقِيقِ مَاهِيَّةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَبَرٌ فَيَقُولُونَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَدُ وَالذُّكُورِيَّةُ وَالْحُرِّيَّةُ بِخِلَافِ ـــــــــــــــــــــــــــــSبِوَاجِبَيْنِ، وَاحْتَجَبَ لَا مَعَ بُرُوقِهِ مِنْهَا بِحَاجِبَيْنِ، وَلَمَّا كَانَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فِي مَرْتَبَةِ الضَّرُورِيَّاتِ، وَالثَّانِي فِي دَرَجَةِ الْحَاجِيَّاتِ، وَضَعْتُ كِتَابِي هَذَا لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّوَابِ مُصَحِّحًا، وَلِمَا عَدَلَ بِهِ عَنْ صَوْبِهِ مُنَقِّحًا، وَأَضْرَبْتُ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ مُؤْثِرًا لِلضَّرُورِيِّ عَلَى الْحَاجِيِّ وَمُرَجِّحًا، وَلَمَّا شَرُفَتْ أَنْوَارُ هَذَا الْمَجْمُوعِ وَأَشْرَقَتْ، فَلَاحَتْ كَالشَّمْسِ الْمُضْحِيَةِ فِي الْوُضُوحِ، وَوَقَفَتْ أَمَامَهَا لَوَامِعُ الْخُلَّبِ مِنْ تِلْكَ الْبُرُوقِ، لِمَا ضَمِنَهُ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ صَوْبِ الصَّوَابِ وَالْمُرُوقِ مَوْقِفَ الْمَفْضُوحِ سَمَّيْتُهُ بِكِتَابِ إدْرَارِ الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ لِيُوَافِقَ اللَّفْظُ الْمَعْنَى، وَيُطَابِقَ الِاسْمُ الْمُسَمَّى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَرْجُو أَنْ يَجْعَلَهُ مِنْ أَلِيمِ الْعِتَابِ يَوْمَ الْحِسَابِ آمِنًا وَلِجَسِيمِ الثَّوَابِ عِنْدَ الْمَآبِ ضَامِنًا بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ. . قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْفَرْقُ الْأَوَّلُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQقِسْمَانِ أَحَدُهُمَا الْمُسَمَّى بِأُصُولِ الْفِقْهِ وَهُوَ غَالِبُ أَمْرِهِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا قَوَاعِدُ الْأَحْكَامِ النَّاشِئَةِ عَنْ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ خَاصَّةً، وَمَا يَعْرِضُ لِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ مِنْ النَّسْخِ وَالتَّرْجِيحِ وَنَحْوِ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ وَالنَّهْيِ لِلتَّحْرِيمِ وَالصِّيغَةِ الْخَاصَّةِ لِلْعُمُومِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذَا النَّمَطِ إلَّا كَوْنَ الْقِيَاسِ حُجَّةً وَخَبَرًا لِوَاحِدٍ وَصِفَاتِ الْمُجْتَهِدِينَ كَمَا فِي الْأَصْلِ. قُلْت وَتَوْضِيحُ ذَلِكَ أَنَّ الطُّرُقَ الَّتِي مِنْهَا تُلُقِّيَتْ الْأَحْكَامُ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَإِنْ كَانَتْ ثَلَاثَةً لَفْظًا وَفِعْلًا وَإِقْرَارًا إلَّا أَنَّ غَالِبَ قَوَاعِدِ أُصُولِ الْفِقْهِ إنَّمَا نَشَأَتْ مِنْ طَرِيقِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي تُتَلَقَّى مِنْهَا الْأَحْكَامُ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ ثَلَاثَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا الْأَوَّلُ لَفْظٌ عَامٌّ يُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ، أَوْ خَاصٌّ يُحْمَلُ عَلَى خُصُوصِهِ، وَالثَّانِي لَفْظٌ عَامٌّ يُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ، وَالثَّالِثُ لَفْظٌ خَاصٌّ يُرَادُ بِهِ الْعُمُومُ وَفِي هَذَا يَدْخُلُ التَّنْبِيهُ بِالْمُسَاوِي عَلَى الْمُسَاوِي وَبِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى وَبِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] فَقَدْ فُهِمَ مِنْهُ تَحْرِيمُ الضَّرْبِ وَالشَّتْمِ وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ. وَهَذِهِ الْأَصْنَافُ الثَّلَاثَةُ إمَّا أَنْ تَأْتِيَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ أَوْ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ يُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ فَتَسْتَدْعِي الْفِعْلَ وَفِي حَمْلِ هَذَا الِاسْتِدْعَاءِ عَلَى الْوُجُوبِ إنْ فُهِمَ مِنْهُ الْجَزْمُ وَتَعَلُّقُ الْعِقَابِ بِالتَّرْكِ أَوْ عَلَى النَّدْبِ إنْ فُهِمَ مِنْهُ الثَّوَابُ عَلَى الْفِعْلِ وَانْتِفَاءُ الْعِقَابِ مَعَ التَّرْكِ أَوْ يَتَوَقَّفُ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَحَدِهِمَا خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَإِمَّا أَنْ تَأْتِيَ بِصِيغَةِ النَّهْيِ أَوْ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ يُرَادُ بِهِ النَّهْيُ فَتَسْتَدْعِي التَّرْكَ وَفِي حَمْلِ هَذَا الِاسْتِدْعَاءِ عَلَى التَّحْرِيمِ إنْ فُهِمَ مِنْهُ الْجَزْمُ وَتَعَلُّقُ الْعِقَابِ بِالْفِعْلِ أَوْ عَلَى الْكَرَاهَةِ إنْ فُهِمَ مِنْهُ الْحَثُّ عَلَى تَرْكِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقِ الْعِقَابِ بِفِعْلِهِ أَوْ يَتَوَقَّفُ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَحَدِهِمَا خِلَافٌ كَذَلِكَ. وَالْأَعْيَانُ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْحُكْمُ إمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهَا بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ فَقَطْ، وَهُوَ الَّذِي يُعْرَفُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بِالنَّصِّ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهَا بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مَعْنًى وَاحِدٍ، وَهَذَا إمَّا أَنْ تَكُونَ دَلَالَتُهُ عَلَى تِلْكَ الْمَعَانِي بِالسَّوَاءِ وَهُوَ الَّذِي يُعْرَفُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بِالْمُجْمَلِ وَلَا خِلَافَ

الرِّوَايَةِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ مِنْ الْوَاحِدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ فَأَقُولُ لَهُمْ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِيهَا فَرْعُ تَصَوُّرِهَا وَتَمْيِيزِهَا عَنْ الرِّوَايَةِ فَلَوْ عَرَفْتَ بِأَحْكَامِهَا وَآثَارِهَا الَّتِي لَا تُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهَا لَزِمَ الدَّوْرُ وَإِذَا وَقَعَتْ لَنَا حَادِثَةٌ غَيْرَ مَنْصُوصَةٍ مِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّهَا شَهَادَةٌ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِيهَا ذَلِكَ فَلَعَلَّهَا مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ الَّتِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا ذَلِكَ فَالضَّرُورَةُ دَاعِيَةٌ لِتَمْيِيزِهِمَا، وَكَذَلِكَ إذَا رَأَيْنَا الْخِلَافَ فِي إثْبَاتِ شَهْرِ رَمَضَانَ هَلْ يُكْتَفَى فِيهِ بِشَاهِدٍ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ، وَيَقُولُ الْفُقَهَاءُ فِي تَصَانِيفِهِمْ مَنْشَأُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ أَوْ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ. وَكَذَلِكَ إذَا أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِعَدَدِ مَا صَلَّى قَالُوا ذَلِكَ بِعَيْنِهِ، وَأَجْرَوْا الْخِلَافَ فِيهِمَا لَمْ تُتَصَوَّرْ حَقِيقَةُ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ وَتَمَيُّزُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَنْ الْأُخْرَى لَا يُعْلَمُ اجْتِمَاعُ الشَّائِبَتَيْنِ مِنْهُمَا فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ، وَلَا يُعْلَمُ أَيُّ الشَّائِبَتَيْنِ أَقْوَى حَتَّى يُرَجَّحَ مَذْهَبُ الْقَائِلِ بِتَرْجِيحِهَا، وَلَعَلَّ أَحَدَ الْقَائِلِينَ لَيْسَ مُصِيبًا وَلَيْسَ فِي الْفُرُوعِ إلَّا إحْدَى الشَّائِبَتَيْنِ أَوْ أَحَدَ الشَّبَهَيْنِ وَالْآخَرُ مَنْفِيٌّ أَوْ الشَّبَهَانِ مَعًا مَنْفِيَّانِ، وَالْقَوْلُ بِتَرَدُّدِ هَذِهِ الْفُرُوعِ بَيْنَهُمَا لَيْسَ صَوَابًا بَلْ يَكُونُ الْفَرْعُ مُخْرَجًا عَلَى قَاعِدَةٍ أُخْرَى غَيْرِ هَاتَيْنِ، وَهَذَا جَمِيعُهُ إنَّمَا يَتَلَخَّصُ إذَا عَلِمْتَ حَقِيقَةَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ فَحِينَئِذٍ يُتَصَوَّرُ هُنَا اشْتِرَاطُ الْعَدَدِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ الْفَرْعِ الْعَدْلُ الْوَاحِدُ وَيُعْتَقَدُ أَنَّهُ مُخَرَّجٌ عَلَى الشَّبَهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَأَيُّ الْقَوْلَيْنِ أَرْجَحُ إمَّا مَعَ الْجَهْلِ بِحَقِيقَتِهِمَا فَلَا يَتَأَتَّى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الْفُرُوعُ مُظْلِمَةً مُلْتَبِسَةً عَلَيْنَا، وَلَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ كَثِيرَ الْقَلَقِ وَالتَّشَوُّفِ إلَى مَعْرِفَتِهِ ذَلِكَ حَتَّى طَالَعْتُ شَرْحَ الْبُرْهَانِ لِلْمَازِرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَوَجَدْتُهُ ذَكَرَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ وَحَقَّقَهَا وَمَيَّزَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ حَيْثُ هُمَا، وَاتَّجَهَ تَخْرِيجُ تِلْكَ الْفُرُوعِ اتِّجَاهًا حَسَنًا. وَظَهَرَ أَيُّ الشَّبَهَيْنِ أَقْوَى، وَأَيُّ الْقَوْلَيْنِ أَرْجَحُ، وَأَمْكَنَنَا مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِنَا إذَا وَجَدْنَا خِلَافًا مَحْكِيًّا وَلَمْ يُذْكَرْ سَبَبُ الْخِلَافِ فِيهِ أَنْ نُخَرِّجَهُ عَلَى وُجُودِ الشَّبَهَيْنِ فِيهِ إنْ وَجَدْنَاهُمَا وَنَشْتَرِطَ مَا نَشْتَرِطُهُ وَنُسْقِطَ مَا نُسْقِطُهُ، وَنَحْنُ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، فَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الشَّهَادَةُ وَالرِّوَايَةُ خَبَرَانِ غَيْرَ أَنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهُ إنْ كَانَ أَمْرًا عَامًّا لَا يَخْتَصُّ بِمُعَيَّنٍ فَهُوَ الرِّوَايَةُ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَالشُّفْعَةُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ لَا يَخْتَصُّ بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ بَلْ ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ بِخِلَافِ قَوْلِ الْعَدْلِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِهَذَا عِنْدَ هَذَا دِينَارٌ إلْزَامٌ لِمُعَيَّنٍ لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ فَهَذَا هُوَ الشَّهَادَةُ الْمَحْضَةُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الرِّوَايَةُ الْمَحْضَةُ ثُمَّ تَجْتَمِعُ الشَّوَائِبُ بَعْدَ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ حَاكِيًا عَنْ الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيِّ الشَّهَادَةُ وَالرِّوَايَةُ خَبَرَانِ غَيْرَ أَنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهُ إنْ كَانَ أَمْرًا عَامًّا لَا يَخْتَصُّ بِمُعَيَّنٍ فَهُوَ الرِّوَايَةُ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ، وَالشُّفْعَةُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ لَا يَخْتَصُّ بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ بَلْ ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ بِخِلَافِ قَوْلِ الْعَدْلِ عِنْدَ الْحَاكِمِ: لِهَذَا عِنْدَ هَذَا دِينَارٌ إلْزَامٌ لِمُعَيَّنٍ لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ، فَهَذَا هُوَ الشَّهَادَةُ الْمَحْضَةُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الرِّوَايَةُ الْمَحْضَةُ ثُمَّ تَجْتَمِعُ الشَّوَائِبُ بَعْدَ ذَلِكَ قُلْتُ لَمْ يَقْتَصِرْ الْإِمَامُ فِي مُفْتَتَحِ كَلَامِهِ الَّذِي نَقَلَ مِنْهُ الشِّهَابُ مَا نَقَلَ عَلَى الْفَرْقِ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، وَلَكِنَّهُ ذَكَرَ مَعَ الْخُصُوصِ قَيْدًا آخَرَ، وَهُوَ إمْكَانُ التَّرَافُعِ إلَى الْحُكَّامِ وَالتَّخَاصُمِ وَطَلَبِ فَصْلِ الْقَضَاءِ ثُمَّ اقْتَصَرَ فِي مُخْتَتَمِ كَلَامِهِ عَلَى الْخُصُوصِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي أَنَّهُ لَا يُوجِبُ حُكْمًا، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ دَلَالَتُهُ عَلَى بَعْضِ تِلْكَ الْمَعَانِي أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ وَيُسَمَّى بِالْإِضَافَةِ إلَى الْبَعْضِ الْأَكْثَرِ ظَاهِرًا وَإِلَى الْبَعْضِ الْأَقَلِّ مُحْتَمَلًا، وَيُحْمَلُ عَلَى الْبَعْضِ الْأَكْثَرِ إذَا وَرَدَ مُطْلَقًا، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْبَعْضِ الْأَقَلِّ إلَّا بِدَلِيلٍ فَيَعْرِضُ حِينَئِذٍ خِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي أَقَاوِيلِ الشَّارِعِ مِنْ قِبَلِ ثَلَاثَةِ مَعَانٍ مِنْ قِبَلِ الِاشْتِرَاكِ فِي لَفْظِ الْعَيْنِ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الْحُكْمَ، وَمِنْ قِبَلِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْأَلِفِ وَاللَّامِ الْمَقْرُونَةِ بِجِنْسِ ذَلِكَ الْعَيْنِ هَلْ أُرِيدَ بِهَا الْكُلُّ أَوْ الْبَعْضُ، وَمِنْ قِبَلِ الِاشْتِرَاكِ الَّذِي فِي أَلْفَاظِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَصِنْفٌ رَابِعٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ أَنْ يُفْهَمَ مِنْ إيجَابِ الْحُكْمِ لِشَيْءٍ مَا نَفَى ذَلِكَ عَمَّا عَدَا ذَلِكَ الشَّيْءَ، وَمَنْ نَفَى الْحُكْمَ لِشَيْءٍ مَا إيجَابُهُ لِمَا عَدَا ذَلِكَ الشَّيْءَ الَّذِي نَفَى عَنْهُ. وَهُوَ الَّذِي يُعْرَفُ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ مِثْلَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ» فَإِنَّ قَوْمًا فَهِمُوا مِنْهُ أَنْ لَا زَكَاةَ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ، أَوْ نَشَأَتْ مِمَّا يَعْرِضُ لِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ مِنْ النَّسْخِ أَيْ جَوَازِهِ، وَكَوْنِهِ يَنْقَسِمُ إلَى أَقْسَامٍ أَحَدُهَا نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ كَحُكْمِ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240] بِحُكْمِ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] لِتَأَخُّرِهَا نُزُولًا وَإِنْ تَقَدَّمَتْ تِلَاوَةً، وَثَانِيهَا نَسْخُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ كَحَدِيثِ «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا» . وَثَالِثُهَا السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ كَحُكْمِ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ الثَّابِتِ بِالسُّنَّةِ الْفِعْلِيَّةِ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ الثَّابِتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] ، وَرَابِعُهَا الْكِتَابُ بِالسُّنَّةِ وَلَوْ آحَادًا عَلَى الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَهُ إمَّا لِأَنَّ الْقَطْعِيَّ مَتْنُ الْقُرْآنِ لَا دَلَالَتُهُ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ نَسْخِهِ بِالْآحَادِ وَإِنْ كَانَتْ دَلَالَتُهُ قَطْعِيَّةً كَآيَةِ الِاسْتِقْبَالِ نَعَمْ الْحَقُّ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ إلَّا بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ كَجَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِحَدِيثِ «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَيَنْقَسِمُ أَيْضًا إلَى مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ وَحُكْمُهُ جَمِيعًا نَحْوَ عَشْرَ رَضَعَاتٍ مُحَرِّمَاتٍ كَانَ مِمَّا يُتْلَى فَنُسِخَتْ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ وَمَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ دُونَ حُكْمِهِ نَحْوَ «الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا

وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ حِينَئِذٍ وَبَقِيَّةِ الشُّرُوطِ أَنَّ إلْزَامَ الْمُعَيَّنِ تُتَوَقَّعُ فِيهِ عَدَاوَةٌ بَاطِنِيَّةٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا الْحَاكِمُ فَتَبْعَثُ الْعَدُوَّ عَلَى إلْزَامِ عَدُوِّهِ مَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لَهُ. فَاحْتَاطَ الشَّارِعُ لِذَلِكَ وَاشْتَرَطَ مَعَهُ آخَرَ إبْعَادًا لِهَذَا الِاحْتِمَالِ، فَإِذَا اتَّفَقَا فِي الْمَقَالِ قَرُبَ الصِّدْقُ جِدًّا بِخِلَافِ الْوَاحِدِ وَيُنَاسِبُ أَيْضًا اشْتِرَاطَ الذُّكُورِيَّةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ إلْزَامَ الْمُعَيَّنِ سُلْطَانٌ وَغَلَبَةٌ وَقَهْرٌ وَاسْتِيلَاءٌ تَأْبَاهُ النُّفُوسُ الْأَبِيَّةُ وَتَمْنَعُهُ الْحَمِيَّةُ وَهُوَ مِنْ النِّسَاءِ أَشَدُّ نِكَايَةً لِنُقْصَانِهِنَّ فَإِنَّ اسْتِيلَاءَ النَّاقِصِ أَشَدُّ فِي ضَرَرِ الِاسْتِيلَاءِ فَخُفِّفَ ذَلِكَ عَنْ النُّفُوسِ بِدَفْعِ الْأُنُوثَةِ الثَّانِي أَنَّ النِّسَاءَ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ فَنَاسَبَ أَنْ لَا يُنَصَّبْنَ نَصْبًا عَامًّا فِي مَوَارِدِ الشَّهَادَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَالْعُمُومِ وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ، وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِتَقْسِيمِ حَاصِرٍ، وَهُوَ أَنَّ الْخَبَرَ إمَّا أَنْ يُقْصَدَ بِهِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَصْلُ قَضَاءٍ وَإِبْرَامُ حُكْمٍ وَإِمْضَاءٌ أَوْ لَا فَإِنْ قُصِدَ بِهِ ذَلِكَ فَهُوَ الشَّهَادَةُ. وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ ذَلِكَ فَإِمَّا أَنْ يُقْصَدَ بِهِ تَرَتُّبُ دَلِيلِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ لَا فَإِنْ قُصِدَ بِهِ ذَلِكَ فَهُوَ الرِّوَايَةُ وَإِلَّا فَهُوَ سَائِرُ أَنْوَاعِ الْخَبَرِ، وَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى بَيَانِ تَفَاصِيلِهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إنَّمَا هُوَ بَيَانُ مَا يَجُوزُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ وَاعْتِبَارَاتِهِمْ، وَدَلِيلُ صِحَّةِ اعْتِبَارِ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمُخْبِرَ بِأَنَّ لِزَيْدٍ قِبَلَ عَمْرٍو دِينَارًا غَيْرُ قَاصِدٍ بِذَلِكَ الْخَبَرَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَصْلُ قَضَاءٍ لَا يُسَمَّى فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ شَاهِدًا عَلَى جِهَةِ الْحَقِيقَةِ بَلْ يُسَمَّى مُخْبِرًا، وَكَذَلِكَ الْمُخْبِرُ عَنْ الْأُمُورِ الْوَاقِعَةِ الَّتِي لَا يُسْتَفَادُ مِنْهَا تَعْرِيفُ دَلِيلِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَا يُسَمَّى عِنْدَهُمْ عَلَى جِهَةِ الْحَقِيقَةِ رَاوِيًا، وَإِنْ سُمِّيَ كَمَا فِي الْأَقَاصِيصِ وَنَحْوِهَا فَهُوَ مَجَازٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ لَا يَشْتَرِطُونَ فِيهِ مِنْ صِفَاتِ الرُّوَاةِ مَا يَشْتَرِطُونَ فِي رُوَاةِ تَعْرِيفِ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ مَا مَعْنَاهُ (إنَّ الْمُنَاسَبَةَ بَيْنَ اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِي الرِّوَايَةِ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَمَّا كَانَ مُقْتَضَاهَا إلْزَامًا لِمُعَيَّنٍ، وَهُوَ رُبَّمَا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاهِدِ عَدَاوَةٌ بَاطِنِيَّةٌ لَا يَطَّلِعُ الْحَاكِمُ عَلَيْهَا، وَالْعَدَاوَةُ رُبَّمَا بَعَثَتْ عَلَى إلْزَامِ الْعَدُوِّ وَعَدُوِّهِ مَا لَا يَلْزَمُهُ، احْتَاطَ الشَّارِعُ بِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ إبْعَادًا لِهَذَا الِاحْتِمَالِ) قُلْتُ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِمَّا يُؤَكِّدُهُ مَا قُلْتُهُ مِنْ لُزُومِ اعْتِبَارِ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَصْدُ بِالْإِخْبَارِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمٌ وَلَا فَصْلُ قَضَاءٍ لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْعَدُوِّ فِي عَدُوِّهِ مِنْ إلْزَامِهِ مَا لَا يَلْزَمُهُ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَيُنَاسِبُ أَيْضًا اشْتِرَاطَ الذُّكُورِيَّةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ إلْزَامَ الْمُعَيَّنِ سُلْطَانَ قَهْرٍ تَأْبَاهُ النُّفُوسُ الْأَبِيَّةُ، وَهُوَ مِنْ النِّسَاءِ أَشَدُّ نِكَايَةً فَخُفِّفَ ذَلِكَ عَلَى النُّفُوسِ بِدَفْعِ الْأُنُوثَةِ) قُلْت هَذَا مُنَاسِبٌ كَمَا قَالَ غَيْرَ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ النَّقْضُ بِشَهَادَةِ الْأُنْثَى فِي الْأَمْوَالِ وَفِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ فِيهَا اطِّلَاعُ الرِّجَالِ، لَكِنَّهُ يُجَابُ عَنْهُ بِإِلْجَاءِ الضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ، وَالْقَوَاعِدُ يُسْتَثْنَى مِنْهَا مُحَالُ الضَّرُورَاتِ، ثُمَّ إنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْمَرْأَةَ كَالرَّجُلِ فِي مَحَلِّ تَعَذُّرِ اطِّلَاعِهِ الْإِطْلَاقِيِّ، وَجَعَلَهَا مِثْلَهُ بِشَرْطِ الِاسْتِظْهَارِ بِأُخْرَى فِي مَحَلِّ تَعَذُّرِ اطِّلَاعِهِ الِاتِّفَاقِيِّ؛ لِأَنَّ إذْعَانَ النُّفُوسِ لِمُقْتَضَى الضَّرُورَاتِ الْإِطْلَاقِيَّةِ أَشَدُّ مِنْ إذْعَانِهَا لِمُقْتَضَى الضَّرُورَاتِ الِاتِّفَاقِيَّةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الثَّانِي أَنَّ النِّسَاءَ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ فَنَاسَبَ أَنْ لَا يُنَصَّبْنَ نَصْبًا عَامًّا فِي مَوَارِدِ الشَّهَادَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ كَانَ مِمَّا يُتْلَى فَرَجَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُحْصَنِينَ» وَمَا نُسِخَ حُكْمُهُ دُونَ تِلَاوَتِهِ كَآيَةِ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] الْآيَةَ نُسِخَ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَيَنْقَسِمُ أَيْضًا إلَى النَّسْخِ إلَى بَدَلٍ كَمَا فِي آيَتَيْ الْأَنْفَالِ وَإِلَى غَيْرِ بَدَلٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12] فَإِنَّ وُجُوبَ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِمَا تَيَسَّرَ عَلَى مُنَاجَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِيُطَهِّرَهُ حَتَّى يَكُونَ أَهْلًا لِمُنَاجَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَنُسِخَ بِلَا بَدَلٍ لِاسْتِلْزَامِهِ قِلَّةَ الْأَسْئِلَةِ فَإِنَّ فِي السُّكُوتِ رَحْمَةً كَمَا وَرَدَ «اُتْرُكُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ إنَّ اللَّهَ سَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ وَقَدْ شَدَّدَ بَنُو إسْرَائِيلَ فِي السُّؤَالِ عَنْ الْبَقَرَةِ فَشَدَّدَ عَلَيْهِمْ بِضِيقِ صِفَاتِهَا حَتَّى غَلَتْ» . وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ لَمْ يَقَعْ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْبَدَلُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْجَوَازُ الْمُطْلَقُ الصَّادِقُ بِالْإِبَاحَةِ وَالِاسْتِحْبَابِ وَمِمَّا يَعْرِضُ لَهَا مِنْ التَّرْجِيحِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ الَّتِي تُخِلُّ بِالْفَهْمِ الْيَقِينِيِّ الْمَنْظُومَةِ مَعَ إضَافَةِ النَّسْخِ إلَيْهَا فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ مُرَجِّحًا التَّجَوُّزَ عَلَى الْإِضْمَارِ عَلَى خِلَافِ الْأَصَحِّ مِنْ اسْتِوَائِهِمَا تَجَوُّزٌ ثُمَّ إضْمَارٌ، وَبَعْدَهُمَا نَقْلٌ تَلَاهُ اشْتِرَاكٌ فَهُوَ يَخْلُفُهُ، وَأَرْجَحُ الْكُلِّ تَخْصِيصٌ وَآخِرُهَا نَسْخٌ فَمَا بَعْدَهُ قِسْمٌ يَخْلُفُهُ وَلَوْ جَرَى عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ اسْتِوَاءِ التَّجَوُّزِ وَالْإِضْمَارِ لَقَالَ تَجُوزُ مِثْلُ إضْمَارٍ وَبَعْدَهُمَا إلَخْ، وَيَتَحَصَّلُ فِي تَعَارُضِهَا عَشْرُ صُوَرٍ هِيَ تَعَارُضُ التَّخْصِيصِ وَالتَّجَوُّزِ، تَعَارُضُ التَّخْصِيصِ وَالْإِضْمَارِ، تَعَارُضُ التَّخْصِيصِ وَالنَّقْلِ، تَعَارُضُ التَّخْصِيصِ وَالِاشْتِرَاكِ فَيُقَدَّمُ التَّخْصِيصُ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى تَعَارُضُ التَّجَوُّزِ وَالِاشْتِرَاكِ تَعَارُضُ الْإِضْمَارِ وَالِاشْتِرَاكِ تَعَارُضُ النَّقْلِ وَالِاشْتِرَاكِ، فَيُقَدَّمُ كُلٌّ مِنْ التَّجَوُّزِ وَالْإِضْمَارِ وَالنَّقْلِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ، تَعَارُضُ التَّجَوُّزِ وَالْإِضْمَارِ تَعَارُضُ التَّجَوُّزِ وَالنَّقْلِ تَعَارُضُ الْإِضْمَارِ وَالنَّقْلِ، وَالْأَصَحُّ اسْتِوَاءُ التَّجَوُّزِ وَالْإِضْمَارِ وَتَقْدِيمُهُمَا عَلَى النَّقْلِ

لِئَلَّا يَعُمَّ ضَرَرُهُنَّ بِالنِّسْيَانِ وَالْغَلَطِ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ الْعَامَّةَ تَتَأَسَّى فِيهَا النُّفُوسُ وَيَتَسَلَّى بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَيَخِفُّ الْأَلَمُ وَتَقَعُ الْمُشَارَكَةُ غَالِبًا فِي الرِّوَايَةِ لِعُمُومِ التَّكْلِيفِ وَالْحَاجَةِ، فَيُرْوَى مَعَ الْمَرْأَةِ غَيْرُهَا فَيَبْعُدُ احْتِمَالُ الْغَلَطِ وَيَطُولُ الزَّمَانُ فِي الْكَشْفِ عَنْ ذَلِكَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَيَظْهَرُ مَعَ طُولِ السِّنِينَ خَلَلٌ إنْ كَانَ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ تَنْقَضِي بِانْقِضَاءِ زَمَانِهَا، وَتُنْسَى بِذَهَابِ أَوَانِهَا فَلَا يَطَّلِعُ عَلَى غَلَطِهَا وَنِسْيَانِهَا وَلَا يُتَّهَمُ أَحَدٌ فِي عَدَاوَةِ جَمِيعِ الْخَلْقِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الِاسْتِظْهَارِ بِالْغَيْرِ فَيَكْفِي الْوَاحِدُ. وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلِأَنَّ النُّفُوسَ الْأَبِيَّةَ تَأْبَى قَهْرَهَا بِالْعَبِيدِ الْأَدْنَى، وَيَخِفُّ ذَلِكَ عَلَيْهَا بِالْأَحْرَارِ وَسَرَاةِ النَّاسِ، وَلِأَنَّ الرِّقَّ يُوجِبُ الضَّغَائِنَ وَالْأَحْقَادَ بِسَبَبِ مَا فَاتَ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالِاسْتِقْلَالِ بِالْكَسْبِ وَالْمَنَافِعِ فَرُبَّمَا بَعَثَهُ ذَلِكَ عَلَى الْكَذِبِ عَلَى الْمُعَيَّنِ وَإِذَايَتِهِ، وَذَلِكَ لِلْخَلَائِقِ يُبْعِدُ الْقَصْدَ إلَيْهِ فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ فَهَذَا تَحْقِيقُ الْبَابَيْنِ. وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي الِاشْتِرَاطِ فِي الشَّهَادَةِ دُونَ الرِّوَايَةِ وَحِينَئِذٍ نَقُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــSلِئَلَّا يَعُمَّ ضَرَرُهُنَّ بِالنِّسْيَانِ وَالْغَلَطِ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ الْعَامَّةَ تَتَأَسَّى فِيهَا النُّفُوسُ وَيَتَسَلَّى بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَيَخِفُّ الْأَلَمُ، وَتَقَعُ الْمُشَارَكَةُ غَالِبًا فِي الرِّوَايَةِ لِعُمُومِ التَّكْلِيفِ وَالْحَاجَةِ فَيَرْوِي مَعَ الْمَرْأَةِ غَيْرُهَا فَيَبْعُدُ احْتِمَالُ الْغَلَطِ وَيَطُولُ الزَّمَانُ فِي الْكَشْفِ عَنْ ذَلِكَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَيَظْهَرُ مَعَ طُولِ السَّبْرِ خَلَلٌ إنْ كَانَ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ تَنْقَضِي بِانْقِضَاءِ زَمَانِهَا، وَتُنْسَى بِذَهَابِ أَوَانِهَا فَلَا يُطَّلَعُ عَلَى غَلَطِهَا وَنِسْيَانِهَا) قُلْتُ كَلَامُهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ ضَعِيفٌ، أَمَّا قَوْلُهُ فَنَاسَبَ أَنْ لَا يُنَصَّبْنَ نَصْبًا عَامًّا لِئَلَّا يَعُمَّ ضَرَرُهُنَّ بِالنِّسْيَانِ وَالْغَلَطِ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ نُقْصَانَ عَقْلِهِنَّ وَدِينِهِنَّ ثَابِتٌ لَهُنَّ فِي حَالِ الرِّوَايَةِ، كَمَا أَنَّهُ ثَابِتٌ فِي حَالِ الشَّهَادَةِ، وَلَا يُفِيدُ قَوْلُهُ لِعُمُومِ التَّكْلِيفِ فَإِنَّ عُمُومَ التَّكْلِيفِ شَامِلٌ وَلَازِمٌ فِي تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا، كَمَا أَنَّهُ شَامِلٌ وَلَازِمٌ فِي تَحَمُّلِ الرِّوَايَةِ وَأَدَائِهَا هَذَا إنْ أَرَادَ عُمُومَ التَّكْلِيفِ بِالرِّوَايَةِ نَفْسِهَا، وَإِنْ أَرَادَ عُمُومَ مُقْتَضَاهَا دُونَ مُقْتَضَى الشَّهَادَةِ فَذَلِكَ مُتَّجَهٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَا يُفِيدُهُ. قَوْلُهُ أَيْضًا: فَيَرْوِي مَعَ الْمَرْأَةِ غَيْرُهَا، فَإِنَّهُ كَمَا يَرْوِي مَعَهَا غَيْرُهَا كَذَلِكَ يَشْهَدُ مَعَهَا غَيْرُهَا، بَلْ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي الرِّوَايَةِ أَنْ يَرْوِيَ مَعَهَا غَيْرُهَا، وَلَازِمٌ فِي الشَّهَادَةِ أَنْ يَشْهَدَ مَعَهَا غَيْرُهَا، وَلَا يُفِيدُهُ أَيْضًا قَوْلُهُ لِطُولِ الزَّمَانِ، فَإِنَّ اشْتِرَاطَ طُولِ الزَّمَانِ فِي الْعَمَلِ بِالرِّوَايَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلَا أَعْلَمُهُ قَوْلًا لِأَحَدٍ، بَلْ الرِّوَايَةُ كَالشَّهَادَةِ فِي الْعَمَلِ بِمُوجَبِهَا عِنْدَ تَوَفُّرِ الشُّرُوطِ، هَذَا إنْ أَرَادَ اشْتِرَاطَ طُولِ الزَّمَانِ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي وُقُوعِ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى الرِّوَايَةِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ فَائِدَةٌ فِيمَا بَعْدُ فِي حَقِّ الْمُطَّلِعِ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَلَا يُتَّهَمُ أَحَدٌ فِي عَدَاوَةِ جَمِيعِ الْخَلْقِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الِاسْتِظْهَارِ بِالْغَيْرِ فَيَكْفِي الْوَاحِدُ) قُلْتُ: هَذَا صَحِيحٌ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ، قَالَ شِهَابُ الدِّينِ وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلِأَنَّ النُّفُوسَ الْأَبِيَّةَ تَأْبَى قَهْرَهَا بِالْعَبِيدِ الْأَدْنَى، وَيُخَفَّفُ ذَلِكَ عَلَيْهَا بِالْأَحْرَارِ وَسَرَاةِ النَّاسِ، وَلِأَنَّ الرِّقَّ يُوجِبُ الضَّغَائِنَ وَالْأَحْقَادَ بِسَبَبِ مَا فَاتَ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالِاسْتِقْلَالِ بِالْكَسْبِ وَالْمَنَافِعِ فَرُبَّمَا بَعَثَهُ ذَلِكَ عَلَى الْكَذِبِ عَلَى الْمُعَيَّنِ وَإِذَايَتِهِ، وَذَلِكَ لِلْخَلَائِقِ يُبْعِدُ الْقَصْدَ إلَيْهِ فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ قُلْت ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي هَذِهِ الثَّلَاثِ، وَأَمْثِلَتُهَا تُطْلَبُ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَنْقُولِ وَالْمُشْتَرَكِ مَعَ تَعَدُّدِ الْمَعْنَى وَالْوَضْعِ فِي كُلٍّ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ مَا وُضِعَ لِمَعْنَيَيْهِ مَثَلًا عَلَى السَّوَاءِ بِأَنْ وُضِعَ لِهَذَا كَمَا وُضِعَ لِذَاكَ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ النَّقْلِ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ، وَفِي جَوَازِ حَمْلِهِ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَيُسَمَّى مُشْتَرَكًا مُطْلَقًا وَعَدَمِ جَوَازِهِ فَلَا يُسَمَّى مُشْتَرَكًا إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَيَيْنِ مَثَلًا. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَحَدِهِمَا فَيُسَمَّى مُجْمَلًا خِلَافٌ، وَالْمَنْقُولُ مَا لَمْ يُوضَعْ لِمَعْنَيَيْهِ مَثَلًا عَلَى السَّوَاءِ بَلْ وُضِعَ أَوَّلًا لِأَحَدِهِمَا ثُمَّ نُقِلَ إلَى الْآخَرِ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا مَعَ هَجْرِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَالْمُرَادُ بِالتَّجَوُّزِ التَّجَوُّزُ الِاصْطِلَاحِيُّ الَّذِي هُوَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ إلَخْ فَلَا يَشْمَلُ الْإِضْمَارَ، وَجَعْلُ التَّخْصِيصِ مُقَابِلًا لِلتَّجَوُّزِ لَا نَوْعًا مِنْهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا اخْتَارَهُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ مِنْ أَنَّ الْعَامَّ إذَا خُصَّ يَكُونُ حَقِيقَةً فِي الْبَاقِي لَا عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ أَنَّهُ يَكُونُ مَجَازًا فِيهِ، وَإِنَّمَا تَعَرَّضُوا لِتَعَارُضِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ عَوَارِضِ اللَّفْظِ دُونَ النَّسْخِ فَإِنَّهُ مِنْ عَوَارِضِ الْحُكْمِ، وَأَيْضًا قَالَ الْعَطَّارُ عَلَى مَحَلِّي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَلَهُمْ خَمْسَةٌ أُخْرَى تُخِلُّ بِالْفَهْمِ وَهِيَ النَّسْخُ وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ وَتَغَيُّرُ الْإِعْرَابِ وَالتَّصْرِيفُ وَالْمُعَارِضُ الْعَقْلِيُّ وَاقْتَصَرَ الشَّارِحُ كَالْمُصَنِّفِ عَلَى الْخَمْسَةِ الْأُولَى لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَلِقُوَّةِ الظَّنِّ مَعَ انْتِفَائِهَا. اهـ وَمِمَّا يَعْرِضُ لَهَا أَيْضًا مِنْ كَوْنِ الْمَعَانِي الْمُتَدَاوَلَةِ الْمُتَأَدِّيَةِ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ اللَّفْظِيَّةِ إجْمَالًا، إمَّا أَمْرٌ بِشَيْءٍ فَيَكُونُ لِلْوُجُوبِ أَوْ لِلنَّدْبِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِمَّا نَهْيٌ عَنْ شَيْءٍ فَيَكُونُ لِلتَّحْرِيمِ أَوْ لِلْكَرَاهَةِ عَلَى مَا مَرَّ أَيْضًا، وَإِمَّا تَخْيِيرٌ فِيهِ وَهُوَ الْمُبَاحُ فَأَصْنَافُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُتَلَقَّاةُ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ اللَّفْظِيَّةِ خَمْسَةٌ، وَمِنْ كَوْنِ أَسْبَابِ الِاخْتِلَافِ فِي تَأْدِيَةِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْأَصْنَافِ اللَّفْظِيَّةِ سِتَّةٌ أَحَدُهَا تَرَدُّدُ الْأَلْفَاظِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ، أَيْ كَوْنُ اللَّفْظِ عَامًّا يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ أَوْ خَاصًّا يُرَادُ بِهِ الْعَامُّ، أَوْ عَامًّا يُرَادُ بِهِ الْعَامُّ أَوْ خَاصًّا يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ، أَوْ يَكُونُ لَهُ دَلِيلُ الْخِطَابِ أَوْ لَا يَكُونُ لَهُ، وَالثَّانِي الِاشْتِرَاكُ الْحَاصِلُ إمَّا فِي اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ كَالْقُرْءِ يُطْلَقُ عَلَى الْأَطْهَارِ وَالْحَيْضِ، وَالْأَمْرُ يُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ

الْخَبَرُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ رِوَايَةٌ مَحْضَةٌ كَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَشَهَادَةٌ مَحْضَةٌ كَإِخْبَارِ الشُّهُودِ عَنْ الْحُقُوقِ عَلَى الْمُعَيَّنِينَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَمُرَكَّبٌ مِنْ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ وَلَهُ صُوَرٌ أَحَدُهَا الْإِخْبَارُ عَنْ رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَخْتَصُّ بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ بَلْ عَامٌّ عَلَى جَمِيعِ الْمِصْرِ أَوْ أَهْلِ الْآفَاقِ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي كُلِّ قَوْمٍ رُؤْيَتُهُمْ أَمْ لَا فَهُوَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ رِوَايَةٌ لِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ بِمُعَيَّنٍ وَعُمُومِ الْحُكْمِ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِهَذَا الْعَامِّ دُونَ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ وَبِهَذَا الْقَرْنِ مِنْ النَّاسِ دُونَ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ وَالْآتِيَةِ صَارَ فِيهِ خُصُوصٌ وَعَدَمُ عُمُومٍ فَأَشْبَهَ الشَّهَادَةَ. وَحَصَلَ الشَّبَهَانِ فَجَرَى الْخِلَافُ وَأَمْكَنَ تَرْجِيحُ أَحَدِ الشَّبَهَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَاتَّجَهَ الْفِقْهُ فِي الْمَذْهَبَيْنِ فَإِنْ عَضَّدَ أَحَدَ الشَّبَهَيْنِ حَدِيثٌ أَوْ قِيَاسٌ تَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَثَانِيهَا الْقَائِفُ فِي إثْبَاتِ الْأَنْسَابِ بِالْخَلْقِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ أَمْ لَا قَوْلَانِ لِحُصُولِ الشَّبَهَيْنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يُخْبِرُ أَنَّ زَيْدًا ابْنُ عُمَرَ وَلَيْسَ ابْنَ خَالِدٍ وَهُوَ حُكْمٌ جَرَى عَلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ فَأَشْبَهَ الشَّهَادَةَ فَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَائِفَ مُنْتَصِبٌ انْتِصَابًا عَامًّا لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ أَشْبَهَ الرِّوَايَةَ فَيَكْفِي الْوَاحِدُ غَيْرَ أَنَّ شَبَهَ الشَّهَادَةِ هُنَا أَقْوَى لِلْقَضَاءِ عَلَى الْمُعَيَّنِ وَتَوَقُّعِ الْعَدَاوَةِ وَالتُّهْمَةِ فِي الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ، وَكَوْنُهُ مُنْتَصِبًا انْتِصَابًا عَامًّا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ مُنْتَصِبٌ لِكُلِّ مَنْ تَتَعَيَّنُ ـــــــــــــــــــــــــــــSكَلَامُهُ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ مُسْتَقِلٌّ بِالتَّعْلِيلِ كَمَا فِي الْمَرْأَةِ بَلْ أَوْلَى، وَالثَّانِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيلًا مُسْتَقِلًّا أَيْضًا لِعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْعَبْدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ مِنْ جِهَةِ أَنَّ احْتِمَالَ الْعَدَاوَةِ لَمْ يَثْبُتْ عِلَّةً فِي عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ فِي الْحُرِّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فَرْقًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِي الْحُرِّ مُجَرَّدَ احْتِمَالِ الْعَدَاوَةِ وَفِي الْعَبْدِ تَحَقَّقَ سَبَبُ الْعَدَاوَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْخَبَرُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ إلَى قَوْلِهِ وَلَهُ صُوَرٌ أَحَدُهَا: الْإِخْبَارُ عَنْ رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ، ثُمَّ قَالَ مَا مَعْنَاهُ إنَّهُ رِوَايَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِمُعَيَّنٍ، وَشَهَادَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِهَذَا الْعَامِ وَبِهَذَا الْقَرْنِ) قُلْتُ أَمَّا قَوْلُهُ إنَّهُ رِوَايَةٌ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الرِّوَايَةِ فِي الِاكْتِفَاءِ فِيهِ بِالْوَاحِدِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ فَصَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ رِوَايَةٌ حَقِيقَةً فَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَرَّرْ ذَلِكَ فِي إطْلَاقِ أَحَدٍ فِيمَا عَلِمْتُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّهُ شَهَادَةٌ فَإِنْ أَرَادَ أَيْضًا أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الشَّهَادَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ شَهَادَةٌ حَقِيقَةً فَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ لَفْظَ الشَّهَادَةِ إنَّمَا يُطْلَقُ حَقِيقَةً فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمٌ وَفَصْلُ قَضَاءٍ قُلْت وَاَلَّذِي يَقْوَى فِي النَّظَرِ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْهِلَالِ حُكْمُهَا حُكْمُ الرِّوَايَةِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْوَاحِدِ، وَلَيْسَتْ رِوَايَةً حَقِيقَةً وَلَا شَهَادَةً أَيْضًا، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَبَرِ، وَهُوَ الْخَبَرُ عَنْ وُجُودِ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ مِنْ الِاحْتِمَالِ الْمُوجِبِ لِلْعَدَاوَةِ مَا يَتَطَرَّقُ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ الدُّنْيَوِيِّ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَثَانِيهَا الْقَائِفُ فِيهِ قَوْلَانِ) قُلْتُ ذَكَرَ فِيهِ شِبْهَ الشَّهَادَةِ وَلَا خَفَاءَ عَلَى مَا تَقَرَّرَ قَبْلُ فِي أَنَّهُ مِنْ نَوْعِ الشَّهَادَةِ، وَذَكَرَ شِبْهَ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَذَكَرَ السُّؤَالَ الَّذِي أَوْرَدَهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَذَكَرَ الْجَوَابَ عَنْهُ وَهُوَ صَحِيحٌ لَا رَيْبَ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالنَّهْيُ يُحْمَلُ عَلَى التَّحْرِيمِ أَوْ الْكَرَاهَةِ. وَأَمَّا فِي اللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [البقرة: 160] يُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْفَاسِقِ فَقَطْ أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى الشَّاهِدِ مَعًا فَتَكُونُ التَّوْبَةُ رَافِعَةً لِلْفِسْقِ وَمُجِيزَةً لِشَهَادَةِ الْقَاذِفِ، وَالثَّالِثُ اخْتِلَافُ الْإِعْرَابِ، وَالرَّابِعُ تَرَدُّدُ اللَّفْظِ بَيْنَ حَمْلِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ عَلَى نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ الَّتِي هِيَ إمَّا الْحَذْفُ وَإِمَّا الزِّيَادَةُ وَإِمَّا التَّأْخِيرُ وَإِمَّا التَّقْدِيمُ وَإِمَّا تَرَدُّدُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْ الِاسْتِعَارَةِ، وَالْخَامِسُ إطْلَاقُ اللَّفْظِ تَارَةً وَتَقْيِيدُهُ تَارَةً مِثْلُ إطْلَاقِ الرَّقَبَةِ فِي الْعِتْقِ تَارَةً وَتَقْيِيدُهَا بِالْإِيمَانِ تَارَةً، وَالسَّادِسُ التَّعَارُضُ فِي الشَّيْئَيْنِ فِي جَمِيعِ أَصْنَافِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَتَلَقَّى مِنْهَا الشَّرْعُ الْأَحْكَامَ بَعْضَهَا مَعَ بَعْضٍ وَمِنْ كَوْنِ هَذِهِ الصِّيغَةِ الْخَاصَّةِ لِلْعُمُومِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذَا النَّمَطِ أَيْ عَنْ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ الَّتِي طَرِيقُهَا اللَّفْظُ الْعَرَبِيُّ خَاصَّةً إلَّا كَوْنَ الْقِيَاسِ حُجَّةً فِيمَا سَكَتَ عَنْهُ الشَّارِعُ مِنْ الْأَحْكَامِ كَمَا لِلْجُمْهُورِ. وَيَشْهَدُ لِثُبُوتِهِ دَلِيلُ الْعَقْلِ، وَهُوَ أَنَّ الْوَقَائِعَ بَيْنَ أَشْخَاصِ الْأَنَاسِيِّ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، وَالنُّصُوصُ وَالْأَفْعَالُ وَالْإِقْرَارَاتُ مُتَنَاهِيَةٌ وَمُحَالٌ أَنْ يُقَابَلَ مَا لَا يَتَنَاهَى بِمَا يَتَنَاهَى فَسَقَطَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ: الْقِيَاسُ فِي الشَّرْعِ بَاطِلٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ الشَّارِعُ فَلَا حُكْمَ لَهُ، وَكَوْنُ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ إلْحَاقُ الْحُكْمِ الْوَاجِبِ لِشَيْءٍ مَا بِالشَّرْعِ بِالشَّيْءِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ لِشَبَهِهِ بِالشَّيْءِ الَّذِي أَوْجَبَ الشَّرْعُ لَهُ ذَلِكَ الْحُكْمَ، أَوْ لِعِلَّةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَهُمَا فَهُوَ نَوْعَانِ قِيَاسُ شَبَهٍ وَقِيَاسُ عِلَّةٍ، وَكَوْنُهُ وَإِنْ شَارَكَ اللَّفْظَ الْخَاصَّ يُرَادُ بِهِ الْعَامُّ فِي إلْحَاقِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِالْمَنْطُوقِ بِهِ يُفَارِقُهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْإِلْحَاقَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الشَّبَهِ الَّذِي بَيْنَهُمَا لَا مِنْ جِهَةِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ، وَفِي الْخَاصِّ يُرَادُ بِهِ الْعَامُّ مِنْ جِهَةِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ، وَكَوْنُ تَعَارُضِهَا فِي أَنْفُسِهَا وَتَعَارُضِهَا مَعَ الطُّرُقِ الثَّلَاثِ أَعْنِي مُعَارَضَةَ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ أَوْ الْإِقْرَارِ لِلْقِيَاسِ تَكُونُ سَبَبًا لِلِاخْتِلَافِ فِي تَأْدِيَةِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ الْأَرْبَعِ. وَكَوْنُ خَبَرِ الْوَاحِدِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ إلَّا إذَا اُشْتُهِرَ بِعَمَلٍ عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُ اشْتِهَارَ الْعَمَلِ فِيمَا نُقِلَ مِنْ طَرِيقِ الْآحَادِ وَبِخَاصَّةٍ فِي الْمَدِينَةِ كَمَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِ

عَلَيْهِ شَهَادَةٌ يُؤَدِّيهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَهَذَا الشَّبَهُ ضَعِيفٌ فَإِنْ قُلْت: الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاهِدِ أَنَّ الْقَائِفَ يَخْتَصُّ بِقَبِيلَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَهُمْ بَنُو مُدْلِجٍ فَيُنَصِّبُ الْحَاكِمُ مِنْهُمْ مَنْ يَرَاهُ أَهْلًا لِذَلِكَ فَدُخُولُ نَصْبِ الْحَاكِمِ لِذَلِكَ وَاجْتِهَادِهِ وَتَوَسُّطِ نَظَرِهِ يُبْعِدُ احْتِمَالَ الْعَدَاوَةِ وَيُخَفِّفُ الضَّغِينَةَ فِي قَلْبِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ فَإِنَّ مَنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ شَهَادَةٌ أَدَّاهَا وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَيَأْتِي مَنْ يُزَكِّيهِ وَيُنَفِّذُ الْحُكْمَ وَلَا يَتَوَسَّطُ نَظَرُ الْحَاكِمِ فَتَقْوَى دَاعِيَةُ الْعَدَاوَةِ وَتَنْفِرُ النُّفُوسُ مِنْ سَلْطَنَةِ الْمُخْبِرِ عَلَيْهَا بِالْإِلْزَامِ قُلْت هُوَ فَرْقٌ حَسَنٌ وَهُوَ الْمُسْتَنَدُ لِمُعْتَقِدِي تَرْجِيحَ شِبْهِ الرِّوَايَةِ غَيْرَ أَنَّ الْفَرْقَ قَدْ رَجَّحَ فِي النَّفْسِ إضَافَةَ الْحُكْمِ إلَى الْمُشْتَرَكِ دُونَهُ لِقُوَّتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَائِفَ قَدْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ نَصْبِ الْإِمَامِ لِذَلِكَ الشَّخْصِ كَمَا «قَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ» وَلَمْ يُنْقَلْ لَنَا أَنَّهُ نَصَّبَهُ لِذَلِكَ، وَلَوْ وُجِدَ مِنْ النَّاسِ أَوْ مِنْ الْقَبَائِلِ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ مَنْ يُودِعُهُ اللَّهُ تَعَالَى تِلْكَ الْخَاصِّيَّةَ الَّتِي أَوْدَعَهَا فِي بَنِي مُدْلِجٍ قُبِلَ قَوْلُهُ أَيْضًا فَعَلِمْنَا أَنَّ عِنْدَ كَثْرَةِ الْبَحْثِ وَالْكَشْفِ تَقْوَى شَائِبَةُ الشَّهَادَةِ، وَهَذَا الْبَحْثُ كُلُّهُ وَهَذَا التَّرْجِيحُ إنَّمَا تَمَكَّنَّا مِنْهُ عِنْدَ مَعْرِفَتِنَا بِحَقِيقَةِ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ مِنْ حَيْثُ هُمَا وَلَوْ لَمْ يَحْصُل كَلَامُ الْمَازِرِيِّ صَعُبَ عَلَيْنَا ذَلِكَ، وَانْسَدَّ الْبَابُ وَانْحَسَمَ الْفِقْهُ وَرَجَعْنَا إلَى التَّقْلِيدِ الصِّرْفِ الَّذِي لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ وَثَالِثُهَا الْمُتَرْجِمُ لِلْفَتَاوَى وَالْخُطُوطِ. قَالَ مَالِكٌ: يَكْفِي الْوَاحِدُ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ حُصُولُ الشَّبَهَيْنِ أَمَّا شَبَهُ الرِّوَايَةِ فَلِأَنَّهُ نُصِبَ نَصْبًا عَامًّا لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَخْتَصُّ نَصْبُهُ بِمُعَيَّنٍ. وَأَمَّا شَبَهُ الشَّهَادَةِ فَلِأَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ مُعَيَّنٍ مِنْ الْفَتَاوَى وَالْخُطُوطِ لَا يَتَعَدَّى إخْبَارُهُ ذَلِكَ الْخَطَّ الْمُعَيَّنَ أَوْ الْكَلَامَ الْمُعَيَّنَ وَيَأْتِي السُّؤَالُ بِالْفَارِقِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْبَحْثِ بِعَيْنِهِ فِي الْقَائِفِ، وَرَابِعُهَا الْمُقَوِّمُ لِلسِّلَعِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَالسَّرِقَاتِ وَالْغُصُوبِ وَغَيْرِهَا. قَالَ مَالِكٌ يَكْفِي الْوَاحِدُ فِي التَّقْوِيمِ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْقِيَمِ حَدٌّ كَالسَّرِقَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَرُوِيَ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ حُصُولُ ثَلَاثَةِ أَشْبَاهٍ: شَبَهُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ لِمُعَيَّنٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَشَبَهُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُقَوِّمَ مُتَصَدٍّ لِمَا لَا يَتَنَاهَى كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُتَرْجِمِ وَالْقَائِفِ وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَثَالِثُهَا الْمُتَرْجِمُ) قُلْتُ لَمْ يُحَرَّرْ الْكَلَامُ فِي هَذَا الضَّرْبِ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْقَوْلَ فِيهِ، وَالصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ أَنَّ التَّرْجَمَةَ تَابِعَةٌ لِمَا هِيَ تَرْجَمَةٌ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ نَوْعِ الرِّوَايَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ نَوْعِ الشَّهَادَةِ، فَكَذَلِكَ وَهَذَا وَاضِحٌ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَرَّرَ قَبْلُ، وَمَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ شِبْهِ الرِّوَايَةِ لِنَصْبِهِ نَصْبًا عَامًّا فَضَعِيفٌ، وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ شِبْهِ الشَّهَادَةِ بِكَوْنِهِ يُخْبِرُ عَنْ مُعَيَّنٍ مِنْ الْفَتَاوَى وَالْخُطُوطِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ وُرُودِ السُّؤَالِ وَالْبَحْثِ فِيهِ كَمَا فِي الْقَائِفِ صَحِيحٌ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَرَابِعُهَا الْمُقَوِّمُ) ذَكَرَ فِيهِ شِبْهَ الرِّوَايَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَ وَشِبْهَ الْحُكْمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ نَوْعِ الشَّهَادَةِ لِتَرَتُّبِ فَصْلِ الْقَضَاءِ بِإِلْزَامِ ذَلِكَ الْقَدْرِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الْعِوَضِ عَلَيْهِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كَوْنِ الْخِلَافِ فِي كَوْنِهِ رِوَايَةً أَوْ شَهَادَةً فَشُبْهَةٌ يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ ضَعِيفٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ سَارِقًا ثَبَتَتْ سَرِقَتُهُ لِمَا قَوَّمَهُ عَدْلَانِ عَارِفَانِ بِرُبْعِ دِينَارٍ، فَلَا شَكَّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي مِثْلِ هَذَا الْفَرْضِ مُرْتَفِعٌ، وَالْحَدَّ لَازِمٌ مَعَ أَنَّ احْتِمَالَ كَوْنِ الْمُقَوِّمِ كَالرَّاوِي ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكٍ وَبَيَانِ صِفَاتِ الْمُجْتَهِدِينَ. وَأَمَّا طَرِيقَا الْفِعْلِ وَالْإِقْرَارَاتِ فَلَا يَنْشَأُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَنْ الْفِعْلِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ مِنْ الطُّرُقِ الَّتِي تُتَلَقَّى مِنْهَا الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ، وَمِنْ حَيْثُ الْخِلَافُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ هَلْ الْوُجُوبُ أَوْ النَّدْبُ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ إنْ أَتَى بَيَانًا لِمُجْمَلٍ وَاجِبٍ دَلَّ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ لِمُجْمَلٍ مَنْدُوبٍ دَلَّ عَلَى النَّدْبِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بَيَانًا لِمُجْمَلٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْقُرْبَةِ دَلَّ عَلَى النَّدْبِ أَوْ مِنْ جِنْسِ الْمُبَاحَاتِ دَلَّ عَلَى الْإِبَاحَةِ. وَالْبَحْثُ عَنْ الْإِقْرَارَاتِ فِيهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ وَمِنْ حَيْثُ إنَّ مُعَارَضَةَ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ لَهُ كَمُعَارَضَتِهِ لِلْقِيَاسِ، وَمُعَارَضَةُ الْقَوْلِ لِلْفِعْلِ تَكُونُ سَبَبًا لِلِاخْتِلَافِ فِي تَأْدِيَةِ الْأَحْكَامِ مِنْ الطُّرُقِ الْأَرْبَعِ الْمَذْكُورَةِ لِتَلَقِّيهَا عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَلَا يَكُونُ إلَّا مُسْتَنِدًا لِأَحَدِ هَذِهِ الطُّرُقِ الْأَرْبَعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَصْلًا مُسْتَقِلًّا لَاقْتَضَى إثْبَاتَ شَرْعٍ زَائِدٍ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ وَعَبْدِ السَّلَامِ وَالْأَمِيرِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ وَرِسَالَةِ الصَّبَّانِ الْبَيَانِيَّةِ وَالْأُنْبَابِيُّ عَلَيْهَا. (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) : قَوَاعِدُ كُلِّيَّةٌ فِقْهِيَّةٌ جَلِيلَةٌ كَثِيرَةُ الْعَدَدِ عَظِيمَةُ الْمَدَدِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَسْرَارِ الشَّرْعِ وَحِكَمِهِ، لِكُلِّ قَاعِدَةٍ مِنْ الْفُرُوعِ مَا لَا يُحْصَى وَلَمْ يُذْكَرْ شَيْءٌ مِنْهَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ، وَإِنَّمَا أَتَّفَقَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ هُنَالِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ، وَقَدْ وَضَعَ الْمُحَقِّقُونَ لِتَفْصِيلِهِ كُتُبَ الْقَوَاعِدِ مُهْتَمِّينَ بِتَحْصِيلِهِ اهْتِمَامَهُمْ بِتَحْصِيلِ الْأُصُولِ بَلْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ مُهِمَّةٌ عَظِيمَةُ النَّفْعِ فِي الْفِقْهِ بِقَدْرِ الْإِحَاطَةِ بِهَا يَعْظُمُ قَدْرُ الْفَقِيهِ، وَيَظْهَرُ رَوْنَقُ الْفِقْهِ بِلَا تَمْوِيهٍ وَتَتَّضِحُ مَنَاهِجُ الْفَتَاوَى وَتَنْكَشِفُ، وَيَحُوزُ قَصَبَ السَّبَقِ مَنْ بِالْبَرَاعَةِ فِيهَا يَتَّصِفُ نَعَمْ فِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيّ عَلَى شَرْحِ عبق عَلَى خَلِيلٍ أَنَّ صَاحِبَ الدِّيبَاجِ عِنْدَ تَرْجَمَةِ ابْنِ بَشِيرِ بْنِ الطَّاهِرِ إبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْد الصَّمَدِ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَكَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

[الفرق بين الشهادة والرواية]

الشَّاهِدَ كَذَلِكَ وَشَبَهُ الْحَاكِمِ لِأَنَّ حُكْمَهُ يَنْفُذُ فِي الْقِيمَةِ، وَالْحَاكِمُ يُنَفِّذُهُ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ شَبَهِ الرِّوَايَةِ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِإِخْبَارِهِ حَدٌّ تَعَيَّنَ مُرَاعَاةُ الشَّهَادَةِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا قُوَّةُ مَا يُفْضِي إلَيْهِ هَذَا الْإِخْبَارُ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ مِنْ إبَاحَةِ عُضْوِ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ، وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْخِلَافَ فِي كَوْنِهِ رِوَايَةً أَوْ شَهَادَةً شُبْهَةٌ يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ، وَخَامِسُهَا الْقَاسِمُ قَالَ مَالِكٌ يَكْفِي الْوَاحِدُ وَالْأَحْسَنُ اثْنَانِ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ شَبَهُ الْحُكْمِ أَوْ الرِّوَايَةِ أَوْ الشَّهَادَةِ وَالْأَظْهَرُ شَبَهُ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ اسْتَنَابَهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا وَسَادِسُهَا إذَا أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِعَدَدِ مَا صَلَّى هَلْ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْوَاحِدِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَشَبَهُ الْحَاكِمِ هُنَا مُنْتَفٍ فَإِنَّ قَضَايَا الْحَاكِمِ لَا تَدْخُلُ فِي الْعِبَادَاتِ بَلْ شَبَهُ الرِّوَايَةِ أَوْ الشَّهَادَةِ. أَمَّا الرِّوَايَةُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُخْبِرْهُ عَنْ إلْزَامِ حُكْمٍ لِمَخْلُوقٍ عَلَيْهِ بَلْ الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى فَأَشْبَهَ إخْبَارَهُ عَنْ السُّنَنِ وَالشَّرَائِعِ، وَأَمَّا شَبَهُ الشَّهَادَةِ فَلِأَنَّهُ إلْزَامٌ لِمُعَيَّنٍ لَا يَتَعَدَّاهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَسَابِعُهَا أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ الْقَوْلَ فِي الْمُخْبِرِ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ، وَكَذَلِكَ الْخَارِصُ وَقَالَ مَالِكٌ يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاسِمِ بَيْنَ اثْنَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَيُقَلَّدُ الْمُؤَذِّنُ الْوَاحِدُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ الْوَقْتِ، وَكَذَلِكَ الْمَلَّاحُ وَمَنْ صِنَاعَتُهُ فِي الصَّحْرَاءِ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ الْقِبْلَةِ إذَا كَانَ عَدْلًا يَغْلِبُ فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ شَبَهُ الرِّوَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSأَوْ كَالشَّاهِدِ فِي هَذَا الْفَرْضِ قَائِمٌ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَخَامِسُهَا الْقَاسِمُ) وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ مَنْشَأَ الْخِلَافِ شِبْهُ الْحُكْمِ أَوْ الرِّوَايَةِ قُلْت: لَيْسَ ذَلِكَ عِنْدِي بِصَحِيحٍ بَلْ مَنْشَأُ الْخِلَافِ شِبْهُ الْحُكْمِ أَوْ التَّقْوِيمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مِنْ نَوْعِ الشَّهَادَةِ فَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّ الْقَسْمَ مِنْ نَوْعِ الْحُكْمِ اكْتَفَى بِالْوَاحِدِ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ مِنْ نَوْعِ التَّقْوِيمِ وَبَنَى عَلَى الْأَصَحِّ اشْتَرَطَ الْعَدَدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَسَادِسُهَا مُخْبِرُ الْمُصَلِّي بِعَدَدِ مَا صَلَّى) قُلْت ذَكَرَ أَنَّ شِبْهَ الْحُكْمِ فِيهِ مُنْتَفٍ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَذَكَرَ شِبْهَ الرِّوَايَةِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَذَكَرَ شِبْهَ الشَّهَادَةِ وَقَالَ إنَّهُ الْأَظْهَرُ، وَلَيْسَ مَا قَالَهُ بِصَحِيحٍ بَلْ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَوْعِ الرِّوَايَةِ وَلَا مِنْ نَوْعِ الشَّهَادَةِ، وَلَكِنَّهُ مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْخَبَرِ وَشَبَهُهُ بِالرِّوَايَةِ ظَاهِرٌ غَيْرَ أَنَّهُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا كُلِّفَ بِهِ إلَّا بِيَقِينٍ فَلَا يَكْفِي الْوَاحِدُ إلَّا مَعَ قَرَائِنَ تُوجِبُ الْقَطْعَ، وَكَذَلِكَ فِي الِاثْنَيْنِ وَمَا فَوْقَهُمَا، وَنَقُولُ طَلَبُ الْيَقِينِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ مِمَّا يَشُقُّ وَيُحْرِجُ، وَالْحَرَجُ مَرْفُوعٌ شَرْعًا وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَسَابِعُهَا الْمُخْبِرُ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ، وَالْخَارِصُ وَذَكَرَ إطْلَاقَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِمَا الْوَاحِدُ، قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاسِمِ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُقْبَلُ) قُلْتُ قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي الْقَاسِمِ، وَأَمَّا الْمُخْبِرِ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَالْخَارِصُ فَالْأَوْلَى الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْخَارِصَ فِي مَعْنَى الْقَاسِمِ، وَالْمُخْبِرَ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ فِي مَعْنَى مُخْبِرِ الْمُصَلِّي. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (أَوْ يُقَلِّدُ الْمُؤَذِّنَ الْوَاحِدَ وَالْمَلَّاحَ وَمَنْ صِنَاعَتُهُ فِي الصَّحْرَاءِ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ الْقِبْلَةِ يَغْلِبُ فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ شِبْهُ الرِّوَايَةِ) قُلْتُ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يَغْلِبُ فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ شِبْهُ الرِّوَايَةِ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْمُخْبِرِ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَالْخَارِصِ وَبَيْنَ الْمُؤَذِّنِ وَالْمُخْبِرِ عَنْ الْقِبْلَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَأَمَّا الْأَخِيرَانِ فَشَبَهُ الرِّوَايَةِ فِيهِمَا ظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شِهَابُ الدِّينِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَسْتَنْبِطُ أَحْكَامَ الْفُرُوعِ مِنْ قَوَاعِدِ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَعَلَى هَذَا مَشَى فِي كِتَابَةِ التَّنْبِيهِ وَهِيَ طَرِيقَةٌ نَبَّهَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُخَلِّصَةٍ، وَالْفُرُوعُ لَا يَطَّرِدُ تَخْرِيجُهَا عَلَى الْقَوَاعِدِ الْأَصْلِيَّةِ اهـ بِلَفْظِهِ فَتَنَبَّهْ. (الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ) الْغَالِبُ اسْتِعْمَالُ الْعَرَبِ فَرَقَ بِالتَّخْفِيفِ فِي الْمَعَانِي وَفَرَّقَ بِالتَّشْدِيدِ فِي الْأَجْسَامِ نَظَرًا لِكَوْنِ كَثْرَةِ الْحُرُوفِ عِنْدَهُمْ تَقْتَضِي كَثْرَةَ الْمَعْنَى أَوْ زِيَادَتَهُ أَوْ قُوَّتَهُ غَالِبًا، وَالْمَعَانِي لَطِيفَةٌ يُنَاسِبُهَا التَّخْفِيفُ، وَالْأَجْسَامُ كَثِيفَةٌ يُنَاسِبُهَا التَّشْدِيدُ فَمِنْ الْغَالِبِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] وقَوْله تَعَالَى {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: 102] وقَوْله تَعَالَى {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1] وَلَا تَكَادُ تَسْمَعُ مِنْ الْفُقَهَاءِ إلَّا قَوْلَهُمْ مَا الْفَارِقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَا يَقُولُونَ مَا الْمُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِالتَّشْدِيدِ وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ قَوْله تَعَالَى {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 25] وقَوْله تَعَالَى {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} [البقرة: 50] فَخَفَّفَ فِي الْأَجْسَامِ وَكَثِيرًا مَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ فِي الْأَفْعَالِ دُونَ اسْمِ الْفَاعِلِ: فَرِّقْ لِي بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَا يَقُولُونَ أَفْرِقْ لِي بَيْنَهُمَا، وَيَقُولُونَ بِأَيِّ شَيْءٍ نُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِالتَّشْدِيدِ، وَلَا يَقُولُونَ بِأَيِّ شَيْءٍ نَفْرُقُ بَيْنَهُمَا بِالتَّخْفِيفِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ] (الْفَرْقُ الْأَوَّلُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ) بِبَيَانِ مَعْنَاهُمَا أَمَّا لُغَةً فَالشَّهَادَةُ مَصْدَرُ شَهِدَ وَلِشَهِدَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ: أَحَدُهَا حَضَرَ يُقَالُ شَهِدَ بَدْرًا وَشَهِدْنَا صَلَاةَ الْعِيدِ، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] مَنْ حَضَرَ مِنْكُمْ الْمِصْرَ فِي الشَّهْرِ فَلْيَصُمْهُ أَوْ مَنْ حَضَرَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فِي الْمِصْرِ فَلْيَصُمْهُ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَا يَلْزَمُ الْمُسَافِرَ، فَالْمَقْصُودُ إنَّمَا هُوَ الْمُقِيمُ الْحَاضِرُ وَثَانِيهَا أَخْبَرَ، يُقَالُ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَيْ أَخْبَرَ فِيمَا يَعْتَقِدُهُ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَثَالِثُهَا عَلِمَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة: 6] أَيْ عَلِيمٌ وَوَقَعَ التَّرَدُّدُ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ فِي كَوْنِ شَهِدَ فِي قَوْله تَعَالَى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18] بِمَعْنَى عَلِمَ لِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ذَلِكَ أَوْ بِمَعْنَى أَخْبَرَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عِبَادَهُ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْأَمْرَيْنِ، وَالرِّوَايَةُ مَصْدَرُ رَوَى

أَمَّا الْمُخْبِرُ عَنْ النَّجَاسَةِ فَلِشَبَهِهِ بِالْمُفْتِي وَالْمُفْتِي لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ خِلَافًا أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ؛ لِأَنَّهُ نَاقِلٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى لِخَلْقِهِ كَالرَّاوِي لِلسُّنَّةِ، وَلِأَنَّهُ وَارِثٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْفِي وَحْدَهُ وَكَذَلِكَ وَارِثُهُ فَالْمُخْبِرُ عَنْ النَّجَاسَةِ أَوْ الصَّلَاةِ كَذَلِكَ مُبَلِّغٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ أَنَّ هَاهُنَا فَرْقًا وَهُوَ أَنَّ الْمُفْتِيَ لَا يُخْبِرُ عَنْ وُقُوعِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ بَلْ عَنْ الْحُكْمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ حُكْمُ الَّذِي يَعُمُّ الْخَلَائِقَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالْمُخْبِرُ عَنْ النَّجَاسَةِ أَوْ الصَّلَاةِ مُخْبِرٌ عَنْ وُقُوعِ سَبَبٍ جُزْئِيٍّ فِي شَخْصٍ جُزْئِيٍّ. وَهَذَا شَبَهٌ شَدِيدٌ بِالشَّهَادَةِ أَمْكَنَ مُلَاحَظَتُهُ، وَكَذَلِكَ الْخَارِصُ إنْ جُعِلَ حَاكِمًا يُتَّجَهُ لَا رَاوِيًا، وَالْحَاكِمُ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِيهِ وَفِي السَّاعِي أَنَّ تَصَرُّفَهُمَا تَصَرُّفُ الْحَاكِمِ، وَالْقَاسِمُ أَيْضًا كَذَلِكَ إنْ اسْتَنَابَهُ الْحَاكِمُ فَشَائِبَةُ الْحَاكِمِ ظَاهِرَةٌ وَإِنْ انْتَدَبَهُ الشَّرِيكَانِ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مِنْ بَابِ التَّحْكِيمِ وَالْمُؤَذِّنُ مُخْبِرٌ عَنْ وُقُوعِ السَّبَبِ، وَهُوَ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهَا أَسْبَابُهَا فَأَشْبَهَ الْمُخْبِرَ عَنْ وُقُوعِ سَبَبِ الْمِلْكِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَارَقَ الْمُفْتِيَ. وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ إلَّا اثْنَانِ، وَيَغْلِبُ شَائِبَةُ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهَا إخْبَارٌ عَنْ سَبَبٍ جُزْئِيٍّ فِي وَقْتٍ جُزْئِيٍّ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَرَهُ مُشْتَرَطًا ـــــــــــــــــــــــــــــS (أَمَّا الْمُخْبِرُ عَنْ النَّجَاسَةِ فَلِشَبَهِهِ بِالْمُفْتِي إلَى قَوْلِهِ: وَكَذَلِكَ وَارِثُهُ) قُلْت مَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ ظَاهِرٌ صَحِيحٌ غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ شَبَهِ الْمُخْبِرِ عَنْ النَّجَاسَةِ بِالْمُفْتِي، وَقَدْ عَطَفَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى ذِكْرِ الْفَرْقِ فَقَالَ غَيْرَ أَنَّ هَاهُنَا فَرْقًا، وَهُوَ أَنَّ الْمُفْتِيَ لَا يُخْبِرُ عَنْ وُقُوعِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ بَلْ عَنْ الْحُكْمِ، وَالْمُخْبِرُ عَنْ النَّجَاسَةِ أَوْ الصَّلَاةِ مُخْبِرٌ عَنْ وُقُوعِ سَبَبٍ جُزْئِيٍّ فِي شَخْصٍ جُزْئِيٍّ، وَهَذَا شَبَهٌ شَدِيدٌ بِالشَّهَادَةِ أَمْكَنَ مُلَاحَظَتُهُ قُلْت إضْرَابُهُ عَنْ مُرَاعَاةِ قَيْدِ فَصْلِ الْقَضَاءِ فِي الشَّهَادَةِ أَوْقَعَهُ فِي اعْتِقَادِ قُوَّةِ الشَّبَهِ هُنَا بِالشَّهَادَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مُخْبِرِ الْمُصَلِّي أَنَّ الْأَظْهَرَ شَبَهُ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ مَا اخْتَارَهُ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (وَكَذَلِكَ الْخَارِصُ إنْ جُعِلَ حَاكِمًا يَتَّجِهُ لَا رَاوِيًا، وَالْحَاكِمُ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِيهِ وَفِي السَّاعِي أَنَّ تَصَرُّفَهُمَا تَصَرُّفُ الْحَاكِمِ وَالْقَاسِمِ أَيْضًا كَذَلِكَ إنْ اسْتَنَابَهُ الْحَاكِمُ فَشَائِبَةُ الْحَاكِمِ ظَاهِرَةٌ وَإِنْ انْتَدَبَهُ الشَّرِيكَانِ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مِنْ بَابِ التَّحْكِيمِ) قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ الْقَسْمَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَوْعِ الْحُكْمِ وَمِنْ نَوْعِ التَّقْوِيمِ، وَالْخَرْصُ فِي مَعْنَاهُ وَأَمَّا السَّاعِي فَهُوَ فِي مَعْنَى الْحَاكِمِ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَالْمُؤَذِّنُ مُخْبِرٌ عَنْ وُقُوعِ السَّبَبِ وَهُوَ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهَا أَسْبَابُهَا فَأَشْبَهَ الْمُخْبِرَ عَنْ وُقُوعِ سَبَبِ الْمِلْكِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَارَقَ الْمُفْتِيَ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ إلَّا اثْنَانِ، وَيَغْلِبُ شَائِبَةُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا إخْبَارٌ عَنْ سَبَبٍ جُزْئِيٍّ فِي وَقْتٍ جُزْئِيٍّ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَرَهُ مُشْتَرَطًا) قُلْت إضْرَابُهُ عَنْ مُرَاعَاةِ قَيْدِ فَصْلِ الْقَضَاءِ حَمَلَهُ عَلَى تَسْوِيَتِهِ بَيْنَ الْخَبَرِ عَنْ وُقُوعِ سَبَبِ الصَّلَاةِ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَبَيْنَ الْخَبَرِ عَنْ وُقُوعِ سَبَبِ الْبَيْعِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَلَا خَفَاءَ بِالْفَرْقِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ مِنْ احْتِمَالِ قَصْدِ الْعَدُوِّ إلْزَامَ عَدُوِّهِ مَا لَا يَلْزَمُهُ وَالتَّشَفِّي مِنْهُ بِذَلِكَ مَا يَتَطَرَّقُ إلَى الثَّانِي، فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَوَّلَ فِي مَعْنَى الرِّوَايَةِ، وَالثَّانِيَ مِنْ نَوْعِ الشَّهَادَةِ. قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَعْنَى حَمَلَ وَتَحَمَّلَ فَرَاوِي الْحَدِيثِ حَمَلَهُ وَتَحَمَّلَهُ عَنْ شَيْخِهِ، فَلِذَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ إنَّ إطْلَاقَ الرَّاوِيَةِ عَلَى الْمَزَادَةِ الَّتِي يُحْمَلُ فِيهَا الْمَاءُ عَلَى الْجَمَلِ مَجَازٌ مُرْسَلٌ لِعَلَاقَةِ الْمُجَاوَرَةِ؛ لِأَنَّ الرَّاوِيَةَ بِهَاءِ الْمُبَالَغَةِ اسْمٌ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ لِلْبَعِيرِ الَّذِي كَثُرَ حَمْلُ الْمَاءِ عَلَيْهِ فَفِي الْمِصْبَاحِ رَوَى الْبَعِيرُ الْمَاءَ يَرْوِيهِ مِنْ بَابِ رَمَى حَمَلَهُ فَهُوَ رَاوِيَةٌ الْهَاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ، ثُمَّ أُطْلِقَتْ الرَّاوِيَةُ عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ يُسْتَقَى الْمَاءُ عَلَيْهَا اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِكَوْنِ رَاوِيَةٍ إنَّمَا يَأْتِي مِنْ الثُّلَاثِيِّ قُلْت: وَفِي حَاشِيَةِ الْأُنْبَابِيِّ عَلَى بَيَانِيَّةِ الصَّبَّانِ، وَمُفَادُ قَوْلِ ابْنِ سِيدَهْ الرَّاوِيَةُ الْمَزَادُ فِيهَا الْمَاءُ، وَيُسَمَّى الْبَعِيرُ رَاوِيَةً عَلَى تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ الشَّيْءِ لِقُرْبِهِ مِنْهُ اهـ. إنَّ الرَّاوِيَةَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَزَادَةِ مَجَازٌ فِي الْبَعِيرِ لِعَلَاقَةِ الْمُجَاوَرَةِ فَهُوَ مِنْ بَابِ أَرْوَى الرُّبَاعِيِّ شُذُوذًا إذْ قِيَاسُ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ أَرْوَى مَرْوَ لَا رَاوِيَةٌ، وَظَاهِرُ صَنِيعِ صَاحِبِ الْقَامُوسِ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِيهِمَا حَيْثُ قَالَ الرَّاوِيَةُ الْمَزَادَةُ فِيهَا الْمَاءُ وَالْبَعِيرُ وَالْبَغْلُ وَالْحِمَارُ يُسْتَسْقَى عَلَيْهِ الْمَاءُ اهـ. نَعَمْ مِنْ اصْطِلَاحَاتِهِ أَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَلَعَلَّ أَقْوَالَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِيهَا ثَلَاثَةٌ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ ابْنِ الطَّيِّبِ فِي حَوَاشِي الْقَامُوسِ. وَأَمَّا اصْطِلَاحًا فَفِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ لِلْمَازِرِيِّ مَا يُفِيدُ أَنَّ الشَّهَادَةَ خَبَرٌ خَاصٌّ قُصِدَ بِهِ تَرْتِيبُ فَصْلِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ كَقَوْلِ الْعَدْلِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِهَذَا عِنْدَ هَذَا دِينَارٌ وَالرِّوَايَةُ خَبَرٌ عَامٌّ قُصِدَ بِهِ تَعْرِيفُ دَلِيلِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَالشُّفْعَةُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ فَلَا يُسَمَّى فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ قَوْلُ الْمُخْبِرِ لِزَيْدٍ قِبَلَ عَمْرٍو دِينَارٌ غَيْرَ قَاصِدٍ بِهِ أَنْ يَتَرَتَّبَ فَصْلُ قَضَاءٍ عَلَيْهِ شَهَادَةٌ، وَلَا هُوَ شَاهِدٌ عَلَى جِهَةِ الْحَقِيقَةِ بَلْ يُسَمَّى خَبَرًا وَقَائِلُهُ مُخْبِرًا. وَكَذَلِكَ الْمُخْبِرُ عَنْ الْأُمُورِ الْوَاقِعَةِ لَا يُسَمَّى شَاهِدًا كَمَا لَا يُسَمَّى فِي عُرْفِهِمْ رَاوِيًا عَلَى جِهَةِ الْحَقِيقَةِ وَإِنْ سُمِّيَ كَمَا فِي الْأَقَاصِيصِ وَنَحْوِهَا فَهُوَ مَجَازٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُونَ فِيهِ مِنْ صِفَاتِ الرِّوَايَةِ مَا يَشْتَرِطُونَ فِي رُوَاةِ تَعْرِيفِ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ وَالشَّهَادَةِ بِالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالنَّسَبِ الْمُتَفَرِّعِ بَيْنَ الْأَنْسَابِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ النَّظَائِرِ إنَّمَا جَاءَ الْعُمُومُ فِيهَا بِطَرِيقِ الْعَرْضِ. وَالتَّبَعُ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ

وَهُوَ حُجَّةٌ حَسَنَةٌ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي الِاكْتِفَاءِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ بِالْوَاحِدِ فَإِنَّهَا إخْبَارٌ عَنْ سَبَبٍ جُزْئِيٍّ فِي وَقْتٍ جُزْئِيٍّ يَعُمَّانِ أَهْلَ الْبَلَدِ، وَالْأَذَانُ لَا يَعُمُّ أَهْلَ الْأَقْطَارِ بَلْ لِكُلِّ قَوْمٍ زَوَالُهُمْ وَفَجْرُهُمْ وَغُرُوبُهُمْ وَهُوَ أَوْلَى بِاعْتِبَارِ شَائِبَةِ الشَّهَادَةِ بِخِلَافِ هِلَالِ رَمَضَانَ عَمَّمَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَمْ يَجْعَلُوا لِكُلِّ قَوْمٍ رُؤْيَتَهُمْ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ فَالْمُخْبِرُ عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ عَلَى قَاعِدَةِ الْمَالِكِيَّةِ أَشْبَهُ بِالرِّوَايَةِ مِنْ الْمُؤَذِّنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ الْوَاحِدُ قِيَاسًا عَلَى الْمُؤَذِّنِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِتَوَفُّرِ الْعُمُومِ فِي الْهِلَالِ، وَهُنَا سُؤَالَانِ مُشْكِلَانِ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ أَحَدُهُمَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْمُؤَذِّنِ يُقْبَلُ فِيهِ الْوَاحِدُ وَبَيْنَ الْمُخْبِرِ عَنْ هِلَالِ رَمَضَانَ لَا يُقْبَلُ فِيهِ الْوَاحِدُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَثَانِيهِمَا حُصُولُ الْإِجْمَاعِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ عَلَى أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِأَقْطَارِهَا بِخِلَافِ الْأَهِلَّةِ مَعَ أَنَّ الْجَمِيعَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقْطَارِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِهَذَا الشَّأْنِ فَقَدْ يَطْلُعُ الْهِلَالُ فِي بَلَدٍ دُونَ غَيْرِهِ بِسَبَبِ الْبُعْدِ عَنْ الْمَشْرِقِ وَالْقُرْبِ مِنْهُ فَإِنَّ الْبَلَدَ الْأَقْرَبَ إلَى الْمَشْرِقِ هُوَ بِصَدَدِ أَنْ لَا يُرَى فِيهِ الْهِلَالُ وَيُرَى فِي الْبَلَدِ الْغَرْبِيِّ بِسَبَبِ مَزِيدِ السَّيْرِ الْمُوجِبِ لِتَخَلُّصِ الْهِلَالِ مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ فَقَدْ لَا يَتَخَلَّصُ فِي الْبَلَدِ الشَّرْقِيِّ فَإِذَا كَثُرَ سَيْرُهُ، وَوَصَلَ إلَى الْآفَاقِ الْغَرْبِيَّةِ تَخَلَّصَ فِيهِ فَيُرَى الْهِلَالُ فِي الْمَغْرِبِ دُونَ الْمَشْرِقِ وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ هَذَا الْعِلْمِ وَلِهَذَا مَا مِنْ زَوَالٍ لِقَوْمٍ إلَّا وَهُوَ غُرُوبٌ لِقَوْمٍ وَطُلُوعُ الشَّمْسِ عِنْدَ قَوْمٍ وَنِصْفُ اللَّيْلِ عِنْدَ قَوْمٍ، وَكُلُّ دَرَجَةٍ تَكُونُ الشَّمْسُ فِيهَا فَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ لِجَمِيعِ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِأَقْطَارٍ مُخْتَلِفَةٍ فَإِذَا قَاسَتْ الشَّافِعِيَّةُ الْهِلَالَ عَلَى أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ اُتُّجِهَ الْقِيَاسُ وَعَسِرَ الْفَرْقُ وَهُوَ مُشْكِلٌ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِكُلِّ قَوْمٍ رُؤْيَتُهُمْ وَهِلَالُهُمْ كَمَا يُعْتَبَرُ لِكُلِّ قَوْمٍ فَجْرُهُمْ وَزَوَالُهُمْ فَإِنْ قُلْتَ الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَعَانِيَ الْكُلِّيَّةَ قَدْ يُسْتَثْنَى مِنْهَا بَعْضُ أَفْرَادِهَا بِالسَّمْعِ، وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا شَهِدَ عَدْلَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا وَانْسُكُوا» فَاشْتَرَطَ عَدْلَيْنِ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ وَمَعَ تَصْرِيحِ صَاحِبِ الشَّرْعِ بِاشْتِرَاطِ عَدْلَيْنِ لَا يَلْزَمُنَا بِالْعَدْلِ الْوَاحِدِ شَيْءٌ وَلَا يُسْمَعُ الِاسْتِدْلَال بِالْمُنَاسَبَاتِ فِي إبْطَالِ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْأَذَانَ عُدِلَ بِهِ عَنْ صِيغَةِ الْخَبَرِ إلَى صِفَةِ الْعَلَامَةِ عَلَى الْوَقْتِ. وَلِذَلِكَ كَانَ الْمُؤَذِّنُ لَا يَقُولُ دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ بَلْ يَقُولُ كَلِمَاتٍ أُخَرَ جَعَلَهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَامَةً وَدَلِيلًا عَلَى دُخُولِ الْوَقْتِ، فَأَشْبَهَتْ مَيْلَ الظِّلِّ وَزِيَادَتِهِ مِنْ دَلَالَتِهِمَا عَلَى دُخُولِ الْوَقْتِ فَكَمَا لَا يُشْتَرَطُ مَيَلَانٌ فِي الظِّلِّ وَلَا زِيَادَتَانِ لَا يُشْتَرَطُ عَدْلَانِ وَلَا مُؤَذِّنَانِ وَكَذَلِكَ آلَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ آلَاتِ الْأَوْقَاتِ تَكْفِي، وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ إنَّهُ يُشْتَرَطُ أَسْطُرْلَابَانِ وَلَا مِيزَانَانِ لِلشَّمْسِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَامَةٌ مُفِيدَةٌ، وَكَذَلِكَ الْأَذَانُ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSشِهَابُ الدِّينِ: (وَهُوَ حُجَّةٌ حَسَنَةٌ لِلشَّافِعِيَّةِ إلَى قَوْلِهِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِكُلِّ قَوْمٍ رُؤْيَتُهُمْ وَهِلَالُهُمْ كَمَا يُعْتَبَرُ لِكُلِّ قَوْمٍ فَجْرُهُمْ وَزَوَالُهُمْ) قُلْت: جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقْتَضَى عِلْمٍ آخَرَ فَإِنْ صَحَّ فِي ذَلِكَ الْعِلْمِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ اسْتِوَاءِ الْأَمْرِ فِي الْأَهِلَّةِ وَالْأَوْقَاتِ فَمَا بُنِيَ عَلَيْهِ مِنْ اسْتِوَاءِ الْحُكْمِ صَحِيحٌ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (فَإِنْ قُلْتَ الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهَا جُزْئِيٌّ هُوَ فِي الْوَقْفِ الْوَاقِفِ وَإِثْبَاتِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الْوَقْفِ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ عُمُومًا إذْ قَدْ يَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ كَعَلَى وَلَدِهِ أَوْ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِغَيْرِهِ فَالْعُمُومُ أَمْرٌ عَارِضِيٌّ لَيْسَ مُتَقَرَّرًا شَرْعًا فِي أَصْلِ هَذَا، وَهُوَ فِي النَّسَبِ الْإِلْحَاقُ بِالشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ أَوْ اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ لِلشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ، ثُمَّ تَفَرُّعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ التَّابِعَةِ لِلْمَقْصُودِ بِالشَّهَادَةِ كَمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ إذَا وَقَعَتْ بِأَنَّ هَذَا رَقِيقٌ لِزَيْدٍ قُبِلَ فِيهِ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ، وَإِنْ تَبِعَ ذَلِكَ لُزُومُ الْقِيمَةِ لِمَنْ قَتَلَهُ دُونَ الدِّيَةِ وَسُقُوطِ الْعِبَادَاتِ عَنْهُ وَاسْتِحْقَاقِ أَكْسَابِهِ لِلسَّيِّدِ مَعَ أَنَّ الشَّاهِدَ لَمْ يَقْصِدْ سُقُوطَ الْعِبَادَاتِ عَنْهُ، وَلَيْسَ سُقُوطُهَا مِمَّا تَدْخُلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ فَضْلًا عَنْ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ بِتَزْوِيجِ زَيْدٍ الْمَرْأَةَ الْمُعَيَّنَةَ شَهَادَةٌ بِحُكْمٍ جُزْئِيٍّ عَلَى الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا الْمَشْهُودِ لَهُ، وَهُوَ جُزْئِيٌّ وَإِنْ تَبِعَ ذَلِكَ تَحْرِيمُهَا عَلَى غَيْرِهِ وَإِبَاحَةُ وَطْئِهَا لَهُ مَعَ أَنَّ التَّحْرِيمَ وَالْإِبَاحَةَ شَأْنُهَا الرِّوَايَةُ دُونَ الشَّهَادَةِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّظَائِرِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْخَبَرُ إمَّا أَنْ يُقْصَدَ بِهِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَصْلُ قَضَاءٍ وَإِلْزَامُ حُكْمٍ وَإِمْضَاءٍ أَوْ لَا فَإِنْ قُصِدَ بِهِ ذَلِكَ فَهُوَ الشَّهَادَةُ، وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ ذَلِكَ فَإِمَّا أَنْ يُقْصَدَ بِهِ تَعْرِيفُ دَلِيلِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ لَا فَإِنْ قُصِدَ بِهِ ذَلِكَ فَهُوَ الرِّوَايَةُ، وَإِلَّا فَهُوَ سَائِرُ أَنْوَاعِ الْخَبَرِ وَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى بَيَانِ تَفَاصِيلِهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إنَّمَا هُوَ بَيَانُ مَا يَجُوزُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ وَاعْتِبَارَاتِهِمْ. (قُلْت) وَقَدْ اشْتَرَطُوا فِي الشَّهَادَةِ دُونَ الرِّوَايَةِ الْعَدَدَ وَالذُّكُورِيَّةَ وَالْحُرِّيَّةَ، وَجَعَلُوا الْعَدَالَةَ الْمُتَضَمِّنَةَ الْإِسْلَامَ وَالْعَقْلَ وَالْبُلُوغَ شَرْطًا فِيهِمَا. قَالَ التَّسَوُّلِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْعَدَالَةَ تَتَضَمَّنُ الْإِسْلَامَ وَالْعَقْلَ وَالْبُلُوغَ إذْ كُلُّ عَدْلٍ مُطْلَقًا كَانَ عَدْلَ رِوَايَةٍ أَوْ شَهَادَةٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْهَا وَقْتَ الْأَدَاءِ وَالْإِخْبَارِ اهـ. وَقَبُولُ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ وَكَذَا رِوَايَةِ الْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ عَنْ مَالِكٍ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِإِلْجَاءِ الضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ لُزُومِ الْمَشَقَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّجْوِيزِ، وَالْقَوَاعِدُ يُسْتَثْنَى مِنْهَا مَحَالُّ الضَّرُورَاتِ كَمَا سَيَأْتِي عَلَى أَنَّهُ يَنْدُرُ الْخُلُوُّ عَنْ

قُلْت هَذَا بَحْثٌ حَسَنٌ غَيْرَ أَنَّ الْجَوَابَ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ لَا بِمَنْطُوقِهِ فَإِنَّ مَنْطُوقَهُ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ يَجِبُ عِنْدَهُمَا، وَمَفْهُومَهُ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَكْفِي مِنْ جِهَةِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ وَإِذَا كَانَ الِاسْتِدْلَال بِهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ فَنَقُولُ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْطُوقِ اللَّفْظِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِمَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْمَفْهُومِ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ وَغَيْرَهُ يَقُولُ الْمَفْهُومُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مُطْلَقًا. وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا فَلَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ يُشْكِلُ بِمَا إذَا قَالَ لَنَا الْمُؤَذِّنُ مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنَّا نُقَلِّدُهُ وَهُوَ خَبَرٌ صِرْفٌ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْأَذَانِ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَعْنَاهُ أَقْبِلُوا إلَيْهَا فَهُوَ يَدُلُّ بِالِالْتِزَامِ عَلَى دُخُولِ وَقْتِهَا، وَكَذَلِكَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. وَأَمَّا الْمُخْبِرُ بِالْقِبْلَةِ فَلَيْسَ مُخْبِرًا عَنْ وُقُوعِ سَبَبٍ بَلْ عَنْ حُكْمٍ مُتَأَبَّدٍ فَإِنَّ نَصْبَ جِهَةِ الْكَعْبَةِ الْمُعَظَّمَةِ قِيَامًا لِلنَّاسِ أَمْرٌ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ لَا يَخْتَلِفُ بِخِلَافِ الْمُؤَذِّنِ لَا يُتَعَدَّى حُكْمُهُ وَإِخْبَارُهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَالْمُخْبِرُ عَنْ الْقِبْلَةِ أَشْبَهُ بِالرِّوَايَةِ مِنْ الْمُؤَذِّنِ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْفُرُوقَ وَهَذِهِ التَّرْجِيحَاتِ فَهِيَ حَسَنَةٌ، وَكُلُّهَا إنَّمَا ظَهَرَتْ بَعْدَ مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ فَلَوْ خَفِيَتَا ذَهَبَتْ هَذِهِ الْمَبَاحِثُ جُمْلَتُهَا وَلَمْ يَظْهَرْ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْقَرِيبِ مِنْهَا لِلْقَوَاعِدِ وَالْبَعِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَلَمْ يَظْهَرْ التَّفَاوُتُ فِيهَا بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ) قُلْتُ مِنْ مُضْمَنِ هَذَا الْفَصْلِ مُوَافَقَتُهُ لِمَوْرِدِ السُّؤَالِ عَلَى اسْتِوَاءِ الْأَذَانِ وَمَيْلِ الظِّلِّ وَزِيَادَتِهِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى دُخُولِ الْوَقْتِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مَيْلَ الظِّلِّ دَلَالَتُهُ قَطْعِيَّةٌ وَالْأَذَانَ دَلَالَتُهُ غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ وَلَا خَفَاءَ بِأَنَّ مَا دَلَالَتُهُ قَطْعِيَّةٌ لَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى الِاسْتِظْهَارِ بِخِلَافِ مَا دَلَالَتُهُ غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ، وَمِنْ مُضْمَنِهِ جَوَابُهُ عَنْ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ لَا بِمَنْطُوقِهِ. وَمَا قَالَهُ فِي هَذَا الْجَوَابِ صَحِيحٌ وَمِنْ مُضْمَنِهِ جَوَابُهُ عَنْ الْجَوَابِ الثَّانِي بِأَنَّهُ يُشْكِلُ بِمَا إذَا قَالَ لَنَا الْمُؤَذِّنُ مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنَّا نُقَلِّدُهُ وَهُوَ خَبَرٌ صِرْفٌ قُلْتُ قَوْلُهُ: فَإِنَّا نُقَلِّدُهُ إنْ أَرَادَ إنَّا نُقَلِّدُهُ بِاتِّفَاقٍ فَذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي التَّقْلِيدِ فِي الْأَوْقَاتِ مَعْرُوفٌ، وَإِنْ أَرَادَ فَإِنَّا نُقَلِّدُهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا ثَبَتَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَصَحِيحِ النَّظَرِ تَقْلِيدُ الْمُؤَذِّنِ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ إذَا أَذَّنَ لَا إذَا أَخْبَرَ بِدُخُولِهِ مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ، وَالْأَصَحُّ عِنْدِي هَاهُنَا أَنْ لَا تَقْلِيدَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ نَصَبَ دَلِيلًا مُعَيَّنًا فَلَا يُتَعَدَّى مَا نَصَبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِنْ مُضْمَنِهِ قَوْلُهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَذِّنِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ يَدُلُّ بِالِالْتِزَامِ عَلَى دُخُولِ الْوَقْتِ قُلْت: ذَلِكَ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ أَغْفَلَ دَلَالَةَ الْأَذَانِ بِجُمْلَتِهِ عَلَى دُخُولِ الْوَقْتِ، وَهِيَ دَلَالَةٌ عُرْفِيَّةٌ لِلشَّرْعِ بِالْمُطَابَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لِذَلِكَ وَضَعَهُ الشَّارِعُ مَعَ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ دَالٌّ عَلَى مُقْتَضَاهُ دَلَالَةً لُغَوِيَّةً بِالْمُطَابَقَةِ أَيْضًا، وَمِنْ مُضْمَنِهِ قَوْلُهُ إنَّ الْمُخْبِرَ عَنْ الْقِبْلَةِ مُخْبِرٌ عَنْ حُكْمٍ مُتَأَبَّدٍ، وَأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالرِّوَايَةِ مِنْ الْمُؤَذِّنِ قُلْتُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُخْبِرَ عَنْ مُشَاهَدَةٍ أَوْ اجْتِهَادٍ فَإِنْ أَخْبَرَ عَنْ مُشَاهَدَةٍ فَلَا فَرْقَ،. وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْفَرْقِ بِأَنَّ الْمُخْبِرَ عَنْ الْقِبْلَةِ مُخْبِرٌ بِحُكْمٍ مُتَأَبَّدٍ بِخِلَافِ الْمُؤَذِّنِ فَإِنَّهُ مُخْبِرٌ بِحُكْمٍ غَيْرِ مُتَأَبَّدٍ لَا يَصْلُحُ فَارِقًا، وَإِنْ أَخْبَرَ عَنْ اجْتِهَادٍ فَالْفَرْقُ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ فِي الْقِبْلَةِ وَفِي الْوَقْتِ أَوْ عَدَمِ جَوَازِهِ أَوْ جَوَازِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَرَائِنَ تَحَصُّلِ الظَّنِّ فَافْهَمْ. (وَالْمُنَاسَبَةُ) فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ دُونَ الرِّوَايَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ إلْزَامَ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ الْغَالِبُ فِي الشَّهَادَةِ تُتَوَقَّعُ فِيهِ عَدَاوَةٌ بَاطِنِيَّةٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا الْحَاكِمُ، فَيَنْبَعِثُ الْعَدُوُّ عَلَى إلْزَامِ عَدُوِّهِ مَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لَهُ فَاحْتَاطَ الشَّارِعُ لِذَلِكَ وَاشْتَرَطَ مَعَهُ آخَرَ إبْعَادًا لِهَذَا الِاحْتِمَالِ فَإِذَا اتَّفَقَا فِي الْمَقَالِ قَرُبَ الصِّدْقُ جِدًّا بِخِلَافِ الْوَاحِدِ، وَالرِّوَايَةُ مِنْ حَيْثُ عُمُومُ مُقْتَضَاهَا غَالِبًا يَكْفِي فِيهَا الْوَاحِدُ إذْ لَا يُتَّهَمُ أَحَدٌ فِي عَدَاوَةِ جَمِيعِ الْخَلْقِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الِاسْتِظْهَارِ بِالْغَيْرِ فَبَابُ الرِّوَايَةِ بَعِيدٌ عَنْ التُّهَمِ جِدًّا أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ الْعَدْلَ إذَا رَوَى حَدِيثًا يَتَضَمَّنُ عِتْقَهُ أَنَّهُ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ فِيهِ وَإِنْ تَضَمَّنَتْ نَفْعَهُ نَظَرًا لِكَوْنِ الْعُمُومِ مُوجِبًا لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فِي الْخُصُوصِ مَعَ وَازِعِ الْعَدَالَةِ كَمَا رَآهُ بَعْضُ مَشَايِخِ الْقَرَافِيِّ الْمُعْتَبَرِينَ مَنْقُولًا. (وَالْمُنَاسَبَةُ) فِي اشْتِرَاطِ الذُّكُورِيَّةِ فِي الشَّهَادَةِ دُونَ الرِّوَايَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ إلْزَامَ الْمُعَيَّنِ سُلْطَانٌ وَغَلَبَةٌ وَقَهْرٌ وَاسْتِيلَاءٌ تَأْبَاهُ النُّفُوسُ الْأَبِيَّةُ وَتَمْنَعُهُ الْحَمِيَّةُ، وَهُوَ مِنْ النِّسَاءِ أَشَدُّ نِكَايَةً لِنُقْصَانِهِنَّ فَإِنَّ اسْتِيلَاءَ النَّاقِصِ أَشَدُّ فِي ضَرَرِ الِاسْتِيلَاءِ فَخَفَّفَ ذَلِكَ عَنْ النُّفُوسِ بِدَفْعِ الْأُنُوثَةِ وَقَبُولِ شَهَادَةِ الْأُنْثَى فِي الْأَمْوَالِ وَفِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ فِيهَا اطِّلَاعُ الرِّجَالِ إنَّمَا كَانَ لِإِلْجَاءِ الضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ، وَالْقَوَاعِدُ يُسْتَثْنَى مِنْهَا مَحَالُّ الضَّرُورَاتِ، ثُمَّ إنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْمَرْأَةَ كَالرَّجُلِ فِي مَحَلِّ تَعَذُّرِ اطِّلَاعِهِ الْإِطْلَاقِيِّ، وَجَعَلَهَا مِثْلَهُ بِشَرْطِ الِاسْتِظْهَارِ بِأُخْرَى فِي مَحَلِّ تَعَذُّرِ اطِّلَاعِهِ الِاتِّفَاقِيِّ؛ لِأَنَّ إذْعَانَ النُّفُوسِ بِمُقْتَضَى الضَّرُورَاتِ الْإِطْلَاقِيَّةِ أَشَدُّ مِنْ إذْعَانِهَا بِمُقْتَضَى الضَّرُورَاتِ الِاتِّفَاقِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الثَّانِي) أَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُ مُقْتَضَاهَا وَالنِّسَاءُ نَاقِصَاتٌ عَقْلٍ وَدِينٍ نَاسَبَ أَنْ لَا يُنَصَّبْنَ نَصْبًا عَامًّا فِي مَوَارِدِهَا لِئَلَّا يَعُمَّ ضَرَرُهُنَّ بِالنِّسْيَانِ وَالْغَلَطِ بِخِلَافِ مُقْتَضَى الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ عَامٌّ، وَالْأُمُورُ الْعَامَّةُ تَتَأَسَّى فِيهَا النُّفُوسُ وَيَتَسَلَّى بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَيَخِفُّ الْأَلَمُ، وَأَيْضًا قَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ أَحَدٌ فِي عَدَاوَةِ جَمِيعِ الْخَلْقِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَافْهَمْ. 2 - (وَالْمُنَاسَبَةُ) فِي اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ فِي الشَّهَادَةِ دُونَ الرِّوَايَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَيْضًا (أَحَدُهُمَا) أَنَّ النُّفُوسَ الْأَبِيَّةَ تَأْبَى قَهْرَهَا بِالْعَبِيدِ الْأَدْنَى كَمَا تَأْبَاهُ بِالنِّسَاءِ

وَثَامِنُهَا الْمُخْبِرُ عَنْ قِدَمِ الْعَيْبِ أَوْ حُدُوثِهِ فِي السِّلَعِ عِنْدَ التَّحَاكُمِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ الْقَوْلَ فِيهِ أَنَّهُ شَهَادَةٌ، وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ جُزْئِيٌّ عَلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ، وَأَنَّهُ مُتَّجَهٌ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ يُعَكِّرُ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْمُسْلِمُونَ قُبِلَ فِيهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ الْأَطِبَّاءِ وَنَحْوِهِمْ، قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَغَيْرُهُ قَالُوا لِأَنَّ هَذَا طَرِيقَهُ الْخَبَرُ فِيمَا يَنْفَرِدُونَ بِعِلْمِهِ. وَهَذَا مُشْكِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْكُفَّارَ لَا مَدْخَلَ لَهُمْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى أُصُولِنَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ وَشَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَكَذَلِكَ لَا مَدْخَلَ لَهُمْ فِي الرِّوَايَةِ فَكَيْفَ يُصَرِّحُونَ بِالشَّهَادَةِ مَعَ قَبُولِ الْكَفَرَةِ فِيهَا، وَثَانِيهِمَا أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ هَذَا أَمْرٌ يَنْفَرِدُونَ بِعِلْمِهِ لَا عُذْرَ فِيهِ حَاصِلٌ فَإِنَّ كُلَّ شَاهِدٍ إنَّمَا يُخْبِرُ عَمَّا عَلِمَهُ مَعَ إمْكَانِ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ لَهُ فِيهِ وَهَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ يَعْلَمُونَ هَذِهِ الْأَمْرَاضَ مَعَ إمْكَانِ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِمْ مَعَهُمْ فِي الْعِلْمِ بِذَلِكَ فَمَا أَدْرِي وَجْهَ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ قَبُولِ قَوْلِهِمْ وَبَيْنَ هَذَا الْمَعْنَى مَعَ أَنَّ كُلَّ شَاهِدٍ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَتَاسِعُهَا قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ قَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الصَّبِيِّ وَالْأُنْثَى وَالْكَافِرِ الْوَاحِدِ فِي الْهَدِيَّةِ وَالِاسْتِئْذَانِ مَعَ أَنَّهُ إخْبَارٌ يَتَعَلَّقُ بِجُزْئِيٍّ فِي الْهَدِيَّةِ وَالْمُهْدِي وَالْمُهْدَى إلَيْهِ فَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ، وَوَقَعَ هَذَا الْفَرْعُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَخَرَّجُوهُ بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَيْسَ هَذِهِ الْإِخْبَارَاتِ بِمُجَرَّدِهَا بَلْ هِيَ مَعَ مَا يَحْتَفُّ بِهَا مِنْ الْقَرَائِنِ، وَلَرُبَّمَا وَصَلَتْ إلَى حَدِّ الْقَطْعِ وَهَذِهِ إشَارَةٌ مِنْهُمْ إلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ غَيْرَ أَنَّهُ اُسْتُثْنِيَ مِنْهَا لِوُجُودِ الْقَرَائِنِ الَّتِي تَنُوبُ مَنَابَ الْعُدُولِ مَعَ عُمُومِ الْبَلْوَى فِي ذَلِكَ، وَدَعْوَى الضَّرُورَةِ إلَيْهِ فَلَوْ كَانَ أَحَدُنَا لَا يَدْخُلُ بَيْتَ صَدِيقِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِعَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ لَهُ بِإِذْنِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ أَوْ لَا يَبْعَثُ بِهَدِيَّتِهِ إلَّا مَعَ عَدْلَيْنِ لَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ وَلَا غَرْوَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْقَوَاعِدِ لِأَجْلِ الضَّرُورَاتِ، وَعَاشِرُهَا نَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ فِي مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ لَهُ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ عَلَى قَبُولِ قَوْلِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِي إهْدَاءِ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا لَيْلَةَ الْعُرْسِ مَعَ أَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ تَعْيِينٍ مُبَاحٍ جُزْئِيٍّ لِجُزْئِيٍّ. وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يُقْبَلَ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ الَّتِي لَا يُقْبَلُ فِيهَا النِّسَاءُ إلَّا لِضَرُورَةٍ غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ اجْتَمَعَ فِيهَا قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَهْلِ وَالْأَقَارِبِ وَنُدْرَةِ التَّدْلِيسِ وَالْغَلَطِ فِي مِثْلِ هَذَا مَعَ شُهْرَتِهِ وَعَدَمِ الْمُسَامَحَةِ فِيهِ وَدَعْوَى ضَرُورَاتِ النَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــSفِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَالْأَصَحُّ نَقْلًا وَنَظَرًا جَوَازُهُ فِيهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَثَامِنُهَا الْمُخْبِرُ عَنْ قِدَمِ الْعَيْبِ أَوْ حُدُوثِهِ إلَى قَوْلِهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ) . قُلْتُ: مَا حَكَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّهُ شَهَادَةٌ صَحِيحٌ وَمَا اسْتَشْكَلَ مِنْ قَبُولِ بَعْضِهِمْ أَهْلَ الذِّمَّةِ مُشْكِلٌ كَمَا. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَتَاسِعُهَا قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ قَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الصَّبِيِّ وَالْأُنْثَى وَالْكَافِرِ فِي الْهَدِيَّةِ وَالِاسْتِئْذَانِ مَعَ أَنَّهُ إخْبَارٌ يَتَعَلَّقُ بِجُزْئِيٍّ إلَى قَوْلِهِ لِأَجْلِ الضَّرُورَاتِ) قُلْتُ لَيْسَ هَذَا مِنْ نَوْعِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ فَصْلُ قَضَاءٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ الرِّوَايَةِ وَجُوِّزَ فِيهِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الرِّوَايَةِ مِنْ قَبُولِ خَبَرِ الصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ لِإِلْجَاءِ الضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ لُزُومِ الْمَشَقَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّجْوِيزِ مَعَ نُدُورِ الْخُلُوِّ عَنْ قَرَائِنِ تَحَصُّلِ الظَّنِّ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَعَاشِرُهَا نَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ فِي مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ لَهُ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى قَبُولِ قَوْلِ الْمَرْأَةِ فِي إهْدَاءِ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا لَيْلَةَ الْعُرْسِ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ أَوْلَى وَيَخِفُّ ذَلِكَ عَلَيْهَا بِالْأَحْرَارِ وَسَرَاةِ النَّاسِ. (الثَّانِي) أَنَّ فِي الْعَبْدِ تَحَقُّقَ الْعَدَاوَةِ بِسَبَبِ مَا فَاتَهُ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالِاسْتِقْلَالِ بِالْكَسْبِ وَالْمَنَافِعِ، وَلَيْسَ فِي الْحُرِّ إلَّا مُجَرَّدُ احْتِمَالِ الْعَدَاوَةِ فَرُبَّمَا بَعَثَ الْعَبْدَ رِقُّهُ الْمُوجِبُ لِلضَّغَائِنِ وَالْأَحْقَادِ بِسَبَبِ مَا ذُكِرَ عَلَى الْكَذِبِ عَلَى الْمُعَيَّنِ وَإِذَايَتِهِ، وَذَلِكَ لِعُمُومِ الْخَلَائِقِ يَبْعُدُ الْقَصْدُ إلَيْهِ فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ (هَذَا وَقَدْ عَلِمْت) مِمَّا مَرَّ أَنَّ الْخَبَرَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: (أَحَدُهَا) رِوَايَةٌ مَحْضَةٌ كَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَمِنْهُ الْخَبَرُ الْمُفْتِي؛ لِأَنَّهُ نَاقِلٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى لِخَلْقِهِ كَالرَّاوِي لِلسُّنَّةِ وَلِأَنَّهُ وَارِثٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْفِي فِيهِ وَحْدَهُ فَكَذَلِكَ وَارِثُهُ فَلِذَا لَمْ يُعْلَمْ خِلَافٌ فِي أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي السَّاعِي أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ أَيْضًا لِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْحَاكِمِ. (وَالثَّانِي) شَهَادَةٌ مَحْضَةٌ كَإِخْبَارِ الشُّهُودِ عَنْ الْحُقُوقِ عَلَى الْمُعَيَّنِينَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَالثَّالِثُ سَائِرُ أَنْوَاعِ الْخَبَرِ لَكِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا هُنَا مَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ فِي إعْطَائِهِ حُكْمَ الشَّهَادَةِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ أَوْ حُكْمِ الرِّوَايَةِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالْوَاحِدِ نَظَرًا لِمَا فِيهِ مِنْ شَبَهِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِاعْتِبَارَيْنِ. (وَلَهُ صُوَرٌ أَحَدُهَا) الْقَائِفُ فِي إثْبَاتِ الْأَنْسَابِ بِالْخَلْقِ قِيلَ لَهُ حُكْمُ الرِّوَايَةِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْوَاحِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ شَبَهِهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُنْتَصِبٌ انْتِصَابًا عَامًّا لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِقَبِيلَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَهُمْ بَنُو مُدْلِجٍ فَيُنَصِّبُ الْحَاكِمُ مِنْهُمْ مَنْ يَرَاهُ أَهْلًا لِذَلِكَ، وَدُخُولُ نَصْبِ الْحَاكِمِ لِذَلِكَ وَاجْتِهَادُهُ وَتَوَسُّطُ نَظَرِهِ يُبْعِدُ احْتِمَالَ الْعَدَاوَةِ وَيُخَفِّفُ الضَّغِينَةَ فِي قَلْبِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ مُنْتَصِبٌ لِكُلِّ مَنْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ شَهَادَةٌ يُؤَدِّيهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ نَصْبِ الْإِمَامِ لِذَلِكَ الشَّخْصِ كَمَا قَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَلَمْ يُنْقَلْ لَنَا أَنَّهُ نَصَّبَهُ لِذَلِكَ، وَلَوْ وُجِدَ مِنْ النَّاسِ أَوْ مِنْ الْقَبَائِلِ مَنْ يُودِعُهُ اللَّهُ تَعَالَى تِلْكَ الْخَاصِّيَّةَ الَّتِي أَوْدَعَهَا فِي بَنِي مُدْلِجٍ لَقَبِلَ قَوْلَهُ أَيْضًا، وَالصَّحِيحُ بِلَا خَفَاءٍ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ

إلَى ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِئْذَانِ وَالْهَدِيَّةِ، فَهَذِهِ عَشْرُ مَسَائِلَ تُحَرِّرُ قَاعِدَتَيْ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ بِوُجُودِ أَشْبَاهِهِمَا فِيهَا، وَتُؤَكِّدُ ذَلِكَ تَأَكُّدًا وَاضِحًا فِي نَفْسِ الْفَقِيهِ بِحَيْثُ يَسْهُلُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ تَخْرِيجُ جَمِيعِ فُرُوعِ الْقَاعِدَتَيْنِ عَلَيْهِمَا، وَمَعْرِفَةُ الْفَرْعِ الْقَرِيبِ مِنْ الْقَاعِدَةِ مِنْ الْبَعِيدِ عَنْهَا وَلْنَقْتَصِرْ عَلَى هَذِهِ الْعَشْرِ خَشْيَةَ الْإِطَالَةِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ قَالَ مَالِكٌ يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَصَّابِ فِي الذَّكَاةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا وَمَنْ مِثْلُهُ يَذْبَحُ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ أَوْ الشَّهَادَةِ بَلْ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مُؤْتَمَنٌ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ فَإِذَا قَالَ الْكَافِرُ هَذَا مَالِي أَوْ هَذَا الْعَبْدُ رَقِيقٌ لِي صُدِّقَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ هَذِهِ ذَكِيَّةٌ فَهُوَ مُؤْتَمَنٌ فِيهِ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَيَّ سَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُقَرِّرَةِ لِلْمِلْكِ مِنْ الْإِرْثِ وَالِاكْتِسَابِ بِالصِّنَاعَةِ وَالزِّرَاعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ مُؤْتَمَنٌ إذْ كُلُّ أَحَدٍ مُؤْتَمَنٌ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ مِمَّا هُوَ تَحْتَ يَدِهِ فِي أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ أَوْ مِلْكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْوِي لَنَا دِينًا وَلَا يَشْهَدُ عِنْدَنَا فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ بَلْ هَذَا مِنْ بَابِ التَّأْمِينِ الْمُطْلَقِ كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا قَالَ هَذَا مِلْكِي أَوْ هَذِهِ أَمَتِي لَمْ نَعُدَّهُ رَاوِيًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَإِلَّا لَاشْتَرَطْنَا فِيهِ الْعَدَالَةَ وَلَا شَاهِدًا بَلْ نَقْبَلُهُ مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ أَفْسَقَ النَّاسِ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْفُرُوعِ الْمُتَرَدِّدَةِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْتَ مَا قَرَّرْتَهُ مِنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ حَقِيقَتُهَا التَّعَلُّقُ بِجُزْئِيٍّ، وَالرِّوَايَةَ حَقِيقَتُهَا التَّعَلُّقُ بِكُلِّيٍّ لَا يَطَّرِدُ وَلَا يَنْعَكِسُ أَمَّا الشَّهَادَةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اجْتِمَاعِ شَبَهِ الرِّوَايَةِ مَعَهَا فَقَدْ تَقَعُ فِي الْأَمْرِ الْكُلِّيِّ الْعَامِّ الَّذِي لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ كَالشَّهَادَةِ بِالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالنَّسَبِ الْمُتَفَرِّعِ بَيْنَ الْأَنْسَابِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَكَوْنُ الْأَرْضِ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا يَنْبَنِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الصُّلْحِ أَوْ أَحْكَامُ الْعَنْوَةِ مِنْ كَوْنِهَا طَلْقًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ وَقْفًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّظَائِرِ كَمَا اخْتَصَّتْ الشَّهَادَةُ بِجُزْئِيٍّ، وَأَمَّا الرِّوَايَةُ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهَا فِي الْأُمُورِ الْجُزْئِيَّةِ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ النَّجَاسَةِ وَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. وَإِذَا وَقَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْجُزْئِيِّ وَالْكُلِّيِّ لَمْ تَكُنْ نِسْبَةُ أَحَدِهِمَا إلَى الْجُزْئِيِّ أَوْ الْكُلِّيِّ أَوْلَى مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــSقُلْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي مَعْنَى الَّتِي قَبْلَهَا كَمَا ذَكَرَ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (تَنْبِيهٌ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ قَالَ مَالِكٌ يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَصَّابِ إلَى قَوْلِهِ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْفُرُوعِ الْمُتَرَدِّدَةِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ) قُلْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ تَيْنِكَ الْقَاعِدَتَيْنِ فَهِيَ مِنْ جِنْسِ الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَهَا، وَمَا ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ مِنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُؤْتَمَنٌ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ مِمَّا هُوَ تَحْتَ يَدِهِ إنَّمَا الْمَعْنَى بِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ أَوْ مُصَدَّقٌ أَنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ بِرَفْعِ يَدِهِ عَنْهُ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ مُحِقٌّ عِنْدَنَا فِي دَعْوَاهُ، وَمَسْأَلَةُ الْقَصَّابِ مَعَ ذَلِكَ لَيْسَتْ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بَلْ هِيَ مِنْ جِنْسِ الْمَسْأَلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهَا كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ تَرْكَهُ وَمَا يَدَّعِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مِلْكِ مَا تَحْتَ يَدِهِ، بَلْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا هَلْ يُسْتَبَاحُ أَكْلُهَا بِنَاءً عَلَى خَبَرِهِ أَمْ لَا، فَلَا أَعْلَمُ لِتَجْوِيزِ الِاسْتِبَاحَةِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ إلَّا إلْجَاءَ الضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ لِلُزُومِ الْمَشَقَّةِ عَنْ عَدَمِ التَّجْوِيزِ مَعَ نُدُورِ الْخُلُوِّ عَنْ الْقَرَائِنِ الْمُحَصِّلَةِ لِلظَّنِّ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (فَإِنْ قُلْتَ مَا قَرَّرْتَهُ مِنْ أَنَّ الشَّهَادَةَ حَقِيقَتُهَا التَّعَلُّقُ بِجُزْئِيٍّ، وَالرِّوَايَةَ حَقِيقَتُهَا التَّعَلُّقُ بِكُلِّيٍّ لَا يَطَّرِدُ وَلَا يَنْعَكِسُ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ نَوْعِ الشَّهَادَةِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ أَنَّ زَيْدًا ابْنُ عَمْرٍو وَلَيْسَ ابْنَ خَالِدٍ وَهُوَ حُكْمٌ جُزْئِيٌّ عَلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ، وَيَتَطَرَّقُ إلَيْهِ مِنْ الِاحْتِمَالِ الْمُوجِبِ لِلْعَدَاوَةِ مَا يَتَطَرَّقُ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ الدُّنْيَوِيِّ. (وَثَانِيهَا) الْمُتَرْجِمُ لِلْفَتَاوَى وَالْخُطُوطِ قَالَ مَالِكٌ يَكْفِي الْوَاحِدُ قِيلَ لِأَنَّ فِيهِ شِبْهَ الرِّوَايَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ نُصِّبَ نَصْبًا عَامًّا لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَخْتَصُّ نَصْبُهُ بِمُعَيَّنٍ، وَأَنَّ تَرْجَمَةَ مَا ذَكَرَ إنَّمَا تَكُونُ بِنَصْبِ الْحَاكِمِ مَنْ يَرَاهُ أَهْلًا لِذَلِكَ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ فِي الْقَائِفِ، وَقَدْ عَلِمْت ضَعْفَهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ فِيهِ شِبْهَ الشَّهَادَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ مُعَيَّنٍ مِنْ الْفَتَاوَى وَالْخُطُوطِ لَا يَتَعَدَّى إخْبَارُهُ ذَلِكَ الْخَطَّ الْمُعَيَّنَ أَوْ الْكَلَامَ الْمُعَيَّنَ وَلَا خَفَاءَ فِي ضَعْفِ هَذَا الشَّبَهِ أَيْضًا، وَالصَّحِيحُ فِيهِ التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنَّ التَّرْجَمَةَ تَابِعَةٌ لِمَا هِيَ تَرْجَمَةٌ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ نَوْعِ الرِّوَايَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ نَوْعِ الشَّهَادَةِ فَكَذَلِكَ (وَثَالِثُهَا) الْمُقَوِّمُ لِلسِّلَعِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَالسَّرِقَاتِ وَالْغُصُوبِ وَغَيْرِهَا. قَالَ مَالِكٌ يَكْفِي الْوَاحِدُ فِي التَّقْوِيمِ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْقِيَمِ حَدٌّ كَالسَّرِقَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ قِيلَ لِمَا فِيهِ مِنْ شِبْهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَدٍّ لِمَا لَا يَتَنَاهَى كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُتَرْجِمِ وَالْقَائِفِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا تَضْعِيفَهُ وَمِنْ شِبْهِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ يَنْفُذُ فِي الْقِيمَةِ وَالْحَاكِمُ يُنَفِّذُهُ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ أَظْهَرَ مِنْ شِبْهِ الرِّوَايَةِ إلَّا أَنَّهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَلِمَا فِيهِ مِنْ شِبْهِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ لِمُعَيَّنٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَيُرَاعَى فِيهِ شَبَهَا الرِّوَايَةِ وَالْحُكْمِ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِإِخْبَارِهِ حَدٌّ فَيَتَعَيَّنُ مُرَاعَاةُ الشَّهَادَةِ لِقُوَّةِ مَا يُفْضِي إلَيْهِ هَذَا الْإِخْبَارُ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ مِنْ إبَاحَةِ عُضْوِ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ، وَرُوِيَ وَلَا بُدَّ فِي التَّقْوِيمِ مِنْ اثْنَيْنِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ نَوْعِ الشَّهَادَةِ عَلَى الصَّحِيحِ لِتَرَتُّبِ فَصْلِ الْقَضَاءِ بِإِلْزَامِ ذَلِكَ الْقَدْرِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الْعِوَضِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَرَابِعُهَا) الْقَاسِمُ قَالَ مَالِكٌ يَكْفِي الْوَاحِدُ وَالْأَحْسَنُ اثْنَانِ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَمِثْلُهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ، وَمَنْشَأُ ذَلِكَ حُصُولُ شِبْهِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ اسْتَنَابَهُ فِي ذَلِكَ فَيَكْفِي الْوَاحِدُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا أَوْ شِبْهِ التَّقْوِيمِ

[مسألة روى العدل العبد حديثا يتضمن عتقه]

الْعَكْسِ فَتَفْسُدُ الضَّوَابِطُ وَيَعُودُ اللَّبْسُ وَالسُّؤَالُ كَمَا تَقَدَّمَ قُلْت أَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ فُرُوعِ الشَّهَادَةِ فَالْعُمُومُ فِيهَا إنَّمَا جَاءَ بِطَرِيقِ الْعَرْضِ وَالتَّبَعِ وَمَقْصُودُهَا الْأَوَّلُ إنَّمَا هُوَ جُزْئِيٌّ أَمَّا الْوَقْفُ فَالْمَقْصُودُ بِالشَّهَادَةِ فِيهِ الْوَاقِفُ وَإِثْبَاتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَهُوَ شَخْصٌ مُعَيَّنٌ يُنْتَزَعُ مِنْهُ مَالٌ مُعَيَّنٌ فَكَانَ ذَلِكَ شَهَادَةً ثُمَّ اُتُّفِقَ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ فِيهِ عُمُومٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ لَوَازِمِ الْوَقْفِ فَإِنَّ الْوَقْفَ قَدْ يَكُونُ عَلَى مُعَيَّنٍ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ زَيْدٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِغَيْرِهِ فَالْعُمُومُ أَمْرٌ عَارِضٌ لَيْسَ مُتَقَرِّرًا شَرْعًا فِي أَصْلِ هَذَا الْحُكْمِ. وَأَمَّا النَّسَبُ فَالْمَقْصُودُ بِهِ إنَّمَا هُوَ الْإِلْحَاقُ بِالشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ أَوْ اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ لِلشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ ثُمَّ تَفَرُّعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ مَقْصُودَ الشَّهَادَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ التَّابِعَةِ لِلْمَقْصُودِ بِالشَّهَادَةِ كَمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ إذَا وَقَعَتْ بِأَنَّ هَذَا رَقِيقٌ لِزَيْدٍ قُبِلَ فِيهِ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ وَإِنْ تَبِعَ ذَلِكَ لُزُومَ الْقِيمَةِ لِمَنْ قَتَلَهُ دُونَ الدِّيَةِ وَسُقُوطِ الْعِبَادَاتِ عَنْهُ وَاسْتِحْقَاقِ إكْسَابِهِ لِلسَّيِّدِ مَعَ أَنَّ الشَّاهِدَ لَمْ يَقْصِدْ سُقُوطَ الْعِبَادَاتِ عَنْهُ، وَلَيْسَ سُقُوطُ الْعِبَادَاتِ مِمَّا تَدْخُلُ فِيهِ الشَّهَادَاتُ فَضْلًا عَنْ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ بِتَزْوِيجِ زَيْدٍ الْمَرْأَةَ الْمُعَيَّنَةَ شَهَادَةٌ بِحُكْمٍ جُزْئِيٍّ عَلَى الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا الْمَشْهُودِ لَهُ وَهُوَ جُزْئِيٌّ، وَإِنْ تَبِعَ ذَلِكَ تَحْرِيمُهَا عَلَى غَيْرِهِ وَإِبَاحَةُ وَطْئِهَا لَهُ مَعَ أَنَّ التَّحْرِيمَ وَالْإِبَاحَةَ شَأْنُهُمَا الرِّوَايَةُ دُونَ الشَّهَادَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النَّظَائِرِ فَقَدْ يَثْبُتُ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ مَا لَا يَثْبُتُ مُتَأَصِّلًا فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ فِي الضَّوَابِطِ الْمَذْكُورَةِ فِي الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْأَرْضِ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا فَهَذَا لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ نَقْلًا فِيمَا أَظُنُّ. وَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إنَّهُ يَكْفِي فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ، وَإِنَّهُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ لِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ لِخُصُوصِ الْمَحْكُومِ فِيهِ وَهُوَ الْأَرْضُ فَإِنَّهَا جُزْئِيَّةٌ لَا يَتَعَدَّاهَا الْحُكْمُ إلَى غَيْرِهَا فَقَدْ اجْتَمَعَ فِيهِمَا الشَّبَهَانِ، وَأَمْكَنَ التَّرَدُّدُ وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ النُّقُوضِ عَلَى الرِّوَايَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهَا وَالْجَوَابُ عَنْهَا. (مَسْأَلَةٌ) أَخْبَرَنِي بَعْضُ شُيُوخِي الْمُعْتَبَرِينَ أَنَّهُ رَأَى مَنْقُولًا أَنَّهُ إذَا رَوَى الْعَدْلُ الْعَبْدُ حَدِيثًا يَتَضَمَّنُ عِتْقَهُ أَنَّهُ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ فِيهِ وَإِنْ تَضَمَّنَتْ نَفْعُهُ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ مُوجِبٌ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فِي الْخُصُوصِ مَعَ وَازِعِ الْعَدَالَةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُنَبِّهُ عَلَى أَنَّ بَابَ الرِّوَايَةِ بَعِيدٌ عَنْ التُّهَمِ جِدًّا، وَأَنَّهُ سَبَبُ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ (مَسْأَلَةٌ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ إذَا تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الشَّهَادَةِ يُقْبَلُ التَّرْجِيحُ بِالْعَدَالَةِ وَهَلْ ذَلِكَ مُطْلَقًا أَوْ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــSوَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ النُّقُوضِ عَلَى الرِّوَايَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهَا وَالْجَوَابُ عَنْهَا) قُلْت جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ بِالْعَنْوَةِ أَوْ الصُّلْحِ أَنَّ فِيهِ شِبْهَ الرِّوَايَةِ وَشِبْهَ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ فِيهِ شِبْهَ الرِّوَايَةِ دُونَ شِبْهِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْخَبَرِ عَنْ وُقُوعِ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [مَسْأَلَةٌ رَوَى الْعَدْلُ الْعَبْدُ حَدِيثًا يَتَضَمَّنُ عِتْقَهُ] قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (مَسْأَلَةُ أَخْبَرَنِي بَعْضُ شُيُوخِي إلَخْ) قُلْتُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ تَنْبِيهِهَا عَلَى أَنَّ بَابَ الرِّوَايَةِ تَبْعُدُ عَنْهُ التُّهَمُ صَحِيحٌ. [مَسْأَلَةٌ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الشَّهَادَةِ] قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (مَسْأَلَةُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ إذَا تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الشَّهَادَةِ يُقْبَلُ التَّرْجِيحُ بِالْعَدَالَةِ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ) قُلْت مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّرْجِيحِ بِالْعَدَالَةِ وَالتَّرْجِيحِ بِالْعَدَدِ ظَاهِرٌ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ ثَلَاثَ فَوَائِدَ فِي اخْتِتَامِ هَذَا الْفَرْقِ وَمَا ذَكَرَهُ فِيهَا ظَاهِرٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ تَقْوِيمَ الْمُقَوِّمِ مِنْ نَوْعِ الشَّهَادَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَعَلَيْهِ فَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ وَفِي مَعْنَى الْقَاسِمِ الْخَارِصُ، وَإِنْ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ. (وَخَامِسُهَا) مُخْبِرُ الْمُصَلِّي بِعَدَدِ مَا صَلَّى هَلْ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْوَاحِدِ أَمْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اثْنَيْنِ، وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْخَبَرِ، وَشَبَهُهُ بِالرِّوَايَةِ ظَاهِرٌ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا كُلِّفَ بِهِ إلَّا بِتَعْيِينٍ فَلَا يَكْفِي الْوَاحِدُ إلَّا مَعَ قَرَائِنَ تُوجِبُ الْقَطْعَ، وَكَذَلِكَ فِي الِاثْنَيْنِ فَمَا فَوْقَهُمَا لَكِنْ نَقُولُ طَلَبُ الْيَقِينِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ مِمَّا يَشُقُّ وَيُحْرِجُ، وَالْحَرَجُ مَرْفُوعٌ شَرْعًا وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَفِي مَعْنَى مُخْبِرِ الْمُصَلِّي الْمُخْبِرُ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ، وَإِنْ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ فَافْهَمْ. (وَسَادِسُهَا) الْإِخْبَارُ عَنْ رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ قِيلَ لَهُ حُكْمُ الشَّهَادَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ اثْنَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ شَبَهِهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِهَذَا الْعَامِ دُونَ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ وَبِهَذَا الْقَرْنِ مِنْ النَّاسِ دُونَ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ وَالْآتِيَةِ وَاَلَّذِي يَقْوَى فِي النَّظَرِ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الرِّوَايَةِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رِوَايَةً حَقِيقِيَّةً لِعَدَمِ تَعْرِيفِ دَلِيلِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِهِ وَلَا شَهَادَةٍ حَقِيقَةٍ لِعَدَمِ تَرَتُّبِ حُكْمٍ وَفَصْلِ قَضَاءٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ نَوْعٌ آخَرُ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَبَرِ، وَهُوَ الْخَبَرُ عَنْ وُجُودِ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ مِنْ الِاحْتِمَالِ الْمُوجِبِ لِلْعَدَاوَةِ مَا يَتَطَرَّقُ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ الدُّنْيَوِيِّ مَعَ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ بِمُعَيَّنٍ لِعُمُومِ الْحُكْمِ فِيهِ جَمِيعَ الْحَضَرِ أَوْ أَهْلَ الْآفَاقِ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي كُلِّ قَوْمٍ رُؤْيَتُهُمْ أَوْ لَا. (وَسَابِعُهَا) الْمُؤَذِّنُ يُخْبِرُ عَنْ الْوَقْتِ، وَالْمَلَّاحُ وَمَنْ صِنَاعَتُهُ فِي الصَّحْرَاءِ يُخْبِرُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الْقِبْلَةِ هَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ عَدْلٌ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ نَقْلًا وَنَظَرًا؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَلِأَنَّ الْخَبَرَ عَنْ الْوَقْتِ وَعَنْ الْقِبْلَةِ وَإِنْ كَانَ خَبَرًا عَنْ وُقُوعِ سَبَبِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ مِنْ احْتِمَالِ قَصْدِ الْعَدُوِّ إلْزَامَ عَدُوِّهِ مَا لَا يَلْزَمُهُ وَالتَّشَفِّي مِنْهُ بِذَلِكَ مَا يَتَطَرَّقُ إلَى خَبَرِ الْمُخْبِرِ عَنْ وُقُوعِ سَبَبِ الْمِلْكِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا حَتَّى يَكُونَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ لَا يُقْبَلُ فِيهِ

أَحْكَامِ الْأَمْوَالِ خَاصَّةً وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ لَا يُقْضَى بِذَلِكَ مُطْلَقًا ثَلَاثُ أَقْوَالٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحُكُومَاتِ إنَّمَا شُرِعَتْ لِدَرْءِ الْخُصُومَاتِ وَرَفْعِ التَّظَالُمِ وَالْمُنَازَعَاتِ، فَلَوْ رَجَّحْنَا بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ لَأَمْكَنَ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ أَنَا أَزِيدُ فِي عَدَدِ بَيِّنَتِي فَنُمْهِلُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِعَدَدٍ آخَرَ فَإِذَا أَتَى بِهِ قَالَ خَصْمُهُ: أَنَا أَزِيدُ فِي الْعَدَدِ الْأَوَّلِ فَنُمْهِلُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِعَدَدٍ آخَرَ أَيْضًا فَيَطُولُ النِّزَاعُ، وَيَنْتَشِرُ الشَّغَبُ وَيَبْطُلُ مَقْصُودُ الْحُكْمِ. أَمَّا التَّرْجِيحُ بِالْأَعْدَلِيَّةِ فَلَا يُمَكِّنُ الْخَصْمَ أَنْ يَسْعَى فِي أَنْ تَصِيرَ بَيِّنَتُهُ أَعْدَلَ مِنْ بَيِّنَةِ خَصْمِهِ بِالدِّيَانَةِ وَالْعِلْمِ وَالْفَضِيلَةِ فَلَا تَنْتَشِرُ الْخُصُومَاتُ وَلَا يَطُولُ زَمَانُهَا لِانْسِدَادِ الْبَابِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْعَدَدُ فَلَيْسَ بَابُهُ مُنْسَدًّا فَيَقْدَرُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ وَلَوْ بِالزُّورِ وَالْحَاكِمُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَالْأَعْدَلِيَّةُ لَا تُسْتَفَادُ إلَّا مِنْ الْحَاكِمِ فَلَا تَسَلُّطَ لِلْخَصْمِ عَلَى زِيَادَتِهَا فَانْسَدَّ الْبَابُ. (فَائِدَةٌ) الشَّهَادَةُ خَبَرٌ وَالرِّوَايَةُ خَبَرٌ وَالدَّعْوَى خَبَرٌ وَالْإِقْرَارُ خَبَرٌ وَالنَّتِيجَةُ خَبَرٌ وَالْمُقَدِّمَةُ خَبَرٌ وَالتَّصْدِيقُ خَبَرٌ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ وَبِأَيِّ شَيْءٍ تَتَمَيَّزُ مَعَ اشْتِرَاكِهَا كُلِّهَا فِي مُطْلَقِ الْخَبَرِيَّةِ. وَالْجَوَابُ أَمَّا الشَّهَادَةُ وَالرِّوَايَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا، وَإِمَّا الدَّعْوَى فَهِيَ خَبَرٌ عَنْ حَقٍّ يَتَعَلَّقُ بِالْمُخْبِرِ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْإِقْرَارُ خَبَرٌ عَنْ حَقٍّ يَتَعَلَّقُ بِالْمُخْبِرِ وَيَضُرُّ بِهِ وَحْدَهُ عَكْسُ الدَّعْوَى الضَّارَّةِ لِغَيْرِهِ. وَلِذَلِكَ أَنَّ الْإِقْرَارَ مَتَى أَضَرَّ بِغَيْرِ الْمُخْبِرِ أَسْقَطْنَا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ كَإِقْرَارِهِ بِأَنَّ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ حُرَّانِ، وَيُسَمَّى الْإِقْرَارُ الْمُرَكَّبُ وَالنَّتِيجَةُ هِيَ خَبَرٌ نَشَأَ عَنْ دَلِيلٍ، وَقَبْلَ أَنْ يَحْصُلَ عَلَيْهِ يُسَمَّى مَطْلُوبًا وَالْمُقَدِّمَةُ هِيَ خَبَرٌ هُوَ جُزْءُ دَلِيلٍ وَالتَّصْدِيقُ هُوَ الْقَدَرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ كُلِّهَا يُسَمَّى بِأَحْسَنِ عَارِضَيْهِ لَفْظًا؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ لِقَائِلِهِ صَدَقْتَ أَوْ كَذَبْتَ فَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُسَمَّى تَكْذِيبًا غَيْرَ أَنَّهُ سُمِّيَ بِأَحْسَنِ عَارِضَيْهِ لَفْظًا (فَائِدَةٌ) مَعْنَى شَهِدَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ مُتَبَايِنَةٌ شَهِدَ بِمَعْنَى حَضَرَ وَمِنْهُ شَهِدَ بَدْرًا أَوْ شَهِدْنَا صَلَاةَ الْعِيدِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] قَالَ مَعْنَاهُ مَنْ حَضَرَ مِنْكُمْ الْمِصْرَ فِي الشَّهْرِ فَلْيَصُمْهُ، أَوْ مَنْ حَضَرَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فِي الْمِصْرِ فَلْيَصُمْهُ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَا يَلْزَمُ الْمُسَافِرَ فَالْمَقْصُودُ إنَّمَا هُوَ الْحَاضِرُ الْمُقِيمُ فَهَذَا أَحَدُ مُسَمَّيَاتِ شَهِدَ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي شَهِدَ بِمَعْنَى أَخْبَرَ وَمِنْهُ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَيْ أَخْبَرَ بِمَا يَعْتَقِدُ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى الثَّالِثُ شَهِدَ بِمَعْنَى عَلِمَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة: 6] أَيْ عَلِيمٌ وَوَقَعَ التَّرَدُّدُ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18] هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ذَلِكَ أَوْ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عِبَادَهُ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْأَمْرَيْنِ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ مَعَانِي شَهِدَ. (فَائِدَةٌ) مَعْنَى رَوَى حَمَلَ وَتَحَمَّلَ فَرَاوِي الْحَدِيثِ تَحَمَّلَهُ وَحَمَلَهُ عَنْ شَيْخِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ إنَّ إطْلَاقَ الرَّاوِيَةِ عَلَى الْمَزَادَةِ الَّتِي يُحْمَلُ فِيهَا الْمَاءُ عَلَى الْجَمَلِ مَجَازٌ مِنْ بَابِ مَجَازِ الْمُجَاوَرَةِ؛ لِأَنَّ الرَّاوِيَةَ بِنَاءً مُبَالَغَةٌ لِمَنْ كَثُرَ مِنْهُ الْحَمْلُ وَاَلَّذِي يَحْمِلُ وَيَكْثُرُ مِنْهُ الْحَمْلُ إنَّمَا هُوَ الْجَمَلُ فَهَذَا الِاسْمُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ حَقِيقَةً وَلُغَةً الْجَمَلُ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْمَزَادَةِ مَجَازٌ مِنْ بَابِ مَجَازِ الْمُجَاوَرَةِ لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجَمَلِ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ أَرْوَى الرُّبَاعِيِّ حَتَّى يَسْتَحِقَّهُ الْمَاءُ دُونَ الْجَمَلِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ مِنْهُ مَرْوَ لَا رَاوِيَةٌ، وَإِنَّمَا يَأْتِي رَاوِيَةً مِنْ الثُّلَاثِيِّ فَهَذِهِ فَوَائِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا اثْنَانِ لَا يُقَالُ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُؤَذِّنِ وَالْمُخْبِرِ عَنْ الْقِبْلَةِ بِأَنَّ الثَّانِيَ مُخْبِرٌ بِحُكْمٍ مُتَأَبَّدٍ فَإِنَّ نَصْبَ جِهَةِ الْكَعْبَةِ الْمُعَظَّمَةِ قِيَامًا لِلنَّاسِ أَمْرٌ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ لَا يَخْتَلِفُ بِخِلَافِ الْمُؤَذِّنِ لَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ وَإِخْبَارُهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ أَشْبَهَ بِالرِّوَايَةِ مِنْ الثَّانِي؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَصْلُحُ مَا ذُكِرَ فَارِقًا بَلْ الْحَقُّ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُخْبِرَ عَنْ مُشَاهَدَةٍ أَوْ اجْتِهَادٍ فَإِنْ أَخْبَرَ عَنْ مُشَاهَدَةٍ فَلَا فَرْقَ، وَإِنْ أَخْبَرَ عَنْ اجْتِهَادٍ فَالْفَرْقُ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ فِي الْوَقْتِ وَفِي الْقِبْلَةِ أَوْ عَدَمِ جَوَازِهِ فِيهِمَا أَوْ جَوَازِهِ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَالْأَصَحُّ نَقْلًا وَنَظَرًا جَوَازُهُ فِيهِمَا، وَهُنَا إشْكَالَانِ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ (أَحَدُهُمَا) الْإِجْمَاعُ عَلَى اخْتِصَاصِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ بِأَقْطَارِهَا، وَلَمْ يَجْعَلْ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لِكُلِّ قَوْمٍ رُؤْيَتَهُمْ هِلَالَ رَمَضَانَ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ بَلْ عَمَّمُوا رُؤْيَتَهُ فِي قُطْرِ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ مَعَ أَنَّ الْجَمِيعَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقْطَارِ عِنْدَ عُلَمَاءِ هَذَا الشَّأْنِ، فَقَدْ يَطْلُعُ الْهِلَالُ فِي بَلَدٍ دُونَ غَيْرِهِ بِسَبَبِ الْبُعْدِ عَنْ الْمَشْرِقِ وَالْقُرْبِ مِنْهُ فَإِنَّ الْبَلَدَ الْأَقْرَبَ إلَى الْمَشْرِقِ هُوَ بِصَدَدِ أَنْ لَا يُرَى فِيهِ الْهِلَالُ، وَيُرَى فِي الْبَلَدِ الْغَرْبِيِّ بِسَبَبِ مَزِيدِ السَّيْرِ الْمُوجِبِ لِتَخَلُّصِ الْهِلَالِ مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبَلَدَ الْمَشْرِقِيَّةَ إذَا كَانَ الْهِلَالُ فِيهَا فِي الشُّعَاعِ وَبَقِيَتْ الشَّمْسُ تَتَحَرَّكُ مَعَ الْقَمَرِ إلَى الْجِهَةِ الْغَرْبِيَّةِ فَمَا تَصِلُ الشَّمْسُ إلَى أُفُقِ الْمَغْرِبِ إلَّا وَقَدْ خَرَجَ الْهِلَالُ مِنْ الشُّعَاعِ فَيَرَاهُ أَهْلُ الْمَغْرِبِ وَلَا يَرَاهُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ هَذَا أَحَدُ أَسْبَابِ اخْتِلَافِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَلَهُ أَسْبَابٌ أُخَرُ مَذْكُورَةٌ فِي عِلْمِ الْهَيْئَةِ لَا يَلِيقُ ذِكْرُهَا هُنَا، وَلِهَذَا مَا مِنْ زَوَالٍ لِقَوْمٍ إلَّا وَهُوَ غُرُوبٌ لِقَوْمٍ وَطُلُوعٌ لِقَوْمٍ وَنِصْفُ اللَّيْلِ لِقَوْمٍ وَكُلُّ دَرَجَةٍ تَكُونُ الشَّمْسُ فِيهَا فَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ لِجَمِيعِ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِأَقْطَارٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَإِذَا قَاسَتْ الشَّافِعِيَّةُ الْهِلَالَ عَلَى أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ اُتُّجِهَ الْقِيَاسُ وَعَسِرَ الْفَرْقُ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَلَا يَنْفَعُ فِي دَفْعِهِ أَنَّ الْأَذَانَ عُدِلَ بِهِ عَنْ صِيغَةِ الْخَبَرِ إلَى صِيغَةِ الْعَلَامَةِ عَلَى الْوَقْتِ فَكَمَا كَفَى مَيْلٌ وَاحِدٌ لِلظِّلِّ وَزِيَادَةٌ وَاحِدَةٌ لَهُ وَآلَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ

لَفْظِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِلَفْظَيْ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ حَسُنَ ذِكْرُهَا بَعْدَ تَحْقِيقِ مَعْنَاهُمَا. (الْفَرْقُ الثَّانِي بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ) الَّذِي هُوَ جِنْسُ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ وَالدَّعْوَى وَمَا ذَكَرَهَا مَعَهَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَمَّا الْخَبَرُ فَهُوَ الْمُحْتَمِلُ لِلتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ لِذَاتِهِ، وَالتَّصْدِيقُ هُوَ قَوْلُنَا لَهُ صَدَقْتَ وَالتَّكْذِيبُ هُوَ قَوْلُنَا لَهُ كَذَبْتَ، وَهُمَا غَيْرُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَإِنَّ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ هُوَ قَوْلٌ وُجُودِيٌّ مَسْمُوعٌ وَالصِّدْقُ يَرْجِعُ إلَى مُطَابَقَةِ الْخَبَرِ، وَالْكَذِبُ يَرْجِعُ إلَى عَدَمِ مُطَابَقَتِهِ فَهُمَا نِسْبَةٌ وَإِضَافَةٌ وَالنِّسَبُ وَالْإِضَافَاتُ عَدَمِيَّةٌ فَوَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِالْوُجُودِ وَالْعَدَمِ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ إنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ هُوَ الْمُخْبَرُ عَنْهُ فِي التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ؛ لِأَنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ تَابِعٌ لِلْخَبَرِ وَالتَّصْدِيقَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْفَرْقُ الثَّانِي بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ، ثُمَّ قَالَ أَمَّا الْخَبَرُ فَهُوَ الْمُحْتَمِلُ لِلتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ لِذَاتِهِ، وَالتَّصْدِيقُ هُوَ قَوْلُنَا صَدَقْتَ وَالتَّكْذِيبُ هُوَ قَوْلُنَا كَذَبْتَ، وَهُمَا غَيْرُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَإِنَّ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ قَوْلٌ وُجُودِيٌّ مَسْمُوعٌ، وَالصِّدْقُ يَرْجِعُ إلَى مُطَابَقَةِ الْخَبَرِ، وَالْكَذِبُ يَرْجِعُ إلَى عَدَمِ مُطَابَقَتِهِ فَهُمَا نِسْبَةٌ وَإِضَافَةٌ وَالنِّسَبُ وَالْإِضَافَاتُ عَدَمِيَّةٌ فَوَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِالْوُجُودِ وَالْعَدَمِ. وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ إنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ هُوَ الْمُخْبَرُ عَنْهُ فِي التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ فَيَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَرْقَ مَا بَيْنَ الْمُخْبَرِ عَنْهُ وَالْخَبَرِ وَالْمُتَعَلِّقِ وَالْمُتَعَلَّقِ بِهِ، وَقَوْلُنَا لِذَاتِهِ احْتِرَازٌ مِنْ تَعَذُّرِ الصِّدْقِ أَوْ الْكَذِبِ فِيهِ لِأَجْلِ الْمُخْبَرِ بِهِ أَوْ الْمُخْبَرِ عَنْهُ، فَالْأَوَّلُ كَخَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ خَبَرِ مَجْمُوعِ الْأُمَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْكَذِبَ، وَالثَّانِي كَقَوْلِنَا الْوَاحِدُ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْكَذِبَ، أَوْ الْوَاحِدُ نِصْفُ الْعَشَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الصِّدْقَ، وَلَكِنْ جَمِيعُ هَذِهِ الْإِخْبَارَاتِ بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمُخْبَرِ بِهِ أَوْ الْمُخْبَرِ عَنْهُ تَقْبَلُهُمَا مِنْ حَيْثُ هِيَ أَخْبَارٌ، فَهَذَا هُوَ حَدُّ الْخَبَرِ الضَّابِطُ لَهُ) قُلْتُ: تَفْرِيقُهُ بَيْنَ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ وَالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ بِأَنَّ أَوَّلَهُمَا وُجُودِيٌّ وَالْآخَرَ عَدَمِيٌّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إضَافِيٌّ غَفْلَةٌ شَدِيدَةٌ، وَهَلْ مَا يَلْحَقُ خَبَرَ الْمُخْبِرِ مِنْ تَصْدِيقِ الْمُصَدَّقِ أَوْ تَكْذِيبِ الْمُكَذَّبِ إلَّا أَمْرٌ إضَافِيٌّ، وَهَلْ خَبَرُ الْمُخْبِرِ إلَّا مُتَعَلِّقٌ لِتَصْدِيقِ الْمُصَدَّقِ أَوْ تَكْذِيبِ الْمُكَذَّبِ وَمُتَعَلِّقَاتُ الْكَلَامِ بِأَسْرِهَا لَا يَلْحَقُهَا مِنْ الْكَلَامِ إلَّا أَمْرٌ إضَافِيٌّ، فَقَدْ وَقَعَ فِيمَا مِنْهُ فَرْقٌ، وَقَوْلُهُ فَإِنَّ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ قَوْلٌ وُجُودِيٌّ مَسْمُوعٌ لَا يُفِيدُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَوْجُودًا فِي خَبَرِ الْمُخْبِرِ فَيَكُونُ وَصْفًا حَقِيقِيًّا لِلْخَبَرِ بَلْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي لِسَانِ الْمُصَدَّقِ وَالْمُكَذَّبِ. وَمَا وُجُودُهُ فِي غَيْرِ الْمَحْدُودِ لَا يَصْلُحُ لِلتَّحْدِيدِ بِهِ، بَلْ الصَّحِيحُ حَدُّ الْخَبَرِ أَوْ رَسْمُهُ بِأَنَّهُ قَوْلٌ يَلْزَمُهُ الصِّدْقُ أَوْ الْكَذِبُ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَقَدْ يَنْفَكُّ عَنْ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ الْمَسْمُوعَيْنِ لَنَا إمَّا لِلْغَفْلَةِ عَنْ سَمَاعِ الْخَبَرِ، وَإِمَّا لِلْإِضْرَابِ عَنْ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ مَعَ سَمَاعِ الْخَبَرِ، وَإِمَّا لِعَدَمِ الْمُوجِبِ لِرُجْحَانِ أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ عِنْدَ السَّمَاعِ، وَالْحَدُّ وَالرَّسْمُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِمَا هُوَ لَازِمٌ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ اللَّازِمُ وَصْفًا حَقِيقِيًّا ذَاتِيًّا فَالْقَوْلُ الْمُتَضَمِّنُ لَهُ حَدٌّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَاتِيًّا فَالْقَوْلُ الْمُتَضَمِّنُ لَهُ رَسْمٌ، وَقَوْلُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ إنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ هُوَ الْمُخْبَرُ عَنْهُ فِي التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ قُلْت فَإِذَا كَانَ صِدْقُ الْخَبَرِ أَوْ كَذِبُهُ مُتَعَلِّقُ التَّصْدِيقِ أَوْ التَّكْذِيبِ، فَالصِّدْقُ ـــــــــــــــــــــــــــــQآلَاتِ الْأَوْقَاتِ كَالِاصْطَرْلَابِ وَالْمِيزَانِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَامَةٌ مُفِيدَةٌ كَذَلِكَ الْأَذَانُ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ دَلَالَةَ مَيْلِ الظِّلِّ وَزِيَادَتِهِ عَلَى دُخُولِ الْوَقْتِ قَطْعِيَّةٌ، وَدَلَالَةَ الْأَذَانِ غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ مَا دَلَالَتُهُ قَطْعِيَّةٌ لَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى الِاسْتِظْهَارِ بِخِلَافِ مَا دَلَالَتُهُ غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ. وَثَانِيهِمَا أَنَّ دَلَالَةَ الْأَذَانِ بِجُمْلَتِهِ دَلَالَةٌ عُرْفِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ بِالْمُطَابَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لِذَلِكَ وَضَعَهُ الشَّارِعُ مَعَ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ دَالٌّ عَلَى مُقْتَضَاهُ دَلَالَةً لُغَوِيَّةً بِالْمُطَابَقَةِ أَيْضًا وَمَعْنَى حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ وَكَذَا حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فِي اللُّغَةِ بِالْمُطَابَقَةِ أَقْبِلُوا إلَيْهَا، وَهُوَ يَدُلُّ الْتِزَامًا عَلَى دُخُولِ وَقْتِهَا فَيَكُونُ تَقْلِيدُ الْمُؤَذِّنِ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ إذَا أَذَّنَ كَتَقْلِيدِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَصَحِيحِ النَّظَرِ إذَا قَالَ لَنَا مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ طَلَعَ الْفَجْرُ، وَهُوَ خَبَرٌ صِرْفٌ فَافْهَمْ نَعَمْ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا ثَبَتَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَصَحِيحِ النَّظَرِ تَقْلِيدُ الْمُؤَذِّنِ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ إذَا أَذَّنَ أَمَّا إذَا أَخْبَرَ بِدُخُولِهِ مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ فَالصَّحِيحُ عِنْدِي هَهُنَا أَنْ لَا تَقْلِيدَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ نَصَبَ دَلِيلًا مُعَيَّنًا فَلَا يُتَعَدَّى مَا نَصَبَ اهـ. فَتَأَمَّلْ قُلْت لَكِنْ يُؤْخَذُ دَفْعُ هَذَا الْإِشْكَالِ مِنْ قَوْلِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ وَإِذَا قُلْنَا إنَّ الرُّؤْيَةَ تَثْبُتُ بِالْخَبَرِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَرَهُ فَهَلْ يُتَعَدَّى ذَلِكَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ بِأَنْ يَجِبَ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ لَمْ يَرَوْهُ أَنْ يَأْخُذُوا فِي ذَلِكَ بِرُؤْيَةِ بَلَدٍ آخَرَ وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْمِصْرِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ أَمْ لِكُلِّ بَلَدٍ رُؤْيَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ يَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْمَدَنِيُّونَ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَالْمُغِيرَةُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَاعَى ذَلِكَ فِي الْبُلْدَانِ النَّائِيَةِ كَالْأَنْدَلُسِ وَالْحِجَازِ وَسَبَبُ هَذَا الْخِلَافِ تَعَارُضُ الْأَثَرِ وَالنَّظَرِ فَرَوَى مُسْلِمٌ «عَنْ كُرَيْبٌ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ فَقَالَ قَدِمْت الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا وَاسْتَهَلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَقُلْتُ رَأَيْتُهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ أَنْتَ رَأَيْتَهُ فَقُلْتُ

وَالتَّكْذِيبَ تَابِعٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَيَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَرْقَ مَا بَيْنَ الْمُخْبَرِ عَنْهُ وَالْخَبَرِ وَالْمُتَعَلِّقِ وَالْمُتَعَلَّقِ بِهِ. وَقَوْلُنَا لِذَاتِهِ احْتِرَازٌ مِنْ تَعَذُّرِ الصِّدْقِ أَوْ الْكَذِبِ فِيهِ لِأَجْلِ الْمُخْبَرِ بِهِ أَوْ الْمُخْبَرِ عَنْهُ، فَالْأَوَّلُ كَخَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ خَبَرِ مَجْمُوعِ الْأُمَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْكَذِبَ، وَالثَّانِي كَقَوْلِنَا الْوَاحِدُ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْكَذِبَ أَوْ الْوَاحِدُ نِصْفُ الْعَشَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الصِّدْقَ، وَلَكِنْ جَمِيعُ هَذِهِ الْإِخْبَارَاتِ بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْمُخْبَرِ بِهِ أَوْ الْمُخْبَرِ عَنْهُ تَقْبَلُهُمَا مِنْ حَيْثُ هِيَ إخْبَارٌ، فَهَذَا هُوَ حَدُّ الْخَبَرِ الضَّابِطِ لَهُ فَإِنْ قُلْتَ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ ضِدَّانِ وَالضِّدَّانِ يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا فَلَا يَقْبَلُ مَحِلُّهُمَا إلَّا أَحَدَهُمَا أَمَّا هُمَا مَعًا فَلَا، وَإِذَا كَانَ الْمَحِلُّ لَا يَقْبَلُ إلَّا أَحَدَهُمَا كَانَ الْمُتَعَيَّنُ فِي الْحَدِّ هُوَ صِيغَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَالْكَذِبُ أَسْبَقُ لُحُوقًا بِالْخَبَرِ الْمُصَدَّقِ أَوْ الْمُكَذَّبِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ كَوْنَهُ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا هُوَ السَّبَبُ فِي تَصْدِيقِهِ أَوْ تَكْذِيبِهِ، فَقَدْ لَزِمَهُ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا الِاعْتِرَافُ بِأَنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ أَوْلَى بِالْخَبَرِ وَأَحَقُّ مِنْ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ، وَأَنَّ التَّصْدِيقَ أَوْ التَّكْذِيبَ إنَّمَا لَحِقَاهُ لِصِدْقِهِ أَوْ كَذِبِهِ، وَقَدْ نَصَّ هُوَ بَعْدَ هَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَيَّلَ بِهَا الْكَلَامَ عَلَى الْخَبَرِ عَلَى أَنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ خَصِيصَةٌ مِنْ خَصَائِصِ الْخَبَرِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَكَلَامُهُ كُلُّهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ ضَعِيفٌ سَاقِطٌ وَاضِحُ الضَّعْفِ وَالسُّقُوطِ. وَقَوْلُهُ وَقَوْلُنَا لِذَاتِهِ احْتِرَازٌ مِنْ تَعَذُّرِ الصِّدْقِ أَوْ الْكَذِبِ فِيهِ لِأَجْلِ الْمُخْبَرِ بِهِ أَوْ الْمُخْبَرِ عَنْهُ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَوْلَى الْحَدُّ أَوْ الرَّسْمُ بِأَنَّ الْخَبَرَ قَوْلٌ يَلْزَمُهُ الصِّدْقُ أَوْ الْكَذِبُ، وَلُزُومُ أَحَدِهِمَا لَهُ لَا يُمْكِنُ سَوَاءً فَقَوْلُهُ لِذَاتِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ احْتِرَازٌ مِنْ تَعَذُّرِ الصِّدْقِ أَوْ الْكَذِبِ فِيهِ لِأَجْلِ الْمُخْبَرِ بِهِ أَوْ الْمُخْبَرِ عَنْهُ قُلْت: إذَا حُدَّ أَوْ رُسِمَ بِلُزُومِ الصِّدْقِ أَوْ الْكَذِبِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّحَرُّزِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَإِنَّمَا حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ حَدُّهُ الْخَبَرُ بِأَنَّهُ الْقَوْلُ الْمُحْتَمِلُ لِلتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ، وَقَوْلُهُ لَكِنْ جَمِيعُ هَذِهِ الْإِخْبَارَاتِ بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهَا تَقْبَلُهُمَا مِنْ حَيْثُ هِيَ أَخْبَارٌ قُلْت هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ قَبُولِ الْخَبَرِ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَبَرٌ مُقْتَضَاهُ أَنَّ خَبَرَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ هُوَ خَبَرٌ يَقْبَلُ الْكَذِبَ لِذَاتِهِ، وَمَا هُوَ ذَاتِيٌّ لَا يَتَبَدَّلُ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ خَبَرُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقْبَلَ الْكَذِبَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ: الْوَاحِدُ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقْبَلَ الْكَذِبَ، وَلَيْسَ الْخَبَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَبُولِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ كَالْجَوْهَرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَبُولِ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَسَائِرِ الْأَلْوَانِ، فَإِنَّ الْخَبَرَ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ لَا يَعْرَى أَلْبَتَّةَ عَنْ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا فَمَا ثَبَتَ صِدْقُهُ لَا يَصِحُّ كَذِبُهُ بَعْدُ، وَمَا ثَبَتَ كَذِبُهُ لَا يَصِحُّ صِدْقُهُ بَعْدُ لِاسْتِحَالَةِ ارْتِفَاعِ الْوَاقِعِ، وَالْجَوْهَرُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عُرْوَةً جَائِزًا، وَإِمَّا مُمْتَنِعًا وَإِمَّا مَشْكُوكًا عَلَى حَسَبِ اضْطِرَابِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، وَمَا ثَبَتَ سَوَادُهُ يَصِحُّ بَيَاضُهُ بَعْدُ، وَمَا ثَبَتَ بَيَاضُهُ يَصِحُّ سَوَادُهُ بَعْدُ، فَمَا قَالَهُ هُنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (فَإِنْ قُلْت الصِّدْقُ وَالْكَذِبَ ضِدَّانِ يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا فَلَا يَقْبَلُ مَحِلُّهُمَا إلَّا أَحَدَهُمَا، وَإِذَا كَانَ لَا يَقْبَلُ إلَّا أَحَدَهُمَا كَانَ الْمُتَعَيَّنُ فِي الْحَدِّ صِيغَةً) ـــــــــــــــــــــــــــــQنَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ قَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ نَرَاهُ فَقُلْت أَلَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَا هَكَذَا أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَظَاهِرُ هَذَا الْأَثَرِ يَقْتَضِي أَنَّ لِكُلِّ بَلَدٍ رُؤْيَتَهُ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ وَالنَّظَرُ يُعْطِي الْفَرْقَ بَيْنَ الْبِلَادِ النَّائِيَةِ كَالْأَنْدَلُسِ وَالْحِجَازِ لَا يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ لِاخْتِلَافِ مَطَالِعِهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَبِخَاصَّةٍ مَا كَانَ نَأْيُهُ الْعَرْضَ كَثِيرًا، وَبَيْنَ الْقَرِيبَةِ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ؛ لِأَنَّهَا فِي قِيَاسِ الْأُفُقِ الْوَاحِدِ إذَا لَمْ تَخْتَلِفْ مَطَالِعُهَا كُلَّ الِاخْتِلَافِ. اهـ بِتَلْخِيصٍ وَتَصَرُّفٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ لَمْ يُعَمِّمُوا رُؤْيَةَ الْهِلَالِ فِي قُطْرِ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ كَمَا زَعَمَ الْمُعْتَرِضُ بَلْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ رُؤْيَتَهُ فِي قُطْرٍ كَالْحِجَازِ لَا تُوجِبُ حُكْمًا عَلَى مَنْ لَمْ يَرَهُ بِقَطْرٍ نَاءٍ عَنْ الْحِجَازِ كَالْأَنْدَلُسِ لِاخْتِلَافِ الْمَطْلَعَيْنِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا بِحَيْثُ يَكُونُ الْغُرُوبُ فِي الْحِجَازِ زَوَالًا فِي الْأَنْدَلُسِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ وَالْمِصْرِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ وُجُوبَ الْحُكْمِ بِرُؤْيَتِهِ فِي الْحِجَازِ عَلَى مَنْ لَمْ يَرَهُ بِقُطْرٍ غَيْرِ نَاءٍ كَالْمَدِينَةِ وَمِصْرَ بِحَيْثُ لَا يُخَالِفُ مَطْلَعُهُ مَطْلَعَ الْحِجَازِ كَثِيرًا بَلْ بِنَحْوِ الدَّرَجَةِ وَالدَّرَجَتَيْنِ، وَعَدَمُ اعْتِبَارِ هَذَا الِاخْتِلَافِ الْيَسِيرِ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ وَاعْتِبَارُهُ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ نَظَرًا لِكَوْنِ اعْتِبَارِهِ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ يُؤَدِّي لِلصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ بِخِلَافِهِ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ بَلْ قَدْ اسْتَدَلَّ السَّادَةُ الْحَنَابِلَةُ عَلَى قَوْلِهِمْ بِأَنَّ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ بِمَكَانٍ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا إذَا ثَبَتَتْ لَزِمَ النَّاسَ كُلَّهُمْ الصَّوْمُ، وَأَنَّ حُكْمَ مَنْ لَمْ يَرَهُ حُكْمُ مَنْ رَآهُ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْمَطَالِعُ نَصًّا قَالَ أَحْمَدُ الزَّوَالُ فِي الدُّنْيَا وَاحِدٌ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَهُوَ خِطَابٌ لِلْأُمَّةِ كَافَّةً، وَبِأَنَّ الشَّهْرَ فِي الْحَقِيقَةِ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ مِنْهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَكَذَا الصَّوْمُ، وَلَوْ فُرِضَ الْخِطَابُ فِي الْخَبَرِ لِلَّذِينَ رَأَوْهُ فَالْغَرَضُ حَاصِلٌ؛ لِأَنَّ مِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ وَفَوَائِدِهَا مَا إذَا رَآهُ جَمَاعَةٌ بِبَلَدٍ ثُمَّ سَافَرُوا إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ فَلَمْ يَرَ الْهِلَالَ بِهِ فِي آخِرِ الشَّهْرِ مَعَ غَيْمٍ أَوْ صَحْوٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ الْفِطْرُ وَلَا لِأَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ

أَوْ الَّتِي هِيَ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ دُونَ الْوَاوِ الَّتِي هِيَ لِلشَّيْئَيْنِ مَعًا، وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَلِأَنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ نَوْعَانِ لِلْخَبَرِ، وَالنَّوْعُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْجِنْسِ فَلَوْ عُرِفَ الْجِنْسُ بِهِ لَزِمَ الدَّوْرُ. قُلْت: الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الصَّوَابَ هُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي صِيغَةِ الْوَاوِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَنَافِي الْمَقْبُولَيْنِ تَنَافِي الْقَبُولَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُمْكِنَ قَابِلٌ لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمِ لِذَاتِهِ، وَهُمَا نَقِيضَانِ مُتَنَافِيَانِ وَالْقَبُولَانِ يَجِبُ اجْتِمَاعُهُمَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ أَحَدُ الْقَبُولَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لَلَزِمَ مِنْ نَفْيِ ذَلِكَ الْقَبُولِ ثُبُوتُ اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ الْمَقْبُولِ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُسْتَحِيلُ هُوَ الْوُجُودُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُمْكِنُ مُسْتَحِيلًا وَالْمُقَرَّرُ أَنَّهُ مُمْكِنٌ هَذَا خُلْفٌ. وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحِيلُ هُوَ الْعَدَمُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُمْكِنُ وَاجِبَ الْوُجُودِ لَا مُمْكِنَ الْوُجُودِ هَذَا خُلْفٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِمْكَانُ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الْقَبُولَيْنِ وَإِنْ تَنَافَى الْمَقْبُولَانِ فَتَتَعَيَّنُ الْوَاوُ، وَإِنَّمَا الشُّبْهَةُ الَّتِي وَقَعَتْ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْتِبَاسُ الْقَبُولَيْنِ بِالْمَقْبُولَيْنِ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَعَذُّرِ اجْتِمَاعِ الْمَقْبُولَيْنِ تَعَذُّرُ اجْتِمَاعِ الْقَبُولَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلِذَلِكَ نَقُولُ كُلُّ جِسْمٍ قَابِلٍ لِجَمِيعِ الْأَضْدَادِ وَقُبُولَاتُهُ كُلُّهَا مُجْتَمِعَةٌ لَهُ، وَإِنَّمَا الْمُتَعَاقِبَةُ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ هِيَ الْمَقْبُولَاتُ لَا الْقُبُولَاتُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَيَتَقَوَّى ذَلِكَ وَيَتَّضِحُ بِأَنَّ الْإِمْكَانَ وَالْوُجُوبَ وَالِاسْتِحَالَةَ أَحْكَامٌ وَاجِبَةُ الثُّبُوتِ لِمَحَالِّهَا لَازِمَةٌ لَهَا، وَالْإِلْزَامُ انْقِلَابُ الْمُمْكِنِ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحِيلًا وَبِالْعَكْسِ، وَذَلِكَ مُحَالٌ وَإِذَا كَانَتْ لَازِمَةً لِمَحَالِّهَا وَاللَّازِمُ لَا يُفَارِقُ الْمَلْزُومَ فَالْمَقْبُولَاتُ لَا تُفَارِقُهَا فَهِيَ مُجْتَمِعَةٌ فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــSأَوْ دُونَ الْوَاوِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَلِأَنَّ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ نَوْعَانِ لِلْخَبَرِ. وَالنَّوْعُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْجِنْسِ فَلَوْ عُرِفَ الْجِنْسُ بِهِ لَزِمَ الدَّوْرُ. قَالَ قُلْت الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الصَّوَابَ هُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي؛ (لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَنَافِي الْمَقْبُولَيْنِ تَنَافِي الْقَبُولَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُمْكِنَ قَابِلٌ لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمِ لِذَاتِهِ، وَهُمَا نَقِيضَانِ مُتَنَافِيَانِ وَالْقَبُولَانِ يَجِبُ اجْتِمَاعُهُمَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ أَحَدُ الْقَبُولَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لَلَزِمَ مِنْ نَفْيِ ذَلِكَ الْقَبُولِ ثُبُوتُ اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ الْمَقْبُولِ الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُسْتَحِيلُ هُوَ الْوُجُودُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُمْكِنُ مُسْتَحِيلًا، وَالْمُقَرَّرُ أَنَّهُ مُمْكِنٌ هَذَا خُلْفٌ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحِيلُ هُوَ الْعَدَمُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُمْكِنُ وَاجِبَ الْوُجُودِ لَا مُمْكِنَ الْوُجُودِ هَذَا خُلْفٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِمْكَانُ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الْقَبُولَيْنِ وَإِنْ تَنَافَى الْمَقْبُولَانِ فَتَتَعَيَّنُ الْوَاوُ، وَإِنَّمَا الشُّبْهَةُ الَّتِي وَقَعَتْ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْتِبَاسُ الْقَبُولَيْنِ بِالْمَقْبُولَيْنِ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَعَذُّرِ اجْتِمَاعِ الْمَقْبُولَيْنِ تَعَذُّرُ اجْتِمَاعِ الْقَبُولَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلِذَلِكَ نَقُولُ كُلُّ جِسْمٍ قَابِلٌ لِجَمِيعِ الْأَضْدَادِ وَقُبُولَاتُهَا كُلُّهَا مُجْتَمِعَةٌ لَهُ، وَإِنَّمَا الْمُتَعَاقِبَةُ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ هِيَ الْمَقْبُولَاتُ لَا الْقُبُولَاتُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. وَيَتَقَوَّى ذَلِكَ وَيَتَّضِحُ بِأَنَّ الْإِمْكَانَ وَالْوُجُوبَ وَالِاسْتِحَالَةَ أَحْكَامٌ وَاجِبَةُ الثُّبُوتِ لِمَحَالِّهَا لَازِمَةٌ لَهَا، وَإِلَّا لَزِمَ انْقِلَابُ الْمُمْكِنِ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحِيلًا وَبِالْعَكْسِ، وَذَلِكَ مُحَالٌ وَإِذَا كَانَتْ لَازِمَةً لِمَحَالِّهَا، وَاللَّازِمُ لَا يُفَارِقُ الْمَلْزُومَ فَالْقُبُولَاتُ لَا تُفَارِقُهَا فَهِيَ مُجْتَمِعَةٌ فِيهَا) قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا هُوَ صِدْقٌ لَا يَصِحُّ أَنْ يَصِيرَ كَذِبًا. وَمَا هُوَ كَذِبٌ لَا يَصِحُّ أَنْ يَصِيرَ صِدْقًا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْمُخَالِفِ وَعَنْ صُوَرِهَا مَا إذَا رَآهُ جَمَاعَةٌ ثُمَّ سَارَتْ بِهِمْ رِيحٌ فِي سَفِينَةٍ فَوَصَلُوا إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ فِي آخِرِ اللَّيْلِ لَمْ يَلْزَمْهُمْ الصَّوْمُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، وَلَمْ يَحِلَّ لَهُمْ الْفِطْرُ فِي آخِرِهِ عِنْدَهُمْ، وَهَذَا كُلُّهُ مُصَادِمٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَأَجَابُوا عَنْ خَبَرِ كُرَيْبٌ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُفْطِرُونَ بِقَوْلِ كُرَيْبٌ وَحْدَهُ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ قَضَاءِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ هُوَ فِي الْحَدِيثِ قَالُوا. وَأَجَابَ الْقَاضِي عَنْ قَوْلِ الْمُخَالِفِ الْهِلَالُ يَجْرِي مَجْرَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ لِكُلِّ بَلَدٍ حُكْمَ نَفْسِهِ فَكَذَا الْهِلَالُ بِأَنَّ الشَّمْسَ تَتَكَرَّرُ مُرَاعَاتُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ فَيُؤَدِّي قَضَاءُ الْعِبَادَاتِ إلَى كَبِيرِ الْمَشَقَّةِ، وَالْهِلَالُ فِي السَّنَةِ مَرَّةٌ فَلَيْسَ فِي قَضَاءِ يَوْمٍ كَبِيرُ مَشَقَّةٍ، وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْعُمُومِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ كَذَا فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ شَرْحِ الْإِقْنَاعِ مَعَ الْمَتْنِ بِتَصَرُّفٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْإِشْكَالُ الثَّانِي التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْمُؤَذِّنِ يُقْبَلُ فِيهِ الْوَاحِدُ وَبَيْنَ الْمُخْبِرِ عَنْ هِلَالِ رَمَضَانَ لَا يُقْبَلُ فِيهِ الْوَاحِدُ مَعَ أَنَّ الْمُخْبِرَ عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ عَلَى قَاعِدَةِ الْمَالِكِيَّةِ مِنْ عُمُومِ رُؤْيَتِهِ فِي قُطْرِ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ خَبَرُهُ أَشْبَهُ بِالرِّوَايَةِ مِنْ الْمُؤَذِّنِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ الْوَاحِدُ قِيَاسًا عَلَى الْمُؤَذِّنِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَلَا يَنْفَعُ فِي دَفْعِهِ أَنَّ الْمَعَانِيَ الْكُلِّيَّةَ قَدْ يُسْتَثْنَى مِنْهَا بَعْضُ أَفْرَادِهَا بِالسَّمْعِ. وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا شَهِدَ عَدْلَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا وَانْسُكُوا» فَاشْتَرَطَ عَدْلَيْنِ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ وَمَعَ تَصْرِيحِ صَاحِبِ الشَّرْعِ بِاشْتِرَاطِ عَدْلَيْنِ لَا يَلْزَمُنَا بِالْعَدْلِ الْوَاحِدِ شَيْءٌ، وَلَا يُسْمَعُ الِاسْتِدْلَال بِالْمُنَاسَبَاتِ فِي إبْطَالِ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ يَدُلُّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدْلَيْنِ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ إنَّمَا يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ فَإِنَّ مَنْطُوقَهُ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ يَجِبُ عِنْدَهُمَا مَا ذُكِرَ وَمَفْهُومُهُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْطِ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَكْفِي، وَالْقِيَاسُ الْجَلِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْطُوقِ اللَّفْظِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِمَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْمَفْهُومِ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ وَغَيْرَهُ يَقُولُ

وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْحَدِّ إنَّمَا هُوَ شَرْحُ لَفْظِ الْمَحْدُودِ وَبَيَانُ نِسْبَتِهِ إلَيْهِ فَإِنَّ قَوْلَنَا الْإِنْسَانُ هُوَ الْحَيَوَانُ النَّاطِقُ حَدٌّ صَحِيحٌ مَعَ أَنَّ السَّامِعَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْحَيَوَانِ وَبِالنَّاطِقِ إلَّا لَكَانَ حَدُّنَا وَقَعَ بِالْمَجْهُولِ، وَالتَّحْدِيدُ بِالْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ فَهُوَ حِينَئِذٍ عَالِمٌ بِالْحَيَوَانِ وَبِالنَّاطِقِ وَمَتَى كَانَ عَالِمًا بِهِمَا كَانَ عَالِمًا بِالْإِنْسَانِ، فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْإِنْسَانِ إلَّا هُمَا، وَإِذَا كَانَ عَالِمًا بِالْإِنْسَانِ تَعَيَّنَ انْصِرَافُ التَّعْرِيفِ وَالْحَدِّ إلَى بَيَانِ نِسْبَةِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَمِعَ لَفْظَ الْإِنْسَانِ فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ مُسَمًّى مَا مُجْمَلًا لَمْ يَعْلَمْ تَفْصِيلَهُ فَبَسَطْنَا نَحْنُ ذَلِكَ الْمُسَمَّى أَوْ قُلْنَا لَهُ هُوَ الْحَيَوَانُ النَّاطِقُ الَّذِي أَنْتَ تَعْرِفُهُ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِالْحَدِّ إلَّا بَيَانُ نِسْبَةِ اللَّفْظِ وَخُرُوجُهُ مِنْ حَيِّزِ الْإِجْمَالِ إلَى حَيِّزِ التَّفْصِيلِ وَالْبَيَانِ كَذَلِكَ هَاهُنَا يَعْلَمُ السَّامِعُ مَعْنَى التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ، وَلَا يَعْلَمُ مَدْلُولَ لَفْظِ الْخَبَرِ فَبَسَطْنَاهُ نَحْنُ لَهُ وَفَصَّلْنَاهُ وَقُلْنَا لَهُ مَدْلُولُ هَذَا اللَّفْظِ هُوَ الَّذِي يَدْخُلُهُ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ اللَّذَانِ تَعْرِفُهُمَا فَانْشَرَحَ لَهُ مَا كَانَ مُجْمَلًا. وَلِذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي حَدِّ الْحَدِّ هُوَ الْقَوْلُ الشَّارِحُ وَعَلَى هَذَا يَزُولُ الدَّوْرُ عَنْ جَمِيعِ الْحُدُودِ إذَا كَانَ مُدْرَكُهَا هَذَا الْمُدْرَكَ نَحْوَ قَوْلِهِمْ الْعِلْمُ مَعْرِفَةُ الْمَعْلُومِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ مَعَ تَوَقُّفِ الْمَعْلُومِ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْهُ، وَالْأَمْرُ هُوَ الْقَوْلُ الْمُقْتَضِي طَاعَةَ الْمَأْمُورِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ مَعَ أَنَّ الْمَأْمُورَ وَالْمَأْمُورَ بِهِ مُشْتَقَّانِ مِنْ الْأَمْرِ فَهَذَا آخِرُ الْقَوْلِ فِي حَدِّ الْخَبَرِ. وَأَمَّا حَدُّ الْإِنْشَاءِ وَبَيَانُ حَقِيقَتِهِ فَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي بِحَيْثُ يُوجَدُ بِهِ مَدْلُولُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ مُتَعَلِّقُهُ فَقَوْلُنَا يُوجَدُ بِهِ مَدْلُولُهُ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا قَالَ قَائِلٌ السَّفَرُ عَلَيَّ وَاجِبٌ فَيُوجِبُهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ عُقُوبَةً لَهُ فَإِنَّ الْوُجُوبَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَثْبُتْ بِهَذَا اللَّفْظِ بَلْ بِإِيجَابِ الشَّارِعِ بِخِلَافِ إزَالَةِ الْعِصْمَةِ بِالطَّلَاقِ وَالْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْإِنْشَاءِ فَإِنَّهَا تُوجِبُ مَدْلُولَاتِهَا. وَإِنْ لَمْ تَقْتَرِنْ بِهَا نِيَّةٌ وَلَا أَمْرٌ آخَرُ مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ ـــــــــــــــــــــــــــــSفَلَيْسَ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخَبَرِ كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَوْهَرِ، فَلَا يَصِحُّ فِي الْخَبَرِ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ قَابِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ كَمَا لَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ، فَيُقَالُ هُوَ قَابِلٌ لِلنُّطْقِ وَغَيْرِهِ بَلْ لَا يَكُونُ إلَّا نَاطِقًا أَوْ غَيْرَ نَاطِقٍ، وَمَا يَكُونُ نَاطِقًا لَا يَكُونُ غَيْرَ نَاطِقٍ، وَمَا يَكُونُ غَيْرَ نَاطِقٍ لَا يَكُونُ نَاطِقًا، وَإِنَّمَا يُقَالُ فِي الشَّيْءِ أَنَّهُ قَابِلٌ أَوْ غَيْرُ قَابِلٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَصِحُّ اتِّصَافُهُ بِهِ وَعَدَمُ اتِّصَافِهِ بِهِ، وَيَصِحُّ فِيهِ تَبَدُّلُ ذَلِكَ الِاتِّصَافِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ كَذَلِكَ فَالصَّحِيحُ مَا اخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْحَدِّ إنَّمَا هُوَ شَرْحُ لَفْظِ الْمَحْدُودِ إلَى آخِرِ الْجَوَابِ) قُلْت: هَذَا الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا هُوَ شَرْحُ لَفْظِ الْمَحْدُودِ يَعْنِي اسْمَهُ هُوَ رَأْيُ الْإِمَامِ الْفَخْرِ وَقَدْ خُولِفَ فِي ذَلِكَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ نَظَرٌ يَفْتَقِرُ إلَى بَسْطٍ يَطُولُ وَيَعْسُرُ، وَصِحَّةُ الْجَوَابِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (وَأَمَّا حَدُّ الْإِنْشَاءِ فَهُوَ الْقَوْلُ الَّذِي بِحَيْثُ يُوجَدُ مَدْلُولُهُ بِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ مُتَعَلِّقُهُ فَقَوْلُنَا يُوجَدُ مَدْلُولُهُ بِهِ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا قَالَ قَائِلٌ السَّفَرُ عَلَيَّ وَاجِبٌ فَيُوجِبُهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ عُقُوبَةً لَهُ فَإِنَّ الْوُجُوبَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَثْبُتْ بِهَذَا اللَّفْظِ بَلْ بِإِيجَابِ الشَّارِعِ بِخِلَافِ إزَالَةِ الْعِصْمَةِ بِالطَّلَاقِ وَالْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْإِنْشَاءِ فَإِنَّهَا تُوجِبُ مَدْلُولَاتِهَا وَإِنْ لَمْ تَقْتَرِنْ بِهَا نِيَّةٌ وَلَا أَمْرٌ آخَرُ مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ) قُلْت. أَمَّا قَوْلُهُ وَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَفْهُومُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مُطْلَقًا، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا فَلَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ، وَثَامِنُهَا الْمُخْبِرُ عَنْ قِدَمِ الْعَيْبِ أَوْ حُدُوثِهِ فِي السِّلَعِ عِنْدَ التَّحَاكُمِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ الْقَوْلَ فِيهِ أَنَّهُ شَهَادَةٌ، وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ جُزْئِيٌّ عَلَى شَخْصٍ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ مُتَّجَهٌ إلَّا أَنَّهُ يُعَكِّرُ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْمُسْلِمُونَ قُبِلَ فِيهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ الْأَطِبَّاءِ وَنَحْوِهِمْ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَغَيْرُهُ وَنَصُّ خَلِيلٍ وَقُبِلَ لِلتَّعَذُّرِ غَيْرُ عُدُولٍ وَإِنْ مُشْرِكِينَ اهـ. قَالُوا وَيَكْفِي الْوَاحِدُ لِأَنَّ هَذَا طَرِيقُهُ الْخَبَرُ فِيمَا يَنْفَرِدُونَ بِعِلْمِهِ إذْ كَيْفَ يُصَرِّحُونَ بِالشَّهَادَةِ مَعَ قَبُولِ الْكَفَرَةِ فِيهَا، وَالْكُفَّارُ لَا مَدْخَلَ لَهُمْ فِيهَا عَلَى أُصُولِنَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ وَشَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بَلْ لَا مَدْخَلَ لَهُمْ فِي الرِّوَايَةِ أَيْضًا، وَلَا نُسَلِّمُ حُصُولَ الْعُذْرِ بِقَوْلِهِمْ إنَّ هَذَا أَمْرٌ يَنْفَرِدُونَ بِعِلْمِهِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ يَعْلَمُونَ هَذِهِ الْأَمْرَاضَ مَعَ إمْكَانِ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِمْ مَعَهُمْ فِي الْعِلْمِ بِذَلِكَ كَمَا أَنَّ كُلَّ شَاهِدٍ إنَّمَا يُخْبِرُ عَمَّا عَلِمَهُ مَعَ إمْكَانِ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ لَهُ فِيهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. وَتَاسِعُهَا خَبَرُ الْمُخْبِرِ فِي الْهَدِيَّةِ وَالِاسْتِئْذَانِ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِجُزْئِيٍّ فِي الْهَدِيَّةِ وَالْإِذْنِ وَالْمُهْدِي وَالْآذِنِ وَالْمُهْدَى إلَيْهِ وَالْمَأْذُونِ لَهُ إلَّا أَنَّهُ فِي مَعْنَى الرِّوَايَةِ لَا الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ فَصْلُ قَضَاءٍ، وَإِنَّمَا جَوَّزَ فِيهِ مَالِكٌ مَا لَا يَجُوزُ فِي الرِّوَايَةِ مِنْ قَبُولِ خَبَرِ الصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَصَّارِ قَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الصَّبِيِّ وَالْأُنْثَى وَالْكَافِرِ الْوَاحِدِ فِي الْهَدِيَّةِ وَالِاسْتِئْذَانِ لِإِلْجَاءِ الضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ لُزُومِ الْمَشَقَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّجْوِيزِ، إذْ لَوْ كَانَ أَحَدُنَا لَا يَدْخُلُ بَيْتَ صَدِيقِهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِعَدْلٍ يَشْهَدُ لَهُ بِإِذْنِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ أَوْ لَا يَبْعَثُ بِهَدِيَّتِهِ إلَّا مَعَ عَدْلٍ لَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ مَعَ نُدُورِ الْخُلُوِّ عَنْ قَرَائِنِ تَحْصِيلِ الظَّنِّ، وَالْقَوَاعِدُ يُسْتَثْنَى مِنْهَا مَحَالُّ الضَّرُورَاتِ كَمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ وَعَاشِرُهَا خَبَرُ الْمُخْبِرِ فِي إهْدَاءِ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا لَيْلَةَ الْعُرْسِ وَإِنْ كَانَ إخْبَارًا عَنْ تَعْيِينٍ مُبَاحٍ جُزْئِيٍّ إلَّا أَنَّهُ فِي مَعْنَى الرِّوَايَةِ لَا الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ فَصْلُ قَضَاءٍ فَمِنْ هُنَا نَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ فِي مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ لَهُ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ عَلَى قَبُولِ قَوْلِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِيهِ. (قُلْت) وَالظَّاهِرُ قَبُولُ خَبَرِ الصَّبِيِّ

وَقَوْلُنَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي بِحَيْثُ يُوجَدُ، وَلَمْ نَقُلْ يُوجَبُ احْتِرَازٌ مِنْ صِيَغِ الْإِنْشَاءِ إذَا صَدَرَتْ مِنْ سَفِيهٍ أَوْ فَاقِدِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا فِي تِلْكَ الصُّورَةِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَدْلُولُهَا، وَلَا تُوجِبُ حُكْمًا وَلَكِنْ ذَلِكَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا لَكِنَّهَا بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ تُوجَدُ مَدْلُولَاتُهَا فَلِذَلِكَ قُلْنَا بِحَيْثُ يُوجَدُ أَيْ شَأْنُهَا ذَلِكَ مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ أَوْ يُعَارِضُ مُعَارِضٌ وَقَوْلُنَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ احْتِرَازٌ مِنْ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ مَدْلُولَهُ فِي اعْتِقَادِ السَّامِعِ فَإِنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ قَامَ زَيْدٌ أَفَادَنَا هَذَا الْقَوْلُ اعْتِقَادَ أَنَّهُ قَامَ، وَلَمْ يُفِدْ هَذَا الْقَوْلُ الْقِيَامَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ صِيَغِ الْإِنْشَاءِ فَإِنَّهَا تُفِيدُ مَدْلُولَاتِهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَفِي اعْتِقَادِ السَّامِعِ فَصَارَتْ خَصِيصَتُهَا هِيَ الْإِفَادَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَمَّا فِي اعْتِقَادِ السَّامِعِ فَهُوَ أَمْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخَبَرِ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ التَّمْيِيزُ، وَقَوْلُنَا أَوْ مُتَعَلِّقُهُ لِتَنْدَرِجَ الْإِنْشَاءَاتُ بِكَلَامِ النَّفْسِ فَإِنَّ كَلَامَ النَّفْسِ لَا دَلَالَةَ فِيهِ وَلَا مَدْلُولَ، وَإِنَّمَا فِيهِ مُتَعَلِّقٌ وَمُتَعَلَّقٌ خَاصَّةً وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَسَائِلِ الْإِنْشَاءِ فَيَقَعُ الْفَرْقُ عَلَى هَذَا الْبَيَانِ بَيْنَ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــSلَمْ تَقْتَرِنْ بِهَا نِيَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ، وَإِلَّا فَقَوْلُ الْقَائِلِ لِزَوْجِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى وَجْهِ الْغَلَطِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لَهَا أَنْتِ حَائِضٌ لَا يَلْزَمُهُ بِهِ طَلَاقٌ فِي الْفَتْوَى، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ مُخْبِرًا بِأَنَّهَا طَالِقٌ فِي الْحَالِ إذَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا أَمْرَ آخَرَ مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِذَلِكَ الْأَمْرَ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ وَالْتِزَامِ مُقْتَضَيَاتِهَا فَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَإِلَّا فَلَا أَدْرِي مَا أَرَادَ بِذَلِكَ، قَالَ وَقَوْلُنَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي بِحَيْثُ يُوجَدُ وَلَمْ نَقُلْ يُوجَبُ احْتِرَازٌ مِنْ صِيَغِ الْإِنْشَاءِ إذَا صَدَرَتْ مِنْ سَفِيهٍ أَوْ فَاقِدِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا فِي تِلْكَ الصُّورَةِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَدْلُولُهَا، وَلَا تُوجِبُ حُكْمًا وَلَكِنَّ ذَلِكَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا، لَكِنَّهَا بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ تُوجِبُ مَدْلُولَاتِهَا فَلِذَلِكَ قُلْنَا بِحَيْثُ يُوجَدُ أَيْ شَأْنُهَا ذَلِكَ مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ أَوْ يُعَارِضُ مُعَارِضٌ قُلْت تَضَمَّنَ كَلَامُهُ هَذَا أَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ تُوجَدُ بِهَا مَدْلُولَاتُهَا لِذَاتِهَا مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ، وَمَا هُوَ ذَاتِيٌّ لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْنَعَهُ مَانِعٌ فَكَلَامُهُ هَذَا ضَعِيفٌ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَتَحَرَّزَ بِذِكْرِ قَيْدِ صُدُورِ هَذِهِ الصِّيَغِ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ قَالَ شِهَابُ الدِّينِ. (وَقَوْلُنَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ احْتِرَازٌ مِنْ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ ذَلِكَ فِي اعْتِقَادِ السَّامِعِ فَإِنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ قَامَ زَيْدٌ أَفَادَنَا هَذَا الْقَوْلُ اعْتِقَادَ أَنَّهُ قَامَ، وَلَمْ يُفِدْ هَذَا الْقَوْلُ الْقِيَامَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ صِيَغِ الْإِنْشَاءِ فَإِنَّهَا تُفِيدُ مَدْلُولَتِهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَفِي اعْتِقَادِ السَّامِعِ فَصَارَتْ خَصِيصَتُهَا هِيَ الْإِفَادَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، أَمَّا فِي اعْتِقَادِ السَّامِعِ فَهُوَ أَمْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخَبَرِ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ التَّمْيِيزُ) قُلْت هَذَا الِاحْتِرَازُ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ كُلُّهُ مُسْتَقِيمٌ غَيْرَ قَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ يُوجِبُ مَدْلُولَهُ فِي اعْتِقَادِ السَّامِعِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَازِمٍ إلَّا عِنْدَ اعْتِقَادِ السَّامِعِ صِدْقَ الْمُخْبِرِ. وَأَمَّا عِنْدَ اعْتِقَادِهِ كَذِبَهُ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ قَالَ، وَقَوْلُنَا أَوْ مُتَعَلِّقَةِ لِتَنْدَرِجَ الْإِنْشَاءَاتُ بِكَلَامِ النَّفْسِ إلَى قَوْلِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَسَائِلِ الْإِنْشَاءِ قُلْت يَلْزَمُ عَنْ قَوْلِهِ هَذَا أَنَّهُ جَمَعَ فِي الْحَدِّ بَيْنَ حَقِيقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، وَهُمَا الْقَوْلُ اللِّسَانِيُّ وَالْقَوْلُ النَّفْسَانِيُّ، وَذَلِكَ خَلَلٌ فِي الْحُدُودِ قَالَ (فَيَقَعُ الْفَرْقُ عَلَى هَذَا الْبَيَانِ بَيْنَ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْكَافِرِ فِيهِ أَيْضًا لِإِلْجَاءِ ضَرُورَاتِ النَّاسِ إلَى تَجْوِيزِ ذَلِكَ مَعَ مَا اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الضَّرُورَةِ مِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَهْلِ وَالْأَقَارِبِ وَنُدْرَةِ التَّدْلِيسِ وَالْغَلَطِ فِي مِثْلِ هَذَا مَعَ شُهْرَتِهِ وَعَدَمِ الْمُسَامَحَةِ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ الِاسْتِئْذَانُ وَالْهَدِيَّةُ. وَحَادِيَ عَشَرَهَا خَبَرُ الْقَصَّابِ فِي الذَّكَاةِ هُوَ فِي مَعْنَى الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ فَصْلُ قَضَاءٍ، وَإِنَّمَا جَوَّزَ فِيهِ مَالِكٌ قَبُولَ خَبَرِ الْكِتَابِيِّ فِي قَوْلِ ابْنِ الْقَصَّارِ قَالَ مَالِكٌ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَصَّابِ فِي الذَّكَاةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا وَمَنْ مِثْلُهُ يَذْبَحُ اهـ لِإِلْجَاءِ الضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ لِلُزُومِ الْمَشَقَّةِ عِنْدَ عَدَمِ التَّجْوِيزِ مَعَ نُدُورِ الْخُلُوِّ عَنْ الْقَرَائِنِ الْمُحَصِّلَةِ لِلظَّنِّ كَمَا سَبَقَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَهَا، فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَرْكَ الْقَصَّابِ وَمَا يَدَّعِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مِلْكِ مَا تَحْتَ يَدِهِ حَتَّى تَكُونَ مِنْ قَبِيلِ قَاعِدَةِ: إنَّ كُلَّ أَحَدٍ مُؤْتَمَنٌ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ فَإِذَا قَالَ الْكَافِرُ هَذَا مَالِي أَوْ هَذَا الْعَبْدُ رَقِيقٌ لِي صُدِّقَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا قَالَ هَذَا مِلْكِي أَوْ هَذِهِ أَمَتِي لَمْ نَعُدَّهُ رَاوِيًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَإِلَّا لَاشْتَرَطْنَا فِيهِ الْعَدَالَةَ وَلَا شَاهِدًا بَلْ نَقْبَلُهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ أَفْسَقَ النَّاسِ بَلْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا هَلْ يُسْتَبَاحُ أَكْلُهَا بِنَاءً عَلَى خَبَرِ الْقَصَّابِ بِتَذْكِيَتِهَا أَمْ لَا فَافْهَمْ قُلْت وَمِنْ قَبِيلِ قَوْلِ الْقَصَّابِ فِي الذَّكَاةِ قَوْلُ الْقُبْطَانِ وَنَحْوِهِ بِالْوَابُورِ فِي مُحَاذَاةِ الْحُجَّاجِ لِلْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ كَافِرًا عِنْدَ تَعَذُّرِ غَيْرِهِ لِإِلْجَاءِ الضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ إلَخْ، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ نَصَّ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ فَانْظُرْهُ، وَثَانِيَ عَشَرَهَا الْخَبَرُ بِكَوْنِ الْأَرْضِ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا فَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَحْكَامُ الصُّلْحِ أَوْ أَحْكَامُ الْعَنْوَةِ مِنْ كَوْنِهَا طَلْقًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ وَقْفًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ الظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ شِبْهَ الرِّوَايَةِ لَا شِبْهَ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْخَبَرِ عَنْ وُقُوعِ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَيَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ. (تَتِمَّةٌ) : فِي مُهِمَّيْنِ (الْمُهِمُّ الْأَوَّلُ) : إذَا تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَاتُ فِي الشَّهَادَةِ فَفِي قَبُولِ التَّرْجِيحِ بِالْعَدَالَةِ مُطْلَقًا ثَالِثُهَا فِي أَحْكَامِ الْأَمْوَالِ خَاصَّةً وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَقْوَالٌ لِأَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَلَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ

[الفرق بين قاعدتي الإنشاء والخبر]

مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ. وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّ الْإِنْشَاءَ سَبَبٌ لِمَدْلُولِهِ وَالْخَبَرَ لَيْسَ سَبَبًا لِمَدْلُولِهِ فَإِنَّ الْعُقُودَ أَسْبَابٌ لِمَدْلُولَاتِهَا وَمُتَعَلِّقَاتهَا بِخِلَافِ الْأَخْبَارِ. الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْإِنْشَاءَاتِ يَتْبَعُهَا مَدْلُولُهَا، وَالْأَخْبَارُ تَتْبَعُ مَدْلُولَاتِهَا أَمَّا تَبَعِيَّةُ مَدْلُولِ الْإِنْشَاءَاتِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ وَالْمِلْكَ مَثَلًا إنَّمَا يَقَعَانِ بَعْدَ صُدُورِ صِيغَةِ الطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ. وَأَمَّا أَنَّ الْخَبَرَ تَابِعٌ لِمُخْبِرِهِ فَنَعْنِي بِالتَّبَعِيَّةِ أَنَّهُ تَابِعٌ لِتَقَرُّرِ مُخْبِرِهِ فِي زَمَانِهِ مَاضِيًا كَانَ أَوْ حَاضِرًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا فَقَوْلُنَا قَامَ زَيْدٌ تَبَعٌ لِقِيَامِهِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي، وَقَوْلُنَا هُوَ قَائِمٌ تَبَعٌ لِقِيَامِهِ فِي الْحَالِ، وَقَوْلُنَا سَيَقُومُ السَّاعَةَ تَبَعٌ لِتَقَرُّرِ قِيَامِهِ فِي الِاسْتِقْبَالِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّبَعِيَّةِ التَّبَعِيَّةَ فِي الْوُجُودِ، وَإِلَّا لَمَا صُدِّقَ ذَلِكَ إلَّا فِي الْمَاضِي فَقَطْ فَإِنَّ الْحَاضِرَ مُقَارِنٌ فَلَا تَبَعِيَّةَ لِحُصُولِ الْمُسَاوَاةِ وَالْمُسْتَقْبَلُ وُجُودُهُ بَعْدَ الْخَبَرِ فَكَانَ مَتْبُوعًا لَا تَابِعًا فَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مَعْنَى قَوْلِ الْفُضَلَاءِ: الْخَبَرُ تَابِعٌ لِمُخْبِرِهِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ: الْعِلْمُ تَابِعٌ لِمَعْلُومِهِ أَيْ تَابِعٌ لِتَقَرُّرِهِ فِي زَمَانِهِ مَاضِيًا كَانَ الْمَعْلُومُ أَوْ حَاضِرًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا فَإِنَّا نَعْلَمُ الْحَاضِرَاتِ وَالْمُسْتَقْبِلَات كَمَا نَعْلَمُ الْمَاضِيَاتِ، وَالْعِلْمُ فِي الْجَمِيعِ تَبَعٌ لِمَعْلُومِهِ فَالْعِلْمُ بِأَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ غَدًا فَرْعٌ وَتَابِعٌ لِتَقَرُّرِ طُلُوعِهَا فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْإِنْشَاءَ لَا يَقْبَلُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا صَدَقَ وَلَا كَذَبَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ طَلَاقِ امْرَأَتِهِ. وَكَذَلِكَ لِمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْإِنْشَاءِ بِخِلَافِ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي حَدِّ الْخَبَرِ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنَّ الْإِنْشَاءَ لَا يَقَعُ إلَّا مَنْقُولًا عَنْ أَصْلِ الْوَضْعِ فِي صِيَغِ الْعُقُودِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهَا، وَقَدْ يَقَعُ إنْشَاءٌ فِي الْوَضْعِ الْأَوَّلِ كَالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي فَإِنَّهَا تُنْشِئُ الطَّلَبَ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ الْأَوَّلِ، وَالْخَبَرُ يَكْفِي فِيهِ الْوَضْعُ الْأَوَّلُ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ فَقَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا يُفِيدُ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ بِالْوَضْعِ الْأَوَّلِ بَلْ أَصْلُ هَذِهِ الصِّيغَةِ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ طَلَاقِهَا ثَلَاثًا، وَأَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ كَمَا يَتَّفِقُ لَهُ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ إذَا سَأَلَتْهُ امْرَأَتُهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَيَقُولُ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إعْلَامًا لَهَا بِتَقَدُّمِ الطَّلَاقِ فَهَذَا هُوَ أَصْلُ الصِّيغَةِ، وَإِنَّمَا صَارَتْ تُفِيدُ الطَّلَاقَ بِسَبَبِ النَّقْلِ الْعُرْفِيِّ عَنْ الْإِخْبَارِ إلَى الْإِنْشَاءِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ هَذِهِ الصِّيَغِ (تَنْبِيهٌ) اعْتَقَدَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّ قَوْلَنَا فِي حَدِّ الْخَبَرِ أَنَّهُ الْمُحْتَمِلُ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ لَهُمَا اسْتَفَادَهُ الْخَبَرُ مِنْ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ، وَأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــSمِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ) قُلْت كَلَامُهُ فِي هَذِهِ الْأَوْجُهِ ظَاهِرٌ مُسْتَقِيمٌ. قَالَ: (الْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنَّ الْإِنْشَاءَ لَا يَقَعُ إلَّا مَنْقُولًا عَنْ أَصْلِ الْوَضْعِ فِي صِيَغِ الْعُقُودِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهَا، وَقَدْ يَقَعُ إنْشَاءٌ بِالْوَضْعِ الْأَوَّلِ كَالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي فَإِنَّهَا تُنْشِئُ الطَّلَبَ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ الْأَوَّلِ، وَالْخَبَرُ يَكْفِي فِيهِ الْوَضْعُ الْأَوَّلُ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ فَقَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا يُفِيدُ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ بِالْوَضْعِ الْأَوَّلِ، بَلْ أَصْلُ هَذِهِ الصِّيغَةِ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ طَلَاقِهَا ثَلَاثًا، وَأَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ كَمَا يُتَّفَقُ لَهُ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ إذَا سَأَلَتْهُ امْرَأَتُهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَيَقُولُ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إعْلَامًا لَهَا بِتَقَدُّمِ الطَّلَاقِ) قُلْت لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ بَلْ يَقَعُ غَيْرَ مَنْقُولٍ عَلَى وَجْهِ الِاشْتِرَاكِ لَكِنْ يَتَرَجَّحُ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ بِرُجْحَانِ الْمَجَازِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (تَنْبِيهٌ اعْتَقَدَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّ قَوْلَنَا فِي حَدِّ الْخَبَرِ أَنَّهُ الْمُحْتَمِلُ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ لَهُمَا اسْتِفَادَةُ الْخَبَرِ مِنْ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ، وَأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَدَدَ لَيْسَ بَابُهُ مُنْسَدًّا فَيَقْدِرُ الْخَصْمُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ وَلَوْ بِالزُّورِ، وَالْحَاكِمُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَلَوْ رَجَّحْنَا بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ لَطَالَ النِّزَاعُ وَانْتَشَرَ الشَّغَبُ وَبَطَلَ مَقْصُودُ الشَّارِعِ بِشَرْعِ الْحُكُومَاتِ مِنْ دَرْءِ الْخُصُومَاتِ وَرَفْعِ الْمَظَالِمِ وَالْمُنَازَعَاتِ إذْ يُمْكِنُ لِلْخَصْمِ حِينَئِذٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا أَزِيدُ فِي عَدَدِ بَيِّنَتِي فَنُمْهِلُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِعَدَدٍ آخَرَ فَإِذَا أَتَى بِهِ قَالَ خَصْمُهُ أَنَا أَزِيدُ فِي الْعَدَدِ الْأَوَّلِ فَنُمْهِلُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِعَدَدٍ آخَرَ أَيْضًا، وَهَكَذَا وَالْأَعْدَلِيَّةُ لَا تُسْتَفَادُ إلَّا مِنْ الْحَاكِمِ فَلَا تَسَلُّطَ لِلْخَصْمِ عَلَى زِيَادَتِهِ فَانْسَدَّ الْبَابُ، وَلَمْ تَنْتَشِرْ الْخُصُومَاتُ وَلَمْ يَطُلْ زَمَانُهَا. (الْمُهِمُّ الثَّانِي) كَمَا أَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ خَبَرٌ مُقَيَّدٌ بِمَا ذَكَرْنَا كَذَلِكَ الدَّعْوَى خَبَرٌ عَنْ حَقٍّ يَتَعَلَّقُ بِالْمُخْبِرِ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْإِقْرَارُ خَبَرٌ عَنْ حَقٍّ يَتَعَلَّقُ بِالْمُخْبِرِ وَيُضَرُّ بِهِ وَحْدَهُ عَكْسُ الدَّعْوَى الضَّارَّةِ لِغَيْرِهِ وَلِذَلِكَ لَا نَعْتَبِرُ مِنْ الْإِقْرَارِ الْمُرَكَّبِ مِنْ إضْرَارِ الْمُخْبِرِ وَإِضْرَارِ غَيْرِهِ كَإِقْرَارِهِ بِأَنَّ عَبْدَهُ وَعَبْدَ غَيْرِهِ حُرَّانِ إلَّا الْوَجْهَ الْأَوَّلَ، وَنُسْقِطُ مِنْهُ الْوَجْهَ الثَّانِيَ وَالنَّتِيجَةُ خَبَرٌ يَنْشَأُ عَنْ دَلِيلٍ وَقَبْلَ أَنْ يَنْشَأَ عَنْهُ يُسَمَّى مَطْلُوبًا وَالْمُقَدِّمَةُ خَبَرٌ هُوَ جُزْءُ دَلِيلٍ، وَالتَّصْدِيقُ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا، وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُسَمَّى تَكْذِيبًا كَمَا يُسَمَّى تَصْدِيقًا؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ لِقَائِلِهِ صَدَقْتَ أَوْ كَذَبْتَ إلَّا أَنَّهُ سُمِّيَ بِأَحْسَنِ عَارِضَيْهِ لَفْظًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ] (الْفَرْقُ الثَّانِي بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ) الَّذِي هُوَ جِنْسُ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ وَالدَّعْوَى وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا، أَمَّا الْخَبَرُ فَمَجَازٌ فِي الْإِشَارَاتِ الْحَالِيَّةِ وَالدَّلَائِلِ الْمَعْنَوِيَّةِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ عَيْنَاكَ تُخْبِرُنِي بِكَذَا، وَالْغُرَابُ يُخْبِرُ بِكَذَا وَحَقِيقَتُهُ قَوْلٌ يَلْزَمُهُ الصِّدْقُ أَوْ الْكَذِبُ. (قُلْتُ) قَالَ الْآمِدِيُّ وَالْأَشْبَهُ أَنَّ الْقَوْلَ فِي اللُّغَةِ حَقِيقَةٌ فِي الصِّيغَةِ كَقَوْلِك: قَامَ زَيْدٌ وَقَعَدَ عُمَرُ وَلِتَبَادُرِهَا إلَى الْفَهْمِ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ الْخَبَرِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالصِّيغَةِ وَالصِّدْقُ وَالْكَذِبُ مَعْلُومٌ لَنَا بِالضَّرُورَةِ فَلَا يُفْتَقَرُ إلَى الْخَبَرِ عَلَى أَنَّ الصِّدْقَ هُوَ مُطَابَقَةُ النِّسْبَةِ الْكَلَامِيَّةِ لِلْخَارِجِيَّةِ. وَالْكَذِبَ عَدَمُهَا وَلَيْسَ الصِّدْقُ الْخَبَرَ الْمُطَابِقَ لِلْوَاقِعِ وَلَا الْكَذِبُ الْخَبَرَ الْغَيْرَ الْمُطَابِقِ لَهُ حَتَّى يَلْزَمَ الدَّوْرُ وَالْحُكْمُ فِي الْحَدِّ

الْوَضْعَ اقْتَضَى ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يَحْتَمِلُ الْخَبَرُ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ إلَّا الصِّدْقَ خَاصَّةً وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْعَرَبَ إنَّمَا وَضَعَتْ الْخَبَرَ لِلصِّدْقِ دُونَ الْكَذِبِ لِإِجْمَاعِ النُّحَاةِ وَالْمُتَحَدَّثِينَ عَلَى اللِّسَانِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا قَامَ زَيْدٌ حُصُولُ الْقِيَامِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ مَعْنَاهُ صُدُورُ الْقِيَامِ أَوْ عَدَمُهُ بَلْ جَزَمَ الْجَمِيعُ بِالصُّدُورِ. وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَفْعَالِ الْمَاضِيَةِ وَكَذَلِكَ الْأَفْعَالُ الْمُسْتَقْبَلَةِ نَحْوَ قَوْلِنَا سَيَقُومُ زَيْدٌ مَعْنَاهُ صُدُورُ الْقِيَامِ عَنْهُ فِي الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ عَيْنًا لَا أَنَّ مَعْنَاهُ صُدُورُ الْقِيَامِ أَوْ عَدَمُهُ، وَكَذَلِكَ أَسْمَاءُ الْفَاعِلِينَ وَالْمَفْعُولِينَ كَقَوْلِنَا زَيْدٌ قَائِمٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِالْقِيَامِ عَيْنًا، وَكَذَلِكَ الْمَجْرُورَاتُ نَحْوَ زَيْدٌ فِي الدَّارِ مَعْنَاهُ لُغَةً اسْتِقْرَارُهُ فِيهَا دُونَ عَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ اثْنَانِ مِنْ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ فَعَلِمْنَا أَنَّ اللُّغَةَ إنَّمَا هِيَ الصِّدْقُ دُونَ الْكَذِبِ فَإِنْ قُلْتَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِكُمْ: إنَّهُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ الَّذِي اقْتَضَى أَنَّ الصِّدْقَ مُتَعَيَّنٌ لَهُ فَلَا يَحْتَمِلُ إلَّا إيَّاهُ قُلْتُ: مَعْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ يَأْتِيهِ مِنْ جِهَةِ الْمُتَكَلِّمِ لَا مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ قَدْ يَسْتَعْمِلُهُ صِدْقًا عَلَى وَفْقِ الْوَضْعِ وَقَدْ يَسْتَعْمِلُهُ كَذِبًا عَلَى خِلَافِ مُطَابَقَةِ الْوَضْعِ، وَقَوْلُنَا فِي الشَّيْءِ إنَّهُ يَحْتَمِلُ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ يَحْتَمِلُهُ مِنْ جِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ مُعَيَّنَةٍ، بَلْ إذَا احْتَمَلَهُ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ فَقَدْ احْتَمَلَهُ فَإِذَا احْتَمَلَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُتَكَلِّمِ فَقَدْ احْتَمَلَهُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ كَقَوْلِنَا فِي الْمُمْكِنِ إنَّهُ قَابِلٌ لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمِ لَا نُرِيدُ أَنَّهُ يَقْبَلُ الْوُجُودَ مِنْ سَبَبٍ مُعَيَّنٍ بَلْ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ وَأَيِّ سَبَبٍ كَانَ كَذَلِكَ هَاهُنَا، وَنَظِيرُ قَوْلِنَا فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ قَوْلُنَا فِي الْكَلَامِ إنَّهُ يَحْتَمِلُ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ، وَأَجْمَعْنَا عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــSالْوَضْعَ اقْتَضَى لَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يَحْتَمِلُ الْخَبَرُ مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ إلَّا الصِّدْقَ خَاصَّةً وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْعَرَبَ إنَّمَا وَضَعَتْ الْخَبَرَ لِلصِّدْقِ دُونَ الْكَذِبِ لِإِجْمَاعِ النُّحَاةِ وَالْمُتَحَدَّثِينَ عَلَى اللِّسَانِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا قَامَ زَيْدٌ حُصُولُ الْقِيَامِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ مَعْنَاهُ صُدُورُ الْقِيَامِ أَوْ عَدَمُهُ بَلْ جَزَمَ الْجَمِيعُ بِالصُّدُورِ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَفْعَالِ الْمَاضِيَةِ وَكَذَلِكَ الْأَفْعَالُ الْمُسْتَقْبَلَةُ نَحْوَ قَوْلِنَا سَيَقُومُ زَيْدٌ مَعْنَاهُ صُدُورُ الْقِيَامِ عَنْهُ فِي الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ عَيْنًا لَا أَنَّ مَعْنَاهُ صُدُورُ الْقِيَامِ أَوْ عَدَمُهُ. وَكَذَلِكَ أَسْمَاءُ الْفَاعِلِينَ وَالْمَفْعُولِينَ كَقَوْلِنَا زَيْدٌ قَائِمٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِالْقِيَامِ عَيْنًا، وَكَذَلِكَ الْمَجْرُورَاتُ نَحْوَ زَيْدٌ فِي الدَّارِ مَعْنَاهُ لُغَةً اسْتِقْرَارُهُ فِيهَا دُونَ عَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ اثْنَانِ مِنْ أَئِمَّةِ الْعَرَبِيَّةِ فَعَلِمْنَا أَنَّ اللُّغَةَ إنَّمَا هِيَ الصِّدْقُ دُونَ الْكَذِبِ، فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِكُمْ إنَّهُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ الَّذِي اقْتَضَى أَنَّ الصِّدْقَ مُتَعَيَّنٌ لَهُ فَلَا يَحْتَمِلُ إلَّا إيَّاهُ؟ قُلْتُ مَعْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ يَأْتِيهِ مِنْ جِهَةِ الْمُتَكَلِّمِ لَا مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ قَدْ يَسْتَعْمِلُهُ صِدْقًا عَلَى وَفْقِ الْوَضْعِ، وَقَدْ يَسْتَعْمِلُهُ كَذِبًا عَلَى خِلَافِ مُطَابَقَةِ الْوَضْعِ. وَقَوْلُنَا فِي الشَّيْءِ إنَّهُ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَ الْفُلَانِيَّ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ يَحْتَمِلُهُ مِنْ جِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ مُعَيَّنَةٍ، بَلْ إذَا احْتَمَلَهُ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ فَقَدْ احْتَمَلَهُ فَإِذَا احْتَمَلَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُتَكَلِّمِ فَقَدْ احْتَمَلَهُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ كَقَوْلِنَا فِي الْمُمْكِنِ إنَّهُ الْقَابِلُ لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمِ لَا نُرِيدُ أَنَّهُ يَقْبَلُ الْوُجُودَ مِنْ سَبَبٍ مُعَيَّنٍ بَلْ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ وَأَيِّ سَبَبٍ كَانَ كَذَلِكَ هُنَا، وَنَظِيرُ قَوْلِنَا فِي الْخَبَرِ إنَّهُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ قَوْلُنَا إنَّهُ يَحْتَمِلُ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ. وَأَجْمَعْنَا عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَذْكُورِ بِلُزُومِ الْخَبَرِ لِأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ جَازِمٍ لَا تَرَدُّدَ فِيهِ وَهُوَ الْمَأْخُوذُ فِي التَّحْدِيدِ، وَإِنَّمَا التَّرَدُّدُ فِي اتِّصَافِ الْخَبَرِ بِلُزُومِ أَحَدِهِمَا عَيْنًا وَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْحَدِّ فَافْهَمْ اهـ. بِتَصَرُّفٍ وَزِيَادَةٍ فَالْقَوْلُ جِنْسٌ قَرِيبٌ يَشْمَلُ الْقَوْلَ التَّامَّ وَهُوَ مَا يُفِيدُ الْمُخَاطَبَ فَائِدَةً يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهَا خَبَرًا كَانَ أَوْ إنْشَاءً وَالنَّاقِصُ وَهُوَ مَا لَمْ يُفِدْ ذَلِكَ إضَافِيًّا كَانَ كَغُلَامِ زَيْدٍ أَوْ تَقْيِيدِيًّا كَالْحَيَوَانِ الصَّاهِلِ أَوْ لَا وَلَا كَمَجْمُوعِ الْمُتَعَاطِفَيْنِ، وَقَيْدٌ يَلْزَمُهُ الصِّدْقُ أَوْ الْكَذِبُ فَصْلٌ يَخْرُجُ الْقَوْلُ النَّاقِصُ وَالْإِنْشَاءَاتُ نَعَمْ الظَّاهِرُ احْتِيَاجُ الْحَدِّ الْمَذْكُورِ لِزِيَادَةِ قَيْدٍ لِذَاتِهِ لِيَخْرُجَ مَا يَلْزَمُهُ الصِّدْقُ أَوْ الْكَذِبُ لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِلَازِمِهِ نَحْوَ غُلَامُ زَيْدٍ الْمُسْتَلْزِمُ لِذَاتِهِ خَبَرًا وَهُوَ زَيْدٌ لَهُ غُلَامٌ وَنَحْوَ اسْقِنِي الْمَاءَ الْمُسْتَلْزِمَ لِذَاتِهِ خَبَرًا وَهُوَ أَنَا طَالِبٌ لِلْمَاءِ أَوْ الْمُخَاطَبُ مَطْلُوبٌ مِنْهُ الْمَاءُ أَوْ الْمَاءُ مَطْلُوبٌ، وَكَذَا مَا لَا يَلْزَمُهُ صِدْقٌ وَلَا كَذِبٌ بِالنَّظَرِ لِعَدَمِ قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ إخْبَارَ أَحَدٍ كَصِيغَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا جُعِلَتْ بَاقِيَةً عَلَى خَبَرِيَّتِهَا وَلَمْ يُقْصَدْ بِهَا إلَّا تَحْصِيلَ الْحَمْدِ كَبَقِيَّةِ صِيَغِ الْأَذْكَارِ وَالتَّنْزِيهَاتِ فَلَا يَرِدُ حِينَئِذٍ مَا نَقَلَهُ يَاسِينُ فِي حَوَاشِي الصُّغْرَى عَنْ الْعَلَّامَةِ عَلَاءِ الدِّينِ النَّجَّارِيِّ مِنْ أَنَّ الْجُمَلَ الْخَبَرِيَّةَ لَا يَلْزَمُهَا الْإِخْبَارُ أَيْ احْتِمَالُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ بَلْ قَدْ تَكُونُ لِلتَّحَسُّرِ وَالتَّحَزُّنِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْعَطَّارِ عَلَى مَحَلِّي جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَافْهَمْ (وَأَمَّا الْإِنْشَاءُ) فَفِي اللُّغَةِ الْخَلْقُ وَالِابْتِدَاءُ وَوَضْعُ الْحَدِيثِ فَفِي الْمِصْبَاحِ أَنْشَأَهُ اللَّهُ خَلَقَهُ وَأَنْشَأَ يَفْعَلُ كَذَا أَيْ ابْتَدَأَ وَفُلَانٌ يُنْشِئُ الْأَحَادِيثَ أَيْ يَصِفُهَا. اهـ الْمُرَادُ وَفِي الِاصْطِلَاحِ قَوْلٌ بِحَيْثُ يُوجِبُ بِهِ مَدْلُولَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إذَا صَدَرَ قَصْدًا مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ. فَالْقَوْلُ جِنْسٌ قَرِيبٌ، وَقَيْدُ (بِحَيْثُ يُوجِبُ بِهِ مَدْلُولَهُ) فَصْلٌ أَوَّلُ مُخْرِجٌ لِقَوْلِ الْقَائِلِ: السَّفَرُ عَلَيَّ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِيهِ لَمْ يَثْبُتْ بِهَذَا اللَّفْظِ بَلْ بِإِيجَابِ الشَّارِعِ عَلَيْهِ عُقُوبَةً عَلَيْهِ، وَقَيْدُ (فِي نَفْسِ الْأَمْرِ) فَصْلٌ ثَانٍ مُخْرِجٌ لِلْخَبَرِ كَقَامَ زَيْدٌ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ مَدْلُولَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ وَلَا فِي اعْتِقَادِ السَّامِعِ إلَّا عِنْدَ اعْتِقَادِهِ صِدْقَ الْمُخْبِرِ وَقَيْدُ (إذَا صَدَرَ قَصْدًا) أَيْ مَقْصُودًا

أَنَّ الْمَجَازَ لَيْسَ مِنْ الْوَضْعِ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ الْكَذِبُ فَالْمَجَازُ وَالْكَذِبُ إنَّمَا يَأْتِيَانِ مِنْ جِهَةِ الْمُتَكَلِّمِ لَا مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ، وَاَلَّذِي لِلْوَضْعِ هُوَ الصِّدْقُ وَالْحَقِيقَةُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. (تَنْبِيهٌ) قَوْلُنَا فِي حَدِّ الْخَبَرِ إنَّهُ الْمُحْتَمِلُ لِلتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ لَا يَشْتَرِطُونَ فِي حَقِيقَةِ الْكَذِبِ الْقَصْدَ إلَيْهِ بَلْ يَكْتَفُونَ بِعَدَمِ مُطَابَقَتِهِ لِلْمُخْبَرِ عَنْهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. وَقَالَ الْجَاحِظُ وَغَيْرُهُ يُشْتَرَطُ فِي حَقِيقَةِ الْكَذِبِ الْقَصْدُ إلَيْهِ وَعَدَمُ الْمُطَابَقَةِ فَعَلَى رَأْيِ هَؤُلَاءِ يَنْقَسِمُ الْخَبَرُ إلَى صِدْقٍ وَهُوَ الْمُطَابِقُ وَكَذِبٍ وَهُوَ غَيْرُ الْمُطَابِقِ الَّذِي قُصِدَ إلَى عَدَمِ مُطَابَقَتِهِ وَإِلَى مَا لَيْسَ بِصِدْقٍ وَلَا كَذِبٍ وَهُوَ غَيْرُ الْمُطَابِقِ الَّذِي لَمْ يُقْصَدْ إلَى عَدَمِ مُطَابَقَتِهِ فَهَذَا الْقِسْمُ الثَّالِثُ لَا يَكُونُ عِنْدَهُمْ صِدْقًا وَلَا كَذِبًا وَلَا يَحْتَمِلُهُمَا مَعَ أَنَّهُ خَبَرٌ فَيَصِيرُ الْحَدُّ غَيْرَ جَامِعٍ عِنْدَهُمْ فَيَكُونُ فَاسِدًا لَنَا. قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» فَجَعَلَهُ إذَا حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَهُ كَاذِبًا؛ لِأَنَّهُ فِيهِ غَيْرُ مُطَابِقٍ فِي الْغَالِبِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْرِفْهُ حَتَّى يَقْصِدَ إلَيْهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْقَصْدِ فِي الْكَذِبِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» مَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ كَذَبَ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لَا يَسْتَحِقُّ النَّارَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَصَوُّرِ حَقِيقَةِ الْكَذِبِ مِنْ غَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــSأَنَّ الْمَجَازَ لَيْسَ مِنْ الْوَضْعِ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ الْكَذِبُ فَالْمَجَازُ وَالْكَذِبُ إنَّمَا يَأْتِيَانِ مِنْ جِهَةِ الْمُتَكَلِّمِ لَا مِنْ الْوَضْعِ وَاَلَّذِي لِلْوَضْعِ هُوَ الصِّدْقُ وَالْحَقِيقَةُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي هَذَا التَّنْبِيهِ خَطَأٌ فَاحِشٌ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ مُنْتَحِلِي شَيْءٍ مِنْ عُلُومِ اللِّسَانِ ذَهَبَ إلَيْهِ وَلَا قَالَ أَحَدٌ قَطُّ إنَّ كُلَّ كَاذِبٍ مُتَجَوِّزٌ فِي إطْلَاقِهِ لَفْظَهُ عَلَى مَعْنَاهُ وَمَا بَنَاهُ عَلَى قَوْلِهِ هَذَا مِنْ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ بِنَاءً عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ، وَمَا اغْتَرَّ بِهِ مِنْ كَوْنِ لَفْظَةِ قَامَ وُضِعَتْ لِلْإِخْبَارِ عَنْ وُقُوعِ الْقِيَامِ مِمَّنْ أُسْنِدَ إلَيْهِ لَا يَغْتَرُّ بِهِ إلَّا مَنْ قَصُرَ فَهْمُهُ وَقَلَّ عِلْمُهُ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (تَنْبِيهٌ) قَوْلُنَا فِي حَدِّ الْخَبَرِ أَنَّهُ الْمُحْتَمِلُ لِلتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ لَا يَشْتَرِطُونَ فِي حَقِيقَةِ الْكَذِبِ الْقَصْدَ إلَيْهِ بَلْ يَكْتَفُونَ بِعَدَمِ مُطَابَقَتِهِ لِلْمُخْبَرِ عَنْهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. وَقَالَ الْجَاحِظُ وَغَيْرُهُ يُشْتَرَطُ فِي حَقِيقَةِ الْكَذِبِ الْقَصْدُ إلَى الْكَذِبِ وَعَدَمُ الْمُطَابَقَةِ فَعَلَى رَأْيِ هَؤُلَاءِ يَنْقَسِمُ الْخَبَرُ إلَى صِدْقٍ وَهُوَ الْمُطَابِقُ وَكَذِبٍ وَهُوَ غَيْرُ الْمُطَابِقِ الَّذِي قُصِدَ إلَى عَدَمِ مُطَابَقَتِهِ وَإِلَى مَا لَيْسَ بِصِدْقٍ وَلَا كَذِبٍ، وَهُوَ غَيْرُ الْمُطَابِقِ الَّذِي لَمْ يُقْصَدْ. (فَهَذَا الْقِسْمُ الثَّالِثُ لَا يَكُونُ عِنْدَهُمْ صِدْقًا وَلَا كَذِبًا وَلَا يَحْتَمِلُهُمَا مَعَ أَنَّهُ خَبَرٌ فَيَصِيرُ الْحَدُّ غَيْرَ جَامِعٍ عِنْدَهُمْ لَنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» فَجَعَلَهُ إذَا حَدَّثَ بِمَا سَمِعَهُ كَاذِبًا؛ لِأَنَّهُ فِيهِ غَيْرُ مُطَابِقٍ فِي الْغَالِبِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْرِفْهُ حَتَّى يَقْصِدَ إلَيْهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْقَصْدِ فِي الْكَذِبِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» مَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ كَذَبَ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لَا يَسْتَحِقُّ النَّارَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَصَوُّرِ حَقِيقَةِ الْكَذِبِ مِنْ غَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْشَاءُ لَفْظِهِ فَصْلٌ ثَالِثٌ مُخْرِجٌ لِنَحْوِ قَوْلِ الْقَائِلِ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى وَجْهِ الْغَلَطِ مُرِيدًا أَنْتِ حَائِضٌ فَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ طَلَاقٌ فِي الْفَتْوَى، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لِمَنْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا فِي الْعِدَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ مُخْبِرًا بِأَنَّهَا طَالِقٌ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ إذَا قَصَدَ الْإِنْشَاءَ وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ وَالْتِزَامِ مُقْتَضَيَاتِهَا وَفِيهِ (مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ) فَصْلٌ رَابِعٌ مُخْرِجٌ لِصِيَغِ الْإِنْشَاءِ إذَا صَدَرَتْ مِنْ سَفِيهٍ أَوْ فَاقِدِ الْأَهْلِيَّةِ لِعَدَمِ تَرَتُّبِ مَدْلُولِهَا عَلَيْهَا حِينَئِذٍ، وَزِيَادَةٍ أَوْ مُتَعَلِّقَةٍ فِي الْحَدِّ عَطْفًا عَلَى مَدْلُولِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لِأَجْلِ أَنْ تَنْدَرِجَ فِيهِ الْإِنْشَاءَاتُ بِكَلَامِ النَّفْسِ فَإِنَّ كَلَامَ النَّفْسِ لَا دَلَالَةَ فِيهِ وَلَا مَدْلُولَ، وَإِنَّمَا فِيهِ مُتَعَلِّقٌ وَمُتَعَلَّقٌ خَاصَّةً وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَسَائِلِ الْإِنْشَاءِ إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ الْجَمْعُ فِي الْحَدِّ بَيْنَ حَقِيقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَهُمَا الْقَوْلُ اللِّسَانِيُّ وَالْقَوْلُ النَّفْسَانِيُّ، وَذَلِكَ خَلَلٌ فِي الْحَدِّ كَمَا بَيَّنَ فِي مَحِلِّهِ، فَافْهَمْ. وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى: الْكَلَامُ إنْ كَانَ لِلنِّسْبَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْهُ الْحَاصِلَةِ فِي الذِّهْنِ خَارِجٌ عَنْ مَدْلُولِهِ؛ أَيْ حَاصِلٌ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ، وَالْفَهْمُ مِنْهُ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ تُطَابِقَهُ النِّسْبَةُ أَوْ لَا تُطَابِقَهُ فَخَبَرٌ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ خَارِجٌ أَصْلًا كَأَقْسَامِ الطَّلَبِ فَإِنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى صِفَاتٍ نَفْسِيَّةٍ قَائِمَةٍ بِالنَّفْسِ قِيَامَ الْعَرْضِ بِالْمَحَلِّ لَيْسَ لَهَا مُتَعَلِّقٌ خَارِجِيٌّ، أَوْ يَكُونَ لَهُ خَارِجٌ لَكِنْ لَا يَحْتَمِلُ الْمُطَابَقَةَ واللَّامُطَابَقَة كَصِيَغِ الْعُقُودِ فَإِنَّ لَهَا نِسَبًا خَارِجِيَّةً تُوجَدُ بِهَذِهِ الصِّيَغِ، وَلَيْسَتْ لَهَا نِسْبَةٌ مُحْتَمِلَةٌ لَأَنْ تُطَابِقَهَا النِّسْبَةُ الْمَدْلُولَةُ أَوْ لَا تُطَابِقَهَا؛ لِأَنَّهَا لِحُصُولِهَا بِهَا مُطَابِقَةً قَطْعًا فَإِنْشَاءً، وَهَذَا أَقْرَبُ الْحُدُودِ وَأَخْصَرُهَا كَمَا فِي تَقْرِيرَاتِ الشِّرْبِينِيِّ عَلَى حَوَاشِي مَحَلِّي جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَعَلَى هَذَا الْبَيَانِ يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّ الْإِنْشَاءَ سَبَبٌ لِمَدْلُولِهِ بِخِلَافِ الْخَبَرِ. الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْإِنْشَاءَاتِ يَتْبَعُهَا مَدْلُولُهَا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْمِلْكُ إلَّا بَعْدَ صُدُورِ صِيغَةِ الطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ، وَالْأَخْبَارُ تَتْبَعُ مَدْلُولَاتِهَا بِمَعْنَى أَنَّ الْخَبَرَ تَابِعٌ لِتَقْرِيرِ مُخْبِرِهِ فِي زَمَانِهِ مَاضِيًا كَانَ أَوْ حَاضِرًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا فَقَوْلُنَا قَامَ زَيْدٌ تَبَعٌ لِقِيَامِهِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي، وَلَوْ قُلْنَا هُوَ قَائِمٌ تَبَعٌ لِقِيَامِهِ

[فصل أقسام الإنشاء]

قَصْدٍ إلَيْهِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ: 8] فَقَسَّمَ الْكُفَّارُ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى الْكَذِبِ وَإِلَى الْجُنُونِ الَّذِي لَا يُتَصَوَّرُ مَعَهُ الْقَصْدُ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ عَدَمَ الْمُطَابَقَةِ فِي الْقِسْمَيْنِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى كَذِبًا إلَّا إذَا قُصِدَ لِعَدَمِ مُطَابَقَتِهِ. وَالْجَوَابُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمْ قَسَّمُوا قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى مُطْلَقِ الْكَذِبِ وَالْجُنُونِ بَلْ إلَى الِافْتِرَاءِ وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْكَذِبِ فَإِنَّ الْكَذِبَ قَدْ يَكُونُ مُخْتَرَعًا مِنْ جِهَةِ الْكَاذِبِ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ غَيْرِهِ فَهَذَا هُوَ الِافْتِرَاءُ وَمَا تَبِعَ فِيهِ غَيْرَهُ لَا يُقَالُ لَهُ افْتِرَاءٌ فَهُمْ قَسَّمُوا الْكَذِبَ إلَى نَوْعَيْهِ الْمُفْتَرَى وَغَيْرِهِ لَا أَنَّهُمْ قَسَّمُوا الْكَلَامَ إلَى الْكَذِبِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْخَصْمِ، وَهَذَا كَقَوْلِنَا فِي زَيْدٍ هُوَ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ أَمْ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ أَوْ نَقُولُ هُوَ ابْتَدَأَ هَذَا الْكَذِبَ وَتَعَمَّدَهُ أَوْ اتَّبَعَ فِيهِ غَيْرَهُ أَوْ نَطَقَ بِهِ غَفْلَةً مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إذَا صَرَّحَ بِمِثْلِ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَصْدِ فِي حَقِيقَةِ الْكَذِبِ. . ـــــــــــــــــــــــــــــSقَصْدٍ إلَيْهِ. وَهُوَ الْمَطْلُوبُ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ: 8] فَقَسَّمَ الْكُفَّارُ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْكَذِبِ وَإِلَى الْجُنُونِ الَّذِي لَا يُتَصَوَّرُ مَعَهُ الْقَصْدُ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ عَدَمَ الْمُطَابَقَةِ فِي الْقِسْمَيْنِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى كَذِبًا إلَّا إذَا قُصِدَ لِعَدَمِ مُطَابَقَتِهِ. وَالْجَوَابُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمْ قَسَّمُوا كَلَامَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى مُطْلَقِ الْكَذِبِ وَالْجُنُونِ بَلْ إلَى الِافْتِرَاءِ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْكَذِبِ فَإِنَّ الْكَذِبَ قَدْ يَكُونُ مُخْتَرَعًا مِنْ جِهَةِ الْكَاذِبِ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ غَيْرِهِ فَهَذَا هُوَ الِافْتِرَاءُ، وَمَا يَتْبَعُ غَيْرَهُ فِيهِ فَلَا يُقَالُ لَهُ افْتِرَاءٌ فَهُمْ قَسَّمُوا الْكَذِبَ إلَى نَوْعَيْهِ الْمُفْتَرَى وَغَيْرِهِ لَا أَنَّهُمْ قَسَّمُوا الْكَلَامَ إلَى الْكَذِبِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْخَصْمِ، وَهَذَا كَقَوْلِنَا فِي زَيْدٍ هُوَ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ أَمْ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ أَوْ نَقُولُ هُوَ افْتَرَى هَذَا الْكَذِبَ وَاخْتَرَعَهُ، أَوْ اتَّبَعَ فِيهِ غَيْرَهُ أَوْ نَطَقَ بِهِ غَفْلَةً مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إذَا صَرَّحَ بِمِثْلِ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَصْدِ فِي حَقِيقَةِ الْكَذِبِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ حَدَّ الْخَبَرِ بِالْمُحْتَمِلِ لِلتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ يَصِحُّ عَلَى كُلِّ مَذْهَبٍ عَلَى تَسْلِيمِ صِحَّةِ حَدِّهِ فَإِنَّ خَبَرَ الْمُخْبِرِ غَيْرِ الْقَاصِدِ لِلْكَذِبِ قَابِلٌ لِلتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ كَمَا أَنَّ خَبَرَ الْمُخْبِرِ الْقَاصِدِ لِلْكَذِبِ قَابِلٌ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَوْقَعَهُ فِيمَا قَالَهُ ذَهَابُ وَهْمِهِ إلَى الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ عِوَضُ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ، وَهُوَ قَدْ أَبَى الْحَدَّ بِهِمَا وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالتَّصْدِيقِ وَالْكَذِبِ وَالتَّكْذِيبِ فَقَدْ يُصَدِّقُ الْكَاذِبَ وَيُكَذِّبُ الصَّادِقَ مَنْ لَيْسَ بِعَالِمٍ بِالْغَيْبِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يُكَذِّبَ مَنْ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إلَّا مَنْ قَصَدَ الْكَذِبَ، وَمِنْ أَيْنَ يَطَّلِعُ عَلَى قَصْدِهِ لِذَلِكَ. وَاسْتِدْلَالُهُ بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ صَحِيحٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمَرَامَ فِي الْمَسْأَلَةِ الظَّنُّ. وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمَرَامَ فِيهَا الْقَطْعُ فَلَا، وَمَا أَجَابَ بِهِ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ: 8] حَيْثُ قَالَ فَهُمْ قَسَّمُوا الْكَذِبَ إلَى نَوْعَيْهِ الْمُفْتَرَى وَغَيْرِهِ لَا أَنَّهُمْ قَسَّمُوا الْكَلَامَ إلَى الْكَذِبِ وَغَيْرِهِ لَا يَصِحُّ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمَرَامَ الظَّنُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَا قَالُوهُ هُوَ الظَّاهِرُ دُونَ مَا قَالَهُ، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَرَامُ الْقَطْعَ فَقَدْ يَصِحُّ عَلَى بُعْدِ احْتِمَالِ مَا قَالَهُ فَإِنَّ نِسْبَةَ الْجُنُونِ إلَى مَنْ اتَّبَعَ غَيْرَهُ فِي قَوْلِهِ: الْكَاذِبِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْحَالِ وَقَوْلُنَا سَيَقُومُ السَّاعَةَ تَبَعٌ لِتَقْرِيرِ قِيَامِهِ فِي الِاسْتِقْبَالِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ تَابِعٌ لِمُخْبِرِهِ فِي الْوُجُودِ، وَإِلَّا لَمَا صَدَقَ ذَلِكَ إلَّا فِي الْمَاضِي فَقَطْ فَإِنَّ الْحَاضِرَ مُقَارِنٌ فَلَا تَبَعِيَّةَ لِحُصُولِ الْمُسَاوَاةِ. وَوُجُودُ الْمُسْتَقْبَلِ بَعْدَ الْخَبَرِ فَهُوَ مَتْبُوعٌ لَا تَابِعٌ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْعِلْمُ تَابِعٌ لِمَعْلُومِهِ أَنَّهُ تَابِعٌ لِتَقَرُّرِهِ فِي زَمَانِهِ مَاضِيًا كَانَ الْمَعْلُومُ أَوْ حَاضِرًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا فَإِنَّا نَعْلَمُ الْحَاضِرَاتِ وَالْمُسْتَقْبِلَات كَمَا نَعْلَمُ الْمَاضِيَاتِ، وَالْعِلْمُ فِي الْجَمِيعِ تَبَعٌ لِمَعْلُومِهِ فَالْعِلْمُ بِأَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ غَدًا فَرْعٌ وَتَابِعٌ لِتَقَرُّرِ طُلُوعِهَا فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ الْإِنْشَاءَ لَا يَلْزَمُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ لِذَاتِهِ وَإِنْ لَزِمَهُ لِلَازِمِهِ كَمَا عَرَفْتَ فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا صِدْقٌ وَلَا كَذِبٌ إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ طَلَاقِ امْرَأَتِهِ بِخِلَافِ الْخَبَرِ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنَّ الْخَبَرَ يَكْفِي فِيهِ الْوَضْعُ الْأَوَّلُ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ، وَالْإِنْشَاءُ لَا يَقَعُ إلَّا مَنْقُولًا عَنْ أَصْلِ الْوَضْعِ فِي صِيَغِ الْعُقُودِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهَا فَقَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يُفِيدُ طَلَاقَهَا بِالْوَضْعِ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا صَارَ يُفِيدُ الطَّلَاقَ بِسَبَبِ النَّقْلِ الْعُرْفِيِّ لِلْإِنْشَاءِ عَنْ الْإِخْبَارِ عَنْ طَلَاقِهَا ثَلَاثًا كَمَا يُتَّفَقُ لَهُ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ إذَا سَأَلَتْهُ امْرَأَتُهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَيَقُولُ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إعْلَامًا لَهَا بِتَقَدُّمِ الطَّلَاقِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُفِيدُ كُلًّا مِنْ الْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ يُضْعِفُهُ رُجْحَانُ الْمَجَازِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ، وَقَدْ يَقَعُ الْإِنْشَاءُ لِإِنْشَاءِ الطَّلَبِ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ الْأَوَّلِ كَالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي. [فَصْلٌ أَقْسَام الْإِنْشَاءُ] (فَصْلٌ) يَنْقَسِمُ الْإِنْشَاءُ إلَى مُجْمَعٍ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَمُخْتَلَفٍ فِيهِ، وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: (الْأَوَّلُ) الْقَسَمُ كَقَوْلِنَا أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ اتَّفَقَ أَهْلُ اللِّسَانِ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ قَائِلَهُ أَنْشَأَ بِهِ الْقَسَمَ لَا أَنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ عَنْ وُقُوعٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَجَمِيعُ لَوَازِمِ الْإِنْشَاءِ مَوْجُودَةٌ فِيهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الصِّدْقُ وَلَا الْكَذِبُ فَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ فُضَلَاءِ النُّحَاةِ الْقَسَمُ جُمْلَةٌ إنْشَائِيَّةٌ يُؤَكِّدُ بِهَا جُمْلَةً خَبَرِيَّةً. (الْقِسْمُ الثَّانِي) الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي نَحْوَ قَوْلِنَا: افْعَلْ لَا تَفْعَلْ اتَّفَقَ الْجَاهِلِيَّةُ وَالْإِسْلَامُ

(فَصْلٌ) الْإِنْشَاءُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَإِلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ فَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) الْقَسَمُ نَحْوُ قَوْلِنَا أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ وَنَحْوُهُ فَإِنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ الصِّيغَةِ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ أَنَّهُ سَيَكُونُ مِنْهُ قَسَمٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَلْزَمَهُ كَفَّارَةٌ بِهَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ وَعْدٌ بِالْقَسَمِ لَا قَسَمٌ كَقَوْلِ الْقَائِلِ أُعْطِيكَ دِرْهَمًا فَإِنَّهُ وَعَدَ بِالْإِعْطَاءِ لَكِنْ لَمَّا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَقْسَمَ، وَأَنَّ مُوجَبَ الْقَسَمِ يَلْزَمُهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَنْشَأَ بِهِ الْقَسَمَ لَا أَنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ عَنْ وُقُوعِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهَذَا أَمْرٌ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ وَالْإِسْلَامُ، وَلِذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ وَجَمِيعُ لَوَازِمِ الْإِنْشَاءِ مَوْجُودَةٌ فِيهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إنْشَاءٌ، وَلِذَلِكَ يَقُولُ فِيهِ مَنْ أَحَاطَ بِذَلِكَ مِنْ فُضَلَاءِ النُّحَاةِ الْقَسَمُ جُمْلَةٌ إنْشَائِيَّةٌ يُؤَكِّدُ بِهَا جُمْلَةً خَبَرِيَّةً. (الْقِسْمُ الثَّانِي) الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي إنْشَاءٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ افْعَلْ لَا تَفْعَلْ يَتْبَعُهُ إلْزَامُ الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَلَا يَحْتَمِلُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ وَلَا يَقْبَلُ لَوَازِمَ الْخَبَرِ، وَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ لَوَازِمِ الْإِنْشَاءِ فَيَكُونُ إنْشَاءً. (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) التَّرَجِّي نَحْوَ لَعَلَّ اللَّهَ يَأْتِينَا بِخَيْرٍ وَالتَّمَنِّي نَحْوَ لَيْتَ لِي مَالًا فَأُنْفِقَ مِنْهُ، وَالْعَرْضُ نَحْوَ أَلَا تَنْزِلُ عِنْدَنَا فَتُصِيبَ خَيْرًا، وَالتَّحْضِيضُ وَصِيَغُهُ أَرْبَعٌ وَهِيَ أَلَا وَهَلَّا وَلَوْ مَا وَلَوْلَا نَحْوَ أَلَا تَشْتَغِلُ بِالْعِلْمِ وَهَلَّا اشْتَغَلْتَ بِهِ وَلَوْ مَا اشْتَغَلْتَ بِهِ فَإِنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ كُلَّهَا لِلطَّلَبِ وَيَتْبَعُهَا الطَّلَبُ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا وَلَا تَقْبَلُ التَّصْدِيقَ وَلَا التَّكْذِيبَ فَهِيَ كَالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي إنْشَاءٌ كَمَا تَقَدَّمَ. (الْقِسْمُ الرَّابِعُ) النِّدَاءُ نَحْوَ يَا زَيْدُ اخْتَلَفَ فِيهِ النُّحَاةُ هَلْ فِيهِ فِعْلٌ مُضْمَرٌ تَقْدِيرُهُ أُنَادِي زَيْدًا أَوْ الْحَرْفُ وَحْدَهُ مُفِيدٌ لِلنِّدَاءِ؟ فَقِيلَ عَلَى الْأَوَّلِ لَوْ كَانَ الْفِعْلُ مُضْمَرًا وَالتَّقْدِيرُ أُنَادِي زَيْدًا لَقَبِلَ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ، أَجَابَ الْمُبَرِّدُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْفِعْلَ مُضْمَرٌ وَلَا يَلْزَمُ قَبُولُهُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ وَالْإِنْشَاءُ لَا يَقْبَلُهُمَا وَيُؤَكِّدُ الْإِنْشَاءَ فِي النِّدَاءِ أَنَّهُ طَلَبٌ لِحُضُورِ الْمُنَادَى، وَالطَّلَبُ إنْشَاءٌ نَحْوَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي فَهُوَ مِمَّا اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ إنْشَاءٌ لَكِنْ الْخِلَافُ فِي الْإِضْمَارِ وَعَدَمِهِ فَقَطْ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ. (وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ) هَلْ هُوَ إنْشَاءٌ أَوْ خَبَرٌ فَهِيَ صِيَغُ الْعُقُودِ نَحْوَ بِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ وَأَنْتَ حُرٌّ وَامْرَأَتِي ـــــــــــــــــــــــــــــSفَصْلٌ الْإِنْشَاءُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَيْهِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ) قُلْت جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ الصِّيغَةِ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ أَنَّهُ سَيَكُونُ مِنْهُ قِسْمٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ مَعَ تَسْلِيمِ مَا حَكَاهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ أَنَّهُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَنْشَأَ الْقِسْمَ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ عِنْدَهُمْ وَهُمْ جَمِيعُ أَهْلِ اللِّسَانِ فَكَوْنُ تِلْكَ الصِّيغَةِ مُقْتَضَاهَا الْإِخْبَارُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِ اللِّسَانِ وَلَا اعْتِبَارَ بِهِمْ وَلَا حُجَّةَ فِيهِمْ. قَالَ (وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ هَلْ هُوَ إنْشَاءٌ أَوْ خَبَرٌ فَهِيَ صِيَغُ الْعُقُودِ نَحْوَ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَأَنْتَ حُرٌّ وَامْرَأَتِي ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى أَنَّهُ إنْشَاءٌ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهُ إلْزَامُ الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ لَوَازِمِ الْإِنْشَاءِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الصِّدْقُ وَلَا الْكَذِبُ. (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) التَّرَجِّي نَحْوَ لَعَلَّ اللَّهَ يَأْتِينَا بِخَيْرٍ، وَالتَّمَنِّي نَحْوَ لَيْتَ لِي مَالًا فَأُنْفِقُ مِنْهُ، وَالْعَرْضُ نَحْوَ أَلَا تَنْزِلُ عِنْدَنَا فَتُصِيبَ خَيْرًا. وَالتَّحْضِيضُ وَصِيَغُهُ أَرْبَعٌ: وَهِيَ أَلَّا بِالتَّشْدِيدِ نَحْوَ أَلَّا تَشْتَغِلُ بِالْعِلْمِ، وَهَلَّا وَلَوْ مَا وَلَوْلَا، نَحْوَ هَلَّا أَوْ لَوْ مَا أَوْ لَوْلَا اشْتَغَلْتَ بِهِ فَإِنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ كُلَّهَا إمَّا لِلطَّلَبِ أَوْ يَتْبَعُهَا الطَّلَبُ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا وَلَا يَلْزَمُهَا صِدْقٌ وَلَا كَذِبٌ فَهِيَ كَالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي إنْشَاءً. (الْقِسْمُ الرَّابِعُ) النِّدَاءُ نَحْوَ يَا زَيْدُ اُتُّفِقَ أَنَّهُ إنْشَاءٌ لِأَنَّهُ طَلَبٌ لِحُضُورِ الْمُنَادَى، وَالطَّلَبُ إنْشَاءٌ نَحْوَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ النُّحَاةُ فِي أَنَّ الْمُفِيدَ لِلنِّدَاءِ الْحَرْفُ وَحْدَهُ أَوْ فِعْلٌ مُضْمَرٌ تَقْدِيرُهُ أُنَادِي زَيْدًا. قَالَ الْمُبَرِّدُ وَهَذَا الْفِعْلُ الْمُضْمَرُ لَا يَلْزَمُهُ الصِّدْقُ وَلَا الْكَذِبُ حَتَّى يَكُونَ خَبَرًا فَهُوَ إنْشَاءٌ لِطَلَبِ حُضُورِ الْمُنَادَى (وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ) قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا صِيَغُ الْعُقُودِ كَبِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ وَأَنْتَ حُرٌّ وَامْرَأَتِي طَالِقٌ. قَالَتْ الْأَحْنَافُ إنَّهَا إخْبَارَاتٌ عَلَى أَصْلِهَا اللُّغَوِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ إنَّهَا إنْشَاءَاتٌ مَنْقُولَةٌ عَنْ الْخَبَرِ إلَيْهِ مُحْتَجِّينَ أَوَّلًا بِأَمْرٍ يُمْكِنُ فِيهِ ادِّعَاءُ الْقَطْعِ وَلَا يَتَأَتَّى لِلْأَحْنَافِ الْجَوَابُ عَنْهُ إلَّا بِالْمُكَابَرَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْإِنْشَاءَ هُوَ الْمُتَبَادِرُ فِي الْعُرْفِ إلَى الْفَهْمِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَنْقُولًا إلَيْهِ كَسَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُبَادَرَةَ لِلْإِنْشَاءِ وَالْعُدُولَ إلَى الْخَبَرِ مُدْرَكٌ لَنَا بِالْعُقُولِ بِالضَّرُورَةِ، وَلَا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا أَنَّ الْقَائِلَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهُ يَحْسُنُ تَصْدِيقُهُ أَوْ تَكْذِيبُهُ وَالْمُصَنِّفُ يَعْتَمِدُ الْوِجْدَانَ وَمَنْ لَمْ يُنْصِفْ يَقُلْ مَا شَاءَ، وَثَانِيًا بِخَمْسَةِ أُمُورٍ مَبْنِيَّةٍ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ الظَّنُّ لَا الْقَطْعُ. أَحَدُهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا لَكَانَتْ كَاذِبَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَمْ يُطَلِّقْ وَالْكَذِبُ لَا عِبْرَةَ بِهِ لَكِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ إخْبَارًا بَلْ إنْشَاءً لِحُصُولِ لُزُومِ الْإِنْشَاءِ فِيهَا مِنْ اسْتِتْبَاعَاتِهِ لِمَدْلُولَاتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَأَجَابَ الْأَحْنَافُ بِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَدَّرَ فِي هَذِهِ الصِّيَغِ تَقَدُّمَ مَدْلُولَاتِهَا قَبْلَ النُّطْقِ بِهَا بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ تَصْدِيقِ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا، وَالْإِضْمَارُ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ لِمَا تَقَرَّرَ

طَالِقٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ. قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ إنَّهَا إخْبَارَاتٌ عَلَى أَصْلِهَا اللُّغَوِيِّ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ إنَّهَا إنْشَاءَاتٌ مَنْقُولَةٌ عَنْ الْخَبَرِ إلَيْهِ احْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِأُمُورٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا لَكَانَتْ كَاذِبَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَمْ يُطَلِّقْ، وَالْكَذِبُ لَا عِبْرَةَ بِهِ لَكِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ إخْبَارًا بَلْ إنْشَاءٌ لِحُصُولِ لَوَازِمِ الْإِنْشَاءِ فِيهَا مِنْ اسْتِتْبَاعَاتِهِ لِمَدْلُولَاتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اللَّوَازِمِ. (وَثَانِيهَا) أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا لَكَانَتْ إمَّا كَاذِبَةً وَلَا عِبْرَةَ بِهَا أَوْ صَادِقَةً فَتَكُونُ مُتَوَقِّفَةً عَلَى تَقَدُّمِ أَحْكَامِهَا فَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ تَتَوَقَّفَ عَلَيْهَا أَيْضًا فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ أَوْ لَا تَتَوَقَّفَ عَلَيْهَا فَيَلْزَمُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ، وَهُوَ سَاكِتٌ وَذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. (وَثَالِثُهَا) أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ خَبَرًا عَنْ الْمَاضِي أَوْ الْحَاضِرِ وَحِينَئِذٍ يَتَعَذَّرُ تَعْلِيقُهَا عَلَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الشَّرْطِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ أَوْ خَبَرٍ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ وَحِينَئِذٍ لَا يَزِيدُ عَلَى التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ، وَهُوَ لَوْ صَرَّحَ وَقَالَ لِامْرَأَتِهِ سَتَصِيرِينَ طَالِقًا لَمْ تَطْلُقْ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَكَذَلِكَ مَا فِي مَعْنَاهُ. (وَرَابِعُهَا) أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَهُ طَلْقَةٌ أُخْرَى مَعَ أَنَّ إخْبَارَهُ صَادِقٌ بِاعْتِبَارِ الطَّلْقَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى طَلْقَةٍ أُخْرَى لَكِنْ لَمَّا لَزِمَهُ طَلْقَةٌ أُخْرَى دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ مُنْشِئَةٌ لِلطَّلَاقِ. (وَخَامِسُهَا) قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَالْأَمْرُ بِالطَّلَاقِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى التَّحْرِيمِ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامُهُ النَّفْسَانِيُّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَسْبٌ وَلَا اخْتِرَاعٌ فَتَعْيِينُ صَرْفِهِ لِأَمْرٍ آخَرَ يَقْتَضِيهِ وَيَسْتَلْزِمُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــSطَالِقٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ إنَّهَا إخْبَارَاتٌ عَلَى أَصْلِهَا اللُّغَوِيِّ. وَقَالَ غَيْرُهُمْ إنَّهَا إنْشَاءَاتٌ مَنْقُولَةٌ عَنْ الْخَبَرِ إلَيْهِ احْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِأُمُورٍ أَحَدُهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا لَكَانَتْ كَاذِبَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَمْ يُطَلِّقْ. وَالْكَذِبُ لَا عِبْرَةَ بِهِ لَكِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ إخْبَارًا بَلْ إنْشَاءٌ لِحُصُولِ لَوَازِمِ الْإِنْشَاءِ فِيهَا مِنْ اسْتِتْبَاعِهَا لِمَدْلُولَاتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اللَّوَازِمِ وَثَانِيهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا لَكَانَتْ إمَّا كَاذِبَةً وَلَا عِبْرَةَ بِهَا أَوْ صَادِقَةً فَتَكُونُ مُتَوَقِّفَةً عَلَى تَقَدُّمِ أَحْكَامِهَا، وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ تَتَوَقَّفَ عَلَيْهَا أَيْضًا فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ أَوْ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا فَيَلْزَمُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ. وَهُوَ سَاكِتٌ وَذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَثَالِثُهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ خَبَرًا عَنْ الْمَاضِي أَوْ الْحَاضِرِ، وَحِينَئِذٍ يَتَعَذَّرُ تَعْلِيقُهَا عَلَى الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الشَّرْطِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ أَوْ خَبَرٍ عَنْ مُسْتَقْبَلٍ، وَحِينَئِذٍ لَا يَزِيدُ عَلَى التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ وَهُوَ لَوْ صَرَّحَ وَقَالَ لِامْرَأَتِهِ سَتَصِيرِينَ طَالِقًا لَمْ تَطْلُقْ بِهَذَا اللَّفْظِ. وَكَذَلِكَ مَا فِي مَعْنَاهُ وَرَابِعُهَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَهُ طَلْقَةٌ أُخْرَى مَعَ أَنَّ إخْبَارَهُ صَادِقٌ بِاعْتِبَارِ الطَّلْقَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى طَلْقَةٍ أُخْرَى لَكِنْ لَمَّا لَزِمَهُ طَلْقَةٌ أُخْرَى دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ مُنْشِئَةٌ لِلطَّلَاقِ، وَخَامِسُهَا قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَالْأَمْرُ بِالطَّلَاقِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى التَّحْرِيمِ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامُهُ النَّفْسَانِيُّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَسْبٌ وَلَا اخْتِرَاعٌ فَتَعَيَّنَ صَرْفُهُ لِأَمْرٍ آخَرَ يَقْتَضِيهِ وَيَسْتَلْزِمُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَلِأَنَّ جَوَازَ الْإِضْمَارِ فِي الْكَلَامِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَالنَّقْلَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ أَوْلَى وَمَتَى كَانَ الْمَدْلُولُ مُقَدَّرًا قَبْلَ الْخَبَرِ كَانَ الْخَبَرُ صَادِقًا فَلَا يَلْزَمُ الْكَذِبُ وَلَا النَّقْلُ لِلْإِنْشَاءِ، وَبَقِيَتْ إخْبَارَاتٌ عَلَى مَوْضُوعَاتِهَا اللُّغَوِيَّةِ وَعَمِلْنَا بِالْأَصْلِ فِي عَدَمِ النَّقْلِ، وَأَنْتُمْ خَالَفْتُمُوهُ وَفِيهِ نَظَرٌ بِوَجْهَيْنِ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّ بِنَاءَهُ عَلَى إلْجَاءِ ضَرُورَةِ صِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا إلَى تَقْدِيرِ تَقَدُّمِ مَدْلُولَاتِهَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ صِدْقَ الْمُتَكَلِّمِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ خَبَرٌ وَهُوَ مَحِلُّ النِّزَاعِ. الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْإِضْمَارِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ضَرُورَةً أَنَّهُ مُفْتَقِرٌ إلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ مَا لَمْ يَقَعْ، ثُمَّ إضْمَارِهِ أَوْ إلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ دُونَ إضْمَارِهِ، وَتَقْدِيرُ وُقُوعِ مَا لَمْ يَقَعْ لَيْسَ هُوَ الْإِضْمَارُ وَثَانِيهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا لَكَانَتْ إمَّا كَاذِبَةً وَلَا عِبْرَةَ بِهَا أَوْ صَادِقَةً فَتَكُونُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى تَقَدُّمِ أَحْكَامِهَا فَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ تَتَوَقَّفَ عَلَيْهَا أَيْضًا فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ أَوْ لَا تَتَوَقَّفَ عَلَيْهَا فَيَلْزَمُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ، وَهُوَ سَاكِتٌ وَذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. وَأَجَابَ الْأَحْنَافُ بِأَنَّ الدَّوْرَ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ النُّطْقَ بِاللَّفْظِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى شَيْءٍ وَبَعْدَهُ يُقَدَّرُ تَقَدُّمُ الْمَدْلُولِ وَبَعْدَ تَقْدِيرِ الْمَدْلُولِ يَحْصُلُ الصِّدْقُ وَيَلْزَمُ الْحُكْمُ فَالصِّدْقُ مُتَوَقِّفٌ مُطْلَقًا عَلَى التَّقْدِيرِ وَالْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ التَّقْدِيرُ مُطْلَقًا اللَّفْظُ، فَالثَّلَاثَةُ أُمُورٌ مُتَرَتِّبَةٌ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ تَرَتُّبَ الِابْنِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا هُوَ قَبْلَ الْآخَرِ وَبَعْدَهُ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بَعْدَ تَقْدِيرِ الْمَدْلُولِ إلَّا تَقْدِيرُ الصِّدْقِ إذْ كَيْفَ تَحْصُلُ حَقِيقَةُ الصِّدْقِ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ مَا لَمْ يَقَعْ. وَثَالِثُهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارًا فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ خَبَرًا عَنْ الْمَاضِي أَوْ الْحَاضِرِ فَيَتَعَذَّرُ تَعْلِيقُهَا عَنْ الشَّرْطِ حِينَئِذٍ إذْ مِنْ شَرْطِ الشَّرْطِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِمُسْتَقْبَلٍ أَوْ تَكُونُ خَبَرًا عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهَا عَلَى الشَّرْطِ لَكِنْ لَا يَزِيدُ عَلَى التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ حِينَئِذٍ، وَهُوَ لَوْ صَرَّحَ وَقَالَ لِامْرَأَتِهِ سَتَصِيرِينَ طَالِقًا لَمْ تَطْلُقُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَكَذَلِكَ مَا فِي مَعْنَاهُ. وَأَجَابَ الْأَحْنَافُ بِالْتِزَامِ أَنَّهَا إخْبَارَاتٌ عَنْ الْمَاضِي وَمُنِعَ تَعَذُّرُ التَّعْلِيقِ عَنْ الْمَاضِي مُطْلَقًا بَلْ عَلَى خُصُوصِ الْمَاضِي الْمُحَقَّقِ لَا الْمُقَدَّرِ كَمَا هُنَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى التَّعْلِيقِ

تَوْفِيَةً بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الطَّلَبِ، وَمَا ذَلِكَ إلَّا قَوْلُ الْقَائِلِ أَنْتِ طَالِقٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا التَّحْرِيمُ وَلَا نَعْنِي بِكَوْنِهَا إنْشَاءً إلَّا ذَلِكَ. (وَسَادِسُهَا) أَنَّ الْإِنْشَاءَ هُوَ الْمُتَبَادَرُ فِي الْعُرْفِ إلَى الْفَهْمِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَنْقُولًا إلَيْهِ كَسَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ، وَالْجَوَابُ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا أَنْ لَوْ لَمْ يُقَدِّرْ فِيهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ تَقَدُّمَ مَدْلُولَاتِهَا قَبْلَ النُّطْقِ بِهَا بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ تَصْدِيقِ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا لَكِنْ الْإِضْمَارُ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَلِأَنَّ جَوَازَ الْإِضْمَارِ فِي الْكَلَامِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَالنَّقْلَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ أَوْلَى وَمَتَى كَانَ الْمَدْلُولُ مُقَدَّرًا قَبْلَ الْخَبَرِ كَانَ الْخَبَرُ صَادِقًا، فَلَا يَلْزَمُ الْكَذِبُ وَلَا النَّقْلُ لِلْإِنْشَاءِ، وَبَقِيَتْ إخْبَارَاتٌ عَلَى مَوْضُوعَاتِهَا اللُّغَوِيَّةِ وَعَمِلْنَا بِالْأَصْلِ فِي عَدَمِ النَّقْلِ وَأَنْتُمْ خَالَفْتُمُوهُ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الدَّوْرَ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ النُّطْقَ بِاللَّفْظِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى شَيْءٍ، وَبَعْدَهُ يُقَدَّرُ تَقَدُّمُ الْمَدْلُولِ وَبَعْدَ تَقْدِيرِ الْمَدْلُولِ يَحْصُلُ الصِّدْقُ وَيَلْزَمُ الْحُكْمُ، فَالصِّدْقُ مُتَوَقِّفٌ مُطْلَقًا وَاللَّفْظُ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَالتَّقْدِيرُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى النُّطْقِ وَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّدْقُ فَهَهُنَا ثَلَاثَةُ أُمُورٍ مُتَرَتِّبَةٌ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا هُوَ قَبْلَ الْآخَرِ وَبَعْدَهُ حَتَّى يَلْزَمَ الدَّوْرُ بَلْ هِيَ كَالِابْنِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ فِي التَّرْتِيبِ وَالتَّوَقُّفِ فَانْدَفَعَ الدَّوْرُ. وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّا نَلْتَزِمُ أَنَّهَا إخْبَارَاتٌ عَنْ الْمَاضِي، وَلَا يَتَعَذَّرُ التَّعْلِيقُ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمَاضِيَ لَهُ تَفْسِيرٌ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَاضٍ تَقَدَّمَ مَدْلُولُهُ قَبْلَ النُّطْقِ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ فَهَذَا يَتَعَذَّرُ تَعْلِيقُهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّعْلِيقِ ـــــــــــــــــــــــــــــSتَوْفِيَةً بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الطَّلَبِ، وَمَا ذَلِكَ إلَّا قَوْلُ الْقَائِلِ أَنْتِ طَالِقٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا التَّحْرِيمُ. وَلَا نَعْنِي بِكَوْنِهَا إنْشَاءً إلَّا ذَلِكَ، وَسَادِسُهَا أَنَّ الْإِنْشَاءَ هُوَ الْمُتَبَادِرُ فِي الْعُرْفِ إلَى الْفَهْمِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَنْقُولًا إلَيْهِ كَسَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ. وَالْجَوَابُ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا إنْ لَوْ لَمْ يُقَدِّرْ فِيهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ تَقَدُّمَ مَدْلُولَاتِهَا قَبْلَ النُّطْقِ بِهَا بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ تَصْدِيقِ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا لَكِنْ الْإِضْمَارُ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَلِأَنَّ جَوَازَ الْإِضْمَارِ فِي الْكَلَامِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَالنَّقْلَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ أَوْلَى. وَمَتَى كَانَ الْمَدْلُولُ مُقَدَّرًا قَبْلَ الْخَبَرِ كَانَ الْخَبَرُ صَادِقًا فَلَا يَلْزَمُ الْكَذِبُ وَلَا النَّقْلُ لِلْإِنْشَاءِ وَبَقِيَتْ إخْبَارَاتٌ عَلَى مَوْضُوعَاتِهَا اللُّغَوِيَّةِ وَعَمِلْنَا بِالْأَصْلِ فِي عَدَمِ النَّقْلِ، وَأَنْتُمْ خَالَفْتُمُوهُ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الدَّوْرَ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ النُّطْقَ بِاللَّفْظِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى شَيْءٍ وَبَعْدَهُ يُقَدَّرُ تَقَدُّمُ الْمَدْلُولِ وَبَعْدَ تَقْدِيرِ الْمَدْلُولِ يَحْصُلُ الصِّدْقُ، وَيَلْزَمُ الْحُكْمُ فَالصِّدْقُ مُتَوَقِّفٌ مُطْلَقًا وَاللَّفْظُ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَالتَّقْدِيرُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى النُّطْقِ وَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّدْقُ فَهَهُنَا ثَلَاثَةُ أُمُورٍ مُتَرَتِّبَةٌ بَعْضُهَا بَعْدَ بَعْضٍ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا هُوَ قَبْلَ الْآخَرِ وَبَعْدَهُ حَتَّى يَلْزَمَ الدَّوْرُ بَلْ هِيَ كَالِابْنِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ فِي التَّرْتِيبِ وَالتَّوَقُّفِ فَانْدَفَعَ الدَّوْرُ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّا نَلْتَزِمُ أَنَّهَا إخْبَارَاتٌ عَنْ الْمَاضِي وَلَا يَتَعَذَّرُ التَّعْلِيقُ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمَاضِيَ لَهُ تَفْسِيرٌ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَاضٍ تَقَدَّمَ مَدْلُولُهُ قَبْلَ النُّطْقِ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ فَهَذَا يَتَعَذَّرُ تَعْلِيقُهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّعْلِيقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَوْقِيفُ أَمْرٍ فِي دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ عَلَى دُخُولِ أَمْرٍ آخَرَ فِي الْوُجُودِ وَهُوَ الشَّرْطُ، وَمَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ وَتَحَقَّقَ لَا يُمْكِنُ تَوْقِيفُ دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ عَلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا كَانَ دُخُولُهُ فِي الْوُجُودِ غَيْرَ مُحَقَّقٍ بَلْ مُقَدَّرٌ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَوْقِيفُ دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ عَلَى غَيْرِهِ فَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ ارْتِبَاطِ طَلَاقِ امْرَأَتِهِ بِدُخُولِ الدَّارِ فَيُقَدِّرُ صَاحِبُ الشَّرْعِ هَذَا الِارْتِبَاطَ قَبْلَ نُطْقِهِ بِهِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ تَصْدِيقِهِ، وَإِذَا قُدِّرَ الِارْتِبَاطُ قَبْلَ النُّطْقِ صَارَ الْإِخْبَارُ عَنْ الِارْتِبَاطِ مَاضِيًا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَاضِي هُوَ الَّذِي مُخْبَرُهُ قَبِلَ خَبَرَهُ، وَهَذَا كَذَلِكَ بِالتَّقْدِيرِ فَيَكُونُ مَاضِيًا مَعَ التَّعْلِيقِ فَقَدْ اجْتَمَعَ الْمُضِيُّ وَالتَّعْلِيقُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ، وَلَمْ يُنَافِ الْمُضِيُّ التَّعْلِيقَ فَتَأَمَّلْهُ فَهُوَ دَقِيقٌ فِي بَابِ التَّقْدِيرَاتِ، وَفِيهِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَرُورَةِ صِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ، وَضَرُورَةُ الصِّدْقِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى كَوْنِ كَلَامِهِ خَبَرًا، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجَوَابِ عَنْ الِاحْتِجَاجِ الْأَوَّلِ. وَرَابِعُهَا: أَنَّ لُزُومَ طَلْقَةٍ أُخْرَى لِمَنْ قَالَ لِمُطَلَّقَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ بِلَا خِلَافٍ مَعَ أَنَّ إخْبَارَهُ صَادِقٌ بِاعْتِبَارِ الطَّلْقَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ مُنْشِئَةٌ لِلطَّلَاقِ. وَأَجَابَ الْأَحْنَافُ بِأَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ لِمُطَلَّقَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ إنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ الطَّلْقَةِ الْمَاضِيَةِ لَمْ تَلْزَمْهُ طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ، وَإِنْ قَصَدَ الْإِخْبَارَ عَنْ طَلْقَةٍ ثَانِيَةٍ فَهُوَ إخْبَارٌ كَاذِبٌ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ وُقُوعِ ثَانِيَةٍ فَيَحْتَاجُ لِلتَّقْدِيرِ لِضَرُورَةِ التَّصْدِيقِ فَيَلْزَمُهُ الثَّانِيَةُ بِالتَّقْدِيرِ كَالْأُولَى، فَالْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ وَغَيْرُهَا سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ التَّقْدِيرِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا إذَا كَانَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إخْبَارًا عَنْ الطَّلْقَةِ الْأُولَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَهَذَا الْجَوَابُ أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى ضَرُورَةِ الصِّدْقِ وَفِيهِ مَا فِي الْجَوَابَيْنِ عَنْ الِاحْتِجَاجِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ فَلَا تَغْفُلْ. وَخَامِسُهَا قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أَمْرٌ بِالطَّلَاقِ، وَالْأَمْرُ بِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى التَّحْرِيمِ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامُهُ النَّفْسَانِيُّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَسْبٌ وَلَا اخْتِرَاعٌ فَتَعَيَّنَ صَرْفُهُ لِأَمْرٍ آخَرَ يَسْتَلْزِمُهُ تَوْفِيَتُهُ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الطَّلَبِ وَمَا ذَلِكَ الْأَمْرُ إلَّا قَوْلُ الْقَائِلِ أَنْتِ طَالِقٌ فَدَلَّ

تَوْقِيفُ أَمْرٍ فِي دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ عَلَى دُخُولِ أَمْرٍ آخَرَ فِي الْوُجُودِ، وَهُوَ الشَّرْطُ وَمَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ وَتَحَقَّقَ لَا يُمْكِنُ تَوْقِيفُ دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ عَلَى غَيْرِهِ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ تَعَذَّرَ تَعْلِيقُ الْمَاضِي الْمُحَقَّقِ، وَثَانِيهِمَا مَاضٍ بِالتَّقْدِيرِ لَا بِالتَّحْقِيقِ فَهَذَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَتَقْدِيرُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ ارْتِبَاطِ طَلَاقِ امْرَأَتِهِ بِدُخُولِ الدَّارِ فَيُقَدِّرُ صَاحِبُ الشَّرْعِ هَذَا الِارْتِبَاطَ قَبْلَ نُطْقِهِ بِهِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ تَصْدِيقِهِ، وَإِذَا قُدِّرَ الِارْتِبَاطُ قَبْلَ النُّطْقِ صَارَ الْإِخْبَارُ عَنْ الِارْتِبَاطِ مَاضِيًا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَاضِي هُوَ الَّذِي مُخْبِرُهُ قُبِلَ خَبَرُهُ، وَهَذَا كَذَلِكَ بِالتَّقْدِيرِ فَيَكُونُ مَاضِيًا مَعَ التَّعْلِيقِ فَقَدْ اجْتَمَعَ الْمُضِيُّ وَالتَّعْلِيقُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ، وَلَمْ يُنَافِ الْمُضِيُّ التَّعْلِيقَ فَتَأَمَّلْهُ فَهُوَ دَقِيقٌ فِي بَابِ التَّقْدِيرَاتِ، وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ الطَّلْقَةِ الْمَاضِيَةِ لَمْ تَلْزَمْهُ طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ. وَإِنْ لَزِمَ الْإِخْبَارُ عَنْ طَلْقَةٍ ثَانِيَةٍ فَهُوَ إخْبَارٌ كَاذِبٌ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ وُقُوعِ ثَانِيَةٍ فَيَحْتَاجُ لِلتَّقْدِيرِ لِضَرُورَةِ التَّصْدِيقِ فَتَلْزَمُهُ الثَّانِيَةُ بِالتَّقْدِيرِ كَالْأُولَى فَقَوْلُكُمْ إنَّ الْمُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ تَسْتَغْنِي عَنْ التَّقْدِيرِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ هِيَ وَغَيْرُهَا سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا إذَا كَانَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إخْبَارًا عَنْ الطَّلْقَةِ الْأُولَى، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَعَنْ الْخَامِسِ أَنَّ الْأَمْرَ عِنْدَنَا مُتَعَلِّقٌ بِإِيجَادِ خَبَرٍ يُقَدِّرُ الشَّرْعُ قِبَلَهُ الطَّلَاقَ فَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ لَا إنْشَاءُ الطَّلَاقِ حَتَّى يَكُونَ اللَّفْظُ سَبَبًا كَمَا ذَكَرْتُمُوهُ بَلْ خَبَرًا صِرْفًا مَعَ التَّقْدِيرِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُمْكِنٌ مُتَصَوَّرٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى مُخَالَفَةِ الْأَصْلِ بِالنَّقْلِ وَالْعُدُولِ عَنْ اللُّغَةِ الصَّرِيحَةِ فَهَذِهِ أَجْوِبَةٌ حَسَنَةٌ لِلْحَنَفِيَّةِ (وَأَمَّا الْوَجْهُ السَّادِسُ) فَلَا يَتَأَتَّى الْجَوَابُ عَنْهُ إلَّا بِالْمُكَابَرَةِ فَإِنَّ الْمُبَادَرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــSتَوْقِيفُ أَمْرٍ فِي دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ عَلَى دُخُولِ أَمْرٍ آخَرَ فِي الْوُجُودِ، وَهُوَ الشَّرْطُ وَمَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ وَتَحَقَّقَ لَا يُمْكِنُ تَوْقِيفُ دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ عَلَى غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ تَعَذَّرَ تَعْلِيقُ الْمَاضِي الْمُحَقَّقِ، وَثَانِيهِمَا مَاضٍ بِالتَّقْدِيرِ لَا بِالتَّحْقِيقِ فَهَذَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ. وَتَقْدِيرُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ ارْتِبَاطِ طَلَاقِ امْرَأَتِهِ بِدُخُولِ الدَّارِ فَيُقَدِّرُ صَاحِبُ الشَّرْعِ هَذَا الِارْتِبَاطَ قَبْلَ نُطْقِهِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ تَصْدِيقِهِ وَإِذَا قُدِّرَ الِارْتِبَاطُ قَبْلَ النُّطْقِ صَارَ الْإِخْبَارُ عَنْ الِارْتِبَاطِ مَاضِيًا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَاضِي هُوَ الَّذِي مُخْبَرُهُ قَبِلَ خَبَرَهُ، وَهَذَا كَذَلِكَ بِالتَّقْدِيرِ فَيَكُونُ مَاضِيًا مَعَ التَّعْلِيقِ فَقَدْ اجْتَمَعَ التَّعْلِيقُ وَالْمُضِيُّ بِهَذَا التَّفْسِيرِ وَلَمْ يُنَافِ الْمُضِيُّ التَّعْلِيقَ فَتَأَمَّلْهُ وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ الطَّلْقَةِ الْمَاضِيَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ، وَإِنْ قَصَدَ الْإِخْبَارَ عَنْ طَلْقَةٍ ثَانِيَةٍ فَهُوَ إخْبَارٌ كَاذِبٌ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ وُقُوعِ ثَانِيَةٍ فَيَحْتَاجُ لِلتَّقْدِيرِ لِضَرُورَةِ التَّصْدِيقِ فَتَلْزَمُهُ الثَّانِيَةُ بِالتَّقْدِيرِ كَالْأُولَى، فَقَوْلُكُمْ إنَّ الْمُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ تَسْتَغْنِي عَنْ التَّقْدِيرِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ هِيَ وَغَيْرُهَا سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا إذَا كَانَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إخْبَارًا عَنْ الطَّلْقَةِ الْأُولَى، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَعَنْ الْخَامِسِ أَنَّ الْأَمْرَ عِنْدَنَا مُتَعَلِّقٌ بِإِيجَادِ خَبَرٍ يُقَدِّرُ الشَّرْعُ قِبَلَهُ الطَّلَاقَ فَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ لَا إنْشَاءُ الطَّلَاقِ حَتَّى يَكُونَ اللَّفْظُ سَبَبًا كَمَا ذَكَرْتُمُوهُ بَلْ خَبَرًا صِرْفًا مَعَ التَّقْدِيرِ. وَهَذَا أَمْرٌ مُمْكِنٌ مُتَصَوَّرٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى مُخَالَفَةِ الْأَصْلِ بِالنَّقْلِ وَالْعُدُولِ عَنْ اللُّغَةِ الصَّرِيحَةِ فَهَذِهِ أَجْوِبَةٌ حَسَنَةٌ لِلْحَنَفِيَّةِ وَأَمَّا الْوَجْهُ السَّادِسُ فَلَا يَتَأَتَّى الْجَوَابُ عَنْهُ إلَّا بِالْمُكَابَرَةِ فَإِنَّ الْمُبَادَرَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا التَّحْرِيمُ وَلَا نَعْنِي بِكَوْنِهَا إنْشَاءً إلَّا ذَلِكَ. وَأَجَابَ الْأَحْنَافُ بِأَنَّ الْأَمْرَ عِنْدَنَا مُتَعَلِّقٌ بِإِيجَادِ خَبَرٍ يُقَدِّرُ الشَّرْعُ قِبَلَهُ الطَّلَاقَ فَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ لَا بِإِيجَادِ إنْشَاءِ الطَّلَاقِ حَتَّى يَكُونَ اللَّفْظُ سَبَبًا كَمَا ذَكَرْتُمُوهُ بَلْ خَبَرًا صِرْفًا مَعَ التَّقْدِيرِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُمْكِنٌ مُتَصَوَّرٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى مُخَالَفَةِ الْأَصْلِ بِالنَّقْلِ وَالْعُدُولِ عَنْ اللُّغَةِ الصَّرِيحَةِ، وَمُقْتَضَى هَذَا الْجَوَابِ إبْدَاءُ احْتِمَالٍ فِي مُتَعَلِّقِ الْأَمْرِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ أَشْبَهَ أَجْوِبَتِهِمْ وَغَيْرَ مَدْفُوعٍ إلَّا أَنَّهُ مَرْجُوحٌ بِصِحَّةِ الِاحْتِجَاجَاتِ الْخَمْسَةِ السَّابِقَةِ، وَمَتْرُوكٌ بِالِاحْتِجَاجِ الَّذِي قَبْلَ الْخَمْسَةِ إنْ صَحَّ قَاطِعًا إذْ يَكْفِي فِي مُتُونَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ لَهُمْ عَنْهُ جَوَابٌ وَأَنَّ صِحَّةَ الْجَوَابِ عَنْهُ لَا تَتَأَتَّى إلَّا بِالْمُكَابَرَةِ فَافْهَمْ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي صِيَغُ الْحَمْدِ وَالذِّكْرِ وَالتَّنْزِيهِ وَنَحْوِهَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الشِّرْبِينِيُّ رَأَيْتُ عَنْ بَعْضِهِمْ فِيهَا حِكَايَةَ قَوْلَيْنِ: لُزُومُ الْقَصْدِ أَيْ قَصْدِ الْإِنْشَاءِ وَعَدَمُهُ، وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ تَسْلِيمِ النَّقْلِ فِيهَا بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضٌ إنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ كَصِيَغِ الْعُقُودِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ صِيَغَ الْعُقُودِ نَقَلَهَا الشَّرْعُ إلَى الْإِنْشَاءِ لِمَصْلَحَةِ الْأَحْكَامِ وَإِثْبَاتِ النَّقْلِ لِمَا نَحْنُ فِيهِ أَيْ مِنْ نَحْوِ صِيَغِ الْحَمْدِ بِلَا ضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ مُشْكِلٌ جِدًّا فَالْحَقُّ أَنَّهَا أَخْبَارٌ اُسْتُعْمِلَتْ فِي الْإِنْشَاءِ مَجَازًا؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْإِخْبَارِ بِهَا بَعِيدٌ اهـ. وَالْمَجَازُ إمَّا مُرْسَلٌ بِنَقْلِ لَفْظِ الْجُمْلَةِ مِنْ الْإِثْبَاتِ عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ إلَى مُطْلَقِ الْإِثْبَاتِ ثُمَّ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ إمَّا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ فَرْدًا فَيَكُونُ بِمَرْتَبَةٍ لِلتَّقْيِيدِ أَوْ مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِ فَيَكُونُ بِمَرْتَبَتَيْنِ أَيْ نَقْلَتَيْنِ لِلتَّقْيِيدِ، ثُمَّ الْإِطْلَاقُ أَوْ بِالِاسْتِعَارَةِ الْمُرَكَّبَةِ الْغَيْرِ التَّمْثِيلِيَّةِ بِتَشْبِيهِ الْإِنْشَاءِ بِالْخَبَرِ إمَّا بِنَاءً عَلَى التَّضَادِّ الْمُنَزَّلِ مَنْزِلَةَ التَّنَاسُبِ، وَإِمَّا فِي تَحَقُّقِ الْوُقُوعِ حَتَّى كَأَنَّهُ وَاقِعٌ وَيَسْتَحِقُّ الْإِخْبَارَ عَنْهُ لِمَا لِلْعِصَامِ مِنْ أَنَّ التَّجَوُّزَ هُنَا بِاعْتِبَارِ الْهَيْئَةِ التَّرْكِيبِيَّةِ وَفِي التَّمْثِيلِيَّةِ بِاعْتِبَارِ مَجْمُوعِ مَادَّةِ الْمُرَكَّبِ الْمَوْضُوعِ لِلْهَيْئَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ اجْتِمَاعِ مَعَانِي مُفْرَدَاتِهِ فِي الذِّهْنِ. قَالَ الْعَطَّارُ وَعَلَى تَقْدِيرِ خَبَرِيَّتِهَا أَيْ صِيغَةِ الْحَمْدِ

[المسألة الأولى قال القائل لامرأته أنت علي كظهر أمي]

لِلْإِنْشَاءِ وَالْعُدُولُ عَنْ الْخَبَرِ مُدْرَكٌ لَنَا بِالْعُقُولِ بِالضَّرُورَةِ وَلَا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا أَنَّ الْقَائِلَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهُ يَحْسُنُ تَصْدِيقُهُ وَتَكْذِيبُهُ بِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّقْدِيرِ وَالْبَحْثُ فِي هَذَا الْمَقَامِ يَعْتَمِدُ التَّنَاصُفَ فِي الْوِجْدَانِ، فَمَنْ لَمْ يُنْصِفْ يَقُلْ مَا شَاءَ. وَأَمَّا الْأَجْوِبَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَنْ بَقِيَّةِ الْوُجُوهِ فَمُتَّجِهَةٌ صَحِيحَةٌ، وَالسَّادِسُ هُوَ الْعُمْدَةُ الْمُحَقَّقَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَهَذَا تَلْخِيصُ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ عَلَى أَتَمِّ الْوُجُوهِ وَلَمْ أَرَهَا لِأَحَدٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَلَا غَيْرِهِمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى. ثُمَّ أُوَشِّحُ مَا تَقَدَّمَ بِمَسَائِلَ جَلِيلَةٍ وَمَبَاحِثَ جَمِيلَةٍ وَهِيَ سِتٌّ: (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) مِمَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ إنْشَاءٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَهُوَ الظِّهَارُ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يَعْتَقِدُ الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ إنْشَاءٌ لِلظِّهَارِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْشَاءٌ لِلطَّلَاقِ فَإِنَّ الْبَابَيْنِ فِي الْإِنْشَاءِ سَوَاءٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِ الْإِنْشَاءِ عَدَمَ قَبُولِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSلِلْإِنْشَاءِ وَالْعُدُولِ عَنْ الْخَبَرِ مُدْرَكٌ لَنَا بِالْعُقُولِ بِالضَّرُورَةِ وَلَا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا أَنَّ الْقَائِلَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهُ يَحْسُنُ تَصْدِيقُهُ بِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّقْدِيرِ. وَالْبَحْثُ فِي هَذَا الْمَقَامِ يَعْتَمِدُ التَّنَاصُفَ فِي الْوِجْدَانِ فَمَنْ لَمْ يُنْصِفْ يَقُلْ مَا شَاءَ) قُلْت أَمَّا احْتِجَاجَاتُ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ فَصَحِيحَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمَرَامَ الظَّنُّ حَاشَا الْأَخِيرِ مِنْهَا فَهُوَ قَوِيٌّ يُمْكِنُ فِيهِ ادِّعَاءُ الْقَطْعِ، وَأَمَّا جَوَابَاتُ الْحَنَفِيَّةِ فَضَعِيفَةٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَبْنِيٌّ عَلَى إلْجَاءِ ضَرُورَةِ صِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا إلَى تَقْدِيرِ تَقَدُّمِ مَدْلُولَاتِهَا، وَصِدْقُ الْمُتَكَلِّمِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ خَبَرٌ وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَقَوْلُهُمْ فِي هَذَا الْجَوَابِ، وَلِأَنَّ جَوَازَ الْإِضْمَارِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالنَّقْلَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ أَوْلَى مُسَلَّمٌ لَكِنْ لَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مُفْتَقِرًا إلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ مَا لَمْ يَقَعْ ثُمَّ إضْمَارِهِ أَوْ إلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ دُونَ إضْمَارِهِ، وَتَقْدِيرُ وُقُوعِ مَا لَمْ يَقَعْ لَيْسَ هُوَ الْإِضْمَارُ فَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ لَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْإِضْمَارِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ الثَّانِي فَقَوْلُهُمْ فِيهِ وَبَعْدَ تَقْدِيرِ الْمَدْلُولِ يَحْصُلُ الصِّدْقُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ لَا يَحْصُلُ إلَّا تَقْدِيرُ الصِّدْقِ. وَأَمَّا الصِّدْقُ فَلَا وَكَيْفَ تَحْصُلُ حَقِيقَةُ الصِّدْقِ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ مَا لَمْ يَقَعْ، هَذَا وَاضِحُ السُّقُوطِ وَالْبُطْلَانِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ الثَّالِثُ فَمَبْنِيٌّ عَلَى ضَرُورَةِ صِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ، وَضَرُورَةُ الصِّدْقِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى كَوْنِ كَلَامِهِ خَبَرًا، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ الرَّابِعُ فَمَبْنِيٌّ أَيْضًا عَلَى ضَرُورَةِ الصِّدْقِ وَفِيهِ مَا فِي الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ الْخَامِسُ فَهُوَ أَشْبَهُ أَجْوِبَتِهِمْ وَمُقْتَضَاهُ إبْدَاءُ احْتِمَالٍ فِي مُتَعَلِّقِ الْأَمْرِ، وَهُوَ غَيْرُ مَدْفُوعٍ لَكِنَّهُ مَرْجُوحٌ بِصِحَّةِ الِاحْتِجَاجَاتِ السَّابِقَةِ، وَمَتْرُوكٌ بِالِاحْتِجَاجِ السَّادِسِ إنْ صَحَّ قَاطِعًا، وَأَمَّا السَّادِسُ مِنْ الِاحْتِجَاجَاتِ فَلَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ عَنْهُ جَوَابًا فَكَفَى فِيهِ الْمُؤْنَةُ. وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْجَوَابَ عَنْ هَذَا الِاحْتِجَاجِ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِالْمُكَابَرَةِ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِمَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ إنْشَاءٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَهُوَ الظِّهَارُ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يَعْتَقِدُ الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ إنْشَاءٌ لِلظِّهَارِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْشَاءً لِلطَّلَاقِ فَإِنَّ الْبَابَيْنِ فِي الْإِنْشَاءِ سَوَاءٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِ الْإِنْشَاءِ عَدَمُ قَبُولِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُقَالُ: إنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا إخْبَارُ أَحَدٍ بَلْ قُصِدَ بِهَا تَحْصِيلُ الْحَمْدِ كَبَقِيَّةِ صِيَغِ الْأَذْكَارِ وَالتَّنْزِيهَاتِ، وَكَيْفَ لَا تَكُونُ كَذَلِكَ وَمَنْ الَّذِي قَصَدَ إخْبَارَهُ حَتَّى تَكُونَ الْإِفَادَةُ لَهُ وَلَوْ فُرِضَ مُخَاطَبٌ قُصِدَ إخْبَارُهُ لَكَانَ الْإِخْبَارُ بِهِ كَالْإِخْبَارِ بِقَوْلِنَا السَّمَاءُ فَوْقَنَا وَقَدْ مَرَّ عَنْ عَلَاءِ الدِّينِ النَّجَّارِيِّ أَنَّ الْجُمَلَ الْخَبَرِيَّةَ لَا يَلْزَمُهَا الْإِخْبَارُ بَلْ قَدْ تَكُونُ لِلتَّحَسُّرِ وَالتَّحَزُّنِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ مِنْ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ وَالتَّحْمِيدُ فَيَكُونُ قَائِلُهَا حَامِدًا كَمَا كَانَتْ امْرَأَةُ عِمْرَانَ مُتَحَسِّرَةً وَلَا تَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهَا مُحْتَمِلَةً لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ؛ لِأَنَّهَا إذَا نُظِرَ لِمُجَرَّدِ مَفْهُومِهَا تَحْتَمِلُهَا وَهَذَا هُوَ الْفَاصِلُ لِلْخَبَرِ عَنْ الْإِنْشَاءِ. اهـ بِتَغْيِيرٍ وَتَصَرُّفٍ (قُلْت) وَعَلَى هَذَا فَصِيغَةُ الْحَمْدِ وَالذِّكْرِ وَالتَّنْزِيهِ وَنَحْوِهَا مِنْ قَبِيلِ الْكِنَايَةِ إمَّا بِمَعْنَى اللَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ لِمُلَاحَظَةِ عَلَاقَتِهِ مَعَ جَوَازِ إرَادَتِهِ مَعَهُ، أَوْ بِمَعْنَى اللَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ لَكِنْ لَا لِيَكُونَ مَقْصُودًا بِالذَّاتِ بَلْ لِيَنْتَقِلَ مِنْهُ إلَى لَازِمِهِ الْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْعَلَاقَةِ عَلَى الطَّرِيقَتَيْنِ فِيهَا مِنْ كَوْنِهِ وَاسِطَةً بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَوْ حَقِيقَةً كَمَا فِي رِسَالَةِ الصَّبَّانِ الْبَيَانِيَّةِ وَفِي حَاشِيَةِ الْأُنْبَابِيِّ عَلَيْهَا مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْجُمْلَةَ الْخَبَرِيَّةَ كَثِيرًا مَا تُورَدُ مُرَادًا بِهَا مَعْنَاهَا أَيْ مَفْهُومَهَا الْمُحْتَمِلُ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ لِأَغْرَاضٍ أُخَرَ سِوَى إفَادَةِ الْحُكْمِ أَيْ الْإِعْلَامِ بِمَضْمُونِهَا أَوْ لَازِمِهِ أَيْ كَوْنُ الْمُتَكَلِّمِ عَالِمًا بِهِ كَالتَّحَسُّرِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمَعَانِي الْإِنْشَائِيَّةِ بِدُونِ اسْتِعْمَالِهَا فِي ذَلِكَ الْغَرَضِ بَلْ يُرَادُ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ فِيمَا فِيهِ عَلَاقَتُهَا مِنْ اللُّزُومِ الْخَاصِّ أَوْ بِطَرِيقِ التَّعْرِيضِ فِي غَيْرِهِ أَيْ فَهِيَ حِينَئِذٍ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ خَارِجَةٌ عَنْ الْأَصْلِ فِي الْخَبَرِ مِنْ الْإِعْلَامِ بِمَضْمُونِهِ يُقَالُ لِلْمُتَكَلِّمِ بِهَا مُخْبِرٌ لَا مُعْلِمٌ؛ لِأَنَّ الْإِعْلَامَ فِي الْعُرْفِ التَّلَفُّظُ بِالْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ مُرَادًا بِهَا مَعْنَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهَا الْعِلْمُ وَلِذَا يُعْتَقُ الْكُلُّ فِيمَا إذَا قَالَ مَنْ أَخْبَرَنِي بِقُدُومِ زَيْدٍ فَهُوَ حُرٌّ، وَأَخْبَرُوهُ عَلَى التَّعَاقُبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السَّعْدُ فِي شَرْحِ الْكَشَّافِ [الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَالَ الْقَائِلُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي] (فَصْلٌ) فِي سِتِّ مَسَائِلَ حَسَنَةٍ فِي بَابِهَا تُوَضِّحُ الْإِنْشَاءَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: يَعْتَقِدُ الْفُقَهَاءُ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي

لِلتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] فَكَذَّبَهُمْ اللَّهُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: 2] فَنَفَى تَعَالَى مَا أَثْبَتُوهُ وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ لَهُ مَا هِيَ مُطَلَّقَةٌ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ ذَلِكَ إذَا أَخْبَرَ عَنْ تَقَدُّمِ طَلَاقِهَا وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهَا طَلَاقٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُظَاهِرِ خَبَرٌ لَا إنْشَاءٌ، وَالْمَوْطِنُ الثَّانِي فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ} [المجادلة: 2] وَالْإِنْشَاءُ لِلتَّحْرِيمِ لَا يَكُونُ مُنْكَرًا بِدَلِيلِ الطَّلَاقِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُنْكَرًا إذَا جَعَلْنَاهُ خَبَرًا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ كَذِبٌ وَالْكَذِبُ مُنْكَرٌ وَالْمَوْطِنُ الثَّالِثُ قَوْله تَعَالَى وَزُورًا وَالزُّورُ هُوَ الْخَبَرُ الْكَذِبُ فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ كَذِبًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَإِذَا كَذَّبَهُمْ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ خَبَرٌ لَا إنْشَاءٌ. (وَثَانِيهَا) أَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الظِّهَارَ مُحَرَّمٌ، وَلَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ مُدْرَكٌ إلَّا أَنَّهُ كَذِبٌ وَالْكَذِبُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْخَبَرِ فَيَكُونُ خَبَرًا فَإِنْ قُلْت الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ إنْشَاءٌ وَهُوَ مُحَرَّمٌ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِالتَّحْرِيمِ عَلَى الْخَبَرِ قُلْتُ: الطَّلَاقُ مُحَرَّمٌ لَا لِلَفْظِهِ بَلْ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَأَمَّا تَحْرِيمُ الظِّهَارِ فَلِأَجْلِ اللَّفْظِ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ إلَّا كَوْنُهُ كَذِبًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ غَيْرِهِ، وَمَتَى كَانَ كَذِبًا كَانَ خَبَرًا؛ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ مِنْ خَصَائِصِ الْخَبَرِ. (وَثَالِثُهَا) أَنَّ اللَّهَ ـــــــــــــــــــــــــــــSلِلتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] فَكَذَّبَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: 2] فَنَفَى تَعَالَى مَا أَثْبَتُوهُ وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ لَهُ مَا هِيَ مُطَلَّقَةٌ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ ذَلِكَ إذَا أَخْبَرَهُ عَنْ تَقَدُّمِ طَلَاقِهَا، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهَا طَلَاقٌ فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ الْمُظَاهِرِ خَبَرًا لَا إنْشَاءً، وَالْمَوْطِنُ الثَّانِي فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ} [المجادلة: 2] وَالْإِنْشَاءُ لِلتَّحْرِيمِ لَا يَكُونُ مُنْكَرًا بِدَلِيلِ الطَّلَاقِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُنْكَرًا إذَا جَعَلْنَاهُ خَبَرًا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ كَذِبٌ وَالْكَذِبُ مُنْكَرٌ. وَالْمَوْطِنُ الثَّالِثُ قَوْله تَعَالَى وَزُورًا وَالزُّورُ هُوَ الْخَبَرُ الْكَذِبُ فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ كَذِبًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَإِذَا كَذَّبَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ دَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ خَبَرٌ لَا إنْشَاءٌ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْوَجْهِ ظَاهِرٌ مُتَّجَهٌ قَالَ وَثَانِيهَا أَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الظِّهَارَ مُحَرَّمٌ وَلَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ مُدْرَكٌ إلَّا أَنَّهُ كَذِبٌ، وَالْكَذِبُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْخَبَرِ فَيَكُونُ خَبَرًا قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ مُدْرَكٌ إلَّا أَنَّهُ كَذِبٌ بَلْ لَهُ مُدْرَكٌ غَيْرُهُ كَمَا فِي الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ كَمَا قَالَهُ الْمُجِيبُ. وَجَوَابُهُ لِلْمُجِيبِ بِأَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ هُوَ الْمُحَرَّمُ لَا لَفْظُهُ بِهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْمُطَلِّقَ ثَلَاثًا فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ غَيْرَ ذَلِكَ اللَّفْظِ، وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الطَّلْقَاتِ إلَّا بِهِ، وَلَا يُتَّجَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الطَّلْقَاتِ إلَّا بِاللَّفْظِ أَمَّا بِغَيْرِهِ فَلَا يُتَّجَهُ، وَلَا يَتَأَتَّى بَلْ يَكُونُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَلْزَمُهُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَقَوْلُهُ وَأَمَّا تَحْرِيمُ الظِّهَارِ فَلِأَجْلِ اللَّفْظِ قُلْت هَذِهِ دَعْوَى، وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ إلَّا كَوْنُهُ كَذِبًا قُلْت هَذِهِ أَيْضًا أُخْرَى وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ غَيْرِهِ قُلْت هَذَا مَمْنُوعٌ وَلَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى أَنَّ الظِّهَارَ خَبَرٌ وَهُوَ غَيْرُ الْمَذْهَبِ فَكَيْفَ يَنْبَنِي عَلَيْهِ الدَّلِيلُ. قَالَ (وَثَالِثُهَا أَنَّ اللَّهَ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنْشَاءٌ لِلظِّهَارِ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْشَاءٌ لِلطَّلَاقِ مُحْتَجِّينَ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ كُتُبَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ مُتَظَافِرَةٌ عَلَى أَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَجَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِسْلَامِ تَحْرِيمًا تُحِلُّهُ الْكَفَّارَةُ كَمَا تُحِلُّ الرَّجْعَةُ تَحْرِيمَ الطَّلَاقِ كَمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد، وَهُوَ أَنَّ «خُوَيْلَةَ بِنْتَ شَرِيكٍ قَالَتْ: ظَاهَرَ مِنِّي زَوْجِي أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْكُو إلَيْهِ وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُجَادِلُنِي فِيهِ وَيَقُولُ اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّكِ فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] الْآيَةَ فَقَالَ لِيُعْتِقْ رَقَبَةً قَالَتْ لَا يَجِدُ قَالَ فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ قَالَ فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَتْ مَا عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ قَالَ فَإِنِّي سَأُعِينُهُ بِفَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا سَأُعِينُهُ بِفَرَقٍ آخَرَ قَالَ أَحْسَنْتِ فَاذْهَبِي وَأَطْعِمِي عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَارْجِعِي إلَى ابْنِ عَمِّكِ» لِاقْتِضَاءِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَالَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ كَانَ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ، وَهَذَا هُوَ الطَّلَاقُ الْمُؤَبَّدُ، وَالطَّلَاقُ إنْشَاءٌ فَيَكُونُ الظِّهَارُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ طَلَاقًا، وَالْأَصْلُ عَدَمُ النَّقْلِ وَالتَّغْيِيرِ وَمَنْ ادَّعَاهُ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَثَانِيهَا أَنَّهُ لَفْظٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ التَّحْرِيمُ فَيَكُونُ سَبَبًا لِمَدْلُولِهِ الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ، وَكُلُّ مَا كَانَ سَبَبًا لِمَدْلُولِهِ فَهُوَ إنْشَاءٌ فَيَكُونُ إنْشَاءً كَالطَّلَاقِ. وَثَالِثُهَا أَنَّ خُرُوجَ هَذَا اللَّفْظِ عَنْ صَنِيعِ الْإِنْشَاءِ بَعِيدًا جِدًّا؛ لِأَنَّ اسْتِتْبَاعَهُ أَحْكَامًا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ التَّحْرِيمِ وَالْكَفَّارَةِ وَغَيْرِهِمَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ إنْشَاءً مِثْلَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مِنْ صِيَغِ الْإِنْشَاءِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ لَهُ صَرِيحًا وَكِنَايَةً كَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ خَبَرٌ لَا إنْشَاءٌ؛ لِأَنَّ مِنْ خَصَائِصِ الْإِنْشَاءِ عَدَمُ قَبُولِهِ لِلتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ، وَقَدْ كَذَّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُظَاهِرِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ: الْأَوَّلُ بِنَفْيِ مَا أَثْبَتُوهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: 2]

تَعَالَى شَرَّعَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ، وَأَصْلُ الْكَفَّارَةِ أَنْ تَكُونَ زَاجِرَةً مَاحِيَةً لِلذَّنْبِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ إذَا كَانَ كَذِبًا كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ بَقِيَّةِ التَّقْرِيرِ. (وَرَابِعُهَا) قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ {ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ} [المجادلة: 3] وَالْوَعْظُ إنَّمَا يَكُونُ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ فَإِذَا جُعِلَتْ الْكَفَّارَةُ وَعْظًا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا زَاجِرَةٌ لَا سَاتِرَةٌ، وَأَنَّهُ حَصَلَ هُنَالِكَ مَا يَقْتَضِي الْوَعْظَ وَمَا ذَلِكَ إلَّا الظِّهَارُ الْمُحَرَّمُ فَيَكُونُ مُحَرَّمًا لِكَوْنِهِ كَذِبًا فَيَكُونُ خَبَرًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي التَّقْرِيرِ. (وَخَامِسُهَا) قَوْله تَعَالَى فِي الْآيَةِ {وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [المجادلة: 2] وَالْعَفْوُ وَالْمَغْفِرَةُ إنَّمَا يَكُونَانِ فِي الْمَعَاصِي فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَلَا مُدْرَكَ لِلْمَعْصِيَةِ إلَّا كَوْنُهُ كَذِبًا وَالْكَذِبُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْخَبَرِ فَيَكُونُ خَبَرًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. (فَإِنْ قُلْتَ) بَلْ هُوَ إنْشَاءٌ مِنْ وُجُوهٍ: (أَحَدُهَا) أَنَّ كُتُبَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ مُتَظَافِرَةٌ عَلَى أَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَجَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِسْلَامِ تَحْرِيمًا تُحِلُّهُ الْكَفَّارَةُ كَمَا تُحِلُّ الرَّجْعَةُ تَحْرِيمَ الطَّلَاقِ وَالْحَدِيثُ فِي أَبِي دَاوُد وَرَدَ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ «أَنَّ خُوَيْلَةَ بِنْتَ مَالِكٍ قَالَتْ ظَاهَرَ مِنِّي زَوْجِي أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْكُو إلَيْهِ وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُجَادِلُنِي فِيهِ وَيَقُولُ اتَّقِي اللَّهَ فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّك فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] الْآيَةَ فَقَالَ لِيُعْتِقْ رَقَبَةً قَالَتْ لَا يَجِدُ قَالَ فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ قَالَ فَيُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَتْ مَا عِنْدَهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ قَالَ فَإِنِّي سَأُعِينُهُ بِفَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا سَأُعِينُهُ بِفَرَقٍ آخَرَ قَالَ قَدْ أَحْسَنْتِ فَاذْهَبِي وَأَطْعِمِي عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَارْجِعِي إلَى ابْنِ عَمِّكِ» وَرُوِيَ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهَا قَالَتْ «إنَّهُ قَدْ أَكَلَ شَبَابِي وَنَثَرْتُ لَهُ بَطْنِي فَلَمَّا كَبِرَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــSتَعَالَى شَرَعَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ، وَأَصْلُهَا أَنْ تَكُونَ زَاجِرَةً مَاحِيَةً لِلذَّنْبِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَإِنَّمَا سَبَبُ التَّحْرِيمِ إذَا كَانَ كَذِبًا كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ بَقِيَّةِ التَّقْرِيرِ قُلْت عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ زَاجِرَةٌ مَاحِيَةٌ لَا يَلْزَمُ أَنَّ الذَّنْبَ كَوْنُهُ كَذِبًا، وَبَاقِي كَلَامِهِ فِيهِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْوَجْهِ الَّذِي قَبْلَهُ وَقَدْ سَبَقَ مَا فِيهِ، قَالَ وَرَابِعُهَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ الْكَفَّارَةِ {ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ} [المجادلة: 3] وَالْوَعْظُ إنَّمَا يَكُونُ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ فَإِذَا جُعِلَتْ الْكَفَّارَةُ وَعْظًا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا زَاجِرَةٌ لَا سَاتِرَةٌ، وَأَنَّهُ حَصَلَ هُنَالِكَ مَا يَقْتَضِي الْوَعْظَ وَمَا ذَلِكَ إلَّا الظِّهَارُ الْمُحَرَّمُ فَيَكُونُ مُحَرَّمًا لِكَوْنِهِ كَذِبًا فَيَكُونُ خَبَرًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّقْرِيرِ. قُلْت هَذَا أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ ادِّعَاءِ تَعَلُّقِ التَّحْرِيمِ بِكَوْنِهِ كَذِبًا قَالَ وَخَامِسُهَا قَوْله تَعَالَى فِي الْآيَةِ {وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [المجادلة: 2] وَالْعَفْوُ وَالْمَغْفِرَةُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَعَاصِي فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ، وَلَا مُدْرَكَ لِلْمَعْصِيَةِ إلَّا كَوْنُهُ كَذِبًا، وَالْكَذِبُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْخَبَرِ فَيَكُونُ خَبَرًا، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. قُلْت وَهَذَا أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى تِلْكَ الدَّعْوَى فَإِنْ قُلْت بَلْ هُوَ إنْشَاءٌ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ كُتُبَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ مُتَظَافِرَةٌ عَلَى أَنَّ الظِّهَارَ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَجَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِسْلَامِ تَحْرِيمًا تُحِلُّهُ الْكَفَّارَةُ كَمَا تُحِلُّ الرَّجْعَةُ تَحْرِيمَ الطَّلَاقِ) قُلْتُ جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْوَجْهِ ظَاهِرٌ صَحِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَا هِيَ مُطَلَّقَةٌ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ ذَلِكَ إذَا أَخْبَرَهُ عَنْ تَقَدُّمِ طَلَاقِهَا وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهَا طَلَاقٌ. وَالثَّانِي بِجَعْلِ قَوْلِهِمْ مُنْكَرًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ} [المجادلة: 2] وَالْإِنْشَاءُ لِلتَّحْرِيمِ لَا يَكُونُ مُنْكَرًا بِدَلِيلِ الطَّلَاقِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُنْكَرًا إذَا جَعَلْنَاهُ خَبَرًا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ كَذِبٌ وَالْكَذِبُ مُنْكَرٌ. وَالثَّالِثُ بِجَعْلِ قَوْلِهِمْ زُورًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَزُورًا وَالزُّورُ هُوَ الْخَبَرُ الْكَذِبُ فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ كَذِبًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَإِذَا كَذَّبَهُمْ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ خَبَرٌ لَا إنْشَاءٌ (وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ) فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ أَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَقْتَضِي إلَّا أَنَّ الْعِصْمَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَزُولُ عِنْدَ النُّطْقِ بِهِ وَزَوَالُهَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ كَمَا قُلْتُمْ أَوْ لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَجَرَتْ عَادَتُهُمْ أَنَّ مَنْ أَخْبَرَ بِهَذَا الْخَبَرِ الْكَذِبِ لَا تَبْقَى امْرَأَتُهُ فِي عِصْمَتِهِ مَتَى الْتَزَمَ بِجَاهِلِيَّتِهِمْ، وَلَيْسَ فِي حَالِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا يَنْفِي ذَلِكَ بَلْ لَعَلَّهُمْ فِي أَحْوَالِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ الْتَزَمُوا أَنَّ النَّاقَةَ إذَا جَاءَتْ بِعَشَرَةٍ مِنْ الْوَلَدِ تَصِيرُ سَائِبَةً فَجَازَ أَنْ يَلْتَزِمُوا ذَهَابَ الْعِصْمَةِ عِنْدَ كَذِبٍ خَاصٍّ، وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا أَوْ قَرِيبًا إلَّا أَنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ يُقَوِّي الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة: 2] الْآيَةَ فَإِنَّ التَّكْذِيبَ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ خَصَائِصِ الْخَبَرِ فَيَكُونُ ظِهَارُهُمْ خَبَرًا كَذِبًا الْتَزَمُوا عَقِيبَهُ ذَهَابَ الْعِصْمَةِ كَسَائِرِ مُلْتَزَمَاتِهِمْ الْبَاطِلَةِ، وَقَدْ عَدَّهَا الْعُلَمَاءُ نَحْوَ عِشْرِينَ نَوْعًا مِنْ التَّحْرِيمَاتِ الْتَزَمُوهَا بِغَيْرِ سَبَبٍ يَقْتَضِيهَا مِنْ جِهَةِ الشَّرَائِعِ، وَهِيَ مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَالْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ فِيهَا مُضَارِعًا لَا مَاضِيًا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا خَاصَّةٌ بِمَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَعْدَ نُزُولِهَا أَوْ حَالَ نُزُولِهَا لِأُمُورٍ. (أَحَدُهَا) أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَسْتَعْمِلُ الْفِعْلَ الْمُضَارِعَ لِلْحَالَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ كَقَوْلِهِمْ يُعْطِي وَيَمْنَعُ وَيَصِلُ وَيَقْطَعُ تُرِيدُ هَذَا شَأْنُهُ أَبَدًا فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، وَمِنْهُ «قَوْلُ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ لَنْ يُخْزِيَكَ أَبَدًا إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ»

سِنِّي ظَاهَرَ مِنِّي وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ إنْ ضَمَّهُمْ إلَيْهِ ضَاعُوا وَإِنْ ضَمَمْتُهُمْ إلَيَّ جَاعُوا» قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَطْعِمِي وَارْجِعِي إلَى ابْنِ عَمِّكِ» يَقْتَضِي أَنَّهُ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ كَانَ الْحَالُ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ وَهَذَا هُوَ الطَّلَاقُ الْمُؤَبَّدُ. وَالطَّلَاقُ إنْشَاءٌ فَيَكُونُ الظِّهَارُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ طَلَاقًا وَالْأَصْلُ عَدَمُ النَّقْلِ وَالتَّغْيِيرِ وَمَنْ ادَّعَاهُ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ. (وَثَانِيهَا) أَنَّهُ مُنْدَرِجٌ فِي حَدِّ الْإِنْشَاءِ فَيَكُونُ إنْشَاءً؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ التَّحْرِيمُ فَيَكُونُ سَبَبًا لَهُ وَالْإِنْشَاءُ مِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّهُ سَبَبٌ لِمَدْلُولِهِ وَثُبُوتُ خَصِيصِيَّةِ الشَّيْءِ يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ فَيَكُونُ إنْشَاءً كَالطَّلَاقِ. (وَثَالِثُهَا) أَنَّهُ لَفْظٌ يَسْتَتْبِعُ أَحْكَامًا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ التَّحْرِيمِ وَالْكَفَّارَةِ وَغَيْرِهِمَا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ إنْشَاءً كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْإِنْشَاءِ فَإِنَّ خُرُوجَ هَذَا اللَّفْظِ عَنْ بَابِ الْإِنْشَاءِ بَعِيدٌ جِدًّا لَا سِيَّمَا وَقَدْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ لَهُ صَرِيحًا وَكِنَايَةً كَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ. (وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ) أَنَّ قَوْلَهُمْ أَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ كَانُوا يُنْشِئُونَ الطَّلَاقَ بَلْ يَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ الْعِصْمَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَزُولُ عِنْدَ النُّطْقِ بِهِ فَمَجَازٌ أَنْ يَكُونَ زَوَالُهَا؛ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ كَمَا قُلْتُمْ أَوْ لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَجَرَتْ عَادَتُهُمْ أَنَّ مَنْ أَخْبَرَ بِهَذَا الْخَبَرِ الْكَذِبِ لَا تَبْقَى امْرَأَتُهُ فِي عِصْمَتِهِ مَتَى الْتَزَمَ بِجَاهِلِيَّتِهِمْ، وَلَيْسَ فِي حَالِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا يَأْبَى ذَلِكَ بَلْ لَعِبُهُمْ فِي أَحْوَالِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ الْتَزَمُوا أَنَّ النَّاقَةَ إذَا جَاءَتْ بِعَشَرَةٍ مِنْ الْوَلَدِ تَصِيرُ سَائِبَةً، فَمَجَازٌ أَنْ يَلْتَزِمُوا ذَهَابَ الْعِصْمَةِ عِنْدَ كَذِبٍ خَاصٍّ، وَيُقَوِّي هَذَا الِاحْتِمَالَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ} [المجادلة: 2] الْآيَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ التَّكْذِيبَ مِنْ خَصَائِصِ الْخَبَرِ فَيَكُونُ ظِهَارُهُمْ خَبَرًا كَذِبًا الْتَزَمُوا عَقِيبَهُ ذَهَابَ الْعِصْمَةِ كَسَائِرِ مُلْتَزَمَاتِهِمْ الْبَاطِلَةِ، وَقَدْ عَدَّهَا الْعُلَمَاءُ نَحْوَ عِشْرِينَ نَوْعًا مِنْ التَّحْرِيمَاتِ الْتَزَمُوهَا بِغَيْرِ سَبَبٍ يَقْتَضِيهَا مِنْ جِهَةِ الشَّرَائِعِ. وَذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ (فَإِنْ قُلْت) الْآيَةُ لَا تُؤَكِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ فَإِنَّ الْفِعْلَ فِيهَا مُضَارِعٌ لَا مَاضٍ، فَقَالَ يُظَاهِرُونَ وَلَمْ يَقُلْ ظَاهَرُوا بِصِيغَةِ الْمَاضِي حَتَّى يَتَنَاوَلَ الْجَاهِلِيَّةَ بَلْ هُوَ خَاصٌّ بِمَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ أَوْ حَالَ نُزُولِهَا. (قُلْت) بَلْ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِمَ ذَلِكَ وَأَدْخَلَ الْمَظَاهِرَ الْمَاضِيَةِ فِي عُمُومِ الْآيَةِ مِنْ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلِقَوْلِ الْعُلَمَاءِ إنَّهُ كَانَ طَلَاقًا فَأَقَرَّ تَحْرِيمًا تُحِلُّهُ الْكَفَّارَةُ وَعَلَى مَا يَقُولُهُ السَّائِلُ يَكُونُ بَابًا آخَرَ تَجَدَّدَ فِي الشَّرِيعَةِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَالْعَرَبُ قَدْ تَسْتَعْمِلُ الْفِعْلَ الْمُضَارِعَ لِلْحَالَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ كَقَوْلِهِمْ يُعْطِي وَيَمْنَعُ وَيَصِلُ وَيَقْطَعُ تُرِيدُ هَذَا شَأْنُهُ أَبَدًا فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، وَمِنْهُ «قَوْلُ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ لَنْ يُخْزِيَك أَبَدًا إنَّك لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَثَانِيهَا أَنَّهُ مُنْدَرِجٌ فِي حَدِّ الْإِنْشَاءِ إلَى آخِرِهِ) قُلْتُ وَهَذَا الْوَجْهُ أَيْضًا ظَاهِرٌ. قَالَ (وَثَالِثُهَا أَنَّهُ لَفْظٌ يُسْتَتْبَعُ إلَى آخِرِهِ) قُلْتُ وَهَذَا أَيْضًا ظَاهِرٌ. قَالَ (وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ إلَى قَوْلِهِ عِنْدَ كَذِبٍ خَاصٍّ) قُلْتُ: ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ لَكِنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُهُ. قَالَ (وَيُقَوِّي هَذَا الِاحْتِمَالَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ إلَى آخِرِ الْجَوَابِ) قُلْتُ جَمِيعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ هَذَا شَأْنُكَ وَسَجِيَّتُكَ فِي جَمِيعِ عُمُرِكَ وَعَلَى هَذَا تَنْتَظِمُ الْآيَةُ. (وَالثَّانِي) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِمَ تَنَاوُلَ الْآيَةِ لِلْمُظَاهَرَةِ الْمَاضِيَةِ أَيْضًا، وَأَدْخَلَ الْمُظَاهَرَةَ الْمَاضِيَةَ فِي عُمُومِهَا مِنْ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ وَإِلَّا لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. (وَالثَّالِثُ) أَنَّ قَوْلَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا فَأَقَرَّ تَحْرِيمًا تُحِلُّهُ الْكَفَّارَةُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ عَيْنُ مَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا بَابٌ آخَرُ تَجَدَّدَ فِي الشَّرِيعَةِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ كَمَا هُوَ كَذَلِكَ عَلَى فَرْضِ تَسْلِيمِ مَا ذُكِرَ فَافْهَمْ (وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ أَيْضًا) فِي الْوَجْهِ الثَّانِي. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ تَرَتُّبَ التَّحْرِيمِ عَلَى الظِّهَارِ إذْ الَّذِي فِي الْآيَةِ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْوَطْءِ كَتَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ عَلَى الصَّلَاةِ فَإِذَا قَالَ الشَّارِعُ تَطَهَّرْ قَبْلَ أَنْ تُصَلِّيَ لَا يُقَالُ الصَّلَاةُ مُحَرَّمَةٌ بَلْ ذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ التَّرْتِيبِ كَتَقْدِيمِ الْإِيمَانِ عَلَى الْفُرُوعِ وَتَقْدِيمِ الْإِيمَانِ بِالصَّانِعِ عَلَى تَصْدِيقِ الرُّسُلِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ التَّرْتِيبَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّحْرِيمَ اقْتِضَاءُ لَفْظِ الظِّهَارِ بِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ كَالطَّلَاقِ مَعَ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ حَتَّى يَكُونَ إنْشَاءً لِجَوَازِ أَنْ يَقْتَضِيَ لَفْظُ الظِّهَارِ التَّحْرِيمَ وَالْكَفَّارَةَ لَا بِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ بَلْ بِالْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ أَيْ جَعْلُهُ شَرْعًا سَبَبَ ذَلِكَ عُقُوبَةً كَمَا تَرَتَّبَ تَحْرِيمُ الْإِرْثِ عَلَى الْقَاتِلِ عَمْدًا، وَلَيْسَ الْقَتْلُ إنْشَاءً لِتَحْرِيمِ الْإِرْثِ، وَكَمَا تَرَتَّبَ التَّعْزِيرُ وَإِسْقَاطُ الْعَدَالَةِ وَالْعَزْلُ مِنْ الْوِلَايَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ عَلَى الْخَبَرِ الْكَذِبِ فَلَا يَكُونُ إنْشَاءً إذْ الْإِنْشَاءُ إنَّمَا هُوَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اللَّفْظُ وُضِعَ لِذَلِكَ التَّحْرِيمِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَصِيَغِ الْعُقُودِ وَبِالْجُمْلَةِ فَكَوْنُهُ سَبَبًا بِالْقَوْلِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ سَبَبًا بِالْإِنْشَاءِ بِدَلِيلِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِخْبَارَاتِ الْكَاذِبَةِ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِسَبَبِ أَنَّ الشَّارِعَ نَصَبَهَا أَسْبَابًا لِتِلْكَ الْأَحْكَامِ، وَالْأَعَمُّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِمُطْلَقِ السَّبَبِيَّةِ عَنْ الْإِنْشَاءِ، وَلَا يُقَاسَ تَرَتُّبُ التَّحْرِيمِ وَالْكَفَّارَةِ عَلَى الظِّهَارِ عَلَى تَرَتُّبِ التَّحْرِيمِ عَلَى الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الْأَوَّلِ الْعُقُوبَةُ عَلَى الْكَذِبِ وَجِهَةَ الثَّانِي دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ فَافْهَمْ (وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ أَيْضًا) فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي الْأَسْبَابِ فَلَا يَصِحُّ وَعَلَى صِحَّتِهِ فَهُوَ قِيَاسٌ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ الصَّرِيحِ مِنْ الْقُرْآنِ الْمُخْبِرِ عَنْ

الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ» أَيْ هَذَا شَأْنُكَ وَسَجِيَّتُكَ فِي جَمِيعِ عُمُرِكَ، وَعَلَى هَذَا تَنْتَظِمُ الْآيَةُ عَلَى الْجَمِيعِ. (وَعَنْ الثَّانِي) أَنَّ تَرَتُّبَ التَّحْرِيمِ عَلَى الظِّهَارِ مَمْنُوعٌ بَلْ الَّذِي فِي الْآيَةِ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْوَطْءِ كَتَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ عَلَى الصَّلَاةِ فَإِذَا قَالَ الشَّارِعُ تَطَهَّرْ قَبْلَ أَنْ تُصَلِّيَ لَا يُقَالُ الصَّلَاةُ مُحَرَّمَةٌ بَلْ ذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ التَّرْتِيبِ كَتَقْدِيمِ الْإِيمَانِ عَلَى الْفُرُوعِ وَتَقْدِيمِ الْإِيمَانِ بِالصَّانِعِ عَلَى تَصْدِيقِ الرُّسُلِ سَلَّمْنَا أَنَّ الظِّهَارَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ تَحْرِيمٌ لَكِنْ التَّحْرِيمُ عَقِيبَ الشَّيْءِ قَدْ يَكُونُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ اقْتَضَاهُ بِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ كَالطَّلَاقِ مَعَ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ، وَهَذَا هُوَ الْإِنْشَاءُ وَقَدْ يَكُونُ تَرَتُّبُ التَّحْرِيمِ عَقِبَ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ لَا بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ بَلْ عُقُوبَةً كَمَا تَرَتَّبَ تَحْرِيمُ الْإِرْثِ عَلَى الْقَاتِلِ عَمْدًا أَوْ لَيْسَ الْقَتْلُ إنْشَاءً لِتَحْرِيمِ الْإِرْثِ وَتَرَتُّبِ التَّعْزِيرِ عَلَى الْخَبَرِ الْكَذِبِ وَإِسْقَاطِ الْعَدَالَةِ وَالْعَزْلِ مِنْ الْوِلَايَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ فَهَذَا التَّرْتِيبُ كُلُّهُ بِالْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ لَا بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ، وَالْإِنْشَاءُ إنَّمَا هُوَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اللَّفْظُ وُضِعَ لِذَلِكَ التَّحْرِيمِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَصِيَغِ الْعُقُودِ فَسَبَبِيَّةُ الْقَوْلِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ سَبَبًا بِالْإِنْشَاءِ فَكُلُّ إنْشَاءٍ سَبَبٌ وَلَيْسَ كُلُّ سَبَبٍ مِنْ الْقَوْلِ إنْشَاءً بِدَلِيلِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِخْبَارَاتِ الْكَاذِبَةِ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَدْ نَصَبَ الشَّارِعُ تِلْكَ الْإِخْبَارَاتِ أَسْبَابًا لِتِلْكَ الْأَحْكَامِ وَإِذَا كَانَتْ السَّبَبِيَّةُ أَعَمَّ لَا يُسْتَدَلُّ بِمُطْلَقِ السَّبَبِيَّةِ عَلَى الْإِنْشَاءِ فَإِنَّ الْأَعَمَّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ تَرَتُّبِ التَّحْرِيمِ عَلَى الطَّلَاقِ وَبَيْنَ تَرَتُّبِهِ عَلَى الظِّهَارِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. فَإِنَّ الْجِهَاتِ مُخْتَلِفَةٌ جِدًّا وَنَحْنُ نَقُولُ التَّحْرِيمُ وَالْكَفَّارَةُ الْكُلُّ عُقُوبَةٌ عَلَى الْكَذِبِ فِي الظِّهَارِ (وَعَنْ الثَّالِثِ) أَنَّهُ قِيَاسٌ فِي الْأَسْبَابِ فَلَا يَصِحُّ سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ لَكِنَّهُ قِيَاسٌ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ الصَّرِيحِ مِنْ الْقُرْآنِ الْمُخْبِرِ عَنْ كَوْنِهِ كَذِبًا، وَالْكَذِبُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَكُونُ فِي الْإِنْشَاءِ وَإِذَا كَانَ عَلَى خِلَافِ نَصِّ الْقُرْآنِ لَا يُسْمَعُ. وَأَمَّا قَوْلُ الْفُقَهَاءِ لَهُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ كَمَا قَالُوهُ فِي الطَّلَاقِ فَذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى تَفَاوُتِ مَرَاتِبِ الْكَذِبِ فَالصَّرِيحُ مِنْهُ أَقْبَحُ وَأَشْنَعُ فَيَكُونُ أَوْلَى بِتَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ تَفْرِقَتِهِمْ بَيْنَ الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ فِي الطَّلَاقِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى تَفَاوُتِ الدَّلَالَةِ عَلَى التَّحْرِيمِ فَالْبَابَانِ مُخْتَلِفَانِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. (فَإِنْ قُلْت) فَقَدْ قَالُوا إنَّ صَرِيحَ الظِّهَارِ وَكِنَايَتَهُ يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ بِخِلَافِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ مُتَّجَهٌ وَجَوَابُهُ عَنْ الْوَارِدِ حَسَنٌ، قَالَ وَعَنْ الثَّانِي إنَّ تَرَتُّبَ التَّحْرِيمِ عَلَى الظِّهَارِ مَمْنُوعٌ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِيهِ قُلْتُ جَمِيعُ مَا قَالَهُ مُحْتَمَلٌ ظَاهِرٌ. قَالَ وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّهُ قَالَ إنَّهُ قِيَاسٌ فِي الْأَسْبَابِ إلَى قَوْلِهِ تَأَمَّلْ ذَلِكَ قُلْتُ مَا قَالَهُ أَيْضًا ظَاهِرٌ مُتَّجَهٌ وَمَآلُ الْأَمْرِ فِيهِ إلَى الِاحْتِجَاجِ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَلَيْسَ لَهُ حُجَّةٌ سِوَاهُ. قَالَ (فَإِنْ قُلْت فَقَدْ قَالُوا إنَّ صَرِيحَ الظِّهَارِ وَكِنَايَتَهُ يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ بِخِلَافِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ) إلَى آخِرِ كَلَامِهِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ قُلْت جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ مُسْتَقِيمٌ غَيْرَ أَنَّهُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمُتَبَادِرَ إلَى الْفَهْمِ عُرْفًا أَنَّهُ إنْشَاءٌ فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا الْعُرْفُ عَنْ السَّلَفِ أَعْنِي الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَانْتَهَى الْأَمْرُ فِيهِ إلَى الْقَطْعِ تَعَيَّنَ تَأْوِيلُ الْقُرْآنِ وَإِلَّا بَقِيَتْ الْمَسْأَلَةُ مُحْتَمَلَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَوْنِهِ كَذِبًا، وَالْكَذِبُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَكُونُ فِي الْإِنْشَاءِ وَإِذَا كَانَ عَلَى خِلَافِ نَصِّ الْقُرْآنِ لَا يُسْمَعُ نَعَمْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمُتَبَادِرَ إلَى الْفَهْمِ عُرْفًا أَنَّهُ إنْشَاءٌ فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا الْفَرْقُ عَلَى السَّلَفِ أَعْنِي الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَانْتَهَى الْأَمْرُ فِيهِ إلَى الْقَطْعِ تَعَيَّنَ تَأْوِيلُ الْقُرْآنِ وَإِلَّا بَقِيَتْ الْمَسْأَلَةُ مُحْتَمَلَةً. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَ الْفُقَهَاءِ لِلظَّاهِرِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ لَيْسَ بِمُسَاوٍ لِقَوْلِهِمْ إنَّ لِلطَّلَاقِ صَرِيحًا وَكِنَايَةً فِي الرُّجُوعِ إلَى تَفَاوُتِ الدَّلَالَةِ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي الْبَابَيْنِ حَتَّى يَكُونَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الظِّهَارَ إنْشَاءٌ بَلْ الْأَوَّلُ إشَارَةٌ إلَى تَفَاوُتِ مَرَاتِبِ الْكَذِبِ فَالصَّرِيحُ مِنْهُ أَقْبَحُ وَأَشْنَعُ فَيَكُونُ أَوْلَى بِتَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي يَرْجِعُ إلَى تَفَاوُتِ الدَّلَالَةِ عَلَى التَّحْرِيمِ فَالْبَابَانِ مُخْتَلِفَانِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا لَهُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ إنْشَاءً أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَذْفَ فِيهِ الصَّرِيحُ كَقَوْلِهِ أَنْتَ زَنَيْتَ بِفُلَانَةَ وَهُوَ لَيْسَ بِإِنْشَاءٍ خَبَرٌ صِرْفٌ إجْمَاعًا إمَّا كَاذِبٌ أَوْ صَادِقٌ، وَفِيهِ الْكِنَايَةُ كَالتَّعْرِيضِ مِثْلَ قَوْلِهِ مَا أَنَا بِزَانٍ وَلَا أُمِّي بِزَانِيَةٍ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لَفْظُ الظِّهَارِ مِنْهُ مَا هُوَ صَرِيحٌ وَهُوَ مَا جَمَعَ بَيْنَ ظَهْرٍ وَمُؤَبَّدٍ تَحْرِيمُهَا كَقَوْلِهِ أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي مِمَّا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ التَّشْبِيهِ الَّذِي نَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَجَعَلَهُ كَذِبًا وَزُورًا وَمِنْهُ مَا هُوَ كِنَايَةٌ يُشِيرُ إلَى هَذَا التَّشْبِيهِ وَهُوَ مَا لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الظَّهْرِ وَمُؤَبَّدَةِ التَّحْرِيمِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ كَأُمِّي أَوْ كَظَهْرِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَدَعْوَى أَنَّ قَوْلَهُمْ يَنْصَرِفُ صَرِيحُ الظِّهَارِ وَكِنَايَتُهُ لِلطَّلَاقِ، وَلَا يَنْصَرِفُ صَرِيحُ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتُهُ لِلظِّهَارِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلظِّهَارِ أَصْلًا يَنْصَرِفُ عَنْهُ لِلطَّلَاقِ، وَمَا ذَلِكَ الْأَصْلُ إلَّا نَقْلُ الْعُرْفِ الظِّهَارَ مِنْ الْإِخْبَارِ إلَى الْإِنْشَاءِ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ عَلَى أَنَّ انْصِرَافَ صَرِيحِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ وَكِنَايَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ وَعَدَمَ انْصِرَافِهِمَا لَيْسَ بِمُتَّفَقٍ عَلَيْهِمَا فَقَدْ قَالَ خَلِيلٌ فِي صَرِيحِ الظِّهَارِ وَلَا يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ وَهَلْ يُؤْخَذُ بِالطَّلَاقِ إنْ نَوَاهُ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ كَأَنْتِ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَأُمِّي تَأْوِيلَانِ. اهـ الْبُنَانِيُّ وَالْأَحْسَنُ مَا أَصْلَحَ بِهِ ابْنُ عَاشِرٍ عِبَارَتَهُ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ وَتُؤُوِّلَتْ بِالِانْصِرَافِ لَكِنْ يُؤْخَذُ بِهِمَا فِي الْقَضَاءِ. اهـ لِإِفَادَتِهِ أَنَّ عَدَمَ الِانْصِرَافِ مُطْلَقًا أَرْجَحُ

لَا يَنْصَرِفُ لِلظِّهَارِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ثَمَّ أَصْلًا يُنْصَرَفُ عَنْهُ إلَى الطَّلَاقِ، وَمَا ذَلِكَ الْأَصْلُ إلَّا النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ الَّذِي نَقَلَ الظِّهَارَ مِنْ الْإِخْبَارِ إلَى الْإِنْشَاءِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِمْ يُفْهَمُ عَنْهُمْ ذَلِكَ فِي الظِّهَارِ كَمَا يُفْهَمُ فِي الطَّلَاقِ. (قُلْت) النَّقْلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مُخْتَلِفٌ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: إذَا نَوَى بِالظِّهَارِ الطَّلَاقَ فَهُوَ ظِهَارٌ دُونَ الطَّلَاقِ وَقَدْ قَصَدَ النَّاسُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ الطَّلَاقَ فَصَرَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى الظِّهَارِ بِإِنْزَالِ الْآيَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ سَمَّى الظَّهْرَ عِنْدَ مَالِكٍ وَإِلَّا فَيَلْزَمُهُ مَا نَوَى وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَظِهَارٌ وَلَا يَنْوِي عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ شَبَهٍ بِالْأَجْنَبِيَّةِ. وَإِنْ نَوَى الظِّهَارَ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَحْرِيمُ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مُتَأَبَّدٌ فَلَا يَكُونُ التَّشْبِيهُ بِهِ أَضْعَفَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ إنْ عَرِيَ لَفْظُ الظِّهَارِ عَنْ النِّيَّةِ جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِي انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، أَمَّا إنْ شَبَّهَ بِمُحَرَّمَةٍ لَا عَلَى التَّأْبِيدِ، وَذَكَرَ الظَّهْرَ فَهَلْ يَكُونُ طَلَاقًا قَصْرًا لِلظِّهَارِ عَلَى مَوْرِدِهِ أَوْ ظِهَارًا قِيَاسًا عَلَى ذَوَاتِ الْأَرْحَامِ قَوْلَانِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الظَّهْرَ فَأَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ ظِهَارٌ وَإِنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ وَعَكْسَهُ وَظِهَارٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الطَّلَاقَ فَيَكُونُ طَلَاقًا وَعَكْسَهُ وَفِي الْجَوَاهِرِ إنْ نَوَى بِالصَّرِيحِ الطَّلَاقَ فَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَكُونُ طَلَاقًا ثَلَاثًا وَلَا يَنْوِي فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ سَحْنُونٌ يَنْوِي وَأَمَّا الْكِنَايَةُ الظَّاهِرَةُ فَظِهَارٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ التَّحْرِيمَ فَتَحْرِيمٌ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لَمْ أُرِدْ ظِهَارًا وَلَا طَلَاقًا لِأَجْلِ الظُّهُورِ، وَالْكِنَايَةُ الْخَفِيَّةُ ظِهَارٌ إنْ أَرَادَهُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ إنْ نَوَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ كَأُمِّي أَوْ مِثْلُ أُمِّي أَوْ أَنْتِ أُمِّي الطَّلَاقُ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْبَتَّةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَظِهَارٌ، وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ كِنَايَاتُ الظِّهَارِ تَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْهُ وَكِنَايَاتُ الطَّلَاقِ لَا تَنْصَرِفُ لِلظِّهَارِ لِضَعْفِهِ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ يَنْحَلُّ بِالْكَفَّارَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَنْصَرِفُ الظِّهَارُ فِي الْأَمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَنْصَرِفُ فِي الزَّوْجَةِ إلَى الطَّلَاقِ، وَقَالَ فِي الْجَلَّابِ لَا يَنْصَرِفُ صَرِيحُ الطَّلَاقِ وَكِنَايَاتُهُ بِالنِّيَّةِ إلَى الظِّهَارِ، وَلَا يَنْصَرِفُ صَرِيحُ الظِّهَارِ بِالنِّيَّةِ إلَى الطَّلَاقِ وَتَنْصَرِفُ كِنَايَاتُ الظِّهَارِ بِالنِّيَّةِ إلَى الطَّلَاقِ فَهَذِهِ نُصُوصُ الْقَوْمِ كَمَا تَرَى، أَمَّا قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ إذَا نَوَى بِالظِّهَارِ الطَّلَاقَ يَكُونُ ظِهَارًا فَهُوَ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةٍ، وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي بَابٍ لَا يَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِهِ بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ أَثَرُهَا إنَّمَا هُوَ تَخْصِيصُ الْعُمُومَاتِ أَوْ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقَاتِ فَهِيَ إنَّمَا تَدْخُلُ فِي الْمُحْتَمَلَاتِ، وَإِذَا نَقَلْت صَرِيحًا عَنْ بَابِهِ فَهُوَ نَسْخٌ وَإِبْطَالٌ بِالْكُلِّيَّةِ، وَالنَّسْخُ لَا يَكُونُ بِالنِّيَّةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ قَدْ قَصَدَ النَّاسُ بِالظِّهَارِ الطَّلَاقَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فَجَعَلَهُ اللَّهُ ظِهَارًا فَغَيْرُ مُتَّجَهٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ابْتِدَاءً شُرِعَ وَلَمْ يَكُنْ تَصَرُّفًا فِي مَشْرُوعٍ. وَالْمُتَقَدِّمُ لَيْسَ شَرْعًا إنَّمَا هُوَ اعْتِقَادُ الْجَاهِلِيَّةِ وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ فِي صَرِيحٍ شَرْعِيٍّ يُصْرَفُ عَنْ بَابِهِ بَعْدَ مَشْرُوعِيَّتِهِ، وَلَمَّا قَصَدَ أُولَئِكَ الطَّلَاقَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمَشْرُوعٍ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ بِنُزُولِ الْآيَةِ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَقَوْلُ أَبِي الطَّاهِرِ إنْ عَرِيَ لَفْظُ الظِّهَارِ مِنْ النِّيَّةِ جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِي انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ يُرِيدُ بِالنِّيَّةِ هُنَا الْكَلَامَ النَّفْسَانِيَّ أَيْ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامِهِ النَّفْسَانِيِّ فِي نَفْسِهِ كَمَا يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَذْكُرْ الظَّهْرَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ فَأَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ: (أَحَدُهَا) أَنَّهُ ظِهَارٌ وَإِنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ وَعَكْسَهُ فَهُمَا بِنَاءً عَلَى قُرْبِهِ مِنْ الصَّرَاحَةِ فَلَا يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ أَوْ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهُ شَأْنُ الْأَجْنَبِيَّةِ فَإِنَّهَا لَا تَحْرُمُ إلَّا بِالطَّلَاقِ وَهَذِهِ الْمُلَاحَظَةُ هِيَ الَّتِي تُوجِبُ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ قَدَّمَ النِّيَّةَ عَلَى اللَّفْظِ لِضَعْفِ اللَّفْظِ بِعَدَمِ ذِكْرِ الظَّهْرِ فَعُدِمَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ نُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّ الْمَشْهُورَ وَكَذَا قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ الْأَعْرَجُ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ صَرِيحَ الظِّهَارِ لَا يَنْصَرِفُ إلَى الطَّلَاقِ، وَأَنَّ كُلَّ كَلَامٍ لَهُ حُكْمٌ فِي نَفْسِهِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُضْمَرَ بِهِ غَيْرُهُ كَالطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَوْ أُضْمِرَ بِهِ غَيْرُهُ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَكُنْ يَخْرُجُ عَنْ الطَّلَاقِ. اهـ وَنَقَلَهُ هَكَذَا أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ وَزَادَ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ وَقَالَ أَرَدْت بِذَلِكَ طَلَاقًا أَوْ ظِهَارًا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا حَلَفَ بِهِ، وَهُوَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى اهـ بِلَفْظِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ وَإِنَّ كُلَّ كَلَامٍ إلَخْ إشَارَةٌ إلَى الْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي بَابٍ لَا يَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِهِ بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ أَثَرُهَا إنَّمَا هُوَ تَخْصِيصُ الْعُمُومَاتِ أَوْ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقَاتِ فَهِيَ إنَّمَا تَدْخُلُ فِي الْمُحْتَمَلَاتِ وَإِذَا نُقِلَتْ صَرِيحًا عَنْ بَابِهِ فَهُوَ نَسْخٌ وَإِبْطَالٌ بِالْكُلِّيَّةِ وَالنَّسْخُ لَا يَكُونُ بِالنِّيَّةِ وَلَا يُتَّجَهُ قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ وَقَدْ قَصَدَ النَّاسُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ الطَّلَاقَ فَصَرَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى الظِّهَارِ بِإِنْزَالِ الْآيَةِ اهـ. لِأَنَّ ذَلِكَ ابْتِدَاءُ شَرْعٍ وَلَمْ يَكُنْ تَصَرُّفًا فِي مَشْرُوعٍ إذْ الْمُتَقَدِّمُ لَيْسَ شَرْعًا إنَّمَا هُوَ اعْتِقَادُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ فِي صَرِيحٍ شَرْعِيٍّ يُصْرَفُ عَنْ بَابِهِ بَعْدَ مَشْرُوعِيَّتِهِ وَلَمَّا قَصَدَ أُولَئِكَ الطَّلَاقَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمَشْرُوعٍ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ بِنُزُولِ الْآيَةِ فَلَيْسَ هَذَا مِنْ هَذَا الْبَابِ قَالَ الْأَمِيرُ فِي شَرْحِ مَجْمُوعِهِ وَعَلَى تَأْوِيلِ عَدَمِ الِانْصِرَافِ يُخَصَّصُ بِهِ قَوْلُهُمْ فِي الطَّلَاقِ وَإِنْ نَوَاهُ بِأَيِّ كَلَامٍ لَزِمَ اهـ. وَقَالَ فِي ضَوْءِ شُمُوعِهِ وَالتَّأْوِيلُ بِالِانْصِرَافِ نُظِرَ إلَى أَنَّ قَاعِدَةَ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابٍ إلَخْ لَيْسَتْ كُلِّيَّةً وَلَا مُتَّفَقًا عَلَيْهَا فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْبَاقِي إلَّا مَا نَصُّوا عَلَيْهِ أَيْ مِنْ إعْمَالِ صَرِيحِ الْعِتْقِ بِالطَّلَاقِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَكْثَرَ قَوَاعِدِ الْفِقْهِ أَغْلَبِيَّةٌ اهـ مِنْ مَوْضِعَيْنِ بِتَصَرُّفٍ مَا وَتَوْضِيحٍ. وَقَالَ عَبْدُ الْبَاقِي فِي صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ عِنْدَ قَوْلِ خَلِيلٍ فِي بَابِ الظِّهَارِ وَلَزِمَ أَيْ الظِّهَارُ بِأَيِّ كَلَامٍ نَوَاهُ بِهِ مَا نَصُّهُ قَالَ أَحْمَد الْمُصَنِّفُ شَامِلٌ لِمَا إذَا أَرَادَهُ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ أَوْ كِنَايَتِهِ الظَّاهِرَةِ. وَقَالَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ اهـ. وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ بِهَا فَأَجْرَى الصَّرِيحَ كَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ

[المسألة الثانية قال لامرأته أنت طالق ولا نية له]

الصَّرَاحَةُ فَعَمِلَتْ النِّيَّةُ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ يَنْوِي فِي الصَّرِيحِ وَيَكُونُ طَلَاقًا ثَلَاثًا فَبِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّ الظِّهَارَ تَحْرِيمٌ وَمِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عِنْدَهُ أَنْتِ حَرَامٌ وَهُوَ عِنْدَهُ يَلْزَمُ بِهِ الثَّلَاثُ وَلَا يَنْوِي فِيهِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عَلَى مَا يَأْتِي تَقْرِيرُهُ، وَهَذَا أَشَدُّ مِنْهُ ضَعْفًا لِأَنَّ الْمُدْرَكَ هُنَالِكَ إنَّمَا هُوَ الْوَضْعُ الْعُرْفِيُّ، وَإِنَّ الْعَادَةَ اقْتَضَتْ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَ الْحَرَامَ فِي الثَّلَاثِ. وَأَمَّا هَاهُنَا فَلَيْسَ ثَمَّ عَادَةٌ فِي اسْتِعْمَالِ الظِّهَارِ فِي الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَإِذَا انْتَفَى الْوَضْعُ الْعَادِيُّ انْتَفَتْ الصَّرَاحَةُ الْمَانِعَةُ مِنْ إعْمَالِ النِّيَّةِ فَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ بَاطِلَةٌ، وَالصَّوَابُ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَتُقْبَلُ نِيَّتُهُ فِيمَا أَرَادَهُ مِنْ الطَّلَاقِ وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ خِلَافُ الْمَذْهَبِ الَّذِي عَلَيْهِ الْفُتْيَا وَمَشْهُورُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ شَيْءٌ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ إنْ نَوَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ كَأُمِّي الطَّلَاقَ وَاحِدَةً فَهِيَ الْبَتَّةُ يُرِيدُ الثَّلَاثَ فَبِنَاءً عَلَى لَفْظِ التَّحْرِيمِ، وَأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلثَّلَاثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَعْفُهُ. وَأَمَّا قَوْلُ الْأَبْهَرِيِّ وَابْنِ الْجَلَّابِ أَنَّ كِنَايَةَ الْأَضْعَفِ تَنْصَرِفُ لِلْأَقْوَى مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ فَضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تُنْقَلَ لِلْأَقْوَى بَلْ مِنْ شَأْنِهَا النَّقْلُ لِلْأَضْعَفِ وَالْأَقْوَى، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُخَصِّصُ الْعُمُومَ وَثُبُوتُهُ أَقْوَى لِعُمُومِ الْحِنْثِ فَلَا يَصِيرُ يَحْنَثُ إلَّا بِالْبَعْضِ. وَهَذِهِ تَوْسِعَةٌ وَتَخْفِيفٌ، وَكَذَلِكَ نُقَيِّدُ الْمُطْلَقَ فَإِذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَلْبِسُ ثَوْبًا وَنَوَى كَتَّانًا لَا يَبَرُّ بِهِ وَقَدْ كَانَ قَبْلَ النِّيَّةِ يَبَرُّ بِغَيْرِهِ وَهُوَ تَضْيِيقٌ وَمُقْتَضَى الْفِقْهِ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ فِي الْأَقْوَى وَالْأَضْعَفِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْأَقْوَى وَغَيْرِهِ فَهُوَ لَوْ نَوَى بِالصَّرِيحِ مِنْ الطَّلَاقِ طَلَّقَ الْوَلَدَ أَوْ مِنْ الْوَثَاقِ أَفَادَتْهُ نِيَّتُهُ فِي الْفَتْوَى مُطْلَقًا، وَفِي الْقَضَاءِ إنْ صَدَّقَتْهُ الْقَرِينَةُ مَعَ أَنَّ طَلَّقَ الْوَلَدَ أَسْقَطَ عَنْهُ الْحُكْمَ بِالْكُلِّيَّةِ وَالْإِسْقَاطُ بِالْكُلِّيَّةِ أَخَفُّ مِنْ النَّقْلِ عَنْ الطَّلَاقِ إلَى الظِّهَارِ فَقَدْ نُقِلَتْ النِّيَّةُ إلَى الْأَخَفِّ. وَعَدَمُ الْحُكْمِ بِالْكُلِّيَّةِ إذَا تَقَرَّرَتْ الْأَقْوَالُ وَالْقَرِيبُ مِنْهَا لِلْفِقْهِ وَالْبَعِيدُ مِنْهُ، فَأَقُولُ لَيْسَ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ الظِّهَارَ لَهُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ أَنَّهُ إنْشَاءٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَذْفَ فِيهِ الصَّرِيحُ وَالْكِنَايَةُ مَعَ أَنَّ صَرِيحَ الْقَذْفِ إنَّمَا هُوَ خَبَرٌ صِرْفٌ إجْمَاعًا فَإِنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ زَنَيْت بِفُلَانَةَ لَيْسَ إنْشَاءً لِلزِّنَى بَلْ إخْبَارًا عَنْهُ إمَّا كَاذِبٌ أَوْ صَادِقٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ صَرِيحٌ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لَفْظُ الظِّهَارِ خَبَرٌ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ التَّشْبِيهِ الَّذِي نَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَجَعَلَهُ كَذِبًا وَزُورًا، وَمِنْ اللَّفْظِ مَا يُشِيرُ إلَى هَذَا التَّشْبِيهِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ فَهُوَ الْكِنَايَةُ كَالتَّعْرِيضِ فِي الْقَذْفِ مِثْلَ قَوْلِهِ: مَا أَنَا بِزَانٍ وَلَا أُمِّي بِزَانِيَةٍ. فَهَذَا آخِرُ الْبَحْثِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا فِي الْمَذْهَبِ تَعَرَّضَ لَهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الظِّهَارَ إنْشَاءٌ كَالطَّلَاقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِمْ غَيْرَ أَنَّ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْقَوَاعِدُ أَوْضَحْتُهُ لَكَ غَايَةَ الْإِيضَاحِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ الْمُتَبَادِرُ إلَى الْإِفْهَامِ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ، وَأَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ الْمُتَبَادِرُ إلَى الْفَهْمِ فِي بَادِي الرَّأْيِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ، وَأَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِصَرِيحِ الظِّهَارِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ اهـ أَيْ فِي قَوْلِهِ وَهَلْ يُؤْخَذُ بِالطَّلَاقِ مَعَهُ إلَخْ اهـ الْبُنَانِيُّ وَمُرَادُ أَحْمَدَ بِبَعْضِ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ هُوَ الْوَانُّوغِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهَا جَعَلَ الْكِنَايَةَ كَالصَّرِيحِ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ، وَسَلَّمَهُ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ لُزُومِهِ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ هُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ إلَخْ عَنْ أَبِي إبْرَاهِيمَ وَذَكَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ أَرَدْتُ بِذَلِكَ الظِّهَارَ أُلْزِمَ الظِّهَارُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ نِيَّتِهِ، وَالطَّلَاقُ بِمَا ظَهَرَ مِنْ لَفْظِهِ اهـ نَقَلَهُ الْحَطَّابُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ اهـ. قُلْتُ فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ انْصِرَافِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ لَهُ نَظَرٌ لِلْقَاعِدَةِ وَعَلَيْهِ فَيُخَصَّصُ بِهِ قَوْلُهُمْ فِي الظِّهَارِ وَإِنْ نَوَاهُ بِأَيِّ كَلَامٍ لَزِمَ، وَالْقَوْلُ بِالِانْصِرَافِ نَظَرَ إلَى كَوْنِهَا أَغْلَبِيَّةً لَا كُلِّيَّةً فَاسْتَثْنَاهُ مِنْهَا وَيَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِانْصِرَافِ كِنَايَةِ الطَّلَاقِ الظَّاهِرَةِ لَهُ بِالْأَوْلَى وَقَوْلُ الْوَانُّوغِيِّ بِعَدَمِ انْصِرَافِهَا لَهُ نَظَرٌ إلَى أَنَّهَا بِالظُّهُورِ قَرُبَتْ مِنْ الصَّرَاحَةِ فَتَنَبَّهْ وَقَالَ أَبُو الظَّاهِرِ فِي كِنَايَةِ الظِّهَارِ إنْ عَرِيَ لَفْظُ الظِّهَارِ عَنْ النِّيَّةِ جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِي انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ أَمَّا إنْ شُبِّهَ بِمُحَرَّمَةٍ لَا عَلَى التَّأْبِيدِ وَذِكْرِ الظَّهْرِ فَهَلْ يَكُونُ الطَّلَاقُ قَصْرًا لِلظِّهَارِ عَلَى مَوْرِدِهِ أَوْ ظِهَارًا قِيَاسًا عَلَى ذَوَاتِ الْأَرْحَامِ قَوْلَانِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الظَّهْرَ فَأَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ ظِهَارٌ وَإِنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ وَعَكْسَهُ، وَظِهَارٌ إلَّا إنْ أُرِيدَ الطَّلَاقُ فَيَكُونُ طَلَاقًا وَعَكْسُهُ اهـ. وَمُرَادُهُ بِالنِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ إنْ عَرِيَ إلَخْ الْكَلَامُ النَّفْسَانِيُّ أَيْ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامِهِ النَّفْسَانِيِّ فِي نَفْسِهِ كَمَا يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِهِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ الظَّهْرَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ وَإِنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ بِنَاءً عَلَى قُرْبِهِ مِنْ الصَّرَاحَةِ فَلَا يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ وَعَكْسِهِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ شَأْنُ الْأَجْنَبِيَّةِ فَإِنَّهَا لَا تَحْرُمُ إلَّا بِالطَّلَاقِ وَهَذِهِ الْمُلَاحَظَةُ هِيَ الَّتِي تُوجِبُ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ قَدَّمَ النِّيَّةَ عَلَى اللَّفْظِ لِضَعْفِ اللَّفْظِ بِعَدَمِ ذِكْرِ الظَّهْرِ فَعُدِمَتْ الصَّرَاحَةُ فَعَمِلَتْ النِّيَّةُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) صَرِيحُ الطَّلَاقِ لَفْظُهُ وَمَا اُشْتُقَّ مِنْهُ كَطَلَّقْت وَطَالِقٌ أَوْ مُطَلَّقَةٌ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَاللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ لَا مَا كَانَ فِيهِ الْحُرُوفُ الثَّلَاثَةُ

يُفِيدُ الطَّلَاقَ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ بِخِلَافِ الْكِنَايَاتِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا يُفِيدُ ذَلِكَ بِالْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ، وَهَذَا اللَّفْظُ إنَّمَا وُضِعَ لُغَةً لِلْخَبَرِ عَنْ كَوْنِهَا طَالِقًا وَهُوَ لَوْ أَخْبَرَ عَنْ كَوْنِهَا طَالِقًا لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ قَصَدَ الْكَذِبَ أَوْ الصِّدْقَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَ طَلَاقُهَا فَسَأَلَ عَنْهَا هَلْ هِيَ مُطَلَّقَةٌ أَوْ بَاقِيَةٌ فِي الْعِصْمَةِ فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ جَوَابًا لِهَذَا السُّؤَالِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِهَذَا طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ وَإِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً فِي الْعِدَّةِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بِالْإِنْشَاءِ الَّذِي هُوَ وَضْعٌ عُرْفِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ أَلَا تَرَى أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ الطَّاءُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ مَوْضُوعَةٌ فِي اللُّغَةِ لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ، يُقَالُ لَفْظٌ مُطْلَقٌ وَوَجْهٌ طَلْقٌ وَحَلَالٌ طَلْقٌ وَأُطْلِقَ فُلَانٌ مِنْ الْحَبْسِ وَانْطَلَقَتْ بَطْنُهُ وَإِزَالَةُ قَيْدِ الْعِصْمَةِ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْقَيْدِ، فَكَانَ يَنْبَغِي إذَا أَتَى اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى إزَالَةِ الْقَيْدِ الْعَامِّ الْمُطْلَقِ أَنْ يَزُولَ الْخَاصُّ كَمَا إذَا زَالَ الْحَيَوَانُ زَالَ الْإِنْسَانُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ مُنْطَلِقَةٌ، وَأَلْزَمُوا بِالْأَوَّلِ الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَلَمْ يُلْزِمُوا بِالثَّانِي إلَّا بِالنِّيَّةِ وَلَمْ يَكْتَفُوا بِالْوَضْعِ الْأَوَّلِ، وَمَا ذَلِكَ إلَّا أَنَّ لَفْظَ طَالِقٍ نُقِلَ لِلْإِنْشَاءِ وَلَمْ يُنْقَلْ مُنْطَلِقَةٌ لَهُ، فَلَوْ اتَّفَقَ زَمَانٌ يَنْعَكِسُ الْحَالُ فِيهِ وَيَصِيرُ مُنْطَلِقَةٌ مَوْضُوعًا لِلْإِنْشَاءِ وَطَالِقٌ مَهْجُورًا لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا عَلَى النُّدْرَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ بِطَالِقٍ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَأَلْزَمْنَاهُ بِمُنْطَلِقَةٍ بِغَيْرِ نِيَّةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــSيُفِيدُ الطَّلَاقَ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا يُفِيدُ ذَلِكَ بِالْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ، وَهَذَا اللَّفْظُ إنَّمَا وُضِعَ لُغَةً لِلْخَبَرِ عَنْ كَوْنِهَا طَالِقًا، وَهُوَ إذَا أَخْبَرَ عَنْ كَوْنِهَا طَالِقًا لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ قَصَدَ الْكَذِبَ أَوْ الصِّدْقَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَ طَلَاقُهَا فَسَأَلَ عَنْهَا هَلْ هِيَ مُطَلَّقَةٌ أَوْ بَاقِيَةٌ فِي الْعِصْمَةِ فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ جَوَابًا لِهَذَا السُّؤَالِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِهِ طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً فِي الْعِدَّةِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بِالْإِنْشَاءِ الَّذِي هُوَ وَضْعٌ عُرْفِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ أَلَا تَرَى أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ الطَّاءُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ مَوْضُوعَةٌ فِي اللُّغَةِ لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ، يُقَالُ لَفْظٌ مُطْلَقٌ وَوَجْهٌ طَلْقٌ وَحَلَالٌ طَلْقٌ وَأُطْلِقَ فُلَانٌ مِنْ الْحَبْسِ وَانْطَلَقَ بَطْنُهُ وَإِزَالَةُ قَيْدِ الْعِصْمَةِ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْقَيْدِ فَكَانَ يَنْبَغِي إذَا أَتَى اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى إزَالَةِ الْقَيْدِ الْعَامِّ الْمُطْلَقِ أَنْ يَزُولَ الْخَاصُّ كَمَا إذَا زَالَ الْحَيَوَانُ زَالَ الْإِنْسَانُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ مُنْطَلِقَةٌ فَأَلْزَمُوا بِالْأَوَّلِ الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَلَمْ يُلْزِمُوا بِالثَّانِي إلَّا بِالنِّيَّةِ وَلَمْ يَكْتَفُوا بِالْوَضْعِ) . قُلْت: لَا نُسَلِّمُ لَهُ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عِبَارَةٌ عَنْ إزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ بَلْ الظَّاهِرُ مِنْ اللُّغَةِ أَنَّهُ لَفْظٌ مَوْضُوعٌ فِيهَا لِإِزَالَةِ قَيْدِ عِصْمَةِ النِّكَاحِ أَوْ لِلْإِخْبَارِ عَنْ ذَلِكَ، وَمَا اُسْتُدِلَّ بِهِ مِنْ أَنَّ لَفْظَ الطَّاءِ وَاللَّامِ وَالْقَافِ مَوْضُوعَةٌ فِي اللُّغَةِ لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ لَا يَسْلَمُ أَيْضًا، وَهُوَ دَعْوَى ذَلِكَ هُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ النُّحَاةِ بِالِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ لَفْظَ أَنْتِ طَالِقٌ دَلَالَتُهُ عَلَى إنْشَاءِ إزَالَةِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ عُرْفِيَّةٌ لَا لُغَوِيَّةٌ يُتَّجَهُ لِرُجْحَانِ دَعْوَى الْمَجَازِ عَلَى دَعْوَى الِاشْتِرَاكِ قَالَ (وَمَا ذَلِكَ إلَّا أَنَّ لَفْظَ طَالِقٌ نَقْلٌ لِلْإِنْشَاءِ وَلَمْ يَنْقُلْ مُنْطَلِقَةً لَهُ فَلَوْ اتَّفَقَ زَمَانٌ يَنْعَكِسُ الْحَالُ فِيهِ وَتَصِيرُ مُنْطَلِقَةً مَوْضُوعَةً لِلْإِنْشَاءِ، وَطَالِقٌ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا عَلَى النُّدْرَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ بِطَالِقٍ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَأَلْزَمْنَاهُ بِمُنْطَلِقَةٍ بِغَيْرِ نِيَّةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالطَّاءُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ، وَإِنْ اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ لِشُمُولِهِ الِانْطِلَاقَ وَمَا اُشْتُقَّ مِنْهُ كَمُنْطَلِقَةٍ وَمَطْلُوقَةٍ وَهِيَ مُشْكِلٌ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْقَرَافِيِّ؛ لِأَنَّ الِانْطِلَاقَ وَإِنْ وَافَقَ لَفْظَ الطَّلَاقِ فِي تِلْكَ الْمَادَّةِ إلَّا أَنَّهُ لُغَةً بِمَعْنَى السَّيْرِ لَا بِمَعْنَى إزَالَةِ عِصْمَةِ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَلُزُومُ الطَّلَاقِ مُنْتَفٍ عَنْ الِانْطِلَاقِ لِمُغَايَرَةِ حَقِيقَةِ الطَّلَاقِ لِحَقِيقَةِ الِانْطِلَاقِ، فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ أَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ إمَّا إخْبَارٌ عَنْ زَوَالِ الْعِصْمَةِ أَوْ إنْشَاءٌ لَهُ، وَإِذَا قَالَ أَنْتِ مُنْطَلِقَةٌ فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ الْمَسِيرِ وَيَسُوغُ اسْتِعْمَالُهُ إنْشَاءً لِلْأَمْرِ بِهِ إنْ قُلْنَا إنَّ اسْتِعْمَالَ الْأَلْفَاظِ الْخَبَرِيَّةِ فِي الْإِنْشَاءِ قِيَاسٌ، وَإِلَّا فَيَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى السَّمَاعِ وَالْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ أَنَّ هَذَا الصَّرِيحَ يُفِيدُ الطَّلَاقَ بِالْوَضْعِ بِخِلَافِ الْكِنَايَةِ، وَهُوَ وَإِنْ أَمْكَنَ تَوَجُّهُهُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ وَإِزَالَةَ الْعِصْمَةِ لَيْسَ أَمْرًا مُخْتَصًّا بِالشَّرِيعَةِ بَلْ الْعَرَبُ كَانَتْ تَنْكِحُ وَتُطَلِّقُ وَقَدْ كَانَتْ تُطَلِّقُ بِالظِّهَارِ، وَلَفْظُ الطَّلَاقِ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَتَكُونُ إزَالَةُ الْعِصْمَةِ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ السَّابِقِ عَلَى الشَّرِيعَةِ لَا بِأَمْرٍ يَتَجَدَّدُ بَعْدَ الشَّرِيعَةِ إلَّا أَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ يُفِيدُ ذَلِكَ بِالْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ لِوُجُوهٍ:. (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) رُجْحَانُ دَعْوَى الْمَجَازِ عَلَى دَعْوَى الِاشْتِرَاكِ. (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إنَّمَا وُضِعَ لُغَةً لِلْخَبَرِ عَنْ كَوْنِهَا طَالِقًا وَهُوَ إذَا أَخْبَرَ عَنْ كَوْنِهَا طَالِقًا لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ قَصَدَ الْكَذِبَ أَوْ الصِّدْقَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَ طَلَاقُهَا فَسَأَلَ عَنْهَا هَلْ هِيَ مُطَلَّقَةٌ أَوْ بَاقِيَةٌ فِي الْعِصْمَةِ فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ جَوَابًا لِهَذَا السُّؤَالِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِهِ طَلْقَةٌ ثَانِيَةٌ. وَإِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً فِي الْعِدَّةِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بِالْإِنْشَاءِ الَّذِي هُوَ وَضْعٌ عُرْفِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ. (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ وَإِزَالَةَ الْعِصْمَةِ كَانَا مَعْلُومَيْنِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ النَّبَوِيَّةِ عِنْدَ الْعَرَبِ إلَّا أَنَّا نَقُولُ الْإِنْشَاءَاتُ عِنْدَ الْعَرَبِ أَيْضًا تَتَقَدَّمُ عَلَى الشَّرِيعَةِ، وَتَكُونُ عُرْفِيَّةً أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْعَوَائِدَ قَدْ تَحْدُثُ مَعَ طُولِ الْأَيَّامِ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّنَا أَمْ لَا فَالْجَاهِلِيَّةُ تَحْدُثُ لَهَا عَوَائِدُ كَمَا تَحْدُثُ لَنَا. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَسْتَعْمِلُ قَبْلَ الْبَعْثَةِ الرَّاوِيَةَ وَالْبَحْرَ وَالْغَائِطَ وَالْخَلَا وَمَعَ ذَلِكَ قَدْ نَصَّ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّهَا

[المسألة الثالثة قول القائل حبلك على غاربك]

عَكْسُ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ الْيَوْمَ فَعَلِمْنَا أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ لَمْ يُوجِبْ إزَالَةَ الْعِصْمَةِ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ بَلْ بِالْعُرْفِ الْإِنْشَائِيِّ (فَإِنْ قُلْت) لَيْسَ الطَّلَاقُ وَإِزَالَةُ الْعِصْمَةِ أَمْرًا اخْتَصَّ بِهِ بِالشَّرِيعَةِ بَلْ الْعَرَبُ كَانَتْ تَنْكِحُ وَتُطَلِّقُ، وَقَدْ كَانَتْ تُطَلِّقُ بِالظِّهَارِ وَلَفْظُ الطَّلَاقِ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَتَكُونُ إزَالَةُ الْعِصْمَةِ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ السَّابِقِ عَلَى الشَّرِيعَةِ لَا بِأَمْرٍ يَتَجَدَّدُ بَعْدَ الشَّرِيعَةِ. (قُلْت) مُسَلَّمٌ أَنَّ الطَّلَاقَ وَإِزَالَةَ الْعِصْمَةِ كَانَا مَعْلُومَيْنِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ النَّبَوِيَّةِ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَالْإِنْشَاءَاتُ عِنْدَ الْعَرَبِ أَيْضًا تَتَقَدَّمُ عَلَى الشَّرِيعَةِ وَتَكُونُ عُرْفِيَّةً أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّوَايَةَ وَالْبَحْرَ وَالْغَائِطَ وَالْخَلَا أَلْفَاظٌ كَانَتْ الْعَرَبُ تَسْتَعْمِلهَا قَبْلَ الْبَعْثَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ نَصَّ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّهَا مَجَازَاتٌ لُغَوِيَّةٌ وَحَقَائِقُ عُرْفِيَّةٌ فَإِنَّ الْعَوَائِدَ قَدْ تَحْدُثُ مَعَ طُولِ الْأَيَّامِ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّنَا أَمْ لَا فَالْجَاهِلِيَّةُ تَحْدُثُ لَهَا عَوَائِدُ كَمَا تَحْدُثُ لَنَا وَمِنْ هَذَا عُقُودُ الْمُعَاوَضَاتِ كَانُوا يَتَدَاوَلُونَهَا إنْشَاءَاتٌ وَأَلْفَاظٌ عُرْفِيَّةٌ مَنْقُولَةٌ وَمِنْ ذَلِكَ الْقِسْمِ إنْشَاءٌ عُرْفِيٌّ وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ قَوْلِنَا الطَّلَاقُ إنْشَاءٌ عُرْفِيٌّ وَبَيْنَ كَوْنِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ إنَّمَا أَزَالَ الْعِصْمَةَ بِغَيْرِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ بَلْ بِالْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ، وَإِنَّمَا هُوَ مَجَازٌ عَنْ اللُّغَةِ لَا حَقِيقَةٌ، وَفَائِدَةُ الْفَرْقِ أَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ زَوَالَ الْعِصْمَةِ بِالْعُرْفِ وَالْعَوَائِدِ، وَأَنَّهَا مُدْرَكُ إفَادَتِهِ كَذَلِكَ لِتَنَقُّلِنَا مَعَهَا كَيْفَ تَنَقَّلَتْ؛ لِأَنَّهَا الْمُدْرَكُ، وَإِذَا كَانَ الْمُوجِبُ هُوَ الْوَضْعُ اللُّغَوِيُّ وَجَبَ الثُّبُوتُ مَعَهُ وَإِلْزَامُ الطَّلَاقِ بِهِ حَتَّى تَطْرَأَ عَادَةٌ نَاسِخَةٌ لِاقْتِضَاءِ ذَلِكَ فَيَكُونُ اللُّزُومُ هُوَ الْأَصْلُ حَتَّى يَطْرَأَ النَّاسِخُ الْمُبْطِلُ، وَإِذَا قُلْنَا إنَّهَا تُوجِبُ بِالْعَادَةِ كَانَ الْأَصْلُ هُوَ عَدَمُ اللُّزُومِ ـــــــــــــــــــــــــــــSعَكْسُ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ الْيَوْمَ، فَعَلِمْنَا أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ لَمْ يُوجِبْ إزَالَةَ الْعِصْمَةِ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ بَلْ بِالْعُرْفِ الْإِنْشَائِيِّ) . قُلْت كَلَامُهُ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَى اتِّحَادِ مَعْنَى كُلِّ لَفْظٍ تَصَرَّفَ مِنْ الطَّاءِ وَاللَّامِ وَالْقَافِ، وَهِيَ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ كَمَا سَبَقَ قَالَ فَإِنْ قُلْت إلَى قَوْلِهِ فِي آخِرِ الْجَوَابِ وَأَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ اللُّغَةِ لَا حَقِيقَةٌ قُلْت جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ مِنْ أَنَّ أَلْفَاظَ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ عُرْفِيَّةٌ مَنْقُولُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى رُجْحَانِ الْمَجَازِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ كَمَا سَبَقَ. قَالَ (وَفَائِدَةُ الْفَرْقِ أَنَّهُ إذَا كَانَ يُفِيدُ إزَالَةَ قَيْدِ الْعِصْمَةِ بِالْعُرْفِ وَالْعَوَائِدِ، وَأَنَّهَا مُدْرَكٌ أَفَادَتْهُ كَذَلِكَ بِتَنَقُّلِهَا مَعَهَا كَيْفَ تَنَقَّلَتْ لِأَنَّهَا الْمُدْرَكُ، وَإِذَا كَانَ الْمُوجِبُ هُوَ الْوَضْعُ اللُّغَوِيُّ وَجَبَ الثُّبُوتُ مَعَهُ وَإِلْزَامُ الطَّلَاقِ بِهِ حَتَّى يَطْرَأَ النَّاسِخُ الْمُبْطِلُ) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ كَمَا يَتَبَدَّلُ الْعُرْفُ مِنْ الْعُرْفِ كَذَلِكَ يَتَبَدَّلُ الْعُرْفُ مِنْ اللُّغَةِ، وَإِلْزَامُ الْعُقُودِ مِنْ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى نِيَّةِ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ عَلَى عُرْفِهِ لَا عَلَى اللُّغَةِ وَلَا عَلَى عُرْفِ غَيْرِهِ هَذَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْفَتْوَى. وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى الْحُكْمِ فَأَمْرٌ آخَرُ لِمُنَازَعَةِ غَيْرِهِ لَهُ فَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِعُرْفِهِ لَا بِنِيَّتِهِ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ النِّيَّةِ فَالْحُكْمُ مُتَرَتَّبٌ عَلَى الْعُرْفِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْعُرْفُ نَاقِلًا عَنْ اللُّغَةِ أَمْ عَنْ عُرْفٍ سَابِقٍ عَلَيْهِ نَاقِلٍ عَنْ اللُّغَةِ، وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَالِاعْتِبَارُ بِالِاسْتِعْمَالِ الْجَارِي فِي زَمَنِ وُقُوعِ الْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ لُغَةً جَرَى الْحُكْمُ بِحَسَبِهِ، وَإِنْ كَانَ عُرْفًا نَاسِخًا لَهَا أَوْ لِعُرْفٍ نَاسِخٍ لَهَا فَكَذَلِكَ هَذَا إنْ لَمْ يُرِدْ مَا رَأَيْتُهُ فَإِنَّ لَفْظَةَ فِيهِ احْتِمَالٌ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (وَإِذَا قُلْنَا إنَّهَا تُوجِبُ بِالْعَادَةِ كَانَ الْأَصْلُ هُوَ عَدَمُ اللُّزُومِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَجَازَاتٌ لُغَوِيَّةٌ وَحَقَائِقُ عُرْفِيَّةٌ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ قَوْلِنَا الطَّلَاقُ إنْشَاءٌ عُرْفِيٌّ وَبَيْنَ كَوْنِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ إنَّمَا أَزَالَ الْعِصْمَةَ بِغَيْرِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ بَلْ بِالْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ، وَإِنَّمَا هُوَ مَجَازٌ عَنْ اللُّغَةِ لَا حَقِيقَةٌ وَمِنْ قَبِيلِ لَفْظِ الطَّلَاقِ فِي كَوْنِهِ مَجَازًا عَنْ اللُّغَةِ لَا حَقِيقَةً بِنَاءً عَلَى رُجْحَانِ الْمَجَازِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ وَالْقَسَمُ كَانَتْ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَدَاوَلُونَهَا إنْشَاءَاتٍ وَأَلْفَاظًا عُرْفِيَّةً مَنْقُولَةً. فَالْعُرْفُ يَتَبَدَّلُ مِنْ اللُّغَةِ كَمَا يَتَبَدَّلُ مِنْ عُرْفٍ آخَرَ قَبْلَهُ، وَإِلْزَامُ الْعُقُودِ مِنْ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ يَنْبَنِي فِي الْفَتْوَى عَلَى نِيَّةِ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ عَلَى عُرْفِهِ لَا عَلَى اللُّغَةِ وَلَا عَلَى عُرْفٍ غَيْرِهِ وَفِي الْقَضَاءِ لِمُنَازَعَةِ غَيْرِهِ لَهُ إنَّمَا يَنْبَنِي عَلَى عُرْفِهِ لَا عَلَى نِيَّتِهِ لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ النِّيَّةِ فَالْحُكْمُ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الْعُرْفِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْعُرْفُ نَاقِلًا عَنْ اللُّغَةِ أَمْ عَنْ عُرْفٍ سَابِقٍ عَلَيْهِ نَاقِلٍ عَنْ اللُّغَةِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالِاعْتِبَارُ بِالِاسْتِعْمَالِ الْجَارِي فِي زَمَنِ وُقُوعِ الْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ لُغَةً جَرَى الْحُكْمُ بِحَسَبِهِ وَإِنْ كَانَ عُرْفًا نَاسِخًا لَهَا أَوْ لِعُرْفٍ نَاسِخٍ لَهَا فَكَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلَ الْقَائِلِ حَبْلُك عَلَى غَارِبِكِ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْأَصْلُ وَالْقَاعِدَةُ الْمُعْتَمَدَةُ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا إنَّمَا هِيَ النِّيَّةُ وَالْقَصْدُ مَعَ اللَّفْظِ الْمُشْعِرِ بِذَلِكَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ إشَارَةٍ وَشَبَهِهَا، ثُمَّ اللَّفْظُ إمَّا أَنْ لَا يُشْعِرَ بِالْمَقْصُودِ لُغَةً وَلَا عُرْفًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْوِيهِ فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ مَعًا، وَإِمَّا أَنْ يُشْعِرَ بِالْمَقْصُودِ لُغَةً أَوْ عُرْفًا وَالْعُرْفُ لُغَوِيٌّ وَشَرْعِيٌّ وَوَقْتِيٌّ حَادِثٌ فَيُحْمَلُ فِي الْقَضَاءِ دُونَ تَنْوِيهٍ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ مِنْ عُرْفِيٍّ وَقْتِيٍّ فَشَرْعِيٍّ فَعُرْفِيٍّ لُغَوِيٍّ فَلُغَوِيٍّ أَصْلِيٍّ وَفِي الْفَتْوَى عَلَى التَّنْوِيهِ فَالْعُرْفُ الْوَقْتِيُّ فَالشَّرْعِيُّ فَالْعُرْفِيُّ اللُّغَوِيُّ فَاللُّغَوِيُّ الْأَصْلِيُّ فَإِنْ اجْتَمَعَ فِي اللَّفْظِ الْأَصْلِيِّ وَالْعُرْفِيِّ وَالشَّرْعِيِّ وَالْوَقْتِيِّ فَالْمُعْتَبَرُ الْوَقْتِيُّ فِي الْقَضَاءِ وَالْفَتْوَى فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْأَلْفَاظُ الَّتِي ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مُطْلَقَ الطَّلَاقِ أَوْ مُقَيَّدُهُ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ إرَادَةُ ذَلِكَ بِهَا بِاللُّغَةِ أَوْ بِعُرْفِ اللُّغَةِ أَوْ بِعُرْفِ الشَّرْعِ أَوْ بِعُرْفٍ حَادِثٍ بَعْدُ، فَإِنْ كَانَتْ لُغَوِيَّةً وَضْعًا أَوْ عُرْفًا أَوْ شَرْعِيَّةً فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مُقْتَضَاهَا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَبِكُلِّ مَكَان وَمُسْتَنَدُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ

مِنْ قِبَلِ اللُّغَةِ حَتَّى يَثْبُتَ اللُّزُومُ مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ كَمَا فِي مُنْطَلِقَةٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ اللُّغَةِ فَلَا جَرَمَ لَا يَزَالُ يُنْفَى عَنْهُ اللُّزُومُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا الْفَرْقِ فِيمَا يُتَنَازَعُ فِيهِ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً، فَيَكُونُ الْحَقُّ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ هُوَ عَدَمُ اللُّزُومِ حَتَّى يُثْبِتَهُ النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ فَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قُلْنَا بِاللُّغَةِ كَانَ الْحَقُّ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ هُوَ اللُّزُومُ حَتَّى يَثْبُتَ النَّاسِخُ، وَهَذَا فَرْقٌ عَظِيمٌ وَأَثَرٌ عَظِيمٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْفَقِيهُ فِيمَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلِأَصْحَابِهِ فِي كِتَابِ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ حَبْلُك عَلَى غَارِبِكِ قَالَ فِيهَا مَالِكٌ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَلَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ إنْ أَرَادَ أَقَلَّ مِنْهَا وَخَلِيَّةٌ وَبَرِيَّةٌ وَبَائِنَةٌ قَالَ مِنِّي أَوْ مِنْكِ أَوْ لَمْ يَقُلْ أَوْ أَبَنْتُكِ أَوْ رَدَدْتُكِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَلَا يَنْوِي فِي أَقَلَّ مِنْهَا، وَيَنْوِي فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فِي طَلْقَةٍ فَأَكْثَرَ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَثَلَاثٌ. وَقَالَ رَبِيعَةُ الْخَلِيَّةُ وَالْبَرِيَّةُ وَالْبَائِنُ ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَوَاحِدَةٌ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنَا مِنْكِ بَائِنٌ أَوْ أَنْتِ مِنِّي بَائِنَةٌ فَلَا يَنْوِي قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا بَعْدَهُ بَلْ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ، وَإِذَا قَالَ فِي الْخَلِيَّةِ وَالْبَرِّيَّةِ وَالْبَائِنِ لَمْ أُرِدْ طَلَاقًا فَإِنْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِهِ مَا يَكُونُ هَذَا جَوَابًا لَهُ صَدَقَ، وَإِلَّا فَلَا فَهَذَا كُلُّهُ نَقْلُ التَّهْذِيبِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ النِّيَّةُ نَافِعَةٌ فِيمَا يَنْوِيهِ مَنْ تَعَدُّدٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ نَوَى الثَّلَاثَ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ أَوْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلَاهُمَا فِي حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ. وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَالْبَائِنِ وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ وَالْحَقِي بِأَهْلِكِ وَالْبَتَّةَ وَالْبَتْلَةَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لِشُهْرَتِهَا، وَيَلْزَمُ بِالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSمِنْ قِبَلِ اللُّغَةِ حَتَّى يَثْبُتَ اللُّزُومُ مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ كَمَا فِي مُنْطَلِقَةٍ لَيْسَ فِيهَا إلَّا مُجَرَّدُ اللُّغَةِ فَلَا جَرَمَ لَا يَزَالُ يَنْفِي عَنْهُ اللُّزُومَ حَتَّى يَتَحَقَّقَ النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا الْفَرْقِ فِيمَا يُتَنَازَعُ فِيهِ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً، فَيَكُونُ الْحَقُّ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ هُوَ عَدَمُ اللُّزُومِ حَتَّى يُثْبِتَهُ النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ فَلَا يَلْزَمُ طَلَاقٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قُلْنَا بِاللُّغَةِ كَانَ الْحَقُّ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ هُوَ اللُّزُومُ حَتَّى يَثْبُتَ النَّاسِخُ، وَهَذَا فَرْقٌ عَظِيمٌ وَأَثَرٌ عَظِيمٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْفَقِيهُ فِيمَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ) . قُلْت قَوْلُهُ ذَلِكَ وَتَمْثِيلُهُ بِقَوْلِهِ كَمَا فِي مُنْطَلِقَةٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ اللُّغَةِ كُلُّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَاهُ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ تَصَرَّفَ مِنْ مَادَّةِ الطَّاءِ وَاللَّامِ وَالْقَافِ فَهُوَ دَالٌّ عَلَى إزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُسَلَّمٍ وَلَا صَحِيحٍ بَلْ لَفْظَةُ " طَالِقٌ " وَإِنْ كَانَتْ مِنْ تِلْكَ الْمَادَّةِ هِيَ دَالَّةٌ عَلَى إزَالَةِ عِصْمَةِ النِّكَاحِ لُغَةً، وَلَفْظَةُ " مُنْطَلِقَةٌ " وَإِنْ كَانَتْ مِنْ تِلْكَ الْمَادَّةِ أَيْضًا فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى الْمَسِيرِ، وَهُمَا مَعْنَيَانِ مُتَغَايِرَانِ فَلَمْ يَنْتَفِ لُزُومُ الطَّلَاقِ عَنْ لَفْظَةِ " مُنْطَلِقَةٌ " لِأَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا إلَّا مُجَرَّدُ اللُّغَةِ، بَلْ انْتَفَى لِمُغَايَرَةِ حَقِيقَةِ الطَّلَاقِ لِحَقِيقَةِ الِانْطِلَاقِ فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: أَنْتِ طَالِقٌ فَهُوَ إمَّا إخْبَارٌ عَنْ زَوَالِ الْعِصْمَةِ أَوْ إنْشَاءٌ لَهُ، وَإِذَا قَالَ: أَنْتِ مُنْطَلِقَةٌ فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ الْمَسِيرِ، وَيَسُوغُ اسْتِعْمَالُهُ إنْشَاءً لِلْأَمْرِ بِهِ إنْ قُلْنَا بِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْأَلْفَاظِ الْخَبَرِيَّةِ فِي الْإِنْشَاءِ قِيَاسٌ، وَإِلَّا فَيَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى السَّمَاعِ قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) وَقَعَ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَذْهَبِ وَلِأَصْحَابِهِ فِي كِتَابِ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَتَخَرَّجُ الْفَتَاوَى فِي الْأَلْفَاظِ. (قُلْت) جَمِيعُ ذَلِكَ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَدَ عَلَيْنَا مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ فَإِنَّا نَحْمِلُهُ عَلَى عُرْفِهِ أَوْ عَلَى اللُّغَةِ أَوْ عُرْفِهَا. وَإِنْ كَانَتْ عُرْفِيَّةً بِعُرْفٍ حَادِثٍ فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي يَنْتَقِلُ الْحُكْمُ بِهَا بِانْتِقَالِ الْعُرْفِ كَبَتَّةٍ وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ. قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَلْزَمُ الْقَائِلَ ذَلِكَ الثَّلَاثُ وَلَا يَنْوِي دَخَلَ أَوْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ نَقَلَهُ عُرْفُ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى الْعَدَدِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ الثَّلَاثُ حَتَّى صَارَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ. وَالْمَجَازُ لَا يَدْخُلُ فِي النُّصُوصِ كَأَسْمَاءِ الْعَدَدِ بَلْ فِي الظَّوَاهِرِ كَأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ وَصِيَغِ الْعُمُومِ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ لُغَوِيَّةٌ وَكُلُّ لَفْظٍ لَا يَجُوزُ دُخُولُ الْمَجَازِ فِيهِ لَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِي صَرْفِهِ عَنْ مَوْضُوعِهِ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ شَرْعِيَّةٌ مُحَمَّدِيَّةٌ بُنِيَتْ عَلَى الْأُولَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ إنْ نَوَى الثَّلَاثَ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ أَوْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ. وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْبَتَّةِ وَالْبَتْلَةِ وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لِشُهْرَتِهَا، وَيَلْزَمُ بِحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِك الثَّلَاثُ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ الْقَبَسِ لَهُ الصَّحِيحُ أَنَّ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ وَالْبَائِنَ وَالْخَلِيَّ وَالْبَرِيَّةَ وَالْبَتْلَةَ وَالْبَتَّةَ وَاحِدَةٌ لَا تَزِيدُ عَلَى قَوْلِكَ أَنْتِ طَالِقٌ وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ «ابْنِ كِنَانَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي أَلْبَتَّةَ فَقَالَ مَا أَرَدْتَ فَقُلْتُ وَاحِدَةً فَقَالَ هِيَ مَا أَرَدْتَ فَرَدَّهَا إلَيَّ» . (قُلْتُ) قَالَ الْأَمِيرُ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ وَقَدْ تَعَارَفَ الْآنَ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ فِي مُطْلَقِ الْإِهْمَالِ حَتَّى يُخَاطِبَ الرَّجُلُ ابْنَهُ مَثَلًا انْتَهَى أَيْ فَعَلَيْهِ يَكُونُ كَالْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ يَجْرِي عَلَى قَوْلِهِمْ وَإِنْ قَصَدَهُ بِأَيِّ كَلَامٍ لَزِمَ كَاسْقِنِي فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ الْآنَ أَنْ يُفْتِيَ فِيهِ بِالطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ إلَّا إذَا تَجَدَّدَ بِذَلِكَ عُرْفٌ وَكَحَرَامٍ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا شَيْءَ عَلَى قَائِلِهِ إذَا كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يُرِيدُونَ بِهِ الطَّلَاقَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ حَرَامٌ الْكَذِبَ بِالْإِخْبَارِ عَنْ كَوْنِهَا حَرَامًا وَهِيَ حَلَالٌ حَرُمَتْ وَلَا يَنْوِي قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ فِي الْحَرَامِ أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا قَالَ مَالِكٌ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَيَنْوِي فِي غَيْرِهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ حَتَّى يَنْوِيَ وَاحِدَةً فَتَكُونَ رَجْعِيَّةً. وَإِنْ نَوَى تَحْرِيمَهَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَا يَكُونُ مُوَلِّيًا

وَالْحَرَامِ وَالْحَقِي بِأَهْلِكِ وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكِ وَأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَاذْهَبِي فَتَزَوَّجِي وَغَطِّي شَعْرَكِ وَأَنْتِ حُرَّةٌ الثَّلَاثُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ الْقَبَسِ لَهُ الصَّحِيحُ أَنَّ حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ وَالْبَائِنَ وَالْخَلِيَّةَ وَالْبَرِيَّةَ وَالْبَتْلَةَ وَالْبَتَّةَ وَاحِدَةٌ وَلَا تَزِيدُ عَلَى قَوْلِكَ أَنْتِ طَالِقٌ، وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي أَلْبَتَّةَ فَقَالَ مَا أَرَدْتَ فَقُلْتُ وَاحِدَةً فَقَالَ هِيَ مَا أَرَدْتَ فَرَدَّهَا إلَيْهِ» ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ قَالَ وَهَبْتُ لَكِ صَدَاقَكِ يَلْزَمُهُ أَلْبَتَّةَ وَلَا يَنْوِي. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْكِتَابِ إذَا قَالَ بَائِنٌ مِنِّي أَوْ بَرِيءٌ أَوْ خَلِيَّةٌ لَا يُصَدَّقُ فِي عَدَمِ إرَادَتِهِ الطَّلَاقَ إلَّا بِقَرِينَةٍ تُصَدِّقُهُ، وَإِذَا قَالَ كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَزْوَاجُهُ نَوَاهُنَّ أَمْ لَا إلَّا أَنْ يُخْرِجَهُنَّ بِنِيَّتِهِ أَوْ بِلَفْظِهِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ أَصْبَغُ الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَامٌ عَلَيَّ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ أَوْ كُلُّ مَا انْقَلَبَ إلَيْهِ حَرَامٌ كُلُّهُ تَحْرِيمٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي حَرَامٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يُرِيدُونَ بِهِ الطَّلَاقَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ حَرَامٌ الْكَذِبَ بِالْإِخْبَارِ عَنْ كَوْنِهَا حَرَامًا وَهِيَ حَلَالٌ حَرُمَتْ وَلَا يَنْوِي. قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ فِي الْحَرَامِ أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا قَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَيَنْوِي فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ حَتَّى يَنْوِيَ وَاحِدَةً فَتَكُونُ رَجْعِيَّةً. وَإِنْ نَوَى تَحْرِيمَهَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَا يَكُونُ مُوَلِّيًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَوَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَ فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهُوَ مُوَلٍّ، وَإِنْ نَوَى الْكَذِبَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ سُفْيَانُ إنْ نَوَى وَاحِدَةً فَبَائِنَةٌ أَوْ الثَّلَاثَ فَالثَّلَاثُ أَوْ يَمِينًا فَيَمِينٌ وَلَا فُرْقَةَ وَلَا يَمِينَ بِكَذْبَةٍ لَا شَيْءَ فِيهَا. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَهُ مَا نَوَى وَإِلَّا فَيَمِينٌ تُكَفَّرُ وَقَالَ إِسْحَاقُ: كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، وَقِيلَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] إلَى قَوْلِهِ {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] «وَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ حَرَّمَ سُرِّيَّتَهُ مَارِيَةَ» وَقَالَ الشَّعْبِيُّ تَحْرِيمُ الْمَرْأَةِ كَتَحْرِيمِ الْمَالِ لَا شَيْءَ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87] وَقِيلَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عِتْقُ رَقَبَةٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَمِينٌ مُغَلَّظَةٌ وَفِي الْجَوَاهِرِ الْمَشْهُورُ لُزُومُ الثَّلَاثِ وَيَنْوِي فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَنْوِي وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَنْوِي وَاحِدَةً فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا وَعَنْ مَالِكٍ وَاحِدَةً بَائِنَةً وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ: وَأَصْلُ اخْتِلَافِ الْأَصْحَابِ فِي الْأَلْفَاظِ أَنَّ اللَّفْظَ إنْ تَضَمَّنَ الْبَيْنُونَةَ وَالْعَدَدَ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَزِمَ الثَّلَاثُ وَلَا يَنْوِي اتِّفَاقًا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا، أَوْ يَدُلُّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ فَقَطْ فَيُنْظَرُ هَلْ تُمْكِنُ الْبَيْنُونَةُ بِالْوَاحِدَةِ أَوْ تَتَوَقَّفُ عَلَى الثَّلَاثِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعَارَضَةً فِيهِ خِلَافٌ أَوْ يَدُلُّ عَلَى عَدَدٍ غَالِبًا، وَيُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ نَادِرًا فَيُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ وَعَلَى النَّادِرِ مَعَ وُجُودِهَا فِي الْفَتْوَى وَإِنْ تَسَاوَى الِاسْتِعْمَالُ أَوْ تَقَارَبَ قُبِلَتْ نِيَّتُهُ فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ فَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَوَاحِدَةٌ. وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَ فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَهُوَ مُوَلٍّ وَإِنْ نَوَى الْكَذِبَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ سُفْيَانُ إنْ نَوَى وَاحِدَةً فَبَائِنَةٌ أَوْ الثَّلَاثَ فَالثَّلَاثُ أَوْ يَمِينًا فَيَمِينٌ وَلَا فُرْقَةَ وَلَا يَمِينَ بِكَذِبَةٍ لَا شَيْءَ فِيهَا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَهُ مَا نَوَى وَإِلَّا فَيَمِينٌ تُكَفَّرُ وَقَالَ إِسْحَاقُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ وَقِيلَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] إلَى قَوْلِهِ {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدْ حَرَّمَ سُرِّيَّتَهُ مَارِيَةَ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ تَحْرِيمُ الْمَرْأَةِ كَتَحْرِيمِ الْمَالِ لَا شَيْءَ فِيهِ أَيْ إلَّا الِاسْتِغْفَارُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87] وَقِيلَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عِتْقُ رَقَبَةٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَمِينٌ مُغَلَّظَةٌ اهـ. (قُلْت) وَقَالَ الْأَمِيرُ فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ وَضَوْءِ الشُّمُوعِ شَيْخُنَا سَمِعْتُ مِنْ الْمَشَايِخِ وَرَأَيْتُ فِي الْمَنْقُولِ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمَغْرِبِ جَرَى فِي الْحَرَامِ بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ، وَقَدْ نَقَلَهُ الْبُنَانِيُّ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي نَظْمِ الْعَمَلِ الْفَاسِيُّ كَمَا فِي كَنُونٍ بِقَوْلِهِ وَطَلْقَةٌ بَائِنَةٌ فِي التَّحْرِيمِ وَحَلِفٌ بِهِ لِعُرْفِ الْإِقْلِيمِ لَكِنَّهُ رُبَّمَا خَالَفَ عُرْفَ مِصْرَ فَإِنَّهُ شَاعَ فِي أَلْسِنَتِهِمْ الْحَرَامُ مَجْمَعُ الثَّلَاثِ. (وَهُنَا مُهِمَّةٌ) وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ عَلَى الشَّخْصِ الْحَرَامُ فَيُرَاجِعُهَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا ثَلَاثًا فَيُفْتِيهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِعَدَمِ لُزُومِ الثَّلَاثِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَرَامَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَالْبَائِنُ لَا يُرْتَدَفُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ فَيُجَدَّدُ لَهُ عَلَيْهَا عَقْدٌ وَهَذَا خَطَأٌ فَإِنَّهُ لَمَّا رَاجَعَهَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ صَارَ مَعَهَا فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ. وَالطَّلَاقُ يَلْحَقُ فِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِ بَلْ وَلَوْ لَمْ يُرَاجِعْهَا وَعَاشَرَهَا مُعَاشَرَةَ الْأَزْوَاجِ فَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي لُحُوقَ الطَّلَاقِ مُرَاعَاةً لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ رَجْعِيٌّ مَعَ قَوْلِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ كَالْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْجِمَاعَ يَكُونُ رَجْعَةً مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الرَّجْعَةِ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَنَا أَيْضًا كَيْفَ وَهُنَاكَ مَنْ يَقُولُ الْحَرَامُ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ عِصْمَتِهِ غَايَتُهُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِقَّةِ الدِّينِ اهـ. بِزِيَادَةٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَأَصْلُ اخْتِلَافِ

عُدِمَتْ النِّيَّةُ فَقِيلَ يُحْمَلُ عَلَى الْأَقَلِّ اسْتِصْحَابًا لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَقِيلَ عَلَى الْأَكْثَرِ احْتِيَاطًا، وَالْمَشْهُورُ فِي الْحَرَامِ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ، وَأَنَّهَا لَا تَحْصُلُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إلَّا بِالثَّلَاثِ وَفِي غَيْرِهَا بِالْوَاحِدَةِ وَلِكَوْنِهَا غَالِبَةً فِي الثَّلَاثِ حُمِلَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى الثَّلَاثِ وَيَنْوِي فِي الْأَقَلِّ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْبَيْنُونَةِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِهَا وَوَضْعِهَا لِلثَّلَاثِ فِي الْعُرْفِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَالْقَوْلُ بِالْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى حُصُولِ الْبَيْنُونَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ الدُّخُولِ، وَأَنَّهَا لَا تُفِيدُ عَدَدًا. وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْلَمَةَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا كَالطَّلَاقِ قَالَ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَتَخَرَّجُ الْفَتَاوَى فِي الْأَلْفَاظِ قُلْت مَعْنَى التَّحْرِيمِ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ فَقَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ كَوْنِهَا مَمْنُوعَةً فَهُوَ كَذِبٌ لَا يَلْزَمُ فِيهِ إلَّا التَّوْبَةُ فِي الْبَاطِنِ وَالتَّعْزِيرُ فِي الظَّاهِرِ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْكَذِبِ لَيْسَ فِي مُقْتَضَاهَا لُغَةً إلَّا ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ خَلِيَّةٌ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ الْإِخْبَارُ عَنْ الْخَلَاءِ، وَأَنَّهَا فَارِغَةٌ وَأَمَّا مِمَّ هِيَ فَارِغَةٌ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ اللَّفْظُ لَهُ، وَكَذَلِكَ بَائِنٌ مَعْنَاهُ لُغَةً الْمُفَارَقَةُ فِي الزَّمَانِ أَوَالْمَكَان، وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِزَوَالِ الْعِصْمَةِ فَهِيَ إخْبَارَاتٌ صِرْفَةٌ لَيْسَ فِيهَا تَعَرُّضٌ لِلطَّلَاقِ أَلْبَتَّةَ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ فَهِيَ إمَّا كَاذِبَةٌ وَهُوَ الْغَالِبُ وَإِمَّا صَادِقَةٌ إنْ كَانَتْ مُفَارِقَةً لَهُ فِي الْمَكَانِ، وَلَا يَلْزَمُ بِذَلِكَ طَلَاقٌ كَمَا لَوْ صَرَّحَ وَقَالَ لَهَا أَنْتِ فِي مَكَان غَيْرِ مَكَانِي، وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ كَوْنِهَا حَبْلُهَا عَلَى كَتِفِهَا، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا كَانَ يَرْعَى بَقَرَةً وَقَصَدَ التَّوْسِعَةَ عَلَيْهَا فِي الْمَرْعَى تَرَكَ حَبْلَهَا مِنْ يَدِهِ وَوَضَعَهُ عَلَى غَارِبِهَا وَهُوَ كَتِفُهَا فَتَنْتَقِلُ فِي الْمَرْعَى كَيْفَ شَاءَتْ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ نِيَّةً كَانَ إخْبَارُهُ عَنْ كَوْنِ الْمَرْأَةِ كَذَلِكَ كَذِبًا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ قُلْت مَعْنَى التَّحْرِيمِ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ فَقَوْلُهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ كَوْنِهَا مَمْنُوعَةً فَهُوَ كَذِبٌ لَا يَلْزَمُهُ فِيهِ إلَّا التَّوْبَةُ فِي الْبَاطِنِ وَالتَّعْزِيرُ فِي الظَّاهِرِ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْكَذِبِ، لَيْسَ فِي مُقْتَضَاهَا لُغَةً إلَّا ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ خَلِيَّةٌ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ الْإِخْبَارُ عَنْ الْخَلَاءِ، وَأَنَّهَا فَارِغَةٌ، وَأَمَّا مِمَّ هِيَ فَارِغَةٌ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ اللَّفْظُ، وَكَذَلِكَ بَائِنٌ مَعْنَاهُ الْمُفَارَقَةُ فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِزَوَالِ الْعِصْمَةِ فَهِيَ إخْبَارَاتٌ صِرْفَةٌ لَيْسَ فِيهَا تَعَرُّضٌ لِلطَّلَاقِ أَلْبَتَّةَ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ، فَهِيَ إمَّا كَاذِبَةٌ وَهُوَ الْغَالِبُ، وَإِمَّا صَادِقَةٌ إنْ كَانَتْ مُفَارِقَةً لَهُ فِي الْمَكَانِ وَلَا يَلْزَمُ بِذَلِكَ طَلَاقٌ كَمَا لَوْ صَرَّحَ. وَقَالَ لَهَا أَنْتِ فِي مَكَان غَيْرِ مَكَانِي وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ كَوْنِهَا حَبْلَهَا عَلَى كَتِفِهَا، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا كَانَ يَرْعَى بَقَرَةً وَقَصَدَ التَّوْسِعَةَ عَلَيْهَا فِي الْمَرْعَى تَرَكَ حَبْلَهَا مِنْ يَدِهِ وَوَضَعَهُ عَلَى كَتِفِهَا فَتَنْتَقِلُ فِي الْمَرْعَى كَيْفَ شَاءَتْ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ نِيَّةٌ كَانَ إخْبَارُهُ عَنْ كَوْنِ الْمَرْأَةِ كَذَلِكَ كَذِبًا) . قُلْت الْأَصْلُ وَالْقَاعِدَةُ الْمُعْتَمَدَةُ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا إنَّمَا هُوَ النِّيَّةُ وَالْقَصْدُ مَعَ اللَّفْظِ الْمُشْعِرِ بِذَلِكَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ مِنْ إشَارَةٍ وَشَبَهِهَا، ثُمَّ اللَّفْظُ إمَّا أَنْ يُشْعِرَ بِالْقَصْدِ لُغَةً أَوْ عُرْفًا وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ فِي الْقَضَاءِ دُونَ تَنْوِيَةٍ وَفِي الْفَتْوَى هُمَا، وَإِمَّا مَا لَا يُشْعِرُ بِالْمَقْصُودِ لُغَةً وَلَا عُرْفًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْوِيَةِ فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ مَعًا، وَبَعْدَ تَقْرِيرِ ذَلِكَ لَا تَخْلُو الْأَلْفَاظُ الْمَذْكُورَةُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مُطْلَقُ الطَّلَاقِ أَوْ مُقَيَّدُهُ مِنْ أَنْ تَكُونَ إرَادَةُ ذَلِكَ بِهَا بِاللُّغَةِ أَوْ بِعُرْفِ اللُّغَةِ أَوْ بِعُرْفِ الشَّرْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصْحَابِ فِي أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ كَمَا قَالَ الْمَازِرِيُّ أَنَّ اللَّفْظَ إنْ تَضَمَّنَ الْبَيْنُونَةَ وَالْعَدَدَ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَزِمَ الثَّلَاثُ وَلَا يَنْوِي اتِّفَاقًا فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا أَيْ لَا يُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ قَصَدَ أَقَلَّ مِنْ الثَّلَاثِ فِيهِمَا لَا فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِي الْفَتْوَى نَعَمْ يُصَدَّقُ قَوْلُهُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهَا طَلُقَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ الْوَلَدِ فِي الْفَتْوَى دُونَ الْقَضَاءِ نَظَرًا لِلْقَاعِدَتَيْنِ اللُّغَوِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ السَّابِقَتَيْنِ فَقَبِلُوا النِّيَّةَ فِي رَفْعِ الطَّلَاقِ بِجُمْلَتِهِ لِتَحْوِيلِهِ لِجِنْسٍ آخَرَ نَظَرًا لِجَوَازِ دُخُولِ الْمَجَازِ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الظَّوَاهِرِ وَلَمْ يَقْبَلُوهَا فِي رَفْعِ بَعْضِ الطَّلَاقِ نَظَرًا لِكَوْنِ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ نُصُوصًا لَا يَدْخُلُ فِيهَا الْمَجَازُ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ بُطْلَانَ ذَلِكَ وَأَنَّ النِّيَّةَ إذَا قُبِلَتْ فِي رَفْعِ الْكُلِّ فَأَوْلَى أَنْ تُقْبَلَ فِي رَفْعِ الْبَعْضِ، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ إلَّا عَلَى الْبَيْنُونَةِ نُظِرَ هَلْ تُمْكِنُ الْبَيْنُونَةُ بِالْوَاحِدَةِ أَوْ تَتَوَقَّفُ عَلَى الثَّلَاثِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعَارَضَةٌ فِيهِ خِلَافٌ أَوْ يَدُلُّ عَلَى عَدَدٍ غَالِبًا. وَيُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ نَادِرًا فَيُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ وَعَلَى النَّادِرِ مَعَ وُجُودِهَا فِي الْفَتْوَى وَإِنْ تَسَاوَى الِاسْتِعْمَالُ أَوْ تَقَارَبَ قُبِلَتْ نِيَّتُهُ مَعَ الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ فَإِنْ عُدِمَتْ النِّيَّةُ فَقِيلَ يُحْمَلُ عَلَى الْأَقَلِّ اسْتِصْحَابًا لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَقِيلَ عَلَى الْأَكْثَرِ احْتِيَاطًا وَالْمَشْهُورُ فِي الْحَرَامِ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ، وَأَنَّهَا لَا تَحْصُلُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إلَّا بِالثَّلَاثِ وَفِي غَيْرِهَا بِالْوَاحِدَةِ وَلِكَوْنِهَا غَالِبَةً فِي الثَّلَاثِ حُمِلَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى الثَّلَاثِ وَيَنْوِي فِي الْأَقَلِّ. وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الْبَيْنُونَةِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِهَا وَوَضْعِهَا لِلثَّلَاثِ فِي الْعُرْفِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَالْقَوْلُ بِالْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى حُصُولِ الْبَيْنُونَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا، وَأَنَّهَا لَا تُفِيدُ عَدَدًا أَوْ نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْلَمَةَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا كَالطَّلَاقِ قَالَ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَتَخَرَّجُ الْفَتَاوَى فِي الْأَلْفَاظِ اهـ وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أُمُورٍ أَحَدُهَا أَنَّ نَحْوَ الْحَرَامِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ وَلَا فِي عُرْفِهَا وَلَا فِي عُرْفِ الشَّرْعِ فِي إزَالَةِ الْعِصْمَةِ إمَّا أَنْ يَنْقُلَهُ الْعُرْفُ الْحَادِثُ الْوَقْتِيُّ مِنْ مَوْضُوعِهِ إلَى الْبَيْنُونَةِ فَقَطْ أَوْ مَعَ الْعَدَدِ أَوْ

وَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِعَارَةَ وَالْمَجَازَ وَالتَّشْبِيهَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَقَرَةِ فِي أَنَّهَا تَصِيرُ مُطْلَقَةَ التَّصَرُّفِ لَا حَجْرَ عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِ الْأَزْوَاجِ بِسَبَبِ زَوَالِ الْعِصْمَةِ كَمَا تَبْقَى الْبَقَرَةُ فِي مَرْعَاهَا كَذَلِكَ فَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مَعَ النِّيَّةِ كَسَائِرِ الْمَجَازَاتِ إذَا فُقِدَتْ فِيهَا النِّيَّةُ كَانَ اللَّفْظُ مُنْصَرِفًا بِالْوَضْعِ لِلْحَقِيقَةِ فَيَصِيرُ كَذِبًا. وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ فَحِينَئِذٍ إنَّمَا تَصِيرُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مُوجِبَةً لِمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَقْلِ الْعُرْفِ لَهَا فِي رُتَبٍ أَحَدُهَا أَنْ يَنْقُلَهَا الْعُرْفُ عَنْ الْإِخْبَارِ إلَى الْإِنْشَاءِ. وَثَانِيهَا أَنْ يَنْقُلَهَا لِرُتْبَةٍ أُخْرَى وَهِيَ زَوَالُ الْعِصْمَةِ بِالْإِنْشَاءِ الَّذِي هُوَ إنْشَاءٌ خَاصٌّ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْإِنْشَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَقْلِهَا لِلْإِنْشَاءِ أَنْ تُفِيدَ زَوَالَ الْعِصْمَةِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْإِنْشَاءِ أَعَمُّ مِنْ زَوَالِ الْعِصْمَةِ فَقَدْ يَصْدُقُ بِإِنْشَاءِ الْبَيْعِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ فَلَا تَدُلُّ بِنَقْلِهَا إلَى أَصْلِ الْإِنْشَاءِ عَلَى زَوَالِ الْعِصْمَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِهَا إلَى خُصُوصِهِ فَتُفِيدُ زَوَالَ الْعِصْمَةِ حِينَئِذٍ، وَثَالِثُهَا أَنْ يَنْقُلَهَا الْعُرْفُ إلَى الرُّتْبَةِ الْخَاصَّةِ مِنْ الْعَدَدِ، وَهِيَ الثَّلَاثُ فَإِنَّ زَوَالَ الْعِصْمَةِ أَعَمُّ مِنْ زَوَالِهَا بِالْعَدَدِ الثَّالِثِ فَهَذِهِ رُتَبٌ ثَلَاثٌ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ الْعُرْفِ اللَّفْظَ إلَيْهَا حَتَّى يُفِيدَ اللَّفْظُ الثَّلَاثَ فَهَذِهِ الرُّتَبُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ يُفِيدُ الْبَيْنُونَةَ أَوْ الْبَيْنُونَةَ مَعَ الْعَدَدِ أَوْ أَصْلَ الطَّلَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــSأَوْ بِعُرْفٍ حَادِثٍ بَعْدُ، فَأَمَّا إنْ كَانَتْ لُغَوِيَّةً وَضْعًا أَوْ عُرْفًا أَوْ شَرْعِيَّةً فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مُقْتَضَاهَا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَبِكُلِّ مَكَان، وَمُسْتَنَدُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ وَرَدَ عَلَيْنَا مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ فَإِنَّا نَحْمِلُهُ عَلَى عُرْفِهِ أَوْ عَلَى اللُّغَةِ أَوْ عُرْفِهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ عُرْفِيَّةً بِعُرْفٍ حَادِثٍ فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي يَنْتَقِلُ الْحُكْمُ بِهَا بِانْتِقَالِ الْعُرْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِعَارَةِ وَالْمَجَازَ وَالتَّشْبِيهَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَقَرَةِ فِي أَنَّهَا تَصِيرُ مُطْلَقَةَ التَّصَرُّفِ لَا حَجْرَ عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِ الْأَزْوَاجِ بِسَبَبِ زَوَالِ الْعِصْمَةِ كَمَا تَبْقَى الْبَقَرَةُ فِي مَرْعَاهَا كَذَلِكَ، فَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مَعَ النِّيَّةِ كَسَائِرِ الْمَجَازَاتِ إلَى قَوْلِهِ: وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ) قُلْت قَوْلُهُ هَذَا صَحِيحٌ مُسْتَقِيمٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ لَمْ تَصِرْ عُرْفًا قَالَ فَحِينَئِذٍ إنَّمَا تَصِيرُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مُوجِبَةً لِمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِنَقْلِ الْعُرْفِ لَهَا فِي رُتَبِ أَحَدِهَا أَنْ يَنْقُلَهَا الْعُرْفُ عَنْ الْإِخْبَارِ إلَى الْإِنْشَاءِ، وَثَانِيهَا أَنْ يَنْقُلَهَا لِرُتْبَةٍ أُخْرَى وَهِيَ إنْشَاءُ زَوَالِ الْعِصْمَةِ الَّذِي هُوَ إنْشَاءٌ خَاصٌّ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْإِنْشَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَا يَلْزَمُ مِنْ نَقْلِهَا لِلْإِنْشَاءِ أَنْ تُفِيدَ زَوَالَ الْعِصْمَةِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْإِنْشَاءِ أَعَمُّ مِنْ زَوَالِ الْعِصْمَةِ فَقَدْ يَصْدُقُ بِإِنْشَاءِ الْبَيْعِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ فَلَا تَدُلُّ بِنَقْلِهَا إلَى أَصْلِ الْإِنْشَاءِ عَلَى زَوَالِ الْعِصْمَةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِهَا إلَى خُصُوصِهِ فَتُفِيدُ زَوَالَ الْعِصْمَةِ حِينَئِذٍ. قُلْتُ كَلَامُهُ هَذَا يُوهِمُ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ يَتَأَتَّى أَنْ تَدُلَّ عَلَى مُطْلَقِ الْإِنْشَاءِ دُونَ خُصُوصِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَّجَهٍ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَدُلَّ عَلَى إنْشَاءٍ خَاصٍّ فَالنَّقْلُ إذًا لَيْسَ لَهُ رُتَبٌ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ نَقْلُهُ لِغَيْرِ زَوَالِ الْعِصْمَةِ أَوْ لِزَوَالِهَا. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (وَثَالِثُهَا أَنْ يَنْقُلَهَا الْعُرْفُ إلَى الرُّتْبَةِ الْخَاصَّةِ مِنْ الْعَدَدِ إلَى قَوْلِهِ أَوْ أَصْلِ الطَّلَاقِ) . قُلْتُ وَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَصْلِ الطَّلَاقِ فَتَكُونُ إفَادَتُهَا ذَلِكَ بِالْعُرْفِ لَا بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ. وَثَانِيهَا أَنَّ مُجَرَّدَ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ غَيْرِ تَكَرُّرٍ لَا يَكْفِي فِي النَّقْلِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَكَرُّرِ الِاسْتِعْمَالِ بِحَيْثُ يُفْهَمُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ، وَيَكُونُ هُوَ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ دُونَ غَيْرِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَجَازُ الرَّاجِحُ فَقَدْ يَتَكَرَّرُ اللَّفْظُ فِي مَجَازِهِ وَلَا يَكُونُ مَنْقُولًا وَلَا مَجَازًا رَاجِحًا أَلْبَتَّةَ كَاسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْأَسَدِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَالْبَحْرِ فِي الْعَالِمِ أَوْ السَّخِيِّ وَالضُّحَى أَوْ الشَّمْسِ أَوْ الْقَمَرِ أَوْ الْغَزَالِ فِي جَمِيلِ الصُّورَةِ. وَذَلِكَ يَتَكَرَّرُ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ تَكْرَارًا كَثِيرًا، وَمَعَ ذَلِكَ التَّكْرَارِ الَّذِي لَا يُحْصَى عَدَدُهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَارَتْ مَنْقُولَةً بَلْ لَا تُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا عَلَى الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا أُرِيدَ بِهَا هَذِهِ الْمَجَازَاتُ وَلَا بُدَّ فِي كُلِّ مَجَازٍ مِنْهَا مِنْ النِّيَّةِ وَالْقَصْدِ إلَى اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِيهِ، فَهَذَا ضَابِطٌ فِي النَّقْلِ لَا بُدَّ مِنْهُ فَإِذَا أَحَطْتَ بِهِ عِلْمًا ظَهَرَ لَكَ الْحَقُّ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ. وَهُوَ أَنَّا لَا نَجِدُ أَحَدًا فِي زَمَانِنَا يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ عِنْدَ إرَادَةِ تَطْلِيقِهَا حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ وَلَا أَنْتِ بَرِيئَةٌ وَلَا وَهَبْتُكِ لِأَهْلِكِ بَلْ هَذَا لَمْ نَسْمَعْهُ قَطُّ مِنْ الْمُطَلِّقِينَ، وَلَوْ سَمِعْنَاهُ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ عَلَى سَمْعِنَا لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ فِي اعْتِقَادِنَا أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مَنْقُولَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، فَالْمُسْتَعْمِلُ لِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ إنْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ إيَّاهَا وَلَيْسَ فِيهَا عُرْفٌ وَقْتِيٌّ بَلْ كَانَتْ لُغَوِيَّةً وَضْعًا أَوْ عُرْفًا أَوْ شَرْعِيَّةً لَزِمَ حَمْلُهَا عَلَى مُقْتَضَاهَا الشَّرْعِيِّ فَاللُّغَوِيِّ الْعُرْفِيِّ فَالْأَصْلِيِّ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَبِكُلِّ مَكَان إنْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ إيَّاهَا وَفِيهَا عُرْفٌ وَقْتِيٌّ لَزِمَ حَمْلُهَا عَلَيْهِ إنْ كَانَ عُرْفًا لِلْمُسْتَعْمِلِ، وَإِلَّا فَالشَّرْعِيُّ وَإِلَّا فَاللُّغَوِيُّ الْعُرْفِيُّ وَإِلَّا فَاللُّغَوِيُّ الْأَصْلِيُّ فَإِنْ أَفْتَى الْفَقِيهُ عِنْدَ وُجُودِ الْعُرْفِ الْوَقْتِيِّ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ أَوْ اللُّغَوِيِّ الْعُرْفِيِّ أَوْ اللُّغَوِيِّ الْأَصْلِيِّ وَأَلْغَى الْعُرْفَ الْوَقْتِيَّ فَهُوَ مُخْطِئٌ، وَإِنْ أَفْتَى بِالتَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ عِنْدَ وُجُودِ الْعُرْفِ الْوَقْتِيِّ فَهُوَ مُصِيبٌ. وَثَالِثُهَا أَنَّ الْمُفْتِيَ إذَا جَاءَهُ رَجُلٌ يَسْتَفْتِيهِ عَنْ لَفْظَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَكَانَ عُرْفُ بَلَدِ الْمُفْتِي فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ لَا يُفْتِيهِ بِحُكْمِ بَلَدِهِ بَلْ يَسْأَلُهُ هَلْ هُوَ مِنْ بَلَدِ أَهْلِ الْمُفْتِي فَيُفْتِيهِ حِينَئِذٍ

غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَتْ فِي الْقَاعِدَةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا أَغْوَارٌ لَمْ يُفْصِحْ بِهَا، وَهُوَ يُرِيدُهَا وَهِيَ أُمُورٌ أَحَدُهَا أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ عُرْفِيَّةٌ لَا لُغَوِيَّةٌ، وَأَنَّهَا تُفِيدُ بِالنَّقْلِ الْعُرْفِيِّ لَا بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ، وَثَانِيهَا أَنَّ مُجَرَّدَ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ غَيْرِ تَكَرُّرٍ لَا يَكْفِي فِي النَّقْلِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَكَرُّرِ الِاسْتِعْمَالِ إلَى غَايَةٍ يَصِيرُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ يُفْهَمُ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ. وَيَكُونُ هُوَ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ دُونَ غَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَجَازُ الرَّاجِحُ فَقَدْ يَتَكَرَّرُ اللَّفْظُ فِي مَجَازِهِ وَلَا يَكُونُ مَنْقُولًا وَلَا مَجَازًا رَاجِحًا أَلْبَتَّةَ كَاسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْأَسَدِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَالْبَحْرِ فِي الْعَالِمِ أَوْ السَّخِيِّ وَالضُّحَى أَوْ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْغَزَالِ فِي جَمِيلِ الصُّورَةِ، وَذَلِكَ يَتَكَرَّرُ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ تَكْرَارًا كَثِيرًا، وَمَعَ ذَلِكَ التَّكْرَارِ الَّذِي لَا يُحْصَى عَدَدُهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ صَارَتْ مَنْقُولَةً بَلْ لَا تُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا عَلَى الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا أُرِيدَ بِهَا هَذِهِ الْمَجَازَاتُ، وَلَا بُدَّ فِي كُلِّ مَجَازٍ مِنْهَا مِنْ النِّيَّةِ وَالْقَصْدِ إلَى اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِيهِ فَعَلِمْنَا حِينَئِذٍ أَنَّ النَّقْلَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِتَكَرُّرِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ إلَى حَدٍّ يَصِيرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ لِلذِّهْنِ وَالْفَهْمِ هُوَ الْمَجَازُ الرَّاجِحُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ دُونَ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ فَهَذَا ضَابِطٌ فِي النَّقْلِ لَا بُدَّ مِنْهُ فَإِذَا أَحَطْتَ بِهِ عِلْمًا ظَهَرَ لَك الْحَقُّ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَهُوَ أَنَّا لَا نَجِدُ أَحَدًا فِي زَمَانِنَا يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ عِنْدَ إرَادَةِ تَطْلِيقِهَا حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ وَلَا أَنْتِ بَرِيَّةٌ وَلَا وَهَبْتُكِ لِأَهْلِكِ هَذَا لَمْ نَسْمَعْهُ قَطُّ مِنْ الْمُطَلِّقِينَ وَلَوْ سَمِعْنَاهُ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ عَلَى سَمْعِنَا لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ فِي اعْتِقَادِنَا أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مَنْقُولَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، وَأَمَّا لَفْظُ الْحَرَامِ فَقَدْ اُشْتُهِرَ فِي زَمَانِنَا فِي أَصْلِ إزَالَةِ الْعِصْمَةِ فَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَمَّا أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّا لَا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ ذَلِكَ فِي الِاسْتِعْمَالِ هَذَا قَوْلُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمِصْرَ وَالْقَاهِرَةِ. فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ بَلَدٌ آخَرُ تَكَرَّرَ الِاسْتِعْمَالُ عِنْدَهُمْ فِي الْحَرَامِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثِ حَتَّى صَارَ هَذَا الْعَدَدُ هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ اللَّفْظِ، فَحِينَئِذٍ يَحْسُنُ إلْزَامُ الطَّلَاقِ الثَّلَاثَ بِذَلِكَ اللَّفْظِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَقُولَ إنَّا لَا نَفْهَمُ مِنْهُ إلَّا الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَهُ أَوْ لِأَنَّهُ مَسْطُورٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفَهْمُ حَاصِلًا لَكَ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعَادَةِ كَمَا يَحْصُلُ لِسَائِرِ الْعَوَامّ كَمَا فِي لَفْظِ الدَّابَّةِ وَالْبَحْرِ وَالرِّوَايَةِ فَالْفَقِيهُ وَالْعَامِّيُّ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ سَوَاءٌ فِي الْفَهْمِ لَا يَسْبِقُ إلَى إفْهَامِهِمْ إلَّا الْمَعَانِي الْمَنْقُولُ إلَيْهَا فَهَذَا هُوَ الضَّابِطُ لَا فَهْمُ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ فَإِنَّ النَّقْلَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِاسْتِعْمَالِ النَّاسِ لَا بِتَسْطِيرِ ذَلِكَ فِي الْكُتُبِ بَلْ الْمُسَطَّرُ فِي الْكُتُبِ تَابِعٌ لِاسْتِعْمَالِ النَّاسِ فَافْهَمْ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــSفِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ (غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَتْ فِي الْقَاعِدَةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا أَغْوَارٌ لَمْ يُفْصِحْ بِهَا وَهُوَ يُرِيدُهَا، وَهِيَ أُمُورٌ أَحَدُهَا أَنَّ هَذِهِ الْإِفَادَةَ عُرْفِيَّةٌ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا ضَابِطٌ فِي النَّقْلِ لَا بُدَّ مِنْهُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ قَالَ (فَإِذَا أَحَطْتَ بِهِ عِلْمًا ظَهَرَ لَكَ الْحَقُّ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إلَى قَوْلِهِ فَحِينَئِذٍ يُحْسِنُ إلْزَامُ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ) قُلْتُ وَمَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَيْضًا صَحِيحٌ قَالَ: (وَإِيَّاكَ أَنْ تَقُولَ إنَّا لَا نَفْهَمُ مِنْهُ إلَّا الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَهُ أَوْ لِأَنَّهُ مَسْطُورٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفَهْمُ حَاصِلًا لَكَ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعَادَةِ كَمَا يَحْصُلُ لِسَائِرِ الْعَوَامّ إلَى قَوْلِهِ: بَلْ الْمُسَطَّرُ فِي الْكُتُبِ تَابِعٌ لِاسْتِعْمَالِ النَّاسِ فَافْهَمْ ذَلِكَ) ـــــــــــــــــــــــــــــQبِحُكْمِ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ هُوَ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ فَيَسْأَلُهُ حِينَئِذٍ عَنْ الْمُشْتَهَرِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ فَيُفْتِيهِ بِهِ. وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَهُ بِحُكْمِ بَلَدِهِ كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّعَامُلُ بِبَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِ الْحَاكِمِ حَرُمَ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ بِسِكَّةِ بَلَدِهِ بَلْ بِسِكَّةِ بَلَدِ الْمُشْتَرِي إنْ اخْتَلَفَ السِّكَّتَانِ فَهَذِهِ قَاعِدَةٌ لَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَتِهَا وَبِالْإِحَاطَةِ بِهَا يَظْهَرُ لَكَ أَنَّ إجْرَاءَ الْفُقَهَاءِ الْمُفْتِينَ لِلْمَسْطُورَاتِ فِي كُتُبِ أَئِمَّتِهِمْ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ إنْ كَانُوا فَعَلُوا ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ عُرْفٍ وَقْتِيٍّ فَفِعْلُهُمْ خَطَأٌ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ وَهُمْ عُصَاةٌ آثِمُونَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مَعْذُورِينَ بِالْجَهْلِ لِدُخُولِهِمْ فِي الْفَتْوَى وَلَيْسُوا أَهْلًا لَهَا وَلَا عَالِمِينَ بِمَدَارِكِهَا وَشُرُوطِهَا وَاخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا، وَإِنْ كَانُوا فَعَلُوهُ مَعَ عَدَمِ الْعُرْفِ الْوَقْتِيِّ فَلَيْسَ بِخَطَأٍ وَسَبَبُ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ هُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي تَحْقِيقِ وُقُوعِ النَّقْلِ الْعُرْفِيِّ هَلْ وُجِدَ فَيُتَّبَعُ أَمْ لَمْ يُوجَدْ فَيُتَّبَعُ مُوجَبُ اللُّغَةِ وَإِذَا وُجِدَ النَّقْلُ فَهَلْ وُجِدَ فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ فَقَطْ أَوْ فِيهِ مَعَ الْبَيْنُونَةِ أَوْ مَعَ الْعَدَدِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ نَقْلٌ عُرْفِيٌّ وَبَقِيَ مُوجَبُ اللُّغَةِ فَهَلْ يُلَاحَظُ نُصُوصٌ اقْتَضَتْ الْكَفَّارَةَ فِي مِثْلِ هَذِهِ أَوْ لَا أَوْ الْقِيَاسُ عَلَى بَعْضِ الْأَحْكَامِ فَيَكُونُ الْمُدْرَكُ هُوَ الْقِيَاسُ لَا النَّصُّ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى هَذِهِ الْمَدَارِكِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَّضِحْ وُجُودُهَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَاتَّضَحَ عِنْدَ الْبَعْضِ الْآخَرِ وَقَعَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْحُكْمِ فَلَوْ وَقَعَ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى وُجُودِهَا لَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْحُكْمِ، وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ صِحَّةِ هَذِهِ الْمَدَارِكِ وَبَيْنَ اخْتِلَافِهِمْ فِي وُجُودِهَا، وَتَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ مُدْرَكُ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَالْإِمَامِ مَالِكٍ وَسَائِرِ الْأَئِمَّةِ، وَهُوَ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ الْوَقْتِيِّ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَالشَّرْعِيُّ وَإِلَّا فَاللُّغَوِيُّ وَإِلَّا فَالْأَصْلِيُّ لَا الْقِيَاسُ وَلَا النَّصُّ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَالْإِجْمَاعِ. أَمَّا الِاسْتِقْرَاءُ فَلَهُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُدْرَكُهُمْ فِي حَمْلِهِمْ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْإِنْشَاءِ لَا عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ اللُّغَةُ مِنْ الْخَبَرِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ أَوْ النَّصُّ فَإِنَّا نَعْلَمُ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ وَشَرَائِطَ الْقِيَاسِ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي

[المسألة الرابعة الإنشاء كما يكون بالكلام اللساني يكون بالكلام النفساني]

إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَيَجِبُ عَلَيْنَا أُمُورٌ أَحَدُهَا أَنْ نَعْتَقِدَ أَنَّ مَالِكًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّمَا أَفْتَى فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِهَذِهِ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ زَمَانَهُمْ كَانَ فِيهِ عَوَائِدُ اقْتَضَتْ نَقْلَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي الَّتِي أَفْتَوْا بِهَا فِيهَا صَوْنًا لَهُمْ عَنْ الزَّلَلِ، وَثَانِيهَا أَنَّا إذَا وَجَدْنَا زَمَانَنَا عَرِيًّا عَنْ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ لَا نُفْتِيَ بِتِلْكَ الْأَحْكَامِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ؛ لِأَنَّ انْتِقَالَ الْعَوَائِدِ يُوجِبُ انْتِقَالَ الْأَحْكَامِ كَمَا نَقُولُ فِي النُّقُودِ وَفِي غَيْرِهَا فَإِنَّا نُفْتِي فِي زَمَانٍ مُعَيَّنٍ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ تَلْزَمُهُ سِكَّةٌ مُعَيَّنَةٌ مِنْ النُّقُودِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ السِّكَّةَ هِيَ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْمُعَامَلَةِ بِهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَإِذَا وَجَدْنَا بَلَدًا آخَرَ وَزَمَانًا آخَرَ يَقَعُ التَّعَامُلُ فِيهِ بِغَيْرِ تِلْكَ السِّكَّةِ تَغَيَّرَتْ الْفُتْيَا إلَى السِّكَّةِ الثَّانِيَةِ، وَحَرُمَتْ الْفُتْيَا بِالْأُولَى لِأَجْلِ تَغَيُّرِ الْعَادَةِ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي نَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالذُّرِّيَّةِ وَالْأَقَارِبِ وَكِسْوَتِهِمْ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْعَوَائِدِ، وَتَنْتَقِلُ الْفَتْوَى فِيهَا وَتَحْرُمُ الْفَتْوَى بِغَيْرِ الْعَادَةِ الْحَاضِرَةِ، وَكَذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَوَارِيِّ بِالْعَوَائِدِ وَقَبْضُ الصَّدَقَاتِ عِنْدَ الدُّخُولِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فِي عَادَةٍ نُفْتِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي الْإِقْبَاضِ؛ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ وَتَارَةً بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي عَدَمِ الْقَبْضِ إذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ أَوْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ بَلَدٍ ذَلِكَ عَادَتُهُمْ، وَتَحْرُمُ الْفُتْيَا لَهُمْ بِغَيْرِ عَادَتِهِمْ وَمَنْ أَفْتَى بِغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ خَارِقًا لِلْإِجْمَاعِ فَإِنَّ الْفُتْيَا بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهَا، وَكَذَلِكَ التَّلَوُّمُ لِلْخُصُومِ فِي تَحْصِيلِ الدُّيُونِ لِلْغُرَمَاءِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَوَائِدِ مِمَّا لَا يُحْصَى عَدَدُهُ مَتَى تَغَيَّرَتْ فِيهِ الْعَادَةُ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَحَرُمَتْ الْفُتْيَا بِالْأَوَّلِ وَإِذَا وَضَحَ لَكَ ذَلِكَ اتَّضَحَ لَكَ أَنَّ مَا عَلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ الْفُتْيَا مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ هُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَأَنَّ مَنْ تَوَقَّفَ مِنْهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُجْرِ الْمَسْطُورَاتِ فِي الْكُتُبِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ بَلْ لَاحَظَ تَنَقُّلَ الْعَوَائِدِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَى الصَّوَابِ سَالِمٌ مِنْ هَذِهِ الْوَرْطَةِ الْعَظِيمَةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقُلْتُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي قَاعِدَةِ الْعُقُودِ كُلِّهَا الْقَصْدُ إلَيْهَا مَعَ اللَّفْظِ الْمُشْعِرِ بِهَا، وَإِشْعَارُ اللَّفْظِ لُغَوِيٌّ أَصْلِيٌّ أَوْ لُغَوِيٌّ عُرْفِيٌّ أَوْ شَرْعِيٌّ أَوْ عُرْفِيٌّ حَادِثٌ وَقْتِيٌّ فَفِي الْفَتْوَى الْمُعْتَبَرُ النِّيَّةُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَالْوَقْتِيُّ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَالشَّرْعِيُّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاللُّغَوِيُّ الْعُرْفِيُّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاللُّغَوِيُّ الْأَصْلِيُّ، فَإِنْ اجْتَمَعَ فِي اللَّفْظِ الْأَصْلِيُّ وَالْعُرْفِيُّ وَالشَّرْعِيُّ وَالْوَقْتِيُّ فَالْمُعْتَبَرُ الْوَقْتِيُّ، وَفِي الْحُكْمِ لَا تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ وَيُعْتَبَرُ عَلَى مَا عَدَاهَا عَلَى ذَلِكَ التَّرْتِيبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَيَجِبُ عَلَيْنَا أُمُورٌ أَحَدُهَا أَنْ نَعْتَقِدَ أَنَّ مَالِكًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّمَا أَفْتَى فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِهَذِهِ الْأَحْكَامِ إلَى قَوْلِهِ: تَغَيَّرَ الْحُكْمُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَحَرُمَتْ الْفُتْيَا بِالْأُولَى) قُلْتُ مَا قَالَهُ ظَاهِرٌ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَإِذَا وَضَحَ لَكَ ذَلِكَ اتَّضَحَ لَكَ أَنَّ مَا عَلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مِنْ الْفُتْيَا بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ هُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ إلَى قَوْلِهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ) قُلْتُ الْمُسْتَعْمِلُ لِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ إنْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ إيَّاهَا وَفِيهَا عُرْفٌ وَقْتِيٌّ لَزِمَ حَمْلُهَا عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَعَلَى الشَّرْعِيِّ وَإِلَّا فَعَلَى الْعُرْفِيِّ وَإِلَّا فَعَلَى اللُّغَوِيِّ، فَإِنْ أَفْتَى الْفَقِيهُ الْوَقْتِيُّ بِهَذَا التَّرْتِيبِ عِنْدَ وُجُودِ الْعُرْفِيِّ الْوَقْتِيِّ فَهُوَ مُصِيبٌ، وَإِنْ أَفْتَى عِنْدَ وُجُودِ الْعُرْفِيِّ الْوَقْتِيِّ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ أَوْ اللُّغَوِيِّ الْعُرْفِيِّ أَوْ اللُّغَوِيِّ الْأَصْلِيِّ وَأَلْغَى الْعُرْفَ الْوَقْتِيَّ فَهُوَ مُخْطِئٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِيَاسَ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ وَلَا فِيهَا آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى تَقْتَضِي أَكْثَرَ مِمَّا قَالَهُ الْقَائِلُونَ بِالْكَفَّارَةِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَيْهَا آيَةُ التَّحْرِيمِ، وَلَمْ نَجِدْ أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَالْخِلَافِ رَوَى فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ حَدِيثًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَوْ التَّابِعِينَ، وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بَيْنَهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بِلَا شُبْهَةٍ. وَثَانِيهِمَا أَنَّ قَاعِدَةَ الْفُقَهَاءِ وَعَوَائِدَ الْفُضَلَاءِ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ مَا ظَفِرُوا بِهِ وَفَقَدُوا غَيْرَهُ مِنْ الْمُدْرَكِ الْمُنَاسِبِ لِلْفَرْعِ مُعْتَمِدًا لِذَلِكَ الْفَرْعِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ الْمُجْتَهِدِ الْأَوَّلِ الَّذِي أَفْتَى بِذَلِكَ الْفَرْعِ وَفِي حَقِّهِمْ أَيْضًا فِي الْفُتْيَا وَالتَّخْرِيجِ، وَنَحْنُ قَدْ اسْتَقْرَأْنَا هَذِهِ الْمَسَائِلَ فَلَمْ نَجِدْ لَهَا مُدْرَكًا مُنَاسِبًا إلَّا اعْتِبَارَ الْعُرْفِيِّ الْوَقْتِيِّ إلَخْ فَوَجَبَ جَعْلُ ذَلِكَ مُدْرَكَ الْأَئِمَّةِ إفْتَاءً وَتَخْرِيجًا وَعَدَمَ الْعُدُولِ عَنْ ذَلِكَ كَمَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّ مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ الْقَيَّاسُونَ وَأَهْلُ النَّظَرِ وَالرَّأْيِ وَالِاعْتِبَارِ أَنَّا فِي كَلَامِ الشَّرْعِ إذَا ظَفِرْنَا بِالْمُنَاسَبَةِ جَزَمْنَا بِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا مَعَ تَجْوِيزِ أَنْ لَا يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ عَقْلًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ أَوْجَبَ لَنَا أَنْ لَا نَعْرُجَ عَلَى غَيْرِ مَا وَجَدْنَاهُ وَلَا نَلْتَزِمَ التَّعَبُّدَ مَعَ وُجُودِ الْمُنَاسِبِ فَأَوْلَى أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ غَيْرِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ بَلْ نَحْمِلُ كَلَامَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْمُنَاسِبِ لِتِلْكَ الْفَتَاوَى السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ نَعَمْ إذَا وَجَدْنَا مُنَاسَبَيْنِ تَعَارَضَا أَوْ مُدْرَكَيْنِ تَقَابَلَا فَحِينَئِذٍ يَحْسُنُ التَّوَقُّفُ. وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَدْ قَدَّمْنَا لَك كَلَامَ الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيِّ إمَامِ الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ وَحَافِظٍ مُتْقِنٍ لِعِلْمِ الْحَدِيثِ وَفُنُونِهِ وَلَهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْيَدُ الْبَيْضَاءُ وَالرُّتْبَةُ الْعَالِيَةُ الْمُفِيدُ أَنَّ سَبَبَ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا ذُكِرَ فَكَفَى بِهِ قُدْوَةً فِي مُدْرَكِ هَذِهِ الْفُرُوعِ وَمُتَعَمَّدًا فِي ضَوَابِطِهَا وَتَلْخِيصِهَا وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّيُوخِ وَالْمُصَنِّفِينَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ مُخَالِفًا فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ، فَالتَّشْكِيكُ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ طَلَبٌ لِلْجَهْلِ الْوَبِيلِ وَسَبِيلٌ لِغِوَايَةِ التَّضْلِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الْإِنْشَاءَ كَمَا يَكُونُ بِالْكَلَامِ اللِّسَانِيِّ يَكُونُ بِالْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ] (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) يَكُونُ الْإِنْشَاءُ بِالْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ كَمَا يَكُونُ بِالْكَلَامِ اللِّسَانِيِّ وَلِذَلِكَ ثَلَاثُ صُوَرٍ: الصُّورَةُ الْأُولَى الْأَسْبَابُ وَالشُّرُوطُ وَالْمَوَانِعُ الشَّرْعِيَّةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي إفْرَادِهَا وَمَا وَرَدَ مِنْ الْكِتَابِ

وَمِنْ الْأَغْوَارِ الَّتِي لَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهَا الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ أَنَّ الْمُفْتِيَ إذَا جَاءَهُ رَجُلٌ يَسْتَفْتِيهِ عَنْ لَفْظَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَعُرْفُ بَلَدِ الْمُفْتِي فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ لَا يُفْتِيهِ بِحُكْمِ بَلَدِهِ بَلْ يَسْأَلُهُ هَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِ الْمُفْتِي فَيُفْتِيهِ حِينَئِذٍ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْبَلَدِ. أَوْ هُوَ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ فَيَسْأَلُهُ حِينَئِذٍ عَنْ الْمُشْتَهَرِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ فَيُفْتِيهِ بِهِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَهُ بِحُكْمِ بَلَدِهِ كَمَا لَوْ وَقَعَ التَّعَامُلُ بِبَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِ الْحَاكِمِ حَرُمَ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِيَ بِسِكَّةِ بَلَدِهِ بَلْ بِسِكَّةِ بَلَدِ الْمُشْتَرِي إنْ اخْتَلَفَتْ السِّكَّتَانِ فَهَذِهِ قَاعِدَةٌ لَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَتِهَا وَبِالْإِحَاطَةِ بِهَا يَظْهَرُ لَكَ غَلَطُ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْمُفْتِينَ فَإِنَّهُمْ يُجْرُونَ الْمَسْطُورَاتِ فِي كُتُبِ أَئِمَّتِهِمْ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ، وَذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَهُمْ عُصَاةٌ آثِمُونَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مَعْذُورِينَ بِالْجَهْلِ لِدُخُولِهِمْ فِي الْفَتْوَى وَلَيْسُوا أَهْلًا لَهَا وَلَا عَالِمِينَ بِمَدَارِك الْفَتَاوَى وَشُرُوطِهَا وَاخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا، فَالْحَقُّ حِينَئِذٍ أَنَّ أَكْثَرَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا لَيْسَ فِيهَا إلَّا الْوَضْعُ اللُّغَوِيُّ، وَأَنَّهَا كِنَايَاتٌ خَفِيَّةٌ لَا يَلْزَمُ بِهَا طَلَاقٌ وَلَا غَيْرُهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ حَتَّى يَحْصُلَ فِيهَا نَقْلٌ عُرْفِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَيَجِبُ اتِّبَاعُ ذَلِكَ النَّقْلِ عَلَى حَسَبِ مَا نُقِلَ اللَّفْظُ إلَيْهِ مِنْ بَيْنُونَةٍ أَوْ عَدَدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ دِينُ اللَّهِ تَعَالَى الْحَقُّ الصَّرِيحُ وَالْفِقْهُ الصَّحِيحُ. (قَاعِدَةٌ) الْمَجَازُ لَا يَدْخُلُ فِي النُّصُوصِ بَلْ فِي الظَّوَاهِرِ فَقَطْ فَمَنْ أَطْلَقَ الْعَشَرَةَ وَأَرَادَ السَّبْعَةَ فَهُوَ مُخْطِئٌ لُغَةً وَمَنْ أَطْلَقَ صِيَغَ الْعُمُومِ وَأَرَادَ الْخُصُوصَ فَهُوَ مُصِيبٌ لُغَةً؛ لِأَنَّهَا ظَوَاهِرُ وَأَسْمَاءُ الْأَعْدَادِ عِنْدَهُمْ نُصُوصٌ لَا يَجُوزُ دُخُولُ الْمَجَازِ فِيهَا أَلْبَتَّةَ. (قَاعِدَةٌ) كُلُّ لَفْظٍ لَا يَجُوزُ دُخُولُ الْمَجَازِ فِيهِ لَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِي صَرْفِهِ عَنْ مَوْضُوعِهِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تَصْرِفُ اللَّفْظَ إلَى مَعْنًى إلَّا إذَا كَانَ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِ لُغَةً هَذِهِ قَاعِدَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَالْأُولَى قَاعِدَةٌ لُغَوِيَّةٌ فَبُنِيَتْ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى اللُّغَوِيَّةِ وَهِيَ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (وَمِنْ الْأَغْوَارِ الَّتِي لَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهَا الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إلَى قَوْلِهِ إنْ اخْتَلَفَتْ السِّكَّتَانِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ: (فَهَذِهِ قَاعِدَةٌ لَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَتِهَا وَبِالْإِحَاطَةِ بِهَا يَظْهَرُ لَكَ غَلَطُ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْمُفْتِينَ فَإِنَّهُمْ يُجْرُونَ الْمَسْطُورَاتِ فِي كُتُبِ أَئِمَّتِهِمْ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ إلَى قَوْلِهِ وَاخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا) قُلْتُ إنْ كَانُوا فَعَلُوا ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ عُرْفٍ وَقْتِيٍّ فَفِعْلُهُمْ خَطَأٌ كَمَا قَالَ، وَإِنْ كَانُوا فَعَلُوهُ مَعَ عَدَمِ الْعُرْفِ الْوَقْتِيِّ فَلَيْسَ بِخَطَأٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (فَالْحَقُّ حِينَئِذٍ أَنَّ أَكْثَرَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا لَيْسَ فِيهَا إلَّا الْوَضْعُ اللُّغَوِيُّ، وَإِنَّهَا كِنَايَاتٌ خَفِيَّةٌ لَا يَلْزَمُ بِهَا طَلَاقٌ وَلَا غَيْرُهُ إلَّا بِالنِّيَّةِ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا هُوَ دِينُ اللَّهِ تَعَالَى الْحَقُّ الصَّرِيحُ وَالْفِقْهُ الصَّحِيحُ) . قُلْتُ لَيْسَ الْأَمْرُ فِي تِلْكَ الْأَلْفَاظِ كَمَا قَالَ بَلْ فِيهَا عُرْفٌ شَرْعِيٌّ أَوْ لُغَوِيٌّ فَيَلْزَمُ بِهَا الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ تَنْوِيَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (قَاعِدَةُ الْمَجَازِ لَا يَدْخُلُ فِي النُّصُوصِ إلَى قَوْلِهِ وَأَسْمَاءُ الْأَعْدَادِ نُصُوصٌ لَا يَجُوزُ دُخُولُ الْمَجَازِ فِيهَا أَلْبَتَّةَ) قُلْتُ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ. قَالَ (قَاعِدَةُ " كُلُّ لَفْظٍ لَا يَجُوزُ دُخُولُ الْمَجَازِ فِيهِ لَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِي صَرْفِهِ عَنْ مَوْضُوعِهِ " إلَى قَوْلِهِ وَهِيَ قَاعِدَةٌ شَرْعِيَّةٌ مُحَمَّدِيَّةٌ) قُلْتُ مَا قَالَهُ أَيْضًا صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالسُّنَّةِ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ أَدِلَّةٌ عَلَى مَا قَامَ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الْإِنْشَاءَاتِ لَا نَفْسِهَا وَإِلَّا يَلْزَمُ اتِّحَادُ الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ فَأَنْشَأَ تَعَالَى السَّبَبِيَّةَ فِي زَوَالِ الشَّمْسِ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ وَأَنْزَلَ قَوْله تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] دَالًّا عَلَى مَا قَامَ بِذَاتِهِ مِنْ هَذَا الْإِنْشَاءِ، وَكَذَلِكَ إنْشَاءُ الشَّرْطِيَّةِ فِي الزَّكَاةِ وَفِي الْحَوْلِ وَفِي الصَّلَاةِ فِي الطَّهَارَةِ وَالْمَانِعِيَّةِ مِنْ الْمِيرَاثِ فِي الْكُفْرِ وَمِنْ الصَّلَاةِ فِي الْحَدَثِ وَجُعِلَ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ دَالًّا عَلَى مَا قَامَ بِذَاتِهِ مِنْ هَذِهِ الْإِنْشَاءَاتِ. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَهِيَ الْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ وَالتَّحْرِيمُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ كُلُّهَا قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ تَعَالَى عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ، وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ إنَّمَا هِيَ أَدِلَّةٌ عَلَى مَا قَامَ بِذَاتِهِ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْوَاحِدُ مِنَّا إذَا قَالَ لِغُلَامِهِ اسْقِنِي فَقَدْ أَنْشَأَ فِي نَفْسِهِ إيجَابًا وَطَلَبًا لِلْمَاءِ قَبْلَ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ بِلَفْظِهِ. وَكَذَلِكَ النَّهْيُ وَغَيْرُ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ إنْشَاءَ الْخَلْقِ لِهَذِهِ الْأُمُورِ حَادِثٌ وَفِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى قَدِيمٌ بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ يُوجِبُ مَثَلًا عَلَى مَنْ يُمْكِنُ وُجُودُهُ مُجْتَمِعَ الشَّرَائِطِ مُزَالَ الْمَوَانِعِ فَيَتَقَدَّمُ مِنْهُ تَعَالَى الطَّلَبُ عَلَى وُجُودِ الْمَطْلُوبِ كَمَا أَنَّ أَحَدَنَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْعِلْمِ وَالْفَضَائِلِ مِنْ وِلْدَانِ رِزْقِهِ وَهُوَ الْآنَ لَا وَلَدَ لَهُ، فَيَتَقَدَّمُ مِنَّا الطَّلَبُ عَلَى وُجُودِ الْمَطْلُوبِ وَكَوْنُ الْإِنْشَاءِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ طَارِئًا عَلَى الْخَبَرِ كَمَا مَرَّ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ اللُّغَوِيَّيْنِ أَمَّا الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ فَوَاحِدٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مُتَعَلِّقَاتِهِ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِأَحَدِ النَّقِيضَيْنِ الْوُجُودِ أَوْ الْعَدَمِ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ فَهُوَ الْخَبَرُ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِأَحَدِهِمَا عَلَى وَجْهِ التَّرْجِيحِ فَإِنْ كَانَ طَرَفُ الْوُجُودِ فَهُوَ الْإِيجَابُ أَوْ فِي طَرَفِ الْعَدَمِ فَهُوَ التَّحْرِيمُ أَوْ تَعَلَّقَ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فَهُوَ الْإِبَاحَةُ وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ بَلْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَصْلِ الْكَلَامِ رُتْبَةٌ عَقْلِيَّةٌ لَا زَمَانِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ يَقْضِي بِتَقْدِيمِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ بِالرُّتْبَةِ تَقْدِيمًا عَقْلِيًّا لَا زَمَانِيًّا فَلَا تَلْزَمُ مُنَافَاةُ الْأَزَلِ لِلْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ وَلَا الْحُدُوثِ، وَكَوْنُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ إنْشَاءَاتٍ لَا إخْبَارَاتٍ عَنْ إرَادَةِ وُقُوعِ الْعِقَابِ عَلَى مَنْ خَالَفَ وَعَصَى يَتَّضِحُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَا تَقْبَلُ

وَعَلَى هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ تَرَتَّبَ قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ الْقَائِلَ أَنْتِ حَرَامٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ لَا يَنْوِي فِي أَقَلَّ مِنْ الثَّلَاثِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ نُقِلَ إلَى الْعَدَدِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ الثَّلَاثُ فَصَارَ مِنْ جُمْلَةِ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ وَأَسْمَاءُ الْأَعْدَادِ لَا يَدْخُلُهَا الْمَجَازُ فَلَا تُسْمَعُ فِيهَا النِّيَّةُ لِلْقَاعِدَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ. وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَكَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَيُرِيدُ اثْنَتَيْنِ لَا تُسْمَعُ نِيَّتُهُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِي الْفَتْوَى أَوْ يُرِيدُ أَنَّهَا طَلُقَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ الْوَلَدِ فَتُسْمَعُ نِيَّتُهُ فِي الْفُتْيَا دُونَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَدْخَلَ النِّيَّةَ فِي لَفْظِ الْعَدَدِ فَامْتَنَعَ، وَالثَّانِيَ أَدْخَلَ النِّيَّةَ فِي اسْمِ جِنْسِ الطَّلَاقِ فَحَوَّلَهُ لِطَلْقِ الْوَلَدِ وَبَقِيَ الْعَدَدُ فِي ذَلِكَ الْجِنْسِ الَّذِي تَحَوَّلَ إلَيْهِ اللَّفْظُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ بِالنِّيَّةِ فَدَخَلَ الْمَجَازُ فِي اسْمِ الْجِنْسِ لَا فِي الْعَدَدِ، وَالْمَجَازُ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ جَائِزٌ بِخِلَافِ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ فَقُبِلَتْ النِّيَّةُ فِي رَفْعِ الطَّلَاقِ بِجُمْلَتِهِ لِتَحْوِيلِهِ لِجِنْسٍ آخَرَ، وَلَمْ تُقْبَلْ فِي رَفْعِ بَعْضِهِ. وَهَذَا يَظْهَرُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ بُطْلَانُهُ، وَأَنَّ النِّيَّةَ إذَا قُبِلَتْ فِي رَفْعِ الْكُلِّ أَوْلَى أَنْ تُقْبَلَ فِي رَفْعِ الْبَعْضِ وَالسِّرُّ مَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ. فَإِنْ قُلْتَ مَا ذَكَرْتَهُ مِنْ الْحَقِّ مُتَعَيَّنٌ اتِّبَاعُهُ فَمَا سَبَبُ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَكَيْفَ سَاغَ الْخِلَافُ مَعَ وُضُوحِ هَذَا الْمُدْرَكِ وَقُلْت سَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اخْتِلَافُهُمْ فِي تَحْقِيقِ وُقُوعِ النَّقْلِ الْعُرْفِيِّ هَلْ وُجِدَ فَيُتَّبَعُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ فَيُتَّبَعُ مُوجَبُ اللُّغَةِ، وَإِذَا وُجِدَ النَّقْلُ فَهَلْ وُجِدَ فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ فَقَطْ أَوْ فِيهِ مَعَ الْبَيْنُونَةِ أَوْ مَعَ الْعَدَدِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ نَقْلٌ عُرْفِيٌّ وَبَقِيَ مُوجَبُ اللُّغَةِ فَهَلْ يُلَاحَظُ نُصُوصٌ اقْتَضَتْ الْكَفَّارَةُ فِي مِثْلِ هَذَا أَمْ لَا أَوْ الْقِيَاسُ عَلَى بَعْضِ الْأَحْكَامِ فَيَكُونُ الْمُدْرَكُ هُوَ الْقِيَاسُ لَا النَّصُّ فَهَذَا هُوَ سَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْمَدَارِكِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَّضِحْ وُجُودُهَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَاتَّضَحَ عِنْدَ الْبَعْضِ الْآخَرِ. وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى وُجُودِهَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْحُكْمِ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ صِحَّةِ هَذِهِ الْمَدَارِكِ وَبَيْنَ اخْتِلَافِهِمْ فِي وُجُودِهَا وَتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهَا فَإِنْ قُلْت فَلَعَلَّ مُدْرَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَعَلَى هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ تَرَتَّبَ قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ الْقَائِلَ: أَنْتِ حَرَامٌ أَوْ أَلْبَتَّةَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ لَا يَنْوِي فِي أَقَلَّ مِنْ الثَّلَاثِ إلَى قَوْلِهِ لِلْقَاعِدَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ أَنْتِ حَرَامٌ وَطَالِقٌ أَلْبَتَّةَ ثَبَتَ فِيهَا عُرْفٌ إمَّا شَرْعِيٌّ أَوْ لُغَوِيٌّ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ قَبْلُ. قَالَ (وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَكَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَيُرِيدُ اثْنَتَيْنِ لَا تُسْمَعُ نِيَّتُهُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِي الْفُتْيَا، أَوْ يُرِيدُ أَنَّهَا طَلُقَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ الْوَلَدِ فَتُسْمَعُ نِيَّتُهُ فِي الْفُتْيَا دُونَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَدْخَلَ النِّيَّةَ فِي لَفْظِ الْعَدَدِ فَامْتَنَعَ، وَالثَّانِيَ أَدْخَلَ النِّيَّةَ فِي اسْمِ جِنْسِ الطَّلَاقِ فَحَوَّلَهُ لِطَلْقِ الْوَلَدِ، وَبَقِيَ الْعَدَدُ فِي ذَلِكَ الْجِنْسِ الَّذِي تَحَوَّلَ إلَيْهِ اللَّفْظُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ بِالنِّيَّةِ إلَى قَوْلِهِ وَالسِّرُّ مَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (فَإِنْ قُلْتَ مَا ذَكَرْتَهُ مِنْ الْحَقِّ مُتَعَيَّنٌ اتِّبَاعُهُ فَمَا سَبَبُ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إلَى قَوْلِهِ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ صِحَّةِ هَذِهِ الْمَدَارِكِ وَبَيْنَ اخْتِلَافِهِمْ فِي وُجُودِهَا وَتَرْتِيبِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهَا) قُلْتُ: مَا قَالَهُ هُنَا مُتَّجَهٌ وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ سَبَبَ اخْتِلَافِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (فَإِنْ قُلْتَ فَلَعَلَّ مُدْرَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ. وَثَانِيهِمَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارَاتٍ عَنْ إرَادَةِ الْعِقَابِ لَلَزِمَ إمَّا وُجُوبُ عِقَابِ كُلِّ عَاصٍ، وَإِمَّا الْخُلْفُ، وَالثَّانِي مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِإِجْمَاعِنَا عَلَى حُصُولِ الْعَفْوِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي لَا تُحْصَى وَلِلنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى: 25] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النَّدَمُ تَوْبَةٌ وَالْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَلِلصُّورَةِ الثَّالِثَةِ اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُ الْأَئِمَّةِ فِي قَوْله تَعَالَى جَزَاءِ الصَّيْدِ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْوَاجِبُ فِي الصَّيْدِ مِثْلُهُ مِنْ النِّعَمِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، ثُمَّ يُقَوَّمُ الصَّيْدُ وَيَقَعُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْمِثْلِ وَالْإِطْعَامِ وَالصَّوْمِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يُتَصَوَّرُ الْحُكْمُ فِيمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الِاجْتِهَادِ، وَالِاجْتِهَادُ مِنْ مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ سَعْيٌ فِي تَخْطِئَةِ الْمُجْمِعِينَ فَيَكُونُ الْعَامُّ مَخْصُوصًا بِصُوَرِ الْإِجْمَاعِ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْحَكَمَيْنِ فِي زَمَانِنَا يُنْشِئَانِ الْإِلْزَامَ عَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِ، وَيَكُونُ مُدْرَكُهُمَا فِي ذَلِكَ هُوَ الْإِجْمَاعُ فِي الصُّورَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، وَالنُّصُوصُ وَالْأَقْيِسَةُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهَا فَالْحُكْمُ فِي زَمَانِنَا عَامٌّ فِي الْجَمِيعِ، وَالنَّصُّ بَاقٍ عَلَى الْعُمُومِ وَلَا حَاجَةَ لِتَخْصِيصِهِ، وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ وَبَيْنَ الْمُفْتِي وَالْحَاكِمِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ إنْشَاءٌ لِنَفْسِ ذَلِكَ الْإِلْزَامِ إنْ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ أَوْ لِنَفْسِ تِلْكَ الْإِبَاحَةِ وَالْإِطْلَاقِ إنْ كَانَ الْحُكْمُ فِيهَا كَحُكْمِ الْحَاكِمِ بِأَنَّ الْمَوَاتَ إذَا بَطَلَ إحْيَاؤُهُ صَارَ مُبَاحًا لِجَمِيعِ النَّاسِ وَالْفَتْوَى بِذَلِكَ إخْبَارٌ صِرْفٌ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ، وَأَنَّ الْحَاكِمَ مُلْزِمٌ وَالْمُفْتِيَ مُخْبِرٌ، وَأَنَّ نِسْبَتَهُمَا لِصَاحِبِ الشَّرْعِ كَنِسْبَةِ نَائِبِ الْأَحْكَامِ وَالْمُتَرْجِمِ عَنْهُ فَنَائِبُهُ يُنْشِئُ أَحْكَامًا لَمْ تُقَرَّرْ عِنْدَ مُسْتَنِيبِهِ بَلْ يُنْشِئُهَا عَلَى قَوَاعِدِهِ كَمَا يُنْشِئُهَا الْأَصْلُ. وَلَا يَحْسُنُ مِنْ مُسْتَنِيبِهِ أَنْ يُصَدِّقَهُ فِيمَا حَكَمَ بِهِ وَلَا يُكَذِّبَهُ بَلْ يُخَطِّئُهُ أَوْ يُصَوِّبُهُ بِاعْتِبَارِ الْمُدْرَكِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ، وَالْمُتَرْجِمُ يُخْبِرُ عَمَّا قَالَهُ الْحَاكِمُ لِمَنْ لَا يَعْرِفُ كَلَامَ الْحَاكِمِ لِعُجْمَتِهِ

مَالِكٍ نَصٌّ أَوْ قِيَاسٌ فَتَسْتَمِرُّ فَتَاوِيهِ فِي بَعْضِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ وَلَا يَلْزَمُ تَغْيِيرُهَا بِتَغَيُّرِ الْعَوَائِدِ فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَلْزَمُ فِيمَا مُدْرَكُهُ الْعَوَائِدُ أَمَّا مَا هُوَ بِالنُّصُوصِ أَوْ الْأَقْيِسَةِ فَيَتَأَبَّدُ فَيَكُونُ الْمُفْتِي بِمُوجِبَاتِ الْمَنْقُولَاتِ فِي الْكُتُبِ مُصِيبًا لَا مُخْطِئًا، وَلَا يَجْتَمِعُ بِمَالِكٍ حَتَّى يَسْأَلَهُ عَمَّا فِي نَفْسِهِ وَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا تَتَعَيَّنُ التَّخْطِئَةُ. وَيَجِبُ اتِّبَاعُ مُوجَبِ الْمَنْقُولَاتِ عَنْ الْأَئِمَّةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ؛ لِأَنَّا مُقَلِّدُونَ لَهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا مُعْتَرِضُونَ عَلَيْهِمْ وَمَتَى وَجَدْنَا فَتَاوِيَهُمْ وَجَهِلْنَا مُدْرَكَهَا نَقَلْنَاهَا كَمَا وَجَدْنَاهَا لِمَنْ يَسْأَلُنَا عَنْ الْمَذْهَبِ فَإِنَّا مُقَلِّدُونَ لَا مُجْتَهِدُونَ. قُلْتُ: الْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ الِاسْتِقْرَاءُ فَإِنَّا لَسْنَا جَاهِلِينَ بِاللُّغَةِ إلَى حَدٍّ لَا نَعْلَمُ مَدْلُولَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لُغَةً مَعَ أَنَّهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَشْهُورَةِ لَا مِنْ الْحُوشِيَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ اللُّغَةَ إنَّمَا تَقْتَضِي الْخَبَرَ لَا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْإِنْشَاءِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُدْرَكُهُمْ الْقِيَاسَ فَإِنَّا نَعْلَمُ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ وَشَرَائِطَ الْقِيَاسِ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي الْقِيَاسَ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ وَلَيْسَ فِيهَا آيَةٌ مِنْ كِتَابٍ تَقْتَضِي أَكْثَرَ مِمَّا قَالَهُ الْقَائِلُونَ بِالْكَفَّارَةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا آيَةُ التَّحْرِيمِ، وَالْأَحَادِيثُ لَمْ نَجِدْ أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاءِ رَوَى فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ حَدِيثًا. وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَبَيْنَ التَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَمْ نَجِدْ أَحَدًا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَالْخِلَافِ رَوَى عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ رَوَى فِي ذَلِكَ حَدِيثًا فَلَمْ يَبْقَ سِوَى الْعَوَائِدِ الثَّانِي أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيَّ إمَامَ الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ وَحَافِظَ مُتْقَنِ الْعِلْمِ الْحَدِيثِ وَفُنُونِهِ، وَلَهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْيَدُ الْبَيْضَاءُ وَالرُّتْبَةُ الْعَالِيَةُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْقَوَاعِدِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ سَبَبَ الْخِلَافِ فِيهَا نَقْلُ الْعَوَائِدِ كَمَا تَقَدَّمَ بَسْطُهُ فَكَفَى بِهِ قُدْوَةً فِي مُدْرَكِ هَذِهِ الشُّرُوعِ وَمُعْتَمَدًا فِي ضَوَابِطِهَا وَتَلْخِيصِهَا، وَقَدْ تَابَعَهُ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّيُوخِ وَالْمُصَنِّفِينَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ مُخَالِفًا فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ فَالتَّشْكِيكُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمُدْرَكِ إنَّمَا هُوَ طَلَبٌ لِلْجَهْلِ وَسَبِيلٌ لِغَوَايَةِ التَّضْلِيلِ. الثَّالِثُ أَنَّ قَاعِدَةَ الْفُقَهَاءِ وَعَوَائِدَ الْفُضَلَاءِ أَنَّهُمْ إذَا ظَفِرُوا لِلنَّوْعِ بِمُدْرَكٍ مُنَاسِبٍ وَفَقَدُوا غَيْرَهُ جَعَلُوهُ مُعْتَمَدًا لِذَلِكَ الْفَرْعِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ الْمُجْتَهِدِ الْأَوَّلِ الَّذِي أَفْتَى بِذَلِكَ الْفَرْعِ وَفِي حَقِّهِمْ أَيْضًا فِي الْفُتْيَا وَالتَّخْرِيجِ وَاسْتِقْرَاءِ أَحْوَالِ الْفُقَهَاءِ فِي مَسْلَكِ النَّظَرِ. وَتَحْرِيرُ الْفُرُوعِ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِذَلِكَ فَكَذَلِكَ يَجِبُ هَاهُنَا، وَنَحْنُ اسْتَقْرَيْنَا هَذِهِ الْمَسَائِلَ فَلَمْ نَجِدْ لَهَا مُدْرَكًا مُنَاسِبًا إلَّا الْعَوَائِدَ فَوَجَبَ جَعْلُهَا مُدْرَكَ الْأَئِمَّةِ إفْتَاءً وَتَخْرِيجًا، وَالْعُدُولُ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ الْتِزَامٌ لِلْجَهَالَةِ مِنْ غَيْرِ مَعْنًى مُنَاسِبٍ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّا فِي كَلَامِ الشَّرْعِ إذَا ظَفِرْنَا بِالْمُنَاسَبَةِ جَزَمْنَا بِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا مَعَ تَجْوِيزِ أَنْ لَا يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ عَقْلًا لَكِنْ الِاسْتِقْرَاءُ أَوْجَبَ لَنَا ذَلِكَ، وَلَا نُعَرِّجُ عَلَى غَيْرِ مَا وَجَدْنَاهُ وَلَا نَلْتَزِمُ التَّعَبُّدَ مَعَ وُجُودِ الْمُنَاسِبِ هَذَا مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ الْقَيَّاسُونَ وَأَهْلُ النَّظَرِ وَالرَّأْيِ وَالِاعْتِبَارِ فَأَوْلَى أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ غَيْرِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ بَلْ نَحْمِلُ كَلَامَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْمُنَاسِبِ لِتِلْكَ الْفَتَاوَى السَّالِمِ ـــــــــــــــــــــــــــــSمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَصٌّ أَوْ قِيَاسٌ فَتَسْتَمِرُّ فَتَاوِيهِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ إلَى آخِرِ الْجَوَابِ) قُلْتُ قَدْ سَبَقَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْعُرْفُ الْوَقْتِيُّ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَالشَّرْعِيُّ وَإِلَّا فَاللُّغَوِيُّ وَإِلَّا فَالْأَصْلِيُّ فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَوَانِعِ الْفَهْمِ فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُصَدِّقَهُ إنْ صَدَقَ، وَيُكَذِّبَهُ إنْ كَذَبَ وَقَدْ وَضَعَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْفَرْقِ كِتَابًا نَفِيسًا فِيهِ أَرْبَعُونَ مَسْأَلَةً تَتَعَلَّقُ بِتَحَقُّقِهِ سَمَّاهُ بِالْأَحْكَامِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ وَتَصَرُّفِ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ، وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - النَّصُّ بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ غَيْرَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الصَّيْدِ إنَّمَا هُوَ الْقِيمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْفَاصِلِ الشَّاهِدِ مُسْتَدِلًّا بِأَرْبَعَةِ أُمُورٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْجَزَاءَ جَعَلَهُ قَوْله تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] لَلْمِثْلِ لَا لِلصَّيْدِ نَفْسِهِ فَالنَّعَمُ وَاجِبَةٌ فِي الْمِثْلِ الَّذِي هُوَ الْقِيمَةُ لَا لِلصَّيْدِ نَفْسِهِ وَثَانِيهَا أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى جَعْلِ الْجَزَاءِ لِلْمِثْلِ لَا لِلصَّيْدِ أَنْ قَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الصَّيْدِ لَا خَاصٌّ بِمَا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ كَالْعَصَافِيرِ وَالنَّمْلِ وَغَيْرِهَا بِخِلَافِ جَعْلِ الْجَزَاءِ لِلصَّيْدِ لَا لِلْمِثْلِ، وَعَدَمُ التَّخْصِيصِ أَوْلَى. وَثَالِثُهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اشْتَرَطَ الْحَكَمَيْنِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَأَتَّى بَاقِيًا عَلَى عُمُومِهِ إذَا جَعَلْنَا الْجَزَاءَ لِلْمِثْلِ لَا إذَا جَعَلْنَاهُ لِلصَّيْدِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ عَلَى تَقْوِيمِ صَيْدٍ أَنْ لَا نُقَوِّمَهُ نَحْنُ بَعْدَ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْقِيمَةِ فِي أَفْرَادِ النَّوْعِ الْوَاحِدِ وَلَا يُغْنِي تَقْوِيمٌ عَنْ تَقْوِيمٍ فَيَبْقَى الْعُمُومُ عَلَى عُمُومِهِ فِي الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ. وَيَلْزَمُ بَعْدَ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ فِي الضَّبُعِ شَاةً وَفِي الْبَقَرَةِ الْوَحْشِيَّةِ بَقَرَةً وَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةً وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي يُفْرَضُ حُصُولُ الِاجْتِمَاعِ فِيهَا أَنَّ ذَلِكَ يَتَعَيَّنُ وَلَا يَبْقَى لِلْحُكْمِ مِنَّا وَالِاجْتِهَادِ بَعْدَ ذَلِكَ مَعْنًى أَلْبَتَّةَ إلَّا فِي الصُّوَرِ الَّتِي لَمْ يُجْمِعْ فِيهَا الصَّحَابَةُ كَالْفِيلِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَفْرَادِ الصَّيْدِ فَيَلْزَمُ التَّخْصِيصُ، وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَرَابِعُهَا أَنَّ الصَّيْدَ مُتْلَفٌ يَوْمَ الْمُتْلَفَاتِ فَتَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ فَجَوَابُهُ عَنْ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْآيَةَ كَمَا قُرِئَتْ (فَجَزَاءُ مِثْلِ) بِالْإِضَافَةِ فَصَارَتْ مُحْتَمِلَةً لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلِمَا ذَكَرْتُمُوهُ، كَذَلِكَ قُرِئَتْ {فَجَزَاءٌ} [المائدة: 95] بِالتَّنْوِينِ وَ {مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] نَعْتٌ لَهُ فَتَكُونُ صَرِيحَةً فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِ الْجَزَاءِ لِلصَّيْدِ لِلْمِثْلِ فَيَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ

[المسألة الخامسة الطلاق بالقلب من غير نطق]

عَنْ الْمُعَارِضِ نَعَمْ إذَا وَجَدْنَا مُنَاسِبَيْنِ تَعَارَضَا أَوْ مُدْرَكَيْنِ تَقَابَلَا فَحِينَئِذٍ يَحْسُنُ التَّوَقُّفُ وَهَذَا تَقْرِيرٌ ظَاهِرٌ فِي دَفْعِ هَذَا السُّؤْلِ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إنَّ الْإِنْشَاءَ كَمَا يَكُونُ بِالْكَلَامِ اللِّسَانِيِّ يَكُونُ بِالْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ وَلِذَلِكَ صُوَرٌ: (الصُّورَةُ الْأُولَى) أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْشَأَ السَّبَبِيَّةَ فِي زَوَالِ الشَّمْسِ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ، وَأَنْزَلَ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ دَالًّا عَلَى مَا قَامَ بِذَاتِهِ مِنْ هَذَا الْإِنْشَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] فَإِنَّ الْكُتُبَ الْمُنَزَّلَةَ عِنْدَنَا أَدِلَّةُ الْأَحْكَامِ لَا نَفْسُ الْأَحْكَامِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ اتِّحَادُ الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعَ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الشُّرُوطِ كَالْحَوْلِ فِي الزَّكَاةِ وَالطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ الْمَوَانِعُ الشَّرْعِيَّةُ كَالْكُفْرِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَالْحَدَثِ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَانِعِ، وَمَا وَرَدَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ أَدِلَّةٌ عَلَى مَا قَامَ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَهِيَ الْوُجُوب وَالنَّدْبُ وَالتَّحْرِيمُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ كُلُّهَا قَائِمَةٌ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ، وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ إنَّمَا هِيَ أَدِلَّةٌ عَلَى مَا قَامَ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْوَاحِدُ مِنَّا إذَا قَالَ لِغُلَامِهِ اُسْرُجْ الدَّابَّةَ فَقَدْ أَنْشَأَ فِي نَفْسِهِ إيجَابًا وَطَلَبًا لِلْإِسْرَاجِ قَبْلَ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ بِلَفْظِهِ، وَكَذَلِكَ النَّهْيُ وَغَيْرُ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ إنْشَاءَ الْخَلْقِ لِهَذِهِ الْأُمُورِ حَادِثٌ وَفِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى قَدِيمٌ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْإِنْشَاءُ الْقَدِيمُ وَلَيْسَ فِي الْأَزَلِ مَنْ يُطْلَبُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلِأَنَّك قَرَّرْتَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ أَنَّ الْإِنْشَاءَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ طَارِئًا عَلَى الْخَبَرِ، وَوَصْفُ الطُّرُوءِ يَأْبَى الْأَزَلِيَّةَ. (قُلْتُ) الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُوجِبُ فِي الْأَزَلِ عَلَى زَيْدٍ الْمُعَيَّنِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ مُجْتَمِعَ الشَّرَائِطِ مُزَالَ الْمَوَانِعِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ كَمَا يَجِدُ أَحَدُنَا فِي نَفْسِهِ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْعِلْمِ وَالْفَضَائِلِ مِنْ وِلْدَانِ رِزْقِهِ وَهُوَ الْآنَ لَا وَلَدَ لَهُ فَيَتَقَدَّمُ مِنَّا الطَّلَبُ عَلَى وُجُودِ الْمَطْلُوبِ، وَتَقَدُّمُ الطَّلَبِ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْهُ لَا غَرْوَ فِيهِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ الْفَرْقَ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ اللُّغَوِيَّيْنِ بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ، أَمَّا فِي الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ فَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا بَلْ هُمَا نَوْعَانِ لِمُطْلَقِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ فَإِنَّهُ وَاحِدٌ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مُتَعَلِّقَاتِهِ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِأَحَدِ النَّقِيضَيْنِ الْوُجُودِ أَوْ الْعَدَمِ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ فَهُوَ الْخَبَرُ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِأَحَدِهِمَا عَلَى وَجْهِ التَّرْجِيحِ فَإِنْ كَانَ فِي طَرَفِ الْوُجُودِ فَهُوَ الْإِيجَابُ أَوْ الْعَدَمِ فَهُوَ التَّحْرِيمُ أَوْ تَعَلَّقَ بِالتَّسْوِيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ أَنَّ الْإِنْشَاءَ كَمَا يَكُونُ بِالْكَلَامِ اللِّسَانِيِّ يَكُونُ بِالْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ، وَلِذَلِكَ صُورُ الْأُولَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْشَأَ السَّبَبَ فِي زَوَالِ الشَّمْسِ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ، وَأَنْزَلَ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ دَالًّا عَلَى مَا قَامَ بِذَاتِهِ مِنْ هَذَا الْإِنْشَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] إلَى قَوْلِهِ وَفِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى قَدِيمٌ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ (فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْإِنْشَاءُ الْقَدِيمُ، وَلَيْسَ فِي الْأَزَلِ مَنْ يُطْلَبُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى آخِرِ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ) قُلْتُ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْجَوَابِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ إنْ أَرَادَ بِتَقْدِيرِ الْوُجُودِ الِاحْتِمَالَ الَّذِي يَلْزَمُهُ التَّرَدُّدُ كَمَا فِي حَقِّنَا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ، وَإِنْ أَرَادَ مُجَرَّدَ الْإِمْكَانِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّ التَّكْلِيفَ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَنْ يُمْكِنُ وُجُودُهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَتَحَقَّقَ وُجُودُهُ وَحِينَئِذٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّكْلِيفُ. قَالَ (وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ الْفَرْقَ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ اللُّغَوِيَّيْنِ بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQجَمْعًا بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ. وَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّعَارُضِ وَعَنْ الْأَمْرِ الثَّانِي أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ} [المائدة: 95] يُحْمَلُ عَلَى الْخُصُوصِ وَيَبْقَى الظَّاهِرُ وَهُوَ مَرْجِعُهُ فِي قَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] عَلَى عُمُومِهِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] خَاصٌّ بِالرَّشِيدَاتِ وَالْمُطَلَّقَاتِ مَرْجِعُهُ عَلَى عُمُومِهِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] خَاصٌّ بِالرَّجْعِيَّاتِ مَعَ بَقَاءِ الْمُطَلَّقَاتِ مَرْجِعُهُ عَلَى عُمُومِهِ وَعَنْ الْأَمْرِ الثَّالِثِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَيْنِ يُنْشِئَانِ الْإِلْزَامَ، وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي حُكْمَ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ إذْ لَوْ نَافَاهُ وَكَانَ رَدًّا لِحُكْمِهِمْ لَكَانَ حُكْمُهُمْ أَيْضًا رَدًّا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَكَمَ فِي الضَّبُعِ بِشَاةٍ» أَيْضًا، وَعَنْ الْأَمْرِ الرَّابِعِ أَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْجَوَابِرِ بَلْ مِنْ بَابِ الْكَفَّارَاتِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى سَمَّاهُ كَفَّارَةً فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} [المائدة: 95] فَبَطَلَ الْقِيَاسُ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا كُلُّهُ، وَثَبَتَ أَنَّ حُكْمَ ذَوِي الْعَدْلِ مِنْكُمْ فِي الصَّيْدِ مِنْ مَسَائِلِ الْإِنْشَاءِ لَا الْخَبَرِ لَمْ يَبْقَ إشْكَالٌ بَيْنَ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ السَّابِقِ وَالْحُكْمِ اللَّاحِقِ فَتَفَطَّنْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ الطَّلَاقِ بِالْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ نُطْقٍ] (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الطَّلَاقِ بِالْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ نُطْقٍ وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْفُقَهَاءِ فِيهِ وَالْعِبَارَةُ الْحَسَنَةُ مَا فِي الْجَوَاهِرِ مِنْ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَنْشَأَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِهِ بِكَلَامِهِ النَّفْسَانِيِّ، وَلَمْ يَلْفِظْ بِهِ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ لَا مَا فِي عِبَارَةِ الْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ فِي الطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ قَوْلَيْنِ وَمَا فِي عِبَارَةِ الْجَلَّابِ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَلْفِظْ بِهِ بِلِسَانِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ فَإِنَّ مَنْ نَوَى طَلَاقَ امْرَأَتِهِ وَعَزَمَ عَلَيْهِ وَصَمَّمَ ثُمَّ بَدَا لَهُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ إجْمَاعًا، وَكَذَلِكَ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ امْرَأَتَهُ مُطَلَّقَةً وَجَزَمَ بِذَلِكَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ إجْمَاعًا. (قُلْتُ) فَمِنْ هُنَا نَقَلَ الْبُنَانِيُّ عَنْ التَّوْضِيحِ مَا نَصُّهُ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا أَنْشَأَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِهِ بِكَلَامِهِ النَّفْسَانِيِّ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ اللُّزُومِ لِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ

[المسألة السادسة في بيان الفرق بين الصيغ التي يقع بها الإنشاء]

بَيْنَهُمَا فَهُوَ الْإِبَاحَةُ وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ بَلْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَصْلِ الْكَلَامِ رُتْبَةٌ عَقْلِيَّةٌ لَا زَمَانِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ يَقْضِي بِتَقْدِيمِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ بِالرُّتْبَةِ تَقْدِيمًا عَقْلِيًّا لَا زَمَانِيًّا فَلَا تَلْزَمُ مُنَافَاةُ الْأَزَلِ لِلْإِنْشَاءِ النَّفْسَانِيِّ وَلَا الْحُدُوثُ فَإِنْ قُلْتَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأُمُورُ إخْبَارَاتٍ عَنْ إرَادَةِ وُقُوعِ الْعِقَابِ عَلَى مَنْ خَالَفَ وَعَصَى وَلَا تَكُونُ إنْشَاءَاتٍ. (قُلْتُ) ذَلِكَ بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الْخَبَرَ يَقْبَلُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ وَهَذِهِ الْأُمُورُ لَا تَحْتَمِلُهَا فَهِيَ إنْشَاءَاتٌ، وَثَانِيهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ إخْبَارَاتٍ لَلَزِمَ الْخُلْفُ فِيهَا لِحُصُولِ الْعَفْوِ عَنْ الْعُصَاةِ إمَّا تَفَضُّلًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ مِنْ الْمُكَلَّفِ أَوْ بِسَبَبٍ هُوَ التَّوْبَةُ لَكِنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ خَبَرًا عَنْ ذَلِكَ، وَثَالِثُهَا أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ أَنَّ إرَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبَةُ النُّفُوذِ فَلَوْ كَانَتْ إخْبَارَاتٍ عَنْ إرَادَةِ الْعِقَابِ لَوَجَبَ عِقَابُ كُلِّ عَاصٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِإِجْمَاعِنَا عَلَى حُصُولِ الْعَفْوِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي لَا تُحْصَى، وَالنُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى: 25] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «النَّدَمُ تَوْبَةٌ وَالْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» ، الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُتَصَوَّرُ الْحُكْمُ فِيمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَلَا اجْتِهَادَ فِي مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ سَعْيٌ فِي تَخْطِئَةِ الْمُجْمِعِينَ فَيَكُونُ الْعَامُّ مَخْصُوصًا بِصُوَرِ الْإِجْمَاعِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النَّصُّ بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ غَيْرَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الصَّيْدِ إنَّمَا هُوَ الْقِيمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْفَاصِلِ الشَّاهِدِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أُمُورٌ أَحَدُهَا قَوْله تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] فَجَعَلَ الْجَزَاءَ لِلْمِثْلِ لَا لِلصَّيْدِ نَفْسِهِ، فَالنَّعَمُ وَاجِبَةٌ فِي الْمِثْلِ الَّذِي هُوَ الْقِيمَةُ لَا لِلصَّيْدِ نَفْسِهِ، وَثَانِيهَا أَنَّهُ لَوْ حُمِلَ الْجَزَاءُ عَلَى الصَّيْدِ نَفْسِهِ لَزِمَ التَّخْصِيصُ وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا لَا يَلْزَمُ التَّخْصِيصُ. وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الصَّيْدِ فَلَوْ حُمِلَ الْجَزَاءُ عَلَى الصَّيْدِ خَرَجَ مِنْهُ مَا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ كَالْعَصَافِيرِ وَالنَّمْلِ وَغَيْرِهَا، وَإِذَا قُلْنَا بِالْقِيمَةِ وَجَبَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْقِيمَةُ فَلَا تَخْصِيصَ وَهُوَ أَوْلَى فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَثَالِثُهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اشْتَرَطَ الْحَكَمَيْنِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَأَتَّى إذَا قُلْنَا بِالْقِيمَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عَلَى تَقْوِيمِ صَيْدٍ أَنْ لَا نُقَوِّمَهُ نَحْنُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ أَفْرَادَ النَّوْعِ الْوَاحِدِ تَخْتَلِفُ قِيمَتُهَا وَلَا يُغْنِي تَقْوِيمٌ عَنْ تَقْوِيمٍ فَيَبْقَى الْعُمُومُ عَلَى عُمُومِهِ فِي الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَمَّا لَوْ جَعَلْنَا فِي الصَّيْدِ الْجَزَاءَ مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ فِي الضَّبُعِ شَاةً وَفِي الْبَقَرَةِ الْوَحْشِيَّةِ بَقَرَةً وَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةً وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي يُفْرَضُ حُصُولُ الْإِجْمَاعِ فِيهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَتَعَيَّنُ ـــــــــــــــــــــــــــــSإلَى قَوْلِهِ فَلَا تَلْزَمُ مُنَافَاةُ الْأَزَلِ لِلْإِنْشَاءِ النَّفْسَانِيِّ وَلَا الْحُدُوثُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْجَوَابِ صَحِيحٌ. قَالَ (فَإِنْ قُلْتَ لِمَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأُمُورُ إخْبَارَاتٍ عَنْ إرَادَةِ وُقُوعِ الْعِقَابِ إلَى آخِرِ جَوَابِهِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَاضِحٌ قَالَ: (الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي تَرْجِيحِ الْمَذْهَبِ وَالْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ وَتَخْرِيجِ الْجَوَابِ عَلَى ذَلِكَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ الَّذِي يَنْصُرُهُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ الْقَرَافِيِّ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَالْقَوْلُ بِاللُّزُومِ لِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَالْمُقَدِّمَاتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ هُوَ الْأَشْهَرُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ حَلٌّ لِلْعِصْمَةِ الْمُنْعَقِدَةِ بِالنِّيَّةِ وَالْقَوْلِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَلُّهَا كَذَلِكَ إنَّمَا يُكْتَفَى بِالنِّيَّةِ فِي التَّكَالِيفِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْقَلْبِ لَا فِيمَا بَيْنَ الْآدَمِيِّينَ. اهـ وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْأَوَّلِ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي مَجْمُوعِهِ حَيْثُ قَالَ لَا بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ عَلَى الرَّاجِحِ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ إنْ اجْتَمَعَ النَّفْسَانِيُّ وَاللِّسَانِيُّ لَزِمَ الطَّلَاقُ فَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَقَوْلَانِ اهـ فَالنِّيَّةُ فِي اصْطِلَاحِ أَرْبَابِ الْمَذْهَبِ تُطْلَقُ بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ عَلَى الْقَصْدِ وَعَلَى الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ صَرِيحُ الطَّلَاقِ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ إجْمَاعًا، وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ إجْمَاعًا وَفِي احْتِيَاجِهِ إلَى النِّيَّةِ قَوْلَانِ وَظَاهِرُهُ التَّنَاقُضُ لَكِنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِالْأَوَّلِ قَصْدَ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَوْضِعِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ إلَّا فِي الْكِنَايَةِ دُونَ التَّصْرِيحِ، وَيُرِيدُونَ بِالثَّانِي الْقَصْدَ لِلنُّطْقِ بِصِيغَةِ التَّصْرِيحِ احْتِرَازًا عَنْ النَّائِمِ وَمَنْ يَسْبِقُهُ لِسَانُهُ. وَيُرِيدُونَ بِالثَّالِثِ الْكَلَامَ النَّفْسَانِيَّ وَكَمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي انْعِقَادِ الطَّلَاقِ بِإِنْشَاءِ كَلَامِ النَّفْسِ وَحْدَهُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ اللَّفْظِ كَذَلِكَ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الْيَمِينِ، وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ أَنَّ مَا فِي الْجَلَّابِ وَغَيْرِهِ مِنْ قِيَاسِ لُزُومِ الطَّلَاقِ بِكَلَامِ النَّفْسِ عَنْ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِمَا كَلَامُ النَّفْسِ فَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الطَّلَاقَ إنْشَاءٌ وَهُمَا لَا يَقَعَانِ إلَّا بِالْإِخْبَارِ وَالِاعْتِقَادِ. وَثَانِيهَا أَنَّ الِاعْتِقَادَ مِنْ بَابِ الْعُلُومِ وَالظُّنُونِ لَا مِنْ بَابِ الْكَلَامِ وَالْبَابَانِ مُخْتَلِفَانِ فَلَا يُقَاسُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ. وَثَالِثُهَا أَنَّهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ الِاعْتِقَادِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ النُّطْقِ بِاللِّسَانِ مَعَ الْإِمْكَانِ عَلَى مَشْهُورِ مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ كَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ وَغَيْرُهُ كَانَ اللَّازِمُ أَنْ يُقَالَ فِي الْقِيَاسِ عَلَى فَرْضِ تَسْلِيمِ أَنَّ الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ يَجِبُ أَنْ يُفْتَقَرَ الطَّلَاقُ إلَى اللَّفْظِ قِيَاسًا عَلَى الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى. [الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ فِي بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الصِّيَغِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الْإِنْشَاءُ] (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ تَصِحُّ

[فصل في الخبروفيه مسائل]

وَلَا يَبْقَى لِلْحُكْمِ مِنَّا وَالِاجْتِهَادِ بَعْدَ ذَلِكَ مَعْنًى أَلْبَتَّةَ إلَّا فِي الصُّوَرِ الَّتِي لَمْ يَقَعْ فِيهَا إجْمَاعٌ كَالْفِيلِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَفْرَادِ الصَّيْدِ فَيَلْزَمُ التَّخْصِيصُ وَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَرَابِعُهَا أَنَّهُ مُتْلَفٌ مِنْ الْمُتْلَفَاتِ فَتَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ، وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْوَاجِبُ فِي الصَّيْدِ مِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ ثُمَّ يُقَوَّمُ الصَّيْدُ وَيَقَعُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْمِثْلِ وَالْإِطْعَامِ وَالصَّوْمِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ وَبَيْنَ الْمُفْتِي وَالْحَاكِمِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ إنْشَاءٌ لِنَفْسِ ذَلِكَ الْإِلْزَامِ إنْ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ أَوْ لِنَفْسِ تِلْكَ الْإِبَاحَةِ وَالْإِطْلَاقِ إنْ كَانَ الْحُكْمُ فِيهَا كَحُكْمِ الْحَاكِمِ بِأَنَّ الْمَوَاتَ إذَا بَطَلَ إحْيَاؤُهُ صَارَ مُبَاحًا لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَالْفَتْوَى بِذَلِكَ إخْبَارٌ صِرْفٌ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَأَنَّ الْحَاكِمَ مُلْزِمٌ وَالْمُفْتِي مُخْبِرٌ، وَأَنَّ نِسْبَتَهُمَا لِصَاحِبِ الشَّرْعِ كَنِسْبَةِ نَائِبِ الْحَاكِمِ وَالْمُتَرْجِمِ عَنْهُ فَنَائِبُهُ يُنْشِئُ أَحْكَامًا لَمْ تَتَقَرَّرْ عِنْدَ مُسْتَنِيبِهِ بَلْ يُنْشِئُهَا عَلَى قَوَاعِدِهِ كَمَا يُنْشِئُهَا الْأَصْلُ، وَلَا يَحْسُنُ مِنْ مُسْتَنِيبِهِ أَنْ يُصَدِّقَهُ فِيمَا حَكَمَ بِهِ وَلَا يُكَذِّبُهُ بَلْ يُخَطِّئُهُ أَوْ يُصَوِّبُهُ بِاعْتِبَارِ الْمُدْرَكِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ، وَالْمُتَرْجِمُ يُخْبِرُ عَمَّا قَالَهُ الْحَاكِمُ لِمَنْ لَا يَعْرِفُ كَلَامَ الْحَاكِمِ لِعُجْمَةٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَوَانِعِ الْفَهْمِ فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُصَدِّقَهُ إنْ صَدَقَ، وَيُكَذِّبَهُ إنْ كَذَبَ، وَهَذَا الْمُتَرْجِمُ لَا يُنْشِئُ حُكْمًا بَلْ يُخْبِرُ عَنْ الْحَاكِمِ فَقَطْ وَقَدْ وَضَعْتُ فِي هَذَا الْفَرْقِ كِتَابًا سَمَّيْته بِالْأَحْكَامِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ وَتَصَرُّفِ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ وَفِيهِ أَرْبَعُونَ مَسْأَلَةً تَتَعَلَّقُ بِتَحْقِيقِ هَذَا الْفَرْقِ وَهُوَ كِتَابٌ نَفِيسٌ إذَا تَقَرَّرَ مَعْنَى الْحُكْمِ، فَالْحَكَمَانِ فِي زَمَانِنَا يُنْشِئَانِ الْإِلْزَامَ عَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِ فَإِنْ كَانَتْ الصُّورَةُ مُجْمَعًا عَلَيْهَا كَانَ الْإِجْمَاعُ مُدْرَكًا لَهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُمْ مُنْشِئُونَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إجْمَاعٌ فَهُوَ أَظْهَرُ وَيَعْتَمِدُونَ عَلَى النُّصُوصِ وَالْأَقْيِسَةِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّخْصِيصِ بَلْ يَبْقَى النَّصُّ عَلَى عُمُومِهِ، وَالْحُكْمُ فِي زَمَانِنَا عَامٌّ فِي الْجَمِيعِ، وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ الْآيَةَ قُرِئَتْ {فَجَزَاءٌ} [المائدة: 95] بِالتَّنْوِينِ فَيَكُونُ الْجَزَاءُ لِلصَّيْدِ وَ {مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] نَعْتٌ لَهُ. وَيَكُونُ الْوَاجِبُ هُوَ الْمِثْلَ مِنْ النَّعَمِ وَالْقِرَاءَتَانِ مُنَزَّلَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَ أَنَّ قِرَاءَةَ التَّنْوِينِ صَرِيحَةٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَقِرَاءَةَ الْإِضَافَةِ مُحْتَمِلَةٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلِمَا ذَكَرْتُمُوهُ فَيَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ جَمْعًا بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّعَارُضِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ} [المائدة: 95] يُحْمَلُ عَلَى الْخُصُوصِ وَيَبْقَى الظَّاهِرُ عَلَى عُمُومِهِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] خَاصٌّ بِالرَّشِيدَاتِ وَالْمُطَلَّقَاتِ عَلَى عُمُومِهِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] خَاصٌّ بِالرَّجْعِيَّاتِ مَعَ بَقَاءِ الْمُطَلَّقَاتِ عَلَى عُمُومِهِ وَعَنْ الثَّالِثِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْحَكَمَيْنِ يُنْشِئَانِ الْإِلْزَامَ، وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي حُكْمَ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ حُكْمُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - رَدًّا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَكَمَ فِي الضَّبُعِ بِشَاةٍ وَقَدْ حَكَمَ فِيهَا الصَّحَابَةُ أَيْضًا فَلَوْلَا مَا ذَكَرْنَاهُ لَامْتَنَعَ حُكْمُهُمْ، وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْجَوَابِرِ بَلْ مِنْ بَابِ الْكَفَّارَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} [المائدة: 95] فَسَمَّاهُ كَفَّارَةً فَبَطَلَ الْقِيَاسُ إذَا تَقَرَّرَتْ الْمَذَاهِبُ وَالْمَدَارِكُ وَأَجْوِبَتُهَا، وَتَعَيَّنَ فِيهَا الْحَقُّ وَأَنَّهُ إنْشَاءٌ فِي الْجَمِيعِ كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمُضَارِعِ دُونَ الْمَاضِي وَاسْمِ الْفَاعِلِ، فَيُقْبَلُ قَوْلُ الشَّاهِدِ أَشْهَدُ بِكَذَا دُونَ قَوْلِهِ شَهِدْتُ بِكَذَا وَأَنَا شَاهِدٌ بِكَذَا، وَبَيْنَ الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ يَنْعَقِدُ الْأَوَّلُ بِالْمَاضِي كَبِعْتُكَ بِكَذَا وَلَا يَنْعَقِدُ بِالْمُضَارِعِ كَأَبِيعُكَ بِكَذَا أَوْ أُبَايِعُكَ بِكَذَا عِنْدَ مَنْ يَعْتَمِدُ عَلَى مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ كَالشَّافِعِيِّ لَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِانْعِقَادِ الْبَيْعِ بِمُجَرَّدِ الْمُعَاطَاةِ، وَيَقَعُ إنْشَاءُ الثَّانِي بِالْمَاضِي نَحْوَ طَلَّقْتُكِ ثَلَاثًا وَاسْمِ الْفَاعِلِ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا دُونَ الْمُضَارِعِ نَحْوَ أُطَلِّقُكِ ثَلَاثًا سَبَبُهُ النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ مِنْ الْخَبَرِ إلَى الْإِنْشَاءِ، فَأَيُّ شَيْءٍ نَقَلَتْهُ الْعَادَةُ لِمَعْنًى صَارَ صَرِيحًا فِي الْعَادَةِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى بِالْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ فَيَعْتَمِدُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ كَمَا يُسْتَفْتَى الْمُفْتِي عَنْ طَلَبِ النِّيَّةِ مَعَهُ لِصَرَاحَتِهِ، وَمَا لَمْ تَنْقُلْهُ الْعَادَةُ لِإِنْشَاءِ ذَلِكَ الْمَعْنَى يَتَعَذَّرُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الدَّلَالَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ فَنَقَلَتْ الْعَادَةُ فِي الشَّهَادَةِ الْمُضَارِعَ وَحْدَهُ وَفِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ اسْمَ الْفَاعِلِ وَالْمَاضِيَ، فَإِنْ اتَّفَقَ تَجَدُّدُ عَادَةٍ أُخْرَى فِي وَقْتٍ آخَرَ تَقْتَضِي نَسْخَ هَذِهِ الْعَادَةِ اتَّبَعْنَا الثَّانِيَةَ، وَتَرَكْنَا الْأُولَى وَيَصِيرُ الْمَاضِي فِي الْبَيْعِ وَالْمُضَارِعُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى حَسَبِ مَا تُجَدِّدُهُ الْعَادَةُ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي قَوْلِهِ مَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ نُظِرَ إلَى أَنَّ الْمُدْرَكَ هُوَ تَجَدُّدُ الْعَادَةِ نَعَمْ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَقُولُوا إنَّ ذَلِكَ مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ وُجُودُ اللَّفْظِ الْمَنْقُولِ أَمَّا مُجَرَّدُ الْفِعْلِ وَالْمُعَاطَاةِ الَّذِي يَقْصِدُهُ مَالِكٌ فَمَمْنُوعٌ [فَصْلٌ فِي الْخَبَرَوفيه مَسَائِل] [الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَالَ كُلُّ مَا قُلْتُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ كَذِبٌ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ] (فَصْلٌ فِي ثَمَانِ مَسَائِلَ مُسْتَحْسَنَةٍ فِي بَابِهَا تُوَضِّحُ الْخَبَرَ) (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصِّدْقَ مُطَابَقَةُ النِّسْبَةِ الْكَلَامِيَّةِ لِلنِّسْبَةِ الْخَارِجِيَّةِ وَالْكَذِبَ عَدَمُهَا، وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الْمُرَادِ بِعَدَمِهَا فَذَهَبَ الْأَصْلُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ بِالْفِعْلِ بِأَنْ يُوجَدَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْخَبَرِ كَمَنْ قَالَ: زَيْدٌ قَائِمٌ وَهُوَ لَيْسَ بِقَائِمٍ أَوْ بِالْقُوَّةِ بِأَنْ لَا يُوجَدَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ فَيَصْدُقُ أَيْضًا عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ لَكِنْ لَا لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا وُجِدَ كَمَا فِي الْأَوَّلِ بَلْ لِعَدَمِ مَا يُطَابِقُهُ الْخَبَرُ نَظَرًا إلَى أَنَّ السَّالِبَةَ تَصْدُقُ مَعَ عَدَمِ وُجُودِ الْمَوْضُوعِ فَافْهَمْ، وَذَهَبَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ بِالْفِعْلِ قَالَ

مَسَائِلِ الْإِنْشَاءِ فَتَفَطَّنْ لَهَا فَهِيَ مُشْكِلَةٌ جِدًّا، وَمَنْ لَمْ يُحِطْ عِلْمًا بِحَقِيقَةِ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَيَعْلَمُ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُفْتِي عِلْمًا وَاضِحًا أَشْكَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ عَنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَكَيْفَ يُجْمَعُ بَيْنَ الْإِجْمَاعِ السَّابِقِ وَالْحُكْمِ اللَّاحِقِ. الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الطَّلَاقِ بِالْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ نُطْقٍ، وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْفُقَهَاءِ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ فِي الطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ قَوْلَانِ وَهُمْ الْجُمْهُورُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ اعْتَقَدَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَلْفِظْ بِهِ بِلِسَانِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَهَذِهِ عِبَارَةُ صَاحِبِ الْجَلَّابِ وَالْعِبَارَتَانِ غَيْرُ مُفْصِحَتَيْنِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ مَنْ نَوَى طَلَاقَ امْرَأَتِهِ، وَعَزَمَ عَلَيْهِ وَصَمَّمَ ثُمَّ بَدَا لَهُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ إجْمَاعًا فَقَوْلُهُمْ فِي الطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ قَوْلَانِ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ إجْمَاعًا، وَكَذَلِكَ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ امْرَأَتَهُ مُطَلَّقَةٌ، وَجَزَمَ بِذَلِكَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ إجْمَاعًا، وَإِنَّمَا الْعِبَارَةُ الْحَسَنَةُ مَا أَتَى بِهَا صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ، وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ الْكَلَامُ النَّفْسَانِيُّ وَمَعْنَاهُ إذَا أَنْشَأَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِهِ بِكَلَامِهِ النَّفْسَانِيِّ وَلَمْ يَلْفِظْ بِهِ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ، وَكَذَلِكَ أَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ وَقَالَ إنَّهُمَا إنْ اجْتَمَعَا أَعْنِي النَّفْسَانِيَّ وَاللِّسَانِيَّ لَزِمَ الطَّلَاقُ. فَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَقَوْلَانِ فَصَارَتْ النِّيَّةُ لَفْظًا مُشْتَرَكًا فِيهِ بَيْنَ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي اصْطِلَاحِ أَرْبَابِ الْمَذْهَبِ، يُطْلَقُ عَلَى الْقَصْدِ وَالْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ فَيَقُولُونَ صَرِيحُ الطَّلَاقِ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ إجْمَاعًا، وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ إجْمَاعًا وَفِي احْتِيَاجِهِ إلَى النِّيَّةِ قَوْلَانِ، وَهُوَ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ لَكِنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِالْأَوَّلِ قَصْدَ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَوْضُوعِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْكِنَايَةِ دُونَ الصَّرِيحِ، وَيُرِيدُونَ بِالثَّانِي الْقَصْدَ لِلنُّطْقِ بِصِيغَةِ الصَّرِيحِ احْتِرَازًا عَنْ النَّائِمِ وَمَنْ يَسْبِقُهُ لِسَانُهُ، وَيُرِيدُونَ بِالثَّالِثِ الْكَلَامَ النَّفْسَانِيَّ وَقَدْ بَسَطْتُ هَذِهِ الْمَبَاحِثَ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَةِ فِي إدْرَاكِ النِّيَّةِ إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الطَّلَاقَ يَنْشَأُ بِالْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ فَقَدْ صَارَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مَسَائِلِ الْإِنْشَاءِ فِي كَلَامِ النَّفْسِ، وَكَذَلِكَ الْيَمِينُ أَيْضًا وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهَا هَلْ تَنْعَقِدُ بِإِنْشَاءِ كَلَامِ النَّفْسِ وَحْدَهُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ اللَّفْظِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ فَسَادُ قِيَاسِ مَنْ قَاسَ لُزُومَ الطَّلَاقِ بِكَلَامِ النَّفْسِ عَنْ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِمَا كَلَامُ النَّفْسِ، وَقَعَ ذَلِكَ فِي الْجَلَّابِ وَغَيْرِهِ. وَوَجْهُ الْفَسَادِ أَنَّ هَذَا إنْشَاءٌ، وَالْكُفْرُ لَا يَقَعُ بِالْإِنْشَاءِ وَإِنَّمَا يَقَعُ بِالْإِخْبَارِ وَالِاعْتِقَادِ وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ وَالِاعْتِقَادُ مِنْ بَابِ الْعُلُومِ وَالظُّنُونِ لَا مِنْ بَابِ الْكَلَامِ وَهُمَا بَابَانِ مُخْتَلِفَانِ فَلَا يُقَاسُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ هُوَ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْإِيمَانِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ الِاعْتِقَادِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ بِاللِّسَانِ مَعَ الْإِمْكَانِ عَلَى مَشْهُورِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ كَمَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ وَغَيْرِهِ فَيَنْعَكِسُ هَذَا الْقِيَاسُ عَلَى قَائِسِهِ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ، وَيَقُولُ وَجَبَ أَنْ يَفْتَقِرَ إلَى اللَّفْظِ قِيَاسًا عَلَى الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى إنْ سُلِّمَ لَهُ أَنَّ الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ، فَكَيْفَ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ وَالْقِيَاسُ إنَّمَا يَجْرِي فِي الْمُتَمَاثِلَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الطَّلَاقِ بِالْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ نُطْقٍ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ الشَّاطِّ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ أَنَّ مَنْ قَالَ كُلُّ مَا تَكَلَّمْتُ بِهِ فِي جَمِيعِ عُمْرِي كَذِبٌ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ تَكَلَّمَ قَبْلَ هَذَا الْكَلَامِ أَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ فَإِنْ تَكَلَّمَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ تَكَلَّمَ بِكَذِبٍ فَقَطْ أَوْ بِصِدْقٍ فَقَطْ أَوْ بِصِدْقٍ وَكَذِبٍ مَعًا فَإِنْ كَانَ تَكَلَّمَ بِكَذِبٍ فَقَطْ فَكَلَامُهُ هَذَا صَادِقٌ قَطْعًا، وَإِنْ كَانَ تَكَلَّمَ بِصِدْقٍ فَقَطْ أَوْ بِصِدْقٍ وَكَذِبٍ مَعًا فَكَلَامُهُ هَذَا كَاذِبٌ قَطْعًا سَوَاءٌ أَرَادَ أَنَّ كُلَّ مَا قَالَهُ مَا عَدَا هَذَا الْخَبَرَ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ أَرَادَ حَتَّى هَذَا الْخَبَرُ لِإِخْبَارِهِ بِقَضِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ تَقْتَضِي شُمُولَ الْكَذِبِ جَمِيعَ أَقْوَالِهِ فِي جَمِيعِ عُمْرِهِ. وَهُوَ قَدْ فُرِضَ صَادِقًا فَقَطْ فِيمَا عَدَا هَذَا الْخَبَرَ أَوْ صَادِقًا وَكَاذِبًا مَعًا لَا كَاذِبًا فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ قَبْلَ هَذَا الْكَلَامِ فَكَلَامُهُ هَذَا كَذِبٌ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَا صِدْقَ وَلَا كَذِبَ عَلَى الثَّانِي، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ كُلُّ مَا قُلْتُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ كَذِبٌ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ قَبْلَ هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ كَلَامُهُ هَذَا كَذِبًا عَلَى الْأَوَّلِ وَلَا صِدْقًا وَلَا كَذِبًا عَلَى الثَّانِي، فَعَلَى الثَّانِي تَثْبُتُ الْوَاسِطَةُ وَيَكُونُ فِي الْإِخْبَارِ مَا لَيْسَ بِصِدْقٍ وَلَا كَذِبٍ وَيَبْطُلُ حِينَئِذٍ حَدُّ الْخَبَرِ أَوْ رَسْمُهُ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ الْقَوْلُ الَّذِي يَلْزَمُهُ الصِّدْقُ أَوْ الْكَذِبُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِعَدَمِ شُمُولِهِ الْوَاسِطَةَ فَيُرْسَمُ بِنَحْوِ الْقَوْلِ الَّذِي يَقْصِدُ قَائِلُهُ تَعْرِيفَ الْمُخَاطَبِ بِأَمْرٍ مَا، وَإِنْ كَانَ فِيهِ حَدُّ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ هُوَ الْإِخْبَارُ نَظَرًا لِكَوْنِ هَذِهِ الرُّسُومِ تَقْرِيبًا لَا تَحْقِيقًا إذْ التَّحْقِيقُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ مَعْرُوفٌ لَا يَحْتَاجُ لِتَعْرِيفٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَثْبُتُ الْوَاسِطَةُ وَيَكُونُ حَدُّ الْخَبَرِ أَوْ رَسْمُهُ بِمَا مَرَّ جَامِعًا مَانِعًا، نَعَمْ قَدْ يُقَالُ بِثُبُوتِ الْوَاسِطَةِ عَلَى الْأَوَّلِ إذَا قَالَ كُلُّ مَا قُلْتُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ كَذِبٌ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فِي هَذَا الْبَيْتِ قَبْلَ هَذَا الْقَوْلِ، ثُمَّ قَالَ كُلُّ مَا قُلْتُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ صِدْقٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَوَّلَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا قَالَ كُلُّ مَا قُلْتُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ صِدْقٌ يَكُونُ خَبَرُهُ ذَلِكَ كَاذِبًا إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ شَيْئًا، وَيُلْزِمُ ذَلِكَ أَنَّ إخْبَارَهُ عَمَّا قَالَهُ فِي الْبَيْتِ بِأَنَّهُ صِدْقٌ وَبِأَنَّهُ كَذِبٌ إخْبَارُ كَذِبٍ مَعَ أَنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ خَبَرَانِ، وَقَدْ أُخْبِرَ بِهِمَا عَنْ مُخْبَرٍ وَاحِدٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يُصَدَّقَ

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ فِي بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الصِّيَغِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الْإِنْشَاءِ الْوَاقِعُ الْيَوْمَ فِي الْعَادَةِ أَنَّ الشَّهَادَةَ تَصِحُّ بِالْمُضَارِعِ دُونَ الْمَاضِي وَاسْمِ الْفَاعِلِ فَيَقُولُ الشَّاهِدُ أَشْهَدُ بِكَذَا عِنْدَك أَيَّدَكَ اللَّهُ وَلَوْ قَالَ شَهِدْتُ بِكَذَا، أَوْ أَنَا شَاهِدٌ بِكَذَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، وَالْبَيْعُ يَصِحُّ بِالْمَاضِي دُونَ الْمُضَارِعِ عَكْسُ الشَّهَادَةِ فَلَوْ قَالَ: أَبِيعُكَ بِكَذَا أَوْ قَالَ أُبَايِعُكَ بِكَذَا لَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ عِنْدَ مَنْ يَعْتَمِدُ عَلَى مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ كَالشَّافِعِيِّ، وَمَنْ لَا يَعْتَبِرُهَا لَا كَلَامَ مَعَهُ، وَإِنْشَاءُ الطَّلَاقِ يَقَعُ بِالْمَاضِي نَحْوَ طَلَّقْتُكِ ثَلَاثًا وَاسْمِ الْفَاعِلِ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا دُونَ الْمُضَارِعِ نَحْوَ أُطَلِّقُكِ ثَلَاثًا، وَسَبَبُ هَذِهِ الْفُرُوقِ بَيْنَ الْأَبْوَابِ النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ مِنْ الْخَبَرِ إلَى الْإِنْشَاءِ فَأَيُّ شَيْءٍ نَقَلَتْهُ الْعَادَةُ لِمَعْنًى صَارَ صَرِيحًا فِي الْعَادَةِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى بِالْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ فَيَعْتَمِدُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ لِصَرَاحَتِهِ وَيَسْتَغْنِي الْمُفْتِي عَنْ طَلَبِ النِّيَّةِ مَعَهُ لِصَرَاحَتِهِ أَيْضًا وَمَا هُوَ لَمْ تَنْقُلْهُ الْعَادَةُ لِإِنْشَاءِ ذَلِكَ الْمَعْنَى يَتَعَذَّرُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الدَّلَالَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ، فَنَقَلَتْ الْعَادَةُ فِي الشَّهَادَةِ الْمُضَارِعَ وَحْدَهُ وَفِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ اسْمَ الْفَاعِلِ وَالْمَاضِيَ فَإِنْ اتَّفَقَ وَقْتٌ آخَرُ تَحْدُثُ فِيهِ عَادَةٌ أُخْرَى تَقْتَضِي نَسْخَ هَذِهِ الْعَادَةِ وَتَجَدُّدَ عَادَةٍ أُخْرَى اتَّبَعْنَا الثَّانِيَةَ وَتَرَكْنَا الْأُولَى وَيَصِيرُ الْمَاضِي فِي الْبَيْعِ وَالْمُضَارِعُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى حَسَبِ مَا تُجَدِّدُهُ الْعَادَةُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاضْبُطْهُ فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْحَقَائِقَ الْعُرْفِيَّةَ وَأَحْكَامَهَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ الْفَرْقُ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمُدْرَكَ هُوَ تَجَدُّدُ الْعَادَةِ غَيْرَ أَنَّ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَقُولُوا إنَّ ذَلِكَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ وُجُودُ اللَّفْظِ الْمَنْقُولِ أَمَّا مُجَرَّدُ الْفِعْلِ وَالْمُعَاطَاةِ الَّذِي يَقْصِدُهُ مَالِكٌ فَمَمْنُوعٌ. (فَصْلٌ) قَدْ تَقَدَّمَ تَذْيِيلُ الْإِنْشَاءِ بِمَسَائِلَ تُوَضِّحُهُ وَهِيَ حَسَنَةٌ فِي بَابِهَا فَنُذَيِّلُ الْخَبَرَ أَيْضًا بِثَمَانِ مَسَائِلَ غَرِيبَةٍ مُسْتَحْسَنَةٍ فِي بَابِهَا تَكُونُ طُرْفَةً لِلْوَاقِفِ. الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إذَا قَالَ كُلُّ مَا قُلْتُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ كَذِبٌ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ قِيلَ هَذَا الْقَوْلُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَمْرَانِ مُحَالَانِ عَقْلًا: أَحَدُهُمَا ارْتِفَاعُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ عَنْ الْخَبَرِ وَهُمَا خَصِيصَةٌ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَارْتِفَاعُ خَصِيصَةِ الشَّيْءِ عَنْهُ مَعَ بَقَائِهِ مُحَالٌ بَيَانُهُ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَا يَكُونُ صِدْقًا؛ لِأَنَّ الصِّدْقَ هُوَ الْخَبَرُ الْمُطَابِقُ، وَالْمُطَابَقَةُ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ شَيْئَيْنِ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ فِي بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الصِّيَغِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الْإِنْشَاءِ الْوَاقِعُ الْيَوْمَ فِي الْعَادَةِ إنَّ الشَّهَادَةَ تَصِحُّ بِالْمُضَارِعِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ اعْتِبَارِ مُعَيَّنَاتِ الْأَلْفَاظِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَشْتَرِطُهَا كَمَا قَالَ فَيَصِحُّ تَنَقُّلُ الْعَادَاتِ فِيهَا بِحَسَبِ الْعُرْفِ الْحَادِثِ كَمَا ذَكَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (فَصْلٌ قَدْ تَقَدَّمَ تَذْيِيلُ الْإِنْشَاءِ بِمَسَائِلَ تُوَضِّحُهُ وَهِيَ حَسَنَةٌ فِي بَابِهَا فَنُذَيِّلُ الْخَبَرَ أَيْضًا بِثَمَانِ مَسَائِلَ غَرِيبَةٍ مُسْتَحْسَنَةٍ فِي بَابِهَا تَكُونُ طُرْفَةً لِلْوَاقِفِ. الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إذَا قَالَ كُلُّ مَا قُلْتُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ كَذِبٌ، وَلَمْ يَكُنْ قَالَ شَيْئًا فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ قِيلَ هَذَا الْقَوْلُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَمْرَانِ مُحَالَانِ عَقْلًا أَحَدُهُمَا ارْتِفَاعُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ عَنْ الْخَبَرِ، وَهُمَا خَصِيصَةٌ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَارْتِفَاعُ خَصِيصَةِ الشَّيْءِ عَنْهُ مَعَ بَقَائِهِ مُحَالٌ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ بِتَقْرِيرِ الْإِشْكَالِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ لُزُومِ ارْتِفَاعِ الصِّدْقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدُ خَبَرَيْهِ وَيُكَذَّبَ الْآخَرُ وَإِلَّا أَدَّى ذَلِكَ إلَى اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ. وَلَا يَتَأَتَّى الْجَوَابُ بِأَنَّ إجْمَاعَهُمَا هُنَا لَمْ يَكُنْ فِي ثُبُوتٍ حَتَّى يَمْتَنِع بَلْ فِي نَفْيٍ، وَالِاجْتِمَاعُ فِي النَّفْيِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْوَاسِطَةِ ضَرُورَةَ أَنَّ الضِّدَّيْنِ الْمُنْحَصِرَيْنِ كَالنَّقِيضَيْنِ لَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُمَا فِي ثُبُوتٍ وَلَا انْتِفَاءٍ. اهـ كَلَامُ ابْنِ الشَّاطِّ فَتَأَمَّلْهُ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاكْتِفَاءِ فِي حَقِيقَةِ الْكَذِبِ بِعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ لِلْمُخْبَرِ عَنْهُ فِي كِلَا الْقَوْلَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ إلَى عَدَمِ مُطَابَقَتِهِ هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَذَهَبَ الْجَاحِظُ وَغَيْرُهُ إلَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْكَذِبِ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَصْدُ إلَيْهِ وَعَدَمُ الْمُطَابَقَةِ، فَالْخَبَرُ عَلَى رَأْيِ هَؤُلَاءِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ صِدْقٌ وَهُوَ الْمُطَابَقَةُ وَكَذِبٌ وَهُوَ غَيْرُ الْمُطَابَقَةِ الَّذِي قَصَدَ إلَى عَدَمِ مُطَابَقَتِهِ وَوَاسِطَةٌ بَيْنَهُمَا وَهُوَ غَيْرُ الْمُطَابِقِ الَّذِي لَمْ يَقْصِدْ إلَى عَدَمِ مُطَابَقَتِهِ، وَهَذَا الْقِسْمُ لَا يَلْزَمُهُ عِنْدَهُمْ صِدْقٌ وَلَا كَذِبٌ فَلَا يَشْمَلُهُ تَعْرِيفُ الْخَبَرِ السَّابِقِ لَنَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ فِي الْمَسْأَلَةِ الظَّنُّ. قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» فَدَلَّ جَعْلُهُ كَاذِبًا إذَا حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَهُ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُطَابِقٍ فِي الْغَالِبِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْرِفْهُ حَتَّى يَقْصِدَ إلَيْهِ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ فِي الْكَذِبِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» فَدَلَّ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ مَنْ كَذَبَ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لَا يَسْتَحِقُّ النَّارَ عَلَى تَصَوُّرِ حَقِيقَةِ الْكَذِبِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَيْهِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَعَلَى أَنَّ الْمُرَادَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْقَطْعُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي قَوْله تَعَالَى {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ: 8] فَإِنَّ الْكُفَّارَ قَسَّمُوا قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى نَوْعَيْ الْكَذِبِ وَهُمَا الْمُفْتَرَى الَّذِي اخْتَرَعَهُ الْكَاذِبُ مِنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ غَيْرِهِ وَغَيْرِ الْمُفْتَرَى الَّذِي تَبِعَ فِيهِ غَيْرَهُ لَا أَنَّهُمْ قَسَّمُوا الْكَلَامَ إلَى كَذِبٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَحْصُلَ مَقْصُودُ الْخَصْمِ نَعَمْ نِسْبَةُ الْجُنُونِ إلَى مَنْ اتَّبَعَ غَيْرَهُ فِي قَوْلِهِ الْكَاذِبِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فَافْهَمْ

[المسألة الثانية والثالثة التمدح بالوفاء في الوعد والعفو في الوعيد ووجود الخبر بدون خصيصته]

خَبَرٌ آخَرُ حَتَّى تَقَعَ الْمُطَابَقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا الْخَبَرِ فَلَا يَكُونُ صِدْقًا. وَأَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِكَذِبٍ فَلِأَنَّ الْكَذِبَ هُوَ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ الْخَبَرِ وَالْمُخْبَرِ عَنْهُ، وَعَدَمُ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فَرْعُ تَقَرُّرِهِمَا. وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِي هَذَا الْبَيْتِ خَبَرُ صِدْقٍ حَتَّى يَكُونَ الْإِخْبَارُ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَذِبٌ كَذِبًا فَلَا يَكُونُ هَذَا الْخَبَرُ صِدْقًا وَلَا كَذِبًا وَهُوَ مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَالْخَبَرُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا، وَالْمُحَالُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ ارْتِفَاعُ النَّقِيضَيْنِ وَارْتِفَاعُهُمَا مُحَالٌ عَقْلًا لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَالْخَبَرُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا، بَيَانُهُ أَنَّ الصِّدْقَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُطَابَقَةِ، وَالْكَذِبَ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ، وَالْمُطَابَقَةُ وَعَدَمُهَا نَقِيضَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَيْسَ بِصِدْقٍ وَلَا كَذِبٍ فَيَكُونُ النَّقِيضَانِ قَدْ ارْتَفَعَا عَنْهُ وَهُوَ مُحَالٌ، وَهَذَا الْإِشْكَالُ مِنْ الْأَسْئِلَةِ الصَّعْبَةِ الدَّقِيقَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ الْجَوَابُ عَنْهَا إلَى فِكْرٍ دَقِيقٍ وَنَظَرٍ عَوِيصٍ. وَالْجَوَابُ أَنْ نَخْتَارَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ كَذِبٌ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْكَذِبَ هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي لَيْسَ بِمُطَابِقٍ وَعَدَمُ الْمُطَابَقَةِ يُصَدَّقُ بِطَرِيقَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُوجَدَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْخَبَرِ كَمَنْ قَالَ زَيْدٌ قَائِمٌ وَهُوَ لَيْسَ بِقَائِمٍ فَهَذَا كَذِبٌ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ غَيْرُ مُطَابِقٍ، وَثَانِيهِمَا أَنْ لَا يُوجَدَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــSوَالْكَذِبِ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ ظَاهِرٌ. قَالَ (وَالْجَوَابُ أَنَّا نَخْتَارُ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ كَذِبٌ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْكَذِبَ هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي لَيْسَ بِمُطَابِقٍ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ، وَكَذَلِكَ نُجِيبُ عَنْ ارْتِفَاعِ النَّقِيضَيْنِ بِأَنْ نَقُولَ الْوَاقِعُ مِنْهُمَا عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ بِالتَّفْسِيرِ الْعَامِّ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ) قُلْتُ: هُوَ جَوَابٌ حَسَنٌ غَيْرَ أَنَّهُ يَبْقَى إشْكَالٌ آخَرُ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ كُلُّ مَا قُلْتُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَهُوَ كَذِبٌ، ثُمَّ قَالَ كُلُّ مَا قُلْتُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَهُوَ صِدْقٌ فَإِنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ خَبَرَانِ، وَقَدْ أَخْبَرَ بِهِمَا عَنْ مُخْبَرٍ وَاحِدٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَصْدُقَ أَحَدُ خَبَرَيْهِ وَيَكْذِبَ الْآخَرُ، وَإِلَّا أَدَّى ذَلِكَ إلَى اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ وَقِيَاسُ الْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا قَالَ كُلُّ مَا قُلْتُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَهُوَ صِدْقٌ أَنَّ خَبَرَهُ ذَلِكَ كَذِبٌ إذَا كَانَ لَمْ يَقُلْ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ شَيْئًا فَلَازِمُ ذَلِكَ أَنَّ إخْبَارَهُ عَمَّا قَالَهُ فِي الْبَيْتِ بِأَنَّهُ صِدْقٌ، وَبِأَنَّهُ كَذِبٌ إخْبَارُ كَذِبٍ فَقَدْ اجْتَمَعَ الضِّدَّانِ. وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ أَنَّ الضِّدَّيْنِ لَمْ يَجْتَمِعَا فِي ثُبُوتٍ، وَذَلِكَ هُوَ الِاجْتِمَاعُ الْمُمْتَنِعُ، وَأَمَّا الِاجْتِمَاعُ فِي النَّفْيِ فَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ، وَكَوْنُ كِلَا الْخَبَرَيْنِ كَذِبًا نَفْيٌ لَكِنْ يَبْقَى أَنْ يُقَالَ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ فِي الِانْتِفَاءِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ إذَا كَانَا غَيْرَ مُنْحَصِرَيْنِ بَلْ يَكُونُ لَهُمَا ضِدٌّ ثَالِثٌ، أَمَّا إذَا كَانَا مُنْحَصِرَيْنِ فَهُمَا كَالنَّقِيضَيْنِ لَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُمَا فِي ثُبُوتٍ وَلَا انْتِفَاءٍ، وَالصِّدْقُ وَالْكَذِبُ مُنْحَصِرَانِ فَلَا يَصِحُّ ثُبُوتُهُمَا لِخَبَرٍ وَاحِدٍ وَلَا انْتِفَاؤُهُمَا مَعًا وَبِالْجُمْلَةِ الْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةٌ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ الْخَبَرِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا، أَمَّا إذَا قَالَ قَائِلٌ يَكُونُ فِي الْإِخْبَارِ مَا لَيْسَ بِصِدْقٍ وَلَا كَذِبٍ، فَقَوْلُ الْقَائِلِ كُلُّ مَا قُلْتُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ كَذِبٌ، أَوْ كُلُّ مَا قُلْتُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ صِدْقٌ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ الَّذِي تَعَرَّى عَنْ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَلَا يَلْزَمُ عَلَى مُقْتَضَيْ قَوْلِهِ إشْكَالٌ، وَيَكُونُ الْخَبَرُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ صِدْقٌ وَكَذِبٌ وَلَا صِدْقَ وَلَا كَذِبَ، وَتَقْرِيرُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْخَبَرَ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْ مُخْبِرِهِ لَا بِالْوُقُوعِ وَلَا بِعَدَمِ الْوُقُوعِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْوُقُوعِ أَوْ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ فَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ عَنْ مُخْبِرِهِ لَا بِالْوُقُوعِ وَلَا بِعَدَمِ الْوُقُوعِ فَهَذَا الْخَبَرُ لَا يَتَّصِفُ لَا بِالصِّدْقِ وَلَا بِالْكَذِبِ، وَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ عَنْ مُخْبِرِهِ بِالْوُقُوعِ أَوْ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ فَإِمَّا أَنْ يُطَابِقَ أَوْ لَا يُطَابِقَ فَإِنْ طَابَقَ فَهُوَ الصِّدْقُ. وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ فَهُوَ الْكَذِبُ وَبِهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقُلْتُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي نَحْوِ قَوْلِكَ جِئْتُكَ أَلْفَ أَلْفَ مَرَّةٍ كَذِبٌ وَلَوْ عَلَى غَيْرِ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ إنْ قَصَدَ بِهَا ظَاهِرَ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُطَابِقْ الْوَاقِعَ وَصِدْقٌ إنْ قَصَدَ بِهَا الْمُبَالَغَةَ فِي الْكَثْرَةِ أَوْ اسْتَعْمَلَ لَفْظَهَا فِي مُطْلَقِ الْكَثْرَةِ مَجَازًا لِعَلَاقَةِ الْخُصُوصِيَّةِ أَمَّا عَلَى الثَّانِي فَظَاهِرٌ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ وَضْعِ الْمَجَازِ لِمَعْنَاهُ، وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّ الصِّدْقَ مُطَابَقَةُ حُكْمِ الْخَبَرِ الَّذِي تَضْمَنَّهُ الْمَعْنَى الْمُرَادُ لِلْوَاقِعِ لَا خُصُوصُ الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ فَتَدَبَّرْ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ التَّمَدُّحِ بِالْوَفَاءِ فِي الْوَعْدِ وَالْعَفْوِ فِي الْوَعِيدِ وَوُجُودُ الْخَبَرِ بِدُونِ خِصِّيصَتِهِ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي بَابِ الْإِخْبَارِ إنَّ قَوْلَكَ إذَا فَرَضْتَ صِدْقَ زَيْدٍ مَثَلًا عَلَى الْإِطْلَاقِ زَيْدٌ وَمُسَيْلِمَةُ الْحَنَفِيُّ صَادِقَانِ أَوْ كَاذِبَانِ فِي قُوَّةِ خَبَرَيْنِ تَقْدِيرُهُمَا عَلَى الْأَوَّلِ زَيْدٌ صَادِقٌ وَمُسَيْلِمَةُ صَادِقٌ، وَعَلَى الثَّانِي زَيْدٌ كَاذِبٌ وَمُسَيْلِمَةُ كَاذِبٌ فَيَصْدُقُ مَفْهُومُ الْكَذِبِ فِي مُسَيْلِمَةَ وَيَكْذِبُ فِي زَيْدٍ، وَمَفْهُومُ الصِّدْقِ بِالْعَكْسِ لَا خَبَرٌ وَاحِدٌ حَتَّى يَلْزَمَهُ ارْتِفَاعُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا، وَإِلَّا لَصَدَقَ مُسَيْلِمَةُ فِي قَوْلِك هُمَا صَادِقَانِ أَوْ لَكَذَبَ زَيْدٌ فِي قَوْلِك هُمَا كَاذِبَانِ، وَأَنْ يَكُونُ كَاذِبًا وَإِلَّا لَصَدَقَ مُسَيْلِمَةُ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ لَكَذَبَ زَيْدٌ عَلَى الثَّانِي. اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَبْطُلُ بِتَضْيِيقِ الْفَرْضِ بِأَنْ نَقُولَ الْمَجْمُوعُ صَادِقٌ أَوْ كَاذِبٌ وَنَجْعَلُ الْخَبَرَ عَنْ الْمَجْمُوعِ وَهُوَ مُفْرَدٌ فِي اللَّفْظِ، أَوْ يَقُولُ الْمُتَكَلِّمُ أَرَدْتُ الْمَجْمُوعَ وَالْإِخْبَارَ عَنْهُ وَلَمْ أُرِدْ الْإِخْبَارَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالْحَقُّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْفَخْرُ أَنْ نَلْتَزِمَ فِي هُمَا صَادِقَانِ أَوْ هُمَا كَاذِبَانِ أَنَّ الْخَبَرَ كَذِبٌ؛ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ أَخْبَرَ فِي الْأَوَّلِ عَنْ حُصُولِ الْمُطَابَقَةِ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَفِي الثَّانِي عَنْ ثُبُوتِ عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ حَقِيقَةِ كُلٍّ مِنْ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ بِانْتِفَاءِ جُزْئِهَا فَتَنْتَفِي الْمُطَابَقَةُ فِي الْمَجْمُوعِ بِنَفْيِهَا فِي أَحَدِهِمَا، وَكَذَلِكَ يَنْتَفِي ثُبُوتُ عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ فِي الْمَجْمُوعِ بِنَفْيِهِ فِي أَحَدِهِمَا وَلَا شَكَّ فِي انْتِفَاءِ الْمُطَابَقَةِ أَوْ ثُبُوتِ عَدَمِهَا فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَكُونُ الْحَقُّ نَفْيَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَجْمُوعِ الْوُجُودَيْنِ وَمَجْمُوعِ الْعَدَمَيْنِ فِي قَوْلِكَ: الْوُجُودُ يَشْمَلُ زَيْدًا

نَفْسِ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ فَيُصَدَّقُ أَيْضًا عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ لِعَدَمِ مَا يُطَابِقُهُ الْخَبَرُ لَا لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا وُجِدَ كَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ خَلَقَ زَيْدًا وَحْدَهُ فِي الْعَالَمِ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يُوَافِقْ أَحَدًا فِي مُعْتَقَدِهِ. وَأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ أَحَدًا فِي مُعْتَقَدِهِ فَإِنَّ الْمُوَافَقَةَ وَالْمُخَالَفَةَ لِلْغَيْرِ فَرْعُ وُجُودِ ذَلِكَ الْغَيْرِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ الْغَيْرُ انْتَفَتْ الْمُوَافَقَةُ لَهُ وَالْمُخَالَفَةُ كَذَلِكَ نَقُولُ هَاهُنَا لَمَّا لَمْ يُوجَدْ خَبَرٌ آخَرُ فِي هَذَا الْبَيْتِ صَدَقَ عَلَى هَذَا الْخَبَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ: كُلُّ مَا قُلْتُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ كَذِبٌ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِانْتِفَاءِ مَا تَقَعُ الْمُطَابَقَةُ مَعَهُ فَهُوَ كَذِبٌ جَزْمًا، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَفْهَمَ مِنْ قَوْلِنَا أَنَّ الْكَذِبَ هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي لَيْسَ بِمُطَابِقِ هَذَا الْمَعْنَى الْعَامَّ الَّذِي يُصَدَّقُ بِطَرِيقَيْنِ وُجِدَ شَيْءٌ يُخَالِفُهُ الْخَبَرُ أَوْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ غَيْرَ أَنَّ غَالِبَ الِاسْتِعْمَالِ هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ، وَالْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الْعَامِّ، وَكَذَلِكَ نُجِيبُ عَنْ ارْتِفَاعِ النَّقِيضَيْنِ بِأَنْ نَقُولَ الْوَاقِعُ مِنْهُمَا عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ بِالتَّفْسِيرِ الْعَامِّ الْمُتَقَدِّمِ، ذِكْرُهُ وَمِثْلُ هَذَا الْخَبَرِ قَوْلُهُ كُلُّ مَا تَكَلَّمْتُ بِهِ فِي جَمِيعِ عُمْرِي كَذِبٌ، وَكَانَ لَمْ يَكْذِبْ قَطُّ فَهَذَا الْخَبَرُ كَذِبٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْأَخْبَارَ الْمُتَقَدِّمَةَ فِي عُمْرِهِ فَهُوَ كَاذِبٌ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ صِدْقًا وَإِنْ أَرَادَ هَذَا الْأَخِيرَ وَحْدَهُ فَهُوَ لَيْسَ بِصِدْقٍ لِعَدَمِ خَبَرٍ آخَرَ يُطَابِقُهُ، وَهُوَ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مُخْبِرٌ أَنَّ خَبَرَهُ هَذَا الْأَخِيرَ خَبَرَانِ: أَحَدُهُمَا غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْآخَرِ وَهُوَ لَيْسَ خَبَرَيْنِ فَيَكُونُ كَذِبًا قَطْعًا سَوَاءٌ أَرَادَ الْأَخْبَارَ الْمُتَقَدِّمَةَ أَوْ أَرَادَ هَذَا الْخَبَرَ هَذَا الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــSالتَّقْرِيرِ تَصِحُّ الْقِسْمَةُ الْمُنْحَصِرَةُ، وَيَبْطُلُ حِينَئِذٍ حَدُّ الْخَبَرِ أَوْ رَسْمُهُ بِأَنَّهُ الْقَوْلُ الَّذِي يَلْزَمُهُ الصِّدْقُ أَوْ الْكَذِبُ، وَيُحَدُّ أَوْ يُرْسَمُ بِأَنَّهُ الْقَوْلُ الَّذِي يَقْصِدُ قَائِلُهُ بِهِ تَعْرِيفَ الْمُخَاطَبِ بِأَمْرٍ إمَّا هَذَا أَوْ مَا يُشْبِهُهُ أَوْ يُقَارِبُهُ فَإِنْ قِيلَ التَّعْرِيفُ هُوَ الْإِخْبَارُ فَفِيهِ حَدُّ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ الرُّسُومَ تَقْرِيبٌ لَا تَحْقِيقٌ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْخَبَرَ مَعْرُوفٌ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْإِنْشَاءِ مَعْرُوفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (وَمِثْلُ هَذَا الْخَبَرِ قَوْلُهُ كُلُّ مَا تَكَلَّمْتُ بِهِ فِي جَمِيعِ عُمْرِي كَذِبٌ وَكَانَ لَمْ يَكْذِبْ قَطُّ فَهَذَا الْخَبَرُ كَذِبٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْأَخْبَارَ الْمُتَقَدِّمَةَ فِي عُمْرِهِ فَهُوَ كَاذِبٌ لِأَنَّهَا كَانَتْ صِدْقًا) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ (وَإِنْ أَرَادَ هَذَا الْخَبَرَ الْأَخِيرَ وَحْدَهُ فَهُوَ لَيْسَ بِصِدْقٍ لِعَدَمِ خَبَرٍ آخَرَ يُطَابِقُهُ) قُلْتُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ احْتِمَالِ إرَادَةِ هَذَا الْخَبَرِ بَعِيدٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ كُلُّ مَا لِلْعُمُومِ وَهِيَ نَصٌّ فِيهِ لَا سِيَّمَا مَعَ اقْتِرَانِهَا بِقَوْلِهِ فِي جَمِيعِ عُمْرِي، وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ أَرَادَ أَنَّ كُلَّ مَا قَالَهُ مَا عَدَا هَذَا الْخَبَرَ فَهُوَ كَاذِبٌ لِصِدْقِهِ فِيمَا قَالَ، وَإِنْ أَرَادَ حَتَّى هَذَا الْخَبَرُ فَهُوَ كَاذِبٌ أَيْضًا لَا لِعَدَمِ خَبَرٍ يُطَابِقُهُ هَذَا الْخَبَرُ بَلْ لِإِخْبَارِهِ بِقَضِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ تَقْتَضِي شُمُولَ الْكَذِبِ جَمِيعَ أَقْوَالِهِ فِي جَمِيعِ عُمْرِهِ، وَقَدْ فُرِضَ صَادِقًا فِيمَا عَدَا هَذَا الْخَبَرَ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (وَهُوَ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مُخْبِرٌ أَنَّ خَبَرَهُ هَذَا الْأَخِيرَ خَبَرَانِ أَحَدُهُمَا غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْآخَرِ وَهُوَ لَيْسَ خَبَرَيْنِ فَيَكُونُ كَذِبًا قَطْعًا سَوَاءٌ أَرَادَ الْأَخْبَارَ الْمُتَقَدِّمَةَ، أَوْ أَرَادَ هَذَا الْأَخِيرَ هَذَا الَّذِي اعْتَمَدَهُ فَخْرُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ) قُلْتُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إخْبَارِهِ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِنَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ مُخْبِرًا أَنَّ خَبَرَهُ هَذَا خَبَرَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَمْرًا، وَقَوْلِكَ: الْعَمْدُ يَشْمَلُ زَيْدًا وَعَمْرًا فِي كَوْنِ كُلٍّ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ بِأَنْ يُعْدَمَ أَحَدُهُمَا فِي الْأَوَّلِ وَيُوجَدَ فِي الثَّانِي فَيَكُونُ الْخَبَرُ كَذِبًا فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْفَرْقُ بَيْنَ وَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَعِيدِهِ مُحَالٌ عَقْلًا سَوَاءٌ أُرِيدَ بِهِمَا صُورَةُ اللَّفْظِ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ بِوَضْعِهِ اللُّغَوِيِّ مِنْ الْعُمُومِ، أَوْ أُرِيدَ بِهِمَا مَنْ أُرِيدَ بِالْخِطَابِ وَمَنْ قُصِدَ بِالْإِخْبَارِ عَنْهُ بِالنَّعِيمِ أَوْ الْعِقَابِ أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي جَوَازِ دُخُولِ التَّخْصِيصِ فِيهَا فَجَمِيعُ إخْبَارَاتِ الْوَعِيدِ وَالْوَعْدِ يَخْرُجُ مِنْهَا مَنْ لَمْ يُرَدْ بِاللَّفْظِ. وَيَبْقَى الْمُرَادُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَمَا دَخَلَ التَّخْصِيصُ فِي وَعِيدِهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] بِمَنْ عُفِيَ عَنْهُ تَفَضُّلًا أَوْ بِالتَّوْبَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ يَرَ شَرًّا مَعَ عَمَلِهِ لَهُ، كَذَلِكَ دَخَلَ التَّخْصِيصُ فِي وَعْدِهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] بِمَنْ حَبِطَ عَمَلُهُ بِرِدَّتِهِ وَسُوءِ خَاتِمَتِهِ أَوْ أُخِذَتْ أَعْمَالُهُ فِي الظُّلَامَاتِ بِالْقِصَاصِ وَغَيْرِهِ فَلَمْ يَرَ خَيْرًا مَعَ أَنَّهُ عَمَلُهُ. وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ لَا يَقَعَ مُخْبَرُهُ تَعَالَى مِنْ وَعِيدٍ أَوْ وَعْدٍ عَلَى مَنْ أَرَادَهُ تَعَالَى بِخَبَرِهِ وَإِلَّا لَحَصَلَ الْخُلْفُ الْمُسْتَحِيلُ عَقْلًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بَلْ يَجِبُ حُصُولُ النَّعِيمِ أَوْ الْعَذَابِ لِمَنْ أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِخْبَارِ عَنْ نَعِيمِهِ أَوْ عِقَابِهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْخُلْفُ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْوَعِيدِ صُورَةُ الْعُمُومِ فَيَكُونُ قَابِلًا لِلتَّخْصِيصِ وَبِالْوَعْدِ مَنْ أُرِيدَ بِالْخِطَابِ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ الْمَوْعُودِ، وَعَلَيْهِ يَنْدَفِعُ الْمُحَالُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَيَصِحُّ مَا وَقَعَ لِابْنِ نَبَاتَةَ فِي خُطْبَةٍ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي إذَا وَعَدَ وَفَى وَإِذَا أَوْعَدَ تَجَاوَزَ وَعَفَا نَظَرًا لِمَا جَرَتْ الْعَوَائِدُ بِهِ مِنْ التَّمَدُّحِ بِالْوَفَاءِ فِي الْوَعْدِ وَالْعَفْوِ فِي الْوَعِيدِ كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ: وَإِنِّي إذَا أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ ... لَمُخْلِفُ إيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي إذْ يُمْكِنُ أَنْ يُخَرَّجَ لِكَلَامِهِ وَجْهٌ، وَهُوَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخَصِّصُهُ إلَّا الرِّدَّةُ لَا غَيْرُ وَوَعِيدَهُ يُخَصِّصُهُ الْإِيمَانُ وَهُوَ نَظِيرُ الرِّدَّةِ وَالتَّوْبَةُ وَالشَّفَاعَةُ وَالْمَغْفِرَةُ وَلَا مُقَابِلَ لَهَا فِي جِهَةِ الْوَعْدِ، فَلَمَّا كَانَتْ مُخَصِّصَاتُ الْوَعْدِ أَقَلَّ مِنْ مُخَصِّصَاتِ الْوَعِيدِ صَحَّ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِمَا ذُكِرَ، وَلَيْسَ مِنْ الْإِيهَامِ الْمَمْنُوعِ إيهَامٌ مِثْلُ هَذَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْفُو عَمَّنْ

[المسألة الرابعة خبر كاذب مع أن متقدماته صحيحة فكيف ينتج الصادق الخبر الكاذب]

وَاَلَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ الْخَبَرَ الْأَخِيرَ وَحْدَهُ وَيَكُونُ عَدَمُ مُطَابَقَتِهِ لِعَدَمِ مَا تُمْكِنُ الْمُطَابَقَةُ مَعَهُ فَهُوَ غَيْرُ مُطَابَقٍ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ. فَقَوْلُهُ إنَّهُ كَذِبٌ صَدَقَ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ فَلَا يُقْطَعُ بِكَذِبِ هَذَا الْخَبَرِ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ فَإِنْ كَذَبَ فِي جُمْلَةِ عُمْرِهِ أَوْ فِي جَمِيعِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ، ثُمَّ قَالَ كُلُّ مَا تَكَلَّمْتُ بِهِ فِي عُمْرِي صِدْقٌ أَوْ جَمِيعُ مَا قُلْتُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ صِدْقٌ فَإِنْ أَرَادَ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ قَبْلَ هَذَا الْخَبَرِ فَهُوَ كَاذِبٌ، وَإِنْ أَرَادَ هَذَا الْخَبَرَ فَهُوَ كَاذِبٌ أَيْضًا فَإِنَّ الصِّدْقَ مُطَابَقَةُ الْخَبَرِ لِغَيْرِهِ، وَالْخَبَرُ عَنْ الْخَبَرِ بِأَنَّهُ صِدْقٌ يَقْتَضِي تَقَدُّمَ رُتْبَةِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ عَنْ الْخَبَرِ، وَتَأَخُّرُ الشَّيْءِ عَنْ نَفْسِهِ بِالرُّتْبَةِ مُحَالٌ، وَإِنْ أَرَادَ الْمَجْمُوعَ مِنْ الْأَخْبَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهَذَا الْخَبَرَ فَالْمُطَابَقَةُ لَمْ تَحْصُلْ أَيْضًا فِي الْجَمِيعِ فَهُوَ كَذِبٌ أَيْضًا، وَكَذِبٌ وَلَمْ يَتَأَتَّ هُنَا فِي الْخَبَرِ الْأَخِيرِ مَا تَأَتَّى لَنَا فِيهِ إذَا قَالَ: أَنَا كَاذِبٌ فِيهِ لِأَنَّ الصِّدْقَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُطَابَقَةُ فَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى شَيْئَيْنِ حَتَّى تَحْصُلَ الْمُطَابَقَةُ بَيْنَهُمَا أَمَّا إذَا قَالَ أَنَا كَاذِبٌ فِيهِ فَقَدْ ادَّعَى عَدَمَ الْمُطَابَقَةِ وَهِيَ تُصَدَّقُ بِطَرِيقَيْنِ إمَّا بِمُخْبَرٍ عَنْهُ غَيْرِ مُطَابِقٍ، وَإِمَّا بِعَدَمِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فَلَا جَرَمَ أَمْكَنَنَا أَنْ نَجْعَلَ الْخَبَرَ الْوَاحِدَ كَذِبًا وَلَمْ يُمْكِنَّا أَنْ نَجْعَلَهُ صِدْقًا فَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَرْقَ وَلَاحِظْ فِيهِ أَنَّ الْكَذِبَ أَعَمُّ، وَالْأَعَمُّ قَدْ يُوجَدُ حَيْثُ لَا يُوجَدُ الْأَخَصُّ، وَأَمَّا الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَقَصَرَ الْكَذِبَ فِي عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ عَلَى أَحَدِ قِسْمَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (وَاَلَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ الْخَبَرَ الْأَخِيرَ وَحْدَهُ، وَيَكُونُ عَدَمُ مُطَابَقَتِهِ لِعَدَمِ مَا تُمْكِنُ الْمُطَابَقَةُ مَعَهُ فَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، فَقَوْلُهُ إنَّهُ كَذِبٌ صَدَقَ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ فَلَا يُقْطَعُ بِكَذِبِ هَذَا الْخَبَرِ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ) قُلْتُ قَدْ سَبَقَ أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ كَالْمُمْتَنِعِ مَعَ أَنَّ فِيهِ أَمْرًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ بِعَيْنِهِ صِدْقٌ وَكَذِبٌ مَعًا، وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ أَصْلًا وَمَا سَبَبُ هَذَا الِارْتِبَاكِ وَالتَّخَبُّطِ الَّذِي لَا يُعْقَلُ إلَّا الْتِزَامُ أَنَّ الْخَبَرَ لَا يَخْلُو عَنْ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، أَمَّا إذَا قُلْنَا يَخْلُو عَنْهُمَا ارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ لَا مَحَالَةَ. قَالَ (فَإِنْ كَذَبَ فِي جُمْلَةِ عُمْرِهِ أَوْ فِي جَمِيعِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ، ثُمَّ قَالَ كُلُّ مَا تَكَلَّمْتُ بِهِ فِي عُمْرِي صِدْقٌ أَوْ جَمِيعُ مَا قُلْتُهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ صِدْقٌ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ أَمْكَنَنَا أَنْ نَجْعَلَ الْخَبَرَ الْوَاحِدَ كَذِبًا وَلَمْ يُمْكِنَّا أَنْ نَجْعَلَهُ صِدْقًا) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ وَمَبْنِيٌّ عَلَى الْفَرْقِ الَّذِي قَرَّرَهُ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَأَنَّ الصِّدْقَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمُطَابَقَةِ فَيَلْزَمُ سَبْقُ مُخْبَرٍ عَنْهُ بِخِلَافِ الْكَذِبِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ بَلْ ذَلِكَ أَوْ عَدَمُ مَخْبَرٍ عَنْهُ أَلْبَتَّةَ. قَالَ (فَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَرْقَ وَلَاحِظْ فِيهِ أَنَّ الْكَذِبَ أَعَمُّ، وَالْأَعَمُّ قَدْ يُوجَدُ حَيْثُ لَا يُوجَدُ الْأَخَصُّ فَأَمَّا الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ الْبَابَيْنِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ الْأَصَحُّ مَا قَالَهُ الْفَخْرُ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَتَتَّضِحُ الْمَسْأَلَةُ بِالتَّقْسِيمِ الْحَاضِرِ فَنَقُولُ لَا يَخْلُو قَائِلُ كُلُّ مَا تَكَلَّمْتُ بِهِ فِي جَمِيعِ عُمْرِي كَذِبٌ أَنْ يَكُونَ تَكَلَّمَ قَبْلَ هَذَا الْكَلَامِ، أَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ فَإِنْ تَكَلَّمَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ تَكَلَّمَ بِكَذِبٍ أَوْ بِصِدْقٍ وَكَذِبٍ فَإِنْ كَانَ تَكَلَّمَ بِكَذِبٍ لَا غَيْرُ فَكَلَامُهُ هَذَا صَادِقٌ، وَإِنْ كَانَ تَكَلَّمَ بِصِدْقٍ لَا غَيْرُ أَوْ بِصِدْقٍ وَكَذِبٍ فَكَلَامُهُ هَذَا كَذِبٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ قَبْلَ هَذَا الْكَلَامِ فَكَلَامُهُ هَذَا كَذِبٌ عَلَى مَا سَلَكَ الشِّهَابُ وَلَا صَدَقَ وَلَا كَذَبَ عَلَى مَا سَلَكَ غَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأُرِيدَ بِالْوَعِيدِ وَلَا يَقْتَصِرُ الْمَفْهُومُ عَلَى التَّخْصِيصِ فَقَطْ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ التَّمَدُّحِ بِالْعَفْوِ، وَإِنْ أَكْذَبَ أَحَدُنَا نَفْسَهُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: لَمُخْلِفُ إيعَادِي فَإِنَّ الْكَذِبَ جَائِزٌ عَلَيْنَا ... وَنَمْدَحُ بِهِ وَيَحْسُنُ مِنَّا فِي مَوَاطِنَ وَهُوَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَبَطَلَتْ كُلِّيَّتُهُ الْكُبْرَى الَّتِي هِيَ شَرْطُ إنْتَاجِ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ فِي الْقِيَاسِ الْقَائِلِ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ نَبَاتَةَ الْمَذْكُورِ إطْلَاقٌ لِمَا يُوهِمُ مُحَالًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِطْلَاقُ مَا يُوهِمُ مُحَالًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى حَرَامٌ، فَمِثْلُ قَوْلِ ابْنِ نَبَاتَةَ الْمَذْكُورِ حَرَامٌ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ خَبَرٌ كَاذِبٌ مَعَ أَنَّ مُتَقَدِّمَاتِهِ صَحِيحَةٌ فَكَيْفَ يُنْتِجُ الصَّادِقُ الْخَبَرَ الْكَاذِبَ] (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إنَّمَا كَذَبَتْ نَتِيجَةُ الْمُقَدِّمَتَيْنِ الصَّادِقَتَيْنِ فِي الشَّكْلِ الْأَوَّلِ الْمُنْتَظِمِ بِنَحْوِ قَوْلِكَ الْإِنْسَانُ وَحْدَهُ نَاطِقٌ، وَكُلُّ نَاطِقٍ حَيَوَانٌ يَنْتِجُ الْإِنْسَانُ وَحْدَهُ حَيَوَانٌ وَهَذَا خَبَرٌ كَاذِبٌ إذْ لَيْسَ الْإِنْسَانُ وَحْدَهُ حَيَوَانًا بَلْ هُوَ وَغَيْرُهُ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى فِي الشَّكْلِ الْمَذْكُورِ مُقَدِّمَتَانِ مُوجِبَةٌ وَهِيَ الْإِنْسَانُ نَاطِقٌ وَسَالِبَةٌ وَهِيَ مَدْلُولُ وَحْدَهُ لُغَةً وَهِيَ غَيْرُ الْإِنْسَانِ غَيْرُ نَاطِقٍ فَبِاعْتِبَارِ مَجْمُوعِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ وَالسَّالِبَةِ فَقَطْ فِي صُغْرَى الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ صَارَ كَذِبُ النَّتِيجَةِ لِعَدَمِ إيجَابِ الصُّغْرَى الَّذِي هُوَ مِنْ شَرْطِ إنْتَاجِ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ، أَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ السَّالِبَةِ فَقَطْ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ الْمَجْمُوعِ فَلِأَنَّ الْإِيجَابَ مَعَ النَّفْيِ غَيْرُ الْإِيجَابِ وَحْدَهُ إذْ الشَّيْءُ مَعَ غَيْرِهِ فِي نَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا قِيَاسَ عَنْ ثَلَاثِ مُقَدِّمَاتٍ، وَاعْتِبَارُ الْمُوجِبَةِ فَقَطْ يَقْتَضِي عَدَمَ ذِكْرِ وَحْدَهُ فِي النَّتِيجَةِ فَافْهَمْ الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى لَمَّا قُيِّدَ مَوْضُوعُهَا بِوَحْدَهُ كَانَ يَجِبُ أَنْ يُقَيَّدَ مَوْضُوعُ الثَّانِيَةِ بِقَيْدِ مَوْضُوعِ الْأُولَى أَيْضًا، وَلَوْ قُيِّدَ كَذَلِكَ لَظَهَرَ فَسَادُ الثَّانِيَةِ إذْ لَيْسَ الْإِنْسَانُ وَحْدَهُ حَيَوَانًا بَلْ هُوَ وَغَيْرُهُ فَفَسَادُ النَّتِيجَةِ لِفَسَادِ إحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ قُلْتُ وَهَذَا الْأَمْرُ الثَّانِي أَوْلَى مِنْ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ إذْ رُبَّمَا قِيلَ عَلَى الْأَوَّلِ بِعَدَمِ تَسْلِيمِ كَوْنِ مَدْلُولِ وَحْدَهُ لُغَةً الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْإِنْسَانِ غَيْرُ نَاطِقٍ قَضِيَّةً سَالِبَةً بَلْ هِيَ مُوجَبَةٌ مَعْدُولَةُ الطَّرَفَيْنِ فَافْهَمْ

[المسألة الخامسة كذب نتيجة المقدمتين الصادقتين]

وَقَالَ إذَا قَالَ أَنَا كَاذِبٌ فِي الْخَبَرِ الْأَخِيرِ هُوَ كَاذِبٌ لَتَأَخَّرَ الْخَبَرُ عَنْ الْمُخْبَرِ عَنْهُ بِالرُّتْبَةِ، وَتَأَخُّرُ الشَّيْءِ عَنْ نَفْسِهِ مُحَالٌ لَكِنْ الْكَذِبُ أَعَمُّ مِمَّا ادَّعَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَلَا يَلْزَمُ مَا قَالَهُ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَعْدُ اللَّهِ تَعَالَى وَوَعِيدُهُ وَقَعَ لِابْنِ نَبَاتَةَ فِي خُطْبَةٍ " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي إذَا وَعَدَ وَفَى وَإِذَا أَوْعَدَ تَجَاوَزَ وَعَفَا " وَحَسُنَ ذَلِكَ عِنْدَهُ مَا جَرَتْ الْعَوَائِدُ بِهِ مِنْ التَّمَدُّحِ بِالْوَفَاءِ فِي الْوَعْدِ وَالْعَفْوِ فِي الْوَعِيدِ. قَالَ الشَّاعِرُ: وَإِنِّي إذَا أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ ... لَمُخْلِفُ إيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي تَمَدَّحَ بِهِمَا، وَقَدْ أَنْكَرَ الْعُلَمَاءُ عَلَى ابْنِ نَبَاتَةَ ذَلِكَ، وَتَقْرِيرُ الْإِنْكَارِ أَنَّ كَلَامَهُ هَذَا يُشْعِرُ بِثُبُوتِ الْفَرْقِ بَيْنَ وَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَعِيدِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ عَقْلًا؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ صُورَةَ اللَّفْظِ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ بِوَضْعِهِ اللُّغَوِيِّ مِنْ الْعُمُومِ فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي جَوَازِ دُخُولِ التَّخْصِيصِ فِيهِمَا، فَكَمَا دَخَلَ التَّخْصِيصُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 8] بِمَنْ عُفِيَ عَنْهُ تَفَضُّلًا أَوْ بِالتَّوْبَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ يَرَ شَرًّا مَعَ عَمَلِهِ لَهُ فَكَذَلِكَ دَخَلَ التَّخْصِيصُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] بِمَنْ حَبِطَ عَمَلُهُ بِرِدَّتِهِ وَسُوءِ خَاتِمَتِهِ أَوْ أُخِذَتْ أَعْمَالُهُ فِي الظُّلَامَاتِ بِالْقِصَاصِ وَغَيْرِهِ، فَلَمْ يَرَ خَيْرًا مَعَ أَنَّهُ عَمِلَهُ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ إخْبَارَاتِ الْوَعِيدِ وَالْوَعْدِ يَخْرُجُ مِنْهَا مَنْ لَمْ يُرِدْ بِاللَّفْظِ وَيَبْقَى الْمُرَادُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ مَنْ أُرِيدَ بِالْخِطَابِ وَمَنْ قَصَدَ بِالْإِخْبَارِ عَنْهُ بِالنَّعِيمِ أَوْ الْعِقَابِ فَيَسْتَحِيلُ أَنَّ مَنْ أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْخَبَرِ أَنْ لَا يَقَعَ مُخْبَرُهُ. وَإِلَّا لَحَصَلَ الْخُلْفُ الْمُسْتَحِيلُ عَقْلًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بَلْ يَجِبُ حُصُولُ النَّعِيمِ لِمَنْ أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِخْبَارِ عَنْ نَعِيمِهِ وَحُصُولِ الْعِقَابِ لِمَنْ أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِخْبَارِ عَنْ عِقَابِهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْخُلْفُ فَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا فَإِنَّ قُلْتَ إنْ أُرِيدَ بِالْوَعِيدِ صُورَةُ الْعُمُومِ وَهُوَ قَابِلٌ لِلتَّخْصِيصِ وَبِالْوَعْدِ مَنْ أُرِيدَ بِالْخِطَابِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ الْمَوْعُودِ يَنْدَفِعُ الْمُحَالُ، وَتَصِحُّ هَذِهِ الْعِبَارَةُ قُلْتُ هَذَا يُمْكِنُ غَيْرَ أَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْفُو عَمَّنْ أُرِيدَ بِالْوَعِيدِ وَلَا يَقْتَصِرُ الْمَفْهُومُ عَلَى التَّخْصِيصِ فَقَطْ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ التَّمَدُّحِ بِالْعَفْوِ وَإِنْ أَكْذَبَ أَحَدُنَا نَفْسَهُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: فَإِنَّ الْكَذِبَ جَائِزٌ عَلَيْنَا ... وَنَمْدَحُ بِهِ وَيَحْسُنُ مِنَّا فِي مَوَاطِنَ وَهُوَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِذَا أَوْهَمَ مِثْلَ هَذَا حَرُمَ إطْلَاقُهُ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ مَا يُوهِمُ مُحَالًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى حَرَامٌ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا فَرَضْنَا رَجُلًا صَادِقًا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ زَيْدٌ فَقُلْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَعْدُ اللَّهِ تَعَالَى وَوَعِيدُهُ وَقَعَ لِابْنِ نَبَاتَةَ فِي خُطْبَةٍ " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي إذَا وَعَدَ وَفَى، وَإِذَا أَوْعَدَ تَجَاوَزَ وَعَفَا إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: جَزَمَ الشِّهَابُ بِخَطَأِ ابْنِ نَبَاتَةَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُخَرَّجَ لِكَلَامِهِ وَجْهٌ، وَهُوَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخَصِّصُهُ إلَّا الرِّدَّةُ لَا غَيْرُ وَوَعِيدُهُ يُخَصِّصُهُ الْإِيمَانُ، وَهُوَ نَظِيرُ الرِّدَّةِ وَالتَّوْبَةِ وَالشَّفَاعَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَلَا مُقَابِلَ لَهَا فِي جِهَةِ الْوَعْدِ فَلَمَّا كَانَ الْوَعْدُ مُخَصِّصَاتُهُ أَقَلُّ مِنْ مُخَصِّصَاتِ الْوَعِيدِ صَحَّ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ إيهَامِ الْعَفْوِ عَمَّنْ أُرِيدَ بِالْوَعِيدِ لَيْسَ مِنْ الْإِيهَامِ الْمَمْنُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إذَا فَرَضْنَا رَجُلًا صَادِقًا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ زَيْدٌ فَقُلْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ كَذِبُ نَتِيجَةِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ الصَّادِقَتَيْنِ] ِ فِي الشَّكْلِ الْأَوَّلِ الْمُنْتَظِمِ بِنَحْوِ قَوْلِكَ الْفُولُ يَغْذُو الْحَمَامَ وَالْحَمَامُ يَغْذُو الْبَازِيَ يَنْتِجُ الْفُولُ يَغْذُو الْبَازِيَ وَهَذَا خَبَرٌ كَاذِبٌ إذْ الْبَازِي لَا يَأْكُلُ إلَّا اللَّحْمَ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ فَوَاتِ شَرْطِ الْإِنْتَاجِ الَّذِي هُوَ اتِّحَادُ الْوَسَطِ فَإِنَّ ضَابِطَ اتِّحَادِهِ فِي الشَّكْلِ الْأَوَّلِ أَنْ تَأْخُذَ عَيْنَ خَبَرِ الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى فَتَجْعَلَهُ مُبْتَدَأً فِي الثَّانِيَةِ، وَهُنَا لَمْ تَأْخُذْهُ بَلْ أَخَذْتَ مَفْعُولَهُ وَجَعَلْتَهُ مُبْتَدَأً فِي الثَّانِيَةِ، وَنَظِيرُهُ أَنْ تَقُولَ زَيْدٌ مُكْرِمٌ خَالِدًا وَخَالِدٌ مُكْرِمٌ عَمْرًا يَنْتِجُ زَيْدٌ مُكْرِمٌ عَمْرًا، وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ زَيْدٌ عَدُوًّا لِعَمْرٍو فَلَمْ يُكْرِمْهُ فَظَهَرَ أَنَّهُ مَتَى أَخَذْتَ مَفْعُولَ الْوَسَطِ بَطَلَ الْإِنْتَاجُ، وَمَتَى أَخَذْتَهُ نَفْسَهُ فَهُوَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِنْتَاجُ وَيَصْدُقُ مَعَهُ الْخَبَرُ النَّاشِئُ مِنْ الْقِيَاسِ. [الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ الْمُنْقَسِمَ إلَى شَيْئَيْنِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا] (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) كَذِبُ نَتِيجَةِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ الصَّادِقَتَيْنِ فِي الشَّكْلِ الْأَوَّلِ الْمُنْتَظِمِ بِنَحْوِ قَوْلِكَ كُلُّ زَوْجٍ عَدَدٌ، وَالْعَدَدُ إمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ يَنْتِجُ الزَّوْجُ إمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ، وَهَذَا خَبَرٌ كَاذِبٌ إذْ الشَّيْءُ لَا يَنْقَسِمُ إلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ أَنَّكَ إنْ أَرَدْتَ بِلَفْظِ الْعَدَدِ فِي الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ الْعَدَدَ فِي أَيِّ حَالَةٍ كَانَ مَعْنَى كَلَامِكَ الْعَدَدُ حَالَةَ كَوْنِهِ زَوْجًا أَوْ حَالَةَ كَوْنِهِ فَرْدًا هُوَ مُنْقَسِمٌ إلَى الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يَنْقَسِمُ إلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ فَهَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ كَاذِبَةٌ ضَرُورَةً عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، وَإِنْ أَرَدْتَ بِلَفْظِ الْعَدَدِ الْعَدَدَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ كَانَ إشَارَةً إلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَعْدَادِ، وَانْقِسَامُ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ إلَى أَنْوَاعٍ صَادِقٌ فَصَدَقَتْ الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إلَّا أَنَّهَا جُزْئِيَّةٌ فَإِنَّ الْمُشْتَرَكَ يَكْفِي فِي تَحَقُّقِهِ صُورَةً وَاحِدَةً، وَلِأَنَّ كُلِّيَّةَ الْمُنْفَصِلَةِ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ أَرْبَابِ الْمَنْطِقِ إذَا سُوِّرَتْ بِمَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ ثَابِتٌ لِذَلِكَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَعَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ، وَشَرْطُ الْإِنْتَاجِ كُلِّيَّةُ الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ فَظَهَرَ أَنَّ كَذِبَ النَّتِيجَةِ إمَّا لِكَذِبِ الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِمَّا لِفَوَاتِ شَرْطِ الْإِنْتَاجِ الَّذِي هُوَ كُلِّيَّتُهَا [الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ الْوَتَدُ فِي الْحَائِطِ وَالْحَائِطُ فِي الْأَرْضِ يَنْتِجُ قَوْلُهُ الْوَتَدُ فِي الْأَرْضِ] (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) إذَا قُلْنَا إنَّ مَعْنَى تَسْمِيَةِ

[المسألة الثامنة المحال في النتيجة]

زَيْدٌ وَمُسَيْلِمَةُ الْحَنَفِيُّ صَادِقَانِ أَوْ كَاذِبَانِ اسْتَحَالَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا، وَإِلَّا لَصَدَقَ مُسَيْلِمَةُ فِي قَوْلِنَا هُمَا صَادِقَانِ أَوْ لَكَذَبَ زَيْدٌ فِي قَوْلِنَا هُمَا كَاذِبَانِ. وَيَسْتَحِيلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخَبَرُ كَاذِبًا لِلُزُومِ صِدْقِ مُسَيْلِمَةَ فِي قَوْلِنَا هُمَا كَاذِبَانِ أَوْ كَذِبِ زَيْدٍ فِي قَوْلِنَا هُمَا صَادِقَانِ، لَكِنْ كَذِبُ زَيْدٍ مُحَالٌ لِأَنَّ الْفَرْضَ خِلَافُهُ وَإِذَا ارْتَفَعَ عَنْهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ لَزِمَ ارْتِفَاعُ النَّقِيضَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ قَبْلَ هَذَا فِيمَنْ قَالَ: أَنَا كَاذِبٌ فِي بَيْتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ إلَّا بِهَذَا الْكَلَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَبْسُوطًا، وَيَلْزَمُ أَيْضًا وُجُودُ الْخَبَرِ بِدُونِ خِصِّيصَتِهِ وَهُوَ قَبُولُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَهُوَ مُحَالٌ أَيْضًا. وَالْجَوَابُ قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي بَابِ الْإِخْبَارِ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ فِي قُوَّةِ خَبَرَيْنِ فَإِذَا قُلْنَا زَيْدٌ وَمُسَيْلِمَةُ صَادِقَانِ فَتَقْدِيرُهُ زَيْدٌ صَادِقٌ وَمُسَيْلِمَةُ صَادِقٌ وَالْأَوَّلُ خَبَرٌ صَادِقٌ وَالثَّانِي خَبَرٌ كَاذِبٌ، وَكَذَلِكَ إذَا قُلْنَا كَاذِبَانِ صَدَقَ مَفْهُومُ الْكَذِبِ فِي مُسَيْلِمَةَ وَكَذَبَ فِي زَيْدٍ، وَهَذَا الْجَوَابُ يَبْطُلُ بِتَضْيِيقِ الْفَرْضِ بِأَنْ نَقُولَ الْمَجْمُوعُ صَادِقٌ أَوْ كَاذِبٌ وَنَجْعَلُ الْخَبَرَ عَنْ الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ مُفْرَدٌ فِي اللَّفْظِ أَوْ يَقُولُ الْمُتَكَلِّمُ أَرَدْتُ الْمَجْمُوعَ وَالْإِخْبَارَ عَنْهُ، وَلَمْ أُرِدْ الْإِخْبَارَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَبْطُلُ هَذَا الْجَوَابُ. وَالْجَوَابُ الْحَقُّ أَنْ نَلْتَزِمَ فِي قَوْلِنَا هُمَا صَادِقَانِ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْكَذِبَ نَقِيضُ الصِّدْقِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فَإِنَّهُ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ الَّذِي هُوَ نَقِيضُ الْمُطَابَقَةِ، وَالْمُتَكَلِّمُ أَخْبَرَ عَنْ حُصُولِ الْمُطَابَقَةِ فِي الْمَجْمُوعِ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ تَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهَا فَتَنْتَفِي الْمُطَابَقَةُ فِي الْمَجْمُوعِ بِنَفْيِهَا فِي أَحَدِهِمَا وَلَا نَشُكُّ أَنَّهَا مَنْفِيَّةٌ فِي أَحَدِهِمَا فَيَكُونُ الْحَقُّ نَفْيَ الْمُطَابَقَةِ فِي الْمَجْمُوعِ فَيَكُونُ الْخَبَرُ كَذِبًا، وَكَذَلِكَ إذَا قُلْنَا هُمَا كَاذِبَانِ فَإِنَّا أَخْبَرْنَا عَنْ ثُبُوتِ عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِذَا قَالَ قَائِلٌ الْعَدَمُ يَشْمَلُ زَيْدًا وَعَمْرًا كَذَّبَ خَبَرَهُ هَذَا بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّ مَجْمُوعَ الْعَدَمَيْنِ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ كَمَا يَنْتَفِي مَجْمُوعُ الثُّبُوتِ، وَقَدْ أَشَارَ فَخْرُ الدِّينِ إلَى أَنَّ الْخَبَرَ يَكُونُ كَذِبًا غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَبْسُطْ تَقْرِيرَهُ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا قُلْنَا الْإِنْسَانُ وَحْدَهُ نَاطِقٌ وَكُلُّ نَاطِقٍ حَيَوَانٌ فَإِنَّهُ يَنْتِجُ الْإِنْسَانُ وَحْدَهُ حَيَوَانٌ، وَهَذَا خَبَرٌ كَاذِبٌ مَعَ أَنَّ مُتَقَدِّمَاتِهِ صَحِيحَةٌ فَكَيْفَ يُنْتِجُ الصَّادِقُ الْخَبَرَ الْكَاذِبَ، وَذَلِكَ إنْ جَوَّزْنَاهُ يَبْطُلُ عَلَيْنَا بَابُ الِاسْتِدْلَالِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْفَسَادَ إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى هِيَ مُقَدِّمَتَانِ الْتَفَّتْ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى إحْدَاهُمَا سَالِبَةٌ وَالْأُخْرَى مُوجَبَةٌ فَإِنَّ قَوْلَنَا الْإِنْسَانُ وَحْدَهُ نَاطِقٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ نَاطِقٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSزَيْدٌ وَمُسَيْلِمَةُ صَادِقَانِ أَوْ كَاذِبَانِ اسْتَحَالَ ذَلِكَ إلَى آخِرِ تَقْرِيرِ الْإِشْكَالِ، ثُمَّ ذَكَرَ جَوَابَ الْفَخْرِ بِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ خَبَرَيْنِ أَحَدُهُمَا صَادِقٌ وَالْآخَرُ كَاذِبٌ وَرَدَّ الْجَوَابَ بِتَضْيِيقِ الْفَرْضِ فِي السُّؤَالِ عَنْ الْمَجْمُوعِ، أَوْ يَقُولُ الْمُتَكَلِّمُ أَرَدْتُ الْمَجْمُوعَ. وَأَجَابَ بِأَنَّهُ خَبَرٌ كَاذِبٌ، وَأَنَّهُ إنْ أَرَادَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُوَ خَبَرٌ كَاذِبٌ، وَإِنْ أَرَادَ الْمَجْمُوعَ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ الْكُلِّيَّةَ تَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ جَوَابٌ حَسَنٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْهُمَا فَلَا إشْكَالَ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا قُلْنَا الْإِنْسَانُ وَحْدَهُ نَاطِقٌ، وَكُلُّ نَاطِقٍ حَيَوَانٌ فَإِنَّهُ يَنْتِجُ الْإِنْسَانُ وَحْدَهُ حَيَوَانٌ وَهَذَا كَذِبٌ قُلْتُ أَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ الْإِنْسَانُ وَحْدَهُ نَاطِقٌ فِي قُوَّةِ مُقَدِّمَتَيْنِ مُوجَبَةٍ وَسَالِبَةٍ، وَأَكْمَلَ جَوَابَهُ بِنَاءً عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ظَرْفَيْنِ لَيْسَ هُوَ غَيْبَةَ الْمَظْرُوفِ فِيهِمَا وَإِحَاطَتَهُمَا بِهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى مَا يَعْتَقِدُهُ كَثِيرٌ مِنْ النُّحَاةِ مِنْ الظَّرْفِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ مَعْنَى الزَّمَانِ إمَّا اقْتِرَانُ حَادِثٍ بِحَادِثٍ، وَالِاقْتِرَانُ نِسْبَةٌ وَإِضَافَةٌ لَمْ تُحِطْ بِزَيْدٍ كَإِحَاطَةِ ثَوْبِهِ إنَّمَا هِيَ فِي ذَيْنِكَ الْحَادِثَيْنِ لَا تَتَعَدَّاهُمَا، وَإِمَّا حَرَكَاتُ الْأَفْلَاكِ وَالْحَرَكَةُ قَائِمَةٌ فِي الْفَلَكِ لَمْ تُحِطْ بِزَيْدٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَوَادِثِ الْأَرْضِ بَلْ الْمُحِيطُ هُوَ الْفَلَكُ وَحْدَهُ، وَأَنَّ نَحْوَ زَيْدٌ عِنْدَك حَقِيقَةٌ وَإِنْ لَمْ يَغِبْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [البقرة: 255] لَهُ مَا عَلَى ظَهْرِهِمَا كَانَ الْخَبَرُ النَّاشِئُ مِنْ الْمُقَدِّمَتَيْنِ فِي نَحْوِ قَوْلِكَ الْوَتَدُ فِي الْحَائِطِ وَالْحَائِطُ فِي الْأَرْضِ يَنْتِجُ الْوَتَدُ فِي الْأَرْضِ صَادِقًا لَا إشْكَالَ فِيهِ وَإِنْ قُلْنَا مَعْنَى ذَلِكَ غَيْبَةُ الْمَظْرُوفِ فِيهِمَا وَإِحَاطَتُهُمَا بِهِ كَمَا يَقْتَضِيهِ الظَّرْفِيَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ كَانَ الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ كَاذِبًا فَإِنَّ الْوَتَدَ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ إلَّا أَنَّ كَذِبَهُ مِنْ جِهَةِ فَوَاتِ شَرْطِ الْإِنْتَاجِ الَّذِي هُوَ اتِّحَادُ الْوَسَطِ فَإِنَّكَ هُنَا لَمْ تَأْخُذْ عَيْنَ خَبَرِ الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى فَتَجْعَلُهُ مُبْتَدَأً فِي الثَّانِيَةِ كَمَا هُوَ ضَابِطُ الِاتِّحَادِ بَلْ مَفْعُولُهُ بِوَاسِطَةِ حَرْفِ الْجَرِّ وَجَعَلْتَهُ مُبْتَدَأً فِي الثَّانِيَةِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ كَذِبَ الْخَبَرِ النَّاشِئِ عَنْ الْمُقَدِّمَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ بَلْ هُوَ صَادِقٌ؛ لِأَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ الْحَائِطُ فِي الْأَرْضِ إنْ كَانَتْ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَتْ جُمْلَةُ الْحَائِطُ فِي الْأَرْضِ كَانَ الْوَتَدُ فِي الْأَرْضِ خَبَرًا حَقًّا كَقَوْلِنَا الْمَالُ فِي الصُّنْدُوقِ النَّاشِئِ عَنْ قَوْلِكَ الْمَالُ فِي الْكِيسِ وَالْكِيسُ فِي الصُّنْدُوقِ، وَإِنْ كَانَتْ مَجَازًا مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحَائِطَ لَمْ يَغِبْ بِجُمْلَتِهِ فِي الْأَرْضِ بَلْ أَبْعَاضُهُ كَانَ الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ الْوَتَدُ فِي الْأَرْضِ مَجَازًا أَيْضًا لِعَلَاقَةِ الْمُجَاوَرَةِ فَافْهَمْ [الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ الْمُحَالُ فِي النَّتِيجَةِ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) : بِغِيَابِ شَرْطِ الْإِنْتَاجِ الَّذِي هُوَ اشْتِرَاكُ الْمُقَدِّمَتَيْنِ فِي الْوَسَطِ لَزِمَ كَذِبَ النَّتِيجَةِ مَعَ صِدْقِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ فِيمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ ذَهَبٌ

[الفرق بين الشرط اللغوي وغيره من الشروط العقلية والشرعية والعادية]

وَغَيْرَهُ غَيْرُ نَاطِقٍ هَذَا هُوَ مَدْلُولُ وَحْدَهُ لُغَةً فَإِنْ جَعَلْنَا مُقَدِّمَةَ الدَّلِيلِ هِيَ الْمُوجِبَةُ وَحْدَهَا صَحَّ الْكَلَامُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ الْإِنْسَانُ نَاطِقًا، وَكُلُّ نَاطِقٍ حَيَوَانٌ فَيَنْتِجُ كُلُّ إنْسَانٍ حَيَوَانٌ وَلَا مُحَالَ فِي هَذَا. وَإِنْ جَعَلْنَا مُقَدِّمَةَ الْقِيَاسِ هِيَ السَّالِبَةُ لَمْ يَصِحَّ الْإِنْتَاجُ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَهُوَ أَنَّ الشَّكْلَ الْأَوَّلَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ تَكُونَ صُغْرَاهُ مُوجَبَةً وَهَذِهِ سَالِبَةٌ فَلَا يَصِحُّ أَلَا تَرَى أَنَّكَ إذَا قُلْتَ لَا شَيْءَ مِنْ الْإِنْسَانِ بِحَجَرٍ، وَكُلُّ حَجَرٍ جِسْمٌ كَانَتْ النَّتِيجَةُ لَا شَيْءَ مِنْ الْإِنْسَانِ بِجِسْمٍ وَهُوَ بَاطِلٌ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُقَدِّمَةُ الْقِيَاسِ فِي هَذَا الشَّكْلِ مُوجَبَةً إذَا كَانَتْ صُغْرَى وَهَذَا الْكَلَامُ قَدْ جُعِلَتْ فِيهِ سَالِبَةً فَلِذَلِكَ حَصَلَ فِيهِ أَمْرٌ مُحَالٌ، وَإِنْ جَعَلْنَا مَجْمُوعَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ مُقَدِّمَةً وَاحِدَةً امْتَنَعَ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا قِيَاسَ عَنْ ثَلَاثِ مُقَدِّمَاتٍ، وَيَلْزَمُ الْفَسَادُ مِنْ كَوْنِ إحْدَاهُمَا سَالِبَةً كَمَا تَقَدَّمَ. (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) نَقُولُ الْفُولُ يَغْذُو الْحَمَامَ وَالْحَمَامُ يَغْذُو الْبَازِيَ فَالْفُولُ يَغْذُو الْبَازِيَ الْمُقَدِّمَتَانِ صَادِقَتَانِ وَالْخَبَرُ الَّذِي أَنْتَجَتَاهُ كَاذِبٌ وَهُوَ قَوْلُنَا الْفُولُ يَغْذُو الْبَازِيَ فَإِنَّهُ لَا يَأْكُلُ إلَّا اللَّحْمَ فَكَيْفَ يُنْتِجُ الصَّادِقُ الْكَاذِبَ؟ وَذَلِكَ يُخِلُّ بِنِظَامِ الِاسْتِدْلَالِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْفَسَادَ جَاءَ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ اتِّحَادِ الْوَسَطِ فَإِنْ قُلْنَا الْفُولُ يَغْذُو الْحَمَامَ الْأَصْلُ أَنْ نَقُولَ وَكُلُّ مَا يَغْذُو الْحَمَامَ يَغْذُو الْبَازِيَ وَلَمْ نَأْخُذْهُ بَلْ أَخَذْنَا مَفْعُولَ الْمَحْمُولِ وَضَابِطُ اتِّحَادِ الْوَسَطِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الْإِنْتَاجِ أَنْ تَأْخُذَ عَيْنَ الْخَبَرِ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى فَنَجْعَلُهُ مُبْتَدَأً فِي الثَّانِيَةِ، وَهُنَا لَمْ تَأْخُذْهُ بَلْ أَخَذْتَ مَفْعُولَهُ وَجَعَلْتَهُ مُبْتَدَأً فِي الثَّانِيَةِ فَلَمْ يَتَّحِدْ الْوَسَطُ وَإِذَا لَمْ يَتَّحِدْ الْوَسَطُ لَمْ يَحْصُلْ الْإِنْتَاجُ، وَنَظِيرُهُ أَنْ تَقُولَ زَيْدٌ مُكْرِمٌ خَالِدًا وَخَالِدٌ مُكْرِمٌ عَمْرًا يَنْتِجُ زَيْدٌ مُكْرِمٌ عَمْرًا، وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ زَيْدٌ عَدُوًّا لِعَمْرٍو فَلَمْ يُكْرِمْهُ، وَعَلَى هَذَا السُّؤَالِ مَتَى أَخَذْتَ مَفْعُولَ الْوَسَطِ بَطَلَ الْإِنْتَاجُ، وَمَتَى أَخَذْتَهُ نَفْسَهُ فَهُوَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِنْتَاجُ، وَيَصْدُقُ مَعَهُ الْخَبَرُ فَتَأَمَّلْ (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) تَقُولُ كُلُّ زَوْجٍ عَدَدٌ وَالْعَدَدُ إمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ يَنْتِجُ الزَّوْجُ إمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ، وَالْإِخْبَارُ عَنْ كَوْنِ الزَّوْجِ مُنْقَسِمًا إلَى الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ كَاذِبٌ فَإِنَّ الْمُنْقَسِمَ إلَى شَيْئَيْنِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَالزَّوْجُ لَيْسَ مُشْتَرَكًا فِيهِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ فَالْمُقَدِّمَاتُ صَادِقَةٌ وَالْخَبَرُ الَّذِي أَنْتَجَتْهُ كَاذِبٌ فَيَلْزَمُ الْمُحَالُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُحَالَ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الثَّانِيَةَ فِي هَذَا الشَّكْلِ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ كُلِّيَّةً، وَقَوْلُنَا الْعَدَدُ إمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ قَضِيَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ نَصَّ أَرْبَابُ الْمَنْطِقِ عَلَى أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ كُلِّيَّةً بِأَزْمَانِهَا وَأَوْضَاعِهَا فَإِنْ لَمْ تَقَعْ الْإِشَارَةُ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــSذَلِكَ وَهُوَ جَوَابٌ حَسَنٌ وَلِقَائِلٍ أَنْ يُجِيبَ بِأَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى لَمَّا قُيِّدَ مَوْضُوعُهَا بِوَحْدِهِ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَذْكُرَ الْمَوْضُوعَ فِي الثَّانِيَةِ مُقَيَّدًا بِقَيْدِهِ وَلَوْ ذُكِرَ كَذَلِكَ لَظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ إذْ لَيْسَ الْإِنْسَانُ وَحْدَهُ حَيَوَانًا بَلْ هُوَ وَغَيْرُهُ، فَفَسَادُ النَّتِيجَةِ لِفَسَادِ إحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ، وَهَذَا الْجَوَابُ مُغْنٍ عَنْ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّهُ حَسَنٌ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) تَقُولُ الْفُولُ يَغْذُو الْحَمَامَ، وَالْحَمَامُ يَغْذُو الْبَازِيَ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ قُلْتُ: جَوَابُهُ ظَاهِرٌ صَحِيحٌ قَالَ (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) تَقُولُ كُلُّ زَوْجٍ عَدَدٌ وَالْعَدَدُ إمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ قُلْتُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجَوَابِ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَاقُوتٌ وَحَيَوَانٌ، وَكَذَا عَلَى قَوْلِنَا هَذَا الْجَبَلُ ذَهَبٌ بِنَحْوِ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ ذَهَبٌ قَالَ إنَّهُ جِسْمٌ، وَكُلَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ جِسْمٌ صَادِقٌ يَنْتِجُ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ ذَهَبٌ صَادِقٌ، فَلَمْ يَلْزَمْ بِكَذِبِهَا الْمُحَالُ، وَهُوَ إنْتَاجُ الصَّادِقِ الْخَبَرَ الْكَاذِبَ الْمُؤَدِّيَ لِبُطْلَانِ بَابِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّا لَوْ قُلْنَا فِي الِاسْتِدْلَالِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ ذَهَبٌ قَائِلٌ بِأَنَّهُ جِسْمٌ صَادِقٌ يَنْتِجُ أَنَّ كُلَّ قَائِلٍ بِأَنَّهُ ذَهَبٌ صَادِقٌ وَسَلَّمْنَا عَدَمَ فَوَاتِ شَرْطِ الْإِنْتَاجِ الْمَذْكُورِ حِينَئِذٍ، أُجِيبُ بِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الْكَلَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّقْدِيرِ لَا عَلَى نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا مَحْذُورَ فِي الْتِزَامِ أَنَّ الْجَبَلَ ذَهَبٌ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَلَا فِي كَوْنِ الْمُحَالِ فِي النَّتِيجَةِ نَشَأَ عَنْهُ وَثَانِيهَا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ ذَهَبٌ قَائِلٌ بِأَنَّهُ جِسْمٌ إذْ يَجُوزُ فِي الْمُحَالِ أَنْ يَلْزَمَهُ الْمُحَالُ، وَهُوَ كَوْنُ الذَّهَبِ لَيْسَ بِجِسْمٍ فَتَبْطُلُ الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فَلَا تَلْزَمُ النَّتِيجَةُ. وَثَالِثُهَا أَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ صَادِقٌ إلَّا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ الْمُقَدِّمَاتِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَادِقٍ فِي كُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ ذَهَبٌ وَقَوْلِهِ أَنَّهُ جِسْمٌ بَلْ هُوَ صَادِقٌ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ السَّائِلِ مِنْ أَنَّهُ صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ ذَهَبٌ لَا سِيَّمَا، وَقَوْلُنَا صَادِقٌ لَفْظٌ مُطْلَقٌ يَصْدُقُ بِفَرْدٍ وَصُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ قَوْلُهُ إنَّهُ جِسْمٌ فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَم. [الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ الْعَقْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ وَالْعَادِيَّةِ] (الْفَرْقُ الثَّالِثُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الشُّرُوطِ اللُّغَوِيَّةِ وَقَاعِدَةِ غَيْرِهَا) مِنْ الشُّرُوطِ الْعَقْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ وَالْعَادِيَةِ وَبَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَعَ الْآخَرِ مِنْهَا فَالْمَقْصُودُ هُنَا جِهَتَانِ: الْجِهَةُ الْأُولَى الْفَرْقُ بَيْنَ سَائِرِ الشُّرُوطِ وَهُوَ أَنَّ ارْتِبَاطَ الشَّرْطِ بِالْمَشْرُوطِ إنْ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مِنْ حَقِيقَةِ الْمَشْرُوطِ ارْتِبَاطُ ذَلِكَ الشَّرْطِ بِهِ فَهُوَ الشَّرْطُ الْعَقْلِيُّ كَالْحَيَاةِ مَعَ الْعِلْمِ أَوْ أَنَّ اللَّهَ رَبَطَ هَذَا الشَّرْطَ وَمَشْرُوطَهُ بِكَلَامِهِ الَّذِي نُسَمِّيهِ خِطَابَ الْوَضْعِ فَهُوَ الشَّرْطُ الشَّرْعِيُّ كَالطَّهَارَةِ مَعَ الصَّلَاةِ أَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَبَطَ هَذَا الشَّرْطَ بِمَشْرُوطِهِ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ فَهُوَ الشَّرْطُ الْعَادِي كَالسُّلَّمِ مَعَ صُعُودِ السَّطْحِ أَوْ أَنَّ وَاضِعَ اللُّغَةِ رَبَطَ هَذَا الشَّرْطَ بِمَشْرُوطِهِ أَيْ جَعَلَ هَذَا الرَّبْطَ اللَّفْظِيَّ دَالًّا عَلَى ارْتِبَاطِ مَعْنَى اللَّفْظِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ فَهُوَ الشَّرْطُ اللُّغَوِيُّ كَالدُّخُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فِي نَحْوِ إنْ

أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ ثَابِتٌ لِذَلِكَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَعَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ، وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ كُلِّيَّةً إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ مَا تُرِيدُ بِقَوْلِكَ الْعَدَدُ إمَّا زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ تُرِيدُ الْعَدَدَ فِي أَيِّ حَالَةٍ كَانَ أَوْ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَإِنْ أَرَدْتَ الْأَوَّلَ كَانَ مَعْنَى كَلَامِكَ الْعَدَدُ فِي حَالَةِ كَوْنِهِ زَوْجًا هُوَ مُنْقَسِمٌ إلَى الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ، وَذَلِكَ كَاذِبٌ وَإِنْ وَقَعَ حَالَةَ كَوْنِهِ فَرْدًا انْقَسَمَ إلَيْهِمَا أَيْضًا، وَذَلِكَ كَاذِبٌ أَيْضًا فَهَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ كَاذِبَةٌ ضَرُورَةً عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَإِنْ أَرَدْتَ بِالْعَدَدِ الْعَدَدَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَعْدَادِ فَإِنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ يَنْقَسِمُ إلَى أَنْوَاعٍ، وَذَلِكَ صَادِقٌ غَيْرَ أَنَّهَا إذَا صَدَقَتْ الْمُقَدِّمَةُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ كَانَتْ جُزْئِيَّةً فَإِنَّ الْمُشْتَرَكَ يَكْفِي فِي تَحَقُّقِهِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا كَانَتْ جُزْئِيَّةً بَطَلَ شَرْطُ الْإِنْتَاجِ وَهُوَ كَوْنُ الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ كُلِّيَّةً فَظَهَرَ حِينَئِذٍ أَنَّ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ الثَّانِيَةَ إمَّا كَاذِبَةٌ أَوْ فَاتَ فِيهَا شَرْطُ الْإِنْتَاجِ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا تَصِحُّ النَّتِيجَةُ وَلَا يَوْثُقُ بِالْخَبَرِ النَّاشِئِ مِنْ هَذَا التَّرْكِيبِ. (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) تَقُولُ الْوَتَدُ فِي الْحَائِطِ وَالْحَائِطُ فِي الْأَرْضِ يَنْتِجُ قَوْلُهُ الْوَتَدُ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ خَبَرٌ كَاذِبٌ، فَإِنَّ الْوَتَدَ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ فَقَدْ أَنْتَجَ الصَّادِقُ الْكَاذِبَ فَيَلْزَمُ الْمُحَالُ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ فِيهِ تَوَسُّعٌ وَهُوَ قَوْلُكَ الْحَائِطُ فِي الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِبْ بِجُمْلَتِهِ فِي الْأَرْضِ بَلْ أَبْعَاضُهُ فَهُوَ مَجَازٌ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ فَلَوْ كَانَ اللَّفْظُ حَقِيقَةً، وَأَنَّ جُمْلَةَ الْحَائِطُ فِي الْأَرْضِ كَانَ الْوَتَدُ فِي الْأَرْضِ خَبَرًا، وَكَانَ الْخَبَرُ حَقًّا كَقَوْلِنَا الْمَالُ فِي الْكِيسِ وَالْكِيسُ فِي الصُّنْدُوقِ فَالْمَالُ فِي الصُّنْدُوقِ وَهَذَا خَبَرٌ حَقٌّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَوَسُّعٌ بِخِلَافِ الْحَائِطُ فِي الْأَرْضِ فَإِنْ قُلْتَ ظَرْفُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الْإِحَاطَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [البقرة: 255] وَالْمُرَادُ مَا عَلَى ظَهْرِهِمَا وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] وَهُوَ إنَّمَا يُعْبَدُ فَوْقَ ظَهْرِهِمَا فَاللَّفْظُ حَقِيقَةٌ وَكَذَلِكَ إذَا قُلْنَا زَيْدٌ عِنْدَكَ حَقِيقَةٌ وَإِنْ لَمْ يَغِبْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ زَيْدٌ فِي الزَّمَانِ لَيْسَ مَعْنَاهُ الْإِحَاطَةَ لِأَنَّ مَعْنَى الزَّمَانِ هُوَ اقْتِرَانُ حَادِثٍ بِحَادِثٍ وَالِاقْتِرَانُ نِسْبَةٌ وَإِضَافَةٌ لَمْ تُحِطْ بِزَيْدٍ كَإِحَاطَةِ ثَوْبِهِ إنَّمَا هِيَ فِي تَيْنِكَ الْحَادِثَيْنِ لَا يَتَعَدَّاهُمَا، وَكَذَلِكَ إذَا فَسَّرْنَا الزَّمَانَ بِحَرَكَاتِ الْأَفْلَاكِ فَإِنَّ الْحَرَكَةَ قَائِمَةٌ فِي الْفَلَكِ لَمْ تُحِطْ بِزَيْدٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَوَادِثِ الْأَرْضِ بَلْ الْمُحِيطُ هُوَ الْفَلَكُ وَحْدَهُ فَظَهَرَ حِينَئِذٍ أَنَّ تَسْمِيَةَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ظَرْفَيْنِ لَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ الْغَيْبَةَ فِيهِمَا وَإِحَاطَتَهُمَا بِالْمَظْرُوفِ فَبَطَلَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ التَّوَسُّعِ، وَبَطَلَ أَيْضًا مَا يَعْتَقِدُهُ كَثِيرٌ مِنْ النُّحَاةِ مِنْ الظَّرْفِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ قُلْتُ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) تَقُولُ الْوَتَدُ فِي الْحَائِطِ وَالْحَائِطُ فِي الْأَرْضِ فَالْوَتَدُ فِي الْأَرْضِ (إلَخْ) قُلْتُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوَابِ أَيْضًا صَحِيحٌ ظَاهِرُ الْأَقْوِلَةِ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] وَهُوَ إنَّمَا يُعْبَدُ فَوْقَ ظَهْرِهِمَا فَاللَّفْظُ حَقِيقَةٌ فَإِنَّ الْفَوْقِيَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ تَقْتَضِي الِاسْتِقْرَارَ، وَالِاسْتِقْرَارُ يَقْتَضِي الْمُمَاسَّةَ وَذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْحَوَادِثِ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ ظَاهِرَ ذَلِكَ اللَّفْظِ فَهُوَ خَطَأٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQدَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالْجِهَةُ الثَّانِيَةُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ الْمَبْنِيِّ عَلَى اصْطِلَاحٍ أُصُولِيٍّ يَفْتَقِرُ لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالسَّبَبِ وَالْمَانِعِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُتَّفَقٍ عَلَيْهِ فَقَدْ ذَهَبَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ إلَى خِلَافِهِ فَالسَّبَبُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ فَخَرَجَ بِقَيْدِ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ الشَّرْطُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ شَيْءٌ وَبِقَيْدِ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ الْمَانِعُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ شَيْءٌ وَبِقَيْدِ لِذَاتِهِ السَّبَبُ الْمُقَارِنُ وُجُودُهُ لِعَدَمِ الشَّرْطِ أَوْ لِوُجُودِ الْمَانِعِ فَلَا يَلْزَمُ الْوُجُودُ أَوْ الَّذِي أَخْلَفَهُ حَالَ عَدَمِ سَبَبٍ آخَرَ فَلَا يَلْزَمُ الْعَدَمُ وَالشَّرْطُ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ وَلَا يَشْتَمِلُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ فِي ذَاتِهِ بَلْ فِي غَيْرِهِ فَخَرَجَ بِقَيْدِ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ الْمَانِعُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ شَيْءٌ وَبِقَيْدِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ إلَخْ السَّبَبُ إذْ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَبِقَيْدِ لِذَاتِهِ الشَّرْطُ الْمُقَارِنُ وُجُودُهُ لِوُجُودِ السَّبَبِ فَيَلْزَمُ الْوُجُودُ لِأَجْلِ السَّبَبِ لَا لِذَاتِ الشَّرْطِ أَوْ لِقِيَامِ الْمَانِعِ فَيَلْزَمُ الْعَدَمُ لِأَجْلِ الْمَانِعِ لَا لِذَاتِ الشَّرْطِ وَبِقَيْدِ وَلَا يَشْتَمِلُ عَلَى شَيْءٍ إلَخْ جُزْءُ الْعِلَّةِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى جُزْءِ الْمُنَاسَبَةِ فَإِنَّ جُزْءَ الْمُنَاسِبِ مُنَاسِبٌ وَالْمَانِعُ مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودُهُ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ فَخَرَجَ بِقَيْدِ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ بِسَبَبٍ وَبِقَيْدِ وَلَا يَلْزَمُ إلَخْ الشَّرْطُ وَبِقَيْدِ لِذَاتِهِ الْمَانِعُ الْمُقَارِنُ عَدَمُهُ لِعَدَمِ الشَّرْطِ فَيَلْزَمُ الْعَدَمُ أَوْ الْوُجُودُ السَّبَبَ فَيَلْزَمُ الْوُجُودُ وَلَا يَلْزَمُهُ لِذَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَالْمُعْتَبَرُ مِنْ الْمَانِعِ وُجُودُهُ وَمِنْ الشَّرْطِ عَدَمُهُ وَمِنْ السَّبَبِ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ وَالزَّكَاةُ تَصْلُحُ مِثَالًا لِلثَّلَاثَةِ فَالنِّصَابُ سَبَبٌ وَالْحَوْلُ شَرْطٌ وَالدَّيْنُ مَانِعٌ وَبِظُهُورِ هَذِهِ الْحَقَائِقِ الثَّلَاثَةِ يَظْهَرُ أَنَّ قَاعِدَةَ الشَّرْطِ اللُّغَوِيَّةَ الَّتِي هِيَ التَّعَالِيقُ كَقَوْلِنَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ طَالِقٌ أَنَّهَا أَسْبَابٌ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا كَالدُّخُولِ فِي الْمِثَالِ وُجُودُ مَشْرُوطِهَا كَالطَّلَاقِ وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا عَدَمُ الْمَشْرُوطِ أَيْ مِنْ عَدَمِ الدُّخُولِ عَدَمُ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَخْلُفَهُ سَبَبٌ آخَرُ كَالْإِنْشَاءِ بَعْدَ التَّعْلِيقِ كَمَا هُوَ شَأْنُ السَّبَبِ وَقَاعِدَةُ

أَلْزَمْتَ هَذَا أَقُولُ الْوَتَدُ فِي الْأَرْضِ حَقِيقَةٌ، وَيَكُونُ الْخَبَرُ صَادِقًا وَلَا مُحَالَ حِينَئِذٍ، وَالسُّؤَالُ وَالْإِشْكَالُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْوَتَدَ لَيْسَ مَغِيبًا فِي الْأَرْضِ، أَمَّا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا يَلْزَمُ إشْكَالٌ وَلَا يَضُرُّنَا إلْزَامُ مَا ذَكَرْتَهُ فَالسُّؤَالُ ذَاهِبٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَهُوَ الْمَقْصُودُ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) قَوْلُنَا هَذَا الْجَبَلُ ذَهَبٌ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ ذَهَبٌ قَالَ إنَّهُ جِسْمٌ وَكُلَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ جِسْمٌ صَادِقٌ يَنْتِجُ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ ذَهَبٌ صَادِقٌ، وَهَذَا الْخَبَرُ كَاذِبٌ مَعَ صِدْقِ الْمُقَدِّمَاتِ وَبِهَذَا النَّمَطِ يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ ذَهَبٌ وَيَاقُوتٌ وَحَيَوَانٌ وَجَمِيعُ أَنْوَاعِ الْمُحَالَاتِ تَقْرِيرُهَا بِهَذَا الدَّلِيلِ، وَهَذِهِ مَغْلَطَةٌ عَظِيمَةٌ. وَالْجَوَابُ عَنْهَا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ إنَّ هَذَا الْجَبَلَ ذَهَبٌ مُحَالٌ وَكَذِبُ الْمُحَالِ يَلْزَمُهُ الْمُحَالُ فَيَكُونُ الْمُحَالُ فِي النَّتِيجَةِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ هَذَا الْمُحَالِ فَنَحْنُ نَلْتَزِمُ أَنَّهُ ذَهَبٌ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الْمُحَالِ وَلَا مَحْذُورَ، وَإِنَّمَا الْمَحْذُورُ كَوْنُهُ ذَهَبًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَثَانِيهَا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَقُولُ إنَّهُ جِسْمٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ هُوَ ذَهَبٌ مُحَالٌ وَالْمُحَالُ يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَهُ الْمُحَالُ وَهُوَ كَوْنُ الذَّهَبِ لَيْسَ بِجِسْمٍ فَتَبْطُلُ الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فَلَا تَلْزَمُ النَّتِيجَةُ، وَثَالِثُهَا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ الْمُقَدِّمَاتِ، وَنُسَلِّمُ أَنَّهُ صَادِقٌ لَكِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ إنَّهُ ذَهَبٌ وَالْآخَرُ قَوْلُهُ إنَّهُ جِسْمٌ فَهُوَ صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ جِسْمٌ لَا فِي قَوْلِهِ إنَّهُ ذَهَبٌ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ لِلسَّائِلِ وَلَا سِيَّمَا، وَقَوْلُنَا صَادِقٌ لَفْظٌ مُطْلَقٌ يَصْدُقُ بِفَرْدٍ وَصُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ فَهَذِهِ نَبْذَةٌ مِنْ الْأَخْبَارِ مُشْكِلَةٌ لَا يَتَحَدَّثُ فِيهَا إلَّا الْفُضَلَاءُ النُّبَلَاءُ لِتَوَقُّفِ سُؤَالِهَا وَجَوَابِهَا عَلَى دَقَائِقَ مِنْ الْعُلُومِ، وَقَدْ تُذْكَرُ فِي سِيَاقِ الْمُغَلَّطَاتِ فَيَعْسُرُ الْجَوَابُ عَنْهَا، وَقَدْ اتَّضَحَ مِنْهَا جُمْلَةٌ هَاهُنَا تُوجِبُ الْإِعَانَةَ عَلَى فَهْمِ غَيْرِهَا وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ لَا رَبَّ غَيْرُهُ. (الْفَرْقُ الثَّالِثُ بَيْنَ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ وَغَيْرِهِ) مِنْ الشُّرُوطِ الْعَقْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ وَالْعَادِيَّةِ فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْكُلَّ مَعْنًى وَاحِدٌ وَأَنَّ اللَّفْظَ مَقُولٌ عَلَيْهَا بِالتَّوَاطُؤِ وَأَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لِلشُّرُوطِ اللُّغَوِيَّةِ قَاعِدَةٌ مُبَايِنَةٌ لِقَاعِدَةِ الشُّرُوطِ الْأُخَرِ وَلَا يُظْهِرُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ إلَّا بَيَانُ حَقِيقَةِ الشَّرْطِ وَالسَّبَبِ وَالْمَانِعِ أَمَّا السَّبَبُ فَهُوَ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ قَوْلُنَا هَذَا الْجَبَلُ ذَهَبٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ ذَهَبٌ قَالَ إنَّهُ جِسْمٌ، وَكُلُّ مَنْ قَالَ إنَّهُ جِسْمٌ صَادِقٌ يُنْتَجُ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَ إنَّهُ ذَهَبٌ صَادِقٌ إلَى آخِرِ أَجْوِبَتِهِ) قُلْتُ أَجْوِبَتُهُ صَحِيحَةٌ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى الْجَوَابُ بِأَنَّ شَرْطَ الْإِنْتَاجِ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَهُوَ اشْتِرَاكُ الْمُقَدِّمَتَيْنِ فِي الْوَسَطِ، وَلَمْ يَشْتَرِكَا فِي هَذَا الْقَوْلِ فِي الْوَسَطِ فَفَاتَ شَرْطُ الْإِنْتَاجِ وَلَزِمَهُ بِفَوْتِهِ الْخَطَأَ وَالْكَذِبَ. قَالَ: شِهَابُ الدِّينِ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ بَيْنَ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ الْعَقْلِيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ وَالْعَادِيَّةِ) قُلْتُ: كَانَ حَقُّهُ كَمَا فَرَّقَ بَيْنَ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ وَغَيْرِهِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ سَائِرِ الشُّرُوطِ فَإِنَّ الشَّرْطَ الْعَقْلِيَّ ارْتِبَاطُهُ بِالْمَشْرُوطِ عَقْلِيٌّ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مِنْ حَقِيقَةِ الْمَشْرُوطِ ارْتِبَاطَ ذَلِكَ الشَّرْطِ بِهِ وَالشَّرْطُ الشَّرْعِيُّ ارْتِبَاطُهُ بِالْمَشْرُوطِ شَرْعِيٌّ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَبَطَ هَذَا الشَّرْطَ وَمَشْرُوطَهُ بِكَلَامِهِ الَّذِي نُسَمِّيهِ خِطَابَ الْوَضْعِ وَالشَّرْطُ الْعَادِي ارْتِبَاطُهُ بِالْمَشْرُوطِ عَادِيٌّ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَبَطَ هَذَا الشَّرْطَ بِمَشْرُوطِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلٍّ مِنْ الشُّرُوطِ الْعَقْلِيَّةِ كَالْحَيَاةِ مَعَ الْعِلْمِ وَالشَّرْعِيَّةِ كَالطَّهَارَةِ مَعَ الصَّلَاةِ وَالْعَادِيَةِ كَالسُّلَّمِ مَعَ صُعُودِ السَّطْحِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا عَدَمُ مَشْرُوطِهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِمَشْرُوطِهَا فَقَدْ يُوجَدُ مَشْرُوطُهَا عِنْدَ وُجُودِهَا كَوُجُوبِ الزَّكَاةِ عِنْدَ دَوْرَانِ الْحَوْلِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ وَقَدْ يُعْلَمُ لِمُقَارَنَةِ الدَّيْنِ لَدَوْرَانِ الْحَوْلِ مَعَ وُجُودِ النِّصَابِ فَإِطْلَاقُ لَفْظِ الشَّرْطِ عَلَى مَا عَدَا اللُّغَوِيَّةِ حَقِيقَةٌ قَطْعًا وَعَلَى اللُّغَوِيَّةِ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ حَقِيقَةٌ أَيْضًا بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ وَأَنْ يُقَالَ مَجَازًا لِأَنَّهُ أَرْجَحُ مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَأَنْ يُقَالَ بِطَرِيقِ التَّوَاطُؤِ بِأَنْ يَدَّعِيَ وَضْعَهُ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْجَمِيعِ وَهُوَ تَوَقُّفُ الْوُجُودِ عَلَى الْوُجُودِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا عَدَا ذَلِكَ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْمَشْرُوطِ الْعَقْلِيِّ وَالشَّرْعِيِّ وَالْعَادِي يَتَوَقَّفُ دُخُولُهُ فِي الْوُجُودِ عَلَى وُجُودِ شَرْطِهِ وَوُجُودُ شَرْطِهِ لَا يَقْتَضِيهِ الْمِشْرَطُ اللُّغَوِيُّ يَتَوَقَّفُ وُجُودُهُ عَلَى وُجُودِ شَرْطِهِ وَوُجُودُ شَرْطِهِ يَقْتَضِيهِ ثُمَّ إنَّ مَا عَدَا الْعَقْلِيَّ مِنْ الشُّرُوطِ مِنْ حَيْثُ إنَّ رَبْطَهَا بِمَشْرُوطِهَا بِالْوَضْعِ تَقْبَلُ الْإِبْدَالَ وَالْإِخْلَافَ وَالْإِبْطَالَ إذْ لَا يَمْتَنِعُ رَفْعُ ذَلِكَ الرَّبْطِ فَمِثَالُ الْإِبْدَالِ وَالْإِخْلَافِ فِي الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَقُولُ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَقَعُ الثَّلَاثُ بِالْإِنْشَاءِ بَدَلًا عَنْ الثَّلَاثِ الْمُعَلَّقَةِ أَوْ تَقُولُ لِشَخْصٍ: إنْ أَتَيْتَنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَكَ هَذَا الدِّينَارُ ثُمَّ تُعْطِيهِ الدِّينَارَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْعَبْدِ هِبَةً فَتَخْلُفُ الْهِبَةُ اسْتِحْقَاقَهُ إيَّاهُ بِالْإِتْيَانِ بِالْعَبْدِ وَمِثَالُ الْإِبْطَالِ فِيهِ أَنْ يُنَجِّزَ الطَّلَاقَ إبْطَالًا لِلتَّعْلِيقِ أَنْ يَتَّفِقَ الْجَاعِلُ وَالْمَجْعُولُ لَهُ عَلَى فَسْخِ الْجَعَالَةِ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ الْعَادِيَّ وَالشَّرْعِيَّ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْعَادَةِ وَالشَّرْعِ قَدْ يُبْطِلُ الشَّرْطِيَّةَ فِي نَحْوِ السُّلَّمِ وَالطَّهَارَةِ وَالسِّتَارَةِ عِنْدَ مُعَارَضَةِ التَّعَذُّرِ أَوْ غَيْرِهِ وَقَدْ أَخْلَفَ الشَّرْعُ الطَّهَارَةَ الْمَائِيَّةَ بِالتُّرَابِيَّةِ وَأَخْلَفَتْ الْعَادَةُ السُّلَّمَ بِرَفْعِ الشَّخْصِ فِي التَّابُوتِ بِآلَةِ جَذْبِ الْأَثْقَالِ وَالشَّرْطُ الْعَقْلِيُّ مِنْ حَيْثُ إنَّ رَبْطَهُ بِمَشْرُوطِهِ ذَاتِيٌّ لَا بِالْوَضْعِ لَا يَقْبَلُ الْبَدَلَ وَالْإِخْلَافَ وَلَا إبْطَالَ الشَّرْطِيَّةِ كَمَا

[المسألة الأولى فتى علق الطلاق بشهر قبل ما قبل قبله رمضان]

الْعَدَمُ لِذَاتِهِ أَمَّا الْقَيْدُ الْأَوَّلُ فَاحْتِرَازٌ مِنْ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ شَيْءٌ إنَّمَا يُؤَثِّرُ عَدَمُهُ فِي الْعَدَمِ وَالْقَيْدُ الثَّانِي احْتِرَازٌ مِنْ الْمَانِعِ فَإِنَّ الْمَانِعَ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ شَيْءٌ إنَّمَا يُؤَثِّرُ وُجُودُهُ فِي الْعَدَمِ وَالْقَيْدُ الثَّالِثُ احْتِرَازٌ مِنْ مُقَارَنَةِ وُجُودِ السَّبَبِ عَدَمَ الشَّرْطِ أَوْ وَجَوْدَ الْمَانِعِ فَلَا يَلْزَمُ الْوُجُودُ أَوْ إخْلَافُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ حَالَةَ عَدَمِهِ فَلَا يَلْزَمُ الْعَدَمُ وَأَمَّا الشَّرْطُ فَهُوَ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ وَلَا يَشْتَمِلُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ فِي ذَاتِهِ بَلْ فِي غَيْرِهِ فَالْقَيْدُ الْأَوَّلُ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَانِعِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ شَيْءٌ وَالْقَيْدُ الثَّانِي احْتِرَازٌ مِنْ السَّبَبِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَالْقَيْدُ الثَّالِثُ احْتِرَازٌ مِنْ مُقَارَنَةِ وُجُودِهِ لِوُجُودِ السَّبَبِ فَيَلْزَمُ الْوُجُودُ وَلَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ لِذَاتِهِ بَلْ لِأَجْلِ السَّبَبِ أَوْ قِيَامِ الْمَانِعِ فَيَلْزَمُ الْعَدَمُ لِأَجْلِ الْمَانِعِ لَا لِذَاتِ الشَّرْطِ وَالْقَيْدُ الرَّابِعُ احْتِرَازٌ مِنْ جُزْءِ الْعِلَّةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ غَيْرَ أَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى جُزْءِ الْمُنَاسَبَةِ فَإِنَّ جُزْءَ الْمُنَاسِبِ مُنَاسَبَةٌ. وَأَمَّا الْمَانِعُ فَهُوَ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ فَالْقَيْدُ الْأَوَّلُ احْتِرَازٌ مِنْ السَّبَبِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَالْقَيْدُ الثَّانِي احْتِرَازٌ مِنْ الشَّرْطِ وَالْقَيْدُ الثَّالِثُ احْتِرَازٌ مِنْ مُقَارَنَةِ عَدَمِهِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ فَيَلْزَمُ الْعَدَمُ أَوْ وُجُودُ السَّبَبِ فَيَلْزَمُ الْوُجُودُ لَكِنْ بِالنَّظَرِ لِذَاتِهِ لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ يَظْهَرُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِنْ الْمَانِعِ وُجُودُهُ وَمِنْ الشَّرْطِ عَدَمُهُ وَمِنْ السَّبَبِ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ وَالثَّلَاثَةُ تَصْلُحُ الزَّكَاةُ مِثَالًا لَهَا فَالسَّبَبُ النِّصَابُ وَالْحَوْلُ شَرْطٌ وَالدَّيْنُ مَانِعٌ إذَا ظَهَرَتْ حَقِيقَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ السَّبَبِ وَالشَّرْطِ وَالْمَانِعِ يُظْهِرُ أَنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ أَسْبَابٌ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الشُّرُوطِ الْعَقْلِيَّةِ كَالْحَيَاةِ مَعَ الْعِلْمِ أَوْ الشَّرْعِيَّةِ كَالطَّهَارَةِ مَعَ الصَّلَاةِ أَوْ الْعَادِيَّةِ كَالسُّلَّمِ مَعَ صُعُودِ السَّطْحِ فَإِنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا الْعَدَمُ فِي الْمَشْرُوطِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ فَقَدْ يُوجَدُ الْمَشْرُوطُ عِنْدَ وُجُودِهَا كَوُجُوبِ الزَّكَاةِ عِنْدَ دَوْرَانِ الْحَوْلِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ وَقَدْ يُعْدَمُ لِمُقَارَنَةِ الدَّيْنِ لَدَوْرَانِ الْحَوْلِ مَعَ وُجُودِ النِّصَابِ. وَأَمَّا الشُّرُوطُ اللُّغَوِيَّةُ الَّتِي هِيَ التَّعَالِيقُ كَقَوْلِنَا إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يَلْزَمُ مِنْ الدُّخُولِ الطَّلَاقُ وَمِنْ عَدَمِ الدُّخُولِ عَدَمُ الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَخْلُفَهُ سَبَبٌ آخَرُ كَالْإِنْشَاءِ بَعْدَ التَّعْلِيقِ وَهَذَا هُوَ شَأْنُ ـــــــــــــــــــــــــــــSبِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَالشَّرْطُ اللُّغَوِيُّ رَبَطَهُ بِمَشْرُوطِهِ وَاضِعُ اللُّغَةِ أَيْ جَعَلَ هَذَا الرَّبْطَ اللَّفْظِيَّ دَالًّا عَلَى ارْتِبَاطِ مَعْنَى اللَّفْظِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ هَذِهِ فُرُوقٌ بَيْنَ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَاضِحَةٌ وَأَمَّا الْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرَهُ فَمَبْنِيٌّ عَلَى اصْطِلَاحٍ أُصُولِيٍّ وَلِذَلِكَ احْتَاجَ فِي بَيَانِهِ إلَى ذِكْرِ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالسَّبَبِ وَالْمَانِعِ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُتَّفَقٍ عَلَيْهِ فَقَدْ ذَهَبَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ إلَى خِلَافِهِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ رُسُومِ السَّبَبِ وَالشَّرْطِ وَالْمَانِعِ لَا بَأْسَ بِهِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ أَسْبَابٌ فَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الِاصْطِلَاحِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ احْتِمَالِ تَسْمِيَةِ جَمِيعِ تِلْكَ الشُّرُوطِ شُرُوطًا بِاعْتِبَارِ قَدْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهَا وَهُوَ تَوَقُّفُ الْوُجُودِ عَلَى الْوُجُودِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا عَدَا ذَلِكَ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَقْتَضِي وُجُودُهُ وُجُودَ الْمَشْرُوطِ بِخِلَافِ اللُّغَوِيِّ فَالْفَرْقُ بَيْنَ اللُّغَوِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ ثَلَاثَةٌ اقْتِضَاؤُهُ الْوُجُودَ وَالْبَدَلَ وَالْإِبْطَالَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَقْتَضِي الثَّلَاثَةَ وَقَدْ لَا يَقْتَضِي الْوُجُودَ وَإِنْ اقْتَضَى الْبَدَلَ وَالْإِبْطَالَ فَافْهَمْ. [الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَتًى عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَهْرٍ قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ] (فَصْلٌ) فِي ثَمَانِيَةِ مَسَائِلَ مِنْ الشُّرُوطِ اللُّغَوِيَّةِ فِيهَا مَبَاحِثُ دَقِيقَةٌ وَأُمُورٌ غَامِضَةٌ وَإِشَارَاتٌ شَرِيفَةٌ تَتَّضِحُ بِهَا قَاعِدَةُ الشُّرُوطِ اللُّغَوِيَّةِ تَمَامَ الِاتِّضَاحِ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى أَنْشَدَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ: مَا يَقُولُ الْفَقِيهُ أَيَّدَهُ ... اللَّهُ وَلَا زَالَ عِنْدَهُ إحْسَانٌ فِي فَتًى عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَهْرٍ ... قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ وَالْبَيْتُ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ بَيْتًا وَاحِدًا إلَّا أَنَّهُ مِنْ نَوَادِرِ الْأَبْيَاتِ فَإِنَّهُ مَعَ صُعُوبَةِ مَعْنَاهُ وَدِقَّةِ مَغْزَاهُ إمَّا أَنْ يُلْتَزَمُ فِيهِ صِحَّةُ الْوَزْنِ عَلَى الْقَانُونِ اللُّغَوِيِّ وَاسْتِعْمَالِ أَلْفَاظِهِ فِي حَقَائِقِهَا دُونَ مُجَازَاتِهَا فَيَكُونُ مُشْتَمِلًا عَلَى ثَمَانِيَةِ أَبْيَاتٍ فِي الْإِنْشَادِ بِالتَّغْيِيرِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ كُلُّ بَيْتٍ مِنْهَا يَشْتَمِلُ عَلَى مَسْأَلَةٍ مِنْ الْفِقْهِ فِي التَّعَالِيقِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ وَتِلْكَ الْمَسْأَلَةُ صَعْبَةُ الْمَغْزَى وَعِرَةُ الْمُرْتَقَى وَأَمَّا أَنْ يَلْتَزِمَ الْمَجَازَ فِي أَلْفَاظِهِ دُونَ الْحَقَائِقِ مَعَ الْإِعْرَاضِ عَنْ ضَابِطِ الْوَزْنِ وَقَانُونِ الشِّعْرِ بِأَنْ يَطُولَ الْبَيْتُ نَحْوًا مِنْ ضِعْفِهِ فَيَكُونُ مُشْتَمِلًا عَلَى سَبْعِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ مَسْأَلَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ. وَالتَّعَالِيقُ اللُّغَوِيَّةُ تَحْصُلُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثِ وَتَبْدِيلِهَا بِأَضْدَادِهَا وَاسْتِعْمَالِهَا فِي مَجَازَاتِهَا وَتَنَقُّلِهَا فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ مُفْتَرِقَةً وَمُجْتَمِعَةً عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَاحْتَاجَ بَيَانُهُ إلَى مَقَاصِدَ (الْمَقْصِدُ الْأَوَّلُ) فِي تَقْرِيرِ الْبَيْتِ عَلَى طَرِيقَةِ الْتِزَامِ اسْتِعْمَالِ أَلْفَاظِهِ فِي حَقَائِقِهَا مَعَ صِحَّةِ الْوَزْنِ عَلَى الْقَانُونِ اللُّغَوِيِّ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ مَبَاحِثَ. (الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ) هَذَا الْبَيْتُ ثَمَانِيَةُ أَبْيَاتٍ فِي التَّصْوِيرِ: أَحَدُهَا أَصْلٌ وَهُوَ اجْتِمَاعُ ثَلَاثِ قَبْلَاتٍ وَسَبْعٍ تَتَفَرَّعُ عَنْهُ بِأَنْ يُبَدِّلَ الْجَمِيعَ بِالْبَعْدَاتِ نَحْوَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَوْ يُبَدِّلَ مِنْ قَبْلِ الْأَخِيرَةِ فَقَطْ نَحْوَ قَبْلَ مَا قَبْلَ بَعْدِهِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ أَوْ يُبَدِّلَ مِنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ دُونَ الْأَوَّلِ نَحْوَ قَبْلَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ أَوْ يُبَدِّلَ مِنْ الثَّانِي فَقَطْ

السَّبَبِ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ إلَّا أَنْ يَخْلُفَهُ سَبَبٌ آخَرُ فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ أَسْبَابٌ دُونَ غَيْرِهَا فَإِطْلَاقُ اللَّفْظِ عَلَى الْقَاعِدَتَيْنِ أَمْكَنُ أَنْ يُقَالَ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِمَا وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ وَأَمْكَنُ أَنْ يُقَالَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ فِي أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْمَجَازَ أَرْجَحُ مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَأَمْكَنُ أَنْ يُقَالَ بِطَرِيقِ التَّوَاطُؤِ بِاعْتِبَارِ قَدْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهَا وَهُوَ تَوَقُّفُ الْوُجُودِ عَلَى الْوُجُودِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا عَدَا ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَشْرُوطَ الْعَقْلِيَّ وَغَيْرَهُ يَتَوَقَّفُ دُخُولُهُ فِي الْوُجُودِ عَلَى وُجُودِ شَرْطِهِ وَوُجُودُ شَرْطِهِ لَا يَقْتَضِيهِ وَالْمَشْرُوطُ اللُّغَوِيُّ يَتَوَقَّفُ وُجُودُهُ عَلَى وُجُودِ شَرْطِهِ وَوُجُودُ شَرْطِهِ يَقْتَضِيهِ ثُمَّ إنَّ الشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ يُمْكِنُ التَّعْوِيضُ عَنْهُ وَالْإِخْلَافُ وَالْبَدَلُ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ يَقُولُ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَيَقَعُ الثَّلَاثُ بِالْإِنْشَاءِ بَدَلًا عَنْ الثَّلَاثِ الْمُعَلَّقَةِ وَكَقَوْلِهِ: إنْ أَتَيْتَنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَكَ هَذَا الدِّينَارُ وَلَك أَنْ تُعْطِيَهُ إيَّاهُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْعَبْدِ هِبَةً فَتَخْلُفُ الْهِبَةُ اسْتِحْقَاقَهُ إيَّاهُ بِالْإِتْيَانِ بِالْعَبْدِ وَيُمْكِنُ إبْطَالُ شَرْطِيَّتِهِ كَمَا إذْ أُنْجِزَ الطَّلَاقُ فَإِنَّ التَّنْجِيزَ إبْطَالٌ لِلتَّعْلِيقِ وَكَمَا إذَا اتَّفَقْنَا عَلَى فَسْخِ الْجَعَالَةِ وَالشُّرُوطُ الْعَقْلِيَّةُ لَا يَقْتَضِي وُجُودُهَا وُجُودًا وَلَا تَقْبَلُ الْبَدَلَ وَالْإِخْلَافَ وَلَا تَقْبَلُ إبْطَالَ الشَّرْطِيَّةِ إلَّا الشَّرْعِيَّةَ خَاصَّةً فَإِنَّ الشَّرْعَ قَدْ يُبْطِلُ شَرْطِيَّةَ الطَّهَارَةِ وَالسِّتَارَةِ عِنْدَ مُعَارَضَةِ التَّعَذُّرِ أَوْ غَيْرِهِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ فُرُوقٍ اقْتِضَاءُ الْوُجُودِ وَالْبَدَلِ وَالْإِبْطَالِ إذَا تَخَلَّصَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَتَمَيَّزَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَنْ الْأُخْرَى فَنُوَشِّحُ ذَلِكَ بِذِكْرِ مَسَائِلَ مِنْ الشُّرُوطِ اللُّغَوِيَّةِ فِيهَا مَبَاحِثُ دَقِيقَةٌ وَأُمُورٌ غَامِضَةٌ وَإِشَارَاتٌ شَرِيفَةٌ تَكُونُ الْإِحَاطَةُ بِهَا حِلْيَةً لِلْفُضَلَاءِ وَجَمَالًا لِلْعُلَمَاءِ وَلِنَقْتَصِرْ مِنْ ذَلِكَ عَلَى ثَمَانِ مَسَائِلَ. . (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) أَنْشَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ مَا يَقُولُ الْفَقِيهُ أَيَّدَهُ اللَّهُ: وَلَا زَالَ عِنْدَهُ إحْسَانٌ فِي فَتًى عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَهْرٍ قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ نَوَادِرِ الْأَبْيَاتِ وَأَشْرَفِهَا مَعْنًى وَأَدَقِّهَا فَهْمًا وَأَغْرَبِهَا اسْتِنْبَاطًا لَا يُدْرِكُ مَعْنَاهُ إلَّا الْعُقُولُ السَّلِيمَةُ وَالْأَفْهَامُ الْمُسْتَقِيمَةُ وَالْفِكَرُ الدَّقِيقَةُ مِنْ أَفْرَادِ الْأَذْكِيَاءِ وَآحَادِ الْفُضَلَاءِ وَالنُّبَلَاءِ بِسَبَبِ أَنَّهُ بَيْتٌ وَاحِدٌ وَهُوَ مَعَ صُعُوبَةِ مَعْنَاهُ وَدِقَّةِ مَغْزَاهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَبْيَاتٍ فِي الْإِنْشَادِ بِالتَّغْيِيرِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ بِشَرْطِ اسْتِعْمَالِ الْأَلْفَاظِ فِي حَقَائِقِهَا دُونَ مُجَازَاتِهَا مَعَ الْتِزَامِ صِحَّةِ الْوَزْنِ عَلَى الْقَانُونِ اللُّغَوِيِّ وَكُلُّ بَيْتٍ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَسْأَلَةٍ مِنْ الْفِقْهِ فِي التَّعَالِيقِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ وَتِلْكَ الْمَسْأَلَةُ صَعْبَةُ الْمَغْزَى. ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (ثُمَّ إنَّ الشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ يُمْكِنُ التَّعْوِيضُ عَنْهُ وَالْإِخْلَافُ وَالْبَدَلُ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ أَيْضًا قَالَ: (وَالشُّرُوطُ الْعَقْلِيَّةُ لَا يَقْتَضِي وُجُودُهَا وُجُودًا وَلَا تَقْبَلُ الْبَدَلَ وَالْإِخْلَافَ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ صَحِيحٌ أَيْضًا. قَالَ: (وَلَا تَقْبَلُ إبْطَالَ الشَّرْطِيَّةِ إلَّا الشَّرْعِيَّةُ خَاصَّةً) قُلْتُ: جَمِيعُ الشُّرُوطِ تَقْبَلُ الْإِبْدَالَ وَالْإِخْلَافَ وَالْإِبْطَالَ مَا عَدَا الْعَقْلِيَّةَ خَاصَّةً فَإِنَّ مَا عَدَا الْعَقْلِيَّ مِنْ الشُّرُوطِ رَبَطَهُ بِالْوَضْعِ فَلَا يَمْتَنِعُ رَفْعُ ذَلِكَ الرَّبْطِ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (إذَا تَخَلَّصَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَتَمَيَّزَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَنْ الْأُخْرَى فَنُوَشَّحُ ذَلِكَ بِذِكْرِ مَسَائِلَ مِنْ الشُّرُوطِ اللُّغَوِيَّةِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا ذَكَرَهُ فِي ذَلِكَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ بِجُمْلَتِهَا صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQدُونَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ نَحْوَ قَبْلَ مَا بَعْدَهُ قَبْلَهُ وَهَذِهِ الصُّورَةُ الْخَامِسَةُ أَوْ يُبَدِّلَ مِنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي دُونَ الثَّالِثِ نَحْوَ بَعْدَ مَا بَعْدَ قَبْلِهِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ السَّادِسَةُ أَوْ يُبَدِّلَ مِنْ الْأَوَّلِ فَقَطْ دُونَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ نَحْوَ بَعْدَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ السَّابِعَةُ أَوْ يُبَدِّلَ مِنْ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ دُونَ الثَّانِي نَحْوَ بَعْدَ مَا قَبْلَ بَعْدِهِ. وَهَذِهِ الصُّورَةُ الثَّامِنَةُ الْمَبْحَثُ الثَّانِي يَنْبَنِي تَفْسِيرُ الشَّهْرِ الْمُرَادِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ الَّذِي أَفْتَى بِهِ شَيْخُ الْقَرَافِيِّ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ وَلَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ بِمِصْرَ ثُمَّ بِدِمَشْقَ عَلَى أُمُورٍ أَحَدُهَا مَا مَرَّ مِنْ الْتِزَامِ اسْتِعْمَالِ أَلْفَاظِ الْبَيْتِ فِي حَقَائِقِهَا لَا فِي مَجَازَاتِهَا الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ الْقَبْلَاتِ وَالْبَعْدَاتِ وَإِنْ كَانَتْ ظُرُوفًا زَمَانِيَّةً. وَالْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي أَنَّ مَظْرُوفَهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ شَهْرًا تَامًّا وَأَنْ يَكُونَ يَوْمًا وَاحِدًا مِنْ الشَّهْرِ الْمُرَادِ إذْ يَصْدُقُ عَلَى رَمَضَانَ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ لَا الْمَجَازِ اللُّغَوِيِّ أَنَّهُ قَبْلَ شَوَّالٍ وَأَنَّهُ قَبْلَ يَوْمِ عِيدِ الْفِطْرِ إلَّا أَنَّ الْمَظْرُوفَ هَا هُنَا شَهْرٌ تَامٌّ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ بَلْ ذَلِكَ ضَرُورِيٌّ هَا هُنَا أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَا صَحِبَهُ الضَّمِيرُ الْعَائِدُ عَلَى الشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ فَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ الشَّهْرُ شَوَّالًا لَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْمَظْرُوفِ عَلَى بَعْضِهِ كَيَوْمِ عِيدِ الْفِطْرِ وَحْدَهُ إلَّا عَلَى الْمَجَازِ وَالتَّفَاسِيرِ الْمُفْتَى بِهَا فِي صُوَرِ هَذَا الْبَيْتِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ كَمَا عَلِمْت وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَا لَمْ يَصْحَبْهُ ضَمِيرُ الشَّهْرِ كَقَبْلِ الْمُتَوَسِّطِ فَلِأَنَّ رَمَضَانَ إذَا كَانَ قَبْلَ قَبْلِ الشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ وَتَعَيَّنَ أَنَّ مَظْرُوفَ أَحَدِ الْقَبْلَيْنِ وَهُوَ الْمُضَافُ إلَى الضَّمِيرِ شَهْرٌ تَعَيَّنَ أَنَّ مَظْرُوفَ الْقَبْلِ الْمُتَوَسِّطِ شَهْرٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ شَهْرَيْنِ مِنْ جَمِيعِ الشُّهُورِ أَقَلُّ مِنْ شَهْرٍ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَبْلَ شَهْرٍ وَبَعْدَ شَهْرٍ بَلْ لَا يُوجَدُ بَيْنَ شَهْرَيْنِ عَرَبِيِّينَ إلَّا شَهْرٌ فَتَعَيَّنَ أَنَّ مَظْرُوفَ هَذِهِ الظُّرُوفِ شُهُورٌ تَامَّةٌ وَأَمَّا الْأَشْهُرُ الْقِبْطِيَّةُ فَإِنَّ أَيَّامَ النَّسِيءِ تَتَوَسَّطُ بَيْنَ مِسْرَى وَتُوتٍ. الْأَمْرُ الثَّالِثُ أَنَّ قَاعِدَةَ الْإِضَافَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي فِيهَا

وَعِرَةُ الْمُرْتَقَى وَمُشْتَمِلٌ عَلَى سَبْعِمِائَةِ مَسْأَلَةٍ وَعِشْرِينَ مَسْأَلَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ وَالتَّعَالِيقِ اللُّغَوِيَّةِ بِشَرْطِ الْتِزَامِ الْمَجَازِ فِي الْأَلْفَاظِ وَإِطْرَاحِ الْحَقَائِقِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ ضَابِطِ الْوَزْنِ وَقَانُونِ الشِّعْرِ بِأَنْ يَطُولَ الْبَيْتُ نَحْوًا مِنْ ضِعْفِهِ وَيَحْصُلُ هَذَا الْعَدَدُ الْعَظِيمُ مِنْ هَذِهِ اللَّفَظَاتِ الثَّلَاثِ وَتَبْدِيلِهَا بِأَضْدَادِهَا وَاسْتِعْمَالِهَا فِي مَجَازَاتِهَا وَتَنَقُّلِهَا فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ مُفْتَرِقَةً وَمُجْتَمِعَةً عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الْبَيْتُ لِشَيْخِنَا الْإِمَامِ الصَّدْرِ الْعَالِمِ جَمَالِ الْفُضَلَاءِ رَئِيسِ زَمَانِهِ فِي الْعُلُومِ وَسَيِّدِ وَقْتِهِ فِي التَّحْصِيلِ وَالْمَفْهُومِ جَمَالِ الدِّينِ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو بِأَرْضِ الشَّامِ وَأَفْتَى فِيهِ وَتَفَنَّنَ وَأَبْدَعَ فِيهِ وَنَوَّعَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدَّسَ رُوحَهُ الْكَرِيمَةَ وَهَا أَنَا قَائِلٌ لَك لَفْظَهُ الَّذِي وَقَعَ لِي بِفَصِّهِ وَنَصِّهِ ثُمَّ أَذْكُرُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا وَهَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِي مِنْ فَضْلِهِ قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْبَيْتُ مِنْ الْمَعَانِي الدَّقِيقَةِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي لَا يَعْرِفُهَا فِي مِثْلِ هَذَا الزَّمَانِ أَحَدٌ وَقَدْ سُئِلَتْ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمِصْرَ وَأَجَبْت بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ ثُمَّ سُئِلَتْ عَنْهَا بِدِمَشْقَ فَقُلْت: هَذَا الْبَيْتُ يُنْشَدُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ لِأَنَّ مَا بَعْدَ قَبْلَ الْأَوَّلِ قَدْ يَكُونُ قَبْلَيْنِ وَقَدْ يَكُونُ بَعْدَيْنِ. وَقَدْ يَكُونُ مُخْتَلِفَيْنِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ كُلٌّ مِنْهَا قَدْ يَكُونُ قَبْلُهُ قَبْلَ وَقَدْ يَكُونُ قَبْلُهُ بَعْدَ صَارَتْ ثَمَانِيَةً فَاذْكُرْ قَاعِدَةً يَنْبَنِي عَلَيْهَا تَفْسِيرُ الْجَمِيعِ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ قَبْلُ وَبَعْدُ فَأَلْغِهِمَا لِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ حَاصِلٌ بَعْدَ مَا هُوَ قَبْلَهُ وَحَاصِلٌ قَبْلُ مَا هُوَ بَعْدَهُ فَلَا يَبْقَى حِينَئِذٍ إلَّا بَعْدَهُ رَمَضَانُ فَيَكُونُ شَعْبَانَ أَوْ قَبْلَهُ رَمَضَانُ فَيَكُونُ شَوَّالًا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَا جَمِيعُهُ قَبْلُ أَوْ جَمِيعُهُ بَعْدُ فَالْأَوَّلُ هُوَ الشَّهْرُ الرَّابِعُ مِنْ رَمَضَانَ لِأَنَّ مَعْنَى مَا قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ شَهْرٌ تَقَدَّمَ رَمَضَانَ قَبْلَ شَهْرَيْنِ قَبْلَهُ وَذَلِكَ ذُو الْحِجَّةِ وَالثَّانِي هُوَ الرَّابِعُ أَيْضًا وَلَكِنْ عَلَى الْعَكْسِ لِأَنَّ مَعْنَى بَعْدَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ رَمَضَانُ شَهْرٌ تَأَخَّرَ رَمَضَانُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ بَعْدَهُ وَذَلِكَ جُمَادَى الْأَخِيرَةُ فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ ذُو الْحِجَّةِ وَقِيلَ مَا بَعْدَ بَعْدَهُ رَمَضَانُ شَعْبَانُ لِأَنَّ الْمَعْنَى بَعْدَهُ رَمَضَانُ وَذَلِكَ شَعْبَانُ وَبَعْدَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ شَوَّالُ لِأَنَّ الْمَعْنَى قَبْلَهُ رَمَضَانُ وَذَلِكَ شَوَّالٌ وَقَبْلَ مَا بَعْدَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ شَوَّالٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَيْضًا قَبْلَهُ رَمَضَانُ وَذَلِكَ شَوَّالٌ فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ الْأُوَلُ ثُمَّ اجْرِ الْأَرْبَعَةَ الْأُخَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ بَعْدَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ شَوَّالٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى قَبْلَهُ رَمَضَانُ وَذَلِكَ شَوَّالٌ وَبَعْدَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ رَمَضَانُ وَذَلِكَ جُمَادَى الْأَخِيرَةُ لِأَنَّ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ شَعْبَانُ وَبَعْدَهُ رَمَضَانُ فَهُوَ جُمَادَى الْأَخِيرَةُ وَبَعْدَ مَا قَبْلَ بَعْدِهِ رَمَضَانُ شَعْبَانُ لِأَنَّ الْمَعْنَى بَعْدَهُ رَمَضَانُ وَذَلِكَ شَعْبَانُ وَبَعْدَ مَا بَعْدَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ شَعْبَانُ لِأَنَّ الْمَعْنَى بَعْدَهُ رَمَضَانُ وَذَلِكَ شَعْبَانُ قُلْت: هَذَا نَصُّ مَا وَجَدْتُهُ مَكْتُوبًا عَنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَعْلِيقٍ عُلِّقَ عَنْهُ فِي مَسَائِلِهِ النَّادِرَةِ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا. وَبَقِيَتْ أُمُورٌ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَنْبَغِي زِيَادَتُهَا وَإِيضَاحُهَا لِيَتَكَمَّلَ بِذَلِكَ بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَحَدُهَا زِيَادَةُ إيضَاحِ كَوْنِ الْبَيْتِ ثَمَانِيَةً فِي التَّصْوِيرِ فَإِنَّهُ لِلْبَيْتِ أَصْلٌ وَفَرْعٌ فَأَصْلُهُ اجْتِمَاعُ ثَلَاثِ قَبْلَاتٍ وَتَفَرَّعَ سَبْعَةٌ أُخْرَى: أَحَدُهَا أَنْ يُبَدَّلَ الْجَمِيعُ بِالْبَعْدَاتِ نَحْوَ بَعْدَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ فَهَذِهِ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ. الثَّالِثَةُ أَنْ يُبَدَّلَ مِنْ قَبْلُ الْأَخِيرَةِ فَقَطْ نَحْوَ قَبْلَ مَا قَبْلَ بَعْدِهِ. الرَّابِعَةُ أَنْ يُبَدَّلَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَدْنَى مُلَابَسَةٍ كَقَوْلِ أَحَدِ حَامِلِي الْخَشَبَةِ خُذْ طَرَفَك فَجَعَلَ طَرَفَ الْخَشَبَةِ طَرَفًا لَهُ لِأَجْلِ الْمُلَابَسَةِ. وَأُضِيفَ الْكَوْكَبُ لِلْخَرْقَاءِ فِي قَوْلِهِ (: إذَا كَوْكَبُ الْخَرْقَاءِ لَاحَ بِسِحْرِهِ) لِأَنَّهَا كَانَتْ تَقُومُ لِعَمَلِهَا عِنْدَ طُلُوعِهِ وَاحْتَمَلَتْ هَذِهِ الْقَبْلَاتُ وَالْبَعْدَاتُ الْمُضَافُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ ظَرْفٍ أُضِيفَ لِمُجَاوِرِهِ أَوْ لِمُجَاوِرِ مُجَاوِرِهِ أَوْ لِمُجَاوِرِ مُجَاوِرِ مُجَاوِرِهِ عَلَى رُتَبٍ ثَلَاثٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ الشَّهْرُ الَّذِي قَبْلَ رَمَضَانَ هُوَ رَبِيعٌ فَإِنْ رَبِيعًا قَبْلَ رَمَضَانَ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ بِالضَّرُورَةِ إلَّا أَنَّ الظُّرُوفَ الَّتِي فِي الْبَيْتِ حُمِلَتْ عَلَى الْمُجَاوِرِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ الْأَسْبَقُ إلَى الْفَهْمِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ حَقِيقَةً أَيْضًا فَهَذِهِ الْمُلَاحَظَةُ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْبَيْتِ الْمُفْتَى بِهَا. الْأَمْرُ الرَّابِعُ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّك إذَا قُلْتُ: قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ أَوْ بَعْدَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ رَمَضَانُ فَالْقَبْلُ الْأَوَّلُ وَالْبَعْدُ الْأَوَّلُ هُوَ رَمَضَانُ لِأَنَّهُ مُسْتَقِرٌّ فِي ذَلِكَ الظَّرْفِ وَمَتَى كَانَ الْقَبْلُ الْأَوَّلُ وَالْبُعْدُ الْأَوَّلُ هُوَ رَمَضَانُ فَالْقَبْلَانِ الْكَائِنَانِ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَبْلُ الَّذِي هُوَ رَمَضَانُ شَهْرَانِ آخَرَانِ يَتَقَدَّمَانِ عَلَى الشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ وَالْبَعْدَانِ الْأَخِيرَانِ شَهْرَانِ آخَرَانِ يَتَأَخَّرَانِ عَنْ الشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ فَالرُّتَبُ دَائِمًا فِي الْبَيْتِ أَرْبَعٌ الشَّهْرُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ وَثَلَاثَةُ ظُرُوفٍ لِغَيْرِهِ هَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ. الْأَمْرُ الْخَامِسُ أَنَّهُ وَإِنْ احْتَمَلَ فِيمَا إذَا قُلْنَا قَبْلَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ رَمَضَانُ أَوْ قُلْنَا بَعْدَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الظُّرُوفُ الْمَنْطُوقُ بِهَا مُرَتَّبَةً عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي اللَّفْظِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الشَّهْرُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ هُوَ رَمَضَانُ لَا أَنَّهُ فِي الْأُولَى شَوَّالٌ وَفِي الثَّانِيَةِ شَعْبَانُ كَمَا فِي تَفَاسِيرِ صُوَرِ الْبَيْتِ الْآتِيَةِ الْمُفْتَى بِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ فَرْضٌ لَهُ أَبْعَادٌ كَثِيرَةٌ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُ فَهُوَ قَبْلَ جَمِيعِهَا وَكُلُّ شَيْءٍ فَرْضٌ لَهُ قَبْلَاتٌ كَثِيرَةٌ مُتَقَدِّمَةٌ عَنْهُ فَهُوَ بَعْدَ جَمِيعِهَا فَرَمَضَانُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَبْلَ بَعْدِهِ وَبَعْدَ بَعْدِهِ وَجَمِيعُ مَا يُفْرَضُ مِنْ ذَلِكَ إلَى الْأَبَدِ فَهُوَ قَبْلَ تِلْكَ الظُّرُوفِ كُلِّهَا وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَعْدَ قَبْلِهِ وَقَبْلَ قَبْلِهِ وَجَمِيعُ مَا يُفْرَضُ مِنْ ذَلِكَ إلَى الْأَبَدِ فَهُوَ بَعْدَ تِلْكَ الظُّرُوفِ كُلِّهَا.

الثَّانِي وَالثَّالِثِ دُونَ الْأَوَّلِ نَحْوَ قَبْلَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ. الْخَامِسَةُ أَنْ يُوَسَّطَ الْبَعْدُ بَيْنَ قَبْلَيْنِ. السَّادِسَةُ أَنْ يُعْمَدَ إلَى الْبَعْدَاتِ الثَّلَاثَةِ فَيُعْمَلُ فِيهَا كَمَا عَمِلْنَا فِي الْقَبْلَاتِ فَنَقُولُ بَعْدَ مَا بَعْدَ قَبْلِهِ. السَّابِعَةُ أَنْ يُبَدَّلَ مِنْ الْبَعْدَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ دُونَ الْأَوَّلِ نَحْوَ بَعْدَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ. الثَّامِنَةُ أَنْ يُوَسَّطَ الْقَبْلُ بَيْنَ الْبَعْدَيْنِ كَمَا وَسَّطْنَا الْبَعْدَ بَيْنَ الْقَبْلَيْنِ فَيَكُونُ بَعْدَ مَا قَبْلَ بَعْدِهِ فَحَدَثَ لَنَا عَنْ الْقَبْلَاتِ الثَّلَاثِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ وَعَنْ الْبَعْدَاتِ الثَّلَاثِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ بِالْإِبْدَالِ عَلَى التَّدْرِيجِ وَالتَّوَسُّطِ كَمَا تَقَدَّمَ تَمْثِيلُهُ. وَثَانِيهَا أَنَّ مَا فِي الْبَيْتِ لَمْ يَتَحَدَّثْ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهَا وَلَا عَلَى إعْرَابِهَا وَهَلْ تَخْتَلِفُ هَذِهِ الْفَتَاوَى مَعَ بَعْضِ التَّقَادِيرِ فِيهَا أَمْ لَا؟ فَأَقُولُ إنَّ مَا يَصِحُّ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً، وَمَوْصُولَةً، وَنَكِرَةً مَوْصُوفَةً، وَلَا تَخْتَلِفُ الْفَتَاوَى مَعَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَلْ تَبْقَى الْأَحْكَامُ عَلَى حَالِهَا فَالزَّائِدَةُ نَحْوَ قَوْلِنَا قَبْلَ قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ فَلَا يُعْتَدُّ بِهَا أَصْلًا وَتَبْقَى الْفَتَاوَى كَمَا تَقَدَّمَ وَالْمَوْصُولَةُ تَقْدِيرُهَا قَبْلَ الَّذِي اسْتَقَرَّ قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ فَيَكُونُ الِاسْتِقْرَارُ الْعَامِلُ فِي قَبْلُ الَّذِي بَعْدَ مَا هُوَ صِلَتُهَا وَالْفَتَاوَى عَلَى حَالِهَا وَتَقْدِيرُ النَّكِرَةِ الْمَوْصُوفَةِ قَبْلَ شَيْءٍ اسْتَقَرَّ قَبْلَ قَبْلَهُ رَمَضَانُ فَيَكُونُ الِاسْتِقْرَارُ الْعَامِلُ فِي الظَّرْفِ الْكَائِنِ بَعْدَ مَا هُوَ صِفَةٌ لَهَا وَهِيَ نَكِرَةٌ مُقَدَّرَةٌ بِشَيْءٍ فَهَذَا تَقْدِيرُ مَا فِي الْبَيْتِ وَإِعْرَابُهَا. وَثَالِثُهَا أَنَّ هَذِهِ الْقَبْلَاتِ وَالْبَعْدَاتِ ظُرُوفُ زَمَانٍ وَمَظْرُوفَاتُهَا الشُّهُور هَاهُنَا فَفِي كُلٍّ قَبْلُ أَوْ بَعْدُ شَهْرٌ هُوَ الْمُسْتَقِرُّ فِيهِ مَعَ أَنَّ اللُّغَةَ تَقْبَلُ غَيْرَ هَذِهِ الْمَظْرُوفَاتِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّا إذَا قُلْنَا قَبْلَهُ رَمَضَانُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ شَوَّالًا فَإِنَّ رَمَضَانَ قَبْلَهُ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ يَوْمًا وَاحِدًا مِنْ شَوَّالٍ فَإِنَّ رَمَضَانَ قَبْلَهُ فَلَوْ قَالَ الْقَائِلُ: رَمَضَانُ قَبْلَ يَوْمِ عِيدِ الْفِطْرِ لَصَدَقَ ذَلِكَ وَكَانَ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً لَا مَجَازًا لَكِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلَ بُنِيَتْ عَلَى أَنَّ الْمَظْرُوفَ شَهْرٌ تَامٌّ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ وَلِضَرُورَةِ الضَّمِيرِ فِي قَبْلِهِ الْعَائِدِ عَلَى الشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ فَإِذَا كَانَ شَوَّالًا وَهُوَ قَدْ قَالَ قَبْلَهُ رَمَضَانُ تَعَذَّرَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى بَعْضِ الشَّهْرِ إلَّا عَلَى الْمَجَازِ فَإِنَّ بَعْضَ الشَّهْرِ أَوْ يَوْمَ الْفِطْرِ وَحْدَهُ لَيْسَ هُوَ شَوَّالًا بَلْ بَعْضَ شَوَّالٍ فَيَلْزَمُ الْمَجَازُ لَكِنَّ الْفَتَاوَى فِي هَذَا الْبَيْتِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ هَذَا تَقْرِيرُ قَبْلِهِ الْأَخِيرِ الَّذِي صَحِبَهُ الضَّمِيرُ وَأَمَّا قَبْلَ الْمُتَوَسِّطُ فَلَيْسَ مَعَهُ ضَمِيرٌ يَضْطَرُّنَا إلَى ذَلِكَ بَلْ عَلِمْنَا أَنَّ مَظْرُوفَهُ شَهْرٌ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ لِأَنَّ رَمَضَانَ إذَا كَانَ قَبْلَ قَبْلَ الشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ وَتَعَيَّنَ أَنَّ أَحَدَ الْقَبْلَيْنِ وَهُوَ الَّذِي أُضِيفَ إلَى الضَّمِيرِ مَظْرُوفُهُ شَهْرٌ تَعَيَّنَ أَنَّ مَظْرُوفَ الْقَبْلِ الْمُتَوَسِّطِ شَهْرٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ شَهْرَيْنِ مِنْ جَمِيعِ الشُّهُورِ أَقَلُّ مِنْ شَهْرٍ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَبْلَ شَهْرٍ وَبَعْدَ شَهْرٍ بَلْ لَا يُوجَدُ بَيْنَ شَهْرَيْنِ عَرَبِيَّيْنِ إلَّا شَهْرٌ فَلِذَلِكَ تَعَيَّنَ أَنَّ مَظْرُوفَ هَذِهِ الظُّرُوفِ شُهُورٌ تَامَّةٌ وَقَوْلِي عَرَبِيَّيْنِ احْتِرَازٌ مِنْ الْقِبْطِيَّةِ فَإِنَّ أَيَّامَ النَّسِيءِ تَتَوَسَّطُ بَيْنَ مِسْرَى وَتُوتٍ وَرَابِعُهَا أَنَّ قَاعِدَةَ الْعَرَبِ أَنَّ الْإِضَافَةَ يَكْفِي فِيهَا أَدْنَى مُلَابَسَةٍ كَقَوْلِ أَحَدِ حَامِلَيْ الْخَشَبَةِ مِثْلَ طَرَفَك فَجَعَلَ طَرَفَ الْخَشَبَةِ طَرَفًا لَهُ لِأَجْلِ الْمُلَابَسَةِ قَالَهُ صَاحِبُ الْمُفَصَّلِ وَأَنْشَدَ فِي هَذَا الْمَعْنَى: إذَا كَوْكَبُ الْخَرْقَاءِ لَاحَ بِسِحْرِهِ فَأَضَافَ الْكَوْكَبُ إلَيْهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ تَقُومُ لِعَمَلِهَا عِنْدَ طُلُوعِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْإِضَافَاتِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا نَكْتُمُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَكِنْ بِاعْتِبَارِ إضَافَتَيْنِ لَا إضَافَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى يُقَالَ: اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مُحَالٌ فَهُوَ قَبْلُ بِاعْتِبَارِ شَوَّالٍ وَبَعْدُ بِاعْتِبَارِ شَعْبَانَ إلَّا أَنَّ مُقْتَضَى اللُّغَةِ خِلَافُ هَذَا الِاحْتِمَالِ وَهُوَ أَنْ لَا تَكُونَ هَذِهِ الظُّرُوفُ الْمَنْطُوقُ بِهَا مُرَتَّبَةً عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي اللَّفْظِ بَلْ تَكُونُ بَعْدَ الْأُولَى الْمُتَوَسِّطَةِ بَيْنَ قَبْلُ وَبَعْدُ فِي قَوْلِنَا قَبْلَ مَا بَعْدِ بَعْدِهِ مُتَأَخِّرَةٌ فِي الْمَعْنَى وَقَبْلَ الْمُتَقَدِّمَةُ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ الْبَعْدَيْنِ مُنْطَبِقَةٌ عَلَى بَعْدُ الْأَخِيرَةِ الَّتِي هِيَ الْأُولَى وَتَكُونُ بَعْدُ الْأَخِيرَةِ بَعْدُ وَقَبْلُ مَعًا بِالنِّسْبَةِ إلَى شَهْرَيْنِ وَاعْتِبَارَيْنِ كَمَا عَلِمْت وَيَكُونُ الشَّهْرُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ فِي قَوْلِنَا الْمَذْكُورِ شَعْبَانَ كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّفْسِيرِ الْمُفْتَى بِهِ لِأَنَّ شَعْبَانَ بَعْدَهُ رَمَضَانُ وَبَعْدَ بَعْدِهِ شَوَّالٌ وَقَبْلَ مُضَافٌ إلَى الْمَعْنَى لِلْبَعْدِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ شَوَّالٌ وَمُتَأَخِّرٌ عَنْهُ وَكُلٌّ مِنْ قَبْلُ وَبَعْدُ الْأَخِيرَةِ الَّتِي هِيَ الْأَوْلَى يَصْدُقَانِ عَلَى رَمَضَانَ وَمُنْطَبِقَانِ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّهْرَيْنِ شَوَّالٍ وَشَعْبَانَ وَلَيْسَ لَنَا شَهْرٌ بَعْدَهُ بَعْدَ أَنَّ رَمَضَانَ قَبْلَ الْبَعْدِ الثَّانِي وَعَيَّنَ الْبَعْدَ الْأَوَّلَ إلَّا شَعْبَانَ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ إذَا قَالَتْ: غُلَامُ غُلَامِ غُلَامِي أَوْ صَاحِبُ صَاحِبِ صَاحِبِي فَالْمَبْدُوءُ بِهِ هُوَ أَبْعَدُ الثَّلَاثَةِ عَنْك وَالْأَقْرَبُ إلَيْك هُوَ الْأَخِيرُ وَالْمُتَوَسِّطُ مُتَوَسِّطٌ فَالْغُلَامُ الْأَخِيرُ هُوَ عَبْدُك الْأَوَّلُ الَّذِي مَلَكْتَهُ فَمَلَكَ هُوَ عَبْدًا آخَرَ وَهُوَ الْمُتَوَسِّطُ وَمَلَكَ الْمُتَوَسِّطُ الْعَبْدَ الْمُقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَالْمُقَدَّمُ ذِكْرُهُ هُوَ الَّذِي مَلَكَهُ عَبْدُ عَبْدِ عَبْدِك لَا أَنَّهُ عَبْدُك وَقِسْ الْأَمْرَ السَّادِسَ مِمَّا يَنْبَنِي عَلَيْهَا تَفْسِيرُ جَمِيعِ صُوَرِ الْبَيْتِ الْمُفْتَى بِهِ. قَاعِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ قَبْلُ وَبَعْدُ فَالْغِهِمَا لِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ حَاصِلٌ بَعْدَ مَا هُوَ قَبْلَهُ وَقَبْلَ مَا هُوَ بَعْدَهُ فَلَا يَبْقَى حِينَئِذٍ إلَّا بَعْدَهُ رَمَضَانُ فَيَكُونُ شَعْبَانُ أَوْ قَبْلَهُ رَمَضَانُ فَيَكُونُ شَوَّالٌ وَأَمَّا مَا جَمِيعُهُ قَبْلُ أَوْ جَمِيعُهُ بَعْدُ. فَالْجَوَابُ فِي الْأَوَّلِ هُوَ الرَّابِعُ الَّذِي هُوَ ذُو الْحِجَّةِ لِأَنَّ مَعْنَى قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ شَهْرٌ تَقَدَّمَ رَمَضَانَ قَبْلَ شَهْرَيْنِ قَبْلَهُ وَفِي الثَّانِي هُوَ الرَّابِعُ أَيْضًا لَكِنْ عَلَى الْعَكْسِ وَهُوَ جُمَادَى الْآخِرَةُ لِأَنَّ مَعْنَى بَعْدَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ رَمَضَانُ شَهْرٌ تَأَخَّرَ رَمَضَانُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ بَعْدَهُ فَجَمِيعُ الْأَجْوِبَةِ الثَّمَانِيَةِ

شَهَادَةَ اللَّهِ} [المائدة: 106] أُضِيفَ الشَّهَادَةُ إلَيْهِ بِسَبَبِ أَنَّهُ تَعَالَى شَرَعَهَا لَا لِأَنَّهُ شَاهِدٌ وَلَا مَشْهُودَ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ دِينُ اللَّهِ وَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] فَالْإِضَافَةُ فِي الْجَمِيعِ مُخْتَلِفَةُ الْمَعَانِي وَهِيَ حَقِيقِيَّةٌ فِي الْجَمِيعِ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى عَامٍّ وَهُوَ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْمُفَصَّلِ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَهَذِهِ الْقَبْلَاتُ وَالْبَعْدَاتُ الْمُضَافُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ تَحْتَمِلُ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ ظَرْفٍ أُضِيفَ لِمُجَاوِرِهِ أَوْ لِمُجَاوِرِ مُجَاوِرِهِ أَوْ لِمُجَاوِرِ مُجَاوِرِ مُجَاوِرِهِ عَلَى رُتَبٍ ثَلَاثٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ الشَّهْرُ الَّذِي قَبْلَ رَمَضَانَ هُوَ رَبِيعٌ فَإِنَّ رَبِيعًا قَبْلَ رَمَضَانَ بِالضَّرُورَةِ وَيَوْمَنَا هَذَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِالضَّرُورَةِ وَهُوَ كُلُّهُ حَقِيقَةٌ غَيْرَ أَنَّ الظُّرُوفَ الَّتِي فِي الْبَيْتِ حُمِلَتْ عَلَى الْمُجَاوِرِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ الْأَسْبَقُ إلَى الْفَهْمِ مَعَ أَنَّ غَيْرَهُ حَقِيقَةٌ أَيْضًا فَهَذِهِ الْمُلَاحَظَةُ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْفَتَاوَى وَخَامِسُهَا أَنْ تَعْلَمَ أَنَّك إذَا قُلْت قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ فَالْقَبْلُ الْأَوَّلُ هُوَ عَيْنُ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ مُسْتَقِرٌّ فِي ذَلِكَ الظَّرْفِ وَكَذَلِكَ بَعْدَ مَا بَعْدَ بَعْدَهُ رَمَضَانُ فَالْبَعْدُ الْأَوَّلُ هُوَ رَمَضَانُ لِأَنَّهُ مُسْتَقِرٌّ فِيهِ وَمَتَى كَانَ الْقَبْلُ الْأَوَّلُ هُوَ رَمَضَانُ فَالْقَبْلَانِ الْكَائِنَانِ بَعْدَهُ شَهْرَانِ آخَرَانِ يَتَقَدَّمَانِ عَلَى الشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ. وَكَذَلِكَ فِي بَعْدَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ رَمَضَانُ الْبَعْدَانِ الْأَخِيرَانِ شَهْرَانِ آخَرَانِ يَتَأَخَّرَانِ عَنْ الشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ فَالرُّتَبُ دَائِمًا فِي الْبَيْتِ أَرْبَعٌ الشَّهْرُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ وَثَلَاثَةُ ظُرُوفٍ لِغَيْرِهِ هَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ ثُمَّ هَا هُنَا نَظَرٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّا إذَا قُلْنَا: قَبْلَ مَا بَعْدَ بَعْدَهُ رَمَضَانُ فَهَلْ نَجْعَلُ هَذِهِ الظُّرُوفَ مُتَجَاوِرَةً عَلَى مَا نُطِقَ بِهَا فِي اللَّفْظِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الشَّهْرُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ هُوَ رَمَضَانُ فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ فُرِضَ لَهُ أَبْعَادٌ كَثِيرَةٌ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُ فَهُوَ قَبْلَ جَمِيعِهَا فَرَمَضَانُ قَبْلَ بَعْدَهُ وَبَعْدَ بَعْدَهُ وَجَمِيعُ مَا يُفْرَضُ مِنْ ذَلِكَ إلَى الْأَبَدِ فَهُوَ قَبْلَ تِلْكَ الظُّرُوفِ كُلِّهَا الْمَوْصُوفَةِ بِبَعْدُ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ وَكَذَلِكَ يَصْدُقُ أَيْضًا أَنَّهُ بَعْدَ قَبْلِهِ وَقَبْلَ قَبْلِهِ إلَى الْأَزَلِ وَمَا لَا يَتَنَاهَى مِنْ الْقَبْلَاتِ فَيَكُونُ رَمَضَانُ أَيْضًا وَيَبْطُلُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ عَيَّنَ فِي الْأَوَّلِ شَوَّالًا وَفِي الثَّانِي شَعْبَانَ وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرْتُهُ لَك مِنْ النَّظَرِ أَنْ يَكُونَ الشَّهْرُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ هُوَ رَمَضَانُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَوْ نَقُولُ مُقْتَضَى اللُّغَةِ خِلَافُ هَذَا التَّقْرِيرِ وَأَنْ لَا تَكُونَ هَذِهِ الظُّرُوفُ الْمَنْطُوقُ بِهَا مُرَتَّبَةً عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي اللَّفْظِ بَلْ قَوْلُنَا مَا بَعْدَ بَعْدَهُ فَبَعْدَ الْأُولَى الْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَ قَبْلَ وَبَعْدَ مُتَأَخِّرَةٌ فِي الْمَعْنَى وَقَبْلَ الْمُتَقَدِّمَةُ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ الْبَعْدَيْنِ مُنْطَبِقَةٌ عَلَى بَعْدَ الْأَخِيرَةِ. وَتَكُونُ بَعْدَ الْأَخِيرَةُ بَعْدَ وَقَبْلَ مَعًا وَلَيْسَ ذَلِكَ مُحَالًا لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَهْرَيْنِ وَاعْتِبَارَيْنِ وَتَقْرِيرُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ إذَا قَالَتْ: غُلَامُ غُلَامِ غُلَامِي فَهَؤُلَاءِ الْأَرِقَّاءُ مُنْعَكِسُونَ فِي الْمَعْنَى فَالْغُلَامُ الْأَوَّلُ الْمُقَدَّمُ ذِكْرُهُ هُوَ الْغُلَامُ الْأَخِيرُ الَّذِي مَلَكَهُ عَبْدُ عَبْدِ عَبْدِك لَا أَنَّهُ عَبْدُك وَالْغُلَامُ الْأَخِيرُ هُوَ عَبْدُك الْأَوَّلُ الَّذِي مَلَكْتَهُ فَمَلَكَ هُوَ عَبْدًا آخَرَ مَلَكَ ذَلِكَ الْعَبْدُ الْآخَرُ الْعَبْدَ الْمُقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَكَذَلِكَ إذَا قُلْت: صَاحِبُ صَاحِبِ صَاحِبِي فَالْمَبْدُوءُ بِهِ هُوَ أَبْعَدُ الثَّلَاثَةِ عَنْك وَالْأَقْرَبُ إلَيْك هُوَ الْأَخِيرُ وَالْمُتَوَسِّطُ مُتَوَسِّطٌ هَذَا هُوَ مَفْهُومُ اللُّغَةِ فِي هَذِهِ الْإِضَافَاتِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ إذَا عَرَفْت هَذَا فَنَقُولُ: قَوْلُنَا قَبْلَ مَا بَعْدَ بَعْدَهُ رَمَضَانُ هُوَ شَعْبَانُ وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ شَعْبَانَ بَعْدَهُ رَمَضَانُ وَبَعْدَ بَعْدَهُ شَوَّالٌ فَقَوْلُنَا قَبْلُ مُجَاوِرٌ لِبَعْدِهِ الْأَخِيرَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ قَبْلَ بَعْدِهِ بَلْ قَبْلَ بَعْدَ بَعْدِهِ فَجَعَلَ قَبْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُنْحَصِرَةٌ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ طَرَفَانِ وَوَاسِطَةٌ فَالطَّرَفَانِ جُمَادَى الْأَخِيرَةُ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْوَسَطُ شَوَّالٌ وَشَعْبَانُ وَتَقْرِيبُ ضَبْطِهَا أَنَّ جَمِيعَ الْبَيْتِ إنْ كَانَ قَبْلُ فَالْجَوَابُ بِذِي الْحِجَّةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدُ فَالْجَوَابُ بِجُمَادَى الْأَخِيرَةِ وَإِنْ تَرَكَّبَ مِنْ قَبْلُ وَبَعْدُ فَمَتَى وَجَدْت فِي الْآخَرِ قَبْلَ بَعْدِهِ أَوْ بَعْدَ قَبْلِهِ فَمَا تَقَدَّمَتْ فِيهِ قَبْلُ فَجَوَابُهُ شَوَّالٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى قَبْلَهُ رَمَضَانُ وَمَا تَقَدَّمَتْ فِيهِ بَعْدُ فَالْجَوَابُ شَعْبَانُ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بَعْدَهُ رَمَضَانُ وَمَتَى وَجَدْت فِي آخِرِ قَبْلَيْنِ أَوْ بَعْدَيْنِ وَقَبْلَهُمَا مُخَالِفًا لَهُمَا فَفِي الْبَعْدَيْنِ شَعْبَانُ وَفِي الْقَبْلَيْنِ شَوَّالٌ فَشَوَّالٌ ثَلَاثَةٌ وَشَعْبَانُ ثَلَاثَةٌ وَهَذِهِ السِّتَّةُ هِيَ الْوَاسِطَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَ جُمَادَى الْأَخِيرَةِ وَذِي الْحِجَّةِ. (الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ) لَفْظَةُ مَا فِي الْبَيْتِ يَصِحُّ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً فَلَا يُعْتَدُّ بِهَا بَلْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ قَبْلَ قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ مَثَلًا. وَثَانِيهَا أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً وَالتَّقْدِيرُ قَبْلَ الَّذِي اسْتَقَرَّ قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ فَيَكُونُ الِاسْتِقْرَارُ الْعَامِلَ فِي قَبْلِ الَّذِي بَعْدَ مَا هُوَ صِلَتُهَا. وَثَالِثُهَا أَنْ تَكُونَ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً وَالتَّقْدِيرُ قَبْلَ شَيْءٍ اسْتَقَرَّ قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ فَيَكُونُ الِاسْتِقْرَارُ الْعَامِلُ فِي الظَّرْفِ الْكَائِنِ بَعْدَ مَا الْمُقَدَّرَةِ بِشَيْءٍ هُوَ صِفَةٌ لَهَا وَلَا تَخْتَلِفُ التَّفَاسِيرُ الْمُفْتَى بِهَا الْمَذْكُورَةُ مَعَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَلْ تَبْقَى الْأَحْكَامُ عَلَى حَالِهَا الْمَقْصِدُ الثَّانِي فِي تَقْرِيرِ الْبَيْتِ عَلَى طَرِيقَةِ الْتِزَامِ الْحَقِيقَةِ فِي الْأَلْفَاظِ وَعَدَمِ النَّظْمِ بَلْ يَكُونُ الْكَلَامُ نَثْرًا اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ حِينَئِذٍ يَجْرِي عَلَى الضَّابِطِ الْمُتَقَدِّمِ أَيْضًا فَإِذَا زِدْنَا عَلَى قَوْلِنَا قَبْلَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ فِي لَفْظٍ بَعْدَ لَفْظَةٍ أُخْرَى مِنْهُ فَقُلْنَا: قَبْلَ مَا بَعْدَ بَعْدَ بَعْدِهِ رَمَضَانُ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الشَّهْرُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ رَجَبًا وَإِنْ جَعَلْنَا الْبَعْدَاتِ أَرْبَعَةً تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ جُمَادَى الْأَخِيرَةُ أَوْ خَمْسَةً تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ جُمَادَى الْأُولَى أَوْ سِتَّةً تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ رَبِيعًا الْآخَرَ وَهَكَذَا كُلَّمَا زِدْت بَعْدَ انْتَقَلَتْ إلَى شَهْرٍ قَبْلُ فَإِنَّ هَذِهِ الظُّرُوفَ شُهُورٌ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فَيَخْرُجُ لَك عَلَى هَذَا الضَّابِطِ مَسَائِلُ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ غَيْرَ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي فِي الْبَيْتِ وَإِذَا وَصَلَتْ إلَى أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ظَرْفًا فَقَدْ دَارَتْ السَّنَةُ مَعَك فَرُبَّمَا عُدْت.

مُضَافًا فِي الْمَعْنَى لِبَعْدِ وَمُتَأَخِّرًا عَنْ بَعْدَ وَهُوَ الْبَعْدُ الثَّانِي فَيَكُونُ رَمَضَانُ قَبْلَ الْبَعْدِ الثَّانِي وَالْبَعْدُ الثَّانِي هُوَ شَوَّالٌ فَالْوَاقِعُ قَبْلَهُ رَمَضَانُ وَلَيْسَ لَنَا شَهْرٌ بَعْدَهُ بَعْدَانِ رَمَضَانُ قَبْلَ الْبَعْدِ الْأَخِيرِ إلَّا شَعْبَانَ فَإِنْ قُلْت فَرَمَضَانُ حِينَئِذٍ هُوَ قَبْلَ الْبَعْدِ الْأَخِيرِ وَهُوَ شَوَّالٌ بِاعْتِبَارِ الْبَعْدِ الْأَوَّلِ كَمَا بَيَّنْتُهُ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ وَبَعْدَ وَهُوَ مُحَالٌ لِأَنَّ الْقَبْلَ وَالْبَعْدَ ضِدَّانِ وَاجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مُحَالٌ قُلْت: مُسَلَّمٌ أَنَّهُمَا ضِدَّانِ وَأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ رَمَضَانُ وَلَكِنْ بِاعْتِبَارِ إضَافَتَيْنِ فَيَكُونُ رَمَضَانُ قَبْلَ بِاعْتِبَارِ شَوَّالٍ وَبَعْدَ بِاعْتِبَارِ شَعْبَانَ كَمَا يَكُونُ الْمُسْلِمُ صَدِيقًا لِلْمُؤْمِنِينَ عَدُوًّا لِلْكَافِرِينَ فَتَجْتَمِعُ فِيهِ الصَّدَاقَةُ وَالْعَدَاوَةُ بِاعْتِبَارِ فَرِيقَيْنِ وَذَلِكَ مُمْكِنٌ وَلَيْسَ بِمُحَالٍ إنَّمَا الْمُحَالُ لَوْ اتَّحَدَتْ الْإِضَافَةُ وَلَمْ تَتَّحِدْ إذَا تَقَرَّرَ لَك هَذَا فَتَيَقَّنْ أَنْ لَوْ زِدْنَا فِي لَفْظِ بَعْدَ لَفْظَةً أُخْرَى مِنْهُ فَقُلْنَا: قَبْلَ مَا بَعْدَ بَعْدَ بَعْدِهِ رَمَضَانُ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الشَّهْرُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ رَجَبًا وَإِنْ جَعَلْنَا الْبَعْدَاتِ أَرْبَعَةً تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ جُمَادَى الْأَخِيرَةَ أَوْ خَمْسَةً تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ جُمَادَى الْأُولَى، أَوْ سِتَّةً تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ رَبِيعًا الْآخَرَ. وَكَذَلِكَ كُلَّمَا زِدْت بَعْدَ انْتَقَلْت إلَى شَهْرٍ قَبْلُ فَإِنَّ هَذِهِ الظُّرُوفَ شُهُورٌ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فَيَخْرُجُ لَك عَلَى هَذَا الضَّابِطِ مَسَائِلُ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ غَيْرَ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي فِي الْبَيْتِ وَإِذَا وَصَلْت إلَى أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ ظَرْفًا فَقَدْ دَارَتْ السَّنَةُ مَعَك فَرُبَّمَا عُدْت إلَى عَيْنِ الشَّهْرِ الَّذِي كُنْت قُلْتَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَكِنْ مِنْ سَنَةٍ أُخْرَى وَكَذَلِكَ يَكُونُ الْحَالُ فِي السِّنِينَ إذَا كَثُرَتْ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ هَذَا كُلُّهُ إذَا قُلْنَا: قَبْلَ مَا بَعْدَ بَعْدَهُ رَمَضَانُ فَإِنْ عَكَسْنَا وَقُلْنَا: بَعْدَ مَا قَبْلَ قَبْلَهُ رَمَضَانُ فَمُقْتَضَى جَعْلِنَا الظُّرُوفَ مُتَجَاوِرَةً عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فِي اللَّفْظِ يَكُونُ الشَّهْرُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ رَمَضَانُ فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ بَعْدَ جَمِيعِ مَا هُوَ قَبْلَهُ وَبَعْدَ قَبْلَاتِهِ وَإِنْ كَثُرَتْ وَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ قَالَ: أَنَّهُ شَوَّالٌ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَنَّ الْقَبْلَ الْأَوَّلَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْبَعْدِ الْأَوَّلِ وَالْبَعْدُ الْأَوَّلُ مُتَوَسِّطٌ مُضَافٌ لِلْبَعْدِ الْأَخِيرِ الْمُضَافِ لِلضَّمِيرِ الْعَائِدِ عَلَى الشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ فَنَفْرِضُ شَهْرًا وَهُوَ شَوَّالٌ فَقَبْلَهُ رَمَضَانُ وَقَبْلَ رَمَضَانَ شَعْبَانُ وَالسَّائِلُ قَدْ قَالَ: إنَّ رَمَضَانَ بَعْدَ أَحَدِ الْقَبْلَيْنِ وَالْقَبْلُ الْآخَرُ بَعْدَهُ وَلَيْسَ لَنَا شَهْرٌ قَبْلَهُ شَهْرَانِ الثَّانِي مِنْهُمَا رَمَضَانُ إلَّا شَوَّالًا فَيَتَعَيَّنُ وَيَكُونُ رَمَضَانُ مَوْصُوفًا بِأَنَّهُ بَعْدُ بِاعْتِبَارِ شَعْبَانَ وَبِأَنَّهُ قَبْلُ بِاعْتِبَارِ شَوَّالٍ وَلَا تَضَادَّ كَمَا تَقَدَّمَ جَوَابُهُ فَإِنْ زِدْنَا فِي لَفْظَةِ قَبْلَ لَفْظَةً أُخْرَى فَقُلْنَا: بَعْدَ مَا قَبْلَ قَبْلَهُ رَمَضَانُ كَانَ الشَّهْرُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ هُوَ ذُو الْقَعْدَةِ فَإِنَّ رَمَضَانَ أُضِيفَ لِقَبْلُ قَبْلَ قَبْلَيْنِ وَهُمَا شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ فَإِنْ جَعَلْنَا لَفْظَ قَبْلَ أَرْبَعًا كَانَ ذَا الْحِجَّةِ، أَوْ خَمْسًا كَانَ الْمُحَرَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي لَفْظِ بَعْدَ، غَيْرَ أَنَّك تَنْتَقِلُ فِي لَفْظِ بَعْدَ تَقَدُّمًا، وَفِي لَفْظِ قَبْلَ تَأَخُّرًا، فَإِنَّ بَعْدَ لِلِاسْتِقْبَالِ. فَكُلَّمَا كَثُرَتْ كَثُرَ الِاسْتِقْبَالُ، وَرَمَضَانُ هُوَ مُضَافٌ لِلْآخَرِ مِنْهُ فَيَتَعَيَّنُ بَعْدَ الشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ فِي الْمَاضِي حَتَّى يَتَأَخَّرَ رَمَضَانُ فِي الِاسْتِقْبَالِ فَيُضَافُ لِلْبَعْدِ الْأَخِيرِ وَيَنْتَقِلُ فِي لَفْظِ قَبْلَ إذَا كَثُرَ مُتَأَخِّرًا لِأَنَّ قَبْلَ لِلْمَاضِي وَرَمَضَانُ مُضَافٌ لِلْقَبْلِ الْمُجَاوِرِ لَهُ دُونَ الشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ فَيَكُونُ لِلشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ قَبْلَاتٌ كَثِيرَةُ رَمَضَانُ بَعْدَ الْأَوَّلِ مِنْهَا وَبَقِيَّةُ الْقَبْلَاتِ بَيْنَ رَمَضَانَ وَالشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ فَيَتَعَيَّنُ الِانْتِقَالُ لِلِاسْتِقْبَالِ بِحَسَبِ كَثْرَةِ لَفَظَاتِ قَبْلَ وَإِذَا قُلْنَا بَعْدَ مَا بَعْدَ بَعْدَهُ رَمَضَانُ يَتَعَيَّنُ جُمَادَى الْآخِرَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى عَيْنِ الشَّهْرِ الَّذِي كُنْت قُلْتُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَكِنْ مِنْ سَنَةٍ أُخْرَى وَهَكَذَا يَكُونُ الْحَالُ فِي السِّنِينَ إذَا كَثُرَتْ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَإِذَا زِدْنَا عَلَى قَوْلِنَا بَعْدَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ فِي لَفْظِ قَبْلَ لَفْظَةٍ أُخْرَى فَقُلْنَا بَعْدَ مَا قَبْلَ قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ كَانَ الشَّهْرُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ هُوَ ذُو الْقَعْدَةِ فَإِنَّ رَمَضَانَ أُضِيفَ لِقَبْلُ قَبْلَ قَبْلَيْنِ وَهُمَا شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ. وَإِنْ جَعَلْنَا لَفْظَ قَبْلَ أَرْبَعًا كَانَ ذَا الْحِجَّةِ أَوْ خَمْسًا كَانَ الْمُحَرَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي لَفْظِ بَعْدَ غَيْرَ أَنَّك تَنْتَقِلُ فِي لَفْظِ بَعْدَ تَقَدُّمًا وَفِي لَفْظِ قَبْلَ تَأَخُّرًا فَإِنَّ بَعْدَ لِلِاسْتِقْبَالِ فَكُلَّمَا كَثُرَتْ كَثُرَ الِاسْتِقْبَالُ وَرَمَضَانُ مُضَافٌ لِلْآخَرِ مِنْهُ فَيَتَعَيَّنُ بَعْدَ الشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ فِي الْمَاضِي حَتَّى يَتَأَخَّرَ رَمَضَانُ فِي الِاسْتِقْبَالِ فَيُضَافُ لِلْبَعْدِ الْأَخِيرِ وَيَنْتَقِلُ فِي لَفْظِ قَبْلَ إذَا كَثُرَ مُتَأَخِّرًا لِأَنَّ قَبْلَ لِلْمَاضِي وَرَمَضَانُ مُضَافٌ لِلْقَبْلِ الْمُجَاوِرِ لَهُ دُونَ الشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ فَيَكُونُ لِلشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ قَبْلَاتٌ كَثِيرَةٌ رَمَضَانُ بَعْدَ الْأَوَّلِ فِيهَا وَبَقِيَّةُ الْقَبْلَاتِ بَيْنَ رَمَضَانَ وَالشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ فَيَتَعَيَّنُ الِانْتِقَالُ لِلِاسْتِقْبَالِ بِحَسَبِ كَثْرَةِ لَفَظَاتِ قَبْلِ وَإِذَا زِدْنَا لَفْظَةَ قَبْلِ عَلَى قَوْلِنَا قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ فَقُلْنَا: قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ تَعَيَّنَ الْمُحَرَّمُ لِأَنَّ السَّائِلَ قَدْ نَطَقَ بِأَرْبَعٍ مِنْ لَفْظِ قَبْلَ فَقَبْلَ الْمُحَرَّمِ ذُو الْحِجَّةِ وَقَبْلَ ذِي الْحِجَّةِ ذُو الْقَعْدَةِ وَقَبْلَ ذِي الْقَعْدَةِ شَوَّالٌ وَقَبْلَ شَوَّالٍ رَمَضَانُ وَهُوَ مَا قَالَهُ السَّائِلُ وَهَكَذَا يَتَعَيَّنُ الِانْتِقَالُ لِلِاسْتِقْبَالِ بِحَسَبِ كَثْرَةِ لَفَظَاتِ قَبْلِ وَإِذَا زِدْنَا لَفْظَةَ بَعْدَ عَلَى قَوْلِنَا بَعْدَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ فَقُلْنَا: بَعْدَ مَا بَعْدَ بَعْدَ بَعْدَهُ رَمَضَانُ تَعَيَّنَ جُمَادَى الْأُولَى لِأَنَّ السَّائِلَ قَدْ نَطَقَ بِأَرْبَعٍ مِنْ لَفْظِ بَعْدَ فَبَعْدَ جُمَادَى الْأُولَى جُمَادَى الْأَخِيرَةِ وَبَعْدَ جُمَادَى الْأَخِيرَةِ رَجَبٌ وَبَعْدَ رَجَبٍ شَعْبَانُ وَبَعْدَ شَعْبَانَ رَمَضَانُ وَهُوَ مَا قَالَهُ السَّائِلُ وَهَكَذَا يَتَعَيَّنُ الِانْتِقَالُ لِلْمَاضِي بِحَسَبِ كَثْرَةِ لَفَظَاتِ بَعْدِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا ذَكَرَ يُعْلَمُ حُكْمُ بَاقِي الصُّوَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْمَقْصِدُ الثَّالِثُ) فِي تَقْرِيرِ الْبَيْتِ عَلَى طَرِيقَةِ الْتِزَامِ الْمَجَازِ فِي أَلْفَاظِهِ وَعَدَمِ النَّظْمِ بَلْ يَكُونُ الْكَلَامُ نَثْرًا فَتَصِيرُ الْمَسَائِلُ وَالْأَجْوِبَةُ سَبْعَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ مَسْأَلَةٍ وَتَقْرِيرُ ذَلِكَ بِتَقْدِيمِ الْكَلَامِ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفًا وَثَلَثِمِائَةٍ.

لِأَنَّ السَّائِلَ قَدْ نَطَقَ بِثَلَاثِ بَعْدَاتٍ غَيْرِ الشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ فَرَجَبٌ الْبَعْدُ الْأَوَّلُ وَشَعْبَانُ الْبَعْدُ الثَّانِي وَرَمَضَانُ الْبَعْدُ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ هُوَ الشَّهْرُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَيْهَا وَذَلِكَ جُمَادَى الْآخِرَةُ وَإِذَا قُلْنَا: قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ رَمَضَانُ تَعَيَّنَ ذُو الْحِجَّةِ لِأَنَّ السَّائِلَ قَدْ نَطَقَ بِثَلَاثٍ مِنْ لَفْظِ قَبْلَ فَقَبْلَ ذِي الْحِجَّةِ ذُو الْقَعْدَةِ وَقَبْلَ ذِي الْقَعْدَةِ شَوَّالٌ وَقَبْلَ شَوَّالٍ رَمَضَانُ وَهُوَ مَا قَالَهُ السَّائِلُ وَأَمَّا قَبْلَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ أَوْ بَعْدَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ هُوَ قَبْلَ مَا هُوَ بَعْدَهُ وَبَعْدَ مَا هُوَ قَبْلَهُ وَإِذَا اتَّحَدَ الْعَيْنُ صَارَ مَعْنَى الْكَلَامِ بَعْدَهُ رَمَضَانُ أَوْ قَبْلَهُ رَمَضَانُ فَيَكُونُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ شَعْبَانُ فِي الْأَوَّلِ وَشَوَّالٌ فِي الثَّانِي، وَسَادِسُهَا فِي تَقْرِيبِ أَجْوِبَةِ الْمَسَائِلِ اعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ الْأَجْوِبَةِ الثَّانِيَةِ مُنْحَصِرَةً فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ طَرَفَانِ وَوَاسِطَةٌ فَالطَّرَفَانِ جُمَادَى الْأَخِيرَةُ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْوَسَطُ شَوَّالٌ وَشَعْبَانُ، وَتَقْرِيبُ ضَبْطِهَا أَنَّ جَمِيعَ الْبَيْتِ إنْ كَانَ قَبْلَ فَالْجَوَابُ بِذِي الْحِجَّةِ، أَوْ بَعْدَ فَالْجَوَابُ جُمَادَى الْأَخِيرَةُ. أَوْ تَرَكَّبَ مِنْ قَبْلَ وَبَعْدَ فَمَتَى وَجَدْت فِي الْآخَرِ قَبْلَ بَعْدَهُ أَوْ بَعْدَ قَبْلَهُ فَالشَّهْرُ مُجَاوِرٌ لِرَمَضَانَ، فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ هُوَ قَبْلَ بَعْدَهُ وَبَعْدَ قَبْلَهُ، فَالْكَلِمَةُ الْأُولَى إنْ كَانَتْ حِينَئِذٍ قَبْلَ فَهُوَ شَوَّالٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى قَبْلَهُ رَمَضَانُ أَوْ بَعْدَ فَهُوَ شَعْبَانُ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بَعْدَهُ رَمَضَانُ هَذَا إنْ اجْتَمَعَ آخِرُ الْبَيْتِ قَبْلَ وَبَعْدَ فَإِنْ اجْتَمَعَ قَبْلَانِ أَوْ بَعْدَانِ وَقَبْلَهُمَا مُخَالِفٌ لَهُمَا فَفِي الْبَعْدَيْنِ شَعْبَانُ وَفِي الْقَبْلَيْنِ شَوَّالٌ، فَشَوَّالٌ ثَلَاثَةٌ وَشَعْبَانُ ثَلَاثَةٌ هَذِهِ السِّتَّةُ هِيَ الْوَاسِطَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَ جُمَادَى وَذِي الْحِجَّةِ. (فَصْلٌ) هَذَا تَقْرِيرُ الْبَيْتِ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ مِنْ الْتِزَامِ الْحَقِيقَةِ وَالْوَزْنِ، وَأَمَّا عَلَى خِلَافِهِمَا مِنْ الْتِزَامِ الْمَجَازِ وَعَدَمِ النَّظْمِ بَلْ يَكُونُ الْكَلَامُ نَثْرًا فَتَصِيرُ الْمَسَائِلُ وَالْأَجْوِبَةُ سَبْعَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ مَسْأَلَةٍ، وَتَقْرِيرُ ذَلِكَ بِتَقْدِيمِ بَيْتٍ مِنْ الشِّعْرِ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفَ بَيْتٍ مِنْ الشِّعْرِ وَثَلَاثِمِائَةِ بَيْتٍ وَعِشْرِينَ بَيْتًا مِنْ الشِّعْرِ نَظَمَهُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْفَاضِلُ الْمُتْقِنُ الْعَلَّامَةُ زَيْنُ الدِّينِ الْمَغْرِبِيُّ وَنَبَّهَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فِيهِ وَلَخَّصَ حِسَابَ عَدَدِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: بِقَلْبِي حَبِيبٌ مَلِيحٌ ظَرِيفٌ ... بَدِيعٌ جَمِيلٌ رَشِيقٌ لَطِيفٌ وَهُوَ مِنْ بَحْرِ الْمُتَقَارِبِ ثَمَانِيَةُ أَجْزَاءٍ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا فِي كَلِمَةٍ يُمْكِنُ أَنْ يُنْطَقَ بِهَا مَكَانَ صَاحِبَتِهَا فَتُجْعَلُ كُلُّ كَلِمَةٍ فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ مِنْ الْبَيْتِ فَالْكَلِمَتَانِ الْأَوَّلِيَّانِ يُتَصَوَّرُ مِنْهُمَا صُورَتَانِ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ. ثُمَّ تَأْخُذُ الثَّالِثَةَ فَتَحْدُثُ مِنْهَا مَعَ الْأَوَّلِيَّيْنِ سِتَّةُ أَشْكَالٍ بِأَنْ تُعْمِلَهَا قَبْلَ الْأَوَّلِيَّيْنِ وَبَعْدَهُمَا ثُمَّ تَقْلِبُهُمَا وَتُعْمِلُهَا قَبْلَهُمَا وَبَعْدَهُمَا ثُمَّ تُعْمِلُهَا بَيْنَهُمَا عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَتَحْدُثُ السِّتَّةُ فَيَكُونُ السِّرُّ فِيهِ أَنَّا ضَرَبْنَا الِاثْنَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي مَخْرَجِ الثَّالِثِ وَاثْنَانِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةِ ثُمَّ تَأْخُذُ الرَّابِعَ وَتُورِدُهُ عَلَى هَذِهِ السِّتَّةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ فَيَحْصُلُ مِنْ كُلِّ صُورَةٍ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ بِأَنْ تُعْمِلَ الرَّابِعَ قَبْلَ كُلِّ ثَلَاثَةٍ وَبَعْدَ أَوَّلِهَا وَبَعْدَ ثَانِيهَا وَبَعْدَ ثَالِثِهَا فَتَصِيرُ السِّتَّةُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ بِالْخَامِسِ وَالسَّادِسِ إلَى الثَّامِنِ، وَمَتَى حَدَثَتْ صُورَةٌ أَضَفْنَا إلَيْهَا بَقِيَّةَ الْبَيْتِ فَتَبْقَى الْأُولَى ثَمَانِيَةً وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الصُّوَرِ فَيَأْتِي الْعَدَدُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْآلَافِ بُيُوتًا تَامَّةً كُلُّ بَيْتٍ مِنْهَا ثَمَانِيَةٌ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنْ تَضْرِبَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فِي مَخْرَجِ الْخَامِسِ وَهُوَ خَمْسَةٌ تَكُونُ مِائَةً ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعِشْرِينَ بَيْتًا مِنْ الشِّعْرِ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا بَيْتٌ نَظَمَهُ الْفَقِيهُ الْعَلَّامَةُ زَيْنُ الدِّينِ الْمَغْرِبِيُّ وَلَخَصَّ حِسَابَ عَدَدِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: بِقَلْبِي حَبِيبٌ مَلِيحٌ ظَرِيفُ ... بَدِيعٌ جَمِيلٌ رَشِيقٌ لَطِيفُ وَهُوَ مِنْ بَحْرِ الْمُتَقَارِبِ ثَمَانِيَةُ أَجْزَاءٍ عَلَى فَعِيلٍ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا فِي كَلِمَةٍ يُمْكِنُ أَنْ يُنْطَقَ بِهَا مَكَانَ صَاحِبَتِهَا فَتُجْعَلُ كُلُّ كَلِمَةٍ فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاضِعَ مِنْ الْبَيْتِ فَالْكَلِمَتَانِ الْأُولَيَانِ يُتَصَوَّرُ مِنْهُمَا صُورَتَانِ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ثُمَّ تَأْخُذُ الثَّالِثَةُ فَتَحْدُثُ مِنْهَا مَعَ الْأَوَّلَيْنِ سِتَّةُ أَشْكَالٍ بِأَنْ تَعْمَلَهَا قَبْلَ الْأَوَّلَيْنِ وَبَعْدَهُمَا ثُمَّ تَقْلِبَهُمَا وَتَعْمَلَهَا قَبْلَهُمَا وَبَعْدَهُمَا ثُمَّ تَعْمَلَهَا بَيْنَهُمَا عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَتَحْدُثُ السِّتَّةُ فَيَكُونُ السِّرُّ فِيهِ ضَرَبْنَا الْأَوَّلَيْنِ فِي مَخْرَجِ الثَّالِثِ وَاثْنَانِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ ثُمَّ تَأْخُذُ الرَّابِعَ وَتُورِدُهُ عَلَى هَذِهِ السِّتَّةِ الصُّوَرِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ السِّتَّةِ لَهُ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ يَحْصُلُ بِعَمَلِ الرَّابِعِ قَبْلَ كُلِّ ثَلَاثَةٍ وَبَعْدَ أَوَّلِهَا وَبَعْدَ ثَانِيهَا وَبَعْدَ ثَالِثِهَا أَرْبَعُ صُوَرٍ فَتَصِيرُ السِّتَّةُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ بِالْخَامِسِ وَالسَّادِسِ وَالسَّابِعِ وَالثَّامِنِ وَمَتَى حَدَثَتْ صُورَةٌ أَضَفْنَا إلَيْهَا بَقِيَّةَ الْبَيْتِ فَتَبْقَى الْأُولَى ثَمَانِيَةً وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الصُّوَرِ فَيَأْتِي الْعَدَدُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْآلَافِ بُيُوتًا تَامَّةً كُلُّ بَيْتٍ فِيهَا ثَمَانِيَةٌ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنْ تَضْرِبَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فِي مَخْرَجِ الْخَامِسِ وَهُوَ خَمْسَةٌ تَكُونُ مِائَةً وَعِشْرِينَ تَضْرِبُهَا فِي مَخْرَجِ السَّادِسِ وَهُوَ سِتَّةٌ تَكُونُ سَبْعَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ تَضْرِبُهَا فِي مَخْرَجِ السَّابِعِ وَهُوَ سَبْعَةٌ تَكُونُ خَمْسَةَ آلَافٍ وَأَرْبَعِينَ تَضْرِبُهَا فِي مَخْرَجِ الثَّامِنِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ تَكُونُ أَرْبَعِينَ أَلْفًا وَثَلَاثُمِائَةٍ وَعِشْرِينَ بَيْتًا مِنْ الشِّعْرِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ مِنْ الْحِسَابِ وَالضَّرْبِ فَنَقُولُ مَعَنَا فِي الْبَيْتِ ثَلَاثَةٌ مِنْ لَفْظِ قَبْلِ وَثَلَاثَةٌ مِنْ لَفْظِ بَعْدِ فَنَجْمَعُ بَيْنَ السِّتَّةِ وَيَبْطُلُ الْوَزْنُ حِينَئِذٍ لِطُولِ الْبَيْتِ وَلِعَدَمِ صُورَةِ الشِّعْرِ فَنَقُولُ قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ بَعْدَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ رَمَضَانُ ثُمَّ لَنَا أَنْ نَنْوِيَ بِكُلِّ قَبْلَ وَبِكُلِّ بَعْدَ شَهْرًا مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ أَيَّ شَهْرٍ كَانَ مِنْ غَيْرِ مُجَاوَرَةٍ وَلَا الْتِفَاتٍ إلَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ عَدَدِ الشُّهُورِ.

وَعِشْرِينَ تَضْرِبُهَا فِي مَخْرَجِ السَّادِسِ وَهُوَ سِتَّةٌ تَكُونُ سَبْعَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ تَضْرِبُهَا فِي مَخْرَجِ السَّابِعِ وَهُوَ سَبْعَةٌ تَكُونُ خَمْسَةَ آلَافٍ وَأَرْبَعِينَ تَضْرِبُهَا فِي مَخْرَجِ الثَّامِنِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ تَكُونُ أَرْبَعِينَ أَلْفًا وَثَلَاثَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ بَيْتًا مِنْ الشِّعْرِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. (مَسْأَلَةٌ) هِيَ فَائِدَةٌ حَسَنَةٌ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ يَبْحَثُ عَنْ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ وَتَنْكِيسِهِ وَلَا يَعْلَمُ كَمْ يَحْصُلُ مِنْ صُوَرِ الْوُضُوءِ مُرَتَّبًا وَمُنَكَّسًا وَالْمُتَحَصِّلُ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وُضُوءًا مُرَتَّبًا وَمُنَكَّسًا عَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَتَقْرِيرُهُ بِالطَّرِيقِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْبَيْتِ بِأَنْ تَقُولَ الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ يُتَصَوَّرُ فِيهِمَا صُورَتَانِ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ثُمَّ تَأْخُذُ الرَّأْسَ فَيَحْدُثُ مِنْهُ مَعَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ سِتَّةُ وُضُوآتٍ بِأَنْ تُعْمِلَ الرَّأْسَ قَبْلَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَبَعْدَهُمَا ثُمَّ تَقْلِبُهُمَا وَتُعْمِلُهُ قَبْلَهُمَا وَبَعْدَهُمَا ثُمَّ تُعْمِلُ الرَّأْسَ بَيْنَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَيَحْدُثُ سِتَّةُ وُضُوآتٍ بِأَنْ تُضِيفَ لِكُلِّ صُورَةٍ تَحْدُثُ الرِّجْلَيْنِ حَتَّى يَكْمُلَ الْوُضُوءُ وَهُوَ مِنْ ضَرْبِ الِاثْنَيْنِ فِي مَخْرَجِ الثَّالِثِ وَاثْنَانِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ ثُمَّ تَأْخُذُ الرِّجْلَيْنِ تَضُمُّهُمَا إلَى هَذِهِ السِّتَّةِ وُضُوآتِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَعْضَاءٍ فَتَصِيرُ كُلُّ صُورَةٍ مِنْهَا أَرْبَعَةً بِأَنْ تُعْمِلَ الرِّجْلَيْنِ قَبْلَ الثَّلَاثَةِ وَبَعْدَ الْأَوَّلِ وَبَعْدَ الثَّانِي وَبَعْدَ الثَّالِثِ فَتَصِيرُ السِّتَّةُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ. وَذَلِكَ هُوَ جَمِيعُ مَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْوُضُوءِ وَصُوَرِهِ فِي الْوُجُودِ فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ مِنْ الْحِسَابِ وَالضَّرْبِ فَنَقُولُ مَعَنَا فِي الْبَيْتِ ثَلَاثَةٌ مِنْ لَفْظِ قَبْلَ وَثَلَاثَةٌ مِنْ لَفْظِ بَعْدَ فَنَجْمَعُ بَيْنَ السِّتَّةِ وَيَبْطُلُ الْوَزْنُ حِينَئِذٍ لِطُولِ الْبَيْتِ وَلِعَدَمِ صُورَةِ الشِّعْرِ فَنَقُولُ قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلَ بَعْدَ مَا بَعْدَ بَعْدَهُ رَمَضَانُ ثُمَّ لَنَا أَنْ نَنْوِيَ بِكُلِّ قَبْلَ وَبِكُلِّ بَعْدَ شَهْرًا مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ أَيَّ شَهْرٍ كَانَ مِنْ غَيْرِ مُجَاوَرَةٍ وَلَا الْتِفَاتٍ إلَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ عَدَدِ الشُّهُورِ وَيَكُونُ الْكَلَامُ مَجَازًا عَرَبِيًّا فَإِنَّ أَيَّ شَهْرٍ أَخَذْتَهُ فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّهْرِ الْآخَرِ الَّذِي نَسَبْتَهُ إلَيْهِ بِالْقَبْلِيَّةِ أَوْ الْبَعْدِيَّةِ عِلَاقَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ مَعَهُ أَوْ هُوَ قَبْلَهُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ أَوْ بَعْدَهُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ أَوْ هُوَ شَبِيهٌ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ شَهْرٌ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْعَلَاقَاتِ الْمُصَحِّحَةِ لِلْمَجَازِ، ثُمَّ إنَّا نَعْمَدُ إلَى هَذِهِ السِّتَّةِ فَنَأْخُذُ مِنْهَا اثْنَيْنِ فَتَحْدُثُ مِنْهُمَا صُورَتَانِ وَنَعْتَبِرُهُمَا شَهْرَيْنِ مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ فَتَظْهَرُ نِسْبَتُهُمَا إلَى رَمَضَانَ وَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ الشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ ثُمَّ نُورِدُ عَلَيْهِمَا لَفْظَةً أُخْرَى مِنْ لَفْظِ قَبْلَ وَبَعْدَ إلَى آخِرِ السَّنَةِ وَمَتَى أَفْضَى الْأَمْرُ إلَى التَّدَاخُلِ بَيْنَ صُورَتَيْنِ فِي شَهْرٍ نَوَيْنَا بِهِ شَهْرًا آخَرَ مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ حَتَّى تَحْصُلَ الْمُغَايَرَةُ فَيَحْصُلُ لَنَا مِنْ هَذِهِ السِّتَّةِ أَلْفَاظُ مَا يَحْصُلُ لَنَا مِنْ سِتَّةِ أَجْزَاءٍ مِنْ الْبَيْتِ وَهِيَ سَبْعُمِائَةٍ وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةٍ وَإِنْ زِدْت فِي لَفْظِ الْقَبْلِ أَوْ الْبَعْدِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَسْطِ الْكَلَامِ عَلَى الْبَيْتِ وَصَلَ الْكَلَامُ إلَى أَرْبَعِينَ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ وَأَكْثَرَ عَلَى حَسَبِ الزِّيَادَةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ طَرَفِ الْفَضَائِلِ وَالْفُضَلَاءِ وَنَوَادِرِ الْأَذْكِيَاءِ وَالنُّبَهَاءِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ مِنْ تَبْصِرَتِهِ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ اللَّخْمِيُّ: فِي كِتَابِ الظِّهَارِ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَكُونُ الْكَلَامُ مَجَازًا عَرَبِيًّا فَإِنَّ أَيَّ شَهْرٍ أَخَذَتْهُ فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّهْرِ الْآخَرِ الَّذِي نَسَبْتَهُ إلَيْهِ بِالْقَبْلِيَّةِ أَوْ الْبَعْدِيَّةِ عَلَاقَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ مَعَهُ أَوْ هُوَ قَبْلَهُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ أَوْ هُوَ بَعْدَهُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ أَوْ هُوَ شَبِيهٌ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ شَهْرٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْعَلَاقَاتِ الْمُصَحِّحَة لِلْمَجَازِ ثُمَّ إنَّا نَعْمَدُ إلَى هَذِهِ السِّتَّةِ فَنَأْخُذُ مِنْهَا اثْنَيْنِ فَتَحْدُثُ مِنْهَا صُورَتَانِ وَنَعْتَبِرُهُمَا شَهْرَيْنِ مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ فَتَظْهَرُ نِسْبَتُهُمَا إلَى رَمَضَانَ وَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ الشَّهْرِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ ثُمَّ نُورِدُ عَلَيْهِمَا لَفْظَةً أُخْرَى مِنْ لَفْظِ قَبْلَ وَبَعْدَ إلَى آخِرِ السَّنَةِ وَمَتَى أَفْضَى الْأَمْرُ إلَى التَّدَاخُلِ بَيْنَ صُورَتَيْنِ فِي شَهْرٍ نَوَيْنَا بِهِ شَهْرًا آخَرَ مِنْ شُهُورِ السَّنَةِ حَتَّى تَحْصُلَ الْمُغَايَرَةُ فَيَحْصُلُ لَنَا مِنْ هَذِهِ السِّتَّةِ الْأَلْفَاظِ مَا يَحْصُلُ لَنَا مِنْ سِتَّةِ أَجْزَاءٍ مِنْ الْبَيْتِ وَهِيَ سَبْعُمِائَةٍ وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةٍ وَإِنْ زِدْت فِي لَفْظِ الْقَبْلِ أَوْ الْبَعْدِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَقْصِدِ الثَّانِي وَصَلَ الْكَلَامُ إلَى أَرْبَعِينَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ أَوْ أَكْثَرَ عَلَى حَسَبِ الزِّيَادَةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ طَرَفِ الْفَضَائِلِ وَالْفُضَلَاءِ وَنَوَادِرِ الْأَذْكِيَاءِ وَالنُّبَهَاءِ. (خَاتِمَةٌ) فِي مُهِمَّيْنِ: الْمُهِمُّ الْأَوَّلُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ يَبْحَثُ عَنْ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ وَتَنْكِيسِهِ وَلَا يُعْلَمُ كَمْ يَحْصُلُ مِنْ صُوَرِ الْوُضُوءِ مُرَتَّبًا وَمُنَكَّسًا وَالْمُتَحَصِّلُ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وُضُوءًا مُرَتَّبًا وَمُنَكَّسًا عَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، وَتَقْرِيرُهُ بِالطَّرِيقِ الْمُتَقَدِّمِ فِي بَيْتِ الْعَلَّامَةِ زَيْنِ الدِّينِ الْمَغْرِبِيِّ أَنْ تَقُولَ: الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ يُتَصَوَّرُ فِيهِمَا صُورَتَانِ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ ثُمَّ تَأْخُذُ الرَّأْسَ فَيَحْدُثُ مِنْهُ مَعَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ سِتَّةُ وُضُوآتٍ بِأَنْ تَعْمَلَ الرَّأْسَ قَبْلَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَبَعْدَهُمَا ثُمَّ تَقْلِبُهُمَا وَتَعْمَلَهُ قَبْلَهُمَا وَبَعْدَهُمَا ثُمَّ تَعْمَلُ الرَّأْسَ بَيْنَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَيَحْدُثُ سِتَّةُ وُضُوآتٍ بِأَنْ تُضِيفَ لِكُلِّ صُورَةٍ تَحْدُثُ الرِّجْلَيْنِ حَتَّى يَكْمُلَ الْوُضُوءُ وَهُوَ مِنْ ضَرْبِ الِاثْنَيْنِ فِي مَخْرَجِ الثَّالِثِ وَاثْنَانِ فِي ثَلَاثَةٍ بِسِتَّةٍ ثُمَّ تَأْخُذُ الرِّجْلَيْنِ تَضُمُّهُمَا إلَى هَذِهِ السِّتَّةِ الْوُضُوآتِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ السِّتَّةِ لَهُ ثَلَاثُ أَعْضَاءٍ يَحْصُلُ بِعَمَلِ الرِّجْلَيْنِ قَبْلَ الثَّلَاثَةِ الْأَعْضَاءِ وَبَعْدَ الْأَوَّلِ وَبَعْدَ الثَّانِي وَبَعْدَ الثَّالِثِ أَرْبَعُ صُوَرٍ.

غَدًا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: أَنَّ كَلِمَةَ الْيَوْمَ حِنْثٌ وَغَدًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِكَلَامِ غَدٍ بَعْدَ إنْ كَانَتْ الْيَوْمَ زَوْجَةً يَقْتَضِي اجْتِمَاعَ الْعِصْمَةِ وَعَدَمَهَا فَإِذَا كَلَّمَهُ الْيَوْمَ اجْتَمَعَ الشَّرْطُ وَالْمَشْرُوطُ فِي ظَرْفٍ وَاحِدٍ فَيُمْكِنُ تَرَتُّبُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ إنْ كَلَّمَهُ غَدًا وَيُقَدَّرُ تَقَدُّمُ الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ عَدَمِهِ فَيُمْكِنُ تَرَتُّبُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخِرِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَإِنَّهُ إنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْغَدِ طَلُقَتْ عَلَيْهِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ تَطْلُقْ لِفَوَاتِ يَوْمِ الطَّلَاقِ وَفِي الْجَوَاهِرِ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَيَقْدَمُ نِصْفَ النَّهَارِ تَطْلُقُ مِنْ أَوَّلِهِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا فَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ الْقُدُومَ فَهُوَ تَقْدِيمُ الْحُكْمِ عَلَى شَرْطِهِ أَوْ الْيَوْمَ فَلَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ خِلَافُ أَصْلِ مَالِكٍ بَلْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمْتِ فُلَانًا غَدًا كَمَا تَقَدَّمَ قُلْت: وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ يُونُسَ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَشْهُورَ اللُّزُومُ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ الثَّانِي أَنَّهَا تَطْلُقُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ كَمَا تَقَدَّمَ النَّقْلُ فِي الْجَوَاهِرِ فَيَتَقَدَّمُ الطَّلَاقُ عَلَى لَفْظِ التَّعْلِيقِ وَعَلَى الشَّرْطِ مَعًا هَذِهِ نُصُوصُ مَذْهَبِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ لَهُ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بِالْأَمْسِ وَقَالَ: قَصَدْت إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِالْأَمْسِ لَمْ يَقَعْ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّفْظِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَقِيلَ: يَقَعُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ وُقُوعَهُ بِالْأَمْسِ يَقْتَضِي وُقُوعَهُ فِي الْحَالِ فَيَسْقُطُ الْمُتَعَذِّرُ وَيَثْبُتُ الْحَالُ وَقِيلَ: لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّفْظِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ. وَإِنْ قَالَ: إنْ مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ إنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ لِئَلَّا يَتَقَدَّمَ الْحُكْمُ عَلَى اللَّفْظِ أَوْ بَعْدَ شَهْرٍ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: إنْ قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ قَالَ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُ الطَّلَاقُ فِي الْمَوْتِ دُونَ الدُّخُولِ وَالْقُدُومِ قَالَ: وَهُوَ تَحَكُّمٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ إذَا قَالَ: إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ قُدُومِهِ بِشَهْرٍ ثُمَّ خَالَعَهَا ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ بَطَلَ الْخُلْعُ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا تَقَدُّمَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَيْهِ ثُمَّ إنَّهُمْ أَرْدَفُوا ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا إذَا قَالَ: لَهَا إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِهِ بِسَنَةٍ فَقَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَةٍ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي عِنْدَ حُصُولِ الشَّرْطِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَا تَعْتَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ مِنْ سَنَةٍ كَمَا لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا مِنْ سَنَةٍ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَأْنِفُ عِدَّةً وَيَقْتَضِي قَوْلُهُمْ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِمَا كَانَ يُنْفِقُهُ عَلَيْهَا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ بِمَا أَنْفَقَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلَى زَعْمِهِمْ إنْ كَانَ رَجْعِيًّا مَعَ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّهَا زَوْجَةٌ مُسْتَقِرَّةُ الْعِصْمَةِ مُبَاحَةُ الْوَطْءِ إلَى حِينِ قُدُومِ زَيْدٍ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي صَرَّحَ لِي بِهِ أَعْيَانُهُمْ وَمَشَايِخُهُمْ الْمُعَاصِرُونَ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قُلْت: وَالْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْقُدُومِ الَّذِي جُعِلَ شَرْطًا وَعَلَى لَفْظِ التَّعْلِيقِ وَزَمَانِهِ وَقَوْلُهُمْ حُكْمُ اللَّفْظِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ لَا يَتِمُّ وَقِيَاسُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSغَدًا إلَى قَوْلِهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي صَرَّحَ لِي بِهِ أَعْيَانُهُمْ وَمَشَايِخُهُمْ الْمُعَاصِرُونَ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) . قُلْتُ: جَمِيعُ ذَلِكَ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ قَالَ: (قُلْتُ: وَالْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْقُدُومِ الَّذِي جُعِلَ شَرْطًا وَعَلَى لَفْظِ التَّعْلِيقِ فِي زَمَانِهِ وَقَوْلُهُمْ حُكْمُ اللَّفْظِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ لَا يَتِمُّ وَقِيَاسُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي كُلِّ صُورَةٍ مِنْ السِّتَّةِ فَتَصِيرُ السِّتَّةُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَذَلِكَ هُوَ جَمِيعُ مَا يُتَصَوَّرُ فِي الْوُجُودِ لِلْوُضُوءِ مِنْ الصُّوَرِ الْمُهِمِّ الثَّانِي سَأَلَ الشَّيْخُ عُثْمَانُ الرَّاضِي الْمَكِّيُّ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْأُسْكُوبِيُّ الْمَدَنِيُّ بِقَوْلِهِ: يَا إمَامًا لِلْعِلْمِ وَالتَّدْرِيسِ ... وَهُمَامًا قَدْ جَلَّ عَنْ تَقْيِيسِ ذَا الْعُلَا إبْرَاهِيمَ الْأُسْكُوبِيِّ أَوْلَى ... مَنْ يُرْجَى لِكَشْفِ خَطْبِ عُمَيْسِ الْبَدِيعَ النَّفِيسَ وَالْمَاهِرَ الْمُبْدِعَ ... فِي صَنْعَةِ الْبَدِيعِ النَّفِيسِ طِبْت غَرْسًا فِي رَوْضَةٍ هِيَ طَابَتْ ... مِنْ حِمَى طِيبَةِ الْمَنِيعِ الْأَنِيسِ أَنْتَ شَمْسٌ تُضِيءُ فِي كُلِّ عِلْمٍ ... بِك تُجْلَى غَيَاهِبُ التَّلْبِيسِ حُزْت كُلَّ الْعُلُومِ كَسْبًا وَوَهْبًا ... وَأَجَدْت الْفُنُونَ عَنْ تَأْسِيسِ لَك فَهْمٌ لَا يَعْتَرِيهِ سَقَامٌ ... وَذَكَاءٌ يَدْرِي بِمَا فِي النُّفُوسِ مَا يَقُولُ الْإِمَامُ فِي بَيْتَيْ الْحِلِّي ... الصَّفِيِّ الْمُحْكَمَيْنِ بِالتَّجْنِيسِ وَعُدْت فِي الْخَمِيسِ وَصْلًا وَلَكِنْ ... شَاهَدْت حَوْلَنَا الْعِدَا كَالْخَمِيسِ أَخْلَفْت فِي الْخَمِيسِ وَعْدِي وَجَاءَتْ ... بَعْدَ مَا قَبْلَ بَعْدَ يَوْمِ الْخَمِيسِ أَيُّ يَوْمٍ جَاءَتْهُ مِنْ بَعْدِ خُلْفٍ ... فَأَبِينُوا الْمَعْقُولَ بِالْمَحْسُوسِ فَلَقَدْ جُلْتُ فِيهِمَا سَيِّدِي مَعَ ... أَحْمَدَ الشَّهْمِ يَا فَقِيهَ الرَّئِيسِ وَاضْطَرَبْنَا فِي فَهْمِ مَعْنَاهُمَا حَتَّى ... ضَرَبْنَا التَّخْمِيسَ فِي التَّسْدِيسِ ثُمَّ دُرْنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الدُّورِ ... فَتُهْنَا عَنْ يَوْمِهَا الْمَرْمُوسِ وَاخْتَلَفْنَا وَمَا اتَّفَقْنَا بِرَأْيٍ ... وَأَقَمْنَا فِي ذَاكَ حَرْبَ الْبَسُوسِ فَارْتَضَيْنَاك آخِرَ الْأَمْرِ فِينَا ... حَكَمًا إذْ لَا عِطْرَ بَعْدَ عَرُوسِ ثُمَّ بَعْضُ الثِّقَاتِ فِي الْفَنِّ يَرْوِي ... وَهُوَ فِيمَا أَظُنُّ عَنْ تَهْجِيسِ قَبْلَ مَا بَعْدَ قَبْلَ يَوْمِ الْخَمِيسِ ... هَكَذَا رَاحَ مُثْبَتًا فِي الطُّرُوسِ وَهُوَ عِنْدِي لَا يُطَابِقُ مَعْنَى ... مَا أَرَادَ الصَّفِيُّ بَعْدَ الْخَمِيسِ فَتَأَمَّلْ فِي ذَا وَذَا غَيْرَ مَأْمُورٍ ... وَحَقِّقْ وُقِيتَ هَمَّ الْعُكُوسِ وَأَبِنْ لِي هَلْ ذَا صَحِيحٌ وَإِلَّا ... بَاطِلٌ أَوْ كِلَاهُمَا بِنَفِيسِ وَابْقَ وَأَسْلَمْ فِي يُمْنِ حَظٍّ وَأَمْنٍ ... يَا إمَامًا لِلْعِلْمِ وَالتَّدْرِيسِ

أَمْسِ لَا يَصِحُّ وَبَيَانُ ذَلِكَ بِبَيَانِ ثَلَاثِ قَوَاعِدَ:. الْقَاعِدَةُ الْأُولَى أَنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ: قِسْمَانِ قِسْمٌ قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَصْلِ شَرْعِهِ وَقَدَّرَ لَهُ مُسَبَّبًا مُعَيَّنًا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ زِيَادَةٌ وَلَا نَقْصٌ كَالْهِلَالِ لِوُجُوبِ الصَّوْمِ وَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَالْعِصَمِ وَالْأَمْلَاكِ فِي الرَّقِيقِ وَالْبَهَائِمِ لِوُجُوبِ النَّفَقَاتِ وَعُقُودِ الْبِيَاعَاتِ وَالْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ لِإِنْشَاءِ الْأَمْلَاكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ. وَقِسْمٌ وَكَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِخِيَرَةِ الْمُكَلَّفِينَ. فَإِنْ شَاءُوا جَعَلُوهُ سَبَبًا وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يَجْعَلُوهُ سَبَبًا وَحَصَرَ جَعْلَهُمْ لِذَلِكَ فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ التَّعْلِيقُ كَدُخُولِ الدَّارِ وَقُدُومِ زَيْدٍ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ ذَلِكَ سَبَبًا لِطَلَاقِ امْرَأَةِ أَحَدٍ وَلَا لِعِتْقِ عَبْدِهِ وَالْمُكَلَّفُ جَعَلَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ بِالتَّعْلِيقِ عَلَيْهِ خَاصَّةً فَلَوْ قَالَ: جَعَلْتُهُ سَبَبًا مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ وَلَمْ يُعْتَبَرْ فَهَذَا الْقِسْمُ خَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ وَفِي مُسَبَّبِهِ أَيَّ شَيْءٍ شَاءَ الْمُكَلَّفُ جَعَلَهُ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا قَرِيبَ الزَّمَانِ أَوْ بَعِيدَهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ الْمُقَدَّرَاتُ لَا تُنَافِي الْمُحَقَّقَاتِ بَلْ يَجْتَمِعَانِ وَيَثْبُتُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوَازِمُهُ وَأَحْكَامُهُ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَسَائِلُ: أَحَدُهَا أَنَّ الْأَمَةَ إذَا اشْتَرَاهَا شِرَاءً صَحِيحًا أُبِيحَ وَطْؤُهَا بِالْإِجْمَاعِ إلَى حِينِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ وَالرَّدِّ بِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: الرَّدُّ بِالْعَيْبِ نَقْضٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ ارْتَفَعَتْ الْإِبَاحَةُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهَا وَاقِعَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَلِكَ الْعَقْدُ وَاقِعٌ أَيْضًا وَرَفْعُ الْوَاقِعِ مُحَالٌ عَقْلًا وَالْمُحَالُ عَقْلًا لَا يَرِدُ الشَّرْعُ بِوُقُوعِهِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى هَذَا الِارْتِفَاعِ تَقْدِيرًا لَا تَحْقِيقًا لِأَنَّ قَاعِدَةَ التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ أَوْ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ فَيَحْكُمُ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِأَنَّ الْعَقْدَ الْمَوْجُودَ وَالْإِبَاحَةَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَيْهِ وَجَمِيعَ آثَارِهِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً وَلَا تَنَافِي بَيْنَ ثُبُوتِ الشَّيْءِ حَقِيقَةً وَعَدَمِهِ حُكْمًا كَقُرُبَاتِ الْكُفَّارِ وَالْمُرْتَدِّينَ مَوْجُودَةٌ حَقِيقَةً وَمَعْدُومَةٌ حُكْمًا وَالنِّيَّةُ فِي الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهَا مَوْجُودَةٌ حُكْمًا وَمَعْدُومَةٌ حَقِيقَةً عَكْسُ الْأَوَّلِ وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ وَالْإِخْلَاصُ وَغَيْرُهُمَا يُحْكَمُ بِوُجُودِهِمَا وَإِنْ عُدِمَا عَدَمًا حَقِيقِيًّا وَقَدْ بَسَطْت ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَةِ فِي إدْرَاكِ أَحْكَامِ النِّيَّةِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ لَا تُنَافِيَ الْمُحَقَّقَاتِ. ـــــــــــــــــــــــــــــSأَمْسِ لَا يَصِحُّ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ عِنْدِي صَحِيحٌ لَكِنَّهُ مُنَاقِضٌ لِمَا حُكِيَ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْعِصْمَةِ وَإِبَاحَةِ الْوَطْءِ إلَى قُدُومِ زَيْدٍ وَاَلَّذِي أَظُنُّهُ أَنَّ ذَلِكَ الْإِجْمَاعَ لَا يَصِحُّ وَأَنَّهَا لَا يُبَاحُ وَطْؤُهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِ الشَّرْطِ بَلْ تَحْرُمُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّ قَدِمَ زَيْدٌ تَبَيَّنَ أَنَّ لَنَا تَحْرِيمَهَا لِلطَّلَاقِ وَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ تَبَيَّنَ أَنَّ تَحْرِيمَهَا لِلْإِشْكَالِ وَالِاحْتِمَالِ كَمَا فِي اخْتِلَاطِ الْمَنْكُوحَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ الْأَجْنَبِيَّةُ حَرَامٌ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ وَالْمَنْكُوحَةُ حَرَامٌ لِلِاخْتِلَاطِ. قَالَ: (وَبَيَانُ ذَلِكَ بِبَيَانِ ثَلَاثِ قَوَاعِدَ: الْقَاعِدَةُ الْأُولَى أَنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ قِسْمَانِ إلَى آخِرِ بَيَانِ الْقَاعِدَةِ) قُلْتُ: جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ (وَلَوْ قَالَ: جَعَلْتُهُ سَبَبًا مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ) قُلْتُ: هَذَا إنَّمَا يَجْرِي عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ فِي تَعْيِينِ الْأَلْفَاظِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي عَدَمِ تَعْيِينِهَا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ لَا تُنَافِي الْمُحَقَّقَاتِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ كَقُرُبَاتِ الْكُفَّارِ وَالْمُرْتَدِّينَ مَوْجُودَةً حَقِيقَةً وَمَعْدُومَةً حُكْمًا فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ قُرُبَاتِهِمْ فِي حَالِ الْكُفْرِ وَالِارْتِدَادِ فَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الِارْتِدَادِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَجَابَهُ بِقَوْلِهِ) : يَا عَلِيمًا بِكُلِّ مَعْنًى نَفِيسِ ... وَصَدِيقِي وَمَطْلَبِي وَأَنِيسِي أَنْتَ مَنْ فِي رَفِيعِ مَجْدٍ وَفَضْلٍ ... وَمَقَالٍ لَهُ مَقَامُ الرَّئِيسِ لَك مِنْ أَسْهُمِ الْبَيَانِ الْمُعَلَّى ... فِي شُذُوذٍ فَاوَضْتَ أَوْ فِي مَقِيسِ وَلَك السَّابِقُ الْمُجَلَّى إذَا مَا ... رُمْت سَبْقًا بِحَلْبَةِ التَّدْرِيسِ مَنْ كَعُثْمَانَ رَاضِيًا رَاقِيًا أَوْ ... جَ الْمَعَالِي بِطِيبِ خَيْمٍ وَسُوسِ أَوْ لَمْ يَكْفِك الْجَوَاهِرُ حَتَّى ... جِئْت بِالزَّهْرِ فِي قُيُودِ الطُّرُوسِ أَسْفَرَتْ عَنْ لِثَامِهَا بِنْتُ فِكْرٍ ... مِنْك رَامَتْ بِلُطْفِهَا تَأْنِيسِي وَأَدَارَتْ عَلَى الْمَسَامِعِ مِنْهَا ... خَمْرَ مَعْنًى أَشْهَى مِنْ الْحَنْدَرِيسِ وَأَشَارَتْ إلَى لَطَائِفَ دَارَتْ ... بَيْنَ خِلَّيْنِ تَزْدَرِي بِالْكُؤُوسِ مَا عَلَى - يَا فَقِيهُ - أَحْمَدَ زَيْدٌ ... إنَّ ذَاكَ الْجَلِيسَ خَيْرُ جَلِيسٍ قَدْ تَسَابَقْتُمَا الْفَضَائِلَ حَتَّى ... نِلْتُمَا أَقْصَى كُلِّ مَعْنًى نَفِيسِ فَكِلَا الْفَاضِلَيْنِ أَحْرَزَ فَضْلًا ... لَيْسَ يَخْفَى عَلَيْهِ مَعْنَى الشُّمُوسِ إنَّ بَيْتَ الصَّفِيِّ لَا شَكَّ مَبْنًى ... لَعَمْرِي بُنِيَ عَلَى تَأْسِيسِ بَيْدَ أَنَّ أَكْثَرَ الظُّرُوفِ لِقَصْدِ ... رَامٍ مِنْهُ غَرَابَةَ التَّلْبِيسِ أَوَ يَخْفَى عِيدٌ وَعِيدٌ وَعِيدٌ ... عَمَّ بِيَوْمِ الْعَرُوبَةِ الْمَأْنُوسِ إنَّ هَذَا الْمُرَادَ إنْ قَالَ جَاءَتْ ... بَعْدَ مَا قَبْلَ بَعْدَ يَوْمِ الْخَمِيسِ صَحَّ مَنْ قَالَ قَبْلَ مَا بَعْدَ لَكِنْ ... نُكِّسَ الْيَوْمُ غَايَةَ التَّنْكِيسِ أَيْنَ يَوْمُ الرُّبُوعِ مِنْ يَوْمِ عِيدٍ ... مَنْ يَرُدُّ السَّعِيدَ لِلْمَنْحُوسِ دُمْتُمَا فِي لَبُوسِ صِحَّةِ نُعْمَى ... مِنْ أَجْلِ الْمَلْبُوسِ غَيْرِ لَبِيسِ قُلْتُ وَهَذَا الْجَوَابُ لَا يُخَالِفُ الضَّابِطَ الْمُتَقَدِّمَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ قَوْلِهِ أَوَ يَخْفَى عِيدٌ إلَخْ وَقَوْلُهُ صَحَّ مَنْ قَالَ قَبْلَ مَا بَعْدَ إلَخْ أَنَّهُ عَلَى عَكْسِ مَا مَرَّ لِأَمْرَيْنِ: الْأَمْرُ الْأَوَّلُ أَنَّ الصَّفِيَّ لَمْ يَقُلْ بَعْدَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ بَلْ قَالَ بَعْدَ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَلَا شَكَّ فِي صِدْقِ الْأَوَّلِ بِيَوْمِ الرُّبُوعِ كَمَا مَرَّ وَصَدَقَ الثَّانِي بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ كَمَا قَالَ الْأُسْكُوبِيُّ الْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ بَيْدَ أَنَّ أَكْثَرَ الظُّرُوفِ إلَخْ مُوَافِقٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ.

[المسألة الثانية قال أنت طالق اليوم إن كلمت فلانا غدا]

وَثَانِيهَا أَنَّهُ إذَا قَالَ لَهُ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي فَأَعْتَقَهُ فَإِنَّا نُقَدِّرُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ عِتْقِهِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ تَحْقِيقًا لِلْعِتْقِ عَنْهُ وَثُبُوتِ الْوَلَاءِ لَهُ مَعَ أَنَّ الْوَاقِعَ عَدَمُ مِلْكِهِ لَهُ إلَى كَمَالِ الْعِتْقِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُهُ قَبْلَ الْعِتْقِ. وَثَالِثُهَا دِيَةُ الْخَطَأِ تُورَثُ عَنْ الْمَقْتُولِ وَمِنْ ضَرُورَةِ الْإِرْثِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْمَوْرُوثِ لِلْمَوْرُوثِ الْمَقْتُولِ فَيُقَدَّرُ مِلْكُهُ لِلدِّيَةِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِيَصِحَّ الْإِرْثُ وَنَحْنُ نَقْطَعُ بِعَدَمِ مِلْكِهِ لِلدِّيَةِ حَالَ حَيَاتِهِ فَقَدْ اجْتَمَعَ الْمِلْكُ الْمُقَدَّرُ وَعَدَمُهُ الْمُحَقَّقُ وَلَمْ يَتَنَافَيَا وَلَا نَقُولُ إنَّا بَيَّنَّا تَقَدُّمَ الْمِلْكِ لِلدِّيَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَرَابِعُهَا أَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ يَصِحُّ عِنْدَهُمْ بِنِيَّةٍ مِنْ الزَّوَالِ وَتَنْعَطِفُ هَذِهِ النِّيَّةُ تَقْدِيرًا إلَى الْفَجْرِ مَعَ أَنَّ الْوَاقِعَ عَدَمُ النِّيَّةِ وَلَا يُقَالُ: تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ نَوَى قَبْلَ الْفَجْرِ لِأَنَّ الْفَرْضَ خِلَافُهُ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَةِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ لَا تُنَافِي الْمُحَقَّقَاتِ. (الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّ الْحُكْمَ كَمَا يَجِبُ تَأَخُّرُهُ عَنْ سَبَبِهِ يَجِبُ تَأَخُّرُهُ عَنْ شَرْطِهِ وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ فَلَفْظُ التَّعْلِيقِ هُوَ سَبَبٌ مُسَبَّبُهُ ارْتِبَاطُ الطَّلَاقِ بِقُدُومِ زَيْدٍ فَالْقُدُومُ هُوَ السَّبَبُ الْمُبَاشِرُ لِلطَّلَاقِ وَاللَّفْظُ هُوَ سَبَبُ السَّبَبِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ أَضْعَفَ مِنْ السَّبَبِ الْمُبَاشِرِ فَإِذَا جَوَّزُوا تَقْدِيمَهُ عَلَى السَّبَبِ الْقَوِيِّ فَلْيَجُزْ عَلَى السَّبَبِ الضَّعِيفِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَإِنْ جَعَلُوا الْقُدُومَ شَرْطًا امْتَنَعَ التَّقَدُّمُ أَيْضًا. ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (وَثَانِيهَا أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي فَأَعْتَقَهُ فَإِنَّا نُقَدِّرُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ عِتْقِهِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ تَحْقِيقًا لِلْعِتْقِ عَنْهُ وَثُبُوتِ الْوَلَاءِ لَهُ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: لَا حَاجَةَ إلَى التَّقْدِيرِ لِلْمِلْكِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ عِتْقِ الْإِنْسَانِ عَبْدَهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مِلْكِ ذَلِكَ الْغَيْرِ لِلْعَبْدِ وَلَا تَحْقِيقِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (وَثَالِثُهَا دِيَةُ الْخَطَأِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِيهَا مِنْ لُزُومِ تَقْدِيرِ مِلْكِ الدِّيَةِ وَعَدَمِ تَحْقِيقِهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمْلِكُ الدِّيَةَ تَحْقِيقًا عِنْدَ إنْفَاذِ مُقَاتِلِهِ وَقَبْلَ زُهُوقِ نَفْسِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ الْمِلْكِ فِي دِيَةِ الْعَمْدِ لِتَعَذُّرِ تَحْقِيقِهِ بِكَوْنِ الدِّيَةِ مَوْقُوفَةً عَلَى اخْتِيَارِ الْأَوْلِيَاءِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَالْمَيِّتُ لَا يَمْلِكُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (وَرَابِعُهَا أَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ يَصِحُّ عِنْدَهُمْ بِنِيَّةٍ مِنْ الزَّوَالِ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ لَا تُنَافِي الْمُحَقَّقَاتِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ: (الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ الْحُكْمَ كَمَا يَجِبُ تَأَخُّرُهُ عَنْ سَبَبِهِ يَجِبُ تَأَخُّرُهُ عَنْ شَرْطِهِ وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ) قُلْتُ: رَبَطَ الْحُكْمَ بِسَبَبِهِ وَشَرْطُهُ وَضْعِيٌّ وَالْأُمُورُ الْوَضْعِيَّةُ لَا يَلْزَمُ فِيهَا عَلَى التَّعْيِينِ وَجْهٌ وَاحِدٌ بَلْ هِيَ بِحَسَبِ مَا وُضِعَتْ لَهُ فَلَوْ أَنَّ الْحُكْمَ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ التَّأَخُّرِ عَنْ سَبَبِهِ كَانَ عَلَى مَا وُضِعَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَنَّهُ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ التَّقَدُّمِ عَلَى سَبَبِهِ كَانَ كَذَلِكَ وَلَوْ أَنَّهُ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ أَنْ يَكُونَ مَعَ سَبَبِهِ لَا مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ وَلَا مُتَأَخِّرًا عَنْهُ كَانَ كَذَلِكَ أَيْضًا لَكِنَّ الْوَاقِعَ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا عَلِمْت تَأَخُّرَ الْحُكْمِ عَنْ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ كَمَا حُكِيَ فِيهِ الْإِجْمَاعُ وَذَلِكَ فِي الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُفْتَقِرَةِ لِلشَّرْعِ أَمَّا الَّتِي وُكِلَتْ إلَى قَصْدِ الْمُكَلَّفِ فَهِيَ بِحَسَبِ قَصْدِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (فَلَفْظُ التَّعْلِيقِ سَبَبُ مُسَبَّبِهِ ارْتِبَاطُ الطَّلَاقِ بِقُدُومِ زَيْدٍ إلَى قَوْلِهِ امْتَنَعَ التَّقْدِيمُ أَيْضًا) قُلْتُ: قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ أَضْعَفَ مِنْ السَّبَبِ الْمُبَاشِرِ إنْ أَرَادَ أَنَّ سَبَبَ السَّبَبِ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِلسَّبَبِ أَضْعَفُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلُ وَبَعْدُ فَأَلْغِهِمَا لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ حَاصِلٌ بَعْدَ مَا هُوَ قَبْلَهُ وَقَبْلَ مَا هُوَ بَعْدَهُ فَلَا يَبْقَى حِينَئِذٍ إلَّا بَعْدَ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَيَكُونُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ نَعَمْ الْفَاءُ بَعْدَ مَا قَبْلَ فِي بَيْتِ الْمَوْصِلِيِّ لِكَوْنِهِ مُبْدَلًا مِنْهُ وَالْمُبْدَلُ مِنْهُ فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ أَوْ لِكَوْنِ بَعْدَ يَوْمِ الْخَمِيسِ عَطْفُ بَيَانٍ لَهُ لَا لِمَا مَرَّ فِي الْقَاعِدَةِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا غَدًا] (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَصْلُ مَالِكٍ تَقَدَّمَ وُقُوعُ الْمُعَلَّقِ مِنْ طَلَاقٍ وَعِتْقٍ عَلَى الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ الَّذِي جُعِلَ شَرْطًا وَعَلَى لَفْظِ التَّعْلِيقِ وَزَمَانِهِ وَأَصْلُ الشَّافِعِيِّ عَدَمُ تَقَدُّمِهِ عَلَى ذَلِكَ فَلِذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي إنْ لَمْ أُطَلِّقْك رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ (وَيَقَعُ) أَيْ يُحْكَمُ بِوُقُوعِ طَلَاقِ أَلْبَتَّةَ نَاجِزًا (وَلَوْ مَضَى زَمَنُهُ) وَلَيْسَ لِتَعْلِيقِهِ بِالْأَيَّامِ وَجْهٌ اهـ بِتَوْضِيحٍ مِنْ عبق. وَقَالَ الْأَمِيرُ فِي مَجْمُوعِهِ وَإِنْ قَالَ: إنْ لَمْ أُطَلِّقْك وَاحِدَةً بَعْدَ شَهْرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ قِيلَ لَهُ: أَمَا نَجَّزَتْهَا أَيْ الْوَاحِدَةَ وَلَا يَقَعُ عَلَيْك شَيْءٌ بَعْدَ الشَّهْرِ وَإِلَّا فَالْبَتَّةُ وَطَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ فَعَلَ غَدًا ثُمَّ فَعَلَ أَيْ أَثْنَاءَ الْغَدِ لَزِمَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمِ الْحِنْثِ أَيْ لَا مِنْ يَوْمِ التَّعْلِيقِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ قَوْلُهُ الْيَوْمَ لَغْوًا وَالْمُعْتَبَرُ وُجُودُ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَصْلًا أَوْ فَعَلَ بَعْدَ غَدٍ لَمْ تَطْلُقْ اهـ بِتَوْضِيحٍ مِنْ عبق. وَفِي الْجَوَاهِرِ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَيَقْدَمُ نِصْفَ النَّهَارِ تَطْلُقُ مِنْ أَوَّلِهِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا فَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ الْقُدُومَ فَهُوَ تَقْدِيمُ الْحُكْمِ عَلَى شَرْطِهِ أَوْ الْيَوْمِ فَلَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي طَالِقٍ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمَ فُلَانًا غَدًا إنْ كَلَّمَهُ الْيَوْمَ حَنِثَ وَغَدًا لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِكَلَامِ غَدٍ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ الْيَوْمَ زَوْجَةً يَقْتَضِي اجْتِمَاعَ الْعِصْمَةِ وَعَدَمَهَا فَإِذَا كَلَّمَهُ الْيَوْمَ اجْتَمَعَ الشَّرْطُ وَالْمَشْرُوطُ فِي ظَرْفٍ وَاحِدٍ فَيُمْكِنُ تَرَتُّبُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ اهـ نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ عَنْهُ هُوَ خِلَافُ أَصْلِ مَالِكٍ بَلْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِكَلَامِ غَدٍ اهـ بِتَوْضِيحٍ لِلْمُرَادِ. وَفِي الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق عِنْدَ قَوْلِ خَلِيلٍ وَيَقَعُ وَلَوْ مَضَى زَمَنُهُ كَطَالِقٍ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا غَدًا قَصَدَ بِقَوْلِهِ وَيَقَعُ وَلَوْ مَضَى زَمَنُهُ وَبِمَا بَعْدَهُ الِاسْتِظْهَارُ عَلَى مُخَالَفَةِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ حَيْثُ قَالَ فِي إنْ لَمْ

إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ فَنَقُولُ: لَيْسَ فِي تَقْدِيمِ الطَّلَاقِ عَلَى زَمَنِ اللَّفْظِ وَزَمَنِ الْقُدُومِ تَقْدِيمٌ لِلْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ وَلَا الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ لِأَنَّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْقُدُومُ مَثَلًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَشْرُوطُهُ بِوَصْفِ الِانْعِطَافِ عَلَى الْأَزْمِنَةِ الَّتِي قَبْلَهُ عَلَى حَسَبِ مَا عَلَّقَهُ فَهَذَا الِانْعِطَافُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الشَّرْطِ وَلَفْظُ التَّعْلِيقِ كَمَا أَنَّ انْعِطَافَ النِّيَّةِ عِنْدَهُمْ عَلَى النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّهَارِ إذَا وَقَعَتْ نِصْفَ النَّهَارِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ إيقَاعِهَا فَالِانْعِطَافُ عَلَى الزَّمَانِ الْمَاضِي مُتَأَخِّرٌ عَنْ الشَّرْطِ وَسَبَبِهِ وَلَا يُقَالُ فِي الْمُنْعَطَفَاتِ إنَّا تَبَيَّنَّا تَقَدُّمَ الطَّلَاقِ حَقِيقَةً فِي الْمَاضِي بَلْ لَمْ يَكْشِفْ الْغَيْبَ عَنْ طَلَاقٍ حَقِيقِيٍّ فِي الْمَاضِي أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ ذَلِكَ حَيْثُ نَجْهَلُ أَمْرًا حَقِيقِيًّا ثُمَّ نَعْلَمُهُ كَمَا حَكَمْنَا بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ الْحَمْلِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ نَفْخٌ أَوْ حَكَمْنَا بِوَفَاةِ الْمَفْقُودِ ثُمَّ عَلِمْنَا حَيَاتَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ أَمَّا الِانْعِطَافَاتُ فَلَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَلْ نَجْزِمُ بَعْدَ الِانْعِطَافِ بِعَدَمِ الْمُنْعَطَفِ حَقِيقَةً فِي الزَّمَنِ الَّذِي انْعَطَفَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ ثَابِتٌ فِيهِ تَقْرِيرًا وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ يَوْمِ الْقُدُومِ لِأَنَّهُ يَوْمَ لُزُومِ الطَّلَاقِ وَتَحْرِيمِ الْفَرْجِ أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَالْإِبَاحَةُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْعِدَّةُ الَّتِي أَجْمَعْنَا عَلَيْهَا هِيَ الَّتِي تَتْبَعُ الْمُحَقَّقَ لَا الْمُقَدَّرَ. ـــــــــــــــــــــــــــــSمِنْ السَّبَبِ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْمُسَبَّبِ فَذَلِكَ مَمْنُوعٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ سَبَبَ السَّبَبِ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْمُسَبَّبِ أَضْعَفُ مِنْ السَّبَبِ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْمُسَبَّبِ فَمُسَلَّمٌ وَوَجْهُ ضَعْفِهِ كَوْنُهُ غَيْرَ مُبَاشِرٍ لَكِنْ مَعَ تَسْلِيمِ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ جَوَازُ تَقْدِيمِ الْمُسَبَّبِ عَلَيْهِ أَوْلَى بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ جَوَازَ تَقْدِيمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ الْمُبَاشِرِ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِ الْمُبَاشِرِ أَوْ يَقُولَ لَا أَوْلَوِيَّةَ بَلْ الْأَمْرُ فِيهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَمَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ دَعْوَى لَمْ يَأْتِ عَلَيْهَا بِحُجَّةٍ. قَالَ: (إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ فَنَقُولُ: لَيْسَ فِي تَقْدِيمِ الطَّلَاقِ عَلَى زَمَنِ اللَّفْظِ وَزَمَنِ الْقُدُومِ تَقْدِيمٌ لِلْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ وَلَا الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ لِأَنَّ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْقُدُومُ مَثَلًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَشْرُوطُهُ بِوَصْفِ الِانْعِطَافِ عَلَى الْأَزْمِنَةِ الَّتِي قَبْلَهُ عَلَى حَسَبِ مَا عَلَّقَهُ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ فَالِانْعِطَافُ عَلَى الزَّمَنِ الْمَاضِي يَتَأَخَّرُ عَنْ الشَّرْطِ وَسَبَبِهِ) قُلْتُ: كَيْفَ يَكُونُ الِانْعِطَافُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الشَّرْطِ وَهُوَ الْقُدُومُ وَقَدْ كَانَ لَفْظُ التَّعْلِيقِ السَّابِقِ عَلَى الْقُدُومِ يَقْتَضِيهِ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِالِانْعِطَافِ كَوْنَ اللَّفْظِ يَقْتَضِيهِ بَلْ يُرِيدُ لُزُومَ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الْقُدُومِ قِيلَ لَهُ: أَتُرِيدُ لُزُومَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَمْ تُرِيدُ فِي عِلْمِنَا فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ التَّعْلِيقِ بِسَبَبٍ بَلْ هُوَ أَمْرٌ لَزِمَ عَنْ وُقُوعِ الْقُدُومِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَبِالْجُمْلَةِ يُقَالُ لَهُ: هَلْ وَقَعَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الْقُدُومِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالَ: لَمْ يَقَعْ فَلَا طَلَاقَ فَإِنَّ التَّعْلِيقَ عَلَى الْقُدُومِ إنَّمَا يَقْتَضِي بِحَسَبِ نَصِّ التَّعْلِيقِ تَقْدِيمَ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَلَا مُوجِبَ لِوُقُوعِهِ وَإِنْ قَالَ: قَدْ وَقَعَ فَقَدْ اعْتَرَفَ بِتَقْدِيمِ الْمَشْرُوطِ عَلَى الشَّرْطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (وَلَا يُقَالُ فِي الْمُنْعَطَفَاتِ: إنَّا تَبَيَّنَّا تَقَدُّمَ الطَّلَاقِ حَقِيقَةً فِي الْمَاضِي إلَى آخِرِ قَوْلِهِ وَالْعِدَّةُ الَّتِي أَجْمَعْنَا عَلَيْهَا هِيَ الَّتِي تَتْبَعُ الْمُحَقَّقَ لَا الْمُقَدَّرَ) قُلْتُ: إذَا لَمْ يَلْزَمْ فِي الْمُنْعَطَفَاتِ وُقُوعٌ حَقِيقَةً فَلَا انْعِطَافَ وَلَا مُنْعَطَفَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُنْعَطَفٌ فَلَا طَلَاقَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقٌ فَقَدْ بَطَلَ مُقْتَضَى التَّعْلِيقِ الْمَفْرُوضِ فَإِنْ قَالَ بِثُبُوتِ طَلَاقٍ فَهُوَ طَلَاقٌ لَا مُوجِبَ لَهُ إذْ لَمْ يَصْدُرْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأُطَلِّقْك رَأْسَ الشَّهْرِ أَلْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إذَا مَضَى زَمَنُهُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَمَا قَالَهُ يَأْتِي عَلَى مَا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا غَدًا لَكِنْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ خِلَافُ أَصْلِ مَالِكٍ وَلَيْسَ لِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْأَيَّامِ وَجْهٌ اهـ نج اُنْظُرْ غ اهـ بِتَوْضِيحٍ مَا. فَعُلِمَ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَشْهُورَ مَذْهَبِ مَالِكٍ اللُّزُومُ خِلَافَ مَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، الثَّانِي أَنَّهَا تَطْلُقُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ كَمَا تَقَدَّمَ النَّقْلُ فِي الْجَوَاهِرِ فَيَتَقَدَّمُ الطَّلَاقُ عَلَى لَفْظِ التَّعْلِيقِ وَعَلَى الشَّرْطِ مَعًا وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بِالْأَمْسِ وَقَالَ: قَصَدْت إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِالْأَمْسِ لَمْ يَقَعْ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّفْظِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَقِيلَ: يَقَعُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ وُقُوعَهُ بِالْأَمْسِ يَقْتَضِي وُقُوعَهُ فِي الْحَالِ فَيَسْقُطُ الْمُتَعَذِّرُ وَيَثْبُتُ الْحَالُ وَقِيلَ: لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّفْظِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ: إنْ مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْتَ طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ إنْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ لِئَلَّا يَتَقَدَّمَ الْحُكْمُ عَلَى اللَّفْظِ أَوْ بَعْدَ شَهْرٍ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: إنْ قَدِمَ فُلَانٌ أَوْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُ الطَّلَاقُ فِي الْمَوْتِ دُونَ الدُّخُولِ وَالْقُدُومِ قَالَ: وَهُوَ تَحَكُّمٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ: إذَا قَالَ: إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ قُدُومِهِ بِشَهْرٍ ثُمَّ خَالَعَهَا ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ بَطَلَ الْخُلْعُ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا تَقَدُّمَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَيْهِ ثُمَّ أَنَّهُمْ أَرْدَفُوا ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا: إذَا قَالَ لَهَا إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِهِ بِسَنَةٍ فَقَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَةٍ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي عِنْدَ حُصُولِ الشَّرْطِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَا تَعْتَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ مِنْ سَنَةٍ كَمَا لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا مِنْ سَنَةٍ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَأْنِفُ عِدَّةً، هَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ أَعْيَانُهُمْ وَمَشَايِخُهُمْ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَيَقْتَضِي قَوْلُهُمْ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِمَا كَانَ يُنْفِقُهُ عَلَيْهَا إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ مِمَّا أَنْفَقَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلَى زَعْمِهِمْ إنْ كَانَ رَجْعِيًّا وَالْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْقُدُومِ الَّذِي جُعِلَ شَرْطًا وَعَلَى لَفْظِ

وَمِنْ الْأُمُورِ الصَّعْبَةِ الَّتِي أَلْزَمُوهَا أَنَّ الْوَطْءَ الْوَاقِعَ قَبْلَ الِانْعِطَافِ وَطْءُ شُبْهَةٍ لَا إبَاحَةٍ مُحَقَّقَةٍ وَوُجُودُ السَّبَبِ الْمُبِيحِ السَّالِمِ عَنْ مُعَارَضَةِ الطَّلَاقِ يَأْبَى ذَلِكَ فَإِنْ قَالُوا: تَقْدِيرُ الطَّلَاقِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الزَّوْجِيَّةِ لِلْإِبَاحَةِ قُلْنَا: الْمُقَدَّرَاتُ لَا تُنَافِي الْمُحَقَّقَاتِ وَالتَّقْدِيرُ لَا يُنَافِي الْعَقْدَ وَلَا يُعَارِضُهُ فِي اقْتِضَائِهِ الْإِبَاحَةَ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَى الشَّرْطِ وَلَا عَلَى اللَّفْظِ وَكَيْفَ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَهُمْ يَقُولُونَ: الرَّدُّ بِالْعَيْبِ نَقْضٌ لِلْعَقْلِ مِنْ أَصْلِهِ مَعَ أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ سَبَبٌ لِلنَّقْضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَهُ عَلَى سَبِيلِ الِانْعِطَافِ وَإِذَا عَقَلُوا ذَلِكَ فِي مَوَاطِنَ فَلْيَعْقِلُوهَا فِي الْبَقِيَّةِ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ مُنْذُ شَهْرٍ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْمَوْضُوعَةَ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ اسْتَقَلَّ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِمُسَبَّبَاتِهَا وَلَمْ يَجْعَلْ فِيهَا انْعِطَافَاتٍ بَلْ كُلُّ سَبَبٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ بَعْدَهُ وَالتَّعَالِيقُ مَوْكُولَةٌ لِخِيَرَةِ الْمُكَلَّفِ وَمُقْتَضَى التَّفْوِيضِ لِخِيَرَةِ الْمُكَلَّفِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ فِيهَا الِانْعِطَافَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْتِزَامِ الِانْعِطَافِ حَيْثُ خُيِّرَ الْمُكَلَّفُ أَنْ يَلْزَمَهُ حَيْثُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ لَهُ: بِعْتُك مِنْ شَهْرٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ الْمِلْكُ شَهْرًا وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأَسْبَابِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي الْقَوَاعِدِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُخَالَفَةِ اللَّفْظِ حَيْثُ الْحَجْرُ أَنْ لَا يَجْرِيَ اللَّفْظُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ حَيْثُ عَدَمُ الْمُعَارِضِ فَمَا ذَكَرْنَاهُ أَرْجَحُ بِالْأَصْلِ ثُمَّ إنَّهُمْ نَقَضُوا أَصْلَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا بِتَقْدِيمِهِ عَلَى الْقُدُومِ وَهُوَ سَبَبٌ أَوْ شَرْطٌ لِلطَّلَاقِ بَلْ هُوَ السَّبَبُ الْقَرِيبُ وَاللَّفْظُ هُوَ السَّبَبُ الْبَعِيدُ وَالْجُرْأَةُ عَلَى الْبَعِيدِ أَوْلَى. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) مَسْأَلَةُ الدَّوْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ: إنْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا لَزِمَهُ الثَّلَاثُ أَيْ عَدَدُ طَلْقِهِ مُنَجَّزًا كَمَّلْنَا عَلَيْهِ الثَّلَاثَ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ ابْنِ الْحَدَّادِ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَوَقَعَ مَشْرُوطُهُ وَهُوَ تَقَدُّمُ الثَّلَاثِ وَلَوْ وَقَعَ مَشْرُوطُهُ لَمَنَعَ وُقُوعَهُ لِأَنَّ الثَّلَاثَ تَمْنَعُ مَا بَعْدَهَا فَيُؤَدِّي إثْبَاتُهُ إلَى نَفْيِهِ فَلَا يَقَعُ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: يَقَعُ الْمُنَجَّزُ وَلَا يَقَعُ الْمُعَلَّقُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ مُحَالًا وَقِيلَ: يَقَعُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا الثَّلَاثُ أَيُّ شَيْءٍ نَجَّزَهُ تَنَجَّزَ وَكَمُلَ مِنْ الْمُعَلَّقِ قَالَ: وَمِنْ صُوَرِ الدَّوْرِ أَنْ يَقُولَ: إنْ طَلَّقْتُك طَلْقَةً أَمْلِكُ بِهَا الرَّجْعَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهَا طَلْقَتَيْنِ وَإِنْ وَطِئْتُك وَطْئًا مُبَاحًا فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــSمِنْ النَّاطِقِ بِالتَّعْلِيقِ إلَّا لَفْظَ التَّعْلِيقِ. قَالَ: (وَمِنْ الْأُمُورِ الصَّعْبَةِ الَّتِي أَلْزَمُوهَا أَنَّ الْوَطْءَ الْوَاقِعَ قَبْلَ الِانْعِطَافِ وَطْءُ شُبْهَةٍ لَا إبَاحَةٍ مُحَقَّقَةٍ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ وَإِذَا عَقَلُوا ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ فَلْيَعْقِلُوهَا فِي الْبَقِيَّةِ) قُلْتُ: فَإِذَا لَمْ يُعَارِضْ التَّقْدِيرَ الْعَقْدُ فِي اقْتِضَائِهِ الْإِبَاحَةَ فَأَيُّ مَعْنَى لِلِانْعِطَافِ وَأَيْنَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ. قَالَ: (وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مُنْذُ شَهْرٍ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْمَوْضُوعَةَ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ اسْتَقَلَّ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِمُسَبَّبَاتِهَا وَلَمْ يَجْعَلْ فِيهَا انْعِطَافَاتٍ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: تُرِيدُ أَنَّ لَفْظَ أَنْتِ طَالِقٌ مُنْذُ شَهْرٍ لَيْسَ تَعْلِيقًا وَلَكِنَّهُ مِمَّا وَضَعَهُ الشَّارِعُ سَبَبًا وَمَا وَضَعَهُ الشَّارِعُ لَمْ يُجْعَلْ فِيهِ انْعِطَافًا بِخِلَافِ مَا وَكَلَهُ إلَى خِيَرَةِ الْمُكَلَّفِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ نَقْضِهِمْ أَصْلَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . قَالَ: شِهَابُ الدِّينِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ مَسْأَلَةُ الدَّوْرِ قَالَ: أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ: إنْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا لَزِمَهُ الثَّلَاثُ أَيْ: عَدَدَ طَلْقِهِ مُنَجَّزًا كَمَّلْنَا عَلَيْهِ الثَّلَاثَ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَ فِيهَا إلَى آخِرِهَا صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّعْلِيقِ وَزَمَانِهِ كَمَا هُوَ أَصْلُ مَالِكٍ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْعِصْمَةِ وَإِبَاحَةِ الْوَطْءِ إلَى قُدُومِ زَيْدٍ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: الَّذِي أَظُنُّهُ أَنَّ هَذَا الْإِجْمَاعَ لَا يَصِحُّ وَأَنَّهَا لَا يُبَاحُ وَطْؤُهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِ الشَّرْطِ بَلْ تَحْرُمُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنْ قَدِمَ زَيْدٌ تَبَيَّنَ لَنَا أَنَّ تَحْرِيمَهَا لِلطَّلَاقِ. وَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ تَبَيَّنَ أَنَّ تَحْرِيمَهَا لِلْإِشْكَالِ وَالِاحْتِمَالِ كَمَا فِي اخْتِلَاطِ الْمَنْكُوحَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ الْأَجْنَبِيَّةُ حَرَامٌ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ وَالْمَنْكُوحَةُ حَرَامٌ لِلِاخْتِلَاطِ وَقَوْلُهُمْ حُكْمُ اللَّفْظِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ لَا يَتِمُّ وَقِيَاسُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ لَا يَصِحُّ لِوُجُودِ الْفَارِقِ وَيَتَّضِحُ لَك ذَلِكَ بِبَيَانِ ثَلَاثِ قَوَاعِدَ: (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) أَنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ قِسْمَانِ: قِسْمٌ قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَصْلِ شَرْعِهِ وَقَدَّرَ لَهُ مُسَبَّبًا مُعَيَّنًا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ زِيَادَةٌ وَلَا نَقْصٌ كَالْهِلَالِ لِوُجُوبِ الصَّوْمِ وَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَالْعِصَمِ وَالْأَمْلَاكِ فِي الرَّقِيقِ وَالْبَهَائِمِ لِوُجُوبِ النَّفَقَاتِ وَعُقُودِ الْبِيَاعَاتِ وَالْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ لِإِنْشَاءِ الْأَمْلَاكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ، وَقِسْمٌ وَكَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِخِيرَةِ الْمُكَلَّفِينَ فَإِنْ شَاءَا جَعَلُوهُ سَبَبًا وَإِنْ شَاءَا لَمْ يَجْعَلُوهُ سَبَبًا وَحُصِرَ جَعْلُهُمْ لِذَلِكَ فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ التَّعْلِيقُ كَدُخُولِ الدَّارِ وَقُدُومِ زَيْدٍ فَنَحْوُ دُخُولِ الدَّارِ لَمْ يَجْعَلْهُ اللَّهُ سَبَبًا لِطَلَاقِ امْرَأَةِ أَحَدٍ وَلَا لِعِتْقِ عَبْدِهِ بَلْ الْمُكَلَّفُ هُوَ الَّذِي جَعَلَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ بِالتَّعْلِيقِ عَلَيْهِ خَاصَّةً فَلَوْ قَالَ الْمُكَلَّفُ جَعَلْتُهُ سَبَبًا مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ فَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ بِتَعَيُّنِ الْأَلْفَاظِ لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ وَلَمْ يُعْتَبَرْ وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا يَنْفُذُ وَيُعْتَبَرُ فَهَذَا الْقِسْمُ خَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ وَفِي مُسَبَّبِهِ أَيَّ شَيْءٍ شَاءَ الْمُكَلَّفُ جَعَلَهُ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا قَرِيبَ الزَّمَانِ أَوْ بَعِيدَهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَمِنْهُ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ فَافْهَمْ. (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) الْمُقَدَّرَاتُ لَا تُنَافِي الْمُحَقَّقَاتِ بَلْ يَجْتَمِعَانِ وَيَثْبُتُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوَازِمُهُ وَأَحْكَامُهُ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَسْأَلَتَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَمَةَ إذَا اشْتَرَاهَا الشَّخْصُ شِرَاءً صَحِيحًا أُبِيحَ لَهُ وَطْؤُهَا بِالْإِجْمَاعِ إلَى حِينِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ وَالرَّدِّ بِهِ مَعَ أَنَّا نَقُولُ: الرَّدُّ بِالْعَيْبِ نَقْضٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ وَمُقْتَضَاهُ

ثَلَاثًا وَإِنْ أَبَنْتُك أَوْ ظَاهَرْت مِنْك أَوْ فَسَخْت نِكَاحَك أَوْ رَاجَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا أَوْ يَقُولُ لِأَمَتِهِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَعْتِقَهَا فَلَا يَتَزَوَّجُ بِهَا وَلَا تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ فَتُعَلَّقُ الْحُرِّيَّةُ عَلَى الْعَقْدِ مَعَ أَنَّ الْعَقْدَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْحُرِّيَّةِ فَعَلَى تَصْحِيحِ الدَّوْرِ تَنْحَسِمُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ وَيَمْتَنِعُ وُقُوعُهَا فِي الْوُجُودِ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَنَقُولُ: الْبَحْثُ فِيهَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوَاعِدَ ثَلَاثٍ (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى:) أَنَّ مِنْ شَرْطِ الشَّرْطِ إمْكَانَ اجْتِمَاعِهِ مَعَ الْمَشْرُوطِ لِأَنَّ حِكْمَةَ السَّبَبِ فِي ذَاتِهِ وَحِكْمَةَ الشَّرْطِ فِي غَيْرِهِ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ اجْتِمَاعُهُ مَعَهُ لَا تَحْصُلُ فِيهِ حِكْمَتُهُ. الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ اللَّفْظَ إذَا دَارَ بَيْنَ الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ حُمِلَ عَلَى الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ صَلَّيْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّا نَحْمِلُهُ عَلَى الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ دُونَ الدُّعَاءِ وَكَذَلِكَ نَظَائِرُهُ. الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ: مِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّ مَنْ تَصَرَّفَ فِيمَا يَمْلِكُ وَفِيمَا لَا يَمْلِكُ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يَمْلِكُ دُونَ مَا لَا يَمْلِكُ إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ فَنَقُولُ: قَوْلُهُ إنْ طَلَّقْتُك إمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اللَّفْظِ أَوْ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى اللَّفْظِ فَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَالْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَأَبْقَيْنَا التَّعْلِيقَ عَلَى صُورَتِهِ تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُ الشَّرْطِ مَعَ مَشْرُوطِهِ فَيَلْزَمُ مُخَالَفَةُ الْقَاعِدَةِ الْأُولَى فَيَسْقُطُ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي هِيَ الْمَشْرُوطُ مَا بِهِ وَقَعَ التَّبَايُنُ فَإِنْ أَوْقَعَ وَاحِدَةً أَسْقَطْنَا وَاحِدَةً لِأَنَّ اثْنَتَيْنِ تَجْتَمِعْنَ مَعَ وَاحِدَةٍ أَوْ أَوْقَعَ اثْنَتَيْنِ أَسْقَطْنَا اثْنَتَيْنِ لِأَنَّ وَاحِدَةً تَجْتَمِعُ مَعَ اثْنَتَيْنِ فَإِذَا أَسْقَطْنَا الْمُنَافِيَ وَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ الْبَاقِي فَتَكْمُلُ الثَّلَاثُ فَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَامْرَأَةِ جَارِهِ: أَنْتُمَا طَالِقَتَانِ تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ وَحْدَهُ أَوْ عَبْدُهُ وَعَبْدُ زَيْدٍ حُرَّانِ يَعْتِقُ عَبْدُهُ وَحْدَهُ فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي جَمِيعِ مَا يَمْلِكُهُ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُهُ كَذَلِكَ هَا هُنَا الَّذِي يُنَافِي بِهِ الشَّرْطَ لَا يَمْلِكُهُ شَرْعًا لِلْقَاعِدَةِ الْأُولَى فَسَقَطَ كَامْرَأَةِ الْغَيْرِ وَعَبْدِهِ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيمَا يَمْلِكُهُ مِمَّا تَنَاوَلَهُ لَفْظُهُ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْبَاقِي بَعْدَ إسْقَاطِ الْمُنَافِي فَيَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ لِلْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَعَلَى رَأْيِ ابْنِ الْحَدَّادِ فَتَلْزَمُهُ مُخَالَفَةُ إحْدَى هَذِهِ الثَّلَاثِ قَوَاعِدَ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِالسُّرَيْجِيَّةِ وَيَحْسِبُهَا بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا فَإِنَّهَا قَالَ بِهَا: ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ سَاقِطٌ لِأَنَّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ بِهِمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَدِ مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِمْ لِأَنَّهُمْ مِئُونَ بَلْ آلَافٌ وَكَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا يَصِحُّ التَّقْلِيدُ فِيهَا وَالتَّقْلِيدُ فِيهَا فُسُوقٌ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يُنْقَضُ إذَا خَالَفَ أَحَدٌ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ: الْإِجْمَاعَ أَوْ الْقَوَاعِدَ أَوْ النُّصُوصَ أَوْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَمَا لَا نُقِرُّهُ شَرْعًا إذَا تَأَكَّدَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْلَى بِأَنْ لَا نُقِرَّهُ شَرْعًا إذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ وَإِذَا لَمْ نُقِرَّهُ شَرْعًا حَرُمَ التَّقْلِيدُ فِيهِ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ فِي غَيْرِ شَرْعٍ ضَلَالٌ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى خِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَوَاعِدِ فَلَا يَصِحُّ التَّقْلِيدُ فِيهَا وَهَذَا بَيَانٌ حَسَنٌ ظَاهِرٌ وَبِهِ يَظْهَرُ الْحُكْمُ فِي بَقِيَّةِ مَسَائِلِ الدَّوْرِ الَّتِي هِيَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ: إذَا قَالَ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَالَ: الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ إذَا قَالَ: إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ ـــــــــــــــــــــــــــــQارْتِفَاعُ الْإِبَاحَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْعَقْدِ وَالْإِبَاحَةِ وَاقِعٌ بِالْإِجْمَاعِ وَرَفْعُ الْوَاقِعِ مُحَالٌ عَقْلًا وَالْمُحَالُ عَقْلًا لَا يَرِدُ الشَّرْعُ بِوُقُوعِهِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى هَذَا الِارْتِفَاعِ جَارِيًا عَلَى قَاعِدَةِ التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ إعْطَاءِ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ بِأَنْ يَحْكُمَ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِأَنَّ الْعَقْدَ الْمَوْجُودَ وَالْإِبَاحَةَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَيْهِ وَجَمِيعَ آثَارِهِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ كَمَا حَكَمَ بِأَنَّ قُرُبَاتِ الْمُرْتَدِّينَ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الِارْتِدَادِ وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً حَقِيقَةً هِيَ مَعْدُومَةٌ حُكْمًا أَوْ إعْطَاءُ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ كَمَا فِي النِّيَّةِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِخْلَاصِ وَغَيْرِهَا فِي الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهَا يَحْكُمُ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِوُجُودِهَا حُكْمًا وَإِنْ عُدِمَتْ عَدَمًا حَقِيقِيًّا كَمَا بَسَطَ ذَلِكَ الْأَصْلَ فِي كِتَابِهِ الْمُنْيَةِ فِي إدْرَاكِ أَحْكَامِ النِّيَّةِ وَثَانِيَتُهُمَا أَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ يَصِحُّ عِنْدَهُمْ بِنِيَّةٍ مِنْ الزَّوَالِ وَتَنْعَطِفُ هَذِهِ النِّيَّةُ تَقْدِيرًا إلَى الْفَجْرِ مَعَ أَنَّ الْوَاقِعَ عَدَمُ النِّيَّةِ وَلَا يُقَالُ تَبَيُّنًا أَنَّهُ كَانَ نَوَى قَبْلَ الْفَجْرِ إذْ الْفَرْضُ خِلَافُهُ وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ ذَكَرَهَا الْأَصْلُ فِي كِتَابِهِ الْأُمْنِيَةِ. (الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) الْحُكْمُ وَإِنْ كَانَ رَبْطُهُ بِسَبَبِهِ وَشَرْطِهِ وَضْعِيًّا وَأَنَّ الْأُمُورَ الْوَضْعِيَّةَ بِحَسَبِ مَا وُضِعَتْ لَهُ وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ لَوْ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ التَّأَخُّرِ عَنْ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ أَوْ عَلَى وَجْهِ التَّقَدُّمِ عَلَى سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ أَوْ عَلَى وَجْهِ أَنْ يَكُونَ مَعَ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ لَا مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ وَلَا مُتَأَخِّرًا عَنْهُ لَكَانَ عَلَى حَسَبِ مَا وُضِعَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْوَاقِعَ مِنْ ذَلِكَ تَأَخُّرُهُ عَنْ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ بِدُونِ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا إجْمَاعًا نَعَمْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُفْتَقِرَةِ لِلشَّرْعِ أَمَّا الَّتِي وُكِلَتْ إلَى قَصْدِ الْمُكَلَّفِ فَهِيَ بِحَسَبِ قَصْدِهِ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَعَدَمِهِمَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُكَلَّفَ دُونَ الشَّارِعِ هُوَ الَّذِي رَبَطَ الطَّلَاقَ بِالْقُدُومِ وَجَعَلَهُ هُوَ السَّبَبُ الْمُبَاشِرُ لِلطَّلَاقِ وَجَعَلَ ارْتِبَاطَ الطَّلَاقِ بِهِ مُسَبَّبًا عَنْ لَفْظِ التَّعْلِيقِ فَاللَّفْظُ هُوَ سَبَبُ السَّبَبِ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْقُدُومِ وَلَفْظُ التَّعْلِيقِ سَبَبًا عَلَى حَسَبِ قَصْدِ الْمُكَلَّفِ فِي تَقَدُّمِهِ أَوْ تَأَخُّرِهِ عَنْ مُسَبَّبِهِ أَوْ حُصُولِهِ مَعَ مُسَبَّبِهِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِإِنْكَارِهِمْ تَقَدُّمَ الطَّلَاقِ عَلَى كُلٍّ

[المسألة الثالثة قال إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا فطلقها]

فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ لِأَنَّ تَعْلِيقَهُ عَلَى الدُّخُولِ حَلِفٌ بِخِلَافِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ لَمْ يَكُنْ هَذَا حَلِفًا لِأَنَّ الْحَلِفَ مَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ مَنْعٌ وَاسْتِحْثَاثٌ قُلْت كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ» وَنَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَمْ يُفَصِّلُوا وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَحْنَثَ فِي الْحَالَيْنِ. (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ: إذَا قَالَ: إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَتْ هِيَ: إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَلَّمَهَا وَكَلَّمَتْهُ لَمْ تَطْلُقْ وَلَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْحَلَّتْ بِيَمِينِهَا وَيَمِينُهَا انْحَلَّتْ بِكَلَامِهِ فَلَمْ تَبْدَأْ هِيَ وَلَا هُوَ بِكَلَامٍ. (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) فِي التَّهْذِيبِ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ الْآنَ بِخِلَافِ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ وَنَحْوُهُ وَسَوَّى أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ وَقَالَ سَحْنُونٌ: يَلْزَمُهُ فِي الْحَجَرِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ نَادِمًا أَوْ هَازِلًا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَرْبَعِ قَوَاعِدَ: (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) كُلٌّ مَنْ لَهُ عُرْفٌ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى عُرْفِهِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ» يُحْمَلُ عَلَى الصَّلَاةِ فِي عُرْفِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دُونَ الدُّعَاءِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ حَلَفَ وَاسْتَثْنَى عَادَ كَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ» يُحْمَلُ عَلَى الْحَلِفِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ جَعَلَهُمَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ فَلَا يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَيْهَا. (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) كَمَا شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَحْكَامَ شَرَعَ مُبْطَلَاتِهَا وَدَوَافِعَهَا فَشَرَعَ الْإِسْلَامَ وَعَقْدَ الذِّمَّةِ سَبَبَيْنِ لِعِصْمَةِ الدِّمَاءِ وَالرِّدَّةُ وَالْحِرَابَةُ وَزِنَى الْمُحْصَنِ وَحِرَابَةُ الذِّمِّيِّ رَوَافِعُ وَالسَّبْيُ سَبَبُ الْمِلْكِ وَالْعِتْقُ رَافِعٌ لَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ شَرْعِهِ رَافِعٌ لِحُكْمِ سَبَبٍ أَنْ يَرْفَعَ حُكْمَ غَيْرِهِ فَالِاسْتِثْنَاءُ بِالْمَشِيئَةِ شَرَعَهُ رَافِعًا لِحُكْمِ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَادَ كَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ رَافِعًا لِحُكْمِ الْعِتْقِ وَالتَّعْلِيقِ كَمَا أَنَّ التَّطْلِيقَ رَافِعٌ لِحُكْمِ النِّكَاحِ وَلَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْيَمِينِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الرَّوَافِعِ وَلَيْسَ إطْلَاقُ لَفْظِ الْيَمِينِ عَلَى الْبَابَيْنِ بِالتَّوَاطُؤِ حَتَّى يَعُمَّ الْحُكْمُ بَلْ بِالِاشْتِرَاكِ أَوْ الْمَجَازِ فِي التَّعْلِيقِ بِالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ وَاَلَّذِي يُسَمَّى يَمِينًا ـــــــــــــــــــــــــــــSفَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ لِأَنَّ تَعْلِيقَهُ عَلَى الدُّخُولِ حَلِفٌ بِخِلَافِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ لَمْ يَكُنْ هَذَا حَلِفًا لِأَنَّ الْحَلِفَ مَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ مَنْعٌ وَاسْتِحْثَاثٌ قَالَ: قُلْتُ: كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ» وَنَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَمْ يُفَصِّلُوا وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَحْنَثَ فِي الْحَالَيْنِ) قُلْتُ: إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ فَمَا قَالَهُ مِنْ لُزُومِ الْحِنْثِ فِي الْحَالَيْنِ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ قَالَ: الشَّافِعِيَّةُ إذَا قَالَ: إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَتْ: إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَلَّمَهَا وَكَلَّمَتْهُ لَمْ تَطْلُقْ وَلَمْ يُعْتَقْ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْحَلَّتْ بِيَمِينِهَا وَيَمِينُهَا انْحَلَّتْ بِكَلَامِهِ فَلَمْ تَبْدَأْ بِشَيْءٍ وَلَا هُوَ بِكَلَامٍ) قُلْتُ: سَكَتَ عَنْ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِمْ وَهُوَ دَلِيلُ قَبُولِهِ لِمَا قَالُوهُ وَقَوْلُهُمْ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ فِي التَّهْذِيبِ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ الْآنَ بِخِلَافِ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ وَنَحْوُهُ وَسَوَّى أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ وَقَالَ سَحْنُونٌ: يَلْزَمُ فِي الْحَجَرِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ نَادِمًا أَوْ هَازِلًا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَرْبَعِ قَوَاعِدَ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ فِي الْقَاعِدَتَيْنِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ) قُلْتُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْقُدُومُ وَمِنْ لَفْظِ التَّعْلِيقِ تَقَدُّمًا تَقْدِيرِيًّا لَا تَحْقِيقِيًّا حَتَّى يُنَافِيَ الْعَقْدَ وَيُعَارِضَهُ فِي اقْتِضَائِهِ الْإِبَاحَةَ مَعَ قَوْلِنَا الْعِدَّةُ الَّتِي أَجْمَعْنَا عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَتْبَعُ الْمُحَقَّقَ لَا الْمُقَدَّرَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ مِنْ يَوْمِ الْقُدُومِ لِأَنَّهُ يَوْمُ لُزُومِ الطَّلَاقِ وَتَحْرِيمُ الْفَرْجِ أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَالْإِبَاحَةُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى مَا فِيهِ وَكَيْفَ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَهُمْ يَقُولُونَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ نَقْضٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ مَعَ أَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ سَبَبٌ لِلنَّقْضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّقْدِيرِ وَإِذَا عَقَلُوا ذَلِكَ فِي مَوَاطِنَ فَلْيَعْقِلُوهُ فِي الْبَقِيَّةِ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتَ طَالِقٌ مُنْذُ شَهْرٍ فَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَيْسَ تَعْلِيقًا حَتَّى يَكُونَ مِمَّا وَكَّلَهُ الشَّارِعُ إلَى خِيرَةِ الْمُكَلَّفِ كَالْمَقِيسِ وَلَكِنَّهُ مِمَّا وَضَعَهُ الشَّارِعُ سَبَبًا وَمَا وَضَعَهُ الشَّارِعُ لَمْ يَقَعْ مُسَبَّبُهُ إلَّا مُتَأَخِّرًا عَنْهُ كَمَا عَلِمْت عَلَى أَنَّهُمْ نَقَضُوا أَصْلَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا بِتَقْدِيمِ الطَّلَاقِ عَلَى الْقُدُومِ وَالْقُدُومُ سَبَبٌ أَوْ شَرْطٌ قَرِيبٌ لَهُ فَمَا وَجْهُ مَنْعِهِمْ مَعَ ذَلِكَ تَقْدِيمُهُ عَلَى سَبَبِهِ الْبَعِيدِ الَّذِي هُوَ لَفْظُ التَّعْلِيقِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَالَ إنْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا] (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا قَالَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَطَلَّقَ دُونَ الثَّلَاثِ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ أَيْ عَدَدُ طَلَاقِهِ مُنَجَّزًا إلْغَاءً لِلْقَبْلِيَّةِ كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا لِلدَّوْرِ الْحُكْمِيِّ الَّذِي قَاعِدَتُهُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ تَضَمَّنَ إثْبَاتُهُ نَفْيَهُ انْتَفَى مِنْ أَصْلِهِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ ابْنِ الْحَدَّادِ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَوَقَعَ مَشْرُوطُهُ وَهُوَ تَقَدُّمُ الثَّلَاثِ وَلَوْ وَقَعَ مَشْرُوطُهُ لَمَنَعَ وُقُوعَهُ لِأَنَّ الثَّلَاثَ تَمْنَعُ مَا بَعْدَهَا فَيُؤَدِّي إثْبَاتُهُ إلَى نَفْيِهِ فَلَا يَقَعُ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: يَقَعُ الْمُنَجَّزُ وَلَا يَقَعُ الْمُعَلَّقُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ مُحَالًا وَقِيلَ: يَقَعُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا الثَّلَاثُ أَيُّ شَيْءٍ نَجَّزَهُ تَنَجَّزَ وَكَمَّلَ مِنْ الْمُعَلَّقِ قَالَ: وَمِنْ صُوَرِ الدَّوْرِ أَنْ يَقُولَ: إنْ طَلَّقْتُك طَلْقَةً أَمْلِكُ بِهَا الرَّجْعَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ طَلْقَتَيْنِ، وَإِنْ وَطِئْتُك وَطْئًا مُبَاحًا فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا. وَإِنْ أَبَنْتُك أَوْ ظَاهَرْت مِنْك أَوْ فَسَخْت نِكَاحَك أَوْ رَاجَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، أَوْ يَقُولُ لِأَمَتِهِ: إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ حُرَّةٌ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَعْتِقَهَا فَلَا يَتَزَوَّجُ بِهَا وَلَا تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ فَتُعَلَّقُ الْحُرِّيَّةُ عَلَى الْعَقْدِ مَعَ

حَقِيقَةً إنَّمَا هُوَ الْقَسَمُ وَلَوْ أَقْسَمَ بِالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَإِذَا كَانَ الْبَابَانِ مُخْتَلِفَيْنِ لَا يَعُمُّ الْحُكْمُ. (الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) مَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبَةُ النُّفُوذِ فَلِذَلِكَ كُلُّ عَدَمٍ مُمْكِنٍ يُعْلَمُ وُقُوعُهُ نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَهُ وَكُلُّ وُجُودٍ مُمْكِنٍ يُعْلَمُ وُقُوعُهُ نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَهُ فَتَكُونُ مَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى مَعْلُومَةً قَطْعًا وَأَمَّا مَشِيئَةُ غَيْرِهِ فَلَا تُعْلَمُ غَايَتُهُ أَنْ يُخْبِرَنَا وَخَبَرُهُ إنَّمَا يُفِيدُ الظَّنَّ فَظَهَرَ بُطْلَانُ مَا يُرْوَى عَنْ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى مَشِيئَةِ مَنْ لَمْ تُعْلَمْ مَشِيئَتُهُ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ عَلَى مَشِيئَةِ الْبَشَرِ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ سَبَبَ عَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ. (الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ) الشَّرْطُ وَجَوَابُهُ لَا يَتَعَلَّقَانِ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ فَإِذَا قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يُحْمَلُ عَلَى دُخُولٍ مُسْتَقْبَلٍ وَطَلَاقٍ لَمْ يَقَعْ قَبْلَ التَّعْلِيقِ إجْمَاعًا وَالْمَشِيئَةُ قَدْ جُعِلَتْ شَرْطًا وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ مَفْعُولٍ وَالتَّقْدِيرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقَك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَفْعُولُهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ فِي الْحَالِ أَوْ طَلَاقًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَنَحْنُ نَقْطَعُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَهُ فِي الْأَزَلِ فَقَدْ تَحَقَّقَ الشَّرْطُ فِي الْأَزَلِ وَهَذِهِ الشُّرُوطُ أَسْبَابٌ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا الْوُجُودُ فَيَلْزَمُ أَنْ تَطْلُقَ فِي أَوَّلِ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ وَقَبُولُ الْمَحَلِّ عِنْدَ أَوَّلِ النِّكَاحِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــSمَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ مَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبَةُ النُّفُوذِ إلَى آخِرِ الْقَاعِدَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِنْ كَوْنِ مَشِيئَةِ اللَّهِ مَعْلُومَةً قَطْعًا بِمَعْنَى أَنَّهُ مَا مِنْ وُجُودٍ مُمْكِنٍ وَلَا عَدَمِهِ إلَّا مُسْتَنِدٌ إلَى مَشِيئَتِهِ فَمَشِيئَتُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَعْلُومَةٌ عِنْدَنَا صَحِيحٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادَ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى مَشِيئَةِ مَنْ لَا يُعْلَمُ مَشِيئَتُهُ بَلْ مُرَادُ مَنْ قَالَ: ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ هَلْ أَرَادَ الطَّلَاقَ عَلَى التَّعْيِينِ أَمْ لَا وَلَيْسَ لَنَا طَرِيقٌ إلَى التَّوَصُّلِ إلَى ذَلِكَ وَأَمَّا التَّوَصُّلُ إلَى عِلْمِ مَشِيئَةِ الْبَشَرِ فَبِوُجُوهٍ مِنْهَا إخْبَارُهُ بِذَلِكَ مَعَ قَرَائِنَ تُوجِبُ حُصُولَ الْعِلْمِ وَقَوْلُهُ غَايَةُ خَبَرِهِ أَنْ يُفِيدَ الظَّنَّ إنَّمَا ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرَائِنِ مَعَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: بِالِاكْتِفَاءِ هُنَا بِالظَّنِّ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَقَوْلُهُ إنَّ الْأَمْرَ بِعَكْسِ مَا قَالَهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقَوْلُهُ فَظَهَرَ بُطْلَانُ مَا يُرْوَى عَنْ مَالِكٍ قَوْلٌ بَاطِلٌ لَا خَفَاءَ بِبُطْلَانِهِ وَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ بُطْلَانِ قَوْلِهِ لَكَانَتْ مُخَالَفَتُهُ لِمَالِكٍ كَافِيَةً فِي سُوءِ الظَّنِّ بِقَوْلِهِ لِتَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا فِي الْعِلْمِ قَالَ: (الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ الشَّرْطُ وَجَوَابُهُ لَا يَتَعَلَّقَانِ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ) قُلْتُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِمُطَّرِدٍ لَازِمٍ وَلَكِنَّهُ الْغَالِبُ وَالْأَكْثَرُ. قَالَ: (فَإِذَا قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يُحْمَلُ عَلَى دُخُولِ مُسْتَقْبَلٍ وَطَلَاقٍ لَمْ يَقَعْ قَبْلَ التَّعْلِيقِ إجْمَاعًا) قُلْتُ: ذَلِكَ هُوَ الْغَالِبُ قَالَ: (وَالْمَشِيئَةُ قَدْ جُعِلَتْ شَرْطًا وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ مَفْعُولٍ وَالتَّقْدِيرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقَك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَفْعُولُهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ فِي الْحَالِ أَوْ طَلَاقًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَنَحْنُ نَقْطَعُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَهُ فِي الْأَزَلِ فَقَدْ تَحَقَّقَ الشَّرْطُ فِي الْأَزَلِ وَهَذِهِ الشُّرُوطُ أَسْبَابٌ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا الْوُجُودُ فَيَلْزَمُ أَنْ تَطْلُقَ فِي أَوَّلِ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ وَقَبُولُ الْمَحَلِّ عِنْدَ أَوَّلِ النِّكَاحِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ) قُلْتُ: تَجْوِيزُهُ احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ الَّذِي يَكُونُ مَفْعُولَ الْمَشِيئَةِ هُوَ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ مُنَاقِضٌ لِمَا قَالَ قَبْلُ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ وَجَوَابَهُ لَا يَتَعَلَّقَانِ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ مَعَ أَنَّ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْعَقْدَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْحُرِّيَّةِ فَعَلَى تَصْحِيحِ الدَّوْرِ تَنْحَسِمُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ وَيَمْتَنِعُ وُقُوعُهَا فِي الْوُجُودِ وَالْمَقْصُودِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَإِلْغَاءُ أَصْحَابِنَا فِيهِ الْقَبْلِيَّةَ نَظَرًا لِاتِّصَافِ الْمَحَلِّ بِالْحَلِيَّةِ إلَى زَمَنِ حُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَفِي زَمَنِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ قَدْ مَضَى قَبْلَهُ وَالزَّمَنُ الْمَاضِي عَلَى الْحِلِّ لَا تَرْتَفِعُ الْحَلِيَّةُ فِيهِ بِالثَّلَاثِ بَعْدَ مُضِيِّهِ حَتَّى يَلْزَمَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ أَصْلًا كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ كَابْنِ سُرَيْجٍ حَتَّى عُرِفَتْ بِالْمَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّةِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ حِجَازِيٌّ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ وَعَدَمُ الْتِفَاتِهِمْ لِلدَّوْرِ الْحُكْمِيِّ نَظَرًا لِمَا يَلْزَمُ الِالْتِفَاتُ إلَيْهِ هُنَا كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ مُخَالَفَةِ إحْدَى قَوَاعِدَ ثَلَاثٍ. (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) أَنَّ إمْكَانَ الِاجْتِمَاعِ مَعَ الْمَشْرُوطِ مِنْ شَرْطِ الشَّرْطِ لِأَنَّ حِكْمَتَهُ لَيْسَتْ فِي ذَاتِهِ كَالسَّبَبِ بَلْ فِي غَيْرِهِ فَلَا تَحْصُلُ حِكْمَتُهُ فِيهِ إذَا لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَ ذَلِكَ الْغَيْرِ. (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا دَارَ اللَّفْظُ بَيْنَ الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ حُمِلَ عَلَى الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ فَنَحْمِلُهُ فِي نَحْوِ إنْ صَلَّيْت فَأَنْتِ طَالِقٌ مَثَلًا عَلَى الصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ دُونَ الدُّعَاءِ. (الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّ مَنْ تَصَرَّفَ فِيمَا يَمْلِكُ وَفِيمَا لَا يَمْلِكُ لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ إلَّا فِيمَا يَمْلِكُ فَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَامْرَأَةِ جَارِهِ: أَنْتُمَا طَالِقَتَانِ تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ وَحْدَهَا وَلِعَبْدِهِ وَعَبْدِ زَيْدٍ أَنْتُمَا حُرَّانِ يَعْتِقُ عَبْدُهُ وَحْدَهُ وَبَيَانُ الْمُخَالَفَةِ لِإِحْدَى هَذِهِ الْقَوَاعِدِ عَلَى الِالْتِفَاتِ لِلدَّوْرِ الْحُكْمِيِّ هُنَا أَنَّ قَوْلَهُ إنْ طَلَّقْتُك إمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اللَّفْظِ أَوْ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى اللَّفْظِ خَالَفَ الْقَاعِدَةَ الثَّانِيَةَ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَأَبْقَيْنَا التَّعْلِيقَ عَلَى صُورَتِهِ خَالَفَ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِ الشَّرْطِ مَعَ مَشْرُوطِهِ حِينَئِذٍ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَلَمْ يَبْقَ التَّعْلِيقُ عَلَى صُورَتِهِ بَلْ أُسْقِطَ مِنْ الْمَشْرُوطِ الَّذِي هُوَ الثَّلَاثُ الْمُتَقَدِّمَةُ مَا بِهِ وَقَعَ التَّبَايُنُ بَيْنَ الثَّلَاثِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالشَّرْطِ الَّذِي أَوْقَعَهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ شَرْعًا لِلْقَاعِدَةِ الْأُولَى فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ كَعَبْدِ زَيْدٍ وَامْرَأَةِ الْجَارِ لِلْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ بِأَنْ نُسْقِطَ وَاحِدَةً حَيْثُ أَوْقَعَ وَاحِدَةً لِأَنَّ اثْنَتَيْنِ

وَإِنْ كَانَ الْمَفْعُولُ طَلَاقًا مُسْتَقْبَلًا فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقَك فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَالْمَشْرُوطُ لِهَذَا الشَّرْطِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبَلًا لِأَنَّ الْمُرَتَّبَ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ مُسْتَقْبِلٌ فَلَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقَك فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَعْدَ هَذَا الطَّلَاقِ الْمَلْفُوظِ بِهِ الْآنَ فَلَا يَنْفُذُ طَلَاقٌ حَتَّى يَلْفِظَ بِالطَّلَاقِ مَرَّةً أُخْرَى فَيَنْفُذُ هَذَا وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا تَطْلُقُ الْآنَ فَإِنْ قُلْت: هَذَا لَازِمٌ فِي مَشِيئَةِ زَيْدٍ إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِلَفْظٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَنْفُذُ هَذَا قُلْت: الْفَرْقُ أَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى مُؤَثِّرَةٌ فِي حُدُوثِ مَفْعُولِهَا فَإِذَا لَمْ يَحْدُثْ لَفْظُ الطَّلَاقِ انْقَطَعَ بِعَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَشِيئَةُ زَيْدٍ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ بَلْ هِيَ كَدُخُولِ الدَّارِ فَكَمَا إذَا تَجَدَّدَ دُخُولُ الدَّارِ نَفَذَ الطَّلَاقُ كَذَلِكَ إذَا تَجَدَّدَتْ مَشِيئَةُ زَيْدٍ فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولُ الْمَشِيئَةِ نُفُوذَ هَذَا الطَّلَاقِ لَا لَفْظًا آخَرَ يَحْدُثُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؟ قُلْت: يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ وَهُوَ مَفْعُولٌ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ لُزُومُ الطَّلَاقِ وَنُفُوذُهُ أَوَّلَ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ مِنْ أَوَّلِ النِّكَاحِ وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ الْأَسْبَابَ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهَا مُسَبَّبَاتِهَا فَمَنْ بَاعَ ـــــــــــــــــــــــــــــSالِاحْتِمَالَ بَعِيدٌ لَا يَكَادُ يَخْطِرُ بِبَالٍ وَلَوْ قَصَدَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلَامِ الْمُتَضَمِّنِ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ هَذَا الْكَلَامُ لَلَزِمَهُ الطَّلَاقُ عِنْدَ قَوْلِهِ ذَلِكَ الْكَلَامَ لَا فِي أَوَّلِ زَمَنِ النِّكَاحِ كَمَا قَالَهُ لِأَنَّ لُزُومَ الطَّلَاقِ عِنْدَ أَوَّلِ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ لَا مُوجِبَ لَهُ فَإِنَّ مُرَادَهُ بِالْمَشِيئَةِ إنَّمَا هُوَ وُقُوعُ الْمُرَادُ بِالْمَشِيئَةِ لَا تَحَقُّقُ الْمَشِيئَةِ فِي الْأَزَلِ لِأَنَّ مَشِيئَةَ وُجُودِ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ قَائِلِهِ مَعْلُومَةٌ مُتَحَقِّقَةُ الْوُقُوعِ وَلَا أَرَى أَنْ يُخَالِفَ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ وَأَمَّا كَوْنُهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَلِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَيْ إنْ وَقَعَ مَفْعُولُ الْمَشِيئَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ ذَلِكَ الْكَلَامَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (وَإِنْ كَانَ الْمَفْعُولُ طَلَاقًا مُسْتَقْبَلًا فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقَك فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَالْمَشْرُوطُ لِهَذَا الشَّرْطِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبَلًا لِأَنَّ الْمُرَتَّبَ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ مُسْتَقْبَلٌ فَلَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقَك فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَعْدَ هَذَا الطَّلَاقِ الْمَلْفُوظِ بِهِ الْآنَ فَلَا يَنْفُذُ طَلَاقٌ حَتَّى يَتَلَفَّظَ بِالطَّلَاقِ مَرَّةً أُخْرَى فَيُنْفِذَهَا وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا تَطْلُقُ الْآنَ) قُلْتُ: قَدْ سَبَقَ أَنَّهَا تَطْلُقُ الْآنَ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ. قَالَ: (فَإِنْ قُلْتُ: هَذَا لَازِمٌ فِي مَشِيئَةِ زَيْدٍ إذَا لَمْ تَحْصُلْ بِلَفْظٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَنْفُذُ هَذَا قَالَ: قُلْتُ: الْفَرْقُ أَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى مُؤَثِّرَةٌ فِي حُدُوثِ مَفْعُولِهَا إلَى آخِرِ قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَشِيئَةِ زَيْدٍ) قُلْتُ: قَوْلُهُ فَإِذَا لَمْ يَحْدُثْ لَفْظُ الطَّلَاقِ انْقَطَعَ بِعَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى غَلِطَ فِي اللَّفْظِ فَإِنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تُعْدَمُ وَصَوَابُ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ: بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَدَمُ ذَلِكَ اللَّفْظِ وَقَوْلُهُ فَكَمَا إذَا تَجَدَّدَ دُخُولُ الدَّارِ نَفَذَ الطَّلَاقُ كَذَلِكَ إذَا تَجَدَّدَتْ مَشِيئَةُ زَيْدٍ مُنَاقِضٌ لِمَا قَالَهُ قَبْلُ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ بِعَكْسِ مَا قَالَهُ مَالِكٌ مِنْ لُزُومِ الطَّلَاقِ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِي مَشِيئَةِ زَيْدٍ قَالَ: (فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولُ الْمَشِيئَةِ نُفُوذَ الطَّلَاقِ لَا لَفْظًا آخَرَ يَحْدُثُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَالَ: قُلْتُ: يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ وَهُوَ مَفْعُولٌ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ لُزُومُ الطَّلَاقِ وَنُفُوذُهُ أَوَّلَ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ فِي أَوَّلِ النِّكَاحِ وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ الْأَسْبَابَ لِتَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا مُسَبَّبَاتُهَا فَمَنْ بَاعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَجْتَمِعَانِ مَعَ وَاحِدَةٍ وَاثْنَتَيْنِ حَيْثُ أَوْقَعَ اثْنَتَيْنِ لِأَنَّ وَاحِدَةً تَجْتَمِعُ مَعَ اثْنَتَيْنِ وَافَقَ الْقَوَاعِدَ الثَّلَاثَ وَوَجَبَ بَعْدَ إسْقَاطِ الْمُنَافِي أَنْ يَلْزَمَهُ الْبَاقِي فَتَكْمُلُ الثَّلَاثُ وَبِلُزُومِ الْمُخَالَفَةِ لِإِحْدَى هَذِهِ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثِ لِرَأْيِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مَعَ كَوْنِ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الرَّأْيِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَتَجَاوَزُونَ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ مِنْهُمْ فَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِهِمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَدِ مَنْ قَالَ بِخِلَافِ هَذَا الرَّأْيِ لِأَنَّهُمْ مِئُونَ بَلْ آلَافٌ كَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا يَصِحُّ التَّقْلِيدُ فِيهَا لِابْنِ الْحَدَّادِ وَمَنْ وَافَقَهُ وَتَقْلِيدُهُمْ فِيهَا فُسُوقٌ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يَنْقَضِي إذَا خَالَفَ أَحَدَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ الْإِجْمَاعَ أَوْ الْقَوَاعِدَ أَوْ النُّصُوصَ أَوْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَمَا لَا نُقِرُّهُ شَرْعًا إذَا تَأَكَّدَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْلَى بِأَنْ لَا نُقِرُّهُ شَرْعًا إذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ. وَإِذَا لَمْ نُقِرَّهُ شَرْعًا حَرُمَ التَّقْلِيدُ فِيهِ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ فِي غَيْرِ شَرْعٍ ضَلَالٌ فَافْهَمْ هَذَا يُظْهِرُ لَك الْحُكْمَ فِي بَقِيَّةِ مَسَائِلِ الدَّوْرِ الَّتِي هِيَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ. (فَائِدَةٌ) تَقْيِيدُ الدَّوْرِ بِالْحُكْمِيِّ لِتَعَلُّقِهِ بِالْأَحْكَامِ أَخْرَجَ الدَّوْرَ الْكَوْنِيَّ وَالدَّوْرَ الْحِسَابِيَّ فَالدَّوْرُ الْكَوْنِيُّ الْمُتَعَلِّقُ بِالْكَوْنِ وَالْوُجُودِ تَوَقَّفَ كَوْنُ كُلٍّ مِنْ الشَّيْئَيْنِ عَلَى كَوْنِ الْآخَرِ وَهُوَ الْوَاقِعُ فِي فَنِّ التَّوْحِيدِ وَالْمُسْتَحِيلُ مِنْهُ السَّبْقِيُّ وَهُوَ مَا يَقْتَضِي كَوْنَ الشَّيْءِ سَابِقًا مَسْبُوقًا كَمَا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ زَيْدًا أَوْجَدَ عَمْرًا وَأَنَّ عَمْرًا أَوْجَدَ زَيْدًا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَابِقٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُؤَثِّرًا مَسْبُوقٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ أَثَرًا بِخِلَافِ الْمَعْي كَالْأُبُوَّةِ مَعَ الْبُنُوَّةِ وَالدَّوْرُ الْحِسَابِيُّ الْمُتَعَلِّقُ بِالْحِسَابِ تَوَقَّفَ الْعِلْمُ بِأَحَدِ الْمِقْدَارَيْنِ عَلَى الْعِلْمِ الْآخَرِ وَلِذَلِكَ يُقَالُ لَهُ الدَّوْرُ الْعِلْمِيُّ أَيْضًا وَهَذَا دَوْرٌ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ لِجَوَازِ أَنْ يَحْصُلَ الْعِلْمُ بِشَيْءٍ آخَرَ غَيْرَهُمَا فَفِي الْحَقِيقَةِ لَا دَوْرَ إلَّا إذَا أَرَدْت عِلْمَ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا إذَا وَهَبَ أَحَدُ مَرِيضَيْنِ لِلْآخَرِ عَبْدًا فَوَهَبَهُ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ وَلَا مَالَ لَهُمَا غَيْرُهُ، وَمَاتَا فَلَا يُعْلَمُ مَا صَحَّ فِيهِ هِبَةُ كُلِّ مِنْهُمَا وَقَدْرُ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْآخَرِ لِأَنَّ هِبَةَ الْأَوَّلِ صَحَّتْ فِي ثُلُثِ الْعَبْدِ فَصَارَ مَالًا لِلثَّانِي وَلَمَّا وَرَدَتْ

وَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ نُفُوذَ هَذَا الْبَيْعِ نَفَذَ قُلْنَا لَهُ: قَدْ شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي الْأَزَلِ وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ هَا هُنَا وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخَرَّجَةٌ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ بِجَامِعِ أَنَّهُ مُبْطَلٌ عَلَى رَأْيِ الشَّافِعِيِّ فَيَلْغُو الْجَمِيعُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْعَبَثُ فِيهِ وَاللَّغْوُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ عَلَى الْمُمْتَنِعِ مِنْ غَرَضِ الْعُقَلَاءِ وَإِنْ بَطَلَتْ جُمْلَةُ الْمَشْرُوطِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40] قُلْت: أَمَّا اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ فَعَبَثٌ فَظَهَرَ بِهَذِهِ الْقَوَاعِدِ وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ أَنَّ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَدَمُ لُزُومِ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ لَا بِسَبَبِ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ رَافِعٌ لِلْيَمِينِ بَلْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيقِ وَتَفَاصِيلِهِ. (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) قَالَ مَالِكٌ فِي التَّهْذِيبِ: إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: إنْ أَعَادَهُ عَلَى الْفِعْلِ دُونَ الطَّلَاقِ نَفَعَهُ وَأَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ فَعَلْت كَذَا إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فَذَلِكَ لَهُ إنْ أَرَادَ الْفِعْلَ خَاصَّةً وَفِي الْجَلَّابِ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ إنْ أَعَادَهُ عَلَى الْحَجِّ وَإِنْ أَعَادَهُ عَلَى كَلَامِ زَيْدٍ نَفَعَهُ قُلْت: اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ لَا يُدْرِكُ حَقِيقَتَهَا إلَّا الْفُحُولُ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ مَنْ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِ فَضْلِهِ وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ مَا شَاءَ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ إعَادَةِ الْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَادِثَةِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ غَيْرِهِ وَهَا أَنَا أَكْشِفُ لَك عَنْ السِّرِّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِبَيَانِ قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ بَعْضَ أَسْبَابِ الْأَحْكَامِ فِي أَصْلِ الشَّرِيعَةِ وَلَمْ يَكِلْهُ إلَى مُكَلَّفٍ كَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَالْإِتْلَافِ لِلضَّمَانِ وَمِنْهَا مَا وَكَلَهُ لِخِيَرَةِ خَلْقِهِ فَإِنْ شَاءُوا جَعَلُوهُ سَبَبًا وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ سَبَبًا وَهِيَ التَّعْلِيقَاتُ كُلُّهَا فَدُخُولُ الدَّارِ لَيْسَ سَبَبًا لِطَلَاقِ امْرَأَةِ أَحَدٍ وَلَا لِعِتْقِ عَبْدِهِ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْمُكَلَّفُ ذَلِكَ فَيَجْعَلُهُ سَبَبًا بِالتَّعْلِيقِ عَلَيْهِ وَكُلُّ مَا وَكَلَ لِلْمُكَلَّفِ سَبَبِيَّتَهُ لَا يَكُونُ سَبَبًا إلَّا بِجَعْلِهِ وَجَزْمِهِ بِذَلِكَ الْجَعْلِ. إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَنَقُولُ: قَوْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ نُفُوذَ هَذَا الْبَيْعِ نَفَذَ قُلْنَا لَهُ قَدْ شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي الْأَزَلِ وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ هَا هُنَا) قُلْتُ: قَوْلُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ لُزُومُ الطَّلَاقِ مِنْ أَوَّلِ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ بِنَاءً مِنْهُ ذَلِكَ عَلَى تَعَلُّقِ الْمَشِيئَةِ فِي الْأَزَلِ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ كَمَا قَالَ: وَإِنَّمَا اللَّازِمُ لُزُومُ الطَّلَاقِ الْآنَ عِنْدَ هَذَا الْكَلَامِ وَذَلِكَ هُوَ مُرَادُ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَنَّ الْحَقَّ فِيهَا عَدَمُ لُزُومِ الطَّلَاقِ فِي الْحَالِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ الصَّحِيحُ لُزُومُهُ فِي الْحَالِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ قَالَ: مَالِكٌ فِي التَّهْذِيبِ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ: عَبْدُ الْمَلِكِ إنْ أَعَادَهُ عَلَى الْفِعْلِ دُونَ الطَّلَاقِ نَفَعَهُ إلَى آخِرِ نَقْلِ الْأَقْوَالِ) قُلْتُ: ذَلِكَ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ. قَالَ: (اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ لَا يُدْرِكُ حَقِيقَتَهَا إلَّا الْفُحُولُ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ مَنْ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِ فَضْلِهِ وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَنَقُولُ: قَوْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ هِبَةُ الثَّانِي صَحَّتْ فِي ثُلُثِ الثُّلُثِ فَصَارَ ثُلُثُ الثُّلُثِ الْمَذْكُورِ مِنْ مَالِ الْأَوَّلِ فَتَسْرِي إلَيْهِ الْهِبَةُ فَلْيُرَدَّ ثُلُثُهُ لِلثَّانِي بِالْهِبَةِ ثُمَّ يُرَدُّ بِهِبَةِ الثَّانِي ثُلُثُ مَا رَدَّ لِسَرَيَانِ هِبَتِهِ فِيهِ وَهَكَذَا فَلَا يَقِفُ عَلَى حَدٍّ فِي التَّرْدَادِ بَيْنَهُمَا وَيَحْصُلُ بِطَرِيقِ الْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ وَبَيَانُهُ أَنْ نَقُولَ: صَحَّتْ هِبَةُ الْأَوَّلِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعَبْدِ فَبَقِيَ عِنْدَهُ عَبْدٌ إلَّا شَيْئًا وَصَحَّتْ هِبَةُ الثَّانِي فِي ثُلُثِ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَصَارَ مَعَ الْأَوَّلِ عَبْدًا إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ لِأَنَّ ثُلُثَ الشَّيْءِ رَجَعَ لَهُ بِهِبَةِ الثَّانِي فَبَقِيَ عِنْدَهُ ثُلُثَا الشَّيْءِ وَيُضَمُّ ثُلُثُ الشَّيْءِ لِمَا عِنْدَ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ مَعَهُ عَبْدٌ إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي مَعَ الْوَاهِبِ يَعْدِلُ ضِعْفَ مَا صَحَّتْ فِيهِ هِبَتُهُ وَقَدْ قُلْنَا: صَحَّتْ هِبَةُ الْأَوَّلِ فِي شَيْءٍ مَجْهُولٍ مِنْ الْعَبْدِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ هِبَةِ الثَّانِي وَحِينَئِذٍ فَنَقُولُ مَا بَقِيَ مَعَ الْأَوَّلِ وَهُوَ عَبْدٌ إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ هُمَا ضِعْفُ مَا صَحَّتْ فِيهِ هِبَتُهُ أَيْ يُسَاوِيهِمَا وَبَعْدَ ذَلِكَ فَأُجْبِرُ كُلًّا مِنْ الطَّرَفَيْنِ بِإِزَالَةِ النَّقْصِ بِأَنْ تَرُدَّ الْمُسْتَثْنَى عَلَى الْجَانِبَيْنِ فَتَجْعَلَ الطَّرَفَ الْأَوَّلَ وَهُوَ مَا بَقِيَ مَعَ الْأَوَّلِ عَبْدًا كَامِلًا وَتَجْعَلُ الطَّرَفَ الثَّانِيَ شَيْئَيْنِ وَثُلُثَيْ شَيْءٍ فَنَقُولُ: عَبْدٌ كَامِلٌ يُقَابِلُ شَيْئَيْنِ وَثُلُثَيْ شَيْءٍ ثُمَّ تَبْسُطُ الشَّيْئَيْنِ أَثْلَاثًا مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ أَعْنِي ثُلُثَيْ شَيْءٍ فَصَارَ هَذَا الطَّرَفُ ثَمَانِيَةً كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ شَيْءٍ وَبَعْدَ ذَلِكَ فَاقْسِمْ الطَّرَفَ الْأَوَّلَ وَهُوَ الْعَبْدُ الْكَامِلُ عَلَى الثَّمَانِيَةِ الَّتِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا ثُلُثُ شَيْءٍ يُخْرَجُ لِكُلِّ ثُلُثِ شَيْءٍ ثَمَنُ الْعَبْدِ فَيُعْلَمُ أَنَّ ثُلُثَ الشَّيْءِ ثَمَنُ الْعَبْدِ وَأَنَّ الشَّيْءَ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ الْعَبْدِ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِنَا صَحَّتْ هِبَةُ الْأَوَّلِ فِي الشَّيْءِ أَنَّهَا صَحَّتْ فِي ثَلَاثَةِ أَثْمَانِ الْعَبْدِ وَمَعْنَى قَوْلِنَا فَبَقِيَ عِنْدَهُ عَبْدٌ إلَّا شَيْئًا أَنَّهُ بَقِيَ عِنْدَهُ خَمْسَةُ أَثْمَانِ الْعَبْدِ وَمَعْنَى قَوْلِنَا صَحَّتْ هِبَةُ الثَّانِي فِي ثُلُثِ ذَلِكَ الشَّيْءِ أَنَّهَا صَحَّتْ فِي ثُلُثِ الثَّلَاثَةِ الْأَثْمَانِ وَهُوَ ثَمَنٌ وَمَعْنَى قَوْلِنَا فَصَارَ مَعَ الْأَوَّلِ عَبْدٌ إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ أَنَّهُ صَارَ مَعَ الْأَوَّلِ سِتَّةُ أَثْمَانٍ وَهِيَ ضِعْفُ مَا صَحَّتْ فِيهِ هِبَتُهُ لِأَنَّهَا صَحَّتْ فِي ثَلَاثَةِ أَثْمَانٍ وَضِعْفُهَا سِتَّةُ أَثْمَانٍ وَمَعْنَى قَوْلِنَا فَبَقِيَ عِنْدَهُ أَيْ الثَّانِي ثُلُثَا الشَّيْءِ أَنَّهُ بَقِيَ عِنْدَهُ ثَمَنَانِ وَهُوَ ضِعْفُ مَا صَحَّتْ فِيهِ الْهِبَةُ لِأَنَّهَا صَحَّتْ فِي ثَمَنٍ وَضِعْفِهِ ثَمَنَانِ فَقَدْ بَقِيَ

[المسألة الرابعة قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال إن دخلت الدار فأنت طالق]

عَبْدُ الْمَلِكِ إنْ أَعَادَهُ عَلَى الْفِعْلِ نَفَعَهُ مَعْنَاهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ لَمْ أَجْزِمْ بِجَعْلِهِ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ بَلْ فُوِّضْت وَجَعَلْت سَبَبِيَّتَهُ إلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ شَاءَ جَعَلَهُ سَبَبًا وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَكُونُ الْفِعْلُ سَبَبًا فَلَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ إجْمَاعًا وَلَا يَكُونُ هَذَا خِلَافًا لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الْمُقَدِّمَاتِ أَبَا الْوَلِيدِ بْنَ رُشْدٍ حَكَاهُ خِلَافًا وَقَالَ: الْحَقُّ عَدَمُ اللُّزُومِ قِيَاسًا عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذَا أَعَادَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْفِعْلِ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يُوَافِقُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَيُخَالِفُ فِي الطَّلَاقِ فَيَكُونُ هَذَا إشْكَالًا آخَرَ أَمَّا إذَا حُمِلَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ فَلَا إشْكَالَ وَيَصِيرُ الْمُدْرَكُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا تُعْقَلُ الْمَسْأَلَةُ أَلْبَتَّةَ وَلَا يَصِيرُ لَهَا حَقِيقَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــSعَبْدِ الْمَلِكِ إنْ أَعَادَهُ عَلَى الْفِعْلِ نَفَعَهُ مَعْنَاهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ لَمْ أَجْزِمْ بِجَعْلِهِ سَبَبًا إلَى قَوْلِهِ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ إجْمَاعًا) . قُلْتُ: قَوْلُ الْقَائِلِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يُرِيدَ إعَادَةَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ إلَى الْفِعْلِ فَإِنْ أَعَادَهُ عَلَى الطَّلَاقِ فَقَدْ سَبَقَ فِي مَسْأَلَةِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ الصَّحِيحَ لُزُومُ الطَّلَاقِ وَأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَنْفَعُهُ وَهَذَا الْمُعَلَّقُ كَذَلِكَ وَإِنْ أَعَادَهُ إلَى الْفِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فَإِنْ أَرَادَ مَعْنَاهُ الظَّاهِرَ وَهُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ فَإِذَا فَعَلَهُ فَقَدْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِعْلَهُ فَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ وَافَقَهُ وَإِنْ أَرَادَ مَا قَالَهُ شِهَابُ الدِّينِ وَتَأَوَّلَهُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إجْمَاعًا فَلَيْسَ بِالظَّاهِرِ بَلْ هُوَ مَعْنًى مُتَكَلَّفٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ لَا يُفِيدُ عَدَمَ لُزُومِ الطَّلَاقِ بَلْ يُفِيدُ لُزُومَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ ذَلِكَ تَفْوِيضُ سَبَبِيَّةِ هَذَا الْكَلَامِ إلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَبَبًا بِتَسْوِيغِهِ لِلْمُتَكَلِّمِ أَنْ يَجْعَلَهُ سَبَبًا وَقَدْ جَعَلَهُ كَذَلِكَ بِالتَّعْلِيقِ عَلَيْهِ كَمَا سَوَّغَ لَهُ وَمَا أَرَى عَبْدَ الْمَلِكِ رَاعَى هَذَا الْمَعْنَى الْمُتَكَلَّفَ بَلْ رَأَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ رَافِعًا لِحُكْمِ التَّعْلِيقِ كَرَفْعِهِ لِحُكْمِ الْيَمِينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (وَلَا يَكُونُ هَذَا خِلَافًا لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الْمُقَدِّمَاتِ حَكَاهُ خِلَافًا) قُلْتُ: صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ أَمْسِ بِتَحْقِيقِ هَذَا الْعِلْمِ وَمَعْرِفَةِ الْخِلَافِ فِيهِ مِنْ الْوِفَاقِ. قَالَ (وَقَالَ: الْحَقُّ عَدَمُ اللُّزُومِ قِيَاسًا عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذَا أَعَادَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْفِعْلِ) قُلْتُ: بَلْ الْحَقُّ اللُّزُومُ كَمَا سَبَقَ وَالْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَرَدَّ الِاسْتِثْنَاءَ إلَى الْفِعْلِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ فَقَدْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فَهُوَ بَارٌّ أَيْضًا لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشِيئَةِ لِلْفِعْلِ وَلَمْ يَقَعْ الْفِعْلُ فَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ الْمَشِيئَةُ وَالْقَائِلُ إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَرَدَّ الِاسْتِثْنَاءَ إلَى الْفِعْلِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ فَقَدْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ إلَّا بِمَشِيئَتِهِ وَيَلْزَمُ مُقْتَضَى التَّعْلِيقِ لِوُقُوعِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يُوَافِقُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَيُخَالِفُ فِي الطَّلَاقِ فَيَكُونُ هَذَا إشْكَالًا آخَرَ) قُلْتُ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ إشْكَالًا عَلَى مَا تَقَرَّرَ بِوَجْهٍ. قَالَ: (أَمَّا إذَا حُمِلَ قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ فَلَا إشْكَالَ وَيَصِيرُ الْمُدْرَكُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا تُعْقَلُ الْمَسْأَلَةُ أَلْبَتَّةَ وَلَا يَصِيرُ لَهَا حَقِيقَة) قُلْتُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQلِوَرَثَةِ كُلٍّ مِنْ الْمَرِيضَيْنِ ضِعْفُ مَا صَحَّتْ فِيهِ هِبَتُهُ أَفَادَهُ الْبَاجُورِيُّ عَنْ الْأَمِيرِ فِي حَوَاشِي الشِّنْشَوْرِيِّ. [الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَالَ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ] (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا قَالَ: إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ فِي الْحَالِ لِأَنَّ تَعْلِيقَهُ عَلَى الدُّخُولِ حَلِفٌ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَفِي كَوْنِهِ حَلِفًا فَيَحْنَثُ بِهِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى حَدِيثِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ مَعَ نَصِّ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَمْ يُفَصِّلُوا أَوَّلًا فَلَا يَحْنَثُ بِهِ لِأَنَّ الْحَلِفَ مَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ مَنْعٌ وَاسْتِحْثَاثٌ قَوْلَا الْأَصْلِ وَالْغَزَالِيِّ فِي وَسِيطِهِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَإِلَّا فَالثَّانِي. [الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ قَالَ إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَهَا] (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) إذَا قَالَ: إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَتْ هِيَ: إنْ بَدَأْتُك بِالْكَلَامِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَلَّمَهَا وَكَلَّمَتْهُ لَمْ تَطْلُقْ وَلَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْحَلَّتْ بِيَمِينِهَا وَيَمِينُهَا انْحَلَّتْ بِكَلَامِهِ فَلَمْ تَبْدَأْ هِيَ وَلَا هُوَ بِكَلَامٍ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ. [الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ] (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ الْآنَ فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ كَأَنْ شَاءَ الْجِنُّ أَوْ الْمَلَكُ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُفْتَى بِهِ فِي الْمَذْهَبِ فَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالْأَمِيرُ فِي مَجْمُوعِهِ وَعَدَمُ لُزُومِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَلِعَبْدِ الْمَلِكِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي الْعِصْمَةِ هَلْ يُعْتَبَرُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ لَهُ وَهُوَ أَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ يُلْغَى وَتُسْتَصْحَبُ الْعِصْمَةُ وَهُوَ أَصْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمَّا الشَّكُّ فِي إنْ شَاءَ الْجِنُّ أَوْ الْمَلَكُ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْمَشِيئَةِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ وَحَلُّ الْعِصْمَةِ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ حَتَّى تُعْلَمَ فِيهِ مَشِيئَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّهُ أَرَادَ الطَّلَاقَ عَلَى التَّعْيِينِ أَمْ لَا وَلَيْسَ لَنَا طَرِيقٌ إلَى التَّوَصُّلِ إلَى ذَلِكَ وَأَمَّا التَّوَصُّلُ إلَى عِلْمِ مَشِيئَةِ الْبَشَرِ فَبِوُجُوهٍ مِنْهَا إخْبَارُهُ بِذَلِكَ مَعَ قَرَائِنَ تُوجِبُ حُصُولَ الْعِلْمِ وَكَوْنُ غَايَةِ خَبَرِ الْبَشَرِ أَنْ يُفِيدَ الظَّنَّ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرَائِنِ عَلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالِاكْتِفَاءِ هُنَا بِالظَّنِّ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ

وَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي لَا يَنْفَعُهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَبَبًا لِقَطْعِ الْعِصْمَةِ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ فَقَدْ زَالَتْ الْعِصْمَةُ بِتَحَقُّقِهِ كَرِهَ الْمُكَلَّفُ أَوْ أَحَبَّ فَمَشِيئَتُهُ لَغْوٌ وَإِذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى فِعْلٍ وَأَعَادَ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي عَلَيْهِ خَاصَّةً وَمَعْنَاهُ أَنِّي لَمْ أُصَمِّمْ عَلَى جَعْلِ الْفِعْلِ سَبَبًا بَلْ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ عَلَى إرَادَةٍ تَحْدُثُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَذَلِكَ يَنْفَعُهُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ كُلَّ سَبَبٍ مَوْكُولٌ إلَى إرَادَتِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَصْمِيمِهِ عَلَى مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ لِذَلِكَ وَكَذَلِكَ قَوْلُ صَاحِبِ الْجَلَّابِ إنْ أَعَادَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى كَلَامِ زَيْدٍ نَفَعَهُ وَعَلَى الْحَجِّ لَمْ يَنْفَعْهُ مَعْنَاهُ أَنِّي لَمْ أَجْزِمْ بِجَعْلِ كَلَامِ زَيْدٍ سَبَبًا لِلُزُومِ الْحَجِّ بَلْ ذَلِكَ مَوْكُولٌ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ سَبَبًا فَلَا يَلْزَمُ الْحَجُّ بِكَلَامِهِ فَإِذَا أَعَادَهُ عَلَى الْحَجِّ فَقَدْ جَزَمَ بِسَبَبِيَّةِ كَلَامِ زَيْدٍ فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ وَالِاسْتِثْنَاءُ لَا يَكُونُ رَافِعًا كَمَا تَقَدَّمَ فَهَذَا سِرُّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَهُوَ مِنْ نَفَائِسِ الْعِلْمِ فَافْهَمْهُ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) فِي الْجَوَاهِرِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَهُوَ تَعْلِيقُ التَّعْلِيقِ فَإِنْ كَلَّمْت زَيْدًا أَوَّلًا تَعَلَّقَ طَلَاقُهَا بِالدُّخُولِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي اعْتِبَارِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ: هَذَا يُسَمِّيهِ أَهْلُ النَّحْوِ اعْتِرَاضُ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ فَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ ثُمَّ كَلَّمْت زَيْدًا طَلُقَتْ وَإِنْ كَلَّمْت زَيْدًا أَوَّلًا ثُمَّ دَخَلْت الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ جَعَلَ دُخُولَ الدَّارِ شَرْطًا فِي كَلَامِ زَيْدٍ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ: إنْ أَعْطَيْتُك إنْ وَعَدْتُك إنْ سَأَلَتْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يُوجَدَ السُّؤَالُ ثُمَّ الْوَعْدُ ثُمَّ الْعَطَاءُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْوَعْدِ بِالْعَطِيَّةِ وَشَرْطٌ فِي الْعَطِيَّةِ السُّؤَالُ وَكَانَ مَعْنَاهُ إنْ سَأَلَتْنِي فَوَعَدْتُك فَأَعْطَيْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَوَافَقَهُ الْغَزَالِيُّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْوَسِيطِ وَلَمْ يَحْكِيَا خِلَافًا وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمَسْأَلَةَ فِي النِّهَايَةِ وَاخْتَارَ مَذْهَبَنَا وَأَنَّ التَّعْلِيقَ مَعَ عَدَمِ الْوَاوِ يَكُونُ كَالْعِطْفِ بِالْوَاوِ وَضَابِطُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الشُّرُوطَ إنْ وَقَعَتْ كَمَا نُطِقَ بِهَا لَمْ تَطْلُقْ وَإِنْ عَكَسَهَا الْمُتَقَدِّمُ مُتَأَخِّرٌ وَالْمُتَأَخِّرُ مُتَقَدِّمٌ طَلُقَتْ وَلَمْ أَرَ هَذَا لِأَصْحَابِنَا بَلْ مَا تَقَدَّمَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ غَوْرٌ بَعِيدٌ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ يَظْهَرُ مِنْهُمَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَنَذْكُرهُمَا وَنَذْكُرُ مَا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ مِنْ ذَلِكَ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ لِيَتَّضِحَ الْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَهِيَ مِنْ أَطَارِيفِ الْمَسَائِلِ: الْقَاعِدَةُ الْأُولَى مِنْ الشُّرُوطِ اللُّغَوِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَدْ سَبَقَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مَقْصَدٌ مُتَكَلَّفٌ لَمْ يَقْصِدْهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَلَا يُفِيدُ عَلَى تَقْدِيرِ قَصْدِهِ مَا ذَكَرَ بَلْ نَقِيضُهُ فَلَا يَصِيرُ الْمُدْرَكُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَتُعْقَلُ الْمَسْأَلَةُ وَتَصِيرُ لَهَا حَقِيقَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (وَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي لَا يَنْفَعُهُ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ بَلْ ذَلِكَ مَوْكُولٌ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ سَبَبًا فَلَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِكَلَامِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ إذَا كَانَ بِمَشِيئَتِهِ فَإِنَّهُ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَشِيئَةِ الْقَائِلِ فِي قَوْلِهِ إنْ كُنْت كَلَّمْت زَيْدًا فَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَجِّ فَإِنْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ كَمَا سَبَقَ وَإِنْ قَالَ: إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ هُنَا حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى رَدِّ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى جَعْلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ سَبَبًا قَالَ: شِهَابُ الدِّينِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ فِي الْجَوَاهِرِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَهُوَ تَعْلِيقُ التَّعْلِيقِ فَإِنْ كَلَّمْت زَيْدًا أَوَّلًا تَعَلَّقَ طَلَاقُهَا بِالدُّخُولِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي اعْتِبَارِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ إلَى قَوْلِهِ مِنْ أَطَارِيفِ الْمَسَائِلِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ نَقْلٌ أَوْ وَعْدٌ فَلَا كَلَامَ فِيهِ قَالَ: (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى أَنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ الْآنَ فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى مَشِيئَةِ مَنْ لَا يَعْلَمُ مَشِيئَتَهُ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُمْكِنُ اطِّلَاعُنَا عَلَيْهَا يُضَاهِي قَوْلَ الْقَدَرِيَّةِ بِحُدُوثِ الْإِرَادَةِ وَأَنَّ بَعْضَ الْأُمُورِ عَلَى خِلَافِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُخَالِفُ قَاعِدَةَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ وَاجِبَةُ النُّفُوذِ فَكُلُّ عَدَمٍ مُمْكِنٌ يُعْلَمُ وُقُوعُهُ نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَهُ وَكُلُّ وُجُودٍ مُمْكِنٍ يُعْلَمُ وُقُوعُهُ نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ كَنُونِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى حَوَاشِي عبق عَنْ الْعَلَّامَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ مَعَ زِيَادَةٍ قُلْتُ: وَيَظْهَرُ لَنَا عَلَى ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ: الْأَمْرُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى قَوْلِ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ الصَّوَابُ إمَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَعْلِيقٌ بِمُحَقَّقٍ إنْ قُصِدَ إنْ كَانَ شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ يَعْنِي فِي الْمَاضِي فَإِنَّ بِنُطْقِهِ بِالطَّلَاقِ عُلِمَ أَنَّهُ شَاءَ وَقَاعِدَةُ أَنَّ الشَّرْطَ وَجَوَابَهُ لَا يَتَعَلَّقَانِ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ وَطَلَاقٍ لَمْ يَقَعْ قَبْلَ التَّعْلِيقِ أَغْلَبِيَّةٌ لَا كُلِّيَّةٌ وَإِلَّا يَقْصِدْ ذَلِكَ بَلْ قَصَدَ إنْ شَاءَ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَوْ قُلْنَا: إنَّ الْحُكْمَ يَتَعَدَّدُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّنَا إنَّمَا نُفْتِي بِمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّنَا وَحُصُولُ الْمَحْكُومِ بِهِ هُنَا لَيْسَ مِنْ مُجَرَّدِ الْحُكْمِ حَتَّى يَرِدَ أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ يَأْمُرُ وَلَا يُرِيدُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُكْمِ حُصُولُ الْمَحْكُومِ بِهِ بَلْ حُصُولُهُ هُنَا مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقِ السَّبَبِ وَهُوَ نُطْقُهُ بِالصِّيغَةِ فَتَدَبَّرْ. وَأَمَّا أَنْ يُقَالَ إنْ جَعْلَ مَالِكٌ ذَلِكَ مِثَالًا لِمَا لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ مَنْظُورًا فِيهِ لِلْمَشِيئَةِ فِي حَدِّ ذَاتِهَا فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا تُعْلَمُ بِتَحَقُّقِ الْمُشِيءِ اهـ بِحَذْفٍ وَزِيَادَةٍ وَتَصَرُّفٍ. الْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ كَنُونِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ هُوَ الَّذِي يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ الشَّاطِّ مُرَادُ مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ الْآنَ فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى مَشِيئَةِ مَنْ لَا يُعْلَمُ مَشِيئَتُهُ هُوَ أَنَّهُ لَا يُعْلَمُ هَلْ أَرَادَ الطَّلَاقَ عَلَى التَّعْيِينِ أَوْ لَا وَلَيْسَ لَنَا طَرِيقٌ إلَى التَّوَصُّلِ إلَى ذَلِكَ اهـ. قُلْتُ: وَتَوْضِيحُ ذَلِكَ أَنَّ مُطْلَقَ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَإِنْ وَضَعَهُ الشَّارِعُ لِحَلِّ الْعِصْمَةِ إلَّا أَنَّ لَفْظَهُ الْمُعَيَّنَ الْوَاقِعَ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَمَّا كَانَ مَعْنَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ جَعَلَ هَذَا اللَّفْظَ

أَسْبَابٌ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهَا الْعَدَمُ فَإِنَّ قَوْلَهُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يَلْزَمُ مِنْ دُخُولِهَا الدَّارَ الطَّلَاقُ وَمِنْ عَدَمِ دُخُولِهَا عَدَمُ الطَّلَاقِ وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ السَّبَبِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ بِخِلَافِ الشُّرُوطِ الْعَقْلِيَّةِ كَالْحَيَاةِ مَعَ الْعِلْمِ. وَالشَّرْعِيَّةِ كَالطَّهَارَةِ مَعَ الصَّلَاةِ وَالْعَادِيَّةِ كَنَصْبِ السُّلَّمِ مَعَ صُعُودِ السَّطْحِ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا شَيْءٌ وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا الْعَدَمُ فَالْحَيُّ قَدْ يَعْلَمُ وَقَدْ لَا يَعْلَمُ وَالْمُتَطَهِّرُ قَدْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَقَدْ لَا تَصِحُّ وَإِذَا نَصَبَ السُّلَّمَ فَقَدْ يَصْعَدُ لِلسَّطْحِ وَقَدْ لَا يَصْعَدُ نَعَمْ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ هَذِهِ الشُّرُوطِ عَدَمُ هَذِهِ الْمَشْرُوطَاتِ. وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ أَسْبَابٌ فَنَقُولُ: الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ تَقَدُّمَ الْمُسَبَّبِ عَلَى سَبَبِهِ لَا يُعْتَبَرُ كَالصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَإِذَا تَقَرَّرَتْ الْقَاعِدَتَانِ فَنَقُولُ: إذَا قَالَ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ مَعْنَاهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنِّي جَعَلْت كَلَامَ زَيْدٍ سَبَبَ طَلَاقِك وَشَرْطَهُ اللُّغَوِيِّ غَيْرَ أَنِّي قَدْ جَعَلْت سَبَبَ اعْتِبَارِهِ وَالشَّرْطُ فِيهِ دُخُولُ الدَّارِ فَإِنْ وَقَعَ الْكَلَامُ أَوَّلًا فَلَا تَطْلُقُ بِهِ لِأَنَّهُ وَقَعَ قَبْلَ سَبَبِ اعْتِبَارِهِ فَيَلْغَى كَالصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ إيقَاعِهِ بَعْدَ دُخُولِ الدَّارِ حَتَّى يَقَعَ بَعْدَ سَبَبِهِ فَيُعْتَبَرُ كَالصَّلَاةِ بَعْدَ الزَّوَالِ هَذَا مُدْرَكُهُمْ وَهُوَ مُدْرَكٌ حَسَنٌ وَأَصْحَابِنَا وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ يُلَاحَظُ أَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْمَعْطُوفَ بِالْوَاوِ يَسْتَوِي الْحَالُ فِيهِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ وَكَذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْطِفُ الْكَلَامَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ حَرْفِ عَطْفٍ وَيَكُونُ فِي مَعْنَى حَرْفِ الْعَطْفِ كَقَوْلِنَا جَاءَ زَيْدٌ جَاءَ عَمْرٌو وَسَيَأْتِي فِي الِاسْتِشْهَادِ مَا يُعَضِّدُ ذَلِكَ. فَهَذَا سِرُّ فِقْهِ الْفَرِيقَيْنِ وَأَمَّا مَا يَشْهَدُ لَهُمْ مِنْ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ هُودٍ {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [هود: 34] فَإِرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْبَشَرِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ فَالْمُتَقَدِّمُ لَفْظًا مُتَأَخِّرٌ وُقُوعًا وَلَا يُمْكِنُ خِلَافُ ذَلِكَ فَهَذِهِ الْآيَةُ تَشْهَدُ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقَوْله تَعَالَى {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} [الأحزاب: 50] فَالظَّاهِرُ أَنَّ إرَادَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ هِبَتِهَا فَإِنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الْقَبُولِ فِي الْعُقُودِ وَهِبَتُهَا لِنَفْسِهَا إيجَابٌ كَمَا تَقُولُ: مِنْ وَهَبَك شَيْئًا لِلْمُكَافَأَةِ لَزِمَك أَنْ تُكَافِئَهُ عَلَيْهِ إنْ أَرَدْت قَبُولَ تِلْكَ الْهِبَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ إرَادَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَقَدِّمَةً وَإِذَا فَهِمَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْصِدُ ذَلِكَ مِنْهَا وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ فَهَذِهِ الْآيَةُ مُحْتَمِلَةٌ لِلْمَذْهَبَيْنِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَأَمَّا الشِّعْرُ فَقَوْلُ ابْنِ دُرَيْدٍ: فَإِنْ عَثَرَتْ بَعْدَهَا إنْ وَالَتْ ... نَفْسِي مِنْ هَاتَا فَقُولَا لَا لَعَا ـــــــــــــــــــــــــــــSأَسْبَابٌ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ وَعَلَى رَأْيِ الْمَالِكِيَّةِ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الْجَمِيعِ كَيْفَمَا وَقَعَتْ يَقَعُ) قُلْتُ: مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَمَا احْتَجَّ بِهِ لِلشَّافِعِيَّةِ لَا حُجَّةَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ دَلَالَةِ الْآيَةِ وَالْبَيْتَيْنِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34] وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: فَإِنْ عَثَرَتْ بَعْدَهَا إنْ وَالَتْ ... نَفْسِي مِنْ هَاتَا فَقُولَا لَا لَعَا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخُصُوصِهِ سَبَبًا فِي حَلِّ الْعِصْمَةِ وَجَعَلَهُ بِخُصُوصِهِ سَبَبًا فِي حَلِّهَا أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ حَتَّى تُعْلَمَ فِيهِ مَشِيئَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ صَحَّ جَعْلُ ذَلِكَ الْقَوْلِ مِثَالًا لِمَا لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ مُطْلَقَ لَفْظِ الطَّلَاقِ الَّذِي مِنْهُ هَذَا اللَّفْظُ الْمُعَيَّنُ مُقَيَّدٌ بِالشَّرْطِ الَّذِي هُوَ مَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يُقَالَ: إنْ قَصَدَ إنْ كَانَ شَاءَ اللَّهُ ذَلِكَ يَعْنِي فِي الْمَاضِي فَهُوَ تَعْلِيقٌ بِمُحَقَّقٍ إذْ بِنُطْقِهِ بِالطَّلَاقِ عُلِمَ أَنَّهُ شَاءَ لِوَضْعِهِ شَرْعًا ضَمِنَ الْمُطَلِّقُ لِحَلِّ الْعِصْمَةِ وَإِنْ قَصَدَ إنْ شَاءَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَهُوَ لَاغٍ إلَخْ. الْأَمْرُ الثَّالِثُ وَسَنَنْقُلُهُ بَعْدُ عَنْ كَنُونِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ هُنَا بَيْنَ إنْ شَاءَ وَإِلَّا أَنْ يَشَاءَ فَكَمَا أَنَّ مَعْنَى إنْ شَاءَ اللَّهُ مَا ذَكَرَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ عَدَمَ جَعْلِ هَذَا اللَّفْظِ بِخُصُوصِهِ سَبَبًا فِي حَلِّ الْعِصْمَةِ وَعَدَمُ الْجَعْلِ الْمَذْكُورِ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ حَتَّى تُعْلَمَ فِيهِ مَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَكَمَا جَرَى فِي الْأَوَّلِ خِلَافُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ كَذَلِكَ يَجْرِي فِي الثَّانِي فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِلشَّكِّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ لِإِلْغَاءِ الشَّكِّ بِدَلِيلِ أَنَّ صَاحِبَ الْمَشِيئَةِ لَوْ كَانَ مِمَّنْ تُعْلَمُ مَشِيئَتُهُ كَمَا فِي إنْ شَاءَ أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ لَسُئِلَ هَلْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا اللَّفْظَ بِخُصُوصِهِ سَبَبًا لِحَلِّ الْعِصْمَةِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ أَوْ لَا فَلَا يَقَعُ فَكُلُّ مِنْ إنْ شَاءَ وَإِلَّا أَنْ يَشَاءَ هُنَا لِلتَّقْيِيدِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ صُورَةِ مَفْهُومِ الصِّيغَةِ لَا لِكَوْنِهِ رَافِعًا لِحُكْمِ الصِّيغَةِ كَمَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَكَمَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ لِقَاعِدَتَيْنِ. (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) كُلُّ مَنْ لَهُ عُرْفٌ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى عُرْفِهِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ» يُحْمَلُ عَلَى الصَّلَاةِ فِي عُرْفِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دُونَ الدُّعَاءِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَلَفَ وَاسْتَثْنَى عَادَ كَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ» يُحْمَلُ عَلَى الْحَلِفِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ جَعَلَهُمَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ أَيْمَانِ الْفُسَّاقِ فَلَا يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدَّمُ عَلَيْهِمَا. (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) كَمَا شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَحْكَامَ شَرَعَ مُبْطَلَاتِهَا وَرَوَافِعَهَا فَشَرْعُ

[المسألة السابعة قال إن فعلت كذا فعلي الطلاق إن شاء الله]

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعُثُورَ مَرَّةً ثَانِيَةً إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْخُلُوصِ مِنْ الْأُولَى فَالْمُتَقَدِّمُ لَفْظًا مُتَأَخِّرٌ وُقُوعًا كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَكَذَلِكَ أَنْشَدَ ابْنُ مَالِكٍ النَّحْوِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ: إنْ تَسْتَغِيثُوا بِنَا إنْ تَذْعَرُوا تَجِدُوا ... مِنَّا مَعَاقِلَ عِزٍّ زَانَهَا كَرَمُ وَالِاسْتِغَاثَةُ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الذُّعْرِ فَالْمُتَقَدِّمُ لَفْظًا مُتَأَخِّرٌ مَعْنًى فَالْبَيْتَانِ يَشْهَدَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ. وَلَوْ قَالَ الْقَائِلُ: إنْ تَتَّجِرْ إنْ تَرْبَحْ فِي تِجَارَتِك فَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ لَكَانَ كَلَامًا عَرَبِيًّا مَعَ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ فِي اللَّفْظِ مُتَقَدِّمٌ فِي الْوُقُوعِ وَكَذَلِكَ إنْ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ إنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّ لَهَا الزَّوَاجُ فَالْمُتَقَدِّمُ لَفْظًا مُتَقَدِّمٌ فِي الْوُقُوعِ وَلَمَّا كَانَتْ الْمَوَادُّ تَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ وَالْجَمِيعُ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ جَعَلَهُ مَالِكٌ سَوَاءً لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ سَبَبِيَّةِ الثَّانِي فِي الْأَوَّلِ بَلْ الثَّانِي لَا بُدَّ مِنْهُ فِي وُقُوعِ ذَلِكَ الْمَشْرُوطِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ. (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ مُقَدِّمَتِهِ لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَادَّةَ وَهِيَ اعْتِرَاضُ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ قَالَ: الشَّرْطُ الثَّانِي لَا جَوَابَ لَهُ وَإِنَّمَا الْجَوَابُ لِلْأَوَّلِ خَاصَّةً وَالثَّانِي جَرَى مَعَ الْأَوَّلِ مَجْرَى الْفَضْلَةِ وَالتَّتِمَّةِ كَالْحَالِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْفَضَلَاتِ وَصَدَقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ الثَّانِيَ إنَّمَا اعْتِبَارُهُ فِي الْأَوَّلِ لَا فِي الطَّلَاقِ الَّذِي جُعِلَ مَشْرُوطًا فَذِكْرُ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ سَدَّ مَسَدَ جَوَابِهِ. (فَائِدَةٌ) فَإِنَّ نَسَقَ هَذَا النَّسَقِ عَشَرَةُ شُرُوطٍ فَأَكْثَرُ فَعَلَى رَأْيِ الشَّافِعِيَّةِ لَا بُدَّ أَنْ يَنْعَكِسَ هَذَا الْعَدَدُ كُلُّهُ عَلَى تَرْتِيبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي السُّؤَالِ وَالْوَعْدِ وَالْعَطِيَّةِ لِأَنَّ الْعَاشِرَ سَبَبٌ فِي التَّاسِعِ فَيَقَعُ قَبْلَهُ وَالتَّاسِعُ سَبَبٌ فِي الثَّامِنِ فَيَقَعُ قَبْلَهُ وَالثَّامِنُ سَبَبٌ فِي السَّابِعِ فَيَقَعُ قَبْلَهُ وَكَذَلِكَ الْبَقِيَّةُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ وُقُوعُهَا هَكَذَا الْعَاشِرُ ثُمَّ التَّاسِعُ ثُمَّ الثَّامِنُ ثُمَّ السَّابِعُ ثُمَّ السَّادِسُ ثُمَّ الْخَامِسُ إلَى الْأَوَّلِ فَيَقَعُ آخِرًا وَمَتَى اخْتَلَّ ذَلِكَ فِي الْوُقُوعِ اخْتَلَّ الْمَشْرُوطُ وَعَلَى رَأْيِ الْمَالِكِيَّةِ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الْجَمِيعِ كَيْفَمَا وَقَعَتْ يَقَعْ. (تَفْرِيعٌ) أَذْكُرُ فِيهِ الْمَعْطُوفَاتِ مِنْ الشُّرُوطِ فَإِنْ قَالَ: إنْ أَكَلْت وَإِنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ بِاتِّفَاقِ الْفَرْقِ بَلْ أَيُّهُمَا وَقَعَ قَبْلَ صَاحِبِهِ اُعْتُبِرَ وَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الْآخَرِ بَعْدَهُ فَإِنَّهُمَا مَعًا جُعِلَا شَرْطَيْنِ فِي الطَّلَاقِ وَلَمْ يُجْعَلْ أَحَدُهُمَا شَرْطًا فِي الْآخَرِ. وَالْجَوَابُ لَهُمَا مَعًا بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الْجَوَابُ لِلْأَوَّلِ فَقَطْ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَقَوْلُ الْآخَرِ: إنْ تَسْتَغِيثُوا بِنَا إنْ تَذْعَرُوا تَجِدُوا ... مِنَّا مَعَاقِلَ عِزٍّ زَانَهَا كَرَمُ قُلْتُ لَيْسَ كَوْنُ الْمُتَأَخِّرِ فِيهَا مُتَقَدِّمًا مِنْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ بَلْ مِنْ ضَرُورَةِ الْوُجُودِ فَغَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ جَوَازُ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي اللَّفْظِ مَا هُوَ مُتَأَخِّرٌ فِي الْوُجُودِ وَكَوْنُ الذُّعْرِ سَبَبًا فِي الِاسْتِغَاثَةِ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} [الأحزاب: 50] أَنَّ مِثْلَ هَذَا يَجِيءُ فِي الْمُحْتَمَلِ لِلتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَلَا مَانِعَ مِنْ تَسْوِيغِ قَوْلِ الْقَائِلِ إنْ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ إنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّ نِكَاحُهَا فَظَهَرَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا سَائِغٌ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (تَفْرِيعٌ أَذْكُرْ فِيهِ الْمَعْطُوفَاتِ مِنْ الشُّرُوطِ إلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الْجَوَابُ لِلْأَوَّلِ فَقَطْ) قُلْتُ: قَوْلُهُ فَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ بِاتِّفَاقِ الْفَرْقِ بَلْ أَيُّهُمَا وَقَعَ قَبْلَ صَاحِبِهِ اُعْتُبِرَ صَحِيحًا وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ أَوْ مَعَ صَاحِبِهِ وَقَوْلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِسْلَامِ وَعَقْدُ الذِّمَّةِ سَبَبَانِ لِعِصْمَةِ الدِّمَاءِ وَالرِّدَّةُ وَالْحِرَابَةُ وَزِنَى الْمُحْصَنِ وَحِرَابَةُ الذِّمِّيِّ رَوَافِعُ وَالسَّبْيُ سَبَبُ الْمِلْكِ وَالْعِتْقُ رَافِعٌ لَهُ وَلَا يَلْزَمُ مَنْ شَرَعَهُ رَافِعًا لِحُكْمِ سَبَبٍ أَنْ يَرْفَعَ حُكْمَ غَيْرِهِ فَالِاسْتِثْنَاءُ بِالْمَشِيئَةِ شَرَعَهُ رَافِعًا لِحُكْمِ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَادَ كَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ رَافِعًا لِحُكْمِ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَالتَّعْلِيقِ كَمَا أَنَّ التَّطْلِيقَ رَافِعٌ لِحُكْمِ النِّكَاحِ وَلَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْيَمِينِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الرَّوَافِعِ وَلَيْسَ إطْلَاقُ الْيَمِينِ عَلَى الْبَابَيْنِ بِالتَّوَاطُؤِ حَتَّى يَعُمَّ الْحُكْمُ بَلْ بِالِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ فِي التَّعْلِيقِ بِالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ وَاَلَّذِي يُسَمَّى يَمِينًا حَقِيقَةً إنَّمَا هُوَ الْقَسَمُ وَلَوْ أَقْسَمَ بِالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. وَإِذَا كَانَ الْبَابَانِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا يَعُمُّ الْحُكْمُ هَذَا تَحَقُّقُ الْمَقَامِ وَفِي لُزُومِ الطَّلَاقِ مُنَجَّزًا فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ وَنَحْوُهُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ نَادِمًا وَهَازِلًا إذْ مَشِيئَةُ الْحَجَرِ أَمْرٌ مُمْتَنِعٌ كَلَمْسِ السَّمَاءِ فَيَسْتَوِي مَعَ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَجَرُ حَجَرًا فِي كَوْنِهِ هَزْلًا إلَّا لِقَرِينَةِ صَلَابَةٍ وَنَحْوِهَا وَعَدَمُ اللُّزُومِ نَظَرًا لِكَوْنِ مَشِيئَةِ الْحَجَرِ وَإِنْ كَانَتْ أَمْرًا مُمْتَنِعًا أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ عَرِيقٍ فِي اللَّغْوِ لِكَوْنِ امْتِنَاعِهِ عَادِيًا فَقَطْ بِخِلَافِ إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَجَرُ حَجَرًا فَإِنَّهُ عَرِيقٌ فِي اللَّغْوِ لِأَنَّهُ قَلْبُ حَقَائِقَ فَهُوَ مُمْتَنِعٌ عَقْلًا وَعَادَةً رِوَايَتَانِ ذَكَرَهُمَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّانِيَةُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَبِهَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأُولَى لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي النَّوَادِرِ وَبِهَا قَالَ سَحْنُونٌ وَهِيَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى تَحَقُّقِ اللَّغْوِ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُمْ بِالتَّنْجِيزِ فِي لَمَسْت السَّمَاءَ عَلَى أَنَّ الْفَرْقَ بِالْعَرَاقَةِ وَعَدَمِهَا كَمَا قَالَ الْأَمِيرُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا اشْتَهَرَ عِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ مِنْ تَبَايُنِ حَقَائِقِ أَنْوَاعِ الْجَوَاهِرِ وَأَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى تَمَاثُلِ الْحَقِيقَةِ الْجَوْهَرِيَّةِ فِي الْكُلِّ وَأَنَّ الِاخْتِلَافَ بِالْعَوَارِضِ كَمَا فِي حَوَاشِي الْكُبْرَى ثُمَّ الْمُسْتَحِيلُ قَلْبُ الْحَقِيقَةِ بِأَنْ تَصِيرَ حَقِيقَةُ الْحَجَرِ نَفْسُهَا هِيَ حَقِيقَةُ الذَّهَبِيَّةِ لِلتَّنَاقُضِ أَمَّا إنْ زَالَتْ الذَّهَبِيَّةُ وَخَلَفَهَا الْحَجَرِيَّةُ فَقَلْبُ أَعْيَانٍ جَائِزٌ نَقَلَهُ حِجَازِيٌّ عَنْهُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى عبق اُنْظُرْهُ. [الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ] (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) اخْتَلَفَ إذَا عَلَّقَ الْمَشِيئَةَ عَلَى مُعَلَّقٍ عَلَيْهِ وَوُجِدَ نَحْوَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ

فَإِنْ قَالَ: إنْ أَكَلْت فَلَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَأَخِّرُ مُتَأَخِّرًا وَالْمُتَقَدِّمُ مُتَقَدِّمًا عَكْسُ الْمَنْسُوقِ بِغَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] فَالزِّنَى مِنْهُنَّ مُتَأَخِّرٌ كَمَا هُوَ فِي اللَّفْظِ وَكَذَلِكَ إنْ أَكَلْت ثُمَّ لَبِسْت وَإِنْ أَكَلْت حَتَّى إنْ لَبِسْت يَقْتَضِي اللَّفْظُ تَأْخِيرَ اللُّبْسِ مَعَ تَكَرُّرِ الْأَكْلِ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمُغَيَّا لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ قَبْلَ الْغَايَةِ وَيَتَكَرَّرُ إلَيْهَا وَإِنْ أَكَلْت بَلْ إنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إلَّا بِاللُّبْسِ وَقَدْ أُلْغِيَ الْأَكْلُ بِالْإِضْرَابِ عَنْهُ بِبَلْ وَالشَّرْطُ الثَّانِي وَحْدَهُ وَإِنْ لَمْ تَأْكُلِي لَكِنْ إنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَالشَّرْطُ الثَّانِي وَحْدَهُ وَقَدْ أُلْغِيَ الْأَوَّلُ بِلَكِنْ لِأَنَّهَا لِلِاسْتِدْرَاكِ وَإِنْ أَكَلْت لَا إنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَالشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَحْدَهُ وَلَا تَطْلُقُ إلَّا بِهِ لِأَنَّ لَا لِإِبْطَالِ الثَّانِي وَإِنْ أَكَلْت أَوْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَالشَّرْطُ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ فَأَيُّهُمَا وَقَعَ لَزِمَ بِهِ الطَّلَاقُ وَكَذَلِكَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمَّا إنْ أَكَلْت وَأَمَّا إنْ شَرِبْت أَيْ تَعْلِيقُ طَلَاقِهِ مُتَنَوِّعٌ بِهَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ فَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِأَحَدِهِمَا وَلَمْ يَبْقَ مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ إلَّا أَمْ وَهِيَ مُتَعَذِّرَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهَا لِلِاسْتِفْهَامِ وَالْمُسْتَفْهِمُ غَيْرُ جَازِمٍ بِشَيْءٍ وَالْمُعَلَّقُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جَازِمًا فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ هَذِهِ الْفُرُوعَ بِالْوَاوِ وَالْفَاءِ وَثُمَّ وَصَرَّحَ فِي الْوَاوِ بِأَنَّهَا تَطْلُقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَلْقَةً قَالَ: لِأَنَّ حُرُوفَ الشَّرْطِ قَدْ تُكَرَّرُ فَوَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءٌ فَتَطْلُقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَلْقَةً وَمَا قَالَهُ غَيْرُ لَازِمٍ بَلْ يَكُونُ حَرْفُ الْعَطْفِ يَقْتَضِي مُشَارَكَةَ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ فِي أَنَّهُ شَرْطٌ فِي هَذَا الْجَزَاءِ وَالتَّشْرِيكُ بِالْعَاطِفِ إنَّمَا يَقْتَضِي أَصْلَ الْمَعْنَى دُونَ مُتَعَلِّقَاتِهِ وَظُرُوفِهِ وَأَحْوَالِهِ فَإِذَا قُلْت: مَرَرْت بِزَيْدٍ قَائِمًا وَعَمْرٍو لَمْ يَلْزَمْ أَنَّك مَرَرْت بِعَمْرٍو قَائِمًا أَيْضًا كَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ النُّحَاةُ وَكَذَلِكَ مَرَرْت بِزَيْدٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ أَمَامَك وَعَمْرٍو. ـــــــــــــــــــــــــــــSوَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الْآخَرِ بَعْدَهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ فَإِنَّهُ إذَا انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتَقَلَّ بِالشَّرْطِيَّةِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَا قَالَهُ لَوْ قَالَ: إنْ أَكَلْت وَلَبِسْت فَإِنَّ مُقْتَضَى ذَلِكَ جَعْلُ الشَّرْطِ مَجْمُوعَ الْفِعْلَيْنِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الْآخَرِ بَعْدَهُ أَمَّا إذَا تَكَرَّرَ حَرْفُ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِقْلَالِ كُلِّ وَاحِدٍ بِالشَّرْطِيَّةِ فَلَا يَلْزَمُ وُقُوعُ الْآخَرِ بَعْدَهُ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ يَعْنِي إنْ أَكَلْت إنْ لَبِسْت دُونَ حَرْفِ عَطْفٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (فَإِنْ قُلْتُ: إنْ أَكَلْت فَلَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ إلَى قَوْلِهِ وَالْمُسْتَفْهِمُ غَيْرُ جَازِمٍ بِشَيْءٍ وَالْمُعَلِّقُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جَازِمًا فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ عَكْسُ الْمَنْسُوقِ بِغَيْرِ حَرْفِ عَطْفٍ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَأَخِّرُ فِي اللَّفْظِ مُتَقَدِّمًا فِي الْوُجُودِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ أَسْبَابٌ وَالْأَسْبَابُ يَلْزَمُ تَقَدُّمُهَا عَلَى مُسَبَّبَاتِهَا وَذَلِكَ كُلُّهُ أَمْرٌ عُرْفِيٌّ اصْطِلَاحِيٌّ وَالرَّبْطُ بَيْنَ الشُّرُوطِ اللُّغَوِيَّةِ وَمَشْرُوطَاتِهَا وَضْعِيٌّ كَمَا سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فَصِفَةُ الرَّبْطِ مِنْ تَقَدُّمٍ أَوْ تَأَخُّرٍ أَوْ مَعِيَّةٍ كَذَلِكَ وَضْعِيٌّ وَالْأُمُورُ الْوَضْعِيَّةُ يَجُوزُ تَبَدُّلُهَا وَتَبَدُّلُ أَوْصَافِهَا بِحَسَبِ قَصْدِ الْوَاضِعِ لَهَا فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْمَنْسُوقَ بِغَيْرِ حَرْفِ عَطْفٍ يَلْزَمُ ذَلِكَ فِيهِ عُرْفًا فَهُوَ صَحِيحٌ. وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ: (وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ هَذِهِ الْفُرُوعَ بِالْوَاوِ وَالْفَاءِ وَثُمَّ وَصَرَّحَ فِي الْوَاوِ بِأَنَّهَا تَطْلُقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرْطَيْنِ طَلْقَةً إلَى آخِرِ قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَحَصَلَ الدُّخُولُ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَنْفَعُهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: يَنْفَعُهُ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ وَفِي اتِّفَاقِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمِثَالَيْنِ مَعَ دَعْوَاهُ فِي الثَّانِي رَدُّ الِاسْتِثْنَاءِ لِلْفِعْلِ لَا الطَّلَاقِ بِأَنْ يُوَفِّقَ بَيْنَهُمَا بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ جَزَمَ بِجَعْلِ الْفِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ لَمْ يَنْفَعْهُ الِاسْتِثْنَاءُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ لَمْ يَجْزِمْ بِجَعْلِهِ سَبَبًا نَفَعَهُ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ إذْ الْفِعْلُ مِنْ أَسْبَابِ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَمْ يَكِلْهَا لِخِيرَتِهِمْ كَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَالطَّلَاقِ أَوْ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْمِثَالَيْنِ أَوْ اخْتِلَافِهِمَا إنْ اُحْتُمِلَ كَالْمِثَالِ الثَّانِي وَقَامَتْ عَلَيْهِ بِنِيَّةِ أَقْوَالِ الْأَوَّلِ لِلْقَرَافِيِّ وَتَبِعَهُ الْمُقْرِي فِي قَوَاعِدِهِ قَائِلًا وَهُوَ تَفْسِيرٌ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِ الْمَشَارِقَةِ وَقَالَ: لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إنَّهُ سَاقِطٌ لِمُخَالَفَتِهِ فَهْمَ الْأَشْيَاخِ فِي حَمْلِهِمْ الْمَشِيئَةَ عَلَى الْخِلَافِ وَالثَّانِي لِلْأَكْثَرِ مَعَ الْمُقَدِّمَاتِ لِابْنِ رُشْدٍ وَالثَّالِثُ لِلْبَيَانِ لِابْنِ رُشْدٍ وَعَلَى الثَّانِي فَفِي كَوْنِ الْمُرَادِ رُجُوعُهَا لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَ أَوْ مِنْ حَيْثُ التَّعْلِيقُ وَالرَّبْطُ طَرِيقَتَانِ: الطَّرِيقَةُ الْأُولَى لِابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالنَّاصِرِ وَابْنِ الشَّاطِّ وَعَلَيْهَا فَفِي كَوْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ شَرْطًا عَلَى بَابِهِ لِتَقْيِيدِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ نَفْسِهِ أَوْ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ رَافِعٌ لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ قَوْلَانِ الثَّانِي لِابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَقَدْ قَالَ فِيهَا الْحَقُّ عَدَمُ اللُّزُومِ قِيَاسًا عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذَا أَعَادَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْفِعْلِ فَيَكُونُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَبْنِيًّا عَلَى مَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ وَالْمُقَابِلُ مَبْنِيًّا عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ إذَا صَرَفَ الْمَشِيئَةَ إلَى الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ هُوَ إنْ امْتَنَعْت مِنْ الدُّخُولِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا شَيْءَ عَلَيَّ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ هُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ دُخُولِي فَلَا شَيْءَ عَلَيَّ وَقَدْ عُلِمَ فِي السُّنَّةِ أَنَّ كُلَّ وَاقِعٍ فِي الْوُجُودِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَامْتِنَاعُهُ إذًا مِنْ الدُّخُولِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَدُخُولُهُ فِي الثَّانِي بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي الْتَزَمَهُ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِلُزُومِ الطَّلَاقِ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الدُّخُولَ وَعَدَمَهُ وَقَعَ.

[الفرق بين قاعدتي إن ولو الشرطيتين]

لَا يَلْزَمُ التَّشْرِيكُ إلَّا فِي أَصْلِ الْمُرُورِ فَقَطْ وَكَذَلِكَ اشْتَرَيْت هَذَا الثَّوْبَ بِدِرْهَمٍ وَالْفَرَسَ لَا يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ فِي الدِّرْهَمِ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بَلْ فِي أَصْلِ الْفِعْلِ خَاصَّةً وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ التَّشْرِيكَ إنَّمَا يَلْزَمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَصْلِ الشَّرْطِيَّةِ دُونَ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْجَزَاءِ فَالْتِزَامُ التَّشْرِيكِ فِي الْجَمِيعِ الْتِزَامُ مَا لَمْ يَلْزَمْ وَبَقِيَ فِي الْفَاءِ وَثُمَّ مُرَاعَاةُ التَّعْقِيبِ فِي الْفَاءِ وَالتَّرَاخِي فِي ثُمَّ لَمْ أَرَهُمْ تَعَرَّضُوا لَهُ وَقَالُوا: إنْ لَمْ يَقَعْ الثَّانِي عَقِيبَ الْأَوَّلِ فِي صُورَةِ الْفَاءِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ وَلَا إنْ لَمْ يَتَرَاخَ الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ فِي صُورَةٍ ثُمَّ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ وَذَلِكَ هُوَ مُقْتَضَى اللُّغَةِ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدْ يَكُونُونَ لَمْ يَعْتَبِرُوا ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَلْغَتْهُ وَأَمْرُ الْأَيْمَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَوَائِدِ. (الْفَرْقُ الرَّابِعُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ إنْ وَلَوْ الشَّرْطِيَّتَيْنِ) أَنَّ إنْ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ وَلَوْ تَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي تَقُولُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا تُرِيدُ دُخُولًا تَقَدَّمَ بَلْ مُسْتَقْبَلًا وَلَا طَلَاقًا تَقَدَّمَ بَلْ مُسْتَقْبَلًا وَإِنْ وَقَعَ خِلَافُ ذَلِكَ أُوِّلَ وَتَقُولُ فِي لَوْ: لَوْ جِئْتَنِي أَمْسِ أَكْرَمْتُك الْيَوْمَ وَلَوْ جِئْتَنِي أَمْسِ أَكْرَمْتُك أَمْسِ فَالْمُعَلِّقُ وَالْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مَاضِيَانِ وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ فِي إنْ بَلْ إذَا وَقَعَ فِي شَرْطِهَا أَوْ جَوَابِهَا فِعْلٌ مَاضٍ كَانَ مَجَازًا مُؤَوَّلًا بِالْمُسْتَقْبَلِ نَحْوَ إنْ جَاءَ زَيْدٌ أَكْرَمْتُهُ فَهَذَانِ الْفِعْلَانِ الْمَاضِيَانِ مُؤَوَّلَانِ بِمُسْتَقْبَلٍ تَقْدِيرُهُ إنْ يَجِئْ زَيْدٌ أُكْرِمْهُ ثُمَّ أَطْرَزَ الْفَرْقَ بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً غَرِيبَةً جَلِيلَةً. ـــــــــــــــــــــــــــــSوَأَمْرُ الْأَيْمَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَوَائِدِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ إنْ أَكَلْت أَوْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: إنْ أَكَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ الظَّاهِرُ هُنَا تَعَدُّدُ الطَّلَاقِ وَفِي كِلَا الْمِثَالَيْنِ إنْ انْفَرَدَ الْأَكْلُ أَوْ اللِّبْسُ لَزِمَ الطَّلَاقُ وَإِذَا قَالَ: إنْ أَكَلْت وَلَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ إلَّا بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إذَا قَالَ: إنْ أَكَلْت وَإِنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ يَحْتَمِلُ قَصْدَ تَعَدُّدِ الْجَوَابِ وَاخْتَصَرَهُ لَفْظًا فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ طَلَّقَ وَشَكَّ فِي الْعَدَدِ فَيُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ احْتِيَاطًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ إنْ وَلَوْ الشَّرْطِيَّتَيْنِ] قَالَ: شِهَابُ الدِّينِ (الْفَرْقُ الرَّابِعُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ إنْ وَلَوْ الشَّرْطِيَّتَيْنِ أَنَّ إنْ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ وَلَوْ تَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي إلَى قَوْلِهِ، ثُمَّ أَطَرَزَ الْفَرْقَ بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً عَرَبِيَّةً جَلِيلَةً) . قُلْتُ: قَوْلُهُ إنَّ إنْ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي وَلَكِنَّ الْأَكْثَرَ فِيهَا تَعَلُّقُهَا بِالْمُسْتَقْبَلِ وَمَا اخْتَارَهُ يَلْزَمُ مِنْهُ دَعْوَى الْمَجَازِ فِي اسْتِعْمَالِهَا فِي الْمَاضِي وَالْمَجَازُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ تَعَلُّقُهَا بِالْمُسْتَقْبَلِ هُوَ الْأَكْثَرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَاسْتِعْمَالُهَا فِي التَّعَلُّقِ بِالْمَاضِي. وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً فَهُوَ مَجَازٌ عُرْفِيٌّ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهَا لَمْ يَبْلُغْ إلَى هَذَا الْحَدِّ مِنْ أَنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِي التَّعَلُّقِ بِالْمُسْتَقْبَلِ هُوَ السَّابِقُ إلَى فَهْمِ السَّامِعِ فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَفِي الْمَاضِي مَجَازًا عُرْفِيًّا فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ وَإِنْ كَثُرَ فِي بَعْضِ مَدْلُولَاتِهِ وَقَلَّ فِي بَعْضِهَا لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِيمَا كَثُرَ فِيهِ وَمَجَازًا عُرْفِيًّا فِيمَا قَلَّ فِيهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى أَنْ يَكُونَ هُوَ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ وَلَفْظَةُ إنْ لَمْ يَبْلُغْ الْأَمْرُ فِيهَا إلَى هَذَا الْحَدِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ إنَّ لَوْ تَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى خِلَافِ الْمَشِيئَةِ وَهُوَ مُحَالٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ اهـ وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ الرَّهُونِيُّ كَمَا سَتَقِفُ عَلَى كَلَامِهِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَعْنِي كَوْنَ إنْ شَاءَ اللَّهُ شَرْطًا عَلَى بَابِهِ لِتَقْيِيدِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ نَفْسِهِ لِلنَّاصِرِ وَابْنِ الشَّاطِّ قَالَ النَّاصِرُ: إنَّمَا يَتَّضِحُ اعْتِرَاضُ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى ابْنِ الْقَاسِمِ فِي إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إذْ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَنْ أَدْخُلَهَا فَلَا طَلَاقَ فَإِذَا طَلَّقَ عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ كَانَ مُقْتَضِيًا لِوُقُوعِهِ بِدُونِ الْمَشِيئَةِ وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ لَأَدْخُلَنَّ الدَّارَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ عَدَمَ الدُّخُولِ فَإِذَا طَلَّقَ عَلَيْهِ بِعَدَمِ الدُّخُولِ كَانَ مُقْتَضِيًا أَنَّهُ بِدُونِ الْمَشِيئَةِ وَأَمَّا فِي إنْ فَالظَّاهِرُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَعْنَاهُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ دُخُولًا مَقْرُونًا بِالْمَشِيئَةِ فَإِذَا طَلُقَتْ عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ الدُّخُولَ الْمَقْرُونَ بِالْمَشِيئَةِ قَدْ وَقَعَ وَإِنْ لَمْ تَطْلُقْ كَانَ لِانْتِفَاءِ ذَلِكَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الدُّخُولَ وَقَعَ فَالْمَنْفِيُّ إنَّمَا هُوَ الْمَشِيئَةُ وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَذْهَبُ الْقَدَرِيَّةِ أَيْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعَبْدَ خَالِقٌ لِأَفْعَالِهِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ الْحَقُّ اللُّزُومُ فِي قَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِأَنَّهُ إنْ عَادَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ سَبَقَ فِي مَسْأَلَةِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ الصَّحِيحَ لُزُومُ الطَّلَاقِ وَأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَنْفَعُهُ وَهَذَا الْمُعَلَّقُ كَذَلِكَ. وَإِنْ أَعَادَهُ إلَى الْفِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فَمَعْنَاهُ الظَّاهِرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ فَإِذَا فَعَلَهُ فَقَدْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَعَلَيْهِ فَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ وَافَقَهُ وَالْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَرَدَّ الِاسْتِثْنَاءَ إلَى الْفِعْلِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ فَقَدْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فَهُوَ بَارٌّ أَيْضًا لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَشِيئَةِ لِلْفِعْلِ وَلَمْ يَقَعْ الْفِعْلُ فَلَنْ تَتَعَلَّقَ بِهِ الْمَشِيئَةُ وَالْقَائِلُ إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ الطَّلَاقُ وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَدَّ الِاسْتِثْنَاءَ إلَى الْفِعْلِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ فَقَدْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ إلَّا بِمَشِيئَتِهِ وَيَلْزَمُ مُقْتَضَى التَّعْلِيقِ لِوُقُوعِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ اهـ. وَخُلَاصَةُ الْفَرْقِ أَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْيَمِينِ اسْتِثْنَاءٌ رَافِعٌ لَهُ وَقَعَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} [المائدة: 116] فَجَعَلَ الشَّرْطَ وَجَزَاءَهُ مَاضِيَيْنِ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَأَنَّ سُؤَالَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ قَبْلَ أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إنْ أَكُنْ أَقُلْهُ فَأَنْتَ تَعْلَمُهُ فَهُمَا مُسْتَقْبَلَانِ لَا مَاضِيَانِ وَقِيلَ: سُؤَالُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فَيَكُونَانِ مُسْتَقْبَلَيْنِ لَا مَاضِيَيْنِ قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ: يَجِبُ تَأْوِيلُهُمَا بِفِعْلَيْنِ مُسْتَقْبَلَيْنِ تَقْدِيرُهُمَا أَنْ يَثْبُتَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَنِّي قُلْتُهُ فِي الْمَاضِي يَثْبُتُ أَنَّك تَعْلَمُ ذَلِكَ وَكُلُّ شَيْءٍ تَقَرَّرَ فِي الْمَاضِي كَانَ ثُبُوتُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَعْلُومًا فَيَحْسُنُ التَّعْلِيقُ عَلَيْهِ وَيُؤَكِّدُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْآيَةِ نَفْسِهَا قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} [المائدة: 116] فَصِيغَةُ إذْ لِلْمَاضِي وَقَالَ لِلْمَاضِي فَإِذَا أَخْبَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَقَدُّمِ هَذَا الْقَوْلِ فِي زَمَنِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الدُّنْيَا وَالْقَوْلُ الثَّانِي يَتَأَوَّلُ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَيَقُولُ: لَمَّا كَانَ خَبَرُ اللَّهِ تَعَالَى وَاقِعًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَطْعًا صَارَ مِنْ جِهَةِ تَحَقُّقِهِ يُشْبِهُ الْمَاضِيَ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي كَمَا قَالَهُ تَعَالَى {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: 1] يُرِيدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَقْدِيرُهُ يَأْتِي أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَائِدَةٌ جَمِيلَةٌ جَلِيلَةٌ إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الشَّرْطَ وَجَزَاءَهُ لَا يَتَعَلَّقَانِ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ مَعْدُومٍ فَاعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ عَشْرُ حَقَائِقَ: الشَّرْطُ وَجَزَاؤُهُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ. وَالدُّعَاءُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ وَالتَّرَجِّي وَالتَّمَنِّي وَالْإِبَاحَةُ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْعَشَرَةَ لَا تَجِدْ مِنْهَا وَاحِدًا يُتَصَوَّرُ فِي مَاضٍ وَلَا حَاضِرٍ سُؤَالٌ كَانَ يُورِدُهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ فِي «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قِيلَ لَهُ: كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك فَقَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ» فَكَانَ يَقُولُ: قَاعِدَةُ الْعَرَبِ تَقْتَضِي أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ أَخْفَضَ رُتْبَةً مِنْهُ وَأَعْظَمُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ وَهَا هُنَا شَبَّهْنَا عَطِيَّةَ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَطِيَّةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّ صَلَاةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} [المائدة: 116] إلَى قَوْلِهِ وَتَقْدِيرُهُ يَأْتِي أَمْرُ اللَّهِ) قُلْتُ: إذَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي فَلَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى تَأْوِيلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (فَائِدَةٌ جَمِيلَةٌ إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالدُّعَاءَ وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ وَالتَّرَجِّيَ وَالتَّمَنِّيَ وَالْإِبَاحَةَ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ إلَّا مَا قَالَهُ فِي أَنَّ الصَّحِيحَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (سُؤَالٌ كَانَ يُورِدُهُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ فِي «قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا قِيلَ لَهُ: كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك فَقَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ» إلَى آخِرِ السُّؤَالِ) قُلْتُ: هَذَا السُّؤَالُ مَبْنِيٌّ عَلَى مُشَابَهَةِ الْفِعْلِ الْمَطْلُوبِ لِلْفِعْلِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ فَإِنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ: أَعْطِ زَيْدًا كَمَا أَعْطَيْت عَمْرًا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالتَّشْبِيهِ أَصْلَ الْعَطَاءِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِهِ مِنْ الْقَدْرِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ السُّؤَالُ لَكِنَّ رُبَّمَا يَسْأَلُ عَنْ اخْتِصَاصِ إبْرَاهِيمَ فَالْجَوَابُ أَنَّ مُوجِبَ اخْتِصَاصِهِ بِذَلِكَ اخْتِصَاصُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ بِالنُّبُوَّةِ وَالْمُوَافَقَةِ فِي مَعَالِمِ الْمِلَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمْ لَا وَفِي الطَّلَاقِ شَرْطٌ مُقَيَّدٌ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَإِذَا وَقَعَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَقَدْ شَاءَ اللَّهُ وَبِوُقُوعِهِ لَزِمَ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ أَعْنِي رُجُوعَ الْمَشِيئَةِ لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الرَّبْطُ وَالتَّعْلِيقُ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ لِخَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ الْعَلَّامَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَدْ قَالَ مَا تَوْضِيحُهُ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ فِي عِلْمِ الْمِيزَانِ أَنَّ الْإِيجَابَ وَالسَّلْبَ وَالصِّدْقَ وَالْكَذِبَ وَالتَّقْيِيدَ وَالْإِطْلَاقَ إذَا وَقَعَتْ فِي الْقَضِيَّةِ الشَّرْطِيَّةِ انْصَرَفَتْ إلَى الرَّبْطِ وَاللُّزُومِ الَّذِي فِيهَا وَلَا تَنْصَرِفُ إلَى أَطْرَافِهَا وَقَوْلُنَا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَضِيَّةٌ شَرْطِيَّةٌ. وَقَوْلُنَا فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَيْدٌ مِنْ الْقُيُودِ الَّتِي يَجِبُ رَدُّهَا إلَى الرَّبْطِ وَلَا يَصِحُّ رَدُّهُ إلَى الدُّخُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ طَرَفُ قَضِيَّةٍ شَرْطِيَّةٍ وَالطَّرَفُ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ تَقْيِيدٌ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الْأُمُورِ السَّابِقَةِ فَقَوْلُهُمْ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَيْ مِنْ حَيْثُ التَّعْلِيقُ فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى التَّعْلِيقِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالتَّعْلِيقُ الَّذِي بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ لَا يَقْبَلُ الْوُجُودَ فِي الْخَارِجِ وَلَا الْعَدَمَ فِيهِ وَمَا لَا يَقْبَلُهُمَا كَالنَّسَبِ وَالِاعْتِبَارَاتِ وَمِنْ الرَّبْطِ الَّذِي بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَوَابِ فَمَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ لَا تُعْلَمُ وَلَا يُمْكِنُ اطِّلَاعُنَا عَلَيْهَا إذْ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا إنَّمَا هُوَ بِوُجُودِ مُتَعَلِّقِهَا فِي الْخَارِجِ وَمُتَعَلِّقُهَا هُنَا لَا يَقْبَلُ الْوُجُودَ فِي الْخَارِجِ وَلَا الْعَدَمَ فِيهِ أَصْلًا فَبِعَدَمِ قَبُولِهِ لِلْوُجُودِ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ وُجُودَهُ وَبِعَدَمِ قَبُولِهِ لِلْعَدَمِ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ عَدَمَهُ وَإِذَا وَقَعَ الْفِعْلُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ كَالدُّخُولِ وَقَدْ قَيَّدَ جَعْلَهُ سَبَبًا فِي الطَّلَاقِ بِمَشِيئَةِ مَنْ لَا تُعْلَمُ مَشِيئَتُهُ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا إذَا قَيَّدَ ذَلِكَ بِمَشِيئَةِ الْجِنِّ أَوْ الْمَلَكِ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَشِيئَةِ بِلَفْظِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَقَعَ الْخَلَلُ فِي الْعِصْمَةِ بِحُصُولِ الشَّكِّ فِيهَا وَأَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي الْعِصْمَةِ اُعْتُبِرَ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ لَهُ وَأَصْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ الشَّكَّ الْمَذْكُورَ يُلْغَى وَتُسْتَصْحَبُ الْعِصْمَةُ فَابْنُ الْقَاسِمِ يَلْزَمُ الطَّلَاقُ إذَا وَقَعَ الدُّخُولُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَلْزَمُهُ بِنَاءً مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى أَصْلِهِ فَهَذَا تَوْجِيهُ الْمَذْهَبَيْنِ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي مَشِيئَةِ الْجِنِّ وَالْمَلَكِ وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الْفِعْلُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ كَالدُّخُولِ وَقَدْ قَيَّدَ

مَعْنَاهُ الْإِحْسَانُ فَإِنَّ الدُّعَاءَ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ مُحَالٌ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى مَجَازِهِ وَهُوَ الْإِحْسَانُ لِأَنَّ الدُّعَاءَ إحْسَانٌ فَيَكُونُ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ أَوْ لِأَنَّ الْإِحْسَانَ مُتَعَلِّقُ الدُّعَاءِ وَمَطْلُوبُهُ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْمُتَعَلِّقِ عَنْ الْمُتَعَلَّقِ فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ إحْسَانَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمُ مِنْ إحْسَانِهِ لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَتَشْبِيهُهُ بِهِ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ فَمَا وَجْهُ التَّشْبِيهِ وَكَانَ يُجِيبُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ هَذَا السُّؤَالِ فَيَقُولُ: التَّشْبِيهُ وَقَعَ بَيْنَ الْمَجْمُوعَيْنِ مَجْمُوعِ الْمُعْطَى لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِآلِهِ وَمَجْمُوعِ الْمُعْطَى لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَآلِهِ وَآلُ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْبِيَاءٌ وَآلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ فَعَطِيَّةُ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَلِكَ أَعْنِي الْمَجْمُوعَ يُقْسَمُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَيُقْسَمُ الْمَجْمُوعُ الْمُعْطَى لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ فَتَكُونُ الْأَجْزَاءُ الْحَاصِلَةُ لِآلِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَعْظَمَ مِنْ الْأَجْزَاءِ الْحَاصِلَةِ لِآلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ الْفَاضِلُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمَ مِنْ الْفَاضِلِ لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلَ مِنْ إبْرَاهِيمَ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَيَنْدَفِعُ السُّؤَالُ وَكُنَّا نَسْتَعْظِمُ هَذَا الْجَوَابَ وَنَسْتَحْسِنُهُ ثُمَّ بَعْدَ وَفَاتِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَمَّا ظَهَرَتْ لِي هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَهِيَ أَنَّ هَذِهِ (الْعَشَرَةُ حَقَائِقَ) فِي لِسَانِ الْعَرَبِ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمَعْدُومِ الْمُسْتَقْبَلِ ظَهَرَ أَنَّ الْجَوَابَ يَحْسُنُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَأَنَّ جَوَابَ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُسْتَدْرَكٌ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الدُّعَاءَ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الطَّلَبِ وَقَوْلُنَا اللَّهُمَّ صَلِّ دُعَاءٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِعَطِيَّةٍ لَمْ تُعْطَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْدُومَةٍ فَإِنَّ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مُحَالٌ فَالْحَاصِلُ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ طَلَبٌ أَلْبَتَّةَ لِكَوْنِهِ مَوْجُودًا حَاصِلًا وَبِهَذَا الْمَوْجُودُ الْحَاصِلُ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَصَلَ التَّفْضِيلُ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيَكُونُ الْوَاقِعُ قَبْلَ دُعَائِنَا مَوَاهِبَ رَبَّانِيَّةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمْ يُدْرِكْهَا أَحَدٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا وَنَحْنُ نَطْلُبُ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ تَكُونُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ مِثْلَ الْمَوَاهِبِ الْحَاصِلَةِ لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَنَحْنُ لَوْ تَخَيَّلْنَاهَا أَقَلَّ الْمَوَاهِبِ الْحَاصِلَةِ لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ التَّفْضِيلِ لَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَمِثَالُ ذَلِكَ مِنْ الْعَادَاتِ أَنْ يُعْطِيَ الْمَلِكُ لِرَجُلٍ أَلْفَ دِينَارٍ وَيُعْطِيَ لِآخَرَ مِائَةً ثُمَّ نَطْلُبُ نَحْنُ مِنْ الْمَلِكِ أَنْ يَزِيدَ صَاحِبَ الْأَلْفِ عَلَى الْأَلْفِ مِثْلَ مَا أَعْطَى صَاحِبَ الْمِائَةِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ الْحَاصِلُ مَعَ صَاحِبِ الْأَلْفِ أَلْفًا وَمِائَةً وَمَعَ صَاحِبِ الْمِائَةِ مِائَةً وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِعَطِيَّةِ صَاحِبِ الْأَلْفِ فِي أَلْفِهِ بَلْ الْمِائَةُ زِيَادَةٌ عَلَى مَا وَقَعَ بِهِ التَّفْضِيلُ أَوَّلًا كَذَلِكَ هَا هُنَا فَهَذَا جَوَابٌ حَسَنٌ سَدِيدٌ بِنَاءً عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي أَنَّ الدُّعَاءَ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ مَعْدُومٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ التَّعَبِ وَالتَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فَإِنَّهُ جَعَلَ مُتَعَلِّقَ الطَّلَبِ جَمِيعَ مَا حَصَلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَلْزَمُ تَعَلُّقُ الطَّلَبِ بِالْوَاقِعِ وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (وَكَانَ يُجِيبُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ هَذَا السُّؤَالِ فَيَقُولُ: التَّشْبِيهُ وَقَعَ بَيْنَ الْمَجْمُوعَيْنِ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَشِيئَةِ مَنْ تُعْلَمُ مَشِيئَتُهُ كَزَيْدٍ فَإِنَّهُ يَسْأَلُ صَاحِبَ الْمَشِيئَةِ هَلْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهُ سَبَبًا فِي الطَّلَاقِ فَيَقَعُ أَمْ لَا فَلَا يَقَعُ قَالَ الْأَمِيرُ: وَلَا شَيْءَ إنْ لَمْ يَعْلَمْ. وَمِنْهُ الْمَيِّتُ اهـ قَالَ حِجَازِيٌّ كَانَ بَعْدَ الْيَمِينِ أَوْ قَبْلَهُ وَلَوْ عَالِمًا بِمَوْتِهِ عَلَى أَقْوَى الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ شَأْنَهُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَشِيئَةِ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ اهـ. هَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ فَظَهَرَ أَنَّ عَلَى ابْنِ رُشْدٍ فِي كَلَامِهِ السَّابِقِ دَرْكًا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا ظَنُّهُ أَنَّ الشَّرْطَ رَاجِعٌ لِلدُّخُولِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ لِلرَّبْطِ الثَّانِي ظَنُّهُ أَنَّ إنْ شَاءَ لَيْسَ شَرْطًا عَلَى بَابِهِ بَلْ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ أَعْنِي إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ فِي الرَّفْعِ لِحُكْمِ التَّعْلِيقِ كَرَفْعِهِ لِحُكْمِ الْيَمِينِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تَكَلُّفِ إخْرَاجِ إنْ عَنْ بَابِهِ بِلَا دَاعٍ هُوَ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ فَقَوْلُ الرَّهُونِيِّ وَالْحَقُّ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَمَا رَدُّوا بِهِ عَلَيْهِ مِنْ الْأَمْثِلَةِ كُلِّهِ سَاقِطٌ إذْ الشَّرْطُ فِيهَا كُلُّهَا عَلَى بَابِهِ قَطْعًا أَيْ جِيءَ بِهِ التَّقْيِيدُ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ صُورَةِ الْمَفْهُومِ وَأَمَّا الشَّرْطُ فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَلَى بَابِهِ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْمَعْنَى كَالِاسْتِثْنَاءِ كَمَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ وَقَدْ قَالَ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ: الِاسْتِثْنَاءُ كُلُّ مَا كَانَ فِيهِ إنْ مِثْلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلُّ مَا كَانَ فِيهِ إلَّا اهـ. وَهُوَ نَصٌّ فِي أَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ كَالِاسْتِثْنَاءِ الْحَقِيقِيِّ اهـ هُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ كَيْفَ يَكُونُ هُوَ الْحَقَّ مَعَ خُرُوجِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ عَنْ مَدْلُولِهِ وَمَعَ مَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ جَرْيِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَحَاشَ مَنْ هُوَ أَدْنَى مِنْهُ بِمَرَاتِبَ مِنْ ذَلِكَ وَفِي قَوْلِهِ وَمَا رَدُّوا بِهِ عَلَيْهِ إلَخْ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلِ أَنَّ كَوْنَهُ عَلَى بَابِهِ مُمْكِنٌ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فَأَنَّهُ جِيءَ بِهِ لِلتَّقْيِيدِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ صُورَةِ الْمَفْهُومِ بِدَلِيلِ أَنَّ صَاحِبَ الْمَشِيئَةِ لَوْ كَانَ مِمَّنْ تُعْلَمُ مَشِيئَتُهُ لَسُئِلَ هَلْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَ الدُّخُولَ مَثَلًا سَبَبًا لِلطَّلَاقِ فَيَقَعُ أَمْ لَا فَلَا يَقَعُ كَمَا مَرَّ. الثَّانِي إنْ جَعَلَ إنْ شَاءَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ حُمِلَ لَهُ عَلَى غَيْرِ مَدْلُولِهِ لِعَارِضٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَمَا أَشَارَ لَهُ غ فِي تَكْمِيلِهِ فِي رَدِّهِ اعْتِرَاضَ ابْنِ رُشْدٍ الْمَذْكُورَ وَكَلَامُ ابْنِ الْمَوَّازِ يَحْتَمِلُ تَخْصِيصَهُ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِلْقَاعِدَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ فَلَا دَلِيلَ

مُحَالٌ إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ. وَالْجَوَابُ الْحَقُّ هُوَ هَذَا الثَّانِي وَالْعَجَبُ أَنَّا طُولَ أَعْمَارِنَا نَقُولُ: مَا أُمِرْنَا بِهِ وَهُوَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ بِإِبْرَاهِيمَ وَلَا بِغَيْرِهِ وَمَعْلُومٌ مِنْ قَوَاعِدِ الْعَرَبِ أَنَّ الْفِعْلَ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا أَصْلَ الْمُعَنَّى وَأَنَّهُ مُطْلَقٌ لَا عَامٌّ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَصْلَ الْإِحْسَانِ لَيْسَ فِي الرُّتْبَةِ مِثْلَ الْإِحْسَانِ الْمُشَبَّهِ بِإِحْسَانِهِ تَعَالَى لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِذَا كُنَّا نَقْتَصِرُ عَلَى مُطْلَقِ الْإِحْسَانِ مِنْ غَيْرِ إشْكَالٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ حَسَنًا مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ فَأَوْلَى أَنْ يَحْسُنَ مِنَّا طَلَبُ الْإِحْسَانِ الْمُشَبَّهِ بِإِحْسَانٍ حَصَلَ لِعَظِيمٍ مِنْ الْعُظَمَاءِ فَإِنَّهُ أَضْعَافُ أَصْلِ الْإِحْسَانِ وَمَا الْمُحْسِنُ لِطَلَبِنَا مُطْلَقُ الْإِحْسَانِ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ إلَّا أَنَّا نَطْلُبُ الزِّيَادَةَ الَّتِي لَمْ تَكُنْ أُعْطِيت قَبْلَ دُعَائِنَا وَطَلَبُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْإِعْطَاءِ الْعَظِيمِ لَا يُخِلُّ بِصَاحِبِ الْعَطِيَّةِ الْعَظِيمَةِ الَّذِي نَحْنُ نَسْأَلُ لَهُ الزِّيَادَةَ وَالْعَجَبُ مِنْ تَنَبُّهِ الشَّيْخِ لِإِيرَادِ السُّؤَالِ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ وَلَمْ يُدْرِكْ أَنَّهُ يَرِدُ فِي الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ أَوْلَى بِإِيرَادِ السُّؤَالِ فِيهَا إنْ كَانَ صَحِيحًا فَتَأَمَّلْهُ وَتَأَمَّلْ مَا ذَكَرْتُهُ أَنَا فَهُوَ حَسَنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ـــــــــــــــــــــــــــــSوَالْجَوَابُ الْحَقُّ هُوَ هَذَا الثَّانِي) قُلْتُ: عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ التَّشْبِيهَ يَسْتَلْزِمُ الْمُشَابَهَةَ فِي أَوْصَافِهَا فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ إرَادَةِ الْمُشَبَّهِ ذَلِكَ يَكُونُ جَوَابُ عِزِّ الدِّينِ مُسْتَدْرِكًا كَمَا قَالَ: شِهَابُ الدِّينِ وَجَوَابُهُ هُوَ أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (وَالْعَجَبُ أَنَّا طُولَ أَعْمَارِنَا نَقُولُ مَا أَمَرَنَا بِهِ وَهُوَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ بِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا بِغَيْرِهِ إلَى قَوْلِهِ وَأَنَّهُ مُطْلَقٌ لَا عَامٌّ) قُلْتُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مَا أَمَرَنَا إلَّا بِالصَّلَاةِ الْمُشَبَّهَةِ فَإِنَّهَا الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْحَدِيثِ لَا غَيْرِهَا وَمَا قَالَ: مِنْ أَنَّهُ مُطْلَقٌ لَا عَامٌّ صَحِيحٌ. قَالَ: (وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَصْلَ الْإِحْسَانِ لَيْسَ فِي الرُّتْبَةِ مِثْلُ الْإِحْسَانِ الْمُشَبَّهِ بِإِحْسَانِهِ تَعَالَى لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى قَوْلِهِ فَإِنَّهُ إضْعَافُ أَصْلِ الْإِحْسَانِ) . قُلْتُ: مَا قَالَهُ هُنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ مُطْلَقَ الْإِحْسَانِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إحْسَانَ مَا قُيِّدَ إضْعَافًا لَهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ إضْعَافًا لِإِحْسَانٍ مُقَيَّدٍ وَلَيْسَ هَذَا كَلَامُ مِنْ فَهْمِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى وَجْهِهِ وَاَلَّذِي حَمَلَهُ عَلَى هَذَا الْخَطَأِ اسْتِرْوَاحُهُ إلَى قَاعِدَةٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ قَرَّرَهَا بَعْدُ وَهِيَ أَنَّ الْأَعَمَّ يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ عَيْنًا إذَا كَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِالْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَالْمُسْتَلْزِمُ هُوَ الْأَقَلُّ. قَالَ: (وَمَا الْمُحْسِنُ لِطَلَبِنَا مُطْلَقُ الْإِحْسَانِ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ إلَّا أَنَّا نَطْلُبُ الزِّيَادَةَ الَّتِي لَمْ تَكُنْ أُعْطِيت قَبْلَ دُعَائِنَا إلَى قَوْلِهِ الَّذِي نَحْنُ نَسْأَلُ لَهُ الزِّيَادَةَ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ. قَالَ: (وَالْعَجَبُ مِنْ تَنَبُّهِ الشَّيْخُ لَا يُرَادُ السُّؤَالُ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ وَلَمْ يُدْرِكْ أَنَّهُ يَرِدُ فِي الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ أَوْلَى بِإِيرَادِ السُّؤَالِ فِيهَا إنْ كَانَ صَحِيحًا) قُلْتُ: التَّنَبُّهُ لِإِيرَادِ السُّؤَالِ عَلَى الْحَدِيثِ مَبْنِيٌّ عَلَى اسْتِلْزَامِ التَّشْبِيهِ لِلْمُشَابَهَةِ فِي صِفَاتِ الْفِعْلِ وَهُوَ مِمَّا يَسْبِقُ إلَيْهِ الْوَهْمُ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمَّا فِي مُطْلَقِ الصَّلَاةِ وَأَشْبَاهِهَا فَلَا يَسْبِقُ ذَلِكَ فِيهَا إلَى وَهْمِ مَنْ عَرَفَ حَقِيقَةَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ وَإِنَّمَا يَسْبِقُ ذَلِكَ إلَى وَهْمِ مَنْ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُمَا وَلَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا. قَالَ: (وَتَأَمَّلْ مَا ذَكَرْتُهُ فَهُوَ حَسَنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) قُلْتُ: قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَنٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ وَعَلَى النَّاصِرِ فِي كَلَامِهِ السَّابِقِ دَرْكًا مِنْ وَجْهَيْنِ أَيْضًا وَكَذَا ابْنُ الشَّاطِّ الْأَوَّلُ ظَنُّهُ أَنَّ الشَّرْطَ عَلَى بَابِهِ رَاجِعٌ لِلدُّخُولِ لِلرَّبْطِ وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ الثَّانِي ظَنُّهُ أَنَّ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا لَيْسَ لِلتَّقْيِيدِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ صُورَةِ الْمَفْهُومِ بَلْ لِرَفْعِ الْحُكْمِ بِالتَّعْلِيقِ كَمَا فِي الْيَمِينِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِلْقَاعِدَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ وَبِالْجُمْلَةِ فَمَذْهَبَا ابْنِ قَاسِمٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ فِي كَوْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْمِثَالَيْنِ الْمَارَّيْنِ لَا تَنْفَعُهُ أَوْ تَنْفَعُهُ إمَّا أَنْ يُحْمَلَا عَلَى الْوِفَاقِ مُطْلَقًا وَلَوْ احْتَمَلَ الْمِثَالُ رُجُوعَهُ لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَادَّعَاهُ مَعَ الْبِنْيَةِ وَهُوَ مَا لِلْقَرَافِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ أَوْ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيمَا احْتَمَلَ ذَلِكَ وَادَّعَاهُ وَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَتُهُ وَهُوَ مَا فِي الْبَيَانِ لِابْنِ رُشْدٍ أَوْ عَلَى الِاخْتِلَافِ مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مَعَ الْمُقَدِّمَاتِ لِابْنِ رُشْدٍ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ وَعَلَيْهِ فَهَلْ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ رَاجِعٌ لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ نَفْسِهِ وَهُوَ مَا لِابْنِ رُشْدٍ وَاخْتَارَهُ الرَّهُونِيُّ أَوْ هُوَ شَرْطٌ عَلَى بَابِهِ رَاجِعٌ لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَيْضًا وَهُوَ مَا لِلنَّاصِرِ وَابْنِ الشَّاطِّ وَلَا خِلَافَ فِي كَوْنِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ اسْتِثْنَاءً رَافِعًا لِحُكْمِ التَّعْلِيقِ كَمَا فِي الْيَمِينِ أَوْ هُوَ شَرْطٌ عَلَى بَابِهِ قَيْدٌ لِلتَّعْلِيقِ كَإِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَهُوَ مَا لِابْنِ الْمُبَارَكِ وَهُوَ الْحَقُّ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي حَاشِيَةِ كَنُونِ عَلَى حَوَاشِي عبق بِتَوْضِيحٍ وَزِيَادَةٍ وَهُوَ غَايَةُ تَحْقِيقِ الْمَقَامِ فَاحْفَظْهُ قُلْتُ: وَلَا فَرْقَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمُبَارَكِ بَيْنَ صَرْفِ الْمَشِيئَةِ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ لِلدُّخُولِ أَوْ لِلطَّلَاقِ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ بِصَرْفِهَا بِشَيْءٍ وَوَجْهُ الدُّخُولِ فِي كُلِّ ضَرُورَةٍ أَنَّهَا قَيْدٌ يَجِبُ رَدُّهُ لِلرَّبْطِ لَا إلَى طَرَفٍ مِنْ طَرَفَيْ الْقَضِيَّةِ الشَّرْطِيَّةِ فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِلشَّكِّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ عَبْدِ الْمَلِكِ لِإِلْغَاءِ الشَّكِّ. وَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ إلَّا أَنْ أَشَاءَ أَوْ إلَّا أَنْ أَرَى خَيْرًا مِنْهُ أَوْ إلَّا أَنْ يُغَيِّرَ اللَّهُ مَا فِي خَاطِرِي وَنَحْوُ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُ وَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي وَنَحْوَهُ أَوْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فَأَنْتِ طَالِقٌ نَفَعَهُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنِّي لَمْ أُصَمِّمْ عَلَى جَعْلِ دُخُولِ الدَّارِ سَبَبًا لِطَلَاقِك بَلْ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ عَلَى إرَادَتِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ شِئْت جَعَلْت دُخُولَ الدَّارِ سَبَبًا لِوُقُوعِهِ وَإِنْ شِئْت لَمْ أَجْعَلْهُ سَبَبًا فَلِذَا نَفَعَهُ

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَوْله تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان: 27] وَقَاعِدَةُ لَوْ إذَا دَخَلَتْ عَلَى ثُبُوتَيْنِ عَادَا نَفْيَيْنِ أَوْ عَلَى نَفْيَيْنِ عَادَا ثُبُوتَيْنِ أَوْ عَلَى نَفْيٍ وَثُبُوتٍ فَالنَّفْيُ ثُبُوتٌ وَالثُّبُوتُ نَفْيٌ كَقَوْلِنَا لَوْ جَاءَنِي زَيْدٌ لَأَكْرَمْتُهُ فَهُمَا ثُبُوتَانِ فَمَا جَاءَك وَلَا أَكْرَمْتَهُ. وَلَوْ لَمْ يَسْتَدِنْ لَمْ يُطَالَبْ فَهُمَا نَفْيَانِ وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ اسْتَدَانَ وَطُولِبَ وَلَوْ لَمْ يُؤْمِنْ أُرِيقَ دَمُهُ وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ آمَنَ وَلَمْ يُرَقْ دَمُهُ وَبِالْعَكْسِ لَوْ آمَنَ لَمْ يُقْتَلْ تَقْدِيرُهُ لَمْ يُؤْمِنْ فَقُتِلَ. فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ كَلِمَاتُ اللَّهِ تَعَالَى نَفِدَتْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ لَوْ دَخَلَتْ هُنَا عَلَى ثُبُوتٍ أَوَّلًا وَنَفْيٍ أَخِيرًا فَيَكُونُ الثُّبُوتُ الْأَوَّلُ نَفْيًا وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الشَّجَرَ لَيْسَتْ أَقْلَامًا وَيَلْزَمُ أَنَّ النَّفْيَ الْأَخِيرَ ثُبُوتٌ فَتَكُونُ نَفِدَتْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نِعْمَ الْعَبْدُ صُهَيْبٌ لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ» يَقْتَضِي أَنَّهُ خَافَ وَعَصَى مَعَ الْخَوْفِ وَهُوَ أَقْبَحُ فَيَكُونُ ذَلِكَ ذَمًّا لَكِنَّ الْحَدِيثَ سِيقَ لِلْمَدْحِ وَعَادَةُ الْفُضَلَاءِ يَتَوَلَّعُونَ بِالْحَدِيثِ كَثِيرًا أَمَّا الْآيَةُ فَقَلِيلٌ مَنْ يَتَفَطَّنُ لَهَا وَذِكْرُ الْفُضَلَاءِ فِي الْحَدِيثِ أَجْوِبَةٌ أَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فَلَمْ أَرَ لِأَحَدٍ فِيهَا شَيْئًا وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهَا عَلَى مَا قَالُوهُ فِي الْحَدِيثِ غَيْرَ أَنِّي ظَهَرَ لِي جَوَابٌ عَنْ الْجَمِيعِ هُوَ حَسَنٌ سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِي لِأَجْوِبَةِ النَّاسِ لِأَنَّ مَنْ سَبَقَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ أَمَّا أَجْوِبَةُ النَّاسِ فِي الْحَدِيثِ فَقَالَ الْأُسْتَاذُ ابْنُ عُصْفُورٍ: لَوْ فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَى إنْ لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: شِهَابُ الدِّينِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان: 27] وَقَاعِدَةُ لَوْ أَنَّهَا إذَا دَخَلَتْ عَلَى ثُبُوتَيْنِ عَادَا نَفْيَيْنِ أَوْ عَلَى نَفْيَيْنِ عَادَا ثُبُوتَيْنِ أَوْ عَلَى نَفْيٍ وَثُبُوتٍ فَالنَّفْيُ ثُبُوتٌ وَالثُّبُوتُ نَفْيٌ كَقَوْلِنَا لَوْ جَاءَنِي زَيْدٌ لَأَكْرَمْتُهُ فَهُمَا ثُبُوتَانِ فَمَا جَاءَنِي زَيْدٌ وَلَا أَكْرَمْتُهُ وَلَوْ لَمْ يَسْتَدِنْ لَمْ يُطَالَبْ فَهُمَا نَفْيَانِ وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ اسْتَدَانَ وَطُولِبَ وَلَوْ لَمْ يُؤْمِنْ أُرِيقَ دَمُهُ وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ آمَنَ وَلَمْ يُرَقَّ دَمُهُ وَبِالْعَكْسِ لَوْ آمَنَ لَمْ يُقْتَلْ تَقْدِيرُهُ لَمْ يُؤْمِنْ فَقَتَلَ. فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ كَلِمَاتُ اللَّهِ تَعَالَى نَفِدَتْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ لَوْ دَخَلَتْ هُنَا عَلَى ثُبُوتٍ أَوَّلًا وَنَفْيٍ أَخِيرًا فَيَكُونُ الثُّبُوتُ الْأَوَّلُ نَفْيًا. وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الشَّجَرَ لَيْسَتْ أَقْلَامًا وَيَلْزَمُ أَنَّ النَّفْيَ الْأَخِيرَ ثُبُوتٌ فَتَكُونُ نَفِدَتْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نِعْمَ الْعَبْدُ صُهَيْبٌ لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ» يَقْتَضِي أَنَّهُ خَافَ وَعَصَى مَعَ الْخَوْفِ وَهُوَ أَقْبَحُ فَيَكُونُ ذَلِكَ ذَمًّا لَكِنَّ الْحَدِيثَ سِيقَ لِلْمَدْحِ وَعَادَةُ الْفُضَلَاءِ يَتَوَلَّعُونَ بِالْحَدِيثِ كَثِيرًا أَمَّا الْآيَةُ فَقَلِيلٌ مَنْ يَتَفَطَّنُ لَهَا) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ لَوْ إنَّمَا هِيَ فِي اللُّغَةِ لِمُجَرَّدِ الرَّبْطِ خَاصَّةً وَمَا تَوَهَّمَ هُوَ وَغَيْرُهُ فِيهَا إنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ فَإِنْ قِيلَ بِهِ صَحَّ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ: (وَذَكَرَ الْفُضَلَاءُ فِي الْحَدِيثِ أَجْوِبَةٍ أَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فَلَمْ أَرَ لِأَحَدٍ فِيهَا شَيْئًا وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهَا عَلَى مَا قَالُوهُ فِي الْحَدِيثِ غَيْرَ أَنِّي ظَهَرَ لِي جَوَابٌ عَنْ الْجَمِيعِ هُوَ حَسَنٌ سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِي لِأَجْوِبَةِ النَّاسِ لِأَنَّ مَنْ سَبَقَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ أَمَّا أَجْوِبَةُ النَّاسِ فِي الْحَدِيثِ فَقَالَ: الْأُسْتَاذُ ابْنُ عُصْفُورٍ لَوْ فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَى إنْ لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الدُّخُولِ دُونَ الطَّلَاقِ لِمَا مَرَّ فِي قَاعِدَةِ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ أَنَّهُ سَبَبٌ وُكِّلَ إلَى إرَادَتِهِ وَكُلُّ سَبَبٍ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ سَبَبًا إلَّا بِتَصْمِيمِهِ عَلَى جَعْلِهِ سَبَبًا بِخِلَافِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ كَالطَّلَاقِ فَافْهَمْ وَقَدْ شَبَّهَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي مَجْمُوعِهِ الْعِتْقَ وَالنَّذْرَ بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَقَالَ: وَنُجِّزَ أَيْ الطَّلَاقُ إنْ أَتَى بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَلَوْ لِمُعَلَّقٍ عَلَيْهِ كَمَشِيئَتِهِ إلَّا أَنْ يُعَلِّقَ عَلَيْهَا أَوْ يَسْتَثْنِيَ بِهَا مِنْ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَقَطْ كَإِلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي وَمَشِيئَةُ الْغَيْرِ مُطْلَقًا أَيْ عَلَّقَ عَلَيْهَا وَاسْتَثْنَى بِهَا أَوْ رَجَعَهَا لِلْمُعَلَّقِ أَوْ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ كَالْعِتْقِ وَالنَّذْرِ اهـ قَالَ حِجَازِيٌّ أَيْ: يُنَجَّزُ إنْ أَتَى بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَلَوْ لِمُعَلَّقٍ عَلَيْهِ كَمَشِيئَتِهِ إلَخْ فَهُوَ تَشْبِيهٌ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ اهـ. وَقَوْلُ صَاحِبِ الْجَلَّابِ فِي قَوْلِهِ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَعَلَى الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ إنْ أَعَادَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى كَلَامِ زَيْدٍ نَفَعَهُ وَعَلَى الْحَجِّ لَمْ يَنْفَعْهُ اهـ. وَإِنْ قَالَ الْقَرَافِيُّ: مَعْنَاهُ أَنِّي لَمْ أَجْزِمْ بِجَعْلِ كَلَامِ زَيْدٍ سَبَبًا لِلُزُومِ الْحَجِّ بَلْ ذَلِكَ مَوْكُولٌ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ سَبَبًا فَلَا يَلْزَمُ الْحَجُّ بِكَلَامِهِ فَإِذَا أَعَادَهُ عَلَى الْحَجِّ فَقَدْ جَزَمَ بِسَبَبِيَّةِ كَلَامِ زَيْدٍ فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ وَالِاسْتِثْنَاءُ لَا يَكُونُ رَافِعًا كَمَا تَقَدَّمَ اهـ إلَّا أَنَّ ابْنَ الشَّاطِّ قَالَ: إنَّ قَوْلَهُ بَلْ ذَلِكَ مَوْكُولٌ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ سَبَبًا فَلَا يَلْزَمُ الْحَجُّ بِكَلَامِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّ قَوْلَهُ إنْ كُنْت كَلَّمْت زَيْدًا فَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَجِّ إنْ قَالَ عَقِبَهُ: إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ كَمَا سَبَقَ وَإِنْ قَالَ عَقِبَهُ: إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ هُنَا حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى رَدِّ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى جَعْلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ سَبَبًا اهـ. يَعْنِي أَنَّ كَلَامَ صَاحِبِ الْجَلَّابِ الَّذِي وَجَّهَهُ الْقَرَافِيُّ بِمَا ذَكَرَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ الْمَلِكِ خِلَافُ الصَّحِيحِ لِأَنَّ مُقْتَضَى عَدَمِ لُزُومِ الْحَجِّ عِنْدَ عَوْدِ الْمَشِيئَةِ لِكَلَامِ زَيْدٍ وَقَدْ وَقَعَ أَنَّ وُقُوعَهُ عَلَى خِلَافِ الْمَشِيئَةِ وَهُوَ بِعَيْنِهِ مَذْهَبُ الْقَدَرِيَّةِ وَالصَّحِيحُ اللُّزُومُ مُطْلَقًا وَلَوْ عَادَتْ الْمَشِيئَةُ لِكَلَامِ زَيْدٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ إذْ بِوُقُوعِ كَلَامِ زَيْدٍ صَارَ مَقْرُونًا بِالْمَشِيئَةِ إذْ قَدْ عُلِمَ فِي السُّنَّةِ أَنَّ كُلَّ وَاقِعٍ فِي الْوُجُودِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِتَحَقُّقِ وُقُوعِ الْكَلَامِ الْمَقْرُون بِالْمَشِيئَةِ تَحَقَّقَ وُقُوعُ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ لُزُومُ الْحَجِّ فَيَلْزَمُ فَكَلَامُ ابْنِ الشَّاطِّ هَذَا

وَأَنَّ لَا يَكُونَ نَفْيُهَا ثُبُوتًا وَلَا ثُبُوتُهَا نَفْيًا فَيَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ وَقَالَ شَمْسُ الدِّينِ الْخُسْرَوْ َشَاهِيّ: إنَّ لَوْ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ وَإِنَّمَا اُشْتُهِرَتْ فِي الْعُرْفِ فِي انْقِلَابِ ثُبُوتِهَا نَفْيًا وَبِالْعَكْسِ وَالْحَدِيثُ إنَّمَا وَرَدَ بِمَعْنَى اللَّفْظِ فِي اللُّغَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الشَّيْءُ الْوَاحِدُ قَدْ يَكُونُ لَهُ سَبَبٌ وَاحِدٌ فَيَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَائِهِ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ سَبَبَانِ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ أَحَدِهِمَا عَدَمُهُ لِأَنَّ السَّبَبَ الثَّانِيَ يَخْلُفُهُ السَّبَبُ الْأَوَّلُ كَقَوْلِنَا فِي زَوْجٍ هُوَ ابْنُ عَمٍّ لَوْ لَمْ يَكُنْ زَوْجًا لَوَرِثَ أَيْ بِالتَّعْصِيبِ فَإِنَّهُمَا سَبَبَانِ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ أَحَدِهِمَا عَدَمُ الْآخَرِ وَكَذَلِكَ هَا هُنَا النَّاسُ فِي الْغَالِبِ إنَّمَا لَمْ لَمْ يَعْصُوا لِأَجْلِ الْخَوْفِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ عَنْهُمْ عَصَوْا لِاتِّحَادِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِمْ فَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ صُهَيْبًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اجْتَمَعَ فِي حَقِّهِ سَبَبَانِ يَمْنَعَانِهِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ الْخَوْفُ وَالْإِجْلَالُ فَلَوْ انْتَفَى الْخَوْفُ فِي حَقِّهِ لَانْتَفَى الْعِصْيَانُ لِلسَّبَبِ الْآخَرِ وَهُوَ الْإِجْلَالُ وَهَذَا مَدْحٌ عَظِيمٌ جَلِيلٌ لِصُهَيْبٍ وَكَلَامٌ حَسَنٌ. وَأَجَابَ غَيْرُهُمْ بِأَنَّ الْجَوَابَ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ عَصَمَهُ اللَّهُ وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ لَمْ يَعْصِهِ وَهَذِهِ الْأَجْوِبَةُ تَأْتِي فِي الْآيَةِ غَيْرَ الثَّالِثِ فَإِنَّ عَدَمَ نَفَادِ كَلِمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهَا غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ أَمْرٌ ثَابِتٌ لَهَا لِذَاتِهَا وَمَا بِالذَّاتِ لَا يُعَلَّلُ بِالْأَسْبَابِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ هَذَا كَلَامُ الْفُضَلَاءِ الَّذِي اتَّصَلَ بِي وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ لَوْ أَصْلُهَا أَنْ تُسْتَعْمَلَ لِلرَّبْطِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ إنَّهَا أَيْضًا تُسْتَعْمَلُ لِقَطْعِ الرَّبْطِ فَتَكُونُ جَوَابًا لِسُؤَالٍ مُحَقَّقٍ أَوْ مُتَوَهَّمٍ وَقَعَ فِيهِ رَبْطٌ فَتَقْطَعُهُ أَنْتَ لِاعْتِقَادِك بُطْلَانَ ذَلِكَ الرَّبْطِ كَمَا لَوْ قَالَ الْقَائِلُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ زَيْدٌ زَوْجًا لَمْ يَرِثْ فَتَقُولُ لَهُ أَنْتَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ زَوْجًا لَمْ يَحْرُمْ تُرِيدُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الرَّبْطِ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَأَنْ لَا يَكُونَ نَفْيُهَا ثُبُوتًا وَلَا ثُبُوتُهَا نَفْيًا فَيَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ وَقَالَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ الْخُسْرَوْ شَاهْ أَنَّ لَوْ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ وَإِنَّمَا اشْتَهَرَتْ فِي الْعُرْفِ فِي انْقِلَابِ ثُبُوتِهَا نَفْيًا وَبِالْعَكْسِ وَالْحَدِيثُ إنَّمَا وَرَدَ بِمَعْنَى اللَّفْظِ فِي اللُّغَةِ وَقَالَ: الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الشَّيْءُ الْوَاحِدُ قَدْ يَكُونُ لَهُ سَبَبٌ وَاحِدٌ فَيَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَائِهِ. وَقَدْ يَكُونُ لَهُ سَبَبَانِ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ أَحَدِهِمَا عَدَمُهُ لِأَنَّ السَّبَبَ الثَّانِي يَخْلُفُ السَّبَبَ الْأَوَّلَ كَقَوْلِنَا فِي زَوْجٍ هُوَ ابْنُ عَمٍّ لَوْ لَمْ يَكُنْ زَوْجًا لَوَرِثَ أَيْ بِالتَّعْصِيبِ فَإِنَّهُمَا سَبَبَانِ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ أَحَدِهِمَا عَدَمُ الْآخَرِ وَكَذَلِكَ هُنَا النَّاسُ فِي الْغَالِبِ إنَّمَا لَمْ يَعْصُوا لِأَجْلِ الْخَوْفِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ عَنْهُمْ عَصَوْا لِاتِّحَادِ السَّبَبِ فِي حَقِّهِمْ فَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ صُهَيْبًا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ سَبَبَانِ يَمْنَعَانِهِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ الْخَوْفُ وَالْإِجْلَالُ فَلَوْ انْتَفَى الْخَوْفُ فِي حَقِّهِ لَانْتَفَى الْعِصْيَانُ لِلسَّبَبِ الْآخَرِ وَهُوَ الْإِجْلَالُ وَهَذَا مَدْحٌ كَبِيرٌ وَكَلَامٌ حَسَنٌ. وَأَجَابَ غَيْرُهُمْ بِأَنَّ الْجَوَابَ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ عَصَمَهُ اللَّهُ وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ لَمْ يَعْصِهِ وَهَذِهِ الْأَجْوِبَةُ تَأْتِي فِي الْآيَةِ غَيْرَ الثَّالِثِ فَإِنَّ عَدَمَ نَفَادِ كَلِمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهَا غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ أَمْرٌ ثَابِتٌ لَهَا لِذَاتِهَا وَمَا بِالذَّاتِ لَا يُعَلَّلُ بِالْأَسْبَابِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ هَذَا كَلَامُ الْفُضَلَاءِ الَّذِي اتَّصَلَ بِي وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ لَوْ أَصْلُهَا إنْ تُسْتَعْمَلُ لِلرَّبْطِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ إنَّهَا أَيْضًا تُسْتَعْمَلُ لِقَطْعِ الرَّبْطِ فَتَكُونُ جَوَابًا لِسُؤَالٍ مُحَقَّقٍ أَوْ مُتَوَهَّمٍ وَقَعَ فِيهِ رَبْطٌ فَتَقْطَعُهُ أَنْتَ لِاعْتِقَادِك بُطْلَانَ ذَلِكَ الرَّبْطِ كَمَا لَوْ قَالَ: الْقَائِلُ لَوْ لَمْ يَكُنْ زَيْدٌ زَوْجًا لَمْ يَرِثْ فَتَقُولُ: أَنْتَ لَوْ لَمْ يَكُنْ زَوْجًا لَمْ يَحْرُمْ تُرِيدُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الرَّبْطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَا كَلَامُ الْأَمِيرِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ شَرْطٌ عَلَى بَابِهِ لِتَقْيِيدِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ نَفْسِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ وَمَذْهَبُ النَّاصِرِ قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْمُبَارَكِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ كَذَلِكَ يَأْتِي فِي النَّذْرِ وَالْعِتْقِ لِأَنَّ جَعْلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ شَرْطًا عَلَى بَابِهِ لِتَقْيِيدِ التَّعْلِيقِ يَقْتَضِي وُقُوعَ الشَّكِّ فِي الْعِتْقِ وَالنَّذْرِ كَمَا عَلِمْت وَفِي اعْتِبَارِ الشَّكِّ فِيهِمَا كَالطَّلَاقِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَا يُلْغَى بَلْ يُقْتَضَى لُزُومُهُمَا أَمَّا الْعِتْقُ فَلِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْحُرِّيَّةِ وَلَمْ يُنْظَرْ وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْفُرُوجِ كَمَا فِي شَرْحِ الْأَمِيرِ عَلَى مَجْمُوعِهِ وَعِتْقٍ وَأَمَّا النَّذْرُ فَكَذَلِكَ عَلَى الظَّاهِرِ لِكَوْنِهِ قُرْبَةً أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ إلْغَائِهِ فِيهَا كَالطَّلَاقِ فَلَا يُحْكَمُ بِوَاحِدٍ فِيهَا لِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ خِلَافٍ نَعَمْ جَرَيَانُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ بِإِلْغَاءِ الشَّكِّ وَإِنْ ظَهَرَ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ لَا يَظْهَرُ فِي الطَّلَاقِ لِأَنَّ الشَّكَّ فِيهِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ كَمَا فِي الْبَيَانِ لِابْنِ رُشْدٍ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: ذُو الشَّكِّ فِي الْحِنْثِ بِلَا مُسْتَنَدٍ ... لَا أَمْرَ لَا جَبْرَ اتِّفَاقًا قَيْدٌ لَا جَبْرَ بَلْ يُؤْمَرُ مَنْ سَيَسْتَنِدُ ... بِالِاتِّفَاقِ قَالَ مَنْ يَعْتَمِدُ مِنْ شَكٍّ فِي الْحِنْثِ وَفِي أَنْ حَلَفَا ... لَا جَبْرَ بَلْ فِي أَمْرِ هَذَا اُخْتُلِفَا ثُمَّ الَّذِي فِي جَبْرِهِ يُخْتَلَفُ ... ذُو الْمَشْيِ وَالْعَدَدِ وَالْحَيْضِ اعْرِفُوا ذُو الشَّكِّ فِي الزَّوْجَةِ فِعْلُ أَمْسِ ... بِالِاتِّفَاقِ أَجْبَرَهُ دُونَ لُبْسِ وَصُورَةُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ لَا يَفْعَلَ فِعْلًا ثُمَّ يَقُولُ لَعَلَّهُ قَدْ فَعَلَهُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ يُوجِبُ عَلَيْهِ الشَّكَّ فِي ذَلِكَ، وَصُورَةُ الْوَجْهِ الثَّانِي أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ ثُمَّ يَشُكُّ هَلْ حَنِثَ أَمْ لَا لِسَبَبٍ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الشَّكَّ، وَصُورَةُ الْوَجْهِ الثَّالِثِ أَنْ يَشُكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا وَهَلْ حَلَفَ وَحَنِثَ أَوْ لَمْ يَحْلِفْ لِسَبَبٍ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الشَّكَّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُؤْمَرُ بِالطَّلَاقِ. وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا يُؤْمَرُ بِهِ، وَصُورَةُ الْوَجْهِ الرَّابِعِ أَنْ يُطَلِّقَ فَلَا يَدْرِي إنْ كَانَ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ يَحْلِفَ وَيَحْنَثُ وَلَا يَدْرِي إنْ كَانَ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ بِمَشْيٍ أَوْ يَقُولُ: امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ كَانَتْ فُلَانَةُ حَائِضًا فَتَقُولُ: لَسْت بِحَائِضٍ أَوْ إنْ كَانَ

[المسألة الثامنة أنت طالق إن كلمت زيدا إن دخلت الدار]

بَيْنَ عَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ وَعَدَمِ الْإِرْثِ لَيْسَ بِحَقٍّ فَمَقْصُودُك قَطْعُ رَبْطِ كَلَامِهِ لَا ارْتِبَاطُ كَلَامِك وَتَقُولُ لَوْ لَمْ يَكُنْ زَيْدٌ عَالِمًا لَأَكْرَمَ أَيْ لِشَجَاعَتِهِ جَوَابًا لِسُؤَالِ سَائِلٍ تَتَوَهَّمُهُ أَوْ سَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ: إنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لَمْ يُكْرَمْ فَيَرْبِطُ بَيْنَ عَدَمِ الْعِلْمِ وَعَدَمِ الْإِكْرَامِ فَتَقْطَعُ أَنْتَ ذَلِكَ الرَّبْطَ وَلَيْسَ مَقْصُودُك أَنْ تَرْبِطَ بَيْنَ عَدَمِ الْعِلْمِ وَالْإِكْرَامِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُنَاسِبٍ وَلَا مِنْ أَغْرَاضِ الْعُقَلَاءِ وَلَا يُتَّجَهُ كَلَامُك إلَّا عَلَى عَدَمِ الرَّبْطِ كَذَلِكَ الْحَدِيثُ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَرْتَبِطَ عِصْيَانُهُمْ بِعَدَمِ خَوْفِهِمْ وَأَنَّ ذَلِكَ فِي الْأَوْهَامِ قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُنَا الرَّبْطَ وَقَالَ: «لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ» وَكَذَلِكَ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الْأَوْهَامِ أَنَّ الشَّجَرَ كُلَّهَا إذَا صَارَتْ أَقْلَامًا وَالْبَحْرَ الْمَالِحَ مَعَ غَيْرِهِ مِدَادًا يُكْتَبُ بِهِ يَقُولُ الْوَهْمُ مَا يُكْتَبُ بِهَذَا شَيْءٌ إلَّا نَفِدَ وَمَا عَسَاهُ أَنْ يَكُونَ قَطْعُ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا الرَّبْطَ وَقَالَ مَا نَفِدَتْ وَهَذَا الْجَوَابُ أَصْلَحُ مِنْ الْأَجْوِبَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا شُمُولُهُ لِهَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ وَبَعْضُهَا لَمْ يَشْمَلْ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَثَانِيهمَا أَنَّ لَوْ بِمَعْنَى أَنَّ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَمُخَالِفٌ لِلْعُرْفِ وَادِّعَاءُ النَّقْلِ خِلَافُ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ وَحَذْفُ الْجَوَابِ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ الْجَوَابِ لَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْعُرْفِ فَإِنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَسْتَعْمِلُونَ مَا ذَكَرْتُهُ وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــSبَيْنَ عَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ وَعَدَمِ الْإِرْثِ لَيْسَ بِحَقٍّ فَمَقْصُودُك قَطْعُ رَبْطِ كَلَامِهِ كَذَلِكَ الْحَدِيثُ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَرْتَبِطَ عِصْيَانُهُمْ بِعَدَمِ خَوْفِهِمْ وَأَنَّ ذَلِكَ فِي الْأَوْهَامِ قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الرَّبْطَ وَقَالَ: «لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ» وَكَذَلِكَ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الْأَوْهَامِ أَنَّ الشَّجَرَ كُلَّهَا إذَا صَارَتْ أَقْلَامًا وَالْبَحْرَ الْمَالِحَ مَعَ غَيْرِهِ مِدَادًا يُكْتَبُ بِهِ يَقُولُ الْوَهْمُ مَا يُكْتَبُ بِهَذَا شَيْءٌ إلَّا نَفِدَ وَمَا عَسَاهُ أَنْ يَكُونَ قَطَعَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الرَّبْطَ وَقَالَ: مَا نَفِدَتْ) . قُلْتُ: جَوَابُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ عُصْفُورٍ يَقْتَضِي أَنَّهَا مَجَازٌ فِي الْحَدِيثِ وَالْمَجَازُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا يُدَّعَى إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَأَمَّا جَوَابُ شَمْسِ الدِّينِ فَهُوَ الصَّحِيحُ غَيْرَ قَوْلِهِ إنَّمَا اشْتَهَرَتْ فِي الْعُرْفِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْعُرْفَ الَّذِي ادَّعَاهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ اللُّغَةِ وَلَا عَنْ الشَّرْعِ فَهُوَ عُرْفٌ لِغَيْرِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلِغَيْرِ أَهْلِ الشَّرْعِ وَلَا حُجَّةَ فِي عُرْفِ غَيْرِهِمَا وَلَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي مِثْلِ هَذَا. وَأَمَّا جَوَابُ عِزِّ الدِّينِ فَغَايَتُهُ إنْ أَبْدَى وَجْهًا لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ وَارْتِفَاعِ تَوَهُّمِ ذَلِكَ الْمَفْهُومِ وَأَمَّا جَوَابُ مَنْ قَالَ بِحَذْفِ الْجَوَابِ فَحَذْفُ الْمَحْذُوفِ لَا يَثْبُتُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا وَأَمَّا جَوَابُهُ هُوَ فَمُحْوِجٌ إلَى تَكَلُّفِ سَبْقِ كَلَامٍ يَكُونُ هَذَا جَوَابًا لَهُ وَتَقْدِيرُ ذَلِكَ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ فِي الْآيَةِ أَمَّا سَبْقُ كَلَامٍ يَكُونُ هَذَا جَوَابًا لَهُ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَزَلِ مَنْ يَكُونُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى جَوَابًا لَهُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى جَوَابًا لَهُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى تَقْدِيرِ سَبْقِ كَلَامٍ فَإِنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ إنَّمَا مَعْنَاهُ احْتِمَالُ سَبْقِ كَلَامِ اللَّهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ مِثْلِ هَذَا الِاحْتِمَالِ إذْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ الْعَالِمُ بِمَا كَانَ وَبِمَا يَكُونُ وَبِمَا لَمْ يَكُنْ وَلَا يَكُونُ فَإِنْ قِيلَ: جَازَ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ مِنْ تَوَهُّمِ مَنْ يَسْمَعُ وَالْآيَةُ كَذَلِكَ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ تَكَلُّفٌ يُغْنِي عَنْهُ أَنَّهَا لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ. قَالَ: (وَهَذَا الْجَوَابُ أَصْلَحُ مِنْ الْأَجْوِبَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ إلَى آخَرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَصْلَحَ وَفِيهِ دَعْوَى سَبْقِ كَلَامٍ يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفُلَانٌ يَبْغُضُنِي فَيَقُولُ: أَنَا أُحِبُّك وَيَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَّقَهُ وَلَا يَدْرِي حَقِيقَةَ ذَلِكَ وَالْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمِنْ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَفِي الثَّانِيَةِ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ، وَصُورَةُ الْوَجْهِ الْخَامِسِ أَنْ يَقُولَ: امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ كَانَ أَمْسِ كَذَا وَكَذَا لِشَيْءٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَأَنْ لَا يَكُونَ وَلَا طَرِيقَ إلَى اسْتِعْلَامِهِ وَأَنْ يَشُكَّ فِي أَيِّ امْرَأَةٍ مِنْ امْرَأَتَيْهِ طَلَّقَ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى فِرَاقِهِمَا جَمِيعًا وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَالشَّكُّ فِي مَسْأَلَتِنَا مِنْ قَبِيلِ هَذَا الْوَجْهِ الْخَامِسِ كَمَا لَا يَخْفَى فَانْظُرْ كَيْفَ يَتَأَتَّى فِيهِ جَرَيَانُ أَصْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ إلْغَاءِ الشَّكِّ وَاسْتِصْحَابِ الْعِصْمَةِ مَعَ حِكَايَةِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ الِاتِّفَاقَ فِيهِ عَلَى الْجَبْرِ عَلَى الطَّلَاقِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ بِإِنْصَافٍ وَحَرِّرْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) لِتَعَدُّدِ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ مَعَ اتِّحَادِ الْجَوَابِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ تَعَدُّدُهُ كَذَلِكَ بِدُونِ عَطْفٍ مَعَ تَكَرُّرِ حَرْفِ الشَّرْطِ وَيُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ تَعْلِيقَ التَّعْلِيقِ وَالنُّحَاةُ اعْتِرَاضَ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ وَقَدْ أُفْرِدَ بِالتَّأْلِيفِ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَهُوَ يَحْتَمِلُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنْ يُجْعَلَ الْجَوَابُ لَهُمَا مَعًا وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ اجْتِمَاعِ عَامِلَيْنِ عَلَى مَعْمُولٍ وَاحِدٍ، الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ لَا يُجْعَلَ جَوَابًا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِمَا لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْكَلَامِ وَتَرْكِ مَا لَهُ دَخْلٌ وَهُوَ عَبَثٌ، الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنْ يُجْعَلَ جَوَابًا لِلثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي وَجَوَابُهُ جَوَابًا لِلْأَوَّلِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ الْإِتْيَانُ بِالْفَاءِ الرَّابِطَةِ وَلَا فَاءَ، الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَهُوَ الْمُتَعَيِّنُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا لِلْأَوَّلِ وَهُوَ وَجَوَابُهُ دَلِيلُ جَوَابِ الثَّانِي وَهُوَ رَأْيُ الْفَرَّاءِ وَاقْتَصَرَ فِي الْمُغْنِي وَابْنُ مَالِكٍ فِي التَّسْهِيلِ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ النَّحْوِيُّ فِي حَوَاشِي الْأَلْفِيَّةِ عَنْ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ سَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَطْلُقُ إلَّا بِوُقُوعِ الشَّرْطَيْنِ مَرَّتَيْنِ كَتَرْتِيبِهِمَا فِي الذِّكْرِ وَقِيلَ بِشَرْطِ انْعِكَاسِ التَّرْتِيبِ وَقِيلَ: تَطْلُقُ بِهِمَا مُطْلَقًا وَقِيلَ بِوُقُوعِ أَيِّ شَرْطٍ كَانَ وَاخْتَارَ الْفَرَّاءُ الثَّانِيَ وَوَجَّهَهُ بِالْوَجْهِ

يَفْهَمُونَ غَيْرَهُ فِي تِلْكَ الْمَوَارِدِ وَيَعُمُّ هَذَا الْجَوَابُ الْوَاجِبَ لِذَاتِهِ كَصِفَاتِ اللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَالْمُمْكِنُ الْقَابِلُ لِلتَّعْلِيلِ كَطَاعَةِ صُهَيْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّ النُّحَاةَ وَالْأُصُولِيِّينَ قَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ إنْ لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا إلَّا مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا نَقُولُ: إنْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَأْتِينِي بَلْ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَإِذَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا الْمَشْكُوكُ وَالْمَعْلُومُ فَتَقُولُ: إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنْ يَتَعَذَّرَ وُرُودُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مُضَافَةً إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ مَعَ أَنَّهَا وَرَدَتْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ - وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: 114 - 23] وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ التَّعْلِيقَاتِ وَهُوَ كَثِيرٌ جِدًّا مَعَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى إنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ خِطَابٌ مَعَ أَهْلِ الْكُفْرِ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ أَنَّهُمْ فِي رَيْبٍ وَهُمْ يَعْلَمُونَ وَيَجْزِمُونَ أَنَّهُمْ فِي رَيْبٍ وَمَعَ ذَلِكَ فَالتَّعْلِيقُ حَسَنٌ. وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ أَنَّ الْخَصَائِصَ الْإِلَهِيَّةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْأَوْضَاعِ الْعَرَبِيَّةِ بَلْ الْأَوْضَاعُ الْعَرَبِيَّةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى خَصَائِصِ الْخَلْقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَ الْقُرْآنَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ وَعَلَى مِنْوَالِهِمْ فَكُلُّ مَا كَانَ فِي عَادَةِ الْعَرَبِ حَسَنًا أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ أَوْ قَبِيحًا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ لَمْ يَنْزِلْ فِي الْقُرْآنِ تَوْفِيَةً بِكَوْنِ الْقُرْآنِ عَرَبِيًّا وَتَحْقِيقًا لِذَلِكَ فَيَكُونُ الضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ مَا شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَادَةِ مَشْكُوكًا فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ حَسُنَ تَعْلِيقُهُ بِإِنْ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ قِبَلِ غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَعْلُومًا لِلْمُتَكَلِّمِ أَوْ لِلسَّامِعِ أَوْ لَا وَلِذَلِكَ يَحْسُنُ مِنْ الْوَاحِدِ مِنَّا أَنْ يَقُولَ: إنْ كَانَ زَيْدٌ فِي الدَّارِ فَأَكْرِمْهُ مَعَ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ فِي الدَّارِ لِأَنَّ حُصُولَ زَيْدٍ فِي الدَّارِ شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَادَةِ مَشْكُوكًا فِيهِ فَهَذَا هُوَ الضَّابِطُ لِمَا يُعَلَّقُ عَلَى إنْ، فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ مَا يَرِدُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ وَبَيْنَ مَا يَرِدُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ فَإِنْ قُلْت: فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَصِحَّ قَوْلُنَا أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ نِصْفَ الْعَشَرَةِ فَالْعَشَرَةُ اثْنَانِ وَإِنْ يَكُنْ نِصْفَ الْخَمْسَةِ فَالْخَمْسَةُ زَوْجٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا يُشَكُّ فِيهَا عَادَةً بَلْ تُقْطَعُ بِأَنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ وَلَا يَكُونُ نِصْفَ الْخَمْسَةِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ عَرَبِيٌّ وَمُلَازَمَتُهُ صَحِيحَةٌ وَمَعْنًى مُعْتَبَرٌ قُلْت: كَوْنُ الْوَاحِدِ نِصْفَ الْعَشَرَةِ أَمْرٌ لَيْسَ فِي الْوَاقِعِ بَلْ أَمْرُ يَفْرِضُهُ الْعَقْلُ وَيُقَدِّرُهُ الْوَهْمُ وَمَعْنَاهُ مَتَى فُرِضَ الْوَاحِدُ نِصْفَ الْعَشَرَةِ أَوْ نِصْفَ الْخَمْسَةِ كَانَ اللَّازِمُ عَلَى هَذَا الْفَرْضِ الْمُحَالِ هَذَا اللَّازِمُ الْمُحَالُ فَإِنَّ فَرْضَ الْمُحَالِ وَاقِعٌ جَائِزٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَهُ الْمُحَالُ وَإِذَا كَانَ التَّعْلِيقُ إنَّمَا هُوَ عَلَى أَمْرٍ مَفْرُوضٍ وَالْفَرْضُ وَالتَّقْدِيرُ لَيْسَ أَمْرًا لَازِمًا فِي الْوَاقِعِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ وَأَنْ لَا يَقَعَ فَصَارَ مِنْ قَبِيلِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ حَسُنَ تَعْلِيقُهُ بِإِنْ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ فَإِنَّهَا فِي بَادِئِ الرَّأْيِ مُشْكِلَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSهَذَا جَوَابًا لَهُ أَوْ تَقْدِيرَ سَبْقِ كَلَامٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُ ذَلِكَ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ النُّحَاةَ وَالْأُصُولِيِّينَ قَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ إنْ لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا إلَّا مَشْكُوكٌ فِيهِ آخِرَ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ بَلْ هِيَ لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ سَوَاءً كَانَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ مَشْكُوكًا فِيهِ أَوْ غَيْرَ مَشْكُوكٍ غَيْرَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِظَرْفٍ وَإِذَا ظَرْفٌ وَقَدْ آلَ كَلَامُهُ فِي جَوَابِهِ عَنْ الْإِشْكَالِ وَجَوَابُهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ السُّؤَالِ إلَى أَنَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّابِعِ الَّذِي رَآهُ وَالْحَقُّ أَنَّ الْوَجْهَ الرَّابِعَ يَصْلُحُ تَوْجِيهًا لِكُلٍّ مَنْ الْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْقَوْلِ الثَّالِثِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اسْتِقْبَالَ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ زَمَنِ الثَّانِي لَتَوَقُّفِهِ عَلَيْهِ وَمَذْهَبُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اسْتِقْبَالَ كُلٍّ مِنْ الْفِعْلَيْنِ بِاعْتِبَارِ زَمَنِ التَّكَلُّمِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْمُتَوَقِّفَ عَلَى الثَّانِي إنَّمَا هُوَ لُزُومُ حُكْمِ التَّعْلِيقِ لَا الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق. وَضَابِطُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الشُّرُوطَ إنْ وَقَعَتْ كَمَا نُطِقَ بِهَا لَمْ تَطْلُقْ وَأَنَّ عَكْسَهَا الْمُتَقَدِّمُ مُتَأَخِّرٌ وَالْمُتَأَخِّرُ مُتَقَدِّمٌ طَلُقَتْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ فِي الْمِثَالِ الْمَارِّ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ ثُمَّ كَلَّمْت زَيْدًا طَلُقَتْ وَإِنْ كَلَّمْت زَيْدًا أَوَّلًا ثُمَّ دَخَلْت الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ جَعَلَ دُخُولَ الدَّارِ شَرْطًا فِي كَلَامِ زَيْدٍ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ: إنْ أَعْطَيْتُك إنْ وَعَدْتُك إنْ سَأَلَتْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يُوجَدَ السُّؤَالُ ثُمَّ الْوَعْدُ ثُمَّ الْعَطَاءُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْوَعْدِ الْعَطِيَّةُ وَشَرْطٌ فِي الْعَطِيَّةِ السُّؤَالُ وَكَانَ مَعْنَاهُ إنْ سَأَلَتْنِي فَوَعَدْتُك فَأَعْطَيْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَافَقَهُ الْغَزَالِيُّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْوَسِيطِ وَلَمْ يَحْكِيَا خِلَافًا وَعَلَيْهِ إذَا نَسَقَ هَذَا النَّسَقَ عَشْرَةُ شُرُوطٍ فَأَكْثَرُ فَلَا بُدَّ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ مِنْ أَنْ يَقَعَ الْعَاشِرُ أَوَّلًا ثُمَّ التَّاسِعُ إلَى الْأَوَّلِ فَيَقَعُ آخِرًا لِأَنَّ الْعَاشِرَ سَبَبٌ فِي التَّاسِعِ فَيَقَعُ قَبْلَهُ وَهَكَذَا وَمَتَى اخْتَلَّ ذَلِكَ فِي الْوُقُوعِ اخْتَلَّ الْمَشْرُوطُ فَلَا يَقَعُ وَمُدْرِكُهُمْ قَاعِدَتَانِ الْأُولَى أَنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ أَسْبَابٌ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهَا الْعَدَمُ. وَالْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ تَقَدُّمَ الْمُسَبَّبِ عَلَى سَبَبِهِ لَا يُعْتَبَرُ كَالصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِذَا قَالَ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَمَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ أَنِّي جَعَلْت كَلَامَ زَيْدٍ سَبَبَ طَلَاقِك وَشَرْطُهُ اللُّغَوِيُّ غَيْرُ أَنِّي قَدْ جَعَلْت سَبَبَ اعْتِبَارِهِ وَالشَّرْطُ فِيهِ دُخُولُ الدَّارِ فَإِنْ وَقَعَ الْكَلَامُ أَوَّلًا فَلَا تَطْلُقُ بِهِ لِأَنَّهُ وَقَعَ قَبْلَ سَبَبِ اعْتِبَارِهِ فَيَلْغَى كَالصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ إيقَاعِهِ بَعْدَ دُخُولِ الدَّارِ حَتَّى يَقَعَ بَعْدَ سَبَبِهِ فَيُعْتَبَرُ كَالصَّلَاةِ بَعْدَ الزَّوَالِ. وَيَشْهَدُ لِمَذْهَبِهِمْ مِنْ الْقُرْآنِ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ هُودٍ {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [هود: 34]

يَنْحَلُّ إشْكَالُهَا بِمَا قَرَّرْنَاهُ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَمْرٍ مَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ وَأَنَّ جَزَاءَهُ أَيْضًا كَذَلِكَ وَأَنَّهَا أُمُورٌ عَشَرَةٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ كَذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ أَنْ لَا يَصِحَّ تَعْلِيقُ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى نَحْوَ عِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٍ وَقَدَّرَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْأَزَلِ مِنْ جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ الْمُمْكِنَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَأَخَّرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ الْأَزَلِ فَيَسْتَحِيلُ تَعْلِيقُهُ حِينَئِذٍ وَجَعَلَهُ شَرْطًا لَكِنَّهُ وَرَدَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مُعَلَّقًا عَلَى الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ} [الزخرف: 60] {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13] {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} [الإسراء: 16] وَ {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} [النساء: 133] وَ {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ} [الأنفال: 70] وَفِي السُّنَّةِ «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» وَمَنْ هَا هُنَا شَرْطِيَّةٌ فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ تُورِدُ السُّؤَالَ بِلَوْ مَعَ أَنَّك قَدْ قَدَّمْت أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهَا أَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الْمَاضِي فَلَا يَكُونُ الِاسْتِقْبَالُ فِيهَا لَازِمًا حَتَّى يَرِدَ بِهَا السُّؤَالُ؟ قُلْت مِنْ خَصَائِصِهَا أَنَّهَا قَدْ تَدْخُلُ عَلَى الْمَاضِي وَلَكِنْ لَا يُمْنَعُ دُخُولُهَا عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ هَا هُنَا أَنَّهَا إنَّمَا دَخَلَتْ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِعِ فَإِنَّهُ تَعَالَى لَوْ شَاءَ جَعَلَنَا مَلَائِكَةً لَكِنَّا مَلَائِكَةً لَكِنَّا لَسْنَا مَلَائِكَةً فَعَلِمْنَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَاضِيًا وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْآيَاتِ فَالسُّؤَالُ بِهَا لَازِمٌ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ تَعَلُّقَ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِلْمِهِ بِالْأَشْيَاءِ قِسْمَانِ: قِسْمٌ وَاقِعٌ وَقِسْمٌ مُقَدَّرٌ مَفْرُوضٌ لَيْسَ وَاقِعًا فَالْوَاقِعُ هُوَ أَزَلِيٌّ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ شَيْءٍ مِنْهُ شَرْطًا أَلْبَتَّةَ وَالْمُقَدَّرُ هُوَ الَّذِي جُعِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــSتُسْتَعْمَلُ فِي الْمَشْكُوكِ وَغَيْرِ الْمَشْكُوكِ وَدَعْوَى الْمَجَازِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ. قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَمْرٍ مَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ وَأَنَّ جَزَاءَهُ أَيْضًا كَذَلِكَ إلَى آخِرِ الْأُمُورِ الْمُشْتَرَطَةِ الَّتِي أَوْرَدَهَا) قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حُرُوفَ الشَّرْطِ تَدْخُلُ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ بِخِلَافِ سَائِرِ مَا ذَكَرَ مَعَ الشَّرْطِ. قَالَ: (فَإِنْ قُلْتُ: كَيْفَ تُورِدُ السُّؤَالَ بِلَوْ مَعَ أَنَّك قَدْ قَدَّمْت أَنْ مِنْ خَصَائِصِهَا أَنَّهَا تَدْخُلُ عَلَى الْمَاضِي فَلَا يَكُونُ الِاسْتِقْبَالُ فِيهَا لَازِمًا حَتَّى يَرِدَ بِهَا السُّؤَالُ قَالَ: قُلْتُ: مِنْ خَصَائِصِهَا أَنَّهَا قَدْ تَدْخُلُ عَلَى الْمَاضِي وَلَكِنْ لَا يَمْنَعُ دُخُولُهَا عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ هَا هُنَا أَنَّهَا إنَّمَا دَخَلَتْ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِعِ فَإِنَّهُ تَعَالَى لَوْ شَاءَ جَعَلَنَا مَلَائِكَةً لَكُنَّا مَلَائِكَةً لَكِنَّا لَسْنَا مَلَائِكَةً فَعَلِمْنَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَاضِيًا) قُلْتُ: جَوَابُهُ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ حَادِثَةً وَإِنَّمَا دَخَلَتْ لَوْ عَلَى مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبَلًا وَحَمْلُ الْمَشِيئَةِ عَلَى وُقُوعِ مُتَعَلِّقِهَا وَهُوَ الْمُرَادُ الْحَادِثُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَالسُّؤَالُ وَارِدٌ. قَالَ: (وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ تَعَلُّقَ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِلْمِهِ بِالْأَشْيَاءِ قِسْمَانِ: قِسْمٌ وَاقِعٌ وَقِسْمٌ مُقَدَّرٌ مَفْرُوضٌ لَيْسَ وَاقِعًا فَالْوَاقِعُ هُوَ أَزَلِيٌّ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ شَيْءٍ مِنْهُ شَرْطًا أَلْبَتَّةَ) . قُلْتُ: مَا قَالَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ يُمْكِنُ جَعْلُ الْأَزَلِيِّ شَرْطًا وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى مَا قَالَهُ دَعْوَاهُ أَنَّ إنْ لَا تَدْخُلُ إلَّا عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُهَا عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّهَا لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ وَقَدْ سَبَقَ مِنْ كَلَامِهِ مَا يُشْعِرُ بِتَسْلِيمِهِ أَنَّهَا لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ. قَالَ: (وَالْمُقَدَّرُ هُوَ الَّذِي جُعِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ إرَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْبَشَرِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ فَالْمُتَقَدِّمُ لَفْظًا مُتَأَخِّرٌ وُقُوعًا وَلَا يُمْكِنُ خِلَافُ ذَلِكَ وَمِنْ الشِّعْرِ قَوْلُ ابْنِ دُرَيْدٍ: فَإِنْ عَثَرَتْ بَعْدَهَا إنْ وَالَتْ ... نَفْسِي مِنْ هَاتَا فَقُولَا لَا لَعَا وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: إنْ تَسْتَغِيثُوا بِنَا إنْ تَذْعَرُوا تَجِدُوا ... مِنَّا مَعَاقِلَ عَزٍّ زَانَهَا كَرَمُ إذْ مَعْلُومٌ أَنَّ الْعُثُورَ مَرَّةً ثَانِيَةً إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْخُلُوصِ مِنْ الْأَوَّلِ فَالْمُتَقَدِّمُ لَفْظًا مُتَأَخِّرٌ وُقُوعًا وَأَنَّ الِاسْتِغَاثَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الذُّعْرِ فَالْمُتَقَدِّمُ لَفْظًا مُتَأَخِّرٌ مَعْنًى وَضَابِطُ مَذْهَبِنَا وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الشُّرُوطَ إذَا وَقَعَتْ مَعًا عَلَى تَرْتِيبِهَا فِي التَّعْلِيقِ أَوْ عَلَى عَكْسِهِ طَلُقَتْ قَالَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَإِنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت إنْ دَخَلْت لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بِهِمَا قَالَ عبق أَيْ مَعًا عَلَى تَرْتِيبِهِمَا فِي التَّعْلِيقِ أَوْ عَلَى عَكْسِهِ اهـ فَإِذَا قَالَ: إنْ أَعْطَيْتُك إنْ وَعَدْتُك إنْ سَأَلَتْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِوُجُودِ الثَّلَاثَةِ عَلَى التَّرْتِيبِ أَوْ عَلَى عَكْسِهِ وَإِذَا نَسَقَ هَذَا النَّسَقَ عَشَرَةُ شُرُوطٍ فَأَكْثَرُ طَلُقَتْ بِوُقُوعِ الْجَمِيعِ عَلَى التَّرْتِيبِ أَوْ عَلَى عَكْسِهِ وَمُدْرِكُ أَصْحَابِنَا وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْمَعْطُوفَ بِالْوَاوِ يَسْتَوِي الْحَالُ فِيهِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْطِفُ الْكَلَامَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ حَرْفِ عَطْفٍ وَيَكُونُ فِي مَعْنَى حَرْفِ الْعَطْفِ كَقَوْلِنَا جَاءَ زَيْدٌ جَاءَ عَمْرٌو وَأَنَّ الرَّبْطَ بَيْنَ الشُّرُوطِ اللُّغَوِيَّةِ وَمَشْرُوطَاتِهَا وَضْعِيٌّ كَمَا سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فَصِفَةُ الرَّبْطِ مِنْ تَقَدُّمٍ أَوْ تَأَخُّرٍ أَوْ مَعِيَّةٍ كَذَلِكَ وَضْعِيٌّ وَالْأُمُورُ الْوَضْعِيَّةُ يَجُوزُ تَبَدُّلُهَا وَتَبَدُّلُ أَوْصَافِهَا بِحَسَبِ قَصْدِ الْوَاضِعِ لَهَا فَافْهَمْ. قَالُوا: وَمَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ لَا حُجَّةَ فِيهِ إذْ لَيْسَ كَوْنُ الْمُتَأَخِّرِ فِي الْآيَةِ وَالْبَيْتَيْنِ مُتَقَدِّمًا مِنْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ بَلْ هُوَ مِنْ ضَرُورَةِ الْوُجُودِ أَلَا تَرَى أَنَّ كَوْنَ الذُّعْرِ سَبَبًا فِي الِاسْتِغَاثَةِ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ فَغَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ جَوَازُ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي اللَّفْظِ مَا هُوَ مُتَأَخِّرٌ فِي الْوُجُودِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي قَوْله تَعَالَى

شَرْطًا وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مَتَى فُرِضَ إرَادَتُنَا أَنْ نَرُدَّكُمْ مَلَائِكَةً كُنْتُمْ مَلَائِكَةً وَمَتَى فُرِضَ إرَادَتُنَا لِهِدَايَةِ نَفْسٍ اهْتَدَتْ وَمَتَى فُرِضَ إرَادَتِنَا لِكَوْنِ شَيْءٍ كَانَ وَمَتَى فُرِضَ إرَادَتُنَا لِإِهْلَاكِ قَرْيَةٍ وَكَانَ السَّبَبُ فِي إهْلَاكِهَا أَمْرُ مُتْرَفِيهَا فَيَفْسُقُونَ وَمَتَى فُرِضَ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ فِيكُمْ خَيْرًا آتَاكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ هَذِهِ النَّظَائِرِ فَجَمِيعُ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مِنْ تَعَلُّقِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا هُوَ مَفْرُوضٌ مُقَدَّرٌ لَا أَنَّهُ وَاقِعٌ وَالْفَرْضُ وَالتَّقْدِيرُ أَمْرٌ مُتَوَقَّعٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَيْسَ أَزَلِيًّا فَلِذَلِكَ حَسُنَ التَّعْلِيقُ فِيهِ عَلَى الشَّرْطِ فَإِنْ قُلْت بَلْ هَذَا التَّقْدِيرُ أَزَلِيٌّ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ فِي الْأَزَلِ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَجَعَلْنَا مَلَائِكَةً وَلَوْ شَاءَ هِدَايَةَ نَفْسٍ لَاهْتَدَتْ وَالْعِلْمُ تَابِعٌ لِلْمَعْلُومِ فَيَكُونُ الْعِلْمُ بِهَذَا التَّقْدِيرِ فَرْعُ تَحَقُّقِ التَّقْدِيرِ لَكِنَّ الْعِلْمَ بِذَلِكَ أَزَلِيٌّ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ أَزَلِيًّا فَيَمْتَنِعُ تَعْلِيقُهُ قُلْت: الْوَاقِعُ فِي الْأَزَلِ هُوَ الْعِلْمُ بِارْتِبَاطِ الْهِدَايَةِ وَالْعِلْمُ بِارْتِبَاطِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي وُقُوعَ ذَيْنِكَ الشَّيْئَيْنِ وَلَا أَحَدِهِمَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُ فِي الْأَزَلِ ارْتِبَاطَ الرِّيِّ بِالشُّرْبِ وَالشِّبَعِ بِالْأَكْلِ فَعِلْمُهُ تَعَالَى بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَزَلِيٌّ. وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ حَادِثَةٌ كَذَلِكَ هَا هُنَا يَعْلَمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي الْأَزَلِ ارْتِبَاطَ الْهِدَايَةِ بِفَرْضِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا فَيَكُونُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ قَدِيمًا وَالْمَعْلُومُ وَهُوَ هَذَانِ الْأَمْرَانِ حَادِثَانِ وَمَعْنَى قَوْلِنَا الْعِلْمُ تَابِعٌ لِلْمَعْلُومِ أَيْ تَابِعٌ لِتَقْدِيرِهِ فِي زَمَانِهِ مَاضِيًا كَانَ أَوْ حَاضِرًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا فَنَعْلَمُ أَنَّ الْقِيَامَةَ تَقُومُ فَعِلْمُنَا حَاضِرٌ وَمَعْلُومُنَا مُسْتَقْبَلٌ لَكِنَّ الْمُتَقَدِّمَ عَلَى عِلْمِنَا بِالرُّتْبَةِ الْعَقْلِيَّةِ هُوَ تَقْدِيرُ الْمَعْلُومِ فِي زَمَانِهِ لَا ذَاتُ الْمَعْلُومِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَأَثْبِتْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِمْ الْخَبَرُ تَابِعٌ لِلْمُخْبَرِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ فَإِنْ قُلْت: الِارْتِبَاطُ بَيَّنَ إرَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى الْهِدَايَةَ وَالْهِدَايَةُ أَزَلِيٌّ فَإِنَّ هَذَا الِارْتِبَاطَ وَاجِبٌ عَقْلًا وَالْوَاجِبَاتُ الْعَقْلِيَّةُ لَا تَقْبَلُ الْعَدَمَ وَمَا لَا يَقْبَلُ الْعَدَمَ أَزَلِيٌّ فَالِارْتِبَاطُ أَزَلِيٌّ وَقَدْ جُعِلَ شَرْطًا مَعَ أَنَّهُ أَزَلِيٌّ قُلْت: لَمْ يُجْعَلْ الِارْتِبَاطُ شَرْطًا بَلْ الْمُرْتَبَطُ بِهِ خَاصَّةً وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــSشَرْطًا وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مَتَى فُرِضَ إرَادَتُنَا أَنْ نَرُدَّكُمْ مَلَائِكَةً كُنْتُمْ مَلَائِكَةً وَمَتَى فُرِضَ إرَادَتُنَا لِهِدَايَةِ نَفْسٍ اهْتَدَتْ وَمَتَى فُرِضَ إرَادَتُنَا لِكَوْنِ شَيْءٍ كَانَ وَمَتَى فُرِضَ إرَادَتُنَا لِإِهْلَاكِ قَرْيَةٍ كَانَ السَّبَبُ فِي إهْلَاكِهَا أَمْرَ مُتْرَفِيهَا فَيَفْسُقُونَ. وَمَتَى فُرِضَ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ فِيكُمْ خَيْرًا آتَاكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ هَذِهِ النَّظَائِرِ فَجَمِيعُ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مِنْ تَعَلُّقِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا هُوَ مَفْرُوضٌ مُقَدَّرٌ لَا أَنَّهُ وَاقِعٌ وَالْفَرْضُ وَالتَّقْدِيرُ أَمْرٌ مُتَوَقَّعٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَيْسَ أَزَلِيًّا فَلِذَلِكَ حَسُنَ التَّعْلِيقُ فِيهِ عَلَى الشَّرْطِ) قُلْتُ: هَذَا الْفَرْضُ وَالتَّقْدِيرُ الَّذِي زَعَمَ لَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ فَارِضُ ذَلِكَ الْفَرْضِ أَوْ يُرِيدَ أَنَّ غَيْرَهُ هُوَ فَارِضُ ذَلِكَ الْفَرْضِ فَإِنَّ أَرَادَ الْأَوَّلَ فَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْجَهْلَ بِالْوَاقِعِ وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِيَ فَلَا يَصِحُّ تَأْوِيلُ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَشِيئَةِ غَيْرِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَكَلَامُهُ هُنَا خَطَأٌ صُرَاحٌ. قَالَ: (فَإِنْ قُلْتَ: بَلْ هَذَا التَّقْدِيرُ أَزَلِيٌّ إلَى آخِرِ جَوَابِهِ) قُلْتُ: وَهَذَا السُّؤَالُ مِنِّي عَلَى جَوَازِ مِثْلِ هَذَا التَّقْدِيرِ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَالسُّؤَالُ سَاقِطٌ وَجَوَابُهُ كَذَلِكَ. قَالَ: (فَإِنْ قُلْتَ: الِارْتِبَاطُ بَيْنَ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى الْهِدَايَةَ وَالْهِدَايَةُ أَزَلِيٌّ إلَى آخِرِ السُّؤَالِ) قُلْتُ: السُّؤَالُ وَارِدٌ قَالَ: (قُلْتَ: لَمْ يَجْعَلْ الِارْتِبَاطَ شَرْطًا بَلْ الْمُرْتَبَطُ بِهِ خَاصَّةً وَهُوَ الْمَشِيئَةُ الْمَفْرُوضَةُ أَمَّا الِارْتِبَاطُ بِهَا فَلَمْ يُجْعَلْ شَرْطًا أَصْلًا) . قُلْتُ: ـــــــــــــــــــــــــــــQ {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} [الأحزاب: 50] أَنَّ مِثْلَ هَذَا يَجِيءُ فِي الْمُحْتَمَلِ لِلتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَأَيْضًا لَا مَانِعَ مِنْ تَسْوِيغِ قَوْلِ الْقَائِلِ إنْ طَلُقَتْ الْمَرْأَةُ إنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّ نِكَاحُهَا وَقَوْلُهُ إنْ تَتَّجِرَ إنْ تَرْبَحْ فِي تِجَارَتِك تَصَدَّقْ بِدِينَارٍ وَأَنَّهُ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ مَعَ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ فِي اللَّفْظِ مُتَقَدِّمٌ فِي الْوُقُوعِ فَظَهَرَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا سَائِغٌ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْمَالِكِيَّةِ قَالَ الْأَمِيرُ فِي شَرْحِ مَجْمُوعِهِ وَضَوْءِ شُمُوعِهِ فَإِنَّ الِاتِّصَافَ احْتِمَالُ الْعَكْسِ أَيْ إنْ كَلَّمْت فَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالْحَالِفُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يُرَاعِيَ الْعَرَبِيَّةَ وَيَأْتِي بِالْفَاءِ عَلَى أَنَّ الْفَاءَ قَدْ تُحْذَفُ فَاحْتِيطَ أَيْ بِأَعْمَالِ كُلٍّ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْقِسْمُ الثَّانِي تَعَدُّدُ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ كَذَلِكَ بِالْعَطْفِ بِالْوَاوِ مَعَ تَكَرُّرِ حَرْفِ الشَّرْطِ أَوْ مَعَ عَدَمِ تَكَرُّرِهِ فَفِي نَحْوِ إنْ أَكَلْت وَإِنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا وَقَعَ كُلٌّ مِنْ الْأَكْلِ أَوْ اللُّبْسِ قَبْلَ صَاحِبِهِ أَوْ مَعَهُ بَلْ وَلَوْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ تَكَرُّرَ حَرْفِ الشَّرْطِ يَدُلُّ عَلَى اسْتِقْلَالِ كُلِّ وَاحِدٍ بِالشَّرْطِيَّةِ وَحَرْفُ الشَّرْطِ وَإِنْ تَكَرَّرَ مَعَ الْفِعْلَيْنِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءٌ فَتَطْلُقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَلْقَةً كَمَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ إذْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ التَّشْرِيكَ بِالْعَاطِفِ أَصْلُ الْمَعْنَى دُونَ مُتَعَلِّقَاتِهِ وَظُرُوفِهِ وَأَحْوَالِهِ. فَإِذَا قُلْتُ: مَرَرْت بِزَيْدٍ قَائِمًا أَوْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ أَمَامَك وَعَمْرُو لَمْ يَلْزَمْ تَشْرِيكُ عَمْرٍو إلَّا فِي أَصْلِ الْمُرُورِ وَإِذَا قُلْتُ: اشْتَرَيْت هَذَا الثَّوْبَ بِدِرْهَمٍ وَالْفَرَسَ لَمْ يَلْزَمْ الِاشْتِرَاكُ فِي الدِّرْهَمِ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بَلْ فِي أَصْلِ الْفِعْلِ وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ التَّشْرِيكَ هُنَا فِي أَصْلِ الشَّرْطِيَّةِ دُونَ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْمُتَعَلِّقَاتِ فَالْتِزَامُ التَّشْرِيكِ فِي الْجَمِيعِ الْتِزَامٌ لِمَا لَا يَلْزَمُ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: يُحْتَمَلُ قَصْدُ تَعَدُّدِ الْجَوَابِ وَاخْتِصَارُهُ لَفْظًا فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ طَلَّقَ وَشَكَّ فِي الْعَدَدِ فَيُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ احْتِيَاطًا وَفِي نَحْوِ إنْ أَكَلْت وَلَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ إلَّا بِمَجْمُوعِ الْفِعْلَيْنِ بِلَا تَرْتِيبٍ بَيْنَهُمَا بِاتِّفَاقِ الْفَرْقِ بَلْ أَيُّهُمَا وَقَعَ قَبْلَ صَاحِبِهِ اُعْتُبِرَ وَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ الْآخَرِ

الْمَشِيئَةُ الْمَفْرُوضَةُ أَمَّا الِارْتِبَاطُ بِهَا فَلَمْ يُجْعَلْ شَرْطًا أَصْلًا وَلَا تَنَافِي بَيْنَ قِدَمِ الِارْتِبَاطِ وَحُدُوثِ الْمُرْتَبِطِ وَالْمُرْتَبَطِ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الِارْتِبَاطَ وَاقِعٌ بَيْنَ الْأَجْسَامِ وَالْأَكْوَانِ الَّتِي هِيَ الْحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ وَالِاجْتِمَاعُ وَالِافْتِرَاقُ وَأَنَّ هَذَا الِارْتِبَاطَ وَاجِبٌ عَقْلًا لَا يَقْبَلُ الْعَدَمَ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَجْسَامُ وَالْأَعْرَاضُ حَادِثَةٌ وَسِرُّهُ أَنَّ الِارْتِبَاطَ حُكْمٌ وَنِسْبَةٌ وَإِضَافَةٌ لَا تَقْبَلُ الْوُجُودَ الْخَارِجِيَّ بَلْ الذِّهْنِيَّ فَقَطْ كَالْإِمْكَانِ وَالِاسْتِحَالَةِ حُكْمَانِ أَزَلِيَّانِ وَالْمُمْكِنَاتُ حَادِثَةٌ. (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) نَصَّ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا إذَا قَالَ لَهَا: حَيْثُ وَجَدْتُك أَوْ أَيْنَ وَجَدْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَجَدَهَا طَلُقَتْ ثُمَّ وَجَدَهَا فِي عِدَّتِهَا مِرَارًا أَنْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا لِأَجْلِ الْعُمُومِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي مَتَى وَلَا يَلْزَمُ بِهَا إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ مُقْتَضَى نَصِّهِمْ عَلَى الْعُمُومِ التَّكْرِيرُ تَحْقِيقًا لِلْعُمُومِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْعَامِّ فَإِنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الَّذِي يُقْتَصَرُ مِنْهُ عَلَى فَرْدٍ أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّمَا لَمَّا كَانَتْ لِلْعُمُومِ تَكَرَّرَ الطَّلَاقُ بِتَكَرُّرِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَكَرَّرَ دُخُولُهَا فِي عِدَّتِهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعُمُومِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَتَى مَا وَكُلَّمَا وَمَا مَعْنَى مَا فِيهِمَا؟ . وَالْجَوَابُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: عَامٍّ عَلَى عَامٍّ وَمُطْلَقٍ عَلَى مُطْلَقٍ وَمُطْلَقٍ عَلَى عَامٍّ وَعَامٍّ عَلَى مُطْلَقٍ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ تَعْلِيقُ عَامٍّ عَلَى عَامٍّ فَهُوَ نَحْوُ كُلَّمَا دَخَلْت ـــــــــــــــــــــــــــــSالْمَشِيئَةُ الْمَفْرُوضَةُ لَا تَصِحُّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَجَوَابُهُ بَاطِلٌ. قَالَ: (وَلَا تَنَافِي بَيْنَ قِدَمِ الِارْتِبَاطِ وَحُدُوثِ الْمُرْتَبِطِ وَالْمُرْتَبِطَةِ) قُلْتُ: بَلْ ذَلِكَ مُتَنَافٍ فَإِنَّ الْحَادِثَ لَا يَتَّصِفُ بِالْقَدِيمِ كَمَا أَنَّ الْقَدِيمَ لَا يَتَّصِفُ بِالْحَادِثِ. قَالَ: (أَلَا تَرَى أَنَّ الِارْتِبَاطَ وَاقِعٌ بَيْنَ الْأَجْسَامِ وَالْأَكْوَانِ الَّتِي هِيَ الْحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ وَالِاجْتِمَاعُ وَالِافْتِرَاقُ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ وَأَنَّهُ غَيْرُ الْعِلْمِ وَهُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا وَقَوْلُهُ كَالْإِمْكَانِ وَالِاسْتِحَالَةِ حُكْمَانِ أَزَلِيَّانِ لَا يَصِحُّ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَا ذِهْنِيَّيْنِ أَوْ خَارِجِيَّيْنِ فَإِنْ كَانَا ذِهْنِيَّيْنِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَا أَزَلِيَّيْنِ وَلَا ذِهْنَ فِي الْأَزَلِ وَإِنْ أَرَادَ خَارِجِيَّيْنِ فَكَيْفَ يَصِحُّ وَالْمُسْتَحِيلُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا فَوَصْفُهُ كَذَلِكَ وَالْإِمْكَانُ لَيْسَ بِأَزَلِيٍّ فَوَصْفُهُ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُمَا مَعْلُومَانِ لِلَّهِ فَيَعُودُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّهُمَا مُتَعَلِّقَانِ لِعِلْمِهِ تَعَالَى وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ نَصَّ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا إذَا قَالَ: لَهَا حَيْثُ وَجَدْتُك أَوْ أَيْنَ وَجَدْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَجَدَهَا فَطَلُقَتْ، ثُمَّ وَجَدَهَا فِي عِدَّتِهَا مِرَارًا أَنْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا لِأَجْلِ الْعُمُومِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي مَتَى مَا لِلْعُمُومِ وَلَا يَلْزَمُ بِهَا إلَّا طَلْقَةُ وَاحِدَةٌ وَهُوَ مُشْكِلٌ إلَى آخِرِ تَقْرِيرِهِ السُّؤَالَ) قُلْتُ: وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْوَاقِعَةِ لِي مِنْ هَذَا الْكِتَابِ مَتَى مَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَتَى دُونَ مَا كَحَيْثُ وَأَيْنَ وَقَدْ قَالَ: فِي آخِرِ إيرَادِ السُّؤَالِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ كُلَّمَا وَمَتَى مَا وَمَا مَعْنَى مَا فِيهِمَا فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ تَمْثِيلَهُ بِمَتَى إنَّمَا هُوَ بِإِثْبَاتِ مَا. قَالَ: (وَالْجَوَابُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: تَعْلِيقُ عَامٍّ عَلَى عَامٍّ وَمُطْلَقٍ عَلَى مُطْلَقٍ وَمُطْلَقٍ عَلَى عَامٍّ وَعَامٍّ عَلَى مُطْلَقٍ فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَهُوَ نَحْوُ كُلَّمَا دَخَلْت ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَهُ فَإِنَّهُمَا مَعًا جُعِلَا شَرْطَيْنِ فِي الطَّلَاقِ وَلَمْ يُجْعَلْ أَحَدُهُمَا شَرْطًا فِي الْآخَرِ الْقِسْمُ الثَّالِثُ تَعَدُّدُ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ كَذَلِكَ بِالْعَطْفِ بِغَيْرِ الْوَاوِ وَمَعَ عَدَمِ تَكَرُّرِ حَرْفِ الشَّرْطِ فِي الْفَاءِ وَثُمَّ وَأَوْ وَمَعَ تَكَرُّرِهِ فِي حَتَّى وَبَلْ وَلَا وَلَكِنْ وَأَمَّا فَفِي نَحْوِ إنْ أَكَلْت فَلَبِسْت أَوْ ثُمَّ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِفِعْلِهِمَا عَلَى تَرْتِيبِهِمَا فِي اللَّفْظِ وَكَذَلِكَ فِي إنْ أَكَلْت حَتَّى لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ يَقْتَضِي اللَّفْظُ تَأْخِيرَ اللُّبْسِ مَعَ تَكَرُّرِ الْأَكْلِ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمُغَيَّا لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ قَبْلَ الْغَايَةِ وَيَتَكَرَّرُ إلَيْهَا وَفِي نَحْوِ: إنْ أَكَلْت بَلْ إنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إلَّا بِاللُّبْسِ لِأَنَّهُ هُوَ الشَّرْطُ وَحْدَهُ. وَأَمَّا الْأَكْلُ فَقَدْ أُلْغِيَتْ شَرْطِيَّتُهُ بِالْإِضْرَابِ عَنْهُ بِبَلْ وَكَذَلِكَ فِي نَحْوِ إنْ لَمْ تَأْكُلِي لَكِنْ إنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ الشَّرْطُ هُوَ الثَّانِي وَحْدَهُ. وَقَدْ أُلْغِيَ الْأَوَّلُ بِلَكِنْ لِأَنَّهَا لِلِاسْتِدْرَاكِ وَفِي نَحْوِ إنْ أَكَلْت لَا إنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ إلَّا بِالْأَوَّلِ لِأَنَّهُ هُوَ الشَّرْطُ وَحْدَهُ لِأَنَّ لَا لِإِبْطَالِ الثَّانِي وَفِي نَحْوِ إنْ أَكَلْت أَوْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَنَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمَّا إنْ أَكَلْت وَأَمَّا إنْ لَبِسْت يَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِوُقُوعِ أَيُّهُمَا لِأَنَّ الشَّرْطَ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ إلَّا أَمْ وَهِيَ مُتَعَذِّرَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهَا لِلِاسْتِفْهَامِ وَالْمُسْتَفْهِمُ غَيْرُ جَازِمٍ بِشَيْءٍ وَالْمُعَلِّقُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جَازِمًا فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمُرَاعَاةِ التَّعْقِيبِ فِي الْفَاءِ وَالتَّرَاخِي فِي ثُمَّ بِأَنْ يَقُولُوا: إنْ لَمْ يَقَعْ الثَّانِي عَقِيبَ الْأَوَّلِ فِي صُورَةِ الْفَاءِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ وَلَا إنْ لَمْ يَتَرَاخَ الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ فِي صُورَةٍ ثُمَّ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ مُقْتَضَى اللُّغَةِ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمَّا أَلْغَتْهُ وَأَمْرُ الْأَيْمَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَوَائِدِ لَمْ يَعْتَبِرُوا ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (الْفَرْقُ الرَّابِعُ) بَيْنَ قَاعِدَتَيْ إنْ وَلَوْ الشَّرْطِيَّتَيْنِ الْأَكْثَرُ فِي أَنَّ إنْ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ وَقَدْ تَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي لَفْظًا وَمَعْنًى قِيَاسًا مُطَّرِدًا.

الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ عَلَّقَ جَمِيعَ الطَّلَقَاتِ عَلَى جَمِيعِ الدَّخَلَاتِ عَلَى وَجْهِ التَّفْرِيقِ لِإِفْرَادِ الطَّلَاقِ عَلَى إفْرَادِ الدُّخُولِ لَا عَلَى وَجْهِ اجْتِمَاعِ أَفْرَادِ الطَّلَاقِ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ إفْرَادِ الدُّخُولِ فَلَا جُرْمَ لَزِمَ بِكُلِّ دَخْلَةٍ طَلْقَةٌ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي تَعْلِيقُ مُطْلَقٍ عَلَى مُطْلَقٍ نَحْوَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ عَلَّقَ مُطْلَقَ الطَّلَاقِ عَلَى مُطْلَقِ الدُّخُولِ فَإِذَا وَجَدَ مُطْلَقَ الدُّخُولِ لَزِمَ مُطْلَقُ الطَّلَاقِ وَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ وَإِنْ وَإِذَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ غَيْرَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ وَهُوَ أَنَّ إذَا تَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ مُطَابَقَةً وَالشَّرْطُ يَعْرِضُ لَهَا فَيَلْزَمُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَقَدْ تُعَرَّى عَنْ الشَّرْطِ وَتُسْتَعْمَلُ ظَرْفًا مُجَرَّدًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل: 2] فَهِيَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ وَمَعْنَاهُ أُقْسِمُ بِاللَّيْلِ حَالَةَ غَشَيَانِهِ وَبِالنَّهَارِ حَالَةَ تَجَلِّيهِ لِأَنَّهَا أَكْمَلُ الْحَالَاتِ وَالْقَسَمُ تَعْظِيمٌ لِلْمُقْسَمِ بِهِ وَتَعْظِيمُ الشَّيْءِ فِي أَعْظَمِ حَالَاتِهِ مُنَاسِبٌ وَأَمَّا إنْ فَتَدُلُّ عَلَى الشَّرْطِ مُطَابَقَةً وَعَلَى الزَّمَانِ الْتِزَامًا عَكْسُ إذَا فَإِنَّ الدُّخُولَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ زَمَانٍ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ فَهُمَا مُتَعَاكِسَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْإِطْلَاقِ وَبَقِيَتْ أُمُورٌ أُخَرُ تَخْتَصُّ بِهَا إذَا نَحْوَ الْأَسْمِيَةِ وَغَيْرِهَا لَا يُنَاسِبُ ذِكْرَهَا هُنَا. (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) تَعْلِيقُ مُطْلَقٍ عَلَى عَامٍّ نَحْوَ مَتَى وَأَيْنَ وَحَيْثُ فَهَذِهِ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ أَوْ فِي جَمِيعِ الْبِقَاعِ طَلْقَةً وَاحِدَةً كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ أَوْ فِي كُلِّ الْأَيَّامِ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَهَذِهِ الصِّيَغُ هِيَ أَبْلَغُ صِيَغِ الْعُمُومِ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ صَرَّحَ بِهَا لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSالدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إلَى آخِرِ مَا قَالَ فِي هَذَا الْقِسْمِ) قُلْتُ: إنَّمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْتِيَ فِي الْمُعَلِّقِ بِلَفْظٍ عَامٍّ مِثْلَ فَأَنْتِ طَالِقٌ جَمِيعَ أَفْرَادِ الطَّلَاقِ أَوْ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الطَّلَاقِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَيْسَ بِعَامٍّ وَكَيْفَ وَهُوَ أَتَى بِهِ بَعْدُ فِي مِثَالِ تَعْلِيقِ مُطْلَقٍ عَلَى مُطْلَقٍ قَالَ: (وَالْقِسْمُ الثَّانِي تَعْلِيقُ مُطْلَقٍ عَلَى مُطْلَقٍ نَحْوَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إلَى آخِرِ مَا قَالَ: فِي هَذَا الْقِسْمِ) قُلْتُ: قَدْ نَقَصَ قَوْلُهُ أَنَّ إذَا لِلْإِطْلَاقِ بَعْدَ هَذَا وَقَالَ: إنَّهَا لِلْعُمُومِ وَقَوْلُهُ فِي أَنَّ إنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ الْتِزَامًا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى الزَّمَانِ وَإِنَّمَا الدَّالُّ الْفِعْلُ الَّذِي تَدْخُلُ عَلَيْهِ. قَالَ: (الْقِسْمُ الثَّالِثُ تَعْلِيقُ مُطْلَقٍ عَلَى عَامٍّ نَحْوَ مَتَى وَأَيْنَ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ صَرَّحَ بِهَا لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ) قُلْتُ: زَعْمُهُ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ أَوْ فِي كُلِّ الْأَيَّامِ طَلْقَةً وَاحِدَةً مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ وَأَنَّهُ مِنْ أَبْلَغِ صِيَغِهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ كُلَّ إذَا أُضِيفَتْ إلَى الْمُعَرَّفِ لَا تَكُونُ لِلْعُمُومِ وَإِنَّمَا تَكُونُ فِي مَعْنَى جَمِيعٍ وَجَمِيعٌ لَا تُضَافُ إلَّا إلَى الْمُعَرَّفِ فَلَا يُقَالُ جَمِيعُ رَجُلٍ فِي مَعْنَى كُلُّ رَجُلٍ فَجَمِيعُ الْأَيَّامِ وَكُلُّ الْأَيَّامِ لَيْسَا مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ وَإِنَّمَا لَفْظُ الْعُمُومُ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ كُلَّ يَوْمٍ أَنْتِ فِيهِ طَالِقٌ، ثُمَّ إنَّهُ أَرَادَ تَمْثِيلَ تَعْلِيقِ مُطْلَقٍ عَلَى عَامٍّ فَلَمْ يَأْتِ بِعَامٍّ وَلَا مُطْلَقٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِي كُلِّ الْأَيَّامِ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ كَمَا تَبَيَّنَ. وَقَوْلُهُ طَلْقَةً وَاحِدَةً لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الْإِطْلَاقِ لِأَنَّهُ قَيَّدَ لَفْظَ الطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ كَانَ نَحْوَ {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23] إذْ الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ فِيمَا مَضَى وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ.

وَكَمَا تَقُولُ: الْحَجُّ وَاجِبٌ فِي كُلِّ الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَتُصَرِّحُ بِالْعُمُومِ فِي الْعُمُرِ وَتُرِيدُهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَمَظْرُوفُهُ حُجَّةٌ وَاحِدَةٌ. وَهُوَ مُطْلَقُ الْحَجِّ فَكَمَا أَنَّهُ إذَا حَجَّ حَجَّةً وَاحِدَةً فِي عُمُرِهِ يَبْقَى بَقِيَّةَ عُمُرِهِ لَا يَلْزَمُهُ فِيهَا حَجٌّ كَذَلِكَ إذَا لَزِمَهُ بِزَمَانٍ وَاحِدٍ فِي مَتَى وَأَيْنَ أَوْ فِي بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَيْثُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَتَبْقَى بَقِيَّةُ الْأَزْمِنَةِ وَالْبِقَاعِ لَا يَلْزَمُهُ فِيهَا طَلَاقٌ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ لِلْعُمُومِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِيهَا إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنْ قُلْت: فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ بِإِذَا إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا فِي مَتَى إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَيْفَ يَظْهَرُ أَثَرُ الْعُمُومِ وَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ الْعُمُومِ كَيْفَ يُقْضَى بِهِ وَنَحْنُ إنَّمَا قَضَيْنَا بِالْعُمُومِ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ مَثَلًا مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ إلَّا بِظُهُورِ أَثَرِ ذَلِكَ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ دَخَلَ يَسْتَحِقُّ وَمَنْ أَحْرَمَ اسْتَحَقَّ مَانِعُهُ الذَّمَّ فَإِذَا ذَهَبَتْ هَذِهِ الْآثَارُ وَاتَّحَدَتْ الْأَحْكَامُ بَيْنَ الْمُطْلَقَاتِ وَالْعُمُومَاتِ وَكَانَ الطَّلَاقُ فِي زَمَنٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ فِي الْقِسْمَيْنِ وَأَنَّ ذَلِكَ الزَّمَانَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فِيهِمَا كَانَ الْقَوْلُ بِالْعُمُومِ فِي أَحَدِهِمَا وَالْإِطْلَاقُ فِي الْآخَرِ تَحَكُّمًا مَحْضًا وَالتَّحَكُّمُ الْمَحْضُ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَالْعُلَمَاءُ بُرَآءُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ أَيْنَ فَهِمَ الْعُلَمَاءُ الْعُمُومَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَعَادَ الْإِشْكَالُ؟ قُلْت سُؤَالٌ حَسَنٌ قَوِيٌّ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) ظَوَاهِرُ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا الْأَمْرُ بِقَتْلِهِمْ فِي جَمِيعِ الْبِقَاعِ وَثَانِيهَا قَوْله تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [النساء: 91] لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا ذَلِكَ وَثَالِثُهَا قَوْله تَعَالَى {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء: 78] مَعْنَاهُ فِي أَيِّ بُقْعَةٍ كُنْتُمْ وَرَابِعُهَا قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4] مَعْنَاهُ عِلْمُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُحِيطٌ بِالْخَلَائِقِ ـــــــــــــــــــــــــــــSطَلْقَةً، ثُمَّ أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ وَاحِدَةً. قَالَ: (وَكَمَا نَقُولُ الْحَجُّ وَاجِبٌ فِي كُلِّ الْعُمُرِ مَرَّةً إلَى قَوْلِهِ يَبْقَى بَقِيَّةَ عُمُرِهِ لَا يَلْزَمُهُ فِيهَا حَجٌّ) قُلْتُ: جَمِيعُ مَا قَالَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ لَفْظَ كُلِّ الْعُمُرِ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ وَلَفْظُ مَرَّةً وَاحِدَةً لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الْإِطْلَاقِ. قَالَ: (كَذَلِكَ إذَا لَزِمَهُ بِزَمَانٍ وَاحِدٍ فِي مَتَى وَأَيْنَ أَوْ فِي بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَيْثُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ فَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ لِلْعُمُومِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِيهَا إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ) قُلْتُ: مَسَاقُ أَيْنَ مَعَ مَتَى يَقْتَضِي أَنَّهَا عِنْدَهُ لِلزَّمَانِ وَهَذَا غَايَةُ الْخَطَأِ وَقَوْلُهُ فَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذُكِرَ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ، وَمَا أَرَاهُ فَهِمَ كَلَامَهُمْ وَلَا عَرَفَ مَرَامَهُمْ أَلْبَتَّةَ. قَالَ: (فَإِنْ قُلْتُ: إلَى آخِرِ مَا جَعَلَهُ جَوَابًا لِهَذَا السُّؤَالِ) قُلْتُ: السُّؤَالُ وَارِدٌ لَازِمٌ وَمَا جَعَلَهُ جَوَابًا لَيْسَ بِجَوَابٍ وَلَكِنَّهُ احْتِجَاجٌ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّيْبُ لِوَقْتِ الْخِطَابِ فَأْتُوا بِسُورَةٍ أَيْ فَأَنْتُمْ مُطَالَبُونَ بِمَا يُزِيلُهُ وَهُوَ الْمُعَارَضَةُ الْمُفِيدَةُ لِلْجَزْمِ وَبَعْدَ الْوَاوِ فِي مَقَامِ التَّأْكِيدِ فِي نَحْوِ زَيْدٌ وَإِنْ كَثُرَ مَالُهُ بَخِيلٌ حَيْثُ اُعْتُبِرَ كَوْنُ الْوَاوِ لِلْعَطْفِ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ إنْ لَمْ يُكْثِرْ مَالُهُ وَإِنْ كَثُرَ مَالُهُ وَكَوْنُ إنْ شَرْطِيَّةً وَلَوْ لَمْ يُقَدَّرْ لَهَا جَوَابٌ إذْ قَوْلُهُمْ إنْ الشَّرْطِيَّةُ لَهَا شَرْطٌ وَجَزَاءٌ غَالِبِيٌّ لَا كُلِّيٌّ وَقَلِيلًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَقَوْلِ أَبِي الْعَلَاءِ الْمَعَرِّيِّ: فَيَا وَطَنِي إنْ فَاتَنِي بِك سَابِقٌ ... مِنْ الدَّهْرِ فَلْيَنْعَمْ لِسَاكِنِك الْبَالُ أَيْ إنْ كَانَ زَمَنٌ سَابِقٌ فَوَّتَ عَلَيَّ الْإِقَامَةَ وَالسُّكْنَى فِي وَطَنِي وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لِي الْإِقَامَةُ فِيهِ وَتَوَلَّاهُ غَيْرِي فَلَا لَوْمَ عَلَيَّ لِأَنِّي تَرَكْتُهُ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَلْتَطِبْ نَفْسُ ذَلِكَ السَّاكِنِ وَلْيَنْعَمْ بَالُهُ وَالْغَرَضُ مِنْ ذَلِكَ إظْهَارُ التَّحَسُّرِ وَالتَّحَزُّنِ عَلَى مُفَارَقَةِ الْوَطَنِ وَالشَّاهِدُ فِي قَوْلِهِ إنْ فَاتَنِي فَإِنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْمَاضِي لَفْظًا وَمَعْنًى وَأَمَّا لَوْ فَتَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي قَالَ السَّعْدُ: وَمَذْهَبُ الْمُبَرِّدِ أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ اسْتِعْمَالَ إنْ وَهُوَ مَعَ قِلَّتِهِ ثَابِتٌ اهـ. قَالَ الدُّسُوقِيُّ نَحْوَ قَوْلِهِ: وَلَوْ تَلْتَقِي أَصْدَاؤُنَا بَعْدَ مَوْتِنَا ... وَمِنْ دُونِ رَمْسِينَا مِنْ الْأَرْضِ سَبْسَبٌ لَظَلَّ صَدَى صَوْتِي وَإِنْ كُنْت رِمَّةً ... لِصَوْتِ صَدَى لَيْلَى يَهَشُّ وَيَطْرَبُ وَلَوْ شَرْطِيَّةٌ مَعَ الْمَاضِي وَلَهَا ثَلَاثُ اسْتِعْمَالَاتٍ: أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ لِلتَّرْتِيبِ

فِي أَيِّ بُقْعَةٍ كَانُوا وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ وَإِذَا كَانَ لَا يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الصِّيَغِ إلَّا الْعُمُومُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى وَضْعِهَا لَهُ. (الْوَجْهُ الثَّانِي) الدَّالُّ عَلَى كَوْنِهَا لِلْعُمُومِ أَنَّ الْقَاعِدَةَ فِي جَمِيعِ صِيَغِ الْعُمُومِ أَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ إذَا أُضِيفَ عَمَّ نَحْوَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا الْحُكْمُ بِالطَّهُورِيَّةِ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ الْمَاءِ وَجَمِيعِ أَفْرَادِ الْمَيْتَةِ وَأَيْنَ وَحَيْثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْمُ جِنْسِ الْمَكَانِ وَهُمَا مُضَافَانِ لِمَا بَعْدَهُمَا بَلْ الْإِضَافَةُ لَازِمَةٌ لَهُمَا فَيَكُونَانِ لِلْعُمُومِ فَإِنْ قُلْتَ: ذَلِكَ يَبْطُلُ بِإِذَا وَإِذْ وَعِنْدَ وَوَرَاءَ وَقُدَّامَ وَبَقِيَّةِ الْجِهَاتِ السِّتِّ وَغَيْرِ وَسِوَى وَشِبْهِ وَمِثْلِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ إلَّا مُضَافًا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ مَعَ وُجُودِ الْإِضَافَةِ الَّتِي هِيَ فِي حَيْثُ وَأَيْنَ قُلْتُ: الْتَزَمَ أَنَّ الْجَمِيعَ لِلْعُمُومِ. وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ كُلَّ الَّذِي هُوَ أَقْوَى صِيَغِ الْعُمُومِ إنَّمَا يَعُمُّ فِيمَا أُضِيفَ إلَيْهِ خَاصَّةً فَإِذَا قُلْتَ: كُلُّ رِجْلٍ لَهُ دِرْهَمٌ إنَّمَا يَعُمُّ الرِّجَالَ وَلَوْ قُلْتَ: كُلُّ حَيَوَانٍ إنَّمَا عَمَّ الْحَيَوَانَاتِ كُلَّهَا وَلَوْ قُلْنَا: كُلُّ نَبِيٍّ اخْتَصَّ بِالْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا يَتَعَدَّى الْعُمُومُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ: إذَا قَالَ الْقَائِلُ: إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فَأَنْتَ حُرٌّ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي زَمَنِ الزَّوَالِ خَاصَّةً وَلَا مَانِعَ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لِلْعُمُومِ وَكَذَلِكَ إذَا قُلْت: آتِيك إذَا جَاءَ زَيْدٌ عَامٌّ فِي جَمِيعِ زَمَانِ مَجِيءِ زَيْدٍ وَكَذَلِكَ عِنْدَك مَالٌ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ حَوْزَتِك وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: 96] عَامٌّ فِي جَمِيعِ بِقَاعِنَا الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى أَمْوَالِنَا وَمَمْلُوكَاتِنَا وَكَذَلِكَ وَرَاءَكَ وَأَمَامَكَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْبِقَاعِ الَّتِي هِيَ وَرَاءَكَ وَأَمَامَكَ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ وَلَا نِهَايَةٍ وَكَذَلِكَ كُلُّ حَدٍّ أُشِيرَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ كَانَ اللَّفْظُ فِيهِ حَقِيقَةً وَكَانَ اللَّفْظُ مُتَنَاوِلًا لَهُ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْجِهَاتِ السِّتِّ عَامَّةٌ فِي مُسَمَّيَاتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــSمِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فَمَا جَعَلَهُ جَوَابًا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ عَاضِدٌ لِلسُّؤَالِ. قَالَ: (فَإِنْ قُلْتَ: ذَلِكَ يَبْطُلُ بِإِذَا وَإِذْ وَعِنْدَ وَوَرَاءَ وَقُدَّامَ وَبَقِيَّةِ الْجِهَاتِ السِّتِّ وَغَيْرِ وَسِوَى وَشِبْهِ وَمِثْلِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ إلَّا مُضَافًا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ إلَى قَوْلِهِ فَلَا يَتَعَدَّى الْعُمُومُ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ) قُلْتُ: الْتِزَامُهُ أَنَّ الْجَمِيعَ لِلْعُمُومِ فِيهِ نَظَرٌ وَإِلَّا ظَهَرَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَمَا الْتَزَمَ وَمَا جَعَلَهُ تَقْرِيرًا لِمَا الْتَزَمَهُ مِنْ أَنَّ صِيَغَ الْعُمُومِ إنَّمَا تَعُمُّ فِيمَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَا حَاجَةَ لَهُ فِيهِ عَلَى مَرَامِهِ بِوَجْهٍ. قَالَ: (إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا قَالَ الْقَائِلُ: إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فَأَنْتَ حُرٌّ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي زَمَنِ الزَّوَالِ خَاصَّةً وَلَا مَانِعَ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لِلْعُمُومِ) قُلْتُ: بَلْ لَا مُوجِبَ لِلْقَوْلِ بِالْعُمُومِ. قَالَ: (وَكَذَلِكَ إذَا قُلْتَ: آتِيك إذَا جَاءَ زَيْدٌ عَامٌّ فِي جَمِيعِ زَمَانِ مَجِيءِ زَيْدٍ وَكَذَلِكَ عِنْدَك مَالٌ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ حَوْزَتِك) قُلْتُ: قَوْلُهُ أَنَّ ذَلِكَ لِلْعُمُومِ دَعْوَى بِغَيْرِ حُجَّةٍ. قَالَ: (وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: 96] عَامٌّ فِي جَمِيعِ بِقَاعِنَا الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى أَمْوَالِنَا) قُلْتُ: الْعُمُومُ فِي الْآيَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ مَا. قَالَ: (وَكَذَلِكَ وَرَاءَك وَأَمَامَك إلَى قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْجِهَاتِ السِّتِّ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ مُسَمَّيَاتِهَا) قُلْتُ: كُلُّ مَا قَالَهُ دَعْوَى لَمْ يَأْتِ عَلَيْهَا بِحُجَّةٍ وَجَمِيعُ مَا ادَّعَاهُ عُمُومًا إنَّمَا هُوَ عُمُومُ الْحَقِيقَةِ لَا عُمُومُ الِاسْتِغْرَاقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَارِجِيِّ بِمَعْنَى أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ انْتِفَاءِ الْجَزَاءِ فِي الْخَارِجِ وَهِيَ انْتِفَاءُ مَضْمُونُ الشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَى أَنَّ عِلَّةَ الْعِلْمِ بِانْتِفَاءِ الْجَزَاءِ مَا هِيَ فَمَعْنَى لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَهَدَاكُمْ أَنَّ انْتِفَاءَ الْهِدَايَةِ إنَّمَا هُوَ سَبَبُ انْتِفَاءِ الْمَشِيئَةِ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْمَشِيئَةِ عِلَّةٌ فِي انْتِفَاءِ الْهِدَايَةِ فِي الْخَارِجِ وَهَذَا هُوَ الِاسْتِعْمَالُ الْغَالِبُ فَلِذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ لَوْ حَرْفٌ لِمَا كَانَ سَيَقَعُ لِوُقُوعِ غَيْرِهِ أَيْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ كَانَ يَقَعُ فِيمَا مَضَى لَوْ وَقَعَ الشَّرْطُ وَقَالَ غَيْرُهُ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُعْرِبُونَ حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعِ أَيْ امْتِنَاعُ الْجَوَابِ لِامْتِنَاعِ الشَّرْطِ فَافْهَمْ. وَالثَّانِي كَوْنُهَا لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى انْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ بِانْتِفَاءِ اللَّازِمِ الَّذِي هُوَ الْجَزَاءُ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَى أَنَّ عَلَى الْجَزَاءِ فِي الْخَارِجِ مَا هِيَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] فَإِنَّ الْقَصْدَ بِهِ تَعْلِيمُ الْخَلْقِ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ بِأَنْ يَسْتَدِلُّوا بِالتَّصْدِيقِ بِانْتِفَاءِ الْفَسَادِ عَلَى الْعِلْمِ بِانْتِفَاءِ التَّعَدُّدِ وَلَيْسَ الْقَصْدُ بِهِ بَيَانَ أَنَّ عِلَّةَ انْتِفَاءِ الْفَسَادِ فِي الْخَارِجِ انْتِفَاءُ التَّعَدُّدِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا نَظَرًا لِلْأَصْلِ إلَّا أَنَّهُ نَظَرًا لِمَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ إلَّا ظَهَرَ الْقَصْدُ الْأَوَّلُ أَيْ الِاسْتِعْمَالُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى انْتِفَاءِ التَّعَدُّدِ بِانْتِفَاءِ الْفَسَادِ. وَالثَّالِثُ كَوْنُهَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى اسْتِمْرَارِ شَيْءٍ بِرَبْطِهِ إمَّا بِأَبْعَدَ النَّقِيضَيْنِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ قَوْلِ عُمَرَ عَلَى مَا قِيلَ «نِعْمَ الْعَبْدُ صُهَيْبٌ لَوْ لَمْ يَخَفْ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ» فَالْخَوْفُ وَعَدَمُهُ نَقِيضَانِ وَعَدَمُهُ أَبْعَدُ لِعَدَمِ الْعِصْيَانِ مِنْهُ فَعَلَّقَ عَدَمَ الْعِصْيَانِ عَلَى الْأَبْعَدِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عَدَمَ الْعِصْيَانِ مِنْ صُهَيْبٍ مُسْتَمِرٌّ وَأَنَّ الْعِصْيَانَ لَا يَقَعُ مِنْهُ أَصْلًا وَأَمَّا بِالْمُسَاوِي كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي «دُرَّةَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ أَيْ هِنْدٍ لَمَّا بَلَغَهُ تَحَدُّثُ النِّسَاءِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْكِحَهَا أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِي إنَّهَا لِابْنَةِ أَخِي مِنْ الرَّضَاعِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ حَيْثُ رَتَّبَ عَدَمَ حِلِّهَا عَلَى عَدَمِ كَوْنِهَا رَبِيبَةً الْمُبَيَّنُ بِكَوْنِهَا ابْنَةَ أَخِي الرَّضَاعِ الْمُنَاسِبُ هُوَ لَهُ شَرْعًا فَيَتَرَتَّبُ أَيْضًا فِي قَصْدِ الْمُرَتَّبِ عَلَى كَوْنِهَا رَبِيبَةً الْمُفَادُ بِلَوْ الْمُنَاسِبُ هُوَ لَهُ شَرْعًا كَمُنَاسَبَتِهِ لِلْأَوَّلِ سَوَاءٌ لِمُسَاوَاةِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ لِحُرْمَةِ الرَّضَاعِ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لِي أَصْلًا لِأَنَّ بِهَا وَصْفَيْنِ لَوْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا حُرِّمَتْ لَهُ كَوْنَهَا رَبِيبَةً وَكَوْنَهَا ابْنَةَ أَخِي مِنْ الرَّضَاعِ وَأَمَّا بِالْأَقْرَبِ كَقَوْلِك فِيمَنْ عَرَضَ عَلَيْك نِكَاحَهَا لَوْ انْتَفَتْ أُخُوَّةُ

وَأَمَّا غَيْرُ وَشِبْهُ وَسِوَى وَمِثْلُ فَإِنَّهَا لَا تَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ النُّحَاةُ وَمَا لَا يَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ كَانَ وُجُودُ الْإِضَافَةِ فِيهِ كَعَدَمِهَا فَلِذَلِكَ لَمْ يَعُمَّ بِخِلَافِ أَيْنَ وَحَيْثُ فَإِنْ قُلْت: لَمْ نَجِدْ أَحَدًا عَدَّ هَذِهِ الصِّيَغَ كُلَّهَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَكُتُبِ النَّحْوِ. (قُلْت) : كَفَاهُمْ فِي التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا قَوْلُهُمْ اسْمُ الْجِنْسِ إذَا أُضِيفَ عَمَّ إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَيَصِيرُ مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ جَلَسْت مِثْلَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي جَمِيعِ الْبِقَاعِ أَوْ فِي كُلِّ الْبِقَاعِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَلَزِمَهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَيَكُونُ الْعُمُومُ ثَابِتًا لِلظَّرْفِ وَكَذَلِكَ هَا هُنَا فَصَحَّ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ حَيْثُ وَأَيْنَ لِلْعُمُومِ وَأَنَّ اللَّازِمَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا يَتَنَافَى ذَلِكَ وَلَا يَتَنَاقَضُ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَالْحُكْمُ لَا يَلْزَمُ شُمُولُهُ لِلْأَفْرَادِ إلَّا فِي الْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْعُمُومِ الِاسْتِغْرَاقِيِّ كَمَا إذَا قُلْتُ: كُلُّ رَجُلٍ فَلَهُ دِرْهَمٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الرِّجَالِ يَسْتَحِقُّ دِرْهَمًا وَأَمَّا إذَا قُلْتُ: الرَّجُلُ لَهُ دِرْهَمٌ وَأَرَدْت بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ الْعَهْدَ فِي الْجِنْسِ وَلَمْ تُرِدْ بِهَا الْعَهْدَ فِي الشَّخْصِ وَلَا الْعُمُومَ الْاسْتِغْرَاقِيَّ عَلَى مَنْ قَالَ بِذَلِكَ فَلَا يَسْتَحِقُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرِّجَالِ دِرْهَمًا وَلَكِنْ يَسْتَحِقُّ الْجِنْسَ كُلَّهُ دِرْهَمًا خَاصَّةً. قَالَ: (وَأَمَّا غَيْرُ وَسِوَى وَشِبْهُ وَمِثْلُ إلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ أَيْنَ وَحَيْثُ) قُلْتُ: قَوْلُهُ فَلِذَلِكَ لَمْ يَعُمَّ إمَّا أَنْ يُرِيدَ فَلِكَوْنِ هَذِهِ الْإِضَافَةِ وُجُودَهَا كَعَدَمِهَا أَوْ لِكَوْنِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَا تَتَعَرَّفُ بِالْإِضَافَةِ أَوْ لِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ أَكْرِمْ حِسَانَ الْوُجُوهِ يَعُمُّ مَعَ أَنَّ إضَافَتَهُ وُجُودُهَا كَعَدَمِهَا وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِيَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ كُلُّ رَجُلٍ لَهُ دِرْهَمٌ يَعُمُّ مَعَ أَنَّ لَفْظَ كُلٍّ لَا يَتَعَرَّفُ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ وَإِنْ أَرَادَ الثَّالِثَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْمَجْمُوعِ إلَّا كَوْنُ هَذِهِ الْإِضَافَةِ وُجُودُهَا كَعَدَمِهَا وَالْمُرَادُ بِأَنَّ وُجُودَهَا كَعَدَمِهَا كَوْنُ الْمُضَافِ لَا يَتَعَرَّفُ بِهَا فَآلَ الْأَمْرُ إلَى الثَّانِي وَقَدْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ. قَالَ: (فَإِنْ قُلْتَ: لَمْ نَجِدْ أَحَدًا عَدَّ هَذِهِ الصِّيَغَ كُلَّهَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَكُتُبِ النَّحْوِ قُلْتُ: كَفَاهُمْ فِي التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا قَوْلُهُمْ اسْمُ الْجِنْسِ إذَا أُضِيفَ عَمَّ) قُلْتُ: لَعَلَّ مُرَادَهُمْ إذَا أُضِيفَ لِغَيْرِ الْجُمَلِ وَكَانَ مِمَّا يَنْطَلِقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مُسَمَّاهُ كَالْمَالِ وَنَحْوِهِ لَا كَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ ذَلِكَ نَظَرٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَعُمُّ مِثْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ عَبْدِي حُرٌّ لَا يَصِحُّ فِيهِ دَعْوَى الْعُمُومِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي إضَافَةِ الْجَمْعِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: عَبِيدِي أَحْرَارٌ فَلَمْ يَكُنْ الْعُمُومُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ اسْمَ جِنْسٍ أُضِيفَ وَإِنَّمَا كَانَ الْعُمُومُ لِأَنَّهُ جَمْعٌ أُضِيفَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ إلَى قَوْلِهِ وَلَا يَتَنَافَى ذَلِكَ وَلَا يَتَنَاقَضُ) قُلْتُ: لَمْ يَتَقَرَّرْ ذَلِكَ وَلَوْ تَقَرَّرَ لَكَانَ مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ حَيْثُ جَلَسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ مَكَان جَلَسْت فِيهِ فَإِذَا جَلَسْت فِي أَمَاكِنَ عِدَّةٍ اقْتَضَى اللَّفْظُ لُزُومَ الطَّلَاقِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَمَاكِنِ أَيَّ عَدَدٍ كَانَتْ غَيْرَ أَنَّ الشَّرْعَ قَصَرَ الطَّلَاقَ عَلَى الثَّلَاثِ وَقَطَعَ الْعِصْمَةَ بِهَا فَالزَّائِدُ عَلَيْهَا لَغْوٌ. وَإِذَا لَمْ يَتَقَرَّرْ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّضَاع لَمَا حَلَّتْ لِلنَّسَبِ حَيْثُ رَتَّبَتْ عَدَمَ حِلِّهَا عَلَى عَدَمِ أُخُوَّتِهَا مِنْ الرَّضَاعِ الْمُبَيَّنِ بِأُخُوَّتِهَا مِنْ النَّسَبِ الْمُنَاسِبِ هُوَ لَهَا شَرْعًا فَيَتَرَتَّبُ أَيْضًا فِي قَصْدِك عَلَى أُخُوَّتِهَا مِنْ الرَّضَاعِ الْمُفَادِ بِلَوْ الْمُنَاسِبُ هُوَ لَهَا شَرْعًا لَكِنْ دُونَ مُنَاسَبَتِهِ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الرَّضَاعِ أَدْوَنُ مِنْ حُرْمَةِ النَّسَبِ وَالْمَعْنَى لَا تَحِلُّ لِي أَصْلًا لِأَنَّ بِهَا وَصْفَيْنِ لَوْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا حُرِّمَتْ لَهُ أُخُوَّتُهَا مِنْ النَّسَبِ وَأُخُوَّتُهَا مِنْ الرَّضَاعِ. وَقَدْ أَشَارَ الْعَلَّامَةُ السُّبْكِيُّ لِهَذِهِ الِاسْتِعْمَالَاتِ الثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ: مَدْلُولُ لَوْ رَبْطُ وُجُودٍ ثَانٍ ... بِأَوَّلٍ فِي سَابِقِ الْأَزْمَانِ مَعَ انْتِفَاءِ ذَلِكَ الْمُقَدَّمِ ... حَقًّا بِلَا رَيْبٍ وَلَا تَوَهُّمٍ أَمَّا الْجَوَابُ إنْ يَكُنْ مُنَاسِبًا ... وَلَيْسَ غَيْرُ شَرْطِهِ مُصَاحِبًا فَاحْكُمْ لَهُ بِالنَّفْيِ أَيْضًا وَاعْلَمْ ... بِأَنَّ كُلًّا دَاخِلٌ فِي الْعَدَمِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُنَاسِبًا فَوَاجِبٌ ... مِنْ بَابِ أَوْلَى ذَاكَ حُكْمٌ لَازِبٌ وَفِي مُنَاسِبٍ لَهُ إذْ يُفْقَدُ ... مُنَاسِبٌ سِوَاهُ قَدْ لَا يُوجَدُ هَذَا جَوَابُ لَوْ بِتَقْسِيمٍ حَصَلْ ... مُمْتَنِعٌ وَوَاجِبٌ وَمُحْتَمِلْ وَمُعْظَمُ الْمَقْصُودِ فِيمَا يَجِبُ ... إثْبَاتُهُ فِي كُلِّ حَالٍ يُطْلَبُ مِثَالُهُ نِعْمَ الَّذِي لَوْ لَمْ يَخَفْ ... لَمَا عَصَى إلَهَهُ وَلَا اقْتَرَفْ وَمُعْظَمُ الْمَقْصُودِ فِي الْمُمْتَنِعِ ... بَيَانُ نَفْيِ شَرْطِهِ الَّذِي ادَّعَى كَلَوْ يَكُونُ فِيهِمَا شَرِيكٌ ... لَامْتَنَعَا فَالْوَاحِدُ الْمَلِيكُ أَوْ أَنَّ ذَاكَ النَّفْيَ حَقًّا أَثَّرَا ... فِي عَدَمِ الَّذِي يَلِي بِلَا مِرَا كَلَوْ أَتَيْتَنِي لَكُنْت تُكْرَمُ ... كَرَامَتِي لِمَنْ قَلَانِي تُعْدَمُ وَقَدْ تَخْرُجُ عَنْ الشَّرْطِيَّةِ فَتَكُونُ وَصْلَةً لِلرَّبْطِ مَعَ وَاوِ الْحَالِ فِي الْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ فِي نَحْوِ زَيْدٌ وَلَوْ كَثُرَ مَالُهُ بَخِيلٌ وَتَكُونُ لِلتَّمَنِّي وَالْمَصْدَرِيَّةِ فِي نَحْوِ رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ فَاسْتِعْمَالَاته اسِتَّةٌ اهـ. بِتَوْضِيحٍ مِنْ مُخْتَصَرِ السَّعْدِ عَلَى التَّلْخِيصِ وَفِي حَاشِيَةِ الشِّرْبِينِيِّ عَلَى حَوَاشِي مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ نَقْلًا عَنْ عَبْدِ الْحَكِيمِ عَنْ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيِّ أَنَّ مَا ذُكِرَ هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الْقَوْلَ بِالِاشْتِرَاكِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ الْأَمْرُ فِي لَفْظَتَيْ إنْ وَلَوْ إلَى حَدِّ أَنْ يَكُونَ مَا كَثُرَ فِيهِ هُوَ السَّابِقُ مِنْهُمَا إلَى الْفَهْمِ حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِيمَا كَثُرَ فِيهِ وَمَجَازًا عُرْفِيًّا فِيمَا قَلَّ فِيهِ بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ وَعُرْفِيَّةٌ فِيمَا كَثُرَ أَوْ قَلَّ فِيهِ أَوْ الْقَوْلُ بِالْحَقِيقَةِ أَوْ الْمَجَازِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ بَلَغَ الْأَمْرُ فِي لَفْظَيْهِمَا إلَى الْحَدِّ الْمَذْكُورِ وَلَمَّا كَانَ الْأَصْلُ يَنْفِي كُلًّا مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي الْقَاضِيَ الْبَيْضَاوِيَّ عَنْ الْمَشْهُورِ. وَقَالَ: لَوْ مِنْ

(الْقِسْمُ الرَّابِعُ) الَّذِي بَقِيَ مِنْ التَّقْسِيمِ فِي الْقَاعِدَةِ وَهُوَ تَعْلِيقُ عَامٌّ عَلَى مُطْلَقٍ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ الْتِزَامَ جَمِيعِ الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ فَرْدٍ فَهَذَا الْقِسْمُ الْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ ثَلَاثٌ وَيَسْقُطُ مَا عَدَاهَا كَمَا لَوْ قَالَ: لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَاتٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا فِي الْعَدَدِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ صَرَّحَ بِالْعُمُومِ مَعَ الْإِطْلَاقِ فِي الزَّمَانِ فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ وَيَسْقُطُ الْبَاقِي فَهَذَا الْقِسْمُ مَوْجُودٌ فِي اللُّغَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُرَكَّبَةِ وَلَمْ أَجِدْهُ بِلَفْظٍ مُفْرَدٍ كَمَا هُوَ فِي كُلَّمَا وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ كُلَّمَا وَمَتَى وَأَيْنَمَا وَحَيْثُمَا أَنَّ مَا فِي الْجَمِيعِ زَمَانِيَّةٌ فَمَعْنَى قَوْلِهِ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ زَمَانٍ تَدْخُلِينَ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَجَعَلَ جَمِيعَ الْأَزْمِنَةِ كُلَّ فَرْدٍ مِنْهَا ظَرْفًا لِحُصُولِ طَلْقَةٍ فَيَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ فِي تِلْكَ الظُّرُوفِ تَوْفِيَةً بِاللَّفْظِ. وَمُقْتَضَاهُ حَتَّى يَحْصُلَ فِي كُلِّ زَمَانٍ طَلْقَةٌ أَمَّا مَتَى مَا فَمَتَى لِلزَّمَانِ الْمُبْهَمِ لَا لِلْمُعَيَّنِ حَتَّى نَصَّ النُّحَاةُ عَلَى مَنْعِ قَوْلِنَا مَتَى تَطْلُعُ الشَّمْسُ فَإِنَّ زَمَنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مُتَعَيِّنٌ فَيَمْتَنِعُ السُّؤَالُ عَنْهُ بِمَتَى بِخِلَافِ قَوْلِك مَتَى يَقْدَمُ زَيْدٌ فَإِنَّ زَمَنَ قُدُومِ زَيْدٍ مُبْهَمٌ وَإِذَا كَانَ مَعْنَاهَا الزَّمَانَ الْمُبْهَمَ وَمَا أَيْضًا مَعْنَاهَا الزَّمَانُ فَيَصِيرُ مَعْنَى الْكَلَامِ زَمَانَ زَمَانَ تَدْخُلِينَ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِهَذَا لَكَانَ فِي مَعْنَى إعَادَةِ اللَّفْظِ وَأَنَّ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ زَمَانَ تَدْخُلِينَ الدَّارَ أَنْتِ فِيهِ طَالِقٌ بِخِلَافِ قَوْلِك كُلَّمَا فَإِنَّهَا تَقْتَضِي الْإِحَاطَةَ وَالشُّمُولَ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَالتَّكْرَارُ فِيهِ كَقَوْلِك كُلَّمَا أَكْرَمْت زَيْدًا أَكْرَمَنِي أَيْ إكْرَامُهُ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ إكْرَامِي وَأَمَّا حَيْثُمَا وَأَيْنَمَا فَهُوَ مَكَانٌ أُضِيفَ إلَى زَمَانٍ وَتَقْدِيرُهُ مَكَانَ زَمَانَ دُخُولِكِ الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ فِيهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــSفَكَوْنُ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَتَنَافَ وَلَمْ يَتَنَاقَضْ لَيْسَ لِمَا ذَكَرَ بَلْ لِكَوْنِ تِلْكَ الصِّيَغِ لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (الْقِسْمُ الرَّابِعُ الَّذِي بَقِيَ مِنْ التَّقْسِيمِ فِي الْقَاعِدَةِ تَعْلِيقُ عَامٍّ عَلَى مُطْلَقٍ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ الْتِزَامَ جَمِيعِ الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ فَرْدٍ) قُلْتُ: قَوْلُهُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ الْتِزَامَ جَمِيعِ الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ فَرْدٍ إنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ مَا يَقْتَضِي زَمَنًا فَرْدًا لَيْسَ بِمُطْلَقٍ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ فِيهِ الْفَرْدُ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْمُمْكِنِ لَا لِأَنَّ لَفْظَ الْإِطْلَاقِ يَقْتَضِيهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَلْزَمُ لِأَنَّهُ أَقَلَّ مُقْتَضَى اللَّفْظِ فِي ضَرُورَةِ الْوُجُودِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ. (قَالَ: فَهَذَا الْقِسْمُ الْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ الثَّلَاثِ وَيَسْقُطُ مَا عَدَاهَا كَمَا لَوْ قَالَ: لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَاتٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا فِي الْعَدَدِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إلَى قَوْلِهِ كَمَا هُوَ فِي كُلَّمَا) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ: (وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ كُلَّمَا وَمَتَى وَمَا وَأَيْنَمَا وَحَيْثُمَا إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ كُلَّمَا وَمَتَى مَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَقِيضٌ قَوْلُهُ قَبْلَ أَنَّ مَتَى لِلْعُمُومِ وَيَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّ مَا لِلزَّمَانِ أَنَّهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ اسْمٌ وَمَا أَرَى ذَلِكَ قَوْلًا لِأَحَدٍ مِنْ النُّحَاةِ، ثُمَّ بَنَى عَلَى ذَلِكَ أَنَّ حَيْثُمَا مَعْنَاهَا مَكَانٌ وَزَمَانٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَقَوْلُهُ أَنَّ بَحْثَهُ ذَلِكَ هُوَ الْبَحْثُ الْكَاشِفُ عَنْ هَذِهِ الْحَقَائِقِ لَيْسَ كَمَا قَالَ: بَلْ هُوَ الْمُخَلِّطُ لِهَذِهِ الْحَقَائِقِ وَقَوْلُهُ فَبِذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQحُرُوفِ الشَّرْطِ وَظَاهِرُهَا الدَّلَالَةُ عَلَى انْتِفَاءِ الْأَوَّلِ لِانْتِفَاءِ الثَّانِي أَيْ إنَّ سَائِرَ حُرُوفِ الشَّرْطِ كَمَا أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِمُجَرَّدِ تَعْلِيقٍ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى انْتِفَاءٍ وَثُبُوتٍ فَكَذَلِكَ كَلِمَةُ لَوْ مَوْضُوعَةٌ لِمُجَرَّدِ تَعْلِيقِ حُصُولِ أَمْرٍ فِي الْمَاضِي بِحُصُولِ أَمْرٍ آخَرَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى انْتِفَاءِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي أَوْ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْجَزَاءِ بَلْ جَمِيعُ هَذِهِ الْأُمُورِ خَارِجَةٌ عَنْ مَفْهُومِهَا مُسْتَفَادَةٌ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ كَيْ لَا يَلْزَمَ الْقَوْلُ بِالِاشْتِرَاكِ أَوْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَظَاهِرُهَا إلَخْ إلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ الشَّيْخِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ لَوْ حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ تَالٍ يَلْزَمُ لِثُبُوتِهِ ثُبُوتُ تَالِيَةٍ أَيْ فِي الْمَاضِي وَتَزْيِيفُ الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهَا حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعٍ يَعْنِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَوْ مِنْ حُرُوفِ الشَّرْطِ وَمَعْنَاهَا مُجَرَّدُ التَّعْلِيقِ فَاللَّازِمُ لِمَفْهُومِهَا هُوَ الدَّلَالَةُ عَلَى انْتِفَاءِ الْأَوَّلِ بِانْتِفَاءِ الثَّانِي وَكَوْنُ هَذَا الْقَوْلِ لَازِمًا لِمَفْهُومِهَا لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِرَادَةَ فِي جَمِيعِ مَوَارِدِهَا فَإِنَّ الدَّلَالَةَ غَيْرُ الْإِرَادَةِ وَوَجْهُ تَزْيِيفِ الْمَشْهُورِ هُوَ أَنَّهُ مَعَ تَوَقُّفِهِ عَلَى كَوْنِ انْتِفَاءِ الْأَوَّلِ مَأْخُوذًا فِي مَدْلُولِ لَوْ الْمُسْتَلْزِمِ خِلَافَ الْأَصْلِ كَمَا عَرَفْت يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ التَّعْلِيقِ عَلَى أَمْرٍ مَفْرُوضِ الْحُصُولِ إبْدَاءُ الْمَانِعِ مِنْ حُصُولِ الْمُعَلَّقِ فِي الْمَاضِي وَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ إلَى حَدِّ الْوُجُودِ وَبَقِيَ عَلَى حَالِهِ لِارْتِبَاطِ وُجُودِهِ بِأَمْرٍ مَعْدُومٍ وَأَمَّا أَنَّ انْتِفَاءَهُ بِسَبَبٍ لِانْتِفَائِهِ فِي الْخَارِجِ فَلَا كَيْفَ وَالشَّرْطُ النَّحْوِيُّ قَدْ يَكُونُ مُسَبَّبًا نَحْوَ لَوْ كَانَ الْعَالَمُ مُضِيئًا لَكَانَتْ الشَّمْسُ طَالِعَةً وَقَدْ يَكُونُ مُضَافًا نَحْوَ لَوْ كَانَ زَيْدٌ أَبًا لِعَمْرٍو لَكَانَ عَمْرٌو ابْنًا لَهُ. وَقَدْ يَكُونُ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ مَعْلُولَيْنِ لِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ نَحْوَ لَوْ كَانَ النَّهَارُ مَوْجُودًا لَكَانَ الْعَالَمُ مُضِيئًا نَعَمْ انْتِفَاءُ الشَّرْطِ الِاصْطِلَاحِيِّ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِي انْتِفَاءَ الْمَشْرُوطِ فِي الْخَارِجِ وَمِنْ هَذَا ظَهَرَ جَوَابُ مَا قَالَهُ السَّعْدُ مِنْ أَنَّهُ يَدُلُّك عَلَى أَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ لِإِفَادَةِ السَّبَبِيَّةِ الْخَارِجِيَّةِ قَوْلُ أَبِي الْعَلَاءِ: وَلَوْ دَامَتْ الدَّوْلَاتُ كَانُوا كَغَيْرِهِمْ ... رَعَايَا وَلَكِنْ مَا لَهُنَّ دَوَامٌ وَقَوْلُ الْخَمَّاسِيِّ: وَلَوْ طَارَدَ ذُو حَافِرٍ قَبْلَهَا ... لَطَارَتْ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَطِرْ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمُقَدَّمِ لَا يُنْتَجُ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّازِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ أَنْ لَا يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا لِلِاسْتِدْلَالِ بِانْتِفَاءِ الْأَوَّلِ عَلَى انْتِفَاءِ الثَّانِي وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا تَكُونَ مُسْتَعْمَلَةً لِمُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ لِإِفَادَةِ إبْدَاءِ الْمَانِعِ مَعَ قِيَامِ

[المسألة الأولى قال الله تعالى حكاية عن عيسى إن كنت قلته فقد علمته]

صَرَّحَ بِهَذَا لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ التَّكْرَارُ بَلْ تَطْلُقُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْمَكَانِ طَلْقَةً وَاحِدَةً فَهَذَا هُوَ الْبَحْثُ الْكَاشِفُ عَنْ هَذِهِ الْحَقَائِقِ وَالْفُرُوقِ بَيْنَهَا وَبِذَلِكَ يَتَّضِحُ الْفِقْهُ فِيهَا. (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) نَصَّ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ فِي قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ هَذَا الْبَلَدِ فَهِيَ طَالِقٌ قَالُوا: إنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ النِّسَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَأَنَّ الْقَائِلَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ بِزَوَاجِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تَنْحَلُّ يَمِينُهُ مَعَ تَصْرِيحِهِ بِالْعُمُومِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَفِي التَّهْذِيبِ إنْ تَزَوَّجْتُكُنَّ فَإِنَّكُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَا يَتَكَرَّرُ الظِّهَارُ وَمَنْ دَخَلْت مِنْكُنَّ الدَّارَ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ وَكُلَّمَا تَزَوَّجْت فَالْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا هِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَكَذَلِكَ أَيَّتُكُنَّ كَلَّمْتُهَا فَهَذِهِ الْفُرُوعُ مُشْتَرَكَةٌ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ فَيَحْتَاجُ إلَى سِرِّ الْفَرْقِ بَيْنَهَا بِاعْتِبَارِ الْقَوَاعِدِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الطَّلَاقَ حُكْمٌ يَثْبُتُ لِأَفْرَادِ الْعُمُومِ كَثُبُوتِ الْقَتْلِ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْمُشْرِكِينَ وَالْحِلُّ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْبَيْعِ. وَأَمَّا الظِّهَارُ فَالْكَفَّارَةُ فِيهِ لِلنُّطْقِ بِالْكَلَامِ الزُّورِ عُقُوبَةً لِقَائِلِهِ فَإِذَا قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَقَدْ كَذَبَ كَذْبَةً وَاحِدَةً فَتَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا نَظْهَرُ إلَى الْعُمُومِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْقَوْلِ الْكَذِبِ كَمَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ إنَّ كُلَّ إنْسَانٍ جَمَادٌ فَإِنَّهَا كَذْبَةٌ وَاحِدَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِعُمُومٍ أَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَيْسَ فِي الدَّارِ أَحَدٌ مِنْ إخْوَتِك فَوَجَدَ الْجَمِيعَ فِيهَا فَإِنَّمَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ نَظَرًا لِاتِّحَادِ الْيَمِينِ وَالْحِنْثِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا وَأَمَّا تَكَرُّرُ الْكَفَّارَةِ فِي كُلَّمَا وَقَوْلُهُ مِنْكُنَّ وَأَيَّتُكُنَّ فَعَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. وَالْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي أَنْ لَا تَتَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا اُشْتُهِرَ لَفْظُ الظِّهَارِ فِي مُوجِبِ الْكَفَّارَةِ لُوحِظَتْ الْكَفَّارَةُ فِي مَقْصِدِ الْمُظَاهِرِ كَأَنَّهَا حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فَيَكُونُ قَدْ الْتَزَمَ تَكَرُّرُهَا فِي كَلِمَةِ كُلَّمَا وَأَشَارَ بِمِنْ إلَى التَّبْعِيضِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: عَلَيَّ الْكَفَّارَةُ فِي كُلِّ بَعْضٍ مِنْكُنَّ وَأَيُّ الْأَفْرَادِ فَيَكُونُ قَدْ الْتَزَمَ الْكَفَّارَةَ فِي كُلِّ فَرْدٍ وَأَمَّا كُلٌّ فَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الْإِحَاطَةِ وَالشُّمُولِ وَالْكُلُّ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ النَّفْيَ إذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا كَانَ مَعْنَاهَا الْكُلَّ فَلَوْ قُلْت: مَا قَبَضْت كُلَّ الْمَالِ لَكَانَ مَعْنَى كَلَامِك أَنَّك لَمْ تَقْبِضْ الْجَمِيعَ بَلْ بَعْضَهُ وَكَذَلِكَ مَا كُلُّ عَدَدٍ زَوْجٌ وَمَا كُلُّ حَيَوَانٍ إنْسَانٌ نَصَّ النُّحَاةُ عَلَى أَنَّك نَافٍ لِلْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ لَا لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ أَيْ فَإِنَّهَا لِلْحُكْمِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ وَهَذِهِ كُلُّهَا تَكَلُّفَاتٌ وَالْفِقْهُ يَقْتَضِي ـــــــــــــــــــــــــــــSيَتَّضِحُ الْفِقْهُ فِيهَا قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ بِذَلِكَ يُشْكِلُ الْفِقْهُ فِيهَا أَمَّا يَتَّضِحُ فَلَا. قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ نَصَّ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ فِي قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: بَنَى جَوَابَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَبْلُ مِنْ أَنَّ الظِّهَارَ خَبَرٌ وَقَدْ سَبَقَ الْقَوْلُ فِي أَنَّ ذَلِكَ مَوْضِعُ احْتِمَالٍ وَنَظَرٍ وَمَا ذَكَرَهُ فَارِقًا بَيْنَ كُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَكُلَّمَا تَزَوَّجْت فَالْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُقْتَضِي كَيْفَ وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهَا إفَادَةَ سَبَبِيَّةِ الِانْتِفَاءِ لِلِانْتِفَاءِ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ تَأْكِيدًا وَإِعَادَةً بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَعْنَاهَا مُجَرَّدَ التَّعْلِيقِ فَإِنَّهُ يَكُونُ إفَادَةً وَتَأْسِيسًا اهـ. [الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِيسَى إنْ كُنْت قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ] قُلْتُ وَعَلَى هَذَا فَالْفَرْقُ أَنَّ لَوْ لِمُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ فِي الْمَاضِي غَالِبًا وَأَمَّا إنْ فَلِمُجَرَّدِ التَّعْلِيقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ غَالِبًا فَافْهَمْ وَهُنَا وَصْلَانِ: (الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْكَثِيرَ فِي شَرْطِ إنْ وَجَزَائِهِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَا إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ مَعْدُومٍ وَالْقَلِيلُ تَعَلُّقُهُمَا بِمَاضٍ عَلَى مَا فِيهِ وَشَرْطُ لَوْ وَجَزَاؤُهُ بِالْعَكْسِ وَكَذَا سَائِرُ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ فَلَيْسَ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ مَعْدُومٍ كَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالدُّعَاءِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالتَّرَجِّي وَالتَّمَنِّي وَالْإِبَاحَةِ بَلْ عَدَمُ التَّعْلِيقِ بِغَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ خَاصٌّ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ بِهَذِهِ الثَّمَانِيَةِ فَلَا يَتَصَوَّرُ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي مَاضٍ وَلَا حَاضِرٍ وَمَا أَمْرُنَا بِهِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ إلَّا الصَّلَاةَ الْمُشَبَّهَةَ فَإِنَّهَا الَّتِي وَرَدَتْ فِي «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا قِيلَ لَهُ: كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك فَقَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ» وَقَوْلُنَا اللَّهُمَّ صَلِّ دُعَاءٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِعَطِيَّةٍ لَمْ تُعْطَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْدُومَةٍ وَالْمَوْجُودُ الْحَاصِلُ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَبْلَ دُعَائِنَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ طَلَبٌ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مُحَالٌ وَذَلِكَ الْمَوْجُودُ الْحَاصِلُ مَوَاهِبُ رَبَّانِيَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ مِنْ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمْ يُدْرِكْهَا أَحَدٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا وَمَا نَطْلُبُهُ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَلَوْ تَخَيَّلْنَاهُ أَقَلَّ مِنْ الْمَوَاهِبِ الْحَاصِلَةِ لِإِبْرَاهِيمَ بِمُقْتَضَى قَاعِدَةِ أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ أَعْظَمُ مِنْ الْمُشَبَّهِ فِي وَجْهِ الشَّبَهِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ تَفْضِيلُ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَلِكَ لَوْ أَعْطَى لِرَجُلٍ أَلْفَ دِينَارٍ وَأَعْطَى الْآخَرَ مِائَةً ثُمَّ طَلَبْنَا نَحْنُ مِنْ الْمَلِكِ أَنْ يَزِيدَ صَاحِبَ الْأَلْفِ عَلَى الْأَلْفِ مِثْلَ مَا أَعْطَى صَاحِبَ الْمِائَةِ وَأَجَابَ الْمَلِكُ طَلَبَنَا لَكَانَ الْحَاصِلُ مَعَ صَاحِبِ الْأَلْفِ أَلْفًا وَمِائَةً وَمَعَ صَاحِبِ الْمِائَةِ مِائَةً لَمْ يَلْزَمْ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنْ تَخَيَّلَ أَنَّ مِائَةَ صَاحِبِ الْمِائَةِ أَعْظَمُ مِنْ مِائَةِ صَاحِبِ الْأَلْفِ بِمُقْتَضَى قَاعِدَةِ التَّشْبِيهِ إخْلَالٌ مَا بِعَطِيَّةِ صَاحِبِ الْأَلْفِ فِي أَلْفِهِ بَلْ الْمِائَةُ زِيَادَةٌ عَلَى مَا وَقَعَ بِهِ التَّفْضِيلُ أَوَّلًا فَسَقَطَ مَا أَوْرَدَهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّ قَاعِدَةَ الْعَرَبِ تَقْتَضِي أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِالشَّيْءِ

عَدَمَ التَّكْرَارِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ هُوَ الْمُوجِبُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي فَرْقِ الْإِنْشَاءِ وَالْإِخْبَارِ. (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) إذَا قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تَنْحَلُّ يَمِينُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَبْقَى التَّعْلِيقُ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا بِعَقْدٍ ثَانٍ وَعَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إشْكَالَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَلْزَمُ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَثَانِيهمَا: أَنَّهُ خَصَّصَ الْمُعَلَّقَ بِالطَّلَاقِ الْمَمْلُوكِ مَعَ أَنَّ لَفْظَ التَّعْلِيقِ لَمْ يَتَقَاضَ ذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَاعِدَتِهِ فِي صِحَّةِ التَّعْلِيقِ قَبْلَ الْمِلْكِ فِي إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ لَمَّا جَعَلَ لِلْمُكَلَّفِ التَّعْلِيقَ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ جَعَلَ لَهُ حَلَّ ذَلِكَ التَّعْلِيقِ بِالتَّنْجِيزِ خَاصَّةً فَإِذَا نُجِّزَ بَطَلَتْ شَرْطِيَّةٌ الدُّخُولِ لِلطَّلَاقِ فَبَقِيَ غَيْرَ مَشْرُوطٍ فَمَا وُجِدَ الْمَشْرُوطُ دُونَ شَرْطِهِ قَطُّ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ لَفْظَ التَّعْلِيقِ يَتَقَاضَى التَّصَرُّفَ فِي الْمَمْلُوكِ فَقَطْ لِأَنَّ طَلَاقَ الْمَرْأَةِ إنَّمَا يَكُونُ مِمَّا هِيَ مَوْثُوقَةٌ فِيهِ وَإِنَّمَا هِيَ مَوْثُوقَةٌ فِي عِصْمَتِهِ الْحَاضِرَةِ دُونَ غَيْرِهَا فَكَانَ الطَّلَاقُ خَاصًّا بِهَذِهِ الْعِصْمَةِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْ التَّعْلِيقُ غَيْرَهَا إلَّا بِدَلِيلٍ الْأَصْلُ عَدَمُهُ، ثُمَّ يَتَأَكَّدُ ذَلِكَ بِمَا يَرِدُ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مَالِكًا لِسِتِّ طَلْقَاتٍ ثَلَاثٍ مُنَجَّزَاتٍ وَثَلَاثٍ مُعَلَّقَاتٍ وَاَلَّذِي أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ ثَلَاثًا فَقَطْ وَالْأَصْلُ عَدَمُ مِلْكِهِ لِلزَّائِدِ فَإِذَا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى وُقُوعِ الْمُنَجَّزِ تَعَيَّنَ إبْطَالُ التَّعْلِيقِ فِي الْمُعَلَّقِ حَتَّى يَقَعَ فِي الْمُعَلَّقِ بَعْدَ شَرْطٍ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) الشَّرْطُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا لَا يَقَعُ إلَّا دَفْعَةً كَالنِّيَّةِ وَإِلَى مَا لَا يَقَعُ إلَّا مُتَدَرِّجًا كَالْحَوْلِ وَقِرَاءَةِ السُّورَةِ وَإِلَى مَا يَقْبَلُ الْأَمْرَيْنِ كَإِعْطَاءِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ. قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي كِتَابِهِ الْمَحْصُولِ: فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ وُجُودَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ اُعْتُبِرَ مِنْ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ اجْتِمَاعُ أَجْزَائِهِ وَوُجُودُهَا فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ لِإِمْكَانِ ذَلِكَ وَاعْتُبِرَ مِنْ الثَّانِي وُجُودُ آخِرِ أَجْزَائِهِ لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ فِيهِ أَمَّا وُجُودُ الْحَقِيقَةِ بِجُمْلَةِ أَجْزَائِهَا فَذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ عَدَمَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ اعْتَبَرَهُ مِنْ الْجَمِيعِ أَوَّلَ أَزْمِنَةِ الْعَدَمِ لِصِدْقِ الْعَدَمِ حِينَئِذٍ عَلَى الْجَمِيعِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ سُؤَالَانِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْقَائِلَ إنْ أَعْطَيْتَنِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَأَنْتَ حُرٌّ لَا فَرْقَ فِي الْعُرْفِ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهَا مَجْمُوعَةً أَوْ دِرْهَمًا بَعْدَ دِرْهَمٍ وَالْأَيْمَانُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعُرْفِ فَاشْتِرَاطُهُ اجْتِمَاعُ الْجَمِيعِ ـــــــــــــــــــــــــــــSلَا يَقْوَى وَفِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَهَا نَظَرٌ. قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ إذَا قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَالَ: مَالِكٌ: تَنْحَلُّ يَمِينُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَبْقَى التَّعْلِيقُ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا بِعَقْدٍ ثَانٍ وَعَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إشْكَالَانِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ وَمَا اخْتَارَهُ مِنْ الْجَوَابِ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ الشَّرْطُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا لَا يَقَعُ إلَّا دَفْعَةً كَالنِّيَّةِ وَإِلَى مَا لَا يَقَعُ إلَّا مُتَدَرِّجًا كَالْحَوْلِ وَقِرَاءَةِ السُّورَةِ وَإِلَى مَا يَقْبَلُ الْأَمْرَيْنِ كَلَفْظِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: ذَكَرَ قَوْلَ فَخْرِ الدِّينِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ سُؤَالَيْنِ وَهُمَا وَارِدَانِ كَمَا قَالَ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونُ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْهُ وَأَعْظَمُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ وَهَا هُنَا شَبَّهْنَا عَطِيَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَطِيَّةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّ صَلَاةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَعْنَاهَا الْإِحْسَانُ مَجَازًا إمَّا بِالِاسْتِعَارَةِ أَوْ مُرْسَلًا مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْمُتَعَلِّقِ لَا الدُّعَاءِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ لِاسْتِحَالَتِهِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ إحْسَانَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمُ مِنْ إحْسَانِهِ لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَتَشْبِيهُهُ بِهِ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ فَمَا وَجْهُ التَّشْبِيهِ وَلَا حَاجَةَ لِجَوَابِهِ عَنْهُ بِأَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ بَيْنَ الْمَجْمُوعَيْنِ مَجْمُوعِ الْمُعْطَى لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِآلِهِ وَمَجْمُوعِ الْمُعْطَى لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلِآلِهِ وَآلُ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْبِيَاءُ وَآلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ فَالْمَجْمُوعُ الْمُعْطَى لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُقْسَمُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَالْمَجْمُوعُ الْمُعْطَى لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْسَمُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ فَتَكُونُ الْأَجْزَاءُ الْحَاصِلَةُ لِآلِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَعْظَمَ مِنْ الْأَجْزَاءِ الْحَاصِلَةِ لِآلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ الْفَاضِلُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمَ مِنْ الْفَاضِلِ لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلَ مِنْ إبْرَاهِيمَ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ نَعَمْ الصَّحِيحُ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الثَّمَانِيَةَ مِنْ الدُّعَاءِ وَمَا مَعَهُ. وَإِنْ كَانَتْ لَا تَتَعَلَّقُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ إلَّا بِالْمُسْتَقْبَلِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ كَمَا يَأْتِي فِي الْفَرْقِ الرَّابِعِ وَالسِّتِّينَ عَنْ ابْنِ الشَّاطِّ مِنْ تَشْبِيهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهَا بِغَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ فَسُؤَالُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ بِلَازِمِ الْوُرُودِ عَلَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا السُّؤَالَ مَبْنِيٌّ عَلَى مُشَابَهَةِ الْفِعْلِ الْمَطْلُوبِ لِلْفِعْلِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ بِأَنْ يَكُونَ مُرَادُ الدَّاعِي بِقَوْلِهِ أَعْطِ زَيْدًا كَمَا أَعْطَيْت عَمْرًا سَوِّ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ الْعَطِيَّةِ وَصِفَتِهَا مَعَ مُحَاسِبَةِ زَيْدٍ بِمَا أَعْطَيْتُهُ قَبْلَ هَذَا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي أَرَادَ سَوِّ بَيْنَهُمَا فِي مُطْلَقِ الْعَطِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِفَقْدِ التَّسْوِيَةِ فِي مِقْدَارِ الْعَطِيَّةِ وَلَا فِي صِفَتِهَا أَوْ أَرَادَ سَوِّ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ الْعَطِيَّةِ وَصِفَتِهَا مِنْ غَيْرِ مُحَاسِبَةِ زَيْدٍ بِمَا أَعْطَيْتُهُ قَبْلَ هَذَا وَعَلَى هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ لَا يَصِحُّ وُرُودُ السُّؤَالِ مِنْ أَصْلِهِ نَعَمْ رُبَّمَا يُسْأَلُ عَنْ مُوجِبِ اخْتِصَاصِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ فَيُقَالُ: مُوجِبُهُ نِسْبَةُ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَيْهِ بِالنُّبُوَّةِ وَالْمُوَافَقَةِ فِي مَعَالِمِ الْمِلَّةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَعَلَى تَقْدِيرِ إرَادَةِ الدَّاعِي الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ وُرُودُ السُّؤَالِ فَجَوَابُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَ مُسْتَدْرَكٌ بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ تَعَلُّقُ الطَّلَبِ

[المسألة الثانية لو إذا دخلت على ثبوتين عادا نفيين أو على نفيين عادا ثبوتين]

فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ غَيْرَ لَازِمٍ بَلْ يَعُدُّ أَهْلُ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ أَنَّ مَنْ أَعْطَى كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا فَأَعْطَى عَشَرَةً فِي عَشَرَةِ أَيَّامًا أَنَّهُ مُعْطٍ لِعَشَرَةٍ وَيَصْدُقُ ذَلِكَ أَيْضًا لُغَةً فَإِنَّ مُسَمَّى إعْطَائِهِ الْعَشَرَةَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ بِصِفَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ الثَّانِي أَنَّ جَعْلَ عَدَمِهَا شَرْطًا تَارَةً يَكُونُ بِلَمْ وَتَارَةً يَكُونُ بِلَمَّا الْمَوْضُوعَيْنِ لِنَفْيِ الْمَاضِي أَوْ بِمَا وَلَيْسَ الْمَوْضُوعَيْنِ لِنَفْيِ الْحَالِ أَوْ بِلَا وَلَنْ الْمَوْضُوعَيْنِ لِنَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ فَنُسَلِّمُ لَهُ الِاقْتِصَارَ عَلَى مُسَمَّى الْعَدَمِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُوَلِ أَمَّا لَا وَلَنْ فَقَدْ نَصَّ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُمَا مَوْضُوعَانِ لِعُمُومِ نَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ وَأَنَّ لَنْ أَبْلَغُ فِي عُمُومِ النَّفْيِ لِلْمُسْتَقْبَلِ فَإِذَا قُلْنَا {لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [الأعلى: 13] وَقَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] عَامٌّ فِي سَلْبِ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ وَالرُّؤْيَةِ فِي جَمِيعِ أَزْمِنَةِ الِاسْتِقْبَالِ فَإِنَّ جَعْلَ الْمُعَلِّقِ لِلشَّرْطِ عَدَمَهَا بِصِيغَةِ لَنْ أَوْ لَا كَانَ الشَّرْطُ اسْتِغْرَاقَ الْعَدَمِ لِجَمِيعِ أَزْمِنَةِ الْعُمُرِ أَوْ الزَّمَانِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُعَلِّقُ لَا مُطْلَقَ الْعَدَمِ فِي مُطْلَقِ الزَّمَانِ خِلَافًا لَهُ فَتَخْرُجُ لَا وَلَنْ عَنْ دَعْوَاهُ مَعَ أَنَّ لَمْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْعُرْفِ لِذَلِكَ فَإِذَا قَالَ: إنْ لَمْ تَقْرَأْ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَأَنْتَ مَذْمُومٌ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ اسْتِيعَابُ الْعَدَمِ لِجَمِيعِ أَجْزَاءِ السَّنَةِ حَتَّى لَوْ قَرَأَهَا فِي آخِرِ السَّنَةِ صَدَقَ حُصُولُ قِرَاءَتِهَا وَلَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ مُتَحَقِّقًا. (الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ) اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ فَإِنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ لِلتَّعْلِيقِ وَأَنَّ الْمَفْتُوحَةَ لَيْسَتْ لِلتَّعْلِيقِ فَمَا بَقِيَ فِي الْآيَةِ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيقِ مُطَابِقَةً وَلَا الْتِزَامًا فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِشَيْءٍ لَا يَدُلُّ مُطَابِقَةً وَلَا الْتِزَامًا وَطُولُ الْأَيَّامِ يُحَاوِلُونَ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَا يَكَادُ يُتَفَطَّنُ لِوَجْهِ الدَّلِيلِ مِنْهَا وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا اسْتِثْنَاءٌ وَأَنَّ هِيَ النَّاصِبَةَ لَا الشَّرْطِيَّةَ وَلَا يُتَفَطَّنُ أَيْضًا لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ وَمَا هُوَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَتَأَمَّلْهُ فَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي اشْتِرَاطِ الْمَشِيئَةِ عِنْدَ النُّطْقِ بِالْأَفْعَالِ. وَالْجَوَابُ أَنْ تَقُولَ: هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْأَحْوَالِ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ حَالَةٌ مِنْ الْأَحْوَالِ وَهِيَ مَحْذُوفَةٌ قَبْلَ أَنَّ النَّاصِبَةَ وَعَامِلَةٌ فِيهَا أَعْنِي الْحَالُ عَامِلَةٌ فِي أَنَّ النَّاصِبَةَ وَتَقْدِيرُهُ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا مُعَلَّقًا بِأَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ثُمَّ حُذِفَتْ مُعَلَّقًا وَالْبَاءُ مِنْ أَنَّ وَهِيَ تُحْذَفُ مَعَهَا كَثِيرًا فَيَكُونُ النَّهْيُ الْمُتَقَدِّمُ مَعَ إلَّا الْمُتَأَخِّرِ قَدْ حَصَرْت الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْحَالِ دُونَ سَائِرِ الْأَحْوَالِ فَتَخْتَصُّ هَذِهِ الْحَالُ بِالْإِبَاحَةِ وَغَيْرِهَا بِالتَّحْرِيمِ وَتَرْكُ الْمُحَرَّمِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَ: فِيهَا مِنْ لُزُومِ تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ بِهِ يَصِحُّ وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْعِ كَذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمَوْجُودِ الْحَاصِلِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْحَالُ أَنَّ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مُحَالٌ فَافْهَمْ. (الْوَصْلُ الثَّانِي) فِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً تُوَضِّحُ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى جَعْلُ الشَّرْطِ وَجِزَائِهِ مَاضِيَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٍ عَنْ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} [المائدة: 116] جَازَ عَلَى الْقَلِيلِ مِنْ تَعَلُّقِ إنَّ بِالْمَاضِي فَلَا تَحْتَاجُ الْآيَةُ إلَى أَنْ يَدَّعِيَ أَوَّلًا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ وَقَعَ فِي زَمَنِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الدُّنْيَا بِدَلِيلِ أَنَّ سُؤَالَ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَفْظَيْ إذْ وَقَالَ الْمَاضِيَيْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} [المائدة: 116] وَثَانِيًا أَنَّ سُؤَالَهُ تَعَالَى قَبْلَ أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إنْ أَكُنْ أَقُولُهُ فَأَنْتَ تَعْلَمُهُ فَهُمَا مُسْتَقْبَلَانِ لَا مَاضِيَانِ أَوْ يُقَالُ الْمَشْهُورُ أَنَّ السُّؤَالَ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَكِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْمَاضِي عَلَى حَدٍّ قَوْله تَعَالَى {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: 1] لِأَنَّ خَبَرَهُ تَعَالَى الْوَاقِعَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْمَاضِي فِي تَحَقُّقِ الْوُقُوعِ فَيَجِبُ كَمَا قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ تَأْوِيلُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ بِفِعْلَيْنِ مُسْتَقْبَلَيْنِ تَقْدِيرُهُمَا إنْ يَثْبُتَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَنِّي قُلْتُهُ فِي الْمَاضِي يَثْبُتُ أَنَّك تَعْلَمُ ذَلِكَ وَكُلُّ شَيْءٍ تَقَرَّرَ فِي الْمَاضِي كَانَ ثُبُوتُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَعْلُومًا فَيَحْسُنُ التَّعْلِيقُ عَلَيْهِ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ لَوْ إذَا دَخَلَتْ عَلَى ثُبُوتَيْنِ عَادَا نَفْيَيْنِ أَوْ عَلَى نَفْيَيْنِ عَادَا ثُبُوتَيْنِ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ فِي اللُّغَةِ إنَّمَا لِمُجَرَّدِ الرَّبْطِ خَاصَّةً وَمَا تَوَهَّمُوهُ فِيهَا مِنْ أَنَّهَا إذَا دَخَلَتْ عَلَى ثُبُوتَيْنِ نَحْوَ لَوْ جَاءَنِي زَيْدٌ لَأَكْرَمْتُهُ عَادَا نَفْيَيْنِ فَمَا جَاءَ زَيْدٌ وَلَا أَكْرَمُ أَوْ عَلَى نَفْيَيْنِ نَحْوَ لَوْ لَمْ يَسْتَدِنْ لَمْ يُطَالِبْ عَادَا ثُبُوتَيْنِ فَقَدْ اسْتَدَانَ وَطُولِبَ أَوْ عَلَى نَفْيٍ وَثُبُوتٍ نَحْوَ لَوْ لَمْ يُؤْمِنَ أُرِيقَ دَمُهُ أَوْ لَوْ آمَنَ لَمْ يُقْتَلْ كَانَ النَّفْيُ ثُبُوتًا وَالثُّبُوتُ نَفْيًا فَفِي الْأَوَّلِ آمَنَ وَلَمْ يُرَقْ دَمُهُ وَفِي الثَّانِي لَمْ يُؤْمِنْ فَقُتِلَ إنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ فَإِنْ قِيلَ بِهِ صَحَّ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا فَهِيَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان: 27] وَرَدَتْ بِمَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ فَلَا تَقْتَضِي أَنَّ كَلِمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى نَفِدَتْ فَلَا دَاعِيَ إلَى مَا قَالُوهُ فِي الْآيَةِ مِنْ التَّكَلُّفَاتِ فَافْهَمْ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إنْ لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا إلَّا مَشْكُوكٌ فِيهِ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) لَا فَرْقَ بَيْنَ إنْ وَإِذَا فِي كَوْنِهِمَا لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ سَوَاءً كَانَ مَا دَخَلَا

[المسألة الرابعة الشرط لا يكون إلا بأمر معدوم مستقبل]

يُتْرَكُ بِهِ الْحَرَامُ إلَّا هَذِهِ الْحَالَ فَتَكُونُ وَاجِبَةً فَهَذَا مُدْرَكُ الْوُجُوبِ وَأَمَّا مُدْرَكُ التَّعْلِيقِ فَهُوَ قَوْلُنَا مُعَلَّقًا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَلَّقَ فِي تِلْكَ الْحَالِ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ: لَا تَخْرُجْ إلَّا ضَاحِكًا فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْأَمْرَ بِالضَّحِكِ حَالَةَ الْخُرُوجِ وَانْتَظَمَ مُعَلَّقًا مَعَ أَنَّ بِالْبَاءِ الْمَحْذُوفَةِ وَاتُّجِهَ الْأَمْرُ بِالتَّعْلِيقِ عَلَى الْمَشِيئَةِ مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ عِنْدَ الْوَعْدِ بِالْأَفْعَالِ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْعَسِيرَةِ الْفَهْمِ وَالتَّقْدِيرُ فَرْعٌ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: عَلَّقْت طَلَاقَك عَلَى دُخُولِ الدَّارِ طَلُقَتْ بِدُخُولِ الدَّارِ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ وَلَوْ قَالَ لَهَا: جَعَلْت دُخُولَ الدَّارِ سَبَبًا لِطَلَاقِك لَمْ تَطْلُقْ بِدُخُولِ الدَّارِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْجَعْلِ التَّعْلِيقَ فَإِنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ جَعَلَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ دُخُولَ الدَّارِ سَبَبًا لِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ بِطَرِيقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ التَّعْلِيقُ خَاصَّةً فَإِنْ أَرَادَ نَصْبَهُ بِغَيْرِ التَّعْلِيقِ كَمَا جَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ الزَّوَالَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الظُّهْرِ وَالْهِلَالَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ فَافْهَمْ ذَلِكَ. (الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ) قَدْ يُذْكَرُ الشَّرْطُ لِلتَّعْلِيلِ دُونَ التَّعْلِيقِ وَضَابِطُهُ أَمْرَانِ: الْمُنَاسَبَةُ وَعَدَمُ انْتِفَاءِ الْمَشْرُوطِ عِنْدَ انْتِفَائِهِ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [النحل: 114] وَالشُّكْرُ وَاجِبٌ مَعَ الْعِبَادَةِ وَمَعَ عَدَمِهَا وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّكُمْ مَوْصُوفُونَ بِصِفَةٍ تَحُثُّ عَلَى الشُّكْرِ وَتَبْعَثُ عَلَيْهِ وَهِيَ الْعِبَادَةُ وَالتَّذَلُّلُ فَافْعَلُوا ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُتَيَسِّرٌ لِوُجُودِ سَبَبِهِ عِنْدَكُمْ وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» مَعْنَاهُ أَنَّ تَصْدِيقَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ فِي ذَلِكَ حَاثٌّ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَيُؤْمَرُونَ بِإِكْرَامِ الضَّيْفِ مَعَ عَدَمِ هَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمِنْهُ قَوْلُك: أَطِعْنِي إنْ كُنْت ابْنِي لَسْت تَشُكُّ فِي بُنُوَّتِهِ بَلْ تُنَبِّهُهُ عَلَى الصِّفَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الطَّاعَةِ. (الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَ) قَوْله تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب: 32] قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَرْبَابِ عِلْمِ الْبَيَانِ وَأَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ الْوَقْفَ عِنْدَ قَوْلِهِ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ قَدْ يُذْكَرُ الشَّرْطُ لِلتَّعْلِيلِ دُونَ التَّعْلِيقِ قَالَ: وَضَابِطُهُ أَمْرَانِ الْمُنَاسَبَةُ وَعَدَمُ انْتِفَاءِ الْمَشْرُوطِ عِنْدَ انْتِفَائِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [النحل: 114] إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ: مَا قَالَهُ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَحِيحٌ. قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشَرَ قَوْله تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب: 32] إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْوَقْفِ عِنْدَ قَوْلِهِ {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: 32] مُحْتَمَلٌ وَلَيْسَ بِاللَّازِمِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَفْضِيلَهُنَّ بِشَرْطِ التَّقْوَى وَيَكُونُ مَا بَعْدَ ذَلِكَ إرْشَادًا إلَى مَا كَانَ إلَيْهِمْ مِنْ فَضْلِ التَّقْوَى وَهُوَ الْأَسْبَقُ إلَى الْفَهْمِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مَا اخْتَارَهُ أَهْلُ الْبَيَانِ وَالتَّفْسِيرِ أَبْلَغُ فِي مَدْحِهِنَّ صَحِيحٌ لَوْ أَنَّ الْآيَةَ وَرَدَتْ لِلْمَدْحِ لَكِنَّهَا لَمْ تَرِدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ مَشْكُوكًا فِيهِ أَوْ غَيْرَ مَشْكُوكٍ غَيْرَ أَنَّ إنْ لَيْسَتْ بِظَرْفٍ وَإِذَا ظَرْفٌ فَلِذَا يُقَالُ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَلَا يُقَالُ إنْ غَرَبَتْ وَمِنْ اسْتِعْمَالِ إنْ فِي الْمَشْكُوكِ إنْ يَكُنْ الْوَاحِدُ نِصْفَ الْعَشَرَةِ فَالْعَشَرَةُ اثْنَانِ وَإِنْ يَكُنْ نِصْفَ الْخَمْسَةِ فَالْخَمْسَةُ زَوْجٌ إذْ الْمَعْنَى مَتَى فُرِضَ الْوَاحِدُ نِصْفَ الْعَشَرَةِ أَوْ نِصْفَ الْخَمْسَةِ كَانَ اللَّازِمُ عَلَى هَذَا الْفَرْضِ الْمُحَالِ هَذَا اللَّازِمُ الْمُحَالُ فَإِنَّ فَرْضَ الْمُحَالِ وَاقِعًا جَائِزٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَهُ الْمُحَالُ وَالتَّعْلِيقُ عَلَى الْمَفْرُوضِ مِنْ قَبِيلِ التَّعْلِيقِ عَلَى الْمَشْكُوكِ فِيهِ نَحْوَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ إذْ الْغَرَضُ وَالتَّقْدِيرُ لَيْسَ أَمْرًا لَازِمًا فِي الْوَاقِعِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ وَأَنْ لَا يَقَعَ وَمِنْ اسْتِعْمَالِهَا فِي غَيْرِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172] وقَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: 23] وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ التَّعْلِيقَاتِ الْوَارِدَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى أَنَّ كَوْنَهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَكَوْنَهُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عَبْدِهِ وَنَحْوِهِمَا شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَادَةِ مَشْكُوكًا فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ وَكُلُّ مَا شَأْنُهُ ذَلِكَ يَحْسُنُ تَعْلِيقُهُ بِأَنْ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ قِبَلِ غَيْرِهِ سَوَاءً كَانَ مَعْلُومًا لِلْمُتَكَلِّمِ أَوْ لِلسَّامِعِ أَوْ لَا فَظَهَرَ أَنَّ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ النُّحَاةُ وَالْأُصُولِيُّونَ مِنْ أَنَّ إنْ لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا إلَّا الْمَشْكُوكُ فِيهِ وَإِذَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا الْمَشْكُوكُ وَالْمَعْلُومُ. [الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الشَّرْطَ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَمْرٍ مَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ] (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْوَصْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ كَمَا تَدْخُلُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ تَدْخُلُ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ بِخِلَافِ أَنْوَاعِ الطَّلَبِ الثَّمَانِيَةِ وَعَلَيْهِ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى نَحْوَ عِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَزَلِ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَقَدَّرَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْأَزَلِ مِنْ جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ الْمُمْكِنَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَأَخَّرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ الْأَزَلِ وَلَا دَاعِيَ لِتَكَلُّفِ الْجَوَابِ عَنْ مِثْلِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} [الإسراء: 16] {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ} [النساء: 133] {إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ} [الأنفال: 70] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» فَتَنَبَّهْ. [الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ] (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) أَدَوَاتُ الشَّرْطِ عِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ وَالْفُقَهَاءِ عَلَى قِسْمَيْنِ: مَا يُفْهِمُ الْعُمُومَ فَيَقْتَضِي تَكْرَارَ الْمُعَلِّقِ بِتَكْرَارِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَمَا يُفْهِمُ الْإِطْلَاقَ فَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ بَلْ يَقْتَصِرُ مِنْ الْمُعَلِّقِ عَلَى فَرْدٍ وَلَوْ تَكَرَّرَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْمَنَاطِقَةَ اقْتَصَرُوا فِيمَا يُفْهِمُ الْإِطْلَاقَ عَلَى

وَيَبْدَأُ بِالشَّرْطِ وَيَكُونُ جَوَابُهُ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ دُونَ مَا قَبْلَهُ بَلْ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى بِتَفْضِيلِهِنَّ عَلَى النِّسَاءِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي مَدْحِهِنَّ وَيَكُونُ جَوَابُ الشَّرْطِ مَا بَعْدَهُ وَيَسْتَقِيمُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَ) يَجُوزُ حَذْفُ جَوَابِ الشَّرْطِ إنْ كَانَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَيُجْعَلُ الدَّلِيلُ نَفْسَ الْجَوَابِ وَلَيْسَ هُوَ الْجَوَابُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} [فاطر: 4] فَإِنَّ تَكْذِيبَ مَنْ قَبْلَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ بَلْ سَبَقَ وَتَقَدَّمَ وَتَقْدِيرُ الْجَوَابِ وَإِنْ يُكَذِّبُوك فَتَسَلَّ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِك فَتَكْذِيبُ مَنْ قَبْلَهُ دَلِيلٌ عَلَى تَسْلِيَتِهِ وَسَبَبُ تَسْلِيَتِهِ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَإِلَّا فَالْمَاضِي لَا يُعَلَّقُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَ) جَرَتْ عَادَةُ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ بِحَمْلِ الْعُمُومِ عَلَى عِ مُومِهِ دُونَ سَبَبِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَيَسْتَدِلُّونَ أَبَدًا بِظَاهِرِ الْعُمُومِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَوْرِدِ السَّبَبِ وَقَدْ كَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَقُولُ: يَجِبُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ السَّبَبُ شَرْطًا نَحْوَ قَوْلِهِ {إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25] فَالْأَوَّابُونَ عَامٌّ فِي كُلِّ أَوَّابٍ مَاضِيًا أَوْ حَاضِرًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَجِبُ فِي هَذَا الْعُمُومِ أَنْ يَتَخَصَّصَ بِنَا لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ أَنَّ صَلَاحَنَا لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَغْفِرَةِ فِي حَقِّ غَيْرِنَا مِنْ الْأُمَمِ وَمَنْ تَأَمَّلَ الْقَوَاعِدَ قَطَعَ بِذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ إنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ مِنْكُمْ غَفُورًا. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَ) جَرَتْ عَادَةُ الْفُقَهَاءِ فِي الْكَفَّارَاتِ هَلْ هِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ أَوْ عَلَى التَّرْتِيبِ أَنْ يَقُولُوا إذَا وَرَدَ النَّصُّ ـــــــــــــــــــــــــــــSلِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشَرَ يَجُوزُ حَذْفُ جَوَابِ الشَّرْطِ إذَا كَانَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ: مَا قَالَهُ مِنْ جَوَازِ حَذْفِ جَوَابِ الشَّرْطِ إذَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ صَحِيحٌ إذَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِيمَا بَعْدَهُ مِنْ الْكَلَامِ الْمَنْطُوقِ بِهِ فَإِنَّ الْحَذْفَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ لَا يُدَّعَى إلَّا لِضَرُورَةٍ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمَاضِيَ لَا يُعَلَّقُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِتَقْدِيرِ الْمَحْذُوفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشَرَ جَرَتْ عَادَةُ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ بِحَمْلِ الْعُمُومِ عَلَى عُمُومِهِ دُونَ سَبَبِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَيَسْتَدِلُّونَ أَبَدًا بِظَاهِرِ الْعُمُومِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَوْرِدِ السَّبَبِ وَقَدْ كَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: يَجِبُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ السَّبَبُ شَرْطًا إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ وَمَا مَثَّلَ بِهِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25] لَا دَلِيلَ لَهُ فِيهِ بَلْ هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ كَمَا سَبَقَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا نَحْوَ إنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَأَبْشِرُوا فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا وَكَانَ هُنَا لِلِاسْتِمْرَارِ فَإِنَّهُ أَمْدَحُ وَهَذَا الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ تَمَدُّحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ عَشَرَ جَرَتْ عَادَةُ الْفُقَهَاءِ فِي الْكَفَّارَاتِ هَلْ هِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ أَوْ عَلَى التَّرْتِيبِ أَنْ يَقُولُوا إذَا وَرَدَ النَّصُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ وَإِنْ وَإِذَا وَجَعَلُوا مَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا يُفْهِمُ الْعُمُومَ وَالْفُقَهَاءُ اقْتَصَرُوا فِيمَا يُفْهِمُ الْعُمُومَ عَلَى كُلَّمَا وَمَهْمَا وَجَعَلُوا مَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا يُفْهِمُ الْإِطْلَاقَ فَفِي الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إذَا قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فَلَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ إنْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيَةً وَمَتَى مَا عِنْدَ مَالِكٍ مِثْلَ إنْ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهَا مَعْنَى كُلَّمَا وَأَمَّا مَهْمَا فَتَقْتَضِي التَّكْرَارَ بِمَنْزِلَةِ كُلَّمَا اُنْظُرْ " ق " اهـ. وَفِي مَجْمُوعِ الْأَمِيرِ وَفِي وَاحِدَةٍ فِي وَاحِدَةٍ أَوْ بِمَا لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ كَمَتَى مَا وَإِذَا مَا لَا كُلَّمَا وَكَرَّرَ وَاحِدَةً وَهَلْ كَذَلِكَ طَالِقٌ أَبَدًا أَوْ ثَلَاثًا خِلَافٌ اهـ. وَفِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ قَوْلُهُ كَمَتَى مَا تَمْثِيلٌ بِالْمُتَوَهِّمِ إلَّا خَفِيَ فَإِنَّ الْمَنَاطِقَةَ جَعَلُوهَا سُورًا كُلِّيًّا فِي الشَّرْطِيَّاتِ مِثْلَ كُلَّمَا وَلَكِنْ رُوعِيَ هُنَا الْعُرْفُ مِنْ إرَادَةِ الْفَوْرِيَّةِ فَمَعْنَى مَتَى مَا دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهَا تَطْلُقُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِهَا فَلَا يَتَكَرَّرُ الطَّلَاقُ بِتَكَرُّرِ الدُّخُولِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ وَأَمَّا إنْ فَعَدَمُ اقْتِضَائِهَا التَّكْرَارَ ظَاهِرٌ اهـ. هَذَا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ غَيْرَ طَلَاقٍ كَالدُّخُولِ فِي الْمِثَالِ أَمَّا إذَا كَانَ طَلَاقًا كَمَتَى مَا وَإِذَا مَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ مَتَى مَا أَوْ إذَا مَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَفِي كَوْنِ مَتَى مَا وَإِذَا مَا مِنْ أَدَوَاتِ التَّكْرَارِ كَكُلَّمَا فَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ فِي صُورَتَيْ كُلَّمَا طَلَّقْتُك أَوْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً لِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَزِمَتْهُ بِالتَّعْلِيقِ عَلَى الْأُولَى الَّتِي هِيَ فَعْلَةٌ حَقِيقَةً فَصَارَتْ الثَّانِيَةُ فَعْلَةً الْتِزَامًا لِأَنَّ فَاعِلَ السَّبَبِ وَهُوَ الْأَوْلَى فَاعِلُ الْمُسَبَّبِ وَهُوَ الثَّانِيَةُ فَكَأَنَّهُ طَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ أَيْ فَتَقَعُ الثَّالِثَةُ بِمُقْتَضَى إرَادَةِ التَّكْرَارِ أَوْ لَيْسَتْ مِنْ أَدَوَاتِ التَّكْرَارِ كَانَ فَيَلْزَمُهُ فِيهِمَا طَلْقَتَانِ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلَا تَلْزَمُهُ كَمَا أَنَّ مَنْ قَالَ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ يَلْزَمُهُ طَلْقَتَانِ لِأَنَّهُ لَا تَكْرَارَ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ حَيْثُ قَالَ عَاطِفًا عَلَى مَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ أَوْ كُلَّمَا أَوْ مَتَى مَا أَوْ إذَا مَا طَلَّقْتُك أَوْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً اهـ. وَالثَّانِي اعْتَمَدَهُ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْعَدَوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْخَرَشِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَالْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ هُنَا طَلَاقٌ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ مَتَى مَا فَعَلْت وَكَرَّرَ فَالْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ غَيْرُ طَلَاقٍ فَلَا يُنَافِي هَذَا مَا قَالُوهُ أَيْ مِنْ أَنَّ مَتَى وَمَتَى مَا عِنْدَ مَالِكٍ مِثْلَ إنْ مَعَ أَنَّ الْمَنْطِقِيِّينَ عَلَى أَنَّ إنْ وَلَوْ وَإِذَا لِلْإِهْمَالِ وَمَتَى مِنْ أَسْوَارِ الْكُلِّيِّ اهـ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ عِنْدَ فُقَهَائِنَا

بِصِيغَةِ أَوْ فَهِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] وَإِنْ كَانَ النَّصُّ بِصِيغَةِ مَنْ الشَّرْطِيَّةِ فَهِيَ عَلَى التَّرْتِيبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] وَلَا تَكَادُ تَجِدُ فَقِيهًا يُنَازِعُ فِي هَذَا وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَبَيَانُهُ أَنَّ مُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الرَّجُلَيْنِ وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِهِ عِنْدَ وُجُودِ الرَّجُلَيْنِ وَأَنَّ عَدَمَهُمَا لَيْسَ شَرْطًا فَنَسْتَفِيدُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ سُؤَالَيْنِ عَظِيمَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الصِّيغَةَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَثَانِيهمَا أَنْ لَا يَلْزَمَ مِنْ عَدَمِ الشَّرْطِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَهُوَ هَا هُنَا كَذَلِكَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُنَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْعَدَدُ زَوْجًا فَهُوَ فَرْدٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرْدًا فَهُوَ زَوْجٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ الْعَدَدُ الزَّوْجُ عَلَى عَدَمِ الْفَرْدِ وَلَا الْفَرْدِ عَلَى عَدَمِ الزَّوْجِ بَلْ هُوَ وَاجِبُ الثُّبُوتِ فِي نَفْسِهِ وُجِدَ الْآخَرُ أَمْ لَا وَإِذَا انْتَفَى الشَّرْطُ وَهُوَ قَوْلُنَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْعَدَدُ زَوْجًا كَانَتْ الْخَمْسَةُ فَرْدًا قَطْعًا فَإِنَّ وُجُودَ الزَّوْجِيَّةِ فِي الْعَدَدِ لَا يُنَافِي الْفَرْدِيَّةَ فِيهِ وَوُجُودُ الْفَرْدِيَّةِ فِيهِ لَا يُنَافِي الزَّوْجِيَّةَ فِيهِ فَعَدَمُ هَذَا الشَّرْطِ لَا أَثَرَ لَهُ أَلْبَتَّةَ فِي عَدَمِ هَذَا الْمَشْرُوطِ وَكَقَوْلِنَا إنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا جَمَادًا فَهُوَ إمَّا نَبَاتٌ أَوْ حَيَوَانٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَيَوَانُ نَاطِقًا فَهُوَ بَهِيمٌ مَعَ أَنَّ الْبَهِيمَ فِي نَفْسِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَدَمِ النَّاطِقِ بَلْ إذَا فُرِضَ النَّاطِقُ نَاطِقًا كَانَ الْبَهِيمُ بَهِيمًا بِالضَّرُورَةِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ نَظَائِرَهُ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَلَا تَرْتِيبَ فِيهَا وَلَمْ يَلْزَمْ فِيهَا مِنْ عَدَمِ الشَّرْطِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ بَلْ الْمَشْرُوطُ حَقٌّ فِي نَفْسِهِ وَوَقَعَ سَوَاءً وُجِدَ هَذَا الشَّرْطُ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتَ: عَدَمُ الزَّوْجِيَّةِ عَنْ الْعَدَدِ شَرْطٌ فِي ثُبُوتِ الْفَرْدِيَّةِ لَهُ فَلَوْ كَانَ زَوْجًا لَمْ تَثْبُتْ لَهُ الْفَرْدِيَّةُ فَقَدْ لَزِمَ مِنْ عَدَمِ الشَّرْطِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ النَّظَائِرِ قُلْتُ: لَيْسَ مُرَادُ النَّاسِ مِنْ هَذِهِ الْإِطْلَاقَاتِ إثْبَاتَ شَرْطِيَّةِ عَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ فِي الْفَرْدِيَّةِ بَلْ الزَّوْجُ زَوْجٌ فِي نَفْسِهِ لِذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَكَذَلِكَ الْفَرْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــSبِصِيغَةٍ أَوْ فَهِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] وَإِنْ كَانَ النَّصُّ بِصِيغَةِ مَنْ الشَّرْطِيَّةِ فَهِيَ عَلَى التَّرْتِيبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] وَلَا تَجِدُ فَقِيهًا يُنَازِعُ فِي هَذَا وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) . قُلْتُ: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الصِّيغَةَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَحْتَفَّ بِهَا قَرَائِنُ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرَ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تَأْتِي لِغَيْرِ قَصْدِ التَّرْتِيبِ كَمَا مَثَّلَ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الشَّرْطِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ إنْ أَرَادَ الشَّرْطَ الْمَعْنَوِيَّ فَذَلِكَ بَاطِلٌ وَهَذَا الشَّرْطُ هُوَ الَّذِي يَعْنِي الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ مَشْرُوطِهِ وَإِنْ أَرَادَ الشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ فَهُوَ الَّذِي لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ أَيْ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ وَإِنْ سُمِّيَ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ شَرْطًا لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا مَعْنَوِيًّا فَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ مَشْرُوطِهِ بَلْ يَأْتِي الشَّرْطُ اللُّغَوِيُّ لِغَيْرِ ذَلِكَ الْقَصْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:. الْأَوَّلُ مَا يُفْهِمُ الْعُمُومَ مُطْلَقًا كَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ طَلَاقًا أَوْ غَيْرَهُ وَهُوَ كُلَّمَا وَمَهْمَا الثَّانِي مَا يُفْهِمُ الْإِطْلَاقَ مُطْلَقًا كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ طَلَاقًا أَوْ غَيْرَهُ وَهُوَ إنْ وَإِذَا وَلَوْ الثَّالِثُ مَا يُفْهِمُ الْإِطْلَاقَ اتِّفَاقًا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ غَيْرَ الطَّلَاقِ مُرَاعَاةً لِلْعُرْفِ مِنْ إرَادَةِ الْفَوْرِيَّةِ لَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ مِنْ إرَادَةِ الْعُمُومِ وَيُفْهَمُ الْعُمُومُ مُرَاعَاةً لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَوْ الْإِطْلَاقُ مُرَاعَاةً لِلْعُرْفِ مِنْ إرَادَةِ الْفَوْرِيَّةِ عَلَى الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ طَلَاقًا وَهُوَ الْبَاقِي كَمَتَى وَمَتَى مَا قُلْتُ: وَعَلَى هَذَا لَا يُتَّجَهُ عَلَى نَصِّ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ اهـ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى نَصِّهِمْ عَلَى الْعُمُومِ التَّكْرِيرُ فَيَلْزَمُ إذَا قَالَ لَهَا: حَيْثُ وَجَدْتُك أَوْ أَيْنَ وَجَدْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَجَدَهَا طَلُقَتْ ثُمَّ وَجَدَهَا فِي عِدَّتِهَا مِرَارًا أَنْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا تَحْقِيقًا لِلْعُمُومِ وَلِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْعَامِّ وَإِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ مِنْ التَّكْرَارِ وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ قَائِلَ ذَلِكَ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَيْفَ يُقْضَى بِهِ أَوْ يُسْتَدَلُّ عَلَى تَحَقُّقِهِ بِأَنَّ ظَوَاهِرَ النُّصُوصِ دَالَّةٌ عَلَيْهِ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا الْأَمْرُ بِقَتْلِهِمْ فِي جَمِيعِ الْبِقَاعِ وقَوْله تَعَالَى {حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة: 191] لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا ذَلِكَ وقَوْله تَعَالَى {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء: 78] مَعْنَاهُ عِلْمُهُ تَعَالَى مُحِيطٌ بِالْخَلَائِقِ فِي أَيِّ بُقْعَةٍ كَانُوا وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ. وَإِذَا كَانَ لَا يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الصِّيَغِ إلَّا الْعُمُومُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى وَضْعِهَا لَهُ وَنَحْنُ لَا نَقْضِي بِالشَّيْءِ إلَّا إذَا ظَهَرَ أَثَرُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعُمُومَ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ: كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إنَّمَا قَضَيْنَا بِهِ عِنْدَ ظُهُورِ أَثَرِهِ مِنْ تَكَرُّرِ الطَّلَاقِ بِتَكَرُّرِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَإِذَا تَكَرَّرَ دُخُولُهَا فِي عِدَّتِهَا طَلُقَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثًا وَكَذَا إنَّمَا قَضَيْنَا بِهِ فِي قَوْلِهِ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ عِنْدَ ظُهُورِ أَثَرِهِ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ دَخَلَ يَسْتَحِقُّ وَمَنْ حُرِمَ اسْتَحَقَّ مَانِعُهُ الذَّمَّ فَلَوْ قَضَيْنَا بِهِ عِنْدَ عَدَمِ ظُهُورِ أَثَرِهِ كَمَا هُنَا لَلَزِمَ اتِّحَادُ أَحْكَامِ الْمُطْلَقَاتِ وَالْعُمُومَاتِ وَكَانَ الْقَوْلُ بِالْعُمُومِ فِي أَحَدِهَا وَالْإِطْلَاقُ فِي الْآخَرِ تَحَكُّمًا مَحْضًا وَالتَّحَكُّمُ الْمَحْضُ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَالْعُلَمَاءُ بَرَاءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَا حَاجَةَ لِلْجَوَابِ عَنْهُ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْعُمُومَ فِي حَيْثُ وَأَيْنَ مِثْلُ الْعُمُومِ فِي نَحْوِ أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا فِي كَوْنِهِ ثَابِتًا لِلظَّرْفِ لَا لِلْمَظْرُوفِ فَكَمَا أَنَّ مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا أَنْتِ طَالِقٌ.

وَلَا نَقُولُ يُشْتَرَطُ فِي كَوْنِ الْعَشَرَةِ زَوْجًا عَدَمُ الْفَرْدِيَّةِ عَنْهَا فَإِنَّهَا لَا تَقْبَلُ الْفَرْدِيَّةَ أَيْضًا فَكَيْفَ تُتَوَهَّمُ الشَّرْطِيَّةُ وَالْمُعْتَرَضُ فِي مَوْطِنِ الْعَقْلِ قَاطِعٌ وَجَازِمٌ بِثُبُوتِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي نَفْسِهِ وُجُوبًا ذَاتِيًّا وَإِنَّمَا يَقْصِدُ الْعُقَلَاءُ فِي ذَلِكَ الْمَوْطِنِ الَّذِي يَقْبَلُ النَّقِيضَ بَلْ مَقْصُودُ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ وَالْمَوَارِدِ بَيَانُ انْحِصَارِ تِلْكَ الْمَادَّةِ فِي الْمَذْكُورِ فَأَنْتَ تَقُولُ: إذَا انْتَفَى الْفَرْدُ بَقِيَ الْعَدَدُ مَحْصُورًا فِي الزَّوْجِ. وَإِذَا انْتَفَى الزَّوْجُ بِمَعْنَى إنْ لَمْ يَكُنْ الْوَاقِعُ مِنْ الْعَدَدِ مَا هُوَ زَوْجٌ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ مَا هُوَ فَرْدٌ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَا يَقُولُونَ ذَلِكَ إلَّا فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي يَصِحُّ فِيهَا الْحَصْرُ فَلَا يَقُولُونَ: إنْ لَمْ يَكُنْ إنْسَانًا فَهُوَ فَرَسٌ لِعَدَمِ انْحِصَارِ الْبَاقِي مِنْ الْحَيَوَانِ بَعْدَ الْإِنْسَانِ فِي الْفَرَسِ وَلَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ الشَّرْطِيَّةِ لَكَانَ الْكَلَامُ صَحِيحًا فَإِنَّ عَدَمَ الْإِنْسَانِيَّةِ شَرْطٌ فِي الْفَرَسِيَّةِ لِتَعَذُّرِ اجْتِمَاعِهِمَا بَلْ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ بَيَانَ الْحَصْرِ بَطَلَ الْكَلَامُ لِعَدَمِ الْحَصْرِ فِي الْمَذْكُورِ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْمَوْضِعَ فَهُوَ صَعْبٌ دَقِيقٌ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ انْحِصَارَ الْحُجَّةِ التَّامَّةِ مِنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ الرَّجُلَيْنِ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا حُجَّةَ تَامَّةَ مِنْ الشَّهَادَةِ فِي الشَّرِيعَةِ إلَّا الرَّجُلَيْنِ وَالرَّجُلَ وَالْمَرْأَتَيْنِ هَذَا هُوَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ وَأَمَّا شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ وَشَهَادَةُ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَشَهَادَةُ الْمَرْأَتَيْنِ وَحْدَهُمَا فِيمَا يَنْفَرِدَانِ فِيهِ كَالْوِلَادَةِ فَهَذِهِ الْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَى بُطْلَانِهَا لِدَلَالَتِهَا عَلَى الْحَصْرِ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْآيَةَ إنَّمَا سِيقَتْ فِي إثْبَاتِ الدُّيُونِ وَالْأَمْوَالِ لَا الْأَبْدَانِ وَجَمِيعُ هَذِهِ الصُّوَرِ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ فَالْحَصْرُ حَقٌّ فِي الْأَمْوَالِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ وَلَا تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَأَمَّا الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ وَالنُّكُولُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَلَمْ تَكْمُلْ فِيهِ الْحُجَّةُ مِنْ الشَّهَادَةِ بَلْ لَا شَهَادَةَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ كَالْيَمِينِ وَالنُّكُولِ أَوْ بَعْضُهُ شَهَادَةٌ فَقَطْ كَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَلَا تُوجَدُ حُجَّةٌ تَامَّةً مُجْمَعٌ عَلَيْهَا إلَّا بِتِينِكَ الْحُجَّتَيْنِ فَإِذَا فُرِضَ عَدَمُ أَحَدِهِمَا تَعَيَّنَ الْحَصْرُ فِي الْأُخْرَى وَإِذَا وَضَحَ لَك أَنَّ الشَّرْطَ كَمَا يُسْتَعْمَلُ فِي التَّرْتِيبِ فَكَذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ فِي إثْبَاتِ الْحَصْرِ. وَالْكُلُّ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ فَيَكُونُ التَّعْلِيقُ أَعَمُّ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى التَّرْتِيبِ وَالدَّالُّ عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ كَالْحَيَوَانِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِنْسَانِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَدُلُّ عَلَى الرَّجُلِ وَالرَّجُلُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُؤْمِنِ فَلَا يَسْتَقِيمُ الِاسْتِدْلَال بِصِيغَةِ التَّعْلِيقِ الَّتِي هِيَ أَعَمُّ مِنْ التَّرْتِيبِ عَلَى التَّرْتِيبِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَرَائِنَ أُخْرَى وَضَمَائِمَ تُضَافُ لِصِيغَةِ التَّعْلِيقِ حَتَّى تُفِيدَ التَّرْتِيبَ وَأَنَّ ضَابِطَ مَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ الْمَشْرُوطُ عَلَى الشَّرْطِ الشَّرْطُ الَّذِي لَا يُرَادُ بِهِ الْحَصْرُ أَمَّا مَتَى أُرِيدَ بِهِ الْحَصْرُ فَلَا فَافْهَمْ هَذَا الْمَوْضِعَ فَهُوَ مِنْ نَفَائِسِ الْعِلْمِ وَجَوْهَرِهِ وَدَقِيقِ الْمَبَاحِثِ وَفِيهِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الشَّرْطِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ وَأَنَّ اسْتِدْلَالَ الْفُقَهَاءِ بِهِ عَلَى التَّرْتِيبِ لَا يَصِحُّ كَمَا وَضَحَ لَك بَيَانُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي كُلٍّ أَوْ جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ كَذَلِكَ مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ أَوْ أَيْنَ جَلَسْت أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلٍّ أَوْ جَمِيعِ الْبِقَاعِ لِأَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ أَيْنَ وَحَيْثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْمُ جِنْسٍ لِلْمَكَانِ مُلَازِمٌ لِلْإِضَافَةِ. وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ إذَا أُضِيفَ عَمَّ الثَّانِي أَنَّ صِيَغَ الْعُمُومِ إنَّمَا تَعُمُّ فِيمَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ خَاصَّةً وَكَمَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ بَلْ يُفِيدُ أَنَّهُ قَوْلُ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ كَمَا سَتَقِفُ عَلَى نَصِّهِ كَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ أَوْ أَيْنَ جَلَسْت يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَصَحَّ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ حَيْثُ وَأَيْنَ لِلْعُمُومِ وَأَنَّ اللَّازِمَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا يَتَنَافَى ذَلِكَ وَلَا يَتَنَاقَضُ عَلَى أَنَّ فِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرًا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا وَإِنْ سَلِمَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي جَمِيعٍ أَوْ كُلِّ الْأَزْمِنَةِ إلَّا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي جَمِيعٍ أَوْ كُلِّ الْأَيَّامِ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَإِنَّ كُلَّ إذَا أُضِيفَتْ إلَى الْمُعَرَّفِ لَا تَكُونُ لِلْعُمُومِ وَإِنَّمَا تَكُونُ فِي مَعْنَى جَمِيعٍ وَجَمِيعُ لَا تُضَافُ إلَّا إلَى الْمُعَرَّفِ فَلَا يُقَالُ: جَمِيعُ رَجُلٍ فِي مَعْنَى كُلُّ رَجُلٍ فَجَمِيعُ الْأَيَّامِ وَكُلُّ الْأَيَّامِ لَيْسَا مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ وَإِنَّمَا لَفْظُ الْعُمُومِ أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ كُلَّ يَوْمٍ أَنْتِ فِيهِ طَالِقٌ فَمِنْ هُنَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} [التوبة: 108] قَوْلُهُ أَبَدًا ظَرْفُ زَمَانٍ مُبْهَمٌ لَا عُمُومَ لَهُ وَلَكِنَّهُ إذَا اتَّصَلَ بِالنَّهْيِ أَفَادَ الْعُمُومَ فَإِنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ وَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا تَقُمْ فِيهِ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ: لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا طَلُقَتْ طَلْقَةً وَاحِدَةً اهـ. نَقَلَهُ الرَّهُونِيُّ عَنْهُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى حَوَاشِي عبق نَعَمْ فِي الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ تَنْظِيرَ صَاحِبِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ عَلَى عَدِّ جَمِيعٍ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ بِقَوْلِهِ لَا أَدْرِي كَيْفَ يُسْتَفَادُ الْعُمُومُ مِنْ لَفْظَةِ جَمِيعٍ فَإِنَّهَا لَا تُضَافُ إلَّا إلَى الْمَعْرِفَةِ تَقُولُ جَمِيعُ الْقَوْمِ وَجَمِيعُ قَوْمِك وَلَا تَقُولُ جَمِيعُ قَوْمٍ وَمَعَ التَّعْرِيفِ بِاللَّامِ أَوْ الْإِضَافَةِ يَكُونُ التَّعْمِيمُ مُسْتَفَادًا مِنْهُمَا لَا مِنْ لَفْظَةِ جَمِيعِ اهـ قَالَ مَا نَصُّهُ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْعُمُومَ مِنْ جَمِيعٍ إذَا قُدِّرَتْ اللَّامُ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ لِلْجِنْسِ لَا لِلِاسْتِغْرَاقِ أَوْ كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ نَحْوَ جَمِيعُ غُلَامِ زَيْدٍ إذْ عُمُومُ أَجْزَائِهِ مِنْ جَمِيعِ لَا مِنْ تَعْرِيفِ غُلَامٍ بِالْإِضَافَةِ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ مَنْقُوضٌ بِنَحْوِ جَمِيعِ زَيْدٍ حَسَنٌ إذْ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَعْرِفَةٌ وَلَا عُمُومَ فِيهِ اهـ فَتَأَمَّلْ. ثَانِيهَا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ

[المسألة السادسة قوله كل امرأة أتزوجها من هذا البلد فهي طالق]

الْفَرْقُ الْخَامِسُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الشَّرِيعَةِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ) فِي أَنَّ الشَّرْطَ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ النُّطْقِ بِهِ فِي الزَّمَانِ وَيَجُوزُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ ذَلِكَ عَلَى قَوْلٍ وَأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَجُوزُ فِي الشَّرِيعَةِ. وَلَا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ أَنْ يَرْفَعَ جَمِيعَ الْمَنْطُوقِ بِهِ وَيَبْطُلُ حُكْمُهُ نَحْوَ لَهُ عِنْدِي عَشْرَةٌ إلَّا عَشْرَةً بِالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ الشَّرْطُ فِي كَلَامٍ يَبْطُلُ جَمِيعُهُ بِالْإِجْمَاعِ كَقَوْلِهِ أَنْتُنَّ طَوَالِقُ إنْ دَخَلْتُنَّ الدَّارَ فَلَا تَدْخُلُ وَاحِدٌ مِنْهُنَّ فَيَبْطُلُ جَمِيعُ الطَّلَاقِ فِيهِنَّ وَأَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إنْ أَطَاعُوا اللَّهَ أَوْ إنْ جَاءُوك فَلَا يَجِيءُ أَحَدٌ فَيَبْطُلُ جَمِيعُ الْأَمْرِ بِسَبَبِ هَذَا الشَّرْطِ وَلَوْلَا هَذَا الشَّرْطُ لَعَمَّ الْحُكْمُ الْجَمِيعَ فَقَدْ بَايَنَ الشَّرْطُ الِاسْتِثْنَاءَ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَيَعُمُّ جَمِيعَ الْجُمَلِ الْمَنْطُوقِ بِهَا بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى قَوْلٍ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى قَوْلٍ نَحْوَ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ وَأَكْرِمْ الْقَوْمَ وَاخْلَعْ عَلَيْهِمْ فَقَدْ بَايَنَ الشَّرْطُ الِاسْتِثْنَاءَ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَضْلَةٌ فِي الْكَلَامِ وَيَتِمُّ الْكَلَامُ دُونَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ إبْطَالُ جُمْلَةِ الْحُكْمِ فِيهِمَا تَحْقِيقًا لِمُقْتَضَى اللُّغَةِ أَوْ يَجُوزُ فِيهِمَا تَسْوِيَةٌ بَيْنَ الْبَابَيْنِ لَكِنَّ الْفَرْقَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُخْرِجُ مِنْ الْكَلَامِ مَا لَيْسَ بِمُرَادٍ عَمَّا هُوَ مُرَادٌ فَهْمُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُرَادِ وَلَعَلَّهُ لَوْ بَقِيَ مَعَ الْمُرَادِ لَمْ يَخْتَلَّ الْحُكْمُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: شِهَابُ الدِّينِ (الْفَرْقُ الْخَامِسُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الشَّرِيعَةِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ فِي أَنَّ الشَّرْطَ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ النُّطْقِ بِهِ فِي الزَّمَانِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى قَوْلٍ وَأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرْفَعَ جَمِيعُ الْمَنْطُوقِ بِهِ وَيَبْطُلُ حُكْمُهُ نَحْوَ لَهُ عِنْدِي عَشْرَةٌ إلَّا عَشْرَةً بِالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ الشَّرْطُ فِي كَلَامٍ يَبْطُلُ جَمِيعُهُ بِالْإِجْمَاعِ كَقَوْلِهِ أَنْتُنَّ طَوَالِقُ إنْ دَخَلْتُنَّ الدَّارَ فَلَا تَدْخُلُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ هَذَا الْفَرْقُ) قُلْتُ: إنَّمَا نَظِيرُ عَدَمِ النُّطْقِ بِالِاسْتِثْنَاءِ عَدَمُ النُّطْقِ بِالشَّرْطِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْطِقْ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَاتَ مَقْصِدٌ وَإِذَا لَمْ يَنْطِقْ بِالشَّرْطِ فَاتَ مَقْصِدٌ وَقَوْلُهُ أَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَضْلَةٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ وَلَيْسَ كَوْنُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَضْلَةً يُوجِبُ الِاسْتِغْنَاءَ عَنْهُمَا وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا لَمْ يَقَعْ بَطَلَ جَمِيعُ الْمَشْرُوطِ هِيَ حَقِيقَةُ الشَّرْطِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ سَبَبٌ وَالسَّبَبُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَشَأْنُهُ تَعْجِيلُ النُّطْقِ بِهِ يُقَالُ لَهُ وَكَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ شَأْنُهُ التَّعْجِيلَ، ثُمَّ إنَّهُ لَوْ قَالَ قَائِلٌ: أَعْطِ بَنِي تَمِيمٍ عِنْدَ تَمَامِ هَذِهِ السَّنَةِ وَفِي نَفْسِهِ إنْ أَطَاعُوا، ثُمَّ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ إلَّا عِنْدَ رَأْسِ السَّنَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لَمْ يُفْتِ بِذَلِكَ مَقْصِدٌ وَكَذَلِكَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَعْطِ بَنِي تَمِيمٍ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ وَفِي نَفْسِهِ إلَّا زَيْدًا، ثُمَّ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ إلَّا عِنْدَ رَأْسِ السَّنَةِ لَمْ يُفْتِ مَقْصِدٌ وَتَكُونُ صُورَةُ النُّطْقِ بِالشَّرْطِ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا مَا أَمَرْتُك بِهِ مِنْ إعْطَاءِ بَنِي تَمِيمٍ عِنْدَ رَأْسِ السَّنَةِ إنَّمَا ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يُطِيعُوا وَصُورَةُ النُّطْقِ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا: مَا أَمَرْتُك بِهِ مِنْ إعْطَاءِ بَنِي تَمِيمٍ إنَّمَا ذَلِكَ عَلَى أَنْ تَدَعَ مِنْهُمْ زَيْدًا وَبِالْجُمْلَةِ كَلَامُهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ لَيْسَ بِالْجَيِّدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا أُضِيفَ عَمَّ وَإِنَّمَا الْقَاعِدَةُ أَنَّ الْجَمْعَ إذَا أُضِيفَ عَمَّ فَقَوْلُ الْقَائِلِ: عَبِيدِي أَحْرَارٌ لَمْ يَكُنْ الْعُمُومُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ اسْمَ جِنْسٍ أُضِيفَ وَإِنَّمَا كَانَ الْعُمُومُ لِأَنَّهُ جَمْعٌ أُضِيفَ عَلَى أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْقَاعِدَةَ مَا ذَكَرَ لَا نُسَلِّمُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ مُرَادُهُمْ إذَا أُضِيفَ لِغَيْرِ الْجُمَلِ وَكَانَ مِمَّا يَنْطَلِقُ مُسَمَّاهُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَالْمَاءِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» ثَالِثُهَا أَنَّ كَوْنَ صِيَغِ الْعُمُومِ إنَّمَا تَعُمُّ فِيمَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ عَلَى مَرَامِهِ بِوَجْهٍ بَلْ رُبَّمَا اقْتَضَى خِلَافَهُ وَذَلِكَ أَنَّ مَرَامَهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ أَوْ أَيْنَ جَلَسْت وَأَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا فِي كَوْنِ الْعُمُومِ فِيهِمَا ثَابِتًا لِلظَّرْفِ الَّذِي هُوَ الْبِقَاعُ وَالْأَزْمِنَةُ وَهَذَا يَقْتَضِي عَدَمَهَا وَأَنَّ الْعُمُومَ فِي الْأَوَّلِ فِي الْمَظْرُوفِ وَهُوَ الْجُلُوسُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُضَافُ إلَيْهِ لَا فِي الظَّرْفِ كَمَا هُوَ فِي الثَّانِي فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ هَذَا الْبَلَدِ فَهِيَ طَالِقٌ] (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) السِّرُّ فِي فَرْقِ أَصْحَابِنَا بَيْنَ قَوْلِهِ فِي الطَّلَاقِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ قَالُوا: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِلضِّيقِ بِالتَّعْمِيمِ أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ هَذِهِ الْبَلَدِ فَهِيَ طَالِقٌ قَالُوا: إنَّ الطَّلَاقَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ النِّسَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي الظِّهَارِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي قَالُوا: لَا يُلْغَى التَّعْمِيمُ هُنَا وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فِي أَوَّلِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا مَعَ تَصْرِيحِهِ بِالْعُمُومِ فِي الْبَابَيْنِ هُوَ كَمَا فِي عبق وَالْخَرَشِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الظِّهَارَ لَهُ فِيهِ مَخْرَجٌ بِالْكَفَّارَةِ أَيْ خُرُوجٌ بِالْكَفَّارَةِ أَوْ مَخْرَجٌ مُصَوَّرٌ بِالْكَفَّارَةِ يَنْفِي عَنْهُ ضِيقَ التَّعْمِيمِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَأَنَّ الظِّهَارَ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةٌ عَنْ جَمِيعِ الْأَيْمَانِ الْمُتَعَدِّدَةِ ضِمْنًا لِأَنَّ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ فِي قُوَّةِ فُلَانَةُ كَظَهْرِ أُمِّي فُلَانَةَ كَظَهْرِ أُمِّي وَهَكَذَا فَلَا تُعْطَى حُكْمُ الصَّرِيحَةِ كَمَا أَنَّ كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَاحِدَةٍ عَلَى جَمِيعِ النِّسَاءِ كَفَّارَةٌ عَنْ الْجَمِيعِ فَافْهَمْ وَقِيلَ: سِرُّ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ الطَّلَاقَ حُكْمٌ يَثْبُتُ لِأَفْرَادِ الْعُمُومِ كَثُبُوتِ الْقَتْلِ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْمُشْرِكِينَ وَالْحِلُّ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْبَيْعِ وَأَمَّا الظِّهَارُ فَالْكَفَّارَةُ فِيهِ لِلنُّطْقِ بِالْكَلَامِ الزُّورِ عُقُوبَةٌ لِقَائِلِهِ فَإِذَا قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَقَدْ كَذَبَ كَذْبَةً وَاحِدَةً فَتَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَلَا نَظَرَ لِلْعُمُومِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْقَوْلِ الْكَذِبِ فَكَمَا لَا تَلْزَمُهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ إنَّ كُلَّ إنْسَانٍ جَمَادٌ فَإِنَّهَا كِذْبَةٌ وَاحِدَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِعُمُومٍ أَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَيْسَ فِي الدَّارِ

وَأَمَّا الشُّرُوطُ اللُّغَوِيَّةُ فَهِيَ أَسْبَابٌ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَالسَّبَبُ مُتَضَمِّنٌ لِمَقْصِدِ الْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ الْمَصْلَحَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا نُصِّبَ شَرْطًا وَجُعِلَ عَدَمُهُ مُؤَثِّرًا فِي الْعَدَمِ فَإِذَا كَانَ مُتَضَمِّنًا لِمَقْصِدِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمَقَاصِدُ شَأْنُهَا تَعْجِيلُ النُّطْقِ وَشَأْنُهَا أَنْ تَعُمَّ جَمِيعَ الْجُمَلَ تَكْثِيرًا لِمَصْلَحَةِ ذَلِكَ الْمَقْصِدِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ إذَا لَمْ يُعَجَّلْ بِهِ لَمْ يُفْتِ بِهِ مَقْصِدٌ بَلْ حَصَلَ مَا لَيْسَ بِمَقْصِدٍ وَذَلِكَ فَرْقٌ عَظِيمٌ وَأَمَّا إبْطَالُ جَمِيعِ الْكَلَامِ بِالشَّرْطِ فَلِأَنَّ الْإِبْطَالَ حَالَةَ النُّطْقِ بِهِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَيَسْتَتْبِعُ الشَّرْطَ فِي الْجَمِيعِ فَلَا يَبْطُلُ مِنْ الْكَلَامِ شَيْءٌ وَقَدْ يَفُوتُ الشَّرْطُ فِي الْجَمِيعِ فَيَبْطُلُ الْجَمِيعُ وَقَدْ يَفُوتُ فِي الْبَعْضِ فَيَبْطُلُ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ كُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ حَالَةَ النُّطْقِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ مِنْهَا الْإِبْطَالُ لَا لِلْكُلِّ وَلَا لِلْبَعْضِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ الْوَارِدِ عَلَى جَمِيعِ الْكَلَامِ يُعَدُّ النَّاطِقُ بِهِ نَادِمًا مُقَدَّمًا عَلَى الْهَذْرِ مِنْ الْقَوْلِ وَمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ وَهَذَا فَرْقٌ عَظِيمٌ بَيْنَهُمَا فِي الْإِبْطَالِ وَعَدَمِهِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الثَّلَاثَةِ الْأَحْكَامِ الْجَائِزَةِ فِي الشَّرْطِ الْمُمْتَنِعَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ لُغَةً وَشَرْعًا. (الْفَرْقُ السَّادِسُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ تَوَقُّفِ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ وَتَوَقُّفِهِ عَلَى شَرْطِهِ) فَنَقُولُ: الْحُكْمُ إذَا وَرَدَ مَعَ وَصْفَيْنِ وَمَنَعَ صَاحِبُ الشَّرْعِ مِنْ الْحُكْمِ بِدُونِهِمَا بِأَيِّ طَرِيقٍ يُعْلَمُ أَنَّ أَحَدَهُمَا سَبَبٌ وَالْأُخَرُ شَرْطٌ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّوَقُّفِ عَلَيْهِمَا وَانْتِفَاءُ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَوُجُوبِ الزَّكَاةِ عِنْدَ النِّصَابِ وَالْحَوْلِ فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّ النِّصَابَ سَبَبٌ وَالْحَوْلَ شَرْطٌ وَلِمَ لَا عَكَسْتُمْ أَوْ سَوَّيْتُمْ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا يُعْلِمُ بِأَنَّ الشَّرْطَ مُنَاسِبٌ فِي غَيْرِهِ وَالسَّبَبُ مُنَاسِبٌ فِي ذَاتِهِ فَإِنَّ النِّصَابَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْغِنَى وَنِعْمَةِ الْمِلْكِ فِي نَفْسِهِ وَالْحَوْلُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مُكَمِّلٌ لِنِعْمَةِ الْمِلْكِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ التَّنْمِيَةِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ وَنَبْسُطُ ذَلِكَ بِقَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الشَّرْعَ إذَا رَتَّبَ الْحُكْمَ عَقِيبَ أَوْصَافٍ فَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا مُنَاسِبَةً فِي ذَاتِهَا قُلْنَا: الْجَمِيعُ عِلَّةٌ وَلَا نَجْعَلُ بَعْضَهَا شَرْطًا كَوُرُودِ الْقِصَاصِ مَعَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ، الْمَجْمُوعُ عِلَّةٌ وَسَبَبٌ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مُنَاسِبٌ فِي ذَاتِهِ وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ مُنَاسِبًا فِي ذَاتِهِ دُونَ الْبَعْضِ. قُلْنَا: الْمُنَاسِبُ فِي ذَاتِهِ هُوَ السَّبَبُ وَالْمُنَاسِبُ فِي غَيْرِهِ هُوَ الشَّرْطُ كَمَا تَقَدَّمَ مِثَالُهُ فَهَذَا ضَابِطُ الشَّرْطِ وَالسَّبَبِ وَالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَتَحْرِيرِهِ. (الْفَرْقُ السَّابِعُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ وَالْعِلَلِ الْمُجْتَمِعَةِ) إذَا وَرَدَ الْحُكْمُ عَقِيبَ أَوْصَافٍ بِمَ يُعْلَمُ أَنَّهَا أَجْزَاءُ عِلَّةٍ أَوْ أَنَّهَا عِلَلٌ مُجْتَمِعَةٌ وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا ثَبَتَ عَقِيبَ أَوْصَافٍ يُنْظَرُ إنْ كَانَ صَاحِبُ الشَّرْعِ رَتَّبَ ذَلِكَ الْحُكْمَ مَعَ كُلِّ وَصْفٍ مِنْهَا إذَا انْفَرَدَ قُلْنَا: هِيَ عِلَلٌ مُجْتَمِعَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْفَرْقُ السَّادِسُ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِيهِ وَفِي الْفَرْقِ السَّابِعِ وَالثَّامِنِ وَالتَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ صَحِيحٌ وَاضِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدٌ مِنْ أُخْوَتِك فَوَجَدَ الْجَمِيعَ فِيهَا لِاتِّحَادِ الْيَمِينِ وَالْحِنْثِ كَذَلِكَ هَا هُنَا اهـ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَبْلُ مِنْ أَنَّ الظِّهَارَ خَبَرٌ لَا إنْشَاءٌ وَهُوَ مَوْضِعُ احْتِمَالٍ وَنَظَرٍ كَمَا مَرَّ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَالسِّرُّ فِي تَفْرِقَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ بَيْنَ كُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَبَيْنَ مَنْ تَزَوَّجَتْ مِنْ النِّسَاءِ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَكَذَا أَيْ حَيْثُ قَالَ بِعَدَمِ تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ فِي كُلٍّ، وَبِتَعَدُّدِهَا فِي مِنْ، وَكَذَا أَيْ مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى هُوَ مَا فِي الْبُنَانِيِّ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ عِيَاضٌ الْفَرْقُ أَنَّ أَصْلَ وَضْعِ مَنْ وَأَيِّ لِلْآحَادِ فَعَرَضَ لَهُمَا الْعُمُومُ فَعَمَّتْ الْآحَادَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا آحَادٌ وَأَصْلُ وَضْعِ كُلٍّ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَكَانَتْ كَالْيَمِينِ عَلَى فِعْلِ أَشْيَاءَ يَحْنَثُ بِفِعْلِ أَحَدِهَا فَحَاصِلُ كَلَامِ عِيَاضٍ أَنَّ مَنْ وَأَيِّ لِكُلِّ فَرْدٍ لَا بِقَيْدِ الْجَمْعِيَّةِ، وَمَدْلُولُ كُلٍّ كَذَلِكَ بِقَيْدِ الْجَمْعِيَّةِ مُنْضَمًّا إلَى التَّحْنِيثِ بِالْأَقَلِّ اهـ. فَلَا دَلَالَةَ لِمَنْ وَأَيُّ إلَّا عَلَى مَعْنَى الْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ كُلٍّ فَإِنَّ فِيهَا مَعْنَى الْكُلِّيَّةِ وَمَعْنَى الْكُلِّ الْمَجْمُوعِي فَلِذَا وَقَعَ خِلَافُ الْأَصْحَابِ فِي قَوْلِهِ لِنِسَائِهِ: كُلُّ مَنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَقَوْلُهُ لِنِسَاءٍ أَجْنَبِيَّاتٍ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كُلَّمَا تَزَوَّجْت فَاَلَّتِي أَتَزَوَّجُهَا عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي هَلْ تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ نَظَرًا لِمَعْنَى الْكُلِّيَّةِ أَوْ لَا تَتَعَدَّدُ نَظَرًا لِمَعْنَى الْكُلِّ الْمَجْمُوعِي. قَالَ الْبُنَانِيُّ: وَمَا ذَكَرَهُ خَلِيلٌ مِنْ عَدَمِ التَّعَدُّدِ فِي كُلِّ امْرَأَةٍ مِثْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعَدُّدِ فِي: كُلُّ مَنْ دَخَلَتْ. قَالَ الْبَاجِيَّ: هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ نَعَمْ قَدْ قِيلَ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ مِثْلُ مَا دَرَجَ عَلَيْهِ فِي الْأُخْرَى فَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَحْكِيَ الْخِلَافَ فِي الْفَرْعَيْنِ مَعًا أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى التَّعَدُّدِ فِيهِمَا أَوْ عَدَمِهِ وَإِلَّا فَكَلَامُهُ مُشْكِلٌ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ اهـ. وَقَالَ عبق وَمَا نَقَلَهُ عج عَنْ ق حَيْثُ قَالَ: لَا تَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فِي أَوَّلِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا وَلِذَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: كُلُّ مَنْ أَتَزَوَّجُهَا عَلَيْك فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِتَزَوُّجِ وَاحِدَةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا يُفِيدُهُ ق اهـ هُوَ الْمُعْتَمَدُ لَا مَا نَقَلَهُ عَنْ الْجَلَّابِ وَأَبِي الْحَسَنِ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ: كُلَّمَا تَزَوَّجْت فَاَلَّتِي أَتَزَوَّجُهَا عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي كُلِّ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا كَفَّارَةٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ اهـ وَقَدْ. قَالَ عبق إذَا قَالَ لِنِسَاءٍ أَجْنَبِيَّاتٍ: إنْ تَزَوَّجْتُكُنَّ فَأَنْتُنَّ عَلَيَّ

كَوُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَى مَنْ بَالَ وَلَامَسَ وَأَمْذَى فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا إذَا انْفَرَدَ اسْتَقَلَّ بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ وَكَإِجْبَارِ الْأَبِ لِابْنَتِهِ الْبِكْرِ مُعَلَّلٌ بِالصِّغَرِ وَالْبَكَارَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ تَرَتَّبَ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ الْإِجْبَارُ وَإِنْ انْفَرَدَ الصِّغَرُ وَحْدَهُ تَرَتَّبَ الْحُكْمُ وَأُجْبِرَتْ الصَّغِيرَةُ الثَّيِّبُ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَتُجْبَرُ الْبِكْرُ الْكَبِيرَةُ الْمُعَنَّسَةِ عَلَى الْخِلَافِ. وَإِنْ وَجَدْنَا صَاحِبَ الشَّرْعِ لَا يُرَتِّبُ الْحُكْمَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا قُلْنَا: هِيَ عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ تِلْكَ الْأَوْصَافِ كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فَبِهَذَا يُعْلَمُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَهُوَ ضَابِطُهُمَا وَتَحْرِيرُهُمَا. (الْفَرْقُ الثَّامِنُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ جُزْءِ الْعِلَّةِ وَالشَّرْطِ) فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْحُكْمِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ الْحُكْمِ وَلَا عَدَمُهُ فَتَلْتَبِسُ قَاعِدَةُ جُزْءِ الْعِلَّةِ بِقَاعِدَةِ الشَّرْطِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الشَّرْطَ مُنَاسَبَتُهُ فِي غَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي الْحَوْلِ فِي الزَّكَاةِ وَجُزْءُ الْعِلَّةِ مُنَاسَبَتُهُ فِي نَفْسِهِ كَجُزْءِ النِّصَابِ مُشْتَمِلٌ عَلَى جُزْءِ الْغِنَى فِي ذَاتِهِ وَكَأَحَدِ أَوْصَافِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مُنَاسَبَةِ الْعُقُوبَةِ فِي ذَاتِهِ فَبِهَذَا يَعْرِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ جُزْءُ عِلَّةٍ أَوْ شَرْطٍ. (الْفَرْقُ التَّاسِعُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَالْمَانِعِ) أَنَّ الشَّرْطَ لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَعَدَمُهُ يُوجِبُ الْعَدَمَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ الَّتِي هُوَ فِيهَا شَرْطٌ وَأَمَّا الْمَانِعُ فَهُوَ قَدْرٌ وَقَعَ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءً الْحُكْمَ وَانْتِهَاءَهُ كَالرَّضَاعِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ ابْتِدَاءً النِّكَاحَ وَيَقْطَعُ اسْتِمْرَارَهُ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي الْمَهْدِ وَتَرْضِعَ مِنْ أُمِّهِ فَتَصِيرُ أُخْتُهُ فَيَبْطُلُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا وَالْقِسْمُ الثَّانِي يَمْنَعُ ابْتِدَاءً الْحُكْمَ دُونَ اسْتِمْرَارِهِ كَالِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ ابْتِدَاءً الْعَقْدَ عَلَى الْمُسْتَبْرَأَةِ فَإِنْ طَرَأَ عَلَى النِّكَاحِ بِأَنْ تُكْرَهَ عَلَى الزِّنَى يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا عَلَى الزَّوْجِ خَشْيَةَ اخْتِلَاطِ نَسَبِهِ بِالْمُتَوَلِّدِ مِنْ الزِّنَى وَلِأَنَّهُ يُلَاعِنُ حِينَئِذٍ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزِّنَى وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْمُلَاعَنَةُ وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ فَهَذَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءً النِّكَاحَ فَقَطْ وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ يَلْحَقُ بِالْأَوَّلِ فَيَمْتَنِعُ فِيهِمَا أَوْ بِالثَّانِي فَلَا يَمْتَنِعُ التَّمَادِي بِخِلَافِ الْمُبَادِي وَلَهُ صُوَرٌ: الصُّورَةُ الْأُولَى وُجِدَ أَنَّ الْمَاءَ يَمْنَعُ مِنْ التَّيَمُّمِ ابْتِدَاءً عَلَى الصَّحِيحِ. فَإِنْ طَرَأَ الْمَاءُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ فَهَلْ يُبْطِلُهَا أَمْ لَا فِيهِ؟ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ الطَّوْلُ يَمْنَعُ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ ابْتِدَاءً عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنْ طَرَأَ الطَّوْلُ بَعْدَ النِّكَاحِ لِلْأَمَةِ فَهَلْ يُبْطِلُهُ أَمْ لَا؟ خِلَافٌ الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ يَمْنَعُ مِنْهُ الْإِحْرَامُ ابْتِدَاءً فَإِنْ تَقَدَّمَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ فِي زَمَنِ الْحِلِّ ثُمَّ طَرَأَ الْإِحْرَامُ الْمَانِعُ فَهَلْ يَمْنَعُ مِنْ اسْتِمْرَارِ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ؟ خِلَافٌ فَقِيلَ: يَجِبُ إرْسَالُهُ وَقِيلَ: لَا يَجِبُ. ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَظَهْرِ أُمِّي فَتَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ أَوْ عُقُودٍ لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ تَزَوَّجَ وَاحِدَةً لَزِمَتْهُ وَلَا يُقِرُّ بِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ فَإِنْ كَفَّرَ ثُمَّ تَزَوَّجَ الْبَوَاقِيَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ حِنْثَ الْيَمِينِ يُسْقِطُهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ: إنْ دَخَلْتُنَّ الدَّارَ فَأَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ أَوْ الْجَمِيعُ إلَّا وَاحِدَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَدْخُلَ جَمِيعُهُنَّ. قَالَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقِيلَ: يَحْنَثُ بِوَاحِدَةٍ عَلَى قَاعِدَةِ التَّحْنِيثِ بِالْبَعْضِ ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ وَلَعَلَّ وَجْهَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ كَقَوْلِ خَلِيلٍ فِي الْعِتْقِ وَإِنْ قَالَ: إنْ دَخَلْتُمَا فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِمَا اهـ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّهُنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَجْنَبِيَّاتٌ وَفِي الثَّانِيَةِ نِسَاؤُهُ وَلَيْسَ قَوْلُهُ إنْ تَزَوَّجْتُكُنَّ مِثْلَ قَوْلِهِ مَنْ تَزَوَّجْتُهَا مِنْكُنَّ بَلْ يَلْزَمُهُ فِي هَذِهِ لِكُلٍّ مَنْ تَزَوَّجَهَا مِنْهُنَّ كَفَّارَةٌ لِإِيهَامِ يَمِينِهِ وَخِطَابِ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَدْ أَوْقَعَ الظِّهَارَ عَلَى جَمِيعِ النِّسَاءِ فَأَجْزَأَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ اهـ بِتَصَرُّفٍ وَحَذْفٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَأَصْلُ مَذْهَبِنَا إلْحَاقُ الظِّهَارِ بِالْيَمِينِ بِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ أَصْلَهُ إلْحَاقُهُ بِالطَّلَاقِ فَفِي الرَّهُونِيِّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ تَظَاهَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ تُجْزِئُهُ مَا نَصُّهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَفَّارَةٌ كَمَا لَوْ قَالَ: لَهُنَّ أَنْتُنَّ طَوَالِقُ الشَّيْخِ فَهُوَ عَلَى طَرَفَيْنِ وَوَاسِطَةٍ، الطَّلَاقُ طَرَفٌ وَالْيَمِينُ طَرَفٌ وَالظِّهَارُ وَهُوَ الْوَاسِطَةُ فِيهِ شَائِبَةٌ لِشَبَهِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَهُوَ اتِّحَادُ الظِّهَارِ وَشَائِبَةٌ لِشَبَهِ الطَّلَاقِ وَهُوَ تَعَدُّدُ الْمُظَاهَرِ مِنْهُمَا ابْنُ يُونُسَ وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] الْآيَةَ فَجَمِيعُ النِّسَاءِ إذَا ظَاهَرَ مِنْهُنَّ الرَّجُلُ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلِأَنَّ الظِّهَارَ يَمِينٌ يُكَفَّرُ كَالْإِيلَاءِ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَفِّرْ عَنْ يَمِينِك» فَدَلَّ أَنَّهُ يَمِينٌ كَالْإِيلَاءِ الشَّيْخُ؛ وَلِأَنَّ الْمُرَاعَى قَوْلُ الْقَائِلِ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى اهـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ اهـ. وَقَوْلُ الْأَصْلِ وَالْفِقْهِ يَقْتَضِي عَدَمَ التَّكْرَارِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ هُوَ الْمُوجِبُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي فَرْقِ الْإِنْشَاءِ وَالْإِخْبَارِ لَكِنْ لَمَّا اشْتَهَرَ لَفْظُ الظِّهَارِ فِي مُوجِبِ الْكَفَّارَةِ لُوحِظَتْ الْكَفَّارَةُ فِي مَقْصِدِ الْمُظَاهِرِ كَأَنَّهَا حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فَيَكُونُ قَدْ الْتَزَمَ تَكْرَارَهَا فِي كَلِمَةِ كُلَّمَا وَأَيِّ فَإِنَّهُمَا لِلْحُكْمِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ وَأَشَارَ بِمَنْ فِيمَنْ دَخَلَتْ مِنْكُنَّ إلَى التَّبْعِيضِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ.

[المسألة السابعة قال إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم قال لها أنت طالق ثلاثا]

(الْفَرْقُ الْعَاشِرُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ) فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ عَدَمَ الْمَانِعِ يُعْتَبَرُ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ وَوُجُودُ الشَّرْطِ أَيْضًا مُعْتَبَرٌ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ الْحُكْمُ فَقَدْ يُعْدَمُ الْحَيْضُ وَلَا تَجِبُ الصَّلَاةُ وَيُعْدَمُ الدَّيْنُ وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ لِأَجْلِ الْإِغْمَاءِ فِي الْأَوَّلِ وَعَدَمِ النِّصَابِ فِي الثَّانِي وَكِلَاهُمَا يَلْزَمُهُ مِنْ فَقْدِهِ أَنَّهُ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَقَرُّرِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ فَهُمَا فِي غَايَةِ الِالْتِبَاسِ وَلِذَلِكَ لَمْ أَجِدْ فَقِيهًا إلَّا وَهُوَ يَقُولُ عَدَمُ الْمَانِعِ شَرْطٌ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ عَدَمِ الْمَانِعِ وَالشَّرْطِ أَلْبَتَّةَ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا يَظْهَرُ بِتَقْرِيرِ قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَشْكُوكٍ فِيهِ مَلْغِيٌّ فِي الشَّرِيعَةِ فَإِذَا شَكَكْنَا فِي السَّبَبِ لَمْ نُرَتِّبْ عَلَيْهِ حُكْمًا أَوْ فِي الشَّرْطِ لَمْ نُرَتِّبْ الْحُكْمَ أَيْضًا أَوْ فِي الْمَانِعِ رَتَّبْنَا الْحُكْمَ فَالْأَوَّلُ كَمَا إذَا شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا بَقِيَتْ الْعِصْمَةُ فَإِنَّ الطَّلَاقَ هُوَ سَبَبُ زَوَالِ الْعِصْمَةِ وَقَدْ شَكَكْنَا فِيهِ فَتُسْتَصْحَبُ الْحَالُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَإِذَا شَكَكْنَا هَلْ زَالَتْ الشَّمْسُ أَمْ لَا لَا تَجِبُ الظُّهْرُ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَأَمَّا الشَّرْطُ فَكَمَا إذَا شَكَكْنَا فِي الطَّهَارَةِ فَإِنَّا لَا نُقْدِمُ عَلَى الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْمَانِعُ فَكَمَا إذَا شَكَكْنَا فِي أَنَّ زَيْدًا قَبْلَ وَفَاتِهِ ارْتَدَّ أَمْ لَا فَإِنَّا نُوَرِّثُ مِنْهُ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ لِأَنَّ الْكُفْرَ مَانِعٌ مِنْ الْإِرْثِ وَقَدْ شَكَكْنَا فِيهِ فَنُوَرِّثُ فَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَشْكُوكٍ فِيهِ يُجْعَلُ كَالْمَعْدُومِ الَّذِي يُجْزَمُ بِعَدَمِهِ فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ تَدَّعِي الْإِجْمَاعَ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَمَذْهَبُك أَنَّ مَنْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ بَعْدَ تَقَرُّرِ الطَّهَارَةِ أَنَّ الْوُضُوءَ يَجِبُ فَلِمَ يُجْعَلُ مِلْكُ الْمَشْكُوكِ فِيهِ كَالْمُتَحَقِّقِ الْعَدَمِ بَلْ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِي اللَّه عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. قُلْت: الْقَاعِدَةُ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ هُنَا عَلَى مُخَالَفَتِهَا لِأَجْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى اعْتِبَارِهَا وَبَيَانُ هَذَا الْكَلَام مَعَ أَنَّهُ مُسْتَغْلِقٌ مُتَنَاقِضُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى شَغْلِ الذِّمَّةِ بِالصَّلَاةِ وَالْبَرَاءَةُ لِلذِّمَّةِ مِنْ الْوَاجِبِ تَتَوَقَّفُ عَلَى سَبَبٍ مُبَرِّئٍ إجْمَاعًا وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الشَّكَّ فِي الشَّرْطِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْمَشْرُوطِ ضَرُورَةً فَالشَّكُّ فِي الطَّهَارَةِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الصَّلَاةِ الْوَاقِعَةِ سَبَبًا مُبَرِّئًا فَإِنْ اعْتَبَرْنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ سَبَبًا مُبَرِّئًا كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فَقَدْ اعْتَبَرْنَا الْمَشْكُوكَ فِيهِ وَلَمْ نُصَيِّرْهُ كَالْمُحَقَّقِ الْعَدَمِ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَإِنْ اعْتَبَرْنَا هَذَا الْحَدَثَ الْمَشْكُوكَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ فَقَدْ اعْتَبَرْنَا مَشْكُوكًا فِيهِ وَلَمْ نُصَيِّرْهُ كَالْمُحَقَّقِ الْعَدَمِ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَكِلَا الْمَذْهَبَيْنِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ مُخَالَفَةُ الْقَاعِدَةِ فَتَعَيَّنَ الْجَزْمُ بِمُخَالَفَتِهَا وَأَنَّ هَذَا الْفَرْعَ لَا يُسَاعِدُ عَلَى إعْمَالِهَا وَاعْتِبَارِهَا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُخَالَفَتِهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَمَالِكٌ خَالَفَهَا فِي الْحَدَثِ وَالشَّافِعِيُّ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي سَبَبُ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ. لَكِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَرْجَحُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَإِنَّ الطَّهَارَةَ مِنْ بَابِ الْوَسَائِلِ وَالصَّلَاةَ مِنْ بَابِ الْمَقَاصِدِ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْوَسَائِلَ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْ الْمَقَاصِدِ فَكَانَتْ الْعِنَايَةُ بِالصَّلَاةِ وَإِلْغَاءُ الْمَشْكُوكِ فِيهِ وَهُوَ السَّبَبُ الْمُبَرِّئُ مِنْهَا أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ الطَّهَارَةِ وَإِلْغَاءِ الْحَدَثِ الْوَاقِعِ لَهَا فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ لَا بُدَّ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَفَّارَةِ فِي كُلِّ بَعْضٍ مِنْكُنَّ وَأَيُّ الْأَفْرَادِ وَأَمَّا كُلٌّ فَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الْإِحَاطَةِ وَالشُّمُولِ وَالْكُلُّ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ النَّفْيَ إذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا كَانَ مَعْنَاهَا الْكُلَّ فَمَعْنَى مَا قَبَضَتْ كُلَّ الْمَالِ أَنَّك لَمْ تَقْبِضْ الْجَمِيعَ بَلْ الْبَعْضَ اهـ بِتَلْخِيصٍ هُوَ مَبْنِيٌّ أَيْضًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ وَلَا يَقْوَى فَرْقٌ بَيْنَ كُلَّمَا وَكُلٌّ وَفِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَهَا نَظَرٌ ظَاهِرٌ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا] (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَبْقَى التَّعْلِيقُ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا بِعَقْدٍ ثَانٍ نَظَرًا لِأَمْرَيْنِ.: الْأَوَّلُ أَنَّ وُجُودَ الْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ الثَّانِي أَنَّ لَفْظَ التَّعْلِيقِ لَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْمُعَلَّقِ بِالطَّلَاقِ الْمَمْلُوكِ وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَاعِدَةِ مَالِكٍ مِنْ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ قَبْلَ الْمِلْكِ فِي: إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَعِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَبْقَى التَّعْلِيقُ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا بَلْ تَنْحَلُّ يَمِينُهُ نَظَرًا لِأَمْرَيْنِ أَيْضًا: الْأَوَّلُ قَاعِدَةُ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ لَمَّا جَعَلَ لِلْمُكَلَّفِ التَّعْلِيقَ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ مَثَلًا جَعَلَ لَهُ حِلَّ ذَلِكَ التَّعْلِيقِ بِالتَّنْجِيزِ خَاصَّةً فَإِذَا نَجَّزَ بَطَلَتْ شَرْطِيَّةُ الدُّخُولِ لِلطَّلَاقِ فَمَا وُجِدَ الْمَشْرُوطُ دُونَ شَرْطِهِ قَطُّ الثَّانِي أَنَّ لَفْظَ التَّعْلِيقِ يَقْتَضِي التَّصَرُّفَ فِي الْمَمْلُوكِ فَقَطْ لِأَنَّ طَلَاقَ الْمَرْأَةِ إنَّمَا يَكُونُ مِمَّا هِيَ مَوْثُوقَةٌ فِيهِ وَلَيْسَتْ هِيَ مَوْثُوقَةٌ إلَّا فِي عِصْمَتِهِ الْحَاضِرَةِ دُونَ غَيْرِهَا إلَّا بِدَلِيلِ الْأَصْلِ عَدَمُهُ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى مَا لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مَالِكًا لِسِتِّ طَلْقَاتٍ ثَلَاثٍ مُنَجَّزَاتٍ وَثَلَاثٍ مُعَلَّقَاتٍ وَاَلَّذِي أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ ثَلَاثًا فَقَطْ وَالْأَصْلُ عَدَمُ مِلْكِهِ لِلزَّائِدِ فَإِذَا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى وُقُوعِ الْمُنَجَّزِ تَعَيَّنَ إبْطَالُ التَّعْلِيقِ فِي الْمُعَلَّقِ حَتَّى يَقَعَ فِي الْمُعَلَّقِ بَعْدَ شَرْطٍ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ الشَّرْطُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا لَا يَقَعُ إلَّا دَفْعَةً كَالنِّيَّةِ وَإِلَى مَا لَا يَقَعُ إلَّا مُتَدَرِّجًا كَالْحَوْلِ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) الشَّرْطُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مَا لَا يَقَعُ إلَّا دَفْعَةً وَاحِدَةً كَالنِّيَّةِ وَمَا لَا يَقَعُ إلَّا مُتَدَرِّجًا كَالْحَوْلِ وَقِرَاءَةِ السُّورَةِ وَمَا يَقْبَلُ الْأَمْرَيْنِ وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ وُجُودَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ فَيَكُونُ الْمُعْتَبَرُ مِنْ الْأَوَّلِ اجْتِمَاعَ أَجْزَائِهِ وَوُجُودَهَا فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ لِإِمْكَانِ ذَلِكَ وَمِنْ الثَّانِي وُجُودُ آخِرِ أَجْزَائِهِ لِأَنَّ الْمُمْكِنُ فِيهِ أَمَّا وُجُودُ الْحَقِيقَةِ بِجُمْلَةِ أَجْزَائِهَا فَذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ وَمِنْ الثَّالِثِ كُلٌّ مِنْ الِاجْتِمَاعِ أَوْ الِافْتِرَاقِ لَا خُصُوصُ اجْتِمَاعِ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ خِلَافًا لِلْفَخْرِ الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُولِ إذْ لَا فَرْقَ عُرْفًا فِي قَوْلِهِ إنْ أَعْطَيْتَنِي عَشَرَةَ.

[المسألة التاسعة اشتراط المشيئة عند النطق بالأفعال]

مِنْ مُخَالَفَةِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ جَزْمًا فَلِذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مُخَالَفَتِهَا لِأَجْلِ اعْتِبَارِهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَإِنَّمَا يَبْقَى النَّظَرُ عَلَى مُخَالَفَتِهَا مِنْ أَيِّ الْوُجُوهِ أَوْلَى وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَرْجَحُ فِي مُخَالَفَتِهَا فَظَهَرَ حِينَئِذٍ أَنَّ الْقَاعِدَةَ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَأَنَّ الضَّرُورَةَ دَعَتْ لِمُخَالَفَتِهَا فِي هَذَا الْفَرْعِ وَتَعَذَّرَتْ مُرَاعَاتُهَا فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَنَقُولُ لَوْ كَانَ عَدَمُ الْمَانِعِ شَرْطًا لَاجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ فِيمَا إذَا شَكَكْنَا فِي طَرَيَان الْمَانِعِ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الشَّكَّ فِي أَحَدِ النَّقِيضَيْنِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْآخَرِ بِالضَّرُورَةِ فَمَنْ شَكَّ فِي وُجُودِ زَيْدٍ فِي الدَّارِ فَقَدْ شَكَّ فِي عَدَمِهِ مِنْ الدَّارِ بِالضَّرُورَةِ فَالشَّكُّ فِي أَحَدِ النَّقِيضَيْنِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْآخَرِ فَإِذَا شَكَكْنَا فِي وُجُودِ الْمَانِعِ فَقَدْ شَكَكْنَا فِي عَدَمِهِ بِالضَّرُورَةِ وَعَدَمُهُ شَرْطٌ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ. فَنَقُولُ: قَدْ شَكَكْنَا فِي الشَّرْطِ أَيْضًا فَإِذَا اجْتَمَعَ الشَّكُّ فِي الْمَانِعِ وَالشَّرْطُ اقْتَضَى شَكُّنَا فِي الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْمَانِعِ أَنْ لَا نُرَتِّبَ الْحُكْمَ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَاقْتَضَى شَكُّنَا فِي الْمَانِعِ أَنْ نُرَتِّبَ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْقَاعِدَةِ فَنُرَتِّبُ الْحُكْمَ وَلَا نُرَتِّبُهُ وَذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ وَإِنَّمَا جَاءَنَا هَذَا الْمُحَالُ مِنْ اعْتِقَادِنَا أَنَّ عَدَمَ الْمَانِعِ شَرْطٌ فَيَجِبُ أَنْ نَعْتَقِدَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِذَا كَانَ لَيْسَ بِشَرْطٍ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ عَدَمِ الْمَانِعِ وَالشَّرْطِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. (الْفَرْقُ الْحَادِيَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ تَوَالِي أَجْزَاءِ الْمَشْرُوطِ مَعَ الشَّرْطِ وَبَيْنَ تَوَالِي الْمُسَبِّبَاتِ مَعَ الْأَسْبَابِ) بِنَصْبِ الْمِثَالِ وَتَحْقِيقِ الْبَحْثِ فِي ذَلِكَ فَإِذَا قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَتَزَوَّجَهَا لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَبَانَتْ مِنْهُ وَحَرُمْت عَلَيْهِ بِهِ وَلَزِمَهُ الظِّهَارُ أَيْضًا فَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ وَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظُهْرِ أُمِّي لَمْ يَلْزَمْهُ الظِّهَارُ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَهُ تَحْرِيمُهَا بِالطَّلَاقِ فَهُوَ صَادِقٌ فِي لَفْظِ التَّحْرِيمِ بِالظِّهَارِ فَلَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِكَذِبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ فَفِي الصُّورَتَيْنِ تَقَدَّمَ التَّحْرِيمُ وَلَزِمَهُ الظِّهَارُ فِي إحْدَى الصُّورَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ تَرْتِيبِ الْمَشْرُوطَاتِ مَعَ الشُّرُوطِ وَتَرْتِيبِ الْمُسَبِّبَاتِ مَعَ الْأَسْبَابِ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ فَدَخَلَ الدَّارَ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَقُولَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ قَبْلَ الْعِتْقِ وَلَا الْعِتْقُ قَبْلَ الطَّلَاقِ بَلْ وَقَعَا مُرَتَّبَيْنِ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ دُخُولُ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لَجَزَمْنَا أَنَّهُ طَلَّقَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَأَنَّ الْعِتْقَ مُتَقَدِّمٌ لِأَنَّ تَقْدِيمَ سَبَبِ الْعِتْقِ هُوَ قَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ اقْتَضَى تَقَدُّمَ الْعِتْقِ لِأَنَّهُ مُسَبِّبُهُ فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: إنْ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ تَوَالِي أَجْزَاءِ الْمَشْرُوطِ مَعَ الشَّرْطِ وَبَيْنَ تَوَالِي الْمُسَبِّبَاتِ مَعَ الْأَسْبَابِ) قُلْت: جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَهُ تَحْرِيمُهَا بِالطَّلَاقِ فَهُوَ صَادِقٌ فِي لَفْظِ التَّحْرِيمِ بِالظِّهَارِ فَلَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِكَذِبِهِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا سَبَقَ لَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQدَرَاهِمَ فَأَنْتَ حُرٌّ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهَا مَجْمُوعَةً أَوْ دِرْهَمًا بَعْدَ دِرْهَمٍ بَلْ يَعُدُّ أَهْلُ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ أَنَّ مَنْ أَعْطَى كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا فَأَعْطَى عَشْرَةً فِي عَشْرَةِ أَيَّامٍ أَنَّهُ مُعْطٍ لِعَشَرَةٍ وَالْأَيْمَانُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعُرْفِ بَلْ يَصْدُقُ أَيْضًا لُغَةً عَلَى مُعْطِي الْعَشَرَةِ الدَّرَاهِمِ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ أَنَّهُ مُعْطٍ لِعَشَرَةٍ فَإِنَّ مُسَمَّى إعْطَائِهِ الْعَشَرَةَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ بِصِفَةِ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ عَدَمَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ فَإِنْ جَعَلَ الْمُعَلِّقَ لِلشَّرْطِ عَدَمَهَا بِلَمْ أَوْ بِلَمَّا الْمَوْضُوعَيْنِ لِنَفْيِ الْمَاضِي أَوْ بِمَا وَبِلَيْسَ الْمَوْضُوعَيْنِ لِنَفْيِ الْحَالِ كَانَ الْمُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْحَقَائِقِ مُطْلَقُ الْعَدَمِ فِي مُطْلَقِ الزَّمَانِ كَمَا قَالَ الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُولِ حَتَّى عِنْدَ اسْتِعْمَالِ لَمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عُرْفًا كَمَا إذَا قَالَ: إنْ لَمْ تَقْرَأْ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ اسْتِيعَابُهُ الْعَدَمَ لِجَمِيعِ أَجْزَاءِ السَّنَةِ حَتَّى لَوْ قَرَأَهَا فِي آخِرِ السَّنَةِ صَدَقَ حُصُولُ قِرَاءَتِهَا وَلَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ مُتَحَقِّقًا وَإِنْ جَعَلَ عَدَمَهَا بِلَا أَوْ بِلَنْ الْمَوْضُوعَيْنِ لِنَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ كَانَ الْمُعْتَبَرُ مِنْ الْجَمِيعِ اسْتِغْرَاقَ الْعَدَمِ لِجَمِيعِ أَزْمِنَةِ الْعُمْرِ أَوْ الزَّمَنِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُعَلِّقُ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَدَمِ فِي مُطْلَقِ الزَّمَنِ خِلَافًا لِلرَّازِيِّ فِي الْمَحْصُولِ فَقَدْ نَصَّ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنْ لَا وَلَنْ مَوْضُوعَانِ لِعُمُومِ نَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ وَأَنَّ لَنْ أَبْلُغَ فِي عُمُومِ النَّفْيِ لِلْمُسْتَقْبَلِ. [الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ اشْتِرَاطِ الْمَشِيئَةِ عِنْدَ النُّطْقِ بِالْأَفْعَالِ] (الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ) وَجْهُ اسْتِدْلَالِ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] عَلَى اشْتِرَاطِ الْمَشِيئَةِ عِنْدَ النُّطْقِ بِالْأَفْعَالِ مَعَ أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيقِ لَا مُطَابِقَةً وَلَا الْتِزَامًا فَإِنَّ إلَّا لِلِاسْتِثْنَاءِ لَا لِلتَّعْلِيقِ وَأَنَّ هِيَ النَّاصِبَةُ لَا الشَّرْطِيَّةُ هُوَ أَنَّ فِي الْآيَةِ حَذْفًا وَالْمَحْذُوفُ هُوَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَالْمُسْتَثْنَى الَّذِي هُوَ حَالٌ مِنْ مَقُولِ الْقَوْلِ عَامِلَةٌ فِي أَنَّ بَعْدَ حَذْفِ الْجَارِ الَّذِي هُوَ الْبَاءُ لِحَذْفِهِ مَعَهَا كَثِيرًا، وَالتَّقْدِيرُ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا مُعَلِّقًا بِأَنْ يَشَاءَ اللَّهُ فَيَكُون النَّهْيُ الْمُتَقَدِّمُ مَعَ إلَّا الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ قَدْ حَصَرَا الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْحَالِ دُونَ سَائِرِ الْأَحْوَالِ فَتَخْتَصُّ هَذِهِ الْحَالُ بِالْإِبَاحَةِ وَغَيْرِهَا بِالتَّحْرِيمِ وَتَرْكُ الْمُحَرَّمِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ يُتْرَكُ بِهِ الْحَرَامُ إلَّا هَذِهِ الْحَالَ فَتَكُونُ وَاجِبَةً فَهَذَا مُدْرِكُ الْوُجُوبِ وَأَمَّا مُدْرِكُ التَّعْلِيقِ فَهُوَ قَوْلُنَا مُعَلَّقًا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَلَّقَ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَأَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّعْلِيقِ عَلَى الْمَشِيئَةِ عِنْدَ الْوَعْدِ بِالْأَفْعَالِ كَمَا أَنَّ قَوْلَك لَا تَخْرُجُ إلَّا ضَاحِكًا يُفِيدُ

[المسألة العاشرة ذكر الشرط للتعليل دون التعليق]

تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَا نَقُولُ إنَّ الطَّلَاقَ تَقَدَّمَ عَلَى الظِّهَارِ حَتَّى نَمْنَعَهُ بَلْ الشَّرْطُ اقْتَضَاهُمَا اقْتِضَاءً وَاحِدًا فَلَا تَرْتِيبَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي تَقَدَّمَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فَقَضَيْنَا بِتَقَدُّمِهِ عَلَى الظِّهَارِ فَمَنَعَهُ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ تَرَتُّبِ أَجْزَاءِ الشَّرْطِ وَمُسَبِّبَاتِ الْأَسْبَابِ وَإِنَّمَا نَظِيرُ الْمَشْرُوطَاتِ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ الْمُسَبِّبَاتُ لِسَبَبٍ وَاحِدٍ لَا الْمُسَبِّبَاتُ لِأَسْبَابٍ عَدِيدَةٍ كَمَا نَقُولُ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا هَذَا اللَّفْظُ سَبَبُ تَحْرِيمِهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَسَبَبٌ لِإِبَاحَةِ أُخْتِهَا وَلَا نَقُولُ إنَّ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْآخَرِ وَلَا بَعْدَهُ. (الْفَرْقُ الثَّانِيَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ التَّرْتِيبِ بِالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ) قَدْ الْتَبَسَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ وَوَقَعَتْ مَبَاحِثُ رَدِيَّةٌ بِنَاءً عَلَى اللَّبْسِ بَيْنَهُمَا وَتَقْرِيرُ الْفَرْقِ أَنَّ الزَّمَانَ أَجْزَاؤُهُ سَيَّالَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ بِذَاتِهَا عَقْلًا مُسْتَحِيلَةُ الِاجْتِمَاعِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُوجَدَ أَمْسُ الدَّابِرُ مَعَ الْيَوْمِ الْحَاضِرِ وَلَا أَوَّلُ النَّهَارِ مَعَ آخِرِهِ وَلَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ وَإِنْ قَلَّ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ الزَّمَانِيَّةِ وَإِذَا كَانَ الزَّمَانُ مُرَتَّبُ الْأَجْزَاءِ وَالْأَفْعَالُ وَالْأَقْوَالُ وَاقِعَةٌ فِي الزَّمَانِ وَمُنْقَسِمَةٌ عَلَى أَجْزَائِهِ فَالْوَاقِعُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْوَاقِعِ فِي الْحَاضِرِ وَالْمُسْتَقْبَلِ وَالْوَاقِعُ مِنْهَا فِي الْحَاضِرِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْمَاضِي وَمُتَقَدِّمٌ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ أَنَّهُ إذَا اشْتَمَلَ عَلَى قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ أَوْ الْفِعْلُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْوَاقِعِ فِي الزَّمَانِ الَّذِي بَعْدَهُ وَمُتَأَخِّرًا عَنْ الْوَاقِعِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي قَبْلَهُ فَظَهَرَ أَنَّ تَرْتِيبَ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ يَقْتَضِي تَرْتِيبَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الْوَاقِعَةِ فِيهَا وَأَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْمُرَتَّبِ مُرَتَّبٌ عَقْلًا لَا بِوَضْعٍ لُغَوِيٍّ اقْتَضَى ذَلِكَ بَلْ ذَلِكَ بِالْعَقْلِ الصِّرْفِ وَأَمَّا التَّرْتِيبُ بِالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ فَهُوَ بِالْفَاءِ وَثُمَّ وَحَتَّى وَالسِّينِ وَسَوْفَ وَلَمْ وَلَا وَلَنْ وَمَا وَنَحْوِهَا. فَإِذَا قُلْت: قَامَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو كَانَ قِيَامُ زَيْدٍ مُتَقَدِّمًا عَلَى قِيَامِ عَمْرٍو أَوْ ثُمَّ عَمْرٌو فَكَذَلِكَ مَعَ تَرَاخٍ أَوْ قَامَ الْقَوْمُ حَتَّى عَمْرٌو يَقْتَضِي أَيْضًا تَأَخُّرَ قِيَامِ عَمْرٍو بِسَبَبِ أَنَّ حَتَّى حَرْفُ غَايَةٍ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمُغَيَّا لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ قَبْلَ الْغَايَةِ ثُمَّ يَصِلَ إلَيْهَا كَقَوْلِك سِرْت حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَالسَّيْرُ ثَابِتٌ قَبْلَ الْفَجْرِ مُتَكَرِّرٌ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَكَذَلِكَ شَأْنُ جَمِيعِ الْغَايَاتِ وَإِذَا كَانَ قِيَامُ عَمْرٍو غَايَةً وَغَايَةُ الشَّيْءِ طَرَفُهُ وَآخِرُهُ فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْأَوَّلِ ضَرُورَةً وَإِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــSمِنْ أَنَّ الظِّهَارَ خَبَرٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ فِيهِ نَظَرٌ. قَالَ: (الْفَرْقُ الثَّانِي عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ التَّرْتِيبِ بِالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي مِثْلِ قَاعِدَةِ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ مِنْ الْكَلَامِ أَنَّ لَهُ عَشَرَةَ مِثْلٍ فَذَكَرَهَا لَكِنَّهُ زَادَ عِنْدَ تَعْدَادِهَا التَّمْيِيزَ وَالْبَدَلَ وَلَمْ يَذْكُرْ مِثَالَيْهِمَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَمْرَ بِالضَّحِكِ حَالَةَ الْخُرُوجِ وَمِنْ هُنَا عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ لِامْرَأَتِهِ: عَلَّقْت طَلَاقَك عَلَى دُخُولِ الدَّارِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فِي كَوْنِهَا تَطْلُقُ بِدُخُولِ الدَّارِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَهَا جَعَلْت دُخُولَ الدَّارِ سَبَبًا لِطَلَاقِك فَإِنَّهَا لَمْ تَطْلُقْ بِدُخُولِ الدَّارِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْجَعْلِ التَّعْلِيقَ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ إنَّمَا جَعَلَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ دُخُولَ الدَّارِ سَبَبًا لِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ بِطَرِيقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ التَّعْلِيقُ خَاصَّةً فَإِنْ أَرَادَ نَصْبَهُ بِغَيْرِ التَّعْلِيقِ كَمَا جَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ الزَّوَالَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الظُّهْرِ وَالْهِلَالَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ فَافْهَمْ ذَلِكَ. [الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ ذِكْر الشَّرْطُ لِلتَّعْلِيلِ دُونَ التَّعْلِيقِ] (الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ) الْأَصْلُ فِي الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ أَنْ يَكُنْ لِلتَّعْلِيقِ أَيْ جَعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ سَبَبًا فِي الْمُعَلَّقِ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ لِذَاتِهِ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ كَمَا مَرَّ وَلَوْ لَمْ تَتَحَقَّقْ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ وَقَدْ يَأْتِي لِلتَّعْلِيلِ أَيْ جَعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ عِلَّةً غَائِيَّةً لِلْمُعَلِّقِ بِحَيْثُ يُوجَدُ الْمُعَلِّقُ لِأَجْلِهِ وَلَا يَنْتَفِي الْمُعَلِّقُ عِنْدَ انْتِفَائِهِ مَعَ تَحَقُّقِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا فَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الشَّرْطَ فِي التَّعْلِيقِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [النحل: 114] فَإِنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّكُمْ مَوْصُوفُونَ بِصِفَةٍ تَحُثُّ عَلَى الشُّكْرِ وَتَبْعَثُ عَلَيْهِ وَهِيَ الْعِبَادَةُ وَالتَّذَلُّلُ فَافْعَلُوا الشُّكْرَ فَإِنَّهُ مُتَيَسِّرٌ لِوُجُودِ سَبَبِهِ عِنْدَكُمْ وَالشُّكْرُ وَاجِبٌ مَعَ الْعِبَادَةِ وَمَعَ عَدَمِهَا وَكَمَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ تَصْدِيقَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ فِي ذَلِكَ حَاثٌّ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالْكُفَّارُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ خِطَابِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ مَأْمُورُونَ بِإِكْرَامِ الضَّيْفِ مَعَ عَدَمِ هَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمِنْهُ قَوْلُك: أَطِعْنِي إنْ كُنْت ابْنِي إذْ لَا تَشُكُّ فِي بُنُوَّتِهِ بَلْ تُنَبِّهُهُ عَلَى الصِّفَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الطَّاعَةِ. [الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَ قَوْلُهُ تَعَالَى يَا نِسَاءُ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ] (الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَ) قَوْله تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب: 32] يَحْتَمِلُ وَهُوَ الْأَسْبَقُ إلَى الْفَهْمِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَفْضِيلَهُنَّ بِشَرْطِ التَّقْوَى وَالْمَعْنَى إنْ اتَّقَيْتُنَّ اللَّهَ فَلَا تَقِسْنَ بِجَمَاعَةٍ مِنْ النِّسَاءِ فَإِنَّكُنَّ أَعْظَمُ فَإِنْ اتَّقَيْتُنَّ شَرْطٌ حُذِفَ جَوَابُهُ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب: 32] كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ لِلْإِرْشَادِ وَالتَّهْيِيجِ بِجَعْلِ طَلَبِ الدُّنْيَا وَالْمَيْلِ إلَى مَا تَمِيلُ إلَيْهِ النِّسَاءُ لِبُعْدِهِ عَنْ مَقَامِهِنَّ بِمَنْزِلَةِ الْخُرُوجِ مِنْ.

[المسألة الثانية عشر حذف جواب الشرط إن كان في الكلام ما يدل عليه]

قُلْت سَيَقُومُ زَيْدٌ وَسَوْفَ يَقُومُ عَمْرٌو وَكَانَ قِيَامُ زَيْدٍ قَبْلَ قِيَامِ عَمْرٍو وَعَمْرٌو بَعْدَهُ لِأَنَّ سَوْفَ أَكْثَرُ تَنْفِيسًا مِنْ السِّينِ وَإِذَا قُلْت: لَمْ يَقُمْ زَيْدٌ وَلَا يَقُومُ عَمْرٌو وَلَنْ يَقُومَ كَانَ عَدَمُ قِيَامِ زَيْدٍ فِي الْمَاضِي وَعَدَمُ قِيَامِ عَمْرٍو فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَقَدْ تَرَتَّبَ الْعَدَمانِ بِسَبَبِ أَنَّ لَنْ وَلَا مَوْضُوعَانِ لِنَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ وَلَمْ وَلَمَّا مَوْضُوعَانِ لِنَفْيِ الْمَاضِي وَمَا وَلَيْسَ مَوْضُوعَانِ لِنَفْيِ الْحَالِ وَلَمَّا كَانَ الْمَاضِي وَالْحَالُ وَالْمُسْتَقْبَلُ مُتَرَتِّبَةً كَانَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى وُقُوعِ الْعَدَمِ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا دَالًّا عَلَى التَّرْتِيبِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ التَّرْتِيبُ الَّذِي لَا يَسْتَقِلُّ الْعَقْلُ بِهِ بَلْ يُسْتَفَادُ مِنْ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَرُبَّمَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ اللُّغَاتُ وَرُبَّمَا تَبَدَّلَتْ بِالنَّقْلِ الْعُرْفِيِّ وَالْعَقْلُ لَا يَقْبَلُ الِاخْتِلَافَ وَلَا التَّبَدُّلَ إذَا تَقَرَّرَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّرْتِيبِ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ وَبَيْنَ التَّرْتِيبِ بِالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ فَأَذْكُرُ ثَلَاثَ مَسَائِلَ دَالَّةً عَلَى هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَأُوَجِّهُ الصَّوَابَ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ وَمَنْ وَافَقَ الْقَوَاعِدَ وَمَنْ خَالَفَهَا. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الْحَقُّ وَاتَّفَقَ الْإِمَامَانِ عَلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ ثُمَّ أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَفِي النَّسَقِ بِالْوَاوِ إشْكَالٌ فَحَصَلَ لَهُ فِيهَا تَوَقُّفٌ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَلْ أَلْزَمَ فِي الْوَاوِ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَهُوَ الْحَقُّ بِسَبَبِ أَنَّ الزَّمَانَ يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فَقَدْ بَانَتْ بِالطَّلْقَةِ الْأُولَى قَبْلَ نُطْقِهِ بِالطَّلْقَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا يَلْزَمُ لِأَجْلِ الْبَيْنُونَةِ كَمَا لَوْ قَالَ: فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ فِي الْوَاوِ حِينَئِذٍ إشْكَالٌ أَصْلًا بَلْ نَجْزِمُ بِتَقَدُّمِ مَا نَطَقَ بِهِ قَبْلَهَا عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ بَعْدَهَا فَتَبِينُ فَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ الْأُولَى الْمَعْطُوفُ عَلَيْهَا بِالْوَاوِ دُونَ الْمَعْطُوفَةِ بِالْوَاوِ فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمَقْطُوعُ بِهِ الَّذِي لَا تَسَعُ مُخَالَفَتُهُ وَأَمَّا قَوْلُ الْأَصْحَابِ إنَّهُ طَلَّقَ بِالْأُولَى ثَلَاثًا ثُمَّ فَسَّرَهُ بَعْدَهُ ذَلِكَ أَوْ بِالْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنَّ الثَّلَاثَ تُعْتَبَرُ بِاتِّفَاقٍ وَيَلْزَمُكُمْ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنَّ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ تَبِينَ فَلَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا شَيْءٌ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَسْأَلَةِ مَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ فَقَوْلُهُمْ نَوَى ثُمَّ فَسَّرَ لَا يَسْتَقِيمُ بَلْ إنْ نَوَى انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ عَلَى لُزُومِ مَا نَوَاهُ فَهَذَا الْمُدْرَكُ بَاطِلٌ قَطْعًا. وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِهِ مَعَ عَدَمِ نِيَّتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَبَاطِلٌ أَيْضًا بِسَبَبِ فَرْقٍ عَظِيمٍ مَأْخُوذٍ مِنْ قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ لُغَوِيَّةٍ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ إذَا لَحِقَ لَفْظًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ صَارَ الْمُسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ عَشَرَةُ مُثُلٍ: (الْمِثَالُ الْأَوَّلُ) إذَا قَالَ: لَهُ عِنْدِي عَشَرَةٌ إلَّا اثْنَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا ثَمَانِيَةٌ مَعَ أَنَّ الْأَقَارِيرَ عِنْدَ الْحُكَّامِ فِي غَايَةِ الضِّيقِ وَالْحَرَجِ وَلَا تُقْبَلُ فِيهَا النِّيَّاتُ وَلَا الْمَجَازَاتُ وَمَا سَبَّبَهُ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ عِنْدِي عَشَرَةٌ وَإِنْ كَانَ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَحِقَهُ قَوْلُهُ إلَّا اثْنَيْنِ وَهُوَ كَلَامٌ لَوْ نَطَقَ بِهِ وَحْدَهُ لَمْ يَسْتَقِلَّ فَيَصِيرُ الْأَوَّلُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَصَارَ الْمَجْمُوعُ إقْرَارًا بِالثَّمَانِيَةِ فَقَطْ وَلَغَا اعْتِبَارُ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّقْوَى وَيَحْتَمِلُ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَرْبَابِ عِلْمِ الْبَيَانِ وَأَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَفْضِيلُهُنَّ عَلَى النِّسَاءِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَيَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ وَيَبْدَأُ بِالشَّرْطِ وَيَكُونُ جَوَابُهُ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ دُونَ مَا قَبْلَهُ قِيلَ: وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَبْلَغُ فِي مَدْحِهِنَّ لِأَنَّهُنَّ مُتَّقِيَاتٌ وَهُوَ صَحِيحٌ لَوْ أَنَّ الْآيَةَ وَرَدَتْ لِلْمَدْحِ لَكِنَّهَا لَمْ تَرِدْ لِذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ مِنْهَا دَاوَمُهُنَّ عَلَى التَّقْوَى. [الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَ حَذْفُ جَوَابِ الشَّرْطِ إنْ كَانَ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَ) إذَا لَمْ يَصِحَّ جَعْلُ مَا بَعْدَ الشَّرْطِ مِنْ الْكَلَامِ الْمَنْطُوقِ بِهِ جَوَابًا لِكَوْنِهِ مَاضِيًا مَثَلًا وَالْمَاضِي لَا يُعَلَّقُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ كَانَ الْجَوَابُ مَحْذُوفًا وَالْمَذْكُورُ دَلِيلُهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} [فاطر: 4] أَيْ وَإِنْ يُكَذِّبُوك فَتَسَلَّ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِك فَتَكْذِيبُ مَنْ قَبْلَهُ سَبَبٌ لِتَسْلِيَتِهِ وَقَائِمٌ مَقَامَهُ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. [الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَ حَمْلِ الْعُمُومِ عَلَى عُمُومِهِ دُونَ سَبَبِهِ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَ) الْعِبْرَةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ فَيَسْتَدِلُّونَ أَبَدًا بِظَاهِرِ الْعُمُومِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَوْرِدِ سَبَبِهِ فَفِي الْعَزِيزِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عِنْدَ حَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي السُّنَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَزْمٍ «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» مَا نَصُّهُ أَيْ فِي الْقُرْآنِ فَيَجِبُ عَلَيْكُمْ الِابْتِدَاءُ فِي السَّعْيِ بِالصَّفَا وَذَا وَإِنْ وَرَدَ عَنْ سَبَبٍ لَكِنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ اهـ. قَالَ الْحَنَفِيُّ: قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَابًا لِمَنْ سَأَلَهُ فِي السَّعْيِ أَنَبْدَأُ بِالصَّفَا أَوْ بِالْمَرْوَةِ؟ وَفِي رِوَايَةٍ أَبْدَأُ وَفِي أُخْرَى نَبْدَأُ اهـ فَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ الْبُدَاءَةِ بِالْبَسْمَلَةِ ثُمَّ بِالْحَمْدِ لَهُ فِي الْكُتُبِ الْعِلْمِيَّةِ وَإِلَّا كَانَ لَفْظُ الْأَمْرِ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ أَوْ فِيمَا يَعُمُّهُمَا فَافْهَمْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ السَّبَبُ شَرْطًا خِلَافًا لِلشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْقَائِلِ بِذَلِكَ الْوُجُوبِ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّ الْأَوَّابِينَ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25] وَإِنْ كَانَ عَامًّا فِي كُلِّ أَوَّابٍ مَاضِيًا أَوْ حَاضِرًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَتَخَصَّصَ بِنَا لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ أَنَّ صَلَاحَنَا لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَغْفِرَةِ فِي حَقِّ غَيْرِنَا مِنْ الْأُمَمِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ إنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ مِنْكُمْ غَفُورًا إذْ لَا دَلِيلَ لَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ مَا حُذِفَ جَوَابُهُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَالتَّقْدِيرُ إنْ تَكُونُوا.

[المسألة الرابعة عشر الكفارات هل هي على التخيير أو على الترتيب]

عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ. (الْمِثَالُ الثَّانِي) قَوْلُ الْحَالِفِ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا كَتَّانًا لَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ الْكَتَّانِ إجْمَاعًا مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا لَبِسْت ثَوْبًا عَامٌّ فِي ثِيَابِ الْكَتَّانِ وَغَيْرِهَا فَإِذَا نَطَقَ بِقَوْلِهِ كَتَّانًا وَصَفَ الْعُمُومَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّخْصِيصِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ اخْتَصَّ الْحِنْثُ بِثِيَابِ الْكَتَّانِ وَحْدَهَا بِسَبَبِ أَنَّ قَوْلَهُ لَا لَبِسْت ثَوْبًا وَإِنْ كَانَ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَحِقَهُ كَتَّانًا وَهُوَ لَفْظٌ مُفْرَدٌ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَصَارَ الْأَوَّلُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَصَارَ الْمَجْمُوعُ لَا يُفِيدُ إلَّا ثِيَابَ الْكَتَّانِ وَغَيْرُ ثِيَابِ الْكَتَّانِ لَمْ يَنْطِقْ بِهَا بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ فَلَا يَحْنَثُ بِهَا (الْمِثَالُ الثَّالِثُ) قَوْلُ الْقَائِلِ: وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْتُهُ حَتَّى يُعْطِيَنِي حَقِّي فَأَعْطَاهُ حَقَّهُ ثُمَّ كَلَّمَهُ لَا يَحْنَثُ إجْمَاعًا بِسَبَبِ أَنَّ قَوْلَهُ لَا كَلَّمْتُهُ وَإِنْ كَانَ يَقْتَضِي اسْتِغْرَاقَ الْأَزْمَانِ إلَى آخِرِ الْعُمْرِ فَقَدْ لَحِقَهُ قَوْلُهُ حَتَّى يُعْطِيَنِي حَقِّي وَهُوَ لَفْظٌ لَوْ نَطَقَ بِهِ وَحْدَهُ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ فَلَمَّا لَحِقَ مَا هُوَ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَصَارَ الْمَجْمُوعُ يَقْتَضِي نَفْيَ الْكَلَامِ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ فَقَطْ وَمَا عَدَاهَا لَا يَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ أَلْبَتَّةَ بِاللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ. (الْمِثَالُ الرَّابِعُ) قَوْلُهُ وَاَللَّهِ: لَا كَلَّمْتُك إنْ جِئْتِنِي فِي الدَّارِ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا يَلْزَمُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ لِلدَّارِ طَلَاقٌ إجْمَاعًا بِسَبَبِ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَإِنْ كَانَ كَلَامًا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ لَمَّا لَحِقَ بِهِ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ. (الْمِثَالُ الْخَامِسُ) لَوْ قَالَ: اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَاخْتَصَّ قَتْلُهُمْ بِرَمَضَانَ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ وَيُقَيِّدْ بِهِ لَقُتِلُوا فِي جَمِيعِ السَّنَةِ غَيْرَ أَنَّ الْمَجْرُورَ لَمَّا لَمْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَ الْأَوَّلَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَخَصَّصَهُ. (الْمِثَالُ السَّادِسُ) لَوْ قَالَ: اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ أَمَامَ زَيْدٍ لَاخْتَصَّ قَتْلُهُمْ بِتِلْكَ الْجِهَةِ وَمَنْ وُجِدَ فِي غَيْرِهَا لَا يُقْتَلُ أَلْبَتَّةَ لَمَّا لَمْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَ الْأَوَّلَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ. (الْمِثَالُ السَّابِعُ) لَوْ قَالَ: اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ عُرَاةً لَاخْتَصَّ قَتْلُهُمْ بِحَالَةِ الْعُرْيِ وَلَوْ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ لَقُتِلُوا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ صَيَّرَ الْأَوَّلَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ. (الْمِثَالُ الثَّامِنُ) لِيُقْتَلْ الْمُشْرِكُونَ وَزَيْدٌ أَيْ مَعَ زَيْدٍ فَلَا يُقْتَلُونَ إلَّا إذَا وُجِدُوا مَعَهُ وَاللَّفْظُ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ يَقْتَضِي قَتْلَهُمْ مُطْلَقًا لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ صَيَّرَ الْأَوَّلَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ. (الْمِثَالُ التَّاسِعُ) اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إذْهَابًا لِغَيْظِكُمْ فَلَا يُقْتَلُونَ بِغَيْرِ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَلَا بِدُونِهَا وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يُقْتَلُونَ مُطْلَقًا لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَ الْأَوَّلَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ. (الْمِثَالُ الْعَاشِرُ) اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ طُلُوعَ الْفَجْرِ فَيَمْتَنِعُ قَتْلُهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا الظَّرْفِ وَكَانُوا يُقْتَلُونَ قَبْلَ هَذَا الْقَيْدِ فِي جَمِيعِ الظُّرُوفِ لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَ الْأَوَّلَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ الْبَدَلُ وَالتَّمْيِيزُ فَهَذِهِ اثْنَا عَشَرَ الشَّرْطُ وَالْغَايَةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ وَالصِّفَةُ وَظَرْفُ الزَّمَانِ وَظَرْفُ الْمَكَانِ وَالْمَجْرُورُ وَالْمَفْعُولُ مَعَهُ وَالْمَفْعُولُ مِنْ أَجْلِهِ وَالْحَالُ وَالْبَدَلُ وَالتَّمْيِيزُ فَإِذَا وَضَحَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ بِمِثْلِهَا فَنَقُولُ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنَّ ثَلَاثًا تَفْسِيرٌ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ الْأَوَّلُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ وَلَا تَبِينُ قَبْلَ النُّطْقِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQصَالِحِينَ فَأَبْشِرُوا فَإِنَّهُ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا وَكَانَ هُنَا لِلِاسْتِمْرَارِ فَإِنَّهُ أَمْدَحُ وَهَذَا الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ تَمَدُّحٍ. [الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَ الْكَفَّارَاتِ هَلْ هِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ أَوْ عَلَى التَّرْتِيبِ] (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَ) الشَّرْطُ اللُّغَوِيُّ كَمَا يُسْتَعْمَلُ فِي التَّرْتِيبِ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ إذَا لَمْ يَرِدْ بِهِ الْحَصْرُ فَيَكُونُ شَرْطًا مَعْنَوِيًّا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ بَلْ سَبَبًا مَعْنَوِيًّا كَمَا مَرَّ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لِذَاتِهِ كَمَا فِي إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ كَذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ فِي إثْبَاتِ الْحَصْرِ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ مَتَى أُرِيدَ بِهِ الْحَصْرُ فَلَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ وَلَا يَكُونُ شَرْطًا مَعْنَوِيًّا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ بَلْ لَا يَتَوَقَّفُ الْمَشْرُوطُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَصْلًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] فَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ عِنْدَ وُجُودِ الرَّجُلَيْنِ وَأَنَّ عَدَمَهُمَا لَيْسَ شَرْطًا مَعْنَوِيًّا وَكَمَا فِي قَوْلِنَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَدَدُ زَوْجًا فَهُوَ فَرْدٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرْدًا فَهُوَ زَوْجٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا جَمَادًا فَهُوَ إمَّا نَبَاتٌ أَوْ حَيَوَانٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَيَوَانُ نَاطِقًا فَهُوَ بَهِيمٌ فَإِنَّ عَدَمَ الزَّوْجِيَّةِ عَنْ الْعَدَدِ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا فِي ثُبُوتِ الْفَرْدِيَّةِ لَهُ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ النَّظَائِرِ إلَّا أَنَّ إثْبَاتَ شَرْطِيَّةِ عَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ فِي الْفَرْدِيَّةِ وَعَدَمِ الْفَرْدِيَّةِ فِي الزَّوْجِيَّةِ مَثَلًا فِي هَذِهِ الْإِطْلَاقَاتِ لَيْسَ هُوَ مُرَادَ النَّاسِ بَلْ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ زَوْجٌ وَفَرْدٌ فِي نَفْسِهِ لِذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَإِنَّمَا مُرَادُ النَّاسِ هُنَا بَيَانُ انْحِصَارِ تِلْكَ الْمَادَّةِ فِي الْمَذْكُورِ بِمَعْنَى إنْ لَمْ يَكُنْ الْوَاقِعُ مِنْ الْعَدَدِ مَا هُوَ زَوْجٌ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ مَا هُوَ فَرْدٌ وَبِالْعَكْسِ وَلِذَا لَا يَقُولُونَ ذَلِكَ إلَّا فِيمَا يَصِحُّ فِيهِ الْحَصْرُ لَا فِيمَا لَا يَصِحُّ فَلَا يَقُولُونَ: إنْ لَمْ يَكُنْ إنْسَانًا فَهُوَ فَرَسٌ لِعَدَمِ انْحِصَارِ الْبَاقِي مِنْ الْحَيَوَانِ بَعْدَ الْإِنْسَانِ فِي الْفَرَسِ وَلَا يَقْصِدُ النَّاسُ الشَّرْطِيَّةَ إلَّا فِي الْمَوْطِنِ الَّذِي يَقْبَلُ النَّقِيضَ وَلَا يَجْزِمُ الْعَقْلُ بِوُجُوبِ ثُبُوتِ مَعْنَاهُ لَهُ فِي نَفْسِهِ وُجُوبًا ذَاتِيًّا كَمَا هُنَا وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ فِي آيَةِ الشَّهَادَةِ إنَّمَا هُوَ انْحِصَارُ الْحُجَّةِ التَّامَّةِ مِنْ الشَّهَادَةِ بَعْدَ الرَّجُلَيْنِ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا حُجَّةَ تَامَّةً مِنْ الشَّهَادَةِ فِي الشَّرِيعَةِ إلَّا الرَّجُلَانِ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَتَانِ هَذَا هُوَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ وَأَمَّا شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ وَشَهَادَةُ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَشَهَادَةُ الْمَرْأَتَيْنِ وَحْدَهُمَا فِيمَا يَنْفَرِدَانِ فِيهِ كَالْوِلَادَةِ فَهَذِهِ الْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَى بُطْلَانِهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا سِيقَتْ فِي إثْبَاتِ الدُّيُونِ وَالْأَمْوَالِ لَا الْأَبْدَانِ وَجَمِيعُ هَذِهِ الصُّوَرِ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ فَالْحَصْرُ حَقٌّ فِي الْأَمْوَالِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ.

[الفرق بين قاعدتي الشرط والاستثناء في الشريعة ولسان العرب]

بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا وَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ الثَّانِي مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ فَلَا يُكَرُّ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْإِيقَافِ وَالْإِبْطَالِ فَتَبِينُ بِالْأَوَّلِ قَبْلَ النُّطْقِ بِالثَّانِي فَلَا يَلْزَمُ بِالثَّانِي شَيْءٌ وَهَذَا فَرْقٌ عَظِيمٌ وَمَعَ هَذَا الْفَرْقِ لَا يَثْبُتُ الْقِيَاسُ فَظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَنْبَغِي لَوْ قَضَى بِهَا قَاضٍ لَنُقِضَ قَضَاؤُهُ وَيَمْتَنِعُ التَّقْلِيدُ فِيهَا لِوُضُوحِ بُطْلَانِهَا. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مَا يُرْوَى «أَنَّ خَطِيبًا قَالَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمِنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِئْسَ خَطِيبُ الْقَوْمِ أَنْتَ» اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِأَنْ يُرَتِّبَ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ وَأَنْ يَنْطِقَ بِلَفْظِ اللَّهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَذْكُرَ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثَانِيًا فَيَحْصُلُ التَّرْتِيبُ بِالتَّقْدِيمِ الدَّالِّ عَلَى الِاهْتِمَامِ وَالتَّعْظِيمِ وَقَدْ فَاتَ بِسَبَبِ جَمْعِهِمَا فِي الضَّمِيرِ فَلِذَلِكَ ذَمَّهُ لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَنْطِقْ بِالْوَاوِ فَسَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْحَدِيثِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] قَالَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ يَقُولُ الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ صَرَّحَتْ بِالتَّقْدِيمِ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَلِمَ قَالَ هَذَا الْمُسْتَدِلُّ بِأَنَّ الْبُدَاءَةَ مُضَافَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْوَاوِ. (الْفَرْقُ الثَّالِثَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَفَرْضِ الْعَيْنِ وَضَابِطُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَتَحْقِيقُهُ بِحَيْثُ لَا يَلْتَبِسُ بِغَيْرِهِ) فَنَقُولُ: الْأَفْعَالُ قِسْمَانِ: مِنْهَا مَا تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ وَمِنْهَا مَا لَا تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ شَرَعَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَى الْأَعْيَانِ تَكْثِيرًا لِلْمَصْلَحَةِ بِتَكَرُّرِ ذَلِكَ الْفِعْلِ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ فَإِنَّ مَصْلَحَتَهَا الْخُضُوعُ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمُهُ وَمُنَاجَاتُهُ وَالتَّذَلُّلُ لَهُ وَالْمُثُولُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالتَّفَهُّمُ لِخِطَابِهِ وَالتَّأَدُّبُ بِآدَابِهِ وَهَذِهِ الْمَصَالِحُ تَتَكَرَّرُ كُلَّمَا كُرِّرَتْ الصَّلَاةُ وَالْقِسْمُ الثَّانِي كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ إذَا شَالَهُ إنْسَانٌ فَالنَّازِلُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ لَا يُحَصِّلُ شَيْئًا مِنْ الْمَصْلَحَةِ فَجَعَلَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَى الْكِفَايَةِ نَفْيًا لِلْعَبَثِ فِي الْأَفْعَالِ وَكَذَلِكَ كِسْوَةُ الْعُرْيَانِ وَإِطْعَامُ الْجِيعَانِ وَنَحْوُهُمَا فَهَذَا ضَابِطُ الْقَاعِدَتَيْنِ وَبِهِ تُعْرَفَانِ وَأَذْكُرُ أَرْبَعَ مَسَائِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْفَرْقُ الثَّالِثُ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَفَرْضِ الْعَيْنِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ: فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ يَكْفِي فِي سُقُوطِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ ظَنُّ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَكْفِي الظَّنُّ فَإِنْ قِيلَ: يَتَعَذَّرُ الْقَطْعُ فَالْجَوَابُ لَا يَتَعَذَّرُ الْقَطْعُ بِالشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ وَالتَّهَيُّؤِ وَالِاسْتِعْدَادِ إمَّا بِتَحْصِيلِ الْغَايَةِ فَيَتَعَذَّرُ فَهَاهُنَا يَكْفِي الظَّنُّ لَا فِي الْمُقَدَّمَاتِ وَالْمَبَادِئِ وَغَيْرَ إطْلَاقِهِ لَفْظَ السُّقُوطِ عَمَّنْ لَمْ يَفْعَلْ فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنَّ الْوُجُوبَ تَوَجَّهَ عَلَى الْجَمِيعِ ثُمَّ سَقَطَ عَنْ الْبَعْضِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ بِلَفْظِ السُّقُوطِ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَ اللَّفْظَ مَجَازًا فَهُوَ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحَدٌ وَلَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَأَمَّا الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ، وَالْيَمِينُ وَالنُّكُولُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَلَمْ تَكْمُلْ فِيهِ الْحُجَّةُ مِنْ الشَّهَادَةِ بَلْ إمَّا لَا شَهَادَةَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ كَالْيَمِينِ وَالنُّكُولِ أَوْ بَعْضِهِ شَهَادَةٌ كَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَلَا تُوجَدُ حُجَّةٌ تَامَّةٌ إلَّا بِتِينِك الْحُجَّتَيْنِ فَإِذَا فُرِضَ عَدَمُ إحْدَاهُمَا تَعَيَّنَ الْحَصْرُ فِي الْأُخْرَى إذَا عَرَفْت هَذَا عَرَفْت أَنَّ صِيغَةَ التَّعْلِيقِ دَالَّةٌ عَلَى مَا يَعُمُّ التَّرْتِيبَ وَغَيْرَهُ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ التَّرْتِيبِ فَلَا تَدُلُّ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ تَحْتَفَّ بِهَا قَرَائِنُ إذْ الدَّالُّ عَلَى الْأَعَمِّ كَالْحَيَوَانِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْأَخَصِّ كَالْإِنْسَانِ فَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ فِي الْكَفَّارَاتِ إذَا وَرَدَ النَّصُّ فِيهَا بِصِيغَةِ أَوْ فَهِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] وَإِذَا وَرَدَ النَّصُّ فِيهَا بِصِيغَةِ مَنْ الشَّرْطِيَّةِ فَهِيَ عَلَى التَّرْتِيبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] نَعَمْ قَدْ يُقَالُ: مُرَادُهُمْ بِصِيغَةِ مَنْ الشَّرْطِيَّةِ دَالَّةٌ عَلَى الشَّرْطِ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ لَا مُطْلَقُ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ حَتَّى يَرُدَّ مَا ذَكَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الشَّرِيعَةِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ] (الْفَرْقُ الْخَامِسُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الشَّرِيعَةِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ) وَقَعَ بِالْمُبَايَنَةِ بَيْنَهُمَا فِي ثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَضْلَةٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ بِأَحَدِ طَرَفَيْ فِي الْإِسْنَادِ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ النُّطْقِ بِالشَّرْطِ فِي الزَّمَانِ خِلَافًا لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا مَوْقُوفَةً عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ كَانَ الظَّاهِرُ وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ إرَادَتَهَا وَإِنْ تَأَخَّرَتْ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ وَغَيْرِهَا كَمَا نَقَلَهُ الْعَطَّارُ عَنْ الْقَرَافِيِّ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ النُّطْقِ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي الزَّمَانِ عَلَى قَوْلٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ وَإِنْ حَكَى ابْنُ رُشْدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ وَأَوَّلُ مَا وَرَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ إجَازَةِ الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ عَامٍّ لِقَوْلِ الرَّهُونِيِّ لَكِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ اُنْظُرْ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي أَوَّلِ مَبْحَثِ الْمُخَصِّصِ نَعَمْ اشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ اهـ بِتَصَرُّفٍ. (قُلْتُ:) بَلْ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ كَمَا نَقَلَهُ شَارِحُ التَّحْرِيرِ الْأُصُولِيُّ مَا نَصُّهُ وَاشْتِرَاطُ الِاتِّصَالِ قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْأَرْبَعَةُ اهـ وَلَفْظُ التَّحْرِيرِ لَنَا لَوْ تَأَخَّرَ لَمْ يُعَيِّنْ.

لِتَحْقِيقِ الْقَاعِدَتَيْنِ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) أَنَّ الْكِفَايَةَ وَالْأَعْيَانَ كَمَا يُتَصَوَّرَانِ فِي الْوَاجِبَاتِ يُتَصَوَّرَانِ فِي الْمَنْدُوبَاتِ كَالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَالتَّشْمِيتِ وَمَا يُفْعَلُ بِالْأَمْوَاتِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ فَهَذِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ وَاَلَّتِي عَلَى الْأَعْيَانِ كَالْوَتْرِ وَالْفَجْرِ وَصِيَامِ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالطَّوَافِ فِي غَيْرِ النُّسُكِ وَالصَّدَقَاتِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يَكْفِي فِي سُقُوطِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ ظَنُّ الْفِعْلِ لَا وُقُوعُهُ تَحْقِيقًا. فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ هَذِهِ الطَّائِفَةِ أَنَّ تِلْكَ فَعَلَتْ سَقَطَ عَنْ هَذِهِ وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ تِلْكَ أَنَّ هَذِهِ فَعَلَتْ سَقَطَ عَنْ تِلْكَ وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِعْلُ الْأُخْرَى سَقَطَ الْفِعْلُ عَنْهُمَا سُؤَالٌ إذَا كَانَ الْوُجُوبُ مُتَقَرِّرًا عَلَى جَمِيعِ الطَّوَائِفِ فَكَيْفَ سَقَطَ عَمَّنْ لَمْ يَفْعَلْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَقَعُ فِي الْفِعْلِ الْبَدَنِيِّ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَفْعَالَ الْبَدَنِيَّةَ لَا يُجْزِئُ فِيهَا فِعْلُ أَحَدٍ عَنْ أَحَدٍ وَهَاهُنَا أَجْزَأَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْجِهَادِ مَثَلًا وَكَيْفَ سَوَّى الشَّرْعُ بَيْنَ مَنْ فَعَلَ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ جَوَابُهُ أَنَّ السُّقُوطَ هُنَا لَيْسَ بِنِيَابَةِ الْغَيْرِ كَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ فِي الْقَاعِدَةِ بَلْ مِنْ قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ سُقُوطُ الْوُجُوبِ عَنْ الْمُكَلَّفِ لِعَدَمِ حِكْمَةِ الْوُجُوبِ لَا لِأَنَّ الْغَيْرَ نَابَ عَنْ غَيْرِهِ فَإِذَا شَالَ زَيْدٌ الْغَرِيقَ سَقَطَ عَنْ جَمِيعِ النَّاسِ الْوُجُوبُ لِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ لَبَقِيَ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ وَحِكْمَةٍ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ حِفْظُ حَيَاةِ الْغَرِيقِ وَقَدْ حَصَلَتْ فَلَمْ تَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ حِكْمَةٌ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ لِأَجْلِهَا فَهَذَا هُوَ سَبَبُ السُّقُوطِ عَنْ غَيْرِ الْفَاعِلِ لَا النِّيَابَةُ وَالتَّسْوِيَةُ فَسَبَبُ السُّقُوطِ عَنْ الْفَاعِلِ فِعْلُهُ وَعَنْ غَيْرِ الْفَاعِلِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ وَأَمَّا التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَغَيْرِ الْفَاعِلِ فَمَا ذَلِكَ إلَّا فِي مَعْنَى السُّقُوطِ لَا فِي الثَّوَابِ بَلْ الْفَاعِلُ يُثَابُ وَغَيْرُ الْفَاعِلِ لَا ثَوَابَ لَهُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ أَلْبَتَّةَ نَعَمْ إنْ كَانَ نَوَى الْفِعْلَ فَلَهُ ثَوَابُ نِيَّتِهِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) نَقَلَ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَنَّ اللَّاحِقَ بِالْمُجَاهِدِينَ وَقَدْ كَانَ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ يَقَعُ فِعْلُهُ فَرْضًا بَعْدَمَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَطَرَدَ غَيْرُهُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فِي جَمِيعِ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ كَمَنْ يَلْحَقُ بِمُجَهِّزِ الْأَمْوَاتِ مِنْ الْأَحْيَاءِ وَبِالسَّاعِينَ فِي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ مِنْ الطُّلَّابِ فَإِنَّ ذَلِكَ الطَّالِبَ يَقَعُ فِعْلُهُ وَاجِبًا وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْوُجُوبِ لَمْ تَحْصُلْ بَعْدُ وَمَا وَقَعَتْ إلَّا بِفِعْلِ الْجَمِيعِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الْجَمِيعِ وَاجِبًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَتْبَعُ الْمَصَالِحَ وَيَخْتَلِفُ ثَوَابُهُمْ بِحَسَبِ مَسَاعِيهمْ. (سُؤَالٌ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَقْضٌ كَبِيرٌ عَلَى حَدِّ الْوَاجِبِ بِأَيِّ حَدٍّ حَدَّدْتُمُوهُ فَإِنَّ هَذَا اللَّاحِقَ بِالْمُجَاهِدِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ كَانَ لَهُ التَّرْكُ إجْمَاعًا مِنْ غَيْرِ ذَمٍّ وَلَا لَوْمٍ وَلَا اسْتِحْقَاقِ عِقَابٍ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ وَصَفْتُمْ فِعْلَهُ بِالْوُجُوبِ فَقَدْ اجْتَمَعَ الْوُجُوبُ وَعَدَمُ الذَّمِّ عَلَى تَرْكِهِ وَذَلِكَ يُنَاقِضُ حُدُودَ الْوَاجِبِ كُلَّهَا وَهَذَا سُؤَالٌ صَعْبٌ فَيَلْزَمُ إمَّا بُطْلَانُ تِلْكَ الْحُدُودِ أَوْ بُطْلَانُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَالْكُلُّ صَعْبٌ جِدًّا وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ أَنْ نَقُولَ: الْوُجُوبُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مَشْرُوطٌ بِالِاتِّصَالِ وَالِاجْتِمَاعِ مَعَ الْفَاعِلِينَ فَلَا جَرَمَ إنْ تَرَكَ مَعَ الِاجْتِمَاعِ أَثِمَ وَالتَّرْكُ مَعَ الِاجْتِمَاعِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا إذَا تَرَكَ الْجَمِيعُ وَالْعِقَابُ حِينَئِذٍ مُتَحَقِّقٌ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْوُجُوبَ الْمَشْرُوطَ بِشَرْطٍ يَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَاءِ ذَلِكَ الشَّرْطِ فَإِذَا كَانَ مُنْفَرِدًا. ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَالَى لِبِرِّ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخَذَ الضِّغْثَ وَلَمْ يَقُلْ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِيُكَفِّرْ مُقْتَصِرًا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ مُخْلِصًا مَعَ اخْتِيَارِهِ الْأَيْسَرِ لَهُمْ دَائِمًا بِلَا تَفْصِيلٍ بَيْنَ مُدَّةٍ وَمَنْوِيٍّ وَغَيْرِهِمَا وَأَيْضًا لَمْ يَجْزِمْ بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَكَذِبٍ وَصِدْقٍ وَلَا عَقْدٍ وَدَفَعَ أَبُو حَنِيفَةَ عَتَبَ الْمَنْصُورِ بِلُزُومِ عَدَمِ لُزُومِ عَقْدِ الْبَيْعَةِ اهـ فَمِنْ هُنَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ: وَالْوَجْهُ تَكْذِيبُ النَّاقِلِ فَلَا يُظَنُّ بِهِ ذَلِكَ اهـ. وَقَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ يَجُوزُ تَقْلِيدُ رِوَايَاتِهِ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّعَالِيقِ وَغَيْرِهَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَيَجُوزُ تَعْلِيمُهَا لِلْعَوَامِّ وَلَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ بِهَا. قَالَ الْعَطَّارُ: مِمَّا لَا يَنْبَلِجُ لَهُ الصَّدْرُ خُصُوصًا فِي الطَّلَاقِ لِمَزِيدِ الِاحْتِيَاطِ فِي الْأَنْكِحَةِ وَاضْطِرَابِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ يَقْضِي بِعَدَمِ تَحْرِيرِ النَّقْلِ وَإِنْ فُرِضَ صِحَّتُهُ فَتَأَمَّلْ اهـ. وَقِيلَ وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ هُوَ أَنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ لَمَّا كَانَتْ أَسْبَابًا كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَالسَّبَبُ مُتَضَمِّنٌ لِمَقْصِدِ الْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ الْمَصْلَحَةُ الَّتِي لِأَجْلِهَا نُصِبَ شَرْطًا وَجُعِلَ عَدَمُهُ مُؤَثِّرًا فِي الْعَدَمِ كَانَ الشَّأْنُ فِيهِ تَعْجِيلَ النُّطْقِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَضَمَّنْ لِمَقْصِدِ الْمُتَكَلِّمِ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ الْكَلَامِ مَا لَيْسَ بِمُرَادٍ عَمَّا الْمُرَادُ فَهْمُهُ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَلَعَلَّهُ لَوْ بَقِيَ مَعَ الْمُرَادِ وَلَمْ يَخْرُجْ لَمْ يَخْتَلَّ الْحُكْمُ لَمْ يَكُنْ الشَّأْنُ فِيهِ ذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ عَدَمَ النُّطْقِ بِالِاسْتِثْنَاءِ لَا يُفَوِّتُ مَقْصِدًا بِخِلَافِ عَدَمِ النُّطْقِ بِالشَّرْطِ إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْطِقْ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَاتَ مَقْصِدٌ فَعَدَمُ النُّطْقِ بِالِاسْتِثْنَاءِ نَظِيرُ عَدَمِ النُّطْقِ بِالشَّرْطِ وَلَيْسَ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَضْلَةً بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُ رُكْنَيْ الْإِسْنَادِ يُوجِبُ الِاسْتِغْنَاءَ عَنْهُمَا، الْوَجْهُ الثَّانِي كَمَا قَالَ. إنَّ الشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ سَبَبٌ وَالسَّبَبُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَشَأْنُهُ تَعْجِيلُ النُّطْقِ بِهِ كَذَلِكَ يُقَالُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ شَأْنُهُ التَّعْجِيلَ ضَرُورَةَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَضَمَّنُ مَقْصِدَ الْمُتَكَلِّمِ كَمَا عَلِمْت، الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ قَائِلٌ: أَعْطِ بَنِي تَمِيمٍ عِنْدَ تَمَامِ هَذِهِ السَّنَةِ وَفِي نَفْسِهِ إنْ أَطَاعُوا ثُمَّ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ إلَّا عِنْدَ رَأْسِ السَّنَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لَمْ يَفُتْ بِذَلِكَ مَقْصِدٌ وَكَذَلِكَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَعْطِ بَنِي تَمِيمٍ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ وَفِي نَفْسِهِ إلَّا زَيْدًا ثُمَّ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ إلَّا عِنْدَ رَأْسِ السَّنَةِ لَمْ يَفُتْ مَقْصِدٌ وَتَكُونُ صُورَةُ النُّطْقِ بِالشَّرْطِ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا: مَا أَمَرْتُك بِهِ مِنْ إعْطَاءِ بَنِي تَمِيمٍ عِنْدَ رَأْسِ السَّنَةِ إنَّمَا ذَلِكَ.

عَنْهُمْ يَكُونُ شَرْطُ الْوُجُوبِ مَفْقُودًا فَيَذْهَبُ الْوُجُوبُ وَلَا عَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ مَشْرُوطًا بِشَرْطِ الِاتِّصَالِ وَمَفْقُودًا عِنْدَ الِانْفِصَالِ كَمَا تَقُولُ لِزَيْدٍ: إنْ اتَّصَلَتْ بِعِصْمَةِ امْرَأَتِك أَوْ بِقَرَابَةٍ وَجَبَتْ عَلَيْك النَّفَقَةُ. وَإِنْ انْفَصَلْت مِنْهَا لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ فَإِنْ عَاوَدْتَهَا وَجَبَتْ وَإِنْ فَارَقْتَهَا سَقَطَتْ كَذَلِكَ أَيْضًا هَاهُنَا مَتَى اجْتَمَعَ مَعَ الْقَوْمِ الْخَارِجِينَ لِلْجِهَادِ تَقَرَّرَ الْوُجُوبُ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُفَارِقَهُمْ قُلْنَا لَك ذَلِكَ فَإِذَا فَارَقَهُمْ بَطَلَ الْوُجُوبُ كَذَلِكَ أَبَدًا فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَالسُّؤَالُ جَيِّدٌ وَالْجَوَابُ جَيِّدٌ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) مُقْتَضَى مَا قَرَرْتُمْ مِنْ ضَابِطِ قَاعِدَةِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَقَاعِدَةِ فَرْضِ الْأَعْيَانِ أَنْ لَا تَكُونَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَأَنْ تُشْرَعَ إعَادَتُهَا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّ مَصْلَحَتَهَا الْمَغْفِرَةُ لِلْمَيِّتِ وَلَمْ تَحْصُلْ بِالْقَطْعِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَصْلَحَةَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إمَّا الْمَغْفِرَةُ ظَنًّا أَوْ قَطْعًا وَالثَّانِي بَاطِلٌ لِتَعَذُّرِهِ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ وَقَدْ حَصَلَتْ الْمَغْفِرَةُ ظَنًّا بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى فَإِنَّ الدُّعَاءَ مَظِنَّةُ الْإِجَابَةِ فَانْدَرَجَتْ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فِي فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ وَامْتَنَعَتْ الْإِعَادَةُ لِحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي هِيَ مُعْتَمَدُ الْوُجُوبِ كَمَا قَالَهُ: مَالِكٌ وَلَمْ تَبْقَ إلَّا مَصْلَحَةُ تَكْثِيرِ الدُّعَاءِ وَهِيَ مَصْلَحَةٌ نَدْبِيَّةٌ غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُسَاعِدُ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا وَلَا تَقَعُ إلَّا وَاجِبَةً وَلَا تَقَعُ مَنْدُوبَةً أَصْلًا فَامْتَنَعَتْ الْإِعَادَةُ وَكَانَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَهِيَ تَعَذُّرُ النَّدْبِ فِيهَا حُجَّةً عَلَيْهِ. (الْفَرْقُ الرَّابِعَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْمَشَقَّةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْعِبَادَةِ وَالْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا تُسْقِطُهَا) وَتَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَشَاقَّ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ الْعِبَادَةُ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِي الْبَرْدِ وَالصَّوْمِ فِي النَّهَارِ الطَّوِيلِ وَالْمُخَاطَرَةِ بِالنَّفْسِ فِي الْجِهَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا الْقِسْمُ لَا يُوجِبُ تَخْفِيفًا فِي الْعِبَادَةِ لِأَنَّهُ قُرِّرَ مَعَهَا وَثَانِيهِمَا الْمَشَاقُّ الَّتِي تَنْفَكُّ الْعِبَادَةُ عَنْهَا وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: نَوْعٌ فِي الرُّتْبَةِ الْعُلْيَا كَالْخَوْفِ عَلَى النُّفُوسِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْمَنَافِعِ فَيُوجِبُ التَّخْفِيفَ لِأَنَّ حِفْظَ هَذِهِ الْأُمُورِ هُوَ سَبَبُ مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلَوْ حَصَّلْنَا هَذِهِ الْعِبَادَةَ لِثَوَابِهَا لَذَهَبَ أَمْثَالُ هَذِهِ الْعِبَادَةِ وَنَوْعٌ فِي الْمَرْتَبَةِ الدُّنْيَا كَأَدْنَى وَجَعٍ فِي أُصْبُعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْفَرْقُ الرَّابِعُ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَشَقَّةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْعِبَادَةِ وَالْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا تُسْقِطُهَا إلَى آخِرِ مَا قَالَ: فِي هَذَا الْقِسْمِ) قُلْتُ: التَّكْلِيفُ بِعَيْنِهِ مَشَقَّةٌ لِأَنَّهُ مَنْعُ الْإِنْسَانِ مِنْ الِاسْتِرْسَالِ مَعَ دَوَاعِي نَفْسِهِ وَهُوَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ سُمِّيَ تَكْلِيفًا وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى الْإِبَاحَةِ ثُمَّ يَخْتَصُّ غَيْرُهَا بِمَشَاقَّ بَدَنِيَّةٍ وَبَعْضُ تِلْكَ الْمَشَاقِّ هُوَ أَعْظَمُ الْمَشَاقِّ كَمَا فِي الْجِهَادِ الَّذِي فِيهِ بَذْلُ النَّفْسِ فَبِحَسَبِ ذَلِكَ انْقَسَمَتْ الْمَشَاقُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّكْلِيفِ قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ وَقَعَ التَّكْلِيفُ بِمَا يَلْزَمُهُ عَادَةً أَوْ فِي الْغَالِبِ أَوْ فِي النَّادِرِ وَقِسْمٌ لَمْ يَقَعْ التَّكْلِيفُ بِمَا يَلْزَمُهُ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعِبَادَةِ لَا بِإِسْقَاطٍ وَلَا بِتَخْفِيفٍ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ نَقْضَ التَّكْلِيفِ وَالْقِسْمُ الثَّانِي يُؤَثِّرُ لِأَنَّهُ يَنْقُضُ التَّكْلِيفَ. قَالَ: (وَثَانِيهِمَا الْمَشَاقُّ الَّتِي تَنْفَكُّ الْعِبَادَةُ عَنْهَا وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ إلَى آخِرِ النَّوْعِ الثَّانِي) . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِشَرْطِ أَنْ يُطِيعُوا وَصُورَةُ النُّطْقِ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا: مَا أَمَرْتُك بِهِ مِنْ إعْطَاءِ بَنِي تَمِيمٍ إنَّمَا ذَلِكَ عَلَى أَنْ تَدَعَ مِنْهُمْ زَيْدًا وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْفَرْقُ لَيْسَ بِالْجَيِّدِ الْحُكْمُ الثَّانِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْفَعَ الِاسْتِثْنَاءُ جَمِيعَ الْمَنْطُوقِ بِهِ وَيَبْطُلُ حُكْمُهُ فَفِي نَحْوِ لَهُ عِنْدِي عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَمَا نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ الْمَدْخَلِ لِابْنِ طَلْحَةَ الْمَالِكِيِّ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ كَمَا فِي مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ. قَالَ الْعَطَّارُ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: إنَّ الْقَرَافِيَّ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ الْأَقْرَبَ: أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ نَعَمْ صَرَّحَ السُّيُوطِيّ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لَهُ بِعَشَرَةٍ إلَّا عَشَرَةً كَانَ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ فَافْهَمْ اهـ. وَيَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ الشَّرْطُ فِي كَلَامٍ يَبْطُلُ جَمِيعُهُ بِالْإِجْمَاعِ كَقَوْلِهِ أَنْتُنَّ طَوَالِقُ إنْ دَخَلْتُنَّ الدَّارَ فَلَا تَدْخُلُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ فَيَبْطُلُ جَمِيعُ الطَّلَاقِ فِيهِنَّ وَأَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إنْ جَاءُوك فَلَا يَجِيءُ أَحَدٌ فَيَبْطُلُ جَمِيعُ الْأَمْرِ بِسَبَبِ هَذَا الشَّرْطِ وَلَوْلَا هَذَا الشَّرْطُ لَعَمَّ الْحُكْمُ الْجَمِيعَ وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ هُوَ أَنَّ الْإِبْطَالَ حَالَةَ النُّطْقِ بِالشَّرْطِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَقَدْ يَقَعُ الشَّرْطُ فِي الْجَمِيعِ فَلَا يَبْطُلُ مِنْ الْكَلَامِ شَيْءٌ وَقَدْ يَفُوتُ الشَّرْطُ فِي الْجَمِيعِ فَيَبْطُلُ الْجَمِيعُ وَقَدْ يَفُوتُ فِي الْبَعْضِ فَيَبْطُلُ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ كُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ حَالَةَ النُّطْقِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ مِنْهَا الْإِبْطَالُ لَا لِلْكُلِّ وَلَا لِلْبَعْضِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ الْوَارِدِ عَلَى جَمِيعِ الْكَلَامِ يُعَدُّ النَّاطِقُ بِهِ نَادِمًا مُقَدَّمًا عَلَى الْهَذْرِ مِنْ الْقَوْلِ وَمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ الْحُكْمُ الثَّالِثُ يَعُمُّ الشَّرْطُ جَمِيعَ الْجَمَلِ الْمَنْطُوقِ بِهَا قِيلَ اتِّفَاقًا وَقِيلَ: عَلَى الْأَصَحِّ وَصَحَّحَ قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَصَحُّ هُوَ أَوْلَى بِالْعَوْدِ إلَى الْكُلِّ اهـ أَيْ كُلُّ الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَمَا فِي الْمَحَلِّيِّ. قَالَ الْعَطَّارُ: وَأَمَّا الْمُفْرَدَاتُ فَفِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الِاتِّفَاقُ فِيهَا كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ وَيُعْرَفُ وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ مِنْ فَرْقِ الْمَحَلِّيِّ الْآتِي اهـ وَلَا يَعُمُّ الِاسْتِثْنَاءُ جَمِيعَ الْجُمَلِ الْمَنْطُوقِ بِهَا بَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى قَوْلِ نَحْوِ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ وَأَكْرِمْ الْقَوْمَ وَاخْلَعْ عَلَيْهِمْ.

[الفرق بين قاعدتي توقف الحكم على سببه وتوقفه على شرطه]

فَتَحْصِيلُ هَذِهِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ دَرْءِ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ لِشَرَفِ الْعِبَادَةِ وَخِفَّةِ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ النَّوْعُ الثَّالِثُ مَشَقَّةٌ بَيْنَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ فَمَا قَرُبَ مِنْ الْعُلْيَا أَوْجَبَ التَّخْفِيفَ وَمَا قَرُبَ مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يُوجِبْهُ وَمَا تَوَسَّطَ يُخْتَلَفُ فِيهِ لِتَجَاذُبِ الطَّرَفَيْنِ لَهُ فَعَلَى تَحْرِيرِ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ تَتَخَرَّجُ الْفَتَاوَى فِي مَشَاقِّ الْعِبَادَاتِ. فَائِدَةٌ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: تَخْتَلِفُ الْمَشَاقُّ بِاخْتِلَافِ رُتَبِ الْعِبَادَاتِ فَمَا كَانَ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ أَهَمُّ يُشْتَرَطُ فِي إسْقَاطِهِ أَشَدُّ الْمَشَاقِّ أَوْ أَعُمُّهَا فَإِنَّ الْعُمُومَ بِكَثْرَتِهِ يَقُومُ مَقَامَ الْعِظَمِ كَمَا يَسْقُطُ التَّطَهُّرُ مِنْ الْخَبَثِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَهَمُّ الْعِبَادَاتِ بِسَبَبِ التَّكْرَارِ كَثَوْبِ الْمُرْضِعِ وَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَكَمَا سَقَطَ الْوُضُوءُ فِيهَا بِالتَّيَمُّمِ لِكَثْرَةِ عَدَمِ الْمَاءِ وَالْحَاجَةِ إلَيْهِ أَوْ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ وَمَا لَمْ تَعْظُمْ مَرْتَبَتُهُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ تُؤَثِّرُ فِيهِ الْمَشَاقُّ الْخَفِيفَةُ وَتَحْرِيرُ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ يَطَّرِدُ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ وَأَبْوَابِ الْفِقْهِ فَكَمَا وُجِدَتْ الْمَشَاقُّ فِي الْوُضُوءِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ وَمُتَّفَقٌ عَلَى اعْتِبَارِهِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ فَكَذَلِكَ تَجِدُهُ فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَتَوَقَانِ الْجَائِعِ لِلطَّعَامِ عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ وَالتَّأَذِّي بِالرِّيَاحِ الْبَارِدَةِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ وَالْمَشْيِ فِي الْوَحْلِ وَغَضَبِ الْحُكَّامِ وَجُوعِهِمْ الْمَانِعَيْنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْفِكْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ فِي الْبَيْعِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ. (سُؤَالٌ) مَا ضَابِطُ الْمَشَقَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي التَّخْفِيفِ مِنْ غَيْرِهَا فَإِنَّا إذَا سَأَلْنَا الْفُقَهَاءَ يَقُولُونَ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقُلْتُ: مَا قَالَهُ: فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ: (النَّوْعُ الثَّالِثُ مَشَقَّةٌ بَيْنَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ فَمَا قَرُبَ مِنْ الْعُلْيَا أَوْجَبَ التَّخْفِيفَ وَمَا قَرُبَ مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يُوجِبْهُ وَمَا تَوَسَّطَ يُخْتَلَفُ فِيهِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِيهِ) قُلْتُ: هَذَا كَلَامٌ لَيْسَ بِالْمُسْتَقِيمِ فَإِنَّهُ بُنِيَ عَلَى التَّقْسِيمِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ ثُمَّ أَدَّاهُ كَلَامُهُ إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ قِسْمَانِ أَوَّلَانِ وَقِسْمَانِ لَاحِقَانِ بِهِمَا ثُمَّ قِسْمٌ هُوَ الْأَخِيرُ وَهُوَ الْمُتَوَسِّطُ وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْكَلَامِ وَهُوَ التَّقْسِيمُ الَّذِي هُوَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي لَا يُفِيدُ وَإِنَّمَا الصَّوَابُ أَنَّهُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَوْ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مُتَّفَقٌ عَلَى اعْتِبَارِهِ فِي الْإِسْقَاطِ أَوْ التَّخْفِيفِ وَمُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ. قَالَ: (فَائِدَةٌ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: تَخْتَلِفُ الْمَشَاقُّ بِاخْتِلَافِ رُتَبِ الْعِبَادَاتِ فَمَا كَانَ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ أَهَمُّ يُشْتَرَطُ فِي إسْقَاطِهِ أَشَدُّ الْمَشَاقِّ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِيهَا) قُلْتُ: لَمْ يُجَوِّدْ مَسَاقَ هَذِهِ الْفَائِدَةِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَعْتَبِرُ فِي التَّخْفِيفِ مِنْ الْمَشَاقِّ الَّتِي لَا تَسْتَلْزِمُهَا الْعِبَادَاتُ أَشَدَّهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَبَعْضُهُمْ يَعْتَبِرُ مِنْ تِلْكَ الْمَشَاقِّ أَشَدَّهَا وَأَخَفَّهَا وَهَذِهِ الْفَائِدَةُ أَدَّى مَحْصُولُهَا إلَى أَنَّ ذَلِكَ الْعَالِمَ قَالَ بِالتَّفْصِيلِ وَهُوَ اعْتِبَارُ الْأَشَدِّ مِنْ الْمَشَاقِّ دُونَ الْأَخَفِّ فِيمَا عَظُمَتْ رُتْبَتُهُ وَاعْتِبَارُ الْأَشَدِّ وَالْأَخَفِّ فِيمَا لَمْ تَعْظُمْ رُتْبَتُهُ قَالَ: (وَتَحْرِيرُ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ يَطَّرِدُ فِي الصَّلَاةِ إلَى قَوْلِهِ وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ: (سُؤَالٌ مَا ضَابِطُ الْمَشَقَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي التَّخْفِيفِ مِنْ غَيْرِهَا إلَى آخِرِ جَوَابِهِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا زَيْدًا نَظَرًا لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْمُسْتَثْنَى هُوَ الْعَامِلُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَلَوْ عَادَ لِجَمِيعِ الْجُمَلِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لَلَزِمَ تَوَارُدُ عَوَامِلَ عَلَى مَعْمُولٍ وَاحِدٍ نَعَمْ وَجْهُ الشَّافِعِيَّةِ عَوْدُ الْمُسْتَثْنَى الْمُتَأَخِّرِ لِلْجُمَلِ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَامِلَ مَا قَبْلَ إلَّا لَا إلَّا بِتَقْدِيرِ اسْتِثْنَاءٍ عَقِبَ مَا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ وَيَكُونُ حُذِفَ مِنْ أَحَدِهِمَا لِدَلَالَةِ الْآخَرِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا الْحُكْمِ قِيلَ هُوَ أَنَّ الشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ سَبَبٌ مُتَضَمِّنٌ لِمَقْصِدِ الْمُتَكَلِّمِ وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَشَأْنُهُ أَنْ يَعُمَّ جَمِيعَ الْجُمَلِ تَكْثِيرًا لِمَصْلَحَةِ ذَلِكَ الْمَقْصِدِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُتَضَمِّنًا لِمَقْصِدِ الْمُتَكَلِّمِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَعُمَّ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ وَقَالَ الْمَحَلِّيُّ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ هُوَ أَنَّ الشَّرْطَ لَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ فَهُوَ مُقَدَّمٌ تَقْدِيرًا لِتَوَقُّفِ الْمَشْرُوطِ عَلَى تَحَقُّقِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ فِي اللَّفْظِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ مُتَأَخِّرٌ فِي التَّقْدِيرِ أَيْضًا لِتَوَقُّفِ الْإِخْرَاجِ عَلَى وُجُودِ الْمَخْرَجِ مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَوْدِ الشَّرْطِ إلَى الْجَمِيعِ لِتَقَدُّمِهِ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَيْهِ مَعَ تَأَخُّرِهِ لِأَنَّ لِلتَّقَدُّمِ أَثَرًا فِي عَوْدِهِ إلَى الْكُلِّ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَقَدِّمًا يَكُونُ مَا عَدَا الْأُولَى مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ تَقَرَّرَ لَهَا الْجَزَائِيَّةِ وَالْعَطْفُ لِلْمُشَارَكَةِ فَيُنَاسِبُ أَنْ تُشَارِكَهَا فِيمَا ثَبَتَ لَهَا بِخِلَافِ الْأَخِيرَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهَا لَمْ تُعْطَفْ عَلَى مَا ثَبَتَ لَهُ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُذْكَرُ بَعْدَهَا فَلَوْ عَادَ إلَى الْكُلِّ لَصَارَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مُشَارِكًا لِلْمَعْطُوفِ فِيمَا ثَبَتَ لَهُ وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ وَضُعِّفَ بِأَنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِهِ فَقَطْ أَيْ الَّذِي قُصِدَ تَقْيِيدُهُ بِهِ فَيُمْكِنُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ قَصَدَ أَنْ يَجْعَلَهُ قَيْدًا لِبَعْضِ الْجُمَلِ لَا لِكُلِّهَا اهـ بِتَوْضِيحٍ مِنْ الْعَطَّارِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ تَوَقُّفِ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ وَتَوَقُّفِهِ عَلَى شَرْطِهِ] (الْفَرْقُ السَّادِسُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ تَوَقُّفِ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ وَتَوَقُّفِهِ عَلَى شَرْطِهِ) كَوُجُوبِ الزَّكَاةِ عِنْدَ النِّصَابِ وَالْحَوْلِ قَالُوا: النِّصَابُ سَبَبُ الزَّكَاةِ وَالْحَوْلُ شَرْطُهَا مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي تَوَقُّفِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمَا وَانْتِفَائِهِ عِنْدَ انْتِفَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَظَرًا لِكَوْنِ السَّبَبِ كَالنِّصَابِ مُنَاسِبًا فِي ذَاتِهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْغِنَى وَنِعْمَةِ الْمِلْكِ فِي نَفْسِهِ وَالشَّرْطُ كَالْحَوْلِ لَيْسَ مُنَاسِبًا فِي ذَاتِهِ بَلْ فِي غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ مُكَمِّلًا لِنِعْمَةِ الْمِلْكِ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ التَّنْمِيَةِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ يُوَضِّحُ ذَلِكَ قَاعِدَةُ أَنَّ الشَّرْعَ تَارَةً يُرَتِّبُ الْحُكْمَ عَقِيبَ أَوْصَافٍ تَكُونُ كُلُّهَا مُنَاسِبَةً فِي ذَاتِهَا كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ رَتَّبَ الشَّارِعُ الْقِصَاصَ عَقِيبَهُمَا فَيُجْعَلُ مَجْمُوعُهُمَا عِلَّةً وَسَبَبًا.

[الفرق بين قاعدتي أجزاء العلة والعلل المجتمعة]

يَرْجِعُ إلَى الْعُرْفِ فَيُحِيلُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ وَيَقُولُونَ: لَا نَجِدُ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ الْفُقَهَاءِ إلَّا الْعَوَامُّ وَهُمْ لَا يَصِحُّ تَقْلِيدُهُمْ فِي الدِّينِ ثُمَّ إنَّ الْفُقَهَاءَ مِنْ جُمْلَةِ أَهْلِ الْعُرْفِ فَلَوْ كَانَ فِي الْعُرْفِ شَيْءٌ لَوَجَدُوهُ مَعْلُومًا لَهُمْ أَوْ مَعْرُوفًا. (جَوَابُهُ) هَذَا السُّؤَالُ لَهُ وَقْعٌ عِنْدَ التَّحْقِيقِ وَإِنْ كَانَ سَهْلًا فِي بَادِي الرَّأْيِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَنْهُ إنْ لَمْ يَرِدْ فِيهِ الشَّرْعُ بِتَحْدِيدٍ يَتَعَيَّنُ تَقْرِيبُهُ بِقَوَاعِدِ الشَّرْعِ لِأَنَّ التَّقْرِيبَ خَيْرٌ مِنْ التَّعْطِيلِ فِيمَا اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ فَنَقُولُ: يَجِبُ عَلَى الْفَقِيهِ أَنْ يَفْحَصَ عَنْ أَدْنَى مَشَاقِّ تِلْكَ الْعِبَادَةِ الْمُعَيَّنَةِ فَيُحَقِّقَهُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ اسْتِدْلَالٍ ثُمَّ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْمَشَاقِّ مِثْلُ تِلْكَ الْمَشَقَّةِ أَوْ أَعْلَى مِنْهَا جَعَلَهُ مُسْقِطًا وَإِنْ كَانَ أَدْنَى مِنْهَا لَمْ يَجْعَلْهُ مُسْقِطًا مِثَالُهُ التَّأَذِّي بِالْقَمْلِ فِي الْحَجِّ مُبِيحٌ لِلْحَلْقِ بِالْحَدِيثِ الْوَارِدِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فَأَيُّ مَرَضٍ آذَى مِثْلَهُ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ أَبَاحَ وَإِلَّا فَلَا وَالسَّفَرُ مُبِيحٌ لِلْفِطْرِ بِالنَّصِّ فَيُعْتَبَرُ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ الْمَشَاقِّ. (سُؤَالٌ) آخَرُ مَا لَا ضَابِطَ لَهُ وَلَا تَحْدِيدَ وَقَعَ فِي الشَّرْعِ عَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ اُقْتُصِرَ فِيهِ عَلَى أَقَلَّ مَا تَصْدُقُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ فَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَاشْتَرَطَ أَنَّهُ كَاتِبٌ يَكْفِي فِي هَذَا الشَّرْطِ مُسَمَّى الْكِتَابَةِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْمَهَارَةِ فِيهَا فِي تَحْقِيقِ هَذَا الشَّرْطِ وَكَذَلِكَ شُرُوطُ السَّلَمِ فِي سَائِرِ الْأَوْصَافِ وَأَنْوَاعِ الْحِرَفِ يُقْتَصَرُ عَلَى مُسَمَّاهَا دُونَ مَرْتَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْهَا وَالْقِسْمُ الْآخَرُ مَا وَقَعَ مُسْقِطًا لِلْعِبَادَاتِ لَمْ يَكْتَفِ الشَّرْعُ فِي إسْقَاطِهَا بِمُسَمَّى تِلْكَ الْمَشَاقِّ بَلْ لِكُلِّ عِبَادَةٍ مُرَتَّبَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ مَشَاقِّهَا الْمُؤَثِّرَةِ فِي إسْقَاطِهَا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ. (جَوَابُهُ) الْعِبَادَاتُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ وَمَوَاهِبِ ذِي الْجَلَالِ وَسَعَادَةِ الْأَبَدِ فَلَا يَلِيقُ تَفْوِيتُهَا بِمُسَمَّى الْمَشَقَّةِ مَعَ يَسَارَةِ احْتِمَالِهَا وَلِذَلِكَ كَانَ تَرْكُ التَّرَخُّصِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَوْلَى وَلِأَنَّ تَعَاطِيَ الْعِبَادَةِ مَعَ الْمَشَقَّةِ أَبْلُغُ فِي إظْهَارِ الطَّوَاعِيَةِ وَأَبْلُغُ فِي التَّقَرُّبِ وَلِذَلِكَ قَالَ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ أَحَزُّهَا» أَيْ أَشَقُّهَا وَقَالَ: «أَجْرُك عَلَى قَدْرِ نَصَبِك» وَأَمَّا الْمُعَامَلَاتُ فَتَحْصُلُ مَصَالِحُهَا الَّتِي بُذِلَتْ الْأَعْوَاضُ فِيهَا بِمُسَمَّى حَقَائِقِ الشَّرْعِ وَالشُّرُوطِ بَلْ الْتِزَامُ غَيْرِ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى كَثْرَةِ الْخِصَامِ وَنَشْرِ الْفَسَادِ وَإِظْهَارِ الْعِنَادِ. وَيَلْحَقُ بِتَحْرِيرِ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّغَائِرِ وَقَاعِدَةِ الْكَبَائِرِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْكَبَائِرِ وَقَاعِدَةِ الْكُفْرِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ أَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ وَأَدْنَى رُتَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقُلْتُ: وَمَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا صَحِيحٌ. قَالَ: (سُؤَالٌ آخَرُ مَا لَا ضَابِطَ لَهُ وَلَا تَحْدِيدَ وَقَعَ فِي الشَّرْعِ عَلَى قِسْمَيْنِ إلَى آخِرِ جَوَابِهِ) قُلْتُ: وَمَا قَالَهُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ: (وَيَلْحَقُ بِتَحْرِيرِ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ إلَى قَوْلِهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي التَّسْمِيَةِ وَالْإِطْلَاقِ) قُلْتُ: لَيْسَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ فِي مُجَرَّدِ الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ الْمَعْنَى عِنْدَ مَنْ قَالَ: كُلُّ ذَنْبٍ كَبِيرٌ إنَّمَا هُوَ مُخَالَفَةُ اللَّهِ وَمُخَالَفَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْإِطْلَاقِ أَمْرٌ كَبِيرٌ وَمَا أَرَاهُ يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ وَالْمَعْنَى عِنْدَ مَنْ قَالَ: إنَّ مِنْ الذُّنُوبِ صَغَائِرُ وَمِنْهَا كَبَائِرُ إنَّمَا هُوَ مِنْهَا مَا الذَّمُّ عَلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ الْجَمِيعَ مُنَاسِبٌ فِي ذَاتِهِ وَتَارَةً يُرَتِّبُهُ عَقِيبَ أَوْصَافٍ يَكُونُ بَعْضُهَا مُنَاسِبًا فِي ذَاتِهِ دُونَ الْبَعْضِ كَالنِّصَابِ وَالْحَوْلِ رَتَّبَ الشَّارِعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَقِيبَهُمَا فَيُجْعَلُ الْمُنَاسِبُ مِنْهُمَا فِي ذَاتِهِ كَالنِّصَابِ هُوَ السَّبَبُ وَالْمُنَاسِبُ مِنْهُمَا فِي غَيْرِهِ كَالْحَوْلِ هُوَ الشَّرْطُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ وَالْعِلَلِ الْمُجْتَمِعَةِ] (الْفَرْقُ السَّابِعُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ وَالْعِلَلِ الْمُجْتَمِعَةِ) وَهُوَ أَنَّ مَا يَجِبُ وُجُودُ الْمَعْلُولِ كَالْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِحَيْثُ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا هُوَ جُمْلَةٌ أَوْ تَمَامُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ بِمَعْنَى لَا يَكُونُ وَرَاءَهُ شَيْءٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وَيُسَمَّى عِلَّةً تَامَّةً هُوَ الْعِلَلُ الْمُجْتَمِعَةُ وَمَا لَا يَجِبُ وُجُودُ الْمَعْلُولِ كَالْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِحَيْثُ يَكُونُ وَرَاءَهُ شَيْءٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وَيُسَمَّى عِلَّةً نَاقِصَةً هِيَ أَجْزَاءُ الْعِلَّةِ وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ قَاعِدَةُ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا ثَبَتَ عَقِيبَ أَوْصَافٍ فَإِنْ رَتَّبَ صَاحِبُ الشَّرْعِ ذَلِكَ الْحُكْمَ مَعَ كُلِّ وَصْفٍ مِنْهَا فَهِيَ عِلَلٌ مُجْتَمِعَةٌ كَوُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَى مَنْ بَالَ لَامَسَ وَأَمْذَى فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا إذَا انْفَرَدَ اسْتَقَلَّ بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ وَكَإِجْبَارِ الْأَبِ لِابْنَتِهِ مُعَلِّلًا بِالصِّغَرِ وَالْبَكَارَةِ عَلَى الْخِلَافِ مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا انْفَرَدَ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ الْإِجْبَارُ فَتُجْبَرُ الصَّغِيرَةُ الثَّيِّبُ وَالْبِكْرُ الْكَبِيرَةُ الْمُعَنَّسَةُ عَلَى الْخِلَافِ وَإِنْ لَمْ يُرَتِّبْ صَاحِبُ الشَّرْعِ الْحُكْمَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَهِيَ عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ تِلْكَ الْأَوْصَافِ كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ جُزْءِ الْعِلَّةِ وَالشَّرْطِ] (الْفَرْقُ الثَّامِنُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ جُزْءِ الْعِلَّةِ وَالشَّرْطِ) مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُ الْحُكْمِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ الْحُكْمِ وَلَا عَدَمُهُ هُوَ أَنَّ الشَّرْطَ مُنَاسَبَتُهُ فِي غَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي الْحَوْلِ فِي الزَّكَاةِ وَجُزْءِ الْعِلَّةِ مُنَاسَبَتُهُ فِي نَفْسِهِ كَأَحَدِ وَصْفَيْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فَإِنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مُنَاسَبَتِهِ الْعُقُوبَةَ فِي ذَاتِهِ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَالْمَانِعِ] (الْفَرْقُ التَّاسِعُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَالْمَانِعِ) وَهُوَ أَنَّ الشَّرْطَ لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِهِ عَلَى الْحُكْمِ وَعَدَمُهُ يُوجِبُ عَدَمَهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ الَّتِي هُوَ فِيهَا شَرْطٌ وَالْمَانِعُ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: مَا يَمْنَعُ وُجُودُهُ وُجُودَ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً كَالرَّضَاعِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءً النِّكَاحَ وَيَقْطَعُ اسْتِمْرَارَهُ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي الْمَهْدِ وَتَرْضِعَ مِنْ أُمِّهِ فَتَصِيرُ أُخْتُهُ فَيَبْطُلُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا وَمَا يَمْنَعُ وُجُودُهُ وُجُودَ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً.

[الفرق بين قاعدتي الشرط وعدم المانع]

الْكَبَائِرِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ أَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَأَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ وَهَذِهِ مَوَاضِعُ شَاقَّةُ الضَّبْطِ عَسِيرَةُ التَّحْرِيرِ وَفِيهَا غَوَامِضُ صَعْبَةٌ عَلَى الْفَقِيهِ وَالْمُفْتِي عِنْدَ حُلُولِ النَّوَازِلِ فِي الْفَتَاوَى وَالْأَقْضِيَةِ وَاعْتِبَارِ حَالِ الشُّهُودِ فِي التَّجْرِيحِ وَعَدَمِهِ وَأَنَا أَخُصُّ مِنْ ذَلِكَ مَا تَيَسَّرَ وَمَا لَا أَعْرِفُهُ وَعَجَزَتْ قُدْرَتِي عَنْهُ فَحَظِّي مِنْهُ مَعْرِفَةُ إشْكَالِهِ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ الْإِشْكَالِ عِلْمٌ فِي نَفْسِهِ وَفَتْحٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَأَقُولُ: إنَّ الْكَبِيرَةَ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ تَخْتَصُّ بِبَعْضِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي أَمْ لَا فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ: إنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ كَبِيرَةٌ نَظَرًا إلَى مَنْ عُصِيَ بِهَا وَكَأَنَّهُمْ كَرِهُوا أَنْ تُسَمَّى مَعْصِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى صَغِيرَةً إجْلَالًا لَهُ تَعَالَى وَتَعْظِيمًا لِحُدُودِهِ مَعَ أَنَّهُمْ وَافَقُوا فِي الْجَرْحِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِمُطْلَقِ الْمَعْصِيَةِ وَأَنَّ مِنْ الذُّنُوبِ مَا يَكُونُ قَادِحًا فِي الْعَدَالَةِ وَمِنْهَا مَا لَا يَكُونُ قَادِحًا هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي التَّسْمِيَةِ وَالْإِطْلَاقِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: بَلْ الذُّنُوبُ مُنْقَسِمَةٌ إلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقَوَاعِدِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: 7] فَجَعَلَ الْكُفْرَ رُتْبَةً وَالْفُسُوقَ رُتْبَةً ثَانِيَةً وَالْعِصْيَانَ يَلِي الْفُسُوقَ وَهُوَ الصَّغَائِرُ فَجَمَعَتْ الْآيَةُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ وَتُسَمَّى بَعْضُ الْمَعَاصِي فِسْقًا دُونَ الْبَعْضِ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْكَبَائِرُ سَبْعٌ» وَعَدَّهَا إلَى آخِرِهَا فَخَصَّ الْكَبَائِرَ بِبَعْضِ الذُّنُوبِ وَأَمَّا الْقَوَاعِدُ فَلِأَنَّ مَا عَظُمَتْ مَفْسَدَتُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى كَبِيرَةً تَخْصِيصًا لَهُ بِاسْمٍ يَخُصُّهُ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْكَبِيرَةُ مَا عَظُمَتْ مَفْسَدَتُهَا وَالصَّغِيرَةُ مَا قَلَّتْ مَفْسَدَتُهَا فَيَكُونُ ضَابِطُ مَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ أَنْ يُحْفَظَ مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ فَيُلْحَقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ وَمَا قَصُرَ عَنْهُ فِي الْمَفْسَدَةِ لَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSبِهِ إنْ نَفَذَ عَلَى مُرْتَكِبِهِ الْوَعِيدُ أَشَدُّ وَمِنْهَا مَا الذَّمُّ عَلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ بِهِ إنْ نَفَذَ عَلَى مُرْتَكِبِهِ الْوَعِيدُ أَخَفُّ وَمَا أَرَاهُ يُخَالِفُ فِي هَذَا أَيْضًا أَحَدٌ فَلَا خِلَافَ إذًا فَإِنَّ الْمَعْنَيَيْنِ مُتَغَايِرَانِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْخِلَافُ فِي الْمَعْنَى فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا فِي اللَّفْظِ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ كَرَاهِيَةِ تَسْمِيَةِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى صَغِيرَةً إجْلَالًا لَهُ وَتَعْظِيمًا لِحُدُودِهِ فَيَئُولُ الْأَمْرُ إلَى مَنْعِ ذَلِكَ الْإِطْلَاقِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ إلَّا فِي مَحَلِّ تَبَيُّنِ تَفَاوُتِ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ إنْ نَفَذَ الْوَعِيدُ وَإِلَى تَجْوِيزِ ذَلِكَ الْإِطْلَاقِ مُطْلَقًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ. قَالَ: (وَقَالَ: بَعْضُهُمْ بَلْ الذُّنُوبُ مُنْقَسِمَةٌ إلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ تَخْصِيصُ الْكَبَائِرِ بِبَعْضِ الذُّنُوبِ) قُلْتُ: مَا أَوْرَدَهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ظَوَاهِرُ وَلَعَلَّ الْمَرَامَ الْقَطْعُ فِي الْمَسْأَلَةِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمَعْنَى وَهُوَ تَفَاوُتُ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ. قَالَ: (وَأَمَّا الْقَوَاعِدُ فَلِأَنَّ مَا عَظُمَتْ مَفْسَدَتُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى كَبِيرَةً إلَى قَوْلِهِ وَالصَّغِيرَةُ مَا قَلَّتْ مَفْسَدَتُهَا) قُلْتُ: الْقَوَاعِدُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَقْتَضِي الْقَطْعَ بِالتَّفَاوُتِ بَيْنَ الذُّنُوبِ فِي الذَّمِّ وَالْعِقَابِ إنْ نَفَذَ الْوَعِيدُ. قَالَ: (فَيَكُونُ ضَابِطُ مَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ أَنْ يُحْفَظَ مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ فَيَلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ وَمَا قَصُرَ عَنْهُ فِي الْمَفْسَدَةِ لَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَطْ كَالِاسْتِبْرَاءِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ عَلَى الْمُسْتَبْرَأَةِ وَلَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ بِأَنْ تُكْرَهُ الزَّوْجَةُ عَلَى الزِّنَا فَيَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا عَلَى الزَّوْجِ خَشْيَةَ اخْتِلَاطِ نَسَبِهِ بِالْمُتَوَلِّدِ مِنْ الزِّنَا وَلِأَنَّهُ يُلَاعِنُ حِينَئِذٍ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزِّنَا وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْمُلَاعَنَةُ وَمَا اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِ وُجُودِهِ يَمْنَعُ وُجُودَ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً كَالْأَوَّلِ أَوْ ابْتِدَاءً فَقَطْ كَالثَّانِي وَلَهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ: أَحَدُهَا الْمَاءُ يَمْنَعُ وُجُودَهُ مِنْ التَّيَمُّمِ ابْتِدَاءً وَفِي مَنْعِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ إذْ طَرَأَ عَلَيْهِ فَيُبْطِلُهَا أَمْ لَا فَلَا يُبْطِلُهَا خِلَافٌ، الثَّانِيَةُ الطَّوْلُ يَمْنَعُ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ ابْتِدَاءً عَلَى الصَّحِيحِ وَفِي مَنْعِهِ بَعْدَ نِكَاحِ الْأَمَةِ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ فَيُبْطِلُهُ أَوْ لَا فَلَا يُبْطِلُهُ خِلَافٌ، الثَّالِثَةُ الْإِحْرَامُ يَمْنَعُ مِنْ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ ابْتِدَاءً وَفِي مَنْعِهِ إذَا طَرَأَ عَلَى وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ فِي زَمَنِ الْحِلِّ فَيَجِبُ إرْسَالُهُ أَمْ لَا فَلَا يَجِبُ إرْسَالُهُ خِلَافٌ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ] (الْفَرْقُ الْعَاشِرُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الشَّرْطِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ) مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عَدَمِ الْمَانِعِ وَوُجُودِ الشَّرْطِ مُعْتَبَرٌ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَقَرُّرِهِ وُجُودُهُ وَلَا عَدَمُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَيْضَ مَانِعٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَبِعَدَمِهِ لَا تَجِبُ لِأَجْلِ الْإِغْمَاءِ وَأَنَّ عَدَمَ الدَّيْنِ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَلَا تَجِبُ بِهِ لِعَدَمِ النِّصَابِ فَكُلٌّ مِنْ عَدَمِ الدَّيْنِ وَعَدَمِ الْحَيْضِ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَقَرُّرِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ وَإِنْ لَزِمَ مِنْ فِقْدَانِهِ الْعَدَمُ فَهُمَا فِي غَايَةِ الِالْتِبَاسِ حَتَّى أَنَّك لَا تَجِدُ فَقِيهًا إلَّا وَهُوَ يَقُولُ: عَدَمُ الْمَانِعِ شَرْطٌ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا أَلْبَتَّةَ وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ اجْتِمَاعِ النَّقِيضِينَ فِيمَا إذَا شَكَكْنَا فِي طُرُوءِ الْمَانِعِ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الشَّكَّ فِي أَحَدِ النَّقِيضِينَ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْآخَرِ بِالضَّرُورَةِ فَإِذَا شَكَكْنَا فِي وُجُودِ الْمَانِعِ فَقَدْ شَكَكْنَا فِي عَدَمِهِ بِالضَّرُورَةِ وَعَدَمُهُ شَرْطٌ عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ فَيَجْتَمِعُ الشَّكُّ فِي الْمَانِعِ وَالشَّرْطُ وَالْقَاعِدَةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا أَنَّ كُلَّ مَشْكُوكٍ فِيهِ مُلْغًى فِي الشَّرِيعَةِ فَإِذَا شَكَكْنَا فِي السَّبَبِ أَوْ فِي الشَّرْطِ لَمْ نُرَتِّبْ عَلَيْهِ حُكْمًا أَوْ فِي الْمَانِعِ رَتَّبْنَا الْحُكْمَ فَإِذَا شَكَّ فِي الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ زَوَالِ الْعِصْمَةِ لَمْ نُرَتِّبْ عَلَيْهِ زَوَالَهَا بَلْ نَسْتَصْحِبُ الْحَالَ الْمُتَقَدِّمَةَ وَكَذَا الشَّكُّ فِي زَوَالِ الشَّمْسِ يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ الظُّهْرِ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَإِذَا شَكَكْنَنَا فِي الطَّهَارَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ لَمْ نُقَدِّمْ عَلَى الصَّلَاةِ. وَإِذَا شَكَكْنَا فِي رِدَّةِ زَيْدٍ قَبْلَ

فَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قِيلَ لَهُ: مَا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك قُلْت: ثُمَّ أَيْ؟ قَالَ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك خَوْفَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَك قُلْت: ثُمَّ أَيْ؟ قَالَ: أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قِيلَ: وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ» وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ وَاسْتِحْلَالُ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: كُلُّ مَا نَصَّ اللَّهُ عَلَيْهِ أَوْ رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَتَوَعَّدَ عَلَيْهِ أَوْ رَتَّبَ عَلَيْهِ حَدًّا أَوْ عُقُوبَةً فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَيَلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا سَاوَاهُ فِي الْمَفْسَدَةِ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَعَلَ الْقُبْلَةَ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ صَغِيرَةً» فَيَلْحَقُ بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا فَتَكُونُ صَغِيرَةً لَا تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ إلَّا أَنْ يُصِرَّ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ. (سُؤَالٌ) مَا ضَابِطُ قَاعِدَةِ الْإِصْرَارِ الْمُصَيِّرِ الصَّغِيرَةَ كَبِيرَةً وَمَا عَدَدُ التَّكْرَارِ الْمُحَصِّلِ لِذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَا ضَابِطُ قَاعِدَةِ تَنَاوُلِ الْمُبَاحَاتِ الْمُخِلَّةِ بِالشَّهَادَةِ كَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ وَغَيْرِهِ جَوَابُهُ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى مَا يَحْصُلُ مِنْ مُلَابَسَةِ الْكَبِيرَةِ مِنْ عَدَمِ الْوُثُوقِ بِفَاعِلِهَا ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى الصَّغِيرَةِ فَمَتَى حَصَلَ مِنْ تَكْرَارِهَا مَعَ الْبَقَاءِ عَلَى عَدَمِ التَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ مَا يُوجِبُ عَدَمَ الْوُثُوقِ بِهِ فِي دِينِهِ وَإِقْدَامِهِ عَلَى الْكَذِبِ فِي الشَّهَادَةِ فَاجْعَلْ ذَلِكَ قَادِحًا وَمَا لَا فَلَا وَكَذَلِكَ الْأُمُورُ الْمُبَاحَةُ مَتَى تَكَرَّرَتْ. ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (فَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قِيلَ لَهُ: مَا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ إلَى قَوْلِهِ وَيَلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا سَاوَاهُ فِي الْمَفْسَدَةِ) قُلْتُ: أَمَّا الْحَدِيثَانِ فَلَيْسَ فِيهِمَا حَصْرُ الْكَبَائِرِ فِيمَا ذُكِرَ بَلْ وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الْأَوَّلِ عَنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَأَمَرَ فِي الثَّانِي بِاجْتِنَابِ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا الشِّرْكَ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ فَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ كَبَائِرُ لِذِكْرِهَا مَعَ الشِّرْكِ وَتَشْرِيكِهَا مَعَهُ فِي كَوْنِهَا مُوبِقَةً وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ كُلُّ مَا نَصَّ اللَّهُ عَلَيْهِ أَوْ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَوَعَّدَ عَلَيْهِ أَوْ رَتَّبَ عَلَيْهِ حَدًّا أَوْ عُقُوبَةً فَهُوَ كَبِيرَةٌ فَهُوَ رَأْيٌ رَآهُ وَإِنَّهُ لَيَظْهَرُ صَوَابُهُ وَلَكِنْ لَا يَبْعُدُ النِّزَاعُ فِي بَعْضِ ذَلِكَ. قَالَ: (وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «جَعَلَ الْقُبْلَةَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ صَغِيرَةً» فَيَلْحَقُ بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا) قُلْتُ: إذَا ثَبَتَ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ فَالْوَجْهُ مَا قَالَ: فَتَكُونُ صَغِيرَةً لَا تَقْدَحُ فِي الْعَدْلِ إلَّا أَنْ يُصِرَّ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ. قَالَ: (سُؤَالٌ مَا ضَابِطُ قَاعِدَةِ الْإِصْرَارِ الْمُصَيِّرِ لِلصَّغِيرَةِ كَبِيرَةً إلَى قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فَاجْعَلْ ذَلِكَ قَادِحًا وَمَا لَا فَلَا) قُلْتُ: مَا قَالَهُ: صَحِيحٌ. قَالَ: (وَكَذَلِكَ الْأُمُورُ الْمُبَاحَةُ مَتَى تَكَرَّرَتْ) قُلْتُ: قَوْلُهُ هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُبَاحَاتِ مَتَى تَكَرَّرَتْ أَوْجَبَتْ عَدَمَ الْوُثُوقِ مِمَّنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ قُلْتُ: وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَلَكِنَّهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ مَا لَا يُبِيحُ الشَّرْعُ فِعْلَهُ بِمَحْضَرِ النَّاسِ فَفِعْلُ هَذَا مَعْصِيَةٌ لَاحِقَةٌ بِسَائِرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفَاتِهِ فَإِنَّا نُلْغِي مَنْعَ الْكُفْرِ مِنْ الْإِرْثِ وَنُوَرِّثُ مِنْهُ اسْتِصْحَابًا بِالْأَصْلِ فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ عَلَى قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ أَنْ نُرَتِّبَ الْحُكْمَ وَلَا نُرَتِّبَهُ. وَذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ فَبَطَلَ اعْتِقَادُ أَنَّ عَدَمَ الْمَانِعِ شَرْطٌ وَوَجَبَ أَنْ نَعْتَقِدَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ عَدَمِ الْمَانِعِ وَالشَّرْطِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ نَعَمْ مَحَلُّ مُرَاعَاةِ قَاعِدَةِ إلْغَاءِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ إجْمَاعًا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ إذَا لَمْ تَتَعَذَّرْ مُرَاعَاتُهَا كَذَلِكَ وَإِلَّا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مُخَالَفَتِهَا فِي وَجْهٍ لِأَجْلِ اعْتِبَارِهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فِي وَجْهٍ آخَرَ وَذَلِكَ كَمَا فِي فَرْعِ مَنْ شَكَّ فِي الْحَدَثِ بَعْدَ تَقَرُّرِ الطَّهَارَةِ أَوْجَبَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ الْوُضُوءَ وَلَمْ يَجْعَلْ الْمَشْكُوكَ فِيهِ كَالْمُتَحَقِّقِ الْعَدَمِ وَخَالَفَهُ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ قَاعِدَةَ أَنَّ الشَّكَّ فِي الشَّرْطِ كَالطَّهَارَةِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْمَشْرُوطِ ضَرُورَةً كَالصَّلَاةِ وَأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى شَغْلِ الذِّمَّةِ بِالصَّلَاةِ وَالْبَرَاءَةُ لِلذِّمَّةِ مِنْ الْوَاجِبِ تَتَوَقَّفُ عَلَى سَبَبٍ مُبَرِّئٍ إجْمَاعًا فَإِنْ اعْتَبَرْنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ الْمَشْكُوكَ فِيهَا بِسَبَبِ الشَّكِّ فِي شَرْطِهَا الَّذِي هُوَ الطَّهَارَةُ وَجَعَلْنَاهَا سَبَبًا مُبَرِّئًا كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فَقَدْ اعْتَبَرْنَا الْمَشْكُوكَ فِيهِ وَلَمْ نُصَيِّرْهُ كَالْمُحَقَّقِ الْعَدَمِ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا مِنْ إلْغَاءِ كُلِّ مَشْكُوكٍ فِيهِ وَإِنْ اعْتَبَرْنَا هَذَا الْحَدَثَ الْمَشْكُوكَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ فَقَدْ اعْتَبَرْنَا مَشْكُوكًا فِيهِ وَلَمْ نُصَيِّرْهُ كَالْمُحَقَّقِ الْعَدَمِ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا أَيْضًا فَكِلَا الْمَذْهَبَيْنِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ مُخَالَفَةُ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ فَتَعَيَّنَ الْجَزْمُ بِمُخَالَفَتِهَا وَأَنَّ هَذَا الْفَرْعَ لَا يُسَاعِدُ عَلَى إعْمَالِهَا وَاعْتِبَارِهَا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُخَالَفَتِهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَمَالِكٌ خَالَفَهَا فِي الْحَدَثِ الرَّافِعِ لِلطَّهَارَةِ وَالشَّافِعِيُّ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ لَكِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَرْجَحُ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّنَتْ الْمُخَالَفَةُ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ. وَكَانَتْ الطَّهَارَةُ مِنْ بَابِ الْوَسَائِلِ وَالصَّلَاةُ مِنْ بَابِ الْمَقَاصِدِ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْوَسَائِلَ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْ الْمَقَاصِدِ كَانَتْ الْعِنَايَةُ بِالصَّلَاةِ وَإِلْغَاءُ الْمَشْكُوكِ فِيهِ وَهُوَ السَّبَبُ الْمُبَرِّئُ مِنْهَا أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ الطَّهَارَةِ وَإِلْغَاءِ الْحَدَثِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ الرَّافِعِ لَهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقَاعِدَةُ الْمَذْكُورَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُجْمَعًا عَلَيْهَا إلَّا أَنَّ الضَّرُورَةَ دَعَتْ لِمُخَالَفَتِهَا فِي هَذَا الْفَرْعِ لِتَعَذُّرِ مُرَاعَاتِهَا فِيهِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَلِذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مُخَالَفَتِهَا فِي وَجْهٍ لِأَجْلِ اعْتِبَارِهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فِي وَجْهٍ آخَرَ وَإِنَّمَا يَبْقَى النَّظَرُ فِي أَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي أَيِّ

[الفرق بين قاعدتي توالي أجزاء المشروط مع الشرط وبين توالي المسببات مع الأسباب]

وَمَتَى تَكَرَّرَتْ الصَّغِيرَةُ مَعَ تَخَلُّلِ التَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ أَوْ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ مَعَ عَدَمِ اشْتِمَالِ الْقَلْبِ عَلَى الْعَزْمِ عَلَى الْعَوْدَةِ لَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ إذَا تَحَرَّرَ بِالتَّقْرِيبِ الْكَبَائِرُ مِنْ الصَّغَائِرِ وَأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى عِظَمِ الْمَفْسَدَةِ فَنَرْجِعُ إلَى تَحْرِيرِ مَا يُعْلَمُ بِهِ الْكُفْرُ مِنْ الْكَبَائِرِ فَنَقُولُ: أَصْلُ الْكُفْرِ اهْتِضَامُ جَانِبِ الرُّبُوبِيَّةِ وَلَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَقَدْ يَكُونُ الِاهْتِضَامُ بِالْكَبِيرَةِ أَوْ بِالصَّغِيرَةِ وَلَيْسَتَا كُفْرًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْوُصُولِ إلَى رُتْبَةٍ خَاصَّةٍ مِنْ ذَلِكَ وَتَحْرِيرُهَا أَنَّ الْكُفْرَ قِسْمَانِ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ هُوَ كُفْرٌ أَمْ لَا فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ نَحْوُ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ وَجَحْدُ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَجَحْدِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا وَالْكُفْرِ الْفِعْلِيِّ نَحْوِ إلْقَاءِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ وَجَحْدِ الْبَعْثِ أَوْ النُّبُوَّاتِ أَوْ وَصْفِهِ تَعَالَى بِكَوْنِهِ لَا يَعْلَمُ أَوْ لَا يُرِيدُ أَوْ لَيْسَ بِحَيٍّ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَكَالتَّجْسِيمِ وَأَنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ أَفْعَالَهُ وَأَنَّ إرَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَتْ. ـــــــــــــــــــــــــــــSالْمَعَاصِي وَمِنْهَا مَا لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ مُشْعِرَةٌ بِخَلَلٍ حَدَثَ لَهُ فِي عَقْلِهِ وَخَلَلُ الْعَقْلِ لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ قِلَّةُ الضَّبْطِ فَلَيْسَ قَدَحُ فِعْلِ هَذِهِ الْمُبَاحَاتِ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْوَجْهِ الَّتِي تَقْدَحُ فِيهَا فِعْلُ الْمُخَالَفَاتِ فَإِنَّ فِعْلَ الْمُخَالَفَاتِ قَادِحٌ فِي الْعَدَالَةِ وَفِعْلَ هَذِهِ الْمُبَاحَاتِ قَادِحٌ فِي الضَّبْطِ. قَالَ: (وَمَتَى تَكَرَّرَتْ الصَّغِيرَةُ مَعَ تَخَلُّلِ التَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ أَوْ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ مَعَ عَدَمِ اشْتِمَالِ الْقَلْبِ عَلَى الْعَزْمِ عَلَى الْعَوْدَةِ لَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ) قُلْتُ: أَمَّا قَوْلُهُ مَتَى تَكَرَّرَتْ الصَّغِيرَةُ مَعَ تَخَلُّلِ التَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ فَصَحِيحٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَوْ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ مَعَ عَدَمِ اشْتِمَالِ الْقَلْبِ عَلَى الْعَزْمِ عَلَى الْعَوْدَةِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ تَكَرُّرَ الصَّغَائِرِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ تُوجِبُ عَدَمَ الْوُثُوقِ بِدِينِ فَاعِلهَا مِثْلُ مَا يُوجِبُ تَكَرُّرَهَا إذَا اتَّفَقَتْ مَعَ أَنَّ اشْتِرَاطَ عَدَمِ اشْتِمَالِ الْقَلْبِ عَلَى الْعَزْمِ عَلَى الْعَوْدَةِ لَا يَصِحُّ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ وَلَا يَصِحُّ التَّعَبُّدُ فِي الْأُمُورِ الظَّوَاهِرِ بِمَا فِي الْبَوَاطِنِ وَالْعَدَالَةُ مِنْ ظَوَاهِرِ الْأُمُورِ لَا مِنْ بَوَاطِنِهَا وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ الْمُفْتَقِرِ فِيهَا إلَى الْحُكَّامِ. قَالَ: (إذَا تَحَرَّرَ بِالتَّقْرِيبِ الْكَبَائِرُ مِنْ الصَّغَائِرِ وَأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى عِظَمِ الْمَفْسَدَةِ فَنَرْجِعُ إلَى تَحْرِيرِ مَا يُعْلَمُ بِهِ الْكُفْرُ مِنْ الْكَبَائِرِ فَنَقُولُ: أَصْلُ الْكُفْرِ اهْتِضَامُ جَانِبِ الرُّبُوبِيَّةِ وَلَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ) قُلْتُ: لَيْسَ الْكُفْرُ اهْتِضَامَ جَانِبِ الرُّبُوبِيَّةِ وَمَا أَرَى أَنَّ أَحَدًا مِمَّنْ يَدِينُ بِالرُّبُوبِيَّةِ يَهْتَضِمُ جَانِبَهَا وَإِنْ وُجِدَ مَنْ يَهْتَضِمُ جَانِبَهَا فَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ مِمَّنْ يَدِينُ بِهَا وَلَكِنَّ أَصْلَ الْكُفْرِ الْجَهْلُ بِالرُّبُوبِيَّةِ. قَالَ: (فَقَدْ يَكُونُ الِاهْتِضَامُ بِالْكَبِيرَةِ أَوْ بِالصَّغِيرَةِ وَلَيْسَتَا كُفْرًا) قُلْتُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ فَاعِلَ الْكَبِيرَةِ أَوْ الصَّغِيرَةِ لَا يَفْعَلُهَا اهْتِضَامًا لِلرُّبُوبِيَّةِ وَلَا تَهَاوُنًا بِهَا وَإِنَّمَا يَفْعَلُهَا جَرَاءَةً عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ لِاسْتِيلَاءِ الشَّهْوَةِ عَلَيْهِ. قَالَ: (بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْوُصُولِ إلَى رُتْبَةٍ خَاصَّةٍ مِنْ ذَلِكَ وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ الْكُفْرَ قِسْمَانِ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ إلَى قَوْلِهِ أَوْ لَيْسَ بِحَيٍّ وَنَحْوِهِ) قُلْتُ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأُمُورِ الْمُتَّفَقِ عَلَى أَنَّهَا كُفْرٌ هُوَ كَمَا ذَكَرَ. قَالَ: (وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَكَالتَّجْسِيمِ إلَى قَوْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوُجُوهِ أَوْلَى وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَرْجَحُ فِي مُخَالَفَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ تَوَالِي أَجْزَاءِ الْمَشْرُوطِ مَعَ الشَّرْطِ وَبَيْنَ تَوَالِي الْمُسَبِّبَاتِ مَعَ الْأَسْبَابِ] (الْفَرْقُ الْحَادِيَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ تَوَالِي أَجْزَاءِ الْمَشْرُوطِ مَعَ الشَّرْطِ وَبَيْنَ تَوَالِي الْمُسَبِّبَاتِ مَعَ الْأَسْبَابِ) وَهُوَ أَنَّ الْمَشْرُوطَاتِ الْمُتَعَدِّدَةَ لِشَرْطٍ وَاحِدٍ إنَّمَا يَقْتَضِيهَا اقْتِضَاءً وَاحِدًا بِحَيْثُ لَا يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ بَيْنَهَا فَهِيَ نَظِيرُ الْمُسَبِّبَاتِ لِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَكَمَا تَقُولُ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنَّ هَذَا اللَّفْظَ سَبَبُ تَحْرِيمِهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَسَبَبٌ لِإِبَاحَةِ أُخْتِهَا وَلَا نَقُولُ: إنَّ أَحَدَ الْحُكْمَيْنِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْآخَرِ وَلَا بَعْدَهُ كَذَلِكَ نَقُولُ إذَا قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَتَزَوَّجَهَا لَزِمَهُ الطَّلَاقُ بَائِنًا لِأَنَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِهِ وَلَزِمَهُ الظِّهَارُ أَيْضًا فَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ وَلَا نَقُولُ: إنَّ الطَّلَاقَ تَقَدَّمَ عَلَى الظِّهَارِ حَتَّى نَمْنَعَهُ بِخِلَافِ الْمُسَبِّبَاتِ لِأَسْبَابٍ عَدِيدَةٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنَّا نَقُولُ فِيهِ: إنَّ سَبَبَ التَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ لَمَّا تَقَدَّمَ عَلَى سَبَبِ الْكَفَّارَةِ الَّذِي هُوَ الظِّهَارُ اقْتَضَى أَنْ نَقْضِيَ بِعَدَمِ لُزُومِ الظِّهَارِ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَهُ تَحْرِيمُهَا بِالطَّلَاقِ فَلَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ إمَّا لِأَنَّ الظِّهَارَ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا بِنَاءً عَلَى مَا لِلْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ صِيغَتَهُ إنْشَاءٌ لَا خَبَرٌ وَإِمَّا لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي لَفْظِ التَّحْرِيمِ بِالظِّهَارِ بِنَاءً عَلَى مَا لِلْأَصْلِ مِنْ أَنَّ صِيغَتَهُ خَبَرٌ لَا إنْشَاءٌ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ التَّرْتِيبِ بِالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ] (الْفَرْقُ الثَّانِي عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ التَّرْتِيبِ بِالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ) وَهُوَ أَنَّ التَّرْتِيبَ بِالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ كَالْفَاءِ وَثُمَّ وَحَتَّى وَالسِّينِ وَسَوْفَ وَلَمْ وَلَا وَلَنْ وَمَا وَنَحْوِهَا لَا يَسْتَقِلُّ الْعَقْلُ بِهِ بَلْ يُسْتَفَادُ مِنْ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَرُبَّمَا اخْتَلَفَ فِيهِ اللُّغَاتُ وَرُبَّمَا تَبَدَّلَتْ بِالنَّقْلِ الْعُرْفِيِّ بِخِلَافِ التَّرْتِيبِ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ فَإِنَّهُ بِالْعَقْلِ الصِّرْفِ فَيَقْتَضِي تَرْتِيبُ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ تَرْتِيبَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الْوَاقِعَةِ فِيهَا تَرْتِيبًا لَا يَقْبَلُ الِاخْتِلَافَ وَلَا التَّبَدُّلَ لِأَنَّ الزَّمَانَ أَجْزَاؤُهُ سَيَّالَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ بِذَاتِهَا عَقْلًا مُسْتَحِيلَةُ الِاجْتِمَاعِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُوجَدَ أَمْسُ الدَّابِرُ مَعَ الْيَوْمِ الْحَاضِرِ وَلَا أَوَّلُ النَّهَارِ مَعَ آخِرِهِ وَلَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ وَإِنْ قَلَّ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ الزَّمَانِيَّةِ وَالْأَفْعَالُ وَالْأَقْوَالُ وَاقِعَةٌ فِي الزَّمَانِ وَمُنْقَسِمَةٌ عَلَى أَجْزَائِهِ. فَإِذَا اشْتَمَلَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الزَّمَانِ عَلَى قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ أَوْ الْفِعْلُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْوَاقِعِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي بَعْدَهُ وَمُتَأَخِّرًا عَنْ الْوَاقِعِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي قَبْلَهُ وَيَقْتَضِي

بِوَاجِبَةِ النُّفُوذِ وَأَنَّهُ تَعَالَى فِي جِهَةٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمُنَزِّهٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ اعْتِقَادَاتِ أَرْبَابِ الْأَهْوَاءِ فَلِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَالْأَشْعَرِيِّ فِيهِمْ قَوْلَانِ بِالتَّكْفِيرِ وَعَدَمِهِ. وَفِي التَّكْفِيرِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ قَوْلَانِ قَالَ: مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَيْسَ كُفْرًا وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ كُفْرٌ وَقَالَ: الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مَنْ كَفَّرَ جُمْلَةَ الصَّحَابَةِ فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّ تَكْفِيرَهُمْ يَلْزَمُ مِنْهُ إبْطَالُ الشَّرِيعَةِ لِأَنَّهُمْ أَصْلُهَا وَعَنْهُمْ أُخِذَتْ وَقَالَ: الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ إرَادَةُ الْكُفْرِ كُفْرٌ وَبِنَاءُ كَنِيسَةٍ يَكْفُرُ فِيهَا بِاَللَّهِ كُفْرٌ لِأَنَّهُ إرَادَةُ الْكُفْرِ وَمَنْ قَتَلَ نَبِيًّا بِقَصْدِ إمَاتَةِ شَرِيعَتِهِ مَعَ تَصْدِيقِهِ فَهُوَ كَافِرٌ وَلَعَلَّ غَيْرَ الْقَاضِي وَالْأَشْعَرِيِّ يُوَافِقُهُمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَمِنْ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فِيمَا عَلِمْت قَضِيَّةُ إبْلِيسَ وَأَنَّهُ كَفَرَ بِهَا وَلَيْسَ الْكُفْرُ بِسَبَبِ تَرْكِ السُّجُودِ وَمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ وَإِلَّا كَانَ يَلْزَمُ أَنَّ كُلَّ عَاصٍ كَافِرٌ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا كُفْرُ إبْلِيسَ بِنِسْبَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى الْجَوْرِ وَأَنَّهُ أَمَرَ بِالسُّجُودِ لِمَنْ هُوَ أَوْلَى أَنْ يَسْجُدَ لَهُ وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَدْلًا لِقَوْلِهِ {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12] فَهَذَا مِنْهُ إشَارَةٌ إلَى التَّجْوِيرِ وَالتَّسْفِيهِ وَمَنْ نَسَبَ اللَّهَ تَعَالَى إلَى ذَلِكَ فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِهِ فَهَذِهِ الْجَرَاءَةُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى هِيَ سَبَبُ كُفْرِهِ وَلَا يُقَالُ: إنَّمَا كَفَرَ بِسَبَبِ الْكِبْرِ عَلَى آدَمَ لِقَوْلِهِ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مُتَكَبِّرٍ كَافِرٌ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ نَعَمْ أَنَّ مَنْ تَكَبَّرَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ أَنْ يَكُونَ مُطِيعًا لَهُ فِي أَوَامِرِهِ فَهُوَ كَافِرٌ وَبِالْجُمْلَةِ فَعَلَى الْفَقِيهِ أَنْ يَسْتَقْرِئَ كُتُبَ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي يُكْفَرُ بِهَا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا وَالْمُخْتَلَفُ فِيهَا فَإِذَا كَمُلَ اسْتِقْرَاؤُهُ نَظَرَ إلَى أَقْرَبِهَا إلَى عَدَمِ التَّكْفِيرِ بِالنَّظَرِ السَّدِيدِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ الْفُقَهَاءِ لَهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ فِي مَسَائِلِ التَّكْفِيرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــSوَلَعَلَّ غَيْرَ الْقَاضِي وَالْأَشْعَرِيِّ يُوَافِقُهُمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ) قُلْتُ: ذَلِكَ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ. قَالَ: (وَمِنْ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فِيمَا عَلِمْتُهُ قَضِيَّةُ إبْلِيسَ إلَى قَوْلِهِ نَعَمْ مَنْ تَكَبَّرَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ أَنْ يَكُونَ مُطِيعًا لَهُ فِي أَوَامِرِهِ فَهُوَ كَافِرٌ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ: مِنْ أَنَّ كُفْرَ إبْلِيسَ إنَّمَا هُوَ بِنِسْبَتِهِ إلَى اللَّهِ الْجَوْرَ وَتَكَبُّرِهِ عَلَيْهِ لَا بِمُجَرَّدِ تَرْكِ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ السُّجُودِ لِآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاعْتِقَادِهِ كَوْنِهِ خَيْرًا مِنْهُ هُوَ الَّذِي تَقْتَضِيه الْقَوَاعِدُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ الشَّرْعِ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ عَقْلًا أَنْ يَكُونَ كُفْرُهُ بِمُجَرَّدِ مُخَالَفَتِهِ. قَالَ: (وَبِالْجُمْلَةِ فَعَلَى الْفَقِيهِ أَنْ يَسْتَقْرِئَ كُتُبَ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي يُكْفَرُ بِهَا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا وَالْمُخْتَلَفُ فِيهَا فَإِذَا كَمُلَ اسْتِقْرَاؤُهُ) قُلْتُ: إنْ أَرَادَ كَمُلَ اسْتِقْرَاؤُهُ لِمَا بَلَغَهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ فَإِنَّهُ لَعَلَّهُ بَقِيَ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ وَيَكُونُ فِيمَا لَمْ يَبْلُغْهُ رُتَبٌ مِنْ الْكُفْرِ وَإِنْ أَرَادَ كَمُلَ اسْتِقْرَاؤُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَيْ لَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْ الْأَقْوَالِ قَوْلٌ إلَّا حَفِظَهُ وَلَا مِنْ جُمْلَةِ وُجُوهِ التَّكْفِيرِ شَيْءٌ إلَّا تَضَمَّنَتْهُ أَقْوَالُ مَنْ حَفِظَ أَقْوَالَهُمْ فَمِنْ أَيْنَ يَعْرِفُ ذَلِكَ وَمَا الدَّلِيلُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ. قَالَ: (فَإِذَا كَمُلَ اسْتِقْرَاؤُهُ نَظَرَ إلَى أَقْرَبِهَا إلَى عَدَمِ التَّكْفِيرِ بِالنَّظَرِ السَّدِيدِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ الْفُقَهَاء لَهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ فِي مَسَائِلِ التَّكْفِيرِ) . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّرْتِيبُ الْمُسْتَفَادُ بِالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ تَرْتِيبَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الْمُقْتَرِنَةِ بِهَا تَرْتِيبًا يَقْبَلُ الِاخْتِلَافَ وَالتَّبَدُّلَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ اللُّغَاتِ وَتَبَدُّلِ النَّقْلِ الْعُرْفِيِّ فَإِذَا قُلْت: قَامَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو كَانَ قِيَامُ زَيْدٍ مُتَقَدِّمًا عَلَى قِيَامِ عَمْرٍو أَوْ ثُمَّ عَمْرٌو فَكَذَلِكَ مَعَ تَرَاخٍ أَوْ قَامَ الْقَوْمُ حَتَّى عَمْرٍو اقْتَضَى أَيْضًا تَأَخُّرَ قِيَامِ عَمْرٍو بِسَبَبِ أَنَّ حَتَّى حَرْفُ غَايَةٍ بِمَعْنَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا غَايَةٌ لِمَا قَبْلَهَا وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمُغَيَّا لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ قَبْلَ الْغَايَةِ ثُمَّ يَصِلُ إلَيْهَا مَثَلًا السَّيْرُ فِي قَوْلِك سِرْت حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ ثَابِتٌ قَبْلَ الْفَجْرِ مُتَكَرِّرٌ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَإِذَا كَانَ قِيَامُ عَمْرٍو غَايَةً وَغَايَةُ الشَّيْءِ طَرَفُهُ وَآخِرُهُ كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْأَوَّلِ ضَرُورَةً وَإِذَا قُلْت: سَيَقُومُ زَيْدٌ وَسَوْفَ يَقُومُ عَمْرٌو كَانَ قِيَامُ زَيْدٍ قَبْلَ قِيَامِ عَمْرٍو لِأَنَّ سَوْفَ أَكْثَرُ تَنْفِيسًا مِنْ السِّينِ وَإِذَا قُلْت: لَمْ أَوْ لَمَّا يَقُمْ زَيْدٌ وَلَا يَقُومُ عَمْرٌو أَوْ لَنْ يَقُومَ كَانَ عَدَمُ قِيَامِ زَيْدٍ فِي الْمَاضِي وَعَدَمُ قِيَامِ عَمْرٍو فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِسَبَبِ أَنَّ لَمْ وَلَمَّا مَوْضُوعَانِ لِنَفْيِ الْمَاضِي وَلَا وَلَنْ مَوْضُوعَانِ لِنَفْيِ الْمُسْتَقْبَلِ وَمَا وَلَيْسَ مَوْضُوعَانِ لِنَفْيِ الْحَالِ وَالْمَاضِي وَالْحَالُ وَالْمُسْتَقْبَلُ مُتَرَتِّبَةٌ فَيَكُونُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى وُقُوعِ الْعَدَمِ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا دَالًّا عَلَى التَّرْتِيبِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ فَتَأَمَّلْ (وَصْلٌ) فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ يَتَّضِحُ بِهَا هَاتَانِ الْقَاعِدَتَانِ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى لَا خِلَافَ بَيْنَ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَالْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّهُ إذَا قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ ثُمَّ أَنْتِ طَالِقٌ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي لُزُومِ الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ مَعَ النَّسَقِ بِالْوَاوِ أَيْضًا وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي لُزُومِ الْوَاحِدَةِ أَوْ التَّعَدُّدِ مَعَ الْوَاوِ كَمَا أَنَّهُ قَالَ: بِلُزُومِ الثَّلَاثِ إذَا قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ بِلَا عَطْفٍ أَصْلًا وَخَالَفَهُ الشَّافِعِيُّ قَائِلًا: لَا يَلْزَمُهُ إذًا إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الْحَقُّ بِسَبَبِ أَنَّ الزَّمَانَ يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فَتَبِينُ بِالْأُولَى وَلَا يَلْزَمُ بِمَا بَعْدَهَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا لِأَجْلِ الْبَيْنُونَةِ سَوَاءً كَانَ مَا بَعْدَهَا بِلَا عَطْفٍ أَوْ مَعْطُوفًا بِالْفَاءِ أَوْ ثُمَّ أَوْ الْوَاوِ فَلَا وَجْهَ لِلتَّوَقُّفِ فِي الْوَاوِ أَصْلًا بَلْ نَجْزِمُ بِتَقَدُّمِ مَا نَطَقَ بِهِ أَوَّلًا وَلُزُومِ الْبَيْنُونَةِ بِهِ وَإِلْغَاءِ مَا بَعْدُ مُطْلَقًا وَتَوْجِيهُ الْأَصْحَابِ قَوْلُ إمَامِنَا بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَ بِالْأُولَى ثَلَاثًا ثُمَّ فَسَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنَّ الثَّلَاثَ تُعْتَبَرُ بِاتِّفَاقٍ مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنْ لَا تَلْزَمَهُ

فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ اعْتَقَدَ حِينَئِذٍ أَنَّ تِلْكَ الرُّتْبَةَ أَدْنَى رُتْبَةِ التَّكْفِيرِ وَأَنَّ مَا دُونَهَا أَعْلَى رُتْبَةً لِلْكَبَائِرِ وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَقْرَأَ رُتَبَ الْكَبَائِرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَالْمُخْتَلَفِ فِيهَا فَإِذَا كَمُلَ اسْتِقْرَاؤُهُ نَظَرَ إلَى أَقَلِّهَا مَفْسَدَةً جَعَلَهَا أَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَاَلَّتِي دُونَهَا هِيَ أَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ وَأُكْمِلُ الْبَحْثَ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ بِذِكْرِ مَسْأَلَتَيْنِ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ لِلصَّنَمِ عَلَى وَجْهِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ لَهُ كُفْرٌ وَلَوْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْوَلَدِ مَعَ وَالِدِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَذَلُّلًا أَوْ فِي حَقِّ الْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا وَالْفَرْقُ عَسِيرٌ فَإِنْ قُلْت السُّجُودُ لِلْوَالِدِ وَالْعَالَمِ يُقْصَدُ بِهِ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا قُلْت: وَكَذَلِكَ السُّجُودُ لِلصَّنَمِ فَقَدْ كَانُوا يَقُولُونَ {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] فَقَدْ صَرَّحُوا بِقَصْدِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ السُّجُودِ فَإِنْ قُلْت اللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِتَعْظِيمِ الْآبَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِتَعْظِيمِ الْأَصْنَامِ بَلْ نَهَى عَنْهُ فَلِذَلِكَ كَانَ كُفْرًا قُلْت إنْ كَانَ السُّجُودَانِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْمَفْسَدَةِ اسْتَحَالَ فِي عَادَةِ اللَّهِ أَنْ يَأْمُرَ بِمَا هُوَ كُفْرٌ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7] أَيْ لَا يَشْرَعُهُ دِينًا وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى فَسَادِ الْكُفْرِ لَا يُؤْذَنُ فِيهِ وَلَا يُشْرَعُ فَلَا يُقَالُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْآبَاءِ وَالْعُلَمَاءِ دُونَ الْأَصْنَامِ. ـــــــــــــــــــــــــــــSقُلْتُ: إنْ أَرَادَ بِالْفُقَهَاءِ مَنْ حَصَّلَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ فَكُلُّهُمْ لَهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ فِي مَسَائِلِ التَّكْفِيرِ وَفِي غَيْرِهَا عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ أَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يَتَبَعَّضُ وَلَا تَصِحُّ لَهُ رُتْبَةٌ حَتَّى يُحَصِّلَ جَمِيعَ الْعُلُومِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الِاجْتِهَادِ عَلَى الْكَمَالِ وَإِنْ أَرَادَ مَنْ لَمْ يُحَصِّلْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ مِمَّنْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْفَقِيهِ بِضَرْبٍ مِنْ التَّوَسُّعِ أَوْ الْمَجَازِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِمْ. قَالَ: (فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ اعْتَقَدَ حِينَئِذٍ أَنَّ تِلْكَ الرُّتْبَةَ أَدْنَى رُتَبِ التَّكْفِيرِ وَأَنَّ مَا دُونَهَا أَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ إلَى قَوْلِهِ وَاَلَّتِي دُونَهَا هِيَ أَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ) قُلْتُ: جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ إحَالَةٌ عَلَى مُسْتَحِيلٍ عَادَةً وَهُوَ كَمَالُ اسْتِقْرَاءِ أَقْوَالِ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: لَا بُدَّ لِلْعُلَمَاءِ الَّذِينَ أَشَارَ إلَى اسْتِقْرَاءِ أَقْوَالِهِمْ مِنْ الْعِلْمِ بِفَارِقٍ يَفْرُقُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيْنَ أَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ وَأَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ فَمَا الْمَانِعُ لِهَذَا الْمُتَعَلِّمِ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إلَى اسْتِقْرَاءِ أَقْوَالِهِمْ وَبِالْجُمْلَةِ لَمْ يَأْتِ فِي هَذَا الْفَصْلِ الْإِبَاحَةُ عَلَى جَهَالَةٍ. قَالَ: (وَأُكْمِلُ الْبَحْثَ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ بِذِكْرِ مَسْأَلَتَيْنِ: الْأُولَى اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ لِلصَّنَمِ عَلَى وَجْهِ التَّذَلُّلِ لَهُ وَالتَّعْظِيمِ كُفْرٌ وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْوَلَدِ مَعَ وَالِدِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَذَلُّلًا أَوْ فِي حَقِّ الْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا وَالْفَرْقُ عَسِيرٌ) قُلْتُ: أَغْفَلَ الْوَصْفَ الْمُفَرِّقَ فَعَسُرَ عَلَيْهِ الْفَرْقُ وَالْوَصْفُ الْمُفَرِّقُ أَنَّ سُجُودَ مَنْ سَجَدَ لِلْأَصْنَامِ لَمْ يَسْجُدْ لَهَا لِمُجَرَّدِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ بَلْ لِذَلِكَ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهَا آلِهَةٌ وَأَنَّهَا شُرَكَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَوْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ مَعَ الْوَالِدِ أَوْ الْعَالِمِ أَوْ الْوَلِيِّ لَكَانَ ذَلِكَ كُفْرًا لَا شَكَّ فِيهِ وَأَمَّا إذَا وَقَعَ ذَلِكَ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مَعَ الْوَالِدِ لِمُجَرَّدِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ لَا لِاعْتِقَادِ أَنَّهُ إلَهٌ وَشَرِيكٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَكُونُ كُفْرًا وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ. قَالَ: (فَإِنْ قُلْتُ: السُّجُودُ لِلْوَالِدِ وَالْعَالِمِ إلَى قَوْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّلَاثُ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَلْزَمُهُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثًا شَيْءٌ مَدْفُوعٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ فَقَوْلُهُمْ نَوَى ثُمَّ فَسَّرَ لَا يَسْتَقِيمُ بَلْ إنْ نَوَى انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ عَلَى لُزُومِ مَا نَوَاهُ مِنْ تَأْسِيسٍ أَوْ تَأْكِيدٍ أَمَّا الثَّانِي فَقِيَاسٌ بَاطِلٌ بِسَبَبِ فَرْقٍ عَظِيمٍ مَأْخُوذٍ مِنْ قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ لُغَوِيَّةٍ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ كَالشَّرْطِ وَالْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَةِ وَظَرْفِ الزَّمَانِ وَظَرْفِ الْمَكَانِ وَالْمَجْرُورِ وَالْمَفْعُولِ مَعَهُ وَالْمَفْعُولِ مِنْ أَجْلِهِ وَالْحَالِ وَالْبَدَلِ وَالتَّمْيِيزِ إذَا لَحِقَ لَفْظًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ صَارَ الْمُسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ فَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا يَلْزَمُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ لِلدَّارِ طَلَاقٌ إجْمَاعًا بِسَبَبِ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا. وَإِنْ كَانَ كَلَامًا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ لَمَّا لَحِقَ بِهِ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَإِذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْتُهُ حَتَّى يُعْطِيَنِي حَقِّي وَهُوَ لَفْظٌ لَوْ نَطَقَ بِهِ وَحْدَهُ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ فَلَمَّا لَحِقَ مَا هُوَ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَصَارَ الْمَجْمُوعُ يَقْتَضِي نَفْيَ الْكَلَامِ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ فَقَطْ وَمَا عَدَاهَا لَا يَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ أَلْبَتَّةَ بِاللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَإِذَا قَالَ: لَهُ عِنْدِي عَشَرَةٌ إلَّا اثْنَيْنِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا ثَمَانِيَةٌ مَعَ أَنَّ الْأَقَارِيرَ عِنْدَ الْحُكَّامِ فِي غَايَةِ الضِّيقِ وَالْحَرَجِ وَلَا تُقْبَلُ فِيهَا النِّيَّاتُ وَلَا الْمَجَازَاتُ وَمَا سَبَبُ عَدَمِ لُزُومِ غَيْرِ الثَّمَانِيَةِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ عِنْدِي عَشَرَةٌ وَإِنْ كَانَ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ لَمَّا لَحِقَهُ مَا لَوْ نَطَقَ بِهِ وَحْدَهُ لَمْ يَسْتَقِلَّ وَهُوَ قَوْلُهُ إلَّا اثْنَيْنِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَصَارَ الْمَجْمُوعُ إقْرَارًا بِالثَّمَانِيَةِ فَقَطْ وَلِغَايَةِ اعْتِبَارِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ وَإِذَا قَالَ: لَا لَبِسْت ثَوْبًا كَتَّانًا لَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ الْكَتَّانِ إجْمَاعًا مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا لَبِسْت ثَوْبًا عَامٌّ فِي ثِيَابِ الْكَتَّانِ وَغَيْرِهَا فَإِذَا نَطَقَ بِقَوْلِهِ كَتَّانًا بَعْدَ قَوْلِهِ ذَلِكَ اخْتَصَّ الْحِنْثُ بِثِيَابِ الْكَتَّانِ وَحْدَهَا بِسَبَبِ أَنَّ قَوْلَهُ لَا لَبِسْت ثَوْبًا وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَحِقَهُ كَتَّانًا وَهُوَ لَفْظٌ مُفْرَدٌ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَصَارَ الْمَجْمُوعُ لَا يُفِيدُ إلَّا ثِيَابَ الْكَتَّانِ وَغَيْرَ ثِيَابِ الْكَتَّانِ لَمْ يَنْطِقْ بِهَا بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ فَلَا يَحْنَثُ بِهَا. وَإِذَا قَالَ: اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ طُلُوعَ الْفَجْرِ امْتَنَعَ قَتْلُهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْوَقْتِ وَإِنْ كَانُوا قَبْلَ التَّقْيِيدِ بِهِ يُقْتَلُونَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَ الْأَوَّلَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَإِذَا قَالَ: اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ أَمَامَ زَيْدٍ اخْتَصَّ قَتْلُهُمْ بِتِلْكَ الْجِهَةِ فَلَا

وَحَقِيقَةُ الْكُفْرِ فِي نَفْسِهِ مَعْلُومَةٌ قَبْلَ الشَّرِيعَةِ وَلَيْسَتْ مُسْتَفَادَةً مِنْ الشَّرْعِ وَلَا تَبْطُلُ حَقِيقَتُهَا بِالشَّرِيعَةِ وَلَا تَصِيرُ غَيْرَ كُفْرٍ فَحِينَئِذٍ الْفَرْقُ مُشْكِلٌ وَقَدْ كَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَسْتَشْكِلُ هَذَا الْمَقَامَ وَيُعَظِّمُ الْإِشْكَالَ فِيهِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) نِسْبَةُ الْأَفْعَالِ إلَى الْكَوَاكِبِ فِيهَا أَقْسَامٌ: أَحَدُهَا أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا مُدَبِّرَةُ الْعَالَمِ وَمُوجِدَةٌ لِمَا فِيهِ وَلَا شَيْءَ وَرَاءَهَا وَلَا خَفَاءَ أَنَّ هَذَا كُفْرٌ وَثَانِيهَا أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا فَاعِلَةُ الْآثَارِ فِي هَذَا الْعَالَمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمُؤَثِّرُ الْأَعْظَمُ مَعَهَا فَتَكُونُ نِسْبَتُهَا إلَى أَفْعَالِهَا كَنِسْبَةِ الْحَيَوَانِ إلَى أَفْعَالِهِ عَلَى رَأْيِ الْمُعْتَزِلَةِ وَقَدْ قَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: إنَّ كُلَّ حَيَوَانٍ يُوجِدُ أَفْعَالَهُ بِقُدْرَتِهِ مُسْتَقِلًّا دُونَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَتَعَلَّقُ بِمَقْدُورِهِ فَالْقَائِلُ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ كَذَلِكَ فَهَلْ لَا نُكَفِّرُهُ كَمَا أَنَّا لَا نُكَفِّرُ الْمُعْتَزِلَةَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَأَنَّ أَهْلَ الْقِبْلَةِ لَا يُكَفَّرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَهَذَا الْقَوْلُ كَانَ يَخْتَارُهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَنْ يَقُولُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْكَوَاكِبِ وَالْحَيَوَانَاتِ فَلَا يُكَفَّرُ مُعْتَقِدُ أَنَّ الْإِنْسَانَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْحَيَوَانِ يَخْلُقُ أَفْعَالَهُ لِأَنَّ التَّذَلُّلَ وَالْعُبُودِيَّةَ ظَاهِرَةٌ عَلَيْهِ فَلَا يَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ كَبِيرُ اهْتِضَامٍ لِجَانِبِ الرُّبُوبِيَّةِ وَيُكَفَّرُ مُعْتَقِدُ أَنَّ الْكَوَاكِبَ فَعَّالَةٌ فِعْلًا حَقِيقِيًّا لِأَنَّهَا فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَأَحْوَالَهَا غَائِبَةٌ عَنْ الْبَشَرِ فَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى اعْتِقَادِ اسْتِقْلَالِهَا وَفَتْحِ أَبْوَابِ الْكُفْرِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَالضَّلَالِ وَهَذَا كَانَ يَقُولُهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمُعَاصِرِينَ لِلشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَثَالِثُهَا أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا فَاعِلَةٌ فِعْلًا عَادِيًّا لَا حَقِيقِيًّا وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ أَنْ يَخْلُقَ عِنْدَهَا إذَا تَشَكَّلَتْ بِشَكْلٍ مَخْصُوصٍ فِي أَفْلَاكِهَا وَتَكُونَ فِي أَحْوَالِهَا وَرَبَطَ الْأَسْبَابَ بِهَا كَحَالِ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ فِي الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــSفَحِينَئِذٍ الْفَرْقُ مُشْكِلٌ وَقَدْ كَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَسْتَشْكِلُ هَذَا الْمَقَامَ وَيُعَظِّمُ الْإِشْكَالَ فِيهِ) قُلْتُ: إغْفَالُهُ مَا نَبَّهْت عَلَيْهِ أَوْقَعَهُ فِي هَذَا الْخَبَالِ وَعَظُمَ عِنْدَهُ وَعِنْدَ شَيْخِهِ أَمْرُ الْإِشْكَالِ وَقَدْ تَبَيَّنَ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ عَلَى الْكَمَالِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَاقِي مِنْ الضَّلَالِ. قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) نِسْبَةُ الْأَفْعَالِ إلَى الْكَوَاكِبِ فِيهِ أَقْسَامٌ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ قُلْتُ: مَا قَالَ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ. قَالَ: (وَثَانِيهَا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ فَاعِلَةُ الْآثَارِ فِي هَذَا الْعَالَمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ الْأَعْظَمُ مَعَهَا إلَى قَوْلِهِ وَهَذَا كَانَ يَقُولُهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمُعَاصِرِينَ لِلشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) قُلْتُ الصَّحِيحُ أَنَّ مَنْ قَالَ لِلْكَوَاكِبِ فِعْلٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ خَطَأٌ وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ لِلْإِنْسَانِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ فِعْلًا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَمَنْ اعْتَقَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَعْرِفْ قَطُّ فَرْقًا مَا بَيْنَ الرَّبِّ وَالْمَرْبُوبِ وَالْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا خَالِقَ سِوَاهُ لَكِنَّهُ مَنْ نَسَبَ الْفِعْلَ الْحَقِيقِيَّ إلَى الْكَوَاكِبِ فَذَلِكَ كُفْرٌ وَمَنْ نَسَبَهُ إلَى الْإِنْسَانِ فَفِيهِ الْخِلَافُ هَلْ هُوَ كُفْرٌ أَوْ ضَلَالَةٌ. قَالَ: (وَثَالِثُهَا أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا فَاعِلَةٌ فِعْلًا عَادِيًّا لَا حَقِيقِيًّا وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ أَنْ يَخْلُقَ عِنْدَهَا إذَا تَشَكَّلَتْ بِشَكْلٍ مَخْصُوصٍ فِي أَفْلَاكِهَا إلَى قَوْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُقْتَلُ مَنْ وُجِدَ فِي غَيْرِهَا أَلْبَتَّةَ نَظَرًا لِكَوْنِ مَا لَمْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسٍ وَهُوَ ظَرْفُ الْمَكَانِ صَيَّرَ الْأَوَّلَ الْمُسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَإِذَا قَالَ: اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ اخْتَصَّ قَتْلُهُمْ بِرَمَضَانَ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَجْرُورَ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ صَيَّرَ الْأَوَّلَ الْمُسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَخَصَّصَهُ وَإِذَا قَالَ: لِيُقْتَلْ الْمُشْرِكُونَ وَزَيْدًا أَيْ مَعَ زَيْدٍ فَلَا يُقْتَلُونَ إلَّا إذَا وُجِدُوا مَعَهُ وَاللَّفْظُ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ يَقْتَضِي قَتْلَهُمْ مُطْلَقًا لَكِنَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ صَيَّرَ الْأَوَّلَ الْمُسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَإِذَا قَالَ: اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إذْهَابًا لِغَيْظِكُمْ فَلَا يُقْتَلُونَ بِغَيْرِ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يُقْتَلُونَ مُطْلَقًا لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَ الْأَوَّلَ الْمُسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَإِذَا قَالَ: اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ عُرَاةً اخْتَصَّ قَتْلُهُمْ بِحَالَةِ الْعُرْيِ وَلَوْ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ لَقُتِلُوا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ صَيَّرَ الْأَوَّلَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَإِذَا قَالَ: اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ عَبَدَةَ النَّارِ اخْتَصَّ الْقَتْلُ بِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ بِسَبَبِ أَنَّ الْمُسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ لَمَّا لَحِقَهُ الْبَدَلُ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ. وَإِذَا قَالَ: لَهُ عِنْدِي عِشْرُونَ رُمَّانَةً لَمْ يَلْزَمْهُ هَذَا الْعَدَدُ مِنْ غَيْرِ الرُّمَّانِ بَلْ مِنْ الرُّمَّانِ خَاصَّةً بِسَبَبِ أَنَّ الْمُسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ لَمَّا لَحِقَهُ التَّمْيِيزُ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ فِيمَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ الْمَفْعُولَ الْمُطْلَقَ الْمُبَيِّنَ لِلنَّوْعِ أَوْ لِلْعَدَدِ فَإِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كَانَ ثَلَاثًا مَفْعُولًا مُطْلَقًا مُبَيِّنًا لِعَدَدِ طَالِقٍ وَهُوَ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَصَيَّرَ الْأَوَّلَ وَهُوَ أَنْتِ طَالِقٌ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ فَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ شَيْءٌ وَلَا تَبِينُ بِهِ قَبْلَ النُّطْقِ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّ الثَّانِيَ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكِرُّ عَلَى الْأَوَّلِ بِالِاتِّفَاقِ وَالْإِبْطَالِ فَتَبِينُ بِالْأَوَّلِ قَبْلَ النُّطْقِ بِالثَّانِي فَلَا يَلْزَمُ بِالثَّانِي شَيْءٌ وَهَذَا فَرْقٌ عَظِيمٌ وَمَعَ هَذَا الْفَرْقِ لَا يَثْبُتُ الْقِيَاسُ فَظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيَنْبَغِي لَوْ قَضَى بِهَا قَاضٍ لَنُقِضَ قَضَاؤُهُ وَيَمْتَنِعُ التَّقْلِيدُ فِيهَا لِوُضُوحِ بُطْلَانِهَا. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَا دَلِيلَ لِمَنْ يَقُولُ: الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ فِيمَا يُرْوَى أَنَّ «خَطِيبًا قَالَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِئْسَ خَطِيبُ الْقَوْمِ أَنْتَ»

[الفرق بين قاعدتي فرض الكفاية وفرض العين]

بِاعْتِبَارِ الرَّبْطِ الْعَادِي لَا الْفِعْلِ الْحَقِيقِيِّ وَهَذَا الْقِسْمُ لَمْ أَرَ أَحَدًا كَفَرَ بِهِ بَلْ أَثِمَ وَأَخْطَأَ فَقَطْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ لَوْ كَانَ وُقُوعُ ذَلِكَ مَعَهَا أَكْثَرِيًّا غَالِبًا كَالْأَدْوِيَةِ أَمْكَنَ اعْتِقَادُ ذَلِكَ وَجَوَازُهُ شَرْعًا لَكِنْ وَجَدْنَا الْعَادَةَ غَيْرَ مُنْضَبِطَةٍ فِي ذَلِكَ وَلَا هِيَ أَكْثَرِيَّةٌ فَكَانَ اعْتِقَادُ ذَلِكَ خَطَأً كَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ عَقَارًا مُعَيَّنًا يُبْرِئُهُ مِنْ الْحُمَّى وَلَمْ تَدُلَّ التَّجْرِبَةُ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ يَكُونُ خَطَأً. (الْفَرْقُ الْخَامِسَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ وَقَاعِدَةِ مُطْلَقِ الْأَمْرِ وَكَذَلِكَ الْحَرَجِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْحَرَجِ وَالْعِلْمِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْعِلْمِ وَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْبَيْعِ وَجَمِيعِ هَذِهِ النَّظَائِرِ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ فَالْقَاعِدَتَانِ مُفْتَرِقَتَانِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ النَّظَائِرِ) وَتَقْرِيرُهُ أَنْ نَقُولَ: إذَا قُلْنَا: الْبَيْعُ الْمُطْلَقُ فَقَدْ أَدْخَلْنَا الْأَلْفَ وَاللَّامَ عَلَى الْبَيْعِ فَحَصَلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْعُمُومُ الشَّامِلُ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْبَيْعِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ بَيْعٌ إلَّا دَخَلَ فِيهِ ثُمَّ وَصَفْنَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْإِطْلَاقِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يُقَيَّدْ بِقَيْدٍ يُوجِبُ تَخْصِيصَهُ مِنْ شَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اللَّوَاحِقِ لِلْعُمُومِ مِمَّا يُوجِبُ تَخْصِيصَهُ فَيَبْقَى عَلَى عُمُومِهِ فَيَتَحَصَّلُ أَنَّ الْبَيْعَ الْمُطْلَقَ لَمْ يَدْخُلْهُ تَخْصِيصٌ مَعَ عُمُومٍ فِي نَفْسِهِ أَمَّا إذَا قُلْنَا: مُطْلَقُ الْبَيْعِ فَقَدْ أَشَرْنَا بِقَوْلِنَا مُطْلَقُ إلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَنْوَاعِ جَمِيعِ الْبِيَاعَاتِ وَهُوَ مُسَمَّى الْبَيْعِ الَّذِي يَصْدُقُ بِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ ثُمَّ أُضِيفَ هَذَا الْمُطْلَقُ الْمُشَارُ إلَيْهِ إلَى الْبَيْعِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ مُطْلَقِ الْحَيَوَانِ وَمُطْلَقِ الْأَمْرِ وَمُطْلَقِ غَيْرِهِ وَمُطْلَقَاتِ جَمِيعِ الْحَقَائِقِ فَأَضَفْنَاهُ لِلتَّمْيِيزِ فَقَطْ وَهُوَ الْمُشْتَرَكُ خَاصَّةً الَّذِي يَصْدُقُ بِفَرْدٍ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْبَيْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــSفَإِنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ يَكُونُ خَطَأً) قُلْتُ: هَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا وَلَا صَوَابًا فَلَيْسَ بِخَطَأٍ فَقَطْ بَلْ خَطَأٌ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الِارْتِبَاطِ وَمَمْنُوعٌ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (الْفَرْقُ الْخَامِسَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْأَمْرِ إلَى قَوْلِهِ فَيَتَحَصَّلُ أَنَّ الْبَيْعَ الْمُطْلَقَ لَمْ يَدْخُلْهُ تَخْصِيصٌ مَعَ عُمُومِهِ فِي نَفْسِهِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ: فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ الدَّاخِلَتَيْنِ عَلَى أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ تَقْتَضِي الْعُمُومَ الِاسْتِغْرَاقِيَّ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُفَصِّلَ فَيَقُولَ: إذَا قَالَ الْقَائِلُ: الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ الْعَهْدَ فِي الْجِنْسِ أَوْ يُرِيدَ بِهِمَا الْعُمُومَ وَالشُّمُولَ فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ فَقَوْلُهُ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ سَوَاءٌ وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِي عَلَى رَأْيِ مَنْ أَثْبَتَهُ فَلَيْسَا سَوَاءً بَلْ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لِلْعُمُومِ وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ كَمَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْأَلْفُ وَاللَّامُ فِي الْأَمْرِ الْمَوْصُوفِ بِالْمُطْلَقِ لِلْعُمُومِ كَذَلِكَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَا فِي الْأَمْرِ الْمُضَافِ إلَى الْمُطْلَقِ فَيَئُولُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّهُ يَسُوغُ فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ أَنْ يَكُونَ لِلْعُمُومِ وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلْعُمُومِ وَيَسُوغُ فِي مُطْلَقِ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْعُمُومِ وَأَنْ لَا يَكُونَ وَيَقَعُ الْفَرْقُ بِالْقَرَائِنِ الْمَقَالِيَّةِ أَوْ الْحَالِيَّةِ. قَالَ: (أَمَّا إذَا قُلْنَا: مُطْلَقُ الْبَيْعِ إلَى قَوْلِهِ الَّذِي يَصْدُقُ بِفَرْدٍ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْبَيْعِ) قُلْتُ: ذَكَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِأَنْ يُرَتِّبَ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ وَأَنْ يَنْطِقَ بِلَفْظِ اللَّهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَذْكُرَ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثَانِيًا فَيَحْصُلَ التَّرْتِيبُ بِالتَّقْدِيمِ الدَّالِّ عَلَى الِاهْتِمَامِ وَالتَّعْظِيمِ وَقَدْ فَاتَ بِسَبَبِ جَمْعِهِمَا فِي الضَّمِيرِ فَلِذَلِكَ ذَمَّهُ لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَنْطِقْ بِالْوَاوِ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ يَعْصِهِمَا كَمَا نَطَقَ بِهَا فِي قَوْلِهِ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَتَّى يَصِحَّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلتَّرْتِيبِ فَافْهَمْ. (فَائِدَةٌ) قَالَ الْمُقْرِي: سَمِعْت الْأَيْلِيَّ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَشِيدٍ يَقُولُ إنَّ خَطِيبًا بِتِلْمِسَانَ يَقُولُ فِي خُطَبِهِ: مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشِدَ بِالْكَسْرِ وَكَانَ الطَّلَبَةُ يُنْكِرُونَ عَلَيْهِ فَلَا يَرْجِعُ فَلَمَّا قَفَلْت مِنْ رِحْلَتِي تِلْكَ دَخَلْت عَلَى الْأُسْتَاذِ ابْنِ أَبِي الرَّبِيعِ بِسِبْتَةَ فَهَنَّأَنِي بِالْقُدُومِ وَقَالَ لِي فِيمَا قَالَ: رَشَدْت يَا ابْنَ رَشِيدٍ وَرَشِدْت لُغَتَانِ صَحِيحَتَانِ حَكَاهُمَا يَعْقُوبُ فِي الِاصْطِلَاحِ قَالَ: الْمُقْرِي وَهَذِهِ كَرَامَةٌ لِلرَّجُلَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ اهـ نَقَلَهُ التَّنْبَكْتِيُّ فِي تَكْمِلَةِ الدِّيبَاجِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) لَا حُجَّةَ لِمَنْ يَقُولُ الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ فِي قَوْلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] لِأَنَّ الْبَدَاءَةَ صَرَّحَتْ بِأَنَّ التَّقْدِيمَ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَلِمَ قَالَ هَذَا الْمُسْتَدِلُّ بِأَنَّ الْبَدَاءَةَ مُضَافَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْوَاوِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَفَرْضِ الْعَيْنِ] (الْفَرْقُ الثَّالِثَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَفَرْضِ الْعَيْنِ وَضَابِطُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَتَحْقِيقُهُ بِحَيْثُ لَا يَلْتَبِسُ بِغَيْرِهِ) وَذَلِكَ أَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ مُهِمٌّ مُتَحَتِّمٌ مَقْصُودٌ حُصُولُهُ مَنْظُورٌ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ حَيْثُ قَصَدَ حُصُولَهُ مِنْ عَيْنٍ مَخْصُوصَةٍ كَالْمَفْرُوضِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ أُمَّتِهِ أَوْ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ عَيْنٍ أَيْ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ مُهِمٌّ مُتَحَتِّمٌ مَقْصُودٌ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ أَيْ يُقْصَدُ حُصُولُهُ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يُنْظَرُ إلَى فَاعِلِهِ إلَّا بِالتَّبَعِ لِلْفِعْلِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ فَاعِلٍ سَوَاءً كَانَ دِينِيًّا كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ دُنْيَوِيًّا كَالصَّنَائِعِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا قَالَ الْأَمِيرُ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ: وَالْحَقُّ أَنَّ الْعَيْنِيَّ أَفْضَلُ لِمَزِيدِ الِاعْتِنَاءِ فِيهِ. اهـ. وَضَابِطُهَا أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ فَهُوَ فَرْضُ عَيْنٍ شَرَعَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَى الْأَعْيَانِ تَكْثِيرًا لِلْمَصْلَحَةِ بِتَكَرُّرِ ذَلِكَ الْفِعْلِ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ فَإِنَّ مَصْلَحَتَهَا الْخُضُوعُ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمُهُ وَمُنَاجَاتُهُ وَالتَّذَلُّلُ لَهُ وَالْمُثُولُ بَيْنَ

فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْبَيْعِ وَبِهِ يَصْدُقُ قَوْلُنَا إنَّ مُطْلَقَ الْبَيْعِ حَلَالٌ إجْمَاعًا وَالْبَيْعُ الْمُطْلَقُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ الْحِلُّ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ بَعْضُ الْبِيَاعَاتِ حَرَامٌ إجْمَاعًا وَيَصْدُقُ أَنَّ زَيْدًا حَصَلَ لَهُ مُطْلَقُ الْمَالِ وَلَوْ بِفَلْسٍ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْمَالُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ جَمِيعُ مَا يُتَمَوَّلُ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا وَكَذَلِكَ مُطْلَقُ النَّعِيمِ وَالنَّعِيمُ الْمُطْلَقُ فَالْأَوَّلُ حَاصِلٌ دُونَ الثَّانِي وَيُعْلَمُ بِذَلِكَ الْفَرْقُ فِي بَقِيَّةِ النَّظَائِرِ. (الْفَرْقُ السَّادِسَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ وُقُوعِ الْأَحْكَامِ) فَأَدِلَّةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ مَحْصُورَةٌ شَرْعًا تَتَوَقَّفُ عَلَى الشَّارِعِ وَهِيَ نَحْوُ الْعِشْرِينَ وَأَدِلَّةُ وُقُوعِ الْأَحْكَامِ هِيَ الْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى وُقُوعِ الْأَحْكَامِ أَيْ وُقُوعِ أَسْبَابِهَا وَحُصُولِ شُرُوطِهَا وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهَا فَأَدِلَّةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ وَإِجْمَاعُ الْمَدِينَةِ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَلَى رَأْيٍ وَالِاسْتِحْسَانُ وَالِاسْتِصْحَابُ وَالْعِصْمَةُ وَالْأَخْذُ بِالْأَخَفِّ وَفِعْلُ الصَّحَابِيِّ وَفِعْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَفِعْلُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَإِجْمَاعُهُمْ وَالْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ وَإِجْمَاعٌ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ فِيهِ وَقِيَاسٌ لَا فَارِقَ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا قُرِّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَهِيَ نَحْوُ الْعِشْرِينَ يَتَوَقَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى مُدْرَكٍ شَرْعِيٍّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الدَّلِيلَ نَصَبَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ لِاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ وَأَمَّا أَدِلَّةُ وُقُوعِهَا فَهِيَ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فَالزَّوَالُ مَثَلًا دَلِيلُ مَشْرُوعِيَّتِهِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الظُّهْرِ عِنْدَهُ قَوْله تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] وَدَلِيلُ وُقُوعِ الزَّوَالِ وَحُصُولِهِ فِي الْعَالَمِ الْآلَاتُ الدَّالَّةُ عَلَيْهِ وَغَيْرُ الْآلَاتِ كَالْأَسْطُرْلَابِ وَالْمِيزَانِ وَرُبُعِ الدَّائِرَةِ وَالشَّكَّارِيَّةِ والزرقالية وَالْبُنْكَامِ وَالرُّخَامَةِ الْبَسِيطَةِ وَالْعِيدَانِ الْمَرْكُوزَةِ فِي الْأَرْضِ وَجَمِيعِ آلَاتِ الظِّلَالِ وَجَمِيعِ آلَاتِ الْمِيَاهِ وَآلَاتِ الطِّلَابِ كَالطِّنْجَهَارَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ آلَاتِ الْمَاءِ وَآلَاتِ الزَّمَانِ وَعِدَدِ تَنَفُّسِ الْحَيَوَانِ إذَا قُدِّرَ بِقَدْرِ السَّاعَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوْضُوعَاتِ وَالْمُخْتَرَعَاتِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نَصْبٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بَلْ الْمُتَوَقَّفُ سَبَبِيَّةُ السَّبَبِ وَشَرْطِيَّةُ الشَّرْطِ ـــــــــــــــــــــــــــــSأَحَدَ الْمَقْصِدَيْنِ هُنَا وَذَكَرَ فِي الْأَوَّلِ نَقِيضَهُ لَا نَظِيرَهُ فَاقْتَضَى ذَلِكَ فَرْقًا بَيْنَهُمَا وَلَوْ ذَكَرَ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي النَّظِيرَيْنِ لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ فَرْقًا. قَالَ: (فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْبَيْعِ وَبِهِ يَصْدُقُ قَوْلُنَا أَنَّ مُطْلَقَ الْبَيْعِ حَلَالٌ إجْمَاعًا وَالْبَيْعُ الْمُطْلَقُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ الْحِلُّ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ بَعْضُ الْبِيَاعَاتِ حَرَامٌ إجْمَاعًا إلَى قَوْلِهِ وَيُعْلَمُ بِذَلِكَ الْفَرْقُ فِي بَقِيَّةِ النَّظَائِرِ) قُلْتُ لَمَّا ذَكَرَ النَّقِيضَ مَعَ نَقِيضِهِ اسْتَمَرَّ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ ذَكَرَ النَّظِيرَ مَعَ نَظِيرِهِ لَكَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا وَلَمْ يَسْتَمِرَّ لَهُ التَّغَايُرُ فِي الْأَحْكَامِ. قَالَ: (الْفَرْقُ السَّادِسَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ وُقُوعِ الْأَحْكَامِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِيهِ وَفِي الْفَرْقِ السَّابِعَ عَشَرَ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَدَيْهِ وَالتَّفَهُّمُ لِخِطَابِهِ وَالتَّأَدُّبُ بِآدَابِهِ وَهَذِهِ الْمَصَالِحُ تَتَكَرَّرُ كُلَّمَا كُرِّرَتْ الصَّلَاةُ وَكُلُّ فِعْلٍ لَا تُكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ جَعَلَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَى الْكِفَايَةِ نَفْيًا لِلْعَبَثِ فِي الْأَفْعَالِ كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ إذَا شَالَهُ إنْسَانٌ فَإِنَّ النَّازِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ لَمَّا لَمْ يُحَصِّلْ شَيْئًا مِنْ الْمَصْلَحَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْإِنْقَاذِ مِنْ حِفْظِ حَيَاةِ الْغَرِيقِ لِأَنَّهَا قَدْ حَصَلَتْ لَمْ يُخَاطَبْ بِالْوُجُوبِ إذْ لَوْ خُوطِبَ حِينَئِذٍ لَكَانَ بِلَا مَصْلَحَةٍ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ لِأَجْلِهَا فَيَكُونُ عَبَثًا وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي كِسْوَةِ الْعُرْيَانِ وَإِطْعَامِ الْجَوْعَانِ وَنَحْوِهِمَا. قُلْت: وَلِهَذَا الضَّابِطِ يَتِمُّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا حَتَّى عَلَى قَوْلِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَالِدِ صَاحِبِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَالْجُمْهُورِ. وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْأُمِّ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ عَلَى الْكُلِّ لِإِثْمِهِمْ بِتَرْكِهِ وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ لِقَوْلِ السَّعْدِ فِي حَاشِيَةِ الْعَضُدِ إنَّ سُقُوطَ الْأَمْرِ قَبْلَ الْأَدَاءِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّسْخِ فَيَفْتَقِرُ إلَى خِطَابٍ جَدِيدٍ وَلَا خِطَابَ فَلَا نَسْخَ فَلَا سُقُوطَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْكُلِّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْإِيجَابَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَيَكُونُ التَّأْثِيمُ لِلْجَمِيعِ بِالذَّاتِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ بِالْعَرَضِ لِأَنَّ سُقُوطَ الْأَمْرِ كَمَا يَكُونُ بِالنَّسْخِ قَدْ يَكُونُ بِغَيْرِهِ كَانْتِفَاءِ عِلَّةِ الْوُجُوبِ كَاحْتِرَامِ الْمَيِّتِ مَثَلًا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ فَلِهَذَا يُنْسَبُ السُّقُوطُ إلَى فِعْلِ الْبَعْضِ وَأَيْضًا يَجُوزُ أَنْ يَنْصِبَ الشَّارِعُ أَمَارَةً عَلَى سُقُوطِ الْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِ نَسْخٍ أَفَادَهُ الشِّرْبِينِيُّ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَفَرَّقَ سَمِّ بَيْنَهُمَا أَيْضًا بِسُقُوطِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَنْ الْجَمِيعِ بِفِعْلِ الْبَعْضِ بِخِلَافِ فَرْضِ الْعَيْنِ وَالْكَمَالِ بِأَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ يُقْصَدُ فِيهِ عَيْنُ الْفَاعِلِ ابْتِلَاءً لَهُ بِتَحْصِيلِ الْفِعْلِ الْمَطْلُوبِ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ يُقْصَدُ فِيهِ حُصُولُ الْمَطْلُوبِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْفَاعِلِ إلَّا بِالتَّبَعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْفِعْلَ لَا يُوجَدُ بِدُونِ فَاعِلٍ كَمَا فِي الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَافْهَمْ. (وَصْلٌ) فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ لِتَحْقِيقِ الْقَاعِدَتَيْنِ: الْأُولَى الْأَعْيَانُ وَالْكِفَايَةُ كَمَا يُتَصَوَّرَانِ فِي الْوَاجِبَاتِ كَذَلِكَ يُتَصَوَّرَانِ فِي الْمَنْدُوبَاتِ فَاَلَّتِي عَلَى الْأَعْيَانِ كَالْوَتْرِ وَالْفَجْرِ وَصِيَامِ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ وَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالطَّوَافِ فِي غَيْرِ النُّسُكِ وَالصَّدَقَاتِ وَاَلَّتِي عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَالتَّشْمِيتِ وَمَا يُفْعَلُ بِالْأَمْوَاتِ

وَمَانِعِيَّةُ الْمَانِعِ أَمَّا وُقُوعُ هَذِهِ الْأُمُورِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَصْبٍ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَلَا تَنْحَصِرُ تِلْكَ الْأَدِلَّةُ فِي عَدَدٍ وَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَيْهَا بِالتَّنَاهِي. (الْفَرْقُ السَّابِعَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدِلَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْحِجَاجِ) أَمَّا الْأَدِلَّةُ فَقَدْ تَقَدَّمَتْ وَتَقَدَّمَ انْقِسَامُهَا إلَى أَدِلَّةِ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَأَدِلَّةِ الْوُقُوعِ وَأَمَّا الْحِجَاجُ فَهِيَ مَا يَقْضِي بِهِ الْحُكَّامُ وَلِذَلِكَ قَالَ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ» فَالْحِجَاجُ تَتَوَقَّفُ عَلَى نَصْبٍ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ وَالْإِقْرَارُ وَالشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ وَالشَّاهِدُ وَالنُّكُولُ وَالْيَمِينُ وَالنُّكُولُ وَالْمَرْأَتَانِ وَالْيَمِينُ وَالْمَرْأَتَانِ وَالنُّكُولُ وَالْمَرْأَتَانِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَشَهَادَةُ الصِّبْيَانِ وَمُجَرَّدُ التَّحَالُفِ عِنْدَ مَالِكٍ فَيَقْتَسِمَانِ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا عِنْدَ تَسَاوِيهِمَا عِنْدَ مَالِكٍ فَذَلِكَ نَحْوُ عَشَرَةٍ مِنْ الْحِجَاجِ هِيَ الَّتِي يَقْضِي بِهَا الْحَاكِمُ فَالْحِجَاجُ أَقَلُّ مِنْ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ وَأَدِلَّةُ الْمَشْرُوعِيَّةِ أَقَلُّ مِنْ أَدِلَّةِ الْوُقُوعِ كَمَا تَقَدَّمَ فَائِدَةٌ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَنْوَاعُ مُوَزَّعَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى ثَلَاثِ طَوَائِفَ فَالْأَدِلَّةُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا الْمُجْتَهِدُونَ وَالْحِجَاجُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا الْحُكَّامُ وَالْأَسْبَابُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا الْمُكَلَّفُونَ كَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَنَحْوِهِمَا. (الْفَرْقُ الثَّامِنَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْوَى قُرْبَةً وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْوَى قُرْبَةً) أَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْوَى قُرْبَةً فَقِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا النَّظَرُ الْأَوَّلُ الْمُفْضِي إلَى الْعِلْمِ بِثُبُوتِ صَانِعِ الْعَالَمِ فَإِنَّ هَذَا النَّظَرَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْوَى التَّقَرُّبُ بِهِ فَإِنَّ قَصْدَ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْفِعْلِ فَرْعُ اعْتِقَادِ وُجُودِهِ وَهُوَ قَبْلَ النَّظَرِ الْمُوَصِّلِ لِذَلِكَ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْقَصْدُ لِلتَّقَرُّبِ وَهُوَ كَمَنْ لَيْسَ لَهُ شُعُورٌ بِحُصُولِ ضَيْفٍ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْقَصْدُ إلَى إكْرَامِهِ فَالنَّظَرُ الْأَوَّلُ يَسْتَحِيلُ فِيهِ قَصْدُ التَّقَرُّبِ وَثَانِيهِمَا فِعْلُ الْغَيْرِ تَمْتَنِعُ النِّيَّةُ فِيهِ فَإِنَّ النِّيَّةَ مُخَصِّصَةٌ لِلْفِعْلِ بِبَعْضِ جِهَاتِهِ مِنْ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ رُتَبِ الْعِبَادَاتِ وَذَلِكَ يَتَعَذَّرُ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي فِعْلِ غَيْرِهِ بَلْ إنَّمَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ مِنْهُ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْفَرْقُ الثَّامِنَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْوَى قُرْبَةً وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْوَى قُرْبَةً أَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْوَى قُرْبَةً فَقِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا النَّظَرُ الْأَوَّلُ إلَى قَوْلِهِ فَالنَّظَرُ الْأَوَّلُ يَسْتَحِيلُ فِيهِ الْقَصْدُ إلَى الْقُرْبَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ: (وَثَانِيهِمَا فِعْلُ الْغَيْرِ تَمْتَنِعُ النِّيَّةُ فِيهِ إلَى قَوْلِهِ بَلْ إنَّمَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ مِنْهُ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ) قُلْتُ: لَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ أَنَّ نِيَّةَ فِعْلِ الْغَيْرِ تَمْتَنِعُ عَقْلًا أَوْ عَادَةً أَوْ شَرْعًا أَمَّا عَقْلًا أَوْ عَادَةً فَلَا وَجْهَ لِلِامْتِنَاعِ وَأَمَّا شَرْعًا فَالظَّاهِرُ مِنْ جَوَازِ إحْجَاجِ الصَّبِيِّ أَنَّ الْوَلِيَّ يَنْوِي عَنْهُ وَكَذَلِكَ فِي جَوَازِ ذَبِيحَةِ الْكِتَابِيِّ نَائِبًا عَنْ الْمُسْلِمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ كَذَا فِي الْأَصْلِ وَفِي عَدِّهِ التَّسْلِيمَ وَالتَّشْمِيتَ مِنْ الْمَنْدُوبِ كِفَايَةً مُخَالَفَةٌ لِعَدِّ الْأَمِيرِ فِي مَجْمُوعِهِ مِنْ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ تَشْمِيتَ الْعَاطِسِ بَعْدَ سَمَاعِ حَمْدِهِ وَلَوْ بِمُعَالَجَةٍ وَبِرَدِّ السَّلَامِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ مَا كَانَ بِصِيغَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَا نَحْوُ فُلَانٍ يُسَلِّمُ عَلَيْك وَإِنْ بِكِتَابَةٍ وَتَعَيَّنَ عَلَى مَقْصُودٍ مِنْ جَمَاعَةٍ اهـ بِتَوْضِيحٍ مِنْ ضَوْءِ الشُّمُوعِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالتَّسْلِيمِ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ لَا رَدَّهُ وَبِالتَّشْمِيتِ قَبْلَ سَمَاعِ الْحَمْدِ لَا بَعْدَهُ وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ كَابْتِدَاءِ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَالتَّسْمِيَةِ لِلْأَكْلِ مِنْ جِهَةِ جَمَاعَةٍ فِي الثَّلَاثِ مَثَلًا اهـ فَانْظُرْهُ وَحَرِّرْ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَاخْتَارَهُ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْكِفَايَةِ وَاجِبٌ عَلَى الْكُلِّ وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ وَعَلَيْهِ فَفِي كَوْنِ الْمُرَادِ الْكُلَّ إلَّا فُرَادَى نَظَرًا لِكَوْنِ سُقُوطِ الطَّلَبِ عَنْ الْبَاقِينَ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِالنَّسْخِ بَلْ قَدْ يَكُونُ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ الْوُجُوبِ كَحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْفِعْلِ هُنَا فَيَكُونُ أَمَارَةً عَلَى سُقُوطِ الْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِ نَسْخٍ لِانْتِفَاءِ الطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ الْمُتَرَاخِي الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ النَّسْخُ أَوْ الْكُلُّ الْمَجْمُوعِيُّ نَظَرًا لِكَوْنِهِ لَوْ تَعَيَّنَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ لَكَانَ إسْقَاطُهُ عَنْ الْبَاقِينَ رَفْعًا لِلطَّلَبِ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِالنَّسْخِ وَلَيْسَ بِنَسْخٍ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ الْإِيجَابِ عَلَى الْجَمِيعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِيجَابَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَيَكُونُ التَّأْثِيمُ لِلْجَمِيعِ بِالذَّاتِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ بِالْعَرَضِ. وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ خِلَافٌ وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ الرَّازِيّ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ أَيْ صَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْبَعْضِ وَعَلَيْهِ فَالْمُخْتَارُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ أَيُّ بَعْضٍ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهُ مُعَيَّنٌ فَمَنْ قَامَ بِهِ سَقَطَ الْوُجُوبُ بِفِعْلِهِ وَقِيلَ: مَنْ قَامَ بِهِ لِسُقُوطِهِ بِفِعْلِهِ وَقِيلَ: مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ النَّاسِ يَسْقُطُ الْوَاجِبُ بِفِعْلِهِ وَبِفِعْلِ غَيْرِهِ كَمَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ عَنْ الْمَدِينِ بِأَدَاءِ غَيْرِهِ عَنْهُ اُنْظُرْ التَّحْرِيرَ وَشَرْحَهُ لِابْنِ أَمِيرِ الْحَاجِّ وَيَكْفِي فِي سُقُوطِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى الْكُلِّ ظَنُّ أَنَّ الْغَيْرَ فَعَلَهُ لَا وُقُوعُهُ تَحْقِيقًا فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ هَذِهِ الطَّائِفَةِ أَنَّ تِلْكَ فَعَلَتْ سَقَطَ عَنْ هَذِهِ وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ تِلْكَ أَنَّ هَذِهِ فَعَلَتْ سَقَطَ عَنْ تِلْكَ وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِعْلُ الْأُخْرَى سَقَطَ الْفِعْلُ عَنْهُمَا وَمَنْ لَمْ يَظُنَّ مِنْهُمَا أَنَّ غَيْرَهُ فَعَلَهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ

وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ تُمْكِنُ نِيَّتُهُ ثُمَّ الَّذِي تُمْكِنُ نِيَّتُهُ مِنْهُ مَا شُرِعَتْ فِيهِ النِّيَّةُ وَمِنْهُ مَا لَمْ تُشْرَعْ فِيهِ النِّيَّةُ ثُمَّ انْقَسَمَتْ الشَّرْعِيَّةُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى مَطْلُوبٍ وَغَيْرِ مَطْلُوبٍ فَغَيْرُ الْمَطْلُوبِ لَا يُنْوَى مِنْ حَيْثُ هُوَ غَيْرُ مَطْلُوبٍ بَلْ يُقْصَدُ بِالْمُبَاحِ التَّقَوِّي عَلَى مَطْلُوبٍ كَمَا يُقْصَدُ بِالنَّوْمِ التَّقَوِّي عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ تُشْرَعُ نِيَّتُهُ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَالْمَطْلُوبُ فِي الشَّرِيعَةِ قِسْمَانِ نَوَاهٍ وَأَوَامِرَ فَالنَّوَاهِي لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى النِّيَّةِ شَرْعًا بَلْ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ مِنْ عُهْدَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ تَرْكِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْعُرُ بِهِ فَضْلًا عَنْ الْقَصْدِ إلَيْهِ نَعَمْ إنْ نَوَى بِتَرْكِهَا وَجْهَ اللَّهِ الْعَظِيمِ حَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ وَصَارَ التَّرْكُ قُرْبَةً. وَأَمَّا الْأَوَامِرُ فَقِسْمَانِ أَيْضًا. مِنْهَا: مَا تَكُونُ صُوَرُ أَفْعَالِهَا كَافِيَةً فِي تَحْصِيلِ مَصَالِحِهَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ كَدَفْعِ الدُّيُونِ وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَعَلَفِ الدَّوَابِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا الْقِسْمُ مُسْتَغْنٍ عَنْ النِّيَّةِ شَرْعًا فَمَنْ دَفَعَ دَيْنَهُ غَافِلًا عَنْ قَصْدِ التَّقَرُّبِ بِهِ أَجْزَأَ عَنْهُ وَلَا يُفْتَقَرُ إلَى إعَادَتِهِ مَرَّةً أُخْرَى نَعَمْ إنْ قَصَدَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى حَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ وَإِلَّا فَلَا. الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لَا تَكُونُ صُورَةُ فِعْلِهِ كَافِيَةً فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَتِهِ فَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ كَالْعِبَادَاتِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ شُرِعَتْ لِتَعْظِيمِ الرَّبِّ تَعَالَى وَإِجْلَالِهِ وَالتَّعْظِيمُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْقَصْدِ أَلَا تَرَى أَنَّك لَوْ صَنَعَتْ ضِيَافَةً لِإِنْسَانٍ فَأَكَلَهَا غَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِك لَكُنْت مُعَظِّمًا لِلْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي بِسَبَبِ قَصْدِك فَمَا لَا قَصْدَ فِيهِ لَا تَعْظِيمَ فِيهِ فَيَلْزَمُ أَنَّ الْعِبَادَاتِ كُلَّهَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَصْدُ لِأَنَّهَا إنَّمَا شُرِعَتْ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا ضَابِطُ مَا تُمْكِنُ فِيهِ النِّيَّةُ وَمَا لَا تُمْكِنُ فِيهِ النِّيَّةُ وَضَابِطُ مَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ مِمَّا يُمْكِنُ وَمَا لَا يَحْتَاجُ شَرْعًا وَهَذِهِ الْمَبَاحِثُ مُسْتَوْعَبَةٌ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَةِ فِي إدْرَاكِ النِّيَّةِ وَمَبْسُوطَةٌ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا وَهُنَاكَ مَسَائِلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ وَهَا أَنَا أُذَيِّلُ هَذَا الْفَرْقَ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ: (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْوِي إلَّا فِعْلَ نَفْسِهِ وَمَا هُوَ مُكْتَسَبٌ لَهُ وَذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ تُمْكِنُ نِيَّتُهُ ثُمَّ الَّذِي تُمْكِنُ نِيَّتُهُ مِنْهُ مَا شُرِعَتْ فِيهِ النِّيَّةُ وَمِنْهُ مَا لَمْ تُشْرَعْ فِيهِ النِّيَّةُ إلَى قَوْلِهِ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبَاحٌ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَالْمَطْلُوبُ فِي الشَّرِيعَةِ إلَى قَوْلِهِ وَصَارَ التَّرْكُ قُرْبَةً. قَالَ: (وَأَمَّا الْأَوَامِرُ فَقِسْمَانِ أَيْضًا مِنْهَا مَا تَكُونُ صُوَرُ أَفْعَالِهَا كَافِيَةً فِي تَحْصِيلِ مَصَالِحِهَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ كَدَفْعِ الدُّيُونِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ) قُلْتُ: قَوْلُهُ فِي هَذَا الْقِسْمِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا عُرِّيَ عَنْ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ مَعَ أَنَّهُ نَوَى أَدَاءَ دَيْنِهِ كَفَاهُ ذَلِكَ فِي الْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ وَلَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ الطَّلَبُ بِهِ بَعْدُ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ لَكِنَّهُ لَا يُثَابُ حَتَّى يَنْوِيَ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَدَاءِ دَيْنِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ: عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُثَابَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَيَكْفِيهِ مِنْ النِّيَّةِ كَوْنُهُ قَصَدَ أَدَاءَ دَيْنِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ: فِي الْقِسْمِ الثَّانِي صَحِيحٌ. قَالَ: (وَهَا أَنَا أُذَيِّلُ هَذَا الْفَرْقَ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْوِي إلَّا فِعْلَ نَفْسِهِ وَمَا هُوَ مُكْتَسَبٌ لَهُ وَذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى الْبَعْضِ فَإِنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ غَيْرَهُ تَرَكَهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ بَلْ يَجِبُ وَمَنْ لَمْ يَظُنَّ أَنَّ غَيْرَهُ تَرَكَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ كَمَا نَقَلَهُ سَحْنُونٌ عَنْ الْمَحَلِّيِّ قَالَ: وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِي صُورَةِ الشَّكِّ فَعَلَى أَنَّهُ عَلَى الْبَعْضِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَظُنَّ أَنَّ غَيْرَهُ تَرَكَهُ وَعَلَى أَنَّهُ عَلَى الْكُلِّ يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَظُنَّ أَنَّ غَيْرَهُ فَعَلَهُ وَعَلَيْهِ دَرَجَ الْقَرَافِيُّ اهـ. وَالسُّقُوطُ هُنَا عَمَّنْ لَمْ يَفْعَلْ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ بِظَنِّهِ فِعْلَ غَيْرِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى الْكُلِّ إنَّمَا هُوَ لِقَاعِدَةِ سُقُوطِ الْوُجُوبِ عَنْ الْمُكَلَّفِ لِعَدَمِ حِكْمَةِ الْوُجُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ عَنْ السَّعْدِ وَالتَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ لَا لِأَنَّ الْغَيْرَ نَابَ عَنْ غَيْرِهِ حَتَّى يَرُدَّ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْأَفْعَالَ الْبَدَنِيَّةَ لَا يُجْزِئُ فِيهَا فِعْلُ أَحَدٍ عَنْ أَحَدٍ وَهَاهُنَا أَجْزَأَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْجِهَادِ مَثَلًا وَكَيْفَ سَوَّى الشَّرْعُ بَيْنَ مَنْ فَعَلَ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَانْدَفَعَ قَوْلُ ابْنِ الشَّاطِّ وَإِطْلَاقُ لَفْظِ السُّقُوطِ عَمَّنْ لَمْ يَفْعَلْ لَا يَصِحُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْوُجُوبَ تَوَجَّهَ عَلَى الْجَمِيعِ ثُمَّ سَقَطَ عَنْ الْبَعْضِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِلَفْظِ السُّقُوطِ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ مَجَازًا اهـ أَيْ إمَّا بِالِاسْتِعَارَةِ لِعَلَاقَةِ الْمُشَابَهَةِ فِي عَدَمِ تَرَتُّبِ الْإِثْمِ وَإِمَّا مُرْسَلًا لِعَلَاقَةِ التَّقْيِيدِ ثُمَّ الْإِطْلَاقِ فَافْهَمْ نَعَمْ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَيُحْتَمَلُ هُنَا أَنْ يُقَالَ: لَا يَكْفِي الظَّنُّ فَإِنْ قِيلَ لَا يَتَعَذَّرُ الْقَطْعُ فَالْجَوَابُ لَا يَتَعَذَّرُ الْقَطْعُ بِالشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ وَالتَّهَيُّؤِ وَالِاسْتِعْدَادِ أَمَّا بِتَحْصِيلِ الْغَايَةِ فَيَتَعَذَّرُ فَهَاهُنَا يَكْفِي الظَّنُّ لَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَالْمَبَادِئِ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ ذِكْرِي فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْبُخَارِيِّ: وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ كَالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَسُنَّةِ الْكِفَايَةِ كَالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ إذَا أَرَادَ فَاعِلُهَا إسْقَاطَ الْحَرَجِ عَنْ حَاضِرِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ كَانَتْ لَهُ أُجُورُهُمْ. وَإِنْ بَلَغَتْ أَعْدَادُهُمْ مَا بَلَغَتْ اهـ نَقَلَهُ كَنُونِ عَلَى حَوَاشِي عبق وَفِي حَاشِيَةِ الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ وَهَلْ يَحْصُلُ لِمَنْ لَمْ يَقُمْ ثَوَابٌ كَعِقَابِ الْجَمِيعِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ أَوَّلًا لِعَدَمِ الْعَمَلِ أَوْ إنْ كَانَ جَازِمًا فَسَبَقَهُ غَيْرُهُ فَالْأَوَّلُ وَإِلَّا فَالثَّانِي اهـ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْوُجُوبُ فِي جَمِيعِ صُوَرِ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ لَمَّا كَانَ مَشْرُوطًا بِالِاتِّصَالِ وَالِاجْتِمَاعِ مَعَ الْفَاعِلِينَ وَمَفْقُودًا عِنْدَ الِانْفِصَالِ وَالِانْفِرَادِ عَنْهُمْ لِقَاعِدَةِ انْتِفَاءِ الْوُجُوبِ بِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ كَانَتْ الْقَاعِدَةُ فِي جَمِيعِ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ مِنْ أَنَّ

[الفرق بين قاعدتي المشقة المسقطة للعبادة والمشقة التي لا تسقطها]

يُشْكِلُ بِأَنَّنَا نَنْوِي الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ مَعَ أَنَّ فَرْضِيَّةَ الظُّهْرِ مَثَلًا وَنَفْلِيَّةَ الضُّحَى لَيْسَتَا مِنْ فِعْلِنَا وَلَا مِنْ كَسْبِنَا بَلْ حُكْمَانِ شَرْعِيَّانِ وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامُهُ لَيْسَتْ مُفَوَّضَةً لِلْعِبَادِ فَكَيْفَ صَحَّتْ النِّيَّةُ فِي الْأَحْكَامِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ النِّيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِغَيْرِ الْمُكْتَسَبِ تَبَعًا لِلْمُكْتَسَبِ أَمَّا اسْتِقْلَالًا فَلَا وَبِهَذَا نُجِيبُ عَنْ سُؤَالٍ صَعْبٍ وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَ يَنْوِي الْإِمَامَةَ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا مَعَ أَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ مُسَاوٍ لِفِعْلِ الْمُنْفَرِدِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْإِمَامَةُ فِعْلًا زَائِدًا فَهَذِهِ نِيَّةٌ بِلَا مَنْوِيٍّ فَلَا تُتَصَوَّرُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ مُتَعَلِّقَ النِّيَّةِ كَوْنُهُ مُقْتَدًى بِهِ وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِهِ لَكِنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ تَبَعًا لِمَا هُوَ مِنْ فِعْلِهِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ يَعْتَقِدُ أَنَّ الَّذِي نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ وَشَكَّ فِي عَيْنِهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي خَمْسًا فَيَقُولُ هَذَا مُتَرَدِّدٌ فِي نِيَّتِهِ وَلَا تَصِحُّ النِّيَّةُ فِي التَّرَدُّدِ فَتَكُونُ هَذِهِ مُسْتَثْنَاةً مِنْ الْقَاعِدَةِ وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا بَلْ الشَّكُّ نَصَبَهُ الشَّارِعُ سَبَبًا لِإِيجَابِ خَمْسِ صَلَوَاتٍ فَهُوَ جَازِمٌ بِوُجُوبِ الْخَمْسِ عَلَيْهِ لِوُجُودِ سَبَبِهَا الَّذِي هُوَ الشَّكُّ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) النِّيَّةُ لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُضَلَاءِ لِئَلَّا يَلْزَمَ مِنْ ذَلِكَ التَّسَلْسُلُ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْلِيلِ بِالتَّسَلْسُلِ بَلْ النِّيَّةُ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ أَنَّ صُورَتَهَا كَافِيَةٌ فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــSيُشْكِلُ بِأَنَّا نَنْوِي الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ مَعَ أَنَّ فَرْضِيَّةَ الظُّهْرِ مَثَلًا وَنَفْلِيَّةَ الضُّحَى لَيْسَتَا مِنْ فِعْلِنَا وَلَا مِنْ كَسْبِنَا بَلْ حُكْمَانِ شَرْعِيَّانِ وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامُهُ لَيْسَتْ مُفَوَّضَةً لِلْعِبَادِ فَكَيْفَ صَحَّتْ النِّيَّةُ فِي الْأَحْكَامِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ النِّيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِغَيْرِ الْمُكْتَسَبِ تَبَعًا لِلْمُكْتَسَبِ أَمَّا اسْتِقْلَالًا فَلَا) قُلْتُ: مَاذَا يُرِيدُ بِقَوْلِهِ أَنَّا نَنْوِي لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ أَيُرِيدُ أَنَّا نَقْصِدُ جَعْلَ الْفَرْضِ فَرْضًا وَالنَّفَلِ نَفْلًا أَمْ يُرِيدُ أَنَّا نَقْصِدُ إيقَاعَ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ فَرْضٌ أَوْ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ نَفْلٌ فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ فَذَلِكَ لَيْسَ لَنَا وَلَا أُمِرْنَا بِأَنْ نَنْوِيَهُ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ لَا بِحُكْمِ التَّبَعِ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّا نَقْصِدُ إيقَاعَ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ فَرْضٌ أَوْ نَفْلٌ فَلَيْسَ فِي هَذَا تَعَلُّقُ نِيَّتِنَا بِالْفَرْضِيَّةِ وَالنَّفْلِيَّةِ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِالصَّلَاةِ الَّتِي مِنْ صِفَتِهَا الْفَرْضِيَّةُ أَوْ النَّفْلِيَّةُ وَذَلِكَ الَّذِي هُوَ مِنْ فِعْلِنَا وَأَمْرِنَا بِأَنْ نَنْوِيَهُ. قَالَ: (وَبِهَذَا نُجِيبُ عَنْ سُؤَالٍ صَعْبٍ وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَ يَنْوِي الْإِمَامَةَ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا مَعَ أَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ مُسَاوٍ لِفِعْلِ الْمُنْفَرِدِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْإِمَامَةُ فِعْلًا زَائِدًا فَهَذِهِ نِيَّةٌ بِلَا مَنْوِيٍّ فَلَا تُتَصَوَّرُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ مُتَعَلِّقَ النِّيَّةِ كَوْنُهُ مُقْتَدًى بِهِ وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِهِ لَكِنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ تَبَعًا لِمَا هُوَ مِنْ فِعْلِهِ) قُلْتُ: أَلَيْسَ تَعْيِينُهُ نَفْسَهُ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ وَتَقَدُّمُهُ لِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ فَذَلِكَ هُوَ مُتَعَلِّقُ نِيَّتِهِ وَسَهُلَتْ الصُّعُوبَةُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ يَعْتَقِدُ أَنَّ الَّذِي نَسِيَ صَلَاةً مِنْ خَمْسٍ وَذَلِكَ فِي عَيْنِهَا إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ: فِيهَا صَحِيحٌ. قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: النِّيَّةُ لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُضَلَاءِ: لِئَلَّا يَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى إيقَاعَ صَلَاةِ الظُّهْرِ مَثَلًا لَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّاحِقَ بِالْفَاعِلِينَ وَقَدْ كَانَ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ كَمَنْ يَلْحَقُ بِالْمُجَاهِدِينَ مِنْ الْمُتَطَوِّعِينَ وَبِمُجَهِّزِ الْأَمْوَاتِ مِنْ الْأَحْيَاءِ وَبِالسَّاعِينَ فِي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ مِنْ الطُّلَّابِ يَقَعُ فِعْلُهُ فَرْضًا بَعْدَمَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْوُجُوبِ لَمْ تَحْصُلْ بَعْدُ وَمَا وَقَعَتْ إلَّا بِفِعْلِ الْجَمِيعِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الْجَمِيعِ وَاجِبًا لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَتْبَعُ الْمَصَالِحَ وَيَخْتَلِفُ ثَوَابُهُمْ بِحَسَبِ مَسَاعِيهمْ لَيْسَتْ بِنَاقِضَةٍ لِأَيِّ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الْوَاجِبِ لِأَنَّ هَذَا اللَّاحِقَ بِالْمُجَاهِدِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ لَهُ التَّرْكُ إجْمَاعًا مِنْ غَيْرِ ذَمٍّ وَلَا لَوْمٍ وَلَا اسْتِحْقَاقِ عِقَابٍ إلَّا أَنَّ فِعْلَهُ لَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ إلَّا بِشَرْطِ الِاجْتِمَاعِ وَوَصْفُهُ بِهِ مَعَ شَرْطِ الِاجْتِمَاعِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّرْكَ لَا يُوصَفُ بِالْإِثْمِ إلَّا مَعَ الِاجْتِمَاعِ وَالتَّرْكِ مَعَ الِاجْتِمَاعِ وَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا إذَا تَرَكَ الْجَمِيعُ وَالْعِقَابُ حِينَئِذٍ مُتَحَقِّقٌ فَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي هَذَا اللَّاحِقِ بِالْمُجَاهِدِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ الْوُجُوبُ وَعَدَمُ الذَّمِّ عَلَى تَرْكِهِ حَتَّى يَكُونَ مُنَاقِضًا لِحُدُودِ الْوَاجِبِ كُلِّهَا فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) مَصْلَحَةُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ إلَّا الْمَغْفِرَةُ ظَنًّا لَا قَطْعًا لِتَعَذُّرِ الْقَطْعِ وَالْمَغْفِرَةُ ظَنًّا حَاصِلَةٌ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الدُّعَاءَ مَظِنَّةُ الْإِجَابَةِ فَانْدَرَجَتْ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فِي فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ بِلَا شُبْهَةٍ وَامْتَنَعَتْ إعَادَتُهَا لِحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي هِيَ مُعْتَمَدُ الْوُجُوبِ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّ إعَادَتَهَا مَشْرُوعَةٌ لَا مَمْنُوعَةٌ وَالْإِعَادَةُ وَإِنْ كَانَتْ لَهَا مَصْلَحَةٌ هِيَ تَكْثِيرُ الدُّعَاءِ إلَّا أَنَّهَا مَصْلَحَةٌ نَدْبِيَّةٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُسَاعِدُ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا وَلَا تَقَعُ إلَّا وَاجِبَةً. وَلَا تَقَعُ مَنْدُوبَةً أَصْلًا فَتَحَقَّقَ امْتِنَاعُ الْإِعَادَةِ بِتَحَقُّقِ قَاعِدَةِ تَعَذُّرِ النَّدْبِ فِيهَا وَصَارَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ حُجَّةً عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْمَشَقَّةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْعِبَادَةِ وَالْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا تُسْقِطُهَا] (الْفَرْقُ الرَّابِعَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْمَشَقَّةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْعِبَادَةِ وَالْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا تُسْقِطُهَا) اعْلَمْ أَنَّ التَّكْلِيفَ إلْزَامُ الْكُلْفَةِ عَلَى الْمُخَاطَبِ بِمَنْعِهِ مِنْ الِاسْتِرْسَالِ مَعَ دَوَاعِي نَفْسِهِ وَهُوَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى الْإِبَاحَةِ ثُمَّ يَخْتَصُّ غَيْرُ الْإِبَاحَةِ بِمَشَاقَّ بَدَنِيَّةٍ بَعْضُهَا أَعْظَمُ مِنْ بَعْضٍ فَالتَّكْلِيفُ بِهِ إنْ وَقَعَ مَعَ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْمَشَاقِّ عَادَةً أَوْ فِي الْغَالِبِ أَوْ فِي النَّادِرِ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِي

[ضابط المشقة المؤثرة في التخفيف من غيرها]

لِأَنَّ مَصْلَحَتَهَا التَّمْيِيزُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِهَا سَوَاءً قَصَدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ فَاسْتَغْنَتْ عَنْ النِّيَّةِ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إذَا قَصَدَ الْإِنْسَانُ صَلَاةَ الظُّهْرِ مَثَلًا فَإِذَا قَالَ فِي نَفْسِهِ نَوَيْت فَرْضَ صَلَاةِ الظُّهْرِ مَثَلًا خَرَجَتْ سُنَنُ صَلَاةِ الظُّهْرِ عَنْ أَنْ تَكُونَ مَنْوِيَّةً فَلَا يُثَابُ عَلَيْهَا وَمَا قَالَهُ أَحَدٌ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَنْ يَقْصِدَ لِمَا فِي الظُّهْرِ مِنْ فَرْضٍ فَيَنْوِيَهُ وَإِلَى مَا فِيهِ مِنْ سُنَّةٍ فَيَنْوِيَهُ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِالْأَوَّلِ وَيُثَابَ بِالثَّانِي وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِاشْتِرَاطِ نِيَّتَيْنِ فَمَا الْجَوَابُ عَنْهُ وَالْجَوَابُ أَنْ يَنْوِيَ فَرْضَ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَوْ صَلَاةَ الظُّهْرِ وَتَكْفِي هَذِهِ النِّيَّةُ الْمُجْمَلَةُ فِي انْسِحَابِهَا عَلَى فَرَوْضِ الصَّلَاةِ وَسُنَنِهَا فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّفْصِيلَ فِي النِّيَّةِ وَلِذَلِكَ إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْوِيَ عَدَدَ السَّجَدَاتِ وَغَيْرَهَا مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ بَلْ يَكْفِي بِانْسِحَابِ النِّيَّةِ عَلَى ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ. (الْفَرْقُ التَّاسِعَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ مَا تُشْرَعُ فِيهِ الْبَسْمَلَةُ وَمَا لَا تُشْرَعُ فِيهِ الْبَسْمَلَةُ) أَفْعَالُ الْعِبَادِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا شُرِعَتْ فِيهِ الْبَسْمَلَةُ وَمِنْهَا مَا لَا تُشْرَعُ فِيهِ الْبَسْمَلَةُ وَمِنْهَا مَا تُكْرَهُ فِيهِ فَالْأَوَّلُ كَالْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ عَلَى الْخِلَافِ وَذَبْحِ النُّسُكِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمِنْهُ مُبَاحَاتٌ لَيْسَتْ بِعِبَادَاتٍ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَالثَّانِي كَالصَّلَوَاتِ وَالْآذَانِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَكَالْأَذْكَارِ وَالدُّعَاءِ وَالثَّالِثُ كَالْمُحَرَّمَاتِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ التَّسْمِيَةِ حُصُولُ الْبَرَكَةِ فِي الْفِعْلِ الْمُبَسْمَلِ عَلَيْهِ وَالْحَرَامُ لَا يُرَادُ تَكْبِيرُهُ وَكَذَلِكَ الْمَكْرُوهُ وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ تَتَحَصَّلُ مِنْ تَفَارِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ فِي الْمَذْهَبِ فَأَمَّا ضَابِطُ مَا تُشْرَعُ فِيهِ التَّسْمِيَةُ مِنْ الْقُرُبَاتِ وَمَا لَمْ تُشْرَعْ فِيهِ فَقَدْ وَقَعَ الْبَحْثُ فِيهِ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ وَعَسُرَ تَحْرِيرُ ذَلِكَ وَضَبْطُهُ وَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ قَالَ: إنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ فِي الْأَذْكَارِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا لِأَنَّهَا بَرَكَةٌ فِي نَفْسِهَا فَوَرَدَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ وَالْبَرَكَاتِ مَعَ أَنَّهَا شُرِعَتْ فِيهِ فَالْقَصْدُ مِنْ هَذَا الْفَرْقِ بَيَانُ عُسْرِهِ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى طَلَبِ الْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ فَإِذَا نُبِّهَ عَلَى الْإِشْكَالِ اسْتَفَادَهُ وَحَثَّهُ ذَلِكَ عَلَى طَلَبِ جَوَابِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى خَلَّاقٌ عَلَى الدَّوَامِ يَهَبُ فَضْلَهُ لِمَنْ يَشَاءُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ (الْفَرْقُ الْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّوْمِ وَقَاعِدَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ) وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» فَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّشْرِيفِ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ مَعَ أَنَّ الْفَتَاوَى عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ. ـــــــــــــــــــــــــــــSامْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي إيقَاعِ الصَّلَاةِ مَنْوِيَّةً فَإِنَّ النِّيَّةَ فِي الصَّلَاةِ مَشْرُوعَةٌ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا وَلَمْ يُشْرَعْ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ نِيَّةَ الِامْتِثَالِ حَتَّى يَلْزَمَ التَّسَلْسُلُ وَعَلَى ذَلِكَ لَا يَصِحُّ قَوْلُهُ هُوَ إنَّ النِّيَّةَ لَا تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِيهَا صَحِيحٌ. قَالَ: (الْفَرْقُ التَّاسِعَ عَشَرَ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِيهِ صَحِيحٌ. قَالَ: (الْفَرْقُ الْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّوْمِ وَقَاعِدَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ إلَى آخِرِ مَا قَالَ: فِيهِ) قُلْتُ: أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ عِنْدِي الْقَوْلُ الَّذِي افْتَتَحَ بِهِ وَهُوَ أَنَّهُ أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا أُورِدَ عَلَيْهِ مِنْ النَّقْضِ بِالْإِيمَانِ وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ يُجَابُ عَنْهُ بِحَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَرْدِ وَالصَّوْمِ فِي النَّهَارِ الطَّوِيلِ وَالْمُخَاطَرَةِ بِالنَّفْسِ فِي الْجِهَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ مَا يَلْزَمُهُ فِي الْعِبَادَةِ لَا بِإِسْقَاطٍ وَلَا بِتَخْفِيفٍ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ نَقْصَ التَّكْلِيفِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ التَّكْلِيفُ بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْمَشَاقِّ كَانَ مَا يَلْزَمُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ مُتَّفَقٌ عَلَى اعْتِبَارِهِ فِي الْإِسْقَاطِ أَوْ التَّخْفِيفِ كَالْخَوْفِ عَلَى النُّفُوسِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْمَنَافِعِ لِأَنَّ حِفْظَ هَذِهِ الْأُمُورِ هُوَ سَبَبُ مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلَوْ حَصَّلْنَا هَذِهِ الْعِبَادَةَ مَعَ الْخَوْفِ عَلَى مَا ذُكِرَ لِثَوَابِهَا لَأَدَّى لِذَهَابِ أَمْثَالِهَا وَالثَّانِي مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِي ذَلِكَ كَأَدْنَى وَجَعٍ فِي أُصْبُعٍ لِأَنَّ تَحْصِيلَ هَذِهِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ دَرْءِ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ لِشَرَفِ الْعِبَادَةِ وَخِفَّةِ هَذِهِ الْمَشَقَّةِ الثَّالِثُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَبَعْضُهُمْ يَعْتَبِرُ فِي التَّخْفِيفِ مَا اشْتَدَّتْ مَشَقَّتُهُ. وَإِنْ بِسَبَبِ التَّكْرَارِ لَا مَا خَفَّتْ مَشَقَّتُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فَيَسْقُطُ التَّطْهِيرُ مِنْ الْخُبْثِ فِي الصَّلَاةِ عَنْ ثَوْبِ الْمُرْضَعِ وَكُلُّ مَا يَعْسُرُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَيَسْقُطُ الْوُضُوءُ فِيهَا بِالتَّيَمُّمِ لِكَثْرَةِ عَدَمِ الْمَاءِ وَالْحَاجَةِ إلَيْهِ وَالْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ وَبَعْضُهُمْ يَعْتَبِرُ فِي التَّخْفِيفِ شَدِيدَ الْمَشَقَّةِ وَخَفِيفَهَا وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ تَطَّرِدُ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ فَكَمَا وَجَدْت الْمَشَاقَّ الثَّلَاثَةَ فِي الْوُضُوءِ كَذَلِكَ تَجِدُهَا فِي الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَتَوَقَانِ الْجَائِعِ لِلطَّعَامِ عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ وَالتَّأَذِّي بِالرِّيَاحِ الْبَارِدَةِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ وَالْمَشْيِ فِي الْوَحْلِ وَغَصْبِ الْحُكَّامِ وَجُوعِهِمْ الْمَانِعَيْنِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْفِكْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ فِي الْبَيْعِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ وَهَكَذَا فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ. [ضَابِطُ الْمَشَقَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي التَّخْفِيفِ مِنْ غَيْرِهَا] وَضَابِطُ الْمَشَقَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي التَّخْفِيفِ مِنْ غَيْرِهَا هُوَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْفَقِيهِ أَوَّلًا أَنْ يَفْحَصَ عَنْ أَدْنَى مَشَاقِّ تِلْكَ الْعِبَادَةِ الْمُعَيَّنَةِ فَيُحَقِّقَهُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ اسْتِدْلَالٍ ثُمَّ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْمَشَاقِّ يَنْظُرُ فِيهِ ثَانِيًا فَإِنْ كَانَ مِثْلَ تِلْكَ الْمَشَقَّةِ أَوْ أَعْلَى مِنْهَا جَعَلَهُ مُسْقِطًا وَإِنْ كَانَ أَدْنَى مِنْهَا لَمْ يَجْعَلْهُ مُسْقِطًا مِثَالُ ذَلِكَ التَّأَذِّي بِالْقَمْلِ فِي الْحَجِّ مُبِيحٌ لِلْحَلْقِ بِالْحَدِيثِ الْوَارِدِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فَأَيُّ مَرَضٍ آذَى مِثْلُهُ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ أَبَاحَ وَإِلَّا فَلَا وَالسَّفَرُ مُبِيحٌ لِلْفِطْرِ بِالنَّصِّ فَيُعْتَبَرُ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ الْمَشَاقِّ. [مَا لَا ضَابِطَ لَهُ وَلَا تَحْدِيدَ وَقَعَ فِي الشَّرْعِ عَلَى قِسْمَيْنِ] وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ لَمْ يَكْتَفِ الشَّرْعُ فِي إسْقَاطِهَا بِمُسَمَّى تِلْكَ الْمَشَاقِّ بَلْ لِكُلِّ عِبَادَةٍ مُرَتَّبَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ مَشَاقِّهَا الْمُؤَثِّرَةِ فِي إسْقَاطِهَا كَمَا عَلِمْت

مِنْهُ وَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ أَيْضًا قَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ إنَّ أَهَمَّ أُمُورِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ الْأَثَرُ الْمَشْهُورُ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ لِهَذِهِ الْإِضَافَةِ وَالتَّخْصِيصِ مِنْ فَارِقٍ أَوْجَبَ ذَلِكَ وَذَكَرَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِيهِ فُرُوقًا أَحَدُهَا: أَنَّهُ أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُطَّلَعَ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ نَبَّهَ عَلَى شَرَفِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِهِمَا وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْإِيمَانَ وَالْإِخْلَاصَ وَأَعْمَالُ الْقُلُوبِ الْحَسَنَةُ كُلُّهَا خَفِيَّةٌ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ تَنَاوَلَهَا بِعُمُومِهِ وَثَانِيهِمَا أَنَّ جَوْفَ الْإِنْسَانِ يَبْقَى خَالِيًا فَيَحْصُلُ لَهُ شِبْهُ وَصْفِ الرُّبُوبِيَّةِ فَإِنَّ الصَّمَدَ هُوَ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ فِيهِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ الِاشْتِغَالُ بِالْعُلُومِ فَإِنَّ الْعِلْمَ مِنْ أَجَلِّ صِفَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى فَمَنْ حَصَّلَهُ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ شَبَهٌ عَظِيمٌ وَكَذَلِكَ الِانْتِقَامُ مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَالْإِحْسَانُ إلَى الْمُؤْمِنِينَ وَتَعْظِيمُ الْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَكُلُّ ذَلِكَ إذَا صَدَرَ مِنْ الْعَبْدِ كَانَ فِيهِ التَّخَلُّقُ بِأَخْلَاقِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مُفَضَّلٌ عَلَيْهَا بِعُمُومِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَثَالِثُهَا أَنَّهُ اخْتَصَّ بِتَرْكِ الْإِنْسَانِ لِشَهَوَاتِهِ وَمَلَاذِّهِ فِي فَرْجِهِ وَفَمِهِ وَذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ يُوجِبُ الثَّنَاءَ وَالتَّشْرِيفَ بِالْإِضَافَةِ الْمَذْكُورَةِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْجِهَادَ أَعْظَمُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ فِيهِ مُؤْثِرٌ مُهْجَتَهُ وَجَسَدَهُ وَحَيَاتَهُ فَيَذْهَبُ جَمِيعُ الشَّهَوَاتِ تَبَعًا لِذَهَابِ الْحَيَاةِ وَكَذَلِكَ الْحَجُّ يَتْرُكُ فِيهِ الْعَبْدُ الْمَخِيطَ وَالْمُحِيطَ وَالطِّيبَ وَالتَّنْظِيفَ وَيُفَارِقُ الْأَوْطَانَ وَالْأَوْطَارَ وَالْأَهْلَ وَالْأَوْلَادَ وَالْإِخْوَانَ وَيَرْتَكِبُ الْأَخْطَارَ فِي الْأَسْفَارِ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ مُفَضَّلٌ عَلَيْهِ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَرَابِعُهَا أَنَّ جَمِيعَ الْعِبَادَاتِ وَقَعَ التَّقَرُّبُ بِهَا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لَمْ يُتَقَرَّبْ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلِذَلِكَ خُصِّصَ بِالْإِضَافَةِ وَوَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّوْمَ أَيْضًا وَقَعَ التَّقَرُّبُ بِهِ إلَى الْكَوَاكِبِ فِيمَا يَتَعَاطَاهُ أَرْبَابُ الِاسْتِخْدَامَاتِ لِلْكَوَاكِبِ وَخَامِسُهَا أَنَّ الصَّوْمَ يُوجِبُ تَصْفِيَةَ الْفِكْرِ وَصَفَاءَ الْعَقْلِ وَضَعْفَ الْقُوَى الشَّهْوَانِيَّةِ بِسَبَبِ الْجُوعِ وَقِلَّةِ الْغِذَاءِ وَلِذَلِكَ قَالَ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَدْخُلُ الْحِكْمَةُ جَوْفًا مُلِئَ طَعَامًا» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «الْبِطْنَةُ تَذْهَبُ بِالْفِطْنَةِ» وَلَا شَكَّ أَنَّ صَفَاءَ الْعَقْلِ وَضَعْفَ الشَّهْوَةِ الْبَهِيمِيَّةِ مِمَّا يُوجِبُ حُصُولَ الْمَعَارِفِ الرَّبَّانِيَّةِ وَالْأَحْوَالِ السَّنِيَّةِ وَهَذِهِ مِزْيَةٌ عَظِيمَةٌ تُوجِبُ التَّشْرِيفَ بِالْإِضَافَةِ الْمَخْصُوصَةِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّلَاةَ وَمُنَاجَاةَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالْمُرَاقَبَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَالْتِزَامَ الْأَدَبِ مَعَهُ وَالْخُضُوعِ لَدَيْهِ مِمَّا يُوجِبُ حُصُولَ الْمَعَارِفِ وَالْأَحْوَالِ وَالْمَوَاهِبِ الرَّبَّانِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69] {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد: 28] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ دَالَّةٌ عَلَى سَبَبِ الْمَوَاهِبِ وَالنُّورِ وَالْهِدَايَةِ وَجَزِيلِ الْفَضَائِلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَرَتِّبًا عَلَى الصَّلَاةِ أَكْثَرَ إذَا وَقَعَتْ مِنْ الْمُكَلَّفِ عَلَى وَجْهِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيمَا حَكَاهُ نَبِيُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ «مَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْت. ـــــــــــــــــــــــــــــSالْمُرَادَ بِهِ الْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ لَا الْبَاطِنَةُ وَأَنَّ الصَّوْمَ اخْتَصَّ دُونَهَا بِهَذِهِ الْمِزْيَةِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ كَوْنُ الصَّلَاةِ أَفْضَلَ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْمِزْيَةِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ عَلَى مَا قَرَّرَ هُوَ بَعْدَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَيْنَ الْمُعَامَلَاتِ اكْتَفَى الشَّرْعُ فِي إسْقَاطِ الْمَسْئُولِيَّةِ فِيهَا عَلَى أَقِلَّ مَا تَصْدُقُ عَلَيْهِ حَقِيقَةُ الشَّرْطِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ حَقِيقَتُهَا إنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ اشْتَرَطَ أَنَّهُ كَاتَبَ يَكْفِي فِي تَحْقِيقِ هَذَا الشَّرْطِ مُسَمَّى الْكِتَابَةِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْمَهَارَةِ فِيهَا وَكَذَلِكَ شُرُوطُ السَّلَمِ فِي سَائِرِ الْأَوْصَافِ وَأَنْوَاعِ الْحِرَفِ يُقْتَصَرُ عَلَى مُسَمَّاهَا دُونَ مَرْتَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْهَا هُوَ أَنَّ الْعِبَادَةَ لَمَّا كَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ وَمَوَاهِبِ ذِي الْجَلَالِ وَسَعَادَةِ الْأَبَدِ كَانَ تَفْوِيتُهَا بِمُسَمَّى الْمَشَقَّةِ مَعَ يَسَارَةِ احْتِمَالِهَا غَيْرَ لَائِقٍ وَلِذَلِكَ كَانَ تَرْكُ التَّرْخِيصِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَوْلَى وَكَانَ تَعَاطِي الْعِبَادَةِ مَعَ الْمَشَقَّةِ أَبْلَغَ فِي إظْهَارِ الطَّوْعِيَّةِ وَأَبْلَغَ فِي التَّقَرُّبِ وَلِذَلِكَ قَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ أَحْزَمُهَا» أَيْ أَشَقُّهَا وَقَالَ: «أَجْرُك عَلَى قَدْرِ نَصَبِك» وَالْمُعَامَلَاتُ لَمَّا كَانَتْ مَصَالِحُهَا الَّتِي بُذِلَتْ الْأَعْوَاضُ فِيهَا تَحْصُلُ بِمُسَمَّى حَقَائِقِ الشَّرْعِ وَالشُّرُوطِ كَانَ الْتِزَامُ غَيْرِ ذَلِكَ فِيهَا يُؤَدِّي إلَى كَثْرَةِ الْخِصَامِ وَنَشْرِ الْفَسَادِ وَإِظْهَارِ الْعِنَادِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَصْلٌ) فِي تَحْرِيرِ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ بِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ وَبَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْكَبَائِرِ وَالْكُفْرِ وَبَيْنَ أَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَأَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ وَبَيْنَ أَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ وَأَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَهَذِهِ مَوَاضِعُ شَاقَّةُ الضَّبْطِ عَسِيرَةُ التَّحْرِيرِ وَفِيهَا غَوَامِضُ صَعْبَةٌ عَلَى الْفَقِيهِ وَالْمُفْتِي عِنْدَ حُلُولِ النَّوَازِلِ فِي الْفَتَاوَى وَالْأَقْضِيَةِ وَاعْتِبَارِ حَالِ الشُّهُودِ فِي التَّجْرِيحِ وَعَدَمِهِ أَمَّا بَيْنَ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ كُلَّ ذَنْبٍ بِاعْتِبَارِ اشْتِمَالِهِ عَلَى مُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَبِيرَةٌ لِأَنَّ مُخَالَفَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْإِطْلَاقِ أَمْرٌ كَبِيرٌ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَيْضًا فِي أَنَّ مَا الذَّمُّ عَلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ بِهِ إنْ نَفَذَ عَلَى مُرْتَكِبِهِ الْوَعِيدُ أَشَدُّ فَهُوَ مِنْ الذُّنُوبِ الْكَبَائِرِ وَأَنَّ مَا الذَّمُّ عَلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ بِهِ إنْ نَفَذَ عَلَى مُرْتَكِبِهِ الْوَعِيدُ أَخَفُّ فَهُوَ مِنْ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ إذْ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْقَوَاعِدُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْهُمَا وَهِيَ أَنَّ مَا عَظُمَتْ مَفْسَدَتُهُ يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ وَمَا لَا فَلَا تَقْتَضِي الْقَطْعَ بِالتَّفَاوُتِ بَيْنَ الذُّنُوبِ فِي الذَّمِّ وَالْعِقَابِ إنْ نَفَذَ الْوَعِيدُ وَالْكِتَابُ قَوْله تَعَالَى {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: 7] فَجَعَلَهَا رُتَبًا ثَلَاثَةً الْكُفْرُ رُتْبَةٌ أُولَى وَالْفُسُوقُ ثَانِيَةٌ وَالْعِصْيَانُ ثَالِثَةٌ يَلِي الْفُسُوقَ وَهُوَ الصَّغَائِرُ فَجَمَعَتْ الْآيَةُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ. وَسُمِّيَ بَعْضُ الْمَعَاصِي فُسُوقًا دُونَ

إلَيْهِ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْت إلَيْهِ بَاعًا وَمَنْ أَتَانِي مَشْيًا أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» وَالْمُصَلِّي يَتَقَرَّبُ أَكْثَرَ فَيَكُونُ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَعْظَمَ وَذُكِرَ مَعَ هَذِهِ الْوُجُوهِ وُجُوهٌ أُخَرُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ غَيْرُ سَالِمَةٍ مِنْ النَّقْصِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ فَرْقًا تَقَرُّ بِهِ الْعَيْنُ وَيَسْكُنُ إلَيْهِ الْقَلْبُ غَيْرَ أَنِّي أَوْقَفْتُك عَلَى أَكْثَرَ مَا قِيلَ فِيهِ مِمَّا هُوَ قَوِيُّ الْمُنَاسَبَةِ وَمَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ وَأَنْتَ مِنْ وَرَاءِ الْفَحْصِ وَالْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ. (الْفَرْقُ الْحَادِيَ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَمْلِ عَلَى أَوَّلِ جُزْئِيَّاتِ الْمَعْنَى وَقَاعِدَةِ الْحَمْلِ عَلَى أَوَّلِ أَجْزَائِهِ أَوْ الْكُلِّيَّةِ عَلَى جُزْئِيَّاتِهَا وَهُوَ الْعُمُومُ عَلَى الْخُصُوصِ) وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ الْتَبَسَ عَلَى جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِمْ وَهَذَا الْمَوْضِعُ أَصْلُهُ إطْلَاقٌ وَقَعَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الِاسْمِ هَلْ يَقْتَضِي الِاقْتِصَارَ عَلَى أَوَّلِهِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ فَلَمَّا وَقَعَ هَذَا الْإِطْلَاقُ لِلْأُصُولِيِّينَ عَمِلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَلَى تَخْرِيجِ الْفُرُوعِ عَلَيْهِ عَلَى خِلَافِ مَا تَقْتَضِيهِ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ قَاعِدَتَيْنِ: (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) تَحْقِيقُ الْجُزْئِيِّ مَا هُوَ وَلَهُ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا كُلُّ شَخْصٍ مِنْ نَوْعٍ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَخْصٍ مِنْ نَوْعٍ كَالْفَرَسِ الْمُعَيَّنِ مِنْ نَوْعِ الْفَرَسِ وَالْحَجَرِ الْمُعَيَّنِ مِنْ نَوْعِ الْحِجَارَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَثَانِيهِمَا مَا انْدَرَجَ تَحْتَ كُلِّيٍّ هُوَ وَغَيْرُهُ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ بِالْأَشْخَاصِ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو لِانْدِرَاجِهِمَا تَحْتَ مَفْهُومِ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِمَا وَيَصْدُقُ أَيْضًا عَلَى الْأَنْوَاعِ وَالْأَجْنَاسِ الَّتِي لَيْسَتْ بِأَشْخَاصٍ لِانْدِرَاجِهَا تَحْتَ كُلِّيٍّ هِيَ وَغَيْرُهَا فَالْإِنْسَانُ يَنْدَرِجُ تَحْتَ الْحَيَوَانِ مَعَ الْفَرَسِ وَالْحَيَوَانُ مَعَ النَّبَاتِ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ النَّامِي وَالنَّامِي وَالْجَمَادُ مُنْدَرِجَانِ تَحْتَ الْجِسْمِ فَهَذَانِ هُمَا مَعْنَى الْجُزْئِيِّ. (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) بَيَانُ الْجُزْءِ وَهُوَ الَّذِي لَا يُعْقَلُ إلَّا بِالْقِيَاسِ إلَى كُلٍّ فَالْكُلُّ مُقَابِلٌ لِلْجُزْءِ وَالْكُلِّيُّ مُقَابِلٌ لِلْجُزْئِيِّ فَالْخَمْسَةُ مِنْ الْعَشَرَةِ جُزْءٌ وَالْحَيَوَانُ مِنْ الْإِنْسَانِ جُزْءٌ وَالْإِنْسَانُ كُلٌّ لِتَرَكُّبِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالنَّاطِقِ وَهَاهُنَا قَاعِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَى الْكُلِّ دَالٌّ عَلَى جُزْئِهِ فِي الْأَمْرِ وَخَبَرَ الثُّبُوتِ بِخِلَافِ النَّهْيِ وَخَبَرِ النَّفْيِ فَإِذَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى رَكْعَتَيْنِ فَقَدْ أَوْجَبَ رَكْعَةً ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَمْلِ عَلَى أَوَّلِ جُزْئِيَّاتِ الْمَعْنَى وَقَاعِدَةِ الْحَمْلِ عَلَى أَوَّلِ أَجْزَائِهِ أَوْ الْكُلِّيَّةِ عَلَى جُزْئِيَّاتِهَا وَهُوَ الْعُمُومُ عَلَى الْخُصُوصِ إلَى قَوْلِهِ: وَالْإِنْسَانُ كُلٌّ لِتَرَكُّبِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالنَّاطِقِ) قُلْتُ: جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ: (وَهَاهُنَا قَاعِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَى الْكُلِّ دَالٌّ عَلَى جُزْئِهِ فِي الْأَمْرِ وَخَبَرَ الثُّبُوتِ بِخِلَافِ النَّهْيِ وَخَبَرِ النَّفْيِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْكُلِّ دَالٌّ عَلَى جُزْئِهِ مُطْلَقًا. قَالَ: (فَإِذَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى رَكْعَتَيْنِ فَقَدْ أَوْجَبَ رَكْعَةً) قُلْتُ: إنْ أَرَادَ فَقَدْ أَوْجَبَ رَكْعَةً مُنْفَرِدَةً فَمَمْنُوعٌ وَإِنْ أَرَادَ فَقَدْ أَوْجَبَ رَكْعَةً مُقَارِنَةً لِأُخْرَى فَمُسَلَّمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْضٍ وقَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ} [النجم: 32] الْآيَةُ وقَوْله تَعَالَى {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] فَإِنَّ فِيهَا صَرَاحَةً فِي انْقِسَامِ الذُّنُوبِ إلَى كَبَائِرَ وَصَغَائِرَ. وَالسُّنَّةُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ» زَادَ الْبُخَارِيُّ «وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» وَمُسْلِمٌ بَدَلَهَا «وَقَوْلُ الزُّورِ» . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَيْضًا وَمِنْ كَذَا إلَى كَذَا كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا مَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ فَخَصَّ الْكَبَائِرَ بِبَعْضِ الذُّنُوبِ وَلَوْ كَانَتْ الذُّنُوبُ كُلُّهَا كَبَائِرَ لَمْ يَسُغْ ذَلِكَ وَلِأَنَّ مَا عَظُمَتْ مَفْسَدَتُهُ أَحَقُّ بِاسْمِ الْكَبِيرَةِ تَخْصِيصًا لَهُ بِاسْمٍ يَخُصُّهُ فَلِذَلِكَ قَالَ الْغَزَالِيُّ لَا يَلِيقُ إنْكَارُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ وَقَدْ عُرِفَا مِنْ مَدَارِكِ الشَّرْعِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا أَوَّلًا فِي أَنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ صَغِيرَةٍ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى هَلْ يَمْنَعُ إجْلَالًا لَهُ وَتَعْظِيمًا لِحُدُودِهِ إلَّا فِي مَحَلِّ تَبْيِينِ تَفَاوُتِ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ إنْ نَفَذَ الْوَعِيدُ أَوْ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَثَانِيًا فِي أَنَّ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا هَلْ تُعْرَفُ وَتَنْحَصِرُ أَوْ لَا الثَّانِي لِبَعْضِهِمْ قَالُوا: لِأَنَّهُ وَرَدَ وَصْفُ أَنْوَاعٍ مِنْ الْمَعَاصِي بِأَنَّهَا كَبَائِرُ وَأَنْوَاعٍ بِأَنَّهَا صَغَائِرُ وَأَنْوَاعٍ لَمْ تُوصَفْ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا وَالْأَوَّلُ لِلْأَكْثَرِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ لَا تَنْضَبِطُ إلَّا بِالْعَدِّ فَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهَا ثَلَاثٌ. وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهَا أَرْبَعٌ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهَا سَبْعٌ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ وَعَطَاءٌ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا أَنَّهَا عَشْرَةٌ وَقِيلَ: أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَقِيلَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهَا مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ إلَى قَوْلِهِ {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: 31] وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالطَّبَرَانِيُّ هِيَ إلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ مِنْهَا إلَى السَّبْعِ وَقَالَ أَكْبَرُ تَلَامِذَتِهِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - هِيَ إلَى السَّبْعِمِائَةِ أَقْرَبُ يَعْنِي بِاعْتِبَارِ أَصْنَافِ أَنْوَاعِهَا وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَفْسِهِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: كَمْ الْكَبَائِرُ سَبْعٌ هِيَ. قَالَ: هِيَ إلَى السَّبْعِمِائَةِ أَقْرَبُ مِنْهَا إلَى سَبْعٍ غَيْرَ أَنَّهُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ أَيْ التَّوْبَةِ بِشُرُوطِهَا

وَإِذَا قُلْنَا عِنْدَ زَيْدٍ نِصَابٌ فَعِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ أَمَّا إذَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فِي الصُّبْحِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ رَكْعَتَيْنِ وَإِذَا قُلْنَا لَيْسَ عِنْدَهُ نِصَابٌ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ بَلْ تِسْعَةَ عَشَرَ وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّهْيَ يَعْتَمِدُ إعْدَامَ الْحَقِيقَةِ وَعَدَمُ الْحَقِيقَةِ يَصْدُقُ بِعَدَمِ جُزْءٍ وَاحِدٍ مِنْهَا وَلَا يَتَوَقَّفُ عَدَمُهَا عَلَى عَدَمِ جَمِيعِ أَجْزَائِهَا كَمَا يُعْدَمُ النِّصَابُ بِدِينَارٍ فَكَذَلِكَ خَبَرُ النَّفْيِ أَمَّا ثُبُوتُ الْحَقِيقَةِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ جَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَلَا يَثْبُتُ النِّصَابُ إلَّا بِثُبُوتِ جَمِيعِ عِشْرِينَ دِينَارًا وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِتَحْصِيلِ الْمُرَكَّبِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحْصِيلِ جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ فَلَا تَحْصُلُ الرَّكْعَتَانِ حَتَّى تَتَحَصَّلُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَلِذَلِكَ دَلَّ الْأَمْرُ وَخَبَرُ الثُّبُوتِ عَلَى ثُبُوتِ الْجُزْءِ دُونَ النَّهْيِ وَخَبَرِ النَّفْيِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (وَإِذَا قُلْنَا عِنْدَ زَيْدٍ نِصَابٌ فَعِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ) قُلْتُ: إنْ أَرَادَ فَعِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مُنْفَرِدَةً فَمَمْنُوعٌ وَإِنْ أَرَادَ فَعِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مُقْتَرِنَةً بِأُخْرَى فَمُسَلَّمٌ. قَالَ: (أَمَّا إذَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فِي الصُّبْحِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ رَكْعَتَيْنِ) قُلْتُ: إنْ أَرَادَ لَا يَلْزَمُ النَّهْيُ عَنْ رَكْعَتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ لَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثَةٌ فَمُسَلَّمٌ وَإِنْ أَرَادَ لَا يَلْزَمُ النَّهْيُ عَنْ رَكْعَتَيْنِ مُتَّصِلَتَيْنِ بِثَالِثَةٍ فَمَمْنُوعٌ. قَالَ: (وَإِذَا قُلْنَا: لَيْسَ عِنْدَهُ نِصَابٌ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ بَلْ تِسْعَةَ عَشَرَ) قُلْتُ: إنْ أَرَادَ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا تَكُونَ عِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مُنْفَرِدَةً فَمُسَلَّمٌ وَإِنْ أَرَادَ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا تَكُونَ عِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مَعَ عَشَرَةٍ أُخْرَى فَمَمْنُوعٌ قَالَ: (وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّهْيَ يَعْتَمِدُ إعْدَامَ الْحَقِيقَةِ وَعَدَمُ الْحَقِيقَةِ يَصْدُقُ بِعَدَمِ جُزْءٍ وَاحِدٍ مِنْهَا وَلَا يَتَوَقَّفُ عَدَمُهَا عَلَى عَدَمِ جَمِيعِ أَجْزَائِهَا كَمَا يُعْدَمُ النِّصَابُ بِدِينَارٍ فَكَذَلِكَ خَبَرُ النَّفْيِ) قُلْتُ: إذَا عُدِمَ مِنْ النِّصَابِ دِينَارٌ لَمْ يَبْقَ نِصَابٌ وَلَا جُزْءُ نِصَابٍ فَإِنَّ الدِّينَارَ لَا يَكُونُ جُزْءَ نِصَابٍ إلَّا مَعَ تِسْعَةَ عَشَرَ وَلَا تَكُونُ التِّسْعَةَ عَشَرَ جُزْءَ نِصَابٍ إلَّا مَعَ دِينَارٍ أَمَّا إذَا انْفَرَدَ دِينَارٌ فَلَا يُقَالُ فِيهِ جُزْءُ نِصَابٍ إلَّا بِضَرْبٍ مِنْ الْمَجَازِ وَالتَّوَسُّعِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي التِّسْعَةَ عَشَرَ لِأَنَّ الدِّينَارَ وَالتِّسْعَةَ عَشَرَ اجْتِمَاعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَعَ الْآخَرِ مُمْكِنٌ فَإِذَا اجْتَمَعَا صَارَ الْمَجْمُوعُ نِصَابًا فَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُزْءُ نِصَابٍ حَقِيقَةً وَعِنْدَ الِافْتِرَاقِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُزْءُ نِصَابٍ مَجَازًا فَاللَّازِمُ حَقِيقَةً خِلَافُ قَوْلِهِ وَهُوَ أَنَّهُ مَتَى عُدِمَ جُزْءٌ عُدِمَ جَمِيعُ الْأَجْزَاءِ أَيْ لَمْ تَتَأَلَّفْ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ وَلَمْ تَكْمُلْ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَتَى انْتَفَتْ الْحَقِيقَةُ انْتَفَى جَمِيعُ أَجْزَائِهَا. قَالَ: (أَمَّا ثُبُوتُ الْحَقِيقَةِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ جَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَلَا يَثْبُتُ النِّصَابُ إلَّا بِثُبُوتِ جَمِيعِ عِشْرِينَ دِينَارًا وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِتَحْصِيلِ الْمُرَكَّبِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحْصِيلِ جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ فَلَا تَحْصُلُ الرَّكْعَتَانِ حَتَّى تَتَحَصَّلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَلِذَلِكَ دَلَّ الْأَمْرُ وَخَبَرُ الثُّبُوتِ عَلَى ثُبُوتِ الْجُزْءِ دُونَ النَّهْيِ وَخَبَرِ النَّفْيِ) . قُلْتُ: قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ النَّهْيَ وَخَبَرَ النَّفْيِ يَسْتَلْزِمَانِ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْمَنْهِيِّ وَالْمَنْفِيِّ عَنْهُ كَمَا يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرُ وَخَبَرُ الثُّبُوتِ جَمِيعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ وَقَالَ الدَّيْلَمِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ قَدْ ذَكَرْنَا عَدَدَهَا فِي تَأْلِيفٍ لَنَا بِاجْتِهَادِنَا فَزَادَتْ عَلَى أَرْبَعِينَ كَبِيرَةٍ فَيَئُولُ إلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ أَنَّهَا تُضْبَطُ بِالْحَدِّ وَالضَّابِطِ وَعَلَيْهِ فَجَمِيعُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْحُدُودِ وَالضَّوَابِطِ إنَّمَا قَصَدُوا بِهِ التَّقْرِيبَ فَقَطْ وَإِلَّا فَهِيَ لَيْسَتْ بِحُدُودٍ جَامِعَةٍ وَكَيْفَ يُمْكِنُ ضَبْطُ مَا لَا طَمَعَ فِي ضَبْطِهِ بِالْحَصْرِ إذْ لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بِالسَّمْعِ وَلَمْ يَرِدْ وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ: بَعْضُهُ لِلْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ وَبَعْضُهُ لِمَا عَدَا الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَبَعْضُهُ لِمَا يَشْمَلُهُمَا وَبَعْضُهُ لِمَا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ مِنْ الْمَعَاصِي الشَّامِلَةِ لِصَغَائِرِ الْخِسَّةِ وَنَحْوِهَا كَالْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ فَمِنْ الْأَوَّلِ مَا فِي عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنَّهَا مَا لَحِقَ صَاحِبَهَا عَلَيْهَا بِخُصُوصِهَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ. وَمِنْ الثَّانِي قَوْلُ الْغَزَالِيِّ كُلُّ مَعْصِيَةٍ يُقْدِمُ الْمَرْءُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِشْعَارِ خَوْفٍ وَوُجْدَانِ نَدَمٍ تَهَاوُنًا وَاسْتِجْرَاءً عَلَيْهَا فَهِيَ كَبِيرَةٌ وَمَا يُحْمَلُ عَلَى فَلَتَاتِ النَّفْسِ وَلَا يَنْفَكُّ عَنْ نَدَمٍ يَمْتَزِجُ بِهَا وَيُنَغِّصُ التَّلَذُّذَ بِهَا فَلَيْسَ بِكَبِيرَةٍ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَوْلَى ضَبْطُ الْكَبِيرَةِ بِمَا يُشْعِرُ بِتَهَاوُنِ مُرْتَكِبِهَا بِدِينِهِ إشْعَارَ أَصْغَرِ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا قَالَ: وَإِذَا أَرَدْت الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ فَاعْرِضْ مَفْسَدَةَ الذَّنْبِ عَلَى مَفَاسِدِ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ أَقَلِّ الْكَبَائِرِ فَهِيَ صَغِيرَةٌ وَإِلَّا فَكَبِيرَةٌ. اهـ. وَمِنْ الثَّالِثِ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْبَارِزِيِّ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْكَبِيرَةَ كُلُّ ذَنْبٍ قُرِنَ بِهِ وَعِيدٌ أَوْ حَدٌّ أَوْ لَعْنٌ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ عُلِمَ أَنَّ مَفْسَدَتَهُ كَمَفْسَدَةِ مَا قُرِنَ بِهِ وَعِيدٌ أَوْ حَدٌّ أَوْ لَعْنٌ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ مَفْسَدَتِهِ أَوْ أَشْعَرَ بِتَهَاوُنِ مُرْتَكِبِهِ فِي دِينِهِ إشْعَارَ أَصْغَرِ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا بِذَلِكَ كَمَا لَوْ قَتَلَ مَنْ يَعْتَقِدُهُ مَعْصُومًا فَظَهَرَ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِدَمِهِ أَوْ وَطِئَ امْرَأَةً ظَانًّا أَنَّهُ زَانٍ بِهَا فَإِذَا هِيَ زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ اهـ وَمِنْ الرَّابِعِ قَوْلُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَتَابَعَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ فِي الْمُرْشِدِ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ السُّبْكِيُّ كُلُّ جَرِيمَةٍ أَوْ كُلُّ جَرِيرَةٍ تُؤْذِنُ أَيْ تُعْلِمُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثٍ أَيْ اعْتِنَاءِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدَّيَّانَةِ مُبْطِلَةٌ لِلْعَدَالَةِ وَكُلُّ جَرِيمَةٍ أَوْ جَرِيرَةٍ لَا تُؤْذِنُ بِذَلِكَ بَلْ يَبْقَى حُسْنُ الظَّنِّ ظَاهِرًا بِصَاحِبِهَا لَا تُحْبِطُ الْعَدَالَةَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الزَّوَاجِرِ وَكَذَا مِنْ الرَّابِعِ قَوْلُ الْأَصْلِ. وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ شَيْخِهِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْمَارِّ ضَابِطُ مَا تُرَدُّ

[ضابط قاعدة الإصرار المصير الصغيرة كبيرة]

وَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْكُلِّيِّ لَا يَدُلُّ عَلَى جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَلْ إنَّمَا يُفْهَمُ الْجُزْئِيُّ مِنْ أَمْرٍ آخَرَ غَيْرِ اللَّفْظِ فَإِذَا قُلْنَا: فِي الدَّارِ جِسْمٌ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ حَيَوَانٌ. وَإِذَا قُلْنَا: فِيهَا حَيَوَانٌ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إنْسَانٌ وَإِذَا قُلْنَا: فِيهَا إنْسَانٌ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ وَإِذَا قُلْنَا: فِيهَا مُؤْمِنٌ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ زَيْدٌ إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ ظَهَرَ أَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ جُزْئِيَّاتِهِ لَا تَكُونُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلَفْظِهِ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْجُزْئِيِّ أَمَّا إذَا حَمَلْنَا اللَّفْظَ عَلَى أَقَلِّ الْأَجْزَاءِ فَقَدْ خَالَفْنَا اللَّفْظَ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْجُزْءِ الْآخَرِ وَمَا أَتَيْنَا بِهِ وَمُخَالَفَةُ لَفْظِ صَاحِبِ الشَّرْعِ لَا تَجُوزُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى صُومُوا رَمَضَانَ فَمَنْ عَمَدَ إلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى أَقَلِّ أَجْزَائِهِ فَقَدْ خَالَفَ لَفْظَ صَاحِبِ الشَّرْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى اعْتِقُوا رَقَبَةً فَعَمَدْنَا إلَى رَقَبَةٍ تُسَاوِي عَشَرَةً وَتَرَكْنَا الرَّقَبَةَ الَّتِي تُسَاوِي أَلْفًا لَا نَكُونُ مُخَالِفِينَ لِلَفْظِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ يُخَرِّجُ الْخِلَافَ فِي غَسْلِ الذَّكَرِ مِنْ الْمَذْيِ هَلْ يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى الْحَشَفَةِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ جُمْلَتِهِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ لِأَنَّ هَذَا اقْتِصَارٌ عَلَى جُزْءٍ لَا جُزْئِيٍّ فَهُوَ كَالِاقْتِصَارِ عَلَى يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَلَا يَصِحُّ وَكَذَلِكَ تَخْرِيجُ الْخِلَافِ فِي التَّيَمُّمِ هَلْ هُوَ إلَى الْكُوعَيْنِ أَوْ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ أَوْ إلَى الْإِبْطَيْنِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ لَا يَصِحُّ أَيْضًا فَإِنَّ الْكُوعَ جُزْءُ الْيَدِ لَا جُزْئِيٌّ مِنْهَا فَكَانَ كَالِاقْتِصَارِ عَلَى يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَكُلُّ مَا هُوَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مِنْ التَّخْرِيجِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَتَأَمَّلْهُ فَهُوَ كَثِيرٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــSأَجْزَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْمُثْبَتِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ التِّسْعَةَ عَشَرَ الْمَوْجُودَةَ دُونَ الدِّينَارِ لَيْسَتْ جُزْءًا وَلَا أَجْزَاءَ النِّصَابِ حَقِيقَةً بَلْ بِنَوْعٍ مِنْ الْمَجَازِ. قَالَ: (وَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْكُلِّيِّ لَا يَدُلُّ عَلَى جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ إلَى قَوْلِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ زَيْدٌ) قُلْتُ: مُرَادُهُ جُزْءُ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ: (إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ ظَهَرَ أَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ جُزْئِيَّاتِهِ لَا تَكُونُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلَفْظِهِ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْجُزْئِيِّ) قُلْتُ: بَلْ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلَفْظِهِ وَقَوْلُهُ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْجُزْئِيِّ لَا يُفِيدُهُ مَقْصُودُهُ وَكَمَا لَا يَدُلُّ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْجُزْئِيِّ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا. (قَالَ: أَمَّا إذَا حَمَلْنَا اللَّفْظَ عَلَى أَقَلِّ الْأَجْزَاءِ فَقَدْ خَالَفْنَا اللَّفْظَ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْجُزْءِ الْآخَرِ وَمَا أَتَيْنَا بِهِ إلَى قَوْلِهِ فَقَدْ خَالَفَ لَفْظَ صَاحِبِ الشَّرْعِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ. قَالَ: (بِخِلَافِ إذَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: اعْتِقُوا رَقَبَةً فَعَمَدْنَا إلَى رَقَبَةٍ تُسَاوِي عَشَرَةً وَتَرَكْنَا الرَّقَبَةَ الَّتِي تُسَاوِي أَلْفًا لَا نَكُونُ مُخَالِفِينَ لِلَفْظِ صَاحِبِ الشَّرْعِ) قُلْتُ: قَوْلُهُ فِي الْمِثَالِ الَّذِي أَوْرَدَهُ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ مِثَالًا لِمَا قَصَدَ فَإِنَّهُ قَصَدَ تَمْثِيلَ الْكُلِّيِّ وَلَيْسَتْ الرَّقَبَةُ الْمُنْكَرَةُ مِنْ الْكُلِّيِّ بَلْ مِنْ الْمُطْلَقِ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ مِنْ ذَلِكَ بِمِثَالِهِ الَّذِي مَثَّلَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْكُلِّيِّ الْمُطْلَقَ فَيَكُونُ بِذَلِكَ مُخَالِفًا لِأَهْلِ الْأُصُولِ فِي اصْطِلَاحِهِمْ. قَالَ: (وَبِهَذَا يَظْهَرُ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ يُخَرِّجُ الْخِلَافَ فِي غَسْلِ الذَّكَرِ مِنْ الْمَذْيِ هَلْ يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى الْحَشَفَةِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ جُمْلَتِهِ عَلَى هَذِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ الشَّهَادَةُ أَنْ يُحْفَظَ مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ فَيُلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ وَمَا قَصُرَ عَنْهُ فِي الْمَفْسَدَةِ لَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ اهـ لَكِنَّ الْأَوَّلَ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ التَّوْبَةِ وَالثَّانِي بِعَدَمِ الْإِصْرَارِ فَإِنَّهُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ أَيْ تَوْبَةٍ بِشُرُوطِهَا وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ. [ضَابِطُ قَاعِدَةِ الْإِصْرَارِ الْمُصَيِّرِ الصَّغِيرَةَ كَبِيرَةً] وَضَابِطُ قَاعِدَةِ الْإِصْرَارِ الْمُصَيِّرِ لِلصَّغِيرَةِ كَبِيرَةً هُوَ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ مِنْ تَكْرَارِهَا مَعَ الْبَقَاءِ عَلَى عَدَمِ التَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ مَا يَحْصُلُ مِنْ مُلَابَسَةِ الْكَبِيرَةِ مِمَّا يُوجِبُ عَدَمَ الْوُثُوقِ بِالْفَاعِلِ فِي دِينِهِ وَإِقْدَامِهِ عَلَى الْكَذِبِ فِي الشَّهَادَةِ فَاجْعَلْ ذَلِكَ قَادِحًا وَمَا لَا فَلَا كَمَا إذَا حَصَلَ مِنْ تَكَرُّرِهَا ذَلِكَ مَعَ تَخَلُّلِ التَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ وَأَمَّا الْمُبَاحَاتُ فَمِنْهَا مَا لَا يُبِيحُ الشَّرْعُ فِعْلَهُ بِمَحْضَرِ النَّاسِ فَيَكُونُ تَكَرُّرُ فِعْلِهَا بِمَحْضَرِهِمْ كَذَلِكَ قَادِحًا فِي الشَّهَادَةِ لِكَوْنِ فِعْلِهَا حِينَئِذٍ مَعْصِيَةً لَاحِقَةً بِسَائِرِ الْمَعَاصِي وَمِنْهَا مَا لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ فَتَكُونُ مُشْعِرَةً بِخَلَلٍ حَدَثَ فِي عَقْلِ فَاعِلِهَا فَتَقْدَحُ فِي الضَّبْطِ لَا فِي الْعَدَالَةِ لِأَنَّ خَلَلَ الْعَقْلِ لَا يُؤْمَنُ مَعَهُ قِلَّةُ الضَّبْطِ. (فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّيْخُ الْمُقْرِي: شَهِدْت الشَّمْسُ ابْنَ الْقَيِّمِ مُقَيِّمَ الْحَنَابِلَةِ بِدِمَشْقَ وَهُوَ أَكْبَرُ أَصْحَابِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ «مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثٌ مِنْ الْوَلَدِ كَانُوا لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ» كَيْفَ إنْ أَتَى بَعْدَهَا بِكَبِيرَةٍ فَقَالَ: مَوْتُ الْوَلَدِ حِجَابٌ وَالْكَبِيرَةُ خَرْقٌ لِذَلِكَ الْحِجَابِ. وَإِنَّمَا يَحْجُبُ الْحِجَابُ إذْ لَمْ يُخْرَقْ فَإِذَا خُرِقَ لَمْ يَكُنْ حِجَابًا بِدَلِيلِ حَدِيثِ الصَّوْمُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرِقْهَا اهـ نَقَلَهُ التَّنْبَكْتِيُّ فِي تَكْمِلَةِ الدِّيبَاجِ وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْكَبَائِرِ فَهُوَ أَنَّ أَصْلَ الْكُفْرِ الْجَهْلُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَأَصْلَ الْكَبَائِرِ الْجُرْأَةُ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِفِعْلِ مَا نَهَى عَنْهُ وَعَظُمَتْ مَفْسَدَتُهُ لِاسْتِيلَاءِ الشَّهْوَةِ عَلَيْهِ فَمَا كَانَ مِنْ الْمَعَاصِي مُقْتَضِيًا الْجَهْلَ بِالرُّبُوبِيَّةِ نَصًّا مِنْ نَحْوِ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ وَجَحْدِ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَجَحْدِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهِمَا وَنَحْوِ إلْقَاءِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ وَجَحْدِ الْبَعْثِ أَوْ النُّبُوَّاتِ أَوْ وَصْفِهِ تَعَالَى بِكَوْنِهِ لَا يَعْلَمُ أَوْ لَا يُرِيدُ أَوْ لَيْسَ بِحَيٍّ وَنَحْوِهِ فَهُوَ الْكُفْرُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَمِنْهُ قَضِيَّةُ إبْلِيسَ فَإِنَّ الَّذِي تَقْتَضِيه الْقَوَاعِدُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ الشَّرْعِ هُوَ أَنَّ كُفْرَهُ إنَّمَا هُوَ بِنِسْبَتِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْجَوْرَ وَتَكَبُّرِهِ عَلَيْهِ لَا بِمُجَرَّدِ تَرْكِ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ السُّجُودِ لِآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاعْتِقَادِهِ كَوْنِهِ خَيْرًا مِنْهُ وَإِلَّا لَلَزِمَ أَنَّ كُلَّ عَاصٍ وَكُلَّ مُتَكَبِّرٍ كَافِرٌ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ نَعَمْ يَجُوزُ عَقْلًا أَنْ

[المسألة الأولى السجود للصنم على وجه التذلل والتعظيم]

الْمَذَاهِبِ وَكَذَلِكَ حَمْلُ اللَّفْظِ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ تَرْكٌ لِظَاهِرِ الْعُمُومِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَهُوَ بَاطِلٌ إجْمَاعًا فَيُجْتَنَبُ فِي هَذَا الْبَابِ حَمْلُ الْكُلِّ عَلَى بَعْضِ أَجْزَائِهِ وَحَمْلُ الْكُلِّيَّةِ عَلَى بَعْضِ جُزْئِيَّاتِهَا فَهُوَ حَمْلُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ الْخُصُوصِيَّاتِ فَهَذِهِ كُلُّهَا تَخْرِيجَاتٌ بَاطِلَةٌ بَلْ التَّخْرِيجُ الصَّحِيحُ فِي فُرُوعٍ مِنْهَا فَرْعُ الْحَضَانَةِ هَلْ تَسْتَحِقُّهُ الْأُمُّ إلَى الْإِثْغَارِ أَوْ إلَى الْبُلُوغِ قَوْلَانِ يُنَاسِبُ تَخْرِيجُهُمَا عَلَى الْقَاعِدَةِ بِسَبَبِ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْأَحَقِّيَّةِ لَهَا إمَّا غَايَةٌ مُعَيَّنَةٌ فَلَمْ يَذْكُرْهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ غَيْرَ غَايَةٍ تَتَعَلَّقُ بِهَا هِيَ وَبِحَالِهَا وَهِيَ عَدَمُ الزَّوَاجِ إمَّا غَايَةٌ تَتَعَلَّقُ بِحَالِهِ هُوَ فَلَمْ يَذْكُرْهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ بَلْ الْأَحَقِّيَّةُ فَقَطْ وَهِيَ تَصْدُقُ بِطَرَفَيْنِ فَأَدْنَاهُمَا الْإِثْغَارُ وَأَعْلَاهُمَا الْبُلُوغُ فَإِذَا حَمَلْنَا الْحَضَانَةَ عَلَى الْإِثْغَارِ لَا نَكُونُ مُخَالِفِينَ لِمُقْتَضَى لَفْظِ الْأَحَقِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ فَقَدْ وَفَيْنَا بِالْقَاعِدَةِ مَعَ عَدَمِ مُخَالَفَةِ اللَّفْظِ. فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ خُولِفَتْ الْغَايَةُ الْمَقُولَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَالِهَا هِيَ وَهِيَ عَدَمُ الزَّوَاجِ قُلْت: مُسَلَّمٌ لَكِنَّ هَذِهِ الْغَايَةَ هِيَ إشَارَةٌ إلَى الْمَانِعِ وَأَنَّ زَوَاجَهَا مَانِعٌ مِنْ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ وَالْمَانِعُ وَعَدَمُهُ لَا مَدْخَلَ لَهُمَا فِي تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ بَلْ فِي عَدَمِ تَرَتُّبِهَا كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي الْمَانِعِ إنَّمَا هُوَ وُجُودُهُ فِي الْعَدَمِ لَا عَدَمُهُ فِي الْوُجُودِ وَالتَّخْرِيجُ إنَّمَا وَقَعَ فِيمَا اقْتَضَاهُ اللَّفْظُ مِنْ مُوجِبِ الْحُكْمِ وَسَبَبِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSالْقَاعِدَةِ لِأَنَّ هَذَا اقْتِصَارٌ عَلَى جُزْءٍ لَا جُزْئِيٍّ إلَى قَوْلِهِ فَهَذِهِ كُلُّهَا تَخْرِيجَاتٌ بَاطِلَةٌ) قُلْتُ: مَضْمُونُ قَوْلِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكُلِّ فَلَا يُحْمَلُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ عَلَى جُزْئِهِ وَبَيْنَ الْكُلِّيِّ فَيُحْمَلُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ عَلَى جُزْأَيْهِ فَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّهُ لَا يُحْمَلُ لَفْظُ الْكُلِّ عَلَى جُزْئِهِ فَهُوَ الصَّحِيحُ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الْكُلِّيَّ يُحْمَلُ عَلَى جُزْأَيْهِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ: الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ يُرِيدُ أَنَّ هَذَا الْجِنْسَ عَلَى الْجُمْلَةِ خَيْرٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ عَلَى الْجُمْلَةِ لَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِ هَذَا الْجِنْسِ خَيْرُهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ مِنْ جُزْئِيَّاتِ هَذَا الْجِنْسِ وَمَنْ حَمَلَ الْكُلِّيَّ عَلَى جُزْأَيْهِ فِي هَذَا الْمِثَالِ فَقَدْ أَخْطَأَ كَمَنْ حَمَلَ الْكُلَّ عَلَى جُزْئِهِ وَإِنَّمَا حَمَلَ شِهَابَ الدَّيْنِ عَلَى تَسْوِيغِ ذَلِكَ فِي الْكُلِّيِّ دُونَ الْكُلِّ اعْتِقَادُهُ أَنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الْكُلِّيُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُطْلَقُ جُزْئِيٌّ مُبْهَمٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَلِذَلِكَ جَازَ فِيهِ الْحَمْلُ عَلَى أَيِّ جُزْئِيٍّ كَانَ وَمَا قَالَهُ: مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ اجْتِنَابُ حَمْلِ الْكُلِّيَّةِ عَلَى بَعْضِ جُزْئِيَّاتِهَا صَحِيحٌ وَمُرَادُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُخَصَّصًا. قَالَ: (بَلْ التَّخْرِيجُ الصَّحِيحُ فِي فُرُوعٍ مِنْهَا فَرْعُ الْحَضَانَةِ هَلْ تَسْتَحِقُّهُ الْأُمُّ إلَى الْإِثْغَارِ أَوْ إلَى الْبُلُوغِ قَوْلَانِ فَنَاسَبَ تَخْرِيجُهُمَا عَلَى الْقَاعِدَةِ بِسَبَبِ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنْتِ أَحَقُّ مَا لَمْ تَنْكِحِي» إلَى آخِرِهِ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ: فِي الْمَسْأَلَةِ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ فَإِذَا حَمَلْنَا الْحَضَانَةَ عَلَى الْإِثْغَارِ لَا نَكُونُ مُخَالِفِينَ لِمُقْتَضَى لَفْظِ الْأَحَقِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ فَقَدْ وَفَّيْنَا بِالْقَاعِدَةِ مَعَ عَدَمِ مُخَالَفَةِ اللَّفْظِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقَاعِدَةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا وَهِيَ حَمْلُ الْكُلِّيِّ عَلَى جُزْأَيْهِ بَلْ هُوَ مِنْ قَاعِدَةِ الْمُطْلَقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ كُفْرُهُ بِمُجَرَّدِ مُخَالَفَتِهِ وَمَا كَانَ مِنْهَا مُقْتَضِيًا ذَلِكَ احْتِمَالًا لَا نَصًّا فَهُوَ الْكُفْرُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ كَالتَّجْسِيمِ وَأَنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ أَفْعَالَ نَفْسِهِ الِاخْتِيَارِيَّةَ وَأَنَّ إرَادَةَ اللَّهِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةِ النُّفُوذِ وَأَنَّهُ تَعَالَى فِي جِهَةٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمُنَزِّهٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ اعْتِقَادَاتِ أَرْبَابِ الْأَهْوَاءِ فَلِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَالْأَشْعَرِيِّ فِيهِمْ قَوْلَانِ بِالتَّكْفِيرِ وَعَدَمِهِ وَالتَّكْفِيرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ قَوْلُ ابْنِ حَنْبَلٍ وَعَدَمُهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: مَنْ كَفَّرَ جُمْلَةَ الصَّحَابَةِ فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّ تَكْفِيرَهُمْ يُلْزِمُ إبْطَالَ الشَّرِيعَةِ لِأَنَّهُمْ أَصْلُهَا وَعَنْهُمْ أُخِذَتْ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ إرَادَةُ الْكُفْرِ كَبِنَاءِ كَنِيسَةٍ يُكْفَرُ فِيهَا بِاَللَّهِ كُفْرٌ وَمَنْ قَتَلَ نَبِيًّا بِقَصْدِ إمَاتَةِ شَرِيعَتِهِ مَعَ تَصْدِيقِهِ لَهُ فَهُوَ كَافِرٌ وَلَعَلَّ غَيْرَ الْقَاضِي وَالْأَشْعَرِيِّ يُوَافِقُهُمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. وَمَا كَانَ مِنْهَا لَيْسَ مُقْتَضِيًا ذَلِكَ أَصْلًا بَلْ إنَّمَا يَقْتَضِي الْجُرْأَةَ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ تَعَالَى بِفِعْلِ مَا نَهَى عَنْهُ وَعَظُمَتْ مَفْسَدَتُهُ لِاسْتِيلَاءِ الشَّهْوَةِ عَلَيْهِ فَهُوَ الْكَبِيرَةُ كَقَتْلِ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَيُوَضِّحُ هَذَا الْفَرْقَ مَسْأَلَتَانِ. [الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى السُّجُودَ لِلصَّنَمِ عَلَى وَجْهِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ] (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الْفَرْقُ بَيْنَ السُّجُودِ لِلصَّنَمِ عَلَى وَجْهِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ لَهُ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ كُفْرٌ وَبَيْنَ السُّجُودِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ تَعْظِيمًا وَتَذَلُّلًا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ هُوَ أَنَّ السُّجُودَ لِلْأَصْنَامِ لَيْسَ لِمُجَرَّدِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ بَلْ لَهُ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ آلِهَةٌ وَأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى حَتَّى اقْتَضَى بِذَلِكَ الْجَهْلَ بِالرُّبُوبِيَّةِ بِخِلَافِهِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ لِمُجَرَّدِ التَّذَلُّلِ وَالتَّعْظِيمِ لَا لِاعْتِقَادِ أَنَّهُمْ آلِهَةٌ وَشُرَكَاءُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ نَعَمْ لَوْ وَقَعَ مَعَ الْوَالِدِ أَوْ الْعَالَمِ أَوْ الْوَلِيِّ عَلَى وَجْهِ اعْتِقَادِ أَنَّهُ إلَهٌ وَشَرِيكٌ لِلَّهِ تَعَالَى لَكَانَ كُفْرًا لَا شَكَّ فِيهِ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ نِسْبَةُ الْأَفْعَالِ إلَى الْكَوَاكِبِ فِيهَا أَقْسَامٌ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) نِسْبَةُ الْأَفْعَالِ إلَى الْكَوَاكِبِ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا مُدَبِّرَةٌ لِلْعَالَمِ وَمُوجِدَةٌ لِمَا فِيهِ وَلَا شَيْءَ وَرَاءَهَا وَهَذَا كُفْرٌ بِلَا خَفَاءٍ، الْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا فَاعِلَةُ الْآثَارِ فِي هَذَا الْعَالَمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمُؤَثِّرُ الْأَعْظَمُ مَعَهَا فَتَكُونُ نِسْبَتُهَا إلَى أَفْعَالِهَا كَنِسْبَةِ الْحَيَوَانِ إلَى أَفْعَالِهِ عَلَى رَأْيِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ لِلْكَوَاكِبِ أَوْ لِلْإِنْسَانِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ فِعْلٌ عَلَى

وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثُّبُوتُ وَمِنْهَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْأَمَةِ وَوَلَدِهَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ أَيْضًا هَلْ يُمْنَعُ ذَلِكَ إلَى الْبُلُوغِ أَوْ الْإِثْغَارِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي هَذَا دُونَ الْأَوَّلِ وَتَخْرِيجُهُ عَلَى الْقَاعِدَةِ مُتَيَسِّرٌ أَيْضًا حَسَنٌ بِسَبَبِ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تُوَلَّهُ وَالِدَةٌ عَلَى وَلَدِهَا» عَامٌّ فِي الْوَالِدَاتِ وَالْمَوْلُودِينَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ وَالِدَةً نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ وَوَلَدَهَا اسْمُ جِنْسٍ أُضِيفَ فَيَعُمُّ وَعَامٌّ فِي الزَّمَانِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنْ لَا لِنَفْيِ الِاسْتِقْبَالِ عَلَى جِهَةِ الْعُمُومِ وَمِنْهُ {لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [طه: 74] فَإِنَّ ذَلِكَ يَعُمُّ الْأَزْمِنَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ غَيْرَ أَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي أَحْوَالِ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ مُطْلَقٌ فِي الْأَحْوَالِ. وَإِذَا كَانَ مُطْلَقًا فِي الْأَحْوَالِ فَهُوَ يَتَنَاوَلُ أَمْرًا كُلِّيًّا يَصْدُقُ فِي رُتْبَةٍ دُنْيَا وَهِيَ الْإِثْغَارُ وَرُتْبَةٍ عُلْيَا وَهِيَ الْبُلُوغُ فَإِذَا خُرِّجَ الْخِلَافُ عَلَى الْقَاعِدَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ اسْتَقَامَ لِأَنَّهُ حَمَلَ اللَّفْظَ عَلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ جُزْئِيَّاتِهِ وَلَا يُخَالِفُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْكُلِّيِّ وَأَمَّا عُمُومُ لَا فَهُوَ رَاجِعٌ إلَيْنَا كَأَنَّهُ قَالَ: حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْكُمْ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ مِنْ زَمَنِ هَذَا الْخِطَابِ وَلَيْسَ عُمُومُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمَّهَاتِ وَالْأَوْلَادِ فَلَمْ تَكُنْ فِيهِ مُعَارَضَةٌ لِعَدَمِ الْعُمُومِ فِي الْوَالِدَاتِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ هَلْ مَحْمَلُهُ عَلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ الرُّشْدِ وَهُوَ الرُّشْدُ فِي الْمَالِ خَاصَّةً قَالَهُ: مَالِكٌ أَوْ عَلَى أَعْلَى مَرَاتِبِ الرُّشْدِ وَهُوَ الرُّشْدُ فِي الْمَالِ وَالدِّينِ قَالَهُ: الشَّافِعِيُّ مَعَ أَنَّ الرُّشْدَ ذُكِرَ بِصِيغَةِ التَّنْكِيرِ الدَّالِّ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ الَّذِي لَا يَدُلُّ عَلَى جُزْئِيٍّ خَاصٍّ فَلَيْسَ فِي حَمْلِهِ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ مُخَالَفَةٌ لِلَّفْظِ أَلْبَتَّةَ وَلَا مِنْ وَجْهٍ مُحْتَمَلٍ بِخِلَافِ الْمِثَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِيهِمَا تِلْكَ الْمُخَالَفَةُ الَّتِي اُحْتِيجَ لِلِاعْتِذَارِ عَنْهَا وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ الْحَرَامِ إذَا قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ أَوْ الْوَاحِدَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (وَمِنْهَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْأَمَةِ وَوَلَدِهَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ أَيْضًا هَلْ يُمْنَعُ ذَلِكَ إلَى الْبُلُوغِ أَوْ الْإِثْغَارِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي هَذَا دُونَ الْأَوَّلِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ فَهُوَ يَتَنَاوَلُ أَمْرًا كُلِّيًّا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِكُلِّيٍّ كَيْفَ وَقَدْ نَصَّ هُوَ عَلَى أَنَّهُ مُطْلَقٌ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِذَا خُرِّجَ الْخِلَافُ عَلَى الْقَاعِدَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ اسْتَقَامَ لِأَنَّهُ حَمْلٌ لِلَّفْظِ عَلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ جُزْئِيَّاتِهِ وَلَا يُخَالِفُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْكُلِّيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْكُلِّيِّ الْمَحْمُولِ عَلَى جُزْأَيْهِ بَلْ هُوَ مِنْ الْمُطْلَقِ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْكُلِّيِّ لَمْ يَصِحَّ حَمْلُهُ عَلَى جُزْأَيْهِ كَمَا سَبَقَ. قَالَ: (وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ مَحْمَلُهُ عَلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ الرُّشْدِ وَهُوَ الرُّشْدُ فِي الْمَالِ خَاصَّةً قَالَهُ: مَالِكٌ أَوْ عَلَى أَعْلَى مَرَاتِبِ الرُّشْدِ وَهُوَ الرُّشْدُ فِي الْمَالِ وَالدِّينِ قَالَهُ: الشَّافِعِيُّ مَعَ أَنَّ الرُّشْدَ ذُكِرَ بِصِيغَةِ التَّنْكِيرِ الدَّالِّ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: قَوْلُهُ مَعَ أَنَّ الرُّشْدَ ذُكِرَ بِصِيغَةِ التَّنْكِيرِ الدَّالِّ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ صِيغَةُ التَّنْكِيرِ دَالَّةٌ عَلَى الْمَعْنَى الْمُطْلَقِ وَالْمُطْلَقُ لَيْسَ هُوَ الْمَعْنَى الْأَعَمُّ بَلْ هُوَ الْمَعْنَى الْأَخَصُّ الْمُبْهَمُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ. قَالَ: (وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ الْحَرَامِ إذَا قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ أَوْ الْوَاحِدَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَقِيقَةِ خَطَأٌ وَأَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لَمْ يَعْرِفْ قَطُّ فَرْقًا مَا بَيْنَ الرَّبِّ وَالْمَرْبُوبِ وَالْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا خَالِقَ سِوَاهُ قَالَ: تَعَالَى وَمَا رَمَيْت أَيْ حَقِيقَةً إذْ رَمَيْت أَيْ كَسْبًا {وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17] أَيْ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّ مَنْ نَسَبَ الْفِعْلَ الْحَقِيقِيَّ إلَى الْكَوَاكِبِ فَذَلِكَ كُفْرٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْمُعَاصِرِينَ لِلشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَنْ نَسَبَهُ إلَى الْإِنْسَانِ فَفِيهِ الْخِلَافُ هَلْ هُوَ كُفْرٌ أَوْ ضَلَالَةٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْكَوَاكِبَ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَأَحْوَالَهَا غَائِبَةٌ عَنْ السَّفَرِ فَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى اعْتِقَادِ اسْتِقْلَالِهَا وَفَتْحِ أَبْوَابِ الْكُفْرِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِنْسَانِ فَإِنَّ التَّذَلُّلَ وَالْعُبُودِيَّةَ ظَاهِرَةٌ عَلَيْهِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى اعْتِقَادِ اسْتِقْلَالِهِ إلَخْ الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا فَاعِلَةٌ فِعْلًا عَادِيًا حَقِيقِيًّا وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عِنْدَهَا إذَا تَشَكَّلَتْ بِشَكْلٍ مَخْصُوصٍ فِي أَفْلَاكِهَا أَنْ تَكُونَ فِي أَحْوَالِهَا وَرَبَطَ الْأَسْبَابَ بِهَا كَحَالِ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ فِي الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ بِاعْتِبَارِ الرَّبْطِ الْعَادِيِّ لَا الْفِعْلِ الْحَقِيقِيِّ وَهَذَا الْقِسْمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا إلَّا أَنَّهُ خَطَأٌ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الِارْتِبَاطِ فَإِنَّا وَجَدْنَا الْعَادَةَ غَيْرَ مُنْضَبِطَةٍ فِي ذَلِكَ وَلَا هِيَ أَكْثَرِيَّةٌ غَالِبَةٌ كَالْأَدْوِيَةِ حَتَّى يَكُونَ اعْتِقَادُ ذَلِكَ مُمْكِنًا وَجَائِزًا بَلْ هُوَ كَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ عَقَارًا مُعَيَّنًا يُبْرِئُهُ مِنْ الْحُمَّى. وَلَمْ تَدُلَّ التَّجْرِبَةُ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ يَكُونُ خَطَأً بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ أَيْضًا لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ أَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَأَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ وَبَيْنَ أَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ وَأَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ فَفِي الْأَصْلِ أَنَّهُ بِاسْتِقْرَاءِ كُتُبِ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي يُكْفَرُ بِهَا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا وَالْمُخْتَلَفُ فِيهَا اسْتِقْرَاءً كَامِلًا وَاسْتِقْرَاءِ رُتَبِ الْكَبَائِرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَالْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَذَلِكَ لِيُنْظَرَ فِي مَسَائِلِ التَّكْفِيرِ إلَى أَقْرَبِهَا إلَى عَدَمِ التَّكْفِيرِ بِالنَّظَرِ السَّدِيدِ فَيَجْعَلُهَا أَدْنَى رُتْبَةَ التَّكْفِيرِ وَمَا دُونَهَا أَدْنَى رُتْبَةَ الْكَبَائِرِ وَيُنْظَرُ فِي رُتَبِ الْكَبَائِرِ بِالنَّظَرِ السَّدِيدِ إلَى أَقَلِّهَا مَفْسَدَةً فَيَجْعَلُهَا أَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَاَلَّتِي دُونَهَا هِيَ أَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ وَفِيهِ أَنَّ كَمَالَ اسْتِقْرَاءِ أَقْوَالِ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمُسْتَحِيلِ عَادَةً عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يَلْزَمُنَا اسْتِقْرَاءُ أَقْوَالِهِمْ مِنْ الْعِلْمِ بِفَارِقٍ يُفَرِّقُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيْنَ أَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ وَأَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَبَيْنَ أَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ وَأَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ فَمَا الْمَانِعُ

[الفرق بين قاعدة الأمر المطلق وقاعدة مطلق الأمر]

خِلَافٌ يَصِحُّ تَخْرِيجُهُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ حَرَامٌ مُطْلَقٌ دَالٌّ عَلَى مُطْلَقِ التَّحْرِيمِ الدَّائِرِ بَيْنَ الرُّتَبِ الْمُخْتَلِفَةِ فَأَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى أَعْلَاهَا أَوْ عَلَى أَدْنَاهَا وَيَلْحَقُ بِمَسْأَلَةِ الْحَرَامِ مَا مَعَهَا فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ نَحْوُ أَلْبَتَّةَ وَالْبَائِنِ وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك هَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَعْلَى الرُّتَبِ وَهُوَ الثَّلَاثُ أَمْ لَا وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ التَّيَمُّمِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} [النساء: 43] فَقَوْلُهُ صَعِيدًا مَدْلُولُهُ أَمْرٌ كُلِّيٌّ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ وَهُوَ مُطْلَقُ مَا يُسَمَّى صَعِيدًا تُرَابًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْ أَعْلَى رُتَبِ الصَّعِيدِ وَهُوَ التُّرَابُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا حَسَنَةُ التَّخْرِيجِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَلَا الْمَعْنَى. وَمِنْهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ يُؤَذِّنُ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ» وَالْمِثْلِيَّةُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ تَصْدُقُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ بِأَيِّ وَصْفٍ كَانَ مِنْ غَيْرِ شُمُولٍ فَإِذَا قُلْت: زَيْدٌ مِثْلُ الْأَسَدِ كَفَى فِي ذَلِكَ الشُّجَاعَةُ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَوْصَافِ وَكَذَلِكَ زَيْدٌ مِثْلُ عَمْرٍو يَصْدُقُ ذَلِكَ حَقِيقَةً بِمُشَارَكَتِهِمَا فِي صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْمِثْلُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَذَانِ إنْ حُمِلَ عَلَى أَعْلَى الرُّتَبِ قَالَ: مِثْلَ مَا يَقُولُ إلَى آخِرِ الْأَذَانِ أَوْ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ فَفِي التَّشَهُّدِ خَاصَّةً وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فَهَذِهِ سِتُّ مَسَائِلَ تُنَبِّهُك عَلَى صِحَّةِ التَّخْرِيجِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَالْمَسَائِلُ السَّابِقَةُ تُنَبِّهُك عَلَى التَّخْرِيجِ الْفَاسِدِ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ بَابِ الْأَجْزَاءِ وَهَذِهِ مِنْ بَابِ الْجُزْئِيَّاتِ فَقَدْ ظَهَرَ لَك الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَالصَّحِيحُ مِنْ الْفَاسِدِ. (تَنْبِيهٌ) لَيْسَ الْخِلَافُ فِي هَذِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSيَصِحُّ تَخْرِيجُهُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: قَوْلُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ حَرَامٌ مُطْلَقٌ دَالٌّ عَلَى مُطْلَقِ التَّحْرِيمِ الدَّائِرِ بَيْنَ الرُّتَبِ الْمُخْتَلِفَةِ فَأَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى أَعْلَاهَا أَوْ عَلَى أَدْنَاهَا صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ شَأْنُ الْمُطَلَّقَاتِ وَلَيْسَتْ مِنْ الْقَاعِدَةِ الَّتِي أَرَادَ لَكِنْ هُنَا أَمْرٌ آخَرُ هُوَ سَبَبُ الْخِلَافِ وَهُوَ الْعُرْفُ فِي لَفْظَةِ حَرَامٍ هَلْ هُوَ الثَّلَاثُ أَوْ الْوَاحِدَةُ. قَالَ: (وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ التَّيَمُّمِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: جَرَى أَيْضًا عَلَى مُعْتَادِهِ وَفَاسِدِ اعْتِقَادِهِ فِي أَنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الْكُلِّيُّ وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ: (وَمِنْهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ يُؤَذِّنُ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ» وَالْمِثْلِيَّةُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ تَصْدُقُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ بِأَيِّ وَصْفٍ كَانَ مِنْ غَيْرِ شُمُولٍ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: الْمِثْلِيَّةُ تَقْتَضِي فِي لِسَانِ الْعَرَبِ الشُّمُولَ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ إلَّا مَا خَصَّهُ الْعُرْفُ كَقَوْلِهِمْ زَيْدٌ مِثْلُ الْأَسَدِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَمَا أَرَى مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَرَّعَ عَلَى تِلْكَ الْقَاعِدَةِ وَإِنَّمَا رَأَى أَنَّ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ لَيْسَ مِنْ الذِّكْرِ وَإِنَّمَا هُوَ تَحْرِيضٌ وَاسْتِدْعَاءٌ وَالْمَعْهُودُ فِي الشَّرْعِ إنَّمَا هُوَ اسْتِحْبَابُ مَا هُوَ ذِكْرٌ فَقَيَّدَ مُطْلَقَ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى وَأَخَذَ غَيْرُ مَالِكٍ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ.: (فَهَذِهِ سِتُّ مَسَائِلَ تُنَبِّهُكَ عَلَى صِحَّةِ التَّخْرِيجِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إلَى قَوْلِهِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْفَاسِدِ) قُلْتُ: قَدْ تَبَيَّنَ الصَّحِيحُ مِنْ الْفَاسِدِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَعَالَى. قَالَ: (تَنْبِيهٌ لَيْسَ الْخِلَافُ فِي هَذِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِهَذَا الْمُتَعَلِّمِ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إلَى اسْتِقْرَاءِ أَقْوَالِهِمْ وَبِالْجُمْلَةِ لَمْ يَأْتِ فِي هَذَا الْفَرْقِ إلَّا بِإِحَالَةٍ عَلَى جَهَالَةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ وَقَاعِدَةِ مُطْلَقِ الْأَمْرِ] (الْفَرْقُ الْخَامِسَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ وَقَاعِدَةِ مُطْلَقِ الْأَمْرِ وَكَذَلِكَ الْحَرَجِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْحَرَجِ وَالْعِلْمِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْعِلْمِ وَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْبَيْعِ وَجَمِيعِ هَذِهِ النَّظَائِرِ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ فَالْقَاعِدَتَانِ مُفْتَرِقَتَانِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ النَّظَائِرِ) . اعْلَمْ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ كَمَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ فِي الْأَمْرِ الْمَوْصُوفِ بِالْمُطْلَقِ لِلْعُمُومِ الِاسْتِغْرَاقِيِّ عَلَى رَأْيِ مَنْ أَثْبَتَهُ أَوْ لِلْعَهْدِ فِي الْجِنْسِ كَذَلِكَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَا فِي الْأَمْرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الْمُطْلَقِ فَكَمَا يَسُوغُ فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ أَنْ يَكُونَ لِلْعُمُومِ وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلْعُمُومِ كَذَلِكَ يَسُوغُ فِي مُطْلَقِ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْعُمُومِ وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلْعُمُومِ فَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ سَوَاءٌ وَلَا يَصِحُّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِالْقَرَائِنِ الْمَقَالِيَّةِ أَوْ الْحَالِيَّةِ فَمَا قَامَتْ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّهُ لِلْعُمُومِ كَانَ لِلْعُمُومِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعُمُومِ بَلْ لِلْعَهْدِ فِي الْجِنْسِ لَمْ يَكُنْ لِلْعُمُومِ هَذَا بِحَسَبِ أَصْلِ اللُّغَةِ أَمَّا بِحَسَبِ مَا جَرَى بِهِ اصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ وَلَا مُشَاحَّةَ فِيهِ كَمَا فِي الصَّاوِيِّ عَلَى أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ فَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَمْرِ الْمُقَيَّدِ بِالْإِطْلَاقِ أَيْ مَا صَدَقَ اسْمُ الْأَمْرِ عَلَيْهِ بِلَا قَيْدٍ لَازِمٍ فَهُوَ نَظِيرُ الْمَاهِيَّةِ بِشَرْطِ لَا شَيْءَ عِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ أَيْ الْمَاهِيَّةُ الْمُجَرَّدَةُ عَنْ الْعَوَارِضِ وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ عِبَارَةٌ عَنْ جِنْسِ الْأَمْرِ الصَّادِقِ بِكُلِّ أَمْرٍ وَلَوْ مُقَيَّدًا بِقَيْدٍ لَازِمٍ فَهُوَ نَظِيرُ الْمَاهِيَّةِ لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ أَيْ عِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ أَيْ الْمَاهِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ فَاصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ خَصَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ بِالْعُمُومِ الشُّمُولِيِّ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَى قَرِينَةٍ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِهِ مَجَازٌ شَرْعِيٌّ وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً. وَخُصَّ مُطْلَقُ الْأَمْرِ بِغَيْرِ الْعُمُومِ الشُّمُولِيِّ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ مِنْ الْجِنْسِ الْمُتَمَيِّزِ بِالْمُضَافِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَى قَرِينَةٍ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْعُمُومِ الشُّمُولِيِّ مَجَازٌ شَرْعِيٌّ وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً فَمِنْ هُنَا كَانَ الْبَيْعُ الْمُطْلَقُ عَامًّا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِقَيْدٍ يُوجِبُ تَخْصِيصَهُ مِنْ شَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اللَّوَاحِقِ لِلْعُمُومِ مِمَّا يُوجِبُ تَخْصِيصُهُ شَامِلٌ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْبَيْعِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ بَيْعٌ إلَّا دَخَلَ فِيهِ وَكَانَ مُطْلَقُ الْبَيْعِ عِبَارَةً عَنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْبِيَاعَاتِ وَهُوَ مُسَمَّى الْبَيْعِ الَّذِي يَصْدُقُ بِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْبَيْعِ فَجَعَلُوا لَفْظَ مُطْلَقٍ إشَارَةً إلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ خَاصَّةً الصَّادِقِ بِفَرْدٍ وَاحِدٍ وَأَضَافُوهُ إلَى

[الفرق بين قاعدة أدلة مشروعية الأحكام وبين قاعدة أدلة وقوع الأحكام]

الْقَاعِدَةِ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ فُرُوعِهَا بَلْ فُرُوعُهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ أَجْمَعَ النَّاسُ فِيهِ عَلَى الْحَمْلِ عَلَى أَعْلَى الرُّتَبِ وَهُوَ مَا وَرَدَ مِنْ الْأَوَامِرِ بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ وَسَلْبِ النَّقَائِصِ وَمَا يُنْسَبُ إلَى الرَّبِّ تَعَالَى مِنْ التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا فَهَذَا الْقِسْمُ الْأَمْرُ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِأَقْصَى غَايَتِهِ الْمُمْكِنَةِ لِلْعَبِيدِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِك» وَقِسْمٌ أَجْمَعَ النَّاسُ فِيهِ عَلَى الْحَمْلِ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ وَهُوَ الْأَقَارِيرُ فَإِذَا قَالَ: لَهُ عِنْدِي دَنَانِيرُ حُمِلَ عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَهُوَ أَدْنَى رُتَبِهَا مَعَ صِدْقِهَا فِي الْآلَافِ لِكَوْنِ الْأَصْلِ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ فَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِأَقَلِّ الرُّتَبِ وَلَيْسَ الْأَصْلُ إهْمَالَ جَانِبِ الرُّبُوبِيَّةِ بَلْ تَعْظِيمُهَا وَالْمُبَالَغَةُ فِي إجْلَالِ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] . وَقَالَ مَعَ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ جَمِيعَ الْغَايَاتِ الَّتِي وَصَلُوا إلَيْهَا دُونَ مَا يَنْبَغِي لَهُ تَعَالَى مِنْ التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ فَهَذَا تَلْخِيصُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَلْتَبِسُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَاعِدَةِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ) فَحَقُّ اللَّهِ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ وَحَقُّ الْعَبْدِ مَصَالِحُهُ وَالتَّكَالِيفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ كَالْإِيمَانِ وَتَحْرِيمِ الْكُفْرِ وَحَقِّ الْعِبَادِ فَقَطْ كَالدُّيُونِ وَالْأَثْمَانِ وَقِسْمٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ أَوْ حَقُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــSالْقَاعِدَةِ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ فُرُوعِهَا بَلْ فُرُوعُهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ) قُلْتُ: قَدْ صَرَّحَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ بِسَبَبِ تَخْصِيصِ مَا يَتَعَلَّقُ بِجَانِبِ الرُّبُوبِيَّةِ بِأَعْلَى الرُّتَبِ وَبِسَبَبِ تَخْصِيصِ الْأَقَارِيرِ بِأَدْنَى الرُّتَبِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ إنَّمَا الْخِلَافُ فِيهِ لِأَسْبَابٍ تَخُصُّ مَوَاقِعَ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَاعِدَةِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ) قُلْتُ: بَلْ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى مُتَعَلِّقُ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَهُوَ عِبَادَتُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا» . قَالَ: (وَحَقُّ الْعَبْدِ مَصَالِحُهُ) قُلْتُ: إنْ أَرَادَ حَقَّهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّمَا ذَلِكَ مَلْزُومُ عِبَادَتِهِ إيَّاهُ وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَيُخَلِّصَهُ مِنْ النَّارِ وَإِنْ أَرَادَ حَقَّهُ عَلَى الْجُمْلَةِ أَيْ الْأَمْرَ الَّذِي يَسْتَقِيمُ بِهِ فِي أُولَاهُ وَأُخْرَاهُ فَمَصَالِحُهُ. قَالَ: (وَالتَّكَالِيفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ كَالْإِيمَانِ وَتَحْرِيمِ الْكُفْرِ) قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ عِبَادَتُهُ إيَّاهُ فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَصَحِيحٌ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ: (وَحَقُّ الْعِبَادِ فَقَطْ كَالدُّيُونِ وَالْأَثْمَانِ) قُلْتُ: تَمْثِيلُهُ هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ يُرِيدُ حُقُوقَهُمْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَقَوْلُهُ قَبْلَ حَقِّهِ مَصَالِحُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ يُرِيدُ حُقُوقَهُمْ عَلَى الْجُمْلَةِ. قَالَ: (وَقِسْمٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقُّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَيْعِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ مُطْلَقِ الْحَيَوَانِ وَمُطْلَقِ الْإِنْسَانِ وَمُطْلَقِ الْأَمْرِ وَمُطْلَقِ غَيْرِهِ مِنْ مُطْلَقَاتِ جَمِيعِ الْحَقَائِقِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَمُطْلَقِ الْبَيْعِ وَجَمِيعِ النَّظَائِرِ وَبِهِ يَصْدُقُ قَوْلُنَا إنَّ مُطْلَقَ الْبَيْعِ حَلَالٌ إجْمَاعًا وَالْبَيْعُ الْمُطْلَقُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ الْحِلُّ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ بَعْضُ الْبِيَاعَاتِ حَرَامٌ إجْمَاعًا وَقَوْلُنَا حَصَلَ لِزَيْدٍ مُطْلَقُ الْمَالِ وَلَوْ بِفَلْسٍ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْمَالُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ جَمِيعُ مَا يَتَحَوَّلُ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا وَقَوْلُنَا مُطْلَقُ النَّعِيمِ حَاصِلٌ دُونَ النَّعِيمِ الْمُطْلَقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ وُقُوعِ الْأَحْكَامِ] (الْفَرْقُ السَّادِسَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَدِلَّةِ وُقُوعِ الْأَحْكَامِ) وَهُوَ أَنَّ أَدِلَّةَ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَحْكَامِ مَحْصُورَةٌ شَرْعًا فِي نَحْوِ الْعِشْرِينَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُدْرَكٍ شَرْعِيٍّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الدَّلِيلَ نَصَبَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ لِاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ وَهِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَلَى رَأْيٍ وَالِاسْتِحْسَانُ وَالِاسْتِصْحَابُ وَالْعِصْمَةُ وَالْأَخْذُ بِالْأَخَفِّ وَفِعْلُ الصَّحَابِيِّ وَفِعْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَفِعْلُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَإِجْمَاعُهُمْ وَالْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ وَإِجْمَاعٌ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ فِيهِ وَقِيَاسٌ لَا فَارِقَ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا قُرِّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَأَمَّا الْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى وُقُوعِ الْأَحْكَامِ أَيْ وُقُوعِ أَسْبَابِهَا وَحُصُولِ شُرُوطِهَا وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهَا فَهِيَ لَا تُحْصَرُ فِي عَدَدٍ وَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَيْهَا بِالتَّنَاهِي وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نَصْبٍ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَالزَّوَالُ مَثَلًا دَلِيلُ مَشْرُوعِيَّتِهِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الظُّهْرِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] وَدَلِيلُ وُقُوعِ الزَّوَالِ وَحُصُولِهِ فِي الْعَالَمِ الْآلَاتُ الدَّالَّةُ عَلَيْهِ كَالْأَسْطُرْلَابِ وَالْمِيزَانِ وَرُبْعِ الدَّائِرَةِ وَالشَّكَّارِيَّةِ والزرقالية وَالْبُنْكَامِ وَالرُّخَامَةِ الْبَسِيطَةِ وَالْعِيدَانِ الْمَرْكُوزَةِ فِي الْأَرْضِ وَجَمِيعِ آلَاتِ الظِّلَالِ وَجَمِيعِ آلَاتِ الْمِيَاهِ وَآلَاتِ الطُّلَّابِ كَالطِّنْجَهَارَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ آلَاتِ الْمَاءِ وَآلَاتِ الزَّمَانِ وَغَيْرِ الْآلَاتِ كَعَدَدِ تَنَفُّسِ الْحَيَوَانِ إذَا قُدِّرَ بِقَدْرِ السَّاعَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوْضُوعَاتِ وَالْمُخْتَرَعَاتِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى نَصْبٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بَلْ الْمُتَوَقَّفُ سَبَبِيَّةُ السَّبَبِ وَشَرْطِيَّةُ الشَّرْطِ وَمَانِعِيَّةُ الْمَانِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدِلَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْحِجَاجِ] (الْفَرْقُ السَّابِعَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدِلَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْحِجَاجِ)

الْعَبْدِ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَنَعْنِي بِحَقِّ الْعَبْدِ الْمَحْضِ أَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَهُ لَسَقَطَ وَإِلَّا فَمَا مِنْ حَقٍّ لِلْعَبْدِ إلَّا وَفِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَمْرُهُ بِإِيصَالِ ذَلِكَ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ فَيُوجَدُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ حَقِّ الْعَبْدِ وَلَا يُوجَدُ حَقُّ الْعَبْدِ إلَّا وَفِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِصِحَّةِ الْإِسْقَاطِ فَكُلُّ مَا لِلْعَبْدِ إسْقَاطُهُ فَهُوَ الَّذِي نَعْنِي بِهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَكُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ إسْقَاطُهُ فَهُوَ الَّذِي نَعْنِي بِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ يُوجَدُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَا لَيْسَ لِلْعَبْدِ إسْقَاطُهُ وَيَكُونُ مَعَهُ حَقُّ الْعَبْدِ كَتَحْرِيمِهِ تَعَالَى لِعُقُودِ الرِّبَا وَالْغَرَرِ وَالْجَهَالَاتِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا حَرَّمَهَا صَوْنًا لِمَالِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ وَصَوْنًا لَهُ عَنْ الضَّيَاعِ بِعُقُودِ الْغَرَرِ وَالْجَهْلِ فَلَا يَحْصُلُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ أَوْ يَحْصُلُ دَنِيًّا وَنَزْرًا حَقِيرًا فَيَضِيعُ الْمَالُ فَحَجَرَ الرَّبُّ تَعَالَى بِرَحْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ فِي تَضْيِيعِ مَالِهِ الَّذِي هُوَ عَوْنُهُ عَلَى أَمْرِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ وَلَوْ رَضِيَ الْعَبْدُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فِي ذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ رِضَاهُ وَكَذَلِكَ حَجْرُ الرَّبِّ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ فِي إلْقَاءِ مَالِهِ فِي الْبَحْرِ وَتَضْيِيعِهِ مِنْ غَيْرِ مَصْلَحَةٍ. وَلَوْ رَضِيَ الْعَبْدُ بِذَلِكَ لَمْ يُعْتَبَرْ رِضَاهُ وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُهُ تَعَالَى عَلَى الْمُسْكِرَاتِ صَوْنًا لِمَصْلَحَةِ عَقْلِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ وَحَرَّمَ السَّرِقَةَ صَوْنًا لِمَالِهِ وَالزِّنَا صَوْنًا لِنَسَبِهِ وَالْقَذْفَ صَوْنًا لِعِرْضِهِ وَالْقَتْلَ وَالْجُرْحَ صَوْنًا لِمُهْجَتِهِ وَأَعْضَائِهِ وَمَنَافِعِهَا عَلَيْهِ وَلَوْ رَضِيَ الْعَبْدُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُعْتَبَرْ رِضَاهُ وَلَمْ يَنْفُذْ إسْقَاطُهُ فَهَذِهِ كُلُّهَا وَمَا يَلْحَقُ بِهَا مِنْ نَظَائِرِهَا مِمَّا هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ لِمَا فِيهَا مِنْ مَصَالِحِهِمْ وَدَرْءِ مَفَاسِدِهِمْ وَأَكْثَرُ الشَّرِيعَةِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ كَالرِّضَا بِوِلَايَةِ الْفَسَقَةِ وَشَهَادَةِ الْأَرَاذِلِ وَنَحْوِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــSالْعَبْدِ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَنَعْنِي بِحَقِّ الْعَبْدِ الْمَحْضِ أَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَهُ لَسَقَطَ وَإِلَّا فَمَا مِنْ حَقٍّ لِلْعَبْدِ إلَّا وَفِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَمْرُهُ بِإِيصَالِ ذَلِكَ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ إلَى قَوْلِهِ فَهُوَ الَّذِي نَعْنِي بِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى) قُلْتُ: بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ قَبْلُ أَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ مَصَالِحُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ قَصَرَ كَلَامَهُ عَلَى بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ ذَلِكَ الْإِطْلَاقُ مِنْ التَّفَاصِيلِ وَهُوَ حَقُّ بَعْضِ الْعِبَادِ عَلَى بَعْضٍ وَتَرَكَ الْكَلَامَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الْعِبَادِ فَلَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ مُنْتَظِمًا كَمَا يَجِبُ. قَالَ: (وَقَدْ يُوجَدُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَا لَيْسَ لِلْعَبْدِ إسْقَاطُهُ وَيَكُونُ مَعَهُ حَقُّ الْعَبْدِ كَتَحْرِيمِهِ تَعَالَى لِعُقُودِ الرِّبَا إلَى قَوْلِهِ وَتَضْيِيعِهِ مِنْ غَيْرِ مَصْلَحَةٍ وَلَوْ رَضِيَ الْعَبْدُ بِذَلِكَ لَمْ يُعْتَبَرْ رِضَاهُ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ: (وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُهُ تَعَالَى الْمُسْكِرَاتِ صَوْنًا لِمَصْلَحَةِ عَقْلِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ وَحَرَّمَ السَّرِقَةَ صَوْنًا لِمَالِهِ وَالزِّنَى صَوْنًا لِنَسَبِهِ وَالْقَذْفَ صَوْنًا لِعِرْضِهِ وَالْقَتْلَ وَالْجَرْحَ صَوْنًا لِمُهْجَتِهِ وَأَعْضَائِهِ وَمَنَافِعِهَا عَلَيْهِ وَلَوْ رَضِيَ الْعَبْدُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُعْتَبَرْ رِضَاهُ وَلَمْ يَنْفُذْ إسْقَاطُهُ) قُلْتُ: أَمَّا فِي الْقَتْلِ وَالْجَرْحِ فَرِضَاهُ مُعْتَبَرٌ وَإِسْقَاطُهُ نَافِذٌ. قَالَ: (فَهَذِهِ كُلُّهَا وَمَا يَلْحَقُ بِهَا مِنْ نَظَائِرِهَا مِمَّا هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ لِمَا فِيهَا مِنْ مَصَالِحِهِمْ إلَى قَوْلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهِيَ أَنَّ الْأَدِلَّةَ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا وَانْقِسَامُهَا إلَى أَدِلَّةِ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَهِيَ الَّتِي يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا الْمُجْتَهِدُونَ وَإِلَى أَدِلَّةِ وُقُوعِ أَسْبَابِ الْأَحْكَامِ وَشُرُوطِهَا وَمَوَانِعِهَا وَهِيَ الَّتِي يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا الْمُكَلَّفُونَ كَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَنَحْوِهِمَا وَأَمَّا الْحِجَاجُ فَهِيَ مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ الْحُكَّامُ وَيَقْضُونَ بِهِ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى نَصْبٍ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ وَالْإِقْرَارُ وَالشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ وَالشَّاهِدُ وَالنُّكُولُ وَالْيَمِينُ وَالنُّكُولُ وَالْمَرْأَتَانِ وَالْيَمِينُ وَالْمَرْأَتَانِ وَالنُّكُولُ وَالْمَرْأَتَانِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَشَهَادَةُ الصِّبْيَانِ وَمُجَرَّدُ التَّحَالُفِ عِنْدَ مَالِكٍ فَيَقْتَسِمَانِ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا عِنْدَ تَسَاوِيهِمَا عِنْدَ مَالِكٍ فَهَذِهِ نَحْوُ عَشَرَةٍ مِنْ الْحِجَاجِ هِيَ الَّتِي يَقْضِي بِهَا الْحَاكِمُ وَلِذَلِكَ قَالَ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ» وَمِنْهُ فَالْحِجَاجُ أَقَلُّ مِنْ أَدِلَّةِ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَأَدِلَّةُ الْمَشْرُوعِيَّةِ أَقَلُّ مِنْ أَدِلَّةِ الْوُقُوعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَصْلٌ) فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ مُهِمَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لِلشَّيْخِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ النِّكَاحُ بِوَلِيٍّ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ قَرَأَ {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ} [البقرة: 221] بِضَمِّ التَّاءِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ بَدِيعَةٌ وَدَلَالَةٌ صَحِيحَةٌ اهـ. 2 - (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي تَكْمِيلِ الدِّيبَاجِ للتنبكتي آخِرَ تَرْجَمَةِ الْعَلَّامَةِ لِلشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدٍ اللَّخْمِيِّ الْغَرْنَاطِيِّ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّهِيرُ بِالشَّاطِبِيِّ مَا نَصُّهُ وَكَانَ صَاحِبُ التَّرْجَمَةِ مِمَّنْ يَرَى جَوَازَ ضَرْبِ الْخَرَاجِ عَلَى النَّاسِ عِنْدَ ضَعْفِهِمْ وَحَاجَتِهِمْ لِضَعْفِ بَيْتِ الْمَالِ عَنْ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ النَّاسِ كَمَا وَقَعَ لِلشَّيْخِ الْمَالِقِيِّ فِي كِتَابِ الْوَرَعِ قَالَ: تَوْظِيفُ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ وَلَا شَكَّ عِنْدَنَا فِي جَوَازِهِ وَظُهُورِ مَصْلَحَتِهِ فِي بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ فِي زَمَانِنَا الْآنَ لِكَثْرَةِ الْحَاجَةِ لِمَا يَأْخُذُهُ الْعَدُوُّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سِوَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ النَّاسُ وَضَعْفِ بَيْتِ الْمَالِ الْآنَ عَنْهُ فَهَذَا يَقْطَعُ بِجَوَازِهِ الْآنَ فِي الْأَنْدَلُسِ وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِي الْقَدْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى الْإِمَامِ ثُمَّ قَالَ أَثْنَاءَ كَلَامِهِ: وَلَعَلَّك تَقُولُ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ لِمَنْ أَجَازَ شُرْبَ الْعَصِيرِ بَعْدَ كَثْرَةِ طَبْخِهِ وَصَارَ رُبًّا أَحْلَلْتُهَا وَاَللَّهِ يَا عُمَرُ يَعْنِي هَذَا الْقَائِلُ أَحْلَلْت الْخَمْرَ بِالِاسْتِجْرَارِ إلَى نَقْصِ الطَّبْخِ حَتَّى تُحِلَّ الْخَمْرَ بِمَقَالِك فَإِنِّي أَقُولُ كَمَا قَالَ: عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَاَللَّهِ لَا أَحِلُّ شَيْئًا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَلَا أُحَرِّمُ شَيْئًا أَحَلَّهُ اللَّهُ وَإِنَّ الْحَقَّ أَحَقُّ أَنْ

[الفرق بين قاعدة ما يمكن أن ينوى قربة وقاعدة ما لا يمكن أن ينوى قربة]

فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرْتُهُ لَك مِنْ النَّظَائِرِ تَجِدْهُ فَحَجْرُ الرَّبِّ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ لُطْفًا بِهِ وَرَحْمَةً لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. (تَنْبِيهٌ) : مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ مُشْكِلٌ بِمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا» فَيَقْتَضِي أَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ نَفْسُ الْفِعْلِ لَا الْأَمْرُ بِهِ وَهُوَ خِلَافُ مَا نَقَلْتُهُ قَبْلَ هَذَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَدِيثَ مُؤَوَّلٌ وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْأَمْرِ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ وَبِالْجُمْلَةِ فَظَاهِرُهُ مُعَارِضٌ لِمَا حَرَّرَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِنَا الصَّلَاةُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَمْرُهُ بِهَا إذْ لَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهَا لَمْ يَصْدُقْ أَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَنَجْزِمُ بِأَنَّ الْحَقَّ هُوَ نَفْسُ الْأَمْرِ لَا الْفِعْلُ وَمَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ مُؤَوَّلٌ. (الْفَرْقُ الثَّالِثَ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ لِلْآدَمِيِّينَ عَلَى الْآدَمِيِّينَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ لِلْوَالِدَيْنِ عَلَى الْأَوْلَادِ خَاصَّةً) وَهَذَا الْمَوْضِعُ مُشْكِلٌ بِسَبَبِ أَنَّ كُلَّ مَا وَجَبَ لِلْأَجَانِبِ وَجَبَ لِلْوَالِدَيْنِ وَقَدْ يَجِبُ لِلْوَالِدَيْنِ مَا لَا يَجِبُ لِلْأَجَانِبِ فَمَا ضَابِطُ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــSلُطْفًا بِهِ وَرَحْمَةً لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) قُلْتُ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي ذَكَرَ مَا يَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ وَهُوَ الْقَتْلُ وَالْجَرْحُ. قَالَ: (تَنْبِيهٌ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ يُشْكِلُ بِمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا» فَيَقْتَضِي أَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ نَفْسُ الْفِعْلِ لَا الْأَمْرُ بِهِ وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَدِيثَ مُؤَوَّلٌ وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْأَمْرِ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ وَبِالْجُمْلَةِ فَظَاهِرُهُ مُعَارِضٌ لِمَا حَرَّرَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِنَا الصَّلَاةُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَمْرُهُ بِهَا إذْ لَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهَا لَمْ يَصْدُقْ أَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَنَجْزِمُ بِأَنَّ الْحَقَّ هُوَ نَفْسُ الْأَمْرِ لَا الْفِعْلِ وَمَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ مُؤَوَّلٌ) قُلْتُ: جَمِيعُ مَا قَالَهُ هُنَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَهُوَ نَقِيضُ الْحَقِّ وَخِلَافُ الصَّوَابِ بَلْ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ مَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّ الْحَقَّ هُوَ عَيْنُ الْعِبَادَةِ لَا الْأَمْرُ الْمُتَعَلِّقُ بِهَا وَمِنْ أَعْجَبِ الْأُمُورِ قَوْلُهُ فَظَاهِرُهُ مُعَارِضٌ لِمَا حَرَّرَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَكَيْف يُحَرِّرُ الْعُلَمَاءُ مَا يُخَالِفُ قَوْلَ الصَّادِقِ الْمُصَدَّقِ وَيَا لَيْتَ شِعْرِي مِنْ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءِ. وَكَيْف يَصِحُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ وَالْحَقُّ مَعْنَاهُ اللَّازِمُ لَهُ عَلَى عِبَادِهِ وَاللَّازِمُ عَلَى الْعَبْدِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُكْتَسَبًا لَهُمْ وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْكَسْبُ بِأَمْرِهِ وَهُوَ كَلَامُهُ وَهُوَ صِفَتُهُ الْقَدِيمَةُ وَهَذَا كُلُّهُ كَلَامُ مَنْ لَيْسَ مِنْ التَّحْصِيلِ بِسَبِيلٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هُدَانَا اللَّهُ. قَالَ: (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ لِلْآدَمِيِّينَ عَلَى الْآدَمِيِّينَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ لِلْوَالِدَيْنِ عَلَى الْأَوْلَادِ خَاصَّةً وَهَذَا الْمَوْضِعُ مُشْكِلٌ بِسَبَبِ أَنَّ كُلَّ مَا وَجَبَ لِلْأَجَانِبِ وَجَبَ لِلْوَالِدَيْنِ وَقَدْ يَجِبُ لِلْوَالِدَيْنِ مَا لَا يَجِبُ لِلْأَجَانِبِ فَمَا ضَابِطُ ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُتَّبَعَ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ. وَكَانَ خَرَاجُ بِنَاءِ السُّوَرِ فِي بَعْضِ مَوَاضِعِ الْأَنْدَلُسِ فِي زَمَانِهِ مُوَظَّفًا عَلَى أَهْلِ الْمَوْضِعِ فَسُئِلَ عَنْهُ إمَامُ الْوَقْتِ فِي الْفُتْيَا بِالْأَنْدَلُسِ الْأُسْتَاذُ الشَّهِيرُ أَبُو سَعِيدٍ بْنِ لُبٍّ فَأَفْتَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَا يَسُوغُ وَأَفْتَى صَاحِبُ التَّرْجَمَةِ بِسَوْغِهِ مُسْتَنِدًا فِيهِ إلَى الْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ مُعْتَمِدًا فِي ذَلِكَ إلَى قِيَامِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي إنْ لَمْ يَقُمْ بِهَا النَّاسُ فَيُعْطُونَهَا مِنْ عِنْدِهِمْ ضَاعَتْ وَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ فَاسْتَوْفَى وَوَقَعَ لِابْنِ الْفَرَّاءِ فِي ذَلِكَ مَعَ سُلْطَانِ وَقْتِهِ وَفُقَهَائِهِ كَلَامٌ مَشْهُورٌ لَا نُطِيلُ بِهِ اهـ بِلَفْظِهِ. 2 - (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِي تَكْمِيلِ الدِّيبَاجِ أَيْضًا عَقِبَ تَرْجَمَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِي مَا نَصُّهُ وَمِنْ فَوَائِدِهِ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلَنِي السُّلْطَانُ أَبُو عَنَانٍ عَمَّنْ لَزِمَتْهُ يَمِينٌ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فَحَلَفَ جَهْلًا عَلَى الْبَتِّ هَلْ يُعِيدُ أَمْ لَا فَأَجَبْتُهُ بِإِعَادَتِهَا وَقَدْ أَفْتَاهُ مَنْ حَضَرَ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِأَنْ لَا تُعَادَ لِأَنَّهُ أَتَى بِأَكْثَرَ مِمَّا أُمِرَ بِهِ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَمَّنُهُ فَقُلْت لَهُ الْيَمِينُ عَلَى وَجْهِ الشَّكِّ غَمُوسٌ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَالْغَمُوسُ الْحَلِفُ عَلَى تَعَمُّدِ الْكَذِبِ أَوْ عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْغَمُوسَ مُحَرَّمَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَالنَّهْيُ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ وَمَعْنَاهُ فِي الْعُقُودِ عَدَمُ تَرَتُّبِ أَثَرِهِ فَلَا أَثَرَ لِهَذِهِ الْيَمِينِ فَوَجَبَ أَنْ تُعَادَ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ هَذَا اخْتِلَافُهُمْ فِيمَنْ إذْنُهَا السُّكُوتُ فَتَكَلَّمَتْ هَلْ يُجْتَزَأُ بِذَلِكَ وَالْإِجْزَاءُ هُنَا أَقْرَبُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالصَّمْتُ رُخْصَةٌ لِغَلَبَةِ الْحَيَاءِ فَإِنْ قُلْت: الْبَتُّ أَصْلٌ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ نَفْيُ الْعِلْمِ إذَا تَعَذَّرَ قُلْت: لَيْسَ رُخْصَةً كَالصُّمَاتِ اهـ بِلَفْظِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْوَى قُرْبَةً وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْوَى قُرْبَةً] [الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْإِنْسَانَ لَا يَنْوِي إلَّا فِعْلَ نَفْسِهِ وَمَا هُوَ مُكْتَسَبٌ لَهُ] (الْفَرْقُ الثَّامِنَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْوَى قُرْبَةً وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْوَى قُرْبَةً) وَهُوَ أَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْوَى قُرْبَةً مُنْحَصِرًا إجْمَاعًا فِي النَّظَرِ الْأَوَّلِ الْمُفْضِي إلَى الْعِلْمِ بِثُبُوتِ صَانِعِ الْعَالَمِ إذْ يَسْتَحِيلُ فِيهِ قَصْدُ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ قَصْدَ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ فَرْعُ اعْتِقَادِ وُجُودِهِ وَاعْتِقَادُ وُجُودِهِ لَا يُتَصَوَّرُ قَبْلَ النَّظَرِ الْمُوصِلِ إلَيْهِ إذْ هُوَ كَمَنْ لَيْسَ لَهُ شُعُورٌ بِحُصُولِ ضَيْفٍ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْقَصْدُ إلَى إكْرَامِهِ فَافْهَمْ وَمَا عَدَا ذَلِكَ النَّظَرَ الْأَوَّلَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْوَى قُرْبَةً لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ فِعْلَ نَفْسِهِ أَوْ فِعْلَ غَيْرِهِ أَمَّا فِعْلُ نَفْسِهِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا فِعْلُ غَيْرِهِ فَهُوَ وَإِنْ قِيلَ: تَمْتَنِعُ النِّيَّةُ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلِامْتِنَاعِ عَقْلًا أَوْ عَادَةً وَأَمَّا شَرْعًا فَالظَّاهِرُ مِنْ جَوَازِ إحْجَاجِ الصَّبِيِّ أَنَّ الْوَلِيَّ يَنْوِي عَنْهُ وَكَذَلِكَ فِي جَوَازِ ذَبِيحَةِ.

الْحَقُّ الْوَاجِبُ لِلْوَالِدَيْنِ الَّذِي امْتَازُوا بِهِ عَنْ الْأَجَانِبِ هَذَا هُوَ مَوْضِعُ الْإِشْكَالِ وَأَنَا أُقَرِّبُ ذَلِكَ وَأُلَخِّصُهُ بِذِكْرِ مَسَائِلَ وَفَتَاوَى مَنْقُولَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ تَخْتَصُّ بِالْوَالِدَيْنِ فَيَظْهَرُ بَعْدَ ذَلِكَ تَقْرِيبُ هَذَا الْمَوْضِعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَلِكَ بِثَمَانِ مَسَائِلَ: (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قِيلَ لِمَالِكٍ فِي مُخْتَصَرِ الْجَامِعِ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لِي وَالِدَةٌ وَأُخْتٌ وَزَوْجَةٌ فَكُلَّمَا رَأَتْ لِي شَيْئًا قَالَتْ: أَعْطِ هَذَا لِأُخْتِك فَإِنْ مَنَعْتُهَا ذَلِكَ سَبَّتْنِي وَدَعَتْ عَلَيَّ قَالَ لَهُ مَالِكٌ مَا أَرَى أَنْ تُغَايِظَهَا وَتَخْلُصَ مِنْهَا بِمَا قَدَرْت عَلَيْهِ أَيْ وَتَخْلُصَ مِنْ سَخَطِهَا بِمَا قَدَرْت عَلَيْهِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَقَالَ فِيهِ لِرَجُلٍ قَالَ لَهُ وَالِدِي فِي بَلَدِ السُّودَانِ كَتَبَ إلَيَّ أَنْ أَقْدُمَ عَلَيْهِ وَأُمِّي تَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: أَطِعْ أَبَاك وَلَا تَعْصِ أُمَّك وَرُوِيَ أَنَّ اللَّيْثَ أَمَرَهُ بِطَاعَةِ الْأُمِّ لِأَنَّ لَهَا ثُلُثَيْ الْبِرِّ كَمَا حَكَى الْبَاجِيَّ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ لَهَا حَقٌّ عَلَى زَوْجِهَا فَأَفْتَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ ابْنَهَا بِأَنْ يَتَوَكَّلَ لَهَا عَلَى أَبِيهِ فَكَانَ يُحَاكِمُهُ وَيُخَاصِمُهُ فِي الْمَجَالِسِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْأُمِّ وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: لِأَنَّهُ عُقُوقٌ لِلْأَبِ وَالْحَدِيثُ إنَّمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ بِرَّهُ أَقَلُّ مِنْ بِرِّ الْأُمِّ لَا أَنَّ الْأَبَ يُعَقُّ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ: فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا مَنَعَهُ أَبَوَاهُ مِنْ الْحَجِّ لَا يَحُجُّ إلَّا بِإِذْنِهِمَا إلَّا الْفَرِيضَةَ فَنَصَّ عَلَى وُجُوبِ طَاعَتِهِمَا فِي النَّافِلَةِ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: يُوَافِقُهُمَا فِي حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ الْعَامَ وَالْعَامَيْنِ وَقَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يَعْصِيهِمَا فِي الْخُرُوجِ لِلْغَزْوِ إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ بِمُفَاجَأَةِ الْعَدُوِّ أَوْ يُنْذَرَهُ فَيَتَأَخَّرَ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ فَإِنْ أَذِنَا لَهُ وَإِلَّا خَرَجَ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ: الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ طَاعَةَ الْوَالِدَيْنِ وَاجِبَةٌ فِي الشُّبُهَاتِ دُونَ الْحَرَامِ وَإِنْ كَرِهَا انْفِرَادَهُ عَنْهُمَا فِي الطَّعَامِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ مُوَافَقَتُهُمَا وَيَأْكُلُ مَعَهُمَا لِأَنَّ تَرْكَ الشُّبْهَةِ مَنْدُوبٌ وَتَرْكَ طَاعَتِهِمَا حَرَامٌ وَالْحَرَامُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَنْدُوبِ وَلَا يُسَافِرُ فِي مُبَاحٍ وَلَا نَافِلَةٍ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَلَا يُبَادِرُ لِحَجِّ الْإِسْلَامِ وَلَا يَخْرُجُ لِطَلَبِ الْعِلْمِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا إلَّا عِلْمٍ هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنٌ وَلَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِهِ مَنْ يُعَلِّمْهُ لِأَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ وَرُوِيَ فِي الْبُخَارِيِّ قَالَ الْحَسَنُ إذَا مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ شَفَقَةً عَلَيْهِ فَلْيَعْصِهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ الطُّرْطُوشِيُّ فِي كِتَابِ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ لَا طَاعَةَ لَهُمَا فِي تَرْكِ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ كَحُضُورِ الْجَمَاعَاتِ وَتَرْكِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْوَتْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا سَأَلَاهُ تَرْكَ ذَلِكَ عَلَى الدَّوَامِ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَعَيَاهُ لِأَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَجَبَتْ طَاعَتُهُمَا وَإِنْ فَاتَتْهُ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ. (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَادَتْ امْرَأَةٌ ابْنَهَا وَهُوَ فِي صَوْمَعَتِهِ يُصَلِّي قَالَتْ يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي قَالَ: فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ. ـــــــــــــــــــــــــــــSالْحَقِّ الْوَاجِبِ لِلْوَالِدَيْنِ الَّذِي امْتَازُوا بِهِ عَنْ الْأَجَانِبِ إلَى تَمَامِ الْكَلَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ) قُلْتُ: أَكْثَرُ ذَلِكَ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ وَمَا فِيهِ مِنْ كَلَامٍ فَهُوَ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ الطُّرْطُوشِيُّ: فَإِنَّهُ لَيْسَتْ كُنْيَتُهُ أَبَا الْوَلِيدِ وَإِنَّمَا كُنْيَتُهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَادَتْ امْرَأَةٌ ابْنَهَا وَهُوَ فِي صَوْمَعَتِهِ» إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكِتَابِيِّ نَائِبًا عَنْ الْمُسْلِمِ ثُمَّ الَّذِي تُمْكِنُ نِيَّتُهُ قِسْمَانِ: مَا شُرِعَتْ فِيهِ النِّيَّةُ وَمَا لَمْ تُشْرَعْ فِيهِ النِّيَّةُ وَالْأَوَّلُ قِسْمَانِ: مَطْلُوبٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُ مَطْلُوبٍ فِيهَا فَأَمَّا غَيْرُ الْمَطْلُوبِ كَالْمُبَاحِ فَلَا يُنْوَى مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبَاحٌ بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ بِهِ التَّقَوِّي عَلَى مَطْلُوبٍ كَمَا يُقْصَدُ بِالنَّوْمِ التَّقَوِّي عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ. وَأَمَّا الْمَطْلُوبُ فَقِسْمَانِ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ النَّوَاهِي وَلَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى النِّيَّةِ شَرْعًا بَلْ يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ مِنْ عُهْدَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ تَرْكِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ فَضْلًا عَنْ الْقَصْدِ إلَيْهِ نَعَمْ إنْ نَوَى بِتَرْكِهَا وَجْهَ اللَّهِ الْعَظِيمِ حَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ وَصَارَ التَّرْكُ قُرْبَةً وَالْقِسْمُ الثَّانِي الْأَوَامِرُ، وَهِيَ قِسْمَانِ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مَا تَكُونُ صُورَةُ فِعْلِهِ بِقَصْدِ مُجَرَّدِ الْأَدَاءِ كَافِيَةً فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَتِهِ وَفِي خُرُوجِ الْمُكَلَّفِ بِذَلِكَ مِنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ بِحَيْثُ لَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ الطَّلَبُ بِهِ بَعْدُ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ عُرِّيَ عَنْ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْأَدَاءِ كَدَفْعِ الدُّيُونِ وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَعَلَفِ الدَّوَابِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَلْ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُثَابَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَعَ عَدَمِ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ إذْ يَكْفِيهِ مِنْ النِّيَّةِ كَوْنُهُ قَصَدَ مُجَرَّدَ الْأَدَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ سِعَةُ بَابِ الثَّوَابِ خِلَافًا لِلْأَصْلِ. الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لَا تَكُونُ صُورَةُ فِعْلِهِ كَافِيَةً فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَتِهِ بَلْ يَتَوَقَّفُ تَحْصِيلُ مَصْلَحَتِهِ وَالْخُرُوجُ مِنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ بِهِ عَلَى نِيَّةِ امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَدَائِهِ كَالْعِبَادَاتِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ شُرِعَتْ لِتَعْظِيمِ الرَّبِّ تَعَالَى وَإِجْلَالِهِ وَالتَّعْظِيمُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْقَصْدِ أَلَا تَرَى أَنَّك لَوْ صَنَعْت ضِيَافَةً لِإِنْسَانٍ فَأَكَلَهَا غَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِكَ لَكُنْت مُعَظِّمًا لِلْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي بِسَبَبِ قَصْدِك فَمَا لَا قَصْدَ فِيهِ وَلَا تَعْظِيمَ فِيهِ فَكُلُّ عِبَادَةٍ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَصْدُ لِأَنَّهَا إنَّمَا شُرِعَتْ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى فَظَهَرَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ ضَابِطُ مَا تُمْكِنُ فِيهِ النِّيَّةُ وَمَا لَا تُمْكِنُ فِيهِ النِّيَّةُ وَضَابِطُ مَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا مِمَّا تُمْكِنُ فِيهِ اُنْظُرْ كِتَابَ الْأَمْنِيَّةِ فِي إدْرَاكِ النِّيَّةِ لِلْأَصْلِ. 2 - (وَصْلٌ) فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مُتَعَلِّقُ النِّيَّةِ فِي مُطْلَقِ الصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ إيقَاعُنَا الصَّلَاةَ الَّتِي هِيَ فَرْضٌ أَوْ نَفْلٌ وَهِيَ مِنْ فِعْلِنَا وَأُمِرْنَا بِأَنْ نَنْوِيَهُ لَا أَنَّ مُتَعَلِّقَهَا الْفَرْضِيَّةُ أَوْ النَّفْلِيَّةُ بِأَنْ نَقْصِدَ جَعْلَ الْفَرْضِ فَرْضًا وَالنَّفَلِ نَفْلًا إذْ لَيْسَ لَنَا ذَلِكَ وَلَا أُمِرْنَا بِأَنْ نَنْوِيَهُ بَلْ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ لَا بِحُكْمِ التَّبَعِ لِلْمُكْتَسَبِ لَنَا وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ خِلَافًا لِلْأَصْلِ

[المسألة الثانية الذي نسي صلاة من الخمس وشك في عينها]

قَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا يَمُوتُ حَتَّى يَنْظُرَ فِي وَجْهِ الْمَيامِيسِ وَكَانَتْ تَأْتِي إلَى صَوْمَعَتِهِ رَاعِيَةٌ تَرْعَى الْغَنَمَ فَوَلَدَتْ فَقِيلَ لَهَا: مِمَّنْ هَذَا الْوَلَدُ؟ فَقَالَتْ: مِنْ جُرَيْجٍ نَزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ فَوَاقَعَنِي» وَسَاقَ الْحَدِيثَ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمِّ فِي قَطْعِ النَّافِلَةِ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا تَكُونَ وَاجِبَةً بِالشُّرُوعِ أَوْ يُقَالُ مَا وَجَبَ بِالشُّرُوعِ يُقْطَعُ لِلْأَبَوَيْنِ بِخِلَافِ الْوَاجِبِ بِالْأَصَالَةِ مَعَ أَنَّ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ نَظَرًا وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّ اللَّهَ اسْتَجَابَ دُعَاءَهَا فِيهِ وَاسْتِجَابَةُ الدُّعَاءِ لَا يَتَعَيَّنُ أَنَّهُ لِوُجُوبِ حَقِّ الدَّاعِي وَأَنَّهُ مَظْلُومٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي كِتَابِ الْمُنْجِيَاتِ وَالْمُوبِقَاتِ فِي فِقْهِ الْأَدْعِيَةِ أَنَّ دُعَاءَ الظَّالِمِ قَدْ يُسْتَجَابُ فِي الْمَظْلُومِ وَيَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى دُعَاءَهُ سَبَبًا لِضَرَرٍ يَحْصُلُ لِلْمَظْلُومِ لِأَجْلِ ذَنْبٍ تَقَدَّمَ مِنْ الْمَظْلُومِ وَعِصْيَانِهِ لِلَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ طَرِيقِ هَذَا الدَّاعِي كَمَا أَنَّ ظُلْمَ هَذَا الظَّالِمِ ابْتِدَاءً يَكُونُ بِسَبَبِ ذُنُوبٍ تَقَدَّمَتْ لِلْمَظْلُومِ وَيَكُونُ الظَّالِمُ سَبَبَ وُصُولِ الْعُقُوبَةِ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى دُعَاءَهُ سَبَبَ نِقْمَتِهِ كَمَا جَعَلَ يَدَهُ وَلِسَانَهُ سَبَبَيْ نِقْمَتِهِ وَالْكُلُّ بِذُنُوبٍ سَالِفَةٍ لِلْمَظْلُومِ فَلَا يُسْتَبْعَدُ اسْتِجَابَةُ دُعَاءِ الظَّالِمِ فِي الْمَظْلُومِ وَإِنَّمَا كَانَ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَ دُعَاؤُهُ إنَّمَا يُسْتَجَابُ بِسَبَبِ حَقِّ الظَّالِمِ وَالظَّالِمُ لَيْسَ لَهُ حَقٌّ فَلَا يُسْتَجَابُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُسْتَجَابُ بِسَبَبِ حُقُوقٍ لِغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] . وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ ضَعْفُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا اسْتِجَابَةُ الدُّعَاءِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ طَاعَتِهِمَا عَلَى الْمَنْدُوبَاتِ مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّ «رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ قَالَ: هَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ كِلَاهُمَا قَالَ: فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَارْجِعْ إلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا» فَجَعَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْكَوْنَ مَعَ الْأَبَوَيْنِ أَفْضَلَ مِنْ الْكَوْنِ مَعَهُ وَجَعَلَ خِدْمَتَهُمَا أَفْضَلَ مِنْ الْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا سِيَّمَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَمَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُمَا مَنَعَاهُ بَلْ هُمَا مَوْجُودَانِ فَقَطْ فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْأَفْضَلِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ الْكَوْنُ مَعَهُمَا وَفَرْضُ الْجِهَادِ فَرْضُ كِفَايَةٍ يَحْمِلُهُ الْحَاضِرُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ وَيَنْدَرِجُ فِي هَذَا الْمَسْلَكِ غَسْلُ الْمَوْتَى وَمُوَارَاتِهِمْ وَجَمِيعُ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ إذَا وُجِدَ مَنْ يَقُومُ بِهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ أَعْظَمُ دَلِيلٍ وَأَبْلَغُ فِي أَمْرِ الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَتَّبَ هَذَا الْحُكْمَ عَلَى مُجَرَّدِ وَصْفِ الْأُبُوَّةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ أَمْرِهِمَا وَعِصْيَانِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــSمِنْ نَقْلٍ وَغَيْرِهِ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ وَإِذَا قَدَّمَ خِدْمَتَهَا عَلَى فَرَوْضِ الْكِفَايَاتِ فَعَلَى النَّقْلِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّهُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ ذَلِكَ فِي النَّفْلِ أَوْلَى لِأَنَّ تَرْكَهُ فَرْضَ الْكِفَايَةِ مَعَ قِيَامِ غَيْرِهِ بِهِ لَا تَفُوتُ بِهِ مَصْلَحَةٌ وَتَرْكَ النَّفْلِ تَفُوتُ بِهِ مَصْلَحَةُ ذَلِكَ النَّفْلِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مَصْلَحَةَ النَّفْلِ إنَّمَا هِيَ مُجَرَّدُ الثَّوَابِ وَكَذَلِكَ مَصْلَحَةُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ زَائِدٌ فِي الْعَدَدِ عَلَى مَنْ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ الْفَرْضِ لَكِنَّ ثَوَابَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ أَعْظَمُ فَتَتَحَقَّقُ الْأَوْلَوِيَّةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَلِكَ مُتَعَلِّقُ نِيَّةِ الْإِمَامِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا إنَّمَا هُوَ تَعْيِينُهُ نَفْسَهُ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ وَتَقَدُّمُهُ لِذَلِكَ وَهُوَ مِنْ فِعْلِهِ لَا الْإِمَامَةِ حَتَّى يُقَالَ: لَمْ تَكُنْ فِعْلًا زَائِدًا عَلَى فِعْلِ الْمُنْفَرِدِ بَلْ فِعْلُ الْإِمَامِ مُسَاوٍ لِفِعْلِ الْمُنْفَرِدِ وَكَيْفَ تُتَصَوَّرُ نِيَّةٌ بِلَا مَنْوِيٍّ وَلَا دَاعِي لِلْجَوَابِ عَنْهُ بِأَنَّ مُتَعَلِّقَهَا كَوْنُهُ مُقْتَدًى بِهِ وَصَحَّتْ نِيَّتُهُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِهِ تَبَعًا لِمَا هُوَ مِنْ فِعْلِهِ فَافْهَمْ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الَّذِي نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ وَشَكَّ فِي عَيْنِهَا] (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الشَّكُّ الْوَاقِعُ مِمَّنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ وَشَكَّ فِي عَيْنِهَا نَصَبَهُ الشَّارِعُ سَبَبًا لِإِيجَابِ خَمْسِ صَلَوَاتٍ فَإِذَا صَلَّى الْخَمْسَ فَهُوَ جَازِمٌ بِوُجُوبِ الْخَمْسِ عَلَيْهِ لِوُجُودِ سَبَبِهَا الَّذِي هُوَ الشَّكُّ لَا مُتَرَدِّدٍ فِي نِيَّتِهِ حَتَّى يُقَالَ: إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَصِحُّ فِي التَّرَدُّدِ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ النِّيَّةُ لَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْمَشْرُوعُ فِي نِيَّةِ الْعِبَادَةِ أَنْ يَنْوِيَ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي إيقَاعِ الصَّلَاةِ مَنْوِيَّةً مَثَلًا فَإِنَّ النِّيَّةَ فِي الصَّلَاةِ مَشْرُوعَةٌ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا وَلَيْسَ الْمَشْرُوعُ أَنْ يَنْوِيَ نِيَّةَ الِامْتِثَالِ حَتَّى يَلْزَمَ التَّسَلْسُلُ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ النِّيَّةَ لَا تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ مَا صُورَةُ فِعْلِهِ كَافِيَةٌ فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَتِهِ لِأَنَّ مَصْلَحَتَهَا التَّمْيِيزُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِهَا وَلَوْ لَمْ يُقْصَدْ فَافْهَمْ. [الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ حُكْم دُخُول السنن فِي نِيَّة صَلَاة الْفَرْض] (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) بِمَا أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّفْصِيلَ فِي النِّيَّةِ بَلْ اكْتَفَى مِنْ الْإِنْسَانِ إذَا قَصَدَ صَلَاةَ الظُّهْرِ مَثَلًا أَنْ يَنْوِيَ فَرْضَ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَوْ صَلَاةَ الظُّهْرِ وَتَنْسَحِبُ هَذِهِ النِّيَّةُ الْمُجْمَلَةُ عَلَى فَرَوْضِ الصَّلَاةِ وَسُنَنِهَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَى الْإِنْسَانِ حِينَئِذٍ أَنْ يَقْصِدَ لِمَا فِي الظُّهْرِ مِنْ فَرْضٍ فَيَنْوِيَهُ وَلِمَا فِيهِ مِنْ سُنَّةٍ فَيَنْوِيَهُ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِالْأَوَّلِ وَيُثَابَ بِالثَّانِي كَمَا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْوِيَ عَدَدَ السَّجَدَاتِ وَغَيْرَهَا مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ بَلْ يَكْتَفِي بِانْسِحَابِ النِّيَّةِ عَلَى ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ مَا تُشْرَعُ فِيهِ الْبَسْمَلَةُ وَمَا لَا تُشْرَعُ فِيهِ الْبَسْمَلَةُ] (الْفَرْقُ التَّاسِعَ عَشَرَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ مَا تُشْرَعُ فِيهِ الْبَسْمَلَةُ وَمَا لَا تُشْرَعُ فِيهِ) أَمَّا مَا شُرِعَتْ فِيهِ فَضَبَطَهُ شَيْخُ وَالِدِي الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْبَاجُورِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى السُّنُوسِيَّةِ بِأَنَّ كُلَّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ أَيْ ذِي حَالٍ يُهْتَمُّ بِهِ شَرْعًا بِحَيْثُ لَمْ يَجْعَلْ الشَّارِعُ لَهُ مَبْدَأً غَيْرَ الْبَسْمَلَةِ وَلَمْ يَكُنْ ذِكْرًا مَحْضًا وَلَا مِنْ سَفَاسِفِ الْأُمُورِ أَيْ الْأُمُورِ الْخَسِيسَةِ وَلَا مُحَرَّمًا لِذَاتِهِ وَلَا مَكْرُوهًا لِذَاتِهِ فَقَوْلُهُ بِحَيْثُ لَمْ يَجْعَلْ الشَّارِعُ لَهُ مَبْدَأً غَيْرَ الْبَسْمَلَةِ. قَالَ: الأنبابي فِي تَقْرِيرَاتِهِ عَلَيْهِ: هُوَ صَادِقٌ بِصُورَتَيْنِ مَا إذَا لَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَبْدَأً أَصْلًا أَوْ جَعَلَ مَبْدَأَهُ الْبَسْمَلَةَ وَالصُّورَةُ الْأُولَى غَيْرُ مُرَادَةٍ

وَحَاجَتِهِمَا لِلْوَلَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُوجِبَةِ لِبِرِّهِمَا بَلْ مُجَرَّدُ وَصْفِ الْأُبُوَّةِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَإِذَا نَصَّ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى تَقْدِيمِ صُحْبَتِهِمَا عَلَى صُحْبَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَمَا بَقِيَ بَعْدَ هَذِهِ الْغَايَةِ غَايَةٌ وَإِذَا قَدَّمَ خِدْمَتَهُمَا عَلَى فِعْلِ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ فَعَلَى النَّفْلِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى بَلْ عَلَى الْمَنْدُوبَاتِ الْمُتَأَكِّدَةِ وَقَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَوْ كَانَ جُرَيْجٌ فَقِيهًا لَعَلِمَ أَنَّ إجَابَةَ أُمِّهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ» لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ الْكَلَامُ الَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ مُبَاحًا كَمَا كَانَ فِي أَوَّلِ شَرْعِنَا وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ وَيَكُونُ جُرَيْجٌ عَصَى بِتَرْكِ طَاعَتِهِمَا فِي أَمْرٍ مُبَاحٍ أَوْ مَنْدُوبٍ إلَيْهِ وَهُوَ الصَّمْتُ حِينَئِذٍ. فَوَائِدُ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ: الْمَيامِيسُ الزَّوَانِي جَمْعُ زَانِيَةٍ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّهُ لَمَّا مَنَعَ أُمَّهُ مِنْ النَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ مُحْتَجًّا بِالصَّلَاةِ دَعَتْ عَلَيْهِ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَى وُجُوهِ الزَّوَانِي عُقُوبَةً عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ النَّظَرِ إلَى وَجْهِهَا وَيَدُلُّ الْحَدِيثُ أَيْضًا عَلَى مَنْعِ السَّفَرِ الْمُبَاحِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا فَإِنَّ غَيْبَةَ الْوَجْهِ فِيهِ أَعْظَمُ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى وُجُوبِ طَاعَتِهِمَا فِي النَّوَافِلِ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْعُقُوقَ يُؤَاخَذُ بِهِ الْإِنْسَانُ وَإِنْ عَظُمَ قَدْرُهُ فِي الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ لِأَنَّ جُرَيْجًا كَانَ مِنْ أَعْبَدْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَخُرِقَتْ لَهُ الْعَادَاتُ وَظَهَرَتْ لَهُ الْكَرَامَاتُ فَمَا ظَنُّك بِغَيْرِهِ إذَا عَقَّ أَبَوَيْهِ وَيَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ أَصْلِ الْعُقُوقِ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] وَإِذَا حَرُمَ هَذَا الْقَوْلُ حَرُمَ مَا فَوْقَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَيَدُلُّ عَلَى مُخَالَفَتِهِمَا فِي الْوَاجِبَاتِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان: 15] وَفِي الْآيَةِ فَائِدَتَانِ: الْفَائِدَةُ الْأُولَى أَنَّ الْأَبَوَيْنِ يَجِبُ بِرُّهُمَا وَيَحْرُمُ عُقُوقُهُمَا وَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَأْمُرُ بِالشِّرْكِ إلَّا كَافِرٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحَتْ الْآيَةُ بِوُجُوبِ بِرِّهِمَا الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ مُخَالَفَتَهُمَا وَاجِبَةٌ فِي أَمْرِهِمَا بِالْمَعَاصِي وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» . (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الطُّرْطُوشِيُّ: أَمَّا مُخَالَفَتُهُمَا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدِهِ يَجِدُ مُدَارَسَةَ الْمَسَائِلِ وَالتَّفَقُّهَ عَلَى طَرِيقِ التَّقْلِيدِ وَحِفْظِ نُصُوصِ الْعُلَمَاءِ فَأَرَادَ أَنْ يَظْعَنَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَيَتَفَقَّهَ فِيهِ عَلَى مِثْلِ طَرِيقَتِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِهِمَا لِأَنَّ خُرُوجَهُ إذَايَةُ لَهُمَا بِغَيْرِ فَائِدَةٍ وَإِنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ لِلتَّفَقُّهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَعْرِفَةِ الْإِجْمَاعِ وَمَوَاضِعِ الْخِلَافِ وَمَرَاتِبِ الْقِيَاسِ فَإِنْ وُجِدَ فِي بَلَدِهِ ذَلِكَ لَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَإِلَّا خَرَجَ وَلَا طَاعَةَ لَهُمَا فِي مَنْعِهِ لِأَنَّ تَحْصِيلَ دَرَجَةِ الْمُجْتَهِدِينَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ قَالَ سَحْنُونٌ: مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ وَتَقْلِيدِ الْعُلُومِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104] وَمَنْ لَا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الطُّرْطُوشِيُّ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ فَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ كُنْيَتَهُ أَبُو بَكْرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهَا لَا تُوجَدُ إلَّا فِي الذِّكْرِ الْمَحْضِ أَوْ الْمُحَرَّمِ لِذَاتِهِ أَوْ الْمَكْرُوهِ لِذَاتِهِ أَوْ سَفَاسِفِ الْأُمُورِ وَقَدْ أَخْرَجَ مَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذِكْرًا مَحْضًا إلَخْ اهـ أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ذِكْرًا أَصْلًا بَلْ كَانَ مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ عَلَى الْخِلَافِ وَذَبْحِ النُّسُكِ أَوْ مِنْ الْمُبَاحَاتِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَكَانَ ذِكْرًا غَيْرَ مَحْضٍ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ وَالْبَرَكَاتِ إلَّا أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ ذِكْرًا مَحْضًا كَمَا لَا يَخْفَى فَلِذَا شُرِعَتْ فِيهَا الْبَسْمَلَةُ. وَأَمَّا مَا لَا تُشْرَعُ فِيهِ فَسِتَّةُ أَنْوَاعٍ كَمَا يُفِيدُهُ الضَّابِطُ الْمَذْكُورُ: الْأَوَّلُ مَا جَعَلَ الشَّارِعُ لَهُ مَبْدَأً غَيْرَ الْبَسْمَلَةِ كَالصَّلَوَاتِ وَالْأَذَانِ فَإِنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ مَبْدَأَهُمَا التَّكْبِيرَ وَكَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَ مَبْدَأَهُمَا التَّلْبِيَةَ وَالثَّانِي مَا كَانَ ذِكْرًا مَحْضًا كَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ. وَالثَّالِثُ مَا كَانَ مِنْ سَفَاسِفِ الْأُمُورِ وَالرَّابِعُ مَا كَانَ مُحَرَّمًا لِذَاتِهِ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَالْخَامِسُ مَا كَانَ مَكْرُوهًا لِذَاتِهِ كَأَكْلِ الْبَصَلِ النِّيءِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الأنبابي عَنْ الْعَلَّامَةِ الشَّرْقَاوِيِّ فِي حَاشِيَةِ التَّحْرِيرِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنْ أَنَّهُ بِالْقَيْدِ الْمَذْكُورِ تَلْزَمُهُ الْكَرَاهَةُ لِذَلِكَ خِلَافًا لِمَنْ جَعَلَهُ مِنْ الْمَكْرُوهِ لِعَارِضٍ وَالسَّادِسُ نَحْوُ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فَمَا أُبِيحَ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُحَقَّرَاتِ وَلَا مِنْ ذَوَاتِ الْبَالِ فَلَمْ تُشْرَعْ فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ بَدْؤُهُ بِغَيْرِهَا وَلَا فِي الثَّانِي لِاتِّحَادِ النَّوْعِ فَكَمَا لَا تَبْدَأُ الْبَسْمَلَةُ بِالْبَسْمَلَةِ لِأَنَّهَا تُزَكِّي نَفْسَهَا وَغَيْرَهَا كَالشَّاةِ مِنْ الْأَرْبَعِينَ كَذَلِكَ لَا يَبْدَأُ الذِّكْرُ الْمَحْضُ بِهَا لِمَا ذُكِرَ فِيهَا لَا سِيَّمَا وَقَدْ رُوِيَ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ» فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ وَلَا فِي الثَّالِثِ لِأَنَّ الْأَوْلَى فِي مِثْلِ ذَلِكَ تَرْكُهَا تَعْظِيمًا لِاسْمِهِ تَعَالَى نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِهَا عِنْدَ مُحَقَّرٍ كَامْتِخَاطِهِ التَّحَصُّنَ وَالتَّبَرُّكَ لِنَفْسِهِ بِأَنْ يُقَدِّرَ الْمُتَعَلِّقَ بِسْمِ اللَّهِ أَتَحَصَّنُ مِنْ ضَرَرِ هَذَا الْفِعْلِ أَوْ أَسَتَنْزِلُ الْبَرَكَةَ عَلَيَّ لَامْتَخَطَ يَرْجِعُ لِذَوَاتِ الْبَالِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ وَضَوْءِ الشُّمُوعِ وَلَا فِي الرَّابِعِ وَالْخَامِسِ لِقَوْلِ الشَّيْخِ الْبَاجُورِيِّ فَتَحْرُمُ عَلَى الْمُحَرَّمِ لِذَاتِهِ وَتُكْرَهُ عَلَى الْمَكْرُوهِ. وَكَذَلِكَ قَالَ الأنبابي عَلَيْهِ: هَذَا أَحَدُ أَقْوَالٍ حَاصِلُهَا أَنَّهُ قِيلَ: تُكْرَهُ التَّسْمِيَةُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَكْرُوهِ وَالْمُحَرَّمِ وَلَوْ لِعَارِضٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُرَاغَمَةِ الشَّارِعِ بِجَعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَحَلًّا لِلْبَرَكَةِ وَقِيلَ: تَحْرُمُ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِمَا إذْ الْمُرَاغَمَةُ تَقْتَضِي التَّحْرِيمَ بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ

يَعْرِفُ الْمَعْرُوفَ كَيْفَ يَأْمُرُ بِهِ أَوْ لَا يَعْرِفُ الْمُنْكَرَ كَيْفَ يَنْهَى عَنْهُ قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مُخَالَفَتَهُمَا فِي الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ لَا تَجُوزُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الَّذِي رَدَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَبَوَيْهِ عَنْ الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ مَعَهُ لِأَنَّ الْحَاضِرَ يَقُومُ مَقَامَهُ وَهَذِهِ الْفَتْوَى تَقْتَضِي أَنَّهُ تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُمَا فِي فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَبَيْنَهُمَا تُعَارَضُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ نَقُولَ: الْعِلْمُ وَضَبْطُ الشَّرِيعَةِ وَإِنْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ غَيْرَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ لَهُ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ وَهِيَ مَنْ جَادَ حِفْظُهُمْ وَرَقَّ فَهْمُهُمْ وَحَسُنَتْ سِيرَتُهُمْ وَطَابَتْ سَرِيرَتُهُمْ فَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ فَإِنَّ عَدِيمَ الْحِفْظِ أَوْ قَلِيلَهُ أَوْ سَيِّئَ الْفَهْمِ لَا يَصْلُحُ لِضَبْطِ الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَكَذَلِكَ مَنْ سَاءَتْ سِيرَتُهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْوُثُوقُ لِلْعَامَّةِ فَلَا تَحْصُلُ بِهِ مَصْلَحَةُ التَّقْلِيدِ فَتَضِيعُ أَحْوَالُ النَّاسِ وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ مُتَعَيِّنَةً بِهَذِهِ الصِّفَاتِ تَعَيَّنَتْ بِصِفَاتِهَا وَصَارَ طَلَبُ الْعِلْمِ عَلَيْهَا فَرْضَ عَيْنٍ فَلَعَلَّ هَذَا هُوَ مَعْنَى كَلَامِ سَحْنُونٍ وَأَبِي الْوَلِيدِ وَالْجِهَادُ يَصْلُحُ لَهُ عُمُومُ النَّاسِ فَأَمْرُهُ سَهْلٌ وَلَيْسَ الرَّمْيُ بِالْحَجَرِ وَالضَّرْبُ بِالسَّيْفِ كَضَبْطِ الْعُلُومِ فَكُلُّ بَلِيدٍ أَوْ ذَكِيٍّ يَصْلُحُ لِلْأَوَّلِ وَلَا يَصْلُحُ لِلثَّانِي إلَّا مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَافْهَمْ ذَلِكَ. (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ: إنْ أَرَادَ سَفَرًا لِلتِّجَارَةِ يَرْجُو بِهِ مَا يَحْصُلُ لَهُ فِي الْإِقَامَةِ فَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَإِنْ رَجَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ فِي كَفَافٍ وَإِنَّمَا يَطْلُبُ ذَلِكَ تَكَاثُرًا فَهَذَا لَوْ أَذِنَا لَهُ لَنَهَيْنَاهُ لِأَنَّهُ غَرَضٌ فَاسِدٌ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ دَفْعَ حَاجَاتِ نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَهُ تَأَذَّى بِتَرْكِهِ كَانَ لَهُ مُخَالَفَتُهُمَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَكَمَا نَمْنَعُهُ مِنْ إذَايَتِهِمَا نَمْنَعُهُمَا مِنْ إَذايَتِهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ طَعَامٌ إنْ لَمْ يَأْكُلْهُ هَلَكَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلَاهُ هَلَكَا قُدِّمَتْ ضَرُورَتُهُ عَلَيْهِمَا قَالَ: فَإِنْ قُلْت قَدْ قَالَ مَالِكٌ: إذَا احْتَلَمَ الْغُلَامُ ذَهَبَ حَيْثُ شَاءَ وَلَيْسَ لِأَبَوَيْهِ مَنْعُهُ قَالَ: قُلْت هَذَا فِي الْحَضَانَةِ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ كَانَ تَصَرُّفُهُ بِإِذْنِ كَافِلِهِ فَإِذَا بَلَغَ ذَهَبَ حَجَرُ الْحَضَانَةِ وَتَجَدَّدَ حَجْرُ الْبِرِّ وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الَّذِي دَعَاهُ أَبُوهُ مِنْ السُّودَانِ وَمَنَعَتْهُ أُمُّهُ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ مِنْ الْخُرُوجِ بِغَيْرِ إذْنِ الْأُمِّ وَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَاك وَلَا تَعْصِ أُمَّك فَهُوَ بَعْدَ الْبُلُوغِ يَمْشِي فِي الْبَلَدِ حَيْثُ شَاءَ دُونَ السَّفَرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رِيبَةٍ وَهُمَا يَتَأَذَّيَانِ بِهِ فَيَمْنَعَانِهِ مُطْلَقًا. (سُؤَالٌ) قَوْله تَعَالَى {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] وَالنِّكَاحُ مُبَاحٌ وَقَدْ نُهِيَ الْأَبُ عَنْ مَنْعِ ابْنَتِهِ فَلَا تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي تَرْكِ الْمُبَاحِ وَلَا فِي تَرْكِ الْمَنْدُوبِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. (جَوَابُهُ) أَنَّ الْبِنْتَ لَهَا حَقٌّ فِي الْإِعْفَافِ وَالتَّصَوُّنِ وَدَفْعِ ضَرَرِ مُوَاقَعَةِ الشَّهْوَةِ وَسَدِّ ذَرَائِعِ الشَّيْطَانِ عَنْهَا بِالتَّزْوِيجِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ حَقًّا لَهَا وَأَدَاءُ الْحُقُوقِ وَاجِبٌ عَلَى الْأَبَاءِ لِلْأَبْنَاءِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الْحَقِّ عَلَيْهِمْ لِلْأَبْنَاءِ جَوَازُ إذَايَةُ الْآبَاءِ بِاسْتِيفَاءِ ذَلِكَ الْحَقِّ أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنَعَ مِنْ تَحْلِيفِ الْأَبِ فِي حَقٍّ لَهُ وَقَالَ: إنْ حَلَّفَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ قَالَ: أَبُو الْوَلِيدِ إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ فَإِنَّهُ أَبُو بَكْرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ كُفْرٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلًّا مِنْ أَصْحَابِ الْقَوْلَيْنِ يَقُولُ بِتَفَاوُتِ مَا قَالَ بِهِ مِنْ الْكَرَاهَةِ أَوْ الْحُرْمَةِ وَقِيلَ: تُكْرَهُ عَلَى الْمَكْرُوهِ وَتَحْرُمُ عَلَى الْمُحَرَّمِ مُطْلَقًا وَقِيلَ: وَهُوَ الرَّاجِحُ تُكْرَهُ عَلَى الْمَكْرُوهِ لِذَاتِهِ وَتَحْرُمُ عَلَى الْمُحَرَّمِ لِذَاتِهِ إذْ الْمُرَاغَمَةُ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ حِينَئِذٍ دُونَ مَا إذَا كَانَ لِعَارِضٍ لِأَنَّ الْعَارِضَ إنَّمَا يَتَسَبَّبُ عَنْهُ مَنْعُ الِاسْتِعْمَالِ فَقَطْ وَلَا يَمْنَعُ التَّسْمِيَةَ إذْ الْمَحَلُّ فِي ذَاتِهِ قَابِلٌ لَهَا فَلَا مُرَاغَمَةَ كَذَا فِي حَوَاشِي الْبَهْجَةِ نَقْلًا عَنْ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ وَأَخَذَ مِنْ هَذَا بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَشْيَاخِنَا أَنَّهُ لَوْ عَرَضَ الْإِبَاحَةُ لِمَا نُهِيَ عَنْهُ لِذَاتِهِ كَأَنْ اضْطَرَّ لِأَكْلِ الْمَيِّتَةِ أَوْ شُرْبِ جَرْعَةِ خَمْرٍ لِإِسَاغَةِ مَا غَصَّ بِهِ أَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُرِيدُ الْأَدَمَ سِوَى الْبَصَلِ النِّيءِ تَبْقَى التَّسْمِيَةُ عَلَى الِامْتِنَاعِ إذْ الْمَحَلُّ فِي ذَاتِهِ غَيْرُ قَابِلٍ لَهَا وَالضَّرُورَةُ لَا دَخْلَ لَهَا فِي التَّسْمِيَةِ فَتَدَبَّرْ اهـ وَقَالَ: الْأَمِيرُ فِي شَرْحِ مَجْمُوعِهِ وَحَاشِيَتِهِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْأَظْهَرَ تَحْرِيمُهَا فِي الْمُحَرَّمِ مُطْلَقًا لِمَا وَرَدَ أَنَّ اللَّهَ يَذْكُرُ عَبْدَهُ بِمِثْلِ مَا ذَكَرَهُ وَحَالُ التَّحْرِيمِ يُمَاثِلُهُ مِنْهُ الْعِقَابُ جَزَاءً وِفَاقًا وَذَلِكَ أَنَّ حَالَ التَّحْرِيمِ إعْرَاضٌ عَنْ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى وَمُلَابَسَةٌ لِمَا يَكْرَهُهُ وَالْعِقَابُ إبْعَادٌ لِلْعَبْدِ وَإِيصَالُ مَا يَكْرَهُهُ إلَيْهِ. وَقَدْ رُوِيَ «يَا دَاوُد قُلْ لِلظَّالِمَيْنِ لَا يَذْكُرُونِي فَإِنَّهُمْ إنْ ذَكَرُونِي ذَكَرْتُهُمْ وَإِذَا ذَكَرْتُهُمْ مَقَتُّهُمْ» نَعَمْ الْقَوْلُ بِكَرَاهَتِهَا فِيهِ وَجِيهٌ فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ الْحَسَنَاتُ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ لَا الْعَكْسُ يَعْنِي الْغَالِبُ قُوَّةُ نَامُوسِ حَسَنَةٍ عَلَى السَّيِّئَةِ بِدَلِيلِ كَثْرَةِ الْكَفَّارَاتِ مِنْ الطَّاعَاتِ لِلذُّنُوبِ. وَلِذَا كَانَتْ الْحَسَنَةُ بِعَشْرٍ وَالسَّيِّئَةُ بِوَاحِدَةٍ وَنَاهِيكَ بِحَدِيثِ بِطَاقَةِ التَّوْحِيدِ حَيْثُ تَرْجَحُ فِي الْمِيزَانِ عَلَى سِجِلَّاتٍ كَثِيرَةٍ وَالْبَسْمَلَةُ حَسَنَةٌ لِأَنَّهَا فِي ذَاتِهَا ذِكْرٌ فَلَا يَتَسَلَّطُ عَلَيْهَا نَامُوسُ السَّيِّئَةِ حَتَّى تَنْحَطَّ لِرُتْبَةِ التَّحْرِيمِ قُصَارَى الْأَمْرِ الْكَرَاهَةُ لِلْمُجَاوَرَةِ وَقَدْ رَجَّحَ الْكَرَاهَةَ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ الْكَرْشِيِّ فِي مَبْحَثِ تَسْمِيَةِ الْوُضُوءِ تَبَعًا لِلشَّبْرَخِيتِيِّ وَغَيْرِهِ وَلَمْ نَتْبَعْهُ لِقَوْلِ الْخَادِمِيِّ فِي بَسْمَلَتِهِ إنْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ إلَخْ عِنْدَ شُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ يَكْفُرْ عَلَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ لِأَنَّ التَّبَرُّكَ وَالِاسْتِعَانَةَ بِذِكْرِهِ لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا فِيمَا أَذِنَهُ وَرَضَاهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي آخِرِ صَيْدِ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَرَأَيْت بِخَطِّ ثِقَةٍ سَرَقَ شَاةً فَذَبَحَهَا بِتَسْمِيَةٍ فَوَجَدَ صَاحِبَهَا هَلْ تُؤْكَلُ؟ الْأَصَحُّ لَا لِكُفْرِهِ بِتَسْمِيَةٍ عَلَى الْحَرَامِ الْقَطْعِيِّ بِلَا تَمَلُّكٍ وَلَا إذْنٍ اهـ وَإِنْ كَانَ مَذْهَبُنَا الْأَكْلَ

كَانَ جُرْحَةً فِي حَقِّ الْوَلَدِ فَالْآيَةُ مَا دَلَّتْ إلَّا عَلَى الْوُجُوبِ عَلَى الْآبَاءِ لَا عَلَى إبَاحَةِ إذَايَتِهِمْ بِالْمُخَالَفَةِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) فِي بَيَانِ الْوَاجِبِ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ قَالَ الشَّيْخُ الطُّرْطُوشِيُّ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّمَا تَجِبُ صِلَةُ الرَّحِمِ إذَا كَانَ هُنَاكَ مَحْرَمِيَّةٌ وَهُمَا كُلُّ شَخْصَيْنِ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى لَمْ يَتَنَاكَحَا كَالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْا وَالْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ وَإِنْ سَفُلُوا وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ فَأَمَّا أَوْلَادُ هَؤُلَاءِ فَلَيْسَتْ الصِّلَةُ بَيْنَهُمْ وَاجِبَةً لِجَوَازِ الْمُنَاكَحَةِ بَيْنَهُمْ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ تَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَالْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَتَرْكُ الْحَرَامِ وَاجِبٌ وَبِرُّهُمَا وَتَرْكُ إذَايَتِهِمَا وَاجِبَةٌ وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ بِنْتَيْ الْعَمِّ وَبِنْتَيْ الْخَالِ وَإِنْ كُنَّ يَتَغَايَرْنَ وَيَتَقَاطَعْنَ وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ بَيْنَهُمَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً، وَقَدْ لَاحَظَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا الْمَعْنَى فِي التَّرَاجُعِ فَقَالَ: يَحْرُمُ التَّرَاجُعُ فِي الْهِبَةِ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ. (سُؤَالٌ) مَا مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمْرِ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ سَرَّهُ السَّعَةُ فِي الرِّزْقِ وَالنَّسَاءُ فِي الْأَجَلِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» مَعَ أَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ وَقَدْ قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى جَمِيعَ الْمُمْكِنَاتِ مَا وُجِدَ مِنْهَا وَمَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْأَزَلِ فَتَعَلَّقَتْ إرَادَتُهُ الْقَدِيمَةُ الْأَزَلِيَّةُ بِوُجُودِ كُلِّ مُمْكِنٍ أَرَادَ وُجُودَهُ وَبِعَدَمِ كُلِّ مُمْكِنٍ أَرَادَ بَقَاءَهُ عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ أَوْ أَرَادَ عَدَمَهُ بَعْدَ وُجُودِهِ فَجَمِيعُ الْجَائِزَاتِ وُجُودًا أَوْ عَدَمًا قَدْ نَفَذَتْ فِيهَا مَشِيئَتُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَكَيْفَ بَقِيَتْ الزِّيَادَةُ بَعْدَ ذَلِكَ بِتَيْسِيرِ سَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ. (جَوَابُهُ) مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ: إنَّمَا ذَلِكَ بِزِيَادَةِ الْبَرَكَةِ فِيمَا قُدِّرَ فِي الْأَزَلِ مِنْ الرِّزْقِ وَالْأَجَلِ. وَأَمَّا نَفْسُ الْأَجَلِ وَالرِّزْقِ الْمُقَدَّرَيْنِ فَلَا يَقْبَلَانِ الزِّيَادَةَ قُلْت: وَهَذَا الْجَوَابُ عِنْدِي ضَعِيفٌ بِسَبَبِ أَنَّ الْبَرَكَةَ أَيْضًا مِنْ جُمْلَةِ الْمُقَدَّرَاتِ فَإِنْ كَانَ الْقَدَرُ مَانِعًا مِنْ الزِّيَادَةِ فَلْيَمْنَعْ مِنْ الْبَرَكَةِ فِي الْعُمْرِ وَالرِّزْقِ كَمَا مَنَعَ مِنْ الزِّيَادَةِ فِيهِمَا بَلْ هَذَا الْجَوَابُ يَلْزَمُ مِنْهُ مَفْسَدَتَانِ: أَحَدُهُمَا إيهَامُ أَنَّ الْبَرَكَةَ خَرَجَتْ عَنْ الْقَدَرِ فَإِنَّ الْمُجِيبَ قَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ تَعَلُّقَ الْقَدَرِ مَانِعٌ فَحَيْثُ لَا مَانِعَ لَا قَدَرَ وَهَذَا رَدِيءٌ جِدًّا وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ يُقِلُّ الرَّغْبَةَ فِي صِلَةِ الرَّحِمِ بِالنِّسْبَةِ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ فَإِنَّا إذَا قُلْنَا لِزَيْدٍ إنْ وَصَلْت رَحِمَك زَادَك اللَّهُ تَعَالَى فِي عُمُرِك عِشْرِينَ سَنَةً فَإِنَّهُ يَجِدُ مِنْ الْوَقْعِ لِذَلِكَ مَا لَا يَجِدُهُ مِنْ قَوْلِنَا إنَّهُ لَا يَزِيدُك اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ يَوْمًا وَاحِدًا بَلْ يُبَارَكُ لَك فِي عُمُرِك فَقَطْ فَيَخْتَلُّ الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ فِي بَيَانِ الْوَاجِبِ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الْأَجْوِبَةِ وَغَيْرِهَا صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ يَتَّضِحُ لَك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ اطَّلَعَ عَلَى الْغَيْبِ لَذَهَبَتْ عَنْهُ جَهَالَاتٌ كَثِيرَةٌ فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُسْتَنْكَرٌ مُسْتَقْبَحٌ يَجِبُ تَجَنُّبُ مِثْلِهِ وَيَمْتَنِعُ إطْلَاقُهُ فِي جَانِبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي جَانِبِ سَائِرِ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْعَ عِلَّةِ التَّكْفِيرِ إذْ لَمْ يَتَهَاوَنْ وَلَمْ يَسْتَحِلَّ فَإِنَّهُ الْمُعِينُ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ عَلَى أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ وَالتَّبَرُّكَ بِهِ لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا فِيمَا فِيهِ إذْنُهُ وَرَضَاهُ فَهُوَ أَمْرٌ لَمْ يَقْصِدْهُ وَإِنَّمَا هُوَ لَازِمٌ لِمَا فَعَلَهُ وَلَازِمُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ إذَا لَمْ يَكُنْ اللُّزُومُ بَيِّنًا كَمَا هُنَا خُصُوصًا فِي مِثْلِ كُفْرِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالْكُفْرِ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَقْضِيَ تَرْجِيحَ الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ وَإِنْ كَانَ وَجِيهًا نَعَمْ رُبَّمَا خَفَّ الْأَمْرُ فِي الْحَرَامِ الْعَارِضِ كَالْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ اهـ قُلْتُ: وَلَا يُعَارِضُ قَاعِدَةَ قُوَّةِ نَامُوسِ الْحَسَنَةِ عَلَى السَّيِّئَةِ حَدِيثُ «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» إلَخْ لِقَوْلِ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ الْمَنْفِيَّ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ الْمُصَاحِبُ لِلْمُرَاقَبَةِ إذْ لَوْلَا حِجَابُ الْغَفْلَةِ مَا عَصَى أَوْ أَنَّهُ إنْ اسْتَحَلَّهُ وَمَا يُقَالُ إنَّ الْإِيمَانَ يُرْفَعُ ثُمَّ يَرْجِعُ لَهُ يَلْزَمُهُ عَدَمُ إيمَانِهِ إنْ مَاتَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَشَرْحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِرَفْعِهِ يُحْمَلُ عَلَى رَفْعِ الْإِيمَانِ الْكَامِلِ اهـ وَمِمَّا يَشْهَدُ لِكَوْنِ الْمَنْفِيِّ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ الْإِيمَانَ الْكَامِلَ مَا حُكِيَ لِي أَنَّ امْرَأَةً جَمِيلَةً ذَاتَ عِفَّةٍ وَدِيَانَةٍ جَاعَتْ وَطَلَبَتْ مِنْ جَارِهَا مَا تَتَقَوَّتُ بِهِ فَأَبَى إلَّا أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنْ ذَلِكَ وَصَبَرَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى اشْتَدَّ جُوعُهَا فَأَتَتْهُ وَقَالَتْ لَهُ: قَوِّتْنِي وَافْعَلْ مَا تُرِيدُ فَلَمَّا تَمَكَّنَ مِنْهَا هَمَّ لِغَلْقِ الطَّاقَةِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَرَاهُ جَارُهُ فَقَالَتْ لَهُ: مَا تُرِيدُ؟ فَأَخْبَرَهَا بِذَلِكَ فَقَالَتْ لَهُ: يَا مَجْنُونُ تَخْشَى الْجَارَ وَلَا تَخْشَى الْجَبَّارَ الَّذِي لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ وَأَثَّرَ كَلَامُهَا فِي قَلْبِهِ وَتَرَكَ الزِّنَا بِهَا وَأَعْطَاهَا مَطْلُوبَهَا وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الصَّفْتِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ ابْنِ تُرْكِيٍّ عَلَى الْعَشْمَاوِيَّةِ: وَالنَّدْبُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ الشَّامِلِ لِلسُّنَّةِ وَالْمُسْتَحَبُّ هُوَ حُكْمُ الْبَسْمَلَةِ الْأَصْلِيِّ لِأَنَّهَا ذِكْرٌ وَأَقَلُّ مَرَاتِبِهِ عِنْدَ عَدَمِ مُنَافِي التَّعْظِيمِ النَّدْبُ فَتُسَنُّ عَيْنًا كَمَا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَمَا اعْتَمَدَهُ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْعَدَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْخَرَشِيِّ وَارْتَضَاهُ شَيْخُنَا الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ عُبَادَةَ. وَقِيلَ: تُسَنُّ كِفَايَةً فِي الْأَكْلِ وَتُسْتَحَبُّ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيُطْلَبُ الْإِتْيَانُ بِهَا فِي غَالِبِ الْأُمُورِ ذَوَاتِ الْبَالِ وَلَوْ شِعْرًا إذَا كَانَ مُحْتَوِيًا عَلَى عِلْمٍ أَوْ وَعْظٍ لَا إنْ كَانَ شِعْرًا حَرَامًا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ فِيهِ كَمَا أَفَادَهُ الْحَطَّابُ وَغَيْرُهُ وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا الْوُجُوبُ بِالنَّذْرِ كَمَا إذَا قُلْتَ: نَذْرٌ عَلَيَّ أَنْ أُبَسْمِلَ فِي هَذَا الْكِتَابِ مَثَلًا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْوُجُوبُ أَصَالَةً أَبَدًا إلَّا عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -

مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الْحَثِّ عَلَى صِلَةِ الرَّحِمِ وَالتَّرْغِيبِ فِيهَا بَلْ الْحَقُّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ لَهُ سِتِّينَ سَنَةً مُرَتَّبَةً عَلَى الْأَسْبَابِ الْعَادِيَّةِ مِنْ الْغِذَاءِ وَالتَّنَفُّسِ فِي الْهَوَاءِ وَرَتَّبَ لَهُ عِشْرِينَ سَنَةً أُخْرَى مُرَتَّبَةً عَلَى هَذِهِ الْأَسْبَابِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ. وَإِذَا جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى سَبَبًا أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا تَزِيدُ فِي الْعُمْرِ حَقِيقَةً كَمَا نَقُولُ الْإِيمَانُ يُدْخِلُ الْجَنَّةَ وَالْكُفْرُ يُدْخِلُ النَّارَ بِالْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ لَا بِالِاقْتِضَاءِ الْعَقْلِيِّ وَمَتَى عَلِمَ الْمُكَلَّفُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَبَ صِلَةَ الرَّحِمِ سَبَبًا لِزِيَادَةِ النَّسَاءِ فِي الْعُمْرِ بَادَرَ إلَى ذَلِكَ كَمَا يُبَادِرُ لِاسْتِعْمَالِ الْغِذَاءِ وَتَنَاوُلِ الدَّوَاءِ وَالْإِيمَانِ رَغْبَةً فِي الْجِنَانِ وَيَفِرُّ مِنْ الْكُفْرِ رَهْبَةً مِنْ النِّيرَانِ وَبَقِيَ الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ يُخِلُّ بِالْحَدِيثِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الرِّزْقِ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَكَذَلِكَ نَقُولُ الدُّعَاءُ يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ وَالرِّزْقِ وَيَدْفَعُ الْأَمْرَاضَ وَيُؤَخِّرُ الْآجَالَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا شُرِعَ فِيهِ الدُّعَاءُ فَهُوَ مِنْ الْقَدَرِ وَلَا يُخِلُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْقَدَرِ بَلْ مَا رَتَّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَقْدُورًا إلَّا عَلَى سَبَبٍ عَادِيٍّ وَلَوْ شَاءَ لَمَا رَبَطَهُ بِهِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الْجَوَابُ عَنْ سُؤَالٍ صَعْبٍ وَرَدَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف: 188] فَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: هُنَا سُؤَالٌ وَهُوَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذَا عَلِمَ الْغَيْبَ وَاَلَّذِي فِي الْغَيْبِ هُوَ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنْ الْخَيْرِ فَكَيْفَ يَسْتَكْثِرُ مِنْ الْخَيْرِ عَلَى تَقْدِيرِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْغَيْبِ بَلْ لَوْ قَدَرَ الِاطِّلَاعَ عَلَى الْغَيْبِ لَبَقِيَ عَلَى مَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَجَعَلَ لِكُلِّ مَقْدُورٍ سَبَبًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَيَرْتَبِطُ بِهِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ الْأَسْبَابُ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا مِنْ الْعُلُومِ وَالْجَهَالَاتِ فَالْجَهْلُ سَبَبٌ عَظِيمٌ فِي الْعَالَمِ لِمَفَاسِدَ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَفَوَاتِ الْمَصَالِحِ وَالْعِلْمُ سَبَبٌ عَظِيمٌ لِتَحْصِيلِ مَصَالِحَ وَدَرْءِ مَفَاسِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَالْمَلِكُ الَّذِي دُفِعَ لَهُ السُّمُّ فَأَكَلَهُ فَمَاتَ مِنْهُ كَيْدًا مِنْ أَعْدَائِهِ إنَّمَا قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَمُوتَ بِالسُّمِّ مَعَ جَهْلِهِ بِتَنَاوُلِهِ أَمَّا لَوْ عَلِمَهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ. وَكَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا كَانَ قَدْ قَدَّرَ نَجَاتَهُ مِنْهُ قَدَّرَ اطِّلَاعَهُ عَلَيْهِ فَيَسْلَمُ فَيَكُونُ سَبَبُ سَلَامَتِهِ عِلْمُهُ بِهِ فَالْمُقَدَّرُ عَلَى تَقْدِيرِ الْجَهْلِ نَحْنُ نَمْنَعُ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ عَلَى تَقْدِيرِهِ الْعِلْمَ بَلْ الْمُقَدَّرُ عَلَى تَقْدِيرِ الْعِلْمِ ضِدُّهُ فَالرِّزْقُ الْحَقِيرُ إنَّمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَهْلِهِ عَلَى تَقْدِيرِ جَهْلِهِمْ بِالْكُنُوزِ وَعَمَلِ الْكِيمْيَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الرِّزْقِ أَمَّا مَعَ الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ الْعَظِيمَةِ الْمُوجِبَةِ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ سَعَةَ الرِّزْقِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ ضِيقَ الرِّزْقِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ كَمَا نَقُولُ مَا قَدَّرَ اللَّهُ مِنْ دُخُولِ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ الْإِيمَانِ أَمَّا مَعَ عَدَمِهِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ لَهُمْ الْجَنَّةَ وَمَا قَدَّرَ لِلْكُفَّارِ النَّارَ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ جَهْلِهِمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ عِلْمِهِمْ بِهِ تَعَالَى فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ قَدَّرَ لَهُمْ النَّارَ وَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ يَتَّضِحُ لَك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ اطَّلَعَ عَلَى الْغَيْبِ لَذَهَبَتْ عَنْهُ جَهَالَاتٌ كَثِيرَةٌ كَثُرَ عِنْدَهُ مِنْ الْخَيْرِ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ الْآنَ وَمَا مَسَّهُ السُّوءُ وَلَقَدْ نَجْزِمُ أَنَّ الْمِحْنَةَ فِي أُحُدٍ وَقَتْلَ حَمْزَةَ وَغَيْرِهِ إنَّمَا قَدَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَوْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا بِوُجُوبِهَا فِي الصَّلَاةِ وَالْوَاجِبُ فِي الذَّبْحِ بِقَيْدِ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ مُطْلَقُ ذِكْرٍ لَا خُصُوصُ الْبَسْمَلَةِ كَمَا فِي شُرَّاحِ الْمُخْتَصَرِ وَكَلَامُنَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا بِخُصُوصِهَا وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُقْتَصَرُ فِي الذَّبْحِ عَلَى بِسْمِ اللَّهِ فَقَطْ وَلَا يَزِيدُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَالْأَكْلِ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لِلْحَيَوَانِ وَكَوْنُ الْأَكْلِ فِيهِ تَعْذِيبٌ لِلُّقْمَةِ بِالْمَضْغِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَإِلَّا فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ شُرْبَ الْمَاءِ أَوْ اسْتِعْمَالَهُ بِالْوُضُوءِ فِيهِ حَتْفٌ لَهُ وَلَا وَجْهَ لَهُ وَنَذْرُهَا فِي صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لَا نَصَّ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى لُزُومِهِ كَمَا قَالُوا بِهِ فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ رَابِعِ النَّحْرِ مَعَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ أَوْ عَدَمُ لُزُومِهِ لِكَرَاهَتِهَا فِيهَا وَالنَّذْرُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِهِ مَا نُدِبَ نَعَمْ اسْتَظْهَرَ شَيْخُنَا الْأَمِيرُ أَنَّهَا تَلْزَمُ لِأَنَّهَا عُهِدَ لَهَا طَلَبٌ فِي الْجُمْلَةِ فِيمَا إذَا قَصَدَ الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ وَتَتَعَلَّقُ بِهَا الْكَرَاهَةُ فِي الْأُمُورِ الْمَكْرُوهَةِ كَعِنْدَ شُرْبِ الدُّخَانِ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ عَلَى الْأَظْهَرِ وَكَالْإِتْيَانِ بِهَا فِي الْوَطْءِ الْمَكْرُوهِ كَأَنْ يَطَأَ الْجُنُبُ ثَانِيًا قَبْلَ غَسْلِ فَرْجِهِ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَيُكْرَهُ الْإِتْيَانُ بِهَا أَيْضًا فِي الْأَذَانِ وَالذِّكْرِ. وَصَلَاةِ الْفَرْضِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا شَرَفٌ عَظِيمٌ شَرْعًا وَعُرْفًا لِأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الذِّكْرِ أَوْ هِيَ نَفْسُهَا ذِكْرٌ فَلَا تَحْتَاجُ لِذِكْرٍ آخَرَ فَتَأَمَّلْ وَلَمْ أَرَ نَصًّا فِي الْمَذْهَبِ عَلَى حُكْمِ الْإِتْيَانِ بِهَا فِي أَوَّلِ بَرَاءَةٍ وَفِي أَثْنَائِهَا إلَّا أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا أَخْبَرَنِي بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الثِّقَاتِ مِنْ أَشْيَاخِي مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ كَرَاهَتِهَا فِي أَوَّلِ بَرَاءَةٍ وَاسْتِحْبَابِهَا فِي أَثْنَائِهَا خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ تَحْرُمُ فِي أَوَّلِهَا وَتُكْرَهُ فِي أَثْنَائِهَا فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ وَتَعْرِضُ لَهَا الْحُرْمَةُ فِي تِلَاوَتِهَا لِلْجُنُبِ عَلَى أَنَّهَا الَّتِي فِي سُورَةِ النَّمْلِ لَا عَلَى أَنَّهُ ذِكْرٌ بِقَصْدِ التَّحَصُّنِ وَفِي ابْتِدَاءِ الْمُحَرَّمَاتِ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ عَلَى الْأَظْهَرِ وَلَا تَتَعَلَّقُ بِهَا الْإِبَاحَةُ عَلَى الظَّاهِرِ لِأَنَّهَا ذِكْرٌ وَأَقَلُّ مَرَاتِبِهِ النَّدْبُ نَعَمْ قَالَ الْخَادِمِيُّ: إنَّهَا مُبَاحَةٌ فِي أَوَّلِ الْقُعُودِ وَالْقِيَامِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُطْلَبُ فِي ذِي الْبَالِ دُونَ هَذَا انْتَهَى لَكِنَّهُ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ إنْ أَتَى بِهَا فِي غَيْرِ ذِي الْبَالِ إنْ كَانَ قَصْدُهُ التَّبَرُّكَ أَوْ التَّحَصُّنَ فَيَرْجِعُ لِلذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ التَّهَاوُنَ فَهُوَ كُفْرٌ وَقَوْلُهُمْ تُطْلَبُ فِي ذِي الْبَالِ أَيْ تَتَأَكَّدُ فِيهِ وَأَمَّا الطَّلَبُ الْكُلِّيُّ الَّذِي أَتَى لَهَا مِنْ حَيْثُ الذِّكْرُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ أَيْ فِي غَيْرِ ذِي الْبَالِ عِنْدَ عَدَمِ مُنَافٍ لِلتَّعْظِيمِ كَمَا هُنَا

بِسَبَبِ عَدَمِ الْعِلْمِ بِأُمُورٍ وَعَوَاقِبِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَوْ قُدِّرَ حُصُولُ الْعِلْمِ بِعَوَاقِبِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ كَثُرَتْ لَك النَّظَائِرُ لِتَسْتَيْقِظَ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَسِرِّ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ فَيَنْدَفِعُ السُّؤَالُ وَهُوَ مَوْضِعٌ حَسَنٌ. (فَائِدَةٌ) أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْقَوْلَ بِأَنَّ لِلْأُمِّ ثُلُثَيْ الْبِرِّ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا «قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّك قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّك قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّك قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أَبُوك» وَرُوِيَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ وَرُوِيَ ثَلَاثًا فَعَلَى رِوَايَةِ مَرَّتَيْنِ قَالُوا: يَكُونُ لَهَا ثُلُثُ الْبِرِّ وَعَلَى رِوَايَةِ ثَلَاثَةٍ يَكُونُ لَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْبِرِّ لِأَنَّ الْأَبَ جَاءَ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ وَهَذَا يُعْتَقَدُ أَنَّهُ سَهْلٌ وَلَيْسَ بِالسَّهْلِ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ السَّائِلِ أَيُّ النَّاسِ أَحَقُّ إنَّمَا سَأَلَ عَنْ أَعْلَى الرُّتَبِ فَلَمَّا أُجِيبَ عَنْهَا عَرَفَهَا الرُّتْبَةَ الْعَالِيَةَ فَأَخَذَ يَسْأَلُ عَنْ الرُّتْبَةِ الَّتِي تَلِيهَا بِصِيغَةِ ثُمَّ الَّتِي لِلتَّرَاخِي الدَّالَّةِ عَلَى تَرَاخِي رُتْبَةِ الْفَرِيقِ الثَّانِي عَنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ فِي الْبِرِّ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ: أُمُّك فَلَا يَكُونُ هَذَا الْجَوَابُ مُطَابِقًا حَتَّى تَكُونَ هَذِهِ الرُّتْبَةُ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ رُتْبَةً مِنْ الْأُولَى وَكَذَلِكَ الْأَجْوِبَةُ الَّتِي بَعْدَهَا بِتِلْكَ الرُّتَبِ الْمُجَابِ بِهَا وَكَمَا وَجَبَ نُقْصَانُ الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى وَجَبَ أَيْضًا نُقْصَانُ الرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ عَنْ الثَّانِيَةِ عَمَلًا بِثُمَّ الدَّالَّةِ عَلَى التَّرَاخِي وَالنُّقْصَانِ ثُمَّ رُتْبَةُ الْأَبِ تَكُونُ أَخْفَضَ الرُّتَبِ وَأَقَلِّهَا وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا تَكُونُ رُتْبَةُ الْأَبِ مُشْتَمِلَةً عَلَى ثُلُثِ الْبِرِّ إذْ لَوْ اشْتَمَلَتْ لَكَانَتْ الرُّتَبُ مُسْتَوِيَةً. وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ وَأَنَّ الْأَخِيرَةَ أَقَلُّ مِمَّا هُوَ أَقَلُّ وَأَنَّهُ يَجِبُ نُقْصَانُ كُلِّ رُتْبَةٍ فَضْلًا عَمَّا قَبْلَهَا فَيَتَعَيَّنُ نُقْصَانُ الرُّتْبَةِ الْأَخِيرَةِ بِمَقَادِيرَ عَدِيدَةٍ عَنْ الرُّتْبَةِ الْأُولَى بَعْدَ تَعَدُّدِ الْأَسْئِلَةِ وَالْأَجْوِبَةِ فَيَكُونُ نَصِيبُ الْأَبِ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ بِمِقْدَارَيْنِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَثَلَاثِ مَقَادِيرَ عَلَى رِوَايَةِ الثَّلَاثِ فَيَكُونُ نَصِيبُ الْأَبِ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ وَأَقَلَّ مِنْ الرُّبُعِ قَطْعًا فَيَبْطُلُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ ثُلُثُ الْبِرِّ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ الْبِرِّ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بَلْ أَقَلُّ بِكَثِيرٍ وَكَمَا وَجَبَ نُقْصَانُ الْأَبِ عَنْ الرُّبُعِ أَوْ الثُّلُثِ وَجَبَ أَيْضًا أَنْ لَا يُقَالَ: لِلْأُمِّ ثُلُثَا الْبِرِّ أَوْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِأَنَّ الْأَنْصِبَاءَ الْمَضْمُومَةَ إلَيْهَا مُخْتَلِفَةُ الْمَقَادِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَا قَالُوا أَنْ لَوْ كَانَتْ الْمَقَادِيرُ مُسْتَوِيَةً فَإِنْ قُلْت: فَهَلْ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَعْدَ تَسْلِيمِ بُطْلَانِ الْمِقْدَارِ الْمَذْكُورِ؟ قُلْت: ذَلِكَ عَسِيرٌ عَلَيَّ وَإِنَّمَا الَّذِي يَتَيَسَّرُ لِي إيرَادُ السُّؤَالِ أَمَّا تَحْرِيرُ الْمِقْدَارِ فَلَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّ ثُمَّ اقْتَضَتْ أَصْلَ النُّقْصَانِ مَعَ زِيَادَةٍ فِي النُّقْصَانِ يَحْصُلُ بِهَا التَّرَاخِي بِثُمَّ أَمَّا مَا مِقْدَارُ ذَلِكَ الَّذِي بِهِ حَصَلَ فَلَا يَتَعَيَّنُ لِي بَلْ جَزَمْت بِالتَّفَاوُتِ فَقَطْ فَإِنْ تَيَسَّرَ الضَّبْطُ فِي ذَلِكَ فَاضْبِطْهُ. فَإِنْ قُلْت: ثُمَّ حَرْفُ عَطْفٍ تَقْتَضِي مَعْطُوفًا وَمَعْطُوفًا عَلَيْهِ وَلَيْسَ مَعَنَا قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا إلَّا كَلَامٌ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى نَفْسِهَا فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالْقَاعِدَةُ الْعَرَبِيَّةُ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ قُلْت أَيْضًا: هَذَا سُؤَالٌ مُشْكِلٌ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَتَحْرِيرٍ عَلَى الْقَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْمَقَاصِدِ الشَّرْعِيَّةِ ثُمَّ إنَّ السَّائِلَ إنَّمَا سَأَلَ عَنْ غَيْرِ الْأُمِّ وَالتَّرَاخِي عَنْهَا فِي الرُّتْبَةِ فَكَيْفَ أُجِيبَ بِالْأُمِّ وَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّ التَّرَاخِيَ عَنْ الْأُمِّ فِي الْبِرِّ هُوَ لِلْأُمِّ حَتَّى يَحْصُلَ الْجَوَابُ بِهِ وَهَذَا أَيْضًا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَطَلَبُهَا لِلْكَنِيفِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِذِي بَالٍ وَمُنَافٍ لِلتَّعْظِيمِ إمَّا لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَحَلٌّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ يَكُونُ ذَا بَالٍ كَمَا لِلشَّيْخِ مُحَمَّدِ عِبَادَةَ. وَإِمَّا لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا حِينَئِذٍ التَّحَصُّنُ مِنْ الْجِنِّ وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ يَأْتِي بِهَا عِنْدَ كَبِّ الْمَاءِ وَالتَّفِلَةِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمُحَقَّرَاتِ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ التَّحَصُّنَ وَالتَّبَرُّكَ لِنَفْسِهِ لَا لِكَبِّ الْمَاءِ وَلَا لِلتَّفِلَةِ صَوْنًا لِاقْتِرَانِ اسْمِهِ تَعَالَى بِالْمُحَقَّرَاتِ كَمَا لِلْخَادِمِيِّ وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ فِي قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ وَجَازَتْ كَتَعَوُّذِ بِنَفْلِ عَدَمِ تَأَكُّدِ الطَّلَبِ وَنَفْيِ الْكَرَاهَةِ فَلَا يُنَافِي نَدْبُهَا وَكَوْنُ الْإِتْيَانِ بِذِكْرِ اللَّهِ وَلَا ثَوَابَ لَهُ بَعِيدٌ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْأَمِيرُ اهـ بِتَلْخِيصٍ وَتَوْضِيحِ مَا وَحَذْفٍ وَظَاهِرُهُ كَرَاهَتُهَا فِي الْمَكْرُوهِ مُطْلَقًا وَحُرْمَتُهَا فِي الْمُحَرَّمِ مُطْلَقًا وَبِالْجُمْلَةِ فَالْبَسْمَلَةُ شُرِعَتْ فِي غَالِبِ ذَوَاتِ الْبَالِ أَصَالَةً أَوْ لِعَارِضِ قَصْدِ التَّحَصُّنِ وَالتَّبَرُّكِ لِنَفْسِهِ وَهُوَ مَا عَدَا نَحْوَ الصَّلَوَاتِ مِمَّا جَعَلَ الشَّارِعُ مَبْدَأَهُ بِغَيْرِهَا وَمَا عَدَا الذِّكْرَ الْمَحْضَ وَغَيْرَ ذَوَاتِ الْبَالِ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ مُطْلَقًا أَيْ وَلَوْ كَانَا لِعَارِضٍ وَنَحْوَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالْأُمُورِ الْخَسِيسَةِ وَلَمْ تُشْرَعْ فِي سِتَّةِ أُمُورٍ: الْأَوَّلُ نَحْوُ الصَّلَوَاتِ مِمَّا جَعَلَ الشَّارِعُ مَبْدَأَهُ بِغَيْرِهَا وَالثَّانِي الذِّكْرُ الْمَحْضُ وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ الْمُحَرَّمُ وَالْمَكْرُوهُ وَلَوْ كَانَا لِعَارِضٍ وَالْخَامِسُ الْأُمُورُ الْخَسِيسَةُ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهَا وَعَدَمِ قَصْدِ التَّحَصُّنِ وَالتَّبَرُّكِ لِنَفْسِهِ وَإِلَّا رَجَعَتْ بِذَلِكَ لِذَوَاتِ الْبَالِ وَالسَّادِسُ نَحْوُ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ مِمَّا أُبِيحَ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُحَقَّرَاتِ وَلَا مِنْ ذَوَاتِ الْبَالِ وَحُكْمُهَا فِيمَا شُرِعَتْ فِيهِ مِنْ ذَوَاتِ الْبَالِ تَأَكُّدُ النَّدْبِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ الشَّامِلِ لِلسُّنَّةِ وَالْمُسْتَحَبِّ عَلَى مَا مَرَّ، وَمِنْهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْمُحَرَّمُ وَالْمَكْرُوهُ لِعَارِضٍ لِمَا عَلِمْت وَفِي نَحْوِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ وَالذِّكْرِ الْمَحْضِ الْكَرَاهَةُ وَفِي الْمُحَرَّمِ مُطْلَقًا عِنْدَنَا أَوْ لِذَاتِهِ فَقَطْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَوْ أَبَاحَتْهُ الضَّرُورَةُ التَّحْرِيمُ عَلَى الْأَظْهَرِ وَفِي الْمَكْرُوهِ مُطْلَقًا عِنْدَنَا أَوْ لِذَاتِهِ فَقَطْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَوْ أَبَاحَتْهُ الضَّرُورَةُ الْكَرَاهَةُ نَعَمْ الْحُرْمَةُ عِنْدَنَا فِي الْمُحَرَّمِ لِعَارِضٍ وَالْكَرَاهَةُ فِي الْمَكْرُوهِ لِعَارِضٍ أَخَفُّ مِنْهُمَا فِي الْمُحَرَّمِ لِذَاتِهِ وَالْمَكْرُوهِ فَافْهَمْ وَفِي الْأُمُورِ الْخَسِيسَةِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهَا خِلَافُ الْأَوْلَى صَوْنًا لِاقْتِرَانِ اسْمِهِ تَعَالَى بِالْمُحْتَقَرَاتِ وَمَعَ قَصْدِ التَّحَصُّنِ وَالتَّبَرُّكِ لِنَفْسِهِ النَّدْبُ لِرُجُوعِهَا لِذَوَاتِ الْبَالِ بِذَلِكَ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى نَحْوُ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَإِنْ لَمْ تُشْرَعْ فِيهِ لِأَنَّ أَقَلَّ مَرَاتِبِ الذِّكْرِ النَّدْبُ وَإِنْ لَمْ يَتَأَكَّدْ إلَّا فِي ذَوَاتِ الْبَالِ فَافْهَمْ. 2 -

إشْكَالٌ آخَرُ وَالْجَوَابُ أَنْ نَقُولَ: هَذَا عَطْفٌ وَكَلَامٌ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى كَأَنَّ السَّائِلَ لَمَّا قِيلَ لَهُ: أَحَقُّ النَّاسِ وَأَوْلَاهُمْ أُمُّك قَالَ: فَلِمَنْ أَتَوَجَّهُ بِالْبِرِّ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَشْتَغِلُ بِهِ قِيلَ لَهُ أَيْضًا لِأُمِّكَ فَقُوبِلَ مَا فُهِمَ مِنْهُ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ الْأُمِّ بِالْأَمْرِ بِالْمُلَازَمَةِ إظْهَارًا لِتَأْكِيدِ حَقِّهَا فَقَالَ: إذَا تَوَجَّهْت أَيْضًا إلَيْهَا وَفَرَغْت فَلِمَنْ أَتَوَجَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا فَقِيلَ لَهُ: أُمُّك فَقُوبِلَ أَيْضًا مَا فُهِمَ مِنْهُ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ الْأُمِّ بِالْبِرِّ وَالْمُلَازَمَةِ إظْهَارًا لِتَأْكِيدِ حَقِّهَا فَصَارَتْ الْأُمُّ مَعْطُوفَةً عَلَى نَفْسِهَا بِنِسْبَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ إلَى رُتْبَتَيْنِ مُتَبَايِنَتَيْنِ فَهِيَ بِقَيْدِ الرُّتْبَةِ الدُّنْيَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى نَفْسِهَا بِقَيْدِ الرُّتْبَةِ وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ إذَا أُخِذَ مَعَ وَصْفَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ صَارَ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَمَا تَقُولُ: زَيْدٌ ابْنٌ وَأَخٌ وَفَقِيهٌ وَتَاجِرٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَالْمَوْصُوفُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ وَاحِدٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا أُخِذَ مَعَ الْمُخْتَلِفَاتِ صَارَ مُخْتَلِفًا فَهَذَا السِّرُّ هُوَ الْمُحْسِنُ لِلْعِطْفِ وَإِعَادَةِ الْأُمِّ فِي الرُّتَبِ وَهَذَا الْحَدِيثُ كَمَا تَرَى فِيهِ مَا فِيهِ مِنْ الْقَلِقِ وَالْإِشْكَالِ مَعَ أَنَّهُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ ظَاهِرًا فِي بَادِئِ الرَّأْيِ فَإِذَا اُخْتُبِرَ خَرَجَ مِنْهُ غَرَائِبُ. (فَصْلٌ) إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ وَهَذِهِ الْمَبَاحِثُ ظَهَرَ لَك الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ لِلْأَجَانِبِ وَالْوَاجِبِ لِلْوَالِدَيْنِ فَإِنَّ كُلَّ مَا يَجِبُ لِلْأَجَانِبِ يَجِبُ لِلْوَالِدَيْنِ وَضَابِطُ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْوَالِدَانِ دُونَ الْأَجَانِبِ هُوَ اجْتِنَابُ مُطْلَقِ الْأَذَى كَيْفَ كَانَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الِابْنِ وَوُجُوبُ طَاعَتِهِمَا فِي تَرْكِ النَّوَافِلِ وَتَعْجِيلِ الْفُرُوضِ الْمُوَسَّعَةِ وَتَرْكِ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ إذَا كَانَ ثَمَّ مَنْ يَقُومُ بِهَا وَمَا عَدَا ذَلِكَ لَا تَجِبُ طَاعَتُهُمْ فِيهِ وَإِنْ نُدِبَ إلَى طَاعَتِهِمْ وَبِرِّهِمْ مُطْلَقًا وَكَذَلِكَ الْأَجَانِبُ يُنْدَبُ بِرُّهُمْ مُطْلَقًا غَيْرَ أَنَّ النَّدْبَ فِي الْأَبَوَيْنِ أَقْوَى فِي غَيْرِ الْقُرَبِ وَالنَّوَافِلِ وَلَا نَدْبَ فِي طَاعَةِ الْأَجَانِبِ فِي تَرْكِ النَّوَافِلِ بَلْ الْكَرَاهَةُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ وَأَمَّا مَا يَجِبُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ غَيْرِ الْأَبَوَيْنِ فَلَمْ أَظْفَرْ فِيهِ بِتَفْصِيلٍ كَمَا وَجَدْتُ تِلْكَ الْمَسَائِلَ فِي الْأَبَوَيْنِ بَلْ أَصْلُ الْوُجُوبِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَهَذَا هُوَ الَّذِي قَدَرْت عَلَيْهِ فِي هَذَا الْفَرْقِ وَقَدْ رَأَيْتُ جَمْعًا عَظِيمًا عَلَى طُولِ الْأَيَّامِ يَعْسُرُ عَلَيْهِمْ تَحْرِيرُ ذَلِكَ. (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الْجَهَالَاتُ وَالْغَرَرُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ) وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي نَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَعَنْ بَيْعِ الْمَجْهُولِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ عَمَّمَهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَهُوَ الشَّافِعِيُّ فَمَنَعَ مِنْ الْجَهَالَةِ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْخُلْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الْجَهَالَاتُ وَالْغَرَرُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ: فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصْلٌ) فِي زِيَادَةِ تَحْرِيرِ هَذَا الْفَرْقِ بِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ لِذَاتِهِ وَبَيْنَ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ لِعَارِضٍ قَالَ الْعَلَّامَةُ الأنبابي فِي تَقْرِيرَاتِهِ عَلَى بَاجُورِيّ السُّنُوسِيَّةِ: يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُحَرَّمِ لِذَاتِهِ وَالْمَكْرُوهِ لِذَاتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ تَحْرِيمُهُ وَكَرَاهَتُهُ لِعِلَّةٍ يَدُورُ مَعَهَا وُجُودًا وَعَدَمًا وَالْمُحَرَّمِ لِعَارِضٍ وَالْمَكْرُوهِ لِعَارِضٍ مَا كَانَ تَحْرِيمُهُ وَكَرَاهَتُهُ لِعِلَّةٍ يَدُورُ مَعَهَا وُجُودًا وَعَدَمًا فَالزِّنَا وَشُرْبُ الْخَمْرِ مِنْ قَبِيلِ الْمُحَرَّمِ لِذَاتِهِ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الزِّنَا لَا يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ الَّتِي هِيَ اخْتِلَاطُ الْأَنْسَابِ وُجُودًا وَعَدَمًا إذْ قَدْ تَنْتِفِي الْعِلَّةُ وَيُوجَدُ التَّحْرِيمُ كَمَا إذَا وَطِئَ رَجُلٌ صَغِيرَةً. وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ شُرْبِ الْخَمْرِ لَا يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ الَّتِي هِيَ الْإِسْكَارُ إذْ قَدْ يَنْتَفِي الْإِسْكَارُ وَيُوجَدُ التَّحْرِيمُ كَمَا إذَا اعْتَادَ الشَّخْصُ شُرْبَ الْخَمْرِ بِحَيْثُ لَا يُؤَثِّرُ فِي عَقْلِهِ شَيْءٌ أَوْ شَرِبَ قَدْرًا لَا يُسْكِرُ وَالْوُضُوءُ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ مِنْ الْمُحَرَّمِ لِعَارِضٍ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ الَّتِي هِيَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا وُجُودًا وَعَدَمًا وَالنَّظَرُ لِفَرْجِ الْحَلِيلَةِ مِنْ قَبِيلِ الْمَكْرُوهِ لِذَاتِهِ لِأَنَّ كَرَاهَتَهُ لَا تَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ الَّتِي هِيَ خَوْفُ الطَّمْسِ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إذْ قَدْ تَنْتِفِي الْعِلَّةُ وَتُوجَدُ الْكَرَاهَةُ كَمَا إذَا أَخْبَرَهُ مَعْصُومٌ بِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ طَمْسٌ إذَا نَظَرَ لِفَرْجِ حَلِيلَتِهِ وَالْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ مِنْ الْمَكْرُوهِ لِعَارِضٍ لِأُنِرَ كَرَاهَتَهُ تَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ الَّتِي هِيَ خَوْفُ الْبَرَصِ وُجُودًا وَعَدَمًا فَإِذَا امْتَنَعَتْ الْعِلَّةُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ تَشْمِيسُهُ فِي نُحَاسٍ أَوْ كَانَ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ الْقُطْرُ حَارًّا انْتَفَتْ الْكَرَاهَةُ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا يُقَالُ لَا يُعْقَلُ فَرْقٌ بَيْنَ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ لِذَاتِهِمَا وَبَيْنَ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ لِعَارِضٍ لِأَنَّهُ إذَا نُظِرَ لِلشُّرْبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَجَائِزٌ وَإِنْ نُظِرَ لِكَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِالْخَمْرِ فَهُوَ حَرَامٌ كَمَا أَنَّهُ إنْ نُظِرَ لِلْوُضُوءِ فِي ذَاتِهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ نُظِرَ لِكَوْنِهِ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ فَهُوَ حَرَامٌ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمَكْرُوهِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ لِذَاتِهِمَا مَا كَانَ تَحْرِيمُهُ وَكَرَاهَتُهُ لَا لِعِلَّةٍ وَلَا لِعَارِضٍ مَا كَانَ مَا ذُكِرَ لَهَا وَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّ لِلْكُلِّ عَدْلًا وَلَا فَرْقَ اهـ بِتَوْضِيحِ وَتَغْيِيرِ مَا وَتَمْثِيلُهُ لِلْمَكْرُوهِ لِذَاتِهِ بِالنَّظَرِ لِفَرْجِ الْحَلِيلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِهِ وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِنَا فَمُبَاحٌ فَفِي مَجْمُوعِ الْأَمِيرِ مَعَ شَرْحِهِ وَحَوَاشِيهِ وَحَلَّ بِالْعَقْدِ أَيْ بِشَرْطِ الْإِشْهَادِ غَيْرَ الْإِيلَاجِ بِدُبْرٍ مِنْ نَظَرِ فَرْجٍ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: نَظَرُ الْفَرْجِ يُورِثُ الْعَمَى نَعَمْ الْأَكْمَلُ خِلَافُهُ كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -

[الفرق بين قاعدة الصوم وقاعدة غيره من الأعمال الصالحة]

وَالصُّلْحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ وَهُوَ مَالِكٌ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُجْتَنَبُ فِيهِ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ وَهُوَ بَابُ الْمُمَاكَسَاتِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِتَنْمِيَةِ الْأَمْوَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ تَحْصِيلُهَا وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُجْتَنَبُ فِيهِ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ وَهُوَ مَا لَا يَقْصِد لِذَلِكَ وَانْقَسَمَتْ التَّصَرُّفَاتُ عِنْدَهُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: طَرَفَانِ وَوَاسِطَةٌ فَالطَّرَفَانِ: أَحَدُهُمَا مُعَاوَضَةٌ صِرْفَةٌ فَيُجْتَنَبُ فِيهَا ذَلِكَ إلَّا مَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ عَادَةً كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْجَهَالَاتِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ فَكَذَلِكَ الْغَرَرُ وَالْمَشَقَّةُ وَثَانِيهِمَا مَا هُوَ إحْسَانٌ صِرْفٌ لَا يُقْصَدُ بِهِ تَنْمِيَةُ الْمَالِ كَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ فَإِنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا يُقْصَدُ بِهَا تَنْمِيَةُ الْمَالِ بَلْ إنْ فَاتَتْ عَلَى مَنْ أَحْسَنَ إلَيْهِ بِهَا لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ إذَا فَاتَ بِالْغَرَرِ وَالْجَهَالَاتِ ضَاعَ الْمَالُ الْمَبْذُولُ فِي مُقَابَلَتِهِ فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ مَنْعَ الْجَهَالَةِ فِيهِ أَمَّا الْإِحْسَانُ الصِّرْفُ فَلَا ضَرَرَ فِيهِ فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ وَحَثُّهُ عَلَى الْإِحْسَانِ التَّوْسِعَةَ فِيهِ بِكُلِّ طَرِيقٍ بِالْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْسَرُ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ قَطْعًا وَفِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إلَى تَقْلِيلِهِ فَإِذَا وَهَبَ لَهُ عَبْدَهُ الْآبِقَ جَازَ أَنْ يَجِدَهُ فَيَحْصُلَ لَهُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَجِدْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا وَهَذَا فِقْهٌ جَمِيلٌ ثُمَّ إنَّ الْأَحَادِيثَ لَمْ يَرِدْ فِيهَا مَا يَعُمُّ هَذِهِ الْأَقْسَامَ حَتَّى نَقُولَ يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ نُصُوصِ صَاحِبِ الشَّرْعِ بَلْ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا الْوَاسِطَةُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فَهُوَ النِّكَاحُ فَهُوَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَالَ فِيهِ لَيْسَ مَقْصُودًا. وَإِنَّمَا مَقْصِدُهُ الْمَوَدَّةُ وَالْأُلْفَةُ وَالسُّكُونُ يَقْتَضِي أَنْ يَجُوزَ فِيهِ الْجَهَالَةُ وَالْغَرَرُ مُطْلَقًا وَمِنْ جِهَةِ أَنْ صَاحِبَ الشَّرْعِ اشْتَرَطَ فِيهِ الْمَالَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] يَقْتَضِي امْتِنَاعَ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ فِيهِ فَلَوْ وُجِدَ الشَّبَهَيْنِ تَوَسَّطَ مَالِكٌ فَجَوَّزَ فِيهِ الْغَرَرَ الْقَلِيلَ دُونَ الْكَثِيرِ نَحْوَ عَبْدٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَشُورَةِ بَيْتٍ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْوَسَطِ الْمُتَعَارَفِ وَالثَّانِي لَيْسَ لَهُ ضَابِطٌ فَامْتَنَعَ وَأَلْحَقَ الْخُلْعَ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ الَّذِي لَا يَجُوزُ فِيهِ الْغَرَرُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْعِصْمَةَ وَإِطْلَاقَهَا لَيْسَ مِنْ بَابِ مَا يُقْصَدُ لِلْمُعَاوَضَةِ بَلْ شَأْنُ الطَّلَاقِ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَهُوَ كَالْهِبَةِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَالضَّابِطُ لِلْبَابَيْنِ وَالْفِقْهُ مَعَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِ. (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُشْتَرَكِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النَّهْيِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ) هَذَا الْفَرْقُ جَلِيلٌ عَظِيمٌ دَقِيقُ النَّظَرِ خَطِيرُ النَّفْعِ لَا يُحَقِّقُهُ إلَّا فَحَوْلُ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ فَاسْتَقْبِلْهُ بِعَقْلٍ سَلِيمٍ وَفِكْرٍ مُسْتَقِيمٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُشْتَرَكَ هُوَ الْحَقِيقَةُ الْكُلِّيَّةُ الْمَوْجُودَةُ فِي أَفْرَادٍ عَدِيدَةٍ كَالرَّقَبَةِ بِالنِّسْبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُشْتَرَكِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النَّهْيِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ «وَاَللَّهِ مَا رَأَى مِنِّي وَمَا رَأَيْت مِنْهُ» اهـ فَالْأَوْلَى التَّمْثِيلُ لِذَلِكَ بِأَكْلِ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ دُخُولَ الْمَسْجِدِ نَحْوِ الْبَصَلِ النِّيءِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يُزِيلُ بِهِ رَائِحَتَهُ لِأَنَّ كَرَاهَتَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا تَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ الَّتِي هِيَ تَأَذِّي غَيْرُهُ وَلَوْ مَلَكًا وُجُودًا وَعَدَمًا لِتَحَقُّقِ الْكَرَاهَةِ وَلَوْ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَ أَحَدٍ أَوْ اجْتَمَعَ بِمَنْ ضَعُفَتْ حَاسَّةُ شَمِّهِ قَالَ: الْعَلَّامَةُ الصَّفْتِيُّ مَا حَاصِلُهُ: إنَّ أَكْلَ الثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالْفُجْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَحَرَامٌ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَحَدٌ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ مَا يُزِيلُ بِهِ رَائِحَتَهُ وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَخِلَافُ الْأَوْلَى إنْ كَانَ عِنْدَهُ مَا يُزِيلُ بِهِ رَائِحَتَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُزِيلُ بِهِ رَائِحَتَهُ فَإِنْ قَصَدَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ فَحَرَامٌ وَإِلَّا فَقِيلَ بِالْكَرَاهَةِ وَقِيلَ بِالْجَوَازِ وَقِيلَ بِالْحُرْمَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَفَادَهُ الشَّيْخُ فِي حَاشِيَةِ الْخَرَشِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّوْمِ وَقَاعِدَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ] (الْفَرْقُ الْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّوْمِ وَقَاعِدَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ) مِنْ حَيْثُ إنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ خَصَّصَ الصَّوْمَ بِإِضَافَتِهِ إلَى نَفْسِهِ الْمُوجِبَةِ لِتَشْرِيفِهِ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْهُ كَمَا عَلَيْهِ الْفَتَاوِي وَحَدِيثُ «أَفْضَلُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» وَالْأَثَرُ الْمَشْهُورُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ إنَّ أَهَمَّ أُمُورِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ فَاحْتِيجَ إلَى بَيَانِ الْفَارِقِ الَّذِي أَوْجَبَ هَذِهِ الْإِضَافَةَ وَالتَّخْصِيصَ وَاضْطِرَابَ النَّاسِ فِيهِ فَمِنْ قَائِلٍ: إنَّ الصَّوْمَ لَمَّا كَانَ أَمْرًا خَفِيًّا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ حَقِيقَةً إلَّا اللَّهُ تَعَالَى نَبَّهَ عَلَى شَرَفِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ مَا تَوْضِيحُهُ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ عِنْدِي وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ» إلَخْ الْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ فَقَطْ لَا مَا يَشْمَلُ الْبَاطِنَةَ مِنْ الْإِيمَانِ وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ الْحَسَنَةِ حَتَّى يُقَالَ: إنَّهَا كَالصَّوْمِ فِي الْخَفَاءِ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ تَخْصِيصِ الصَّوْمِ بِهَذِهِ الْمِزْيَةِ دُونَ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ مَعَ كَوْنِ الصَّلَاةِ أَفْضَلَ مِنْهُ إذْ قَدْ يَتَحَقَّقُ فِي الْمَفْضُولِ مِنْ الْمَزَايَا مَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْفَاضِلِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ بَعْدَ هَذَا اهـ وَمِنْ قَائِلٍ إنَّ جَوْفَ الْإِنْسَانِ فِي الصَّوْمِ يَبْقَى خَالِيًا فَيَحْصُلُ لَهُ بِهِ شِبْهُ وَصْفِ الرُّبُوبِيَّةِ فَإِنَّ الصَّمَدَ هُوَ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ فِيهِ وَفِيهِ أَنَّ عُمُومَ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ يَقْتَضِي تَفْضِيلَهُ حَتَّى عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالْعُلُومِ وَالِانْتِقَامِ مِنْ الْمُجْرِمِينَ

إلَى أَفْرَادِ الرِّقَابِ وَالْحَيَوَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ وَمُطْلَقِ الْإِنْسَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَشْخَاصِهِ وَكُلُّ مُطْلَقٍ فَهُوَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَمَدْلُولُ كُلِّ نَكِرَةٍ فَهُوَ حَقِيقَةٌ مُشْتَرَكَةٌ وَضَابِطُهُ عِنْدَ أَرْبَابِ الْمَعْقُولِ مَا لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرُهُ مِنْ وُقُوعِ الشَّرِكَةِ فِيهِ وَمُرَادُهُمْ بِذَلِكَ مَا ذَكَرْتُهُ وَإِذَا عَرَفْت حَقِيقَتَهُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْمُشْتَرَكِ نَفْيُ جَمِيعِ أَفْرَادِهِ فَإِنَّهُ إذَا انْتَفَى مُطْلَقُ الْحَيَوَانِ مِنْ الدَّارِ فَقَدْ انْتَفَى جَمِيعُ أَفْرَادِهِ مِنْ الدَّارِ وَإِذَا انْتَفَى مُطْلَقُ الْإِنْسَانِ مِنْ الدَّارِ اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا زَيْدٌ وَلَا عَمْرٌو وَلَا فَرْدٌ مِنْ الْإِنْسَانِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَرْبَابِ الْمَعْقُولِ: يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْأَعَمِّ نَفْيُ الْأَخَصِّ وَإِذَا تَصَوَّرْت ذَلِكَ فِي النَّفْيِ فَتَصَوَّرْهُ فِي النَّهْيِ فَإِنَّ مَعْنَى النَّهْيِ الْأَمْرُ بِإِعْدَامِ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ وَأَنْ لَا نَدْخُلَ فِي الْوُجُودِ أَلْبَتَّةَ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَدْخُلَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهَا الْوُجُودَ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ فَرْدٌ لَدَخَلَتْ هِيَ فِي ضِمْنِهِ فَصَارَ النَّهْيُ وَالنَّفْيُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ الْأَمْرُ وَالثُّبُوتُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ ثُبُوتَ الْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ يَكْفِي فِيهِ فَرْدٌ وَاحِدٌ فَمَتَى كَانَ زَيْدٌ فِي الدَّارِ كَانَ مُطْلَقُ الْإِنْسَانِ فِي الدَّارِ وَمُطْلَقُ الْحَيَوَانِ وَجَمِيعُ أَجْنَاسِهِ وَفُصُولِهِ تَحْصُلُ مُطْلَقًا فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــSإلَى قَوْلِهِ وَالْحَيَوَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ: (وَمُطْلَقِ الْإِنْسَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَشْخَاصِهِ وَكُلُّ مُطْلَقٍ فَهُوَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ) قُلْتُ: إنْ أَرَادَ بِمُطْلَقِ الْإِنْسَانِ الْحَقِيقَةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ فَقَوْلُهُ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَلَا قَالَ: (وَمَدْلُولُ كُلِّ نَكِرَةٍ فَهُوَ حَقِيقَةٌ مُشْتَرَكَةٌ) قُلْتُ: هَذَا الْإِطْلَاقُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ الصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ فَإِنَّ النَّكِرَةَ فِي اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ عَلَى ضَرْبَيْنِ: الْأَوَّلُ نَكِرَةٌ يُرَادُ بِهَا الْحَقِيقَةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ الْأَشْخَاصِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ وَهَذَا الضَّرْبُ قَلِيلٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ، الثَّانِي نَكِرَةٌ يُرَادُ بِهَا فَرْدٌ مُبْهَمٌ مِنْ الْأَشْخَاصِ الَّتِي فِيهَا الْحَقِيقَةُ كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ اشْتَرِ ثَوْبًا وَهَذَا الضَّرْبُ يَكْثُرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ فَمُرَادُهُ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ: (وَضَابِطُهُ عِنْدَ أَرْبَابِ الْمَعْقُولِ مَا لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرُهُ مِنْ وُقُوعِ الشَّرِكَةِ فِيهِ) قُلْتُ: ذَلِكَ صَحِيحٌ فِي تَحْرِيرِ الْحَقِيقَةِ الْمُشْتَرَكَةِ قَالَ: (وَمُرَادُهُمْ بِذَلِكَ مَا ذَكَرْتُهُ) . قُلْتُ: ذَلِكَ صَحِيحٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالنَّكِرَةِ الضَّرْبَ الْأَوَّلَ لَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الضَّرْبَ الثَّانِي. قَالَ: (وَإِذَا عَرَفْت حَقِيقَتَهُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْمُشْتَرَكِ نَفْيُ جَمِيعِ أَفْرَادِهِ إلَى قَوْلِهِ فَصَارَ النَّهْيُ وَالنَّفْيُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ) قُلْتُ: بَلْ يُرَادُ بِمُطْلَقِ الْحَيَوَانِ حَقِيقَةُ الْحَيَوَانِ وَهُوَ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْأَفْرَادِ وَهَذَا الْخِلَافُ مُرَادُهُ بِمُطْلَقِ الْبَيْعِ قَبْلَ هَذَا فَإِنَّهُ. قَالَ: إنَّهُ يَصِحُّ قَوْلُنَا مُطْلَقُ الْبَيْعِ حَلَالٌ إجْمَاعًا وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِمُطْلَقِ الْبَيْعِ مَا أُرِيدَ بِمُطْلَقِ الْحَيَوَانِ أَيْ حَقِيقَتُهُ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ بَيْعٍ حَلَالًا. قَالَ: (فَيَكُونُ الثُّبُوتُ وَالْأَمْرُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ ثُبُوتَ الْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ يَكْفِي فِيهِ فَرْدٌ وَاحِدٌ فَمَتَى كَانَ زَيْدٌ فِي الدَّارِ كَانَ مُطْلَقُ الْإِنْسَانِ فِي الدَّارِ وَمُطْلَقُ الْحَيَوَانِ وَجَمِيعُ أَجْنَاسِهِ وَفُصُولِهِ تَحَصَّلَ مُطْلَقًا فِيهِ) قُلْتُ: قَدْ عَادَ هُنَا إلَى اسْتِعْمَالِ مُطْلَقِ الْحَيَوَانِ بِغَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ قَبْلُ حَيْثُ تَكَلَّمَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْإِحْسَانِ إلَى الْمُؤْمِنِينَ وَتَعْظِيمِ الْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَكُلُّ ذَلِكَ إذَا صَدَرَ مِنْ الْعَبْدِ كَانَ فِيهِ كَالصَّوْمِ التَّخَلُّقُ بِأَخْلَاقِ الرَّبِّ وَمِنْ قَائِلٍ: إنَّ الصَّوْمَ اخْتَصَّ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ يُوجِبُ تَشْرِيفَهُ بِالْإِضَافَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ تَرْكُ الْإِنْسَانِ لِشَهَوَاتِهِ وَمَلَاذِّهِ فِي فَرْجِهِ وَفَمِهِ وَفِيهِ أَنَّ عُمُومَ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي تَفْضِيلَهُ حَتَّى عَلَى الْجِهَادِ وَالْحَجِّ مَعَ أَنَّهُمَا أَعْظَمُ فِي ذَلِكَ مِنْهُ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ فِي الْجِهَادِ مُؤْثِرٌ مُهْجَتَهُ وَجَسَدَهُ وَحَيَاتَهُ فَتَذْهَبُ جَمِيعُ الشَّهَوَاتِ تَبَعًا لِذَهَابِ الْحَيَاةِ وَفِي الْحَجِّ يَتْرُكُ الْمَخِيطَ وَالْمُحِيطَ وَالطِّيبَ وَالتَّنْظِيفَ وَيُفَارِقُ الْأَوْطَانَ وَالْأَوْطَارَ وَالْأَهْلَ وَالْأَوْلَادَ وَالْإِخْوَانَ وَيَرْكَبُ الْأَخْطَارَ فِي الْأَسْفَارِ وَمِنْ قَائِلٍ: إنَّ تَخْصِيصَهُ بِالْإِضَافَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَرَّبْ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَفِيهِ أَنَّ الصَّوْمَ أَيْضًا وَقَعَ التَّقَرُّبُ بِهِ إلَى الْكَوَاكِبِ فِيمَا يَتَعَاطَاهُ أَرْبَابُ الِاسْتِخْدَامَاتِ لِلْكَوَاكِبِ وَمِنْ قَائِلٍ إنَّ الصَّوْمَ يُوجِبُ تَصْفِيَةَ الْفِكْرِ وَصَفَاءَ الْعَقْلِ وَضَعْفَ الْقُوَى الشَّهْوَانِيَّةِ بِسَبَبِ الْجُوعِ وَقِلَّةِ الْغِذَاءِ. وَكُلُّ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ يُوجِبُ حُصُولَ الْمَعَارِفِ الرَّبَّانِيَّةِ وَالْأَحْوَالِ السُّنِّيَّةِ كَمَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ حَدِيثُ «لَا تَدْخُلُ الْحِكْمَةُ جَوْفًا مُلِئَ طَعَامًا» وَحَدِيثُ «الْبِطْنَةُ تَذْهَبُ بِالْفِطْنَةِ» وَهَذِهِ مِزْيَةٌ عَظِيمَةٌ تُوجِبُ التَّشْرِيفَ بِالْإِضَافَةِ الْمَخْصُوصَةِ وَفِيهِ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ بَلْ الصَّلَاةُ وَمُنَاجَاةُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالْمُرَاقَبَةُ لَهُ فِي ذَلِكَ وَالْتِزَامُ الْأَدَبِ مَعَهُ وَالْخُضُوعُ لَدَيْهِ مِمَّا يُوجِبُ حُصُولَ الْمَعَارِفِ وَالْأَحْوَالِ وَالْمَوَاهِبِ الرَّبَّانِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69] وقَوْله تَعَالَى {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد: 28] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ دَالَّةٌ عَلَى سَبَبِ الْمَوَاهِبِ وَالنُّورِ وَالْهِدَايَةِ وَجَزِيلِ الْفَضَائِلِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُتَرَتِّبُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الصَّلَاةِ إذَا وَقَعَتْ مِنْ الْمُكَلَّفِ عَلَى وَجْهِهَا أَكْثَرَ مِنْ الْمُتَرَتِّبِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الصَّوْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيمَا حَكَاهُ نَبِيُّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ «مِنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْت إلَيْهِ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْت إلَيْهِ بَاعًا وَمَنْ أَتَانِي مَشْيًا أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» وَالْمُصَلِّي يَتَقَرَّبُ أَكْثَرَ فَيَكُونُ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَعْظَمَ وَمِنْ قَائِلٍ كَذَا وَمِنْ قَائِلٍ كَذَا وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ غَيْرُ سَالِمَةٍ مِنْ النَّقْضِ وَأَحْسَنُهَا الْأَوَّلُ وَنَقْضُهُ مَدْفُوعٌ كَمَا عَلِمْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الفرق بين قاعدة الحمل على أول جزئيات المعنى وقاعدة الحمل على أول أجزائه]

وَكَذَلِكَ إذَا أَمَرَ آمِرٌ بِالْحَقِيقَةِ الْكُلِّيَّةِ نَحْوِ الْأَمْرِ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ أَوْ إخْرَاجِ شَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ تَحَقَّقَ ذَلِكَ بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ وَإِخْرَاجِ شَاةٍ مُعَيَّنَةٍ لِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ فِي ضِمْنِهِ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ النَّهْيَ وَالنَّفْيَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَالْأَمْرَ وَالثُّبُوتَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ فَاعْلَمْ أَنَّهُ يُصَدَّقُ أَنَّ الْإِنْسَانَ وَاقِعٌ وَحَاصِلٌ فِي جِنْسِ الْحَيَوَانِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَجْنَاسِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَعُمَّ الْإِنْسَانُ جَمِيعَ صُوَرِ الْحَيَوَانِ بَلْ نَقُولُ: زَيْدٌ حَاصِلٌ فِي جِنْسِ الْحَيَوَانِ وَلَمْ يَتَعَدَّ فَرْدًا مِنْهَا وَلِذَلِكَ نَقُولُ: الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ وَاقِعَةٌ فِي الْأَفْعَالِ الْمُكْتَسَبَةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَجْنَاسِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَعُمُّ الْأَفْعَالَ الْمُكْتَسَبَةَ فَإِنَّ الْحَيَوَانَاتِ الْعُجْمَ أَفْعَالُهَا مُكْتَسَبَةٌ وَلَا حُكْمَ فِيهَا بَلْ نَقُولُ الْوُجُوبُ وَحْدَهُ خَاصٌّ بِالْأَفْعَالِ الْمُكْتَسَبَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَهُوَ لَمْ يَعُمَّهَا فَعَلِمْنَا أَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْمُشْتَرَكِ لَا يَقْتَضِي تَعْمِيمَ صُوَرِهِ بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ فَرْدٌ وَاحِدٌ يَصْدُقُ بِسَبَبِهِ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ الْمُشْتَرَكِ فَظَهَرَ حِينَئِذٍ الْفَرْقُ بَيْنَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُشْتَرَكِ وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ وَمِنْهُ نَفْيُ الْمُشْتَرَكِ. ـــــــــــــــــــــــــــــSالنَّفْيِ وَالنَّهْيِ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى هَذَا الِاضْطِرَابِ غَفْلَتُهُ عَنْ مَعْنَى الْمُطْلَقِ وَأَنَّهُ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ الْوَاحِدُ الْمُبْهَمُ وَلَوْ تَفَطَّنَ لَهُ لَمْ يَضْطَرِبْ قَوْلُهُ. قَالَ: (وَكَذَلِكَ إذَا أَمَرَ آمِرٌ بِالْحَقِيقَةِ الْكُلِّيَّةِ نَحْوُ الْأَمْرِ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ أَوْ إخْرَاجِ شَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ تَحَقَّقَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ وَإِخْرَاجِ شَاةٍ مُعَيَّنَةٍ لِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ فِي ضِمْنِهِ) قُلْتُ: الْأَمْرُ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ مَا أُمِرَ فِيهَا قَطُّ بِالْحَقِيقَةِ الْكُلِّيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ الْأَمْرُ بِهَا إلَّا عَلَى سَبِيلِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ وَكَيْفَ يَسُوغُ ذَلِكَ وَمِنْ ضَرُورَةِ الْحَقِيقَةِ الْكُلِّيَّةِ أَنْ لَا وُجُودَ لَهَا فِي غَيْرِ الْأَذْهَانِ عِنْدَ مُحَقِّقِي الْمُثْبِتِينَ لَهَا بَلْ أَمَرَ الْآمِرُ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ لِشَخْصٍ مُبْهَمٍ لَا مُعَيَّنٍ وَضَرُورَةُ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ لِمَا أُمِرَ بِهِ تُعَيِّنُهُ. قَالَ: (وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ النَّهْيَ وَالنَّفْيَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَالْأَمْرَ وَالثُّبُوتَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ فَاعْلَمْ أَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّ الْإِنْسَانَ وَاقِعٌ وَحَاصِلٌ فِي جِنْسِ الْحَيَوَانِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَجْنَاسِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَعُمَّ الْإِنْسَانُ جَمِيعَ صُوَرِ الْحَيَوَانِ بَلْ نَقُولُ: زَيْدٌ حَاصِلٌ فِي جِنْسِ الْحَيَوَانِ وَلَمْ يَتَعَدَّ فَرْدًا مِنْهَا وَكَذَلِكَ نَقُولُ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ وَاقِعَةٌ فِي الْأَفْعَالِ الْمُكْتَسَبَةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَجْنَاسِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَعُمُّ الْأَفْعَالَ الْمُكْتَسَبَةَ فَإِنَّ الْحَيَوَانَاتِ الْعُجْمَ أَفْعَالُهَا مُكْتَسَبَةٌ وَلَا حُكْمَ فِيهَا بَلْ نَقُولُ: الْوُجُوبُ وَحْدَهُ خَاصٌّ بِالْأَفْعَالِ الْمُكْتَسَبَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَهُوَ لَمْ يَعُمَّهَا فَعَلِمْنَا أَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْمُشْتَرَكِ لَا يَقْتَضِي تَعْمِيمَ صُوَرِهِ بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ فَرْدٌ وَاحِدٌ يَصْدُقُ بِسَبَبِهِ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ الْمُشْتَرَكِ فَظَهَرَ حِينَئِذٍ الْفَرْقُ بَيْنَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُشْتَرَكِ وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ) قُلْتُ: لَوْ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي الْمُشْتَرَكِ مِنْ حَيْثُ حَقِيقَتُهُ لَمَا خَلَا عَنْهُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ كَالْحَيَوَانِ الْمَحْكُومِ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ حَقِيقَتُهُ أَنَّهُ جِسْمٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كُلُّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ وَكُلُّ شَخْصٍ مِنْ أَشْخَاصِهِ جِسْمًا وَلَكِنْ ثَبَتَ الْحُكْمُ الَّذِي مُثِّلَ بِهِ فِي الْمُشْتَرَكِ لَا مِنْ حَيْثُ حَقِيقَتُهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَخُصُّ مِنْ حَقِيقَتِهِ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لَمْ تَثْبُتْ لِلْأَفْعَالِ الْمُكْتَسَبَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ أَفْعَالٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَمْلِ عَلَى أَوَّلِ جُزْئِيَّاتِ الْمَعْنَى وَقَاعِدَةِ الْحَمْلِ عَلَى أَوَّلِ أَجْزَائِهِ] الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَمْلِ عَلَى أَوَّلِ جُزْئِيَّاتِ الْمَعْنَى وَقَاعِدَةِ الْحَمْلِ عَلَى أَوَّلِ أَجْزَائِهِ أَوْ الْكُلِّيَّةِ عَلَى جُزْئِيَّاتِهَا وَهُوَ الْعُمُومُ عَلَى الْخُصُوصِ) الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْقَوَاعِدِ بَلْ كَمَا لَا يُحْمَلُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْكُلِّ عَلَى جُزْئِهِ الَّذِي قَاعِدَتُهُ أَنَّهُ لَا يُعْقَلُ إلَّا بِالْقِيَاسِ إلَى كُلٍّ فَالنِّصَابُ فِي نَحْوِ قَوْلِنَا عِنْدَ زَيْدٍ نِصَابٌ لَا يُحْمَلُ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مُنْفَرِدَةً كَذَلِكَ لَا يُحْمَلُ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْكُلِّيِّ عَلَى جُزْأَيْهِ الَّذِي قَاعِدَتُهُ أَنَّهُ إمَّا حَقِيقِيٌّ وَهُوَ كُلُّ شَخْصٍ مِنْ نَوْعٍ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ وَكَالْفَرَسِ الْمُعَيَّنِ مِنْ نَوْعِ الْفَرَسِ وَكَالْحَجَرِ الْمُعَيَّنِ مِنْ نَوْعِ الْحَجَرِ وَإِمَّا إضَافِيٌّ وَهُوَ مَا انْدَرَجَ مَعَ غَيْرِهِ تَحْتَ كُلِّيٍّ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى نَحْوِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو لِانْدِرَاجِهِمَا تَحْتَ مَفْهُومِ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا يَصْدُقُ عَلَى نَحْوِ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ وَالنَّامِي لِانْدِرَاجِ الْأَوَّلِ مَعَ الْفَرَسِ تَحْتَ الْحَيَوَانِ وَالثَّانِي مَعَ النَّبَاتِ تَحْتَ النَّامِي وَالثَّالِثِ مَعَ الْجَمَادِ تَحْتَ الْجِسْمِ فَالْكُلِّيُّ مُقَابِلُ الْجُزْئِيِّ وَالْكُلُّ مُقَابِلٌ لِلْجُزْءِ فَالْإِنْسَانُ وَالْحَيَوَانُ فِي نَحْوِ قَوْلِنَا فِي الدَّارِ إنْسَانٌ أَوْ حَيَوَانٌ لَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ فِيهَا خُصُوصَ زَيْدٍ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَا خُصُوصَ حَقِيقَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى الثَّانِي فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ أَرَادَ أَنَّ هَذَا الْجِنْسَ عَلَى الْجُمْلَةِ خَيْرٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ عَلَى الْجُمْلَةِ لَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِ هَذَا الْجِنْسِ خَيْرٌ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِ هَذَا الْجِنْسِ وَكَذَلِكَ لَا تُحْمَلُ الْكُلِّيَّةُ أَيْ اللَّفْظُ الْعَامُّ عَلَى بَعْضِ جُزْئِيَّاتِهَا أَيْ بَعْضِ الْأَفْرَادِ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْبَعْضُ مُخَصَّصًا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَى الْكُلِّ دَالٌّ عَلَى جُزْئِهِ بِقَيْدِ ضَمِّهِ مَعَ بَاقِي الْأَجْزَاءِ لَا مُنْفَرِدًا عَنْهَا مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ فِي النَّهْيِ وَخَبَرِ النَّفْيِ فَإِذَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى رَكْعَتَيْنِ فَقَدْ أَوْجَبَ رَكْعَةً مُنْضَمَّةً لِأُخْرَى لَا مُسْتَقِلَّةً. وَإِذَا قُلْنَا: عِنْدَ زَيْدٍ نِصَابٌ فَعِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مُنْضَمَّةً لِمِثْلِهَا لَا مُنْفَرِدَةً وَإِذَا نَهَى اللَّهُ عَنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فِي الصُّبْحِ لَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ رَكْعَتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ لَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثَةٌ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ النَّهْيُ عَنْهُمَا مُتَّصِلَيْنِ بِثَالِثَةٍ وَإِذَا قُلْنَا: لَيْسَ عِنْدَ زَيْدٍ نِصَابٌ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مُنْفَرِدَةً وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنَّ عِنْدَهُ عَشَرَةً مُنْضَمَّةً لِعَشَرَةٍ أُخْرَى وَأَنَّ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَى الْكُلِّيِّ

تَنْبِيهٌ جَلِيلٌ) اعْلَمْ أَنَّ نَفْيَ الْمُشْتَرَكِ وَالنَّهْيَ عَنْهُ إنَّمَا يَعُمُّ كَمَا تَقَدَّمَ إذَا كَانَ مَدْلُولًا عَلَيْهِ بِالْمُطَابَقَةِ كَمَا تَقَدَّمَ مِثَالُهُ أَمَّا إذَا كَانَ مَدْلُولًا عَلَيْهِ بِطَرِيقَةِ الِالْتِزَامِ فَلَا يَلْزَمُ الْعُمُومُ فِي نَفْيِ الْأَفْرَادِ وَلَا فِي النَّهْيِ عَنْهَا فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ لِغُلَامِهِ: أَلْزَمْتُك النَّهْيَ أَوْ النَّفْيُ وَاقِعٌ فِي الدَّارِ لَا يَفْهَمُ مِنْهُ السَّامِعُ إلَّا أَنَّ النَّهْيَ حَاصِلٌ فِي مَنْهِيٍّ لَمْ يُعَيِّنْهُ السَّيِّدُ وَأَنَّ النَّفْيَ وَاقِعٌ فِي الدَّارِ بِاعْتِبَارِ مَنْفِيٍّ غَيْرِ مُعَيَّنٍ عِنْدَ السَّامِعِ فَإِذَا عَيَّنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي النَّهْيِ أَوْ النَّفْيِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ تَفْسِيرًا يَجْرِي مَجْرَى التَّقْيِيدِ لِذَلِكَ الْمُطْلَقِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالِالْتِزَامِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُخَصَّصًا بِعُمُومٍ وَلَا مُعَارَضًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ظَاهِرِ لَفْظِهِ بِخِلَافِ الْمَدْلُولِ مُطَابَقَةً وَلَوْ قَالَ: نَهَيْتُك عَنْ مُطْلَقِ الْخَمْرِ أَوْ نَفَيْت مُطْلَقَ الْخَمْرِ مِنْ الدَّارِ ثُمَّ بَيَّنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَمْرٍ مَخْصُوصٍ فَإِنَّ هَذَا يَكُونُ مُخَصِّصًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْهُ مِنْ الْعُمُومِ فِي لَفْظِ الْخَمْرِ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ فَظَهَرَ بِذَلِكَ حِينَئِذٍ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُشْتَرَكِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً وَبَيْنَ الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا وَتَظْهَرُ لَك فَائِدَةُ الْفَرْقِ فِي قَاعِدَتَيْنِ فِقْهِيَّتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهُ إذَا حَلَفَ ـــــــــــــــــــــــــــــSمُكْتَسَبَةٌ فَقَطْ بَلْ مِنْ حَيْثُ هِيَ أَفْعَالٌ مُكْتَسَبَةٌ لِمَنْ يَتَّصِفُ بِالْعَقْلِ فَعَلَى ذَلِكَ لَا يَصِحُّ الْفَرْقُ وَمَتَى ثَبَتَ الْحُكْمُ لِلْمُشْتَرَكِ مِنْ حَيْثُ حَقِيقَتُهُ عَمَّ أَنْوَاعَهُ وَأَشْخَاصَهُ وَمَتَى انْتَفَى الْحُكْمُ عَنْ الْمُشْتَرَكِ مِنْ حَيْثُ حَقِيقَتُهُ عَمَّ أَيْضًا أَنْوَاعَهُ وَأَشْخَاصَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (تَنْبِيهٌ جَلِيلٌ اعْلَمْ أَنَّ نَفِيَ الْمُشْتَرَكِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُشْتَرَكِ إنَّمَا يَعُمُّ كَمَا تَقَدَّمَ إذَا كَانَ مَدْلُولًا عَلَيْهِ بِالْمُطَابَقَةِ كَمَا تَقَدَّمَ مِثَالُهُ أَمَّا إذَا كَانَ مَدْلُولًا عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ فَلَا يَلْزَمُ الْعُمُومُ فِي نَفْيِ الْأَفْرَادِ وَلَا فِي النَّهْيِ عَنْهَا فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ لِغُلَامِهِ: أَلْزَمْتُك النَّهْيَ أَوْ النَّفْيُ وَاقِعٌ فِي الدَّارِ لَا يَفْهَمُ مِنْهُ السَّامِعُ إلَّا أَنَّ النَّهْيَ حَاصِلٌ فِي مَنْهِيٍّ لَمْ يُعَيِّنْهُ السَّيِّدُ وَأَنَّ النَّفْيَ وَاقِعٌ فِي الدَّارِ بِاعْتِبَارِ مَنْفِيٍّ غَيْرِ مُعَيَّنٍ عِنْدَ السَّامِعِ فَإِذَا عَيَّنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي النَّهْيِ أَوْ النَّفْيِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ تَفْسِيرًا يَجْرِي مَجْرَى التَّقْيِيدِ لِذَلِكَ الْمُطْلَقِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالِالْتِزَامِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُخَصِّصًا لِعُمُومٍ وَلَا مُعَارِضًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ظَاهِرِ لَفْظِهِ بِخِلَافِ الْمَدْلُولِ مُطَابَقَةً وَلَوْ قَالَ: نَهَيْتُك عَنْ مُطْلَقِ الْخَمْرِ أَوْ نَفَيْت مُطْلَقَ الْخَمْرِ مِنْ الدَّارِ ثُمَّ بَيَّنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَمْرٍ مَخْصُوصٍ فَإِنَّ هَذَا يَكُونُ مُخَصِّصًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْهُ مِنْ الْعُمُومِ فِي لَفْظِ الْخَمْرِ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ) . قُلْتُ: مَا قَالَهُ لَيْسَ بِوَاضِحٍ فَإِنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ: أَلْزَمْتُك النَّهْيَ أَوْ النَّفْيُ وَاقِعٌ فِي الدَّارِ لَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي النَّهْيِ وَالنَّفْيِ الْعَهْدَ فِي الشَّخْصِ أَوْ الْعَهْدَ فِي الْجِنْسِ أَوْ الْعُمُومَ عَلَى قَوْلِ مَنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ فِيهِمَا فَإِنْ أَرَادَ الْعَهْدَ فِي نَهْيٍ مُعَيَّنٍ وَنَفْيٍ مُعَيَّنٍ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ أَوْ الْمَنْفِيُّ وَهُوَ الْمَدْلُولُ الْتِزَامًا مُعَيَّنًا وَإِنْ أَرَادَ بِهِمَا الْعَهْدَ فِي الْجِنْسِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَدْلُولُ الِالْتِزَامِيُّ كَذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ مُعَيَّنًا وَإِذَا كَانَ مُعَيَّنًا لَزِمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُتَعَلِّقِ بِهِ وَهُوَ النَّهْيُ أَوْ النَّفْيُ وَقَدْ فَرَضَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَإِنْ أَرَادَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ الْعُمُومَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْعُمُومِ فِي الْمُتَعَلِّقِ فَعَلَى هَذَا لَمْ يَظْهَرْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَدْلُولِ مُطَابَقَةً وَالْمَدْلُولِ الْتِزَامًا. قَالَ: (وَتَظْهَرُ لَك فَائِدَةُ الْفَرْقِ فِي قَاعِدَتَيْنِ فِقْهِيَّتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهُ إذَا حَلَفَ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَدُلُّ عَلَى جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَلْ إنَّمَا يُفْهَمُ الْجُزْئِيُّ مِنْ أَمْرٍ آخَرَ غَيْرِ اللَّفْظِ فَإِذَا قُلْنَا فِي الدَّارِ جِسْمٌ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ حَيَوَانٌ وَإِذَا قُلْنَا فِيهَا حَيَوَانٌ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إنْسَانٌ وَإِذَا قُلْنَا فِيهَا إنْسَانٌ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ وَإِذَا قُلْنَا فِيهَا مُؤْمِنٌ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ زَيْدٌ وَلِأَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ الْأَفْرَادِ تَرْكٌ لِظَاهِرِ الْعُمُومِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَهُوَ بَاطِلٌ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَيْ الْكُلِّ وَالْكُلِّيِّ وَالْكُلِّيَّةِ لَا تُحْمَلُ عَلَى مَا ذُكِرَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ جُزْئِيٌّ مُبْهَمٌ كَالنَّكِرَةِ فِي الْإِثْبَاتِ يَجُوزُ فِيهِ الْحَمْلُ عَلَى أَيِّ جُزْئِيٍّ كَانَ غَيْرَ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا أَجْمَعَ النَّاسُ فِيهِ عَلَى الْحَمْلِ عَلَى أَعْلَى الرُّتَبِ وَهُوَ مَا وَرَدَ مِنْ الْأَوَامِرِ بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ وَسَلْبِ النَّقَائِصِ وَمَا يُنْسَبُ إلَى الرَّبِّ تَعَالَى مِنْ التَّعْظِيمِ. وَالْإِجْلَالِ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا إذْ لَيْسَ الْأَصْلُ إهْمَالَ جَانِبِ الرُّبُوبِيَّةِ بَلْ تَعْظِيمَهَا وَالْمُبَالَغَةُ فِي إجْلَالِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وَمَعَ ذَلِكَ قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ جَمِيعَ الْغَايَاتِ الَّتِي وَصَلُوا إلَيْهَا دُونَ مَا يَنْبَغِي لَهُ تَعَالَى مِنْ التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ فَلِذَلِكَ كَانَ الْأَمْرُ فِي هَذَا الْقِسْمِ مُتَعَلِّقًا بِأَقْصَى غَايَتِهِ الْمُمْكِنَةِ لِلْعَبِيدِ وَمَعَ ذَلِكَ قَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» وَالْقِسْمُ الثَّانِي مَا أَجْمَعَ النَّاسُ فِيهِ عَلَى الْحَمْلِ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ وَهُوَ الْأَقَارِيرُ فَإِذَا قَالَ: لَهُ عِنْدِي دَنَانِيرُ حُمِلَ عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَهُوَ أَدْنَى رُتَبِهَا مَعَ صِدْقِهَا فِي الْآلَافِ إذْ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلِذَا قُبِلَ فِي هَذَا الْقِسْمِ التَّفْسِيرُ بِأَقَلِّ الرُّتَبِ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مَا اُخْتُلِفَ فِي حَمْلِهِ عَلَى أَعْلَى الرُّتَبِ أَوْ عَلَى أَدْنَاهَا وَلَهُ فُرُوعٌ مِنْهَا فَرْعُ الْحَضَانَةِ هَلْ تَسْتَحِقُّ الْأُمُّ إلَى الْإِثْغَارِ أَوْ إلَى الْبُلُوغِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ الثَّانِي فَفِي الْمَجْمُوعِ مَعَ شَرْحِهِ وَحَاشِيَتِهِ حَضَانَةُ الذَّكَرِ بِمُجَرَّدِ الْبُلُوغِ فَلَا يُشْتَرَطُ عَقْلٌ وَلَا قُدْرَةٌ عَلَى الْكَسْبِ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِابْنِ شَعْبَانَ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَالْأُنْثَى لِنَفْسِ الدُّخُولِ لَا لِلدُّعَاءِ لَهُ فَلَيْسَتْ كَالنَّفَقَةِ خِلَافًا لِمَا فِي الْأَصْلِ فَالْمُشْكِلُ مَا دَامَ مُشْكِلًا لَا يَخْرُجُ عَنْ الْحَضَانَةِ كَمَا لِعَبِقِ وَذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ وَلَا يُمْكِنُ الدُّخُولُ. اهـ. وَذَلِكَ الْخِلَافُ لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

بِالطَّلَاقِ وَحَنِثَ وَلَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَعُمُّهُنَّ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ وَإِلَّا يَلْزَمْ التَّرْجِيحُ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ قَالَهُ: مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي ثُمَّ حَنِثَ فَإِنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا هُوَ عَامٌّ فِي أَفْرَادِ الطَّلَاقِ مُطْلَقٌ فِي الزَّوْجَاتِ فَلَوْ حَنِثَ عَمَّهُنَّ الطَّلَاقُ فَرْعٌ حَسَنٌ فَعَلَى هَذَا إنْ قَصَدَ فِي نِيَّتِهِ بَعْضَهُنَّ ذَاهِلًا عَنْ بَعْضٍ وَقَصَدَ ذَلِكَ الْبَعْضَ بِالْيَمِينِ لَزِمَهُ فِيهِ وَحْدَهُ وَالْقَاعِدَةُ الْأُخْرَى إذَا أَتَى بِصِيغَةِ عُمُومٍ نَحْوُ لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا وَقَصَدَ بِهِ بَعْضَ الثِّيَابِ ذَاهِلًا عَنْ بَعْضٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ لِأَنَّك سَتَقِفُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُؤَكِّدَةِ وَالنِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ وَهَذَا عَامٌّ يَحْتَاجُ لِلتَّخْصِيصِ بِالْمُخَصِّصِ الْمُخْرِجِ الْمُنَافِي فَإِذَا فُقِدَ جَرَى اللَّفْظُ عَلَى عُمُومِهِ لِسَلَامَتِهِ عَنْ مُعَارَضَةِ الْمُخَصِّصِ وَهَاهُنَا لَا عُمُومَ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا بَلْ حَصَلَ الْعُمُومُ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ فَقَطْ فَإِذَا وُجِدَ الْمُرَجِّحُ بِنِيَّةٍ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْبَاقِي لِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ وَلَيْسَ فِيهِ عُمُومٌ يَتَقَاضَاهُ بَلْ الْمُدْرَكُ عَدَمُ الْمُرَجِّحِ وَقَدْ زَالَ هَذَا الْعَدَمُ بِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ فَلَزِمَ مِنْ وُجُودِ النِّيَّةِ فِي الْبَعْضِ. ـــــــــــــــــــــــــــــSبِالطَّلَاقِ وَحَنِثَ وَلَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَعُمُّهُنَّ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ وَإِلَّا لَزِمَ التَّرْجِيحُ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ قَالَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ) قُلْتُ: كَانَ يَنْبَغِي عَلَى مَا قَرَّرَهُ مِنْ أَنَّ الْمَدْلُولَ عَلَيْهِ الْتِزَامًا مُطْلَقٌ أَنْ لَا يَعُمَّهُنَّ الطَّلَاقُ وَيُخَيَّرَ فِي التَّعْيِينِ أَوْ يُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ وَلَمْ يَقُلْ الْعُلَمَاءُ بِعُمُومِ الطَّلَاقِ فِيهِنَّ إلَّا احْتِيَاطًا لِلْفُرُوجِ وَصَوْنًا لَهَا عَنْ مُوَاقَعَةِ الزِّنَا فَإِنَّ الطَّلَاقَ قَدْ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَوَقَعَ الشَّكُّ وَالِاحْتِمَالُ فِي عُمُومِهِ لِمُحَالِهِ أَوْ خُصُوصِهِ فَحُمِلَ عَلَى الْعُمُومِ فِيهَا احْتِيَاطًا كَمَا فِيمَا إذَا طَلَّقَ وَشَكَّ هَلْ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا يُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَكَّ فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اسْتِصْحَابًا لِأَصْلِ الْعِصْمَةِ. قَالَ: (وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي ثُمَّ حَنِثَ فَإِنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا هُوَ عَامٌّ فِي أَفْرَادِ الطَّلَاقِ مُطْلَقٌ فِي الزَّوْجَاتِ) قُلْتُ: إذَا كَانَ عَامًّا فِي أَفْرَادِ الطَّلَاقِ لَزِمَ أَنْ يَعُمَّ فِي الزَّوْجَاتِ وَفِي أَنْوَاعِ الطَّلَاقِ لِأَنَّ قَوْلَهُ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي فِي مَعْنَى كُلُّ طَلَاقٍ أَمْلِكُهُ يَلْزَمُنِي وَطَلَاقُ كُلٍّ وَاحِدَةٍ مِمَّا يَمْلِكُهُ وَكَذَلِكَ أَنْوَاعُ الطَّلَاقِ مِنْ الثَّلَاثِ وَغَيْرِهَا فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَلْزَمَهُ الثَّلَاثُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَقَوْلُهُ هَذَا إنْ قَصَدَ فِي نِيَّتِهِ بَعْضَهُنَّ ذَاهِلًا عَنْ بَعْضٍ وَقَصَدَ ذَلِكَ الْبَعْضَ بِالْيَمِينِ لَزِمَهُ فِيهِ وَحْدَهُ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرَ. قَالَ: (وَالْقَاعِدَةُ الْأُخْرَى إذَا أَتَى بِصِيغَةِ عُمُومٍ نَحْوِ لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا وَقَصَدَ بَعْضَ الثِّيَابِ ذَاهِلًا عَنْ بَعْضٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ لِأَنَّك سَتَقِفُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ وَالنِّيَّةِ الْمُخَصَّصَةِ وَهَذَا عَامٌّ يَحْتَاجُ إلَى التَّخْصِيصِ بِالْمُخَصِّصِ الْمُخْرِجِ الْمُنَافِي فَإِذَا فُقِدَ جَرَى عَلَى عُمُومِهِ لِسَلَامَتِهِ عَنْ مُعَارِضَةِ الْمُخَصِّصِ وَهَاهُنَا لَا عُمُومَ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا بَلْ حَصَلَ الْعُمُومُ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ فَقَطْ فَإِذَا وُجِدَ الْمُرَجِّحُ بِنِيَّةٍ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْبَاقِي لِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ وَلَيْسَ فِيهِ عُمُومٌ يَتَقَاضَاهُ بَلْ الْمُدْرَكُ عَدَمُ الْمُرَجِّحِ وَقَدْ زَالَ هَذَا الْعَامُّ بِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ فَلَزِمَهُ مِنْ وُجُودِ النِّيَّةِ فِي الْبَعْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ «أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْأَحَقِّيَّةِ لَهَا فَقَطْ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَهِيَ تَصْدُقُ بِطَرَفَيْنِ بِالنِّسْبَةِ لِحَالِهِ هُوَ أَدْنَاهُمَا الْإِثْغَارُ وَأَعْلَاهُمَا الْبُلُوغُ فَإِذَا حَمَلْنَا الْحَضَانَةَ عَلَى الْإِثْغَارِ لَا نَكُونُ مُخَالِفِينَ لِمُقْتَضَى لَفْظِ الْأَحَقِّيَّةِ لِأَنَّ هَذَا التَّخْرِيجَ إنَّمَا وَقَعَ فِيمَا اقْتَضَاهُ اللَّفْظُ فِي مُوجِبِ الْحُكْمِ وَسَبَبِهِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثُّبُوتُ وَأَمَّا الْغَايَةُ الْمَقُولَةُ فِي الْحَدِيثِ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَالِهَا هِيَ فَهِيَ إشَارَةٌ إلَى الْمَانِعِ وَأَنَّ زَوَاجَهَا مَانِعٌ مِنْ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ وَالْمَانِعُ وَعَدَمُهُ لَا مَدْخَلَ لَهُمَا فِي تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ بَلْ فِي عَدَمِ تَرَتُّبِهَا لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي الْمَانِعِ إنَّمَا هُوَ وُجُودُهُ فِي الْعَدَمِ لَا عَدَمُهُ فِي الْوُجُودِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْهَا فَرْعُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأَمَةِ وَوَلَدِهَا هَلْ يُمْنَعُ ذَلِكَ إلَى الْبُلُوغِ أَوْ إلَى الْإِثْغَارِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ؟ هُنَا قَوْلَانِ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُوَلَّهُ وَالِدَةٌ عَلَى وَلَدِهَا» وَإِنْ كَانَ عَامًّا فِي الْوَالِدَاتِ وَالْمَوْلُودِينَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ وَالِدَةَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ وَوَلَدُهَا اسْمُ جِنْسٍ أُضِيفَ فَيَعُمُّ وَعَامًّا فِي الزَّمَانِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنْ لَا لِنَفْيِ الِاسْتِقْبَالِ عَلَى جِهَةِ الْعُمُومِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [الأعلى: 13] غَيْرَ أَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي أَحْوَالِ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ مُطْلَقٌ فِي الْأَحْوَالِ وَإِذَا كَانَ مُطْلَقًا فِي الْأَحْوَالِ فَهُوَ يَصْدُقُ فِي رُتْبَةٍ دُنْيَا وَهِيَ الْإِثْغَارُ وَرُتْبَةٍ عُلْيَا وَهِيَ الْبُلُوغُ فَإِذَا حَلَّ لَفْظُ الْوَلَدِ الْمُطْلَقِ عَلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ جُزْئِيَّاتِهِ اسْتَقَامَ وَلَمْ يُعَارِضْهُ عُمُومٌ لَا لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَيْنَا كَأَنَّهُ قَالَ: حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْكُمْ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ مِنْ زَمَنِ هَذَا الْخِطَابِ وَلَيْسَ عُمُومُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمَّهَاتِ وَالْأَوْلَادِ حَتَّى تَكُونَ فِيهِ مُعَارَضَةٌ لِعَدَمِ الْعُمُومِ فِي الْوَالِدَاتِ وَالْأَوْلَادِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَمِنْهَا فَرْعُ الرُّشْدِ فِي قَوْله تَعَالَى. {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ هَلْ مَحْمَلُهُ عَلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ الرُّشْدِ وَهُوَ الرُّشْدُ فِي الْمَالِ خَاصَّةً قَالَهُ مَالِكٌ أَوْ عَلَى أَعْلَى مَرَاتِبِ الرُّشْدِ وَهُوَ الرُّشْدُ فِي الْمَالِ وَالدِّينِ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ الرُّشْدَ ذُكِرَ بِصِيغَةِ التَّنْكِيرِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُطْلَقِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْأَخَصُّ الْمُبْهَمُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَإِذَا حُمِلَ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ لَمْ تَكُنْ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلَّفْظِ أَلْبَتَّةَ وَلَا مِنْ وَجْهٍ مُحْتَمَلٍ فَافْهَمْ وَمِنْهَا فَرْعُ الْحَرَامِ هَلْ يُحْتَمَلُ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ عَلَى الثَّلَاثِ أَوْ الْوَاحِدَةِ خِلَافٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ حَرَامٌ مُطْلَقٌ دَالٌّ عَلَى مُطْلَقِ التَّحْرِيمِ

وَعَدَمِهَا فِي الْبَعْضِ وَحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ التَّرْجِيحِ وَهُنَاكَ إذَا وُجِدَتْ النِّيَّةُ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ أُعْمِلَ اللَّفْظُ الْعَامُّ فِي بَقِيَّةِ الْأَفْرَادِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِإِخْرَاجِهِ فَإِذَا قَالَ فِي صُورَةِ الِالْتِزَامِ: نَوَيْت الْبَعْضَ وَذَهِلْت عَنْ الْبَاقِي كَفَاهُ وَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ غَيْرُ الْمَنْوِيَّةِ وَإِذَا قَالَ: نَوَيْت الْبَعْضَ وَذَهِلْت عَنْ الْبَاقِي فِي صُورَةِ الْعُمُومِ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ وَفُرُوعُ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ كَثِيرَةٌ فَتَأَمَّلْهَا وَيَكْمُلُ لَك الْكَشْفُ عَنْ هَذَا الْمَوْضِعِ بِمُطَالَعَةِ الْفَرْقِ بَيْنَ النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ وَالْمُؤَكِّدَةِ وَهُوَ بَعْدَ هَذَا وَقَوْلِي الطَّلَاقُ عَامٌّ فِي أَفْرَادِ الطَّلَاقِ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ غَيْرَ أَنَّهُ صَارَ مُطْلَقًا لَا عُمُومَ فِيهِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَالنَّاسِ وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا أَلْزَمَ بِهِ غَيْرَ طَلْقَةٍ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَيَلْزَمُ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ يُخَيِّرُوهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ كَمَا خَيَّرُوهُ فِي إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ بَلْ هَاهُنَا أَوْلَى لِعَدَمِ ذِكْرِ الزَّوْجَاتِ وَأُحَقِّقُ فِقْهَ هَذَا الْفَرْقِ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ: (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] أَثْبَتَ الْوُجُوبَ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الرِّقَابِ فَلَمْ يَعُمَّ ذَلِكَ جَمِيعَ صُوَرِ الرِّقَابِ بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ بِالْإِجْمَاعِ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَعَدَمِهَا فِي الْبَعْضِ حُصُولُ الْمَقْصُودِ مِنْ التَّرْجِيحِ وَهُنَاكَ إذَا وُجِدَتْ النِّيَّةُ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ أُعْمِلَ اللَّفْظُ الْعَامُّ فِي بَقِيَّةِ الْأَفْرَادِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِإِخْرَاجِهِ فَإِذَا قَالَ فِي صُورَةِ الِالْتِزَامِ: نَوَيْت الْبَعْضَ وَذَهِلْتُ عَنْ الْبَاقِي كَفَاهُ وَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ غَيْرُ الْمَنْوِيَّةِ وَإِذَا قَالَ: نَوَيْت الْبَعْضَ وَذَهِلْت عَنْ الْبَاقِي فِي صُورَةِ الْعُمُومِ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ وَفُرُوعُ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ كَثِيرَةٌ فَتَأَمَّلْهَا وَيَكْمُلُ لَك الْكَشْفُ عَنْ هَذَا الْمَوْضِعِ بِمُطَالَعَةِ الْفَرْقِ بَيْنَ النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ وَالْمُؤَكِّدَةِ وَهُوَ بَعْدَ هَذَا) قُلْتُ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي أَنَّهُ إنْ كَانَ لِلْعُمُومِ فَهُوَ فِي مَعْنَى كُلُّ طَلَاقٍ أَمْلِكُهُ يَلْزَمُنِي فَيَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ طَلَاقُ جَمِيعِ الزَّوْجَاتِ وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ جَمِيعُ الطَّلْقَاتِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ مَعَهُ فِي الْفَرْقِ الَّذِي أَحَالَ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ: (وَقَوْلِي الطَّلَاقُ عَامٌّ فِي أَفْرَادِ الطَّلَاقِ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ غَيْرَ أَنَّهُ صَارَ مُطْلَقًا لَا عُمُومَ فِيهِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَالنَّاسِ وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا أَلْزَمَ بِهِ غَيْرَ طَلْقَةٍ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ) قُلْتُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ بِعَامٍّ بِحَسَبِ اللُّغَةِ. قَالَ: (وَيَلْزَمُ الشَّافِعِيَّةَ أَنْ يُخَيِّرُوهُ فِي الصُّورَةِ كَمَا خَيَّرُوهُ فِي إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ بَلْ هُنَا أَوْلَى لِعَدَمِ ذِكْرِ الزَّوْجَاتِ) قُلْتُ: الْعَكْسُ أَصْوَبُ وَهُوَ أَنَّ التَّخْيِيرَ فِي قَوْلِهِ إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ بَيِّنٌ لِتَعْلِيقِهِ الطَّلَاقَ بِوَاحِدَةٍ أَمَّا حَيْثُ لَمْ يُعَلِّقْ الطَّلَاقَ بِوَاحِدَةٍ فَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ. قَالَ: (وَحُقِّقَ فِقْهُ هَذَا الْفَرْقِ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] أَثْبَتَ الْوُجُوبَ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الرِّقَابِ فَلَمْ يَعُمَّ ذَلِكَ جَمِيعَ صُوَرِ الرِّقَابِ بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ بِالْإِجْمَاعِ) قُلْتُ: لَمْ يَثْبُتْ الْوُجُوبُ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَلْ أَثْبَتَهُ فِي رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ فَلَا يَعُمُّ بَلْ تَكْفِي صُورَةٌ وَاحِدَةٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعُ تَابِعٌ لِلنَّصِّ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّائِرِ بَيْنَ الرُّتَبِ الْمُخْتَلِفَةِ فَأَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى أَعْلَاهَا أَوْ عَلَى أَدْنَاهَا وَيَلْحَقُ بِهِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ نَحْوَ الْبَتَّةِ وَالْبَائِنِ وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك هَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَعْلَى الرُّتَبِ وَهُوَ الثَّلَاثُ أَمْ لَا كَذَا قِيلَ وَفِيهِ أَنَّ مَا ذُكِرَ لَيْسَ هُوَ سَبَبُ الْخِلَافِ هُنَا بَلْ سَبَبُهُ هُنَا أَمْرٌ آخَرُ وَهُوَ الْعُرْفُ فِي لَفْظَةِ حَرَامٌ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ هَلْ هُوَ الثَّلَاثُ أَوْ الْوَاحِدَةُ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْهَا فَرْعُ التَّيَمُّمِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} [النساء: 43] اُخْتُلِفَ هَلْ يُحْمَلُ فِيهِ لَفْظُ صَعِيدًا عَلَى مُطْلَقِ مَا يُسَمَّى صَعِيدًا تُرَابًا كَانَ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْ عَلَى أَعْلَى رُتَبِ الصَّعِيدِ وَهُوَ التُّرَابُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَلَيْسَ مِنْهَا فَرْعُ حِكَايَةِ الْأَذَانِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ يُؤَذِّنُ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ» حَتَّى يُقَالَ: إنَّ الْمِثْلَ الْمَذْكُورَ فِي الْأَذَانِ إنْ حُمِلَ عَلَى أَعْلَى الرُّتَبِ قَالَ: مِثْلُ مَا يَقُولُ إلَى آخِرِ الْأَذَانِ أَوْ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ فَفِي التَّشَهُّدِ خَاصَّةً وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ ضَرُورَةُ أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ تَقْتَضِي فِي لِسَانِ الْعَرَبِ الشُّمُولَ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ إلَّا مَا خَصَّهُ الْعُرْفُ كَقَوْلِهِمْ زَيْدٌ مِثْلُ الْأَسَدِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَلَمْ يُفَرِّعْهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى قَاعِدَةِ الْمُطْلَقِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنَّمَا رَأَى أَنَّ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ لَيْسَ مِنْ الذِّكْرِ وَإِنَّمَا هُوَ تَحْرِيضٌ وَاسْتِدْعَاءٌ وَالْمَعْهُودُ فِي الشَّرْعِ إنَّمَا هُوَ اسْتِحْبَابُ مَا هُوَ ذِكْرٌ فَقُيِّدَ مُطْلَقُ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى وَأَخَذَ غَيْرُ مَالِكٍ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَبِالْجُمْلَةِ فَاسْتِعْمَالُ الْكُلِّ فِي جُزْئِهِ وَالْكُلِّيِّ فِي جُزْأَيْهِ وَالْعَامِّ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ لَمَّا كَانَ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً لَمْ يَجُزْ الْحَمْلُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَيْهِ وَاسْتِعْمَالُ الْمُطْلَقِ أَيْ الْجُزْئِيِّ الْمُبْهَمِ فِي جُزْئِيٍّ مُعَيَّنٍ لَمَّا كَانَ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا جَازَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ نَعَمْ إذَا اُعْتُبِرَ فِي الْجُزْئِيِّ أَوْ الْفَرْدِ مَاهِيَّتُه الْكُلِّيَّةُ لَا الشَّخْصِيَّةُ كَانَ اسْتِعْمَالُ الْكُلِّيِّ فِي الْأَوَّلِ وَالْعَامِّ فِي الثَّانِي حَقِيقَةً عَلَى الْقَوْلِ الْحَقِّ وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ عَدَمُ تَوَجُّهِ مَا أَوْرَدَهُ الْقَرَافِيُّ فِي تَنْقِيحِهِ عَلَى حَصْرِهِمْ الدَّلَالَةَ اللَّفْظِيَّةَ الْوَضْعِيَّةَ فِي الْمُطَابَقَةِ وَالتَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ مِنْ أَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ كَعَبِيدِي عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الفرق بين قاعدة حقوق الله وقاعدة حقوق الآدميين]

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ قَالَ صَاحِبُ الشَّرْعِ: حَرَّمْت عَلَيْكُمْ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ جَمِيعِ الْخَنَازِيرِ حَرُمَ كُلُّ خِنْزِيرٍ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فَإِذَا قَالَ لِنِسَائِهِ: إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ حَرُمْنَ عَلَيْهِ كُلُّهُنَّ بِالطَّلَاقِ بِنَاءً عَلَى ثَلَاثِ قَوَاعِدَ: الْقَاعِدَةُ الْأُولَى أَنَّ مَفْهُومَ أَحَدِ الْأُمُورِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا لِصِدْقِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَالصَّادِقُ عَلَى عَدَدٍ وَأَفْرَادٍ مُشْتَرَكٌ فِيهِ بَيْنَ تِلْكَ الْأَفْرَادِ الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ الطَّلَاقَ تَحْرِيمٌ لِأَنَّهُ رَافِعٌ لِمُوجِبِ النِّكَاحِ وَالنِّكَاحُ لِلْإِبَاحَةِ وَرَافِعُ الْإِبَاحَةِ مُحَرَّمٌ فَالطَّلَاقُ مُحَرَّمٌ الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ تَحْرِيمَ الْمُشْتَرَكِ يَلْزَمُ مِنْهُ تَحْرِيمُ جَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَحْرُمْنَ كُلُّهُنَّ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَبِهَذِهِ الْقَوَاعِدِ أَجَبْت قَاضِيَ الْقُضَاةِ صَدْرَ الدِّينِ فَقِيهِ الْحَنَفِيَّةِ وَقَاضِيهَا لَمَّا قَالَ مَذْهَبُ مَالِكٍ يَلْزَمُ مِنْهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ إحْدَى الْخِصَالِ فِي كَفَّارَةِ الْحِنْثِ فَنَقُولُ: إضَافَةُ الْحُكْمِ لِأَحَدِ الْأُمُورِ إمَّا أَنْ يَقْتَضِيَ التَّعْمِيمَ أَوْ لَا يَقْتَضِيَ فَإِنْ اقْتَضَى التَّعْمِيمَ لُغَةً وَجَبَ أَنْ يَعُمَّ الْوُجُوبُ خِصَالَ الْكَفَّارَةِ فَيَجِبُ الْجَمِيعُ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يَقْتَضِ الْعُمُومَ وَجَبَ أَنْ لَا يَعُمَّ فِي النِّسْوَةِ لِأَنَّهُ لَوْ عَمَّ لَعَمَّ بِغَيْرِ مُقْتَضٍ فَإِنَّ التَّقْدِيرَ أَنَّ. ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ لَوْ قَالَ صَاحِبُ الشَّرْعِ: حَرَّمْت عَلَيْكُمْ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ جَمِيعِ الْخَنَازِيرِ حَرُمَ كُلُّ خِنْزِيرٍ) قُلْتُ: ذَلِكَ صَحِيحٌ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالْأَعَمِّ يَلْزَمُ مِنْهُ تَعْلِيقُهُ بِالْأَخَصِّ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ. قَالَ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إذَا قَالَ لِنِسَائِهِ: إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ حَرُمْنَ عَلَيْهِ كُلُّهُنَّ بِالطَّلَاقِ بِنَاءً عَلَى ثَلَاثِ قَوَاعِدَ: الْقَاعِدَةُ الْأُولَى أَنَّ مَفْهُومَ أَحَدِ الْأُمُورِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا لِصِدْقِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَالصَّادِقُ عَلَى عَدَدٍ وَأَفْرَادٍ مُشْتَرَكٌ فِيهِ بَيْنَ تِلْكَ الْأَفْرَادِ) قُلْتُ: لَيْسَ الْأُمُورُ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَلْ أَحَدُ الْأُمُورِ وَاحِدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْهَا وَلِذَلِكَ صَدَقَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَقَوْلُهُ وَالصَّادِقُ عَلَى عَدَدٍ وَأَفْرَادٍ مُشْتَرَكٌ فِيهِ بَيْن تِلْكَ الْأَفْرَادِ إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْحَقِيقَةَ الْكُلِّيَّةَ فَلَيْسَ أَحَدُ الْأُمُورِ هُوَ الْحَقِيقَةُ الْكُلِّيَّةُ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ لَفْظَ أَحَدِ الْأُمُورِ يَخْتَصُّ بِهِ مُعَيَّنٌ مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَلَا يُحَصِّلُ ذَلِكَ مَقْصُودَهُ. قَالَ: (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ الطَّلَاقَ تَحْرِيمٌ لِأَنَّهُ رَافِعٌ لِمُوجِبِ النِّكَاحِ وَالنِّكَاحُ لِلْإِبَاحَةِ وَرَافِعُ الْإِبَاحَةِ مُحَرَّمٌ فَالطَّلَاقُ مُحَرَّمٌ) قُلْتُ: ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ: (الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ تَحْرِيمَ الْمُشْتَرَكِ يَلْزَمُ مِنْهُ تَحْرِيمُ جَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَحْرُمْنَ كُلُّهُنَّ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ) قُلْتُ: الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ أَيْضًا صَحِيحَةٌ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَحْرُمْنَ كُلُّهُنَّ لِمَا سَبَقَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْقَاعِدَةِ الْأُولَى. قَالَ: (وَبِهَذِهِ الْقَوَاعِدِ أَجَبْت قَاضِيَ الْقُضَاةِ صَدْرَ الدِّينِ فَقِيهَ الْحَنَفِيَّةِ وَقَاضِيَهَا لَمَّا قَالَ: مَذْهَبُ مَالِكٍ يَلْزَمُ مِنْهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ إحْدَى الْخِصَالِ فِي كَفَّارَةِ الْحِنْثِ فَنَقُولُ: إضَافَةُ الْحُكْمِ لِأَحَدِ الْأُمُورِ إمَّا أَنْ يَقْتَضِيَ التَّعْمِيمَ أَوْ لَا يَقْتَضِيَ فَإِنْ اقْتَضَى التَّعْمِيمَ لُغَةً وَجَبَ أَنْ يَعُمَّ الْوُجُوبُ خِصَالَ الْكَفَّارَةِ فَيَجِبُ الْجَمِيعُ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَإِنْ يَقْتَضِ الْعُمُومَ وَجَبَ أَنْ لَا يَعُمَّ فِي النِّسْوَةِ لِأَنَّهُ لَوْ عَمَّ لَعَمَّ بِغَيْرِ مُقْتَضٍ فَإِنَّ التَّقْدِيرَ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ حُقُوقِ اللَّهِ وَقَاعِدَةِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ] الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ بَيْنَ قَاعِدَةِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَاعِدَةِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ) وَذَلِكَ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ مُتَعَلِّقُ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ الَّذِي هُوَ عَيْنُ عِبَادَتِهِ لَا نَفْسُ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا الْأَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ قَوْله تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا» الثَّانِي أَنَّ الْحَقَّ مَعْنَاهُ اللَّازِمُ لَهُ عَلَى عِبَادِهِ وَاللَّازِمُ عَلَى الْعِبَادِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُكْتَسَبًا لَهُمْ وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْكَسْبُ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَهُوَ كَلَامُهُ وَكَلَامُهُ صِفَتُهُ الْقَدِيمَةُ وَحَقُّ الْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ مَلْزُومُ عِبَادَتِهِ إيَّاهُ وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَيُخَلِّصَهُ مِنْ النَّارِ وَالثَّانِي حَقُّهُ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ الْأَمْرُ الَّذِي يَسْتَقِيمُ بِهِ فِي أُولَاهُ وَأُخْرَاهُ مِنْ مَصَالِحِهِ وَالثَّالِثُ حَقُّهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادِ وَهُوَ مَالَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ الذِّمَمِ وَالْمَظَالِمِ وَتَنْقَسِمُ التَّكَالِيفُ بِاعْتِبَارِ حَقِّ اللَّهِ وَالْقِسْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنْ أَقْسَامِ حَقِّ الْعَبْدِ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ تَكْلِيفٌ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الْمَحْضِ فَلَا يَتَأَتَّى إسْقَاطُهُ أَصْلًا كَالْإِيمَانِ وَتَرْكِ الْكُفْرِ وَالْقِسْمُ الثَّانِي تَكْلِيفٌ بِحَقِّ الْعِبَادِ الْمَحْضِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ أَيْ أَمْرُهُ تَعَالَى بِإِيصَالِ ذَلِكَ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ فَالْمُرَادُ بِحَقِّ الْعَبْدِ الْمَحْضِ أَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَهُ لَسَقَطَ كَالدُّيُونِ وَالْأَثْمَانِ وَإِلَّا فَمَا مِنْ حَقٍّ لِلْعَبْدِ إلَّا وَفِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَمْرُهُ بِالْإِيصَالِ الْمَذْكُورِ فَيُوجَدُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ حَقِّ الْعَبْدِ وَلَا يُوجَدُ حَقُّ الْعَبْدِ إلَّا وَفِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ تَكْلِيفٌ بِالْحَقَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مَعًا فَفِي التَّغْلِيبِ فِيهِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ فَلَا يَسْقُطُ أَوْ لِحَقِّ الْعَبْدِ عَلَى الْعَبْدِ فَيَسْقُطُ خِلَافٌ كَحَدِّ الْقَذْفِ شَرَعَهُ اللَّهُ صَوْنًا لِعِرْضِ الْعَبْدِ وَحْدِ الْقَتْلِ وَالْجَرْحِ شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى صَوْنًا لِمُهْجَةِ الْعَبْدِ وَأَعْضَائِهِ وَمَنَافِعِهَا عَلَيْهِ. وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ تَكْلِيفٌ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ وَحَقِّ الْعَبْدِ فِي الْجُمْلَةِ مِمَّا يَسْتَقِيمُ بِهِ فِي أُولَاهُ وَأُخْرَاهُ مِنْ مَصَالِحِهِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ لِلْعَبْدِ إسْقَاطٌ وَلَوْ لِحَقِّهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ حَجَرَ فِيهِ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى فِي حَقِّ نَفْسِهِ لُطْفًا بِهِ وَرَحْمَةً لَهُ وَأَكْثَرُ الشَّرِيعَةِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى حَجَرَ بِرَحْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ فِي تَضْيِيعِ مَالِهِ الَّذِي هُوَ عَوْنُهُ عَلَى أَمْرِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ فَحَرَّمَ عَلَيْهِ عُقُودَ الرِّبَا صَوْنًا لِمَالِهِ عَلَيْهِ وَعُقُودَ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَاتِ صَوْنًا لِمَالِهِ عَنْ الضَّيَاعِ فَلَا يُحَصِّلُ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ أَوْ

[الفرق بين قاعدة الواجب للآدميين على الآدميين وبين قاعدة الواجب للوالدين على الأولاد]

اللَّفْظَ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَالْكَلَامُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ فَيَلْزَمُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِغَيْرِ مُقْتَضٍ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَعُلِمَ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ يَلْزَمُ مِنْهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَأَجَبْتُهُ بِأَنْ قُلْت: إيجَابُ إحْدَى الْخِصَالِ إيجَابٌ لِلْمُشْتَرَكِ وَوُجُوبُ الْمُشْتَرَكِ يُخْرِجُ الْمُكَلَّفَ عَنْ عُهْدَتِهِ بِفَرْدٍ إجْمَاعًا وَأَمَّا الطَّلَاقُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَهُوَ تَحْرِيمٌ لِمُشْتَرَكٍ فَيَعُمُّ أَفْرَادَهُ وَأَفْرَادُهُ هُمْ النِّسْوَةُ فَيَعُمُّهُنَّ الطَّلَاقُ وَقَرَّرْت لَهُ جَمِيعَ الْقَوَاعِدِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ وَانْدَفَعَ السُّؤَالُ وَهُوَ مِنْ الْأَسْئِلَةِ الْجَلِيلَةِ الْحَسَنَةِ فَتَأَمَّلْهُ فَلَقَدْ أَوْرَدَهُ عَلَى أَكَابِرَ فَلَمْ يُجِيبُوا عَنْهُ إلَّا بِقَوْلِهِمْ إنَّمَا عَمَّ الطَّلَاقُ احْتِيَاطًا لِلْفُرُوجِ فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ هَذَا الِاحْتِيَاطِ فِي الشَّرْعِ لَمْ يَجِدُوهُ وَأَمَّا مَعَ ذِكْرِ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ فَتَصِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ضَرُورِيَّةً بِحَيْثُ يَتَعَيَّنُ الْحَقُّ فِيهَا تَعَيُّنًا ضَرُورِيًّا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَيُعَيِّنَهُ لِلْعِتْقِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ مَعَ أَنَّهُ فِي الصُّورَتَيْنِ أَضَافَ الْحُكْمَ لِلْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْأَفْرَادِ وَكَمَا أَنَّ الطَّلَاقَ مُحَرِّمٌ لِلْوَطْءِ فَالْعِتْقُ أَيْضًا مُحَرِّمٌ لِلْوَطْءِ وَأَخْذِ الْمَنَافِعِ بِطَرِيقِ الْقَهْرِ وَالِاسْتِيلَاءِ وَالْفَرْقُ حِينَئِذٍ عَسِيرٌ وَالْجَوَابُ أَنَّ الطَّلَاقَ تَحْرِيمٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا الْعِتْقُ فَهُوَ قُرْبَةٌ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ وَالْأُمَمِ. ـــــــــــــــــــــــــــــSاللَّفْظَ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَالْكَلَامَ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ فَيَلْزَمُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِغَيْرِ مُقْتَضٍ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَعُلِمَ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ يَلْزَمُ مِنْهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَأَجَبْتُهُ بِأَنْ قُلْتُ: إيجَابُ إحْدَى الْخِصَالِ إيجَابٌ لِلْمُشْتَرَكِ وَوُجُوبُ الْمُشْتَرَكِ يُخْرِجُ الْمُكَلَّفَ عَنْ عُهْدَتِهِ بِفَرْدٍ إجْمَاعًا. وَأَمَّا الطَّلَاقُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَهُوَ تَحْرِيمٌ لِمُشْتَرَكٍ فَيَعُمُّ أَفْرَادَهُ وَأَفْرَادُهُ هُمْ النِّسْوَةُ فَيَعُمُّهُنَّ الطَّلَاقُ وَقَرَّرْت لَهُ جَمِيعَ الْقَوَاعِدِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ وَانْدَفَعَ السُّؤَالُ وَهُوَ مِنْ الْأَسْئِلَةِ الْجَلِيلَةِ الْحَسَنَةِ فَتَأَمَّلْهُ فَلَقَدْ أَوْرَدَهُ عَلَى أَكَابِرَ فَلَمْ يُجِيبُوا عَنْهُ إلَّا بِقَوْلِهِمْ إنَّمَا عَمَّ الطَّلَاقُ احْتِيَاطًا لِلْفُرُوجِ فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَا الدَّلِيلُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ هَذَا الِاحْتِيَاطِ فِي الشَّرْعِ لَمْ يَجِدُوهُ وَأَمَّا مَعَ ذِكْرِ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ فَتَصِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِحَيْثُ يَتَعَيَّنُ الْحَقُّ فِيهَا تَعَيُّنًا ضَرُورِيًّا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ) قُلْتُ: صَارَ الصَّدْرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرَ صَدْرٍ لِتَسْلِيمِهِ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى وَهِيَ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ وَلَا صَحِيحَةٍ فَكَذَلِكَ مَا بَنِي عَلَيْهَا وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ مَا أَجَابَ بِهِ الْأَكَابِرُ وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا عَمَّ احْتِيَاطًا لِلْفُرُوجِ وَدَلِيلُ مَشْرُوعِيَّةِ هَذَا الِاحْتِيَاطُ كُلُّ دَلِيلٍ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ تَوَقِّي الشُّبُهَاتِ. قَالَ: (شِهَابُ الدِّينِ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَالَ: مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَيُعَيِّنُهُ لِلْعِتْقِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ مَعَ أَنَّهُ فِي الصُّورَتَيْنِ أَضَافَ الْحُكْمَ لِلْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْأَفْرَادِ) قُلْتُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَا أَضَافَ الْحُكْمَ لِلْمُشْتَرَكِ بَلْ أَضَافَهُ لِفَرْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ. قَالَ: (وَكَمَا أَنَّ الطَّلَاقَ مُحَرِّمٌ لِلْوَطْءِ فَالْعِتْقُ أَيْضًا مُحَرِّمٌ لِلْوَطْءِ وَأَخْذِ الْمَنَافِعِ بِطَرِيقِ الْقَهْرِ وَالِاسْتِيلَاءِ وَالْفَرْقُ حِينَئِذٍ عَسِيرٌ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ: (وَالْجَوَابُ أَنَّ الطَّلَاقَ تَحْرِيمُ مَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا الْعِتْقُ فَهُوَ قُرْبَةٌ) قُلْتُ: عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ الطَّلَاقَ تَحْرِيمٌ وَالْعِتْقُ قُرْبَةٌ فَكَوْنُ الْعِتْقِ قُرْبَةً ـــــــــــــــــــــــــــــQيُحَصِّلُ دَنِيًّا وَنَزْرًا حَقِيرًا فَيَضِيعُ الْمَالُ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ إلْقَاءَ مَالِهِ فِي الْبَحْرِ وَتَضْيِيعَهُ فِي غَيْرِ مَصْلَحَةٍ وَحَرَّمَ السَّرِقَةَ صَوْنًا لِمَالِهِ أَيْضًا وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى حَجَرَ عَلَى عَبْدِهِ فِي تَضْيِيعِ عَقْلِهِ الَّذِي هُوَ عَوْنُهُ عَلَى أَمْرِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ فَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْمُسْكِرَاتِ صَوْنًا لِمَصْلَحَةِ عَقْلِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى حَجَرَ عَلَى عَبْدِهِ تَضْيِيعَ نَسَبِهِ الَّذِي بِهِ عَوْنُهُ عَلَى أَمْرِ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ فَحَرَّمَ عَلَيْهِ الزِّنَا صَوْنًا لِنَسَبِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ رِضَا الْعَبْدِ بِإِسْقَاطِهِ حَقَّهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَمَا لَا يُؤَثِّرُ رِضَاهُ بِوِلَايَةِ الْفَسَقَةِ وَشَهَادَةِ الْأَرَاذِلِ وَنَحْوِهَا فَافْهَمْ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ لِلْآدَمِيِّينَ عَلَى الْآدَمِيِّينَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ لِلْوَالِدَيْنِ عَلَى الْأَوْلَادِ] (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ لِلْآدَمِيِّينَ عَلَى الْآدَمِيِّينَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ لِلْوَالِدَيْنِ عَلَى الْأَوْلَادِ خَاصَّةً وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ لِذَوِي الْأَرْحَامِ غَيْرَ الْأَبَوَيْنِ عَلَى قَرِيبِهِمْ خَاصَّةً) . وَذَلِكَ أَنَّ ضَابِطَ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْوَالِدَيْنِ دُونَ الْأَجَانِبِ أُمُورٌ: أَحَدُهَا أَنَّ نَدْبَ طَاعَتِهِمْ وَبِرِّهِمْ مُطْلَقًا أَقْوَى مِنْ نَدْبِ بِرِّ الْأَجَانِبِ مُطْلَقًا الثَّانِي وُجُوبُ اجْتِنَابِ مُطْلَقِ الْأَذَى كَيْفَ كَانَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الِابْنِ الثَّالِثُ وُجُوبُ طَاعَتِهِمَا فِي تَرْكِ النَّوَافِلِ الرَّابِعُ وُجُوبُ طَاعَتِهِمَا فِي تَرْكِ تَعْجِيلِ الْفُرُوضِ الْمُوَسِّعَةِ الْخَامِسُ وُجُوبُ طَاعَتِهِمَا فِي تَرْكِ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ إذَا كَانَ ثَمَّ مَنْ يَقُومُ بِهَا وَأَمَّا ضَابِطُ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْأَجَانِبُ دُونَ الْأَبَوَيْنِ فَهُوَ أَنَّ نَدْبَ بِرِّهِمْ مُطْلَقًا يَضْعُفُ عَنْ نَدْبِ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَأَنَّ طَاعَتَهُمْ فِي تَرْكِ النَّوَافِلِ مَكْرُوهَةٌ تَنْزِيهًا قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ طَاعَتَهُمْ فِي تَرْكِ تَعْجِيلِ الْفُرُوضِ الْمُوَسَّعَةِ وَتَرْكِ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ كَذَلِكَ وَأَنَّ اجْتِنَابَ مُطْلَقِ الْأَذَى غَيْرُ وَاجِبٍ فِي حَقِّهِمْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ بَلْ الْوَاجِبُ فِي حَقِّهِمْ اجْتِنَابُ أَذًى مَخْصُوصٌ كَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْحَسَدِ وَإِفْسَادِ الْحَلِيلَةِ وَالْوَلَدِ وَالْخَادِمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا عَدَّهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي زَوَاجِرِهِ مِنْ الْكَبَائِرِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَكُلُّ وَاجِبٍ لِلْأَجَانِبِ وَاجِبٌ لِلْأَبَوَيْنِ وَلَا عَكْسَ لُغَوِيًّا قَالَ: الْأَصْلُ وَأَمَّا مَا يَجِبُ لِذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ غَيْرِ الْأَبَوَيْنِ فَلَمْ أَظْفَرْ فِيهِ بِتَفْصِيلٍ كَمَا وَجَدْتُ الْمَسَائِلَ الْآتِي بَيَانُهَا فِي الْأَبَوَيْنِ بَلْ أَصْلُ الْوُجُوبِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ اهـ قُلْت لَكِنْ فِي الزَّوَاجِرِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الَّذِي يُتَّجَهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْعُقُوقِ وَقَطْعِ الرَّحِمِ هُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُقُوقِ الَّذِي هُوَ كَبِيرَةٌ أَنْ يَحْصُلَ مِنْ الْوَلَدِ.

فَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَقَدْ أَثْبَتَ التَّقَرُّبَ بِالْعِتْقِ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الرِّقَابِ وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ إجْمَاعًا وَلَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى رَقَبَةً فِي الْكَفَّارَةِ كَفَتْ رَقَبَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِذَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّقَرُّبِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ وَلِلثُّبُوتِ فِي الْمُشْتَرَكِ الَّذِي يَكْفِي فِيهِ فَرْدٌ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ تَحْرِيمٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» وَالْبِغْضَةُ إنَّمَا تَصْدُقُ مَعَ النَّهْيِ دُونَ الْأَمْرِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَعُمَّ فِي الْعِتْقِ وَعَمَّ فِي الطَّلَاقِ بِنَاءً عَلَى الْقَوَاعِدِ الْمَذْكُورَةِ وَالْمَسَائِلِ الْمَفْرُوضَةِ وَأَمَّا تَحْرِيمُ الْوَطْءِ فَهُوَ تَابِعٌ لِلْعِتْقِ وَأَصْلُهُ التَّقَرُّبُ وَالْأَحْكَامُ إنَّمَا تَثْبُتُ لِلْأَلْفَاظِ بِنَاءً عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ مُطَابَقَةً دُونَ مَا تَقْتَضِيهِ الْتِزَامًا فَمَا مِنْ أَمْرٍ إلَّا وَيَلْزَمُ النَّهْيُ عَنْ تَرْكِهِ وَالْخَبَرُ عَنْ الْعِقَابِ فِيهِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يُقَالُ فِيهِ هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــSلَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمًا بَلْ هُوَ تَحْرِيمٌ لِلتَّصَرُّفِ فِي الْمَمْلُوكِ فَلَا فَرْقَ. قَالَ: (فَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَقَدْ أَثْبَتَ التَّقَرُّبَ بِالْعِتْقِ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الرِّقَابِ) قُلْتُ: لَمْ يَثْبُتْ التَّقَرُّبُ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بِالْعِتْقِ بَلْ أَثْبَتَهُ فِي فَرْدٍ مِمَّا فِيهِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ فَإِنْ أَرَادَ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَاحِدًا مِمَّا فِيهِ الْحَقِيقَةُ فَمُرَادُهُ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ: (وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِرَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ إجْمَاعًا وَلَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى رَقَبَةً فِي الْكَفَّارَةِ كَفَتْ رَقَبَةٌ وَاحِدَةٌ) قُلْتُ: يَحِقُّ أَنْ يُخْرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِرَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ مَا أَوْجَبَ إلَّا وَاحِدَةً وَلَوْ عَلَّقَ الْوُجُوبَ بِالْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ لَمَا سَاغَ الْخُرُوجُ عَنْ الْعُهْدَةِ إلَّا بِجَمِيعِ مَا فِيهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْ الْأَفْرَادِ. قَالَ: (وَإِذَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّقَرُّبِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ وَالثُّبُوتِ فِي الْمُشْتَرَكِ الَّذِي يَكْفِي فِيهِ فَرْدٌ) قُلْتُ: لَمْ يَكْفِ فِيهِ فَرْدٌ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ لَكِنْ كَفَى فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ الْمُعَلَّقِ بِمُطْلَقٍ وَهُوَ الْفَرْدُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ. قَالَ: (بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ تَحْرِيمٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَبْغَضُ الْمُبَاحِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» وَالْبُغْضَةُ إنَّمَا تَصْدُقُ مَعَ النَّهْيِ دُونَ الْأَمْرِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَعُمَّ فِي الْعِتْقِ وَعَمَّ فِي الطَّلَاقِ بِنَاءً عَلَى الْقَوَاعِدِ الْمَذْكُورَةِ وَالْمَسَائِلِ الْمَفْرُوضَةِ) قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعِتْقَ أَيْضًا تَحْرِيمٌ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَبْغَضُ الْمُبَاحِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِبَاحَةِ الطَّلَاقِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُحَرَّمًا أَوْ مَكْرُوهًا وَقَوْلُهُ إنَّ الْبُغْضَةَ إنَّمَا تَصْدُقُ مَعَ النَّهْيِ دُونَ الْأَمْرِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ تَصْدُقُ مَعَ الْأَمْرِ وَتُحْمَلُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَرْجُوحِيَّةِ الْأَمْرِ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الْبُغْضَةَ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الْقَوَاعِدِ قَدْ تَبَيَّنَ إبْطَالُ بَعْضِهَا فَلَا يَصِحُّ مَا بَنَى عَلَيْهَا. قَالَ: (وَأَمَّا تَحْرِيمُ الْوَطْءِ فَهُوَ تَابِعٌ لِلْعِتْقِ وَأَصْلُهُ التَّقَرُّبُ) قُلْتُ: وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ الْوَطْءِ فِي الزَّوْجَةِ تَابِعٌ لِلطَّلَاقِ الَّذِي أَصْلُهُ الْإِبَاحَةُ بِنَصِّ الشَّارِعِ قَالَ: (وَالْأَحْكَامُ إنَّمَا تَثْبُتُ لِلْأَلْفَاظِ بِنَاءً عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ مُطَابِقَةً دُونَ مَا تَقْتَضِيهِ الْتِزَامًا) قُلْتُ: ذَلِكَ مُسَلَّمٌ وَمُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ. قَالَ: (فَمَا مِنْ أَمْرٍ إلَّا وَيَلْزَمُهُ النَّهْيُ عَنْ تَرْكِهِ وَالْخَبَرُ عَنْ الْعِقَابِ فِيهِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يُقَالُ فِيهِ هُوَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا إيذَاءٌ لَيْسَ بِالْهَيِّنِ عُرْفًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا لَوْ فُعِلَ مَعَ الْغَيْرِ كَأَنْ يَلْقَاهُ فَيَقْطِبَ فِي وَجْهِهِ أَوْ يَقْدُمَ عَلَيْهِ فِي مَلَأٍ فَلَا يَقُومُ لَهُ وَلَا يَعْبَأُ بِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْضِي أَهْلُ الْعَقْلِ. وَالْمُرُوءَةِ مِنْ أَهْلِ الْعُرْفِ بِأَنَّهُ مُؤْذٍ تَأَذِّيًا عَظِيمًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمُتَأَذِّي لَكِنْ لَوْ كَانَ فِي غَايَةِ الْحُمْقِ أَوْ سَفَاهَةِ الْعَقْلِ فَأَمَرَ أَوْ نَهَى وَلَدَهُ بِمَا لَا يُعَدُّ مُخَالَفَتُهُ فِيهِ فِي الْعُرْفِ عُقُوقًا لَا يَفْسُقُ وَلَدُهُ بِمُخَالَفَتِهِ حِينَئِذٍ لِعُذْرِهِ وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ مُتَزَوِّجًا بِمَنْ يُحِبُّهَا فَأَمَرَهُ بِطَلَاقِهَا وَلَوْ لِعَدَمِ عِفَّتِهَا فَلَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ وَصَحَّحَهُ أَنَّ «رَجُلًا أَتَاهُ فَقَالَ: إنَّ لِي امْرَأَةً وَإِنَّ أُمِّيَ تَأْمُرُنِي بِطَلَاقِهَا فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَإِنْ شِئْت فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوْ احْفَظْهُ» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ وَرُبَّمَا قَالَ: سُفْيَانُ إنَّ أُمِّيَ وَرُبَّمَا قَالَ: إنَّ أَبِي وَفِيمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ أَنَّ «رَجُلًا أَتَاهُ فَقَالَ: إنَّ أَبِي لَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى زَوَّجَنِي وَإِنَّهُ الْآنَ يَأْمُرُنِي بِطَلَاقِهَا قَالَ: مَا أَنَا بِاَلَّذِي آمُرُك أَنْ تَعُقَّ وَالِدَيْك وَلَا بِاَلَّذِي آمُرُك أَنْ تُطَلِّقَ زَوْجَتَك غَيْرَ أَنَّك إنْ شِئْت حَدَّثْتُك بِمَا سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعْته يَقُولُ: الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَحَافِظِ عَلَى ذَلِكَ إنْ شِئْت أَوْ دَعْ» قَالَ: وَأَحْسَبُ عَطَاءً قَالَ: فَطَلَّقَهَا نَعَمْ قَدْ أَشَارَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ طَلَاقُهَا امْتِثَالًا لِأَمْرِ وَالِدِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَقَالَ: التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: «كَانَتْ تَحْتِي امْرَأَةٌ أُحِبُّهَا وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُهَا فَقَالَ لِي: طَلِّقْهَا فَأَبَيْت فَأَتَى عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلِّقْهَا» وَكَذَا سَائِرُ أَوَامِرِهِ الَّتِي لَا حَامِلَ عَلَيْهَا إلَّا ضَعْفُ عَقْلِهِ وَسَفَاهَةُ رَأْيِهِ وَلَوْ عُرِضَتْ عَلَى أَرْبَابِ الْعُقُولِ لَعَدُوُّهَا أُمُورًا مُتَسَاهَلًا فِيهَا وَلَرَأَوْا أَنَّهُ لَا إيذَاءَ لِمُخَالَفَتِهَا هَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ الْحَدِّ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِقَطْعِ الرَّحِمِ الَّذِي هُوَ كَبِيرَةٌ أَنْ يَقْطَعَ الْمُكَلَّفُ مَا أَلِفَ قَرِيبُهُ مِنْهُ مِنْ سَابِقِ الْوَصْلَةِ وَالْإِحْسَانِ لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ لِأَنَّ قَطْعَ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى إيحَاشِ الْقُلُوبِ وَنَفْرَتِهَا وَتَأَذِّيهَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ قَطَعَ وَصْلَةَ رَحِمِهِ وَمَا يَنْبَغِي لَهَا مِنْ عَظِيمِ الرِّعَايَةِ فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ قَرِيبَهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مِنْهُ إحْسَانٌ وَلَا إسَاءَةٌ قَطُّ

لِلتَّكْرَارِ بِنَاءً عَلَى النَّهْيِ وَلَا يَدْخُلُهُ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ بِنَاءً عَلَى الْخَبَرِ اللَّازِمِ بَلْ إنَّمَا يُعْتَبَرُ مَا يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً فَقَطْ وَكَذَلِكَ النَّهْيُ يَلْزَمُهُ الْأَمْرُ بِتَرْكِهِ وَالْإِخْبَارُ عَنْ الْعِقَابِ عَلَى تَقْدِيرِ الْفِعْلِ وَلَا يُقَالُ هُوَ لِلْوُجُوبِ وَالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ بِنَاءً عَلَى الْأَمْرِ وَلَا يَدْخُلُهُ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ بِنَاءً عَلَى الْخَبَرِ فَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ الطَّلَاقُ تَحْرِيمٌ وَيَلْزَمُهُ وُجُوبُ التَّرْكِ وَالْعِتْقُ قُرْبَةٌ وَيَلْزَمُهُ التَّحْرِيمُ فَلَا تُعْتَبَرُ اللَّوَازِمُ وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْحَقَائِقُ مِنْ حَيْثُ هِيَ فَتَأَمَّلْ الْفَرْقَ وَبِهَذِهِ الْمَسَائِلِ وَالْمَبَاحِثِ يُتَّجَهُ الْفَرْقُ بَيْنَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُشْتَرَكِ وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ وَعَلَيْهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَتَأَمَّلْهُ فِي مَوَاطِنِهِ وَلَا أُطَوِّلُ بِذِكْرِهَا بَلْ يَكْفِي مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــSلِلتَّكْرَارِ بِنَاءً عَلَى النَّهْيِ وَلَا يَدْخُلُهُ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ بِنَاءً عَلَى الْخَبَرِ اللَّازِمِ بَلْ إنَّمَا يُعْتَبَرُ مَا يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً فَقَطْ وَكَذَلِكَ النَّهْيُ يَلْزَمُهُ الْأَمْرُ بِتَرْكِهِ وَالْإِخْبَارُ عَنْ الْعِقَابِ عَلَى تَقْدِيرِ الْفِعْلِ وَلَا يُقَالُ هُوَ لِلْوُجُوبِ وَالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ بِنَاءً عَلَى الْأَمْرِ وَلَا يَدْخُلُهُ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ بِنَاءً عَلَى الْخَبَرِ فَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ الطَّلَاقُ تَحْرِيمٌ وَيَلْزَمُهُ وُجُوبُ التَّرْكِ وَالْعِتْقُ قُرْبَةٌ وَيَلْزَمُهُ التَّحْرِيمُ فَلَا تُعْتَبَرُ اللَّوَازِمُ وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْحَقَائِقُ مِنْ حَيْثُ هِيَ فَتَأَمَّلْ الْفَرْقَ وَبِهَذِهِ الْمَسَائِلِ وَالْمَبَاحِثِ يَتَّجِهُ الْفَرْقُ بَيْنَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُشْتَرَكِ وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ وَعَلَيْهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَتَأَمَّلْهُ فِي مَوَاطِنِهِ وَلَا أُطَوِّلُ بِذِكْرِهَا بَلْ يَكْفِي مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ) قُلْتُ: أَمَّا قَوْلُهُ مَا مِنْ أَمْرٍ إلَّا وَيَلْزَمُهُ النَّهْيُ عَنْ تَرْكِهِ فَمُسَلَّمٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالْخَبَرُ عَنْ الْعِقَابِ فِيهِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ بِالتَّقْدِيرِ مَا يَرْجِعُ إلَى الْبَارِي تَعَالَى أَوْ مَا يَرْجِعُ إلَيْنَا فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ فَهُوَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَقُومُ بِذَاتِهِ تَقْدِيرُ أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ بِالْمَعْنَى الَّذِي يُقَالُ ذَلِكَ فِي حَقِّنَا بَلْ لَا يَقُومُ بِذَاتِهِ إلَّا الْعِلْمُ بِوُجُودِ ذَلِكَ الْأَمْرِ أَوْ بِعَدَمِهِ وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِي فَهُوَ مُحَالٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ سَبَبُ قِيَامِ ذَلِكَ الْخَبَرِ بِذَاتِهِ تَعَالَى تَقْدِيرَنَا نَحْنُ ذَلِكَ الْأَمْرَ وَتَقْدِيرُنَا حَادِثٌ فَيَلْزَمُ حُدُوثُ ذَلِكَ الْخَبَرِ لِضَرُورَةِ سَبْقِ السَّبَبِ لِلْمُسَبِّبِ أَوْ مَعِيَّتِه. وَأَمَّا قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ الطَّلَاقُ تَحْرِيمٌ وَيَلْزَمُهُ وُجُوبُ التَّرْكِ وَالْعِتْقُ قُرْبَةٌ وَيَلْزَمُهُ التَّحْرِيمُ فَلَا تُعْتَبَرُ اللَّوَازِمُ وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْحَقَائِقُ مِنْ حَيْثُ هِيَ قُلْتُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ الطَّلَاقُ تَحْرِيمًا أَمَّا طَلَاقُ السُّنَّةِ فَلَيْسَ تَحْرِيمًا وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا هُوَ الْمُؤَبَّدُ أَمَّا غَيْرُ الْمُؤَبَّدِ فَلَا وَنَقُولُ: لَيْسَ الطَّلَاقُ بِنَفْسِهِ تَحْرِيمًا وَلَكِنَّ الطَّلَاقَ حَلٌّ لِعَقْدِ النِّكَاحِ وَحَلُّ عَقْدِ النِّكَاحِ يَسْتَلْزِمُ صَيْرُورَةَ الزَّوْجَةِ أَجْنَبِيَّةً وَصَيْرُورَتُهَا أَجْنَبِيَّةً يَسْتَلْزِمُ تَحْرِيمَهَا كَمَا أَنَّ الْعِتْقَ رَفْعُ الْمِلْكِ عَنْ الْمَمْلُوكَةِ وَرَفْعُ الْمِلْكِ يُصَيِّرُهَا أَجْنَبِيَّةً مَالِكَةً لِنَفْسِهَا وَيَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ تَحْرِيمُهَا فَلَا فَرْقَ وَبِالْجُمْلَةِ فَكَلَامُهُ فِي هَذَا الْفَرْق لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَلَا الْوَاضِحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَفْسُقْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَبَوَيْنِ إذَا فُرِضَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْعَلَ مَعَهُمَا مَا يَقْتَضِي التَّأَذِّي الْعَظِيمَ لِغِنَاهُمَا مَثَلًا لَمْ يَكُنْ كَبِيرَةً فَأَوْلَى بَقِيَّةُ الْأَقَارِبِ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَمْ يَقْطَعْ عَنْ قَرِيبِهِ مَا أَلِفَهُ مِنْ الْإِحْسَانِ لَكِنَّهُ فَعَلَ مَعَهُ مُحَرَّمًا صَغِيرَةً أَوْ قَطَّبَ فِي وَجْهِهِ أَوْ لَمْ يَقُمْ إلَيْهِ فِي مَلَأٍ وَلَا عَبَأَ بِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِسْقًا بِخِلَافِهِ مَعَ أَحَدِ الْوَالِدَيْنِ لِأَنَّ تَأَكُّدَ حَقِّهِمَا اقْتَضَى أَنْ يَتَمَيَّزَا عَلَى بَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ بِمَا لَا يُوجَدُ نَظِيرُهُ فِيهِمْ وَعَلَى هَذَا الضَّابِطِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْإِحْسَانُ الَّذِي أَلِفَهُ مِنْهُ قَرِيبٌ مَالًا أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ مُرَاسَلَةً أَوْ زِيَادَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَطْعُ ذَلِكَ كُلِّهِ بَعْدَ فِعْلِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ كَبِيرَةٌ وَالْمُرَادُ بِالْعُذْرِ فِي الْمَالِ فَقْدُ مَا كَانَ يَصِلُهُ بِهِ أَوْ تَجَدُّدُ احْتِيَاجِهِ إلَيْهِ وَأَنْ يَنْدُبَهُ الشَّارِعُ إلَى تَقْدِيمِ غَيْرِ الْقَرِيبِ عَلَيْهِ لِكَوْنِ الْأَجْنَبِيِّ أَحْوَجَ وَأَصْلَحَ فَعَدَمُ الْإِحْسَانِ إلَيْهِ أَوْ تَقْدِيمُ الْأَجْنَبِيِّ عَلَيْهِ لِهَذَا الْقَدْرِ يَرْفَعُ عَنْهُ الْفِسْقَ. وَبِهِ انْقَطَعَ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَا أَلِفَهُ مِنْهُ الْقَرِيبُ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَاعَى أَمْرَ الشَّارِعِ بِتَقْدِيمِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى الْقَرِيبِ وَوَاضِحٌ أَنَّ الْقَرِيبَ لَوْ أَلِفَ مِنْهُ قَدْرًا مُعَيَّنًا مِنْ الْمَالِ يُعْطِيهِ إيَّاهُ كُلَّ سَنَةٍ مَثَلًا فَنَقَصَهُ لَا يَفْسُقُ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَطَعَهُ مِنْ أَصْلِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَبِمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى تَمَامِ الْقَدْرِ الَّذِي أَلِفَهُ مِنْهُ بَلْ اللَّازِمُ لَهُ أَنْ لَا يَقْطَعَ ذَلِكَ مِنْ أَصْلِهِ وَغَالِبُ النَّاسِ يَحْمِلُهُمْ شَفَقَةُ الْقَرَابَةِ وَرِعَايَةُ الرَّحِمِ عَلَى وَصْلَتِهَا لَمْ يَكُنْ فِي أَمْرِهِمْ بِمُدَاوَمَتِهِمْ عَلَى أَصْلِ مَا أَلِفُوهُ مِنْهُمْ تَنْفِيرٌ عَنْ فِعْلِهِ بَلْ حَثٌّ عَلَى دَوَامِ أَصْلِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَالْمُرَادُ بِعُذْرِ تَرْكِ الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يَثِقُ بِهِ فِي أَدَاءِ مَا يُرْسِلُهُ مَعَهُ وَأَمَّا عُذْرُ الزِّيَارَةِ فَيَنْبَغِي ضَبْطُهُ بِعُذْرِ الْجُمُعَةِ بِجَامِعٍ أَنَّ كُلًّا فَرْضُ عَيْنٍ وَتَرْكَهُ كَبِيرَةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الزِّيَارَةَ الَّتِي أُلِفَتْ مِنْهُ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ لِعُذْرٍ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَتَأَمَّلْ جَمِيعَ مَا قَرَّرْتُهُ وَاسْتَفِدْهُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ مَعَ عُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ وَكَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَى ضَبْطِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْأَوْلَادَ وَالْأَعْمَامَ مِنْ الْأَرْحَامِ وَكَذَا الْخَالَةُ فَيَأْتِي فِيهِمْ وَفِيهَا مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ قَطْعِهِمْ وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ وَإِنْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْخَالَةَ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ وَأَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ إذْ يَكْفِي تَشَابُهُهُمَا فِي أَمْرٍ مَا كَالْحَضَانَةِ تَثْبُتُ لِلْخَالَةِ كَمَا ثَبَتَ لِلْأُمِّ. وَكَذَا الْمَحْرَمِيَّةُ وَتَأَكُّدُ الرِّعَايَةِ وَكَالْإِكْرَامِ فِي الْعَمِّ وَالْمَحْرَمِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا ذَكَرُوا وَأَمَّا إلْحَاقُهُمَا بِهِمَا فَإِنَّ عُقُوقَهُمَا

(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَقَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ) وَهَذَا الْفَرْقُ أَيْضًا عَظِيمُ الْقَدْرِ جَلِيلُ الْخَطَرِ وَبِتَحْقِيقِهِ تَنْفَرِجُ أُمُورٌ عَظِيمَةٌ مِنْ الْإِشْكَالَاتِ وَتَرِدُ إشْكَالَاتٌ عَظِيمَةٌ أَيْضًا فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ وَسَأُبَيِّنُ لَك ذَلِكَ فِي هَذَا الْفَرْقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَحْرِيرُ الْقَاعِدَتَيْنِ أَنَّ خِطَابَ التَّكْلِيفِ فِي اصْطِلَاحِ الْعُلَمَاءِ هُوَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْوُجُوبُ وَالتَّحْرِيمُ وَالنَّدْبُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ مَعَ أَنَّ أَصْلَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ أَنْ لَا تُطْلَقَ إلَّا عَلَى التَّحْرِيمِ وَالْوُجُوبِ لِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْكُلْفَةِ، وَالْكُلْفَةُ لَمْ تُوجَدْ إلَّا فِيهِمَا لِأَجْلِ الْحَمْلِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ خَوْفَ الْعِقَابِ وَأَمَّا مَا عَدَاهُمَا فَالْمُكَلَّفُ فِي سَعَةٍ لِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ فَلَا كُلْفَةَ حِينَئِذٍ غَيْرَ أَنَّ جَمَاعَةً يَتَوَسَّعُونَ فِي إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى الْجَمِيعِ تَغْلِيبًا لِلْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ فَهَذَا خِطَابُ التَّكْلِيفِ وَأَمَّا خِطَابُ الْوَضْعِ فَهُوَ خِطَابٌ بِنَصْبِ الْأَسْبَابِ كَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهَلَاكِ وَنَصْبِ الشُّرُوطِ كَالْحَوْلِ فِي الزَّكَاةِ وَالطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ وَنَصْبِ الْمَوَانِعِ كَالْحَيْضِ مَانِعٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْقَتْلِ مَانِعٌ مِنْ الْمِيرَاثِ وَنَصْبِ التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ، أَوْ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ كَمَا نُقَدِّرُ رَفْعَ الْإِبَاحَةِ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا قَبْلَ الرَّدِّ. وَنَقُولُ: ارْتَفَعَ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ لَا مِنْ حِينِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ وَنُقَدِّرُ النَّجَاسَةَ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فِي صُوَرِ الضَّرُورَاتِ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَمَوْضِعِ الْحَدَثِ فِي الْمَخْرَجَيْنِ وَنُقَدِّرُ وُجُودَ الْمِلْكِ لِمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي لِتَثْبُتَ لَهُ الْكَفَّارَةُ وَالْوَلَاءُ مَعَ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَنُقَدِّرُ الْمِلْكَ فِي دِيَةِ الْمَقْتُولِ خَطَأً قَبْلَ مَوْتِهِ حَتَّى يَصِحَّ فِيهِ الْإِرْثُ فَهَاتَانِ مِنْ بَابِ إعْطَاءِ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ وَالْأُولَيَانِ مِنْ بَابِ إعْطَاءِ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَلَا يَكَادُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ يَنْفَكُّ عَنْ التَّقْدِيرِ وَقَدْ بَسَطْت ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَةِ فِي إدْرَاكِ النِّيَّةِ حَيْثُ تَكَلَّمْت فِيهَا عَلَى رَفْضِ النِّيَّةِ وَرَفْعِهَا بَعْدَ وُقُوعِهَا مَعَ أَنَّ رَفْعَ الْوَاقِعِ مُحَالٌ عَقْلًا وَالشَّرْعُ لَا يُرَدُّ بِخِلَافِ الْعَقْلِ وَحَرَّرْت التَّقَادِيرَ فِي هَذِهِ الْمَبَاحِثِ هُنَالِكَ فَهَذَا هُوَ تَصْوِيرُ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَخِطَابِ الْوَضْعِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَقُدْرَتُهُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ وَكَوْنُهُ مِنْ كَسْبِهِ بِخِلَافِ خِطَابِ الْوَضْعِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِيهِ فَلِذَلِكَ نُوَرِّثُ بِالْإِنْسَابِ مَنْ لَا يُعْلَمُ نَسَبُهُ وَيَدْخُلُ الْعَبْدُ الْمَوْرُوثُ فِي مِلْكِهِ وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ مَعَ غَفْلَتِهِ عَنْ ذَلِكَ وَعَجْزِهِ عَنْ دَفْعِهِ وَيُطْلَقُ بِالْإِضْرَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَقَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا هُوَ تَصْوِيرُ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَخِطَابِ الْوَضْعِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ وَنُقَدِّرُ وُجُودَ الْمِلْكِ لِمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي لِتَثْبُتَ لَهُ الْكَفَّارَةُ وَالْوَلَاءُ مَعَ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَنُقَدِّرُ الْمِلْكَ فِي دِيَةِ الْمَقْتُولِ خَطَأً قَبْلَ مَوْتِهِ حَتَّى يَصِحَّ فِيهَا الْإِرْثُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ هَذَا. قَالَ (وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَقُدْرَتِهِ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَعُقُوقِهِمَا فَهُوَ وَإِنْ قَالَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ إلَّا أَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُصَرَّحٍ بِهِ فِي الْحَدِيثِ مُنَافٍ لِكَلَامِ أَئِمَّتِنَا فَلَا مُعَوِّلَ عَلَيْهِ بَلْ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ أَنَّ الْوَالِدَيْنِ اخْتَصَّا مِنْ الرِّعَايَةِ وَالِاحْتِرَامِ وَالطَّوْعِيَّةِ وَالْإِحْسَانِ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ جِدًّا وَغَايَةٍ رَفِيعَةٍ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَقَارِبِ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُكْتَفَى فِي عُقُوقِهِمَا وَكَوْنِهِ فِسْقًا بِمَا لَا يُكْتَفَى بِهِ فِي عُقُوقِ غَيْرِهِمَا انْتَهَى وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَطْعَ الْمُكَلَّفِ مَا أَلِفَهُ الْأَجْنَبِيُّ مِنْهُ مِمَّا ذُكِرَ بِلَا عُذْرٍ لَا يَكُونُ كَبِيرَةً فَظَهَرَ الْفَرْقُ وَأَنَّ كُلَّ مَا وَجَبَ لِلْأَجْنَبِيِّ وَجَبَ لِذَوِي الرَّحِمِ وَكُلَّ مَا وَجَبَ لِذَوِي الرَّحِمِ مِنْ غَيْرِ الْأَبَوَيْنِ وَجَبَ لِلْأَبَوَيْنِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ لُغَوِيٍّ فِيهِمَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى. 2 - (وَصْلٌ) فِي تَحْقِيقِ فِقْهِ هَذَا الْفَرْقِ بِعَشْرِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) فِي مُخْتَصَرِ الْجَامِعِ قِيلَ لِمَالِكٍ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لِي وَالِدَةٌ وَأُخْتٌ وَزَوْجَةٌ فَكُلَّمَا رَأَتْ لِي شَيْئًا قَالَتْ أَعْطِ هَذَا لِأُخْتِك فَإِنْ مَنَعْتُهَا ذَلِكَ سَبَّتْنِي وَدَعَتْ عَلَيَّ قَالَ لَهُ مَالِكٌ مَا أَرَى أَنْ تُغَايِظَهَا وَتَخْلُصَ مِنْهَا أَيْ مِنْ سَخَطِهَا بِمَا قَدَرْت عَلَيْهِ. 2 - (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي مُخْتَصَرِ الْجَامِعِ أَيْضًا قَالَ: رَجُلٌ لِمَالِكٍ وَالِدِي فِي بَلَدِ السُّودَانِ كَتَبَ إلَيَّ أَنْ أَقْدُمَ عَلَيْهِ وَأُمِّي تَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ أَطِعْ أَبَاك وَلَا تَعْصِ أُمَّك يَعْنِي أَنَّهُ يُبَالِغُ فِي رِضَا أُمِّهِ بِسَفَرِهِ لِوَالِدِهِ وَلَوْ بِأَخْذِهَا مَعَهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ طَاعَةِ أَبِيهِ وَعَدَمِ عِصْيَانِ أُمِّهِ وَرُوِيَ أَنَّ اللَّيْثَ أَمَرَهُ بِإِطَاعَةِ الْأُمِّ لِأَنَّ لَهَا ثُلُثَيْ الْبِرِّ كَمَا حَكَى الْبَاجِيَّ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ لَهَا حَقٌّ عَلَى زَوْجِهَا فَأَفْتَى بَعْضُ الْفُقَهَاءِ ابْنَهَا بِأَنْ يَتَوَكَّلَ لَهَا عَلَى أَبِيهِ فَكَانَ يُحَاكِمُهُ وَيُخَاصِمُهُ فِي الْمَجَالِسِ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْأُمِّ وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: لِأَنَّهُ عُقُوقٌ لِلْأَبِ وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ إنَّمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ بِرَّهُ أَقَلُّ مِنْ بِرِّ الْأُمِّ لَا أَنَّ الْأَبَ يُعَقُّ وَذَلِكَ الْحَدِيثُ هُوَ أَنَّ «رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّك قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّك قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّك قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أَبُوك ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ» وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ الْمَسَائِلِ فَتَرَقَّبْ. 2 - (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ: فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا مَنَعَهُ أَبَوَاهُ مِنْ الْحَجِّ لَا يَحُجُّ إلَّا بِإِذْنِهِمَا إلَّا الْفَرِيضَةَ فَنَصَّ عَلَى وُجُوبِ طَاعَتِهِمَا فِي النَّافِلَةِ وَقَالَ: فِي الْمَجْمُوعَةِ يُوَافِقُهُمَا فِي حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ الْعَامَ وَالْعَامَيْنِ أَيْ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ

وَالْإِعْسَارِ اللَّذَيْنِ هُمَا مَعْجُوزٌ عَنْهُمَا وَيَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ الْمَغْفُولُ عَنْهُ مِنْ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ فَإِنَّ مَعْنَى خِطَابِ الْوَضْعِ قَوْلُ صَاحِبِ الشَّرْعِ اعْلَمُوا أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ كَذَا فَقَدْ وَجَبَ كَذَا أَوْ حَرُمَ كَذَا أَوْ نُدِبَ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ هَذَا فِي السَّبَبِ أَوْ يَقُولُ عُدِمَ كَذَا فِي وُجُودِ الْمَانِعِ أَوْ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ. وَاسْتَثْنَى صَاحِبُ الشَّرْعِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ فِي خِطَابِ الْوَضْعِ قَاعِدَتَيْنِ الْقَاعِدَةُ الْأُولَى الْأَسْبَابُ الَّتِي هِيَ أَسْبَابٌ لِلْعُقُوبَاتِ وَهِيَ جِنَايَاتٌ كَالْقَتْلِ الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقُدْرَةُ وَالْعِلْمُ وَالْقَصْدُ فَلِذَلِكَ لَا قِصَاصَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَالزَّانِي أَيْضًا وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْمُكْرَهِ وَلَا عَلَى مَنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ أَجْنَبِيَّةٌ بَلْ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ سَقَطَ الْحَدُّ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ مَنْ شَرِبَ خَمْرًا يَعْتَقِدُهَا خَلًّا لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَسْبَابِ الَّتِي هِيَ جِنَايَاتٌ وَأَسْبَابٌ لِلْعُقُوبَاتِ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعِلْمُ وَالْقَصْدُ وَالْقُدْرَةُ وَالسِّرُّ فِي اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ أَنَّ رَحْمَةَ صَاحِبِ الشَّرْعِ تَأْبَى عُقُوبَةَ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ الْفَسَادَ وَلَا يَسْعَى فِيهِ بِإِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بَلْ قَلْبُهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْعِفَّةِ وَالطَّاعَةِ وَالْإِنَابَةِ فَمِثْلُ هَذَا لَا يُعَاقِبُهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ رَحْمَةً وَلُطْفًا. الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي اُسْتُثْنِيَتْ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فَاشْتُرِطَ فِيهَا الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ قَاعِدَةُ أَسْبَابِ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَقْفِ وَالْإِجَارَةِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُغَارَسَةِ وَالْجَعَالَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ سَبَبُ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ فَمَنْ بَاعَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ أَوْ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــSفِي وُجُودِ الْمَانِعِ أَوْ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ (وَاسْتَثْنَى صَاحِبُ الشَّرْعِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ فِي خِطَابِ الْوَضْعِ قَاعِدَتَيْنِ فِي الشَّرِيعَةِ الْقَاعِدَةُ الْأُولَى الْأَسْبَابُ الَّتِي هِيَ أَسْبَابٌ لِلْعُقُوبَاتِ وَهِيَ جِنَايَةٌ كَالْقَتْلِ لِلْقِصَاصِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقُدْرَةُ وَالْعِلْمُ وَالْقَصْدُ فَلِذَلِكَ لَا قِصَاصَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَالزِّنَى أَيْضًا وَلِذَلِكَ لَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْمُكْرَهِ وَلَا عَلَى مَنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ أَجْنَبِيَّةٌ بَلْ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ سَقَطَ الْحَدُّ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ مَنْ شَرِبَ خَمْرًا يَعْتَقِدُهَا خَلًّا لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَسْبَابِ الَّتِي هِيَ جِنَايَاتٌ وَأَسْبَابٌ لِلْعُقُوبَاتِ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعِلْمُ وَالْقَصْدُ وَالْقُدْرَةُ وَالسِّرُّ فِي اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ أَنَّ رَحْمَةَ صَاحِبِ الشَّرْعِ تَأْبَى عُقُوبَةَ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ الْفَسَادَ وَلَا يَسْعَى بِإِرَادَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بَلْ قَلْبُهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْعِفَّةِ وَالطَّاعَةِ وَالْإِنَابَةِ فَمِثْلُ هَذَا لَا يُعَاقِبُهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ رَحْمَةً وَلُطْفًا) . قُلْت لَيْسَ ذَلِكَ بِاسْتِثْنَاءٍ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَكِنَّهُ ازْدَوَجَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ خِطَابُ التَّكْلِيفِ وَالْوَضْعِ فَلَحِقَهَا اشْتِرَاطُ الْعَقْلِ وَمَا مَعَهُ مِنْ جِهَةِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ لَا مِنْ جِهَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ التَّكْلِيفُ مَعَ عَدَمِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ فَيَرْتَفِعُ خِطَابُ الْوَضْعِ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي اُسْتُثْنِيَتْ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فَاشْتُرِطَ فِيهَا الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ قَاعِدَةُ أَسْبَابِ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ إلَى آخِرِ الْقَاعِدَةِ) قُلْت وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ أَيْضًا لَيْسَتْ بِمُسْتَثْنَاةٍ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَكِنْ ازْدَوَجَ فِيهَا الْخِطَابَانِ أَمَّا خِطَابُ الْوَضْعِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالتَّرَاخِي وَقَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يَعْصِيهِمَا فِي الْخُرُوجِ لِلْغَزْوِ وَإِلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ بِمُفَاجَأَةِ الْعَدُوِّ أَوْ يُنْذِرَهُ فَيُؤَخِّرَ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ فَإِنْ أَذِنَا لَهُ وَإِلَّا خَرَجَ. 2 - (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ: الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ طَاعَةَ الْوَالِدَيْنِ وَاجِبَةٌ فِي الشُّبُهَاتِ دُونَ الْحَرَامِ لِأَنَّ تَرْكَ الشُّبْهَةِ مَنْدُوبٌ وَتَرْكَ طَاعَتِهِمَا حَرَامٌ وَالْحَرَامُ أَيْ تَرْكُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَنْدُوبِ أَيْ فِعْلِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُمَا إنْ كَرِهَا انْفِرَادَهُ عَنْهُمَا أَيْ وَإِنْ كَانَ أَكْلُهُ مَعَهُمَا شُبْهَةً لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بَعْدَ قَوْله تَعَالَى {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: 83] يُرِيدُ الْبِرَّ بِهِمَا مَعَ اللُّطْفِ وَلِينِ الْجَانِبِ فَلَا يُغْلِظُ لَهُمَا فِي الْجَوَابِ وَلَا يُحِدُّ النَّظَرَ إلَيْهِمَا وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ عَلَيْهِمَا بَلْ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْهِمَا مِثْلَ الْعَبْدِ بَيْنَ يَدَيْ السَّيِّدِ تَذَلُّلًا لَهُمَا اهـ وَلَا يُسَافِرُ فِي مُبَاحٍ وَلَا نَافِلَةٍ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَلَا يُبَادِرُ لِحَجِّ الْإِسْلَامِ وَلَا يَخْرُجُ لِطَلَبِ الْعِلْمِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا إلَّا عِلْمًا هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنٌ وَلَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِهِ مَنْ يُعَلِّمُهُ لِأَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ وَرُوِيَ فِي الْبُخَارِيِّ قَالَ الْحَسَنُ: إذَا مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ شَفَقَةً عَلَيْهِ فَلْيَعْصِهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ فِي كِتَابِ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ لَا طَاعَةَ لَهُمَا فِي تَرْكِ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ كَحُضُورِ الْجَمَاعَاتِ وَتَرْكِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْوَتْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا سَأَلَاهُ تَرْكَ ذَلِكَ عَلَى الدَّوَامِ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَعَيَاهُ لِأَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَجَبَتْ طَاعَتُهُمَا وَإِنْ فَاتَتْهُ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ. (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) أَعْظَمُ دَلِيلٍ وَأَبْلَغُهُ فِي أَمْرِ الْوَالِدَيْنِ مَا فِي مُسْلِمٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ قَالَ: هَلْ مِنْ وَالِدَيْك أَحَدٌ حَيٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ كِلَاهُمَا قَالَ: فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَارْجِعْ إلَى وَالِدَيْك فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا» فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُ بِالْأَفْضَلِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ الْكَوْنُ مَعَهُمَا رَتَّبَهُ عَلَى مُجَرَّدِ وَصْفِ الْأُبُوَّةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ أَمْرِهِمَا وَعِصْيَانِهِمَا وَحَاجَتِهِمَا لِلْوَلَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُوجِبَةِ لِبِرِّهِمَا بَلْ قَدَّمَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صُحْبَتَهُمَا مَعَ مُجَرَّدِ وَصْفِ الْأُبُوَّةِ عَلَى صُحْبَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَخِدْمَتَهُمَا مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْجِهَادِ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا سِيَّمَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ نَظَرًا لِكَوْنِ الْجِهَادِ فَرْضَ كِفَايَةٍ يَحْمِلُهُ الْحَاضِرُونَ عِنْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ فَيَنْدَرِجُ فِي هَذَا الْمَسْلَكِ غَسْلُ الْمَوْتَى وَمُوَارَاتُهُمْ وَجَمِيعُ

التَّصَرُّفَ يُوجِبُ انْتِقَالَ الْمِلْكِ لِكَوْنِهِ عَجَمِيًّا أَوْ طَارِئًا عَلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعٌ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ مَعَهُ وَكَذَلِكَ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ فَبَاعَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَقُدْرَتِهِ النَّاشِئَةِ عَنْ دَاعِيَتِهِ الطَّبِيعِيَّةِ لَا يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ مَعَهُ وَسِرُّ اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِنْ قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ» وَلَا يَحْصُلُ الرِّضَا إلَّا مَعَ الشُّعُورِ وَالْإِرَادَةِ وَالْمُكْنَةِ مِنْ التَّصَرُّفِ فَلِذَلِكَ اُشْتُرِطَ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْعِلْمُ وَالْإِرَادَةُ وَالْقُدْرَةُ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا تَقَرَّرَ شَرْطُ خِطَابِ التَّكْلِيفِ دُونَ خِطَابِ الْوَضْعِ وَظَهَرَ الْفَرْقُ فَأَزِيدُهُ بَيَانًا بِذِكْرِ ثَلَاثِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) اعْلَمْ أَنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ قَدْ يَجْتَمِعُ مَعَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَقَدْ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ أَمَّا اجْتِمَاعُهُمَا فَكَالزِّنَى فَإِنَّهُ حَرَامٌ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ هُوَ خِطَابُ تَكْلِيفٍ وَسَبَبٌ لِلْحَدِّ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ هُوَ خِطَابُ وَضْعٍ وَالسَّرِقَةُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ خِطَابُ تَكْلِيفٍ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهَا سَبَبُ الْقَطْعِ خِطَابُ وَضْعٍ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْجِنَايَاتِ مُحَرَّمَةٌ وَهِيَ أَسْبَابُ الْعُقُوبَاتِ وَالْبَيْعُ مُبَاحٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ حَرَامٌ عَلَى قَدْرِ مَا يَعْرِضُ لَهُ فِي صُوَرِهِ عَلَى مَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ هُوَ خِطَابُ تَكْلِيفٍ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ سَبَبُ انْتِقَالِ الْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ الْجَائِزِ أَوْ التَّقْدِيرِ فِي الْمَمْنُوعِ هُوَ خِطَابُ وَضْعٍ وَبَقِيَّةُ الْعُقُودِ تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ وَأَمَّا انْفِرَادُ خِطَابِ الْوَضْعِ فَكَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَدَوَرَانِ الْحَوْلِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَيْسَ فِيهَا أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ وَلَا إذْنٌ مِنْ حَيْثُ هِيَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا وُجِدَ الْأَمْرُ فِي أَثْنَائِهَا وَتَرَتُّبِهَا فَقَطْ وَأَمَّا خِطَابُ التَّكْلِيفِ بِدُونِ خِطَابِ الْوَضْعِ فَكَأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ كَإِيقَاعِ الصَّلَوَاتِ وَتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ فَهَذِهِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــSخِطَابُ التَّكْلِيفِ فَمِنْ جِهَةِ إبَاحَةِ تِلْكَ التَّصَرُّفَاتِ لَكِنَّهَا لَمْ تُبِحْ تِلْكَ التَّصَرُّفَاتِ إلَّا مَعَ الْعِلْمِ وَالِاخْتِيَارِ وَالرُّشْدِ فَإِذَا وَقَعَتْ عَارِيَّةً غَيْرَ مُصَاحِبَةٍ لِتِلْكَ الْأَوْصَافِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي إبَاحَةِ التَّصَرُّفِ لَمْ تَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا مُسَبَّبَاتُهَا مِنْ وُجُوهِ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْعِلْمِ وَمَا مَعَهُ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ مُنَاسِبٌ وَمُطَّرِدٌ وَاشْتِرَاطَ ذَلِكَ فِي خِطَابِ الْوَضْعِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ وَلَا مُطَّرِدٍ أَمَّا مُنَاسَبَةُ الِاشْتِرَاطِ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ حُصُولُ الْمُكَلَّفِ بِهِ مِنْ الْمُكَلَّفِ مَعَ عَدَمِ تِلْكَ الشُّرُوطِ فَلَا تَقُومُ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ عِنْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا اطِّرَادُهُ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا عَدَمُ مُنَاسَبَةِ الِاشْتِرَاطِ فِي خِطَابِ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ رَبَطَ هَذَا الْحُكْمَ بِهَذَا الْأَمْرِ أَوْ بِعَدَمِهِ وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ تَعَذُّرًا مِنْ الْمُكَلَّفِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ أَنْ يَكُونَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا مِنْ كَسْبِهِ وَأَمَّا عَدَمُ اطِّرَادِهِ فَوَاضِحٌ كَمَا فِي زَوَالِ الشَّمْسِ مَثَلًا وَفِي كُلِّ سَبَبٍ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ. قَالَ (إذَا تَقَرَّرَ هَذَا تَقَرَّرَ شَرْطُ خِطَابِ التَّكْلِيفِ دُونَ خِطَابِ الْوَضْعِ وَظَهَرَ الْفَرْقُ فَأَزِيدُهُ بَيَانًا بِذِكْرِ مَسَائِلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى اعْلَمْ أَنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ قَدْ يَجْتَمِعُ مَعَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَقَدْ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِيهَا صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفُرُوضِ الْكِفَايَةِ إذَا وُجِدَ مَنْ يَقُومُ بِهَا وَيَكُونُ تَقْدِيمُ خِدْمَتِهِمَا عَلَى النَّفْلِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَإِنْ لَمْ تَفُتْ بِتَرْكِهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ مَعَ قِيَامِ غَيْرِهِ بِهِ مَصْلَحَةً وَمَصْلَحَةُ ذَلِكَ النَّفْلِ تَفُوتُ بِتَرْكِهِ نَظَرًا لِكَوْنِ مَصْلَحَةِ النَّفْلِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ إلَّا مُجَرَّدَ الثَّوَابِ وَكَذَا مَصْلَحَةُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ زَائِدٌ فِي الْعَدَدِ عَلَى مَنْ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ ثَوَابَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ أَعْظَمُ فَتَتَحَقَّقُ الْأَوْلَوِيَّةُ بَلْ عَلَى الْمَنْدُوبَاتِ الْمُتَأَكِّدَةِ نَعَمْ هَذَا حَيْثُ لَمْ يُشْرَعْ فِي النَّافِلَةِ وَالْمَنْدُوبَاتِ الْمُتَأَكِّدَةِ وَفَرْضِ الْكِفَايَةِ أَمَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فَلَا تَجِبُ طَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ فِي قَطْعِ ذَلِكَ. إذْ النَّافِلَةُ وَالْمَنْدُوبَاتُ الْمُتَأَكِّدَةُ مِمَّا يَجِبُ بِالشُّرُوعِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ السَّادَةِ الْأَحْنَافِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَكَذَا فَرْضُ الْكِفَايَةِ يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ بِالشُّرُوعِ فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ حَتَّى طَلَبِ الْعِلْمِ لِمَنْ ظَهَرَتْ فِيهِ قَابِلِيَّةٌ مِنْ نَجَابَةٍ قَالَهُ سَحْنُونٌ خِلَافُ مَا عِنْدَ الْمَحَلِّيِّ كَمَا فِي حَاشِيَةِ ابْنِ حَمْدُونٍ عَلَى شَرْحِ مَيَّارَةَ الصَّغِيرِ عَلَى ابْنِ عَاشِرٍ وَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَادَتْ امْرَأَةٌ ابْنَهَا وَهُوَ فِي صَوْمَعَتِهِ يُصَلِّي قَالَتْ: يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي قَالَ: فَقَالَتْ يَا جُرَيْجُ قَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي فَقَالَتْ اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ فِي وَجْهِ الْمَيامِيسِ وَكَانَتْ تَأْتِي إلَى صَوْمَعَتِهِ رَاعِيَةٌ تَرْعَى الْغَنَمَ فَوَلَدَتْ فَقِيلَ لَهَا: مِمَّنْ هَذَا الْوَلَدُ؟ فَقَالَتْ: مِنْ جُرَيْجٍ نَزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ فَوَاقَعَنِي» وَسَاقَ الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ الْأُمِّ فِي قَطْعِ النَّافِلَةِ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا تَكُونَ وَاجِبَةً بِالشُّرُوعِ أَوْ يُقَالُ مَا وَجَبَ بِالشُّرُوعِ يُقْطَعُ لِلْأَبَوَيْنِ بِخِلَافِ الْوَاجِبِ بِالْأَصَالَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ كَانَ مُبَاحًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا كَانَ فِي أَوَّلِ شَرْعِنَا وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ جُرَيْجٌ قَدْ عَصَى بِتَرْكِ طَاعَتِهَا فِي أَمْرٍ مُبَاحٍ أَوْ مَنْدُوبٍ إلَيْهِ وَهُوَ الصَّمْتُ حِينَئِذٍ فَلِذَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَوْ كَانَ جُرَيْجٌ فَقِيهًا لَعَلِمَ أَنَّ إجَابَةَ أُمِّهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ» عَلَى أَنَّ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرًا إذْ لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّ اللَّهَ اسْتَجَابَ دُعَاءَهَا فِيهِ وَاسْتِجَابَةُ الدُّعَاءِ لَا يَتَعَيَّنُ أَنَّهُ لِوُجُوبِ حَقِّ الدَّاعِي وَأَنَّهُ مَظْلُومٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي كِتَابِ الْمُنْجِيَاتِ وَالْمُوبِقَاتِ فِي فِقْهِ الْأَدْعِيَةِ أَنَّ دُعَاءَ الظَّالِمِ قَدْ يُسْتَجَابُ فِي الْمَظْلُومِ وَيَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى دُعَاءَهُ سَبَبًا لِضَرَرٍ يَحْصُلُ لِلْمَظْلُومِ لِأَجْلِ ذَنْبٍ تَقَدَّمَ مِنْ الْمَظْلُومِ وَعِصْيَانِهِ لِلَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِ طَرِيقِ هَذَا الدَّاعِي كَمَا أَنَّ

خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَلَمْ يَجْعَلْهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ سَبَبًا لِفِعْلٍ آخَرَ نُؤْمَرُ بِهِ أَوْ نُنْهَى عَنْهُ بَلْ وُقِفَ الْحَالُ عِنْدَ أَدَائِهَا وَتَرَتُّبِهَا عَلَى أَسْبَابِهَا وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الشَّرْعِ قَدْ جَعَلَهَا سَبَبًا لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَتَرْتِيبِ الثَّوَابِ وَدَرْءِ الْعِقَابِ غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ أَفْعَالًا لِلْمُكَلَّفِ وَنَحْنُ لَا نَعْنِي بِكَوْنِ الشَّيْءِ سَبَبًا إلَّا كَوْنَهُ وُضِعَ سَبَبًا لِفِعْلٍ مِنْ قِبَلِ الْمُكَلَّفِ فَهَذَا وَجْهُ اجْتِمَاعِهِمَا وَافْتِرَاقِهِمَا. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الصَّبِيُّ إذَا أَفْسَدَ مَالًا لِغَيْرِهِ وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهِ إخْرَاجُ الْجَابِرِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ فَالْإِتْلَافُ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ وَهُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَلَمْ تَكُنْ الْقِيمَةُ أُخِذَتْ مِنْ مَالِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا مِنْ مَالِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ السَّبَبُ فِي زَمَنِ الصِّغَرِ وَتَأَخَّرَ أَثَرُهُ إلَى بَعْدِ الْبُلُوغِ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ يَنْعَقِدَ بَيْعُهُ وَنِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ فَإِنَّهَا أَسْبَابٌ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ الَّذِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّكْلِيفُ وَلَا الْعِلْمُ وَلَا الْإِرَادَةُ فَيَنْعَقِدُ مِنْ الصِّبْيَانِ الْعَالِمِينَ الرَّاضِينَ بِانْتِقَالِ أَمْلَاكِهِمْ وَتَتَأَخَّرُ الْأَحْكَامُ إلَى بَعْدِ الْبُلُوغِ فَيُقْضَى حِينَئِذٍ بِالتَّحْرِيمِ فِي الزَّوْجَةِ فِي الطَّلَاقِ كَمَا تَأَخَّرَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَوُجُوبُ دَفْعِ الْقِيمَةِ إلَى بَعْدِ الْبُلُوغِ وَكَذَلِكَ يَتَأَخَّرُ لُزُومُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى بَعْدَ الْبُلُوغِ وَبَقِيَّةُ الْآثَارِ كَذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الضَّمَانِ وَلَمْ أَرَ أَحَدٌ قَالَ بِهِ (وَالْجَوَابُ) بِذِكْرِ الْفَرْقِ بَيْنَ الضَّمَانِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ وَجْهَيْنِ (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ يُشْتَرَطُ فِيهَا الرِّضَا لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ اسْتِثْنَاءُ قَاعِدَةِ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ مِنْ قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا الرِّضَا وَالطَّلَاقُ فِيهِ إسْقَاطُ عِصْمَةٍ فَهُوَ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْأَمْلَاكِ وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ أَيْضًا هُوَ إسْقَاطُ مِلْكٍ فَاشْتُرِطَ فِيهِ الرِّضَا وَلَمَّا كَانَ الصَّبِيُّ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْمَصَالِحِ لِنُقْصَانِ عَقْلِهِ وَعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِهَا جَعَلَ الشَّرْعُ رِضَاهُ كَعَدَمِهِ وَالْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا فَهُوَ غَيْرُ رَاضٍ وَغَيْرُ الرَّاضِي لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَلَا بَيْعٌ فَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ بِخِلَافِ قَاعِدَةِ الْإِتْلَافَاتِ لَا أَثَرَ لِلرِّضَى فِيهَا أَلْبَتَّةَ فَاعْتُبِرَتْ مِنْهُ (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ التَّحْرِيمُ وَهُوَ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ وَأَثَرَ الْبَيْعِ إلْزَامُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّكْلِيفِ بِالتَّحْرِيمِ وَالْإِلْزَامِ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لَا تَتَأَخَّرُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ إلَى بَعْدِ الْبُلُوغِ كَمَا تَأَخَّرَ إلْزَامُ دَفْعِ الْقِيمَةِ قُلْت الْفَرْقُ أَنَّ تَأَخُّرَ الْمُسَبَّبَاتِ عَنْ أَسْبَابِهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا خَالَفْنَا هَذَا الْأَصْلَ فِي الْإِتْلَافِ لِضَرُورَةِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فِي جَبْرِ مَالِهِ لِئَلَّا يَذْهَبَ مَجَّانًا فَتَضِيعَ الظُّلَامَةُ وَهَذِهِ ضَرُورَةٌ عَظِيمَةٌ وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُونَا لِتَقْدِيمِ الطَّلَاقِ وَتَأْخِيرِ التَّحْرِيمِ بَلْ إذَا أَسْقَطْنَا الطَّلَاقَ وَاسْتَصْحَبْنَا الْعِصْمَةَ لَمْ يَلْزَمْ فَسَادٌ وَلَا تَفُوتُ ضَرُورَةٌ وَكَذَلِكَ إذَا أَبْقَيْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الصَّبِيُّ إذَا أَفْسَدَ مَالًا لِغَيْرِهِ وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهِ إخْرَاجُ الْجَابِرِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ إلَخْ) قُلْت مَا قَالَهُ فِيهَا صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ قَدْ تَقَدَّمَ اسْتِثْنَاءُ قَاعِدَةِ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ مِنْ قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ قَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا فِيهِ وَإِنَّمَا لَمْ تَصِحَّ تِلْكَ الْأُمُورُ مِنْ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا اعْتِبَارُ الْمَصَالِحِ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQظُلْمَ هَذَا الظَّالِمِ ابْتِدَاءً يَكُونُ بِسَبَبِ ذُنُوبٍ تَقَدَّمَتْ لِلْمَظْلُومِ وَيَكُونُ الظَّالِمُ سَبَبَ وُصُولِ الْعُقُوبَةِ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ دُعَاءَهُ سَبَبَ نِقْمَتِهِ وَجَعَلَ يَدَهُ وَلِسَانَهُ سَبَبَيْ نِقْمَتِهِ وَالْكُلُّ بِذُنُوبٍ سَالِفَةٍ لِلْمَظْلُومِ فَلَا يُسْتَبْعَدُ إجَابَةُ دُعَاءِ الظَّالِمِ فِي الْمَظْلُومِ. وَإِنَّمَا كَانَ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَ دُعَاؤُهُ إنَّمَا يُسْتَجَابُ بِسَبَبِ حَقِّ الظَّالِمِ وَالظَّالِمُ لَيْسَ لَهُ حَقٌّ فَلَا يُسْتَجَابُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُسْتَجَابُ بِسَبَبِ حُقُوقٍ لِغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] نَعَمْ يَدُلُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أُمُورٍ: الْأَوَّلُ مَنْعُ السَّفَرِ الْمُبَاحِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَذَلِكَ أَنَّ الْمَيامِيسَ الزَّوَانِي جَمْعُ زَانِيَةٍ فَلَمَّا مَنَعَ أُمَّهُ مِنْ النَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ مُحْتَجًّا بِالصَّلَاةِ دَعَتْ عَلَيْهِ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَى وُجُوهِ الزَّوَانِي عُقُوبَةً عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ النَّظَرِ إلَى وَجْهِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ غَيْبَةَ الْوَجْهِ فِي السَّفَرِ أَعْظَمُ. الثَّانِي وُجُوبُ طَاعَتِهِمَا فِي النَّوَافِلِ. الثَّالِثُ أَنَّ الْعُقُوقَ يُؤَاخَذُ بِهِ الْإِنْسَانُ وَإِنْ عَظُمَ قَدْرُهُ فِي الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ لِأَنَّ جُرَيْجًا كَانَ مِنْ أَعْبَدْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَخُرِقَتْ لَهُ الْعَادَاتُ وَظَهَرَتْ لَهُ الْكَرَامَاتُ فَمَا ظَنُّك بِغَيْرِهِ إذَا عَقَّ وَالِدَيْهِ. (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ أَصْلِ الْعُقُوقِ فَإِنَّهُ إذَا حَرُمَ هَذَا الْقَوْلُ حَرُمَ مَا فَوْقَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وقَوْله تَعَالَى {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان: 15] يَدُلُّ عَلَى أُمُورٍ أَحَدُهَا مُخَالَفَتُهُمَا فِي الْوَاجِبَاتِ وَالثَّانِي وُجُوبُ بِرِّهِمَا وَحُرْمَةُ عُقُوقِهِمَا وَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَأْمُرُ بِالشِّرْكِ إلَّا كَافِرٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحَتْ الْآيَةُ بِوُجُوبِ بِرِّهِمَا وَالثَّالِثُ أَنَّ مُخَالَفَةَ أَمْرِهِمَا بِالْمَعَاصِي وَاجِبَةٌ وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» . (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيِّ أَمَّا مُخَالَفَتُهُمَا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدِهِ يَجِدُ مُدَارَسَةَ الْمَسَائِلِ وَالتَّفَقُّهَ عَلَى طَرِيقِ التَّقْلِيدِ وَحِفْظَ نُصُوصِ الْعُلَمَاءِ فَأَرَادَ أَنْ يَظْعَنَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَيَتَفَقَّهُ فِيهِ عَلَى مِثْلِ طَرِيقَتِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِهِمَا لِأَنَّ خُرُوجَهُ إذَايَةُ لَهُمَا بِغَيْرِ فَائِدَةٍ وَإِنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ لِلتَّفَقُّهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَعْرِفَةِ الْإِجْمَاعِ وَمَوَاضِعِ الْخِلَافِ وَمَرَاتِبِ الْقِيَاسِ فَإِنْ وَجَدَ فِي بَلَدِهِ ذَلِكَ لَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَإِلَّا خَرَجَ وَلَا طَاعَةَ لَهُمَا فِي مَنْعِهِ لِأَنَّ تَحْصِيلَ دَرَجَةِ الْمُجْتَهِدِينَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ

الْمِلْكَ فِي الْمَبِيعِ لِلصَّبِيِّ كُنَّا مُوَافِقِينَ لِلْأَصْلِ وَلَا يَلْزَمُ مَحْذُورٌ أَلْبَتَّةَ أَمَّا لَوْ أَسْقَطْنَا إتْلَافَهُ وَلَمْ نَعْتَبِرْهُ لَضَاعَ مَالُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَتَلِفَ وَتَعَيَّنَ ضَرَرُهُ وَهَذَا فَرْقٌ كَبِيرٌ فَتَأَمَّلْهُ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الطَّهَارَةُ وَالسِّتَارَةُ وَاسْتِقْبَالُ الْكَعْبَةِ فِي الصَّلَاةِ فَتَاوَى عُلَمَائِنَا مُتَظَافِرَةٌ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ مَعَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَوْ تَوَضَّأَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَاسْتَتَرَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ جَاءَ الْوَقْتُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ وَصَلَّى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَدِّدَ فِعْلًا أَلْبَتَّةَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ إجْمَاعًا وَفِعْلُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ لَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ فَإِنَّ الْوُجُوبَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ إنَّمَا يَقَعُ تَبَعًا لِطَرَءَانِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الزَّوَالُ وَنَحْوُهُ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَقَبْلَ سَبَبِ الْوُجُوبِ لَا وُجُوبَ وَإِذَا عُدِمَ الْوَاجِبُ فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ اتَّجَهَ الْإِشْكَالُ مِنْ قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ غَيْرَ الْوَاجِبِ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ وَإِنْ عُلِمَ الْوَاجِبُ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ إلَّا بِفِعْلٍ يُفْعَلُ لَا بِغَيْرِ فِعْلٍ أَلْبَتَّةَ فَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوَاعِد الشَّرْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الطَّهَارَةُ وَالسِّتَارَةُ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَالْفَتَاوَى مُتَظَافِرَةٌ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ مَعَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَوْ تَوَضَّأَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَاسْتَتَرَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ جَاءَ الْوَقْتُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ صَلَّى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَدِّدَ فِعْلًا أَلْبَتَّةَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ إجْمَاعًا وَفِعْلُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ لَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوَاعِد الشَّرْعِ) قُلْت قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ لَا يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ مَمْنُوعٌ بَلْ يُوصَفُ بِالْوُجُوبِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ مِنْ الْوَاجِبِ الْمُوسَعِ وَقَوْلُهُ فَلِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ إنَّمَا يُقْلَعُ تَبَعًا لِطَرَيَانِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الزَّوَالُ وَنَحْوُهُ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ الْوُجُوبُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ تَبَعًا لِطَرَيَانِ تِلْكَ الْأَسْبَابِ بَلْ يَقَعُ تَبَعًا لِطَرَيَانِ الْعَزْمِ عَلَى التَّهَيُّؤِ وَالِاسْتِعْدَادِ لِإِيقَاعِ الصَّلَاةِ وَوَقْتُ طَرَيَان هَذَا الْعَزْمِ مَا بَيْنَ أَقْرَبِ حَدَثٍ يُحْدِثُهُ الْمَرْءُ وَإِيقَاعِ الصَّلَاةِ وَدَلِيلُ صِحَّةِ ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ عَلَى إجْزَاءِ الطَّهَارَةِ الْمُوقَعَةِ قَبْلَ الْوَقْتِ مَعَ تَعَذُّرِ الْقَوْلِ بِإِجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ وَمَعَ لُزُومِ نِيَّةِ الْوُجُوبِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَجِبَ الشَّرْطُ إلَّا عِنْدَ وُجُوبِ الْمَشْرُوطِ وَهَذَا مِنْ الْعَادِيَاتِ بِمَثَابَةِ مَنْ يُعْلَمُ مِنْ عَادَتِهِ اضْطِرَارُهُ إلَى الْغِذَاءِ فِي وَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَمِنْ شَرْطِ الْغِذَاءِ الَّذِي يَتَغَذَّى بِهِ طَبْخُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الطَّبْخِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ عَلَى وَقْتِ الِاغْتِذَاءِ ثُمَّ لَا يَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ الطَّبْخِ الزَّمَنُ الْمُجَاوِرُ لِزَمَنِ الِاغْتِذَاءِ بَلْ لَهُ تَقْدِيمُ الطَّبْخِ وَالِاسْتِعْدَادُ بِهِ مِنْ حِينِ طُرُوءِ عَزْمِهِ عَلَى الِاسْتِعْدَادِ وَإِنَّمَا صَحَّ ذَلِكَ لِاسْتِوَاءِ حُصُولِ الْمَصْلَحَةِ بِالِاغْتِذَاءِ بِالْقَرِيبِ الطَّبْخُ وَالْبَعِيدِ الطَّبْخُ وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ اسْتِوَاءِ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَالِ هَذَا الشَّخْصِ وَهَذَا الْغِذَاءِ قَالَ (فَقَبْلَ سَبَبِ الْوُجُوبِ لَا وُجُوبَ) قُلْت ذَلِكَ مُسَلَّمٌ لَكِنْ لَيْسَ سَبَبُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ الْمُعَيَّنَةِ هُوَ بِعَيْنِهِ سَبَبُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ الْمُعَيَّنَةِ بَلْ الْعَزْمُ عَلَى اسْتِبَاحَتِهَا بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي مُغَايَرَةِ سَبَبِ الْمَشْرُوطِ سَبَبَ الشَّرْطِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ وَضْعِيَّةٌ تَقَعُ بِحَسْبِ قَصْدِ وَاضِعِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (وَإِذَا عُدِمَ الْوُجُوبُ فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ اُتُّجِهَ الْإِشْكَالُ مِنْ قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ غَيْرَ الْوَاجِبِ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ وَأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ إلَّا بِفِعْلٍ يُفْعَلُ لَا بِغَيْرِ فِعْلٍ أَلْبَتَّةَ فَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوَاعِد الشَّرْعِ) قُلْت ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: سَحْنُونٌ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ وَتَقْلِيدِ الْعُلُومِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104] وَمَنْ لَا يَعْرِفُ الْمَعْرُوفَ كَيْف يَأْمُرُ بِهِ أَوْ لَا يَعْرِفُ الْمُنْكَرَ كَيْف يَنْهَى عَنْهُ. اهـ. لَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ مُخَالَفَتِهِمَا فِي الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ ضَرُورَةُ أَنَّ الْعِلْمَ وَضَبْطَ الشَّرِيعَةِ وَإِنْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ لَهُ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ وَهُمْ مَنْ جَادَ حِفْظُهُمْ وَرَقَّ فَهْمُهُمْ وَحَسُنَتْ سِيرَتُهُمْ وَطَابَتْ سَرِيرَتُهُمْ فَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ فَإِنَّ عَدِيمَ الْحِفْظِ أَوْ قَلِيلَهُ وَسَيِّئَ الْفَهْمِ لَا يَصْلُحُ لِضَبْطِ الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَكَذَلِكَ مَنْ سَاءَتْ سَرِيرَتُهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْوُثُوقُ لِلْعَامَّةِ فَلَا تَحْصُلُ بِهِ مَصْلَحَةُ التَّقْلِيدِ فَتَضِيعُ أَحْوَالُ النَّاسِ وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ مُتَعَيِّنَةً بِهَذِهِ الصِّفَاتِ صَارَ طَلَبُ الْعِلْمِ عَلَيْهَا فَرْضَ عَيْنٍ لَا فَرْضَ كِفَايَةٍ إذْ لَا يَصْلُحُ لَهُ غَيْرُهَا بِخِلَافِ الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الرَّمْيِ بِالْحَجَرِ وَالضَّرْبِ بِالسَّيْفِ فَإِنَّ كُلَّ بَلِيدٍ أَوْ زَكِيٍّ يَصْلُحُ لَهُ لِسُهُولَةِ أَمْرِهِ وَصُعُوبَةِ ضَبْطِ الْعُلُومِ فَلَعَلَّ هَذَا هُوَ مَعْنَى كَلَامِ سَحْنُونٍ وَأَبِي بَكْرٍ. (الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ) قَوْله تَعَالَى {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى وُجُوبِ أَدَاءِ حَقِّ الْبِنْتِ فِي الْإِعْفَافِ وَالتَّصَوُّنِ وَدَفْعِ ضَرَرِ مُوَاقَعَةِ الشَّهْوَةِ

وَعِنْدَ تَوَجُّهِ هَذِهِ الْإِشْكَالَاتِ اضْطَرَبَتْ أَجْوِبَةُ الْفُقَهَاءِ وَاخْتَلَفَتْ أَفْكَارُهُمْ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَقُولُ الْوُضُوءُ وَاجِبٌ وُجُوبًا مُوَسَّعًا قَبْلَ الْوَقْتِ وَفِي الْوَقْتِ وَالْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ وَتَأْخِيرُهُ وَيَقَعُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَاجِبًا فَمَا أَجْزَأَ عَنْ الْوَاجِبِ إلَّا وَاجِبٌ وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي رَأَيْتهَا وَهُوَ لَا يَصِحُّ بِسَبَبِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ فِي الشَّرِيعَةِ إنَّمَا عُهِدَ بَعْدَ طَرَءَانِ سَبَبِ الْوُجُوبِ أَمَّا وُجُوبٌ قَبْلَ سَبَبِهِ فَلَا يُعْقَلُ فِي الشَّرِيعَةِ لَا مُضَيَّقًا وَلَا مُوَسَّعًا وَأَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ نَصَبَهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ أَسْبَابًا لِوُجُوبِهَا فَلَا تَجِبُ قَبْلَهَا وَلَا تَجِبُ شَرَائِطُهَا وَوَسَائِلُهَا قَبْلَ وُجُوبِهَا فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ أَنَّ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ تَبَعٌ لِوُجُوبِ الْمَقَاصِدِ وَلِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ بَعْدَ وُجُوبِ الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ أَمَّا قَبْلَ وُجُوبِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَعْقُولٍ هَذَا مَا عَلَى هَذَا الْجَوَابِ وَقَالَ غَيْرُهُ هَذِهِ الْأُمُورُ تَقَعُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ وَتُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ بِالْإِجْمَاعِ فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ ـــــــــــــــــــــــــــــSكُلُّ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ لَازِمٌ عَلَى تَقْدِيرِ لُزُومِ اتِّحَادِ سَبَبِ وُجُوبِ الشَّرْطِ وَالْمَشْرُوطِ أَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ لُزُومِ ذَلِكَ فَلَا قَالَ (وَعِنْدَ تَوَجُّهِ هَذِهِ الْإِشْكَالَاتِ اضْطَرَبَتْ أَجْوِبَةُ الْفُقَهَاءِ وَاخْتَلَفَتْ أَفْكَارُهُمْ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَقُولُ الْوُضُوءُ وَاجِبٌ وُجُوبًا مُوَسَّعًا قَبْلَ الْوَقْتِ وَفِي الْوَقْتِ وَالْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ وَتَأْخِيرُهُ وَيَقَعُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَاجِبًا فَمَا أَجْزَأَ عَنْ الْوَاجِبِ إلَّا وَاجِبٌ) قُلْت مَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي رَأَيْتهَا وَهُوَ لَا يَصِحُّ بِسَبَبِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوسَعَ فِي الشَّرِيعَةِ إنَّمَا عُهِدَ بَعْدَ طَرَيَان سَبَبِ الْوُجُوبِ، أَمَّا وُجُوبٌ قَبْلَ سَبَبِهِ فَلَا يُعْقَلُ فِي الشَّرِيعَةِ لَا مُضَيَّقًا وَلَا مُوَسَّعًا) قُلْت مَا قَالَهُ مُسَلَّمٌ قَالَ (وَأَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ نَصَّبَهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ أَسْبَابًا لِوُجُوبِهَا فَلَا تَجِبُ قَبْلَهَا وَلَا تَجِبُ شَرَائِطُهَا وَوَسَائِلُهَا قَبْلَ وُجُوبِهَا) قُلْت قَوْلُهُ إنَّ الصَّلَوَاتِ لَا تَجِبُ قَبْلَ أَسْبَابِهَا مُسَلَّمٌ وَقَوْلُهُ إنَّ شَرَائِطَهَا وَوَسَائِلَهَا لَا تَجِبُ قَبْلَ وُجُوبِهَا مَمْنُوعٌ وَقَدْ سَبَقَ تَقْرِيرُهُ قَالَ (فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ أَنَّ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ تَبَعٌ لِوُجُوبِ الْمَقَاصِدِ) قُلْت إنْ أَرَادَ أَنَّهُ تَبَعٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَسْبِقُ وُجُوبُ الشَّرَائِطِ وُجُوبَ الْمَشْرُوطَاتِ فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ تَبَعٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا وُجُوبُ الْمَشْرُوطَاتِ مَا وَجَبَتْ الشُّرُوطُ فَمُسَلَّمٌ وَلَا يَلْزَمُ عَنْهُ مَقْصُودُهُ. قَالَ (وَلِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ بَعْدَ وُجُوبِ الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ أَمَّا قَبْلَ وُجُوبِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَعْقُولٍ هَذَا مَا عَلَى هَذَا الْجَوَابِ) قُلْت قَوْلُهُ وَلِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ بَعْدَ وُجُوبِ الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ مَمْنُوعٌ وَقَوْلُهُ أَمَّا قَبْلَ وُجُوبِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَعْقُولٍ قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ مَعْقُولٌ وَذَلِكَ عِنْدَ اسْتِوَاءِ تَقْدِيمِ الشَّرْطِ عَلَى وَقْتِ وُجُوبِ الْمَشْرُوطِ وَتَأْخِيرِهِ عَنْهُ فِي الْمَصْلَحَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ ذَلِكَ الشَّرْطِ قَالَ (وَقَالَ غَيْرُهُ هَذِهِ الْأُمُورُ تَقَعُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ وَتُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ بِالْإِجْمَاعِ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَدِّ ذَرَائِعِ الشَّيْطَانِ عَنْهَا بِالتَّزْوِيجِ عَلَى الْآبَاءِ لَا عَلَى إبَاحَةِ إذَايَةُ الْآبَاءِ بِالْمُخَالَفَةِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الْحَقِّ عَلَيْهِمْ لِلْأَبْنَاءِ جَوَازُ إذَايَةُ الْآبَاءِ بِاسْتِيفَاءِ ذَلِكَ الْحَقِّ أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنَعَ مِنْ تَحْلِيفِ الْأَبِ فِي حَقٍّ لَهُ وَقَالَ: إنْ حَلَّفَهُ كَانَ جُرْحُهُ فِي حَقِّ الْوَلَدِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) قَوْلُ مَالِكٍ إذَا احْتَلَمَ الْغُلَامُ ذَهَبَ حَيْثُ شَاءَ وَلَيْسَ لِأَبَوَيْهِ مَنْعُهُ اهـ خَاصٌّ بِمُجَرَّدِ الْحَضَانَةِ فَلَا يُنَافِي تَجَدُّدَ حَجْرِ الْبِرِّ الَّذِي فِي قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيِّ إنْ أَرَادَ سَفَرًا لِلتِّجَارَةِ يَرْجُو بِهِ مَا يَحْصُلُ لَهُ فِي الْإِقَامَةِ فَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَإِنْ رَجَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ فِي كَفَافٍ وَإِنَّمَا يَطْلُبُ ذَلِكَ تَكَاثُرًا فَهَذَا لَوْ أَذِنَا لَهُ لَنَهَيْنَاهُ لِأَنَّهُ غَرَضٌ فَاسِدٌ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ دَفْعَ حَاجَاتِ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَهُ تَأَذَّى بِتَرْكِهِ كَانَ لَهُ مُخَالَفَتُهُمَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَكَمَا نَمْنَعُهُ مِنْ إذَايَتِهِمَا نَمْنَعُهُمَا مِنْ إَذايَتِهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ طَعَامٌ إنْ لَمْ يَأْكُلْهُ هَلَكَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلَاهُ هَلَكَا قُدِّمَتْ ضَرُورَتُهُ عَلَيْهِمَا اهـ فَالْغُلَامُ بَعْدَ الْبُلُوغِ يَمْشِي فِي الْبَلَدِ حَيْثُ شَاءَ دُونَ السَّفَرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رِيبَةٍ وَهُمَا يَتَأَذَّيَانِ بِهِ فَيَمْنَعَانِهِ مُطْلَقًا كَمَا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ لِمَنْ دَعَاهُ أَبُوهُ مِنْ السُّودَانِ وَمَنَعَتْهُ أُمُّهُ أَطِعْ أَبَاك وَلَا تَعْصِ أُمَّك. (فَائِدَتَانِ) : الْأُولَى مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صِلَةُ الرَّحِمِ تُزِيدُ فِي الْعُمْرِ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ سَرَّهُ السَّعَةُ فِي الرِّزْقِ وَالنَّسَأُ فِي الْأَجَلِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَبَ صِلَةَ الرَّحِمِ سَبَبًا بِالْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ لَا بِالْقَضَاءِ الْعَقْلِيِّ لِزِيَادَةِ النَّسَإِ فِي الْعُمْرِ وَلِسَعَةِ الرِّزْقِ كَمَا نَصَبَ بِهَذَا الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ الْإِيمَانَ سَبَبًا فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ وَالْكُفْرَ سَبَبًا فِي دُخُولِ النَّارِ وَنَصَبَ بِالْوَضْعِ الْعَادِيِّ لَا بِالِاقْتِضَاءِ الْعَقْلِيِّ الْأَسْبَابَ الْعَادِيَّةَ مِنْ الْغِذَاءِ وَالتَّنَفُّسِ فِي الْهَوَاءِ وَالْأَدْوِيَةِ وَجَعَلَهَا أَسْبَابًا فِي الْحَيَاةِ وَإِذَا جَعَلَ اللَّهُ صِلَةَ الرَّحِمِ سَبَبًا لِذَلِكَ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا تُزِيدُ فِي الْعُمْرِ وَتُوَسِّعُ فِي الرِّزْقِ حَقِيقَةً كَمَا نَقُولُ: الْإِيمَانُ يُدْخِلُ الْجَنَّةَ وَالْكُفْرُ يُدْخِلُ النَّارَ وَمَتَى عَلِمَ الْمُكَلَّفُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَبَ صِلَةَ الرَّحِمِ سَبَبًا لِذَلِكَ بَادَرَ إلَيْهَا رَغْبَةً فِي زِيَادَةِ الْعُمْرِ وَسِعَةِ الرِّزْقِ كَمَا يُبَادِرُ لِاسْتِعْمَالِ الْغِذَاءِ وَتَنَاوُلِ الدَّوَاءِ رَغْبَةً فِي الْحَيَاةِ وَلِلْإِيمَانِ رَغْبَةً فِي الْجِنَانِ وَيَفِرُّ مِنْ الْكُفْرِ رَهْبَةً مِنْ النِّيرَانِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُنَا الدُّعَاءُ يُزِيدُ فِي الْعُمْرِ وَالرِّزْقِ وَيَدْفَعُ الْأَمْرَاضَ وَيُؤَخِّرُ الْآجَالَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا شُرِعَ فِيهِ

مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ بَلْ عَلَى أَنَّهَا مُجْزِئَةٌ. أَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ فَلَا نُسَلِّمُهُ وَقَالَ ثَالِثٌ الْمَوْجُودُ مِنْ الْفِعْلِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ هُوَ الْوَاجِبُ وَهُوَ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَصْحِبَ ثَوْبَهُ وَاسْتِقْبَالَهُ وَطَهَارَتَهُ وَمُلَازَمَةُ الشَّيْءِ وَاسْتِصْحَابُهُ فِعْلٌ مِنْ الْمُكَلَّفِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي أَجْزَأَ عَنْ الْوَاجِبِ وَهَذَا أَيْضًا غَيْرُ جَيِّدٍ بِسَبَبِ أَنَّا نُضَيِّقُ الْفَرْضَ فِي الثَّوْبِ وَالْقِبْلَةِ وَنَفْرِضُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ بِحَيْثُ لَا يُجَدِّدُ شَيْئًا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ حَتَّى يَحْرُمَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ دَوَامَ الثَّوْبِ عَلَيْهِ فِعْلٌ لَهُ وَلَا دَوَامَ الطَّهَارَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ غَفَلَ عَنْ كَوْنِهِ مُتَطَهِّرًا وَمُسْتَقْبِلًا وَلَابِسًا وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَمَعَ الْغَفْلَةِ يَمْتَنِعُ الْفِعْلُ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْفِعْلِ الشُّعُورَ وَلَا شُعُورَ فَلَا فِعْلَ وَهَذَا التَّضْيِيقُ يَحْسِمُ مَادَّةَ هَذَا الْجَوَابِ فَإِنْ قُلْت فَلِمَ حَنَّثْتَهُ بِدَوَامِ لُبْسِ الثَّوْبِ إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَهُوَ لَابِسُهُ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارًا وَهُوَ فِيهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا الِاسْتِصْحَابُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ وَإِذَا كَانَ فِعْلًا هُنَاكَ كَانَ فِعْلًا هُنَا قُلْت الْإِيمَانُ يَكْفِي فِيهَا شَهَادَةُ الْعُرْفِ كَانَ فِيهَا فِعْلٌ أَمْ لَا فَقَدْ نُحَنِّثُهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ بَلْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ طَارَ الْغُرَابُ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلٍ أَلْبَتَّةَ كَقَوْلِهِ إنْ كَانَ الْمُسْتَحِيلُ مُسْتَحِيلًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ طَلُقَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ مَعَ أَنَّ الْمُسْتَحِيلَ لَا فِعْلَ لَهُ فِيهِ أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ بَابُ تَكْلِيفٍ وَإِيجَابٍ وَالتَّكْلِيفُ لَا بُدَّ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ فَلَا نُسَلِّمُهُ) . قُلْت مَا قَالَهُ فِي رَدِّ ذَلِكَ الْقَوْلِ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (وَقَالَ ثَالِثٌ الْمَوْجُودُ مِنْ الْفِعْلِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ هُوَ الْوَاجِبُ وَهُوَ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَصْحِبَ ثَوْبَهُ وَاسْتِقْبَالَهُ وَطَهَارَتَهُ وَمُلَازَمَةُ الشَّيْءِ وَاسْتِصْحَابُهُ فِعْلٌ مِنْ الْمُكَلَّفِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي أَجْزَأَ عَنْ الْوَاجِبِ وَهَذَا أَيْضًا غَيْرُ جَيِّدٍ بِسَبَبِ أَنَّا نُضَيِّقُ الْفَرْضَ فِي الثَّوْبِ وَالْقِبْلَةِ وَنَفْرِضُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ بِحَيْثُ لَا يُجَدِّدُ شَيْئًا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ حَتَّى يَحْرُمَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ دَوَامَ الثَّوْبِ عَلَيْهِ فِعْلٌ لَهُ وَلَا دَوَامَ الطَّهَارَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ غَفَلَ عَنْ كَوْنِهِ مُتَطَهِّرًا وَمُسْتَقْبِلًا وَلَابِسًا وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَمَعَ الْغَفْلَةِ يَمْتَنِعُ الْفِعْلُ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْفِعْلِ الشُّعُورَ بِهِ وَلَا شُعُورَ فَلَا فِعْلَ وَهَذَا التَّضْيِيقُ يَحْسِمُ مَادَّةَ هَذَا الْجَوَابِ) قُلْت عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ اسْتِدَامَةَ اللُّبْسِ وَالطَّهَارَةِ وَالِاسْتِقْبَالِ لَيْسَ بِفِعْلٍ حِسًّا لَكِنَّهُ فِي مَعْنَى الْفِعْلِ حُكْمًا وَاسْتِدْلَالُهُ بِالْغَفْلَةِ لَا دَلِيلَ لَهُ فِيهِ فَإِنَّ الْغَفْلَةَ إنَّمَا تُنَاقِضُ الْفِعْلَ الْحِسِّيَّ الْحَقِيقِيَّ لَا الْحُكْمِيَّ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي حَالَةِ الْغَفْلَةِ. قَالَ (فَإِنْ قُلْت فَلِمَ حَنَّثْتَهُ بِدَوَامِ لُبْسِ الثَّوْبِ إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَهُوَ لَابِسُهُ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارًا وَهُوَ فِيهَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا الِاسْتِصْحَابُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ وَإِذَا كَانَ فِعْلًا هُنَاكَ كَانَ فِعْلًا هُنَا قُلْت الْإِيمَانُ يَكْفِي فِيهِ شَهَادَةُ الْعُرْفِ كَانَ فِيهَا فِعْلٌ أَوْ لَا فَقَدْ نُحَنِّثُهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ بَلْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ أَوْ طَارَ الْغُرَابُ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلٍ أَلْبَتَّةَ كَقَوْلِهِ إنْ كَانَ الْمُسْتَحِيلُ مُسْتَحِيلًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ طَلُقَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ مَعَ أَنَّ الْمُسْتَحِيلَ لَا فِعْلَ لَهُ فِيهِ أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ بَابُ تَكْلِيفٍ وَإِيجَابٍ وَالتَّكْلِيفُ لَا بُدَّ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالدُّعَاءُ فَهُوَ مِنْ الْقَدَرِ وَلَا يُخِلُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْقَدَرِ بَلْ مَا رَتَّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَقْدُورًا إلَّا عَلَى سَبَبٍ عَادِيٍّ وَلَوْ شَاءَ لَمَا رَبَطَهُ بِهِ فَانْدَفَعَ مَا. قِيلَ: إنَّ الْمُقَدَّرَاتِ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ وَقَدْ قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى جَمِيعَ الْمُمْكِنَاتِ مَا وُجِدَ مِنْهَا وَمَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْأَزَلِ فَتَعَلَّقَتْ إرَادَتُهُ الْقَدِيمَةُ الْأَزَلِيَّةُ بِوُجُودِ كُلِّ مُمْكِنٍ أَرَادَ وُجُودَهُ وَبِعَدَمِ كُلِّ مُمْكِنٍ أَرَادَ بَقَاءَهُ عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ أَوْ أَرَادَ عَدَمَهُ بَعْدَ وُجُودِهِ فَجَمِيعُ الْجَائِزَاتِ وُجُودًا أَوْ عَدَمًا قَدْ نَفَذَتْ فِيهَا مَشِيئَتُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَكَيْفَ بَقِيَتْ الزِّيَادَةُ بَعْدَ ذَلِكَ بِتَيَسُّرِ سَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الْجَوَابِ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِزِيَادَةِ الْبَرَكَةِ فِيمَا قُدِّرَ فِي الْأَزَلِ مِنْ الرِّزْقِ وَالْأَجَلِ وَأَمَّا نَفْسُ الْأَجَلِ وَالرِّزْقِ الْمُقَدَّرَيْنِ فَلَا يَقْبَلَانِ الزِّيَادَةَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ أَوَّلًا ضَعِيفٌ بِسَبَبِ أَنَّ الْبَرَكَةَ أَيْضًا مِنْ جُمْلَةِ الْمُقَدَّرَاتِ فَإِنْ كَانَ الْقَدَرُ مَانِعًا مِنْ الزِّيَادَةِ فَلْيَمْنَعْ مِنْ الْبَرَكَةِ فِي الْعُمْرِ وَالرِّزْقِ كَمَا مَنَعَ مِنْ الزِّيَادَةِ فِيهِمَا وَثَانِيًا يَلْزَمُ مِنْهُ مَفْسَدَتَانِ: إحْدَاهُمَا إيهَامُ أَنَّ الْبَرَكَةَ خَرَجَتْ عَنْ الْقَدَرِ لِتَصْرِيحِ الْمُجِيبِ بِأَنَّ تَعَلُّقَ الْقَدَرِ مَانِعٌ فَحَيْثُ لَا مَانِعَ لَا قَدْرَ وَهَذَا رَدِيءٌ جِدًّا وَثَانِيَتُهُمَا اخْتِلَالُ الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الْحَثِّ عَلَى صِلَةِ الرَّحِمِ وَالتَّرْغِيبِ فِيهَا إذْ عَلَيْهِ تَكُونُ الرَّغْبَةُ فِي صِلَةِ الرَّحِمِ بِالنِّسْبَةِ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ فَإِنَّا إذَا قُلْنَا لِزَيْدٍ: إنْ وَصَلْت رَحِمَك زَادَك اللَّهُ تَعَالَى فِي عُمُرِك عِشْرِينَ سَنَةً فَإِنَّهُ يَجِدُ مِنْ الْوُقُوعِ لِذَلِكَ مَا لَا يَجِدُهُ مِنْ قَوْلِنَا إنَّهُ لَا يَزِيدُك اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ يَوْمًا وَاحِدًا بَلْ يُبَارِكُ لَك فِي عُمُرِك فَقَطْ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقَاعِدَةُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَجَعَلَ لِكُلِّ مُقَدَّرٍ سَبَبًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَيَرْتَبِطُ بِهِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا مِنْ الْعُلُومِ وَالْجَهَالَاتِ. فَالْجَهْلُ سَبَبٌ عَظِيمٌ فِي الْعَالَمِ لِمَفَاسِدَ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَفَوَاتِ الْمَصَالِحِ وَالْعِلْمُ سَبَبٌ عَظِيمٌ لِتَحْصِيلِ مَصَالِحَ وَدَرْءِ مَفَاسِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَثَلًا الْمَلِكُ الَّذِي دَفَعَ لَهُ أَعْدَاؤُهُ السُّمَّ فَأَكَلَهُ فَمَاتَ مِنْهُ كَيْدًا مِنْهُمْ لَمَّا قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَمُوتَ بِهِ رَبَطَهُ بِسَبَبِ جَهْلِهِ بِتَنَاوُلِهِ وَقَدَّرَ ذَلِكَ السَّبَبَ فَلَوْ قَدَّرَ نَجَاتَهُ مِنْهُ لَقَدَّرَ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ فَيَسْلَمُ فَيَكُونُ سَبَبُ سَلَامَتِهِ عِلْمَهُ بِهِ فَلَيْسَ الْمُقَدَّرُ عَلَى تَقْدِيرِ الْعِلْمِ هُوَ عَيْنُ الْمُقَدَّرِ عَلَى تَقْدِيرِ الْجَهْلِ بَلْ ضِدُّهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّزْقَ الْحَقِيرَ إنَّمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَهْلِهِ عَلَى تَقْدِيرِ جَهْلِهِمْ بِالْكُنُوزِ وَعَمَلِ الْكِيمْيَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ

مِنْ الْفِعْلِ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ الطَّهَارَةَ وَالسِّتَارَةَ وَالِاسْتِقْبَالَ شُرُوطٌ فَهِيَ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَخِطَابُ الْوَضْعِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ وَلَا عِلْمُهُ وَلَا إرَادَتُهُ. فَإِنْ دَخَلَ الْوَقْتُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَطَهِّرٍ وَلَا لَابِسٍ وَلَا مُسْتَقْبِلٍ تَوَجَّهَ التَّكْلِيفُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَتَحْصِيلِهَا فَاجْتَمَعَ فِيهَا حِينَئِذٍ خِطَابُ الْوَضْعِ وَخِطَابُ التَّكْلِيفِ وَإِنْ دَخَلَ الْوَقْتُ وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ لَابِسٌ مُسْتَقْبِلٌ انْدَفَعَ خِطَابُ التَّكْلِيفِ وَبَقِيَ خِطَابُ الْوَضْعِ خَاصَّةً فَأَجْزَأَتْهُ الصَّلَاةُ لِوُجُودِ شُرُوطِهَا وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ خِطَابِ الْوَضْعِ أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَهُ خِطَابُ التَّكْلِيفِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ التَّعَسُّفَاتِ بَلْ نُخْرِجُهُ عَلَى قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ قَاعِدَةٍ أَلْبَتَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــSمِنْ الْفِعْلِ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ) قُلْت لَا يَنْدَفِعُ ذَلِكَ السُّؤَالُ بِمَا دَفَعَهُ بِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ قَوْلَهُ فَقَدْ نُحَنِّثُهُ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَالِفَ عَلَّقَ يَمِينَهُ بِفِعْلِ الْغَيْرِ أَوْ بِالْمُسْتَحِيلِ كَمَا مَثَّلَ أَمَّا إذَا حَلَفَ وَعَلَّقَ يَمِينَهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقَعَ مَعَهُ ابْتِدَاءً ذَلِكَ الْفِعْلُ أَوْ يَكُونُ مُلَابِسًا لَهُ مِنْ قَبْلُ فَإِنْ وَقَعَ مِنْهُ ابْتِدَاءً بَعْدَ الْيَمِينِ حَنِثَ بِاتِّفَاقٍ وَإِنْ كَانَ مُلَابِسًا لَهُ فِي حِينِ الْيَمِينِ حَنِثَ عَلَى خِلَافٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ بِالْحِنْثِ أَنَّ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى الْفِعْلِ فِي حُكْمِ الْفِعْلِ ابْتِدَاءً. وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّهُ لَيْسَ كَالْفِعْلِ ابْتِدَاءً وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْحَالِفَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ تَرْكِ اسْتِمْرَارِ اللَّبْسِ قَالَ (وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ شُرُوطٌ فَهِيَ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَخِطَابُ الْوَضْعِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ وَلَا عِلْمُهُ وَلَا إرَادَتُهُ إلَى قَوْلِهِ فَاجْتَمَعَ فِيهَا حِينَئِذٍ خِطَابُ الْوَضْعِ وَخِطَابُ التَّكْلِيفِ) قُلْت فَإِذَا اجْتَمَعَ فِيهَا خِطَابُ الْوَضْعِ مَعَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ لَزِمَ اشْتِرَاطُ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ وَعِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ قَالَ (وَإِنْ دَخَلَ الْوَقْتُ وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ لَابِسٌ مُسْتَقْبِلٌ انْدَفَعَ خِطَابُ التَّكْلِيفِ وَبَقِيَ خِطَابُ الْوَضْعِ خَاصَّةً فَأَجْزَأَتْهُ الصَّلَاةُ لِوُجُودِ شُرُوطِهَا وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ خِطَابِ الْوَضْعِ أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَهُ خِطَابُ التَّكْلِيفِ) قُلْت مُسَلَّمٌ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ خِطَابِ الْوَضْعِ اجْتِمَاعُهُ مَعَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَلَكِنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا وَقَعَ فِي أُمُورٍ اجْتَمَعَ فِيهَا الْخِطَابَانِ مَعًا وَقَوْلُهُ إنَّهُ إذَا دَخَلَ الْوَقْتُ وَهُوَ مُسْتَصْحِبٌ لِتِلْكَ الْأُمُورِ لَيْسَ الْكَلَامُ الْمَفْرُوضُ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَا إذَا تَوَضَّأَ قَبْلَ الْوَقْتِ هَلْ أَوْقَعَ وَاجِبًا أَمْ لَا وَهَلْ تَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْوُجُوبِ أَمْ لَا وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يَرْتَفِعُ خِطَابُ التَّكْلِيفِ فَلَا بُدَّ مِنْ شُرُوطِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ. قَالَ (وَلَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ التَّعَسُّفَاتِ بَلْ نُخْرِجُهُ عَلَى قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ قَاعِدَةٍ أَلْبَتَّةَ) قُلْت قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَخْرِيجُهُ عَلَى قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ لِاجْتِمَاعِ الْخِطَابَيْنِ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَسْبَابِ الرِّزْقِ. أَمَّا مَعَ الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ الْعَظِيمَةِ الْمُوجِبَةِ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ سِعَةَ الرِّزْقِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ ضِيقَ الرِّزْقِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَعْنِي تَقْدِيرَ الْعِلْمِ بِنَحْوِ الْكُنُوزِ وَعَمَلِ الْكِيمْيَاءِ أَيْضًا كَمَا نَقُولُ مَا قَدَّرَ اللَّهُ دُخُولَ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ الْإِيمَانِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ لَهُمْ مَعَ عَدَمِهِ الْجَنَّةَ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَا قَدَّرَ لِلْكُفَّارِ النَّارَ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ جَهْلِهِمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَعَالَى قَدَّرَهَا لَهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ عِلْمِهِمْ بِهِ فَظَهَرَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} [الأعراف: 188] أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ قُدِّرَ حُصُولُ الْعِلْمِ لَهُ بِعَوَاقِبَ يَوْمِ أُحُدٍ مَثَلًا لَكَثُرَ عِنْدَهُ مِنْ الْخَيْرِ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ الْآنَ وَمَا مَسَّهُ السُّوءُ أَيْ الْمِحْنَةُ فِيهِ وَقَتْلُ حَمْزَةُ وَانْدَفَعَ قَوْلُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا عَلِمَ الْغَيْبَ وَاَلَّذِي فِي الْغَيْبِ هُوَ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنْ الْخَيْرِ فَكَيْفَ يَسْتَكْثِرُ مِنْ الْخَيْرِ عَلَى تَقْدِيرِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْغَيْبِ بَلْ لَوْ قُدِّرَ الِاطِّلَاعُ عَلَى الْغَيْبِ لَبَقِيَ عَلَى مَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِعِلْمِ عَوَاقِبِ يَوْمِ أُحُدٍ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِلْمُ التَّفْصِيلِيُّ لَا الْإِجْمَالِيُّ لِحُصُولِهِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يَشْهَدُ مَا فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ لِلدَّمِيرِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ قَبْلَ خُرُوجِهِ لِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدٍ إنِّي رَأَيْت فِي مَنَامِي بَقَرًا فَأَوَّلْتُهَا خَيْرًا تُذْبَحُ وَرَأَيْت فِي ذُبَابِ سَيْفِي ثَلْمًا فَأَوَّلْتُهَا هَزِيمَةً وَرَأَيْت أَنِّي أَدْخَلْت يَدَيَّ فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةُ فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُقِيمُوا بِالْمَدِينَةِ فَافْعَلُوا» . اهـ. الْمُرَادُ فَتَأَمَّلْ وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ رِضَاخَانْ الْبِرُّ يَلْوِي فِي كِتَابِهِ الدَّوْلَةُ الْمَكِّيَّةُ بِالْمَادَّةِ الْغَيْبِيَّةِ مِمَّا حَاصِلُهُ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْغَيْبِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ الْعِلْمُ الْمُطْلَقُ التَّفْصِيلِيُّ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب: 40] وَهَذَا مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ أَعْنِي الْعِلْمَ الْمُطْلَقَ الْإِجْمَالِيَّ وَمُطْلَقَ الْعِلْمِ الْإِجْمَالِيِّ وَالتَّفْصِيلِيِّ فَغَيْرُ مُخْتَصَّاتٍ بِهِ تَعَالَى أَمَّا الْمُطْلَقُ الْإِجْمَالِيُّ فَحُصُولُهُ لِلْعِبَادِ بَدِيهِيٌّ عَقْلًا وَضَرُورِيٌّ دِينًا فَإِنَّا آمَنَّا أَنَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَلَاحَظْنَا بِقَوْلِنَا كُلُّ شَيْءٍ جَمِيعَ مَعْلُومَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَعَلِمْنَاهَا جَمِيعًا عِلْمًا إجْمَالِيًّا وَمَعْلُومٌ أَنَّ بِثُبُوتِ الْعِلْمِ الْمُطْلَقِ الْإِجْمَالِيِّ ثُبُوتَ مُطْلَقِ الْعِلْمِ الْإِجْمَالِيِّ بَلْ وَكَذَلِكَ التَّفْصِيلِيُّ مِنْهُ فَإِنَّا آمَنَّا بِالْقِيَامَةِ وَبِالْجَنَّةِ وَبِالنَّارِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى وَبِالْأُمَّهَاتِ السَّبْعِ مِنْ صِفَاتِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكُلُّ ذَلِكَ غَيْبٌ وَقَدْ عِلْمنَا كُلًّا بِحِيَالِهِ مُمْتَازًا عَنْ غَيْرِهِ فَوَجَبَ حُصُولُ مُطْلَقِ الْعِلْمِ التَّفْصِيلِيِّ بِالْغُيُوبِ

غَايَتُهُ أَنْ يَلْزَمَ مِنْهُ أَنْ يَجِبَ الْوُضُوءُ فِي حَالَةٍ دُونَ حَالَةٍ وَهَذَا لَا مُنْكَرَ فِيهِ فَإِنَّ شَأْنَ الشَّرِيعَةِ تَخْصِيصُ الْوُجُوبِ بِبَعْضِ الْحَالَاتِ وَبَعْضِ الْأَزْمِنَةِ وَبَعْضِ الْأَشْخَاصِ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ لَا إنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ وَإِنَّمَا صَعُبَ عَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ هَذَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَسْمَعُ طُولَ عُمْرِهِ أَنَّ الطَّهَارَةَ وَاجِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَلَمْ يَسْمَعْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلًا فَصَعُبَ عَلَيْهِ التَّفْصِيلُ وَكَمْ مِنْ تَفْصِيلٍ قَدْ سَكَتَ عَنْهُ الدَّهْرُ الطَّوِيلُ وَأَجْرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَلْبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ فِي جَمِيعِ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّاتِ وَالنَّقْلِيَّاتِ وَمَنْ اشْتَغَلَ بِالْعُلُومِ وَكَثُرَ تَحْصِيلُهُ لَهَا اطَّلَعَ عَلَى شَيْءٍ كَثِيرٍ مِنْ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ تَحْرِيرُ هَذَا الْمَوْضِعِ عِنْدِي وَهُوَ مِنْ الْمُشْكِلَاتِ الَّتِي يُقْبَلُ تَحْرِيرُهَا وَالْجَوَابُ عَنْهَا مِنْ الْفُضَلَاءِ. (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَوَاقِيتِ الزَّمَانِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَوَاقِيتِ الْمَكَانِيَّةِ) أَمَّا الْمَوَاقِيتُ الزَّمَانِيَّةُ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَقِيلَ عَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَأَصْلُهَا قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] فَقَوْلُهُ {أَشْهُرٌ} [البقرة: 197] صِيغَةُ جَمْعٍ مُنَكَّرٍ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ أَوْ يُقَالُ إنَّ الْحَجَّ يَنْقَضِي بِالْفَرَاغِ مِنْ الرَّمْيِ فَيَكْفِي عَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ تَخْصِيصًا لِلصِّيغَةِ بِالْوَاقِعِ وَهَذَا هُوَ مُدْرَكُ الْخِلَافِ وَأَمَّا مِيقَاتُ الْمَكَانِ فَهُوَ مَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSتِلْكَ الْأُمُورِ قَالَ (غَايَتُهُ أَنْ يَلْزَمَ مِنْهُ أَنْ يَجِبَ الْوُضُوءُ فِي حَالَةٍ دُونَ حَالَةٍ وَهَذَا لَا مُنْكَرَ فِيهِ فَإِنَّ شَأْنَ الشَّرِيعَةِ تَخْصِيصُ الْوُجُوبِ بِبَعْضِ الْحَالَاتِ وَبَعْضِ الْأَزْمِنَةِ وَبَعْضِ الْأَشْخَاصِ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ لَا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ) قُلْت مَا قَالَهُ مُسَلَّمٌ لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ الْوُضُوءَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ إلَّا فِي الْوَقْتِ أَوْ فِيمَا قَبْلَ الْوَقْتِ عِنْدَ فِعْلِهِ خَاصَّةً فَلَمْ يُنْتِجْ كَلَامُهُ مَقْصُودَهُ بِوَجْهٍ قَالَ (وَإِنَّمَا صَعُبَ عَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ هَذَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَسْمَعُ طُولَ عُمْرِهِ أَنَّ الطَّهَارَةَ وَاجِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَلَمْ يَسْمَعْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلًا فَصَعُبَ عَلَيْهِ التَّفْصِيلُ وَكَمْ مِنْ تَفْصِيلٍ قَدْ سَكَتَ عَنْهُ الدَّهْرُ الطَّوِيلُ وَأَجْرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَلْبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ فِي جَمِيعِ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّاتِ وَالنَّقْلِيَّاتِ وَمَنْ اشْتَغَلَ بِالْعُلُومِ وَكَثُرَ تَحْصِيلُهُ لَهَا اطَّلَعَ عَلَى شَيْءٍ كَثِيرٍ مِنْ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ تَحْرِيرُ هَذَا الْمَوْضِعِ عِنْدِي وَهُوَ مِنْ الْمُشْكِلَاتِ الَّتِي يَقِلُّ تَحْرِيرُهَا وَالْجَوَابُ عَنْهَا مِنْ الْفُضَلَاءِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُنْتِجُ لَهُ مَقْصُودَهُ أَوْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ التَّفْصِيلُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ تِلْكَ التَّفْصِيلَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَوَاقِيتِ الزَّمَانِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَوَاقِيتِ الْمَكَانِيَّةِ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِكُلِّ مُؤْمِنٍ فَضْلًا عَنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَالْعِلْمُ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ تَعَالَى لَيْسَ إلَّا الْعِلْمُ الذَّاتِيُّ وَالْعِلْمُ الْمُطْلَقُ التَّفْصِيلِيُّ الْمُحِيطُ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ الْإِلَهِيَّةِ بِالِاسْتِغْرَاقِ الْحَقِيقِيِّ فَهُمَا الْمُرَادُ أَنَّ فِي آيَاتِ النَّفْيِ وَالْعِلْمِ الَّذِي يَصِحُّ إثْبَاتُهُ لِلْعِبَادِ هُوَ الْعِلْمُ الْعَطَائِيُّ سَوَاءً كَانَ الْعِلْمَ الْمُطْلَقَ الْإِجْمَالِيَّ أَوْ مُطْلَقَ الْعِلْمِ التَّفْصِيلِيِّ وَالتَّمَدُّحُ إنَّمَا يَقَعُ بِهَذَا فَهُوَ الْمُرَادُ فِي آيَاتِ الْإِثْبَاتِ قَالَ: تَعَالَى {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65] وَقَالَ: تَعَالَى {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ اهـ الْمُرَادُ فَانْظُرْهُ إنْ شِئْت. 2 - (الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ) فِي بَيَانِ الْوَاجِبِ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ قَالَ الشَّيْخُ الطُّرْطُوشِيُّ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّمَا تَجِبُ صِلَةُ الرَّحِمِ إذَا كَانَ هُنَاكَ مَحْرَمِيَّةٌ وَهُمَا كُلُّ شَخْصٍ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى لَمْ يَتَنَاكَحَا كَالْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْا وَالْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ وَإِنْ سَفُلُوا وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ فَأَمَّا أَوْلَادُ هَؤُلَاءِ فَلَيْسَتْ الصِّلَةُ بَيْنَهُمَا وَاجِبَةً كَجَوَازِ الْمُنَاكَحَةِ بَيْنَهُمْ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ تَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَالْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَتَرْكُ الْحَرَامِ وَاجِبٌ وَبِرُّهُمَا وَتَرْكُ إذَايَتِهِمَا وَاجِبَةٌ وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ بِنْتَيْ الْعَمِّ وَبِنْتَيْ الْخَالِ وَإِنْ كُنَّ يَتَغَايَرْنَ وَيَتَقَاطَعْنَ وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ بَيْنَهُمَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَقَدْ لَاحَظَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا الْمَعْنَى فِي التَّرَاجُعِ فِي الْهِبَةِ فَقَالَ بِتَحْرِيمِهِ بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ. (الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ بَعْضُهُمْ حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا «قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ: أُمُّك قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أُمُّك؟ قَالَ: ثُمَّ مَنْ قَالَ: أُمُّك قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: أَبُوك» رُوِيَ ثَلَاثًا وَرُوِيَ مَرَّتَيْنِ فَعَلَى رِوَايَةِ مَرَّتَيْنِ يَكُونُ لَهَا ثُلُثَا الْبِرِّ وَعَلَى رِوَايَةِ ثَلَاثَةٍ يَكُونُ لَهَا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ اهـ وَهُوَ بَاطِلٌ إذْ الْوَاجِبُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ مَقَادِيرِ الْأَنْصِبَاءِ الْمَضْمُومَةِ إلَيْهَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْعَطْفِ بِثُمَّ أَنْ يَكُونَ لِلْأُمِّ عَلَى رِوَايَةِ مَرَّتَيْنِ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثَيْ الْبِرِّ بِكَثِيرٍ كَمَا يَجِبُ نُقْصَانُ الْأَبِ عَنْ الثُّلُثِ وَأَنْ يَكُونَ لَهَا عَلَى رِوَايَةِ ثَلَاثَةٍ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ بِكَثِيرٍ كَمَا يَجِبُ نُقْصَانُ الْأَبِ عَنْ الرُّبُعِ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ السَّائِلِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ سُؤَالٌ عَنْ أَعْلَى الرُّتَبِ فَلَمَّا. أُجِيبَ عَنْهَا عُرِفَ أَنَّهَا الرُّتْبَةُ الْعَالِيَةُ وَقَوْلُهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مَنْ بِصِيغَةِ ثُمَّ الدَّالَّةِ عَلَى تَرَاخِي رُتْبَةِ الْفَرِيقِ الثَّانِي عَنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ فِي الْبِرِّ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ: أُمُّك فَلَا يَكُونُ هَذَا الْجَوَابُ مُطَابِقًا حَتَّى تَكُونَ هَذِهِ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ رُتْبَةً مِنْ الْأُولَى وَكَذَلِكَ الْأَجْوِبَةُ الَّتِي بَعْدَهَا بِتِلْكَ الرُّتَبِ الْمُجَابِ بِهَا فَكَمَا وَجَبَ نُقْصَانُ الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى كَذَلِكَ يَجِبُ نُقْصَانُ الرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ عَنْ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ عَنْ الثَّالِثَةِ عَمَلًا بِثُمَّ الدَّالَّةِ عَلَى التَّرَاخِي وَالنُّقْصَانِ فَيَكُونُ نَصِيبُ الْأَبِ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ بِمِقْدَارَيْنِ عَلَى رِوَايَةِ الْأُمِّ مَرَّتَيْنِ وَبِثَلَاثِ مَقَادِيرَ عَلَى رِوَايَةِ الثَّلَاثِ فَتَفَاوُتُ الرُّتَبِ مُتَحَقِّقٌ جَزْمًا إلَّا أَنَّ ضَبْطَ مِقْدَارِهِ لَمْ يَتَيَسَّرْ حَتَّى الْآنَ فَإِنْ تَيَسَّرَ لَك ضَبْطُهُ فَاضْبِطْهُ وَعَطْفُ الْأُمِّ بِثُمَّ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّانِيَةِ عَلَى الْأُمِّ نَفْسِهَا فِي الْمَرْتَبَةِ الَّتِي قَبْلُ وَإِنْ خَالَفَ فِي الظَّاهِرِ الْقَاعِدَةَ الْعَرَبِيَّةَ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يُعْطَفُ عَلَى نَفْسِهِ إلَّا أَنَّ الْأُمَّ بِقَيْدِ الرُّتْبَةِ الدُّنْيَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى نَفْسِهَا بِقَيْدِ الرُّتْبَةِ الْعُلْيَا وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ مَعَ غَيْرِهِ غَيْرُهُ فِي نَفْسِهِ فَالْعَطْفُ هُنَا عَلَى حَدِّ الْعَطْفِ فِي قَوْلِك زَيْدٌ ابْنٌ وَأَخٌ وَفَقِيهٌ وَتَاجِرٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ.

[الفرق بين قاعدة ما تؤثر فيه الجهالات والغرر وقاعدة ما لا يؤثر فيه ذلك من التصرفات]

وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ وَقَالَ هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ» زَادَ مُسْلِمٌ «وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» فَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ قَبْلَ الْمَكَانِيِّ وَالزَّمَانِيِّ غَيْرَ أَنَّهُ فِي الزَّمَانِيِّ يُكْرَهُ قَبْلَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ قَبْلَ الزَّمَانِيِّ فَيَحْتَاجُ الْفَرِيقَانِ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ إمَّا بِاعْتِبَارِ الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ الْمَنْعِ وَعَدَمِهِ وَالْفَرْقُ مِنْ وُجُوهٍ لَفْظِيَّةٍ وَمَعْنَوِيَّةٍ الْفَرْقُ الْأَوَّلُ مِنْ قِبَلِ اللَّفْظِ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْعَرَبِيَّةَ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ يَجِبُ انْحِصَارُهُ فِي الْخَبَرِ وَالْخَبَرَ لَا يَلْزَمُ انْحِصَارُهُ فِي الْمُبْتَدَأِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» وَالشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يَنْقَسِمْ فَالتَّحْرِيمُ يَنْحَصِرُ فِي التَّكْبِيرِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَالتَّحْلِيلُ يَنْحَصِرُ فِي التَّسْلِيمِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَالشُّفْعَةُ مُنْحَصِرَةٌ فِيمَا لَمْ يَنْقَسِمْ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَكُونُ زَمَانُ الْحَجِّ مُنْحَصِرًا فِي الْأَشْهُرِ لِأَنَّهُ الْمُبْتَدَأُ فَلَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا وَأَمَّا الْمِيقَاتُ الْمَكَانِيُّ فَيَجْعَلُ مَحْصُورًا مُبْتَدَأً لَا مَحْصُورًا فِيهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ» أَيْ الْمَوَاقِيتِ لِإِحْرَامِ أَهْلِ هَذِهِ الْجِهَاتِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ فَالضَّمِيرُ الْأَوَّلُ لِلْمَوَاقِيتِ فَهُوَ الْمُبْتَدَأُ فَيَكُونُ هُوَ الْمَحْصُورَ وَالْمَحْصُورُ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحْصُورًا فِيهِ بِخِلَافِ الْمِيقَاتِ الزَّمَانِيِّ مَحْصُورٌ فِيهِ فَلَا يُوجَدُ الْإِحْرَامُ بِدُونِهِ وَفِي الْمَكَانِيِّ مَحْصُورٌ فَأَمْكَنَ أَنْ يُوجَدَ الْإِحْرَامُ بِدُونِهِ فَهَذَا فَرْقٌ جَلِيلٌ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ فَاعْتَبَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ فَلَا يُوجَدُ الْإِحْرَامُ مَشْرُوعًا قَبْلَ الزَّمَانِيِّ وَاعْتَبَرَهُ مَالِكٌ فِي الْكَمَالِ فَلَا يُوجَدُ قَبْلَ الزَّمَانِيِّ كَامِلًا بَلْ نَاقِصُ الْفَضِيلَةِ الْفَرْقُ الثَّانِي أَنَّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الزَّمَانِيِّ يُفْضِي إلَى طُولِ زَمَانِ الْحَجِّ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ النِّسَاءِ وَغَيْرِهِنَّ فَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى إفْسَادِ الْحَجِّ فَإِنَّ مَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ شَوَّالٍ لَا يُمْكِنُهُ الْإِحْلَالُ حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــSفَيَحْتَاجُ الْفَرِيقَانِ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ إمَّا بِاعْتِبَارِ الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ الْمَنْعِ وَعَدَمِهِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ غَيْرَ قَوْلِهِ إنَّ مَالِكًا يَكْرَهُ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الزَّمَانِيِّ دُونَ الْمَكَانِيِّ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ الْمَذْهَبِ الْكَرَاهَةُ فِيهِمَا مَعًا فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ إلَّا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ قَالَ (وَالْفَرْقُ مِنْ وُجُوهٍ لَفْظِيَّةٍ وَمَعْنَوِيَّةٍ الْفَرْقُ الْأَوَّلُ مِنْ قِبَلِ اللَّفْظِ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْعَرَبِيَّةَ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ يَجِبُ انْحِصَارُهُ فِي الْخَبَرِ وَالْخَبَرُ لَا يَلْزَمُ انْحِصَارُهُ فِي الْمُبْتَدَأِ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ فِي هَذَا الْفَرْقِ) قُلْت الْقَاعِدَةُ الْعَرَبِيَّةُ الَّتِي ادَّعَاهَا مِنْ انْحِصَارِ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَالْأَصَحُّ عَدَمُ صِحَّتِهَا وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْمَفْهُومِ لَا مِنْ بَابِ الْمَنْطُوقِ فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْمَفْهُومِ وَمَا أَرَى الْإِمَامَيْنِ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ بَنَيَا عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (الْفَرْقُ الثَّانِي أَنَّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الزَّمَانِيِّ يُفْضِي إلَى الطُّولِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ) قُلْت كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرَهُ فَرْقًا ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الْجَهَالَاتُ وَالْغَرَرُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ] الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الْجَهَالَاتُ وَالْغَرَرُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ) قَسَّمَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - التَّصَرُّفَاتِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا مُعَاوَضَةٌ صِرْفَةٌ يُقْصَدُ بِهَا تَنْمِيَةُ الْمَالِ فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ أَنْ يُجْتَنَبَ فِيهَا مِنْ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ مَا إذَا فَاتَ الْمَبِيعُ بِهِ ضَاعَ الْمَالُ الْمَبْذُولُ فِي مُقَابَلَتِهِ إلَّا مَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ عَادَةً وَذَلِكَ أَنَّ الْغَرَرَ وَالْجَهَالَةَ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا مَا لَا يَحْصُلُ مَعَهُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ أَصْلًا وَالثَّانِي مَا يَحْصُلُ مَعَهُ ذَلِكَ دَنِيًّا وَنَزْرًا وَالثَّالِثُ مَا يَحْصُلُ مَعَهُ غَالِبُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَيُجْتَنَبُ الْأَوَّلَانِ وَيُغْتَفَرُ الثَّالِثُ. وَقَسَّمَ أَبُو الْوَلِيدِ الْغَرَرَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ كَثِيرٍ وَقَلِيلٍ وَوَسَطٍ وَجَعَلَ الْكَثِيرَ عِبَارَةً عَنْ الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ فَقَالَ فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ: الْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْغَرَرَ الْكَثِيرَ فِي الْمَبِيعَاتِ لَا يَجُوزُ وَأَنَّ الْقَلِيلَ يَجُوزُ وَيَخْتَلِفُونَ فِي أَشْيَاءَ مِنْ أَنْوَاعِ الْغَرَرِ مِثْلُ مَا إذَا قَالَ لَهُ: أَبِيعُكَ أَحَدُ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ أَوْ الْعَبْدَيْنِ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ وَقَدْ لَزِمَهُ أَحَدُهُمَا أَيُّهُمَا اخْتَارَ وَافْتَرَقَا قَبْلَ الْخِيَارِ فَلِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ الْغَرَرِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بَعْضُهُمْ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي خُصُوصِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ يُلْحِقُهَا بِالْغَرَرِ الْكَثِيرِ فَيَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُمَا افْتَرَقَا عَلَى بَيْعٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ وَبَعْضُهُمْ كَمَالِكٍ فِي خُصُوصِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا يُلْحِقُهَا بِالْغَرَرِ الْقَلِيلِ فَيُجِيزُ الْبَيْعَ الْمَذْكُورَ لِأَنَّهُ يُجِيزُ الْخِيَارَ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ فِي الْأَصْنَافِ الْمُسْتَوِيَةِ لِقِلَّةِ الْغَرَرِ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ فَإِذَا قُلْنَا بِالْجَوَازِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فَقَبَضَ الثَّوْبَيْنِ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يَخْتَارَ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَصَابَهُ عَيْبٌ مِمَّا يُصِيبُهُ فَقِيلَ: تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بَيْنَهُمَا وَقِيلَ بَلْ يَضْمَنُهُ كُلَّهُ لِلْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى هَلَاكِهِ وَقِيلَ يَضْمَنُ فِيمَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ كَالثِّيَابِ وَلَا يَضْمَنُ فِيمَا لَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ كَالْعَبْدِ وَأَمَّا أَخْذُ الْبَاقِي فَقِيلَ: يَلْزَمُ وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ اهـ وَقَالَ قَبْلُ: وَالْغَرَرُ يُوجَدُ فِي الْمَبِيعَاتِ مِنْ جِهَةِ الْجَهْلِ وَالْجَهْلُ عَلَى أَوْجُهٍ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ الْجَهْلُ بِتَعْيِينِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ الْعَقْدِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي الْجَهْلُ بِوَصْفِ الثَّمَنِ وَالْمَثْمُونِ الْمَبِيعِ أَوْ بِقَدْرِهِ أَوْ بِأَجَلِهِ إنْ كَانَ هُنَالِكَ أَجَلٌ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ الْجَهْلُ بِوُجُودِهِ أَوْ تَعَذُّرُ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى تَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ الْجَهْلُ بِسَلَامَتِهِ أَعْنِي بَقَاءَهُ. اهـ. الْمُرَادُ بِتَغْيِيرِ قُلْت: وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَهْلَ مِنْ حَيْثُ هُوَ إمَّا كَثِيرٌ لَا يُغْتَفَرُ وَإِمَّا قَلِيلٌ يُغْتَفَرُ وَإِمَّا مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُمَا فَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي اغْتِفَارِهِ وَعَدَمِهِ الْقِسْمُ الثَّانِي مَا هُوَ إحْسَانٌ صِرْفٌ لَا يُقْصَدُ بِهِ تَنْمِيَةُ الْمَالِ كَالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ وَحَثُّهُ عَلَى

[الفرق بين قاعدة ثبوت الحكم في المشترك وبين قاعدة النهي عن المشترك]

تَنْقَضِيَ أَيَّامُ الرَّمْيِ وَأَمَّا الْمَوَاقِيتُ الْمَكَانِيَّةُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِحْرَامِ قَبْلَهَا طُولُ الْحَجِّ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى إفْسَادِهِ الْفَرْقُ الثَّالِثُ أَنَّ الْمِيقَاتَ الْمَكَانِيَّ يَثْبُتُ الْإِحْرَامُ بَعْدَهُ فَيَثْبُتُ قَبْلَهُ تَسْوِيَةً بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ وَالْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ لَا يَثْبُتُ الْإِحْرَامُ بَعْدَهُ بِأَصْلِ الشَّرِيعَةِ بَلْ لِضَرُورَةٍ فَلَا يَثْبُتُ قَبْلَهُ تَسْوِيَةً بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ وَهَذَا فَرْقٌ بَيْنَهُمَا بِأَنْ سَوَّيْنَا بَيْنَهُمَا وَهُوَ مِنْ الْفُرُوقِ الْغَرِيبَةِ. (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ يُقْضَى بِهِ عَلَى الْأَلْفَاظِ وَيُخَصِّصُهَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ لَا يُقْضَى بِهِ عَلَى الْأَلْفَاظِ وَلَا يُخَصِّصُهَا) وَذَلِكَ أَنَّ الْعُرْفَ الْقَوْلِيَّ أَنْ تَكُونَ عَادَةُ أَهْلِ الْعُرْفِ يَسْتَعْمِلُونَ اللَّفْظَ فِي مَعْنًى مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لُغَةً وَذَلِكَ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا فِي الْمُفْرَدَاتِ نَحْوَ الدَّابَّةِ لِلْحِمَارِ وَالْغَائِطِ لِلنَّجْوِ وَالرِّوَايَةِ لِلْمَزَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَثَانِيهِمَا فِي الْمُرَكَّبَاتِ وَهُوَ أَدَقُّهَا عَلَى الْفَهْمِ وَأَبْعَدُهَا عَنْ التَّفَطُّنِ وَضَابِطُهَا أَنْ يَكُونَ شَأْنُ الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ تَرْكِيبَ لَفْظٍ مَعَ لَفْظٍ يَشْتَهِرُ فِي الْعُرْفِ تَرْكِيبُهُ مَعَ غَيْرِهِ وَلَهُ مِثْلُ أَحَدِهِمَا نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] فَإِنَّ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ إنَّمَا تَحْسُنُ إضَافَتُهُمَا لُغَةً لِلْأَفْعَالِ دُونَ الْأَعْيَانِ فَذَاتُ الْمَيْتَةِ لَا يُمْكِنُ الْعُرْفِيَّ أَنْ يَقُولَ هِيَ الْإِحْرَامُ بِمَا هِيَ ذَاتٌ بَلْ فِعْلٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لَهَا كَالْأَكْلِ لِلْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالشُّرْبِ لِلْخَمْرِ وَالِاسْتِمْتَاعِ لِلْأُمَّهَاتِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُنَّ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَلَا وَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» وَالْأَعْرَاضُ وَالْأَمْوَالُ لَا تَحْرُمُ بَلْ أَفْعَالٌ تُضَافُ إلَيْهَا فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إلَّا وَإِنَّ سَفْكَ دِمَائِكُمْ وَأَكْلَ أَمْوَالِكُمْ وَثَلْبَ أَعْرَاضِكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ جَمِيعُ مَا يَرِدُ مِنْ الْأَحْكَامِ كَانَ أَصْلُهُ أَنْ يُضَافَ إلَى الْأَفْعَالِ وَيُرَكَّبَ مَعَهَا فَإِذَا رُكِّبَ مَعَ الذَّوَاتِ فِي الْعُرْفِ وَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــSفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لَوْلَا أَنَّهُ يَقُولُ فِي الْقَدِيمِ إنَّ إحْرَامَ الْمُحْرِمِ مِنْ بَلَدِهِ أَفْضَلُ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِك» وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ بِكَرَاهَةِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ وَتَأَوَّلَهُ أَهْلُ مَذْهَبِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ تَأْوِيلِهِ لَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ إلَّا فِيمَا بَيْنَ الْكَرَاهَةِ وَالْمَنْعِ إنْ لَمْ تُحْمَلْ الْكَرَاهَةُ عَلَيْهِ قَالَ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ أَنَّ الْمِيقَاتَ الْمَكَانِيَّ يَثْبُتُ لِإِحْرَامٍ بَعْدَهُ فَيَثْبُتُ قَبْلَهُ تَسْوِيَةٌ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ إلَخْ) قُلْت هَذَا الْفَرْقُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَالِكًا لَا يَحْتَاجُ إلَى فَرْقٍ وَالشَّافِعِيِّ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ يُقْضَى بِهِ عَلَى الْأَلْفَاظِ وَيُخَصِّصُهَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ لَا يُقْضَى بِهِ عَلَى الْأَلْفَاظِ وَلَا يُخَصِّصُهَا إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِحْسَانِ التَّوْسِعَةَ فِيهِ بِكُلِّ طَرِيقٍ بِالْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْسَرُ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ قَطْعًا وَفِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إلَى تَقْلِيلِهِ مَعَ أَنَّهُ إذَا وَهَبَ لَهُ عَبْدَهُ الْآبِقَ وَلَمْ يَجِدْهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا وَأَلْحَقَ مَالِكٌ بِهَذَا الْقِسْمِ الْخُلْعَ نَظَرًا لِكَوْنِ الْعِصْمَةِ وَإِطْلَاقِهَا لَيْسَ مِنْ بَابِ مَا يُقْصَدُ بِالْمُعَاوَضَةِ بَلْ شَأْنُ الطَّلَاقِ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ شَيْءٍ كَالْهِبَةِ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مَا لَمْ يَكُنْ مُعَاوَضَةً صِرْفَةً وَلَا إحْسَانًا صِرْفًا كَالنِّكَاحِ فَهُوَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَالَ فِيهِ لَيْسَ مَقْصُودًا وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَوَدَّةُ وَالْأُلْفَةُ وَالسُّكُونُ يَقْتَضِي أَنْ يَجُوزَ فِيهِ الْجَهَالَةُ وَالْغَرَرُ مُطْلَقًا وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ اشْتَرَطَ فِيهِ الْمَالَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] يَقْتَضِي امْتِنَاعَ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ فِيهِ فَلِوُجُودِ الشَّبَهَيْنِ فِيهِ تَوَسَّطَ مَالِكٌ فَجَوَّزَ فِيهِ الْغَرَرَ الْقَلِيلَ نَحْوَ عَبْدٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَشُورَةِ بَيْتٍ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ فِيهِ لِلْوَسَطِ الْمُتَعَارَفِ وَلَمْ يَجُزْ فِيهِ الْغَرَرُ الْكَثِيرُ نَحْوُ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ لَهُ وَعَمَّمَ الشَّافِعِيُّ الْمَنْعَ مِنْ الْجَهَالَةِ فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ. وَلَوْ كَانَتْ إحْسَانًا صِرْفًا كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ إلَّا أَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ فِي نَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَعَنْ بَيْعِ الْمَجْهُولِ لَمَّا لَمْ يَرِدْ فِيهَا مَا يَعُمُّ هَذِهِ الْأَقْسَامَ حَتَّى نَقُولَ يَلْزَمُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ مُخَالَفَةُ نُصُوصِ صَاحِبِ الشَّرْعِ بِخِلَافِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ بَلْ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ كَانَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِقْهًا جَمِيلًا بِخِلَافِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَرَرِ الْقَلِيلِ الْمُغْتَفَرِ فِي النِّكَاحِ هُوَ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي نَحْوِ الْبَيْعِ وَهُوَ مَا يَحْصُلُ مَعَهُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ دَيْنًا نُذِرَ إلَّا مَا يُغْتَفَرُ فِيهِ أَيْضًا وَهُوَ مَا يَحْصُلُ مَعَهُ غَالِبُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُشْتَرَكِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النَّهْيِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ] (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُشْتَرَكِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النَّهْيِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ فِي النَّهْيِ نَظِيرُ الْمُشْتَرَكِ فِي النَّفْيِ فَكَمَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْمُشْتَرَكِ نَفْيُ جَمِيعِ أَفْرَادِهِ لِقَوْلِ أَرْبَابِ الْمَعْقُولِ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْأَعَمِّ نَفْيُ الْأَخَصِّ كَذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ أَنْ لَا يَدْخُلَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ الْوُجُودَ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ فَرْدٌ لَدَخَلَ هُوَ فِي ضِمْنِهِ فَإِنَّ مَعْنَى النَّهْيِ الْأَمْرُ بِإِعْدَامِ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ وَأَنْ لَا تَدْخُلَ فِي الْوُجُودِ أَلْبَتَّةَ وَأَنَّ الْأَمْرَ بِإِجْرَاءِ حُكْمٍ فِي الْمُشْتَرَكِ نَظِيرُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِيهِ فَكَمَا أَنَّ الْآمِرَ أَمَرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ أَوْ إخْرَاجِ شَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ يَقْتَضِي عِتْقَ شَخْصٍ مُبْهَمٍ وَإِخْرَاجَ شَاةٍ مُبْهَمَةٍ مِنْ الْأَرْبَعِينَ وَإِنْ كَانَتْ ضَرُورَةُ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ لِمَا أُمِرَ بِهِ تُعَيِّنُهُ إذْ لَا يُمْكِنُ الْأَمْرُ بِنَفْسِ الْحَقِيقَةِ الْكُلِّيَّةِ إلَّا عَلَى سَبِيلِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ وَكَيْفَ يَسُوغُ ذَلِكَ. وَمِنْ ضَرُورَةِ الْحَقِيقَةِ

بَقِيَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعُرْفِ إلَّا مَعَ الذَّوَاتِ فَصَارَ هَذَا التَّرْكِيبُ الْخَاصُّ وَهُوَ تَرْكِيبُ الْحُكْمِ مَعَ الذَّوَاتِ مَوْضُوعًا فِي الْعُرْفِ لِلتَّعْبِيرِ بِهِ عَنْ تَحْرِيمِ الْأَفْعَالِ الْمُضَافَةِ لِتِلْكَ الذَّوَاتِ وَلَيْسَ كُلُّ الْأَفْعَالِ بَلْ فِعْلٌ خَاصٌّ مُنَاسِبٌ لِتِلْكَ الذَّوَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ وَتَحْصِيلُهُ وَثَانِيهَا أَفْعَالٌ لَيْسَتْ بِأَحْكَامٍ كَقَوْلِهِمْ فِي الْعُرْفِ أَكَلْت رَأْسًا وَأَكَلَ رَأْسًا فَلَا يَكَادُونَ يَنْطِقُونَ بِلَفْظِ الْأَكْلِ كَيْفَمَا كَانَ وَتَصَرَّفَ إلَّا مَعَ رُءُوسِ الْأَنْعَامِ دُونَ جَمِيعِ الرُّءُوسِ بِخِلَافِ رَأَيْت وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ يُرَكِّبُونَهُ مَعَ رُءُوسِ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا فَإِذَا قَالُوا رَأَيْنَا رَأْسًا احْتَمَلَ ذَلِكَ جَمِيعَ الرُّءُوسِ بِخِلَافِ لَفْظِ الْأَكْلِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَتَلَ زَيْدٌ عَمْرًا هُوَ فِي اللُّغَةِ مَوْضُوعٌ لِإِذْهَابِ الْحَيَاةِ ثُمَّ هُوَ الْيَوْمَ فِي إقْلِيمِ مِصْرَ مَوْضُوعٌ لِلضَّرْبِ خَاصَّةً فَيَقُولُونَ قَتَلَهُ الْأَمِيرُ بِالْمَقَارِعِ قَتْلًا جَيِّدًا وَلَا يُرِيدُونَ إلَّا ضَرْبَهُ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمَنْقُولَاتِ الْعُرْفِيَّةِ وَالْأَوْضَاعُ الْعُرْفِيَّةُ هِيَ الطَّارِئَةُ عَلَى اللُّغَةِ وَأَمْكَنَ فِي هَذَا الْمِثَالِ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ بَلْ الْمَجَازُ هَاهُنَا فِي مُفْرَدٍ لَا مُرَكَّبٍ وَهُوَ لَفْظُ قَتَلَ صَارَ وَحْدَهُ مَجَازًا فِي ضَرَبَ وَأَمَّا التَّرْكِيبُ فَهُوَ عَلَى مَوْضِعِهِ اللُّغَوِيِّ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي هَذَا الْمِثَالِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُمْ فُلَانٌ يَعْصِرُ الْخَمْرَ مَعَ أَنَّ الْخَمْرَ لَا تُعْصَرُ بَلْ صَارَ هَذَا التَّرْكِيبُ مَوْضِعًا لِعَصْرِ الْعِنَبِ وَمُقْتَضَى اللُّغَةِ أَنْ لَا يَصِحَّ هَذَا الْكَلَامُ إلَّا بِمُضَافٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فُلَانٌ يَعْصِرُ عِنَبَ الْخَمْرِ لَكِنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَقْصِدُونَ هَذَا الْمُضَافَ بَلْ يُعَبِّرُونَ بِهَذَا الْمُرَكَّبِ عَنْ عَصْرِ الْعِنَبِ كَمَا يُعَبِّرُونَ بِتَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ عَنْ تَحْرِيمِ أَكْلِهَا فَهَذَا مَجَازٌ فِي التَّرْكِيبِ بِالنِّسْبَةِ إلَى اللُّغَةِ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً مَنْقُولَةً لِلْمَعْنَى الْخَاصِّ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ أَهْلِ الْعُرْفِ قَتَلَ فُلَانٌ قَتِيلًا وَطَحَنَ دَقِيقًا وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ فِي الْعُرْفِ وَفِي اللُّغَةِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْقَتِيلَ لَا يُقْتَلُ وَإِنَّمَا يُقْتَلُ الْحَيُّ، وَالدَّقِيقُ لَا يُطْحَنُ وَإِنَّمَا يُطْحَنُ الْقَمْحُ فَعَلَى رَأْيِ أَهْلِ اللُّغَةِ يَصِحُّ بِمُضَافٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ طُحِنَ قَمْحُ دَقِيقٍ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي عِنَبِ خَمْرٍ وَقُتِلَ جَسَدُ قَتِيلٍ وَيُرِيدُونَ بِالْجَسَدِ الْجَسَدَ الْحَيَّ، وَأَمَّا أَهْلُ الْعُرْفِ فَلَا يَعْرُجُونَ عَلَى هَذِهِ الْمُضَافَاتِ وَلَا تَخْطُرُ بِبَالِهِمْ بَلْ صَارَ هَذَا اللَّفْظُ الْمُرَكَّبُ مَوْضُوعًا عِنْدَهُمْ لِقَتْلِ الْحَيِّ وَطَحْنِ الْقَمْحِ، وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ فَاعْتَبِرْ الْحَقَائِقَ الْعُرْفِيَّةَ فِي الْمُفْرَدَاتِ وَالْمُرَكَّبَاتِ، وَاعْتَبِرْ اللَّفْظَ هَلْ انْتَقَلَ فِي الْعُرْفِ أَمْ لَا مُفْرَدًا أَوْ مُرَكَّبًا وَبِذَلِكَ يُعْرَفُ الْمَجَازُ فِي التَّرْكِيبِ وَالْإِفْرَادِ فَكُلُّ لَفْظٍ مُفْرَدٍ انْتَقَلَ فِي الْعُرْفِ لِغَيْرِ مُسَمَّاهُ وَصَارَ يُفْهَمُ مِنْهُ غَيْرُ مُسَمَّاهُ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ كَالدَّابَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحِمَارِ بِإِقْلِيمِ مِصْرَ فَهُوَ مَجَازٌ مُفْرَدٌ وَمَنْقُولٌ عُرْفِيٌّ فِي الْمُفْرَدَاتِ وَكُلُّ لَفْظٍ كَانَ شَأْنُهُ أَنْ يُرَكَّبَ مَعَ لَفْظٍ فَصَارَ يُرَكَّبُ مَعَ غَيْرِهِ وَلَوْ رُكِّبَ أَوَّلًا لَكَانَ مُنَكَّرًا وَهُوَ الْآنَ غَيْرُ مُنَكَّرٍ فَهُوَ مَنْقُولٌ عُرْفِيٌّ مِنْ الْمُرَكَّبَاتِ وَمَجَازٌ فِي الْمُرَكَّبَاتِ وَيَكُونُ الْمَجَازُ فِيهِ وَقَعَ فِي التَّرْكِيبِ دُونَ الْإِفْرَادِ وَقَدْ يَجْتَمِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكُلِّيَّةِ أَنْ لَا وُجُودَ لَهَا فِي غَيْرِ الْأَذْهَانِ عِنْدَ مُحَقِّقِي الْمُثْبِتِينَ لَهَا كَذَلِكَ قَوْلُك إنْسَانٌ فِي الدَّارِ يَكْفِي فِي صِدْقِهِ فَرْدٌ وَاحِدٌ مُبْهَمٌ فِيهِ لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ ذَلِكَ الْفَرْدُ فِيهِ كَانَ مُطْلَقُ الْإِنْسَانِ فِيهِ وَمُطْلَقُ الْحَيَوَانِ وَجَمِيعُ أَجْنَاسِهِ وَفُصُولِهِ تَحْصُلُ مُطْلَقًا فِيهِ فَالْمُشْتَرَكُ فِي النَّهْيِ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْمَاهِيَّةُ بِشَرْطِ لَا شَيْءَ وَالْعَامُّ الْمُعَرِّفُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْمَاهِيَّةِ الْمُتَحَقِّقَةِ فِي جَمِيعِ الْأَفْرَادِ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُهَا فِي جَمِيعِهَا وَالْكُلِّيُّ الْمُعَرِّفُ عِنْدَ أَرْبَابِ الْمَعْقُولِ بِمَا لَا يَمْنَعُ نَفْسَ تَصَوُّرِهِ مِنْ وُقُوعِ الشَّرِكَةِ فِيهِ كَالرَّقَبَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَفْرَادِ الرِّقَابِ وَالْحَيَوَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ وَالْإِنْسَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَشْخَاصِهِ وَكَذَلِكَ النَّكِرَةُ فِي نَحْوِ قَوْلِهِمْ تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ وَهُوَ الْقَلِيلُ فِي اسْتِعْمَالِ النَّكِرَةِ وَالْمُشْتَرَكُ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ عِبَارَةٌ عَنْ مُطْلَقِ الْمَاهِيَّةِ وَالْمَاهِيَّةُ لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ وَالْمُطْلَقُ الْمُعَرَّفُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ بِالْوَاحِدِ الْمُبْهَمِ كَالنَّكِرَةِ فِي نَحْوِ قَوْلِ الْقَائِلِ اشْتَرِ ثَوْبًا يُرِيدُ فَرْدًا مُبْهَمًا مِنْ الْأَشْخَاصِ الَّتِي فِيهَا حَقِيقَةُ الثَّوْبِ وَهُوَ الِاسْتِعْمَالُ الْكَثِيرُ فِي النَّكِرَةِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا هُوَ عَيْنُ الْفَرْقِ الْمَارِّ بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَمُطْلَقِ الْمَاهِيَّةِ. وَعَيْنُ مَا فَرَّقَ بِهِ الْأُصُولِيُّونَ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْمُطْلَقِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الأنبابي عَلَى بَيَانِيَّةِ الصَّبَّانِ: فَعُمُومُ الْعَامِّ شُمُولٌ بِخِلَافِ عُمُومِ الْمُطْلَقِ نَحْوُ رَجُلٍ وَأَسَدٍ وَإِنْسَانٍ فَإِنَّهُ بَدَلِيٌّ حَتَّى إذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَدَاةُ النَّفْيِ أَوْ أَلْ الِاسْتِغْرَاقِيَّة صَارَ عَامًّا فَلَيْسَ مَاصَدَق الْمُطْلَقُ وَالْعَامُّ وَاحِدًا كَمَا تَوَهَّمَ بَلْ مَاصَدَق الْأَوَّلُ أَلْفَاظُ عُمُومِهَا بَدَلِيٌّ وَمَاصَدَقَ الثَّانِي أَلْفَاظُ عُمُومِهَا شُمُولِيٌّ قَالَ: الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبَحْرِ الْمُحِيطِ فِي مَبْحَثِ الْعَامِّ الْعُمُومُ يَقَعُ عَلَى مُسَمَّى عُمُومِ الشُّمُولِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا وَعَلَى عُمُومِ الصَّلَاحِيَّةِ وَيُقَالُ لَهُ عُمُومُ الْبَدَلِ وَهُوَ فِي الْمُطْلَقِ وَتَسْمِيَتُهُ عَامًّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَوَارِدَهُ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ لَا أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ عَامٌّ اهـ يَعْنِي أَنَّ تَسْمِيَتَهُ عَامًّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَفْرَادَهُ الَّتِي يُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْهَا عَلَى الْبَدَلِ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ وَإِلَّا فَهُوَ لَيْسَ مِنْ الْعَامِّ إذْ الْمُعْتَبَرُ فِي الْعَامِّ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ تَعْرِيفِهِ الْعُمُومُ الشُّمُولِيُّ بِحَيْثُ يَتَنَاوَلُ اللَّفْظُ جَمِيعَ الْأَفْرَادِ دَفْعَةً وَهَذَا غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي الْمُطْلَقِ وَقَدْ صَرَّحَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الشُّمُولِيَّ هُوَ مَعْنَى الْعُمُومِ فَتَنَبَّهْ اهـ بِلَفْظِهِ فَمِنْ هُنَا قَالَ قَبْلَ هَذَا مُسَايَرَةً لِغَيْرِهِ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ كَعَبِيدِي عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ فَرْدًا أَيْ كَدَلَالَةِ نَحْوِ عَبِيدِي عَلَى ثَلَاثَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ تَضَمُّنِيَّةٌ إذْ الْمَقْصُودُ بِالْأَفْرَادِ الْأَبْعَاضُ فَكُلُّ فَرْدٍ مِنْهَا جُزْءٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي حَالِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جُزْءٌ اهـ لَكِنَّهُ تَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ مَعَ كَوْنِ الْمَقْصُودِ الْحُكْمَ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ لَا عَلَى الْمَجْمُوعِ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ

الْمَجَازُ فِي التَّرْكِيبِ وَالْإِفْرَادِ فَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مَجَازٌ مُفْرَدٌ فَقَطْ كَالْأَسَدِ لِلرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَمَجَازٌ مُرَكَّبٌ فَقَطْ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] فَإِنَّ السُّؤَالَ اُسْتُعْمِلَ فِي السُّؤَالِ وَلَفْظُ الْقَرْيَةِ اُسْتُعْمِلَ فِي الْقَرْيَةِ وَلَكِنَّ تَرْكِيبَ السُّؤَالِ مَعَ الْقَرْيَةِ مَجَازٌ فِي التَّرْكِيبِ لِأَنَّ شَأْنَهُ أَنْ يُرَكَّبَ مَعَ أَهْلِهَا وَهَذَا مَجَازٌ فِي التَّرْكِيبِ وَلَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ النَّقْلِ بِخِلَافِ يَعْصِرُ الْخَمْرَ وَيَطْحَنُ الدَّقِيقَ فَإِنَّهُمَا وَصَلَا إلَى حَدِّ النَّقْلِ الْعُرْفِيِّ. وَمِثَالُ اجْتِمَاعِهِمَا مَعًا قَوْلُك أَرْوَانِي الْخُبْزُ وَأَشْبَعَنِي الْمَاءُ فَإِنَّك تَسْتَعْمِلُ أَرْوَانِي فِي الشِّبَعِ، وَالشِّبَعُ فِي رَوَانِي فَيَقَعُ الْمَجَازُ فِي الْإِفْرَادِ وَتَجْعَلُ فَاعِلَ أَرْوَى الْخُبْزَ وَهُوَ خِلَافُ أَصْلِ اللُّغَةِ وَفَاعِلَ الشِّبَعِ الْمَاءَ وَهُوَ خِلَافُ أَصْلِ اللُّغَةِ فَهَذَانِ الْمِثَالَانِ جَمَعَا بَيْنَ الْمَجَازِ فِي الْإِفْرَادِ وَالتَّرْكِيبِ دُونَ النَّقْلِ الْعُرْفِيِّ إذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ الْعُرْفَ كَمَا يَنْقُلُ أَهْلُهُ اللَّفْظَ الْمُفْرَدَ فَيَنْقُلُونَ أَيْضًا اللَّفْظَ الْمُرَكَّبَ فَمِثْلُ هَذَا النَّقْلِ الْعُرْفِيِّ يُقَدَّمُ عَلَى مَوْضُوعِ اللُّغَةِ لِأَنَّهُ نَاسِخٌ لِلُّغَةِ وَالنَّاسِخُ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَنْسُوخِ فَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا إنَّ الْحَقَائِقَ الْعُرْفِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ. وَأَمَّا الْعُرْفُ الْفِعْلِيُّ فَمَعْنَاهُ أَنْ يُوضَعَ اللَّفْظُ لِمَعْنًى يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُ أَهْلِ الْعُرْفِ لِبَعْضِ أَنْوَاعِ ذَلِكَ الْمُسَمَّى دُونَ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِهِ مِثَالُهُ أَنَّ لَفْظَ الثَّوْبِ صَادِقٌ لُغَةً عَلَى ثِيَابِ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَالْحَرِيرِ وَالْوَبَرِ وَالشَّعْرِ وَأَهْلُ الْعُرْفِ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَ مِنْ الثِّيَابِ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ دُونَ الْأَخِيرَيْنِ فَهَذَا عُرْفٌ فِعْلِيٌّ وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْخُبْزِ يَصْدُقُ لُغَةً عَلَى خُبْزِ الْفُولِ وَالْحِمَّصِ وَالْبُرِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَ الْأَخِيرَ فِي أَغْذِيَتِهِمْ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ فَوُقُوعُ الْفِعْلِ فِي نَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ لَا يُخِلُّ بِوَضْعِ اللَّفْظِ لِلْجِنْسِ كُلِّهِ فَإِنَّ تَرْكَ مُسَمَّى لَفْظٍ لَمْ يُبَاشَرْ لَا يُخِلُّ بِوَضْعِ اللَّفْظِ فَإِنَّا لَمْ نُبَاشِرْ الْيَاقُوتَ وَلَمْ يُخِلَّ ذَلِكَ بِوَضْعِ لَفْظِ الْيَاقُوتِ لَهُ نَعَمْ لَوْ كَثُرَ اسْتِعْمَالُ الْيَاقُوتِ فِي نَوْعٍ آخَرَ مِنْ الْأَحْجَارِ حَتَّى صَارَ لَا يُفْهَمُ إلَّا ذَلِكَ الْحَجَرُ دُونَ الْيَاقُوتِ لِأَجْلِ ذَلِكَ بِوَضْعِ لَفْظِ الْيَاقُوتِ لِلْيَاقُوتِ وَكَانَ ذَلِكَ نَسْخًا لِلَفْظِ الْيَاقُوتِ عَنْ مُسَمَّاهُ الْأَوَّلِ فَهَذَا الْمِثَالُ يُوَضِّحُ لَك أَنَّ تَرْكَ مُبَاشَرَةِ الْمُسَمَّيَاتِ لَا يُخِلُّ بِالْوَضْعِ وَغَلَبَةَ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْمُسَمَّى فِي غَيْرِهِ يُخِلُّ، فَهَذَا هُوَ تَحْرِيرُ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ وَتَحْرِيرُ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ، وَتَحْرِيرُ أَنَّ الْعُرْفَ الْقَوْلِيَّ يُؤَثِّرُ فِي اللَّفْظِ اللُّغَوِيِّ تَخْصِيصًا وَتَقْيِيدًا وَإِبْطَالًا وَأَنَّ الْعُرْفَ الْفِعْلِيَّ لَا يُؤَثِّرُ فِي اللَّفْظِ اللُّغَوِيِّ تَخْصِيصًا وَلَا تَقْيِيدًا وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــSفَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا إنَّ الْحَقَائِقَ الْعُرْفِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ) قُلْت جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ. قَالَ (وَأَمَّا الْعُرْفُ الْفِعْلِيُّ فَمَعْنَاهُ أَنْ يُوضَعَ اللَّفْظُ لِمَعْنًى يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُ أَهْلِ الْعُرْفِ لِبَعْضِ أَنْوَاعِ ذَلِكَ الْمُسَمَّى دُونَ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِهِ مِثَالُهُ أَنَّ لَفْظَ الثَّوْبِ صَادِقٌ لُغَةً عَلَى ثِيَابِ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَالْحَرِيرِ وَالْوَبَرِ وَالشَّعْرِ وَأَهْلُ الْعُرْفِ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَ مِنْ الثِّيَابِ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ دُونَ الْأَخِيرِ فَهَذَا عُرْفٌ فِعْلِيٌّ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ. اهـ. يَعْنِي وَمُقْتَضَى كَوْنِ الْمَقْصُودِ الْحُكْمَ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ أَنْ تَكُونَ دَلَالَةُ لَفْظِ الْعَامِّ كَعَبِيدِي عَلَى الْفَرْدِ كَثَلَاثَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ فِي حَالِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُ الْحَقِيقَةِ فِيهِ مُطَابَقِيَّة وَعَلَى وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ تَضَمُّنِيَّةً وَأَمَّا عَلَى ثَلَاثَةٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ فَخَارِجَةٌ عَنْ أَنْوَاعِ الدَّلَالَةِ اللَّفْظِيَّةِ الْوَضْعِيَّةِ مَا لَمْ تُلَاحَظْ عَلَاقَةٌ وَقَرِينَةٌ وَإِلَّا كَانَ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً اتِّفَاقًا وَلَا تَكُونُ دَلَالَةُ لَفْظِ الْعَامِّ عَلَى فَرْدِهِ الْمَذْكُورِ فِي حَالِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جُزْءٌ تَضَمُّنِيَّةً كَمَا قِيلَ إلَّا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الْحُكْمُ عَلَى الْمَجْمُوعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قُلْت: وَعَلَيْهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَامِّ يَدُلُّ عَلَى فَرْدِهِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ مُطَابَقَةً وَالْمُطْلَقُ يَدُلُّ عَلَى الْفَرْدِ الْمُبْهَمِ مُطَابَقَةً أَيْضًا هُوَ أَنَّ الْعَامَّ يَدُلُّ عَلَى فَرْدِهِ الْمَذْكُورِ مُطَابَقَةً مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُ الْمَوْضُوعِ لَهُ الَّذِي هُوَ الْحَقِيقَةُ الْكُلِّيَّةُ فِيهِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَفْسُ الْمَوْضُوعِ لَهُ وَالْمُطْلَقُ يَدُلُّ عَلَى الْفَرْدِ الْمُبْهَمِ مُطَابَقَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَفْسُ الْمَوْضُوعِ لَهُ لَا مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُ الْمَوْضُوعِ لَهُ فِيهِ فَافْهَمْ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَائِلَ لِغُلَامِهِ إذَا قَالَ: أَلْزَمْتُك النَّهْيَ أَوْ النَّفْيَ وَاقِعٌ فِي الدَّارِ إنْ أَرَادَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي النَّهْيِ وَالنَّفْيِ الْعَهْدُ فِي الشَّخْصِ أَيْ فِي نَهْيٍ مُعَيَّنٍ وَنَفْيٍ مُعَيَّنٍ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَكُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ أَوْ الْمَنْفِيُّ عَنْهُ وَهُوَ الْمَدْلُولُ الْتِزَامًا مُعَيَّنًا وَإِنْ أَرَادَ بِهَا فِيهِمَا الْعَهْدُ فِي الْجِنْسِ أَيْ فِي نَهْيٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَفِي نَفْيٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَدْلُولُ الِالْتِزَامِيُّ وَهُوَ الْمُشْتَرَكُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ أَوْ الْمَنْفِيُّ عَنْهُ كَذَلِكَ أَيْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ مُعَيَّنًا. وَإِذَا كَانَ مُعَيَّنًا لَزِمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُتَعَلِّقِ بِهِ وَهُوَ النَّهْيُ أَوْ النَّفْيُ وَقَدْ فُرِضَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَإِنْ أَرَادَ بِهَا فِيهَا الْعُمُومَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْعُمُومِ فِي الْمُتَعَلِّقِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَدْلُولِ الْمُشْتَرَكِ مُطَابَقَةً فِي النَّهْيِ وَالنَّفْيِ وَمَدْلُولِهِ الْتِزَامًا فِيهِمَا وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَحَنِثَ بِأَنْ قَالَ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ فَإِذَا جُعِلَتْ الْأَلْفُ وَاللَّامُ فِي الطَّلَاقِ بِحَسَبِ اللُّغَةِ لِلْعَهْدِ فِي الْجِنْسِ كَانَ الطَّلَاقُ مُطْلَقًا فِي أَفْرَادِهِ مُطَابَقَةً فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا فِي الزَّوْجَاتِ الْتِزَامًا أَوْ لِلْعُمُومِ كَانَ الطَّلَاقُ عَامًّا فِي أَفْرَادِهِ مُطَابَقَةً فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَامًّا فِي الزَّوْجَاتِ وَفِي أَنْوَاعِ الطَّلَاقِ مِنْ الثَّلَاثِ وَغَيْرِهَا الْتِزَامًا إلَّا أَنَّهُ لَا عُمُومَ فِي إفْرَادِ الطَّلَاقِ بِحَسَبِ عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَالنَّاسِ وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا أَلْزَمَ بِهِ غَيْرَ طَلْقَةٍ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَا شَكَّ هَلْ طَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعُمَّهُنَّ الطَّلَاقُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ بَلْ يُخَيِّرَ فِي التَّعْيِينِ أَوْ يَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّرْجِيحُ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ لِأَنَّ بَعْضَهُنَّ لَيْسَ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ إلَّا أَنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَجَمَاعَةً مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالُوا بِعُمُومِ الطَّلَاقِ فِيهِنَّ احْتِيَاطًا

إبْطَالًا لِعَدَمِ مُعَارَضَةِ الْفِعْلِ وَعَدَمِهِ لِوَضْعِ اللُّغَةِ وَمُعَارَضَةِ غَلَبَةِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْعُرْفِ لِلْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ. وَقَدْ حَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْإِجْمَاعَ فِي أَنَّ الْعُرْفَ الْفِعْلِيَّ لَا يُؤَثِّرُ بِخِلَافِ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ وَرَأَيْت الْمَازِرِيَّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ حَاوَلَ الْإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ نَقَلَ خِلَافًا فِي ذَلِكَ وَنَقَلَ مَثَلًا عَنْهُ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَقَدْ نَقَلْتهَا فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ وَبَيَّنْت مَعْنَاهَا وَأَنَّهُ لَيْسَ خِلَافًا فِي اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ بَلْ لِذَلِكَ مَعْنًى آخَرُ وَالظَّاهِرُ حُصُولُ الْإِجْمَاعِ فِيهِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا جَزَمَ بِحُصُولِ الْخِلَافِ فِيهِ بَلْ رَأَى كَلَامًا لِبَعْضِ النَّاسِ أَوْجَبَ شَكًّا وَتَرَدُّدًا وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْمِثْلِ الْمُشَارِ إلَيْهَا وَأَنَا أُوَضِّحُ هَذَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بِذِكْرِ أَرْبَعِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا فَرَضْنَا مَلِكًا أَعْجَمِيًّا يَتَكَلَّمُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَهُوَ يَعْرِفُ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِهَا لِثِقَلِهَا عَلَيْهِ فَحَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَلَا يَأْكُلُ خُبْزًا وَكَانَ حَلِفُهُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِاسْتِعْمَالِهَا وَعَادَتُهُ فِي غِذَائِهِ لَا يَأْكُلُ إلَّا خُبْزَ الشَّعِيرِ وَلَا يَلْبَسُ إلَّا ثِيَابَ الْقُطْنِ فَإِنَّا نُحَنِّثُهُ بِأَيِّ ثَوْبٍ لَبِسَهُ وَبِأَيِّ خُبْزٍ أَكَلَهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ مُعْتَادِهِ فِي فِعْلِهِ أَمْ لَا وَهَذَا إذَا لَمْ تَجْرِ لَهُ عَادَةٌ بِاسْتِعْمَالِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ عَادَتُهُ اسْتِعْمَالَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لَكَانَ طُولَ أَيَّامِهِ يَقُولُ أَكَلْت خُبْزًا وَأْتُونِي بِخُبْزٍ وَعَجِّلُوا بِالْخُبْزِ وَالْخُبْزُ عَلَى الْمَائِدَةِ قَلِيلٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلَا يُرِيدُ فِي هَذَا النُّطْقِ كُلِّهِ إلَّا خُبْزَ الشَّعِيرِ الَّذِي جَرَتْ عَادَتُهُ بِهِ فَيَصِيرُ لَهُ فِي لَفْظِ الْخُبْزِ عُرْفٌ قَوْلِيٌّ نَاسِخٌ لِلُّغَةِ فَلَا نُحَنِّثُهُ بِغَيْرِ خُبْزٍ ـــــــــــــــــــــــــــــSفَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْمِثْلِ الْمُشَارِ إلَيْهَا) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْعُرْفَ الْفِعْلِيَّ لَا يُؤَثِّرُ فِي وَضْعِ اللَّفْظِ لِلْجِنْسِ كُلِّهِ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ مَا أَرَادَ بِنَاءَهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَعَادَتُهُ لُبْسُ ثَوْبِ الْكَتَّانِ دُونَ غَيْرِهِ بِحَيْثُ يَحْنَثُ بِلُبْسِ غَيْرِ الْكَتَّانِ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ لَهُ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ (وَأَنَا أُوَضِّحُ هَذَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بِذِكْرِ أَرْبَعِ مَسَائِلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إذَا فَرَضْنَا مَلِكًا أَعْجَمِيًّا يَتَكَلَّمُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَهُوَ يَعْرِفُ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِهَا لِثِقَلِهَا عَلَيْهِ فَحَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَلَا يَأْكُلُ خُبْزًا وَكَانَ حَلِفُهُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِاسْتِعْمَالِهَا وَعَادَتُهُ فِي غِذَائِهِ لَا يَأْكُلُ إلَّا خُبْزَ الشَّعِيرِ وَلَا يَلْبَسُ إلَّا ثِيَابَ الْقُطْنِ فَإِنَّا نُحَنِّثُهُ بِأَيِّ ثَوْبٍ لَبِسَهُ وَبِأَيِّ خُبْزٍ أَكَلَهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ مُعْتَادِهِ فِي فِعْلِهِ أَوْ لَا إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت لَا نُسَلِّمُ لَهُ تَحْنِيثَهُ بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ اقْتِصَارُهُ عَلَى أَكْلِ خُبْزِ الشَّعِيرِ وَلُبْسِ الْقُطْنِ مُقَيِّدٌ لِمُطْلَقِ لَفْظِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ قُبَيْلِ بِسَاطِ الْحَالِ فَإِنَّ الْأَيْمَانَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِالنِّيَّةِ ثُمَّ بِبِسَاطِ الْحَالِ فَإِذَا عُدِمَا حِينَئِذٍ تُعْتَبَرُ بِالْعُرْفِ ثُمَّ بِاللُّغَةِ إنْ عُدِمَ الْعُرْفُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلزَّوْجِ وَصَوْنًا لَهَا عَنْ مُوَاقَعَةِ الزِّنَا فَإِنَّ الطَّلَاقَ قَدْ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَوَقَعَ الشَّكُّ وَالِاحْتِمَالُ فِي عُمُومِهِ لِمُحَالِهِ أَوْ خُصُوصِهِ فَحُمِلَ عَلَى الْعُمُومِ فِيهَا احْتِيَاطًا كَمَا فِيمَا إذَا طَلَّقَ وَشَكَّ هَلْ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا يُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَكَّ فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اسْتِصْحَابًا بِالْأَصْلِ الْعِصْمَةُ كَمَا مَرَّ وَلَا يَلْزَمُ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ يُخَيِّرُوهُ إذَا قَالَ: يَلْزَمُنِي الطَّلَاقُ وَإِنْ خَيَّرُوهُ فِي إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ فِي قَوْلِهِ إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ بَيِّنٌ لِتَعْلِيقِهِ الطَّلَاقَ بِوَاحِدَةٍ أَمَّا حَيْثُ لَمْ يُعَلِّقْ الطَّلَاقَ بِوَاحِدَةٍ فَلَيْسَ التَّخْيِيرُ بِالْبَيِّنِ فَإِنْ نَوَى بِالطَّلَاقِ بَعْضَهُنَّ ذَاهِلًا عَنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ إلَّا فِي الْبَعْضِ الَّذِي نَوَاهُ وَحْدَهُ كَمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ فِيمَا عَدَا مَا نَوَاهُ إذَا أَتَى بِصِيغَةِ عُمُومٍ نَحْوِ لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا لِأَنَّ النِّيَّةَ أَوَّلُ مُعْتَبَرٍ فِي الْحَالِفِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ فَاحْفَظْهُ. (وَصْلٌ) فِي تَحْقِيقِ فِقْهِ هَذَا الْفَرْقِ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] أَثْبَتَ الْوُجُوبَ فِي رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ فَلَا يَعُمُّ بَلْ تَكْفِي رَقَبَةٌ وَاحِدَةٌ بِالنَّصِّ وَبِذَلِكَ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ تَبَعًا لِلنَّصِّ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ قَالَ صَاحِبُ الشَّرْعِ حَرَّمْت عَلَيْكُمْ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ جَمِيعِ الْخَنَازِيرِ حَرُمَ كُلُّ خِنْزِيرٍ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالْأَعَمِّ يَلْزَمُ مِنْهُ تَعْلِيقُهُ بِالْأَخَصِّ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا قَالَ: لِنِسَائِهِ: إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ حَرُمَتْ عَلَيْهِ كُلُّهُنَّ بِالطَّلَاقِ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْأُمُورِ عِبَارَةً عَنْ وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْهَا فَلَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَالْكَلَامُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِغَيْرِ مُقْتَضٍ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ نَظَرًا لِلِاحْتِيَاطِ لِلْفُرُوجِ كَمَا أَجَابَ بِهِ الْأَكَابِرُ وَدَلِيلُ مَشْرُوعِيَّةِ هَذَا الِاحْتِيَاطِ كُلُّ دَلِيلٍ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ تَوَقِّي الشُّبُهَاتِ وَلَا يَتِمُّ جَوَابُ الْأَصْلِ بِبِنَائِهِ عَلَى ثَلَاثِ قَوَاعِدَ: الْأُولَى أَنَّ مَفْهُومَ أَحَدِ الْأُمُورِ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا لِصِدْقِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَالصَّادِقُ عَلَى عَدَدٍ وَأَفْرَادٍ مُشْتَرَكٌ فِيهِ بَيْنَ الْأَفْرَادِ. الثَّانِيَةُ: أَنَّ الطَّلَاقَ تَحْرِيمٌ لِأَنَّهُ رَافِعٌ لِمُوجِبِ النِّكَاحِ وَالنِّكَاحُ لِلْإِبَاحَةِ وَرَافِعُ الْإِبَاحَةِ مُحَرَّمٌ فَالطَّلَاقُ مُحَرَّمٌ الثَّالِثَةُ أَنَّ تَحْرِيمَ الْمُشْتَرَكِ يَلْزَمُ مِنْهُ تَحْرِيمُ جَمِيعِ الْجُزْئِيَّاتِ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَحْرُمْنَ كُلُّهُنَّ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ صَحِيحًا إلَّا أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى غَيْرُ صَحِيحَةٍ إذْ لَيْسَ أَحُطُّ الْأُمُورِ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَلْ هُوَ وَاحِدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْهَا وَلِذَلِكَ صَدَقَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ الْكُلِّيَّةُ حَتَّى يَحْصُلَ الْمَقْصُودُ بِقَوْلِهِ وَالصَّادِقُ عَلَى عَدَدٍ وَأَفْرَادٍ مُشْتَرَكٌ

[الفرق بين قاعدة خطاب التكليف وقاعدة خطاب الوضع]

الشَّعِيرِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي ثَوْبِ الْقُطْنِ بِخِلَافٍ إذَا كَانَ لَا يَنْطِقُ بِلَفْظِ الْخُبْزِ وَالثَّوْبِ إلَّا عَلَى النُّدْرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ فِي الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ عُرْفٌ مُخَصَّصٌ يُقَدَّمُ عَلَى اللُّغَةِ فَيَحْنَثُ بِعُمُومِ الْمُسَمَّيَاتِ اللُّغَوِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ وَلَا تَقْيِيدٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُءُوسًا يَحْنَثُ بِجَمِيعِ الرُّءُوسِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِرُءُوسِ الْأَنْعَامِ عِنْدَ أَشْهَبَ وَالْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ قَدْ نَقَلُوا هَذَا اللَّفْظَ الْمُرَكَّبَ أَكَلْت رُءُوسًا لَا كُلَّ رُءُوسِ الْأَنْعَامِ دُونَ غَيْرِهَا بِسَبَبِ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ لِذَلِكَ الْمُرَكَّبِ فِي هَذَا النَّوْعِ خَاصَّةً دُونَ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِ الرُّءُوسِ فَهَذَا مُدْرَكُ أَشْهَبَ فَيُقَدِّمُ النَّقْلَ الْعُرْفِيَّ عَلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَابْنُ الْقَاسِمِ يُسَلِّمُ اسْتِعْمَالَ أَهْلِ الْعُرْفِ لِذَلِكَ وَلَكِنْ لَمْ يَصِلْ الِاسْتِعْمَالُ عِنْدَهُ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّقْلِ فَإِنَّ الْغَلَبَةَ قَدْ تَقْصُرُ عَنْ النَّقْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَسْتَعْمِلُونَ لَفْظَ الْأَسَدِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ اسْتِعْمَالًا كَثِيرًا. وَلَمْ يَصِلْ ذَلِكَ إلَى حَدِّ النَّقْلِ فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الرَّجُلُ الشُّجَاعُ إلَّا بِقَرِينَةٍ وَضَابِطُ النَّقْلِ أَنْ يَصِيرَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ هُوَ الْمُتَبَادِرُ الْأَوَّلُ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ وَغَيْرُهُ هُوَ الْمُفْتَقِرُ إلَى الْقَرِينَةِ فَهَذَا هُوَ مُدْرَكُ الْقَوْلَيْنِ فَاتَّفَقَ أَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّ النَّقْلَ الْعُرْفِيَّ مُقَدَّمٌ عَلَى اللُّغَةِ إذَا وُجِدَ وَاخْتَلَفَا فِي وُجُودِهِ هُنَا فَالْكَلَامُ بَيْنَهُمَا فِي تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ وَلَوْ قَالَ الْقَائِلُ رَأَيْت رَأْسًا لَمْ تَخْتَلِفْ النَّاسُ أَنَّ اللَّفْظَ لَا يَخْتَصُّ بِرُءُوسِ الْأَنْعَامِ بَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ يُسَمَّى رَأْسًا لُغَةً بِسَبَبِ أَنَّ هَذَا التَّرْكِيبَ الَّذِي هُوَ رَأَيْت رَأْسًا لَمْ يَكْثُرْ اسْتِعْمَالُهُ فِي نَوْعٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الرُّءُوسِ دُونَ غَيْرِهِ حَتَّى صَارَ مَنْقُولًا بِخِلَافِ أَكَلْت رَأْسًا فَيُقَرُّ اللَّفْظُ عَلَى مُسَمَّاهُ اللُّغَوِيِّ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ وَلَا نَاسِخٍ وَكَذَلِكَ خَلَقَ اللَّهُ رَأْسًا وَسَقَطَتْ وَوَقَعَتْ رَأْسٌ وَهَذِهِ رَأْسٌ وَفِي الْبَيْتِ رَأْسٌ جَمِيعُ هَذِهِ التَّرَاكِيبِ وَنَحْوِهَا لَمْ يَقَعْ فِيهَا نَقْلٌ عُرْفِيٌّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَكَلْت رَأْسًا وَنَحْوَهُ مِنْ صِيَغِ الْأَكْلِ فَإِنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمْ لَهُ حَتَّى صَارَ إلَى حَيِّزِ النَّقْلِ فَقُدِّمَ عَلَى اللُّغَةِ عِنْدَ مَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ النَّقْلُ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَكَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ وَالْفُقَهَاءِ إذَا مَرَّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَقُولُ فِيهَا لَا يُحْنَثُ بِغَيْرِ رُءُوسِ الْأَنْعَامِ لِأَنَّ عَادَةَ النَّاسِ يَأْكُلُونَ رُءُوسَ الْأَنْعَامِ دُونَ غَيْرِهَا وَلَا تَجِدُ فِي الْكُتُبِ الْمَوْضُوعَةِ لِلشُّرَّاحِ غَيْرَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَهِيَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُمْ يُشِيرُونَ إلَى الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ الْمَلْغِيِّ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا الْمُدْرَكُ الْعُرْفُ الْقَوْلِيُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُءُوسًا يَحْنَثُ بِجَمِيعِ الرُّءُوسِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِرُءُوسِ الْأَنْعَامِ عِنْدَ أَشْهَبَ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ وَلَا نَجِدُ فِي الْكُتُبِ الْمَوْضُوعَةِ لِلشُّرَّاحِ غَيْرَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَهِيَ بَاطِلَةٌ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّى اللَّفْظِ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْفِعْلِيِّ مِنْ جِنْسِ الْبِسَاطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ بَيْنَ تِلْكَ الْأَفْرَادِ فَافْهَمْ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ مَالِكٌ إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَيُعَيِّنُهُ لِلْعِتْقِ نَظَرًا لِكَوْنِ أَحَدِ الْأُمُورِ عِبَارَةً عَنْ وَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْهَا فَلَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْعُمُومِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِثُبُوتِ مُقْتَضِيهِ وَلَمْ يُنْظَرْ هُنَا لِلِاحْتِيَاطِ لِلْفُرُوجِ مَعَ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ لِأَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ تَحْرِيمٌ لِلْوَطْءِ وَقَدْ ثَبَتَ لَهُ الْبِغْضَةُ الَّتِي لَا تَصْدُقُ إلَّا مَعَ النَّهْيِ دُونَ الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ» وَأَنَّ الْعِتْقَ قُرْبَةٌ فِي جَمِيعِ الْإِعْصَارِ وَالْأُمَمِ إلَّا أَنَّ كَوْنَ الْعِتْقِ قُرْبَةً لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمًا لِلْوَطْءِ وَأَخْذِ الْمَنَافِعِ بِطَرِيقِ الْقَهْرِ وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْبِغْضَةَ فِي الْحَدِيثِ لَا تَصْدُقُ إلَّا مَعَ النَّهْيِ حَتَّى يَتِمَّ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لَا مَأْمُورٌ بِهِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ صَرَّحَ بِإِبَاحَةِ الطَّلَاقِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُحَرَّمًا أَوْ مَكْرُوهًا وَحِينَئِذٍ فَتَصْدُقُ الْبِغْضَةُ مَعَ الْأَمْرِ وَتُحْمَلُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَرْجُوحِيَّةِ الْأَمْرِ الَّذِي عُلِّقَ بِهِ الْبِغْضَةُ وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّ الطَّلَاقَ تَحْرِيمٌ وَيَلْزَمُهُ وُجُوبُ التَّرْكِ وَالْعِتْقَ قُرْبَةٌ وَيَلْزَمُهُ التَّحْرِيمُ وَالْأَحْكَامُ إنَّمَا تَثْبُتُ لِلْأَلْفَاظِ بِنَاءً عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ مُطَابَقَةً دُونَ مَا تَقْتَضِيهِ الْتِزَامًا أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ يَلْزَمُهُ النَّهْيُ عَنْ تَرْكِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُقَالُ فِيهِ هُوَ لِلتَّحْرِيمِ بِنَاءً عَلَى النَّهْيِ وَأَنَّ كُلَّ نَهْيٍ يَلْزَمُهُ الْأَمْرُ بِتَرْكِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُقَالُ فِيهِ هُوَ لِلْوُجُوبِ بِنَاءً عَلَى الْأَمْرِ فَلَا تُعْتَبَرُ اللَّوَازِمُ وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْحَقَائِقُ مِنْ حَيْثُ هِيَ فَمَدْفُوعَةٌ بِأَنَّ الطَّلَاقَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ بِتَحْرِيمٍ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا هُوَ الْمُؤَبَّدُ أَمَّا غَيْرُ الْمُؤَبَّدِ فَلَا. وَإِنَّمَا هُوَ حِلٌّ لِعَقْدِ النِّكَاحِ وَحِلُّ عَقْدِ النِّكَاحِ يَسْتَلْزِمُ صَيْرُورَةَ الزَّوْجَةِ أَجْنَبِيَّةً وَصَيْرُورَتُهَا أَجْنَبِيَّةً يَسْتَلْزِمُ تَحْرِيمَهَا كَمَا أَنَّ الْعِتْقَ رَفْعٌ لِلْمِلْكِ عَنْ الْمَمْلُوكَةِ وَرَفْعُ الْمِلْكِ يُصَيِّرُهَا أَجْنَبِيَّةً مَالِكَةً لِنَفْسِهَا وَيَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ تَحْرِيمُهُمَا فَلَا فَرْقَ قُلْت: نَعَمْ قَدْ يُقَالُ: الْوَجْهُ فِي نَظَرِ مَالِكٍ فِي الطَّلَاقِ لِلِاحْتِيَاطِ لِلْفُرُوجِ وَإِنْ لَزِمَهُ مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ وَفِي الْعِتْقِ لِمَا اقْتَضَاهُ الْإِجْمَاعُ وَإِنْ لَزِمَهُ مُخَالَفَةُ الِاحْتِيَاطِ لِلْفُرُوجِ هُوَ أَنَّ اسْتِلْزَامَ الطَّلَاقِ لِلتَّحْرِيمِ لِخُصُوصِ الْوَطْءِ مُطَّرِدٌ إذْ لَا يَكُونُ غَيْرَ مُسْتَلْزِمٍ لَهُ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَم [الْفَرَق بَيْنَ قَاعِدَة خِطَابِ التَّكْلِيف وَقَاعِدَة خِطَاب الْوَضْع] (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَقَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَفْعَالَ الْوَاقِعَةَ فِي الْوُجُودِ الْمُقْتَضِيَةَ لِأُمُورٍ تُشْرَعُ لِأَجْلِهَا أَوْ تُوضَعُ فَتَقْتَضِيهَا عَلَى الْجُمْلَةِ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا خَارِجٌ عَنْ مَقْدُورِ الْمُكَلَّفِ وَهَذَا قَدْ يَكُونُ سَبَبًا كَالِاضْطِرَارِ فِي إبَاحَةِ الْمَيْتَةِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ فِي إبَاحَةِ نِكَاحِ الْإِمَاءِ وَالسَّلَسِ فِي إسْقَاطِ وُجُوبِ

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا حَلَفَ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُهُ فَحَنِثَ فَمَشْهُورُ فَتَاوَى الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَعِتْقُ رَقَبَةٍ إنْ كَانَ عِنْدَهُ وَإِنْ كَثُرُوا وَصَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَالْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَطَلَاقُ امْرَأَتِهِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ وَاحِدَةٌ أَوْ ثَلَاثٌ وَالتَّصَدُّقُ بِثُلُثِ الْمَالِ وَلَمْ يُلْزِمُوهُ اعْتِكَافَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَا الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَلَا لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَا الرِّبَاطَ فِي الثُّغُورِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَلَا تَرْبِيَةَ الْيَتَامَى وَلَا كُسْوَةَ الْعَرَايَا وَلَا إطْعَامَ الْجِيَاعِ وَلَا شَيْئًا مِنْ الْقُرُبَاتِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَاحَظُوا مَا غَلَبَ الْحَلِفُ بِهِ فِي الْعُرْفِ وَمَا يُجْعَلُ يَمِينًا فِي الْعَادَةِ فَأَلْزَمُوا إيَّاهُ لِأَنَّهُ الْمُسَمَّى الْعُرْفِيُّ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ وَيَخْتَصُّ حَلِفُهُ بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ دُونَ غَيْرِهَا لِأَنَّهَا الْمُشْتَهِرَةُ وَلَفْظُ الْحَلِفِ وَالْأَيْمَانِ إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا وَلَيْسَ الْمُدْرَكُ أَنَّ عَادَتَهُمْ يَفْعَلُونَ مُسَمَّيَاتِهَا وَأَنَّهُمْ يَصُومُونَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ يَحُجُّونَ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ بَلْ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِ الْأَلْفَاظِ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي دُونَ غَيْرِهَا لِأَجْلِ ذَلِكَ صَرَّحُوا وَقَالُوا مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِالْحَلِفِ بِصَوْمٍ لَزِمَهُ صَوْمُ سَنَةٍ فَجَعَلُوا الْمُدْرَكَ الْحَلِفَ اللَّفْظِيَّ دُونَ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ فَهَذَا هُوَ مُدْرَكُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى التَّحْرِيرِ وَالتَّحْقِيقِ وَعَلَى هَذَا لَوْ اتَّفَقَ فِي وَقْتٍ آخَرَ اشْتِهَارُ حَلِفِهِمْ وَنَذْرِهِمْ لِلِاعْتِكَافِ وَالرِّبَاطِ وَإِطْعَامِ الْجِيعَانِ وَكُسْوَةِ الْعُرْيَانِ وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ دُونَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا لَكَانَ اللَّازِمُ لِهَذَا الْحَالِفِ إذَا حَنِثَ الِاعْتِكَافَ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ دُونَ مَا هُوَ مَذْكُورٌ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى الْعَوَائِدِ تَدُورُ مَعَهَا كَيْفَمَا دَارَتْ. وَتَبْطُلُ مَعَهَا إذَا بَطَلَتْ كَالنُّقُودِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْعُيُوبِ فِي الْأَعْرَاضِ فِي الْبِيَاعَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَوْ تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ فِي النَّقْدِ وَالسِّكَّةِ إلَى سِكَّةٍ أُخْرَى لَحُمِلَ الثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى السِّكَّةِ الَّتِي تَجَدَّدَتْ الْعَادَةُ بِهَا دُونَ مَا قَبْلَهَا وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الشَّيْءُ عَيْبًا فِي الثِّيَابِ فِي عَادَةٍ رَدَدْنَا بِهِ الْمَبِيعَ فَإِذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ وَصَارَ ذَلِكَ الْمَكْرُوهُ مَحْبُوبًا مُوجِبًا لِزِيَادَةِ الثَّمَنِ لَمْ تُرَدَّ بِهِ وَبِهَذَا الْقَانُونِ تُعْتَبَرُ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى الْعَوَائِدِ وَهُوَ تَحْقِيقٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ لَا خِلَافَ فِيهِ بَلْ قَدْ يَقَعُ الْخِلَافُ فِي تَحْقِيقِهِ هَلْ وُجِدَ أَمْ لَا وَعَلَى هَذَا التَّحْرِيرِ يَظْهَرُ أَنَّ عُرْفَنَا الْيَوْمَ لَيْسَ فِيهِ الْحَلِفُ بِصَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَلَا تَكَادُ تَجِدُ أَحَدًا بِمِصْرَ يَحْلِفُ بِهِ فَلَا يَنْبَغِي الْفُتْيَا بِهِ وَعَادَتُهُمْ يَقُولُونَ عَبْدِي حُرٌّ وَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ وَمَالِي صَدَقَةٌ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَتَلْزَمُ هَذِهِ الْأُمُورُ وَعَلَى هَذَا الْقَانُونَ تُرَاعَى الْفَتَاوَى عَلَى طُولِ الْأَيَّامِ فَمَهْمَا تَجَدَّدَ فِي الْعُرْفِ اعْتَبِرْهُ وَمَهْمَا سَقَطَ أَسْقِطْهُ وَلَا تَجْمُدْ عَلَى الْمَسْطُورِ فِي الْكُتُبِ طُولَ عُمْرِك بَلْ إذَا جَاءَك رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ إقْلِيمِك يَسْتَفْتِيك لَا تَجْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إذَا حَلَفَ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُهُ فَحَنِثَ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ مَعَ وُجُودِ الْخَارِجِ وَزَوَالِ الشَّمْسِ أَوْ غُرُوبِهَا أَوْ طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي إيجَابِ تِلْكَ الصَّلَوَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَقَدْ يَكُونُ شَرْطًا كَالْحَوْلِ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ وَالْبُلُوغِ فِي التَّكْلِيفِ مُطْلَقًا وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَالرُّشْدِ فِي دَفْعِ مَالِ الْيَتِيمِ إلَيْهِ وَإِرْسَالِ الرُّسُلِ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَقَدْ يَكُونُ مَانِعًا كَالْحَيْضِ مِنْ الْوَطْءِ وَالطَّلَاقِ وَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَوُجُوبِ الصَّلَوَاتِ وَأَدَاءِ الصِّيَامِ وَالْجُنُونِ مِنْ الْقِيَامِ بِالْعِبَادَاتِ وَإِطْلَاقِ التَّصَرُّفَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ الضَّرْبُ الثَّانِي مَا لَا يَكُونُ خَارِجًا عَنْ مَقْدُورِ الْمُكَلَّفِ وَلَهُ نَظَرٌ إنْ نُظِرَ مِنْ جِهَةِ دُخُولِهِ تَحْتَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ مَأْمُورًا بِهِ أَوْ مَنْهِيًّا عَنْهُ أَوْ مَأْذُونًا فِيهِ لِاقْتِضَائِهِ لِلْمَصَالِحِ أَوْ الْمَفَاسِدِ جَلْبًا أَوْ دَفْعًا كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِلِانْتِفَاعِ وَالنِّكَاحِ لِلنَّسْلِ وَالِانْقِيَادِ لِلطَّاعَةِ لِحُصُولِ الْفَوْزِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَهُوَ بَيِّنٌ وَنُظِرَ مِنْ جِهَةِ دُخُولِهِ تَحْتَ خِطَابِ الْوَضْعِ إمَّا لِكَوْنِهِ سَبَبًا كَالنِّكَاحِ سَبَبًا فِي حُصُولِ التَّوَارُثِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَتَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ وَحِلِّيَّةِ الِاسْتِمْتَاعِ وَالذَّكَاةِ سَبَبًا لِحِلِّيَّةِ الِانْتِفَاعِ بِالْأَكْلِ وَالسَّفَرِ سَبَبًا فِي إبَاحَةِ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ وَالْقَتْلِ وَالْجُرْحِ سَبَبًا لِلْقِصَاصِ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ أَسْبَابًا لِحُصُولِ تِلْكَ الْعُقُوبَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ شَرْطًا كَالنِّكَاحِ شَرْطًا فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ أَوْ فِي حِلِّ مُرَاجَعَةِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَالْإِحْصَانِ شَرْطًا فِي رَجْمِ الزَّانِي وَالطَّهَارَةِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَالنِّيَّةِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْعِبَادَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ مَانِعًا كَنِكَاحِ الْأُخْتِ مَانِعًا مِنْ نِكَاحِ الْأُخْرَى وَنِكَاحِ الْمَرْأَةِ مَانِعًا مِنْ نِكَاحِ عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَالْإِيمَانِ مَانِعًا مِنْ الْقِصَاصِ لِلْكَافِرِ وَالْكُفْرِ مَانِعًا مِنْ قَبُولِ الطَّاعَاتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَإِنْ اجْتَمَعَتْ فِي نَحْوِ النِّكَاحِ لَكِنْ لَا لِحُكْمٍ وَاحِدٍ بَلْ إنَّمَا هُوَ سَبَبٌ لِحُكْمٍ وَشَرْطٌ لِآخَرَ وَمَانِعٌ لِآخَرَ كَمَا عَلِمْت إذْ لَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهَا وَلَا اثْنَيْنِ مِنْهَا عَلَى الْحُكْمِ الْوَاحِدِ كَمَا لَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي أَحْكَامِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّدَافُعِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْمُوَافَقَاتِ لِلشَّاطِبِيِّ وَيُضْبَطُ خِطَابُ التَّكْلِيفِ بِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ فِي اصْطِلَاحِ الْعُلَمَاءِ هُوَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْوُجُوبُ وَالتَّحْرِيمُ وَالنَّدْبُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ قِيلَ وَالْأَصْلُ فِي لَفْظِهِ التَّكْلِيفُ لِكَوْنِهَا مُشْتَقَّةً مِنْ الْكُلْفَةِ أَنْ لَا تُطْلَقَ إلَّا عَلَى التَّحْرِيمِ وَالْوُجُوبِ إذْ لَا تُوجَدُ الْكُلْفَةُ إلَّا فِيهِمَا لِأَجْلِ الْحَمْلِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ خَوْفَ الْعِقَابِ وَالْمُكَلَّفُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا عَدَاهُمَا فِي سَعَةٍ لِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ فَلَا كُلْفَةَ إلَّا أَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا فِي إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى الْجَمِيعِ تَغْلِيبًا أَوْ لِكَوْنِهَا لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ

عَلَى عُرْفِ بَلَدِك وَاسْأَلْهُ عَنْ عُرْفِ بَلَدِهِ وَاجْرِهِ عَلَيْهِ وَأَفْتِهِ بِهِ دُونَ عُرْفِ بَلَدِك وَالْمُقَرَّرِ فِي كُتُبِك فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْوَاضِحُ وَالْجُمُودُ عَلَى الْمَنْقُولَاتِ أَبَدًا ضَلَالٌ فِي الدِّينِ وَجَهْلٌ بِمَقَاصِدِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالسَّلَفِ الْمَاضِينَ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَتَخَرَّجُ أَيْمَانُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَصِيَغُ الصَّرَائِحِ وَالْكِنَايَاتِ فَقَدْ يَصِيرُ الصَّرِيحُ كِنَايَةً يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ. وَقَدْ تَصِيرُ الْكِنَايَةُ صَرِيحًا مُسْتَغْنِيَةً عَنْ النِّيَّةِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَوْرًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ الْيَمِينِ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقَسَمُ فَقَطْ ثُمَّ إنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي النَّذْرِ أَيْضًا وَهُوَ لَيْسَ قَسَمًا بَلْ إطْلَاقُ الْيَمِينِ عَلَيْهِ إمَّا مَجَازٌ لُغَوِيٌّ أَوْ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَجَمْعُ الْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَبَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي جَرَتْ عَادَتُهَا تُنْذِرُ كَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِ وَالطَّلَاقِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ قَسَمًا وَلَا نَذْرًا يَقْتَضِي ذَلِكَ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ إنْ قُلْنَا إنَّ لَفْظَ الْيَمِينِ حَقِيقَةً فِي الْجَمِيعِ أَوْ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَجَازِ وَالْحَقِيقَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ هَلْ تَجُوزُ أَمْ لَا أَعْنِي هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ كَلَامًا عَرَبِيًّا أَمْ لَا وَالْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ جَوَازُ ذَلِكَ فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ لَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَتِهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا قَالَ أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي فَتَخَرَّجَ مَا يَلْزَمُهُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي الْحَلِفِ عِنْدَ الْمُلُوكِ الْمُعَاصِرَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَأَيُّ شَيْءٍ جَرَتْ بِهِ عَادَةُ مُلُوكِ الْوَقْتِ فِي التَّحْلِيفِ بِهِ فِي بَيْعَتِهِمْ وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ بِحَيْثُ صَارَ عُرْفًا وَمَنْقُولًا مُتَبَادِرًا لِلذِّهْنِ مِنْ غَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَقَدْ تَصِيرُ الْكِنَايَةُ صَرِيحًا مُسْتَغْنِيَةً عَنْ النِّيَّةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ لَفْظَ الْأَيْمَانِ لَا بُدَّ أَنْ تَجْرِيَ عَلَى عَادَةِ الْحَالِفِ أَوْ أَهْلِ بَلْدَةِ تَسْمِيَتِهِ يَمِينًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (وَاعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَوْرًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ الْيَمِينِ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقَسَمُ فَقَطْ ثُمَّ إنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي النَّذْرِ أَيْضًا وَهُوَ لَيْسَ قَسَمًا بَلْ إطْلَاقُ الْيَمِينِ عَلَيْهِ إمَّا مَجَازٌ لُغَوِيٌّ أَوْ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَجَمَعَ الْأَصْحَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَبَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي جَرَتْ عَادَتُهَا تُنْذَرُ كَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِ وَالطَّلَاقِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ قَسَمًا وَلَا نَذْرًا يَقْتَضِي ذَلِكَ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ فِي ذَلِكَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ وَلَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بَلْ صَارَتْ تِلْكَ الْأُمُورُ كُلُّهَا تُسَمَّى فِي الْعُرْفِ إيمَانًا وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ فِي اللُّغَةِ مَا ذُكِرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ إذَا قَالَ أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَمْلِ يَمِينِهِ عَلَى الْعُرْفِ ثُمَّ عَلَى النِّيَّةِ ثُمَّ عَلَى الْبِسَاطِ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى يَمِينِهِ تِلْكَ حُكْمٌ أَوْ لَا يَتَرَتَّبُ فَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا حُكْمٌ فَالْمُعْتَبَرُ النِّيَّةُ ثُمَّ السَّبَبُ أَوْ الْبِسَاطُ ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي حَاشِيَةِ الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ التَّكْلِيفَ إمَّا أَنْ يُفَسَّرَ بِإِلْزَامِ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ فَلَا يَشْمَلُ النَّدْبَ وَالْكَرَاهَةَ وَإِمَّا أَنْ يُفَسَّرَ بِالطَّلَبِ فَيَشْمَلُهُمَا وَعَلَى الْأَوَّلِ يَظْهَرُ مَا رَجَّحَهُ الْمَالِكِيَّةُ مِنْ تَعَلُّقِ النَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ بِالصَّبِيِّ كَأَمْرِهِ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ مِنْ الشَّارِعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ أَمْرٌ وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ فَلَيْسَتْ تَكْلِيفًا عَلَيْهِمَا وَعَدُّهَا فِي أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ إمَّا أَنَّهُ تَغْلِيبٌ أَوْ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمُكَلَّفِ لِمَا صُرِّحَ بِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ أَنَّ أَفْعَالَ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ كَالْبَهَائِمِ مُهْمَلَةٌ وَلَا يُقَالُ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ وَتَقْرِيبُهُ أَنَّ مَعْنَى مُبَاحَةٌ لَا إثْمَ فِي فِعْلِهَا وَلَا فِي تَرْكِهَا وَلَا يُنْفَى الشَّيْءُ إلَّا حَيْثُ يَصِحُّ ثُبُوتُهُ قَالَ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَى ظَاهِرِ مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ وَالْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَنَّ الصَّبِيَّ مُكَلَّفٌ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَأَنَّهُمْ حَمَلُوا رَفْعَ الْقَلَمِ عَنْهُ عَلَى غَيْرِ الْإِيمَانِ مِنْ الشَّرْعِيَّاتِ وَذَلِكَ لِأَنَّ جُمْهُورَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى نَجَاةِ الصِّبْيَانِ مُطْلَقًا وَهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَلَوْ أَوْلَادَ الْكُفَّارِ نَعَمْ إنْ أَرَادُوا مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا الْمَالِكِيَّةُ رِدَّةُ الصَّبِيِّ وَإِيمَانَهُ مُعْتَبَرَانِ بِمَعْنَى إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ الَّتِي تَتَسَبَّبُ عَنْهُمَا كَبُطْلَانِ ذَبْحِهِ وَنِكَاحِهِ وَصِحَّتُهُمَا رَجَعَ لِخِطَابِ الْوَضْعِ مِنْ حَيْثُ السَّبَبِ وَالْمَانِعِ وَهُوَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمُكَلَّفِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُقْتَلُ قَبْلَ الْبُلُوغِ اهـ وَقَدْ قَدَّمْنَا تَبَعًا لِابْنِ الشَّاطِّ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِعَيْنِهِ مَشَقَّةٌ لِأَنَّهُ مَنَعَ الْإِنْسَانَ مِنْ الِاسْتِرْسَالِ مَعَ دَوَاعِي نَفْسِهِ وَهُوَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ سُمِّيَ تَكْلِيفًا وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى الْإِبَاحَةِ وَيُوَضِّحُ هَذَا مَا قَالَهُ الشَّاطِبِيُّ فِي الْمُوَافَقَاتِ مِنْ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمُقَرَّرَةَ أَنَّ الشَّرَائِعَ إنَّمَا جِيءَ بِهَا لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ فَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالتَّخْيِيرُ جَمِيعًا رَاجِعَةٌ إلَى حَظِّ الْمُكَلَّفِ وَمَصَالِحِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ الْحُظُوظِ مُنَزَّهٌ عَنْ الْأَغْرَاضِ غَيْرَ أَنَّ الْحَظَّ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا دَاخِلٌ تَحْتَ الطَّلَبِ فَلِلْعَبْدِ أَخْذُهُ مِنْ جِهَةِ الطَّلَبِ فَلَا يَكُونُ سَاعِيًا فِي حَظِّهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَفُوتُهُ حَظُّهُ لَكِنَّهُ أُخِذَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الطَّلَبِ لَا مِنْ حَيْثُ بَاعِثِ نَفْسِهِ وَهَذَا مَعْنَى كَوْنِهِ بَرِيئًا مِنْ الْحَظِّ وَقَدْ يَأْخُذُهُ مِنْ حَيْثُ الْحَظِّ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ الطَّلَبِ فَطَلَبُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ صَارَ حَظُّهُ تَابِعًا لِلطَّلَبِ فَلَحِقَ بِمَا قَبْلَهُ فِي التَّجَرُّدِ عَنْ الْحَظِّ وَسُمِّيَ بِاسْمِهِ وَالثَّانِي غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ الطَّلَبِ فَلَا يَكُونُ آخِذًا لَهُ إلَّا مِنْ جِهَةِ إرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ لِأَنَّ الطَّلَبَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ بِالْغَرَضِ فَهُوَ وَقَدْ أَخَذَهُ إذًا مِنْ جِهَةِ حَظِّهِ فَلِهَذَا يُقَالُ فِي الْمُبَاحِ إنَّهُ الْعَمَلُ الْمَأْذُونُ فِيهِ الْمَقْصُودُ بِهِ مُجَرَّدُ الْحَظِّ الدُّنْيَوِيِّ خَاصَّةً اهـ أَيْ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتِمَّ فِيهِ الْحَظُّ الْمَذْكُورُ بِوَاسِطَةِ الْحَجْرِ عَنْ الِاسْتِرْسَالِ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ إلَّا بِمُقْتَضَى الْإِذْنِ لَمْ يَخْلُ عَنْ كُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ

قَرِينَةٍ عَلَى الْقَانُونِ الْمُتَقَدِّمِ حُمِلَ يَمِينُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ اُعْتُبِرَتْ نِيَّتُهُ أَوْ بِسَاطُ يَمِينِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُؤَكِّدَةِ) هَذَا الْفَرْقُ أَيْضًا ذَهَبَ عَنْهُ كُلُّ مَنْ يُفْتِي مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ فَلَا يَكَادُونَ يَتَعَرَّضُونَ عِنْدَ الْفَتَاوَى لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَإِذَا جَاءَهُمْ حَالِفٌ وَقَالَ حَلَفْت لَا لَبِسْتُ ثَوْبًا وَنَوَيْتُ الْكَتَّانَ يَقُولُونَ لَهُ لَا تَحْنَثُ بِغَيْرِ الْكَتَّانِ وَهُوَ خَطَأٌ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ النَّظَائِرِ وَطَرِيقُ كَشْفِ الْغِطَاءِ عَنْ ذَلِكَ أَنْ نَقُولَ إنَّ الْمُطْلِقَ إذَا أَطْلَقَ اللَّفْظَ الْعَامَّ وَنَوَى جَمِيعَ أَفْرَادِهِ بِيَمِينِهِ حَنَّثْنَاهُ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ لِوُجُودِ اللَّفْظِ فِيهِ وَلِوُجُودِ النِّيَّةِ وَالنِّيَّةُ هُنَا مُؤَكِّدَةٌ لِصِيغَةِ الْعُمُومِ وَإِنْ أَطْلَقَ اللَّفْظِ الْعَامَّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَلَا بِسَاطٍ وَلَا عَادَةٍ صَارِفَةٍ حَنَّثْنَاهُ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعُمُومِ لِلْوَضْعِ الصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ أَطْلَقَ اللَّفْظَ الْعَامَّ وَنَوَى بَعْضَهَا بِالْيَمِينِ وَغَفَلَ عَنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ حَنَّثْنَاهُ بِالْبَعْضِ الْمَنْوِيِّ بِاللَّفْظِ وَالنِّيَّةِ الْمُؤَكِّدَةِ وَبِالْبَعْضِ الْآخَرِ بِاللَّفْظِ فَإِنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِالْحُكْمِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى النِّيَّةِ لِصَرَاحَتِهِ وَالصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSالْعُرْفُ ثُمَّ اللُّغَةُ وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا حُكْمٌ فَالْمُعْتَبَرُ الْعُرْفُ ثُمَّ اللُّغَةُ لَا غَيْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ. (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُخَصَّصَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ إلَى قَوْلِهِ وَالصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى غَيْرِهِ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ تَحْنِيثِ الْحَالِفِ الْمُطْلِقِ اللَّفْظَ الْعَامَّ النَّاوِي لِبَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْغَافِلُ عَنْ سِوَاهُ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ النِّيَّةَ هِيَ أَوَّلُ مُعْتَبَرٍ فِي الْحَالِفِ ثُمَّ السَّبَبُ وَالْبِسَاطُ وَالسَّبَبُ وَالْبِسَاطُ إذَا اقْتَضَيَا تَقْيِيدَ اللَّفْظِ أَوْ تَخْصِيصَهُ نَزَلَ لَفْظُ الْحَالِفِ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَحْنَثْ بِمَا عَدَاهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ إلَّا لِأَنَّ السَّبَبَ وَالْبِسَاطَ يَدُلَّانِ عَلَى قَصْدِهِ التَّقْيِيدَ أَوْ التَّخْصِيصَ فَإِذَا نَوَى التَّقْيِيدَ وَالتَّخْصِيصَ فَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السَّبَبُ وَالْبِسَاطُ فَلَأَنْ يُعْتَبَرَ التَّقْيِيدُ وَالتَّخْصِيصُ الْمَنْوِيَّانِ أَوْلَى مِنْ الْمُسْتَدَلِّ عَلَيْهِمَا بِالسَّبَبِ وَالْبِسَاطِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَافْهَمْ وَثَانِي الْأُمُورِ أَنَّ مُتَعَلِّقَهُ الْفِعْلُ لَا الْكَوْنُ كَذَا وَثَالِثُهَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي خِطَابِ التَّكْلِيفِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ بِالتَّكْلِيفِ وَقُدْرَتُهُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ وَكَوْنُهُ مِنْ كَسْبِهِ لِقَوْلِ الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَالصَّوَابُ امْتِنَاعُ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ وَالْمُلْجَأِ اهـ. أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَنْ لَا يَدْرِي كَالنَّائِمِ وَالسَّاهِي فَلِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ تَكْلِيفُهُ لَكَانَ مُسْتَدْعِيَ حُصُولِ الْفِعْلِ مِنْهُ عَلَى قَصْدِ الطَّاعَةِ وَالِامْتِثَالِ وَهُوَ لَا يَفْهَمُ وَأَنَّهُ مُحَالٌ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ مِمَّنْ لَا شُعُورَ لَهُ بِالْأَمْرِ قَصْدُ الْفِعْلِ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ وَاسْتِحَالَةُ اللَّازِمِ يَلْزَمُهَا اسْتِحَالَةُ الْمَلْزُومِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَنْ يَدْرِي وَلَا مَنْدُوحَةَ لَهُ كَمَا أُلْجِئَ إلَيْهِ كَالْمُلْقَى مِنْ شَاهِقٍ عَلَى شَخْصٍ يَقْتُلُهُ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ عَنْ الْوُقُوعِ عَلَيْهِ الْقَاتِلِ لَهُ فَامْتِنَاعُ تَكْلِيفِهِ بِالْمُلْجَأِ إلَيْهِ أَوْ بِنَقِيضِهِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُلْجَأَ إلَيْهِ وَاجِبُ الْوُقُوعِ عَادَةً وَنَقِيضُهُ مُمْتَنِعُ الْوُقُوعِ كَذَلِكَ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْوَاجِبِ وَالْمُمْتَنِعِ، وَتَكْلِيفُ الْغَافِلِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ بَلْ مِنْ قَبِيلِ التَّكْلِيفِ الْمُحَالِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا هُوَ أَنَّ الْخَلَلَ فِي الْأَوَّلِ رَاجِعٌ إلَى الْمَأْمُورِ بِهِ وَفِي الثَّانِي رَاجِعٌ إلَى الْمَأْمُورِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَجْوِيزِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ جَوَازُ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ الَّذِي هُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّكْلِيفِ الْمُحَالِ عَلَى أَنَّ فِي التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ فَائِدَةً مَفْقُودَةً فِي تَكْلِيفِ الْغَافِلِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّخْصِ هَلْ يَمْتَثِلُ بِالْأَخْذِ فِي الْأَسْبَابِ أَوْ لَا نَعَمْ تَكْلِيفُ الْمُلْجَأِ مِنْ قَبِيلِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَكْلِيفِ الزَّمِنِ بِالْمَشْيِ وَالْإِنْسَانِ بِالطَّيَرَانِ الَّذِي عَدَّهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ مِنْ قَبِيل التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ وَجَوَّزَهُ قَالَ سم إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِمُجَرَّدِ أَنَّ الْمُلْجَأَ سَاقِطُ الِاخْتِيَارِ رَأْسًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَتَأَمَّلْ اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ الْمَحَلِّيّ وَالْعَطَّارِ وَالشِّرْبِينِيُّ قَالَ الشِّرْبِينِيُّ وَالْحَقُّ أَنَّ كَلَامَ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُلْجَأِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ جَوَازِ تَكْلِيفِ مَنْ أُزِيلَ رِضَاهُ وَاخْتِيَارُهُ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا قُدْرَةَ لَهُ أَصْلًا بِالْإِلْجَاءِ كَمَا أَنَّ كَلَامَهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْغَافِلِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ امْتِنَاعِ تَكْلِيفِهِ مِنْ حَيْثُ غَفْلَتِهِ وَفِي مَسْأَلَةِ التَّكْلِيفِ بِالْمُحَالِ أَيْ مَا لَا يُطَاقُ عَادَةً إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ جَوَازِ تَكْلِيفِ مَنْ لَا تَصْلُحُ قُدْرَتُهُ لِلْمُكَلَّفِ بِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّكْلِيفِ وَعَدَمِ إكْرَاهِهِ وَإِلْجَائِهِ فَكَلَامُهُمْ فِي كُلٍّ مِنْ حَيْثُ خُصُوصِهِ لَا مِنْ حَيْثُ عُمُومِ غَيْرِهِ لَهُ أَوْ عُمُومِهِ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُمْ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى اكْتَفَوْا فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَسَائِلِ الْمُتَشَابِهَةِ بِالْقُيُودِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ عُنْوَانِهَا وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ هِيَ مَحَلَّ الْكَلَامِ فِيهَا فَسَقَطَ مَا لسم وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ هُنَا فَافْهَمْ وَيُضْبَطُ خِطَابُ الْوَضْعِ بِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ أَيْضًا أَحَدُهَا أَنَّهُ يَنْحَصِرُ فِي الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ وَالْعَزَائِمِ وَالرُّخَصِ فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ بَعْدَ الصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ وَاحِدًا وَالْعَزَائِمِ وَالرُّخْصِ وَاحِدًا كَمَا فِي الْمُوَافَقَاتِ لِلشَّاطِبِيِّ وَلَمْ يَعُدَّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَشُرُوحِهِ وَحَوَاشِيهِ الْعَزَائِمَ وَالرُّخَصَ بَلْ اعْتَبَرُوا الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ نَوْعَيْنِ لَا نَوْعًا وَاحِدًا بَلْ قَالَ الْعَطَّارُ الْحَقُّ مَا لِلنَّاصِرِ مِنْ أَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْعَضُدِ مِنْ أَنَّ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ بِعَرَضِ الْعِبَادَةِ مَثَلًا عَلَى الْأَوَامِرِ فَكَوْنُ الْفِعْلِ مُوَافِقًا لِلْأَوَامِرِ أَوْ مُخَالِفًا لَا يَحْتَاجُ إلَى تَوْقِيفٍ مِنْ الشَّارِعِ بَلْ يُعْرَفُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ كَكَوْنِهِ مُؤَدِّيًا لِلصَّلَاةِ أَوْ تَارِكًا لَهَا فَلَا يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا بَلْ عَقْلِيًّا وَعَلَى هَذَا فَالْأَحْكَامُ الْوَضْعِيَّةُ ثَلَاثَةٌ اهـ وَثَانِيهَا أَنَّ مُتَعَلِّقَهُ

وَإِنْ أَطْلَقَ اللَّفْظَ الْعَامَّ وَقَالَ نَوَيْتُ إخْرَاجَ بَعْضِ أَنْوَاعِهِ عَنْ الْيَمِينِ قُلْنَا لَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ الْبَعْضِ الْمُخْرَجِ لِأَنَّ نِيَّتَهُ مُخَصِّصَةٌ لِعُمُومِ لَفْظِهِ وَهَذِهِ النِّيَّةُ بِخِلَافِ نِيَّتِهِ الْأُولَى وَهِيَ أَنْ يَقْصِدَ بَعْضَ الْأَنْوَاعِ بِالْيَمِينِ وَيَغْفُلَ عَنْ غَيْرِهِ بِسَبَبِ قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُخَصِّصِ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا لِلْمُخَصَّصِ وَمَتَى لَمْ تَكُنْ النِّيَّةُ مُنَافِيَةً لَمْ تَكُنْ مُخَصِّصَةً وَكَذَلِكَ الْمُخَصِّصَاتُ اللَّفْظِيَّةُ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعَارِضَةً لَا تَكُونُ مُخَصِّصَةً وَقَصْدُهُ بِدُخُولِ الْبَعْضِ فِي يَمِينِهِ مَعَ غَفْلَتِهِ عَنْ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِ اللَّفْظِ لَيْسَ مُنَافِيًا لِشَيْءٍ مِنْ اللَّفْظِ بَلْ كَاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ وَفِي الْبَعْضِ الْمَغْفُولِ عَنْهُ لَا مُؤَكِّدٌ وَلَا مُنَافٍ فَلَمْ تُوجَدْ حَقِيقَةُ الْمُخَصِّصِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْمُنَافَاةُ وَالْغَفْلَةُ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ هِيَ سَبَبُ الْغَلَطِ عِنْدَ مَنْ غَلِطَ فِي ذَلِكَ فَبِمُجَرَّدِ مَا يَسْمَعُ الْمُسْتَفْتِي يَقُولُ نَوَيْتُ الْكَتَّانَ يَقُولُ لَهُ لَا تَحْنَثْ بِغَيْرِهِ وَمَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْحِنْثَ بِغَيْرِ الْكَتَّانِ إلَّا الْقَصْدُ إلَيْهِ بِإِخْرَاجِهِ عَنْ الْيَمِينِ فَإِذَا لَمْ يَقْصِدْ إخْرَاجَهُ بَقِيَ مُنْدَرِجًا فِي عُمُومِ اللَّفْظِ وَالنِّيَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا إنَّمَا هِيَ مُوَافِقَةٌ لِلَفْظِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَإِنْ أَطْلَقَ اللَّفْظَ الْعَامَّ وَقَالَ نَوَيْتُ إخْرَاجَ بَعْضِ أَنْوَاعِهِ عَنْ الْيَمِينِ قُلْنَا لَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ الْبَعْضِ الْمُخْرَجِ لِأَنَّ نِيَّتَهُ مُخَصِّصَةٌ لِعُمُومِ لَفْظِهِ) قُلْت هَذَا هُوَ الِاسْتِثْنَاءُ بِالنِّيَّةِ دُونَ النُّطْقِ وَفِيهِ خِلَافٌ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ مَنْشَؤُهُ النَّظَرُ إلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ فَيُجْزِئُ بِالنِّيَّةِ أَوْ النَّظَرِ إلَى حَقِيقَةِ الِاسْتِثْنَاءِ فَلَا يُجْزِئُ إلَّا نُطْقًا قُلْت فَتَأَمَّلْ كَيْفَ جَعَلَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ التَّخْصِيصَ بِالنِّيَّةِ أَصْلًا وَذَلِكَ مُشْعِرٌ بِعَدَمِ الْخِلَافِ فِيهِ وَجَعَلَ الِاسْتِثْنَاءَ فَرْعًا مَحْمُولًا عَلَى أَنَّهُ تَخْصِيصٌ عَلَى قَوْلٍ وَعَلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ عَلَى آخَرَ وَذَلِكَ عَكْسُ مَا قَالَهُ شِهَابُ الدِّينِ فَإِنَّهُ سَاقَ التَّخْصِيصَ بِالنِّيَّةِ مَسَاقَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَصَوَّبَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ التَّخْصِيصِ بِهَا حَمْلًا عَلَى التَّأْكِيدِ وَسَاقَ الِاسْتِثْنَاءَ بِالنِّيَّةِ مَسَاقَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ قَالَ (وَهَذِهِ النِّيَّةُ بِخِلَافِ نِيَّةِ الْأُولَى وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ بَعْضَ الْأَنْوَاعِ بِالْيَمِينِ وَيَغْفُلَ عَنْ غَيْرِهِ بِسَبَبِ قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُخَصِّصِ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا لِلْمُخَصَّصِ وَمَتَى لَمْ تَكُنْ النِّيَّةُ مُنَافِيَةً لَمْ تَكُنْ مُخَصِّصَةً إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَوْنُ كَذَا لَا الْفِعْلُ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْخِطَابِ بِنَصْبِ الْأَسْبَابِ الْوَقْتِيَّةِ كَالدُّلُوكِ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ كَالْإِسْكَارِ لِلتَّحْرِيمِ وَالْخِطَابِ بِنَصْبِ الشُّرُوطِ لِلْحُكْمِ كَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ لِلْمَبِيعِ أَوْ لِسَبَبٍ كَالطَّهَارَةِ فِي الصَّلَاةِ وَسَبَبُهَا أَيْ الصَّلَاةِ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْخِطَابُ بِنَصْبِ الْمَوَانِعِ إمَّا لِلْحُكْمِ كَالْأُبُوَّةِ فِي الْقِصَاصِ أَوْ لِلسَّبَبِ كَالدَّيْنِ فِي الزَّكَاةِ وَالْخِطَابُ بِنَصْبِ الصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ لِلْعِبَادَاتِ وَالْعَادَاتِ وَكُلٌّ مِنْ لَفْظَيْ الصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ يُطْلَقُ بِاعْتِبَارِ تَرَتُّبِ آثَارِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَعَدَمِ تَرَتُّبِهِ عَلَيْهِ وَبِاعْتِبَارِ تَرَتُّبِ آثَارِ الْعَمَلِ فِي الْآخِرَةِ وَعَدَمِ تَرَتُّبِهِ وَالْخِطَابُ بِنَصْبِ الْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ وَالْعَزِيمَةُ مَا شُرِعَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ ابْتِدَاءً وَالرُّخْصَةُ مَا شُرِعَ لِعُذْرٍ شَاقٍّ اسْتِثْنَاءً مِنْ أَصْلٍ كُلِّيٍّ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَوَاضِعِ الْحَاجَةِ فِيهِ اُنْظُرْ الْمُوَافَقَاتِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ بَعْضِهِ فِي الْفَرْقِ الْحَادِي وَالثَّمَانِينَ فَتَرَقَّبْ وَثَالِثُهَا أَنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَقُدْرَتُهُ وَكَوْنُهُ مِنْ كَسْبِهِ فَلِذَلِكَ نُوَرِّثُ بِالْأَنْسَابِ مَنْ لَا يُعْلَمُ نَسَبُهُ وَيَدْخُلُ الْعَبْدُ الْمَوْرُوثُ فِي مِلْكِهِ وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ مَعَ غَفْلَتِهِ عَنْ ذَلِكَ وَعَجْزِهِ عَنْ دَفْعِهِ وَيُطْلَقُ بِالْإِضْرَارِ وَالْإِعْسَارِ اللَّذَيْنِ هُمَا مُجَوَّزٌ عَنْهُمَا وَيَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ الْمَغْفُولِ عَنْهُ مِنْ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ فَإِنَّ مَعْنَى خِطَابِ الْوَضْعِ قَوْلُ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِي السَّبَبِ اعْلَمُوا أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ كَذَا فَقَدْ وَجَبَ كَذَا أَوْ حَرُمَ كَذَا أَوْ نُدِبَ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ وَفِي الْمَانِعِ مَتَى وُجِدَ كَذَا فَقَدْ عُدِمَ كَذَا وَفِي الشَّرْطِ مَتَى عُدِمَ كَذَا فَقَدْ عُدِمَ كَذَا وَقِسْ الْبَاقِيَ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ وَالْقَصْدِ فِي أَسْبَابِ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي هِيَ جِنَايَاتٌ كَالْقَتْلِ الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ الْمُوجِبَيْنِ لِلْحَدِّ فَلِذَلِكَ لَا قِصَاصَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَلَا يَجِبُ حَدُّ الزِّنَا عَلَى الْمُكْرَهِ وَلَا عَلَى مَنْ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ أَجْنَبِيَّةٌ بَلْ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ سَقَطَ الْحَدُّ لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَاشْتِرَاطُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي أَسْبَابِ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَقْفِ وَالْإِجَارَةِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُغَارَسَةِ وَالْجَعَالَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ سَبَبُ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ فَمَنْ بَاعَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ أَوْ هَذَا التَّصَرُّفَ يُوجِبُ انْتِقَالَ الْمِلْكِ لِكَوْنِهِ عَجَمِيًّا أَوْ طَارِئًا عَلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعٌ وَلَا نَحْوُهُ مِنْ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مَعَهُ وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا ذُكِرَ مَعَهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فَلِأَنَّهُ لَمَّا ازْدَوَجَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ خِطَابُ التَّكْلِيفِ وَالْوَضْعِ لَحِقَهَا اشْتِرَاطُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ لَا مِنْ جِهَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ حَتَّى يُقَالَ بِاسْتِثْنَائِهَا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ نَعَمْ لَمَّا ارْتَفَعَ خِطَابُ التَّكْلِيفِ مَعَ عَدَمِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ ارْتَفَعَ خِطَابُ الْوَضْعِ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي آخِرَ الْفَرْقِ السَّابِعِ وَالتِّسْعِينَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَانِعِ اُعْتُبِرَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ وُجُودِيًّا وَبَيْنَ السَّبَبِ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ ذَلِكَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَانِعِ الْحُكْمِ وَعَدَمِ السَّبَبِ فَتَرَقَّبْ (وَصْلٌ) فِي ثُبُوتِ الْعَفْوِ وَعَدَمِ ثُبُوتِهِ قَوْلَانِ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِثُبُوتِهِ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْأَحْكَامَ الْخَمْسَةَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ مَعَ الْقَصْدِ إلَى الْفِعْلِ وَأَمَّا دُونَ ذَلِكَ فَلَا وَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حُكْمٌ مِنْهَا مَعَ وِجْدَانِهِ أَيْ الْحُكْمِ مِمَّنْ شَرَطَ الْحُكْمَ وَبَيَّنَ مَانِعَ السَّبَبِ وَعَدَمُ شَرْطِ شَأْنِهِ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِهِ فَهُوَ مَعْنَى الْعَفْوِ الْمُتَكَلَّمِ فِيهِ أَيْ لَا مُؤَاخَذَةَ بِهِ وَالثَّانِي مَا جَاءَ مِنْ النَّصِّ عَلَى هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ عَلَى الْخُصُوصِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا

فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ مُؤَكِّدَةٌ لَهُ فِيهِ لَا مُنَافِيَةٌ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ مُسَمَّى اللَّفْظِ أَلْبَتَّةَ فَالْمُعْتَبَرُ فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ فِي الْأَيْمَانِ إنَّمَا هُوَ الْقَصْدُ إلَى إخْرَاجِ بَعْضِ الْأَنْوَاعِ عَنْ الْعُمُومِ لَا الْقَصْدُ إلَى دُخُولِ بَعْضِ الْأَنْوَاعِ فِي الْعُمُومِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ مُنَافٍ وَمُخَصِّصٌ دُونَ الثَّانِي فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ مُؤَكِّدٌ فَفَاتَ فِيهِ شَرْطُ التَّخْصِيصِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُخَصِّصًا وَنَظِيرُ ذَلِكَ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ اللَّفْظِيَّةِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ تَعَالَى اُقْتُلُوا الْكُفَّارَ وَاقْتُلُوا الْيَهُودَ فَلَا نَقُولُ إنَّ قَوْلَهُ اُقْتُلُوا الْيَهُودَ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ اُقْتُلُوا الْكُفَّارَ بَلْ مُؤَكِّدٌ لِعُمُومِ اللَّفْظِ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ وَهُمْ الْيَهُودُ وَلَوْ قَالَ لَا تَقْتُلُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ لَكَانَ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ بَعْضِ أَنْوَاعِهِ وَهُمْ الْيَهُودُ لِحُصُولِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا فَكَذَلِكَ النِّيَّةُ. فَمَتَى قَالَ الْمُسْتَفْتَى نَوَيْتُ كَذَا فَانْظُرْ لِنِيَّتِهِ تِلْكَ هَلْ هِيَ مُخْرِجَةٌ مُنَافِيَةٌ لِعُمُومِ اللَّفْظِ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ أَمْ لَا فَإِنْ وَجَدْتهَا مُنَافِيَةً مُخْرِجَةً فَاجْعَلْهَا مُخَصِّصَةً وَلَا تُحَنِّثْهُ بِمَا نَوَى إخْرَاجَهُ عَنْ الْيَمِينِ وَإِنْ لَمْ تَجِدْهَا مُخْرِجَةً فَقُلْ لَا أَثَرَ لَهَا أَلْبَتَّةَ إلَّا التَّأْكِيدَ وَلَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْمُخَصِّصَاتِ وَمَتَى لَمْ تَجْرِ عَلَى هَذَا الْقَانُونِ أَخْطَأْت ـــــــــــــــــــــــــــــSوَمَتَى لَمْ تَجْرِ عَلَى هَذَا الْقَانُونِ أَخْطَأْت) قُلْت أَمَّا قَوْلُهُ إنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُخَصِّصِ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا لِلْمُخَصَّصِ فَصَحِيحٌ وَذَلِكَ فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ اللَّفْظِيِّ الدَّالِّ عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُخَصِّصَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُنَافِيًا اُحْتُمِلَ قَصْدُ التَّأْكِيدِ وَقَصْدُ التَّخْصِيصِ عَلَى السَّوَاءِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْ مُقْتَضَى الْعُمُومِ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ دَلِيلٌ لِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ الْخُصُوصِ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْمُنَافَاةُ فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَى التَّخْصِيصِ لِاسْتِحَالَةِ التَّنَاقُضِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَمَتَى لَمْ تَكُنْ النِّيَّةُ مُنَافِيَةً لَا تَكُونُ مُخَصِّصَةً فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ الصَّحِيحُ فِي النَّظَرِ أَنَّ النِّيَّةَ تَكُونُ مُخَصِّصَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُنَافِيَةً مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَوَاعِدَ الشَّرْعِيَّةَ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا تَتَرَتَّبُ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ إلَّا عَلَى النِّيَّاتِ وَالْقُصُودِ وَمَا لَيْسَ بِمَنْوِيٍّ وَلَا مَقْصُودٍ فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ وَلَا مُؤَاخَذٍ بِسَبَبِهِ وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَكَادُ يَجْهَلُهُ أَحَدٌ مِنْ الشَّرْعِ وَلَمْ يَحْمِلْ شِهَابُ الدِّينِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنَهَى عَنْ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا وَعَفَا عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ لَا عَنْ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا رَأَيْت قَوْمًا خَيْرًا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا سَأَلُوهُ إلَّا عَنْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً حَتَّى قُبِضَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهَا فِي الْقُرْآنِ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} [البقرة: 220] {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 217] مَا كَانُوا يَسْأَلُونَ إلَّا عَمَّا يَنْفَعُهُمْ يَعْنِي أَنَّ هَذَا كَانَ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ مِمَّا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ يَسْأَلُ عَنْ الشَّيْءِ لَمْ يَحْرُمْ فَيَقُولُ عَفْوٌ وَقِيلَ لَهُ مَا تَقُولُ فِي أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَقَالَ الْعَفْوُ يَعْنِي لَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ زَكَاةٌ وَقَالَ عُبَيْدُ بْنَ عُمَيْرٍ أَحَلَّ اللَّهُ حَلَالًا وَحَرَّمَ حَرَامًا فَمَا حَلَّ فَهُوَ حَلَالٌ وَمَا حَرُمَ فَهُوَ حَرَامٌ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ. 2 - وَالثَّالِثُ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي الْجُمْلَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: 43] الْآيَةَ فَإِنَّهُ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ فِي الْإِذْنِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الشَّرِيعَةِ الْعَفْوُ عَنْ الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ حَسْبَمَا بَسَطَهُ الْأُصُولِيُّونَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68] «وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَكْرَهُ كَثْرَةَ السُّؤَالِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ حُكْمٌ» بِنَاءً عَلَى حُكْمِ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ إذْ هِيَ رَاجِعَةٌ إلَى هَذَا الْمَعْنَى وَمَعْنَاهَا أَنَّ الْأَفْعَالَ مَعَهَا مَعْفُوٌّ عَنْهَا وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِمْ فَحَرُمَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» اُنْظُرْ الْمُوَافَقَاتِ لِلشَّاطِبِيِّ وَاَسْتَدَلَّ الْقَائِلُ بِعَدَمِهِ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَيْضًا أَحَدُهَا أَنَّ أَفْعَالَ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ حَيْثُ هُمْ مُكَلَّفُونَ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِجُمْلَتِهَا دَاخِلَةً تَحْتَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ فَهُوَ الِاقْتِضَاءُ أَوْ التَّخْيِيرُ أَوْ لَا تَكُونُ بِجُمْلَتِهَا دَاخِلَةً فَإِنْ كَانَ بِجُمْلَتِهَا دَاخِلَةً فَلَا زَائِدَ عَلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ دَاخِلَةً بِجُمْلَتِهَا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمُكَلَّفِينَ خَارِجًا عَنْ حُكْمِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَلَوْ فِي وَقْتٍ أَوْ حَالَةٍ مَا لَكِنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ لِأَنَّا فَرَضْنَاهُ مُكَلَّفًا فَلَا يَصِحُّ خُرُوجُهُ فَلَا زَائِدَ عَلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا زَائِدٌ إمَّا أَنْ يَكُونَ حُكْمًا شَرْعِيًّا أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَإِنْ كَانَ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَإِمَّا مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَأَنْوَاعُهُ مَحْصُورَةٌ فِي الْخَمْسَةِ وَإِمَّا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَأَنْوَاعُهُ أَيْضًا مَحْصُورَةٌ فِي الْخَمْسَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْأُصُولِيُّونَ وَهَذَا لَيْسَ مِنْ هَذِهِ وَلَا مِنْ هَذِهِ فَكَانَ لَغْوًا وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا أَوْ لَا أَنَّهُ مُسَمًّى بِالْعَفْوِ وَالْعَفْوُ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ حَيْثُ يُتَوَقَّعُ لِلْمُكَلَّفِ حُكْمُ الْمُخَالَفَةِ لِأَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْمُكَلَّفِ بِهِ قَدْ سَبَقَ حُكْمُهُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَوَارَدَ عَلَيْهِ حُكْمٌ آخَرُ لِتَضَادِّ الْأَحْكَامِ وَثَانِيًا أَنَّ الْعَفْوَ إنَّمَا هُوَ حُكْمٌ أُخْرَوِيٌّ لَا دُنْيَوِيٌّ وَكَلَامُنَا فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَوَجِّهَةِ فِي الدُّنْيَا وَالثَّالِثُ أَنَّ هَذَا الزَّائِدَ أَيْ مَرْتَبَةَ الْعَفْوِ إنْ كَانَتْ رَاجِعَةً إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُصُولِيَّةِ وَهِيَ أَنْ يُقَالَ هَلْ يَصِحُّ أَنْ يَخْلُوَ بَعْضُ الْوَقَائِعِ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ أَمْ لَا فَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَلَيْسَ إثْبَاتُهَا أَوْلَى مِنْ نَفْيِهَا إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْأَدِلَّةُ فِيهَا مُتَعَارِضَةٌ فَلَا يَصِحُّ إثْبَاتُهَا إلَّا بِالدَّلِيلِ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ وَدَعْوَاهُ وَأَيْضًا إنْ كَانَتْ اجْتِهَادِيَّةً فَالظَّاهِرُ نَفْيُهَا بِالْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَاجِعَةً إلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فَلَيْسَتْ بِمَفْهُومَةٍ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى إثْبَاتِ تِلْكَ الْمَرْتَبَةِ لَا دَلِيلَ فِيهِ فَالْأَدِلَّةُ النَّقْلِيَّةُ غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لِلْخُرُوجِ عَنْ الْأَحْكَامِ

فَإِنْ قُلْت يَرِدُ عَلَى مَا ذَكَرْته سُؤَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ وَأَنَّهُ جَائِزٌ وَلَا مَعْنَى لَهُ إلَّا مَا أَنْكَرْته وَثَانِيهِمَا أَنَّ قَوْلَهُ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْتُ ثَوْبًا وَنَوَى الْكَتَّانَ وَغَفَلَ عَنْ غَيْرِهِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا كَتَّانًا وَهُوَ غَافِلٌ عَنْ غَيْرِ الْكَتَّانِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ الْكَتَّانِ إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ قُلْت الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْعُلَمَاءِ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ هُوَ مَا ذَكَرْته بَلْ مَعْنَاهُ أَنْ يُطْلَقَ اللَّفْظُ وَيَخْرُجَ بَعْضُ مُسَمَّيَاتِهِ عَنْ الْحُكْمِ الْمُسْتَنِدِ إلَى الْعُمُومِ أَمَّا قَصْدُ بَعْضِ الْعُمُومِ دُونَ الْبَعْضِ فَلَيْسَ ذَلِكَ اسْتِعْمَالَ الْعُمُومِ فِي الْخُصُوصِ بَلْ اسْتِعْمَالَ الْعُمُومِ فِي الْعُمُومِ وَأَكَّدَ بِالنِّيَّةِ فِي الْخُصُوصِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ حَسَنٌ قَوِيٌّ. وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَاخْتَارَهُ إلَّا تَوَهُّمُهُ أَنَّ حُكْمَ النِّيَّاتِ كَحُكْمِ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَدْلُولَاتِ وَالْأَمْرُ لَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (فَإِنْ قُلْت يَرِدُ عَلَى مَا ذَكَرْته سُؤَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ وَأَنَّهُ جَائِزٌ وَلَا مَعْنَى لَهُ إلَّا مَا أَنْكَرْته وَثَانِيهِمَا أَنَّ قَوْلَهُ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْتُ ثَوْبًا وَنَوَى الْكَتَّانَ وَغَفَلَ عَنْ غَيْرِهِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا كَتَّانًا وَهُوَ غَافِلٌ عَنْ غَيْرِ الْكَتَّانِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ الْكَتَّانِ إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ) قُلْت السُّؤَالَانِ وَاقِعَانِ لَازِمَانِ قَالَ (قُلْت الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْعُلَمَاءِ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ إلَى قَوْلِهِ وَأُكِّدَ بِالنِّيَّةِ بِالْخُصُوصِ) قُلْت جَوَابُهُ مُجَرَّدُ دَعْوَى يُقَابَلُ بِمِثْلِهَا ثُمَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مُرَادَ الْعُلَمَاءِ ذَلِكَ تَجْوِيزُهُمْ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ بِالْمُنَافِي وَإِطْبَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الشَّارِعَ أَرَادَ بِلَفْظِ الْعُمُومِ الْخُصُوصَ لَا أَنَّهُ أَرَادَ الْعُمُومَ ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ بِالتَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ نَسْخًا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْته بَلْ كُلُّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَعْنَى النَّسْخِ وَالتَّخْصِيصِ فَظَهَرَ صِحَّةُ قَوْلِ مُخَالِفِهِ وَبَطَلَتْ دَعْوَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ حَسَنٌ قَوِيٌّ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَمْسَةِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّ الْعَفْوَ أُخْرَوِيٌّ وَأَيْضًا فَإِنْ سَلِمَ لِلْعَفْوِ ثُبُوتٌ فَفِي زَمَانِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا فِي غَيْرِهِ وَلِإِمْكَانِ تَأْوِيلِ تِلْكَ الظَّوَاهِرِ وَمَا سَيُذْكَرُ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَفْوِ فَدَاخِلَةٌ أَيْضًا تَحْتَ الْخَمْسَةِ فَإِنَّ الْعَفْوَ فِيهَا رَاجِعٌ إلَى رَفْعِ حُكْمِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَالْإِكْرَاهِ وَالْحَرَجِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي إمَّا الْجَوَازُ بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ وَإِمَّا رَفْعُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ مِنْ الذَّمِّ وَتَسْبِيبِ الْعِقَابِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مَعَ رَفْعِ آثَارِهِمَا لِمُعَارِضٍ فَارْتَفَعَ الْحُكْمُ بِمَرْتَبَةِ الْحُكْمِ وَأَنْ يَكُونَ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الْخَمْسَةِ وَفِي هَذَا الْمَجَالِ أَبْحَاثٌ أُخَرُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِثُبُوتِ الْعَفْوِ فَهَلْ هُوَ حُكْمٌ أَمْ لَا احْتِمَالَاتٌ وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ فَهَلْ يَرْجِعُ إلَى خِطَابِ التَّكْلِيفِ أَمْ إلَى خِطَابِ الْوَضْعِ احْتِمَالَاتٌ جَزَمَ الْأَصْلُ بِالثَّانِي وَقَالَ الشَّاطِبِيُّ وَالنَّظَرُ فِي هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِمَّا يَنْبَنِي عَلَيْهِ حُكْمٌ عَمَلِيٌّ لَمْ يَتَأَكَّدْ الْبَيَانُ فِيهِ فَكَانَ الْأَوْلَى تَرْكَهُ أَفَادَ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي الْمُوَافَقَاتِ وَلِمَوَاقِعِ الْعَفْوِ عَلَى ثُبُوتِهِ إعْمَالًا لِأَدِلَّتِهِ ضَابِطَانِ الضَّابِطُ الْأَوَّلُ لِلْأَصْلِ أَنَّهُ التَّقَادِيرُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي هِيَ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ كَتَقْدِيرِ النَّجَاسَةِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فِي صُوَرِ الضَّرُورَاتِ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَمَوْضِعِ الْحَدَثِ فِي الْمَخْرَجَيْنِ أَوْ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ كَتَقْدِيرِ الْكُفْرِ الْمَعْدُومِ عِنْدَ قَتْلِ الْمُسْلِمِ لِظَنِّهِ كَافِرًا فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ فَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَالضَّابِطُ الثَّانِي لِلشَّاطِبِيِّ فِي الْمُوَافَقَاتِ أَنَّهُ يَنْحَصِرُ فِي ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا الْوُقُوفُ مَعَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ قَصْدَ نَحْوِهِ وَقَدْ قَوِيَ مُعَارِضُهُ كَالْعَمَلِ بِالْعَزِيمَةِ الرَّاجِعَةِ إلَى أَصْلِ التَّكْلِيفِ وَإِنْ تَوَجَّهَ حُكْمُ الرُّخْصَةِ الْمُسْتَمَدَّةِ مِنْ قَاعِدَةِ رَفْعِ الْحَرَجِ وَبِالْعَكْسِ فَالرُّجُوعُ إلَى حُكْمِ الرُّخْصَةِ وُقُوفٌ مَعَ مَا مِثْلُهُ مُعْتَمَدٌ لَكِنْ لَمَّا كَانَ أَصْلُ رَفْعِ الْحَرَجِ وَارِدًا عَلَى أَصْلِ التَّكْلِيفِ وَوَرَدَ الْمُكَمِّلُ تَرَجَّحَ جَانِبُ أَصْلِ الْعَزِيمَةِ بِوَجْهٍ مَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَخْرِمُ أَصْلَ الرُّجُوعِ لِأَنَّ بِذَلِكَ الْمُكَمِّلِ قِيَامَ أَصْلِ التَّكْلِيفِ وَقَدْ اُعْتُبِرَ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ هَذَا فَفِيهِ أَنَّ مَنْ سَافَرَ فِي رَمَضَانَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرْدٍ فَظَنَّ أَنَّ الْفِطْرَ مُبَاحٌ بِهِ فَأَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَمَنْ أَفْطَرَ فِيهِ بِتَأْوِيلٍ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ غَيْرَ عِلْمِيٍّ بَلْ هَذَا جَارٍ فِي كُلِّ مُتَأَوَّلٍ كَشَارِبِ الْمُسْكِرِ يَظُنُّهُ غَيْرَ مُسْكِرٍ وَقَاتِلِ الْمُسْلِمِ يَظُنُّهُ كَافِرًا وَآكِلِ الْمَالِ الْحَرَامِ عَلَيْهِ يَظُنُّهُ حَلَالًا لَهُ وَالْمُتَطَهِّرِ بِمَاءٍ نَجِسٍ يَظُنُّهُ طَاهِرًا وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ الْمُجْتَهِدُ الْمُخْطِئُ فِي اجْتِهَادِهِ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ «ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ فَسَمِعَهُ يَقُولُ اجْلِسُوا فَجَلَسَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَرَآهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ تَعَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَسَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَهُوَ بِطَرِيقِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَقُولُ اجْلِسُوا فَجَلَسَ فِي الطَّرِيقِ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَا شَأْنُك فَقَالَ سَمِعْتُك تَقُولُ اجْلِسُوا فَجَلَسْت فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَادَك اللَّهُ طَاعَةً» وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُصَلِّي أَحَدٌ الْعَصْرَ إلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَدْرَكَهُمْ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ نُصَلِّي وَلَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدَةً مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ» وَيَدْخُلُ هَهُنَا كُلُّ قَضَاءٍ قَضَى بِهِ الْقَاضِي مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ لَهُ خَطَؤُهُ مَا لَمْ يَكُنْ قَدْ أَخْطَأَ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا أَوْ بَعْضُ الْقَوَاطِعِ وَكَذَلِكَ التَّرْجِيحُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ فَإِنَّهُ وُقُوفٌ مَعَ أَحَدِهِمَا وَإِهْمَالٌ لِلْآخَرِ فَإِذَا

بَاطِلٌ بِسَبَبِ قَاعِدَةٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَهِيَ أَنَّ الْعَرَبَ إذَا أَلْحَقَتْ بِلَفْظٍ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ لَفْظًا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ صَارَ اللَّفْظُ الْمُسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ نَحْوَ عِنْدِي عَشَرَةٌ إلَّا اثْنَيْنِ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَفْظٌ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ. فَإِذَا اتَّصَلَ بِلَفْظِ الْعَشَرَةِ الْمُسْتَقِلِّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَلَا نُقَرِّرُ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ وَنُلْزِمُهُ الْعَشَرَةَ وَيُعَدُّ نَادِمًا بِقَوْلِهِ إلَّا اثْنَيْنِ بَلْ نَقُولُ الْأَوَّلُ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمٌ أَلْبَتَّةَ إلَّا مَعَ الثَّانِي وَالْكَلَامُ بِآخِرِهِ وَهُوَ مَوْقُوفٌ حَتَّى يَسْكُتَ فَيُتِمَّ الْأَوَّلَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْدَهُ بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَيَتَعَيَّنَ ضَمُّهُ إلَيْهِ أَمَّا لَوْ جَاءَ بِكَلَامٍ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ عِنْدِي عَشَرَةٌ وَرَدَدْتهَا إلَيْهِ أَلْزَمْنَاهُ الْعَشَرَةَ لِأَنَّ اللَّفْظَ الثَّانِيَ لَوْ نَطَقَ بِهِ وَحْدَهُ اسْتَقَلَّ بِنَفْسِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ضَمِّهِ إلَى الْأَوَّلِ وَإِذَا كُنَّا نُبْطِلُ اللَّفْظَ الْمُسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ بِسَبَبٍ إنْ اتَّصَلَ بِهِ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فِي الْأَقَارِيرِ الَّتِي هِيَ أَضْيَقُ مِنْ غَيْرِهَا فَأَوْلَى فِي الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُهُ لَا لَبِسْت ثَوْبًا مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ لَحِقَهُ قَوْلُهُ كَتَّانًا وَهُوَ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ فَبَطَلَ عُمُومُهُ وَصَارَ الْكَلَامُ بِآخِرِهِ وَلَمْ يَتَقَرَّرْ مِنْ الْأَوَّلِ حُكْمٌ فَلَمْ يَنْطِقْ إلَّا بِالْكَتَّانِ فِي حَلِفِهِ وَبَقِيَ غَيْرُ الْكَتَّانِ غَيْرَ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ فَلَا نُحَنِّثُهُ بِهِ وَأَمَّا النِّيَّةُ فَلَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ وَلَا تَشْمَلُهَا هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَلَا تَتَوَقَّفُ الْأَلْفَاظُ الصَّرِيحَةُ عَلَيْهَا وَإِذَا لَحِقَتْ لَمْ تُعَكِّرْ عَلَى عُمُومٍ بِالتَّخْصِيصِ إلَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِإِخْرَاجِ بَعْضِ أَفْرَادِهِ إمَّا بِتَقْرِيرِ الْحُكْمِ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ فَلَا لِأَنَّهَا مُؤَكِّدَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSبَاطِلٌ بِسَبَبِ قَاعِدَةٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَهِيَ أَنَّ الْعَرَبَ إذَا أَلْحَقَتْ بِلَفْظٍ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ لَفْظًا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ صَارَ اللَّفْظُ الْمُسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ وَبَقِيَ غَيْرُ الْكَتَّانِ غَيْرَ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ) قُلْت مَا قَالَهُ مُسَلَّمٌ قَالَ (وَأَمَّا النِّيَّةُ فَلَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ وَلَا تَشْمَلُهَا هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَلَا تَتَوَقَّفُ الْأَلْفَاظُ الصَّرِيحَةُ عَلَيْهَا إلَى قَوْلِهِ أَمَّا بِتَقْرِيرِ الْحُكْمِ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ فَلَا لِأَنَّهَا مُؤَكَّدَةٌ) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا دَعْوَى وَهِيَ عَيْنُ رَأْيِهِ وَلَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ بِحُجَّةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفُرِضَ مُهْمِلًا لِلرَّاجِحِ فَذَلِكَ لِأَجْلِ وُقُوفِهِ مَعَ الْمَرْجُوحِ وَهُوَ فِي الظَّاهِرِ دَلِيلٌ يُعْتَمَدُ مِثْلُهُ وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ بِدَلِيلٍ مَنْسُوخٍ أَوْ غَيْرِ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ وُقُوفٌ مَعَ ظَاهِرِ دَلِيلٍ يُعْتَمَدُ مِثْلُهُ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْعَفْوِ وُقُوفُهُ مَعَ مُقْتَضَى دَلِيلٍ غَيْرِ مُعَارِضٍ لِأَنَّهُ أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ أَوْ تَخْيِيرٌ عُمِلَ عَلَى وَفْقِهِ فَلَا عَتَبَ يُتَوَهَّمُ فِيهِ وَمُؤَاخَذَةٌ تَلْزَمُهُ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ فَلَا مَوْقِعَ لِلْعَفْوِ فِيهِ وَلَا وُقُوفِهِ مَعَ مَا لَمْ يَقْوَ مُعَارِضُهُ لِأَنَّهُ مِنْ النَّوْعِ الثَّانِي النَّوْعُ الثَّانِي خُرُوجُهُ عَنْ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَوْ عَنْ قَصْدٍ لَكِنْ بِالتَّأْوِيلِ فَمِثَالُ مُخَالَفَتِهِ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ عَمَلًا عَلَى اعْتِقَادِ إبَاحَتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ دَلِيلُ تَحْرِيمِهِ أَوْ كَرَاهِيَتِهِ أَوْ يَتْرُكَهُ مُعْتَقِدًا إبَاحَتَهُ إذَا لَمْ يَبْلُغْهُ دَلِيلُ وُجُوبِهِ أَوْ نَدْبِهِ كَقَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْخَمْرَ مُحَرَّمَةٌ فَيَشْرَبُهَا أَوْ لَا يَعْلَمُ أَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَاجِبٌ فَيَتْرُكُهُ وَكَمَا اُتُّفِقَ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ حِينَ لَمْ تَعْلَمْ الْأَنْصَارِ طَلَبَ الْغُسْلِ مِنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ يَتَبَيَّنُ لِلْمُجْتَهِدِينَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى تَخْلِيلَ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَيَرَاهُ مِنْ التَّعَمُّقِ حَتَّى بَلَغَهُ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُخَلِّلُ» فَرَجَعَ إلَى الْقَوْلِ بِهِ وَكَمَا اُتُّفِقَ لِأَبِي يُوسُفَ مَعَ مَالِكٍ فِي الْمُدِّ وَالصَّاعِ حَتَّى رَجَعَ إلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ وَمِنْ ذَلِكَ الْعَمَلُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ خَطَأً أَوْ نِسْيَانًا أَوْ إكْرَاهًا فَفِي الْحَدِيثِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ إلَّا أَنَّ مَعْنَاهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعَفْوُ عَنْ عَثَرَاتِ ذَوِي الْهَيْئَاتِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ فِي الشَّرْعِ إقَالَتُهُمْ فِي الزَّلَّاتِ وَأَنْ لَا يُعَامَلُوا بِسَبَبِهَا مُعَامَلَةَ غَيْرِهِمْ فَفِي الْحَدِيثِ «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «تَجَافَوْا عَنْ عُقُوبَةِ ذَوِي الْمُرُوءَةِ وَالصَّلَاحِ» وَرُوِيَ الْعَمَلُ بِذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرُو بْنِ حَزْمٍ فَإِنَّهُ قَضَى بِهِ فِي رَجُلٍ مِنْ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ شَبَحَ رَجُلًا وَضَرَبَهُ فَأَرْسَلَهُ وَقَالَ أَنْتَ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ وَفِي خَبَرٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ اسْتَأْذَى عَلَيَّ مَوْلًى لِي جَرَحْته يُقَالُ لَهُ سَلَامٌ الْبَرْبَرِيُّ إلَى ابْنِ حَزْمٍ فَأَتَانِي فَقَالَ جَرَحْته قُلْت نَعَمْ قَالَ سَمِعْت خَالَتِي عَمْرَةَ تَقُولُ قَالَتْ عَائِشَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ» فَخَلَّى سَبِيلَهُ وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَهَذَا أَيْضًا مِنْ شُئُونِ رَبِّ الْعِزَّةِ سُبْحَانَهُ فَإِنَّهُ قَالَ {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم: 31] {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ} [النجم: 32] الْآيَةَ لَكِنَّهَا أَحْكَامٌ أُخْرَوِيَّةٌ وَكَلَامُنَا فِي الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَيَقْرَبُ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى دَرْءُ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ فَإِنَّ الدَّلِيلَ يَقُومُ هُنَالِكَ مُفِيدًا لِلظَّنِّ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِذَا عَارَضَهُ شُبْهَةٌ وَإِنْ ضَعُفَتْ غَلَبَ حُكْمُهَا وَدَخَلَ صَاحِبُهَا فِي حُكْمِ الْعَفْوِ وَقَدْ يُعَدُّ هَذَا الْمَجَالُ مِمَّا خُولِفَ فِيهِ الدَّلِيلُ بِالتَّأْوِيلِ وَهُوَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ أَيْضًا وَمِثَالُ مُخَالَفَتِهِ بِالتَّأْوِيلِ مَعَ الْمَعْرِفَةِ بِالدَّلِيلِ مَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] الْآيَةَ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ حِينَ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إنْ كُنْتُ شَرِبْتهَا فَلَيْسَ لَك أَنْ تَجْلِدَنِي قَالَ عُمَرُ وَلِمَ قَالَ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] الْآيَةَ. فَقَالَ عُمَرُ إنَّك أَخْطَأْت التَّأْوِيلَ يَا قُدَامَةُ إذَا اتَّقَيْت اجْتَنَبْت مَا حَرَّمَ اللَّهُ قَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ تُكَفِّرُ مَا كَانَ مِنْ شُرْبِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ اتَّقَى وَآمَنَ وَعَمِلَ الصَّالِحَاتِ وَأَخْطَأَ

فَإِنْ قُلْت فَلِمَ تُجْعَلُ الصِّفَةُ اللَّاحِقَةُ لِلْعُمُومِ مُؤَكِّدَةً لِلْعُمُومِ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ وَهُوَ الْكَتَّانُ وَيَبْقَى اللَّفْظُ عَلَى عُمُومِهِ فِي غَيْرِ الْكَتَّانِ فَيَحْنَثُ بِغَيْرِهِ وَالتَّأْكِيدُ كَمَا يُتَصَوَّرُ بِالنِّيَّةِ يُتَصَوَّرُ بِاللَّفْظِ فَإِنَّ الْعَرَبَ تُؤَكِّدُ بِالْأَلْفَاظِ إجْمَاعًا كَذِكْرِ الشَّيْءِ مَرَّتَيْنِ وَقَوْلُهُمْ قَبَضْت الْمَالَ كُلَّهُ نَفْسَهُ وَأَلْفَاظُ التَّأْكِيدِ كَثِيرَةٌ أَسْمَاءٌ وَحُرُوفٌ كَانَ وَأَنَّ وَاللَّامَ نَحْوَ إنَّ زَيْدًا لَقَائِمٌ فَتَكُونُ الصِّفَةُ الْمُؤَكِّدَةُ لِلْعُمُومِ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ فَيَبْقَى عَلَى عُمُومِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ النَّوْعِ كَمَا قُلْته فِي النِّيَّةِ حَرْفًا بِحَرْفٍ فَإِنْ جَعَلْتهَا أَعْنِي الصِّفَةَ مُخَصِّصَةً مَعَ صَلَاحِيَّتِهَا لِلتَّأْكِيدِ لَزِمَك أَنْ تَجْعَلَ النِّيَّةَ مُخَصِّصَةً مَعَ صَلَاحِيَّتِهَا لِلتَّأْكِيدِ وَغَايَتُهُ فِي الصِّفَةِ إنْ نَطَقَ بِصِفَةِ بَعْضِ الْأَنْوَاعِ كَمَا نَوَى هَاهُنَا بَعْضَ الْأَنْوَاعِ فَيَكُونُ الْكُلُّ مُؤَكِّدًا أَوْ الْكُلُّ مُخَصِّصًا أَمَّا جَعْلُ الصِّفَةِ مُخَصِّصَةً وَالنِّيَّةُ غَيْرَ مُخَصِّصَةٍ مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا لَمْ يَتَنَاوَلْ غَيْرَ الْكَتَّانِ بِالْإِخْرَاجِ فَتَحَكُّمٌ مَحْضٌ قُلْت هَذَا السُّؤَالُ حَسَنٌ وَقَوِيٌّ وَقَلَّ مَنْ يَتَفَطَّنُ لَهُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ نَقُولَ إنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ التَّحَكُّمِ بَلْ الْفَرْقُ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالنِّيَّةِ أَنَّ الصِّفَةَ لَفْظٌ لَهُ مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ وَهُوَ دَلَالَتُهُ عَلَى عَدَمِ غَيْرِ الْمَذْكُورِ فَكَانَ دَالًّا بِمَفْهُومِهِ عَلَى عَدَمِ انْدِرَاجِ غَيْرِ الْكَتَّانِ فِي الْيَمِينِ بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ الَّتِي هِيَ الْمَفْهُومُ وَالنِّيَّةُ لَيْسَ لَهَا دَلَالَةٌ أَلْبَتَّةَ لَا مُطَابَقَةَ وَلَا تَضَمُّنَ وَلَا الْتِزَامَ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَعَانِي وَالْمَعَانِي مَدْلُولَاتٌ لَا دَالَّةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي النِّيَّةِ مَا يَقْتَضِي إخْرَاجَ غَيْرِ الْكَتَّانِ فَبَقِيَ الْعُمُومُ فِيهِ لِعُمُومِ اللَّفْظِ بِخِلَافِ الصِّفَةِ فَإِنَّهُ وُجِدَ فِيهَا الدَّالُّ عَلَى الْإِخْرَاجِ مِنْ جِهَةِ دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ وَهُوَ مَفْهُومُ الصِّفَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (فَإِنْ قُلْت فَلِمَا لَا تَجْعَلُ الصِّفَةَ اللَّاحِقَةَ لِلْعُمُومِ مُؤَكِّدَةً لِلْعُمُومِ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِهِ وَهُوَ الْكَتَّانُ إلَى آخِرِ السُّؤَالِ) قُلْت السُّؤَالُ وَارِدٌ قَالَ (قُلْت هَذَا السُّؤَالُ حَسَنٌ وَقَوِيٌّ وَقَلَّ مَنْ يَتَفَطَّنُ لَهُ) قُلْت يَكْفِي اعْتِرَافُهُ بِقُوَّةِ السُّؤَالِ قَالَ (وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ نَقُولَ إنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّحَكُّمِ بَلْ الْفَرْقُ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالنِّيَّةِ أَنَّ الصِّفَةَ لَفْظٌ لَهُ مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ وَهُوَ دَلَالَتُهُ عَلَى عَدَمِ غَيْرِ الْمَذْكُورِ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي التَّأْوِيلِ بِخِلَافِ مَنْ اسْتَحَلَّهَا كَمَا فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يَأْتِ فِي حَدِيثِ قُدَامَةَ أَنَّهُ حُدَّ وَمِمَّا وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ زَمَانًا جَاهِلَةً بِالْعَمَلِ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهَا فِيمَا تَرَكَتْ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ لَوْ طَالَ بِالْمُسْتَحَاضَةِ وَالنُّفَسَاءِ الدَّمُ فَلَمْ تُصَلِّ النُّفَسَاءُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَلَا الْمُسْتَحَاضَةُ شَهْرًا لَمْ تَقْضِيَا مَا مَضَى إذَا تَأَوَّلَتَا فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ دَوَامَ مَا بِهِمَا مِنْ الدَّمِ وَقِيلَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا تَرَكَتْ بَعْدَ أَيَّامِ أَقْرَائِهَا يَسِيرًا أَعَادَتْهُ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلَيْسَ عَلَيْهَا قَضَاؤُهُ بِالْوَاجِبِ وَفِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا إذَا تَرَكَتْ الصَّلَاةَ بَعْدَ الِاسْتِظْهَارِ جَاهِلَةً لَا تَقْضِي صَلَاةَ تِلْكَ الْأَيَّامِ وَاسْتَحَبَّ ابْنُ الْقَاسِمِ لَهَا الْقَضَاءَ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الْمُسَافِرُ يَقْدُمُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَيَظُنُّ أَنَّ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَا صَوْمَ لَهُ أَوْ تَطْهُرُ الْحَائِضُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا حَتَّى تَطْهُرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَلَا كَفَّارَةَ هُنَا وَإِنْ خَالَفَ الدَّلِيلَ لِأَنَّهُ مُتَأَوَّلٌ وَإِسْقَاطُ الْكَفَّارَةِ هُوَ مَعْنَى الْعَفْوِ النَّوْعُ الثَّالِثُ الْعَمَلُ بِمَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْ حُكْمِهِ إمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْخُلُوِّ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى حَدِيثِ «وَمَا سُكِتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ» وَأَشْبَاهِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْخُلُوِّ فَيُمْكِنُ أَنْ يُصْرَفَ السُّكُوتُ عَلَيْهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ مَعَ وُجُودِ فِطْنَتِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] فَإِنَّ هَذَا الْعُمُومَ يَتَنَاوَلُ بِظَاهِرِهِ مَا ذَبَحُوا لِأَعْيَادِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ وَإِذَا نُظِرَ إلَى الْمَعْنَى أَشْكَلَ لِأَنَّ فِي ذَبَائِحِ الْأَعْيَادِ زِيَادَةً تُنَافِي أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فَكَانَ لِلنَّظَرِ هُنَا مَجَالٌ وَلَكِنَّ مَكْحُولًا سُئِلَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ كُلُّهُ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ مَا يَقُولُونَ وَأَحَلَّ ذَبَائِحَهُمْ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْآيَةَ لَمْ يُخَصَّ عُمُومُهَا وَإِنْ وُجِدَ هَذَا الْخَاصُّ الْمُنَافِي وَعَلِمَ اللَّهُ مُقْتَضَاهُ وَدُخُولَهُ تَحْتَ عُمُومِ اللَّفْظِ وَمَعَ ذَلِكَ فَأَحَلَّ مَا لَيْسَ فِيهِ عَارِضٌ وَمَا هُوَ فِيهِ لَكِنْ بِحُكْمِ الْعَفْوِ عَنْ وَجْهِ الْمُنَافَاةِ وَإِلَى نَحْوِ هَذَا يُشِيرُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَعَفَا عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ لَا عَنْ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا» وَحَدِيثُ الْحَجِّ أَيْضًا مِثْلُ هَذَا حِينَ قَالَ «أَحَجُّنَا هَذَا لِعَامِنَا أَوْ لِلْأَبَدِ» لِأَنَّ اعْتِبَارَ اللَّفْظِ يُعْطِي أَنَّهُ لِلْأَبَدِ فَكَرِهَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُؤَالَهُ وَبَيَّنَ لَهُ عِلَّةَ تَرْكِ السُّؤَالِ عَنْ مِثْلِهِ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ «إنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا» إلَخْ يُشِيرُ إلَى هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّ السُّؤَالَ عَمَّا لَمْ يَحْرُمْ ثُمَّ يَحْرُمْ لِأَجْلِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا يَأْتِي فِي الْغَالِبِ مِنْ جِهَةِ إبْدَاءِ وَجْهٍ فِيهِ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ مَعَ أَنَّ لَهُ أَصْلًا يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي الْحِلِّيَّةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ فُرُوعُهُ فِي أَنْفُسِهَا أَوْ دَخَلَهَا مَعْنًى يُخَيَّلُ الْخُرُوجُ عَنْ حُكْمِ ذَلِكَ الْأَصْلِ وَنَحْوُهُ حَدِيثُ «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ» وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ الْوَجْهُ الثَّانِي السُّكُوتُ عَنْ مَجَارِي الْعَادَاتِ مَعَ اسْتِصْحَابِهَا فِي الْوَقَائِعِ كَمَا فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ عَلَى حُكْمِ الْإِقْرَارِ ثُمَّ حَرُمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِتَدْرِيجٍ كَالْخَمْرِ فَإِنَّهَا كَانَتْ مُعْتَادَةَ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ جَاءَ الْإِسْلَامُ فَتُرِكَتْ عَلَى حَالِهَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَزَمَانًا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يُتَعَرَّضْ فِي الشَّرْعِ لِلنَّصِّ عَلَى حُكْمِهَا حَتَّى نَزَلَ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [البقرة: 219] فَبَيَّنَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ وَأَنَّ الْأَضْرَارَ فِيهَا أَكْبَرُ مِنْ الْمَنَافِعِ وَتُرِكَ الْحُكْمُ الَّذِي اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ وَهُوَ التَّحْرِيمُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ أَنَّ الْمَفْسَدَةَ إذَا أَرْبَتْ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فَالْحُكْمُ لِلْمَفْسَدَةِ وَالْمَفَاسِدُ مَمْنُوعَةٌ فَبَانَ وَجْهُ الْمَنْعِ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُنَصَّ عَلَى الْمَنْعِ وَإِنْ ظَهَرَ وَجْهُهُ تَمَسَّكُوا بِالْبَقَاءِ مَعَ الْأَصْلِ الثَّابِتِ لَهُمْ بِمَجَارِي الْعَادَاتِ

فَظَهَرَ الْفَرْقُ. فَإِنْ قُلْت اعْتَمَدْتُ فِي هَذَا الْجَوَابِ عَلَى الْفَرْقِ بِدَلَالَةِ الْمَفْهُومِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَرَّجَ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِي دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ فَمَنْ قَالَ بِهَا اسْتَقَامَ عِنْدَهُ الْفَرْقُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهَا بَطَلَ عِنْدَهُ الْفَرْقُ وَيَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ هَهُنَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ وَعِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِهَا إنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ الْكَتَّانِ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَبِسْتُ ثَوْبًا كَتَّانًا فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الصِّفَةِ فِي غَيْرِهِ فَإِنَّ الصِّفَةَ هَاهُنَا ظَهَرَ اعْتِبَارُ الْمَفْهُومِ فِيهَا عِنْدَ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ قُلْت إلْزَامٌ حَسَنٌ غَيْرَ أَنَّ الْفَرْقَ عِنْدَ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الْمَفْهُومِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الصِّفَةَ هَهُنَا لَمْ تَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهَا فَصُيِّرَتْ مَعَ الْأَصْلِ كَلَامًا وَاحِدًا دَالًّا عَلَى مَا بَقِيَ وَمُخْرِجًا لِغَيْرِ الْكَتَّانِ عَنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ بِسَبَبِ عَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ فَهَذَا عُمُومٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSفَظَهَرَ الْفَرْقُ) قُلْت بُنِيَ جَوَابُهُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَفْهُومِ فِي قَوْلِ الْحَالِفِ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبَ كَتَّانٍ وَلَا لَبِسْت ثَوْبًا كَتَّانًا وَهُوَ أَضْعَفُ أَنْوَاعِ الْمَفْهُومِ وَهُوَ مَفْهُومُ اللَّقَبِ. وَلَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا الدَّقَّاقُ وَسَمَّاهُ مَفْهُومَ الصِّفَةِ مِنْ حَيْثُ وَجَدَهُ مُتَّبَعًا بِهِ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ ثَوْبًا كَتَّانًا وَلَيْسَ بِصِفَةٍ بَلْ هُوَ بَدَلٌ عِنْدَ النُّحَاةِ وَبِالْجُمْلَةِ جَوَابُهُ فِي نِهَايَةِ الضَّعْفِ قَالَ (فَإِنْ قُلْت اعْتَمَدْت فِي هَذَا الْجَوَابِ عَلَى الْفَرْقِ بِدَلَالَةِ الْمَفْهُومِ إلَى آخِرِ السُّؤَالِ) قُلْت هُوَ سُؤَالٌ وَارِدٌ قَالَ (قُلْت إلْزَامٌ حَسَنٌ غَيْرَ أَنَّ الْفَرْقَ عِنْدَ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الْمَفْهُومِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الصِّفَةَ هَهُنَا لَمْ تَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهَا فَصُيِّرَتْ مَعَ الْأَصْلِ كَلَامًا وَاحِدًا إلَّا عَلَى مَا بَقِيَ وَمُخْرِجًا لِغَيْرِ الْكَتَّانِ عَنْ دَلَالَتِهِ اللَّفْظِيَّةِ بِسَبَبِ عَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ بِنَفْسِهِ) قُلْت لَا صِفَةَ لِمَوْصُوفٍ إلَّا وَهِيَ غَيْرُ مُسْتَقِلَّةٍ بِنَفْسِهَا فَكَانَ يَلْزَمُ عَلَى مَسَاقِ قَوْلِهِمْ أَنْ يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَفْهُومِ كُلِّ صِفَةٍ وَهَذَا الْإِخْفَاءُ بِبُطْلَانِهِ وَكَوْنُ اللَّفْظِ مُسْتَقِلًّا أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْقَوْلِ بِالْمَفْهُومِ وَلَا فِي عَدَمِ الْقَوْلِ بِهِ قَالَ (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ فَهَذَا عُمُومٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَدَخَلَ لَهُمْ تَحْتَ الْعَفْوِ إلَى أَنْ نَزَلَ مَا فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90] فَحِينَئِذٍ اسْتَقَرَّ حُكْمُ التَّحْرِيمِ وَارْتَفَعَ الْعَفْوُ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] الْآيَةَ فَإِنَّهُ لَمَّا حَرُمَتْ قَالُوا كَيْفَ بِمَنْ مَاتَ وَهُوَ يَشْرَبُهَا فَنَزَلَتْ الْآيَةُ فَرُفِعَ الْجُنَاحُ وَهُوَ مَعْنَى الْعَفْوِ وَمِثْلُ ذَلِكَ الرِّبَا الْمَعْمُولُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ بُيُوعُ الْغَرَرِ الْجَارِيَةُ بَيْنهمْ كَبَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَالثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ كُلِّهَا كَانَتْ مَسْكُوتًا عَنْهَا وَمَا سُكِتَ عَنْهَا فَهُوَ فِي مَعْنَى الْعَفْوِ وَالنَّسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَرْفَعُ هَذَا الْمَعْنَى لِوُجُودِ جُمْلَةٍ مِنْهُ بَاقِيَةٍ إلَى الْآنَ عَلَى حُكْمِ إقْرَارِ الْإِسْلَامِ كَالْقِرَاضِ وَالْحُكْمِ فِي الْخُنْثَى بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا نَبَّهَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ الْوَجْهُ الثَّالِثُ السُّكُوتُ عَنْ أَعْمَالٍ أُخِذَتْ قَبْلُ مِنْ شَرِيعَةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَسَائِرِ أَفْعَالِهِمَا إلَّا مَا غَيَّرُوا فَقَدْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالسِّفَاحِ وَيُطَلِّقُونَ وَيَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ أُسْبُوعًا وَيَمْسَحُونَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَيَسْعَوْنَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيُلَبُّونَ وَيَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ وَيَأْتُونَ مُزْدَلِفَةَ وَيَرْمُونَ الْجِمَارَ وَيُعَظِّمُونَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ وَيُحَرِّمُونَهَا وَيَغْتَسِلُونَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَيَغْسِلُونَ مَوْتَاهُمْ وَيُكَفِّنُونَهُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيَقْطَعُونَ السَّارِقَ وَيُصَلِّبُونَ قَاطِعَ الطَّرِيقِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ فِيهِمْ مِنْ بَقَايَا مِلَّةِ أَبِيهِمْ إبْرَاهِيمَ فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ إلَى أَنْ جَاءَ الْإِسْلَامُ فَبَقُوا عَلَى حُكْمِهِ حَتَّى أَحْكَمَ الْإِسْلَامُ مِنْهُ مَا أَحْكَمَ وَانْتَسَخَ مَا خَالَفَهُ فَدَخَلَ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْعَفْوِ مِمَّا لَمْ يَتَجَدَّدْ فِيهِ خِطَابٌ زِيَادَةً عَلَى التَّلَقِّي مِنْ الْأَعْمَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَقَدْ نَسَخَ مِنْهَا مَا نَسَخَ وَأَبْقَى مِنْهَا مَا أَبْقَى عَلَى الْمَعْهُودِ الْأَوَّلِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّاطِبِيِّ فِي الْمُوَافَقَاتِ بِتَصَرُّفٍ (وَصْلٌ) فِي بَيَانِ هَذَا الْفَرْقِ بِثَلَاثِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) يَجْتَمِعُ خِطَابُ الْوَضْعِ مَعَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ فِي أُمُورٍ مِنْهَا الزِّنَا فَإِنَّهُ خِطَابُ تَكْلِيفٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ حَرَامٌ وَوَضْعٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْحَدِّ وَمِنْهَا السَّرِقَةُ فَهِيَ خِطَابُ تَكْلِيفٍ مِنْ جِهَةِ التَّحْرِيمِ وَوَضْعٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا سَبَبُ الْقَطْعِ وَمِنْهَا بَقِيَّةُ الْجِنَايَاتِ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَهِيَ أَسْبَابُ الْعُقُوبَاتِ وَمِنْهَا الْبَيْعُ فَإِنَّهُ خِطَابُ تَكْلِيفٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبَاحٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ حَرَامٌ عَلَى قَدْرِ مَا يَعْرِضُ لَهُ فِي صُوَرِهِ عَلَى مَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَوَضْعٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ سَبَبُ انْتِقَالِ الْمِلْكِ فِي الْبَيْعِ الْجَائِزِ أَوْ التَّقْدِيرِ فِي الْمَمْنُوعِ وَمِنْهَا بَقِيَّةُ الْعُقُودِ فَإِنَّهَا تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ وَيَنْفَرِدُ خِطَابُ الْوَضْعِ عَنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ فِي أُمُورٍ مِنْهَا الزَّوَالُ وَرُؤْيَةُ الْهِلَالِ وَدَوَرَانُ الْحَوْلِ وَنَحْوُهَا فَإِنَّهَا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَلَيْسَ فِيهَا أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ وَلَا إذْنٌ مِنْ حَيْثُ هِيَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا وُجِدَ الْأَمْرُ فِي أَثْنَائِهَا وَتَرَتُّبِهَا فَقَطْ وَيَنْفَرِدُ خِطَابُ التَّكْلِيفِ عَنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فِي أُمُورٍ مِنْهَا أَدَاءُ الْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ كَإِيقَاعِ الصَّلَوَاتِ وَتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ فَإِنَّ هَذِهِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ لَمْ يَجْعَلْهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ سَبَبًا لِفِعْلٍ آخَرَ نُؤْمَرُ بِهِ أَوْ نُنْهَى عَنْهُ بَلْ وُقِفَ الْحَالُ عِنْدَ أَدَائِهَا وَتَرَتُّبِهَا عَلَى أَسْبَابِهَا وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الشَّرْعِ قَدْ جَعَلَهَا سَبَبًا لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَتَرْتِيبِ الثَّوَابِ وَدَرْءِ الْعِقَابِ غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ أَفْعَالًا لِلْمُكَلَّفِ وَنَحْنُ لَا نَعْنِي بِكَوْنِ الشَّيْءِ

[الفرق بين قاعدة المواقيت الزمانية وبين قاعدة المواقيت المكانية]

مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَعَهُ مَا يَجِبُ أَنْ يُصَيِّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَيَثْبُتُ الْحُكْمُ لِجَمِيعِ أَفْرَادِهِ فَإِذَا وَرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» فَعِنْدَ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لَا يُخَصِّصُ عُمُومَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الثَّانِي وَإِنَّمَا يُخَصِّصُهُ بِهِ مَنْ يَقُولُ الْمَفْهُومُ حُجَّةٌ وَإِنَّمَا نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْحَالِفِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا كَتَّانًا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى تَخْصِيصِ عُمُومِ هَذَا الْمَوْصُوفِ بِالصِّفَةِ اللَّاحِقَةِ لَهُ سَوَاءٌ قُلْنَا الْمَفْهُومُ حُجَّةٌ أَمْ لَا أَمَّا الْقَائِلُ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ حُجَّةٌ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْقَائِلُ الْمَفْهُومُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَيَقُولُ هَذَا الْحَدِيثُ اقْتَضَى وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي السَّائِمَةِ. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَعْلُوفَةِ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ وَوَافَقَ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي فِيهِ الصِّفَةُ لَمْ يَتَنَاوَلْ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ وَغَايَتُهُ إنْ قَالَ لَمْ يَتَنَاوَلْ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْ عَدَمَهُ بَلْ الْمَعْلُوفَةُ فِي حَيِّزِ الْإِعْرَاضِ عَنْهَا أَلْبَتَّةَ أَمَّا الْعُمُومُ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الصِّفَةِ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَلَمْ يَعُدْ الْحُكْمُ مِنْهُ إلَى الْمَعْلُوفَةِ بَلْ قَصَرَهُ عَلَى السَّائِمَةِ بِسَبَبِ الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ أَنَّ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ يَصِيرُ الْمُسْتَقِلُّ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ وَيَسْلُبُهُ حُكْمَ الْعُمُومِ الْكَائِنِ قَبْلَ الصِّفَةِ وَلَا يَبْقَى فِيهِ مِنْ الْعُمُومِ إلَّا النَّوْعُ الَّذِي تَشْمَلُهُ الصِّفَةُ خَاصَّةً وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ وَعِنْدَ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِهِ بِسَبَبِ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ وَكَانَ الْقَائِلُ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ يَقُولُ مُسْتَنَدِي هَذِهِ الْقَاعِدَةُ لَا الْمَفْهُومُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــSمُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ مَا يُوجِبُ أَنْ يُصَيِّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ إلَى قَوْلِهِ وَإِنَّمَا يُخَصِّصُهُ بِهِ مَنْ يَقُولُ الْمَفْهُومُ حُجَّةٌ) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا مُسَلَّمٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَقْصُودُهُ قَالَ وَإِنَّمَا نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْحَالِفِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا كَتَّانًا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» إلَى قَوْلِهِ وَكَانَ الْقَائِلُ بِإِنَّ الْمَفْهُومَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ يَقُولُ مُسْتَنَدِي هَذِهِ الْقَاعِدَةُ لَا الْمَفْهُومُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا مُسَلَّمٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَقْصُودُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبَبًا إلَّا كَوْنَهُ سَبَبًا لِفِعْلٍ مِنْ قِبَلِ الْمُكَلَّفِ فَبَيْنَهُمَا الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الصَّبِيِّ إذَا أَفْسَدَ الصَّبِيُّ مَالًا لِغَيْرِهِ إخْرَاجُ الْجَابِرِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ فَالْإِتْلَافُ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ عَلَى الصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ إخْرَاجَ الْجَابِرِ مِنْ مَالِهِ إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ الْوَلِيُّ مِنْ قَبْلُ فَقَدْ تَقَدَّمَ السَّبَبُ فِي زَمَنِ الصِّغَرِ وَتَأَخَّرَ أَثَرُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَأَمَّا بَيْعُهُ وَنِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَعِتْقُهُ فَلَا تَكُونُ أَسْبَابًا لِآثَارِهَا لَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ اعْتِبَارِ سَبَبِيَّةِ الْإِتْلَافِ لِلضَّمَانِ قَبْلُ وَبَيْنَ عَدَمِ اعْتِبَارِ سَبَبِيَّةِ الْبَيْعِ وَمَا بَعْدَهُ لِآثَارِهَا قُبِلَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ يُشْتَرَطُ فِيهَا اعْتِبَارُ الْمَصَالِحِ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ التَّحْرِيمُ وَأَثَرَ الْبَيْعِ إلْزَامُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّكْلِيفِ بِالتَّحْرِيمِ وَالْإِلْزَامِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ اعْتِبَارِ سَبَبِيَّةِ الْإِتْلَافِ لِلضَّمَانِ بَعْدُ وَعَدَمِ اعْتِبَارِ سَبَبِيَّةِ الْبَيْعِ وَمَا بَعْدَهُ لِآثَارِهَا بَعْدُ هُوَ أَنَّ تَأَخُّرَ الْمُسَبَّبَاتِ عَنْ أَسْبَابِهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا خَالَفْنَا هَذَا الْأَصْلَ فِي الْإِتْلَافِ لِضَرُورَةِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فِي جَبْرِ مَالِهِ لِئَلَّا يَذْهَبَ مَجَّانًا فَتَضِيعَ الظُّلَامَةُ وَهَذِهِ ضَرُورَةٌ عَظِيمَةٌ تَحَقَّقَتْ فِي الْإِتْلَافِ فَاقْتَضَتْ مُخَالَفَةَ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ فِيهِ وَلَمْ تَتَحَقَّقْ فِي الطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ وَمَا مَعَهُمَا بَلْ إذَا أَسْقَطْنَا الطَّلَاقَ وَاسْتَصْحَبْنَا الْعِصْمَةَ لَمْ يَلْزَمْ فَسَادٌ وَلَا تَفُوتُ ضَرُورَةٌ وَكَذَلِكَ أَيْضًا إذَا أَبْقَيْنَا الْمِلْكَ فِي الْمَبِيعِ لِلصَّبِيِّ كُنَّا مُوَافِقِينَ لِلْأَصْلِ وَلَا يَلْزَمُ مَحْظُورٌ أَلْبَتَّةَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فَتَاوَى عُلَمَائِنَا مُتَظَافِرَةٌ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ وَسَتْرَ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالَ الْكَعْبَةِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ أَنَّ وُجُوبَهَا مُوَسَّعٌ قَبْلَ الْوَقْتِ وَفِي الْوَقْتِ وَأَنَّ الْوُجُوبَ فِيهَا لَيْسَ تَبَعًا لِطَرَآنِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الزَّوَالُ وَنَحْوُهُ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ بَلْ يَقَعُ الْوُجُوبُ فِيهَا تَبَعًا لِطَرَآنِ الْعَزْمِ عَلَى التَّهَيُّؤِ وَالِاسْتِعْدَادِ لِإِيقَاعِ الصَّلَاةِ وَوَقْتُ طَرَآنِ هَذَا الْعَزْمِ مَا بَيْنَ أَقْرَبِ حَدَثٍ يُحْدِثُهُ الْمَرْءُ وَإِيقَاعِ الصَّلَاةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ أُمُورٌ الْأَوَّلُ انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَوْ تَوَضَّأَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَاسْتَتَرَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ جَاءَ الْوَقْتُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ وَصَلَّى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَدِّدَ فِعْلًا أَلْبَتَّةَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ الثَّانِي تَعَذُّرُ الْقَوْلِ بِإِجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ الثَّالِثُ لُزُومُ نِيَّةِ الْوُجُوبِ الرَّابِعُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَجِبَ الشَّرْطُ إلَّا عِنْدَ وُجُوبِ الْمَشْرُوطِ إذْ لَا اسْتِحَالَةَ فِي مُغَايَرَةِ سَبَبِ الْمَشْرُوطِ لِسَبَبِ الشَّرْطِ كَمَا هُنَا فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ وَضْعِيَّةٌ تَقَعُ بِحَسَبِ قَصْدِ وَاضِعِهَا وَنَظِيرُ مَا هُنَا مِنْ الْعَادِيَاتِ مَنْ يُعْلَمُ مِنْ عَادَتِهِ اضْطِرَارُهُ إلَى الْغِذَاءِ فِي وَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَمِنْ شَرْطِ الْغِذَاءِ الَّذِي يُتَغَذَّى بِهِ طَبْخُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الطَّبْخِ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ عَلَى وَقْتِ الِاغْتِذَاءِ ثُمَّ لَا يَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ الطَّبْخِ الزَّمَنُ الْمُجَاوِرُ لِزَمَنِ الِاغْتِذَاءِ بَلْ لَهُ تَقْدِيمُ الطَّبْخِ وَالِاسْتِعْدَادِ بِهِ مِنْ حِينِ طُرُوءِ عَزْمِهِ عَلَى الِاسْتِعْدَادِ وَإِنَّمَا صَحَّ ذَلِكَ لِاسْتِوَاءِ حُصُولِ الْمَصْلَحَةِ بِالِاغْتِذَاءِ بِالْقَرِيبِ الطَّبْخُ وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ اسْتِوَاءِ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَالِ هَذَا الشَّخْصِ وَهَذَا الْغِذَاءِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَوَاقِيتِ الزَّمَانِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَوَاقِيتِ الْمَكَانِيَّةِ] (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَوَاقِيتِ الزَّمَانِيَّةِ لِلْحَجِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَوَاقِيتِ الْمَكَانِيَّةِ لَهُ) أَمَّا الْمَوَاقِيتُ الزَّمَانِيَّةُ فَقَالَ

وَبِمَجْمُوعِ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ وَالْأَجْوِبَةِ يَتَقَرَّرُ عِنْدَك الْفَرْقُ الْوَاضِحُ بَيْنَ النِّيَّةِ الْخَاصَّةِ بِبَعْضِ الْأَنْوَاعِ الْمُوَافِقَةِ لِلَّفْظِ وَبَيْنَ الصِّفَةِ الْخَاصَّةِ بِبَعْضِ الْأَنْوَاعِ الْمُوَافِقَةِ لِلَّفْظِ فَائِدَةُ حَسَنَةِ الْمَعْدُودِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ أَرْبَعَةٌ خَاصَّةٌ الصِّفَةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ وَالْغَايَةُ وَالشَّرْطُ وَقَدْ وَجَدْتهَا بِالِاسْتِقْرَاءِ اثْنَيْ عَشَرَ الْأَرْبَعَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَثَمَانِيَةٌ أُخْرَى وَهِيَ الْحَالُ وَظَرْفُ الزَّمَانِ وَظَرْفُ الْمَكَانِ وَالْمَجْرُورُ وَالتَّمْيِيزُ وَالْبَدَلُ وَالْمَفْعُولُ مَعَهُ وَالْمَفْعُولُ لِأَجْلِهِ فَهَذِهِ الِاثْنَا عَشَرَ لَيْسَ فِيهَا وَاحِدٌ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ وَمَتَى اتَّصَلَ بِمَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ كَانَ عُمُومًا أَوْ غَيْرُهُ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَقَدْ مَرَّ تَمْثِيلُهَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ التَّرْتِيبِ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ وَالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ فِي مَعْنَى التَّرْتِيبِ فَلْيُطَالَعْ مِنْ هُنَالِكَ وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْفَرْقِ وَهُوَ مِنْ الْمَبَاحِثِ الْجَلِيلَةِ الَّتِي يَجِبُ التَّنْبِيهُ لَهَا وَالْغَفْلَةُ عَنْهُ تُوجِبُ الْفُسُوقَ وَخَرْقَ الْإِجْمَاعِ فِي الْفُتْيَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَا يَحِلُّ بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِهَذَا الْفَرْقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَبِمَجْمُوعِ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ وَالْأَجْوِبَةِ يَتَقَرَّرُ عِنْدَك الْفَرْقُ الْوَاضِحُ بَيْنَ النِّيَّةِ الْخَاصَّةِ بِبَعْضِ الْأَنْوَاعِ الْمُوَافِقَةِ لِلَّفْظِ وَبَيْنَ الصِّفَةِ الْخَاصَّةِ بِبَعْضِ الْأَنْوَاعِ الْمُوَافِقَةِ لِلَّفْظِ) قُلْت لَمْ يَتَقَرَّرْ مَا قَالَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي زَعَمَ بَلْ لَا فَرْقَ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ وَلَا قَائِلَ بِهِ فِي مِثْلِ مَسْأَلَةِ الْحَالِفِ إلَّا مَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ قَوْلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (فَائِدَةُ الْمَعْهُودِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ أَرْبَعَةٌ خَاصَّةٌ الصِّفَةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ وَالْغَايَةُ وَالشَّرْطُ وَقَدْ وَجَدْتهَا بِالِاسْتِقْرَاءِ اثْنَيْ عَشْرَ الْأَرْبَعَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ وَثَمَانِيَةً أُخْرَى إلَى قَوْلِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَمْثِيلُهَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ التَّرْتِيبِ بِالْحَقِيقَةِ الزَّمَانِيَّةِ وَالْأَدَوَاتِ اللَّفْظِيَّةِ فِي مَعْنَى التَّرْتِيبِ فَلْيُطَالَعْ مِنْ هُنَاكَ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ قَالَ (وَهَذَا آخِرُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْفَرْقِ وَهُوَ مِنْ الْمَبَاحِثِ الْجَلِيلَةِ الَّتِي يَجِبُ التَّنْبِيهُ لَهَا وَالْغَفْلَةُ عَنْهُ تُوجِبُ الْفُسُوقَ وَخَرْقَ الْإِجْمَاعِ فِي الْفُتْيَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَا يَحِلُّ بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِهَذَا الْفَرْقِ) قُلْت لَا تُوجِبُ الْغَفْلَةُ عَنْ هَذَا الْفَرْقِ فُسُوقًا وَلَا خَرْقَ إجْمَاعٍ بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ التَّنْبِيهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ مَا حَاصِلُهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ إلَّا أَنَّ الْخِلَافَ فِي جَعْلِهِ ذَا الْحِجَّةِ كُلَّهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَقَتَادَةَ وَطَاوُسٍ وَمَالِكٍ نَظَرَ الْأَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ أَشْهُرٌ فِي الْآيَةِ صِيغَةُ جَمْعٍ مُنَكَّرٍ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا أَخَّرَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ إلَى آخِرِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّهُ جَاءَ بِهِ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ أَوْ جَعَلَهُ ذَا الْحِجَّةِ بَعْضُهُ نَظَرَ الْأَمْرَيْنِ أَيْضًا الْأَوَّلُ تَخْصِيصُ الصِّيغَةِ بِالْوَاقِعِ وَالثَّانِي كَوْنُ بَعْضِ الشَّهْرِ يُسَمَّى شَهْرًا لُغَةً وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْبَعْضِ فَقَالَ مَالِكٌ أَيْضًا وَأَبُو حَنِيفَةَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْهُ لِأَنَّ الطَّوَافَ وَالرَّمْيَ فِي الْعَقَبَةِ رُكْنَانِ يُفْعَلَانِ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالشَّافِعِيُّ عَشْرُ لَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ لِأَنَّ الْحَجَّ يَكْمُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ لِصِحَّةِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَهُوَ الْحَجُّ كُلُّهُ وَقَالَ مَالِكٌ أَيْضًا إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ الرَّمْيَ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَشَعَائِرِهِ وَالْفَائِدَةِ فِي ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَشْهُرِ الْحَجِّ وَتَنْصِيصِهِ عَلَيْهَا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهَا كَذَلِكَ فِي مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاسْتَمَرَّتْ عَلَيْهِ الْحَالُ إلَى أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ فَبَقِيَتْ كَذَلِكَ حَتَّى كَانَتْ الْعَرَبُ تَرَى أَنَّ الْعُمْرَةَ فِيهَا مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ وَلَكِنَّهَا كَانَتْ تُغَيِّرُهَا فَتُنْسِئُهَا وَتُقَدِّمُهَا حَتَّى عَادَتْ حَجَّةُ الْوَدَاعِ إلَى حَدِّهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَأْثُورِ الْمُنْتَقَى «إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا» الْحَدِيثُ الثَّانِي أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ التَّمَتُّعَ وَهُوَ ضَمُّ الْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بَيَّنَ أَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ لَيْسَتْ جَمِيعَ الشُّهُورِ فِي الْعَامِ وَإِنَّمَا هِيَ الْمَعْلُومَاتُ مِنْ لَدُنْ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَبَيَّنَ قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] أَنَّ جَمِيعَهَا لَيْسَ الْحَجُّ تَفْصِيلًا لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَتَخْصِيصًا لِبَعْضِهَا بِذَلِكَ وَهِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَجَمِيعُ ذِي الْحِجَّةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَصَحِيحُ قَوْلِ عُلَمَائِنَا فَلَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا مَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْعَامِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا مَنْ أَتَى بِالْعُمْرَةِ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ الْمَخْصُوصَةِ. اهـ. بِزِيَادَةٍ وَأَمَّا الْمَوَاقِيتُ الْمَكَانِيَّةُ فَهِيَ مَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ وَقَالَ هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ» زَادَ مُسْلِمٌ «وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» وَقَدْ نَظَمْت هَذِهِ الْخَمْسَةَ الْمَوَاقِيتَ الْمَكَانِيَّةَ مُبَيِّنًا بُعْدَهَا مِنْ مَكَّةَ وَأَهْلَ كُلٍّ بِقَوْلِي قَرْنٌ لِنَجْدٍ ذَاتُ عِرْقٍ لِلْعِرَاقِ ... يَلَمْلَمُ الْيَمَنِيُّ مِنْ أُمِّ الْقُرَى لِلْكُلِّ مَرْحَلَتَانِ جُحْفَةُ شَامِنَا ... سِتٌّ حُلَيْفَةُ عَشْرٌ لِلْمَدَنِيِّ تُرَى وَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ كَرَاهَةُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ الْمَكَانِيِّ وَالزَّمَانِيِّ مَعًا وَانْعِقَادُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجُوزُ قَبْلَ الزَّمَانِيِّ وَلَا يَنْعَقِدُ حَجًّا بَلْ إنْ كَانَ حَلَالًا انْعَقَدَ عُمْرَةً وَإِلَّا فَهُوَ لَغْوٌ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَدْخُلُ عَلَى أُخْرَى وَالْحَجَّ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى وَقْتِهِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ ابْنِ حَجَرٍ عَلَى إيضَاحِ النَّوَوِيِّ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ إنَّ إحْرَامَ الْمُحْرِمِ مِنْ بَلَدِهِ أَفْضَلُ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِك» وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ بِكَرَاهَةِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ وَتَأَوَّلَهُ أَهْلُ مَذْهَبِهِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ بَلْ وَلَا عَلَى

[الفرق بين قاعدة العرف القولي وبين قاعدة العرف الفعلي]

(الْفَرْقُ الثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ) فَتَمْلِيكُ الِانْتِفَاعِ نُرِيدُ بِهِ أَنْ يُبَاشِرَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ هُوَ أَعَمُّ وَأَشْمَلُ فَيُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ وَيُمَكِّنُ غَيْرَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِعِوَضٍ كَالْإِجَارَةِ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْعَارِيَّةِ مِثَالُ الْأَوَّلِ سُكْنَى الْمَدَارِسِ وَالرِّبَاطِ وَالْمَجَالِسُ فِي الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَمَوَاضِعُ النُّسُكِ كَالْمَطَافِ وَالْمَسْعَى وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ وَلَوْ حَاوَلَ أَنْ يُؤَاجِرَ بَيْتَ الْمَدْرَسَةِ أَوْ يُسَكِّنَ غَيْرَهُ أَوْ يُعَاوِضَ عَلَيْهِ بِطَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمُعَاوَضَاتِ امْتَنَعَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ النَّظَائِرِ الْمَذْكُورَةِ مَعَهُ وَأَمَّا مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ فَكَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ اسْتَعَارَهَا فَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ يُسَكِّنَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَيَتَصَرَّفَ فِي هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فِي أَمْلَاكِهِمْ عَلَى جَرْيِ الْعَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي مَلَكَهُ فَهُوَ تَمْلِيكٌ مُطْلَقٌ فِي زَمَنٍ خَاصٍّ حَسْبَمَا تَنَاوَلَهُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ أَوْ أَشْهَدَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي الْعَارِيَّةِ فَمَنْ شَهِدَتْ لَهُ الْعَادَةُ فِي الْعَارِيَّةِ بِمُدَّةٍ كَانَتْ لَهُ تِلْكَ الْمُدَّةُ مِلْكًا عَلَى الْإِطْلَاقِ يَتَصَرَّفُ كَمَا يَشَاءُ بِجَمِيعِ الْأَنْوَاعِ السَّائِغَةِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَنْفَعَةِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَيَكُونُ تَمْلِيكُ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ كَتَمْلِيكِ الرِّقَابِ. وَهَاهُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) النِّكَاحُ مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ أَنْ يَنْتَفِعَ لَا مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّهُ يُبَاشِرُهُ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمَكِّنَ غَيْرَهُ مِنْ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ وَلَيْسَ مَالِكًا لِلْمَنْفَعَةِ وَلَا لِبُضْعِ الْمَرْأَةِ بَلْ مُقْتَضَى عَقْدِ النِّكَاحِ أَنَّهُ يَنْتَفِعُ هُوَ خَاصَّةً لَا مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الْوَكَالَةُ بِغَيْرِ عِوَضٍ تَقْتَضِي أَنَّهُ مَلَكَ مِنْ الْوَكِيلِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَمْلِكْ مَنْفَعَتَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَهَبَ الِانْتِفَاعَ بِذَلِكَ الْوَكِيلِ لِغَيْرِهِ بَلْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ يُهْمِلَهُ أَوْ يَعْزِلَهُ فَهِيَ مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ لَا مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSلِهَذَا الْفَرْقِ يُوجِبُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (الْفَرْقُ الثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ نَعَمْ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ فِي الْجَدِيدِ بِكَرَاهَةِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ فِيمَا بَيْنَ الْكَرَاهَةِ وَالْمَنْعِ إنْ لَمْ تُحْمَلْ الْكَرَاهَةُ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ. وَفِي إيضَاحِ النَّوَوِيِّ وَيَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ قَبْلَ وُصُولِهِ الْمِيقَاتَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ وَمِنْ غَيْرِهَا وَفِي الْأَفْضَلِ قَوْلَانِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالثَّانِي مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ اهـ وَلَا يَخْفَاك أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَذْكُورِ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ مِنْ حَمْلِ الْكَرَاهَةِ فِي الْجَدِيدِ عَلَى خِلَافِ الْأَفْضَلِ أَيْضًا بَيْنَ خِلَافِ الْأَفْضَلِ وَالْمَنْعِ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ فِي الْحَالَتَيْنِ بِأَنَّ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الزَّمَانِيِّ يُفْضِي إلَى طُولِ زَمَانِ الْحَجِّ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ النِّسَاءِ وَغَيْرِهِنَّ فَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى إفْسَادِ الْحَجِّ فَإِنَّ مَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ شَوَّالٍ لَا يُمْكِنُهُ الْإِحْلَالُ حَتَّى تُقْضَى أَيَّامُ الرَّمْيِ وَأَمَّا الْمَوَاقِيتُ الْمَكَانِيَّةُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِحْرَامِ قَبْلَهَا طُولُ الْحَجِّ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى إفْسَادِهِ كَمَا أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ لَا يَرَى الْإِحْرَامَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ كَمَا لَا يَرَى أَحَدٌ الْإِحْرَامَ قَبْلَ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِهَا وَبَيْنَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ يَقُولَانِ بِصِحَّةِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ وَالْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةٌ مُعْضِلَةٌ وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا الْبَيَانَ فِيهَا وَأَوْضَحْنَا لُبَابَهُ فِي كِتَابِ التَّلْخِيصِ وَأَنَّ الْقَوْلَ فِيهَا دَائِرٌ مِنْ قَبْلِ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ رُكْنٌ مِنْ الْحَجِّ مُخْتَصٌّ بِزَمَانِهِ وَمِعْوَلُنَا عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَهُنَاكَ تَبَيَّنَ التَّرْجِيحُ بَيْنَ النَّظَرَيْنِ وَظَهَرَ أَوَّلُ التَّأْوِيلَيْنِ فِي الْآيَةِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَيْ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ تَقْدِيرَ الْآيَةِ الْحَجُّ حَجُّ أَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٍ وَقَوْلِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ تَقْدِيرَهَا أَشْهُرُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ. اهـ. وَكَذَلِكَ يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ بَيْنَ الْحَجِّ يَصِحُّ الْإِحْرَامُ بِهِ قَبْلَ وَقْتِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ يَمْتَنِعُ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ بِهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَيُلْزَمُ الْمُقَدِّمُ لَهُ بِإِعَادَتِهِ وَاعْتِقَادِ وُجُوبِهِ وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ عَرَفَةَ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ أَمْرٌ مُسْتَصْحِبٌ بِحَيْثُ لَا يُزَالُ حُكْمُهُ مُنْسَحِبًا عَلَى الْحَاجِّ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ حَجِّهِ الَّتِي لَا يَتَأَتَّى فِعْلُهَا إلَّا فِي وَقْتِهِ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَصْحِبٌ كَذَلِكَ يَصِحُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْوَقْتِ وَإِحْرَامُ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ] (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ يُقْضَى بِهِ عَلَى الْأَلْفَاظِ وَيُخَصِّصُهَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ لَا يُقْضَى بِهِ عَلَى الْأَلْفَاظِ وَلَا يُخَصِّصُهَا) اعْلَمْ أَنَّ أَقْسَامَ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَاضِعِ أَوْ الِاصْطِلَاحِ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ وَهُوَ مَا وَضَعَهَا وَاضِعُ اللُّغَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ مَنْ أَحْدَثَ وَضْعَهَا التَّحْقِيقِيَّ لِهَذَا الْمَعْنَى لَا ذَلِكَ وَمَنْ قَرَّرَهَا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى كَالدَّابَّةِ لِكُلِّ مَا دَبَّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَالصَّلَاةِ لِلدُّعَاءِ وَالْفِعْلِ لِلْأَمْرِ وَالشَّأْنِ لَا لِلْحَدَثِ كَمَا يُتَوَهَّمُ الثَّانِي الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَهِيَ مَا وَصَفَهَا الشَّارِعُ كَالصَّلَاةِ نَقَلَهَا الشَّارِعُ مِنْ الدُّعَاءِ لِلْعِبَادَةِ الْمَخْصُوصَةِ الثَّالِثُ الْعُرْفِيَّةُ الْخَاصَّةُ وَهِيَ مَا وَضَعَهَا أَهْلُ عُرْفٍ خَاصٍّ وَهُمْ طَائِفَةٌ مَخْصُوصَةٌ مَنْسُوبُونَ لِحِرْفَةٍ كَالنَّحْوِيِّينَ نَقَلُوا الْفِعْلَ مَثَلًا مِنْ الْأَمْرِ وَالشَّأْنِ لِلَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى مَعْنًى فِي نَفْسِهِ مُقْتَرِنٍ بِأَحَدِ الْأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ لِاشْتِمَالِ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْأَمْرِ وَالشَّأْنِ وَالرَّابِعُ الْعُرْفِيَّةُ الْعَامَّةُ وَهِيَ مَا وَضَعَهَا أَهْلُ الْعُرْفِ الْعَامِّ أَيْ مَا كَانَ النَّاقِلُ لَهَا مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ كَكَوْنِهِ دَاخِلًا فِي جُمْلَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ بِحَيْثُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَمْرٍ يَضْبِطُ أَهْلُهَا كَالدَّابَّةِ نَقَلَهَا الْعُرْفُ الْعَامُّ مِنْ كُلِّ

وَأَمَّا الْوَكَالَةُ بِعِوَضٍ فَهِيَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ فَمَنْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ فَلَهُ بَيْعُ مَا مَلَكَ وَيُمَكِّنُ مِنْهُ غَيْرَهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمُوَكَّلُ عَلَيْهِ لَا يَقْبَلُ الْبَدَلَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْقِرَاضُ يَقْتَضِي عَقْدُهُ أَنَّ رَبَّ الْعَمَلِ مَلَكَ مِنْ الْعَامِلِ الِانْتِفَاعَ لَا الْمَنْفَعَةَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعَاوِضَ عَلَى مَا مَلَكَهُ مِنْ الْعَامِلِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يُؤَاجِرَهُ مِمَّنْ أَرَادَ بَلْ يَقْتَصِرَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِنَفْسِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ عَقْدُ الْقِرَاضِ وَكَذَلِكَ الْمُسَاقَاةُ وَالْمُغَارَسَةُ وَأَمَّا مَا مَلَكَهُ الْعَامِلُ فِي الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ فَهُوَ مِلْكُ عَيْنٍ لَا مِلْكُ مَنْفَعَةٍ وَلَا انْتِفَاعٍ وَتِلْكَ الْعَيْنُ هِيَ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَةٍ أَوْ يَحْصُلُ مِنْ رِبْحٍ فِي الْقِرَاضِ فَيَمْلِكُ نَصِيبَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا وَقَفَ وَقْفًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَ أَوْ عَلَى السُّكْنَى وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَاقِفَ إنَّمَا مَلَّكَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعَ بِالسُّكْنَى دُونَ الْمَنْفَعَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ غَيْرَهُ وَلَا يُسَكِّنَهُ وَكَذَلِكَ إذَا صَدَرَتْ صِيغَةٌ تَحْتَمِلُ تَمْلِيكَ الِانْتِفَاعِ أَوْ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ وَشَكَكْنَا فِي تَنَاوُلِهَا لِلْمَنْفَعَةِ قَصَرْنَا الْوَقْفَ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ وَهِيَ تَمْلِيكُ الِانْتِفَاعِ دُونَ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ فَإِنْ قَالَ فِي لَفْظِ الْوَقْفِ يُنْتَفَعُ بِالْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ يَحْصُلُ مِنْ الْقَرَائِنِ مَا يَقُومُ مَقَامَ هَذَا التَّصْرِيحِ مِنْ الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ أَوْ الْحَالِيَةِ فَإِنَّا نَقْضِي بِمُقْتَضَى تِلْكَ الْقَرَائِنِ وَمَتَى حَصَلَ الشَّكُّ وَجَبَ الْقَصْرُ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْأَمْلَاكِ عَلَى مِلْكِ أَرْبَابِهَا وَالنَّقْلُ وَالِانْتِقَالُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَمَتَى شَكَكْنَا فِي رُتَبِ الِانْتِقَالِ حَمَلْنَا عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ فِي الْمِلْكِ السَّابِقِ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ فِي الْمَذْهَبِ فَرْعٌ مُرَتَّبٌ حَيْثُ قُلْنَا إنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الِانْتِفَاعَ دُونَ الْمَنْفَعَةِ فَقَدْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ تَسْوِيغُ الِانْتِفَاعِ لِغَيْرِ الْمَالِكِ فِي الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ كَأَهْلِ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ إنْزَالُ الضَّيْفِ الْمُدَّةَ الْيَسِيرَةَ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِذَلِكَ فَدَلَّتْ الْعَادَةُ عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ يَسْمَحُ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمُدَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ وَخَصَّهَا بِذَاتِ الْحَوَافِرِ الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ بِالْفَرَسِ وَأَهْلِ مِصْرَ بِالْحِمَارِ وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِشَخْصِ النَّاقِلِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ وَهَلْ اتِّفَاقُ كَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ لِلَّفْظِ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ مَعْنَاهُ أَوْ فِي مَعْنًى مُنَاسِبٍ لِلْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ حَتَّى يَصِيرُ الْأَصْلُ مَهْجُورًا هُوَ نَفْسُ النَّقْلِ نَظَرًا إلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُحَقَّقُ فِي مُسَمَّى الْمَنْقُولِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى وُجُودِ نَقْلٍ مَقْصُودٍ أَوْ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ أَوْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ نَظَرًا إلَى أَصْلِ دَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ خِلَافٌ. ثُمَّ النَّقْلُ قِيلَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ وَقِيلَ لَا كَمَا فِي ابْنِ يَعْقُوبَ عَلَى التَّلْخِيصِ بِزِيَادَةٍ مِنْ الدُّسُوقِيِّ والأنبابي وَهَذَا الْقِسْمُ الرَّابِعُ هُوَ مُرَادُ الْأَصْلِ بِالْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ وَيَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ الْأَوَّلُ مَا يَكُونُ فِي الْمُفْرَدَاتِ نَحْوَ الدَّابَّةِ فِي ذَاتِ الْحَوَافِرِ أَوْ فِي الْفَرَسِ أَوْ الْحِمَارِ كَمَا مَرَّ وَنَحْوَ قَتْلِ زَيْدٍ عَمْرًا فَإِنَّ قَتَلَ فِي اللُّغَةِ لِإِذْهَابِ الرُّوحِ وَفِي عُرْفِ مِصْرَ وَالْحِجَازِ لِلضَّرْبِ الشَّدِيدِ خَاصَّةً وَالثَّانِي مَا يَكُونُ فِي الْمُرَكَّبَاتِ وَهُوَ أَدَقُّهَا عَلَى الْفَهْمِ وَأَبْعَدُهَا عَنْ التَّفَطُّنِ وَضَابِطُهَا أَنْ يَكُونَ شَأْنُ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ تَرْكِيبَ لَفْظٍ مَعَ لَفْظٍ ثُمَّ يَشْتَهِرُ فِي الْعُرْفِ تَرْكِيبُهُ مَعَ غَيْرِهِ وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النساء: 23] وقَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَلَا وَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» وَهَكَذَا جَمِيعُ مَا يَرِدُ فِي الْعُرْفِ مِنْ الْأَحْكَامِ مُرَكَّبًا مِنْ الذَّوَاتِ فَإِنَّهُ وَضَعَهُ الْعُرْفُ لِلتَّعْبِيرِ عَنْ حُكْمِ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَا تَحْسُنُ فِي اللُّغَةِ إضَافَةُ الْأَحْكَامِ إلَّا لَهَا دُونَ الذَّوَاتِ كَالْأَكْلِ لِلْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْأَمْوَالِ وَالشُّرْبِ لِلْخَمْرِ وَالِاسْتِمْتَاعِ لِلْأُمَّهَاتِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُنَّ وَالسَّفْكِ لِلدِّمَاءِ وَالثَّلْبِ لِلْأَعْرَاضِ وَمِنْهَا الرَّأْسُ مَعَ لَفْظِ الْأَكْلِ كَيْفَمَا كَانَ نَحْوَ أَكَلْت رَأْسًا خَصَّهُ الْعُرْفُ بِرُءُوسِ الْأَنْعَامِ بِخِلَافِهِ مَعَ رَأَيْت وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ نَحْوَ رَأَيْت رَأْسًا فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ جَمِيعَ الرُّءُوسِ وَمِنْهَا وَضْعُ الْعُرْفِ عَصْرَ الْخَمْرِ فِي قَوْلِهِمْ فُلَانٌ يَعْصِرُ الْخَمْرَ لِعَصْرِ الْعِنَبِ فَلَا يُقَدِّرُونَ مُضَافًا وَمُقْتَضَى اللُّغَةِ أَنْ لَا يَصِحَّ هَذَا الْكَلَامُ إلَّا بِمُضَافٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فُلَانٌ يَعْصِرُ عِنَبَ الْخَمْرِ أَوْ يُجْعَلُ الْخَمْرُ مَجَازًا فِي الْعِنَبِ مُرْسَلًا لِعَلَاقَةِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا بُيِّنَ فِي مَحَلِّهِ. وَمِنْهَا وَضْعُ الْعُرْفِ نَحْوَ الْقَتِيلِ مَعَ قَتَلَ فِي قَوْلِهِمْ قَتَلَ فُلَانٌ قَتِيلًا لِقَتْلِ الْحَيِّ وَنَحْوَ الدَّقِيقِ مَعَ طَحَنَ فِي قَوْلِهِمْ طَحَنَ فُلَانٌ دَقِيقًا لِطَحْنِ الْقَمْحِ فَلَا يُقَدِّرُونَ مُضَافًا وَمُقْتَضَى اللُّغَةِ أَنْ لَا يَصِحَّ هَذَا الْكَلَامُ إلَّا بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ قُتِلَ جَسَدُ قَتِيلٍ أَوْ طُحِنَ قَمْحُ دَقِيقٍ أَوْ بِجَعْلِ فَعِيلًا مَجَازًا مُرْسَلًا لِعَلَاقَةِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا بُيِّنَ فِي مَحَلِّهِ وَأَمَّا الْعُرْفُ الْفِعْلِيُّ فَمَعْنَاهُ أَنْ يُوضَعَ اللَّفْظُ فِي اللُّغَةِ لِمَعْنًى ذِي أَنْوَاعٍ وَيَكْثُرُ اسْتِعْمَالُ أَهْلِ الْعُرْفِ لِبَعْضِ أَنْوَاعِهِ فَقَطْ كَالثَّوْبِ يَصْدُقُ لُغَةً عَلَى ثِيَابِ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَالْحَرِيرِ وَالْوَبَرِ وَالشَّعْرِ وَأَهْلُ الْعُرْفِ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَ مِنْ أَنْوَاعِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي لُبْسِهِمْ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ دُونَ الْأَخِيرَيْنِ وَكَالْخُبْزِ يَصْدُقُ لُغَةً عَلَى خُبْزِ الْفُولِ وَالْحِمَّصِ وَالْبُرِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَهْلُ الْعُرْفِ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَ فِي أَغْذِيَتِهِمْ خُبْزَ الْبُرِّ دُونَ مَا عَدَاهُ وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ يُقْضَى بِهِ فِي تَخْصِيصِ الْأَلْفَاظِ بِبَعْضِ مَا تَصْدُقُ عَلَيْهِ لُغَةً وَبِغَيْرِ مَا تَصْدُقُ عَلَيْهِ لُغَةً وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ لَا يُقْضَى بِهِ فِي تَخْصِيصِ الْأَلْفَاظِ بِبَعْضِ مَا تَصْدُقُ عَلَيْهِ لُغَةً هُوَ أَنَّ الْعُرْفَ

الْكَثِيرَةِ لَا تَجُوزُ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْكُنَ بَيْتًا مِنْ الْمَدْرَسَةِ دَائِمًا وَلَا مُدَّةً طَوِيلَةً فَإِنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ فِي ذَلِكَ بِتَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ لَا بِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ. وَكَذَلِكَ لَوْ عَمَدَ أَحَدٌ لِإِيجَارِ بَيْتِ الْمُدَرِّسَةِ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ دُونَ الْمَنْفَعَةِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ لَوْ جَعَلَ بَيْتًا فِي الْمَدْرَسَةِ لِخَزْنِ الْقَمْحِ أَوْ غَيْرِهِ دَائِمًا أَوْ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ امْتَنَعَ أَيْضًا لِأَنَّ الْعَادَةَ شَهِدَتْ وَأَلْفَاظُ الْوَاقِفِينَ عَلَى أَنَّ الْبُيُوتَ وَقْفٌ عَلَى السُّكْنَى فَقَطْ فَإِنْ وُضِعَ فِيهَا مَا يُخْزَنُ الزَّمَانَ الْيَسِيرَ جَازَ كَإِنْزَالِ الضَّيْفِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا يُوقَفُ مِنْ الصَّهَارِيجِ لِلْمَاءِ وَالشُّرْبِ فِي الْمَدَارِسِ وَالْخَوَانِكِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ لِلنَّاسِ وَلَا صَرْفُهُ لِنَفْسِهِ فِي وُجُوهٍ غَرِيبَةٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهَا كَالصَّبْغِ وَبَيَاضِ الْكَتَّانِ بِأَنْ يَكُونَ صَبَّاغًا مُبَيِّضًا لِلْكَتَّانِ فَيَصْرِفُ ذَلِكَ الْمَاءَ فِي الصَّبْغِ وَالْبَيَاضِ دَائِمًا فَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْعَادَةَ وَأَلْفَاظَ الْوَاقِفِينَ شَهِدَتْ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ لِلشُّرْبِ فَقَطْ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الصَّبْغُ الْيَسِيرُ وَالْبَيَاضُ الْيَسِيرُ وَنَحْوُهُ وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إطْعَامُ الضَّيْفِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَلَا يُمَلِّكُهُ غَيْرَهُ بَلْ يَأْكُلُهُ هُوَ خَاصَّةً عَلَى جَرْيِ الْعَادَةِ وَلَهُ إطْعَامُ الْهِرِّ اللُّقْمَةَ وَاللُّقْمَتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا لِشَهَادَةِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الْحُصْرُ الْمَوْضُوعَةُ فِي الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَالْبُسُطُ الْمَفْرُوشَةُ فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ لَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّخِذَهَا غِطَاءً بَلْ لَا تُسْتَعْمَلُ الْأَوْطَاءُ فَقَطْ لِأَنَّ الْعَادَةَ وَأَلْفَاظَ الْوَاقِفِينَ شَهِدَتْ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ الزَّيْتُ لِلِاسْتِصْبَاحِ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْكُلَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي طَعَامِ الضَّيْفِ فَهَذِهِ الْأَعْيَانُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ بَابِ الْمَنَافِعِ بَلْ مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ وَلَكِنَّ التَّمْلِيكَ فِيهَا مَقْصُورٌ عَلَى جِهَةٍ خَاصَّةٍ بِشَهَادَةِ الْعَوَائِدِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ أَمْلَاكِ الْوَاقِفِينَ عَلَى الْمَوْقُوفِ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ إلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى انْتِقَالِهِ عَنْ أَمْلَاكِهِمْ وَقِسْ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا يَقَعُ لَك مِنْهَا وَاحْمِلْ مَسَائِلَ تَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ عَلَى بَابِهَا وَمَسَائِلَ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى بَابِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَوْلِيَّ لَمَّا كَانَ عِبَارَةً عَنْ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ أَهْلِ الْعُرْفِ الْعَامِّ لِلَّفْظِ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ أَوْ فِي مَعْنًى مُنَاسِبٍ لِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ حَتَّى يَصِيرَ الْأَصْلُ مَهْجُورًا كَمَا عَرَفْت كَانَ نَاسِخًا لِلُّغَةِ وَالنَّاسِخُ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَنْسُوخِ وَأَنَّ الْعُرْفَ الْفِعْلِيَّ لَمَّا كَانَ عِبَارَةً عَنْ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ أَهْلِ الْعُرْفِ لِبَعْضِ أَنْوَاعِ مُسَمَّى اللَّفْظِ اللُّغَوِيِّ فِي عَوَائِدِهِمْ دُونَ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِهِ مَعَ بَقَاءِ ذَلِكَ اللَّفْظِ اللُّغَوِيِّ مُسْتَعْمَلًا فِي مُسَمَّاهُ اللُّغَوِيِّ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لَهُ بِنَقْلٍ مِنْهُ لِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ نَاسِخًا لِلُّغَةِ حَتَّى يُقَدَّمَ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ نَاسِخًا عَلَى الْمَنْسُوخِ وَبِالْجُمْلَةِ فَغَلَبَةُ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْمُسَمَّى فِي غَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ نَاسِخًا يُخِلُّ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ فَيُؤَثِّرُ فِيهِ تَخْصِيصًا وَتَقْيِيدًا وَإِبْطَالًا وَتَرْكُ مُبَاشَرَةِ الْمُسَمَّيَاتِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ بِنَاسِخٍ لَا يُخِلُّ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ تَخْصِيصًا وَلَا تَقْيِيدًا وَلَا إبْطَالًا فَلِذَا حَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْإِجْمَاعَ فِي أَنَّ الْعُرْفَ الْفِعْلِيَّ لَا يُؤَثِّرُ بِخِلَافِ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ وَقَدْ حَاوَلَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ الْإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ نَقَلَ خِلَافًا فِي ذَلِكَ وَنَقَلَ مَثَلًا عَنْهُ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ خِلَافًا فِي اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ نَاسِخًا لِلُّغَةِ حَتَّى يُنَافِيَ الْإِجْمَاعَ بَلْ هُوَ خِلَافٌ لَفْظِيٌّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْمَسَائِلِ مِنْ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ التَّخْصِيصُ وَالتَّقْيِيدُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِنْ قَبِيلِ بِسَاطِ الْحَالِ وَالْأَيْمَانُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِالنِّيَّةِ ثُمَّ بِبِسَاطِ الْحَالِ ثُمَّ بِالْعُرْفِ ثُمَّ بِاللُّغَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ بِأَنْصَافِ هَذَا وَمُقْتَضَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ أَمْرَانِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ نَحْوَ الدَّابَّةِ فِي ذَاتِ الْحَوَافِرِ أَوْ الْفَرَسِ أَوْ الْحِمَارِ مَجَازًا لُغَةً وَحَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَالثَّانِي تَقْدِيمُ الْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ عَلَى اللُّغَوِيِّ لِكَوْنِهِ نَاسِخًا لَهُ وَيُنَافِي الْأَوَّلَ قَوْلُ ابْنِ كَمَالِ بَاشَا فِي حَاشِيَةِ التَّلْوِيحِ إنَّ زَيْدًا إذَا اُعْتُبِرَ لَا بِخُصُوصِهِ لَا يَصِحُّ عَنْهُ سَلْبُ الْإِنْسَانِ لَا لُغَةً وَلَا بِحَسْبِ نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا يَكُونُ مَجَازًا بِلَا اشْتِبَاهٍ. وَإِذَا اُعْتُبِرَ بِخُصُوصِهِ يَصِحُّ سَلْبُ الْإِنْسَانِ عَنْهُ لُغَةً وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ سَلْبُهُ عَنْهُ بِحَسْبِ نَفْسِ الْأَمْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مَجَازًا أَيْضًا لِأَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ صِحَّةَ السَّلْبِ لَا بِحَسْبِ اللُّغَةِ فَقَطْ بَلْ بِحَسْبِ نَفْسِ الْأَمْرِ أَيْضًا عَلَى مَا حَقَّقَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ فَمُوجِبُ هَذَا التَّحْقِيقِ أَنْ لَا يَكُونَ ذِكْرُ الْعَامِّ وَإِرَادَةُ الْخَاصِّ مِنْ قَبِيلِ الْمَجَازِ بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْحَقِيقَةِ مُطْلَقًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ وَمَنْ وَافَقَهُ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِمْ فِي تَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ الْكَلِمَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِيمَا وُضِعَتْ لَهُ لَامُ التَّعْلِيلِ وَلَا شَكَّ أَنَّ اسْمَ الْكُلِّيِّ إنَّمَا وُضِعَ لِأَجْلِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْجُزْئِيِّ وَعَلَّلَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْمَجَازَ هُوَ الْكَلِمَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَتْ لَهُ أَوَّلًا وَالْجُزْئِيُّ لَيْسَ غَيْرَ الْكُلِّيِّ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ عَيْنَهُ نَعَمْ هَذَا التَّحْقِيقُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الْعَامَّ فِي الْخَاصِّ حَقِيقَةً إنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقِ الْعَامِّ فِيهِ لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصِهِ وَمَجَازًا إنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ خُصُوصِهِ لَا مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقِ الْعِلْمِ فِيهِ وَعَلَيْهِ فَيَصِحُّ كَوْنُ الدَّابَّةِ فِي ذَاتِ الْحَوَافِرِ أَوْ فِي الْفَرَسِ أَوْ فِي الْحِمَارِ مَجَازًا لُغَةً وَحَقِيقَةً عُرْفِيَّةً سِيَّمَا فِي نَحْوِ قَوْلِك رَأَيْت دَابَّةَ زَيْدٍ أَوْ رَبَطْت أَوْ عَلَفْتُ الدَّابَّةَ إذْ الرُّؤْيَةُ وَالرَّبْطُ وَالْعَلْفُ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْفَرْدِ الْمَوْجُودِ فِي الْخَارِجِ لَا بِالْمَفْهُومِ الْكُلِّيِّ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِذَلِكَ. وَهَذَا هُوَ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا عُمُومُهُ بَدَلِيٌّ أَمَّا مَا عُمُومُهُ شُمُولِيٌّ كَالْقَوْمِ وَالنَّاسِ فَإِنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ نَحْوَ {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران: 173] أُرِيدَ بِالنَّاسِ الْأُوَلِ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ

(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْكُلِّيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْكُلِّيَّةِ وَبَيْنَهُمَا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالنَّفْيِ) اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ أَطْلَقُوا فِي كُتُبِهِمْ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَحَكَوْا فِيهِ الْخِلَافَ مُطْلَقًا وَجَعَلُوا أَنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ يُفْضِي إلَى الْعَمَلِ بِالدَّلِيلَيْنِ دَلِيلِ الْإِطْلَاقِ وَدَلِيلِ التَّقْيِيدِ وَأَنَّ عَدَمَ الْحَمْلِ يُفْضِي إلَى إلْغَاءِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى التَّقْيِيدِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالُوا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ هُمَا قَاعِدَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ إذَا قَالَ اعْتِقُوا رَقَبَةً ثُمَّ قَالَ فِي مَوْطِنٍ آخَرَ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ فَمَدْلُولُ قَوْلِهِ رَقَبَةٌ كُلِّيٌّ وَحَقِيقَةٌ مُشْتَرَكٌ فِيهَا بَيْنَ جَمِيعِ الرِّقَابِ وَتَصْدُقُ بِأَيِّ فَرْدٍ وَقَعَ مِنْهَا فَمَنْ أَعْتَقَ سَعِيدًا فَقَدْ أَعْتَقَ رَقَبَةً وَوَفَّى مُقْتَضَى هَذَا اللَّفْظِ فَإِذَا أَعْتَقْنَا رَقَبَةً مُؤْمِنَةً فَقَدْ وَفَّيْنَا بِمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مَفْهُومُ الرَّقَبَةِ وَبِمُقْتَضَى التَّقْيِيدِ وَهُوَ وَصْفُ الْأَيْمَانِ فَكُنَّا جَامِعِينَ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَهَذَا كَلَامٌ حَقٌّ أَمَّا إذَا وَرَدَ أَمْرُ صَاحِبِ الشَّرْعِ بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْكُلِّيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْكُلِّيَّةِ وَبَيْنَهُمَا فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالنَّفْيِ إلَى قَوْلِهِ وَهَذَا كَلَامُ حَقٌّ) قُلْت فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ فَمَدْلُولُ قَوْلِهِ (رَقَبَةً) كُلِّيٌّ وَحَقِيقَةٌ مُشْتَرَكٌ فِيهِمَا بَيْنَ جَمِيعِ الرِّقَابِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ مَدْلُولُ لَفْظِ رَقَبَةً مُطْلَقٌ لَا كُلِّيٌّ وَالْمُطْلَقُ إنَّمَا هُوَ الْوَاحِدُ الْمُبْهَمُ مِمَّا فِيهِ الْحَقِيقَةِ وَالْكُلِّيُّ هُوَ الْحَقِيقَةُ الْوَاقِعُ فِيهَا الِاشْتِرَاكُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِإِثْبَاتِ الْحَقَائِقِ الْمُشْتَرَكِ فِيهَا وَقَوْلُهُ وَيُصَدَّقُ بِأَيِّ فَرْدٍ مِنْهَا صَحِيحٌ لَكِنْ لَا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ وَلَكِنْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ الْأَمْرُ بِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِذَا أَوْقَع وَاحِدًا أَيْ وَاحِدٌ كَانَ مِمَّا فِيهِ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ أَجْزَأَ وَالْوُجُودُ اقْتَضَى التَّعْيِينَ لَا الْوُجُوبَ قَالَ (أَمَّا إذَا وَرَدَ، أَمَرَ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِالثَّانِي أَبُو يُوسُفَ وَأَصْحَابُهُ فَهُوَ مَجَازٌ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ عُمُومَهُ الْمَوْضُوعَ لَهُ لَمْ يَرِدْ تَنَاوُلًا وَلَا حُكْمًا وَإِنْ كَانَ مَخْصُوصًا كَقَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا فَاَلَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ السُّبْكِيّ تَبَعًا لِوَالِدِهِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ نَظَرًا لِإِرَادَةِ عُمُومِهِ الْمَوْضُوعِ لَهُ تَنَاوُلًا. وَإِنْ لَمْ يَرِدْ حُكْمًا وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي بَعْضِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا كَمَا بُسِطَ ذَلِكَ فِي الْأُصُولِ وَعَلَيْهِ فَيَتَّحِدُ الْعَامُّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَالْعَامُّ الْمَخْصُوصُ وَيُنَافِي الثَّانِيَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ مَا لَا حَدَّ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي اللُّغَةِ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ إذْ قَضِيَّتُهُ تَأَخُّرُ الْعُرْفِ عَنْ اللُّغَةِ نَعَمْ قَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ مُرَادُ الْأُصُولِيِّينَ مَا إذَا تَعَارَضَ مَعْنَى اللَّفْظِ فِي اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ مَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ حَدُّهُ فِي اللُّغَةِ وَلِهَذَا قَالُوا كُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ حَدٌّ فِي اللُّغَةِ وَلَمْ يَقُولُوا مَعْنًى اهـ فَافْهَمْ أَفَادَ جَمِيعَ هَذَا الْعَطَّارُ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ بِتَصَرُّفٍ وَزِيَادٍ مِنْ الدُّسُوقِيِّ والأنبابي عَلَى مُخْتَصَرِ الْمَعَانِي (وَصْلٌ) فِي تَوْضِيحِ هَذَا الْفَرْقِ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا فَرَضْنَا مَلِكًا أَعْجَمِيًّا يَتَكَلَّمُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَيَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِهَا لِثِقَلِهَا عَلَيْهِ فَلَا يَنْطِقُ بِلَفْظِ الْخُبْزِ وَالثَّوْبِ إلَّا عَلَى النُّدْرَةِ وَقَدْ جَرَتْ عَادَتُهُ فِي غِذَائِهِ وَلُبْسِهِ أَنْ لَا يَأْكُلَ إلَّا خُبْزَ الشَّعِيرِ وَلَا يَلْبَسَ إلَّا ثِيَابَ الْقُطْنِ فَحَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا وَلَا يَأْكُلُ خُبْزًا كَانَ اقْتِصَارُهُ عَلَى أَكْلِ خُبْزِ الشَّعِيرِ وَلُبْسِ ثِيَابِ الْقُطْنِ مُقَيِّدًا لِمُطْلَقِ لَفْظِهِ فَلَا نُحَنِّثُهُ إلَّا بِأَكْلِ خُبْزِ الشَّعِيرِ وَلُبْسِ ثِيَابِ الْقُطْنِ فَقَطْ عَلَى الصَّحِيحِ لَكِنْ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّ عُرْفَهُ الْفِعْلِيَّ نَاسِخٌ لِلُّغَةِ بَلْ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مِنْ قَبِيلِ بِسَاطِ الْحَالِ وَالْأَيْمَانُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِالنِّيَّةِ ثُمَّ بِبِسَاطِ الْحَالِ ثُمَّ بِالْعُرْفِ. ثُمَّ بِاللُّغَةِ كَمَا مَرَّ فَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهُ اسْتِعْمَالَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لِعَدَمِ ثِقَلِهَا عَلَيْهِ لَكَانَ طُولَ أَيَّامِهِ يَقُولُ أَكَلْت خُبْزًا وَلَبِسْت الثَّوْبَ وَأْتُونِي بِخُبْزٍ وَعَجِّلُوا بِالْخُبْزِ وَالْخُبْزُ عَلَى الْمَائِدَةِ قَلِيلٌ وَأْتُونِي بِالثَّوْبِ وَعَجِّلُوا بِالثَّوْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يُرِيدُ فِي هَذَا النُّطْقِ كُلِّهِ إلَّا ثَوْبَ الْقُطْنِ وَخُبْزَ الشَّعِيرِ الَّذِي جَرَتْ عَادَتُهُ بِهِمَا لَصَارَ لَهُ فِي لَفْظَيْ الْخُبْزِ وَالثَّوْبِ عُرْفٌ قَوْلِيٌّ نَاسِخٌ لِلُّغَةِ فَلَا نُحَنِّثُهُ بِغَيْرِ خُبْزِ الشَّعِيرِ وَثِيَابِ الْقُطْنِ أَيْضًا لَكِنْ لَا مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الْأُولَى بَلْ مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقِ الْعُرْفِ النَّاسِخِ لِلُّغَةِ حِينَئِذٍ فَافْهَمْ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَا خِلَافَ بَيْنَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي أَنَّ النَّقْلَ الْعُرْفِيَّ مُقَدَّمٌ عَلَى اللُّغَةِ إذَا وُجِدَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُءُوسًا فَقَالَ الْأَوَّلُ يَحْنَثُ بِجَمِيعِ الرُّءُوسِ وَقَالَ الثَّانِي لَا يَحْنَثُ إلَّا بِرُءُوسِ الْأَنْعَامِ وَذَلِكَ لِأَنَّ مُدْرَكَ أَشْهَبَ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ قَدْ نَقَلُوا هَذَا اللَّفْظَ الْمُرَكَّبَ أَعْنِي أَكَلْت رُءُوسًا لِأَكْلِ رُءُوسِ الْأَنْعَامِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهَا مِنْ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِ الرُّءُوسِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِمْ لِذَلِكَ الْمُرَكَّبِ فِي هَذَا النَّوْعِ خَاصَّةً دُونَ بَقِيَّةِ أَنْوَاعِ الرُّءُوسِ وَمُدْرَكَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ وَإِنْ سَلِمَ اسْتِعْمَالُ أَهْلِ الْعُرْفِ لِذَلِكَ الْمُرَكَّبِ فِي هَذَا النَّوْعِ خَاصَّةً إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ وَصَلَ إلَى غَايَتِهِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّقْلِ فَإِنَّ الْغَلَبَةَ قَدْ تَقْصُرُ عَنْ النَّقْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يَسْتَعْمِلُونَ لَفْظَ الْأَسَدِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ اسْتِعْمَالًا مُثِيرًا وَلَمْ يَصِلْ ذَلِكَ إلَى حَدِّ النَّقْلِ فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ الرَّجُلُ الشُّجَاعُ إلَّا بِقَرِينَةٍ وَضَابِطُ النَّقْلِ أَنْ يَصِيرَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ هُوَ الْمُتَبَادَرُ الْأَوَّلُ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ وَغَيْرُهُ هُوَ الْمُفْتَقِرُ إلَى الْقَرِينَةِ فَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي وُجُودِ الْمَنَاطِ هُنَا وَعَدَمِ وُجُودِهِ. وَقَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ

كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» ثُمَّ وَرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» فَمَنْ قَصَدَ فِي هَذَا الْمَقَامِ حَمْلَ الْمُطْلَقِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الْغَنَمُ عَلَى هَذَا الْقَيْدِ الَّذِي هُوَ الْغَنَمُ السَّائِمَةُ اعْتِمَادًا مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَقَدْ فَاتَهُ الصَّوَابُ بِسَبَبِ أَنَّ الْحَمْلَ هُنَا يُوجِبُ أَنَّ الْمُقَيَّدَ خَصَّصَ الْمُطْلَقَ وَأَخْرَجَ مِنْهُ جَمِيعَ الْأَغْنَامِ الْمَعْلُوفَةِ وَالْعُمُومُ يَتَقَاضَى وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيهَا فَلَيْسَ جَامِعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ بَلْ تَارِكًا لِمُقْتَضَى الْعُمُومِ وَحَامِلًا لَهُ عَلَى التَّخْصِيصِ مَعَ إمْكَانِ عَدَمِ التَّخْصِيصِ فَلَا يَكُونُ الدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ مَوْجُودًا هَهُنَا وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ دَلِيلِ الْإِطْلَاقِ وَدَلِيلِ التَّقْيِيدِ وَمَنْ أَثْبَتَ الْحُكْمَ بِدُونِ مُوجِبِهِ وَدَلِيلِهِ فَقَدْ أَخْطَأَ بَلْ هَذَا يَرْجِعُ إلَى قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِذِكْرِ بَعْضِهِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْبَعْضَ لَا يُنَافِي الْكُلَّ أَوْ مِنْ قَاعِدَةِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْمَفْهُومِ الْحَاصِلِ مِنْ قَيْدِ السَّوْمِ وَفِيهِ خِلَافٌ. أَمَّا أَنَّهُ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَلَا لِأَنَّهُ كُلِّيَّةٌ وَلَفْظٌ عَامٌّ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ فِي الْكُلِّيِّ الْمُطْلَقِ لَا فِي الْكُلِّيَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَرْقِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي كُتُبِ الْعُلَمَاءِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ لَوْ قَالَ لَا تَعْتِقُوا رَقَبَةً ثُمَّ قَالَ لَا تَعْتِقُوا رَقَبَةً كَافِرَةً كَانَ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ كَالنَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ فَيَكُونُ اللَّفْظُ الثَّانِي لَوْ حَمَلْنَا الْأَوَّلَ عَلَيْهِ مُخَصِّصًا لِلْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ ـــــــــــــــــــــــــــــSكَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» ثُمَّ وَرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» فَمَنْ قَصَدَ فِي هَذَا الْمَقَامِ حَمْلَ الْمُطْلَقِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الْغَنَمُ عَلَى هَذَا الْمُقَيَّدِ الَّذِي هُوَ الْغَنَمُ السَّائِمَةُ اعْتِمَادًا مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَقَدْ فَاتَهُ الصَّوَابُ إلَى قَوْلِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَرْقِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مُسَلَّمٌ قَالَ (وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي كُتُبِ الْعُلَمَاءِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالشُّرَّاحِ وَالْفُقَهَاءِ إذَا مَرَّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ رُءُوسِ الْأَنْعَامِ لِأَنَّ عَادَةَ النَّاسِ يَأْكُلُونَ رُءُوسَ الْأَنْعَامِ دُونَ غَيْرِهَا اهـ مَحْمُولٌ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّى اللَّفْظِ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْفِعْلِيِّ مِنْ جِنْسِ الْبِسَاطِ فَافْهَمْ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) مَشْهُورُ فَتَاوَى الْأَصْحَابِ فِيمَا إذَا حَلَفَ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُهُ فَحَنِثَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَعِتْقُ مَا عِنْدَهُ مِنْ الرَّقِيقِ وَإِنْ كَثُرُوا وَصَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَالْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَطَلَاقُ امْرَأَتِهِ وَفِي كَوْنِهِ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا خِلَافٌ وَالتَّصَدُّقُ بِثُلُثِ الْمَالِ وَلَا يَلْزَمُهُ اعْتِكَافُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَا الْمَشْيُ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَلَا لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَا الرِّبَاطُ فِي الثُّغُورِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَلَا تَرْبِيَةُ الْيَتَامَى وَلَا كُسْوَةُ الْعَرَايَا وَلَا إطْعَامُ الْجِيَاعِ وَلَا شَيْئًا مِنْ الْقُرُبَاتِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَلَاحَظُوا مَا غَلَبَ الْحَلِفُ بِهِ فِي الْعُرْفِ مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي صَارَتْ تُسَمَّى كُلُّهَا فِي الْعُرْفِ أَيْمَانًا. وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْيَمِينِ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقَسَمُ فَقَطْ وَلَمْ يُلَاحِظُوا أَنَّ عَادَتَهُمْ يَفْعَلُونَ مُسَمَّيَاتِهَا وَأَنَّهُمْ يَصُومُونَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعِينَ أَوْ يَحُجُّونَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ نَظَرًا لِلْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ تَقْدِيمُ الْمُسَمَّى الْعُرْفِيِّ عَلَى الْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ وَعَدَمُ تَقْدِيمِ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ عَلَى الْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ. فَلِذَا صَرَّحُوا وَقَالُوا مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِالْحَلِفِ بِصَوْمٍ لَزِمَهُ صَوْمُ سَنَةٍ فَجَعَلُوا الْمُدْرَكَ الْحَلِفَ اللَّفْظِيَّ دُونَ الْعُرْفِ الْفِعْلِيِّ وَعَلَى هَذَا لَوْ اتَّفَقَ فِي وَقْتٍ آخَرَ اشْتِهَارُ حَلِفِهِمْ بِنَذْرِهِمْ الِاعْتِكَافَ وَالرِّبَاطَ وَإِطْعَامَ الْجِيعَانِ وَكُسْوَةَ الْعُرْيَانِ وَبِنَاءَ الْمَسَاجِدِ دُونَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا لَكَانَ اللَّازِمُ لِهَذَا الْحَالِفِ إذَا حَنِثَ الِاعْتِكَافَ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ دُونَ مَا هُوَ مَذْكُورٌ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى الْعَوَائِدِ تَدُورُ مَعَهَا كَيْفَمَا دَارَتْ وَتَبْطُلُ مَعَهَا إذَا بَطَلَتْ كَالنُّقُودِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْعُيُوبِ فِي الْأَغْرَاضِ فِي الْبِيَاعَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ فِي النَّقْدِ وَالسِّكَّةِ إلَى سِكَّةٍ أُخْرَى حُمِلَ الثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى السِّكَّةِ الَّتِي تَجَدَّدَتْ الْعَادَةُ بِهَا دُونَ مَا قَبْلَهَا وَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ عَيْبًا فِي الثِّيَابِ فِي عَادَةٍ رَدَدْنَا بِهِ الْمَبِيعَ فَإِذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ وَصَارَ ذَلِكَ الْمَكْرُوهُ مَحْبُوبًا مُوجِبًا لِزِيَادَةِ الثَّمَنِ لَمْ نَرُدَّ بِهِ وَبِهَذَا الْقَانُونِ تُعْتَبَرُ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى الْعَوَائِدِ وَهُوَ تَحْقِيقٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَهُمْ نَعَمْ قَدْ يَقَعُ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي تَحْقِيقِهِ هَلْ وُجِدَ أَمْ لَا. قَالَ الْأَصْلُ وَعُرْفُنَا الْيَوْمَ لَيْسَ فِيهِ الْحَلِفُ بِصَوْمِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَلَا تَكَادُ تَجِدُ أَحَدًا بِمِصْرَ يَحْلِفُ بِهِ فَلَا يَنْبَغِي الْفُتْيَا بِهِ وَعَادَتُهُمْ يَقُولُونَ عَبْدِي حُرٌّ وَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَعَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ وَمَالِي صَدَقَةٌ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَتَلْزَمُ هَذِهِ الْأُمُورُ. وَعَلَى هَذَا الْقَانُونَ تُرِكَ الْفَتَاوَى عَلَى طُولِ الْأَيَّامِ فَمَهْمَا تَجَدَّدَ فِي الْعُرْفِ اعْتَبِرْهُ وَمَهْمَا سَقَطَ أَسْقِطْهُ وَلَا تَجْمُدْ عَلَى الْمَسْطُورِ فِي الْكُتُبِ طُولَ عُمْرِك بَلْ إذَا جَاءَك رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ إقْلِيمِك يَسْتَفْتِيك لَا تَجْرِهِ عَلَى عُرْفِ بَلَدِك وَاسْأَلْهُ عَنْ عُرْفِ بَلَدِهِ وَأَجْرِهِ عَلَيْهِ وَأَفْتِهِ بِهِ دُونَ عُرْفِ بَلَدِك وَدُونَ الْمُقَرَّرِ فِي كُتُبِك فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْوَاضِحُ. وَالْجُمُودُ عَلَى الْمَنْقُولَاتِ أَبَدًا ضَلَالٌ فِي الدِّينِ وَجَهْلٌ بِمَقَاصِد عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالسَّلَفِ الْمَاضِينَ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَتَخَرَّجُ أَيْمَانُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَجَمِيعِ الصَّرَائِحِ وَالْكِنَايَاتِ فَقَدْ يَصِيرُ الصَّرِيحُ كِنَايَةً فَيَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَقَدْ تَصِيرُ الْكِنَايَةُ صَرِيحًا فَتَسْتَغْنِي عَنْ النِّيَّةِ اهـ وَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ عُلَيْشٍ فِيمَنْ حَلَفَ بِأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ مَا دَخَلَ دَارَ فُلَانٍ

[الفرق في الفرق بين قاعدة النية المخصصة وبين قاعدة النية المؤكدة]

الرِّقَابَ الْمُؤْمِنَةَ عَلَى امْتِنَاعِ الْعِتْقِ وَالْعُمُومُ يَتَقَاضَاهُ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ بَلْ الْتِزَامٌ لِلتَّخْصِيصِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَإِلْغَاءٌ لِلْعُمُومِ مِنْ غَيْرِ مُوجِبٍ بِخِلَافِ هَذِهِ النَّكِرَةِ لَوْ كَانَتْ فِي سِيَاقِ الْأَمْرِ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تَكُونُ عَامَّةً بَلْ مُطْلَقَةً فَيَكُونُ حَمْلُهَا عَلَى نَصِّ التَّقْيِيدِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَظَهَرَ أَيْضًا الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ نَصَّ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَا بِمُسْتَوِيَيْنِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ كَمَا بَيَّنْته لَك فَيَتَحَصَّلُ مِنْ هَذَا الْمَبْحَثِ أَنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي كُلِّيٍّ دُونَ كُلِّيَّةٍ وَفِي مُطْلَقٍ دُونَ عُمُومٍ وَفِي الْأَمْرِ وَخَبَرِ الثُّبُوتِ دُونَ النَّهْيِ وَخَبَرِ النَّفْيِ لِأَنَّ خَبَرَ النَّفْيِ كَقَوْلِنَا لَيْسَ فِي الدَّارِ أَحَدٌ يَقَعُ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَيَعُمُّ فَيَئُولُ الْحَالُ إلَى الْكُلِّيَّةِ دُونَ الْكُلِّيِّ وَخَبَرُ الثُّبُوتِ هُوَ كَالْأَمْرِ نَحْوَ فِي الدَّارِ رَجُلٌ فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ كُلِّيٌّ لَا كُلِّيَّةٌ لِأَنَّ النَّكِرَةَ لَا تَعُمُّ فِي سِيَاقِ الثُّبُوتِ وَإِذَا تَقَرَّرَ الْفَرْقُ وَاتَّضَحَ الْحَقُّ فَهَاهُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الْحَنَفِيَّةُ لَا يَرَوْنَ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاةِ صَدْرُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ يَقُولُ إنَّ الْحَنَفِيَّةَ تَرَكُوا أَصْلَهُمْ لَا لِمُوجِبٍ فِيمَا وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَوَرَدَ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» فَقَوْلُهُ «إحْدَاهُنَّ» مُطْلَقٌ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أُولَاهُنَّ» مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِ أَوَّلًا وَلَمْ يَحْمِلُوا الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَيُعَيِّنُوا الْأَوْلَى بَلْ أَبْقَوْا الْإِطْلَاقَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَكَانَ يُورَدُ هَذَا السُّؤَالُ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ فَيَعْسُرُ عَلَيْهِمْ الْجَوَابُ عَنْهُ فَسَمِعْته يَوْمًا يُورِدُهُ فَقُلْت لَهُ هَذَا لَا يَلْزَمُهُمْ لِأَجْلِ قَاعِدَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــSفَهَاهُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ) قُلْت مَا قَالَهُ أَيْضًا مُسَلَّمٌ غَيْرَ إطْلَاقِهِ لَفْظَ الْكُلِّيِّ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْوَاحِدَ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ الْمُطْلَقُ فَلَا مُشَاحَّةَ وَإِنْ أَرَادَ الْكُلِّيَّ حَقِيقَةً فَلَيْسَ الْكُلِّيُّ هُوَ الْمُطْلَقُ بَلْ الْكُلِّيُّ الْحَقِيقَةُ وَالْمُطْلَقُ الْوَاحِدُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ مِمَّا فِيهِ الْحَقِيقَةُ قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْحَنَفِيَّةُ لَا يَرَوْنَ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَدَخَلَهَا أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ وَكَفَّارَةٌ فَقَطْ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَإِلَّا لَزِمَهُ مَا نَوَاهُ اتِّفَاقًا إذْ هِيَ مِنْ الْكِنَايَاتِ وَلَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِالْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ وَالطَّلَاقُ كَعُرْفِ أَهْلِ مِصْرَ الْآنَ وَإِلَّا لَزِمَهُ مُقْتَضَى الْحِنْثِ فِي كُلِّ مَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ اهـ هَذَا وَلَفْظُ الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ فِي الْقَسَمِ وَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا جَرَى الْعُرْفُ بِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ عُرْفًا وَمِنْ قَبِيل الْحَقِيقَةِ. وَالْمَجَازِ لُغَةً إلَّا أَنَّهُ فِي قَوْلِ الْحَالِفِ أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ بِحَسْبِ الْعُرْفِ وَلَا مِنْ قَبِيلِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِحَسْبِ اللُّغَةِ وَإِنْ قَالَ الْأَصْلُ بِهِ وَبِأَنَّ قَاعِدَةَ جَوَازِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْمَجَازِ وَالْحَقِيقَةِ كَمَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ نَظَرًا لِكَوْنِ قَرِينَةِ الْمَجَازِ إنَّمَا تَمْنَعُ مِنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَحْدَهُ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ التَّلْوِيحِ لَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَتِهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا. وَذَلِكَ لِأَنَّ قَاعِدَةَ تَقْدِيمِ الْمُسَمَّى الْعُرْفِيِّ عَلَى الْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ تَقْتَضِي إبْطَالَ الْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ فَكَيْفَ يُعْتَبَرُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَجَازِ وَالْحَقِيقَةِ بِحَسْبِهِ وَاسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي لَفْظِهِ الْمُفْرَدِ لَا الْجَمْعِ كَمَا هُنَا أَلَا تَرَى أَنَّ لَفْظَ الزَّيْدُونَ رَفْعًا وَالزَّيْدِينَ نَصْبًا وَجَرًّا يَدُلُّ عَلَى أَشْخَاصٍ مُتَعَدِّدِينَ وُضِعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَفْظُ زَيْدٍ الْمُفْرَدِ بِأَوْضَاعٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَلَمْ يَعُدُّوهُ مِنْ قَبِيلِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعَانِيهِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَوْلُ الْحَالِفِ أَمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي إنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمٌ فَالْمُعْتَبَرُ الْعُرْفُ الَّذِي جَرَتْ بِهِ عَادَةُ مُلُوكِ الْوَقْتِ فِي التَّحْلِيفِ بِهِ فِي بَيْعَتِهِمْ وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ بِحَيْثُ صَارَ عُرْفًا وَمَنْقُولًا مُتَبَادَرًا لِلذِّهْنِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ عَلَى الْقَانُونِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَاللُّغَةُ لَا غَيْرُ وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ حُكْمٌ فَالْمُعْتَبَرُ النِّيَّةُ ثُمَّ السَّبَبُ أَوْ الْبِسَاطُ ثُمَّ الْعُرْفُ ثُمَّ اللُّغَةُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ فِي الْفَرْق بَيْنَ قَاعِدَة النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُؤَكِّدَةِ] (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُؤَكِّدَةِ) الصَّحِيحُ إبْدَالُ الْمُؤَكِّدَةِ بِالْمُخْرِجَةِ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تَكُونُ مُؤَكِّدَةً إلَّا بِنَاءً عَلَى مَا تُوُهِّمَ مِنْ أَنَّ حُكْمَ التَّخْصِيصِ بِالنِّيَّاتِ كَحُكْمِ التَّخْصِيصِ بِالْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَدْلُولَاتِ فِي اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ الْمُخَصِّصُ مُنَافِيًا لِلْمُخَصَّصِ وَإِلَّا احْتِمَالُ قَصْدِ التَّأْكِيدِ وَقَصْدِ التَّخْصِيصِ عَلَى السَّوَاءِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْ مُقْتَضَى الْعُمُومِ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ دَلِيلٌ لِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ الْخُصُوصِ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْمُنَافَاةُ فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَى التَّخْصِيصِ لِاسْتِحَالَةِ التَّنَاقُضِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ وَالْأَمْرُ لَيْسَ كَمَا تُوُهِّمَ بَلْ الصَّحِيحُ فِي النَّظَرِ أَنَّ النِّيَّةَ تَكُونُ مُخَصِّصَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُنَافِيَةً مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَوَاعِدَ الشَّرْعِيَّةَ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا تَتَرَتَّبُ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ إلَّا عَلَى النِّيَّاتِ وَالْقُصُودِ وَمَا لَيْسَ بِمَنْوِيٍّ وَلَا مَقْصُودٍ فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَدٍ بِهِ وَلَا مُؤَاخَذٍ بِسَبَبِهِ وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَكَادُ يَجْهَلُهُ أَحَدٌ مِنْ الشَّرْعِ نَعَمْ إذَا أَطْلَقَ الْمُطَلِّقُ اللَّفْظَ الْعَامَّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ وَلَا بِسَاطَ وَلَا عَادَةَ صَارِفَةٌ حَنَّثْنَاهُ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعُمُومِ لِلْوَضْعِ الصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ أَطْلَقَهُ وَنَوَى جَمِيعَ أَفْرَادِهِ بِيَمِينِهِ حَنَّثْنَاهُ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعُمُومِ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى لِلْوَضْعِ الصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ مَعَ النِّيَّةِ الْمُؤَكِّدَةِ لَهُ وَإِنْ أَطْلَقَهُ وَنَوَى بَعْضَ أَفْرَادِهِ لَفْظُهُ الْعَامُّ بِالْيَمِينِ وَغَفَلَ عَنْ الْبَعْضِ الْآخَرِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ حَنَّثْنَاهُ بِاللَّفْظِ الْمَنْوِيِّ وَلَمْ نُحَنِّثْهُ بِمَا عَدَاهُ لِأَنَّ نِيَّةَ الْحَالِفِ أَوَّلُ مُعْتَبَرٍ فِيمَا

[الفرق بين قاعدة تمليك الانتفاع وبين قاعدة تمليك المنفعة]

أُصُولِيَّةٍ مَذْكُورَةٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَهِيَ أَنَّا إذَا قُلْنَا بِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَوَرَدَ الْمُطْلَقُ مُقَيَّدًا بِقَيْدَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ فَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا تَسَاقَطَا فَإِنْ اقْتَضَى الْقِيَاسُ الْحَمْلَ عَلَى أَحَدِهِمَا تَرَجَّحَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَرَدَ الْمُطْلَقُ فِيهِ مُقَيَّدًا بِقَيْدَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ فَوَرَدَ أُولَاهُنَّ وَوَرَدَ أُخْرَاهُنَّ فَتَسَاقَطَا وَبَقِيَ إحْدَاهُنَّ عَلَى إطْلَاقِهِ فَلَمْ يُخَالِفْ الشَّافِعِيَّةُ أُصُولَهُمْ وَأَمَّا أَصْحَابُنَا الْمَالِكِيَّةُ فَلَمْ يَعْرُجُوا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ الْمُطْلَقِ وَلَا عَلَى قَيْدَيْهِ بَلْ اقْتَصَرُوا عَلَى سَبْعٍ مِنْ غَيْرِ تُرَابٍ، وَأَنَا مُتَعَجِّبٌ مِنْ ذَلِكَ مَعَ وُرُودِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ» وَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِعُمُومِ هَذَا الْحَدِيثِ وَوَرَدَ أَيْضًا نَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَخَصَّصَ أَصْحَابُنَا الْمَنْعَ بِالطَّعَامِ خَاصَّةً وَجَوَّزُوا بَيْعَ غَيْرِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَاخْتَلَفَتْ مَدَارِكُهُمْ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُوَ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَيُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَلَى التَّقْيِيدِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ الْأَوَّلُ عَامٌّ وَالثَّانِي خَاصٌّ وَإِذَا تَعَارَضَ الْعَامُّ وَالْخَاصُّ قُدِّمَ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ وَالْمُدْرَكَانِ بَاطِلَانِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُطْلَقَ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْكُلِّيِّ دُونَ الْكُلِّيَّةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَامٌّ فَهُوَ كُلِّيَّةٌ فَلَا يَصِحُّ فِيهِ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَأَمَّا الْمُدْرَكُ الثَّانِي فَهُوَ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِذِكْرِ بَعْضِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَإِنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ ذِكْرِ الشَّيْءِ وَذِكْرِ بَعْضِهِ وَالطَّعَامُ هُوَ بَعْضُ مَا تَنَاوَلَهُ الْعُمُومُ الْأَوَّلُ فَلَا يَصِحُّ تَخْصِيصُهُ فِيهِ فَبَقِيَتْ الْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةً عَلَيْنَا وَيَظْهَرُ أَنَّ الصَّوَابَ مَعَ الشَّافِعِيِّ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ مَالِكٌ مَنْ ارْتَدَّ حَبِطَ عَمَلُهُ بِمُجَرَّدِ رِدَّتِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُحْبَطُ عَمَلُهُ إلَّا بِالْوَفَاةِ عَلَى الْكُفْرِ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ مَالِكٌ مَنْ ارْتَدَّ حَبَطَ عَمَلُهُ بِمُجَرَّدِ رِدَّتِهِ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَقْتَضِيهِ مِنْ تَقْيِيدِ لَفْظِهِ الْمُطْلَقِ وَتَخْصِيصِ لَفْظِ الْعَامِّ ثُمَّ السَّبَبِ وَالْبِسَاطِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا أُنْزِلَ لَفْظُ الْحَالِفِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ السَّبَبُ وَالْبِسَاطُ مِنْ تَقْيِيدِ اللَّفْظِ أَوْ تَخْصِيصِهِ وَلَمْ يَحْنَثْ بِمَا عَدَاهُ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ إلَّا لِأَنَّ السَّبَبَ وَالْبِسَاطَ يَدُلَّانِ عَلَى قَصْدِ الْحَالِفِ التَّقْيِيدَ أَوْ التَّخْصِيصَ فَلَأَنْ يُعْتَبَرَ التَّقْيِيدُ وَالتَّخْصِيصُ الْمَنْوِيَّانِ أَوْلَى مِنْ الْمُسْتَدَلِّ عَلَيْهِمَا بِالسَّبَبِ وَالْبِسَاطِ فَافْهَمْ. وَإِنْ أَطْلَقَ الْمُطَلِّقُ اللَّفْظَ الْعَامَّ وَقَالَ نَوَيْت إخْرَاجَ بَعْضِ أَنْوَاعِهِ عَنْ الْيَمِينِ كَانَ اسْتِثْنَاءً بِالنِّيَّةِ دُونَ النُّطْقِ وَفِيهِ خِلَافٌ هَلْ يُجْزِئُ أَوْ لَا قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ مُنْشَؤُهُ أَيْ الْخِلَافِ النَّظَرُ إلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ فَيُجْزِئُ بِالنِّيَّةِ أَوْ النَّظَرِ إلَى حَقِيقَةِ الِاسْتِثْنَاءِ فَلَا يُجْزِئُ إلَّا نُطْقًا اهـ فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ سِرَّ الْفَرْقِ بَيْنَ النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ تُعْتَبَرُ بِلَا خِلَافٍ وَبَيْنَ النِّيَّةِ الْمُخْرِجَةِ هَلْ تُعْتَبَرُ أَوْ لَا خِلَافٌ هُوَ أَنَّ النِّيَّةَ الْمُخَصِّصَةَ لَمَّا كَانَتْ أَصْلًا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَانَتْ نَصًّا فِي التَّخْصِيصِ لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ فَاعْتُبِرَتْ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَالنِّيَّةُ الْمُخْرِجَةُ لَمَّا كَانَتْ تُحْتَمَلُ أَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ بِالنِّيَّةِ دُونَ النُّطْقِ جَرَى الْخِلَافُ فِي اعْتِبَارِهَا فِي التَّخْصِيصِ نَظَرًا لِلِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ أَوْ عَدَمِ اعْتِبَارِهَا نَظَرًا لِلثَّانِي هَذَا تَحْقِيقُ الْمَقَامِ عَلَى مَا حَرَّرَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَبِهِ يَسْقُطُ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ بِنَاءً عَلَى الْوَهْمِ الْمَارِّ ذِكْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [الْفَرْق بَيْن قَاعِدَة تَمْلِيك الِانْتِفَاع وَبَيْن قَاعِدَة تَمْلِيك الْمَنْفَعَة] (الْفَرْقُ الثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ) تَمْلِيكُ الِانْتِفَاعِ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِذْنِ لِلشَّخْصِ فِي أَنْ يُبَاشِرَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ كَالْإِذْنِ فِي سُكْنَى الْمَدَارِسِ وَالرَّبْطِ وَالْمَجَالِسِ فِي الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَمَوَاضِعِ النُّسُكِ كَالْمَطَافِ وَالْمَسْعَى وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلِمَنْ أُذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ وَيَمْتَنِعَ فِي حَقِّهِ أَنْ يُؤَاجِرَ أَوْ يُعَاوِضَ بِطَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمُعَاوَضَاتِ أَوْ يُسَكِّنَ غَيْرَهُ لِبَيْتِ الْمَدْرَسَةِ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ بَقِيَّةِ النَّظَائِرِ الْمَذْكُورَةِ مَعَهُ وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِذْنِ لِلشَّخْصِ فِي أَنْ يُبَاشِرَ هُوَ بِنَفْسِهِ أَوْ يُمَكِّنَ غَيْرَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِعِوَضٍ كَالْإِجَارَةِ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْعَارِيَّةِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ اسْتَعَارَهَا فَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ يُسَكِّنَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَأَنْ يَتَصَرَّفَ فِي هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فِي أَمْلَاكِهِمْ عَلَى جَرْيِ الْعَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي مَلَكَهُ فَهُوَ تَمْلِيكٌ مُطْلَقٌ فِي زَمَنٍ خَاصٍّ حَسْبَمَا تَنَاوَلَهُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ أَوْ شَهِدَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي الْعَارِيَّةِ فَمَنْ شَهِدَتْ لَهُ الْعَادَةُ فِي الْعَارِيَّةِ بِمُدَّةٍ كَانَتْ لَهُ تِلْكَ الْمُدَّةُ مِلْكًا عَلَى الْإِطْلَاقِ يَتَصَرَّفُ كَمَا يَشَاءُ بِجَمِيعِ الْأَنْوَاعِ السَّائِغَةِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَنْفَعَةِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَيَكُونُ تَمْلِيكُ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ كَتَمْلِيكِ الرِّقَابِ (وَصْلٌ) فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) النِّكَاحُ مِنْ حَيْثُ إنَّ مُقْتَضَى عَقْدِهِ أَنْ يُبَاشِرَ الزَّوْجُ مَنْفَعَتَهُ بِنَفْسِهِ خَاصَّةً وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمَكِّنَ غَيْرَهُ مِنْ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مَالِكًا لِلْمَنْفَعَةِ وَلَا لِبُضْعِ الزَّوْجَةِ كَانَ مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ لَا مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الْوَكَالَةُ إنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَانَتْ مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ لَا مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي حِينَئِذٍ أَنَّ الْمُوَكِّلَ مَلَكَ مِنْ الْوَكِيلِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَمْلِكْ مَنْفَعَتَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَهَبَ الِانْتِفَاعَ بِذَلِكَ الْوَكِيلِ لِغَيْرِهِ بَلْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ يُهْمِلَهُ أَوْ يَعْزِلَهُ وَإِنْ كَانَتْ بِعِوَضٍ كَانَتْ مِنْ

وَتَمَسَّكَ بِهِ مَالِكٌ عَلَى إطْلَاقِهِ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ مُقَيَّدًا فِي قَوْله تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217] فَيَجِبُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَلَا يَحْبَطُ الْعَمَلُ إلَّا بِالْوَفَاةِ عَلَى الْكُفْرِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْآيَةَ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ مُقَيِّدَةً لِلْآيَةِ الْأُولَى لِأَنَّهَا رُتِّبَ فِيهَا مَشْرُوطَانِ وَهُمَا الْحُبُوطُ وَالْخُلُودُ عَلَى شَرْطَيْنِ وَهُمَا الرِّدَّةُ وَالْوَفَاةُ عَلَى الْكُفْرِ وَإِذَا رُتِّبَ مَشْرُوطَانِ عَلَى شَرْطَيْنِ أَمْكَنَ التَّوْزِيعُ فَيَكُونُ الْحُبُوطُ الْمُطْلَقُ الرِّدَّةَ وَالْخُلُودَ لِأَجْلِ الْوَفَاةِ عَلَى الْكُفْرِ فَيَبْقَى الْمُطْلَقُ عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرْطَيْنِ شَرْطٌ فِي الْإِحْبَاطِ فَلَيْسَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ الْمَبَاحِثِ سُؤَالًا وَجَوَابًا. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) وَرَدَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَوَرَدَ «وَتُرَابُهَا طَهُورًا» قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَا مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي فَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِغَيْرِ التُّرَابِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ فَإِنَّ الْأَوَّلَ عَامٌّ كُلِّيَّةً لَا يَصِحُّ فِيهِ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْكُلِّيِّ دُونَ الْكُلِّيَّةِ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِذِكْرِ بَعْضِهِ وَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ فَأَصَابَ الشَّافِعِيُّ مِنْ الْإِشْكَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا أَصَابَ أَصْحَابُنَا فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ حَرْفًا بِحَرْفٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــSفَلَا يُحْبَطُ الْعَمَلُ إلَّا بِالْوَفَاةِ عَلَى الْكُفْرِ قُلْت مَا قَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ هُوَ الْأَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (وَالْجَوَابُ أَنَّ الْآيَةَ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ مُقَيِّدَةً لِلْآيَةِ الْأُولَى إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت لَيْسَ هَذَا الْجَوَابُ عِنْدِي بِصَحِيحٍ وَقَوْلُهُ إذَا رُتِّبَ مَشْرُوطَانِ عَلَى شَرْطَيْنِ أَمْكَنَ التَّوْزِيعُ صَحِيحٌ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَصِحَّ اسْتِقْلَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشْرُوطَيْنِ عَنْ الْآخَرِ أَمَّا إذَا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِقْلَالُ فَلَا وَالْمَشْرُوطَانِ مِمَّا فِيهِ الْكَلَامُ مِنْ الضَّرْبِ الثَّانِي الَّذِي لَا يَصِحُّ فِيهِ اسْتِقْلَالُ أَحَدِ الْمَشْرُوطَيْنِ عَنْ الْآخَرِ لِأَنَّهُمَا سَبَبٌ وَمُسَبَّبٌ وَالسَّبَبُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ مُسَبَّبِهِ وَبِالْعَكْسِ فَالْأَمْرُ فِي جَوَابِهِ لَيْسَ كَمَا زَعَمَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَمَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَابِ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ فَلِلْمُوَكِّلِ بَيْعُ مَا مَلَكَ وَأَنْ يُمَكِّنَ مِنْهُ غَيْرَهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمُوَكَّلُ عَلَيْهِ لَا يَقْبَلُ الْبَدَلَ كَتَوْكِيلِهِ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ الَّذِي عِنْدَ مُرْتَهِنٍ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ إبْدَالَ مَنْ وُكِّلَ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالْوَكِيلِ وَفِي خِصَامٍ إذَا قَاعَدَ الْوَكِيلُ الْخَصْمَ كَثَلَاثٍ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ إبْدَالُ الْوَكِيلِ كَمَا فِي خَلِيلٍ وَشَرْحِهِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) عَقْدُ كُلٍّ مِنْ الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُغَارَسَةِ يَقْتَضِي أَنَّ رَبَّ الْمَالِ مَلَكَ مِنْ الْعَامِلِ الِانْتِفَاعَ لَا الْمَنْفَعَةَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعَاوِضَ عَلَى مَا مَلَكَهُ مِنْ الْعَامِلِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يُؤَاجِرَهُ مِمَّنْ أَرَادَ بَلْ يَقْتَصِرَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِنَفْسِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ وَأَمَّا مَا مَلَكَهُ الْعَامِلُ فِي الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ فَهُوَ مِلْكُ عَيْنٍ لَا مِلْكُ مَنْفَعَةٍ وَلَا انْتِفَاعٍ وَتِلْكَ الْعَيْنُ هِيَ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَةٍ فِي الْمُسَاقَاةِ أَوْ يَحْصُلُ مِنْ رِبْحٍ فِي الْقِرَاضِ فَيَمْلِكُ نَصِيبَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) ظَاهِرُ قَوْلِ الْوَاقِفِ وَقَفْت هَذَا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهُ أَوْ عَلَى سُكْنَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ مَثَلًا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا مَلَّكَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعَ بِالسُّكْنَى دُونَ الْمَنْفَعَةِ فَلَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَاجِرَ غَيْرَهُ وَلَا أَنْ يُسَكِّنَهُ دَائِمًا أَوْ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ وَلَا أَنْ يَجْعَلَهُ لِخَزْنِ الْقَمْحِ أَوْ غَيْرِهِ دَائِمًا أَوْ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ وَأَمَّا إنْزَالُ الضَّيْفِ وَخَزْنُ الْقَمْحِ وَغَيْرِهِ الْمُدَّةَ الْيَسِيرَةَ فِي الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ لِأَهْلِهَا لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمَّا جَرَتْ بِذَلِكَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ يَسْمَحُ فِي ذَلِكَ وَمِمَّا يُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ لَا تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ الصِّيغَةُ الَّتِي صَدَرَتْ مِنْ الْوَاقِفِ تَحْتَمِلُهَا وَشَكَكْنَا فِي تَنَاوُلِهَا الْمَنْفَعَةَ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْأَمْلَاكِ عَلَى مِلْكِ أَرْبَابِهَا وَالنَّقْلُ وَالِانْتِقَالُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَلِذَا مَتَى شَكَكْنَا فِي رُتَبِ الِانْتِقَالِ حَمَلْنَاهُ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ فِي الْمِلْكِ السَّابِقِ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ فِي الْمَذْهَبِ وَبِالْجُمْلَةِ فَقَوْلُ الْوَاقِف إمَّا أَنْ يَكُونَ نَصًّا فِي تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ كَقَوْلِهِ يُنْتَفَعُ بِالْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ أَوْ بِالْقَرَائِنِ الْقَائِمَةِ مَقَامَ التَّصْرِيحِ بِالْمَنْفَعَةِ مِنْ الْأُمُورِ الْعَادِيَةِ فِي الصِّيغَةِ الْمُحْتَمِلَةِ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ لَا الِانْتِفَاعِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا فِي تَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ كَقَوْلِهِ وَقَفْته عَلَى أَنْ يُسْكَنَ أَوْ عَلَى السُّكْنَى وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الِانْتِفَاعِ لَا الْمَنْفَعَةِ كَمَا إذَا كَانَ مُحْتَمِلًا لِتَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ أَوْ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ بِلَا قَرِينَةٍ حَتَّى حَصَلَ الشَّكُّ فِي تَنَاوُلِهَا لِلْمَنْفَعَةِ لِوُجُوبِ حَمْلِهِ حِينَئِذٍ عَلَى أَدْنَى الرُّتَبِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ فِي الْمِلْكِ السَّابِقِ لِلْقَاعِدَةِ الْمَارَّةِ وَكَذَلِكَ يَجْرِي فِيمَا كَانَ مِنْ بَابِ تَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ وَقَدْ شَهِدَتْ الْعَادَةُ وَأَلْفَاظُ الْوَاقِفِينَ بِقَصْرِهِ عَلَى جِهَةٍ خَاصَّةٍ نَحْوَ مَا يُوقَفُ فِي الْمَدَارِسِ وَالْخَوَانِكِ مِنْ الصَّهَارِيجِ لِمَاءِ الشُّرْبِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ وَلَا هِبَتُهُ لِلنَّاسِ وَلَا صَرْفُهُ لِنَفْسِهِ فِي وُجُوهٍ غَرِيبَةٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهَا كَالصَّبْغِ وَبَيَاضِ الْكَتَّانِ بِأَنْ يَكُونَ صَبَّاغًا مُبَيِّضًا لِلْكَتَّانِ فَيُصْرَفُ ذَلِكَ الْمَاءُ فِي الصَّبْغِ وَالْبَيَاضِ دَائِمًا لِأَنَّ الْعَادَةَ وَأَلْفَاظَ الْوَاقِفِينَ شَهِدَتْ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ لِلشُّرْبِ فَقَطْ نَعَمْ يَجُوزُ صَرْفُهُ لِلصَّبْغِ الْيَسِيرِ وَالْبَيَاضِ الْيَسِيرِ وَنَحْوِهِ وَنَحْوَ الْحُصْرِ وَالْبُسُطِ الْمَفْرُوشَةِ فِي الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطُ لَا تَسْتَعْمِلُ الْأَوْطَاءَ فَقَطْ وَلَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّخِذَهَا غِطَاءً فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ لِأَنَّ الْعَادَةَ وَأَلْفَاظَ الْوَاقِفِينَ شَهِدَتْ بِذَلِكَ وَكَوَقْفِ الزَّيْتِ لِلِاسْتِصْبَاحِ لَيْسَ

[الفرق بين قاعدة حمل المطلق على المقيد في الكلي وبين قاعدة حمل المطلق على المقيد في الكلية]

(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِذْنِ الْعَامِّ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَبَيْنَ إذْنِ الْمَالِكِ الْآدَمِيِّ فِي التَّصَرُّفَاتِ فِي أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ وَالثَّانِي يُسْقِطُهُ) وَسِرُّ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَفَضَّلَ عَلَى عِبَادِهِ فَجَعَلَ مَا هُوَ حَقٌّ لَهُمْ بِتَسْوِيغِهِ وَتَمَلُّكِهِ وَتَفَضُّلِهِ لَا يُنْقَلُ الْمِلْكُ فِيهِ إلَّا بِرِضَاهُمْ وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ إلَّا بِإِسْقَاطِهِمْ وَلِذَلِكَ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ فِي إتْلَافِهِ إلَّا بِإِذْنِهِمْ فِي إتْلَافِهِ أَوْ بِالْإِذْنِ فِي مُبَاشَرَتِهِ عَلَى سَبِيلِ الْأَمَانَةِ كَمَا أَنَّ مَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى صِرْفٌ لَا يَتَمَكَّنُ الْعِبَادُ مِنْ إسْقَاطِهِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ بَلْ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَقَّيْنِ مُوَكِّلٌ لِمَنْ هُوَ مَنْسُوبٌ لَهُ ثُبُوتًا وَإِسْقَاطًا وَيَتَّضِحُ الْفَرْقُ بِثَلَاثِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الْوَدِيعَةُ إذَا شَالَهَا الْمُودِعُ وَحَوَّلَهَا لِمَصْلَحَةِ حِفْظِهَا فَسَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ فَانْكَسَرَتْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ الَّذِي بِهِ انْكَسَرَتْ وَلَوْ سَقَطَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ يَدِهِ فَانْكَسَرَتْ ضَمِنَ لِأَنَّ صَاحِبَ الْوَدِيعَةِ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي حَمْلِ ذَلِكَ فِي يَدِهِ فَالْفِعْلُ الَّذِي بِهِ انْكَسَرَتْ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَضْمَنُ فَإِنْ قِيلَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي بَيْتِهِ فَقَدْ وُجِدَ الْإِذْنُ مِمَّنْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ قِيلَ الْإِذْنُ الْعَامُّ الشَّرْعِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِذْنِ الْعَامِّ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَبَيْنَ إذْنِ الْمَالِكِ الْآدَمِيِّ فِي التَّصَرُّفَاتِ فِي أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ وَالثَّانِيَ يُسْقِطُهُ إلَى قَوْلِهِ وَيَتَّضِحُ الْفَرْقُ بِثَلَاثِ مَسَائِلَ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ وَأَمَّا كَلَامُهُ فِي الْمَسَائِلِ فَلَيْسَ بِالْوَاضِحِ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي ذُكِرَ لِبَيَانِهِ فِيمَا زَعَمَ لَمْ يَتَوَارَدْ الْإِذْنَانِ فِيهِمَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ بَلْ وَرَدَ الْإِذْنُ الْعَامُّ فِيهِمَا عَلَى التَّصَرُّفِ فِي غَيْرِ الشَّيْءِ الْمَمْلُوكِ لِلْآدَمِيِّ وَتَرَتُّبُ الضَّمَانِ إنَّمَا هُوَ عَلَى سَبَبِ الْفِعْلِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَكَانَ مِنْ حَقِّ هَذَا الْفَرْقِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى تَوَارُدِ الْإِذْنَيْنِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَوَرَدَ الْإِذْنُ الْعَامُّ فِيهَا عَلَى الشَّيْءِ الْمَمْلُوكِ لِلْآدَمِيِّ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ الَّتِي تَصْلُحُ مِثَالًا لِمَحَلِّ هَذَا الْفَرْقِ ثُمَّ إنَّهُ لَا فَرْقَ عَلَى قَوْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَحَدٍ أَنْ يَأْكُلَهُ. وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ كَمَا لَا يَجُوزُ لِلضَّيْفِ أَنْ يَبِيعَ الطَّعَامَ الْمُعَدَّ لِضِيَافَتِهِ وَلَا أَنْ يُمَلِّكَهُ لِغَيْرِهِ بَلْ يَأْكُلَهُ هُوَ خَاصَّةً عَلَى جَرْيِ الْعَادَةِ نَعَمْ لَهُ إطْعَامُ الْهِرِّ اللُّقْمَةَ وَاللُّقْمَتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا لِشَهَادَةِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ وَقِسْ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا يَقَعُ لَك مِنْهَا وَاحْمِلْ مَسَائِلَ تَمْلِيكِ الِانْتِفَاعِ عَلَى بَابِهَا وَمَسَائِلَ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى بَابِهَا وَمَسَائِلَ تَمْلِيكِ الْأَعْيَانِ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي قَصَرَتْهَا الْعَادَةُ وَأَلْفَاظُ الْوَاقِفِينَ عَلَيْهَا وَأَجْرِ الْمُحْتَمَلَ عَلَى أَصْلِ بَقَاءِ أَمْلَاكِ الْوَاقِفِينَ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَى الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ إلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى انْتِقَالِهِ عَنْ أَمْلَاكِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْن قَاعِدَة حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْكُلِّيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْكُلِّيَّةِ] (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ حَمْلِ الْإِطْلَاقِ عَلَى التَّقْيِيدِ فِي الْمُطْلَقِ لَا الْكُلِّيَّةِ وَفِي الْأَمْرِ لَا النَّهْيِ وَالنَّفْيِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ وَإِنْ حَكَوْا فِي حَمْلِ الْإِطْلَاقِ عَلَى التَّقْيِيدِ الْخِلَافَ مُطْلَقًا وَأَنَّ الْحَمْلَ يُفْضِي إلَى الْعَمَلِ بِدَلِيلَيْ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ وَأَنَّ عَدَمَ الْحَمْلِ يُفْضِي إلَى إلْغَاءِ دَلِيلِ التَّقْيِيدِ إلَّا أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَمَا قَالُوا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ قَاعِدَةُ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فِي الْمُطْلَقِ وَفِي الْأَمْرِ تُبَايِنُ قَاعِدَتَهُ فِي الْكُلِّيَّةِ وَالنَّهْيِ وَالنَّفْيِ، وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فِي الْأَبْوَابِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا هُوَ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ إذَا قَالَ أَعْتِقُوا رَقَبَةً ثُمَّ قَالَ فِي مَوْطِنٍ آخَرَ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ كَانَ مَدْلُولُ قَوْلِهِ رَقَبَةٌ مُطْلَقًا فَيَصْدُقُ كَلَامُهُ مِنْ جِهَةِ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ بِالْأَمْرِ بِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْحَقِيقَةُ فَإِذَا أَوْقَعَ وَاحِدًا أَيَّ وَاحِدٍ مِمَّا فِي تِلْكَ الْحَقِيقَةِ أَجْزَأَ وَإِنْ كَانَ الْوُجُودُ يَقْتَضِي التَّعْيِينَ لَا الْوُجُوبَ فَمَنْ أَعْتَقَ سَعِيدًا فَقَدْ أَعْتَقَ رَقَبَةً وَوَفَّى بِمُقْتَضَى هَذَا اللَّفْظِ فَإِذَا أَعْتَقْنَا رَقَبَةً مُؤْمِنَةً فَقَدْ وَفَّيْنَا بِمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مَفْهُومُ الرَّقَبَةِ وَبِمُقْتَضَى التَّقْيِيدِ وَهُوَ وَصْفُ الْأَيْمَانِ فَكُنَّا جَامِعِينَ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ. وَإِذَا قَالَ أَخْرِجُوا الزَّكَاةَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةً كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةٌ» وَوَرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» لَمْ يَكُنْ تَقْيِيدُهُ الْغَنَمَ الَّذِي مَدْلُولُهُ الْكُلِّيَّةُ وَالْعُمُومُ بِمُقْتَضَى كُلٍّ لَا الْإِطْلَاقُ بِالسَّائِمَةِ فَمَنْ حَمَلَ الْإِطْلَاقَ عَلَى التَّقْيِيدِ هُنَا فَقَدْ فَاتَهُ الصَّوَابُ بِسَبَبِ أَنَّ الْحَمْلَ يَقْتَضِي أَنَّ قَيْدَ السَّائِمَةِ خَصَّصَ لَفْظَ الْغَنَمِ الْعَامَّ وَأَخْرَجَ مِنْهُ جَمِيعَ الْأَغْنَامِ الْمَعْلُوفَةِ وَالْعُمُومُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيهَا فَلَمْ يَكُنْ الْحَمْلُ جَامِعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ بَلْ تَارِكًا لِمُقْتَضَى الْعُمُومِ وَحَامِلًا لَهُ عَلَى التَّخْصِيصِ مَعَ إمْكَانِ عَدَمِ التَّخْصِيصِ فَلَا يَكُونُ الدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى حَمْلِ الْإِطْلَاقِ عَلَى التَّقْيِيدِ مَوْجُودًا هَهُنَا وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ دَلِيلِ الْإِطْلَاقِ وَدَلِيلِ التَّقْيِيدِ وَمَنْ أَثْبَتَ الْحُكْمَ بِدُونِ مُوجِبِهِ وَدَلِيلِهِ فَقَدْ أَخْطَأَ بَلْ هَذَا يَرْجِعُ إلَى قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ إمَّا تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِذِكْرِ بَعْضِهِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْبَعْضَ لَا يُنَافِي الْكُلَّ وَإِمَّا تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ الْحَاصِلِ مِنْ قَيْدِ السَّوْمِ فِي اعْتِبَارِهِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهِ خِلَافٌ. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ صَاحِبُ الشَّرْعِ لَا تَعْتِقُوا رَقَبَةً ثُمَّ قَالَ لَا تَعْتِقُوا رَقَبَةً كَافِرَةً لِأَنَّ لَفْظَ الرَّقَبَةِ الْأَوَّلِ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِهِ كَالنَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ فَلَوْ حَمَلْنَا لَفْظَ الرَّقَبَةِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي الْمُقَيَّدِ بِالْكَافِرَةِ لَكَانَ مُخَصِّصًا لِلْأَوَّلِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الرِّقَابُ الْمُؤْمِنَةُ عَلَى امْتِنَاعِ الْعِتْقِ وَالْعُمُومُ فِي الْأَوَّلِ يَقْتَضِي عَدَمَ إخْرَاجِهَا فَلَمْ يَكُنْ فِي الْحَمْلِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ بَلْ الْتِزَامٌ لِلتَّخْصِيصِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَإِلْغَاءٌ لِلْعُمُومِ مِنْ غَيْرِ مُوجِبٍ بِخِلَافِ هَذِهِ النَّكِرَةِ لَوْ كَانَتْ فِي سِيَاقِ الْأَمْرِ

لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ وَإِنَّمَا يُسْقِطُ الْإِذْنَ الْخَاصَّ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا اسْتَعَارَ شَيْئًا فَسَقَطَ مِنْ يَدِهِ فَانْكَسَرَ وَهَلَكَ فِي الْعَمَلِ الْمُسْتَعَارِ لَهُ مِنْ غَيْرِ عُدْوَانٍ وَلَا مُجَاوَزَةٍ لِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْعَارِيَّةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الَّذِي أَعَارَهُ أَذِنَ لَهُ فِيمَا حَصَلَ بِهِ الْهَلَاكُ وَلَوْ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ عَلَيْهَا شَيْءٌ فَأَهْلَكَهَا ضَمِنَ لِعَدَمِ وُجُودِ إذْنِ صَاحِبِ الْعَارِيَّةِ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ الْخَاصِّ وَإِنَّمَا وُجِدَ الْإِذْنُ الْعَامُّ وَهُوَ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا اُضْطُرَّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ فَأَكَلَهُ فِي الْمَخْمَصَةِ جَازَ وَهَلْ يَضْمَنُ لَهُ الْقِيمَةَ أَوْ لَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ الدَّفْعَ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْمَالِكِ وَالْوَاجِبُ لَا يُؤْخَذُ لَهُ عِوَضٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْهُرُ لِأَنَّ إذْنَ الْمَالِكِ لَمْ يُوجَدْ وَإِنَّمَا وُجِدَ إذْنُ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الضَّمَانِ وَإِنَّمَا يَنْفِي الْإِثْمَ وَالْمُؤَاخَذَةَ بِالْعِقَابِ وَلِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمِلْكَ إذَا دَار زَوَالُهُ بَيْنَ الْمَرْتَبَةِ الدُّنْيَا وَالْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا حُمِلَ عَلَى الدُّنْيَا اسْتِصْحَابًا لِلْمِلْكِ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ بِعِوَضٍ هُوَ أَدْنَى رُتَبِ الِانْتِقَالِ وَهُوَ أَقْرَبُ لِمُوَافَقَةِ الْأَصْلِ مِنْ الِانْتِقَالِ بِغَيْرِ عِوَضٍ. (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَقَدُّمِ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ دُونَ شَرْطِهِ أَوْ شَرْطِهِ دُونَ سَبَبِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَقَدُّمِهِ عَلَى السَّبَبِ وَالشَّرْطِ جَمِيعًا) وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ الْحُكْمَ إنْ كَانَ لَهُ سَبَبٌ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ لَا يُعْتَبَرُ أَوْ كَانَ لَهُ سَبَبَانِ أَوْ أَسْبَابٌ فَتَقَدَّمَ عَلَى جَمِيعِهَا لَمْ يُعْتَبَرْ أَوْ عَلَى بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ اُعْتُبِرَ بِنَاءً عَلَى سَبَبِ الْخَاصِّ وَلَا يَضُرُّ فِقْدَانُ بَقِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSمَنْ يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْ الْمُضْطَرِّ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُسْقِطُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَرْقِ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَقَدُّمِ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ دُونَ شَرْطِهِ أَوْ شَرْطِهِ دُونَ سَبَبِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَقَدُّمِهِ عَلَى السَّبَبِ وَالشَّرْطِ جَمِيعًا إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تَكُونُ عَامَّةً بَلْ مُطْلَقَةٌ فَيَكُونُ حَمْلُهَا عَلَى نَصِّ التَّقْيِيدِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَبِالْجُمْلَةِ فَحَمْلُ الْإِطْلَاقِ عَلَى التَّقْيِيدِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمُطْلَقِ لَا فِي الْعُمُومِ وَلَا فِي الْأَمْرِ وَخَبَرُ الثُّبُوتِ لَا فِي النَّهْيِ وَخَبَرِ النَّفْيِ لِأَنَّ خَبَرَ النَّفْيِ كَقَوْلِنَا لَيْسَ فِي الدَّارِ أَحَدٌ يَقَعُ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَيَعُمُّ فَيَئُولُ الْحَالُ إلَى الْكُلِّيَّةِ وَالْعُمُومِ دُونَ الْإِطْلَاقِ وَخَبَرُ الثُّبُوتِ نَحْوَ فِي الدَّارِ رَجُلٌ هُوَ كَالْأَمْرِ لَا تَعُمُّ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِهِ بَلْ تَكُونُ مُطْلَقَةً فَنَصُّ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ (وَصْلٌ) فِي تَوْضِيحِ هَذَا الْفَرْقِ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) حَمْلُ الْإِطْلَاقِ عَلَى التَّقْيِيدِ فِي الْمُطْلَقِ دُونَ الْعَامِّ لَا يَرَاهُ الْحَنَفِيَّةُ وَيَرَاهُ الشَّافِعِيَّةُ وإنَّمَا تَرَكُوا أَصْلَهُمْ فِيمَا وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَوَرَدَ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» لِأَنَّ الْمُطْلَقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَرَدَ مُقَيَّدًا بِقَيْدَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ لِأَنَّهُ كَمَا وَرَدَ «أُولَاهُنَّ» وَرَدَ «أُخْرَاهُنَّ» وَشَرْطُ الْعَمَلِ بِهَذَا الْأَصْلِ أَنْ يُقَيَّدَ الْمُطْلَقُ بِقَيْدٍ وَاحِدٍ لَا بِقَيْدَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ وَإِلَّا تَسَاقَطَا لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا بِاقْتِضَاءِ الْقِيَاسِ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَيْهِ وَهُنَا لَمْ يَقْتَضِ الْقِيَاسُ الْحَمْلَ عَلَى أَحَدِ الْقَيْدَيْنِ حَتَّى يَتَرَجَّحَ فَوَجَبَ بَقَاءُ الْمُطْلَقِ عَلَى إطْلَاقِهِ فَلَمْ تَتْرُكْ الشَّافِعِيَّةُ أَصْلَهُمْ لِغَيْرِ مُوجِبٍ خِلَافًا لِقَاضِي الْقُضَاةِ صَدْرِ الدِّينِ الْحَنَفِيِّ وَأَمَّا أَصْحَابُنَا الْمَالِكِيَّةُ فَلَمْ يَعْرُجُوا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ الْمُطْلَقِ وَلَا عَلَى قَيْدَيْهِ بَلْ اقْتَصَرُوا عَلَى سَبْعٍ مِنْ غَيْرِ تُرَابٍ قَالَ الْأَصْلُ وَأَنَا مُتَعَجِّبٌ مِنْ ذَلِكَ مَعَ وُرُودِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ اهـ وَفِي حَاشِيَةِ حِجَازِيٍّ عَلَى الْمَجْمُوعِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا تَتْرِيبَ مَا نَصُّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي كُلِّ الرِّوَايَاتِ وَمَحَلُّ قَبُولِ زِيَادَةِ الْعَدْلِ إنْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ الَّذِي لَمْ يَزِدْ أَوْثَقَ وَلِاخْتِلَافِ الطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ فَفِي بَعْضِهَا إحْدَاهُنَّ وَفِي بَعْضِهَا «أُولَاهُنَّ» وَفِي بَعْضِهَا «أُخْرَاهُنَّ» اهـ فَتَأَمَّلْ قُلْتُ وَمِمَّا وَرَدَ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا بِقَيْدَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ حَدِيثُ الِابْتِدَاءِ فَقَدْ وَرَدَ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَبْتَرُ» وَوَرَدَ بِبَسْمِ اللَّهِ إلَخْ وَوَرَدَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَلِذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ فِي ابْتِدَاءِ ذَوَاتِ الْبَالِ مُطْلَقَ الذِّكْرِ فَتَنَبَّهْ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ» وَخَصَّصَ أَصْحَابُنَا الْمَنْعَ بِالطَّعَامِ خَاصَّةً وَجَوَّزُوا بَيْعَ غَيْرِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَخْذًا بِمَا وَرَدَ أَيْضًا مِنْ «نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ» وَلَهُمْ فِي الْأَخْذِ بِهِ مُدْرَكَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْإِطْلَاقِ فِي الْأَوَّلِ عَلَى التَّقْيِيدِ فِي الثَّانِي وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْأَوَّلَ عَامٌّ وَالثَّانِيَ خَاصٌّ وَإِذَا تَعَارَضَ الْعَامُّ وَالْخَاصُّ قُدِّمَ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ وَالْمُدْرَكَانِ بَاطِلَانِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ حَمْلَ الْإِطْلَاقِ عَلَى التَّقْيِيدِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ فِي الْمُطْلَقِ لَا فِي الْعَامِّ وَلَفْظُ مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا لَمْ يُقْبَضْ عَامٌّ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى تَقْيِيدِ الثَّانِي لِمَا عَلِمْت وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِذِكْرِ بَعْضِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَإِنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ ذِكْرِ الشَّيْءِ وَذِكْرِ بَعْضِهِ وَالطَّعَامُ هُوَ بَعْضُ مَا تَنَاوَلَهُ عُمُومُ مَا لَمْ يُقْبَضْ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فَلَا يَصِحُّ تَخْصِيصُهُ بِهِ فَبَقِيَتْ الْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةً عَلَيْنَا وَيَظْهَرُ أَنَّ الصَّوَابَ مَعَ الشَّافِعِيِّ

[الفرق بين قاعدة الإذن العام من قبل صاحب الشرع في التصرفات وبين إذن المالك الآدمي في التصرفات]

الْأَسْبَابِ فَإِنَّ شَأْنَ السَّبَبِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِثُبُوتِ مُسَبِّبِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ مِثَالُ الْأَوَّلِ الزَّوَالُ سَبَبُ وُجُوبِ الظُّهْرِ فَإِذَا صَلَّيْت قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ تُعْتَبَرْ ظُهْرًا وَمِثَالُ الثَّانِي الْجَلْدُ لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ الزِّنَى وَالْقَذْفُ وَالشُّرْبُ فَمَنْ جُلِدَ قَبْلَ مُلَابَسَةِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ حَدًّا وَلَا زَجْرًا فَهَذَانِ قِسْمَانِ مَا أَعْلَمُ فِيهِمَا خِلَافًا. الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَبَبٌ وَشَرْطٌ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (الْحَالَةُ الْأُولَى) أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ إجْمَاعًا (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَتَأَخَّرَ إيقَاعُهُ عَنْ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ فَيُعْتَبَرُ إجْمَاعًا (الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يُتَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا فَيَخْتَلِفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَثِيرٍ مِنْ صُوَرِهِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهِ وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِذِكْرِ ثَمَانِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) كَفَّارَةُ الْيَمِينِ لَهَا سَبَبٌ وَشَرْطٌ فَالسَّبَبُ هُوَ الْيَمِينُ وَالشَّرْطُ هُوَ الْحِنْثُ فَإِنْ قُدِّمَتْ عَلَيْهِمَا لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ إجْمَاعًا وَإِنْ أُخِّرَتْ عَنْهُمَا أَجْزَأَتْ إجْمَاعًا وَإِنْ تَوَسَّطَتْ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْحِنْثِ فَقَوْلَانِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي إجْزَائِهَا وَعَدَمِ إجْزَائِهَا. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ لَهُ سَبَبٌ وَهُوَ بَيْعُ الشَّرِيكِ وَشَرْطٌ وَهُوَ الْأَخْذُ فَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ حِينَئِذٍ فَإِنْ أَسْقَطَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ لَمْ يُعْتَبَرْ إسْقَاطُهُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهَا حِينَئِذٍ وَاعْتِبَارِ الْإِسْقَاطِ فَرْعَ اعْتِبَارِ الْمُسْقِطِ أَوْ أَسْقَطَهَا بَعْدَ الْأَخْذِ سَقَطَتْ إجْمَاعًا وَإِنْ أَسْقَطَهَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْأَخْذِ سَقَطَتْ وَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) وُجُوبُ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِذَكَرِ مَسَائِلَ) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ ظَاهِرٌ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قُلْت مَا قَالَهُ فِيهَا صَحِيحٌ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ لَهُ سَبَبٌ وَهُوَ بَيْعُ الشَّرِيكِ وَشَرْطٌ وَهُوَ الْأَخْذُ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ هُوَ الْحُكْمُ بِعَيْنِهِ أَوْ مُتَعَلِّقُهُ فَكَيْفَ يَكُونُ شَرْطًا فِي نَفْسِهِ هَذَا مِمَّا لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ وَإِنَّمَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الضَّرْبِ الَّذِي لَهُ سَبَبٌ دُونَ شَرْطٍ وَلِذَلِكَ لَمْ يَقَعْ خِلَافٌ فِيمَا إذَا أَسْقَطَهَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْأَخْذِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَمَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) تَمَسَّكَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالْإِطْلَاقِ فِي قَوْله تَعَالَى {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] فَقَالَ مَنْ ارْتَدَّ حَبَطَ عَمَلُهُ بِمُجَرَّدِ رِدَّتِهِ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَحْمِلُ إطْلَاقَهُ عَلَى التَّقْيِيدِ فِي قَوْله تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217] فَقَالَ لَا يَحْبَطُ عَمَلُهُ إلَّا بِالْوَفَاةِ عَلَى الْكُفْرِ وَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ هُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ ادَّعَى الْأَصْلُ أَنَّ الْآيَةَ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ مُقَيِّدَةً لِلْآيَةِ الْأُولَى وَذَلِكَ لِأَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْآيَةَ الثَّانِيَةَ رُتِّبَ فِيهَا مَشْرُوطَانِ هُمَا الْحُبُوطُ وَالْخُلُودُ عَلَى شَرْطَيْنِ هُمَا الرِّدَّةُ وَالْوَفَاةُ عَلَى الْكُفْرِ وَأَنَّهُ إذَا رُتِّبَ مَشْرُوطَانِ عَلَى شَرْطَيْنِ أَمْكَنَ التَّوْزِيعُ إلَّا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ إمْكَانَ التَّوْزِيعِ حِينَئِذٍ مُطْلَقًا وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ اسْتِقْلَالُ كُلٍّ مِنْ الْمَشْرُوطَيْنِ بِدُونِ الْآخَرِ كَمَا هُنَا لِأَنَّهُمَا سَبَبٌ وَمُسَبَّبٌ وَالسَّبَبُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ مُسَبَّبِهِ وَبِالْعَكْسِ حَتَّى يَتَأَتَّى التَّوْزِيعُ هُنَا بِجَعْلِ الْحُبُوطِ لِمُطْلَقِ الرِّدَّةِ وَالْخُلُودِ لِأَجْلِ الْوَفَاةِ عَلَى الْكُفْرِ فَيَبْقَى الْمُطْلَقُ عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرْطَيْنِ شَرْطٌ فِي الْإِحْبَاطِ فَلَا تَكُونُ الْآيَتَانِ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بَلْ إنَّمَا يُمْكِنُ التَّوْزِيعُ حِينَئِذٍ بِشَرْطِ أَنْ يَصِحَّ اسْتِقْلَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشْرُوطَيْنِ عَنْ الْآخَرِ فَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي دَعْوَاهُ كَمَا زَعَمَ فَافْهَمْ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِغَيْرِ التُّرَابِ تَمَسُّكًا بِأَنَّهُ وَرَدَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَوَرَدَ وَتُرَابُهَا طَهُورًا» لَا يَصِحُّ سَوَاءٌ كَانَ مُدْرَكُهُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَوْ أَنَّهُ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِذِكْرِ بَعْضِهِ أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْأَرْضَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَامٌّ كُلِّيَّةً لَا مُطْلَقٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حَمْلَ الْإِطْلَاقِ عَلَى التَّقْيِيدِ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمُطْلَقِ لَا فِي الْعَامِّ وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَقَدْ مَرَّ أَنَّ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ بِذِكْرِ بَعْضِهِ بَاطِلٌ فَأَصَابَ الشَّافِعِيُّ مِنْ الْإِشْكَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا أَصَابَ أَصْحَابُنَا فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْق بَيْن قَاعِدَةِ الْإِذْنِ الْعَام مِنْ قِبَل صَاحِب الشَّرْعِ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَبَيْنَ إذْنِ الْمَالِكِ الْآدَمِيِّ فِي التَّصَرُّفَات] (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِذْنِ الْعَامِّ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَبَيْنَ إذْنِ الْمَالِكِ الْآدَمِيِّ فِي التَّصَرُّفَاتِ فِي إسْقَاطِ الثَّانِي الضَّمَانَ دُونَ الْأَوَّلِ) وَسِرُّ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَفَضَّلَ عَلَى عِبَادِهِ فَجَعَلَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْآدَمِيِّينَ مَوْكُولٌ لِمَنْ هُوَ مَنْسُوبٌ لَهُ ثُبُوتًا وَإِسْقَاطًا فَمَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى صَرْفٌ لَا يَتَمَكَّنُ الْعِبَادُ مِنْ إسْقَاطِهِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ بَلْ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ وَمَا هُوَ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّينَ بِتَسْوِيغِهِ وَتَمَلُّكِهِ وَتَفَضُّلِهِ لَا يُنْقَلُ الْمِلْكُ فِيهِ إلَّا بِرِضَاهُمْ وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ إلَّا بِإِسْقَاطِهِمْ وَلِذَلِكَ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ فِي إتْلَافِهِ إلَّا بِإِذْنِهِمْ فِي إتْلَافِهِ أَوْ بِالْإِذْنِ فِي مُبَاشَرَتِهِ عَلَى سَبِيلِ الْأَمَانَةِ (وَصْلٌ) فِي تَوْضِيحِ هَذَا الْفَرْقِ بِمَسْأَلَةٍ فِيهَا تَوَارُدُ الْإِذْنَيْنِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهِيَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا اُضْطُرَّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ فَأَكَلَهُ فِي الْمَخْمَصَةِ جَازَ وَهَلْ يَضْمَنُ لَهُ الْقِيمَةَ أَوْ لَا قَوْلَانِ أَمَّا الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْهُرُ فَلِأَنَّ إذْنَ الْمَالِكِ لَمْ يُوجَدْ وَإِنَّمَا وُجِدَ إذْنُ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الضَّمَانِ وَإِنَّمَا يَنْفِي الْإِثْمَ. وَالْمُؤَاخَذَةَ بِالْعِقَابِ وَلِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمِلْكَ إذَا دَار زَوَالُهُ بَيْنَ الْمَرْتَبَةِ الدُّنْيَا وَالْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا حُمِلَ عَلَى الدُّنْيَا اسْتِصْحَابًا بِالْمِلْكِ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ وَانْتِقَالُ الْمِلْكِ بِعِوَضٍ هُوَ أَدْنَى رُتَبِ الِانْتِقَالِ وَهُوَ أَقْرَبُ لِمُوَافَقَةِ

[الفرق بين قاعدة تقدم الحكم على سببه دون شرطه]

الزَّكَاةِ لَهُ سَبَبٌ وَهُوَ مَالِكُ النِّصَابِ وَشَرْطٌ وَهُوَ دَوَرَانُ الْحَوْلِ فَإِنْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ لَا تُجْزِئُ إجْمَاعًا وَبَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَدَوَرَانِ الْحَوْلِ أَجْزَأَتْ إجْمَاعًا وَبَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَقَبْلَ دَوَرَانِ الْحَوْلِ فَقَوْلَانِ فِي الْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا أَخْرَجَ زَكَاةَ الْحَبِّ قَبْلَ نُضْجِ الْحَبِّ وَظُهُورِهِ لَا تُجْزِئُهُ وَإِنْ أَخْرَجَهَا بَعْدَ يُبْسِهِ أَجْزَأَتْ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِي الْإِجْزَاءِ أَعْنِي الْعُلَمَاءَ الْمَشْهُورِينَ فِي إجْزَاءِ الْمُخْرَجِ بِخِلَافِ زَكَاةِ النَّقْدَيْنِ إذَا أُخْرِجَتْ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَقَبْلَ الْحَوْلِ لِأَنَّ زَكَاةَ الْحَبِّ لَيْسَ لَهَا سَبَبٌ وَشَرْطٌ بَلْ سَبَبٌ وَاحِدٌ فَلَا تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ عَلَى مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبِهَذَا أَيْضًا يَظْهَرُ بُطْلَانُ قِيَاسِ أَصْحَابِنَا عَدَمَ إجْزَاءِ الزَّكَاةِ إذَا أُخْرِجَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ عَلَى الصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ فِي قَوْلِهِمْ وَاجِبٌ أُخْرِجَ قَبْلَ وَقْتِ وُجُوبِهِ فَلَا يُجْزِئُ قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهَذَا قِيَاسٌ بَاطِلٌ بِسَبَبِ أَنَّ مَا يُسَاوِي الصَّلَاةَ قَبْلَ الزَّوَالِ إلَّا إخْرَاجُ الزَّكَاةِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ وَهُمْ يُسَاعِدُونَ عَلَى عَدَمِ الْإِجْزَاءِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ. (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) الْقِصَاصُ لَهُ سَبَبٌ وَهُوَ إنْفَاذُ الْمَقَاتِلِ وَشَرْطٌ وَهُوَ زُهُوقُ الرُّوحِ فَإِنْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ قَبْلَهُمَا لَمْ يُعْتَبَرْ عَفْوُهُ وَبَعْدَهُمَا يَتَعَذَّرُ لِعَدَمِ الْحَيَاةِ الْمَانِعَةِ مِنْ التَّصَرُّفِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا بَيْنَهُمَا فَيَنْفُذُ إجْمَاعًا فِيمَا عَلِمْت. (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) إذْنُ الْوَرَثَةِ فِي التَّصَرُّفِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إنْ وَقَعَ قَبْلَ حُصُولِ الْمَرَضِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) الْقِصَاصُ لَهُ سَبَبٌ وَهُوَ إنْفَاذُ الْمَقَاتِلِ وَشَرْطٌ وَهُوَ زُهُوقُ الرُّوحِ إلَى آخِرِهَا قُلْت الْأَصَحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ السَّبَبَ هُوَ زُهُوقُ الرُّوحِ وَإِنْفَاذُ الْمَقَاتِلِ سَبَبُ السَّبَبِ فَصَحَّ الْعَفْوُ بَيْنَهُمَا لِتَعَذُّرِهِ بَعْدَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) إذْنُ الْوَرَثَةِ فِي التَّصَرُّفِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصْلِ مِنْ الِانْتِقَالِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فَلِأَنَّ الدَّفْعَ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْمَالِكِ وَالْوَاجِبُ لَا يُؤْخَذُ لَهُ عِوَضٌ وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَمَسْأَلَتَا الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ اللَّتَانِ ذَكَرَهُمَا الْأَصْلُ هُنَا لِبَيَانِ هَذَا الْفَرْقِ فِيمَا زَعَمَ لَمَّا لَمْ يَتَوَارَدْ الْإِذْنَانِ فِيهِمَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ بَلْ وَرَدَ الْإِذْنُ الْعَامُّ فِيهِمَا عَلَى التَّصَرُّفِ فِي غَيْرِ الشَّيْءِ الْمَمْلُوكِ لِلْآدَمِيِّ وَتَرَتُّبُ الضَّمَانِ إنَّمَا هُوَ سَبَبُ الْفِعْلِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَكَانَ مِنْ حَقِّ هَذَا الْفَرْقِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى تَوَارُدِ الْإِذْنَيْنِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِمَا فِي بَيَانِ هَذَا الْفَرْقِ وَجْهٌ وَتَوْضِيحُ ذَلِكَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْوَدِيعَةِ لَا يَضْمَنُهَا الْمُودِعُ إذَا شَالَهَا وَحَوَّلَهَا لِمَصْلَحَةِ حِفْظِهَا فَسَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ فَانْكَسَرَتْ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ الَّذِي بِهِ انْكَسَرَتْ وَيَضْمَنُهَا إذَا سَقَطَ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ يَدِهِ فَانْكَسَرَتْ لِأَنَّ صَاحِبَ الْوَدِيعَةِ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْفِعْلِ الَّذِي بِهِ انْكَسَرَتْ وَالْإِذْنُ الْعَامُّ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَإِنْ وُجِدَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي بَيْتِهِ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَمَسْأَلَةُ الْعَارِيَّةِ لَا يَضْمَنُهَا الْمُسْتَعِيرُ إذَا سَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ فَانْكَسَرَتْ أَوْ هَلَكَتْ فِي الْعَمَلِ الْمُسْتَعَارَةِ لَهُ مِنْ غَيْرِ عُدْوَانٍ وَلَا مُجَاوَزَةٍ لِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْعَارِيَّةِ لِأَنَّ الْمُعِيرَ أَذِنَ لَهُ فِيمَا حَصَلَ بِهِ الْهَلَاكُ وَيَضْمَنُهَا إذَا سَقَطَ مِنْ يَدِهِ عَلَيْهَا شَيْءٌ فَأَهْلَكَهَا لِعَدَمِ وُجُودِ إذْنِ الْمُعِيرِ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ الْخَاصِّ. وَإِنَّمَا وُجِدَ الْإِذْنُ الْعَامُّ وَهُوَ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْق بَيْنَ قَاعِدَة تَقَدُّم الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ دُون شَرْطِهِ] (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَقَدُّمِ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ دُونَ شَرْطِهِ أَوْ شَرْطِهِ دُونَ سَبَبِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَقَدُّمِهِ عَلَى السَّبَبِ وَالشَّرْطِ جَمِيعًا) حَيْثُ إنَّهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوا تَقَدُّمَهُ عَلَيْهِمَا إجْمَاعًا وَاخْتَلَفُوا فِي اعْتِبَارِهِ إذَا تَقَدَّمَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَعُدِمَ اعْتِبَارُهُ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ لِلْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ وَالشُّرُوطِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مَا يَكُونُ لَهُ سَبَبٌ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَإِذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ لَا يُعْتَبَرُ إجْمَاعًا وَيَتَّضِحُ بِمَسَائِلَ مِنْهَا وُجُوبُ الظُّهْرِ سَبَبُهُ الزَّوَالُ فَإِذَا صَلَّيْت قَبْلَهُ لَمْ يُعْتَبَرْ ظُهْرًا وَمِنْهَا الشُّفْعَةُ سَبَبُهَا بَيْعُ الشَّرِيكِ فَإِذَا أَسْقَطَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ لَمْ يُعْتَبَرْ إسْقَاطُهَا وَمِنْهَا زَكَاةُ الْحَبِّ سَبَبُهَا يُبْسُ الْحَبِّ فَإِذَا أَخْرَجَهَا قَبْلَ نُضْجِ الْحَبِّ وَظُهُورِهِ لَا تُجْزِئُهُ الْقِسْمُ الثَّانِي مَا يَكُونُ لَهُ سَبَبَانِ أَوْ أَسْبَابٌ وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ الْحَالَةُ الْأُولَى أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى جَمِيعِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ كَالْجَلْدِ لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ الزِّنَا وَالْقَذْفُ وَالشُّرْبُ فَمَنْ جُلِدَ قَبْلَ مُلَابَسَةِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ جَلْدًا وَلَا زَجْرًا بِلَا خِلَافٍ الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ فَيُعْتَبَرُ بِنَاءً عَلَى السَّبَبِ الْخَاصِّ وَلَا يُعْتَبَرُ فِقْدَانُ بَقِيَّةِ الْأَسْبَابِ كَجَلْدِ مَنْ لَابَسَ الزِّنَا وَلَمْ يُلَابِسْ الْقَذْفَ وَالشُّرْبَ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ جَلْدًا وَزَجَرَا لِأَنَّ شَأْنَ السَّبَبِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِثُبُوتِ مُسَبَّبِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ بِلَا خِلَافٍ الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ سَبَبَيْهِ سَبَبًا لَهُ وَالثَّانِي سَبَبًا لِسَبَبِهِ فَيُعْتَبَرُ بَيْنَهُمَا لَا قَبْلَهُمَا إجْمَاعًا كَالْقِصَاصِ سَبَبُهُ زُهُوقُ الرُّوحِ وَسَبَبُ سَبَبِهِ إنْفَاذُ الْمُقَاتِلِ فَيُعْتَبَرُ بَيْنَهُمَا فَيَصِحُّ عَفْوُ مَنْفُوذِ الْمُقَاتِلِ عَنْهُ قَبْلَ زُهُوقِ رُوحِهِ وَيَتَعَذَّرُ بَعْدَهُ لِتَحَقُّقِ الْمَانِعِ مِنْ التَّصَرُّفِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْحَيَاةِ وَلَا يُعْتَبَرُ قَبْلَهُمَا الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ سَبَبَيْهِ سَبَبًا لَهُ

[الفرق بين قاعدة المعاني الفعلية وبين قاعدة المعاني الحكمية]

الْمَخُوفِ لَمْ يُعْتَبَرْ إذْنُهُمْ أَوْ بَعْدَهُ اُعْتُبِرَ وَبَعْدَهُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ يَتَعَذَّرُ الْإِذْنُ بَلْ التَّنْفِيذُ خَاصَّةً لِأَنَّ سَبَبَ مِلْكِهِمْ هُوَ الْقَرَابَةُ الْخَاصَّةُ عَلَى مَا هُوَ فِي كُتُبِ الْفَرَائِضِ بِشَرْطِ الْمَوْتِ وَالْمَرَضُ الْمَخُوفُ سَبَبُ الشَّرْطِ ظَاهِرًا فَصَارَ تَقَدُّمُهُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ كَتَقَدُّمِ السَّبَبِ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَتَخَرَّجُ هَذِهِ الْمَسَائِلُ فَبَعْضُهَا يَكُونُ فِيهِ خِلَافٌ وَبَعْضُهَا لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ إمَّا لِلضَّرُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ إمْكَانِ جَرَيَانِ الْخِلَافِ. (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) إذَا أَسْقَطَتْ الْمَرْأَةُ نَفَقَتَهَا عَلَى زَوْجِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ إسْقَاطٌ بَعْدَ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ النِّكَاحُ وَقَبْلَ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ التَّمْكِينُ أَوْ يُقَالُ السَّبَبُ هُوَ التَّمْكِينُ خَاصَّةً وَمَا وُجِدَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عِنْدَ الْإِسْقَاطِ فِي الْحَالِ فَقَطْ أُسْقِطَتْ النَّفَقَةُ قَبْلَ سَبَبِهَا فَيَكُونُ كَإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ بَيْعِ الشَّرِيكِ وَالْأَوَّلُ عِنْدِي أَظْهَرُ وَإِسْقَاطُ اعْتِبَارِ الْعِصْمَةِ بِالْكُلِّيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَبَعْدَهُمَا يَتَعَذَّرُ الْإِذْنُ قُلْت إنْ أَرَادَ أَنَّ الْمَرَضَ الْمَخُوفَ سَبَبٌ لِصِحَّةِ الْإِذْنِ وَالْمَوْتُ شَرْطٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْمَرَضَ الْمَخُوفَ سَبَبُ السَّبَبِ فَصَحَّ مَا بَيْنَهُمَا لِتَعَذُّرِهِ بَعْدَهُمَا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ (بَلْ التَّنْفِيذُ خَاصَّةً) قُلْت إنْ أَرَادَ بَلْ الَّذِي يَصِحُّ بَعْدَ الْمَوْتِ التَّنْفِيذُ خَاصَّةً فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَلَا أَدْرِي مَا أَرَادَ قَالَ (لِأَنَّ سَبَبَ مِلْكِهِمْ هُوَ الْقَرَابَةُ الْخَاصَّةُ عَلَى مَا هُوَ فِي كُتُبِ الْفَرَائِضِ بِشَرْطِ الْمَوْتِ) قُلْت ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ (وَالْمَرَضُ الْمَخُوفُ وَسَبَبُ الشَّرْطِ ظَاهِرٌ فَصَارَ تَقَدُّمُهُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ كَتَقَدُّمِ السَّبَبِ) هَكَذَا وَقَعَ هَذَا اللَّفْظُ فِي النُّسْخَةِ الْوَاقِعَةِ بِيَدِي وَلَعَلَّهُ الْمَرَضُ الْمَخُوفُ سَبَبُ الشَّرْطِ فَصَارَ تَقَدُّمُهُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ كَتَقَدُّمِ الشَّرْطِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَبَاقِي كَلَامِهِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرٌ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) إذَا أَسْقَطَتْ الْمَرْأَةُ نَفَقَتَهَا عَلَى زَوْجِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ قُلْت مَا قَالَهُ فِيهَا ظَاهِرٌ وَمَا اخْتَارَهُ هُوَ الْمُخْتَارُ وَمَا اعْتَذَرَ بِهِ عَنْ الْمَذْهَبِ ظَاهِرٌ وَمَا فَرَّقَ بِهِ بَيْنَ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا إذَا تَزَوَّجَتْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّانِي سَبَبًا لِشَرْطِ سَبَبِهِ فَيُعْتَبَرُ بَيْنَهُمَا لَا قَبْلَهُمَا كَمِلْكِ الْوَرَثَةِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ إذْنُهُمْ فِي التَّصَرُّفِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ سَبَبُهُ الْقَرَابَةُ الْخَاصَّةُ عَلَى مَا هُوَ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ بِشَرْطِ الْمَوْتِ وَسَبَبُ شَرْطِ سَبَبِهِ الْمَرَضُ الْمَخُوفُ فَتَقَدُّمُهُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ كَتَقَدُّمِ الشَّرْطِ فَيُعْتَبَرُ مِلْكُهُمْ بَيْنَهُمَا لَا قَبْلَهُمَا كَإِذْنِهِمْ فِي التَّصَرُّفِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَبَعْدَهُمَا يَتَعَذَّرُ الْإِذْنُ الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَبَبٌ وَشَرْطٌ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ الْحَالَةُ الْأُولَى أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ إجْمَاعًا الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَتَأَخَّرَ إيقَاعُهُ عَنْ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ فَيُعْتَبَرُ إجْمَاعًا الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يُتَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا فَيَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِي كَثِيرٍ مِنْ صُوَرِهِ فِي اعْتِبَارِهِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهِ وَيُوَضِّحُ لَكَ ذَلِكَ أَرْبَعُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) كَفَّارَةُ الْيَمِينِ لَهَا سَبَبٌ وَشَرْطٌ فَالسَّبَبُ الْيَمِينُ وَالشَّرْطُ الْحِنْثُ فَلَا تُعْتَبَرُ قَبْلَهُمَا إجْمَاعًا وَتُعْتَبَرُ بَعْدَهُمَا إجْمَاعًا وَفِي إجْزَائِهَا بَيْنَهُمَا وَعَدَمِ إجْزَائِهَا قَوْلَانِ وَسَيَأْتِي فِي الْجُزْءِ الثَّانِي تَحْقِيقُ ذَلِكَ فَتَرَقَّبْ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وُجُوبُ الزَّكَاةِ لَهُ سَبَبٌ وَهُوَ مِلْكُ النِّصَابِ وَشَرْطٌ وَهُوَ دَوَرَانُ الْحَوْلِ فَيُجْزِئُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ بَعْدَهُمَا إجْمَاعًا لَا قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ إجْمَاعًا فِي الْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَقَبْلَ دَوَرَانِ الْحَوْلِ قَوْلَانِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَسْقَطَتْ الْمَرْأَةُ نَفَقَتَهَا عَنْ زَوْجِهَا بَعْدَ سَبَبِهَا الَّذِي هُوَ النِّكَاحُ وَقَبْلَ شَرْطِهَا الَّذِي هُوَ التَّمْكِينُ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهَا بَعْدَ الْإِسْقَاطِ لِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَى الطِّبَاعِ تَرْكُ النَّفَقَاتِ فَلَمْ يَعْتَبِرْ صَاحِبُ الشَّرْعِ الْإِسْقَاطَ لُطْفًا بِالنِّسَاءِ لَا سِيَّمَا مَعَ ضَعْفِ عُقُولِهِنَّ وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَ مَالِكٍ لَيْسَ لِمَنْ تَزَوَّجَتْ مَنْ تَعْلَمُ بِفَقْرِهِ طَلَبُ فِرَاقِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ إسْقَاطًا قَبْلَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ التَّمْكِينِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي هَذَا الْفَرْعِ قَدْ سَكَّنَتْ نَفْسَهَا سُكُونًا كُلِّيًّا فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهَا فِي الصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَتْهُ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا أَوْ شَيْخًا فَانِيًا فَلَا مُطَالَبَةَ لَهَا لِفَرْطِ سُكُونِ النَّفْسِ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ مَالِكٌ لِلْمَرْأَةِ الرُّجُوعُ وَالْمُطَالَبَةُ فِي حَقِّهَا مِنْ الْقَسَمِ فِي الْوَطْءِ بَعْدَ إسْقَاطِهِ لِأَنَّ الطِّبَاعَ يَشُقُّ عَلَيْهَا الصَّبْرَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَتْهُ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا أَوْ شَيْخًا فَانِيًا فَإِنَّهَا لَا مَقَالَ لَهَا لِتَوْطِينِ النَّفْسِ عَلَى ذَلِكَ قُلْتُ وَبِالْجُمْلَةِ فُسِّرَ الْفَرْقُ هُوَ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ قَبْلَ تَحَقُّقِ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ وَأَمَّا الْقَوْلَانِ بِاعْتِبَارِهِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهِ بَعْدَ أَحَدِهِمَا وَقَبْلَ الْآخَرِ فَلِمُرَاعَاةِ الْمُتَقَدِّمِ أَوْ الْمُتَأَخِّرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعَانِي الْفِعْلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعَانِي الْحُكْمِيَّةِ] (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعَانِي الْفِعْلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعَانِي الْحُكْمِيَّةِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَعْنَى الْفِعْلِيَّ عِبَارَةٌ عَنْ وُجُودِ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَتَحَقُّقِهِ فِي زَمَانِ وُجُودِهِ دُونَ زَمَانِ عَدَمِهِ وَالْمَعْنَى الْحُكْمِيُّ عِبَارَةٌ عَنْ حُكْمِ صَاحِبِ الشَّرْعِ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ بَعْدَ عَدَمِهِ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَفِي حُكْمِ الْمَوْصُوفِ بِهِ دَائِمًا حَقٌّ يُلَابِسُ ضِدَّهُ وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ الْإِيمَانَ إذَا اسْتَحْضَرَهُ الْإِنْسَانُ فِي قَلْبِهِ فَهُوَ إيمَانٌ فِعْلِيٌّ فَإِذَا غَفَلَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَحَكَمَ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ وَلَهُ أَحْكَامُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَهُوَ إيمَانٌ حُكْمِيٌّ وَمِنْهَا الْكُفْرُ إذَا اسْتَحْضَرَهُ الْإِنْسَانُ فِي قَلْبِهِ فَهُوَ الْكُفْرُ الْفِعْلِيُّ فَإِذَا غَفَلَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَحَكَمَ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِأَنَّهُ كَافِرٌ وَلَهُ أَحْكَامُ الْكُفَّارِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ إبَاحَةِ الدَّمِ وَاسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ الْكُفْرُ الْحُكْمِيُّ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ} [طه: 74]

لَا يُتَّجَهُ فَإِنَّ التَّمْكِينَ بِدُونِ الْعِصْمَةِ مَوْجُودٌ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ وَلَا يُوجِبُ نَفَقَةً وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ مِنْ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَى الطِّبَاعِ تَرْكُ النَّفَقَاتِ فَلَمْ يَعْتَبِرْ صَاحِبُ الشَّرْعِ الْإِسْقَاطَ لُطْفًا بِالنِّسَاءِ لَا سِيَّمَا مَعَ ضَعْفِ عُقُولِهِنَّ وَعَلَى التَّعْلِيلَيْنِ يُشْكِلُ بِمَا إذَا تَزَوَّجَتْهُ وَهِيَ تَعْلَمُ بِفَقْرِهِ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ لَهَا طَلَبُ فِرَاقِهِ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ التَّمْكِينِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا تَزَوَّجَتْ مَنْ تَعْلَمُ بِفَقْرِهِ فَقَدْ سَكَّنَتْ نَفْسَهَا سُكُونًا كُلِّيًّا فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهَا فِي الصَّبْرِ عَلَى ذَلِكَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَتْهُ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا فَلَا مُطَالَبَةَ لَهَا لِفَرْطِ سُكُونِ النَّفْسِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) إذَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مِنْ الْقَسْمِ فِي الْوَطْءِ قَالَ مَالِكٌ لَهَا الرُّجُوعُ وَالْمُطَالَبَةُ لِأَنَّ الطِّبَاعَ يَشُقُّ عَلَيْهَا الصَّبْرُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَتْهُ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا أَوْ شَيْخًا فَانِيًا فَإِنَّهَا لَا مَقَالَ لَهَا لِتَوْطِينِ النَّفْسِ عَلَى ذَلِكَ. (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعَانِي الْفِعْلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعَانِي الْحُكْمِيَّةِ) وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ مَا مِنْ مَعْنَى مَأْمُورٍ بِهِ فِي الشَّرِيعَةِ وَلَا مَنْهِيٍّ عَنْهُ إلَّا وَهُوَ مُنْقَسِمٌ إلَى فِعْلِيٍّ وَحُكْمِيٍّ وَنَعْنِي بِالْفِعْلِيِّ وُجُودَهُ فِي زَمَانِ وُجُودِهِ وَتَحَقُّقَهُ دُونَ زَمَانِ عَدَمِهِ وَنَعْنِي بِالْحُكْمِيِّ حُكْمَ صَاحِبِ الشَّرْعِ عَلَى فَاعِلِهِ بَعْدَ عَدَمِهِ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْوَصْفِ وَفِي حُكْمِ الْمَوْصُوفِ بِهِ دَائِمًا حَتَّى يُلَابِسَ ضِدَّهُ وَلِذَلِكَ مَثَّلَ أَحَدُهُمَا الْإِيمَانَ إذَا اسْتَحْضَرَهُ الْإِنْسَانُ فِي قَلْبِهِ فَهَذَا هُوَ الْإِيمَانُ الْفِعْلِيُّ فَإِذَا غَفَلَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَكَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــSعَالِمَةً بِفَقْرِهِ ظَاهِرٌ أَيْضًا. وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا ظَاهِرٌ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعَانِي الْفِعْلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعَانِي الْحُكْمِيَّةِ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِيهِ صَحِيحٌ. غَيْرَ أَنَّهُ فِي الْمَسَائِلِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ مَنْ نَوَى الصَّلَاةَ فَإِنَّ نِيَّتَهُ تَتَضَمَّنُ إصْلَاحَهَا إنْ احْتَاجَتْ إلَيْهِ لَكِنِّي لَا أَذْكُرُهُ الْآنَ مِنْ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ الْخَامِسِ وَالثَّلَاثِينَ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ كَافِرٌ الْكُفْرَ الْفِعْلِيَّ لِأَنَّ كُلَّ كَافِرٍ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ يَضْطَرُّ لِلْإِيمَانِ فَلَا يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالْفِعْلِ وَالْإِيمَانُ الْفِعْلِيُّ يُنَافِي الْكُفْرَ الْفِعْلِيَّ فَهُوَ غَيْرُ كَافِرٍ بِالْفِعْلِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ الْإِيمَانُ وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُ إذَا وَقَعَ قَبْلَ الْمُعَايَنَةِ وَالِاضْطِرَارِ إلَيْهِ وَمِنْهَا الْإِخْلَاصُ يَقَعُ مِنْ الْعَبْدِ فِي أَوَّلِ الْعِبَادَةِ فَيَكُونُ إخْلَاصًا فِعْلِيًّا فَإِذَا غَفَلَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَحَكَمَ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مِنْ الْمُخْلِصِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كَانَ إخْلَاصًا حُكْمِيًّا حَتَّى يَخْطِرَ لَهُ الرِّيَاءُ وَهُوَ ضِدُّ الْإِخْلَاصِ فَيُنْفَى ذَلِكَ الْحُكْمُ كَمَا يَنْتَفِي الْحُكْمُ بِالْإِيمَانِ بِسَبَبِ مُلَابَسَةِ الْكُفْرِ وَيَنْتَفِي الْحُكْمُ بِالْكُفْرِ بِسَبَبِ مُلَابَسَةِ الْإِيمَانِ وَمِنْهَا النِّيَّةُ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةُ وَالصَّوْمُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ إذَا حَصَلَتْ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ فَهِيَ النِّيَّةُ الْفِعْلِيَّةُ فَإِذَا غَفَلَ عَنْهَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ وَحَكَمَ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِأَنَّهُ نَاوٍ وَلَهُ أَحْكَامُ النَّاوِينَ لِتِلْكَ الْعِبَادَاتِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْمَعَانِي الْمَنْهِيِّ عَنْهَا مِنْ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَحُبِّ السُّمْعَةِ وَالْإِذْلَالِ وَقَصْدِ الْفَسَادِ وَإِرَادَةِ الْعِنَادِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمَنْهِيَّاتِ وَالْمَعَانِي الْمَأْمُورُ بِهَا مِنْ حُبِّ الْمُؤْمِنِينَ وَبُغْضِ الْكَافِرِينَ وَتَعْظِيمِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالْأَنْبِيَاءِ الْمُرْسَلِينَ وَقَصْدِ نَفْعِ الْإِخْوَانِ وَإِرَادَةِ الْبُعْدِ عَنْ حُرُمَاتِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَأْمُورَاتِ فَكُلُّ مَنْ خَطَرَ بِبَالِهِ مَعْنًى مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي ثُمَّ غَفَلَ عَنْهَا كَانَ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَعْنَى حَتَّى يُلَابِسَ ضِدَّهُ وَكُلٌّ مِنْ الْمَعْنَى الْفِعْلِيِّ وَالْمَعْنَى الْحُكْمِيِّ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي أَنَّهُمَا إنَّمَا يَتَنَاوَلَانِ الْعِبَادَاتِ الْعَادِيَاتِ دُونَ الطَّارِئَاتِ وَالتَّلْفِيقَاتِ فَإِنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ جَدِيدَةٍ أَبَدًا لِعَدَمِهَا فِيهَا كَمَا سَيَتَّضِحُ إلَّا أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ جِهَتَيْنِ الْجِهَةُ الْأُولَى أَنَّ الْمَعْنَى الْحُكْمِيَّ يَتَحَقَّقُ بَعْدَ عَدَمِ الْمَعْنَى الْفِعْلِيِّ وَقَبْلَ مُلَابَسَةِ ضِدِّهِ وَالْجِهَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ الْمَعْنَى الْحُكْمِيَّ تَابِعٌ وَفَرْعٌ لِلْمَعْنَى الْفِعْلِيِّ (وَصْلٌ) فِي تَوْضِيحِ هَذَا الْفَرْقِ بِخَمْسِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) عَدَمُ الْإِيمَانِ الْفِعْلِيِّ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا يَضُرُّ مِمَّنْ أُخْرِسَ لِسَانُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَذَهَبَ عَقْلُهُ فَلَمْ يَنْطِقْ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَا أَحْضَرَ الْإِيمَانَ بِقَلْبِهِ وَمَاتَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ مَاتَ مُؤْمِنًا وَعَدَمُ الْكُفْرِ الْفِعْلِيِّ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا يَنْفَعُ فَمَنْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَخْرَسَ ذَاهِبَ الْعَقْلِ عَاجِزًا عَنْ الْكُفْرِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لَهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ وَحُكْمُهُ عِنْدَ اللَّهِ حُكْمُ الَّذِينَ اسْتَحْضَرُوا الْكُفْرَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِالْفِعْلِ فَالْمُعْتَبَرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كُفْرٍ وَإِيمَانٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا سَهَا عَنْ السُّجُودِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَعَنْ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَنْضَافُ سُجُودُ الثَّانِيَةِ لِرُكُوعِ الْأُولَى إلَّا أَنْ يُجَدَّدَ قَصْدُ إضَافَتِهِ لِلْأُولَى عِنْدَ فِعْلِهِ لِأَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ النِّيَّةَ الْفِعْلِيَّةَ الْمُقَارِنَةَ لِأَوَّلِ الصَّلَاةِ إنَّمَا تَنَاوَلَتْ الْفِعْلَ الشَّرْعِيَّ لَا بِوَصْفِ كَوْنِهِ مُرْقَعًا بَلْ بِوَصْفِ كَوْنِهِ عَلَى مَجَارِي الْعَادَةِ فِي الْأَكْثَرِ وَإِذَا لَمْ تَتَنَاوَلْ النِّيَّةُ الْفِعْلِيَّةُ الصَّلَاةَ الْمُرْقَعَةَ الْخَارِجَةَ عَنْ نَمَطِ الْعَادَةِ لَمْ تَتَنَاوَلْهَا النِّيَّةُ الْحُكْمِيَّةُ الَّتِي هِيَ فَرْعُ الْفِعْلِيَّةِ كَذَلِكَ فَبَقِيَتْ الْمُرْقَعَةُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فِعْلِيَّةٍ وَلَا حُكْمِيَّةٍ فَاحْتَاجَتْ إلَى نِيَّةٍ مُجَدِّدَةٍ لِلتَّرْقِيعِ الثَّانِي أَنَّ الْمُرْقَعَةَ الْمَتْرُوكَ رُكُوعُهَا وَسُجُودُهَا حَتَّى يَنْضَافَ إلَيْهَا سُجُودٌ مِنْ رَكْعَةٍ أُخْرَى غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ إجْمَاعًا وَغَيْرُ الْمَشْرُوعَةِ قُرْبَةً لَا يُنْوَى شَرْعًا فَلَيْسَ فِيهَا نِيَّةٌ فِعْلِيَّةٌ قَطْعًا وَكَذَلِكَ لَيْسَ فِيهَا نِيَّةٌ حُكْمِيَّةٌ قَطْعًا فَإِنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا يَحْكُمُ بِاسْتِصْحَابِ

صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ وَلَهُ أَحْكَامُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَثَانِيهَا الْكُفْرُ إذَا اسْتَحْضَرَهُ الْإِنْسَانُ فِي قَلْبِهِ فَهَذَا هُوَ الْكُفْرُ الْفِعْلِيُّ فَإِذَا غُفِلَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَكَمَ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِأَنَّهُ كَافِرٌ وَلَهُ أَحْكَامُ الْكُفَّارِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ إبَاحَةِ الدَّمِ وَاسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ} [طه: 74] فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ كَافِرٌ الْكُفْرَ الْفِعْلِيَّ لِأَنَّ كُلَّ كَافِرٍ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ يَضْطَرُّ لِلْإِيمَانِ فَلَا يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالْفِعْلِ وَالْإِيمَانُ الْفِعْلِيُّ يُنَافِي الْكُفْرَ الْفِعْلِيَّ فَهُوَ غَيْرُ كَافِرٍ بِالْفِعْلِ، مُؤْمِنٌ بِالْفِعْلِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ الْإِيمَانُ وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُ إذَا وَقَعَ قَبْلَ الْمُعَايَنَةِ وَالِاضْطِرَارِ إلَيْهِ وَثَالِثُهَا الْإِخْلَاصُ يَقَعُ مِنْ الْعَبْدِ أَوَّلَ الْعِبَادَةِ فَهَذَا هُوَ الْإِخْلَاصُ الْفِعْلِيُّ فَإِذَا غَفَلَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَكَمَ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مِنْ الْمُخْلِصِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ حَتَّى يَخْطِرَ لَهُ الرِّيَاءُ وَهُوَ ضِدُّ الْإِخْلَاصِ فَيَنْتَفِي ذَلِكَ الْحُكْمُ كَمَا يَنْتَفِي الْحُكْمُ بِالْإِيمَانِ بِسَبَبِ مُلَابَسَةِ الْكُفْرِ وَالْحُكْمُ بِالْكُفْرِ بِسَبَبِ مُلَابَسَةِ الْإِيمَانِ وَرَابِعُهَا النِّيَّةُ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ تَحْصُلُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ فَهَذِهِ هِيَ النِّيَّةُ الْفِعْلِيَّةُ فَإِذَا غَفَلَ عَنْهَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ حَكَمَ صَاحِبُ الشَّرْعِ بِأَنَّهُ نَاوٍ وَلَهُ أَحْكَامُ النَّاوِينَ لِتِلْكَ الْعِبَادَاتِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْمَعَانِي الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَالْمَأْمُورِ بِهَا مِنْ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَحُبِّ السُّمْعَةِ وَالْإِذْلَالِ وَقَصْدِ الْفَسَادِ وَإِرَادَةِ الْعِنَادِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمَنْهِيَّاتِ وَحُبِّ الْمُؤْمِنِينَ وَبُغْضِ الْكَافِرِينَ وَتَعْظِيمِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَقَصْدِ نَفْعِ الْإِخْوَانِ وَإِرَادَةِ الْبُعْدِ عَنْ حُرُمَاتِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَأْمُورَاتِ فَكُلُّ مَنْ خَطَرَ بِبَالِهِ مَعْنًى مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي ثُمَّ غَفَلَ عَنْهَا كَانَ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَعْنَى حَتَّى يُلَابِسَ ضِدَّهُ فَهَذِهِ قَاعِدَةٌ فِي هَذِهِ الْفُرُوقِ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَالْحُكْمِيَّاتُ أَبَدًا فِي هَذَا الْبَابِ فَرْعُ الْفِعْلِيَّاتِ. وَهَاهُنَا خَمْسُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) مَنْ خَرِسَ لِسَانُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَذَهَبَ عَقْلُهُ فَلَمْ يَنْطِقْ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَلَا أَحْضَرَ الْإِيمَانَ بِقَلْبِهِ وَمَاتَ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا تَقَدَّمَ مِنْ النِّيَّةِ فَإِذَا لَمْ تَتَقَدَّمْ نِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ لَا يَحْكُمُ الشَّرْعُ بِاسْتِصْحَابِهَا قَطْعًا فَهَذِهِ الْمُرْقَعَةُ خَالِيَةٌ مِنْ النِّيَّةِ قَطْعًا فَتَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلصَّلَاةِ مِنْ النِّيَّةِ إجْمَاعًا (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ ذَكَرَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ قَامَ إلَى رَكْعَةٍ خَامِسَةٍ بِشَرْطِ أَنْ يُجَدِّدَ لَهَا نِيَّةً بِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الْأُولَى لِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةٍ فِعْلِيَّةٍ أَوْ حُكْمِيَّةٍ وَهَذِهِ الرَّكْعَةُ الْخَامِسَةُ تَرْقِيعٌ لِلرَّكْعَةِ الْأُولَى لَا رَكْعَةٌ عَادِيَةٌ مُرَتَّبَةٌ فَلَا تَتَنَاوَلُهَا النِّيَّةُ الْفِعْلِيَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ أَوَّلَ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمِيَّةُ لِأَنَّهَا فَرْعُ الْفِعْلِيَّةِ وَمَتَى عَرِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ النِّيَّةِ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ مَا لَمْ تُسْتَدْرَكْ بِالنِّيَّةِ عَنْ قُرْبٍ فَافْهَمْ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) السَّبَبُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ بَقِيَتْ رِجْلَاهُ مِنْ وُضُوئِهِ فَخَاضَ بِهِمَا نَهْرًا فَدَلَّكَهُمَا فِيهِ بِيَدَيْهِ وَلَمْ يَنْوِ بِهِمَا تَمَامَ وُضُوءُهُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْوِيَهُ اهـ هُوَ أَنَّ النِّيَّةَ الْفِعْلِيَّةَ الْأُولَى لَمْ تَتَنَاوَلْ إلَّا الْوُضُوءَ الْعَادِيَ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ أَوَّلَ الْعِبَادَةِ أَوْ الْوُضُوءِ لَا يَقْدَمُ عَلَى تَرْقِيعِ صَلَاتِهِ وَلَا تَرْقِيعِ وُضُوئِهِ بَلْ إنَّمَا يَقْصِدُ الْعِبَادَةَ الَّتِي لَا تَرْقِيعَ فِيهَا فَالْمُرَقَّعَةُ وَكَذَا الْمُفَرَّقَةُ لَمْ تَتَنَاوَلْهَا النِّيَّةُ الْفِعْلِيَّةُ فَكَذَلِكَ الْحُكْمِيَّةُ الَّتِي هِيَ فَرْعُ الْفِعْلِيَّةِ فَبَقِيَ جُزْءُ الْعِبَادَةِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ مُطْلَقًا فَتَبْطُلُ الْعِبَادَةُ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي كُلِّ أَجْزَائِهَا فِعْلِيَّةٍ أَوْ حُكْمِيَّةٍ فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةُ احْتَاجَ التَّرْقِيعُ أَبَدًا إلَى النِّيَّةِ الْفِعْلِيَّةِ تُجَدَّدُ لَهُ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) فِي عَدَمِ التَّأْثِيرِ لِرَفْضِ النِّيَّةِ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَاتِ نَظَرًا لِكَوْنِ النِّيَّةِ الَّتِي حَصَلَ بِهَا الرَّفْضُ وَإِنْ كَانَتْ تُضَادُّ الْفِعْلِيَّةَ الْكَائِنَةَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْفِعْلِ يُضَادُّ الْعَزْمَ عَلَى تَرْكِهِ إلَّا أَنَّهَا لَمْ تُقَارِنْهَا وَتَأْثِيرُهُ نَظَرًا لِكَوْنِ النِّيَّةِ الَّتِي حَصَلَ بِهَا الرَّفْضُ وَهِيَ الْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعِبَادَةِ وَإِنْ لَمْ تُقَارِنْ النِّيَّةَ الْفِعْلِيَّةَ الْمُضَادَّةَ لَهَا إلَّا أَنَّهَا قَارَنَتْ الْحُكْمِيَّةَ الَّتِي هِيَ فَرْعُهَا وَمَا ضَادَّ الْأَصْلَ يُضَادُّ الْفَرْعَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَافْهَمْ كَذَا فِي الْأَصْلِ قَالَ الْحَطَّابُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي كُلٍّ مِنْ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ بَلْ صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ الْأُمْنِيَةِ فِي إدْرَاكِ النِّيَّةِ وَأَنَّهُ جَارٍ فِي الرَّفْضِ قَبْلَ كَمَالِ الْعِبَادَةِ وَبَعْدَ كَمَالِهَا وَنَقَلَهُ عَنْ الْعَبْدِيِّ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ التَّوْضِيحِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي تَأْثِيرِ رَفْضِهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ رِوَايَتَانِ اهـ هَذَا الْخِلَافُ جَارٍ فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَذَكَرَ الْقَرَافِيُّ عَنْ الْعَبْدِيِّ أَنَّهُ قَالَ الْمَشْهُورُ فِي الْوُضُوءِ وَالْحَجِّ عَدَمُ الرَّفْضِ عَكْسَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ قَالَ رَفْضُ النِّيَّةِ مِنْ الْمُشْكِلَاتِ لَا سِيَّمَا بَعْدَ كَمَالِ الْعِبَادَةِ كَمَا نَقَلَهُ الْعَبْدِيُّ فَذَكَرَ الْكَلَامَ السَّابِقَ ثُمَّ قَالَ وَالْقَاعِدَةُ الْعَقْلِيَّةُ أَنَّ رَفْعَ الْوَاقِعِ مُحَالٌ اهـ وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْوُضُوءِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوُضُوءُ مَعْقُولَ الْمَعْنَى بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمْ تُوجِبْ فِيهِ النِّيَّةَ وَالْحَجَّ مُحْتَوٍ عَلَى أَعْمَالٍ مَالِيَّةٍ وَبَدَنِيَّةٍ لَمْ يَتَأَكَّدْ طَلَبُ النِّيَّةِ فِيهِمَا فَرَفْضُ النِّيَّةِ فِيهِمَا رَفْضٌ لِمَا هُوَ غَيْرُ مُتَأَكِّدٍ. وَذَلِكَ مُنَاسِبٌ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الرَّفْضِ وَلِأَنَّ الْحَجَّ لَمَّا كَانَ عِبَادَةً شَاقَّةً وَيَتَمَادَى فِي فَاسِدِهِ نَاسَبَ أَنْ يُقَالَ بِعَدَمِ تَأْثِيرِ الرَّفْضِ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ الْحَاصِلَةِ عَلَى تَقْدِيرِ رَفْضِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَكَانَ بَعْضُ مَنْ لَقِيته مِنْ الشُّيُوخِ يُنْكِرُ إطْلَاقَ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَيَقُولُ إنَّ الْعِبَادَةَ الْمُشْتَرَطَ فِيهَا النِّيَّةُ

تِلْكَ الْحَالَةِ مَاتَ مُؤْمِنًا وَلَا يَضُرُّهُ عَدَمُ الْإِيمَانِ الْفِعْلِيِّ عِنْدَ الْمَوْتِ كَمَا أَنَّ الْكَافِرَ إذَا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أَخْرَسَ ذَاهِبَ الْعَقْلِ عَاجِزًا عَنْ الْكُفْرِ فِي تِلْكَ الْحَالِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لَهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ وَحُكْمُهُ عِنْدَ اللَّهِ حُكْمُ الَّذِينَ اسْتَحْضَرُوا الْكُفْرَ فِي تِلْكَ الْحَالِ بِالْفِعْلِ فَالْمُعْتَبَرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كُفْرٍ وَإِيمَانٍ وَلَا يَضُرُّ الْعَدَمُ فِي الْمَعْنَى عِنْدَ الْمَوْتِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا سَهَا عَنْ السُّجُودِ فِي الْأُولَى وَالرُّكُوعِ فِي الثَّانِيَةِ لَا يَنْضَافُ سُجُودُ الثَّانِيَةِ لِرُكُوعِ الْأُولَى إلَّا أَنْ يَقْصِدَ بِهِ إضَافَتَهُ لِلْأُولَى وَلَا تَكْفِيهِ النِّيَّةُ الْفِعْلِيَّةُ الْمُقَارِنَةُ لِأَوَّلِ الصَّلَاةِ بِسَبَبِ أَنَّ النِّيَّةَ الْحُكْمِيَّةَ هِيَ فَرْعُ الْفِعْلِيَّةِ عَلَى حَسْبِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَالنِّيَّةُ الْفِعْلِيَّةُ الْأُولَى إنَّمَا تَنَاوَلَتْ الْفِعْلَ الشَّرْعِيَّ لَا بِوَصْفِ كَوْنِهِ مُرَقَّعًا بَلْ عَلَى مَجَارِي الْعَادَةِ فِي الْأَكْثَرِ فَهَذِهِ الصَّلَاةُ الْمُرْقَعَةُ الْخَارِجَةُ عَنْ نَمَطِ الْعَادَةِ لَا تَتَنَاوَلُهَا النِّيَّةُ الْحُكْمِيَّةُ لِأَنَّهَا فَرْعُ الْفِعْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةُ لَمْ تَتَنَاوَلْهَا فَكَذَلِكَ الْحُكْمِيَّةُ الَّتِي هِيَ فَرْعُ الْفِعْلِيَّةِ لَا تَتَنَاوَلُ إلَّا الصَّلَاةَ الْمُرَتَّبَةَ الْعَادِيَّةَ لَا الصَّلَاةَ الْمُرْقَعَةَ فَبَقِيَتْ الْمُرْقَعَةُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فِعْلِيَّةٍ وَلَا حُكْمِيَّةٍ فَاحْتَاجَتْ إلَى نِيَّةٍ مُجَدِّدَةٍ لِلتَّرْقِيعِ وَلِأَنَّ الْمُرْقَعَةَ الْمَتْرُوكَ رُكُوعُهَا وَسُجُودُهَا حَتَّى يَنْضَافَ إلَيْهَا سُجُودٌ مِنْ رَكْعَةٍ أُخْرَى غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ إجْمَاعًا وَغَيْرُ الْمَشْرُوعِ قُرْبَةٌ لَا يُنْوَى شَرْعًا فَلَيْسَ فِيهَا نِيَّةٌ فِعْلِيَّةٌ قَطْعًا وَلَيْسَ لَهَا نِيَّةٌ حُكْمِيَّةٌ قَطْعًا فَإِنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا يَحْكُمُ بِاسْتِصْحَابِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ النِّيَّةِ فَإِذَا لَمْ تَتَقَدَّمْ نِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ لَا يَحْكُمُ الشَّرْعُ بِاسْتِصْحَابِهَا قَطْعًا فَهَذِهِ الْمُرْقَعَةُ خَالِيَةٌ مِنْ النِّيَّةِ قَطْعًا فَتَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلصَّلَاةِ مِنْ النِّيَّةِ إجْمَاعًا فَهَذَا تَقْرِيرٌ ظَاهِرٌ قَطْعِيٌّ فَيُعْتَمَدُ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْأُمُورِ الضَّعِيفَةِ الَّتِي يَذْكُرُهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى ثُمَّ ذَكَرَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يَقُومُ إلَى رَكْعَةٍ خَامِسَةٍ يَجْعَلُهَا عِوَضَ الْأُولَى وَلَا بُدَّ لِهَذِهِ الرَّكْعَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ نِيَّةٍ مُجَدَّدَةٍ بِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الْأُولَى وَإِلَّا فَلَا تَكُونُ عِوَضًا عَنْ الْأُولَى بِالنِّيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَوَّلَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَنَاوَلْ إلَّا الصَّلَاةَ الْعَادِيَّةَ أَمَّا الْمُرَقَّعَاتُ فَلَا وَكَذَلِكَ الْحُكْمِيَّةُ الَّتِي هِيَ فَرْعُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ جَدِيدَةٍ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإمَّا أَنْ تَنْقَضِيَ حِسًّا وَحُكْمًا كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِمَا أَوْ لَا تَنْقَضِي حِسًّا وَحُكْمًا كَمَا فِي حَالِ التَّلَبُّسِ بِهَا أَوْ تَنْقَضِي حِسًّا دُونَ الْحُكْمِ كَالْوُضُوءِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ فَإِنَّهُ وَإِنْ انْقَضَى حِسًّا لَكِنَّ حُكْمَهُ وَهُوَ رَفْعُ الْحَدَثِ بَاقٍ فَالْأَوَّلُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ تَأْثِيرِ الرَّفْضِ فِيهِ وَالثَّانِي لَا خِلَافَ فِي تَأْثِيرِهِ فِيهِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ هُوَ الثَّالِثُ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ لَوْ سَاعَدَتْ الْأَنْقَالُ اهـ وَقَدْ نَصَّ صَاحِبُ النُّكَتِ فِي بَابِ الصَّوْمِ عَلَى خِلَافِهِ فَإِنَّهُ نُصَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ رَفَضَ الْوُضُوءَ وَهُوَ لَمْ يُكْمِلْهُ أَنَّ رَفْضَهُ لَا يُؤَثِّرُ إذَا أَكْمَلَ وُضُوءَهُ بِالْقُرْبِ قَالَ وَكَذَلِكَ الْحَجُّ إذَا رُفِضَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ثُمَّ قَالَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي حَيِّزِ الْأَفْعَالِ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِ نَوَى الرَّفْضَ وَفَعَلَهَا بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَالطَّوَافِ وَنَحْوِهِ فَهَذَا رَفْضٌ يُعَدُّ كَالتَّارِكِ لِذَلِكَ اهـ مِنْهُ مِنْ مَوْضِعَيْنِ قُلْت وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْإِحْرَامَ سَوَاءٌ كَانَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا أَوْ بِإِطْلَاقٍ لَا يُرْتَفَضُ وَرَفْضُهُ فِي أَثْنَائِهِ وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَلْ قَالَ سَنَدٌ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مَذْهَبُ الْكَافَّةِ أَنَّهُ لَا يُرْفَضُ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ إحْرَامِهِ وَقَالَ دَاوُد يُرْتَفَضُ إحْرَامُهُ وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَنْعَدِمُ بِمَا يُضَادُّهُ حَتَّى لَوْ وَطِئَ بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ وَغَايَةُ رَفْضِ الْعِبَادَةِ أَنْ يُضَادَّهَا فِيمَا لَا يَنْتَفِي مَعَ مَا يُفْسِدُهُ لَا يَنْتَفِي مَعَ مَا يُضَادُّهُ. اهـ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إذَا رَفَضَ إحْرَامَهُ لِغَيْرِ شَيْءٍ فَهُوَ بَاقٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْأَئِمَّةِ خِلَافًا لِدَاوُدَ وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا غَيْرُهُمَا فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَإِذَا لَمْ يُؤَثِّرْ الرَّفْضُ وَهُوَ فِي أَثْنَائِهِ فَأَحْرَى بَعْدَ كَمَالِهِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ فَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيهِمَا سَوَاءٌ وَقَعَ الرَّفْضُ فِي أَثْنَائِهِمَا أَوْ بَعْدَ كَمَالِهِمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَفِي وُجُوبِ إعَادَتِهَا لِرَفْضِهَا بَعْدَ تَمَامِهَا نَقْلًا عَنْ اللَّخْمِيِّ اهـ وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الرَّفْضُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْبُطْلَانُ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ النُّكَتِ وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الرَّفْضُ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ وَكَمَّلَهُ بِالْقُرْبِ فَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ عَبْدُ الْحَقِّ فِي نُكَتِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ اعْتَمَدَهُ هُنَا أَيْ فِي الْمُخْتَصَرِ حَيْثُ قَالَ فِي فَصْلِ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ وَرَفْضُهَا مُغْتَفَرٌ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ وَكَلَامُ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَابْنِ الْجَمَاعَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُرْتَفَضُ قَالَ ابْنُ نَاجِي وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الرَّفْضُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعِبَادَةِ فَنَقَلَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ التَّأْثِيرِ عِنْدِي أَصَحُّ لِأَنَّ الرَّفْضَ يَرْجِعُ إلَى التَّقْدِيرِ لِأَنَّ الْوَاقِعَ يَسْتَحِيلُ رَفْضُهُ وَالتَّقْدِيرُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَلِأَنَّهُ بِنَفْسِ الْفَرَاغِ مِنْ الْفِعْلِ سَقَطَ التَّكْلِيفُ بِهِ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ التَّكْلِيفَ يَرْجِعُ بَعْدَ سُقُوطِهِ لِأَجْلِ الرَّفْضِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ اهـ وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فِي بَابِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعِبَادَةَ كُلَّهَا الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ وَالصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَالْإِحْرَامَ لَا يُرْتَفَضُ شَيْءٌ مِنْهَا بَعْدَ كَمَالِهِ وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ التُّونُسِيُّ وَرَفْضُ الْوُضُوءِ إنْ كَانَ بَعْدَ تَمَامِهِ لَا يُرْتَفَضُ وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ. اهـ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْغُسْلِ وَاخْتُلِفَ إذَا رَفَضَ النِّيَّةَ بَعْدَ الْوُضُوءِ عَلَى قَوْلَيْنِ لِمَالِكٍ وَالْفَتْوَى بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ لِأَنَّ مَا حَصَلَ اسْتَحَالَ رَفْعُهُ اهـ وَكَلَامُ الْقَرَافِيِّ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَةِ أَيْ وَكَذَا فِي الْفُرُوقِ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الرَّفْضَ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ يُؤَثِّرُ وَلَوْ بَعْدَ

مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةٍ فِعْلِيَّةٍ أَوْ حُكْمِيَّةٍ فَمَتَى عَرَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ عَنْهَا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ مَا لَمْ تُسْتَدْرَكْ بِالنِّيَّةِ عَنْ قُرْبٍ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ بَقِيَتْ رِجْلَاهُ مِنْ وُضُوئِهِ فَخَاضَ بِهِمَا نَهْرًا فَدَلَّكَهُمَا فِيهِ بِيَدَيْهِ وَلَمْ يَنْوِ بِهِمَا تَمَامَ وُضُوئِهِ لَمْ يَجْزِهِ حَتَّى يَنْوِيَهُ قُلْت وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ النِّيَّةَ الْفِعْلِيَّةَ لَمْ تَتَنَاوَلْ إلَّا الْوُضُوءَ الْعَادِيَّ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ أَوَّلَ الْعِبَادَةِ أَوْ الْوُضُوءِ لَا يُقْدِمُ عَلَى تَرْقِيعِ الصَّلَاةِ وَلَا تَرْقِيعِ وُضُوئِهِ بَلْ إنَّمَا يَقْصِدُ الْعِبَادَةَ الَّتِي لَا تَرْقِيعَ فِيهَا فَالْمُرَقَّعَةُ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا لَا النِّيَّةُ الْفِعْلِيَّةُ وَلَا الْحُكْمِيَّةُ الَّتِي هِيَ فَرْعُ الْفِعْلِيَّةِ فَلَا تَتَنَاوَلُ الْمُرَقَّعَةَ وَلَا الْمُفَرَّقَةَ فَبَقِيَ جُزْءُ الْعِبَادَةِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ مُطْلَقًا فَتَبْطُلُ الْعِبَادَةُ لِعَدَمِ شَرْطِهَا فَلِأَجْلِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ احْتَاجَ التَّرْقِيعُ أَبَدًا إلَى النِّيَّةِ الْفِعْلِيَّةِ تُجَدَّدُ لَهُ فَمَتَى وَقَعَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ تُجَدَّدُ لَهُ بَقِيَ جُزْءُ الْعِبَادَةِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فَتَبْطُلُ الْعِبَادَةُ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي كُلِّ أَجْزَائِهَا فِعْلِيَّةٍ أَوْ حُكْمِيَّةٍ. (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) رَفْضُ النِّيَّةِ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَاتِ فِيهِ قَوْلَانِ هَلْ يُؤَثِّرُ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ التَّأْثِيرِ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ قُلْنَا يُؤَثِّرُ فَوَجْهُهُ أَنَّ هَذِهِ النِّيَّةَ الَّتِي حَصَلَ بِهَا الرَّفْضُ وَهِيَ الْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعِبَادَةِ لَوْ قَارَنَتْ النِّيَّةَ الْفِعْلِيَّةَ الْكَائِنَةَ أَوَّلَ الْعِبَادَةِ لَضَادَدَتْهَا وَنَافَتْهَا فَإِنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْفِعْلِ، وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِهِ مُتَضَادَّانِ وَمَا ضَادَّ الْفِعْلِيَّةَ ضَادَّ الْحُكْمِيَّةَ الَّتِي هِيَ فَرْعُهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَظَهَرَ بِهَذِهِ الْفُرُوعِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَعَانِي الْفِعْلِيَّةِ وَالْحُكْمِيَّةِ وَأَنَّ الْحُكْمِيَّاتِ أَبَدًا تَابِعَةٌ فُرُوعَ الْفِعْلِيَّاتِ وَأَنَّ الْفِعْلِيَّاتِ وَالْحُكْمِيَّاتِ إنَّمَا تَتَنَاوَلُ الْعِبَادَاتِ الْعَادِيَّاتِ دُونَ الطَّارِئَاتِ وَأَنَّ التَّلَفِيَّاتِ تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ جَدِيدَةٍ أَبَدًا لِعَدَمِهَا فِيهَا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. . (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْفِعْلِيَّةِ وَقَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ) فَالْأَسْبَابُ الْفِعْلِيَّةُ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالِاصْطِيَادِ وَالْأَسْبَابُ الْقَوْلِيَّةُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْقِرَاضِ وَمَا هُوَ فِي الشَّرْعِ مِنْ الْأَقْوَالِ سَبَبُ انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَافْتَرَقَتْ هَاتَانِ الْقَاعِدَتَانِ مِنْ وُجُوهٍ تَظْهَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَمَالِ وَلَكِنَّهُ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي إبْطَالَ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ وَبَحَثَ فِيهِ وَأَطَالَ وَقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ إنَّهُ سُؤَالٌ حَسَنٌ لَمْ أَجِدْ مَا يَقْتَضِي انْدِفَاعَهُ فَالْأَحْسَنُ الِاعْتِرَافُ بِذَلِكَ وَقَوْلُ ابْنِ نَاجِي فِي تَرْجَمَةِ مَا لَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ رَفْضُ الطَّهَارَةِ يَنْقُضُهَا فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ مَنْ تَصَنَّعَ لِنَوْمٍ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَإِنْ لَمْ يَنَمْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَفْضَ الْوُضُوءِ يَصِحُّ وَابْنُ الْقَاسِمِ يُخَالِفُ فِي هَذَا وَيَقُولُ هُوَ كَالْحَجِّ لَا يَصِحُّ رَفْضُهُ وَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ فَصَحَّ رَفْضُهَا كَالصَّلَاةِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ فَلَمْ تَبْطُلْ بِالرَّفْضِ كَالطَّهَارَةِ الْكُبْرَى اهـ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْغُسْلَ لَا يُرْتَفَضُ بِلَا خِلَافٍ اهـ كَلَامُ الْحَطَّابِ بِتَصَرُّفٍ وَمُحَصِّلُهُ مَعَ زِيَادَةِ بَيَانِ مَا فِي رَفْضِ التَّيَمُّمِ وَالِاعْتِكَافِ قَوْلُ الْأَمِيرِ فِي الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِهِ (وَارْتُفِضَ وُضُوءٌ وَغُسْلٌ فِي الْأَثْنَاءِ) عَلَى الرَّاجِحِ (فَقَطْ) وَيُغْتَفَرُ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْأَصْلُ (كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ) فِي الْأَثْنَاءِ اتِّفَاقًا. (وَقِيلَ) وَرَجَحَ أَيْضًا يُرْتَفَضُ (هَذَانِ مُطْلَقًا) وَلَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ (وَلَا يُرْتَفَضُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ مُطْلَقًا) لِمَظِنَّةِ الْمَشَقَّةِ وَلَا يُقَالُ يَأْتَنِفُ إحْرَامًا صَحِيحًا وَيَتْرُكُ مَا رَفَضَهُ لِأَنَّ فَاسِدَهُمَا يَجِبُ إتْمَامُهُ وَقَضَاؤُهُ (وَالتَّيَمُّمُ) وَإِنْ كَانَ طَهَارَةً ضَعِيفَةً (وَالِاعْتِكَافُ) وَإِنْ احْتَوَى عَلَى الصَّوْمِ (كَالْوُضُوءِ عَلَى الظَّاهِرِ) وَيُحْتَمَلُ رَفْضُ الْأَوَّلِ مُطْلَقًا وَجَرَيَانُ الثَّانِي عَلَى الصَّوْمِ اهـ بِزِيَادَةٍ مِنْ ضَوْءِ الشُّمُوعِ وَالسَّعْيُ وَالطَّوَافُ كَالصَّلَاةِ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى مَنْسَكِ الْوَالِدِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحَقَائِقُ عَشْرَةٌ وُضُوءٌ وَغُسْلٌ وَتَيَمُّمٌ وَاعْتِكَافٌ وَصَلَاةٌ وَصَوْمٌ وَحَجٌّ وَعُمْرَةٌ وَطَوَافٌ وَسَعْيٌ وَلَا خِلَافَ فِي رَفْضِ مَا عَدَا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَالْوُضُوءَ وَالتَّيَمُّمَ وَالِاعْتِكَافَ فِي الْأَثْنَاءِ وَلَا فِي عَدَمِ رَفْضِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مُطْلَقًا وَلَا فِي عَدَمِ رَفْضِ الْغُسْلِ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي رَفْضِ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَفِي رَفْضِ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ وَالِاعْتِكَافِ فِي الْأَثْنَاءِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ فِي الْمُوَافَقَاتِ أَثْنَاءَ الْمَسْأَلَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ الْأَسْبَابِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ قِسْمَيْ الْأَحْكَامِ مَا تَوْضِيحُهُ. وَالْحَقُّ صِحَّةُ الرَّفْضِ فِي أَثْنَاءِ جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ لَا بَعْدَ كَمَالِهَا عَلَى شُرُوطِهَا لِأَنَّ مَعْنَاهَا فِي الْأَثْنَاءِ أَنَّهُ كَانَ قَاصِدًا بِالْعِبَادَةِ امْتِثَالَ الْأَمْرِ ثُمَّ أَتَمَّهَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ بَلْ بِنِيَّةٍ أُخْرَى لَيْسَتْ بِعِبَادَتِهِ الَّتِي شُرِعَ فِيهَا كَالْمُتَطَهِّرِ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ ثُمَّ يَنْسَخُ تِلْكَ النِّيَّةَ بِنِيَّتِهِ التَّبَرُّدَ أَوْ التَّنَظُّفَ مِنْ الْأَوْسَاخِ الْبَدَنِيَّةِ وَمَعْنَاهُ بَعْدَ كَمَالِهَا عَلَى شُرُوطِهَا قَصْدُهُ أَنْ لَا تَكُونَ عِبَادَةً وَلَا يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا حُكْمُهَا مِنْ إجْزَاءٍ أَوْ اسْتِبَاحَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِيهَا بَلْ هِيَ عَلَى حُكْمِهَا لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْقَصْدُ وَخِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي رَفْضِ الْوُضُوءِ وَكَذَا التَّيَمُّمُ بَعْدَ الْكَمَالِ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الطَّهَارَةَ هُنَا لَهَا وَجْهَانِ فِي النَّظَرِ فَمَنْ نَظَرَ إلَى فِعْلِهَا عَلَى مَا يَنْبَغِي قَالَ إنَّ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ بِهَا لَازِمٌ وَمُسَبَّبٌ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ إلَّا بِنَاقِضٍ طَارِئٍ وَمَنْ نَظَرَ إلَى حُكْمِهِمَا أَعْنِي حُكْمَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ مُسْتَصْحِبًا إلَى أَنْ يُصَلِّيَ وَذَلِكَ أَمْرٌ مُسْتَقْبَلٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ الْأُولَى الْمُقَارِنَةِ لِلطَّهَارَةِ وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ بِنِيَّةِ الرَّفْضِ الْمُنَافِيَةِ لَهَا فَلَا يَصِحُّ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ الْآتِيَةِ بِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ كَالرَّفْضِ الْمُقَارِنِ لِلْفِعْلِ وَمَا قَارَنَ الْفِعْلَ مُؤَثِّرٌ فَكَذَلِكَ مَا شَابَهَهُ فَلَوْ انْتَفَتْ

[الفرق بين قاعدة الأسباب الفعلية وقاعدة الأسباب القولية]

بِذِكْرِ مَسَائِلِهَا وَلْنَذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الْأَسْبَابُ الْفِعْلِيَّةُ تَصِحُّ مِنْ السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ دُونَ الْقَوْلِيَّةِ فَلَوْ صَادَ مَالِكُ الصَّيْدِ أَوْ احْتَشَّ مَالِكُ الْحَشِيشِ أَوْ احْتَطَبَ مَالِكُ الْحَطَبِ أَوْ اسْتَقَى مَاءَ مِلْكِهِ وَتَرَتَّبَ لَهُ الْمِلْكُ عَلَى هَذِهِ الْأَسْبَابِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى أَوْ قَبِلَ الْهِبَةَ أَوْ الصَّدَقَةَ أَوْ قَارَضَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ لَا يَتَرَتَّبُ لَهُ عَلَيْهَا مِلْكٌ بِسَبَبِ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْفِعْلِيَّةَ غَالِبُهَا خَيْرٌ مَحْضٌ مِنْ غَيْرِ خَسَارَةٍ وَلَا غَبْنٍ وَلَا ضَرَرٍ فَلَا أَثَرَ لِسَفَهِهِ فِيهَا فَجَعَلَهَا الشَّرْعُ مُعْتَبَرَةً فِي حَقِّهِ تَحْصِيلًا لِلْمَصَالِحِ بِتِلْكَ الْأَسْبَابِ فَإِنَّهَا لَا تَقَعُ إلَّا نَافِعَةً مُفِيدَةً غَالِبًا وَأَمَّا الْقَوْلِيَّةُ فَإِنَّهَا مَوْضِعُ الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُغَابَنَةِ وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ آخَرَ يُنَازِعُهُ وَيُجَاذِبُهُ إلَى الْغَبْنِ، وَضَعْفُ عَقْلِهِ فِي ذَلِكَ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْهُ ضَيَاعُ مَصْلَحَتِهِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَعْتَبِرْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ مَصْلَحَتِهَا بِخِلَافِ الْفِعْلِيَّةِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ وَطِئَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ أَمَتَهُ صَارَتْ لَهُ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ وَهُوَ سَبَبٌ فِعْلِيٌّ يَقْتَضِي الْعِتْقَ وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ مَعَ عُلُوِّ مَنْزِلَةِ الْعِتْقِ عِنْدَ صَاحِبِ الشَّرْعِ لَا سِيَّمَا الْمُنَجَّزُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا السَّبَبِ الْفِعْلِيِّ وَهَذَا السَّبَبِ الْقَوْلِيِّ أَنَّ نَفْسَهُ تَدْعُوهُ إلَى وَطْءِ أَمَتِهِ فَلَوْ مَنَعْنَاهُ مِنْهَا لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى وُقُوعِهِ فِي الزِّنَى وَيَطَؤُهَا وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ فَيَقَعُ فِي عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا دَاعِيَةَ تَدْعُوهُ لِعِتْقِ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ مِنْ جِهَةِ الطَّبْعِ فَإِذَا قُلْنَا لَهُ لَيْسَ لَك ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مَحْذُورٌ وَإِذَا جَوَّزْنَا لَهُ الْوَطْءَ وَجَبَ أَنْ يُقْضَى بِاسْتِحْقَاقِ الْأَمَةِ الْعِتْقَ عِنْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا لِأَنَّ الْوَطْءَ سَبَبٌ تَامٌّ لِلْعِتْقِ عِنْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَقَدْ أَبَحْنَا لَهُ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ وَالسَّبَبُ التَّامُّ إذَا أُذِنَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَجَبَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُسَبِّبُهُ لِأَنَّ وُجُودَ السَّبَبِ الْمَأْذُونِ فِيهِ دُونَ الْمُسَبِّبِ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ وَالسَّبَبُ الْقَوْلِيُّ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ صَاحِبُ الشَّرْعِ فَكَانَ كَالْمَعْدُومِ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا وَالسَّبَبُ الْمَعْدُومُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ الْأَسْبَابُ الْفِعْلِيَّةُ أَقْوَى أَوْ الْقَوْلِيَّةُ أَقْوَى فَقِيلَ الْفِعْلِيَّةُ أَقْوَى لِنُفُوذِهَا مِنْ الْمَحْجُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُشَابَهَةُ بِأَنْ رَفَضَ نِيَّةَ الطَّهَارَةِ بَعْدَمَا أَدَّى بِهَا الصَّلَاةَ وَتَمَّ حُكْمُهَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى ثُمَّ رَفَضَ تِلْكَ الصَّلَاةَ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْهَا وَقَدْ كَانَ أَتَى بِهَا عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ فَإِنْ قَالَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الرَّفْضِ فِي مِثْلِ هَذَا فَالْقَاعِدَةُ ظَاهِرَةٌ فِي خِلَافِ مَا قَالَ. اهـ. قُلْت وَلَمَّا لَمْ يَجْرِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي الْغُسْلِ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ لُزُومَ الْوُضُوءِ لَهُ إنَّمَا هُوَ فِي الِابْتِدَاءِ فَقَطْ لِأَنَّ اللُّزُومَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ طَرَءَانِ النَّاقِضِ فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ جَزَمَ الْفُقَهَاءُ بِعَدَمِ رَفْضِهِ بَعْدَ كَمَالِهِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَلِكَ الِاعْتِكَافُ لَمَّا لَمْ يَجْرِ فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ الصَّفْتِيُّ الظَّاهِرُ رَفْضُهُ فِي الْأَثْنَاءِ لَا بَعْدَ الْكَمَالِ وَقَدْ اسْتَثْنَى الْفُقَهَاءُ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَأَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ تَأْثِيرِ الرَّفْضِ فِيهِمَا مُطْلَقًا لِمَا مَرَّ عَنْ الْأَمِيرِ مِنْ مَظِنَّةِ الْمَشَقَّةِ مَعَ وُجُوبِ إتْمَامِ فَاسِدِهِمَا وَقَضَائِهِ فَافْهَمْ قَالَ عبق وَالرَّفْضُ لُغَةً التَّرْكُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا تَقْدِيرُ مَا وُجِدَ مِنْ الْعِبَادَةِ كَالْعَدَمِ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ وَضَوْءِ الشُّمُوعِ وَاسْتَظْهَرَ شب جَوَازَ الرَّفْضِ كَالنَّقْضِ وَلَعَلَّ أَقَلَّهُ الْكَرَاهَةُ فَإِنَّ شَأْنَ النَّقْضِ الْحَاجَةُ وَفِي الْمُحَشِّيِّ حُمِلَ {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] عَلَى الْمَقَاصِدِ وَظَاهِرُهُ عُمُومُ الْمَقَاصِدِ الَّتِي هِيَ السَّبْعَةُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ فِيمَا يَجِبُ مِنْ النَّوَافِلِ بِالشُّرُوعِ صَلَاةٌ وَصَوْمٌ ثُمَّ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ ... طَوَافٌ عُكُوفٌ وَائْتِمَانٌ تَحَتُّمًا وَفِي غَيْرِهَا كَالطُّهْرِ وَالْوَقْفِ خُيِّرْنَ ... فَمَنْ شَاءَ فَلْيَقْطَعْ وَمَنْ شَاءَ تَمَّمَا قُلْت أَوْ عَلَى مَا يَعُمُّ الْوَسَائِلَ مَعَ رَفْعِ الْمَقَاصِدِ بِغَيْرِ هَذَا كَالرِّيَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ فَجَعَلُوهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [البقرة: 264] ثُمَّ إنَّ الرَّفْضَ الْمُضِرَّ الْإِفْسَادُ الْمُطْلَقُ أَمَّا إنْ أَرَادَ حَدَثًا أَثْنَاءَ الْوُضُوءِ فَلَمْ يَفْعَلْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَرَفْعِ نِيَّةِ الصَّائِمِ لِأَكْلِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَلَمْ يَجِدْهُ وَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ عَزَمَ عَلَى إفْسَادٍ لَمْ يَحْصُلْ لَا إفْسَادٍ بِالْفِعْلِ اهـ كَلَامُ الْأَمِيرِ قُلْت. وَهَذَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ فِي كَلَامِ الْحَطَّابِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ مَنْ تَصَنَّعَ لِنَوْمٍ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَإِنْ لَمْ يَنَمْ نَعَمْ فِي شَرْحِ الْمَوَّاقِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ وَضَعَّفَ الْمَازِرِيُّ وَاللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَوْلَ مَالِكٍ مَنْ تَصَنَّعَ لِنَوْمٍ فَلَمْ يَنَمْ تَوَضَّأَ قَالَ اللَّخْمِيُّ عَلَى هَذَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى مَنْ أَرَادَ الْوَطْءَ فَكَفُّ ابْنُ عَرَفَةَ يُشَبِّهُ إرَادَةَ الْفِطْرِ أَثْنَاءَ الصَّوْمِ الرَّفْضَ أَثْنَاءَ الْوُضُوءِ لَا بَعْدَهُ اهـ بِلَفْظِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْفِعْلِيَّةِ وَقَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ] (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْفِعْلِيَّةِ وَقَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ) وَالْأَسْبَابُ الْفِعْلِيَّةُ كَالِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالِاصْطِيَادِ وَالْأَسْبَابُ الْقَوْلِيَّةُ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْقِرَاضِ وَكُلِّ مَا هُوَ فِي الشَّرْعِ مِنْ الْأَقْوَالِ سَبَبُ انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَافْتَرَقَتْ هَاتَانِ الْقَاعِدَتَانِ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْفِعْلِيَّةَ تَصِحُّ مِنْ السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ دُونَ الْقَوْلِيَّةِ الثَّانِي أَنَّ الْفِعْلِيَّةَ لَا تَقَعُ إلَّا نَافِعَةً مُفِيدَةً غَالِبًا بِخِلَافِ الْقَوْلِيَّةِ الثَّالِثُ أَنَّ الْفِعْلِيَّةَ قَدْ تَكُونُ لَهَا دَاعِيَةٌ تَدْعُو لَهَا مِنْ جِهَةِ الطَّبْعِ بِخِلَافِ الْقَوْلِيَّةِ الرَّابِعُ أَنَّ الْفِعْلِيَّةَ لَا تَسْتَعْقِبُ مُسَبِّبَاتِهَا وَالْقَوْلِيَّةَ تَسْتَعْقِبُهَا الْخَامِسُ أَنَّ الْمِلْكَ بِالْفِعْلِيَّةِ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ضَعِيفٌ يَزُولُ بِمُجَرَّدِ زَوَالِ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَفِي الْقَوْلِيَّةِ قَوِيٌّ لَا يَزُولُ إلَّا بِسَبَبٍ نَاقِلٍ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ السَّادِسُ أَنَّ قَاعِدَةَ تَقْدِيمِ الْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ إنَّمَا تَأَتَّى فِي

عَلَيْهِ وَمِنْ غَيْرِهِ وَقِيلَ الْقَوْلِيَّةُ أَقْوَى بِدَلِيلِ أَنَّ الْعِتْقَ بِالْقَوْلِ يَسْتَعْقِبُ الْعِتْقَ وَالْعِتْقَ بِالْوَطْءِ لَا يَسْتَعْقِبُ الْعِتْقَ وَالسَّبَبُ الَّذِي يَسْتَعْقِبُ مُسَبَّبَهُ أَقْوَى مِمَّا لَا يَسْتَعْقِبُهُ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ السَّفِينَةَ إذَا وَثَبَتَ فِيهَا سَمَكَةٌ فِي حِجْرِ إنْسَانٍ فَهِيَ لَهُ دُونَ صَاحِبِ السَّفِينَةِ لِأَنَّ حَوْزَهُ أَخَصُّ بِالسَّمَكَةِ مِنْ حَوْزِ صَاحِبِ السَّفِينَةِ لِأَنَّ حَوْزَ السَّفِينَةِ يَشْمَلُ هَذَا الرَّجُلَ وَغَيْرَهُ وَحَوْزَ هَذَا الرَّجُلِ لَا يَتَعَدَّاهُ فَهُوَ أَخَصُّ بِالسَّمَكَةِ مِنْ صَاحِبِ السَّفِينَةِ وَالْأَخَصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَعَمِّ كَمَا قُلْنَا فِي الْمُصَلِّي لَا يَجِدُ إلَّا نَجِسًا وَحَرِيرًا يُصَلِّي فِي الْحَرِيرِ وَيُقَدَّمُ النَّجِسُ فِي الِاجْتِنَابِ لِأَنَّهُ أَخَصُّ وَالْأَخَصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَعَمِّ وَالْمُحْرِمِ لَا يَجِدُ مَا يَقُوتُهُ إلَّا مَيْتَةً أَوْ صَيْدًا يُقَدَّمُ الصَّيْدُ فِي الِاجْتِنَابِ عَلَى الْمَيْتَةِ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الصَّيْدِ أَخَصُّ بِالْإِحْرَامِ مِنْ الْمَيْتَةِ وَتَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ يَشْمَلُ الْحَاجَّ وَغَيْرَهُ كَمَا أَنَّ تَحْرِيمَ الْحَرِيرِ يَشْمَلُ الْمُصَلِّيَ وَغَيْرَهُ فَقَاعِدَةُ تَقْدِيمِ الْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ لَهُ نَظَائِرُ فِي الشَّرِيعَةِ. (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) الْمِلْكُ بِالْإِحْيَاءِ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ أَضْعَفُ مِنْ تَحْصِيلِ الْمِلْكِ بِالشِّرَاءِ لِأَنَّهُ إذَا زَالَ الْإِحْيَاءُ عَنْهُ بَطَلَ الْمِلْكُ وَلَا يَبْطُلُ الْمِلْكُ فِي الْقَوْلِيِّ إلَّا بِسَبَبٍ نَاقِلٍ وَالْإِحْيَاءُ سَبَبٌ فِعْلِيٌّ فَيَكُونُ هَذَا الْفَرْعُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَسْبَابَ الْفِعْلِيَّةَ أَضْعَفُ مِنْ الْقَوْلِيَّةِ عَلَى قَاعِدَةِ مَالِكٍ أَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَا يُزِيلُ الْمِلْكَ بِزَوَالِ الْإِحْيَاءِ فَلَا مَقَالَ مَعَهُ وَكَذَلِكَ يَقُولُ مَالِكٌ إذَا تَوَحَّشَ الصَّيْدُ بَعْدَ حَوْزِهِ أَوْ الْحَمَامُ بَعْدَ إيوَائِهِ أَوْ النَّحْلُ بَعْدَ ضَمِّهِ بِجَبْحِهِ يَزُولُ الْمِلْكُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَكَذَلِكَ السَّمَكَةُ إذَا انْفَلَتَتْ فِي الْبَحْرِ فَصَادَهَا غَيْرُ صَائِدِهَا الْأَوَّلِ. (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ بِالْفَتْوَى وَهِيَ التَّبْلِيغُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ بِالْإِمَامَةِ) اعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ وَالْقَاضِي الْأَحْكَمُ وَالْمُفْتِي الْأَعْلَمُ فَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْإِمَامَةِ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفِعْلِيَّةِ دُونَ الْقَوْلِيَّةِ (وَصْلٌ) فِي تَوْضِيحِ هَذَا الْفَرْقِ بِخَمْسِ مَسَائِلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَسْبَابَ الْفِعْلِيَّةَ لَا تَقَعُ إلَّا نَافِعَةً مُفِيدَةً غَالِبًا جَعَلَهَا الشَّرْعُ مُعْتَبَرَةً حَتَّى فِي حَقِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لِسَفَهِهِ أَثَرًا فِي تِلْكَ الْأَسْبَابِ تَحْصِيلًا لِمَصَالِحِهَا وَأَمَّا الْأَسْبَابُ الْقَوْلِيَّةُ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَوْضِعُ الْمُمَاسَكَةِ وَالْمُغَالَبَةِ وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ آخَرَ يُنَازِعُهُ وَيُجَاذِبُهُ إلَى الْغَبْنِ وَالْمَحْجُورُ لِضَعْفِ عَقْلِهِ فِي ذَلِكَ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ ضَيَاعُ مَصْلَحَةٍ عَلَيْهِ لَمْ يَعْتَبِرْهَا الشَّرْعُ مِنْهُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ مَصْلَحَتِهَا فَيَمْلِكُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا يَصْطَادُهُ أَوْ يَحْتَشُّهُ أَوْ يَحْتَطِبُهُ أَوْ يَسْتَقِيهِ لِتَرَتُّبِ الْمِلْكِ لَهُ عَلَى هَذِهِ الْأَسْبَابِ الْفِعْلِيَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى أَوْ قَبِلَ الْهِبَةَ أَوْ الصَّدَقَةَ أَوْ قَارَضَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ لَهُ عَلَيْهِ مِلْكٌ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الْفَرْقُ بَيْنَ وَطْءِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ أَمَتَهُ وَهُوَ سَبَبٌ فِعْلِيٌّ يَقْتَضِي الْعِتْقَ وَيُصَيِّرُهَا أُمَّ وَلَدٍ وَبَيْنَ عِتْقِهِ عَبْدَهُ وَهُوَ سَبَبٌ قَوْلِيٌّ لَا يَنْفُذُ عِنْدَ صَاحِبِ الشَّرْعِ لَا سِيَّمَا الْمُنَجَّزُ هُوَ أَنَّ السَّبَبَ الْفِعْلِيَّ الَّذِي هُوَ الْوَطْءُ لَمَّا كَانَتْ نَفْسُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ تَدْعُوهُ إلَى وَطْءِ أَمَتِهِ فَلَوْ مَنَعْنَاهُ مِنْهَا لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى وُقُوعِهِ فِي الزِّنَا بِأَنْ يَطَأَهَا وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ فَيَقَعَ فِي عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَلْزَمَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَحْذُورُ جَوَّزَهُ الشَّرْعُ لَهُ وَهُوَ سَبَبٌ تَامٌّ لِلْعِتْقِ عِنْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ وَالسَّبَبُ التَّامُّ إذَا أُذِنَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَجَبَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُسَبِّبُهُ لِأَنَّ وُجُودَ السَّبَبِ الْمَأْذُونِ فِيهِ دُونَ الْمُسَبِّبِ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ فَلِذَا وَجَبَ أَنْ يُقْضَى بِاسْتِحْقَاقِ أَمَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ الْعِتْقَ عِنْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا حَيْثُ وَطِئَهَا وَوَلَدَتْ لَهُ وَأَمَّا السَّبَبُ الْقَوْلِيُّ الَّذِي هُوَ الْعِتْقُ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا دَاعِيَةَ تَدْعُو الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ لِعِتْقِ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ مِنْ جِهَةِ الطَّبْعِ فَلَا يَلْزَمُ عَلَى مَنْعِهِ مِنْهُ مَحْذُورٌ لَمْ يُجَوِّزْهُ لَهُ الشَّرْعُ وَالسَّبَبُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ صَاحِبُ الشَّرْعِ يَكُونُ كَالْمَعْدُومِ شَرْعًا وَالْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي كَوْنِ الْفِعْلِيَّةِ أَقْوَى لِنُفُوذِهَا مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَمِنْ غَيْرِهِ أَوْ الْقَوْلِيَّةِ أَقْوَى بِدَلِيلِ أَنَّ الْعِتْقَ بِالْقَوْلِ يَسْتَعْقِبُ الْعِتْقَ وَالْعِتْقَ بِالْوَطْءِ لَا يَسْتَعْقِبُ الْعِتْقَ وَالسَّبَبُ الَّذِي يَسْتَعْقِبُ مُسَبِّبَهُ أَقْوَى مِمَّا لَا يَسْتَعْقِبُهُ خِلَافٌ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الْمِلْكُ بِالْإِحْيَاءِ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ ضَعِيفٌ يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ زَوَالِ الْإِحْيَاءِ عَنْهُ وَكَذَلِكَ يَزُولُ الْمِلْكُ بِمُجَرَّدِ تَوَحُّشِ الصَّيْدِ بَعْدَ حَوْزِهِ وَالْحَمَامِ بَعْدَ إيوَائِهِ وَالنَّحْلِ بَعْدَ ضَمِّهِ بِجَبْحِهِ وَبِمُجَرَّدِ انْفِلَاتِ السَّمَكَةِ فِي الْبَحْرِ فَتَكُونُ لِغَيْرِ صَائِدِهَا الْأَوَّلِ إذَا صَادَهَا وَالْمِلْكُ بِنَحْوِ الشِّرَاءِ قَوِيٌّ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِسَبَبٍ نَاقِلٍ أَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَا يُزِيلُ الْمِلْكَ بِزَوَالِ الْإِحْيَاءِ وَنَحْوِهِ فَلَا مَقَالَ مَعَهُ الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ السَّفِينَةَ إذَا وَثَبَتَ فِيهَا سَمَكَةٌ فِي حِجْرِ إنْسَانٍ فَهِيَ لَهُ دُونَ صَاحِبِ السَّفِينَةِ جَرْيًا عَلَى قَاعِدَةِ تَقْدِيمِ الْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ لِأَنَّ حَوْزَ هَذَا الْإِنْسَانِ أَخَصُّ مِنْ حَوْزِ صَاحِبِ السَّفِينَةِ لِأَنَّ حَوْزَ السَّفِينَةِ يَشْمَلُ هَذَا الْإِنْسَانَ وَغَيْرَهُ وَحَوْزَ هَذَا الْإِنْسَانِ لَا يَتَعَدَّاهُ فَهُوَ أَخَصُّ بِالسَّمَكَةِ مِنْ صَاحِبِ السَّفِينَةِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَخَصَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَعَمِّ وَلِهَذَا نَظَائِرُ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْهَا الْمُصَلِّي لَا يَجِدُ إلَّا نَجِسًا وَحَرِيرًا يُصَلِّي فِي الْحَرِيرِ فَقَطْ فَيُقَدَّمُ النَّجِسُ فِي الِاجْتِنَابِ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ أَخَصُّ مِنْ تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ إذْ تَحْرِيمُ الْحَرِيرِ يَشْمَلُ الْمُصَلِّيَ وَغَيْرَهُ وَتَحْرِيمُ النَّجِسِ خَاصٌّ بِالْمُصَلِّي وَالْأَخَصُّ مُقَدَّمٌ

[الفرق بين قاعدة تصرفه بالقضاء وبين قاعدة تصرفه بالفتوى]

إمَامُ الْأَئِمَّةِ وَقَاضِي الْقُضَاةِ وَعَالِمُ الْعُلَمَاءِ فَجَمِيعُ الْمَنَاصِبِ الدِّينِيَّةِ فَوَّضَهَا اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ فِي رِسَالَتِهِ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ مَنْ تَوَلَّى مَنْصِبًا مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْمَنْصِبِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَا مِنْ مَنْصِبٍ دِينِيٍّ إلَّا وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ فِي أَعْلَى رُتْبَةٍ غَيْرَ أَنَّ غَالِبَ تَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّبْلِيغِ لِأَنَّ وَصْفَ الرِّسَالَةِ غَالِبٌ عَلَيْهِ ثُمَّ تَقَعُ تَصَرُّفَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا مَا يَكُونُ بِالتَّبْلِيغِ وَالْفَتْوَى إجْمَاعًا وَمِنْهَا مَا يُجْمِعُ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ بِالْقَضَاءِ وَمِنْهَا مَا يُجْمِعُ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ بِالْإِمَامَةِ وَمِنْهَا مَا يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِيهِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ رُتْبَتَيْنِ فَصَاعِدًا فَمِنْهُمْ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ رُتْبَةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ أُخْرَى ثُمَّ تَصَرُّفَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ تَخْتَلِفُ آثَارُهَا فِي الشَّرِيعَةِ فَكُلُّ مَا قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ فَعَلَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبْلِيغِ كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا عَامًّا عَلَى الثِّقْلَيْنِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ أَقْدَمَ عَلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ بِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ الْمُبَاحُ وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ اجْتَنَبَهُ كُلُّ أَحَدٍ بِنَفْسِهِ وَكُلُّ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِوَصْفِ الْإِمَامَةِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ اقْتِدَاءً بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلِأَنَّ سَبَبَ تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِوَصْفِ الْإِمَامَةِ دُونَ التَّبْلِيغِ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَمَا تَصَرَّفَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَصْفِ الْقَضَاءِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ السَّبَبَ الَّذِي لِأَجْلِهِ تَصَرَّفَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَصْفِ الْقَضَاءِ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَهَذِهِ هِيَ الْفُرُوقُ بَيْنَ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثِ وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَنُحَقِّقُ ذَلِكَ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ) قُلْت لَمْ يُجَوِّدْ التَّعْرِيفَ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ وَلَا أَوْضَحَهَا كُلَّ الْإِيضَاحِ وَالْقَوْلُ الَّذِي يُوَضِّحُهَا هُوَ أَنَّ الْمُتَصَرِّفَ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إمَّا أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِتَعْرِيفِهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِتَنْفِيذِهِ فَإِنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِتَعْرِيفِهِ فَذَلِكَ هُوَ الرَّسُولُ إنْ كَانَ هُوَ الْمُبْلِغَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَتَصَرُّفُهُ هُوَ الرِّسَالَةُ وَإِلَّا فَهُوَ الْمُفْتِي وَتَصَرُّفُهُ هُوَ الْفَتْوَى وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِتَنْفِيذِهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَنْفِيذُهُ ذَلِكَ بِفَصْلٍ وَقَضَاءٍ وَإِبْرَامٍ وَإِمْضَاءٍ وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَذَلِكَ هُوَ الْإِمَامُ وَتَصَرُّفُهُ هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْأَعَمِّ وَمِنْهَا الْمُحْرِمُ لَا يَجِدُ مَا يَقُوتُهُ إلَّا مَيْتَةً أَوْ صَيْدًا تُبَاحُ لَهُ الْمَيْتَةُ فَقَطْ فَيُقَدَّمُ الصَّيْدُ فِي الِاجْتِنَابِ عَلَى الْمَيْتَةِ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الصَّيْدِ أَخَصُّ بِالْإِحْرَامِ مِنْ الْمَيْتَةِ إذْ تَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ يَشْمَلُ الْحَاجَّ وَغَيْرَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ بِالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ بِالْفَتْوَى] (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ بِالْفَتْوَى وَهِيَ التَّبْلِيغُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَصَرُّفِهِ بِالْإِمَامَةِ) لَمَّا كَانَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرَ الْمُرْسَلِينَ وَإِمَامَ الْأَئِمَّةِ وَقَاضِيَ الْقُضَاةِ وَعَالِمَ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ فَوَّضَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ فِي رِسَالَتِهِ جَمِيعَ الْمَنَاصِبِ الدِّينِيَّةِ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمَ مِنْ كُلِّ مَنْ تَوَلَّى مَنْصِبًا مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْمَنْصِبِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَا مِنْ مَنْصِبٍ دِينِيٍّ إلَّا وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ فِي أَعْلَى رُتْبَةٍ نَعَمْ غَالِبُ تَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالتَّبْلِيغِ لِأَنَّ وَصْفَ الرِّسَالَةِ غَالِبٌ عَلَيْهِ ثُمَّ إنَّ تَصَرُّفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا مَا يُجْمِعُ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ بِالتَّبْلِيغِ وَالْفَتْوَى وَمِنْهَا مَا يُجْمِعُ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ بِالْقَضَاءِ وَمِنْهَا مَا يُجْمِعُ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ بِالْإِمَامَةِ وَمِنْهَا مَا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ رُتْبَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ رُتْبَةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ أُخْرَى وَتَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الرِّسَالَةِ هُوَ أَنَّ الْمُتَصَرِّفَ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إمَّا أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِتَعْرِيفِهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِتَنْفِيذِهِ فَإِنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِتَعَرُّفِهِ فَذَلِكَ هُوَ الرَّسُولُ إنْ كَانَ هُوَ الْمُبَلِّغَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَتَصَرُّفُهُ هُوَ الرِّسَالَةُ وَإِلَّا فَهُوَ الْمُفْتِي وَتَصَرُّفُهُ هُوَ الْفَتْوَى وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِتَنْفِيذِهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَنْفِيذُهُ ذَلِكَ بِفَضْلِ قَضَاءٍ وَإِبْرَامٍ وَإِمْضَاءٍ فَذَلِكَ هُوَ الْقَاضِي وَتَصَرُّفُهُ هُوَ الْقَضَاءُ وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ تَنْفِيذُهُ بِفَصْلِ قَضَاءٍ وَإِبْرَامٍ وَإِمْضَاءٍ فَذَلِكَ هُوَ الْإِمَامُ وَتَصَرُّفُهُ هُوَ الْإِمَامَةُ (فَائِدَةٌ) الرَّسُولُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَ الْجَاهِلَ لِيُعْلِمَهُ بِخِلَافِ الْعَالِمِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَى الْجَاهِلِ أَنْ يَطْلُبَ الْعَالِمَ لِيُعْلِمَهُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ يُقَرِّرُهَا الرَّسُولُ عَلَى النَّاسِ فَلْيَبْحَثُوا بَعْدُ عَمَّنْ يُعْلِمُهُمْ نَعَمْ يَجِبُ عَلَى الْعَالِمِ الْإِجَابَةُ بَعْدَ الطَّلَبِ وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يُشَاهِدْ مُنْكَرًا مِنْ الْجَاهِلِ فَيَجِبْ حِينَئِذٍ الْمُبَادَرَةُ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّغْيِيرِ حَسْبَ الْإِمْكَانِ أَفَادَهُ الْأَمِيرُ عَلِيٌّ عَبْدُ السَّلَامِ عَلِيٌّ الْجَوْهَرِيُّ (وَصْلٌ) فِي زِيَادَةِ تَوْضِيحِ هَذَا الْفَرْقِ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى كُلُّ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِوَصْفِ الْإِمَامَةِ الَّذِي هُوَ التَّنْفِيذُ لَا عَلَى وَجْهِ فَصْلِ الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَامِ وَالْإِمْضَاءِ كَبَعْثِ الْجُيُوشِ لِقِتَالِ الْكُفَّارِ وَالْخَوَارِجِ وَمَنْ تَعَيَّنَ قِتَالُهُ وَصَرْفِ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ فِي جِهَاتِهَا وَجَمْعِهَا مِنْ مَحَالِّهَا وَتَوْلِيَةِ الْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ الْعَامَّةِ وَقِسْمَةِ الْغَنَائِمِ وَعَقْدُ الْعُهُودِ لِلْكُفَّارِ ذِمَّةً وَصُلْحًا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ اقْتِدَاءً بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلِأَنَّ سَبَبَ تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِوَصْفِ الْإِمَامَةِ دُونَ وَصْفِ التَّبْلِيغِ الَّذِي هُوَ التَّعْرِيفُ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَكُلُّ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِوَصْفِ الْقَضَاءِ الَّذِي هُوَ التَّنْفِيذُ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَامِ وَالْإِمْضَاءِ كَفَصْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي دَعَاوَى الْأَمْوَالِ وَأَحْكَامِ الْأَبَدَانِ وَنَحْوِهَا بِالْبَيِّنَاتِ أَوْ الْأَيْمَانِ وَالنُّكُولَاتِ وَنَحْوِهَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّ السَّبَبَ الَّذِي لِأَجْلِهِ تَصَرَّفَ فِيهِ

(الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) بَعْثُ الْجُيُوشِ لِقِتَالِ الْكُفَّارِ وَالْخَوَارِجِ وَمَنْ تَعَيَّنَ قِتَالُهُ وَصَرْفُ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ فِي جِهَاتِهَا وَجَمْعُهَا مِنْ مَحَالِّهَا وَتَوْلِيَةُ الْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ الْعَامَّةَ وَقِسْمَةُ الْغَنَائِمِ وَعَقْدُ الْعُهُودِ لِلْكُفَّارِ ذِمَّةً وَصُلْحًا هَذَا هُوَ شَأْنُ الْخَلِيفَةِ وَالْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَمَتَى فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَرِيقِ الْإِمَامَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَمَتَى فَصَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي دَعَاوَى الْأَمْوَالِ أَوْ أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ وَنَحْوِهَا بِالْبَيِّنَاتِ أَوْ الْإِيمَانِ وَالنُّكُولَاتِ وَنَحْوِهَا فَنَعْلَمُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا تَصَرَّفَ فِي ذَلِكَ بِالْقَضَاءِ دُونَ الْإِمَامَةِ الْعَامَّةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ هَذَا شَأْنَ الْقَضَاءُ وَالْقُضَاةِ وَكُلُّ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعِبَادَاتِ بِقَوْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهِ أَوْ أَجَابَ بِهِ سُؤَالَ سَائِلٍ عَنْ أَمْرٍ دِينِيٍّ فَأَجَابَهُ فِيهِ فَهَذَا تَصَرُّفٌ بِالْفَتْوَى وَالتَّبْلِيغِ فَهَذَا الْمَوَاطِنُ لَا خَفَاءَ فِيهَا وَأَمَّا مَوَاضِعُ الْخَفَاءِ وَالتَّرَدُّدِ فَفِي بَقِيَّةِ الْمَسَائِلِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي هَذَا الْقَوْلِ هَلْ تُصْرَفُ بِالْفَتْوَى فَيَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُحْيِيَ إذْنَ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ الْإِحْيَاءِ أَمْ لَا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَوْ هُوَ تَصَرُّفٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْإِمَامَةِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْيِيَ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا تَفْرِقَةُ مَالِكٍ بَيْنَ مَا قَرُبَ مِنْ الْعِمَارَةِ فَلَا يُحْيَا إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَبَيْنَ مَا بَعُدَ فَيَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ بَلْ مِنْ قَاعِدَةٍ أُخْرَى ـــــــــــــــــــــــــــــSالْإِمَامَةُ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَذَلِكَ هُوَ الْقَاضِي وَتَصَرُّفُهُ هُوَ الْقَضَاءُ قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قُلْت التَّقْسِيمُ الَّذِي ذَكَرْته قَدْ أَتَى عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِيهَا مَعَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ يُعْطِي ذَلِكَ الْمَعْنَى لَكِنَّ مَا ذَكَرْته مِنْ التَّقْسِيمِ أَمَسُّ بِالتَّحْرِيرِ وَأَقْرَبُ إلَى الْإِيضَاحِ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إلَى آخِرِهَا) قُلْت مَا قَالَهُ فِيهَا ظَاهِرٌ وَمَا رَجَحَ بِهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَاجِحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ بَعْدُ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَصْفِ الْقَضَاءِ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَكُلُّ مَا قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ فَعَلَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّبْلِيغِ وَالْفَتْوَى الَّذِي هُوَ التَّعْرِيفُ لَا عَلَى وَجْهِ كَوْنِهِ الْمُبَلِّغَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى كَتَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعِبَادَاتِ بِقَوْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهِ أَوْ أَجَابَ بِهِ سُؤَالَ سَائِلٍ عَنْ أَمْرٍ دِينِيٍّ فَأَجَابَهُ فِيهِ يَكُونُ حُكْمًا عَامًّا عَلَى الثِّقْلَيْنِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ أَقْدَمَ عَلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ بِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ الْمُبَاحُ وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ اجْتَنَبَهُ كُلُّ أَحَدٍ بِنَفْسِهِ وَهَذِهِ الْمَوَاطِنُ لَا خَفَاءَ فِيهَا وَأَمَّا مَوَاضِعُ الْخَفَاءِ وَالتَّرَدُّدِ فَفِي بَقِيَّةِ الْمَسَائِلِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِي كَوْنِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» تَصَرُّفًا بِالْفَتْوَى فَيَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُحْيِيَ إذْنَ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ الْإِحْيَاءِ أَمْ لَا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَهُوَ الرَّاجِحُ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي تَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفُتْيَا وَالتَّبْلِيغُ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ إضَافَةَ الدَّائِرِ بَيْنَ الْغَالِبِ وَالنَّادِرِ إلَى الْغَالِبِ أَوْلَى أَوْ كَوْنِهِ تَصَرُّفًا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْإِمَامَةِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْيِيَ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ تَفْرِقَةَ مَالِكٍ بَيْنَ مَا قَرُبَ مِنْ الْعِمَارَةِ فَلَا يُحْيَا إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَبَيْنَ مَا بَعُدَ فَيَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَلْ هُوَ مِنْ قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الْعِمْرَانِ يُؤَدِّي إلَى التَّشَاجُرِ وَالْفِتَنِ وَإِدْخَالِ الضَّرَرِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نَظَرِ الْأَئِمَّةِ دَفْعًا لِذَلِكَ الْمُتَوَقَّعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَا بَعُدَ مِنْ ذَلِكَ لَا يُتَوَقَّعُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَيَجُوزُ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَوْنِ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ لَمَّا قَالَتْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يُعْطِينِي وَوَلَدِي مَا يَكْفِينِي. مَا نَصُّهُ: خُذِي لَك وَلِوَلَدِك مَا يَكْفِيك بِالْمَعْرُوفِ» تَصَرُّفًا بِطَرِيقِ الْفَتْوَى فَيَجُوزُ لِكُلِّ مَنْ ظَفِرَ بِحَقِّهِ أَوْ بِجِنْسِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِغَيْرِ عِلْمِ خَصْمِهِ بِهِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَوْ كَوْنِهِ تَصَرُّفًا بِالْقَضَاءِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ أَوْ جِنْسَهُ إذَا تَعَذَّرَ أَخْذُهُ مِنْ الْغَرِيمِ إلَّا بِقَضَاءِ قَاضٍ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَحُجَّتُهُ أَنَّهَا دَعْوَى فِي مَالٍ عَلَى مُعَيَّنٍ فَلَا يَدْخُلُهُ إلَّا الْقَضَاءُ لِأَنَّ الْفَتَاوَى شَأْنُهَا الْعُمُومُ وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْحَاضِرِينَ مِنْ غَيْرِ إعْلَامٍ وَلَا سَمَاعِ حُجَّةٍ لَا يَجُوزُ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُ فَتْوَى وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ كَذَا قَالَ الْأَصْلُ وَفِي جَعْلِهِ عَدَمَ جَوَازِ أَخْذِ أَحَدٍ حَقَّهُ أَوْ جِنْسَهُ إذَا تَعَذَّرَ أَخْذُهُ مِنْ الْغَرِيمِ إلَّا بِقَضَاءِ قَاضٍ هُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَإِنْ وَافَقَ ظَاهِرَ قَوْلِ خَلِيلٍ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ وَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهَا لِمَنْ ظَلَمَهُ بِمِثْلِهَا اهـ مُخَالَفَةً لِقَوْلِ خَلِيلٍ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ بَعْدَ هَذَا وَإِنْ قَدَرَ عَلَى شَيْئِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ إنْ يَكُنْ غَيْرَ عُقُوبَةٍ وَأَمِنَ فِتْنَةً وَرَذِيلَةً اهـ قَالَ الْمَوَّاقُ وَحَاصِلُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ يُونُسَ وَابْنِ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيُّ تَرْجِيحُ الْأَخْذِ اهـ. وَفِي مِنَحِ الْجَلِيلِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ عبق وَالْخَرَشِيَّ قَرَّرَا أَنَّ مُرَادَ خَلِيلٍ بِشَيْئِهِ مَا يَشْمَلُ عَيْنَهُ أَوْ غَيْرَ عَيْنِهِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ خَلِيلٍ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ عُقُوبَةٍ لِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُ أَخْذُ عَيْنِهَا فَلَوْ أَرَادَ خَلِيلٌ بِشَيْئِهِ عَيْنَهُ خَاصَّةً لَمْ يَحْتَجْ لِقَوْلِهِ إنْ يَكُنْ غَيْرَ عُقُوبَةٍ لِعَدَمِ شُمُولِ عَيْنِ شَيْئِهِ لَهَا فَيُحْمَلُ شَيْؤُهُ عَلَى حَقِّهِ الشَّامِلِ لِعَيْنِ شَيْئِهِ وَعِوَضِهِ فَيُحْتَاجُ إلَى إخْرَاجِ الْعُقُوبَةِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْوَدِيعَةَ وَهُوَ

[الفرق بين قاعدة تعليق المسببات على المشيئة وقاعدة تعليق سببية الأسباب على المشيئة]

وَهِيَ أَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الْعِمْرَانِ يُؤَدِّي إلَى التَّشَاجُرِ وَالْفِتَنِ وَإِدْخَالِ الضَّرَرِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نَظَرِ الْأَئِمَّةِ دَفْعًا لِذَلِكَ الْمُتَوَقَّعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَا بَعُدَ مِنْ ذَلِكَ لَا يُتَوَقَّعُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَيَجُوزُ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ أَرْجَحُ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي تَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفُتْيَا وَالتَّبْلِيغُ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الدَّائِرَ بَيْنَ الْغَالِبِ وَالنَّادِرِ إضَافَتُهُ إلَى الْغَالِبِ أَوْلَى. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ لَمَّا قَالَتْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يُعْطِينِي وَوَلَدِي مَا يَكْفِينِي فَقَالَ لَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خُذِي لَك وَلِوَلَدِك مَا يَكْفِيك بِالْمَعْرُوفِ» اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهَذَا التَّصَرُّفُ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَلْ هُوَ بِطَرِيقِ الْفَتْوَى فَيَجُوزُ لِكُلِّ مَنْ ظَفِرَ بِحَقِّهِ أَوْ بِجِنْسِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِغَيْرِ عِلْمِ خَصْمِهِ بِهِ وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ خِلَافُهُ بَلْ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَوْ هُوَ تَصَرُّفٌ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ جِنْسَ حَقِّهِ أَوْ حَقَّهُ إذَا تَعَذَّرَ أَخْذُهُ مِنْ الْغَرِيمِ إلَّا بِقَضَاءِ قَاضٍ حَكَى الْخَطَّابِيُّ الْقَوْلَيْنِ عَنْ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةُ مَنْ قَالَ إنَّهُ بِالْقَضَاءِ أَنَّهَا دَعْوَى فِي مَالٍ عَلَى مُعَيَّنٍ فَلَا يَدْخُلُهُ إلَّا الْقَضَاءُ لِأَنَّ الْفَتَاوَى شَأْنُهَا الْعُمُومُ وَحَجَّةُ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَتْوَى مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْحَاضِرِينَ مِنْ غَيْرِ إعْلَامٍ وَلَا سَمَاعِ حُجَّةٍ لَا يَجُوزُ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُ فَتْوَى وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هَلْ تَصَرَّفَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِمَامَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ سَلَبَ الْمَقْتُولِ إلَّا ` أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ ذَلِكَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فَخَالَفَ أَصْلَهُ فِيمَا قَالَهُ فِي الْإِحْيَاءِ وَهُوَ أَنَّ غَالِبَ تَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفَتْوَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْفُتْيَا عَمَلًا بِالْغَالِبِ وَسَبَبُ مُخَالَفَتِهِ لِأَصْلِهِ أُمُورٌ مِنْهَا أَنَّ الْغَنِيمَةَ أَصْلُهَا أَنْ تَكُونَ لِلْغَانِمِينَ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] وَإِخْرَاجُ السَّلَبِ مِنْ ذَلِكَ خِلَافُ هَذَا الظَّاهِرِ وَمِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا أَفْسَدَ الْإِخْلَاصَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُعْتَمَدُ وَمَا قَدَّمَهُ فِي بَابِهَا مِنْ قَوْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ إلَخْ ضَعِيفٌ اهـ قَالَ الْبُنَانِيُّ وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وَكَوْنُ مَا قَرَّرَ بِهِ عبق هُوَ الظَّاهِرُ وَمَا قَالَهُ طفى وَصَوَّبَهُ مِنْ حَمْلِ مَا هُنَا عَلَى عَيْنِ شَيْئِهِ إذْ هُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَأَمَّا غَيْرُ عَيْنِ شَيْئِهِ فَفِيهِ أَقْوَالٌ مَشَى فِيهِ خَلِيلٌ مِنْهَا فِيمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمَنْعِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ أَظْهَرَ الْأَقْوَالِ عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ الْإِبَاحَةُ اهـ وَنَقَلَ كَنُونِ عَنْ التَّوْضِيحِ بِاخْتِصَارٍ أَنَّ الدَّعْوَى إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ مَتَاعِهِ وَإِلَّا جَازَ لَهُ أَخْذُهُ أَيْ بِشَرْطَيْهِ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ إلَى الْحَاكِمِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّفْعِ إنَّمَا هُوَ الْوُصُولُ إلَى الْحَقِّ فَإِذَا أَمْكَنَ بِدُونِهِ فَالرَّفْعُ إلَيْهِ عَنَاءٌ وَرُبَّمَا لَمْ يَجِدْ الرَّافِعُ بَيِّنَةً فَيُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ مَالِهِ وَهُوَ ضِدُّ مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ حِفْظِهِ اهـ قَالَ وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ اهـ وَلِلَّهِ دُرُّ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْعَاقِبِ بْنِ مَا يَأْبَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَيْثُ قَالَ إذَا وَجَدَ الْمَظْلُومُ بِالْمَطْلِ قُدْرَةً ... عَلَى أَخْذِ حَقٍّ لَازِمٍ لِمُطَوِّلِ فَأَخَذَ جَمِيعَ الْحَقِّ أَوْ مَا يَنُوبُهُ ... مَعَ الْغَيْرِ مَا عَنْ مَحِلِّهِ مِنْ عُدُولِ بِذَا صَرَّحَ الزَّرْقَانِيُّ قُدِّسَ سِرُّهُ ... وَسَلَّمَهُ الْبُنَانِيُّ حَبْرُ النُّقُولِ وَمَنْ يَدْعُهُ بِاسْمِ الْفُضُولِيِّ بَعْدَمَا ... أُبِيحَ لَهُ ذَا الْأَخْذِ فَهُوَ الْفُضُولِيّ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَوْنِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» تَصَرُّفًا بِالْفَتْوَى عَمَلًا بِالْغَالِبِ مِنْ تَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَسْتَحِلُّ كُلُّ أَحَدٍ سَلَبَ الْمَقْتُولِ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ الْإِمَامُ ذَلِكَ أَوْ كَوْنِهِ تَصَرُّفًا بِالْإِمَامَةِ فَلَا يَسْتَحِلُّ أَحَدٌ سَلَبَ الْمَقْتُولِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ ذَلِكَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ خَالَفَ أَصْلَهُ الَّذِي قَالَهُ فِي الْإِحْيَاءِ وَهُوَ أَنَّ غَالِبَ تَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفَتْوَى نَظَرًا لِأُمُورٍ مِنْهَا أَنَّ الْغَنِيمَةَ أَصْلُهَا أَنْ تَكُونَ لِلْغَانِمِينَ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] وَإِخْرَاجُ السَّلَبِ مِنْ ذَلِكَ خِلَافُ هَذَا الظَّاهِرِ وَمِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا أَفْسَدَ الْإِخْلَاصَ عِنْدَ الْمُجَاهِدِينَ فَيُقَاتِلُونَ لِهَذَا السَّلَبِ دُونَ نَصْرِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَمِنْهَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُقْبِلَ عَلَى قَتْلِ مَنْ لَهُ سَلَبٌ دُونَ غَيْرِهِ فَيَقَعَ التَّخَاذُلُ فِي الْجَيْشِ وَرُبَّمَا كَانَ قَلِيلُ السَّلَبِ أَشَدَّ نِكَايَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلِأَجْلِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ تَرَكَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا الْأَصْلَ هُنَا، فَتَأَمَّلْ هَذَا الْقَانُونَ وَهَذِهِ الْفُرُوقَ لِتُخْرِجَ عَلَيْهِ مَا يَرِدُ عَلَيْك مِنْ هَذَا الْبَابِ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مِنْ الْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَعْلِيقِ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى الْمَشِيئَةِ وَقَاعِدَةِ تَعْلِيقِ سَبَبِيَّةِ الْأَسْبَابِ عَلَى الْمَشِيئَة] (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَعْلِيقِ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى الْمَشِيئَةِ وَقَاعِدَةِ تَعْلِيقِ سَبَبِيَّةِ الْأَسْبَابِ عَلَى الْمَشِيئَةِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُسَبَّبَاتِ هِيَ مَا عُلِّقَ عَلَى مِثْلِ الدُّخُولِ وَالْكَلَامُ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ وَغَيْرِهَا فِي نَحْوِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَعَبْدِي حُرٌّ أَوْ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَعَلَيَّ الْحَجُّ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَحَصَلَ الدُّخُولُ وَالْكَلَامُ وَالْأَسْبَابُ هِيَ نَحْوُ الدُّخُولِ وَالْكَلَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ مِنْ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ فَرَّقُوا فِي الْمَذْهَبِ بَيْنَ أَنْ يُعِيدَ الْمَشِيئَةَ فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلدُّخُولِ أَوْ الْكَلَامِ أَيْ لِجَعْلِهِ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالنَّذْرُ وَغَيْرُهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الدُّخُولَ وَنَحْوَهُ مِنْ أَسْبَابِ الْأَحْكَامِ الَّتِي وَكَّلَهَا اللَّهُ لِخِيرَةِ خَلْقِهِ فَحَيْثُ أَعَادَ الْمَشِيئَةَ لَهُ وَلَمْ يَجْزِمْ بِجَعْلِهِ

[الفرق بين قاعدة النهي الخاص وبين قاعدة النهي العام]

عِنْدَ الْمُجَاهِدِينَ فَيُقَاتِلُونَ لِهَذَا السَّلَبِ دُونَ نَصْرِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُقْبَلَ عَلَى قَتْلِ مَنْ لَهُ سَلَبٌ دُونَ غَيْرِهِ فَيَقَعَ التَّخَاذُلُ فِي الْجَيْشِ وَرُبَّمَا كَانَ قَلِيلُ السَّلَبِ أَشَدَّ نِكَايَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلِأَجْلِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ تُرِكَ هَذَا الْأَصْلُ وَعَلَى هَذَا الْقَانُونِ وَهَذِهِ الْفُرُوقِ يَتَخَرَّجُ مَا يَرِدُ عَلَيْك مِنْ هَذَا الْبَابِ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ الْأُصُولِ الشَّرْعِيَّةِ. (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَعْلِيقِ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى الْمَشِيئَةِ وَقَاعِدَةِ تَعْلِيقِ سَبَبِيَّةِ الْأَسْبَابِ عَلَى الْمَشِيئَةِ) فَالْأَوَّلُ عِنْدَنَا غَيْرُ قَادِحٍ وَلَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى دُونَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهِمَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ مُؤَثِّرٌ فِي الْجَمِيعِ وَفَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَيُعِيدُ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الدُّخُولِ فَلَا يَلْزَمُ الطَّلَاقُ أَوْ عَلَى الطَّلَاقِ فَيَلْزَمُ وَإِذَا قَالَ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَعَلَيَّ الْحَجُّ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إنْ أَعَادَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى كَلَامِ زَيْدٍ وَيَلْزَمُ إنْ أَعَادَهُ عَلَى الْحَجِّ وَبَسْطُ ذَلِكَ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ فَيُطَالَعُ مِنْ هُنَالِكَ مَبْسُوطًا مُسْتَوْفًى مُحَرَّرًا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْجَوْدَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّطْوِيلِ بِإِعَادَتِهِ. (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّهْيِ الْخَاصِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النَّهْيِ الْعَامِّ) هَذَانِ النَّهْيَانِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَنْقَسِمَانِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ أَنْ يَتَضَادَّا وَيَتَنَافَيَا كَقَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَعْلِيقِ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى الْمَشِيئَةِ وَقَاعِدَةِ تَعْلِيقِ سَبَبِيَّةِ الْأَسْبَابِ عَلَى الْمَشِيئَةِ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ) قُلْت أَحَالَ هُنَا عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ فِي ذَلِكَ (قَالَ الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالْأَرْبَعِينَ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْفُرُوقِ كُلِّهَا صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبَبًا لِلطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ نَفَعَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُعِيدَ الْمَشِيئَةَ لِلطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ فَيَلْزَمُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ مِنْ اعْتِبَارِ الشَّكِّ فِي الْعِصْمَةِ وَالْعِتْقِ وَالنَّذْرِ وَنَحْوِهَا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَيَلْزَمُ الْعِتْقُ وَالنَّذْرُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَنَحْوَهُ مِنْ أَسْبَابِ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَمْ يَكِلْهَا اللَّهُ تَعَالَى لِخِيرَةِ خَلْقِهِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهَا عَدَمُ الْجَزْمِ بِجَعْلِهَا أَسْبَابًا لِمُسَبَّبَاتِهَا الشَّرْعِيَّةِ فَافْهَمْ وَبَيَانُ الشَّكِّ هُنَا أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْمَشِيئَةِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ أَيْ حَلُّ الْعِصْمَةِ وَالْعِتْقِ وَالنَّذْرِ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ حَتَّى تُعْلَمَ فِيهِ مَشِيئَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّهُ أَرَادَ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ وَالنَّذْرَ عَلَى التَّعْيِينِ أَمْ لَا وَلَا طَرِيقَ لَنَا إلَى التَّوَصُّلِ إلَى ذَلِكَ فَالْمَشِيئَةُ عِنْدَنَا لَا تُؤَثِّرُ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى دُونَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهِمَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْهُ تُؤَثِّرُ الْمَشِيئَةَ فِي الْجَمِيعِ كَذَا قَالَ الْأَصْلُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا بَسَطَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ مِنْ حَمْلِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنَّ الْمَشِيئَةَ إذَا عَادَتْ لِلْمُسَبِّبَاتِ مِنْ طَلَاقٍ وَغَيْرِهِ لَا تُؤَثِّرُ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ مِنْ اعْتِبَارِ الشَّكِّ فِي الْعِصْمَةِ كَمَا عَلِمْت. وَقَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ بِأَنَّهَا إذَا عَادَتْ لِلْمُسَبِّبَاتِ مِنْ طَلَاقٍ وَغَيْرِهِ أَثَّرَتْ فِيهَا كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ مِنْ إلْغَاءِ الشَّكِّ فِي الْعِصْمَةِ وَالْعِتْقِ وَالنَّذْرِ وَغَيْرِهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ وَحَمْلِ قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بِأَنَّهَا إذَا عَادَتْ لِنَحْوِ الدُّخُولِ وَالْكَلَامِ لَا تَنْفَعُهُ أَوْ تَنْفَعُهُ عَلَى الْوِفَاقِ مُطْلَقًا وَلَوْ احْتَمَلَ الْمِثَالُ رُجُوعَهُ لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَادَّعَاهُ مَعَ الْبَيِّنَةِ بِأَنْ يُوَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ جَزَمَ بِجَعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ الِاسْتِثْنَاءُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَوْ لَمْ يَجْزِمْ بِجَعْلِهِ سَبَبًا نَفَعَهُ كَمَا قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إذْ الْفِعْلُ مِنْ أَسْبَابِ الْأَحْكَامِ الَّتِي وَكَّلَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِخِيرَةِ خَلْقِهِ وَهُوَ خِلَافُ التَّحْقِيقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ وَبَيَانُ مَا هُوَ التَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ الْفَرْقِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّطْوِيلِ بِإِعَادَتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّهْيِ الْخَاصِّ وَبَيْنَ قَاعِدَة النَّهْيِ الْعَام] (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّهْيِ الْخَاصِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النَّهْيِ الْعَامِّ) حَيْثُ اُعْتُبِرَ وَتَقْدِيمُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَابْتِنَاءُ الْخَاصِّ عَلَيْهِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ حَالَةُ عَدَمِ تَنَافِيهِمَا وَلَا مُنَاسَبَةَ لِأَحَدِهِمَا يَخْتَصُّ بِهَا دُونَ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151] لَا تَقْتُلُوا الرِّجَالَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ مِنْ قَاعِدَةِ ذِكْرِ بَعْضِ الْعَامِّ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُخَصِّصُهُ كَانَ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا أَوْ خَبَرًا فَإِنَّ جُزْءَ الشَّيْءِ لَا يُنَافِيهِ فَلِذَا قَالُوا إنَّ الْمِثَالَ لَا يُخَصِّصُ الْقَاعِدَةَ وَقِيلَ عَلَى شُذُوذٍ أَنَّهُ يُخَصِّصُهُ مِنْ طَرِيقِ الْمَفْهُومِ فَإِنَّ ذِكْرَ الرِّجَالِ يَقْتَضِي مَفْهُومَهُ قَتْلَ غَيْرِهِمْ وَاعْتَبَرُوا تَقْدِيمَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَابْتِنَاءَ الْعَامِّ عَلَيْهِ فِي حَالَتَيْنِ أَحَدُهُمَا تَنَافِيهِمَا فِي نَحْوِ قَوْلِهِ لَا تَقْتُلُوا بَنِي تَمِيمٍ لَا تُبْقُوا مِنْ رِجَالِهِمْ أَحَدًا حَيًّا فَحَكَمُوا بِقَتْلِ رِجَالِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي تَقْدِيمِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ فِي النُّصُوصِ الْمُتَعَارِضَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَدِلَّةِ وَثَانِيهِمَا عَدَمُ تَنَافِيهِمَا وَلِأَحَدِهِمَا مُنَاسَبَةٌ تَخُصُّهُ فِي مُتَعَلِّقِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ النَّهْيَ الْخَاصَّ بِالْحَالَةِ الْمُعَيَّنَةِ أَقْوَى مِمَّا هُوَ عَامٌّ لَا يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِ تِلْكَ الْحَالَةِ فَيُقَدَّمُ فِي الِاجْتِنَابِ عَلَى الْعَامِّ وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ ثَلَاثُ مَسَائِلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إذَا اضْطَرَّ الْمُحْرِمُ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ الْمُحَرَّمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ أَوْ الصَّيْدِ الْمُحَرَّمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] قَالَ مَالِكٌ يَأْكُلُ

لَا تَقْتُلُوا بَنِي تَمِيمٍ لَا تُبْقُوا مِنْ رِجَالِهِمْ أَحَدًا حَيًّا فَحُكْمُ هَذَا الْقِسْمِ أَنْ يُقَدَّمَ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ وَيُبْتَنَى الْعَامُّ عَلَيْهِ فَيُقْتَلُ رِجَالُهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي تَقْدِيمِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ فِي النُّصُوصِ الْمُتَعَارِضَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَدِلَّةِ الْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ لَا يَتَضَادَّا وَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا مُنَاسَبَةٌ يَخْتَصُّ بِهَا دُونَ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151] لَا تَقْتُلُوا الرِّجَالَ فَهَذَانِ مِنْ قَاعِدَةِ ذِكْرِ بَعْضِ الْعَامِّ الصَّحِيحِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُخَصِّصُهُ كَانَ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا أَوْ خَبَرًا فَإِنَّ جُزْءَ الشَّيْءِ لَا يُنَافِيهِ وَقِيلَ عَلَى الشُّذُوذِ أَنَّهُ يُخَصِّصُهُ مِنْ طَرِيقِ الْمَفْهُومِ فَإِنَّ ذِكْرَ الرِّجَالِ يَقْتَضِي مَفْهُومَهُ قَتْلَ غَيْرِهِمْ الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ لَا يَتَنَافَيَا وَيَكُونُ لِأَحَدِهِمَا مُنَاسَبَةٌ تَخُصُّهُ فِي مُتَعَلِّقِهِ وَفِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وقَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] فَيَضْطَرُّ الْمُحْرِمُ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ الصَّيْدِ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَيَتْرُكُ الصَّيْدَ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا إلَّا أَنَّ تَحْرِيمَ الصَّيْدِ لَهُ مُنَاسَبَةٌ بِالْإِحْرَامِ وَمَفْسَدَتُهُ الَّتِي اعْتَمَدَهَا النَّهْيُ إنَّمَا هِيَ فِي الْإِحْرَامِ وَأَمَّا مَفْسَدَةُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَذَلِكَ أَمْرٌ عَامٌّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِخُصُوصِ الْإِحْرَامِ وَالْمُنَاسِبُ إذَا كَانَ لِأَمْرٍ عَامٍّ وَهُوَ كَوْنُهَا مَيْتَةً لَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خُصُوصِ الْإِحْرَامِ مُنَافَاةٌ وَلَا تَعَلُّقَ وَالْمُنَافِي الْأَخَصُّ أَوْلَى بِالِاجْتِنَابِ وَنَظِيرُهُ مِنْ الْعُرْفِيَّاتِ مَنْ هُوَ عَدُوٌّ لِقَبِيلَتِك أَوْ مِلَّتِك وَآخَرُ عَدُوٌّ لَك فِي نَفْسِك دُونَ غَيْرِك فَإِنَّ حَذَرَك يَكُونُ مِنْ عَدُوِّك الْخَاصِّ بِك أَشَدَّ، وَاجْتِنَابَك لَهُ أَكْثَرُ وَأَلْيَقُ بِك، إنَّ تَسَلُّطَهُ عَلَيْك أَعْظَمُ وَأَمَّا عَدُوُّ مِلَّتِك فَإِنَّهُ لَا يُلَاحِظُ خُصُوصَك فِي عَدَاوَتِهِ بَلْ رُبَّمَا مَالَ إلَيْك دُونَ أَهْلِ مِلَّتِك لِأَمْرٍ يَجِدُهُ فِيك دُونَهُمْ وَأَمَّا عَدُوُّك فَلَوْ تَرَكَ النَّاسَ كُلَّهُمْ مَا تَرَكَك وَكَذَلِكَ غَرِيمٌ لَا يُطَالِبُ إلَّا أَنْتَ وَغَرِيمٌ يُطَالِبُ جَمَاعَةً أَنْتَ مِنْهُمْ تَجِدُ فِي نَفْسِك الْمِلْكَ مِنْ الْمُطَالِبِ لَك وَحْدَك أَشَدَّ وَكَذَلِكَ هَذِهِ الْمَفَاسِدُ الشَّرْعِيَّةُ الْخَاصُّ مِنْهَا يَكُونُ أَشَدَّ اجْتِنَابًا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا لَمْ يَجِدْ الْمُصَلِّي مَا يَسْتُرُهُ إلَّا حَرِيرًا أَوْ نَجِسًا قَالَ أَصْحَابُنَا يُصَلِّي فِي الْحَرِيرِ وَيَتْرُكُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَيْتَةَ وَيَتْرُكُ الصَّيْدَ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا إلَّا أَنَّ تَحْرِيمَ الصَّيْدِ لَهُ مُنَاسَبَةٌ بِالْإِحْرَامِ وَمَفْسَدَتُهُ الَّتِي اعْتَمَدَهَا النَّهْيُ إنَّمَا هِيَ فِي الْإِحْرَامِ وَأَمَّا مَفْسَدَةُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَأَمْرٌ عَامٌّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِخُصُوصِ الْإِحْرَامِ وَهُوَ كَوْنُهَا مَيْتَةً فَلَا يَكُونُ بَيْنَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَبَيْنَ خُصُوصِ الْإِحْرَامِ مُنَافَاةٌ وَلَا تَعَلُّقٌ وَالْمُنَافِي الْأَخَصُّ أَوْلَى بِالِاجْتِنَابِ أَلَا تَرَى أَنَّ حَذَرَك مِنْ عَدُوٍّ لَك فِي نَفْسِك دُونَ غَيْرِك أَشَدُّ مِنْ حَذَرِك مِنْ الْعَدُوِّ لِقَبِيلَتِك أَوْ مِلَّتِك فَاجْتِنَابُك لَهُ أَكْثَرُ وَأَلْيَقُ بِك فَإِنَّ تَسَلُّطَهُ عَلَيْك أَعْظَمُ لِأَنَّ عَدُوَّك الْخَاصَّ بِك لَوْ تَرَكَ النَّاسَ كُلَّهُمْ مَا تَرَكَك وَأَمَّا عَدُوُّ مِلَّتِك أَوْ قَبِيلَتِك لَا يُلَاحِظُ خُصُوصَك فِي عَدَاوَتِهِ بَلْ رُبَّمَا مَالَ إلَيْك دُونَ أَهْلِ مِلَّتِك أَوْ أَهْلِ قَبِيلَتِك لِأَمْرٍ يَجِدُهُ فِيك دُونَهُمْ وَإِنَّ أَلَمَك الَّذِي تَجِدُهُ فِي نَفْسِك مِنْ الْغَرِيمِ الَّذِي لَا يُطَالِبُ إلَّا أَنْتَ أَشَدُّ مِنْ أَلَمِك مِنْ الْغَرِيمِ الْمُطَالِبِ لِجَمَاعَةٍ أَنْتَ مِنْهُمْ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا لَمْ يَجِدْ الْمُصَلِّي مَا يَسْتُرُهُ إلَّا حَرِيرًا أَوْ نَجِسًا يُصَلِّي فِي الْحَرِيرِ وَيَتْرُكُ النَّجِسَ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ النَّجَاسَةِ خَاصَّةٌ بِالصَّلَاةِ وَمَفْسَدَةُ الْحَرِيرِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِخُصُوصِ الصَّلَاةِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمَفْسَدَةَ وَالْمُسَاقَاةَ وَإِنْ كَانَتْ حَاصِلَةً إلَّا أَنَّهَا لِأَمْرٍ عَامٍّ يَتَعَلَّقُ بِحَقِيقَةِ الْحَرِيرِ لَا بِخُصُوصِ الصَّلَاةِ وَقَاعِدَةُ دَفْعِ الْمَفْسَدَةِ الْعُلْيَا بِالْتِزَامِ الْمَفْسَدَةِ الدُّنْيَا إذَا تَعَارَضَتَا كَمَا تُقْطَعُ الْيَدُ الْمُتَآكِلَةُ لِبَقَاءِ النَّفْسِ لِأَنَّ مَفْسَدَتَهَا أَعْظَمُ وَأَشْمَلُ وَكُلَّمَا كَانَتْ مَفْسَدَةُ الشَّيْءِ تَثْبُتُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَمَفْسَدَةُ غَيْرِهِ لَا تَثْبُتُ إلَّا فِي حَالَةٍ كَانَ اعْتِنَاءُ صَاحِبِ الشَّرْعِ بِمَا تَعُمُّ مَفْسَدَتُهُ جَمِيعَ الْأَحْوَالِ أَقْوَى وَمَفْسَدَتُهُ أَعْظَمُ مَحَلِّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَفْسَدَةُ الدُّنْيَا لَهَا تَعَلُّقٌ بِخُصُوصِ الْحَالِ بِأَنْ تَكُونَ فِي تِلْكَ الْحَقَائِقِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ أَمَّا إذَا كَانَ لَهَا تَعَلُّقٌ بِخُصُوصِ الْحَالِ كَمَا هُنَا فَيَمْتَنِعُ تَقْدِيمُ الْأَعَمِّ وَالْأَشْمَلِ عَلَيْهَا فَافْهَمْ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ رَامَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ دَفْعَ إشْكَالَ الْمَسْأَلَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ لِرَبِّ الدَّابَّةِ أَنْ يُضَمِّنَ الدَّابَّةَ مَنْ تَجَاوَزَ بِهَا الْبَلَدَ الْمُعَيَّنَ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا إلَيْهِ مُتَعَدِّيًا وَإِنْ رَدَّهَا سَالِمَةً وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهَا الْغَاصِبَ إذَا تَعَدَّى بِالْغَصْبِ فِيهَا وَرَدَهَا سَالِمَةً الْمُصَوَّرُ بِأَنَّ غَايَةَ هَذَا التَّعَدِّي أَنْ يَكُونَ كَالْغَاصِبِ لَا يَضْمَنُ إذَا رَدَّهَا سَالِمَةً فَخَرَّجَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَعْنِي قَاعِدَةَ أَنَّ النَّهْيَ الْخَاصَّ بِالْحَالَةِ الْمُعَيَّنَةِ أَقْوَى مِمَّا هُوَ عَامٌّ لَا يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِ تِلْكَ الْحَالَةِ بِأَنْ قَالَ النَّهْيُ عَنْ الْغَصْبِ نَهْيٌ عَامٌّ لَا يَخْتَصُّ بِحَالَةٍ وَلَا بِعَيْنٍ دُونَ عَيْنٍ وَوُجِدَ فِي هَذَا الْمُتَعَدِّي نَهْيٌ خَاصٌّ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ لِأَنَّهُ لَمَّا آجَرَهُ إلَى الْغَايَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَحَدَّدَ لَهُ الْغَايَةَ فَقَدْ نَهَاهُ أَنْ يُجَاوِزَهَا فَالزَّائِدُ عَلَى هَذِهِ الْغَايَةِ فِيهِ نَهْيٌ يَخُصُّهُ وَيَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِ هَذِهِ الدَّابَّةِ دُونَ غَيْرِهَا وَبِهَذِهِ الْغَايَةِ دُونَ غَيْرِهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَضْمِينِ الْغَاصِبِ مَعَ رَدِّهَا سَالِمَةً أَنْ لَا يُضَمِّنَ الْمُتَعَدِّيَ مَعَ ذَلِكَ لِقُوَّةِ النَّهْيِ فِي حَقِّهِ بِمُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ الْمَارَّةِ وَفِي هَذَا التَّخْرِيجِ نَظَرٌ مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ إنَّمَا هِيَ فِي التَّعَارُضِ وَلَمْ يَقَعْ هَاهُنَا تَعَارُضٌ إذْ لَمْ يَجْتَمِعْ نَهْيُ الْغَصْبِ وَنَهْيُ التَّعَدِّي حَتَّى يُقَدَّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بَلْ انْفَرَدَ نَهْيُ التَّعَدِّي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ النَّهْيَ الْخَاصَّ هَاهُنَا نَهْيُ آدَمِيٍّ وَالنَّهْيُ الْعَامُّ نَهْيُ اللَّهِ تَعَالَى فَكَيْفَ يُرَجَّحُ نَهْيُ الْآدَمِيِّ لِخُصُوصِهِ عَلَى نَهْيِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ عُمُومِهِ وَالشَّرَائِعُ إنَّمَا تَنْبَنِي عَلَى نَهْيِ

[الفرق بين قاعدة الزواجر وبين قاعدة الجوابر]

النَّجِسَ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ النَّجَاسَةِ خَاصَّةٌ بِالصَّلَاةِ بِخِلَافِ مَفْسَدَةِ الْحَرِيرِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِخُصُوصِ الصَّلَاةِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَتْ الْمَفْسَدَةُ وَالْمُنَافَاةُ حَاصِلَةً لَكِنْ لِأَمْرٍ عَامٍّ يَتَعَلَّقُ بِحَقِيقَةِ الْحَرِيرِ لَا بِخُصُوصِ الصَّلَاةِ فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَتْ مَفْسَدَةُ الشَّيْءِ تَثْبُتُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَمَفْسَدَةُ غَيْرِهِ لَا تَثْبُتُ إلَّا فِي حَالَةٍ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اعْتِنَاءَ صَاحِبِ الشَّرْعِ بِمَا تَعُمُّ مَفْسَدَتُهُ جَمِيعَ الْأَحْوَالِ أَقْوَى وَأَنَّ الْمَفْسَدَةَ أَعْظَمُ وَالْقَاعِدَةُ إذَا تَعَارَضَتْ الْمَفْسَدَةُ الدُّنْيَا وَالْمَفْسَدَةُ الْعُلْيَا فَإِنَّا نَدْفَعُ الْعُلْيَا بِالْتِزَامِ الدُّنْيَا كَمَا نَقْطَعُ الْيَدَ الْمُتَآكِلَةَ لِبَقَاءِ النَّفْسِ لِأَنَّ مَفْسَدَتَهَا أَعْظَمُ وَأَشْمَلُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا مَفْسَدَةُ الْحَرِيرِ أَعْظَمُ وَأَشْمَلُ فَكَانَ اجْتِنَابُهُ أَوْلَى مِنْ اجْتِنَابِ النَّجِسِ قُلْت نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَفْسَدَةَ إذَا كَانَتْ أَعْظَمَ وَأَشْمَلَ تَكُونُ أَوْلَى بِالِاجْتِنَابِ لَكِنَّ ذَلِكَ حَيْثُ تَكُونُ الْمَفْسَدَةُ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِخُصُوصِ الْحَالِ بَلْ هِيَ فِي تِلْكَ الْحَقَائِقِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ أَمَّا إذَا كَانَ لَهَا تَعَلُّقٌ بِخُصُوصِ الْحَالِ فَنَمْنَعُ تَقْدِيمَ الْأَعَمِّ وَالْأَشْمَلِ عَلَيْهَا. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ مَسْأَلَةٌ مُشْكِلَةٌ وَهِيَ أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ فَتَجَاوَزَ بِهَا تِلْكَ الْبَلْدَةَ مُتَعَدِّيًا فَإِنَّ لِرَبِّهَا تَضْمِينَهُ الدَّابَّةَ وَإِنْ رَدَّهَا سَالِمَةً وَالْغَاصِبُ إذَا تَعَدَّى بِالْغَصْبِ فِي الدَّابَّةِ وَرَدَّهَا سَالِمَةً لَا يَكُونُ لِرَبِّهَا تَضْمِينَهُ إجْمَاعًا وَغَايَةُ هَذَا الْمُتَعَدِّي أَنْ يَكُونَ كَالْغَاصِبِ وَالْغَاصِبُ إذَا رَدَّ الْمَغْصُوبَ لَا يَضْمَنُ فَكَذَلِكَ هَذَا الْمُتَعَدِّي وَرَامَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ تَخْرِيجَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بِأَنْ قَالَ النَّهْيُ عَنْ الْغَصْبِ نَهْيٌ عَامٌّ لَا يَخْتَصُّ بِحَالَةٍ وَلَا بِعَيْنٍ دُونَ عَيْنٍ وَهَاهُنَا فِي هَذَا الْمُتَعَدِّي وُجِدَ نَهْيٌ خَاصٌّ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ لِأَنَّهُ لَمَّا آجَرَهُ إلَى الْغَايَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَحَدَّدَ لَهُ الْغَايَةَ فَقَدْ نَهَاهُ أَنْ يُجَاوِزَهَا فَالزَّائِدُ عَلَى هَذِهِ الْغَايَةِ فِيهِ نَهْيٌ يَخُصُّهُ وَيَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِ هَذِهِ الدَّابَّةِ دُونَ غَيْرِهَا وَبِهَذِهِ الْغَايَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ النَّهْيَ الْخَاصَّ بِالْحَالَةِ الْمُعَيَّنَةِ أَقْوَى مِمَّا هُوَ عَامٌّ لَا يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِ تِلْكَ الْحَالَةِ فَهَذَا فَرْقٌ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَالْمُتَعَدِّي فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَضْمِينِ الْغَاصِبِ مَعَ الرَّدِّ أَنْ لَا يَضْمَنَ الْمُتَعَدِّي مَعَ الرَّدِّ لِقُوَّةِ النَّهْيِ فِي حَقِّهِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَسْئِلَةٌ أَحَدُهَا أَنَّ الْقَاعِدَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرِهِ وَنَهْيِ الْعَبْدِ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فِي غَايَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ فِي حَالَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَإِنْ صَحِبَهُ نَهْيُ اللَّهِ تَعَالَى فِي تِلْكَ الْغَايَةِ وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ كَمَا هُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ» فَاسْتَثْنَى حَالَةَ الطِّيبِ عَنْ النَّهْيِ الْعَامِّ وَبَقِيَ مَا عَدَا حَالَةَ طِيبِ النَّفْسِ مُنْدَرِجًا تَحْتَ النَّهْيِ الْعَامِّ إلَّا أَنَّ نَهْيَ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ الْغَايَةِ هُوَ عَيْنُ نَهْيِ الْغَصْبِ الَّذِي هُوَ النَّهْيُ الْعَامُّ وَهَذِهِ صُورَةٌ مِنْ صُورَةٍ فَتَخَيُّلُ تَعَارُضِ نَهْيَيْنِ شَرْعِيَّيْنِ بَاطِلٌ فَافْهَمْ الْوَجْهُ الثَّالِثُ إنَّا إذَا قِسْنَا تَرْكَ الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى تَرْكِ الضَّمَانِ فِي صُورَةِ الْغَصْبِ كَانَ الْقِيَاسُ صَحِيحًا سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ وَلَوْ قِسْنَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ الْحَرِيرَ عَلَى النَّجِسِ أَوْ الْمَيْتَةَ عَلَى الصَّيْدِ فَتَرَكَ الْجَمِيعَ أَدَّى ذَلِكَ إلَى هَلَاكِ الْمُحْرِمِ بِالْجُوعِ وَبَقَاءِ الْمُصَلِّي عُرْيَانًا وَهَذِهِ مَفْسَدَةٌ تُعَارِضُنَا فِي قِيَاسِنَا وَتَمْنَعُ مِنْهُ فَكَيْفَ نُسَوِّي بَيْنَ مَوْضِعٍ لَا مُعَارِضَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ وَبَيْنَ مَوْضِعٍ لِلْقِيَاسِ فِيهِ مُعَارِضٌ أَقْوَى مِنْهُ أَوْ قَادِحٌ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الزَّوَاجِرِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْجَوَابِر] (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الزَّوَاجِرِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْجَوَابِرِ) وَتَحْرِيرُ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ الْعَظِيمَتَيْنِ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا مِنْ وُجُوهٍ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّ الزَّوَاجِرَ مَشْرُوعَةٌ لِدَرْءِ الْمَفَاسِدِ الْمُتَوَقَّعَةِ وَالْجَوَابِرُ مَشْرُوعَةٌ لِاسْتِدْرَاكِ الْمَصَالِحِ الْفَائِتَةِ الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ مُعْظَمَ الزَّوَاجِرِ عَلَى الْعُصَاةِ زَجْرًا لَهُمْ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَزَجْرًا لِمَنْ يَقْدُمُ بَعْدَهُمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَقَدْ تَكُونُ مَعَ عَدَمِ الْعِصْيَانِ كَمَا فِي الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ فَإِنَّا نَزْجُرُهُمْ وَنُؤَدِّبُهُمْ لَا لِعِصْيَانِهِمْ بَلْ لِدَرْءِ مَفَاسِدِهِمْ وَاسْتِصْلَاحِهِمْ وَكَمَا فِي الْبَهَائِمِ وَكَقِتَالِ الْبُغَاةِ دَرْءًا لِتَفْرِيقِ الْكَلِمَةِ مَعَ عَدَمِ التَّأْثِيمِ لِأَنَّهُمْ مُتَأَوِّلُونَ وَمُعْظَمُ الْجَوَابِرِ عَلَى مَنْ لَا يَكُونُ آثِمًا فَقَدْ شَرَعَ الْجَابِرَ مَعَ الْعَمْدِ وَالْجَهْلِ وَالْعِلْمِ وَالنِّسْيَانِ وَالذِّكْرِ وَعَلَى الْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ مُعْظَمَ الزَّوَاجِرِ إمَّا حُدُودٌ مُقَدَّرَةٌ وَإِمَّا تَعْزِيرَاتٌ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ فَهِيَ لَيْسَتْ فِعْلًا لِلْمَزْجُورِينَ بَلْ يَفْعَلُهَا الْأَئِمَّةُ بِهِمْ وَإِنَّمَا الْجَوَابِرُ فِعْلٌ لِمَنْ خُوطِبَ بِهَا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي بَعْضِ الْكَفَّارَاتِ هَلْ هِيَ زَوَاجِرُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَشَاقِّ تَحَمُّلِ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا أَوْ هِيَ جَوَابِرُ لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ لَا تَصِحُّ إلَّا بِنِيَّاتٍ وَلَيْسَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى زَاجِرًا بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَاتِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ قُرُبَاتٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِعْلًا لِلْمَزْجُورِينَ كَمَا عَلِمْت الْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنَّ الْجَوَابِرَ تَقَعُ فِي النُّفُوسِ وَالْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعُ الْأَعْضَاءِ وَالْجِرَاحِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْأَمْوَالِ وَالْمَنَافِعِ بِخِلَافِ الزَّوَاجِرِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَقَعُ فِي الْجِنَايَاتِ وَالْمُخَالَفَاتِ فَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِابْنِ رُشْدٍ وَالْجِنَايَاتُ الَّتِي لَهَا حُدُودٌ مَشْرُوعَةٌ خَمْسٌ أَحَدُهَا جِنَايَاتٌ عَلَى الْأَبْدَانِ أَوْ النُّفُوسِ وَالْأَعْضَاءِ وَهُوَ الْمُسَمَّى قَتْلًا وَجُرْحًا وَثَانِيهَا جِنَايَاتٌ عَلَى الْفُرُوجِ وَهُوَ الْمُسَمَّى زِنًا وَسِفَاحًا وَثَالِثُهَا جِنَايَاتٌ عَلَى الْأَمْوَالِ وَهَذِهِ مَا كَانَ مِنْهَا مَأْخُوذًا بِحِرَابٍ سُمِّيَ حِرَابَةً إذَا كَانَ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ وَإِنْ كَانَ بِتَأْوِيلٍ سُمِّيَ بَغْيًا وَمَا كَانَ مِنْهَا مَأْخُوذًا عَلَى وَجْهِ الْمُعَافَصَةِ مِنْ حِرْزٍ يُسَمَّى سَرِقَةً وَمَا كَانَ مِنْهَا مَأْخُوذًا بِعُلُوِّ مَرْتَبَةٍ وَقُوَّةِ سُلْطَانٍ سُمِّيَ غَصْبًا وَرَابِعُهَا جِنَايَةٌ عَلَى الْأَعْرَاضِ وَهِيَ الْمُسَمَّى قَذْفًا وَخَامِسُهَا جِنَايَاتٌ بِالتَّعَدِّي عَلَى اسْتِبَاحَةِ مَا حَرَّمَهُ الشَّرْعُ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَهَذِهِ إنَّمَا يُوجَدُ فِيهَا حَدٌّ فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ فِي الْخَمْرِ فَقَطْ وَهُوَ حَدٌّ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَعْدَ صَاحِبِ الشَّرْعِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - اهـ

إنَّمَا هِيَ فِي التَّعَارُضِ وَلَمْ يَقَعْ هَاهُنَا تَعَارُضٌ فَلَمْ يَجْتَمِعْ نَهْيُ الْغَصْبِ وَنَهْيُ التَّعَدِّي وَقَدَّمَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ بَلْ انْفَرَدَ نَهْيُ الْمُتَعَدِّي وَحْدَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَثَانِيهَا أَنَّ النَّهْيَ الْخَاصَّ هَاهُنَا نَهْيُ آدَمِيٍّ وَالنَّهْيُ الْعَامُّ نَهْيُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُرَجَّحُ نَهْيُ الْآدَمِيِّ لِخُصُوصِهِ عَلَى نَهْيِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ عُمُومِهِ بَلْ لَا اعْتِبَارَ بِنَهْيِ الْعَبْدِ أَصْلًا وَإِنَّمَا تَنْبَنِي الشَّرَائِعُ عَلَى نَهْيِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْرِهِ. فَإِنْ قُلْت إذَا نُهِيَ الْعَبْدُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فِي غَايَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ فِي حَالَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَإِنَّ نَهْيَ اللَّهِ يَصْحَبُهُ فِي تِلْكَ الْغَايَةِ وَفِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَنَحْنُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا رَجَّحْنَا بَيْنَ نَهْيَيْنِ لِلَّهِ تَعَالَى أَحَدُهُمَا خَاصٌّ وَالْآخَرُ عَامٌّ قُلْت هَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ وَلَكِنَّ النَّهْيَ الَّذِي صَحِبَ نَهْيَ الْعَبْدِ هَاهُنَا هُوَ نَهْيٌ عَامٌّ وَهُوَ نَهْيُ الْغَصْبِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الِانْتِفَاعَ بِالْأَمْلَاكِ وَالْأَمْوَالِ إلَّا بِرِضَا أَرْبَابِهَا فَأَيُّ حَالَةٍ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا الرِّضَا يَكُونُ ذَلِكَ النَّهْيُ مُتَحَقِّقًا فَيَكُونُ نَهْيُ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ الْغَايَةِ هُوَ ذَلِكَ النَّهْيُ الْعَامُّ الَّذِي اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ حَالَةُ الرِّضَا دُونَ غَيْرِهَا وَهَذَا هُوَ عَيْنُ نَهْيِ الْغَصْبِ الَّذِي هُوَ النَّهْيُ الْعَامُّ وَهَذِهِ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِهِ وَهُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ» وَاسْتَثْنَى حَالَةَ الطِّيبِ عَنْ النَّهْيِ الْعَامِّ وَبَقِيَ مَا عَدَا حَالَةَ طِيبِ النَّفْسِ مُنْدَرِجًا تَحْتَ النَّهْيِ الْعَامِّ وَهُوَ بِعَيْنِهِ نَهْيُ الْغَصْبِ فَظَهَرَ أَنَّ التَّخَيُّلَ الَّذِي قَالَهُ مِنْ تَعَارُضِ نَهْيَيْنِ شَرْعِيَّيْنِ بَاطِلٍ وَثَالِثُهَا إذَا قِسْنَا تَرْكَ الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى تَرْكِ الضَّمَانِ فِي صُورَةِ الْغَصْبِ كَانَ الْقِيَاسُ صَحِيحًا سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ وَلَوْ قِسْنَا هُنَالِكَ الْحَرِيرَ عَلَى الْجِنْسِ أَوْ الْمَيْتَةَ عَلَى الصَّيْدِ فَتَرْكُ الْجَمِيعِ أَدَّى ذَلِكَ إلَى هَلَاكِ الْمُحْرِمِ بِالْجُوعِ وَبَقَاءِ الْمُصَلِّي عُرْيَانًا وَهَذِهِ مَفْسَدَةٌ تُعَارِضُنَا فِي قِيَاسِنَا وَتَمْنَعُ مِنْهُ فَكَيْفَ نُسَوِّي بَيْنَ مَوْضِعٍ لَا مُعَارِضَ لِلْقِيَاسِ فِيهِ وَبَيْنَ مَوْضِعٍ لِلْقِيَاسِ فِيهِ مُعَارِضٌ أَقْوَى مِنْهُ أَوْ قَادِحٌ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِبَعْضِ تَغْيِيرٍ لِلْإِصْلَاحِ فَجَوَابِرُ الْعِبَادَاتِ كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْوُضُوءِ وَسُجُودِ السَّهْوِ لِلسُّنَنِ وَجِهَةِ السَّفَرِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ الْكَعْبَةِ وَجِهَةِ الْعَدُوِّ فِي الْخَوْفِ مَعَ الْكَعْبَةِ إذَا أَلْجَأَتْ الضَّرُورَةُ إلَى ذَلِكَ وَصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لِمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ لِأَنَّهُ يَجْبُرُ مَا فَاتَهُ مِنْ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ بِالْإِعَادَةِ فِي جَمَاعَةٍ وَأَخْذِ النَّقْدَيْنِ مَعَ دُونِ السِّنِّ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ أَوْ زِيَادَةِ السِّنِّ فِي ابْنِ اللَّبُونِ مَعَ وَصْفِ الْأُنُوثَةِ الْفَائِتِ فِي بِنْتِ الْمَخَاضِ وَالْإِطْعَامِ لِمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ عَنْ سَنَتِهِ إلَى بَعْدَ شَعْبَانَ أَوْ لَمْ يَصُمْ لِعَجْزِهِ وَالصِّيَامُ وَالْإِطْعَامُ وَالنُّسُكُ فِي حَقِّ مَنْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَوْ الدَّمِ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ أَوْ التَّلْبِيَةِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ مَا عَدَا الْأَرْكَانَ أَوْ الْعَمَلَ فِي التَّمَتُّعِ أَوْ الْقِرَانِ وَجَبْرُ الدَّمِ بِصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ أَيْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِهِ وَسَبْعَةٍ فِي غَيْرِهِ وَجَبْرُ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ أَوْ الْإِحْرَامِ بِالْمِثْلِ أَوْ الْإِطْعَامِ أَوْ الصِّيَامِ أَوْ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ بِذَلِكَ لِحَقِّ اللَّه تَعَالَى وَبِقِيمَتِهِ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ الْمَالِكِ فَهَذَا مُتْلَفٌ وَاحِدٌ جُبِرَ بِبَدَلَيْنِ وَهُوَ مِنْ نَوَادِرِ الْمَجْبُورَاتِ وَلَمْ يُشْرَعْ لِشَجَرِ الْحَرَمِ جَابِرٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَبِالْجُمْلَةِ فَالصَّلَاةُ لَا تُجْبَرُ إلَّا بِعَمَلٍ بَدَنِيٍّ. وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَالصَّيْدُ تُجْبَرُ بِالْبَدَنِيِّ وَالْمَالِيِّ مَعًا وَمُفْتَرِقَيْنِ وَالصَّوْمُ بِالْبَدَنِيِّ بِالْقَضَاءِ وَبِالْمَالِ فِي الْإِطْعَامِ وَأَمَّا جَوَابِرُ الْمَالِ فَالْأَصْلُ أَنْ يُؤْتَى بِعَيْنِ الْمَالِ مَعَ الْإِمْكَانِ فَإِنْ أَتَى بِهِ كَامِلَ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ بَرِئَ مِنْ عُهْدَتِهِ أَوْ نَاقِصَ الْأَوْصَافِ جَبَرَ نَقْصَهَا بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَيْسَتْ مِثْلِيَّةً إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَوْصَافُ تُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ خَلَلًا كَثِيرًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْجُمْلَةَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَمَنْ قَطَعَ ذَنَبَ بَغْلَةِ الْقَاضِي وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ رُكُوبُهَا عَلَى ذَوِي الْهَيْئَاتِ وَكَذَلِكَ يَضْمَنُ أَصْحَابُنَا الْمَغْصُوبَ لِلْغَاصِبِ إذَا ذَبَحَ الشَّاةَ أَوْ طَحَنَ الْقَمْحَ أَوْ ضَرَبَ الْفِضَّةَ دَرَاهِمَ أَوْ شَقَّ الْخَشَبَةَ أَلْوَاحًا أَوْ زَرَعَ الْحِنْطَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْمُفَوِّتَاتِ فَلِلْغَاصِبِ مَنْعُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ مِنْ أَخْذِ مَا وَجَدَهُ مِنْ مَالِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بَلْ لَهُ أَخْذُ عَيْنِ مَالِهِ حَيْثُ وَجَدَهُ وَالْأَوَّلُ أَنْضَرُ وَأَقْرَبُ لِلْقَوَاعِدِ فَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِأَبِي الْوَلِيدِ مُحَمَّدِ بْنِ رُشْدٍ مَا لَفْظُهُ وَأُصُولُ الشَّرْعِ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَسْتَحِلَّ مَالَ الْغَاصِبِ مِنْ أَجْلِ غَصْبِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ مَنْفَعَةً أَوْ عَيْنًا إلَّا أَنْ يَحْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» لَكِنْ هَذَا مُجْمَلٌ وَمَفْهُومُهُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْفَعَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ بَيْنَ مَالِهِ وَبَيْنَ الشَّيْءِ الَّذِي غَصَبَهُ أَعْنِي مَالَهُ الْمُتَعَلِّقَ بِالْمَغْصُوبِ. اهـ. وَأَمَّا إنْ جَاءَ بِهَا نَاقِصَةَ الْقِيمَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ فَلَا يَضْمَنُ لِأَنَّ الْفَائِتَ رَغَبَاتُ النَّاسِ وَهِيَ غَيْرُ مُقَوَّمَةٍ فِي الشَّرْعِ وَلَا قَائِمَةٍ بِالْعَيْنِ وَتُجْبَرُ الْأَمْوَالُ الْمِثْلِيَّةُ بِأَمْثَالِهَا لِأَنَّ الْمِثْلَ أَقْرَبُ إلَى رَدِّ الْعَيْنِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ مِنْ الْقِيمَةِ وَقَدْ خُولِفَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي صُورَتَيْنِ فِي لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ لِأَجْلِ اخْتِلَاطِ لَبَنِ الْبَائِعِ بِلَبَنِ الْمُشْتَرِي وَعَدَمِ تَمْيِيزِ الْمِقْدَارِ وَفِيمَنْ غَصَبَ مَاءً فِي الْمَعَاطِشِ فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْعُلَمَاءِ يُضَمِّنُونَهُ الْقِيمَةَ فِي مَحَلِّ غَصْبِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا تُجْبَرُ الْأَمْوَالُ إلَّا بِالْمَالِ وَأَمَّا الْمَنَافِعُ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ فَلَا تُجْبَرُ احْتِقَارًا لَهَا كَالْمِزْمَارِ وَنَحْوِهِ كَمَا لَا تُجْبَرُ النَّجَاسَاتُ مِنْ الْأَعْيَانِ نَعَمْ اسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ مَهْرَ الْمَزْنِيِّ بِهَا كُرْهًا تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا لَمْ تَأْتِ مُحَرَّمًا وَالظَّالِمُ أَحَقُّ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ كَالْغَاصِبِ لِسُكْنَى دَارٍ وَلَمْ يُجْبَرْ اللِّوَاطُ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَوَّمْ قَطُّ فِي الشَّرْعِ فَأَشْبَهَ الْقُبْلَةَ وَالْعِنَاقَ وَإِمَّا غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ فَإِنْ كَانَتْ مَنَافِعُ جِسْمِ الْحُرِّ

الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الزَّوَاجِرِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْجَوَابِرِ) وَهَاتَانِ قَاعِدَتَانِ عَظِيمَتَانِ وَتَحْرِيرُهُمَا أَنَّ الزَّوَاجِرَ تَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ فَقَدْ يَكُونُ مَعَهُمَا الْعِصْيَانُ فِي الْمُكَلَّفِينَ وَقَدْ لَا يَكُونُ مَعَهَا عِصْيَانٌ كَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ فَإِنَّا نَزْجُرُهُمْ وَنُؤَدِّبُهُمْ لَا لِعِصْيَانِهِمْ بَلْ لِدَرْءِ مَفَاسِدِهِمْ وَاسْتِصْلَاحِهِمْ وَكَذَلِكَ الْبَهَائِمُ ثُمَّ هِيَ قَدْ يَكُونُ مُقَدَّرَةً كَالْحُدُودِ وَقَدْ لَا تَكُونُ كَالتَّعَازِيرِ وَأَمَّا الْجَوَابِرُ فَهِيَ مَشْرُوعَةٌ لِاسْتِدْرَاكِ الْمَصَالِحِ الْفَائِتَةِ وَالزَّوَاجِرُ مَشْرُوعَةٌ لِدَرْءِ الْمَفَاسِدِ الْمُتَوَقَّعَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّ مَنْ يَتَوَجَّهُ فِي حَقِّهِ الْجَابِرُ أَنْ يَكُونَ آثِمًا وَلِذَلِكَ شُرِعَ مَعَ الْعَمْدِ وَالْجَهْلِ وَالْعِلْمِ وَالنِّسْيَانِ وَالذِّكْرِ وَعَلَى الْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ بِخِلَافِ الزَّوَاجِرِ فَإِنَّ مُعْظَمَهُمَا عَلَى الْعُصَاةِ زَجْرًا لَهُمْ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَزَجْرًا لِمَنْ يَقْدُمُ بَعْدَهُمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَقَدْ تَكُونُ مَعَ عَدَمِ الْعِصْيَانِ كَمَا نُقَدِّمُ تَمْثِيلَهُ بِالصِّبْيَانِ وَكَذَلِكَ قِتَالُ الْبُغَاةِ دَرْءًا لِتَفْرِيقِ الْكَلِمَةِ مَعَ عَدَمِ التَّأْثِيمِ لِأَنَّهُمْ مُتَأَوِّلُونَ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي بَعْضِ الْكَفَّارَاتِ هَلْ هِيَ زَوَاجِرُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَشَاقِّ تَحَمُّلِ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا أَوْ هِيَ جَوَابِرُ لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ لَا تَصِحُّ إلَّا بِنِيَّاتٍ وَلَيْسَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ زَجْرًا بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَاتِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ قُرُبَاتٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِعْلًا لِلْمَزْجُورِينَ بَلْ يَفْعَلُهَا الْأَئِمَّةُ بِهِمْ ثُمَّ الْجَوَابِرُ تَقَعُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالنُّفُوسِ وَالْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعِ الْأَعْضَاءِ وَالْجِرَاحِ وَالْأَمْوَالِ وَالْمَنَافِعِ فَجَوَابِرُ الْعِبَادَاتِ كَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْوُضُوءِ وَسُجُودِ السَّهْوِ لِلسُّنَنِ وَجِهَةِ السَّفَرِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ الْكَعْبَةِ وَجِهَةِ الْعَدُوِّ فِي الْخَوْفِ مَعَ الْكَعْبَةِ إذَا أَلْجَأَتْ الضَّرُورَةُ إلَى ذَلِكَ. وَصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لِمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ لِأَنَّهُ يَجْبُرُ مَا فَاتَهُ مِنْ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ بِالْإِعَادَةِ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى وَأَخْذِ النَّقْدَيْنِ مَعَ دُونِ السِّنِّ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ أَوْ زِيَادَةِ السِّنِّ فِي ابْنِ اللَّبُونِ مَعَ وَصْفِ الْأُنُوثَةِ الْفَائِتِ فِي بِنْتِ الْمَخَاضِ وَالْإِطْعَامِ لِمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ عَنْ سَنَتِهِ إلَى بَعْدِ شَعْبَانَ أَوْ لَمْ يَصُمْ لِعَجْزِهِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ وَالنُّسُكِ فِي حَقِّ مَنْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا مِنْ مَحْظُورَاتِ الْحَجِّ أَوْ الدَّمِ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ أَوْ التَّلْبِيَةِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ مَا عَدَا الْأَرْكَانَ أَوْ الْعَمَلَ فِي التَّمَتُّعِ أَوْ الْقِرَانِ وَجَبْرِ الدَّمِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَا تُضْمَنُ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَى مَنَافِعِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فَوَاتُهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَتْ مَنَافِعُ الْأَبْضَاعِ ضُمِّنَتْ بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ وَالشُّبْهَةِ وَالْإِكْرَاهِ وَلَا تُجْبَرُ بِالْفَوَاتِ تَحْتَ الْأَيْدِي الْعَادِيَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ قَلِيلَ الْمَنَافِعِ يُجْبَرُ بِالْقَلِيلِ مِنْ الْجَابِرِ وَكَثِيرُهَا بِكَثِيرِهِ وَضَمَانُ الْبُضْعِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَهُوَ يُسْتَحَقُّ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ فَلَوْ جُبِرَ بِالْفَوَاتِ لَوَجَبَ مَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ فَضْلًا عَنْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّ كُلَّ سَاعَةٍ يَفُوتُ فِيهَا مِنْ الْإِيلَاجَاتِ شَيْءٌ كَثِيرٌ جِدًّا وَإِيجَابُ مِثْلِ هَذَا بَعِيدٌ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَتْ مَنَافِعُ غَيْرِ مَا ذُكِرَ ضُمِّنَتْ بِالْعُقُودِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ وَالْفَوَاتُ تَحْتَ الْأَيْدِي الْمُبْطِلَةِ. قُلْت وَأَمَّا النُّفُوسُ وَالْأَعْضَاءُ وَمَنَافِعُ الْأَعْضَاءِ وَالْجِرَاحِ فَمَا رَتَّبَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَيْهَا مِنْ دِيَاتٍ أَوْ كَفَّارَاتٍ أَوْ حُكُومَةٍ فَجَوَابِرُ وَمَا رَتَّبَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَيْهَا مِنْ قِصَاصٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ سِجْنٍ أَوْ تَأْدِيبٍ فَزَوَاجِرُ فَمِنْ هُنَا قَالَ الْأَصْلُ وَأَمَّا النُّفُوسُ فَإِنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ هَذِهِ الْقَوَانِينِ لِمَصَالِحَ تُذْكَرُ فِي الْجِنَايَاتِ فَفِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ حَرَامٌ وَقَدْ شُرِعَ فِيهِ إذَا وُجِدَ سَبَبُهُ وَشَرْطُهُ وَانْتَفَى مَانِعُهُ الْقِصَاصُ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ} [البقرة: 179] اهـ (وَصْلٌ) فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالزَّوَاجِرِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا شَرِبَ الْحَنَفِيُّ يَسِيرَ النَّبِيذِ أَحُدُّهُ وَلَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لِأَنَّ إبَاحَةَ الْيَسِيرِ مِنْ النَّبِيذِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ عَلَى الْخَمْرِ لِجَامِعِ الْإِسْكَارِ الْمُقْتَضِي تَحْرِيمَهُ وَعَلَى خِلَافِ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» وَعَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ الْمُقْتَضِيَةِ صِيَانَةَ الْعُقُولِ وَمَنْعَ التَّسَبُّبِ لِإِفْسَادِهَا وَالْحُكْمُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى خِلَافِ هَذِهِ الْأُمُورِ إذَا قَضَى بِهِ الْقَاضِي يُنْقَضُ قَضَاؤُهُ وَلَا نُقِرُّهُ شَرْعًا مَعَ التَّأْكِيدِ لِقَضَاءِ الْقَاضِي فَأَوْلَى أَنْ لَا نُقِرَّهُ شَرْعًا مَعَ عَدَمِ التَّأْكِيدِ وَمَا لَا يُقَرُّ شَرْعًا لَيْسَ فِيهِ تَقْلِيدٌ وَلَا اجْتِهَادٌ مَقْبُولٌ شَرْعًا وَمَنْ أَتَى الْمَفْسَدَةَ بِغَيْرِ تَقْلِيدٍ صَحِيحٍ أَوْ اجْتِهَادٍ مُعْتَبَرٍ فَهُوَ عَاصٍ فَنَحُدُّهُ لِلْمَعْصِيَةِ وَالْمَفْسَدَةِ وَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ لَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لِفِسْقِهِ حِينَئِذٍ بِالْمَعْصِيَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَحُدُّهُ وَأَقْبَلُ شَهَادَتَهُ أَمَّا قَبُولُ شَهَادَتِهِ فَلِأَنَّهُ مُقَلِّدٌ أَوْ مُجْتَهِدٌ وَكِلَاهُمَا غَيْرُ عَاصٍ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا مَا أَدَّى إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ وَأَمَّا حَدُّهُ فَلِدَرْءِ الْمَفْسَدَةِ فِي التَّسَبُّبِ لِإِفْسَادِ الْعَقْلِ إذْ التَّأْدِيبُ قَدْ يَكُونُ مَعَ عَدَمِ الْمَعْصِيَةِ بَلْ لِأَجْلِ الْمَفْسَدَةِ كَتَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ وَالْبَهَائِمِ وَفِيهِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ تَأْدِيبٍ قَدْ يَكُونُ مَعَ عَدَمِ الْمَعْصِيَةِ حَتَّى تَتِمَّ كُلِّيَّةُ الْكُبْرَى الْمَشْرُوطَةِ فِي إنْتَاجِ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ بَلْ التَّأْدِيبُ إمَّا مُقَدَّرٌ وَهُوَ الْحُدُودُ كَمَا هُنَا فَلَا يَكُونُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَإِمَّا غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَيَكُونُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَلَا يُفِيدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَافْهَمْ (لَطِيفَةٌ) فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ وَضَوْءِ الشُّمُوعِ لِلْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ اشْتَهَرَ بَيْنَ أَهْلِ الْأَدَبِ وَإِنْ لَمْ يَخْلُ شَرْعًا عَنْ قِلَّةِ أَدَبٍ. قَوْلُ ابْنِ الرُّومِيِّ كَمَا فِي حَلْبَةِ الْكُمَيْتِ أَحَلَّ الْعِرَاقِيُّ النَّبِيذَ وَشُرْبَهُ ... وَقَالَ حَرَامَانِ الْمُدَامَةُ وَالسُّكْرُ وَقَالَ الْحِجَازِيُّ الشَّرَابَانِ وَاحِدٌ ... فَحَلَّتْ لَنَا مِنْ بَيْنِ قَوْلَيْهِمَا الْخَمْرُ أَرَادَ الْخَمْرَ نَبِيذٌ وَالنَّبِيذُ حَلَالٌ فَالصُّغْرَى مِنْ الِاتِّحَادِ عِنْدَنَا وَالْكُبْرَى مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَإِنَّمَا فَسَدَ الْقِيَاسُ الْمُشَارُ إلَيْهِ لِأَنَّ شَرْطَهُ كُلِّيَّةُ الْكُبْرَى وَالْحَنَفِيَّةِ لَا يَقُولُونَ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يَخُصُّونَ الْبَعْضَ الَّذِي لَمْ يُسْكِرْ اهـ

بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ فِي غَيْرِهِ وَجَبْرِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ أَوْ الْإِحْرَامِ بِالْمِثْلِ أَوْ الْإِطْعَامِ أَوْ الصِّيَامِ أَوْ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ بِذَلِكَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَبِقِيمَتِهِ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ الْمَالِكِ وَهُوَ مُتْلَفٌ وَاحِدٌ جُبِرَ بِبَدَلَيْنِ وَهُوَ مِنْ نَوَادِرِ الْمَجْبُورَاتِ وَلَمْ يُشْرَعْ لِشَجَرِ الْحَرَمِ جَابِرٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُجْبَرُ إلَّا بِعَمَلٍ بَدَنِيٍّ وَلَا تُجْبَرُ الْأَمْوَالُ إلَّا بِالْمَالِ وَيُجْبَرُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَالصَّيْدُ بِالْبَدَنِيِّ وَالْمَالِيِّ مَعًا وَمُفْتَرِقَيْنِ وَالصَّوْمُ بِالْبَدَنِيِّ بِالْقَضَاءِ وَبِالْمَالِ فِي الْإِطْعَامِ وَأَمَّا جَوَابِرُ الْمَالِ فَالْأَصْلُ أَنْ يُؤْتِيَ بِعَيْنِ الْمَالِ مَعَ الْإِمْكَانِ فَإِنْ أَتَى بِهِ كَامِلَ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ بَرِئَ مِنْ عُهْدَتِهِ أَوْ نَاقِصَ الْأَوْصَافِ جُبِرَ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَيْسَتْ مِثْلِيَّةً إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَوْصَافُ تُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ خَلَلًا كَثِيرًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْجُمْلَةَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَمَنْ قَطَعَ ذَنَبَ بَغْلَةِ الْقَاضِي وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ رُكُوبُهَا عَلَى ذَوِي الْهَيْئَاتِ وَكَذَلِكَ ضَمَّنَهُ أَصْحَابُنَا الْمَغْصُوبَ إذَا ذَبَحَ الشَّاةَ أَوْ طَحَنَ الْقَمْحَ أَوْ ضَرَبَ الْفِضَّةَ دَرَاهِمَ أَوْ شَقَّ الْخَشَبَةَ أَلْوَاحًا أَوْ زَرَعَ الْحِنْطَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بَلْ لَهُ أَخْذُ عَيْنِ مَالِهِ حَيْثُ وَجَدَهُ وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا لِلْغَاصِبِ مَنْعُهُ مِمَّا وُجِدَ مِنْ مَالِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَالْأَوَّلُ أَنْضَرُ وَأَقْرَبُ لِلْقَوَاعِدِ وَأَمَّا إنْ جَاءَ بِهَا نَاقِصَةَ الْقِيمَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ الْفَائِتَ رَغَبَاتُ النَّاسِ وَهِيَ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ فِي الشَّرْعِ وَلَا قَائِمَةً بِالْعَيْنِ. وَتُجْبَرُ الْأَمْوَالُ الْمِثْلِيَّةُ بِأَمْثَالِهَا لِأَنَّ الْمِثْلَ أَقْرَبُ إلَى رَدِّ الْعَيْنِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ مِنْ الْقِيمَةِ وَقَدْ خُولِفَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي صُورَتَيْنِ فِي لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ لِأَجْلِ اخْتِلَاطِ لَبَنِ الْبَائِعِ بِلَبَنِ الْمُشْتَرِي وَعَدَمِ تَمْيِيزِ الْمِقْدَارِ وَفِيمَنْ غَصَبَ مَاءً فِي الْمَعَاطِشِ فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْعُلَمَاءِ يُضَمِّنُونَهُ الْقِيمَةَ فِي مَحَلِّ غَصْبِهِ. وَأَمَّا الْمَنَافِعُ فَالْمُحَرَّمُ مِنْهَا لَا يُجْبَرُ احْتِقَارًا لَهَا كَالْمِزْمَارِ وَنَحْوِهِ كَمَا لَمْ تُجْبَرْ النَّجَاسَاتُ مِنْ الْأَعْيَانِ وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ مَهْرُ الْمَزْنِيِّ بِهَا كُرْهًا تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا لَمْ تَأْتِ مُحَرَّمًا وَالظَّالِمُ أَحَقُّ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ كَالْغَاصِبِ لِسُكْنَى دَارٍ وَلَمْ يُجْبَرْ اللِّوَاطُ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَوَّمْ قَطُّ فِي الشَّرْعِ فَأَشْبَهَ الْقُبْلَةَ وَالْعِنَاقَ وَغَيْرُ الْمُحَرَّمِ مِنْهُ مَا يُضْمَنُ بِالْعُقُودِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ وَالْفَوَاتُ تَحْتَ الْأَيْدِي الْمُبْطِلَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) اتَّفَقَ فُقَهَاءُ أَهْلِ الْعَصْرِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ النَّبَاتِ الْمَعْرُوفِ بِالْحَشِيشَةِ الَّتِي يَتَعَاطَاهَا أَهْلُ الْفُسُوق أَعْنِي كَثِيرَهَا الْمُغَيِّبَ لِلْعَقْلِ وَاخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي كَوْنِهَا مُفْسِدَةً لِلْعَقْلِ مِنْ غَيْرِ سُكْرٍ فَتَكُونُ طَاهِرَةً وَيَجِبُ فِيهَا التَّعْزِيرُ أَوْ مُسْكِرَةً فَتَكُونُ نَجِسَةً وَيَجِبُ فِيهَا الْحَدُّ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ لِلْأَصْلِ قَالَ وَاَلَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَّهَا مِنْ الْمُفْسِدَاتِ لَا مِنْ الْمُسْكِرَاتِ فَلَا أُوجِبُ فِيهَا الْحَدَّ وَلَا أُبْطِلُ بِهَا الصَّلَاةَ بَلْ التَّعْزِيرُ الزَّاجِرُ عَنْ مُلَابَسَتِهَا لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّا نَجِدُهَا تُثِيرُ الْخَلْطَ الْكَامِنَ فِي الْجَسَدِ كَيْفَمَا كَانَ فَصَاحِبُ الصَّفْرَاءِ تُحْدِثُ لَهُ حِدَّةً وَصَاحِبُ الْبَلْغَمِ تُحْدِثُ لَهُ سُبَاتًا وَصَمْتًا وَصَاحِبُ السَّوْدَاءِ تُحْدِثُ لَهُ بُكَاءً وَجَزَعًا وَصَاحِبُ الدَّمِ تُحْدِثُ لَهُ سُرُورًا بِقَدْرِ حَالِهِ فَتَجِدُ مِنْهُمْ مَنْ يَشْتَدُّ بُكَاؤُهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَدُّ صَمْتُهُ وَأَمَّا الْخَمْرُ وَالْمُسْكِرَاتُ فَلَا تَكَادُ تَجِدُ أَحَدًا مِمَّنْ يَشْرَبُهَا إلَّا وَهُوَ نَشْوَانُ مَسْرُورٌ بَعِيدٌ عَنْ الْبُكَاءِ وَالصَّمْتِ وَثَانِيهِمَا أَنَّا نَجِدُ شُرَّابَ الْخَمْرِ تَكْثُرُ عَرْبَدَتُهُمْ وَوُثُوبُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِالسِّلَاحِ وَيَهْجُمُونَ عَلَى الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لَا يَهْجُمُونَ عَلَيْهَا حَالَةَ الصَّحْوِ حَتَّى إنَّ الْقَتْلَى يُوجَدُونَ كَثِيرًا مَعَهُمْ وَلَا تَجِدُ أَكَلَةَ الْحَشِيشَةِ إذَا اجْتَمَعُوا يَجْرِي مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُسْمَعْ عَنْهُمْ مِنْ الْعَوَائِدِ مَا يُسْمَعُ عَنْ شُرَّابِ الْخَمْرِ بَلْ هُمْ هَمَدَةٌ سُكُوتٌ مَسْبُوتُونَ لَوْ أَخَذْت قُمَاشَهُمْ أَوْ سَبَبْتَهُمْ لَمْ تَجِدْ فِيهِمْ قُوَّةَ الْبَطْشِ الَّتِي تَجِدُهَا فِي شَرَبَةِ الْخَمْرِ بَلْ هُمْ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالْبَهَائِمِ فَلِذَا لَا تَجِدُ الْقَتْلَى مَعَهُمْ قَطُّ اهـ بِتَصَرُّفٍ وَوَافَقَهُ الْأَمِيرُ فِي مَجْمُوعِهِ قَالَ وَمِنْهُ أَيْ الْمُفْسِدُ الَّذِي يُغَيِّبُ الْعَقْلَ فَقَطْ لَا يَفْرَحُ وَهُوَ الْمُخَدِّرُ الْحَشِيشَةُ وِفَاقًا لِلْقَرَافِيِّ لِغَلَبَةِ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ عَلَى أَهْلِهَا انْتَهَى وَالثَّانِي لِلْمَنُوفِيِّ قَالَ يَبِيعُونَ لَهَا بُيُوتَهُمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُمْ بِهَا طَرَبًا وَفَرَحًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ لِلْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ وَفِي الْأَصْلِ وَنُصُوصُ الْمُتَحَدِّثِينَ عَلَى النَّبَاتِيِّ تَقْتَضِي أَنَّهَا مُسْكِرَةٌ فَإِنَّهُمْ يَصِفُونَهَا بِذَلِكَ فِي كُتُبِهِمْ اهـ وَفِي حَاشِيَةِ ابْنِ حَمْدُونٍ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهَا مِنْ الْمُفْسِدَاتِ كَمَا اخْتَارَهُ الْقَرَافِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ خِلَافُ مَا لِلْمَنُوفِيِّ قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ لِأَنَّ إتْلَافَ الْأَمْوَالِ فِيهَا إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يَجِدُونَ فِيهَا لَذَّةً مَا وَأَمَّا تَعْيِينُ كَوْنِهَا تُحْدِثُ الطَّرَبَ الْمُمَاثِلَ لِطَرَبِ الْخَمْرِ فَلَا إذْ الْأَعَمُّ لَا إشْعَارَ لَهُ بِأَخَصَّ مُعَيَّنٍ. اهـ. وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَفِي كَوْنِهَا لَا تُسْكِرُ إلَّا بَعْدَ مُبَاشَرَةِ النَّارِ أَوْ كَوْنِهَا تُسْكِرُ مُطْلَقًا قَوْلَانِ الْأَوَّلُ لِلْمُقْرِي فِي قَوَاعِدِهِ قَالَ وَذَلِكَ أَيْ كَوْنُهَا مُسْكِرَةً وَنَجِسَةً بَعْدَ غَلْيِهَا لَا قَبْلَهُ فَظَاهِرُهُ اهـ وَعَلَيْهِ مَا فِي الْأَصْلِ سُئِلَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ عَمَّنْ صَلَّى بِالْحَشِيشَةِ مَعَهُ هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَمْ لَا فَأَفْتَى أَنَّهُ إنْ صَلَّى بِهَا قَبْلَ أَنْ تُحَمَّصَ أَوْ تُسْلَقَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ مُعَلِّلًا أَنَّهَا إنَّمَا تُغَيِّبُ الْعَقْلَ بَعْدَ التَّحْمِيصِ أَوْ السَّلْقِ أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ وَهِيَ وَرَقٌ أَخْضَرُ فَلَا بَلْ هِيَ كَالْعَصِيرِ الَّذِي لِلْعِنَبِ وَتَحْمِيصُهَا كَغَلَيَانِهِ اهـ وَالثَّانِي لِبَعْضِهِمْ قَالَ وَإِنَّمَا تُحَمَّصُ لِإِصْلَاحِ طَعْمِهَا وَتَعْدِيلِ كَيْفِيَّتِهَا خَاصَّةً انْتَهَى وَعَلَيْهِ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ مَعَ حَمْلِهَا مُطْلَقًا كَمَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِهَا مُطْلَقًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا مُفْسِدَةٌ لِلْعَقْلِ مِنْ غَيْرِ سُكْرٍ كَالْبَنْجِ وَالسَّيْكَرَانِ وَجَوْزَةِ بَابِلَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْقَاعِدَةُ أَنَّ التَّأْدِيبَاتِ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْجِنَايَاتِ فَكُلَّمَا عَظُمَتْ الْجِنَايَةُ عَظُمَتْ الْعُقُوبَةُ فَإِذَا فُرِضَ شَخْصٌ

[الفرق بين قاعدة المسكرات وقاعدة المرقدات وقاعدة المفسدات]

وَلَا تُضْمَنُ مَنَافِعُ الْحُرِّ بِحَبْسِهِ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَى مَنَافِعِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فَوَاتُهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ وَمَنَافِعُ الْأَبْضَاعِ تُضْمَنُ بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ وَالشُّبْهَةِ وَالْإِكْرَاهِ وَلَا تُجْبَرُ بِالْفَوَاتِ تَحْتَ الْأَيْدِي الْعَادِيَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ قَلِيلَ الْمَنَافِعِ يُجْبَرُ بِالْقَلِيلِ مِنْ الْجَابِرِ وَكَثِيرَهَا بِكَثِيرِهِ وَضَمَانُ الْبُضْعِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَهُوَ يُسْتَحَقُّ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ فَلَوْ جُبِرَ بِالْفَوَاتِ لَوَجَبَ مَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ فَضْلًا عَنْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّ كُلَّ سَاعَةٍ يَفُوتُ فِيهَا مِنْ الْإِيلَاجَاتِ شَيْءٌ كَثِيرٌ جِدًّا وَإِيجَابُ مِثْلِ هَذَا بَعِيدٌ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ. وَأَمَّا النُّفُوسُ فَإِنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ هَذِهِ الْقَوَانِينِ لِمَصَالِحَ تُذْكَرُ فِي الْجِنَايَاتِ فُرُوعٌ ثَلَاثَةٌ فِي الزَّوَاجِرِ الْأَوَّلُ الْحَنَفِيُّ إذَا شَرِبَ يَسِيرَ النَّبِيذِ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَحُدُّهُ وَأَقْبَلُ شَهَادَتَهُ أَمَّا حَدُّهُ فَلِدَرْءِ الْمَفْسَدَةِ فِي التَّسَبُّبِ لِإِفْسَادِ الْعَقْلِ وَأَمَّا قَبُولُ شَهَادَتِهِ فَلِأَنَّهُ مُقَلِّدٌ أَوْ مُجْتَهِدٌ وَكِلَاهُمَا غَيْرُ عَاصٍ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا مَا أَدَّى إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ وَقَالَ مَالِكٌ أَحُدُّهُ وَلَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ أَمَّا حَدُّهُ فَلِلْمَفْسَدَةِ وَالْمَعْصِيَةِ مَعًا بِسَبَبِ أَنَّ إبَاحَةَ الْيَسِيرِ مِنْ النَّبِيذِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَالْقِيَاسُ الْجَلِيُّ يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ قِيَاسًا عَلَى الْخَمْرِ بِجَامِعِ الْإِسْكَارِ وَعَلَى خِلَافِ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» وَعَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ لِأَنَّ الْقَوَاعِدَ تَقْتَضِي صِيَانَةَ الْعُقُولِ وَمَنْعَ التَّسَبُّبِ لِإِفْسَادِهَا وَالْحُكْمُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى خِلَافِ أَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ إذَا قَضَى بِهِ الْقَاضِي يُنْقَضُ قَضَاؤُهُ وَمَا لَا يُقَرُّ مَعَ قَضَاءِ الْقَاضِي وَتَأَكُّدِهِ بِالْقَضَاءِ وَلَا نُقِرُّهُ شَرْعًا مَعَ التَّأْكِيدِ فَأَوْلَى أَنْ لَا نُقِرَّهُ شَرْعًا مَعَ عَدَمِ التَّأْكِيدِ وَمَا لَا يُقَرُّ شَرْعًا لَيْسَ فِيهِ تَقْلِيدٌ وَلَا اجْتِهَادٌ مَقْبُولٌ شَرْعًا وَمَنْ أَتَى الْمَفْسَدَةَ بِغَيْرِ تَقْلِيدٍ صَحِيحٍ أَوْ اجْتِهَادٍ مُعْتَبَرٍ فَهُوَ عَاصٍ فَنَحُدُّهُ لِلْمَعْصِيَةِ وَالْمَفْسَدَةِ وَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ لَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لِفِسْقِهِ حِينَئِذٍ بِالْمَعْصِيَةِ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إنَّ التَّأْدِيبَ قَدْ يَكُونُ مَعَ عَدَمِ الْمَعْصِيَةِ بَلْ لِأَجْلِ الْمَفْسَدَةِ كَتَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ وَالْبَهَائِمِ فَلَا يُفِيدُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّا نُسَلِّمُ لَهُ ذَلِكَ فِي التَّأْدِيبِ الَّذِي لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ وَأَمَّا الْمُقَدَّرُ وَهُوَ الْحُدُودُ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ الثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْجُنَاةِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ التَّأْدِيبُ اللَّائِقُ بِجِنَايَتِهِ رَدْعًا وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِيهِ كَالْقَتْلِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُقُوبَةً لِتِلْكَ الْجِنَايَةِ فَإِنَّ هَذَا الْجَانِي يَسْقُطُ تَأْدِيبُهُ مُطْلَقًا أَمَّا الْمُنَاسِبُ فَيَسْقُطُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ وَالْإِيلَامُ مَفْسَدَةٌ لَا تُشْرَعُ إلَّا لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ فَحَيْثُ لَا مَصْلَحَةَ لَا تُشْرَعُ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُنَاسِبِ فَلِعَدَمِ سَبَبِ الْمُبِيحِ فَيَسْقُطُ تَأْدِيبُهُ مُطْلَقًا وَهُوَ مُتَّجَهٌ اتِّجَاهًا قَوِيًّا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْق بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُسْكِرَاتِ وَقَاعِدَةِ الْمُرْقِدَاتِ وَقَاعِدَةِ الْمُفْسِدَات] (الْفَرْقُ الْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُسْكِرَاتِ وَقَاعِدَةِ الْمُرْقِدَاتِ وَقَاعِدَةِ الْمُفْسِدَاتِ) وَذَلِكَ أَنَّ الْمُتَنَاوِلَ لِمَا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ إمَّا أَنْ يَغِيبَ مَعَهُ الْحَوَاسُّ أَوْ لَا فَإِنْ غَابَتْ مَعَهُ الْحَوَاسُّ كَالْبَصَرِ وَالسَّمْعِ وَاللَّمْسِ وَالشَّمِّ وَالذَّوْقِ فَهُوَ الْمُرْقِدُ وَإِنْ لَمْ تَغِبْ مَعَهُ الْحَوَاسُّ فَإِمَّا أَنْ تَحْدُثَ مَعَهُ نَشْوَةٌ وَسُرُورٌ وَقُوَّةُ نَفْسٍ عِنْدَ غَالِبِ الْمُتَنَاوِلِ لَهُ فَهُوَ الْمُسْكِرُ وَإِمَّا أَنْ لَا يَحْدُثَ مَعَهُ ذَلِكَ فَهُوَ الْمُفْسِدُ فَالْمُرْقِدُ مَا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ وَالْحَوَاسَّ كَالسَّكْرَانِ بِضَمِّ الْكَافِ أَوَّلُهُ مُهْمَلٌ أَوْ مُعْجَمٌ كَمَا فِي الْحَطَّابِ وَالْمُفْسِدُ مَا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ دُونَ الْحَوَاسِّ لَا مَعَ نَشْوَةٍ وَفَرَحٍ كَالْأَفْيُونِ وَعَسَلِ الْبَلَادِرِ الَّذِي يُشْرَبُ لِلْحِفْظِ وَمَا أَلْطَفَ قَوْلُ الرَّجْرَاجِيِّ شَرِبَ الْبَلَادِرَ عُصْبَةٌ كَيْ يُحْفَظُوا ... وَنَسُوا الَّذِي فِي ذِكْرِهِ مَنْ قَالَ أَوَمَا رَأَوْا أَنَّ الْبَلَا شَطْرُ اسْمِهِ ... وَالضُّرَّ آخِرُهُ بِقَلْبِ الدَّالِ وَيُسَمَّى الْمُفْسِدُ أَيْضًا بِالْمُخَدِّرِ وَالْمُفَتِّرِ وَمِنْهُ الْحَشِيشَةُ عَلَى مَا لِلْأَصْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا عَرَفْت وَالْمُسْكِرُ مَا غَيَّبَ الْعَقْلَ دُونَ الْحَوَاسِّ مَعَ نَشْوَةٍ وَفَرَحٍ وَزِيَادَةٍ فِي الشَّجَاعَةِ وَقُوَّةِ النَّفْسِ وَالْمَيْلِ إلَى الْبَطْشِ وَالِانْتِقَامِ مِنْ الْأَعْدَاءِ وَالْمُنَافَسَةِ فِي الْعَطَاءِ وَأَخْلَاقِ الْكُرَمَاءِ كَمَا يُشِيرُ لِذَلِكَ قَوْلُ حَسَّانَ وَنَشْرَبُهَا فَتَتْرُكُنَا مُلُوكًا ... وَأُسْدًا مَا يُنَهْنِهُنَا اللِّقَاءُ مِنْ نَحْوِ الْخَمْرِ وَهُوَ الْمَعْمُولُ مِنْ الزَّبِيبِ وَالْعِنَبِ وَالْمَزْرِ وَهُوَ الْمَعْمُولُ مِنْ الْقَمْحِ وَالتِّبْعِ وَهُوَ الْمَعْمُولُ مِنْ الْعَسَلِ وَالسُّكْرُكَةِ وَهُوَ الْمَعْمُولُ مِنْ الذُّرَةِ وَلِأَجْلِ اشْتِهَارِ هَذَا فِي الْمُسْكِرَاتِ وَشَاعَ بَيْنَ مُتَنَاوِلِيهَا أَنَّهَا تُوجِبُ السُّرُورَ وَالْأَفْرَاحَ حَتَّى قَالَ شَاعِرُهُمْ وَلَيْسَتْ الْكِيمْيَاءُ فِي غَيْرِهَا وُجِدَتْ ... وَكُلُّ مَا قِيلَ فِي أَبْوَابِهَا كَذِبُ قِيرَاطُ خَمْرٍ عَلَى الْقِنْطَارِ مِنْ حُزْنٍ ... يَعُودُ فِي الْحَالِ أَفْرَاحًا وَيَنْقَلِبُ أَنْشَدَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُجِيبًا لَهُمْ زَعَمَ الْمُدَامَةَ شَارِبُوهَا أَنَّهَا ... تَنْفِي الْهُمُومَ وَتَصْرِفُ الْغَمَّا صَدَقُوا سَرَّتْ بِعُقُولِهِمْ فَتَوَهَّمُوا ... أَنَّ السُّرُورَ لَهُمْ بِهَا تَمَّا سَلَبَتْهُمُو أَدْيَانَهُمْ وَعُقُولَهُمْ ... أَرَأَيْت عَادِمَ ذَيْنِ مُغْتَمًّا وَقَدْ أَنْشَدَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ أَيْضًا أَبُو الْفَضْلِ الْجَوْهَرِيُّ عَلَى الْمِنْبَرِ بِمِصْرَ وَحَكَى ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ كَمَا فِي حَاشِيَةِ ابْنِ حَمْدُونٍ وَتَنْفَرِدُ الْمُسْكِرَاتُ عَنْ الْمُرْقِدَاتِ وَالْمُفْسِدَاتِ بِثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ الْحَدِّ وَالنَّجَاسَةِ وَتَحْرِيمِ الْيَسِيرِ وَمَا نَقَلَهُ الْحَطَّابُ عَنْ ابْنِ فَرْحُونٍ مِنْ أَنَّ مِنْ اللَّبَنِ نَوْعًا يُغَطِّي الْعَقْلَ إذَا صَارَ قَارِصًا وَيُحْدِثُ نَوْعًا مِنْ السُّكْرِ فَإِنْ شَرِبَ لِذَلِكَ حَرُمَ وَيَحْرُمُ مِنْهُ الْقَدْرُ الَّذِي يُغَطِّي الْعَقْلَ اهـ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَحْرُمُ تَنَاوُلُ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْهُ حَيْثُ كَانَ يُحْدِثُ نَوْعًا مِنْ السُّكْرِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ ابْنِ حَمْدُونٍ وَلَا حَدَّ فِي الْمُرْقِدَاتِ وَالْمُفْسِدَاتِ وَلَا نَجَاسَةَ فَمَنْ صَلَّى حَامِلَ الْبَنْجِ أَوْ الْأَفْيُونِ أَوْ السَّيْكَرَانِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ إجْمَاعًا وَيَجُوزُ تَنَاوُلُ الْيَسِيرِ مِنْهَا وَهُوَ مَا لَا يَصِلُ إلَى التَّأْثِيرِ فِي الْعَقْلِ أَوْ الْحَوَاسِّ وَيَحْرُمُ تَنَاوُلُ الْكَثِيرِ الَّذِي يَصِلُ إلَى التَّأْثِيرِ فِي الْعَقْلِ أَوْ الْحَوَاسِّ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَحْكَامِ وَقَعَ بِهَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُسْكِرَاتِ وَالْآخَرِينَ

النَّبَاتُ الْمَعْرُوفُ بِالْحَشِيشَةِ الَّتِي يَتَعَاطَاهَا أَهْلُ الْفُسُوقِ اتَّفَقَ فُقَهَاءُ أَهْلِ الْعَصْرِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهَا أَعْنِي كَثِيرَهَا الْمُغَيِّبَ لِلْعَقْلِ وَاخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ الْوَاجِبُ فِيهَا التَّعْزِيرُ أَوْ الْحَدُّ عَلَى أَنَّهَا مُسْكِرَةٌ أَوْ مُفْسِدَةٌ لِلْعَقْلِ مِنْ غَيْرِ سُكْرٍ وَنُصُوصُ الْمُتَحَدِّثِينَ عَلَى النَّبَاتِ تَقْتَضِي أَنَّهَا مُسْكِرَةٌ فَإِنَّهُمْ يَصِفُونَهَا بِذَلِكَ فِي كُتُبِهِمْ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهَا مُفْسِدَةٌ عَلَى مَا أُقَرِّرُهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَرْعٌ مُرَتَّبٌ سُئِلَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ عَمَّنْ صَلَّى بِالْحَشِيشَةِ مَعَهُ هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَمْ لَا؟ فَأَفْتَى أَنَّهُ إنْ صَلَّى بِهَا قَبْلَ أَنْ تُحَمَّصَ أَوْ تُصْلَقَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَقَالَ فِي تَعْلِيلِ الْفَرْقِ بِأَنَّهَا إنَّمَا تُغَيِّبُ الْعَقْلَ بَعْدَ التَّحْمِيصِ أَوْ الصَّلْقِ أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ وَهِيَ وَرَقٌ أَخْضَرُ فَلَا بَلْ هِيَ كَالْعَصِيرِ الَّذِي لِلْعِنَبِ وَتَحْمِيصُهَا كَغَلَيَانِهِ وَسَأَلْت عَنْ هَذَا الْفَرْقِ جَمَاعَةً مِمَّنْ يُعَانِيهَا فَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ سَلَّمَ هَذَا الْفَرْقَ وَقَالَ لَا تُؤَثِّرُ إلَّا بَعْدَ مُبَاشَرَةِ النَّارِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بَلْ تُؤَثِّرُ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا تُحَمَّصُ لِإِصْلَاحِ طَعْمِهَا وَتَعْدِيلِ كَيْفِيَّتِهَا خَاصَّةً فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ هَذَا الْفَرْقِ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ مُطْلَقًا وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْفَرْقِ يَكُونُ الْحَقُّ مَا قَالَهُ الْمُفْتِي إنْ صَحَّ أَنَّهَا مِنْ الْمُسْكِرَاتِ وَإِلَّا صَحَّتْ الصَّلَاةُ بِهَا مُطْلَقًا وَهُوَ الَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَّهَا مُفْسِدَةٌ وَالْمُفْسِدَةُ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ كَالْبَنْجِ وَالسَّيْكَرَانِ وَجَوْزَةِ بَابِلَ الثَّالِثُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْقَاعِدَةُ فِي التَّأْدِيبَاتِ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْجِنَايَاتِ فَكُلَّمَا عَظُمَتْ الْجِنَايَةُ عَظُمَتْ الْعُقُوبَةُ فَإِذَا فَرَضَ شَخْصٌ مِنْ الْجُنَاةِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ التَّأْدِيبُ اللَّائِقُ بِجِنَايَتِهِ رَدْعًا وَاَلَّذِي يُؤَثِّرُ فِيهِ كَالْقَتْلِ وَنَحْوِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُقُوبَةً لِتِلْكَ الْجِنَايَةِ فَإِنَّ هَذَا الْجَانِيَ يَسْقُطُ تَأْدِيبُهُ مُطْلَقًا أَمَّا الْمُنَاسِبُ فَيَسْقُطُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ وَالْإِيلَامُ مَفْسَدَةٌ لَا تُشْرَعُ إلَّا لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ فَحَيْثُ لَا مَصْلَحَةَ لَا تُشْرَعُ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُنَاسِبِ فَلِعَدَمِ سَبَبِهِ الْمُبِيحِ فَيَسْقُطُ تَأْدِيبُهُ مُطْلَقًا وَهُوَ مُتَّجَهٌ اتِّجَاهًا قَوِيًّا. ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي الْحَطَّابِ مَا نَصُّهُ فَرْعٌ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَالظَّاهِرُ جَوَازُ مَا يُسْقَى مِنْ الْمُرْقِدِ لِقَطْعِ عُضْوٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ ضَرَرَ الْمُرْقِدِ مَأْمُونٌ وَضَرَرُ الْعُضْوِ غَيْرُ مَأْمُونٍ نَقَلَهُ الْأَمِيرُ فِي شَرْحِ مَجْمُوعِهِ قُلْت وَفِي هَذَا الْجَوَازِ يَنْفَرِدُ الْمُرْقِدُ عَنْ الْمُفْسِدِ أَيْضًا فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَصْلٌ) فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) اعْلَمْ أَنَّ النَّبَاتَ الْمَعْرُوفَ بِالْحَشِيشَةِ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْمُجْتَهِدُونَ وَلَا غَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِمْ وَإِنَّمَا ظَهَرَ فِي أَوَاخِرِ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ وَانْتَشَرَتْ فِي دَوْلَةِ التَّتَارِ قَالَ الْعَلْقَمِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْعَجَمِ قَدِمَ الْقَاهِرَةَ وَطَلَبَ دَلِيلًا عَلَى تَحْرِيمِ الْحَشِيشَةِ وَعَقَدَ لِذَلِكَ مَجْلِسًا حَضَرَهُ عُلَمَاءُ الْعَصْرِ فَاسْتَدَلَّ الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ» فَأَعْجَبَ الْحَاضِرِينَ قَالَ وَنَبَّهَ السُّيُوطِيّ عَلَى صِحَّتِهِ وَاحْتَجَّ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ عَلَى حُرْمَةِ الْمُفَتِّرِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَرَابًا وَلَا مُسْكِرًا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْخَمْرِ وَالْعَسَلِ مِنْ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَكَذَا احْتَجَّ بِهِ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا. وَذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ فِي جَامِعِهِ وَلَوْلَا صَلَاحِيَّتُهُ لِلِاحْتِجَاجِ مَا احْتَجَّ بِهِ هَؤُلَاءِ وَهُمْ رِجَالُ الْحَدِيثِ وَجَهَابِذَتُهُ وَكَوْنُ الْحَشِيشَةِ مِنْ الْمُفَتِّرِ مِمَّا أَطْبَقَ عَلَيْهِ مُسْتَعْمِلُوهَا مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِمْ وَبِخَبَرِهِمْ يُعْتَدُّ فِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ وَالْقَاعِدَةُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ إذَا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ شَيْئَيْنِ مُقْتَرِنَيْنِ ثُمَّ نَصَّ عَلَى حُكْمِ النَّهْيِ عَنْ أَحَدِهِمَا مِنْ حُرْمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أُعْطِيَ الْآخَرُ ذَلِكَ الْحُكْمَ بِدَلِيلِ اقْتِرَانِهِمَا فِي الذِّكْرِ وَالنَّهْيِ وَفِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ ذُكِرَ الْمُفَتِّرُ مَقْرُونًا بِالْمُسْكِرِ وَتَقَرَّرَ عِنْدنَا تَحْرِيمُ الْمُسْكِرِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فَيَجِبُ أَنْ يُعْطَى الْمُفَتِّرُ حُكْمَهُ بِقَرِينَةِ النَّهْيِ عَنْهُمَا مُقْتَرِنَيْنِ وَفَسَّرَ غَيْرُ وَاحِدٍ التَّفْتِيرَ بِاسْتِرْخَاءِ الْأَطْرَافِ وَتَخَدُّرِهَا وَصَيْرُورَتِهَا إلَى وَهَنٍ وَانْكِسَارٍ وَذَلِكَ مِنْ مَبَادِئِ النَّشْوَةِ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِهَا أَفَادَهُ ابْنُ حَمْدُونٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَوَّلُ مَا ظَهَرَتْ الْعُشْبَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِالتُّنْبَاكِ وَالتُّتْن وَالدُّخَانِ وَدُخَانِ طَابَهُ وَتَابِغًا وَطَابِغًا وَطَابَهُ بتنبكتو فِي أَوَائِلِ الْقَرْنِ الْحَادِي عَشَرَ كَمَا فِي ابْنِ حَمْدُونٍ أَيْ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ بَعْدَ الْأَلْفِ كَمَا نَقَلَهُ اللَّكْنَوِيُّ عَنْ الْعَلَّامَةِ الزَّاهِدِ مُحَمَّدٍ أَوْ فِي سَنَةِ خَمْسَةَ عَشْرَ كَمَا نَقَلَهُ اللَّكْنَوِيُّ عَنْ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ فِي رِسَالَتِهِ تَرْوِيحِ الْجَنَانِ وَمُقْتَضَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ يَا خَلِيلِي عَنْ الدُّخَانِ أَجِبْنِي ... هَلْ لَهُ فِي كِتَابِنَا إيمَاءُ قُلْت مَا فَرَّطَ الْكِتَابُ بِشَيْءِ ... ثُمَّ أَرَّخْت يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ أَنَّهُ فِي أَوَاخِرِ الْقَرْنِ الْعَاشِرِ وَهُوَ مُفَادُ قَوْلِ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ اللَّقَانِيِّ فِي عُمْدَةِ الْمُرِيدِ شَرْحِ جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ قَدْ حَدَثَ فِي أَوَائِلِ الْقَرْنِ الْحَادِي عَشَرَ وَقُبَيْلَهُ بِمُدَّةِ قَلِيلَةٍ كَمَا فِي تَرْوِيحِ الْجَنَانِ بِتَشْرِيحِ حُكْمِ شُرْبِ الدُّخَّانِ لِلَّكْنَوِيِّ وَفِي حَاشِيَةِ ابْنِ حَمْدُونٍ عَلَى مُخْتَصَرِ مَيَّارَةَ عَلَى ابْنِ عَاشِرٍ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْقَدْرِ الْمُؤَثِّرِ فِي الْعَقْلِ مِنْهَا حَرَامٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا الْقَدْرُ الْغَيْرُ الْمُؤَثِّرِ فَأَطْبَقَ الْمَغَارِبَةُ وَأَكْثَرُ الْمَشَارِقَةِ كَالشَّيْخِ سَالِمٍ السَّنْهُورِيِّ وَتِلْمِيذُهُ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَأَلَّفَ فِي تَحْرِيمِهَا سَيِّدِي الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْفَكُّونُ تَأْلِيفًا فِي عِدَّةِ كَرَارِيسَ مُشْتَمِلًا عَلَى

الْفَرْقُ الْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُسْكِرَاتِ وَقَاعِدَةِ الْمُرْقِدَاتِ وَقَاعِدَةِ الْمُفْسِدَاتِ) هَذِهِ الْقَوَاعِدُ الثَّلَاثُ قَوَاعِدُ تَلْتَبِسُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا أَنَّ الْمُتَنَاوَلَ مِنْ هَذِهِ إمَّا أَنْ تَغِيبَ مَعَهُ الْحَوَاسُّ أَوْ لَا فَإِنْ غَابَتْ مَعَهُ الْحَوَاسُّ كَالْبَصَرِ وَالسَّمْعِ وَاللَّمْسِ وَالشَّمِّ وَالذَّوْقِ فَهُوَ الْمُرْقِدُ وَإِنْ لَمْ تَغِبْ مَعَهُ الْحَوَاسُّ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَحْدُثَ مَعَهُ نَشْوَةٌ وَسُرُورٌ وَقُوَّةُ نَفْسٍ عِنْدَ غَالِبِ الْمُتَنَاوِلِ لَهُ أَوْ لَا فَإِنْ حَدَثَ ذَلِكَ فَهُوَ الْمُسْكِرُ وَإِلَّا فَهُوَ الْمُفْسِدُ فَالْمُسْكِرُ هُوَ الْمُغَيِّبُ لِلْعَقْلِ مَعَ نَشْوَةٍ وَسُرُورٍ كَالْخَمْرِ وَالْمِزْرِ وَهُوَ الْمَعْمُولُ مِنْ الْقَمْحِ وَالْبِتْعِ وَهُوَ الْمَعْمُولُ مِنْ الْعَسَلِ وَالسُّكْرُكَةِ وَهُوَ الْمَعْمُولُ مِنْ الذُّرَةِ وَالْمُفْسِدُ هُوَ الْمُشَوِّشُ لِلْعَقْلِ مَعَ عَدَمِ السُّرُورِ الْغَالِبِ كَالْبَنْجِ وَالسَّيْكَرَانِ وَيَدُلُّك عَلَى ضَابِطِ الْمُسْكِرِ قَوْلُ الشَّاعِرِ وَنَشْرَبُهَا فَتَتْرُكُنَا مُلُوكًا ... وَأُسْدًا مَا يُنَهْنِهُنَا اللِّقَاءُ فَالْمُسْكِرُ يَزِيدُ فِي الشَّجَاعَةِ وَالْمَسَرَّةِ وَقُوَّةِ النَّفْسِ وَالْمَيْلِ إلَى الْبَطْشِ وَالِانْتِقَامِ مِنْ الْأَعْدَاءِ وَالْمُنَافَسَةِ فِي الْعَطَاءِ وَأَخْلَاقِ الْكُرَمَاءِ وَهُوَ مَعْنَى الْبَيْتِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي وَصَفَ بِهِ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَلِأَجْلِ اشْتِهَارِ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْمُسْكِرَاتِ أَنْشَدَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - زَعَمَ الْمُدَامَةَ شَارِبُوهَا أَنَّهَا ... تَنْفِي الْهُمُومَ وَتَصْرِفُ الْغَمَّا صَدَقُوا سَرَّتْ بِعُقُولِهِمْ فَتَوَهَّمُوا ... أَنَّ السُّرُورَ لَهُمْ بِهَا تَمَّا سَلَبَتْهُمْ أَدْيَانَهُمْ وَعُقُولَهُمْ ... أَرَأَيْت عَادِمَ ذَيْنِ مُغْتَمَّا فَلَمَّا شَاعَ أَنَّهَا تُوجِبُ السُّرُورَ وَالْأَفْرَاحَ أَجَابَهُمْ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ. وَبِهَذَا الْفَرْقِ يَظْهَرُ لَك أَنَّ الْحَشِيشَةَ مُفْسِدَةٌ وَلَيْسَتْ مُسْكِرَةٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّا نَجِدُهَا تُثِيرُ الْخَلْطَ الْكَامِنَ فِي الْجَسَدِ كَيْفَمَا كَانَ فَصَاحِبُ الصَّفْرَاءِ تُحْدِثُ لَهُ حِدَّةً وَصَاحِبُ الْبَلْغَمِ تُحْدِثُ لَهُ سُبَاتًا وَصَمْتًا وَصَاحِبُ السَّوْدَاءِ تُحْدِثُ لَهُ بُكَاءً وَجَزَعًا وَصَاحِبُ الدَّمِ تُحْدِثُ لَهُ سُرُورًا بِقَدْرِ حَالِهِ فَتَجِدُ مِنْهُمْ مَنْ يَشْتَدُّ بُكَاؤُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَدُّ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَجْوِبَةٍ عِدَّةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ سَمَّاهُ مُحَدِّدَ السِّنَانِ فِي نُحُورِ إخْوَانِ الدُّخَانِ وَفِي الْعَمَلِيَّاتِ الْفَاسِيَّةِ وَحَرَّمُوا طَابَا لِلِاسْتِعْمَالِ ... وَلِلتِّجَارَةِ عَلَى الْمِنْوَالِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ أَنَّهَا تُحْدِثُ تَفْتِيرًا وَخَدَرًا فَتُشَارِكُ أَوَّلِيَّةَ الْخَمْرِ فِي نَشْوَتِهِ قَالَ الشَّيْخُ سَيِّدِي التَّاوَدِيُّ فِي أَجْوِبَتِهِ وَكَفَى حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ الْمُتَقَدِّمُ حُجَّةً وَدَلِيلًا يَعْنِي عَلَى تَحْرِيمِ دُخَانِ طَابَةَ اُنْظُرْهُ أَوْ أَنَّهَا تُسْكِرُ فِي ابْتِدَاءِ تَعَاطِيهَا إسْكَارًا سَرِيعًا بِغَيْبَةٍ تَامَّةٍ ثُمَّ لَا يَزَالُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَنْقُصُ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَطُولَ الْأَمْرُ جِدًّا فَيَصِيرُ لَا يُحَسُّ بِهِ لَكِنَّهُ يَجِدُ نَشْوَةً وَطَرَبًا أَحْسَنَ عِنْدَهُ مِنْ السُّكْرِ وَعَلَى هَذَا فَهِيَ نَجِسَةٌ وَيَحْرُمُ مِنْهَا الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ وَيُحَدُّ شَارِبُهَا وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَا حَدَّ وَلَا نَجَاسَةَ نَعَمْ يَحْرُمُ الْقَلِيلُ كَالْكَثِيرِ خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِي التَّأْثِيرِ إذْ الْغَالِبُ وُقُوعُهُ بِأَدْنَى شَيْءٍ مِنْهَا وَحِفْظُ الْعُقُولِ مِنْ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا عِنْدَ أَهْلِ الْمِلَلِ أَوْ أَنَّهَا لَا تَفْتِيرَ بِهَا وَلَا إسْكَارَ إلَّا أَنَّهَا سَرَفٌ وَضَرَرٌ وَنَجَاسَةٌ لِكَوْنِهَا تُبَلُّ بِالْخَمْرِ وَحِينَئِذٍ يَحْرُمُ الْقَلِيلُ مِنْهَا وَالْكَثِيرُ وَأَفْتَى جَمْعٌ مِنْ أَئِمَّةِ كُلِّ مَذْهَبٍ بِالْإِبَاحَةِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّهَا مِمَّا سَكَتَ عَنْهُ الْمَوْلَى فِي كِتَابِهِ فَهِيَ مِمَّا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ «الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ رَحْمَةً بِكُمْ فَهُوَ مِمَّا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ» قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ أَيْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى حِلِّهِ وَلَا حُرْمَتِهِ نَصًّا جَلِيًّا وَلَا خَفِيًّا فَهُوَ مِمَّا عُفِيَ عَنْهُ فَيَحِلُّ تَنَاوُلُهُ مَا لَمْ يَرِدْ النَّهْيُ عَنْهُ. اهـ. وَأَلَّفَ الشَّيْخُ عَلِيُّ الْأُجْهُورِيُّ تَأْلِيفًا سَمَّاهُ غَايَةَ الْبَيَانِ لِحِلِّ مَا لَا يُغِيبُ الْعَقْلَ مِنْ الدُّخَّانِ حَاصِلُهُ أَنَّ الْفُتُورَ الَّذِي يَحْصُلُ لِمُبْتَدِئِ شُرْبِهِ لَيْسَ مِنْ تَغْيِيبِ الْعَقْلِ فِي شَيْءٍ وَإِنْ سَلِمَ أَنَّهُ مِمَّا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ فَلَيْسَ مِنْ الْمُسْكِرِ قَطْعًا لِأَنَّ الْمُسْكِرَ مَعَ نَشْوَةٍ وَفَرَحٍ كَمَا تَقَرَّرَ وَطَابَةُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا لِمَنْ لَا يُغَيِّبُ عَقْلَهُ كَاسْتِعْمَالِ الْأَفْيُونِ لِمَنْ لَا يُغَيِّبُ عَقْلَهُ وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْزِجَةِ وَالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ فَقَدْ يُغَيِّبُ عَقْلَ شَخْصٍ وَلَا يُغَيِّبُ عَقْلَ آخَرَ وَقَدْ يُغَيِّبُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْكَثِيرِ دُونَ الْقَلِيلِ وَنَظْمُهُ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ أَنْ تَقُولَ شُرْبُ الدُّخَانِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَا يُغَيِّبُ الْعَقْل مَعَ نَشْوَةٍ وَفَرَحٍ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ مِنْهُ لِذَاتِهِ وَالصُّغْرَى مِنْ الْوِجْدَانِيَّاتِ أَوْ الْمُشَاهَدَاتِ وَدَلِيلُ الْكُبْرَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُسْكِرِ وَالْمُفْسِدِ وَنَجَاسَتُهَا لِبَلِّهَا بِالْخَمْرِ إنْ تَحَقَّقَتْ فَحُرْمَتُهَا لِعَارِضٍ لَا لِذَاتِهَا وَإِنْ لَمْ تَتَحَقَّقْ فَالْأَصْلُ الطَّهَارَةُ وَهَذَا عَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يَأْتِي مِنْ بِلَادِ النَّصَارَى وَنَحْوِهَا وَأَمَّا مَا يَأْتِي مِنْ بِلَادِ التَّكْرُورِ وَنَحْوِهَا فَهُوَ مِنْ مُحَقَّقِ السَّلَامَةِ مِنْ هَذَا عَلَى أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ جَازِمٌ بِطَهَارَةِ دُخَانِ النَّجِسِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَالشَّيْخُ خ فِي ضبح وَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ تَرْجِيحًا وَلِذَا تَعَقَّبَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمُخْتَصَرِ قَوْلَهُ فِيهِ أَنَّ دُخَانَ النَّجِسِ نَجِسٌ بِكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ ثُمَّ إنَّ الْحُكْمَ بِالنَّجَاسَةِ عَلَى مَا بُلَّ مِنْ الْعُشْبِ وَنَحْوِهِ بِالْخَمْرِ وَإِنْ طَالَ مُكْثُهُ فِي الْخَمْرِ إذَا جَفَّ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ بُلَّ تَحَلَّلَ مِنْهَا مَا يُسْكِرُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ إذَا بُلَّ لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ يَتَحَلَّلُ مِنْهُ مَا لَا يُسْكِرُ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ كَمَا فِي الْخَمْرِ إذَا تَحَجَّرَ وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ بُلَّ لَمْ يُسْكِرْ

صَمْتُهُ وَأَمَّا الْخَمْرُ وَالْمُسْكِرَاتُ فَلَا تَكَادُ تَجِدُ أَحَدًا مِمَّنْ يَشْرَبُهَا إلَّا وَهُوَ نَشْوَانُ مَسْرُورٌ بَعِيدٌ عَنْ صُدُورِ الْبُكَاءِ وَالصَّمْتِ وَثَانِيهمَا أَنَّا نَجِدُ شُرَّابَ الْخَمْرِ تَكْثُرُ عَرْبَدَتُهُمْ وَوُثُوبُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِالسِّلَاحِ وَيَهْجُمُونَ عَلَى الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لَا يَهْجُمُونَ عَلَيْهَا حَالَةَ الصَّحْوِ وَهُوَ مَعْنَى الْبَيْتِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ: وَأُسْدًا مَا يُنَهْنِهُنَا اللِّقَاءُ وَلَا نَجِدُ أَكَلَةَ الْحَشِيشَةِ إذَا اجْتَمَعُوا يَجْرِي بَيْنَهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُسْمَعْ عَنْهُمْ مِنْ الْعَوَائِدِ مَا يُسْمَعُ عَنْ شُرَّابِ الْخَمْرِ بَلْ هُمْ هَمَدَةٌ سُكُوتٌ مَسْبُوتِينَ لَوْ أَخَذْت قُمَاشَهُمْ أَوْ سَبَبْتَهُمْ لَمْ تَجِدْ فِيهِمْ قُوَّةَ الْبَطْشِ الَّتِي تَجِدُهَا فِي شَرَبَةِ الْخَمْرِ بَلْ هُمْ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالْبَهَائِمِ وَلِذَلِكَ إنَّ الْقَتْلَى يُوجَدُونَ كَثِيرًا مِنْ شُرَّابِ الْخَمْرِ وَلَا يُوجَدُونَ مَعَ أَكَلَةِ الْحَشِيشَةِ فَلِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَنَا أَعْتَقِدُ أَنَّهَا مِنْ الْمُفْسِدَاتِ لَا مِنْ الْمُسْكِرَاتِ وَلَا أُوجِبُ فِيهَا الْحَدَّ وَلَا أُبْطِلُ بِهَا الصَّلَاةَ بَلْ التَّعْزِيرُ الزَّاجِرُ عَنْ مُلَابِسِهَا (تَنْبِيهٌ) تَنْفَرِدُ الْمُسْكِرَاتُ عَنْ الْمُرْقِدَاتِ وَالْمُفْسِدَاتِ بِثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ الْحَدِّ وَالتَّنْجِيسِ وَتَحْرِيمِ الْيَسِيرِ وَالْمُرْقِدَاتُ وَالْمُفْسِدَاتُ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا نَجَاسَةَ فَمَنْ صَلَّى بِالْبَنْجِ مَعَهُ أَوْ الْأَفْيُونِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ إجْمَاعًا وَيَجُوزُ تَنَاوُلُ الْيَسِيرِ مِنْهَا فَمَنْ تَنَاوَلَ حَبَّةً مِنْ الْأَفْيُونِ أَوْ الْبَنْجِ أَوْ السَّيْكَرَانِ جَازَ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَدْرًا يَصِلُ إلَى التَّأْثِيرِ فِي الْعَقْلِ أَوْ الْحَوَاسِّ أَمَّا دُونَ ذَلِكَ فَجَائِزٌ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَحْكَامُ وَقَعَ بِهَا الْفَرْقُ بَيْن الْمُسْكِرَاتِ وَالْآخَرِينَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاضْبُطْهُ فَعَلَيْهِ تَتَخَرَّجُ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ كَوْنِ الزَّمَانِ ظَرْفَ التَّكْلِيفِ) (دُونَ الْمُكَلَّفِ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ كَوْنِ الزَّمَانِ ظَرْفًا لِإِيقَاعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ مَعَ التَّكْلِيفِ) هَذَا الْمَوْضِعُ الْتَبَسَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ وَاخْتَلَطَتْ عَلَيْهِمْ الْقَاعِدَتَانِ فَوَرَدَتْ إشْكَالَاتٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَيَتَّضِحُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ بِذِكْرِ ثَلَاثِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) فِي كَوْنِ الْكُفَّارِ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مُخَاطَبُونَ لَيْسُوا مُخَاطَبِينَ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّوَاهِي فَهُمْ مُخَاطَبُونَ بِهَا دُونَ الْأَوَامِرِ فَلَا يُخَاطَبُونَ بِهَا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْإِيمَانِ وَبِقَوَاعِدِ الدِّينِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْفُرُوعِ وَتَقْرِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْسُوطٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِهَا هَاهُنَا بَيَانُ هَذَا الْفَرْقِ خَاصَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ طَاهِرٌ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ وَصَرْفُ الْمَالِ فِي الْمُبَاحَاتِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَ بِسَرَفٍ لِأَنَّ الْإِسْرَافَ فِي النَّفَقَاتِ كَمَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هُوَ التَّبْذِيرُ وَفَسَّرَ ابْنُ مَسْعُودٍ التَّبْذِيرَ بِإِنْفَاقِ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ فَإِذَا كَانَ الْإِنْفَاقُ فِي حَقِّهِ وَلَوْ مُبَاحًا فَلَيْسَ بِسَرَفٍ قَالَ مُجَاهِدٌ لَوْ أَنْفَقَ الرَّجُلُ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ ذَهَبًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ سَرَفًا وَلَوْ أَنْفَقَ دِرْهَمًا وَاحِدًا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ كَانَ سَرَفًا وَحُرْمَتُهُ لِضَرَرِهِ إنْ تَحَقَّقَ فَهِيَ لِأَمْرٍ عَارِضٍ لَا لِذَاتِهِ وَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ يَضُرُّهُ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِ وَدَعْوَى أَنَّهُ مُضِرٌّ مُطْلَقًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا اهـ مَا قَالَهُ عج بِاخْتِصَارٍ كَثِيرٍ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُفَتِّرَ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ حَرَامٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ الْمُتَقَدِّمُ اهـ كَلَامُ ابْنِ حَمْدُونٍ بِاخْتِصَارٍ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِ هَذِهِ الْعُشْبَةِ مِنْ الْمُسْكِرَاتِ مُطْلَقًا فَيَكُونُ نَجِسًا مُوجِبًا لِلْحَدِّ وَحُرْمَةُ قَلِيلِهِ كَكَثِيرِهِ أَوْ مِنْ الْمُفَتِّرَاتِ مُطْلَقًا وَأَنَّهَا تُحْدِثُ اسْتِرْخَاءَ الْأَطْرَافِ وَتُخَدِّرُهَا وَصَيْرُورَتُهَا إلَى وَهَنٍ وَانْكِسَارٍ كَالْحَشِيشَةِ بِحَيْثُ تُشَارِكُ أَوَّلِيَّةَ الْخَمْرِ فِي نَشْوَتِهِ فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ الْقَدْرِ الْمُؤَثِّرِ فِي الْعَقْلِ اتِّفَاقًا وَفِي حُرْمَةِ اسْتِعْمَالِ مَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْلِ خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِي التَّأْثِيرِ إذْ الْغَالِبُ وُقُوعُهُ بِأَدْنَى شَيْءٍ مِنْهَا وَحِفْظُ الْعُقُولِ مِنْ الْكُلِّيَّاتِ الْخَمْسِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا عِنْدَ أَهْلِ الْمِلَلِ أَوْ إبَاحَتِهِ نَظَرًا لِكَوْنِ الْعِلَّةِ تَدُورُ مَعَ الْمَعْلُولِ وُجُودًا وَعَدَمًا قَوْلَانِ أَوْ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمُسْكِرَاتِ وَلَا مِنْ الْمُفَتِّرَاتِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ قَلِيلِهَا كَكَثِيرِهَا لِأَنَّهَا سَرَفٌ وَضَرَرٌ وَنَجَاسَةٌ لِكَوْنِهَا تُبَلُّ بِالْخَمْرِ أَوْ تُبَاحُ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا مِمَّا سَكَتَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِهِ فَهِيَ مِمَّا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ فَالْأَقْوَالُ فِيهَا خَمْسَةٌ اخْتَارَ ابْنُ حَمْدُونٍ مِنْهَا الْقَوْلَ بِأَنَّهَا مِنْ الْمُفَتِّرَاتِ مُطْلَقًا وَأَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ قَلِيلِهَا كَكَثِيرِهَا لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْمُتَقَدِّمِ وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ حُكِيَ الْخِلَافُ فِي إبَاحَةِ قَلِيلِهَا وَاخْتَارَ تَحْرِيمَهُ كَكَثِيرِهَا مَعَ أَنَّ مُفَادَ قَوْلِهِ عَنْ ضَبْحٍ بَعْدَمَا ذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُسْكِرَاتِ وَالْمُرْقِدَاتِ وَالْمُفَتِّرَاتِ بِمِثْلِ مَا قَدَّمْته عَنْ الْأَصْلِ مَا نَصُّهُ وَيَنْبَنِي عَلَى الْإِسْكَارِ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ دُونَ الْأَخِيرَيْنِ الْحَدُّ وَالنَّجَاسَةُ وَتَحْرِيمُ الْقَلِيلِ اهـ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ الْقَلِيلِ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْلِ مِنْ الْمُرْقِدَاتِ كَالْبَنْجِ وَالْمُفَتِّرَاتِ كَالْأَفْيُونِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَيْضًا مِثْلَهُ عَنْ الْأَصْلِ فَلَمْ يُحْكَ الْخِلَافُ فِي إبَاحَةِ مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي التَّرْقِيدِ كَالْبَنْجِ وَلَا مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي التَّفْتِيرِ كَالْأَفْيُونِ فَكَيْفَ يُحْكَى فِي إبَاحَةِ مَا هُوَ فَرْعٌ فِي التَّفْتِيرِ كَهَذِهِ الْعُشْبَةِ وَيُرَجَّحُ الْقَوْلُ بِتَحْرِيمِ قَلِيلِهَا كَكَثِيرِهَا الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ الْمُتَقَدِّمَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْقَدْرِ الْمُفَتِّرِ مِنْهَا فَقَطْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُفَتِّرَ وَإِنْ اقْتَرَنَ فِي الذِّكْرِ وَالنَّهْيِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِالسُّكْرِ الْمُتَقَرِّرِ عِنْدَنَا تَحْرِيمُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقَاعِدَةُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْأُصُولِيِّينَ أَنْ يُعْطَى الْمُقَارِنُ الْمَجْهُولِ الْحُكْمِ حُكْمَ مُقَارِنِهِ الْمَعْلُومِ إلَّا أَنَّ إعْطَاءَ حُكْمِ الْمُسْكِرِ لِلْمُفَتِّرِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا تَحَقَّقَ فِيهِ التَّفْتِيرُ بِالْفِعْلِ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْقَلِيلِ مِنْ الْمُسْكِرِ قِيلَ لِنَجَاسَتِهِ وَكَوْنِهِ ذَرِيعَةً لِاسْتِعْمَالِ الْقَدْرِ الْمُسْكِرِ مِنْهُ وَقِيلَ لِنَجَاسَتِهِ فَقَطْ فَلَا يَحْرُمُ مِنْهُ قَلِيلُ مَا لَيْسَ

بِسَبَبِ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مُخَاطَبِينَ قَالُوا لَوْ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ لَوَجَبَتْ أَمَّا حَالَةُ الْكُفْرِ. وَهُوَ بَاطِلٌ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا حِينَئِذٍ أَوْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى سُقُوطِهَا بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ النُّكْتَةِ أَنْ نَقُولَ نَخْتَارُ أَنَّهَا وَجَبَتْ حَالَةَ الْكُفْرِ وَقَوْلُهُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ قُلْنَا مُسَلَّمٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ حُصُولِ التَّكْلِيفِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَهَذَا الزَّمَانُ لِأَنَّهُ عِنْدَنَا ظَرْفٌ لِلتَّكْلِيفِ لَا لِإِيقَاعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ لُزُومُ الصِّحَّةِ أَنْ لَوْ كَانَ هَذَا الزَّمَانُ ظَرْفًا لِإِيقَاعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ حَتَّى نَقُولَ يَصِحُّ أَمَّا مَا لَا يُكَلَّفُ بِهِ كَيْفَ يُمْكِنُ وَصْفُهُ بِالصِّحَّةِ فَإِنَّ وَصْفَ الصِّحَّةِ تَابِعٌ لِلْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ فَحَيْثُ لَا إذْنَ لَا صِحَّةَ وَمَعْنَى كَوْنِ هَذَا الزَّمَانِ ظَرْفًا لِلتَّكْلِيفِ دُونَ إيقَاعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ أَنَّهُ أَمْرٌ فِي زَمَنِ الْكُفْرِ أَنْ يُزِيلَهُ وَيُبَدِّلَهُ بِالْإِيمَانِ وَيَفْعَلَ الصَّلَاةَ فِي زَمَنِ الْإِسْلَامِ لَا فِي زَمَنِ الْكُفْرِ وَصَارَ زَمَنُ الْكُفْرِ ظَرْفًا لِلتَّكْلِيفِ فَقَطْ وَزَمَنُ الْإِسْلَامِ هُوَ زَمَنُ إيقَاعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ فَتَصَوَّرْنَا حِينَئِذٍ أَنَّ الزَّمَانَ قَدْ يَكُونُ ظَرْفًا لِلتَّكْلِيفِ فَقَطْ وَهَذَا الزَّمَانُ بِخِلَافِ زَمَنِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ زَمَنٌ هُوَ ظَرْفٌ لِلتَّكْلِيفِ بِالصَّوْمِ وَإِيقَاعِهِ مَعًا وَكَذَلِكَ الْقَامَةُ لِلظُّهْرِ فَظَهَرَ بِهَذَا الْفَرْعِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَانْدَفَعَ بِسَبَبِ مَعْرِفَةِ الْفَرْقِ السُّؤَالُ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ وَظَهَرَ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الْمُحْدِثُ مَأْمُورٌ بِإِيقَاعِ الصَّلَاةِ وَمُخَاطَبٌ بِهَا فِي زَمَنِ الْحَدَثِ إجْمَاعًا وَالْكُفْرُ هُوَ الَّذِي وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ أَمَّا زَمَنُ الْحَدَثِ فَلَا ثُمَّ إنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى أَنَّ الْمُحْدِثَ لَا تَصِحُّ مِنْهُ الصَّلَاةُ فِي الزَّمَنِ الَّذِي هُوَ فِيهِ مُحْدِثٌ بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ فِي زَمَنِ الْحَدَثِ أَنْ يُزِيلَ الْحَدَثَ وَيُبَدِّلَهُ بِالطَّهَارَةِ فَإِذَا وُجِدَ زَمَنُ الطَّهَارَةِ فَتَوَقَّعَ الصَّلَاةَ حِينَئِذٍ فَزَمَنُ الطَّهَارَةِ هُوَ زَمَنُ التَّكْلِيفِ بِإِيقَاعِ الصَّلَاةِ دُونَ زَمَنِ الْحَدَثِ وَزَمَنُ الْحَدَثِ هُوَ ظَرْفٌ لِلتَّكْلِيفِ فَقَطْ فَقَدْ تَصَوَّرْنَا أَيْضًا الزَّمَانَ ظَرْفًا لِلتَّكْلِيفِ فَقَطْ دُونَ إيقَاعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ وَأَمَّا الزَّمَانُ الَّذِي هُوَ ظَرْفٌ لَهُمَا فَقَدْ تَقَدَّمَ تَمْثِيلُهُ بِرَمَضَانَ وَغَيْرِهِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الدَّهْرِيُّ مُكَلَّفٌ بِتَصْدِيقِ الرُّسُلِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - مَعَ أَنَّهُ جَاحِدٌ لِلصَّانِعِ وَمَعَ جَحْدِهِ لِلصَّانِعِ يَتَعَذَّرُ مِنْهُ تَصْدِيقُ الرُّسُلِ فَزَمَنُ جَحْدِهِ لِلصَّانِعِ ظَرْفٌ لِلتَّكْلِيفِ بِتَصْدِيقِ الرُّسُلِ دُونَ إيقَاعِ التَّصْدِيقِ لِتَعَذُّرِهِ بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ فِي زَمَنِ الْجَهْلِ بِالصَّانِعِ أَنْ يُزِيلَ هَذَا الْجَهْلَ وَيُبَدِّلَهُ بِعِنْدِهِ وَهُوَ الْعِرْفَانُ فَإِذَا حَصَلَ الْعِرْفَانُ بِالصَّانِعِ فَفِي ذَلِكَ الزَّمَانِ هُوَ مُكَلَّفٌ بِإِيقَاعِ التَّصْدِيقِ لِلرُّسُلِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِنَجِسٍ كَغَيْرِ الْخَمْرِ وَالْمُفَتِّرِ لَيْسَ بِنَجِسٍ اتِّفَاقًا فَكَيْفَ يُقَالُ بِتَحْرِيمِ قَلِيلِهِ وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ وَكَوْنُ اسْتِعْمَالِ قَلِيلِ الْمُفَتِّرِ ذَرِيعَةً لِاسْتِعْمَالِ الْقَدْرِ الْمُفَتِّرِ مِنْهُ لَا يَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ كَوْنِ اسْتِعْمَالِ قَلِيلِ الْمُسْكِرِ ذَرِيعَةً وَاسْتِعْمَالِ كَثِيرِهِ فِي اقْتِضَائِهِ التَّحْرِيمَ عَلَى أَنَّهُ فِي الْمُسْكِرِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ جُزْءَ عِلَّةٍ لَا عِلَّةً تَامَّةً وَأَيْضًا سَيَأْتِي عَنْ اللَّكْنَوِيِّ أَنَّ التَّفْتِيرَ هُنَا لَيْسَ هُوَ التَّفْتِيرُ الْمُوجِبُ لِلتَّحْرِيمِ حَتَّى يَكُونَ اسْتِعْمَالُ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ ذَرِيعَةً فِيمَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ فَافْهَمْ الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ كَوْنَ هَذِهِ الْعُشْبَةِ مُفَتِّرَةً بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ لَيْسَ مُطَّرِدًا فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِهَا وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا زُرِعَ مِنْهَا فِي نَحْوِ وَزَّانَ مِنْ أَعْمَالِ الْمَغْرِبِ الْأَقْصَى وَنَحْوِ الْبُخَارِيّ وَنَحْوِ الْبَاطِنَةِ أَمَّا مَا زُرِعَ مِنْهَا فِي الْأَنَاضُولِ وَنَحْوِ الْيَمَنِ وَالْحِجَازِ وَالشَّامِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ التَّفْتِيرُ أَصْلًا كَمَا أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ مَنْ يَعْتَمِدُ فِي مِثْلِ هَذَا عَلَى أَنَّ الْعِيَانَ شَاهِدُ صِدْقٍ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّا نَجِدُ الصَّغِيرَ الَّذِي فِي الْخَامِسَةِ إذَا اسْتَعْمَلَ الْكَثِيرَ مِمَّا زُرِعَ مِنْهَا فِي نَحْوِ الْيَمَنِ وَهُوَ لَمْ يَعْتَدْهُ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِيهِ أَدْنَى تَفْتِيرٍ فَأُلْحِقَ مَا فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ لِلْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْعُشْبَةَ فِي ذَاتِهَا مُبَاحَةٌ وَيُعْرَضُ لَهَا حُكْمُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا عَلَى الْأَظْهَرِ كَالْبُنِّ وَكَثْرَتُهَا لَهْوٌ اهـ بِتَوْضِيحٍ لِلْمُرَادِ نَعَمْ قَالَ اللَّكْنَوِيُّ إنَّ هَاهُنَا اخْتِلَافَيْنِ الْأَوَّلُ فِي الْحُرْمَةِ وَالْإِبَاحَةِ وَالثَّانِي فِي الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا وَالْحَقُّ فِي الِاخْتِلَافِ الْأَوَّلِ هُوَ الْإِبَاحَةُ وَلَا سَبِيلَ إلَى إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ بِدَلِيلٍ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَفِي الِاخْتِلَافِ الثَّانِي الْحَقُّ فِي جَانِبِ الذَّاهِبِينَ إلَى الْكَرَاهَةِ لِوُجُودِ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ النَّارِ وَالْأَشْرَارِ وَاسْتِعْمَالِ مَا يُعَذَّبُ بِهِ أَرْبَابُ الشِّقَاقِ مِنْ الْكُفَّارِ وَالْفُجَّارِ وَلِإِيرَاثِهِ الرِّيح الْكَرِيهَة غَالِبًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُلِّيًّا اهـ. الْمُرَادُ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ شَرْحِ الْجَوْهَرَةِ لِلَّقَانِيِّ آخِرَ رِسَالَتِهِ تَرْوِيحِ الْجَنَانِ فِي تَشْرِيحِ حُكْمِ شُرْبِ الدُّخَّانِ مَا نَصُّهُ حَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ الْأَعْلَامُ فِي حُرْمَةِ الدُّخَانِ وَكَرَاهَتِهِ وَأَقَلُّ دَرَجَاتِهِ الْكَرَاهَةُ وَمَعَ وُجُودِ عِدَّةٍ مِنْ الْعَوَارِضِ لَا يَنْتَهِي إلَى دَرَجَةِ الْإِبَاحَةِ أَصْلًا وَلَا يُقَاسُ عَلَى الْقَهْوَةِ كَمَا تَوَهَّمَ الْبَعْضُ لِأَنَّ شُبْهَةَ أَهْلِ الْعَذَابِ لَا تَخْلُو عَنْ كَرَاهَةٍ بِخِلَافِ الْقَهْوَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا هَذَا التَّشَبُّهُ وَأَيْضًا فِيهَا مَنَافِعُ بِلَا شَكٍّ بِخِلَافِ الدُّخَانِ اهـ اُنْظُرْهَا إنْ شِئْت فَمِنْ هُنَا مَا قَدَّمْته عَنْ الشَّيْخِ يُوسُفَ الصَّفْتِيِّ مِنْ أَنَّ شُرْبَ الدُّخَانِ مَكْرُوهٌ عَلَى الْأَظْهَرِ لَا يُقَالُ إنَّ كَلَامَ ابْنِ حَمْدُونٍ يُفِيدُ وُقُوعَ الْإِجْمَاعِ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى تَحْرِيمِ الْكَثِيرِ الْمُؤَثِّرِ فِي الْعَقْلِ مِنْهُ كَالْقَلِيلِ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ عِنْدَ جَمِيعِ الْمَغَارِبَةِ وَأَكْثَرِ الْمَشَارِقَةِ وَبَعْدَ الْإِجْمَاعِ كَيْفَ يَكُونُ الْحَقُّ أَوْ الْأَظْهَرُ الْقَوْل بِكَرَاهَةِ الدُّخَانِ وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ مِنْ الْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ قُلْت قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ عَبْدُ الْحَيِّ اللَّكْنَوِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمَذْكُورَةِ الْإِجْمَاعُ الَّذِي هُوَ إحْدَى الْحُجَجُ الْأَرْبَعُ هُوَ إجْمَاعُ الْمُجْتَهِدِينَ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِيِّينَ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الِاجْتِهَادَ الْمُطْلَقَ مُنْقَطِعٌ مِنْ رَأْسِ الْأَرْبَعِمِائَةِ وَقِيلَ مِنْ رَأْسِ الْخَمْسِمِائَةِ فَأَيْنَ وُجُودُ الْمُجْتَهِدِينَ حِينَ حُدُوثِ هَذِهِ الْبِدْعَةِ فِي الْمُسْلِمِينَ أَمَّا الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ أَفْتَوْا بِتَحْرِيمِهِ فَهُمْ لَيْسُوا مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ حَتَّى يَجِبَ تَقْلِيدُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَصْحَابِ

فَالزَّمَنُ الثَّانِي فِي الْكَافِرِ وَالْمُحْدِثِ وَالدَّهْرِيِّ هُوَ زَمَنُ التَّكْلِيفِ وَإِيقَاعُ الْمُكَلَّفِ بِهِ وَزَمَنُ الْكُفْرِ وَالْحَدَثِ وَجَحْدُ الصَّانِعِ هُوَ ظَرْفٌ لِلتَّكْلِيفِ دُونَ إيقَاعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ فَتَأَمَّلْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَالسِّرَّ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ يَتَيَسَّرُ عَلَيْك الْجَوَابُ عَنْ أَسْئِلَةِ الْخُصُومِ وَشُبُهَاتِهِمْ وَهُوَ فَرْقٌ لَطِيفٌ شَرِيفٌ. (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ كَوْنِ الزَّمَانِ ظَرْفًا لِإِيقَاعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ فَقَطْ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ كَوْنِ الزَّمَانِ ظَرْفًا لِلْإِيقَاعِ) وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ سَبَبٌ لِلتَّكْلِيفِ وَالْوُجُوبِ فَيَجْتَمِعُ الطَّرَفَانِ الظَّرْفِيَّةُ وَالسَّبَبِيَّةُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْأَجْزَاءِ وَيَتَّضِحُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ بِذِكْرِ سَبْعِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ كَالْقَامَةِ مَثَلًا بِالنِّسْبَةِ لِلظُّهْرِ هِيَ ظَرْفٌ لِلْمُكَلَّفِ بِهِ لِوُقُوعِهِ فِيهَا وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا سَبَبٌ لِلتَّكْلِيفِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ سَبَبُ التَّكْلِيفِ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ إنَّمَا هُوَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْهَا فَقَطْ لَكَانَ مَنْ بَلَغَ بَعْدَهُ أَوْ أَسْلَمَ مِنْ الْكُفَّارِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الظُّهْرِ لِتَأَخُّرِهِ عَنْ السَّبَبِ وَزَوَالُ الْمَانِعِ وَاجْتِمَاعُ الشَّرَائِطِ بَعْدَ زَوَالِ الْأَسْبَابِ لَا تُفِيدُ شَيْئًا بِدَلِيلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّ الْبُلُوغَ إذَا جَاءَ بَعْدَهَا لَا يُحَقِّقُ وُجُوبًا فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ أَنْ يُصَادِفَ الْبُلُوغُ وَنَحْوُهُ سَبَبًا بَعْدَهُ فَوَجَبَ الظُّهْرُ عَلَى مَنْ بَلَغَ فِي الْقَامَةِ بِالْجُزْءِ الَّذِي صَادَفَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي بَقِيَّةِ أَرْبَابِ الْأَعْذَارِ فَظَهَرَ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ مُسَاوٍ لِلزَّوَالِ فِي السَّبَبِيَّةِ وَأَنَّ مَا سَبَقَ إلَى الْفَهْمِ أَنَّ السَّبَبَ لِلظُّهْرِ إنَّمَا هُوَ الزَّوَالُ فَقَطْ لَيْسَ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّهَا كُلُّهَا ظُرُوفٌ لِلتَّكْلِيفِ وَجَمِيعُ أَجْزَائِهَا ظُرُوفٌ وَأَسْبَابٌ لَهُ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَيَّامُ الْأَضَاحِيّ الثَّلَاثَةُ أَوْ الْأَرْبَعَةُ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ظُرُوفٌ لِلْأَمْرِ بِالْأُضْحِيَّةِ لِوُجُودِهِ فِيهَا وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا سَبَبٌ لِلْأَمْرِ أَيْضًا بِالْأُضْحِيَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ تَجَدَّدَ إسْلَامُهُ مِنْ الْكُفَّارِ أَوْ بُلُوغُهُ مِنْ الصِّبْيَانِ يَتَجَدَّدُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِالْأُضْحِيَّةِ وَكَذَلِكَ مَنْ عَتَقَ مِنْ الْعَبِيدِ وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِأَنَّهُ وُجِدَ بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ وَحُصُولُ الشَّرْطِ مَا هُوَ سَبَبٌ لِلْأَمْرِ بِالْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ الْجُزْءُ الْكَائِنُ بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَتَكُونُ كُلُّهَا ظُرُوفًا وَأَسْبَابًا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاجْتِهَادِ فِي الْمَذْهَبِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ أَيْضًا مُخْتَلِفُونَ فَانْتَفَى الْإِجْمَاعُ رَأْسًا اهـ بِلَفْظِهِ. ثُمَّ قَالَ اللَّكْنَوِيُّ وَرَأَيْت فِي تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ عَابْدِينَ مَا نَصُّهُ (مَسْأَلَةٌ) أَفْتَى أَئِمَّةٌ أَعْلَامٌ بِتَحْرِيمِ شُرْبِ الدُّخَانِ الْمَشْهُورِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْنَا تَقْلِيدُهُمْ وَإِفْتَاءُ النَّاسِ بِحُرْمَتِهِ أَمْ لَا فَلْنُبَيِّنْ ذَلِكَ بَعْدَمَا حَقَّقَهُ أَئِمَّةُ أُصُولِ الدِّينِ قَالَ شَارِحُ مِنْهَاجِ الْوُصُولِ إلَى عِلْمِ الْأُصُولِ لِلْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ عُمَر الْبَيْضَاوِيِّ وَيَجُوزُ الْإِفْتَاءُ لِلْمُجْتَهِدِينَ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا الْمُقَلِّدُ الْمُجْتَهِدُ وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ الْمُجْتَهِدِ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْقَاضِي الْبَيْضَاوِيِّ الْجَوَازُ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ بِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْفَتْوَى إذْ لَيْسَ فِي زَمَانِهِ مُجْتَهِدٌ اهـ وَكَلَامُ الْإِمَامِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ مُجْتَهِدٌ فَكَيْفَ زَمَانُنَا الْآنَ فَإِنَّ شُرُوطَ الِاجْتِهَادِ لَا تَكَادُ تُوجَدُ فَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الَّذِينَ أَفْتَوْا بِتَحْرِيمِ التُّنْبَاكِ إنْ كَانَ فَتْوَاهُمْ عَنْ اجْتِهَادٍ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْنَا تَقْلِيدُهُمْ فَاجْتِهَادُهُمْ لَيْسَ بِثَابِتٍ فَإِنْ كَانَ عَنْ تَقْلِيدِ غَيْرِهِمْ فَإِمَّا عَنْ مُجْتَهِدٍ آخَرَ حَتَّى سَمِعُوا مَنْ فِيهِ مُشَافَهَةٌ فَهُوَ أَيْضًا لَيْسَ بِثَابِتٍ وَإِمَّا مِنْ مُجْتَهِدٍ ثَبَتَ إفْتَاؤُهُ فِي الْكُتُبِ فَهُوَ أَيْضًا كَذَلِكَ إذْ لَمْ يَرِدْ فِي كِتَابٍ وَلَمْ يَنْقُلُوا عَنْ دَفْتَرٍ فِي إفْتَائِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَى حُرْمَتِهِ فَكَيْفَ سَاغَ لَهُمْ الْفَتْوَى وَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْنَا تَقْلِيدُهُمْ وَالْحَقُّ فِي إفْتَاءِ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ فِي هَذَا الزَّمَانِ التَّمَسُّكُ بِالْأَصْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْبَيْضَاوِيُّ فِي الْأُصُولِ وَوَصَفَهُمَا بِأَنَّهُمَا نَافِعَانِ فِي الشَّرْعِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَنَافِعِ الْإِبَاحَةُ وَالْمَأْخَذُ الشَّرْعِيُّ آيَاتٌ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] وَاللَّامُ لِلنَّفْعِ فَتَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمُنْتَفَعِ بِهِ مَأْذُونٌ بِهِ شَرْعًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى {مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: 32] وَالزِّينَةُ تَدُلُّ عَلَى الِانْتِفَاعِ الثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] الْمُرَادُ بِالطَّيِّبَاتِ الْمُسْتَطَابَاتُ طَبْعًا وَذَلِكَ يَقْتَضِي حِلَّ الْمَنَافِعِ بِأَسْرِهَا وَالثَّانِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَضَارِّ التَّحْرِيمُ وَالْمَنْعُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَأَيْضًا ضَبَطَ أَهْلُ الْفِقْهِ حُرْمَةَ التَّنَاوُلِ إمَّا بِالْإِسْكَارِ كَالْبَنْجِ وَإِمَّا بِالْإِضْرَارِ بِالْبَدَنِ كَالتُّرَابِ وَالتِّرْيَاقِ أَوْ بِالِاسْتِقْذَارِ كَالْمُخَاطِ وَالْبُزَاقِ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا كَانَ طَاهِرًا وَبِالْجُمْلَةِ إنْ ثَبَتَ فِي هَذَا الدُّخَانِ أَضْرَارٌ صُرِفَ عَنْ الْمَنَافِعِ فَيَجُوزُ الْإِفْتَاءُ بِتَحْرِيمِهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ أَضْرَارُهُ فَالْأَصْلُ الْحِلُّ مَعَ أَنَّ الْإِفْتَاءَ بِحِلِّهِ فِيهِ دَفْعُ الْحَرَجِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ مُبْتَلَوْنَ بِتَنَاوُلِهِ فَتَحْلِيلُهُ أَيْسَرُ مِنْ تَحْرِيمِهِ «وَمَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ شَيْئَيْنِ إلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا» وَأَمَّا كَوْنُهُ بِدْعَةً فَلَا ضَرَرَ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ فِي التَّنَاوُلِ لَا فِي الدِّينِ فَإِثْبَاتُ حُرْمَتِهِ أَمْرٌ عَسِيرٌ لَا يَكَادُ يُوجَدُ لَهُ نَصِيرُ نَعَمْ لَوْ أَضَرَّ بِبَعْضِ الطَّبَائِعِ فَهُوَ عَلَيْهِ حَرَامٌ أَوْ نَفَعَ بِبَعْضٍ وَقَصَدَ التَّدَاوِيَ فَهُوَ مَرْغُوبٌ هَذَا مَا سَنَحَ فِي الْخَاطِرِ إظْهَارًا لِلصَّوَابِ مِنْ غَيْرِ تَعَنُّتٍ وَلَا عِنَادٍ فِي الْجَوَابِ كَذَا أَجَابَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ حَيْدَرٍ الْكُرْدِيُّ الْجَزَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ كَلَامُ ابْنِ عَابِدِينَ

لِلْأَمْرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) شَهْرُ رَمَضَانَ الْمُعَظَّمِ ظَرْفٌ لِلتَّكْلِيفِ لِوُقُوعِهِ فِيهِ وَكُلُّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِهِ سَبَبٌ لِلتَّكْلِيفِ لِمَنْ اسْتَقْبَلَهُ فَمَنْ بَلَغَ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ زَالَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَيْضُ أَوْ قَدِمَ مِنْ السَّفَرِ فَيَلْزَمُهُ لِلْيَوْمِ الَّذِي يَسْتَقْبِلُهُ وَأَمَّا أَجْزَاءُ الْيَوْمِ فَلَيْسَتْ أَسْبَابًا لِلتَّكْلِيفِ بَلْ ظُرُوفًا لَهُ بِدَلِيلِ حُصُولِ التَّكْلِيفِ فِيهَا وَعَدَمُ التَّكْلِيفِ فِيهَا عَلَى مَنْ بَلَغَ فِي بَعْضِ يَوْمٍ أَوْ أَسْلَمَ وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَ أَجْزَاءِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَأَجْزَاءِ شَهْرِ الصَّوْمِ أَنَّ مُطْلَقَ الْجُزْءِ كَيْفَ كَانَ وَإِنْ قَلَّ مَا لَمْ يَنْقُصْ عَنْ زَمَنٍ يَسَعُ إيقَاعُ رَكْعَةٍ سَبَبُ التَّكْلِيفِ فَإِنْ نَقَصَ عَنْ زَمَنِ رَكْعَةِ فَعِنْدَ مَالِكٍ لَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ وَعِنْدَ غَيْرِهِ يَجِبُ بِأَقَلَّ مِنْ إدْرَاكِ رَكْعَةٍ وَيُحْكَى عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَمَّا أَجْزَاءُ شَهْرِ الصَّوْمِ فَلَا بُدَّ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ أَنْ يَكُونَ يَوْمًا كَامِلًا فَهُوَ وِزَانُ زَمَنٍ يَسَعُ رَكْعَةً عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ مِمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ الظَّرْفِيَّةُ وَالسَّبَبِيَّةُ فَنَذْكُرُ ثَلَاثًا أُخَرَ مِمَّا هُوَ ظَرْفٌ فَقَطْ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَضَاءُ رَمَضَانَ يَجِبُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا إلَى شَعْبَانَ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ كَمَا تَجِبُ الظُّهْرُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا مِنْ أَوَّلِ الْقَامَةِ إلَى آخِرِهَا غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الشُّهُورَ ظَرْفٌ لِلتَّكْلِيفِ بِإِيقَاعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ دُونَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا سَبَبًا لِلتَّكْلِيفِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ زَالَ عُذْرُهُ فِيهَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنَّمَا السَّبَبُ فِي وُجُوبِ هَذَا الصَّوْمِ أَجْزَاءُ رَمَضَانَ السَّابِقِ فَكُلُّ يَوْمٍ هُوَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ فِي يَوْمٍ آخَرَ مِنْ هَذِهِ الشُّهُورِ إذَا لَمْ يَصُمْ فِيهِ وَلَا يَعْتَقِدُ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ هُوَ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فَقَطْ بَلْ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ سَبَبٌ لِجَعْلِ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ وَظَرْفًا لَهُ فَيَصِيرُ سَبَبُ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ كُلَّ يَوْمٍ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْإِيقَاعِ فِيهِ وَتَفْوِيتُهُ سَبَبًا لِلصَّوْمِ فِي يَوْمٍ آخَرَ مِنْ هَذِهِ الشُّهُورِ فَقَطْ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَقَلَّ مَنْ يَتَفَطَّنُ لَهُ بَلْ يَعْتَقِدُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ أَنَّ سَبَبَ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ هُوَ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فَقَطْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ سَبَبٌ لِسَبَبِيَّةِ ثَلَاثِينَ سَبَبًا لِلْقَضَاءِ وَهِيَ ثَلَاثُونَ تَرْكًا إنْ وَقَعَتْ أَوْ بَعْضُهَا وَسَبَبٌ لِوُجُوبِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مُسَبَّبَاتٌ فَقَطْ لَا أَسْبَابٌ فَصَارَتْ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ يَتَعَلَّقُ بِهَا سِتُّونَ يَوْمًا ثَلَاثُونَ يَوْمًا مُسَبَّبَاتُ صَوْمٍ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا أَسْبَابُ تُرُوكٍ هَذَا تَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَظَهَرَ أَنَّ شُهُورَ الْقَضَاءِ ظُرُوفٌ لِلتَّكْلِيفِ لَا أَسْبَابٌ لَهُ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) جَمِيعُ الْعُمْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ بِمَنْعِ مَنْ يَعْتَادُ كَثْرَةَ شُرْبِ الدُّخَانِ كَأَكْلِ الْبَصَلِ وَالثُّومِ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِوُجُودِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ فِي فَمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ تَتَأَذَّى مِنْهَا اهـ كَلَامُ اللَّكْنَوِيِّ وَبِالْجُمْلَةِ فَمَنْ عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ شُرْبِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مُخْتَارِهِ فَيُدْخِلُ عَلَيْهِمْ شَغَبًا فِي أَنْفُسِهِمْ وَحِيرَةً فِي دِينِهِمْ إذْ مِنْ شَرْطِ التَّغْيِيرِ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ قَالَ عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ مَا نَصُّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنْ الْمُنْكَرِ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مَذْهَبِهِ وَإِنَّمَا يُغَيِّرُ مَا اُجْتُمِعَ عَلَى إحْدَاثِهِ وَإِنْكَارِهِ اهـ وَقَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ فِي مِنْهَاجِهِ أَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَلَا إنْكَارَ فِيهِ وَلَيْسَ لِلْمُفْتِي وَلَا لِلْقَاضِي أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ إذَا لَمْ يُخَالِفْ نَصَّ الْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ وَنَحْوُ هَذَا فِي جَامِعِ الذَّخِيرَةِ لِلْقَرَافِيِّ وَنَحْوِهِ فِي قَوَاعِدِ عِزِّ الدِّينِ قَالَ شَيْخُ الشُّيُوخِ ابْنِ لُبٍّ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْخِلَافُ فِي كَرَاهِيَةٍ لَا فِي تَحْرِيمٍ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ وَرُبَّمَا يُؤَوَّلُ الْإِنْكَارُ إلَى أَمْرٍ يَحْرُمُ اهـ وَقَدْ نَقَلَ الْبُرْزُلِيُّ فِي نَوَازِلِهِ كَلَامَ ابْنِ لُبٍّ مَعْزُوًّا لِبَعْضٍ الشُّيُوخِ وَرَشَّحَهُ أَفَادَهُ الْمَوَّاقُ فِي شَرْحِهِ عَلَى خَلِيلٍ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ وَلَا تَنْظُرْ لِمَنْ قَالَ بَلْ لَمَّا قَالَ كَمَا هُوَ دَأْبُ الرِّجَالِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) أَفَادَ الْحَطَّابُ أَنَّ ظُهُورَ قَهْوَةِ الْبُنِّ كَانَ فِي الْقَرْنِ الْعَاشِرِ وَقَبْلَهُ بِيَسِيرٍ وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي أَنَّ أَوَّلَ مَنْ شَرِبَهَا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِشُرْبِهَا لِيَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى السَّهَرِ فِي الْعِبَادَةِ الشَّيْخُ الْوَلِيُّ الصَّالِحُ الْمُتَّفَقُ عَلَى وِلَايَتِهِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيٌّ الشَّاذِلِيُّ الْيَمَنِيّ لَا الْمَغْرِبِيُّ وَنَقَلَ الْأُجْهُورِيُّ عَنْ الْجُنَيْدِ أَنَّ الْبُنَّ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ غَرَسَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ تُسَمَّى شَجَرَةَ السُّلْوَانِ فَلَمَّا أَهْبَطَ اللَّهُ آدَمَ هَبَطَ بِهَا مَعَهُ مِنْ الْجَنَّةِ لِلسُّلْوَانِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَرَمَاهَا فِي هَذِهِ الْأَرْضِ وَهِيَ أَرْضُ زَيْلَعِ الْحَبَشَةِ وَقَالَ ابْنُ سِينَا نَقْلًا عَنْ صَاحِبِ الْقَامُوسِ فِي كِتَابِ الطِّبِّ أَنَّ الْبُنَّ الْمَعْلُومَ فِي بَلَدِ زَيْلَعِ الْحَبَشَةِ هُوَ الْبَنْدُ بِزِيَادَةِ الدَّالِ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا فَمِنْ مُتَغَالٍ فِيهَا يَرَى أَنَّ شُرْبَهَا قُرْبَةٌ وَمِنْ غَالٍ يَرَى أَنَّ شُرْبَهَا مُسْكِرٌ كَالْخَمْرِ وَالْحَقُّ أَنَّهَا فِي ذَاتِهَا لَا إسْكَارَ فِيهَا وَإِنَّمَا فِيهَا تَنْشِيطٌ لِلنَّفْسِ وَيَحْصُلُ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا ضَرَاوَةٌ تُؤَثِّرُ فِي الْبَدَنِ عِنْدَ تَرْكِهَا كَمَنْ اعْتَادَ اللَّحْمَ بِالزَّعْفَرَانِ وَالْمُفْرَدَاتِ فَيَتَأَثَّرُ عِنْدَ تَرْكِهِ وَيَحْصُلُ لَهُ انْشِرَاحٌ بِاسْتِعْمَالِهِ غَيْرَ أَنَّهَا تَعْرِضُ لَهَا الْحُرْمَةُ لِأُمُورٍ ذَكَرَهَا الْحَطَّابُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَاللَّقَانِيِّ فِي شَرْحِ الْجَوْهَرَةِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ ابْنِ حَمْدُونٍ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ وَزُبْدَةُ مَا فِي الْحَطَّابِ أَنَّهَا فِي ذَاتِهَا مُبَاحَةٌ وَيَعْرِضُ لَهَا حُكْمُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا اهـ وَفِي تَرْوِيحِ الْجَنَانِ لِلَّكْنَوِيِّ وَالْحَقُّ فِي اسْتِعْمَالِ الْقَهْوَةِ هُوَ الْحِلُّ كَشُرْبِ الدُّخَانِ إلَّا أَنَّ حِلَّ اسْتِعْمَالِهَا خَالٍ عَنْ الْكَرَاهَةِ أَيْضًا بِخِلَافِ حِلِّ شُرْبِ الدُّخَانِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ شَرْحِ الْجَوْهَرَةِ لِلَّقَانِيِّ مَا نَصُّهُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَيْسَ الْإِسْكَارُ وَلَا فَسَادُ الْعَقْلِ فِي الْقَهْوَةِ بِنَفْسِهَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْفَوَائِدِ الْبَدَنِيَّةِ فَيُبَاحُ تَنَاوُلُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُقَارَنًا بِالْمُحَرَّمَاتِ الْخَارِجِيَّةِ كَالْإِدَارَةِ عَلَى هَيْئَةِ الْفَسَقَةِ أَوْ تَنَاوُلِهَا فِي الْأَوَانِي الْمُحَرَّمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) الأتاي عُشْبٌ يُزْرَعُ بِأَرْضِ الصِّينِ وَوَرَقُهُ وَنَبَاتُهُ كَالْقَصَبِ وَيُحْصَدُ

[الفرق بين قاعدة كون الزمان ظرف التكليف]

ظَرْفٌ لِوُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِإِيقَاعِ النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ لِوُجُودِ التَّكْلِيفِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ سَبَبًا لِلتَّكْلِيفِ بِالْكَفَّارَةِ أَوْ النَّذْرِ بَلْ سَبَبُ الْكَفَّارَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ يَمِينٍ أَوْ غَيْرِهِ وَسَبَبُ لُزُومِ النَّذْرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِالْتِزَامِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) شُهُورُ الْعِدَدِ ظُرُوفٌ لِلتَّكْلِيفِ بِالْعِدَّةِ لِوُجُودِهِ فِيهَا وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا سَبَبًا لِلتَّكْلِيفِ بِالْعِدَّةِ بَلْ سَبَبُ لُزُومِ الْعِدَّةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْوَفَاةِ أَوْ الطَّلَاقِ وَهَذِهِ الشُّهُورُ تُشْبِهُ شُهُورَ قَضَاءِ رَمَضَانَ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ السَّبَبِيَّةِ وَتُفَارِقُهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ شُهُورَ الْعِدَّةِ التَّكْلِيفُ فِيهَا مُضَيَّقٌ وَالْوُجُوبُ فِي شُهُورِ قَضَاءِ رَمَضَانَ مُوَسَّعٌ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْفُرُوقَ وَإِذَا تَقَرَّرَتْ مَسَائِلُ الْقِسْمَيْنِ فَاذْكُرْ مَسْأَلَةً مُرَكَّبَةً مِنْ الْقِسْمَيْنِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ فَأَقُولُ (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) زَكَاةُ الْفِطْرِ اُخْتُلِفَ فِيهَا مَتَى تَجِبُ قِيلَ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ آخِرَ أَيَّامِ رَمَضَانَ وَقِيلَ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْفِطْرِ وَقِيلَ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْهُ وَقِيلَ تَجِبُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ آخِرَ أَيَّامِ رَمَضَانَ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ يَوْمَ الْفِطْرِ وَقَوْلُ هَذَا الْقَائِلِ تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا مِنْ الْغُرُوبِ إلَى الْغُرُوبِ مَعْنَاهُ إنَّهُ لَا يَأْثَمُ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْمَنْقُولُ عَنْ صَاحِبِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ يَوْمَ الْفِطْرِ وَأَنَّهُ إنَّمَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ بَعْدَ الْغُرُوبِ يَوْمَ الْفِطْرِ وَهَذَا هُوَ عَيْنُ الْقَوْلِ الرَّابِعِ وَقَدْ عَسُرَ الْفَرْقُ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إنَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَائِلَ الْأَوَّلَ يَقُولُ غُرُوبُ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الصَّوْمِ سَبَبٌ وَمَا بَعْدَهُ ظَرْفٌ لِلتَّكْلِيفِ فَقَطْ وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ هَذَا الزَّمَانِ سَبَبًا لِلتَّكْلِيفِ وَالْقَائِلُ الرَّابِعُ يَقُولُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ هَذَا الزَّمَانِ مِنْ الْغُرُوبِ إلَى الْغُرُوبِ ظَرْفٌ لِلتَّكْلِيفِ وَسَبَبٌ لَهُ فَقَدْ اشْتَرَكَا فِي التَّوْسِعَةِ لَكِنْ تَوْسِعَةُ الْأَوَّلِ كَتَوْسِعَةِ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَتَوْسِعَةُ الثَّانِي كَتَوْسِعَةِ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّوْسِعَتَيْنِ قَدْ تَقَدَّمَ وَأَنَّ التَّوْسِعَةَ قَدْ تَسْتَمِرُّ فِيهَا السَّبَبِيَّةُ وَقَدْ لَا تَسْتَمِرُّ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَنْ بَلَغَ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَوْ عَتَقَ أَوْ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي كَاَلَّذِي يَبْلُغُ فِي أَثْنَاءِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَلَا يُتَّجَهُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ كَمَنْ بَلَغَ فِي شُهُورِ قَضَاءِ الصَّوْمِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْلَمَهُ إلَّا مَنْ عَلِمَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي كُلِّ سَنَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَوَّلُ حَصَادِهِ لِلْمَلِكِ وَهُوَ أَعْلَاهُ الثَّانِي لِلْعُمَّالِ وَالْخُدَّامِ وَالثَّالِثُ لِسَائِرِ سُكَّانِ الْبَلْدَةِ وَيَجْلِبُهُ التُّجَّارُ لِسَائِرِ الْأَقَالِيمِ وَهَذَا النَّوْعُ يَكُونُ ضَعِيفًا مِنْ حَيْثُ الْخَاصِّيَّةُ وَالتَّأْثِيرُ وَلَهُ مَنَافِعُ وَخَوَاصُّ أَلَّفَ بَعْضُهُمْ فِيهَا رِسَالَةً وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ فَحَرَّمَهُ بَعْضُ قُضَاةِ الْعَصْرِ وَأَلَّفَ فِيهِ تَأْلِيفًا سَمَّاهُ رَقَمَ الْآي فِي تَحْرِيمِ الْأَتَاي وَسُئِلَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ فَأَجَابَ أَرَى شُرْبَ الْأَتَايْ الْيَوْمَ جَرْحًا ... فَلَا تَبْقَى إذًا مَعَهُ الْعَدَالَهْ فَلَمْ يَحْرُمْ وَلَمْ يُكْرَهْ وَلَكِنْ ... رَأَيْنَا كُلَّ ذِي سَفَهٍ عِدَالَهْ وَالْحَقُّ أَنَّهُ مَنْ سَلِمَ مِنْ عَوَارِضِ تَحْرِيمِهِ يَرْجِعُ فِي حَقِّهِ إلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ كَمَا فِي ابْنِ حَمْدُونٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْن قَاعِدَةِ كَوْنِ الزَّمَانِ ظَرْفَ التَّكْلِيفِ] (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ كَوْنِ الزَّمَانِ ظَرْفَ التَّكْلِيفِ دُونَ الْمُكَلَّفِ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ كَوْنِ الزَّمَانِ ظَرْفًا لِإِيقَاعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ مَعَ التَّكْلِيفِ) وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ زَمَنَ الْكُفْرِ وَالْحَدَثِ وَجَحْدِ الصَّانِعِ هُوَ ظَرْفُ التَّكْلِيفِ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ فِي الْكَافِرِ وَبِإِيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي الْمُحْدِثِ وَبِتَصْدِيقِ الرُّسُلِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الدَّهْرِيِّ وَلَيْسَ هُوَ بِظَرْفٍ لِإِيقَاعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ لِتَعَذُّرِهِ فِيهِ وَزَمَنُ إسْلَامِ الْكَافِرِ وَطَهَارَةُ الْمُحْدِثِ وَعِرْفَانُ الدَّهْرِيِّ بِالصَّانِعِ بَعْدُ هُوَ ظَرْفٌ لِإِيقَاعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ مَعَ التَّكْلِيفِ وَيَتَّضِحُ هَذَا الْفَرْقُ بِذِكْرِ ثَلَاثِ مَسَائِلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى لَا خِلَافَ فِي خِطَابِ الْكُفَّارِ بِالْإِيمَانِ وَبِقَوَاعِدِ الدِّينِ وَفِي خِطَابِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ أَيْضًا أَقْوَالٌ ثَالِثُهَا بِالنَّوَاهِي دُونَ الْأَوَامِرِ وَحُجَّةُ الْقَائِلِ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مُخَاطَبِينَ أَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ لَوَجَبَتْ أَمَّا حَالَةُ الْكُفْرِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا حِينَئِذٍ وَأَمَّا بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى سُقُوطِهَا بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَحُجَّةُ الْقَائِلِ بِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ حَالَةَ الْكُفْرِ عَدَمُ حُصُولِ التَّكْلِيفِ حِينَئِذٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ وَهَذَا الزَّمَانُ عِنْدَنَا ظَرْفٌ لِلتَّكْلِيفِ لَا لِإِيقَاعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ لُزُومُ الصِّحَّةِ أَنْ لَوْ كَانَ هَذَا الزَّمَانُ ظَرْفًا فَالْإِيقَاعُ الْمُكَلَّفُ بِهِ حَتَّى نَقُولَ يَصِحُّ أَمَّا مَا لَا يُكَلَّفُ بِإِيقَاعِهِ كَيْفَ يُمْكِنُ وَصْفُهُ بِالصِّحَّةِ وَوَصْفُ الصِّحَّةِ تَابِعٌ لِلْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ فَحَيْثُ لَا إذْنَ لَا صِحَّةَ وَمَعْنَى كَوْنِ هَذَا الزَّمَانِ ظَرْفًا لِلتَّكْلِيفِ دُونَ إيقَاعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ أَنَّهُ أَمْرٌ فِي زَمَنِ الْكُفْرِ أَنْ يُزِيلَهُ وَيُبَدِّلَهُ بِالْإِيمَانِ وَيَفْعَلَ الصَّلَاةَ فِي زَمَنِ الْإِسْلَامِ لَا فِي زَمَنِ الْكُفْرِ بِحَيْثُ يَصِيرُ زَمَنُ الْكُفْرِ ظَرْفًا لِلتَّكْلِيفِ فَقَطْ وَزَمَنُ الْإِسْلَامِ هُوَ زَمَنُ إيقَاعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ وَالتَّكْلِيفُ مَعًا كَزَمَنِ رَمَضَانَ وَالْقَامَةِ لِلظُّهْرِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَا خِلَافَ فِي كَوْنِ الْمُحْدِثِ مَأْمُورًا بِإِيقَاعِ الصَّلَاةِ وَمُخَاطَبًا بِهَا فِي زَمَنِ الْحَدَثِ بِخِلَافِ الْكَافِرِ فَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَارُّ إلَّا أَنَّ الْمُحْدِثَ لَا تَصِحُّ مِنْهُ الصَّلَاةُ فِي الزَّمَنِ الَّذِي هُوَ فِيهِ مُحْدِثٌ إجْمَاعًا بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ فِي زَمَنِ الْحَدَثِ أَنْ يُزِيلَ الْحَدَثَ وَيُبَدِّلَهُ بِالطَّهَارَةِ فَإِذَا وَجَدَ زَمَنَ الطَّهَارَةِ أَوْقَعَ الصَّلَاةَ حِينَئِذٍ فَزَمَنُ الطَّهَارَةِ هُوَ زَمَنُ التَّكْلِيفِ بِإِيقَاعِ

[الفرق بين قاعدة كون الزمان ظرفا لإيقاع المكلف به فقط وبين قاعدة كون الزمان ظرفا للإيقاع]

الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ تَلَخَّصَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ تَلْخِيصًا ظَاهِرًا بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى. (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اللُّزُومِ الْجُزْئِيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اللُّزُومِ الْكُلِّيِّ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا لَزِمَ شَيْءٌ شَيْئًا فَقَدْ يَكُونُ لُزُومُهُ كُلِّيًّا عَامًّا وَقَدْ يَكُونُ جُزْئِيًّا خَاصًّا وَضَابِطُ اللُّزُومِ الْكُلِّيِّ الْعَامِّ أَنْ يَكُونَ الرَّبْطُ بَيْنَهُمَا وَاقِعًا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ وَعَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ الْمُمْكِنَةِ كَلُزُومِ الزَّوْجِيَّةِ لِلْعِشْرَةِ فَمَا مِنْ حَالَةٍ تَعْرِضُ وَلَا زَمَانٍ وَلَا تَقْدِيرٍ يُقَدَّرُ مِنْ التَّقَادِيرِ الْمُمْكِنَةِ إلَّا وَالزَّوْجِيَّةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لَازِمَةٌ لِلْعِشْرَةِ وَقَدْ يَكُونُ اللُّزُومُ كُلِّيًّا عَامًّا فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ كَقَوْلِنَا كُلَّمَا كَانَ زَيْدٌ يَكْتُبُ فَهُوَ يُحَرِّكُ يَدَهُ أَيْ مَا مِنْ حَالَةٍ تَعْرِضُ وَلَا زَمَانٍ مَا يُشَارُ إلَيْهِ وَزَيْدٌ يَكْتُبُ إلَّا وَهُوَ يُحَرِّكُ يَدَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَفِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَاللُّزُومُ بَيْنَ كِتَابَتِهِ وَحَرَكَةِ يَدِهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ وَالشَّخْصُ وَاحِدٌ فَهَذَا هُوَ اللُّزُومُ الْكُلِّيُّ وَاللُّزُومُ الْجُزْئِيُّ هُوَ لُزُومُ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ دُونَ بَعْضٍ أَوْ بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ دُونَ بَعْضٍ وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِسُؤَالٍ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الطَّهَارَةَ الْكُبْرَى الَّتِي هِيَ غُسْلُ الْجَنَابَةِ مَثَلًا إذَا حَصَلَتْ أَغْنَتْ عَنْ الْوُضُوءِ وَجَازَتْ بِهَا الصَّلَاةُ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ وُضُوءٍ فَقَالَ هَذَا السَّائِلُ أَنْتُمْ جَعَلْتُمْ الطَّهَارَةَ الصُّغْرَى لَازِمَةً لِلطَّهَارَةِ الْكُبْرَى وَالْقَاعِدَةُ الْعَقْلِيَّةُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ اللَّازِمِ انْتِفَاءُ الْمَلْزُومِ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا مِنْ انْتِفَاءِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى انْتِفَاءُ الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى فَإِذَا أَحْدَثَ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ تَنْتِفِي الطَّهَارَةُ الْكُبْرَى بَعْدَ انْتِفَاءِ الصُّغْرَى فَيَلْزَمُهُ الْغُسْلُ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَيَلْزَمُ الْفُقَهَاءُ بِقَوْلِهِمْ إنَّ الطَّهَارَةَ الصُّغْرَى لَازِمَةٌ لِلطَّهَارَةِ الْكُبْرَى أَمَّا مُخَالَفَةُ الْقَاعِدَةِ الْعَقْلِيَّةِ بِأَنْ لَا يَلْزَمَ مِنْ انْتِفَاءِ اللَّازِمِ انْتِفَاءُ الْمَلْزُومِ إنْ أَبْقَوْا الطَّهَارَةَ الْكُبْرَى بَعْدَ انْتِفَاءِ الصُّغْرَى. وَأَمَّا مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ إنْ أَوْجَبُوا الْغُسْلَ بِخُرُوجِ الرِّيحِ أَوْ الْغَائِطِ أَوْ الْمُلَامَسَةِ وَكِلْتَا الْقَاعِدَتَيْنِ لَا سَبِيلَ إلَى مُخَالَفَتِهِمَا فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى لِلطَّهَارَةِ الْكُبْرَى هَذَا تَقْرِيرُ السُّؤَالِ وَهُوَ سُؤَالٌ قَوِيٌّ حَسَنٌ يَحْتَاجُ الْجَوَابُ عَنْهُ إلَى مَعْرِفَةِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَمَنْ جَهِلَ هَذَا الْفَرْقَ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّلَاةِ دُونَ زَمَنِ الْحَدَثِ وَزَمَنُ الْحَدَثِ هُوَ ظَرْفٌ لِلتَّكْلِيفِ فَقَطْ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الدَّهْرِيُّ مُكَلَّفٌ بِتَصْدِيقِ الرُّسُلِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا أَنَّ زَمَنَ جَحْدِهِ لِلصَّانِعِ ظَرْفٌ لِلتَّكْلِيفِ بِتَصْدِيقِ الرُّسُلِ دُونَ إيقَاعِ التَّصْدِيقِ لِتَعَذُّرِهِ بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ فِي زَمَنِ الْجَهْلِ بِالصَّانِعِ أَنْ يُزِيلَ هَذَا الْجَهْلَ وَيُبَدِّلَهُ بِضِدِّهِ وَهُوَ الْعِرْفَانُ فَإِذَا حَصَلَ الْعِرْفَانُ بِالصَّانِعِ كَانَ زَمَانُ عِرْفَانِهِ بِالصَّانِعِ مُكَلَّفًا بِإِيقَاعِ التَّصْدِيقِ لِلرُّسُلِ فَتَأَمَّلْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَالسِّرَّ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ يَتَيَسَّرُ عَلَيْك الْجَوَابُ عَنْ أَسْئِلَةِ الْخُصُومِ وَشُبُهَاتِهِمْ وَهُوَ فَرْقٌ لَطِيفٌ شَرِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْن قَاعِدَةِ كَوْنِ الزَّمَانِ ظَرْفًا لِإِيقَاعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ فَقَطْ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ كَوْنِ الزَّمَانِ ظَرْفًا لِلْإِيقَاعِ] (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ كَوْنِ الزَّمَانِ ظَرْفًا لِإِيقَاعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ فَقَطْ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ كَوْنِ الزَّمَانِ ظَرْفًا لِلْإِيقَاعِ وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ سَبَبٌ لِلتَّكْلِيفِ وَالْوُجُوبِ فَيَجْتَمِعُ الطَّرَفَانِ الظَّرْفِيَّةُ وَالسَّبَبِيَّةُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْأَجْزَاءِ) وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامٍ مَا عَدَا رَمَضَانَ مِنْ الشُّهُورِ مَثَلًا ظَرْفٌ لِإِيقَاعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ وَهُوَ وُجُوبُ قَضَاءِ رَمَضَانَ وُجُوبًا مُوَسَّعًا دُونَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْأَيَّامِ سَبَبًا لِلتَّكْلِيفِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ زَالَ عُذْرُهُ فِيهَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَرُؤْيَةُ هِلَالِ رَمَضَانَ سَبَبٌ لِجَعْلِ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ وَظَرْفًا لَهُ بِحَيْثُ إنَّ مَنْ بَلَغَ أَوْ أَسْلَمَ أَوْ زَالَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَيْضُ أَوْ قَدِمَ مِنْ السَّفَرِ يَلْزَمُهُ صَوْمُ الْيَوْمِ الَّذِي يَسْتَقْبِلُهُ فَيَصِيرُ سَبَبُ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ كُلَّ يَوْمٍ سَبَبًا لِوُجُوبِ إيقَاعِ الصَّوْمِ فِيهِ وَتَفْوِيتُ الْإِيقَاعِ فِيهِ سَبَبًا لِلصَّوْمِ فِي يَوْمٍ آخَرَ مِمَّا عَدَا رَمَضَانَ مِنْ الشُّهُورِ فَقَطْ وَيُوَضِّحُ لَك هَذَا الْفَرْقَ سَبْعُ مَسَائِلَ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا مِمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ الظَّرْفِيَّةُ وَالسَّبَبِيَّةُ وَثَلَاثَةٌ مِنْهَا مِمَّا انْفَرَدَ فِيهِ الظَّرْفِيَّةُ عَنْ السَّبَبِيَّةِ وَالسَّابِعَةُ مِمَّا تَحْتَمِلُهُمَا أَمَّا مَسَائِلُ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ الظَّرْفِيَّةُ وَالسَّبَبِيَّةُ فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ كَالْقَامَةِ مَثَلًا بِالنِّسْبَةِ لِلظُّهْرِ هِيَ ظَرْفٌ لِلْمُكَلَّفِ بِهِ لِوُقُوعِهِ فِيهَا وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا لَا الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْهَا الَّذِي هُوَ الزَّوَالُ فَقَطْ كَمَا تَوَهَّمَ سَبَبٌ لِلتَّكْلِيفِ إذْ لَوْ كَانَ سَبَبُ التَّكْلِيفِ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ هُوَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْهَا فَقَطْ لَكَانَ مَنْ بَلَغَ بَعْدَهُ أَوْ أَسْلَمَ مِنْ الْكُفَّارِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الظُّهْرِ لِتَأَخُّرِهِ عَنْ السَّبَبِ وَلَا يُفِيدُ شَيْئًا زَوَالُ الْمَانِعِ وَاجْتِمَاعُ الشَّرَائِطِ بَعْدَ زَوَالِ الْأَسْبَابِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْبُلُوغَ إذَا جَاءَ بَعْدَ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ لَا يُحَقِّقُ وُجُوبًا وَإِنَّمَا يُحَقِّقُهُ إذَا صَادَفَ سَبَبًا بَعْدَهُ كَمَنْ بَلَغَ فِي الْقَامَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الظُّهْرُ بِالْجُزْءِ الَّذِي صَادَفَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي بَقِيَّةِ أَرْبَابِ الْأَعْذَارِ فَظَهَرَ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ مُسَاوٍ لِلزَّوَالِ فِي السَّبَبِيَّةِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا ظُرُوفٌ لِلتَّكْلِيفِ وَجَمِيعُ أَجْزَائِهَا ظُرُوفٌ وَأَسْبَابٌ لَهُ (وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَيَّامُ الْأَضَاحِيّ الثَّلَاثَةِ أَوْ الْأَرْبَعَةِ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ظُرُوفٌ لِلْأَمْرِ بِالْأُضْحِيَّةِ لِوُجُودِهِ فِيهَا وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا سَبَبٌ لِلْأَمْرِ بِالْأُضْحِيَّةِ أَيْضًا بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ تَجَدَّدَ إسْلَامُهُ مِنْ الْكُفَّارِ أَوْ بُلُوغُهُ مِنْ الصِّبْيَانِ يَتَجَدَّدُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِالْأُضْحِيَّةِ وَكَذَلِكَ مَنْ عَتَقَ مِنْ الْعَبِيدِ وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِأَنَّهُ وُجِدَ بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ وَحُصُولُ الشَّرْطِ مَا هُوَ سَبَبٌ لِلْأَمْرِ بِالْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ الْجُزْءُ الْكَائِنُ بَعْدَ زَوَالِ

وَانْسَدَّ عَلَيْهِ الْبَابُ بِالْكُلِّيَّةِ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ أَنْ نَقُولَ اللُّزُومُ بَيْنَ الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى جُزْئِيٌّ لَا كُلِّيٌّ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُغْتَسِلَ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ نَاقِضٌ فِي أَثْنَاءِ غُسْلِهِ لَزِمَ غُسْلَهُ ذَلِكَ الْوُضُوءُ فِي الِابْتِدَاءِ فَقَطْ دُونَ الدَّوَامِ فَاللُّزُومُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ عَدَمُ طَرَءَانِ النَّاقِضِ فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ حَالَةٌ خَاصَّةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْوَالِ وَحَالَةُ دَوَامِ الْغُسْلِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَحْوَالِ لَمْ يَحْصُلْ فِيهَا لُزُومٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ اللَّازِمِ انْتِفَاءُ الْمَلْزُومِ إلَّا فِي الْحَالَةِ الَّتِي حَصَلَ فِيهَا اللُّزُومُ فَلَا جَرَمَ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْقَائِلِينَ بِاللُّزُومِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِبَقَاءِ الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى دُونَ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى بَلْ إنَّمَا قَالَ بِهِ فِي حَالَةِ الدَّوَامِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا لُزُومٌ فَانْتِفَاءُ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَقْدَحُ فِي انْتِفَاءِ الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى لِأَنَّ انْتِفَاءَ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ لَا يَقْدَحُ إنَّمَا يَقْدَحُ انْتِفَاءُ مَا هُوَ لَازِمٌ وَالطَّهَارَةُ الصُّغْرَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَيْسَتْ لَازِمَةً فَلَا يَضُرُّ انْتِفَاؤُهَا وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي اللُّزُومِ الْجُزْئِيِّ كُلُّ مُؤَثِّرٍ مَعَ أَثَرِهِ فَإِنَّ الْمُؤَثِّرَ يَجِبُ حُضُورُهُ حَالَةَ وُجُودِ أَثَرِهِ وَهُوَ زَمَنُ حُدُوثِهِ دُونَ مَا بَعْدَ زَمَنِ الْحُدُوثِ فَكُلُّ بِنَاءٍ يَلْزَمُهُ الْبِنَاءُ حَالَةَ الْبِنَاءِ دُونَ مَا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ يَمُوتُ الْبِنَاءُ وَيَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ الْبِنَاءِ وَكَذَلِكَ النَّاسِجُ مَعَ نَسْجِهِ وَكُلُّ مُؤَثِّرٍ مَعَ أَثَرِهِ لُزُومُهُ جُزْئِيٌّ فِي حَالَةِ الْحُدُوثِ فَقَطْ فَلَا جَرَمَ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْمُؤَثِّرِ بَعْدَ ذَلِكَ عَدَمُ الْأَثَرِ لِأَنَّ الْعَدَمَ فِي تِلْكَ الْحَالِ عَدَمٌ لِمَا لَيْسَ بِلَازِمٍ وَعَدَمُ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ لَا يَقْدَحُ لَا عَقْلًا وَلَا عَادَةً وَلَا شَرْعًا فَكَذَلِكَ هَاهُنَا اللُّزُومُ جُزْئِيٌّ فِي حَالَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَهِيَ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فَعَدَمُ اللُّزُومِ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْحَالَةِ لَا يَقْدَحُ. وَقَوْلُهُمْ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اللَّازِمِ عَدَمُ الْمَلْزُومِ إنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ حَيْثُ قُضِيَ بِاللُّزُومِ إمَّا عَامًّا وَإِمَّا خَاصًّا إمَّا فِي الصُّورَةِ الَّتِي لَمْ يَقْضِ فِيهَا بِاللُّزُومِ فَلَا وَنَظِيرُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَيْضًا قَوْلُهُمْ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الشَّرْطِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ إنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا شَرْطٌ أَمَّا لَوْ كَانَ شَرْطًا فِي حَالَةٍ دُونَ حَالَةٍ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ عَدَمِهِ فِي صُورَةٍ مَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهَا عَدَمُ الْمَشْرُوطِ كَمَا تَقُولُ فِي الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي بَعْضِ صُوَرِ الصَّلَاةِ وَهِيَ صُورَةُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ وَعَلَى اسْتِعْمَالِهِ فَلَا جَرَمَ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ عَدَمُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صُورَةِ عَدَمِ الْمَاءِ أَوْ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فَلَا جَرَمَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَانِعِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَتَكُونُ كُلُّهَا ظُرُوفًا وَأَسْبَابًا لِلْأَمْرِ بِالْأُضْحِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) شَهْرُ رَمَضَانَ الْمُعَظَّمُ ظَرْفٌ لِلتَّكْلِيفِ لِوُقُوعِهِ فِيهِ وَكُلُّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِهِ سَبَبٌ لِلتَّكْلِيفِ لِمَنْ اسْتَقْبَلَهُ فَمَنْ أَسْلَمَ أَوْ بَلَغَ أَوْ قَدِمَ مِنْ السَّفَرِ أَوْ زَالَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَيْضُ فَيَلْزَمُهُ صَوْمُ الْيَوْمِ الَّذِي يَسْتَقْبِلُهُ وَأَمَّا أَجْزَاءُ الْيَوْمِ الَّذِي زَالَ فِيهِ الْمَانِعُ فَلَيْسَتْ أَسْبَابًا لِلتَّكْلِيفِ بَلْ ظُرُوفًا لَهُ بِدَلِيلِ حُصُولِ التَّكْلِيفِ فِيهَا وَعَدَمُ التَّكْلِيفِ بِهَا عَلَى مَنْ بَلَغَ فِي بَعْضِ يَوْمٍ أَوْ أَسْلَمَ فَظَهَرَ بِهَذَا حُصُولُ الْفَرْقِ بَيْنَ أَجْزَاءِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَأَجْزَاءِ شَهْرِ الصَّوْمِ بِأَنَّ مُطْلَقَ الْجُزْءِ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ كَيْفَ كَانَ وَإِنْ قَلَّ مَا لَمْ يَنْقُصْ عَنْ زَمَنٍ يَسَعُ إيقَاعَ رَكْعَةِ سَبَبِ التَّكْلِيفِ فَإِنْ نَقَصَ عَنْ زَمَنِ رَكْعَةٍ فَعِنْدَ مَالِكٍ لَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ وَعِنْدَ غَيْرِهِ يَجِبُ بِأَقَلَّ مِنْ إدْرَاكِ رَكْعَةٍ وَيُحْكَى عَنْ الشَّافِعِيِّ وَلَا بُدَّ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ شَهْرِ الصَّوْمِ أَنْ يَكُونَ يَوْمًا كَامِلًا فَالْيَوْمُ الْكَامِلُ مِنْ شَهْرِ الصَّوْمِ وِزَانُ زَمَنٍ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ يَسَعُ رَكْعَةً عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَمَّا مَسَائِلُ مَا انْفَرَدَ فِيهِ الظَّرْفِيَّةُ عَنْ السَّبَبِيَّةِ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَضَاءُ رَمَضَانَ وَإِنْ وَجَبَ وُجُوبًا مُوَسَّعًا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامٍ مَا عَدَا رَمَضَانَ مِنْ الشُّهُورِ كَمَا تَجِبُ الظُّهْرُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ أَوَّلِ الْقَامَةِ إلَى آخِرِهَا إلَّا أَنَّ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ شُهُورٍ مَا عَدَا رَمَضَانَ ظَرْفٌ لِلتَّكْلِيفِ بِإِيقَاعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ لَا سَبَبٌ لِلتَّكْلِيفِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ زَالَ عُذْرُهُ فِي أَيِّ يَوْمٍ مِنْهَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ ظَرْفٌ لِلتَّكْلِيفِ بِإِيقَاعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ وَسَبَبٌ لِلتَّكْلِيفِ بِالْأَدَاءِ فِيهِ وَالْقَضَاءُ بَعْدَ فَوَاتِ الْقَامَةِ كَمَا عَرَفْت وَكَذَا كُلُّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ ظَرْفٌ لِلتَّكْلِيفِ بِإِيقَاعِ الْمُكَلَّفِ بِهِ وَسَبَبٌ لِلتَّكْلِيفِ بِالْأَدَاءِ فِيهِ وَالْقَضَاءُ بَعْدَ فَوَاتِهِ فِي يَوْمٍ مِمَّا عَدَا رَمَضَانَ مِنْ الشُّهُورِ إلَّا أَنَّ جُزْءَ الْيَوْمِ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ وَإِنْ كَانَ ظَرْفًا لِلتَّكْلِيفِ لَا يَكُونُ سَبَبًا لَهُ بِدَلِيلِ حُصُولِ التَّكْلِيفِ فِيهِ وَعَدَمِ التَّكْلِيفِ بِهِ عَلَى مَنْ بَلَغَ فِي بَعْضِ يَوْمٍ أَوْ أَسْلَمَ وَأَيُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ مَثَلًا وَإِنْ قَلَّ مَا لَمْ يَنْقُصْ عَمَّا يَسَعُ إيقَاعُ رَكْعَةٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَ غَيْرِنَا وَإِنْ نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ سَبَبُ التَّكْلِيفِ بِلَا دَاءٍ فِيهِ وَالْقَضَاءُ بَعْدَ فَوَاتِهِ كَمَا عَلِمْت وَبِالْجُمْلَةِ فَكُلُّ يَوْمٍ كَامِلٍ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ وَظَرْفٌ لَهُ وَتَفْوِيتُهُ سَبَبٌ لِلصَّوْمِ فِي يَوْمٍ آخَرَ مِنْ أَيَّامٍ مَا عَدَا رَمَضَانَ مِنْ الشُّهُورِ وِزَانُ زَمَنٍ يَسَعُ رَكْعَةً أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا عَلَى الْخِلَافِ مِنْ أَزْمَانِ الْقَامَةِ مَثَلًا وَالسَّبَبُ فِي جَعْلِ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ وَظَرْفًا لَهُ وَتَفْوِيتُهُ سَبَبًا لِلصَّوْمِ فِي يَوْمٍ آخَرَ مِمَّا عَدَا رَمَضَانَ مِنْ الشُّهُورِ وَهُوَ رُؤْيَةُ هِلَالِ رَمَضَانَ فَرُؤْيَةُ الْهِلَالِ لَيْسَتْ سَبَبَ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي يُعْتَقَدُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ بَلْ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ سَبَبٌ لِسَبَبِيَّةِ ثَلَاثِينَ سَبَبًا لِلْقَضَاءِ وَهِيَ ثَلَاثُونَ تَرْكًا إنْ وَقَعَتْ هِيَ أَوْ بَعْضُهَا وَسَبَبٌ لِوُجُوبِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مُسَبَّبَاتٌ فَقَطْ لَا أَسْبَابٌ فَصَارَتْ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ يَتَعَلَّقُ بِهَا سِتُّونَ يَوْمًا ثَلَاثُونَ يَوْمًا مُسَبَّبَاتُ صَوْمٍ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا أَسْبَابُ تُرُوكٍ فَافْهَمْ هَذَا التَّحْقِيقَ وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ جَمِيعُ الْعُمْرِ ظَرْفٌ لِوُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِإِيقَاعِ النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ

[الفرق بين قاعدة اللزوم الجزئي وبين قاعدة اللزوم الكلي]

لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ لِعَدَمِ الشَّرْطِيَّةِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ فَالشَّرْطُ وَاللَّازِمُ فِي هَذَا الْبَابِ سَوَاءٌ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الشَّكِّ فِي السَّبَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ السَّبَبِ فِي الشَّكِّ) أُشْكِلَ عَلَى جَمْعٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ وَانْبَنَى عَلَى عَدَمِ تَحْرِيرِ هَذَا الْفَرْقِ الْإِشْكَالُ فِي مَوَاضِعَ وَمَسَائِلَ حَتَّى خَرَقَ بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ فِيهَا فَعَمَدَ إلَى النَّظَرِ الْأَوَّلِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ بِوُجُودِ الصَّانِعِ قَالَ يُمْكِنُ فِيهِ نِيَّةُ التَّقَرُّبِ مَعَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَعَذُّرِ ذَلِكَ فِيهِ كَمَا حَكَاهُ الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ فَأَنْكَرَ الْإِجْمَاعَ وَقَالَ كَيْفَ يُحْكَى الْإِجْمَاعُ فِي تَعَذُّرِ هَذَا وَهُوَ وَاقِعٌ فِي الشَّرِيعَةِ فِي عِدَّةِ صُوَرٍ فَإِنَّ غَايَةَ هَذَا النَّاظِرِ قَبْلَ أَنْ يَنْظُرَ أَنْ يَجُوزَ أَنْ يَكُونَ لَهُ صَانِعٌ وَأَنْ لَا يَكُونَ وَأَنْ يَكُونَ هَذَا النَّظَرُ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ قَصْدَ التَّقَرُّبِ بِدَلِيلِ مَا وَقَعَ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّ مَنْ شَكَّ هَلْ صَلَّى أَمْ لَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَنْوِيَ التَّقَرُّبَ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا وَكَذَلِكَ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ فَإِنَّهُ يَنْوِي التَّقَرُّبَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ تِلْكَ الْخَمْسِ مَعَ شَكِّهِ فِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ مَنْ شَكَّ هَلْ تَطَهَّرَ أَمْ لَا فَإِنَّهُ يَتَطَهَّرُ وَيَنْوِي بِذَلِكَ الْوُضُوءِ التَّقَرُّبَ وَمَنْ شَكَّ هَلْ صَامَ أَمْ لَا فَإِنَّهُ يَصُومُ وَيَنْوِي التَّقَرُّبَ بِذَلِكَ الصِّيَامِ وَمَنْ شَكَّ هَلْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ أَمْ لَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ وَيَنْوِي التَّقَرُّبَ بِهَا وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَإِذَا وَقَعَ فِي الشَّرِيعَةِ نِيَّةُ التَّقَرُّبِ بِالْمَشْكُوكِ فِيهِ جَازَ شَكُّهُ فِي النَّظَرِ الْأَوَّلِ وَتَكُونُ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ فِي تَعَذُّرِهِ خَطَأً بَلْ يُمْكِنُ قَصْدُ التَّقَرُّبِ بِهِ قِيلَ لَهُ فَإِنَّ الشَّكَّ فِي صُورَةِ النَّظَرِ الْأَوَّلِ فِي الْمُوجِبِ وَالشَّكُّ هَاهُنَا فِي الْوَاجِبِ فَافْتَرَقَا فَقَالَ بَلْ كَمَا لَا يُمْنَعُ الشَّكُّ فِي الْوَاجِبِ وَهُوَ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ لَا يُمْنَعُ فِي الْآخَرِ لِأَنَّ غَايَةَ الشَّكِّ فِي الْمُوجِبِ أَنْ يُفْضِيَ إلَى الشَّكِّ فِي الْوَاجِبِ وَهَذَا لَا يُمْنَعُ فَذَاكَ لَا يُمْنَعُ وَالْجَوَابُ الْحَقُّ فِي هَذَا السُّؤَالِ أَنَّ الشَّارِعَ شَرَعَ الْأَحْكَامَ وَشَرَعَ لَهَا أَسْبَابًا وَجَعَلَ مِنْ جُمْلَةِ مَا شَرَعَهُ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّكَّ فَشَرَعَهُ فِي عِدَّةٍ مِنْ الصُّوَرِ حَيْثُ شَاءَ فَإِذَا شَكَّ فِي الشَّاةِ الْمُذَكَّاةِ وَالْمَيْتَةِ حَرُمَتَا مَعًا وَسَبَبُ التَّحْرِيمِ هُوَ الشَّكُّ وَإِذَا شَكَّ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ وَأُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ حَرُمَتَا مَعًا وَسَبَبُ التَّحْرِيمِ هُوَ الشَّكُّ وَإِذَا شَكَّ فِي عَيْنِ الصَّلَاةِ الْمَنْسِيَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِ خَمْسُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِوُجُودِ التَّكْلِيفِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ سَبَبًا لِلتَّكْلِيفِ بِالْكَفَّارَةِ أَوْ النَّذْرِ بَلْ سَبَبُ الْكَفَّارَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ يَمِينٍ أَوْ غَيْرِهِ وَسَبَبُ لُزُومِ النَّذْرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِالْتِزَامِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) شُهُورُ الْعِدَدِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ كَشُهُورِ قَضَاءِ رَمَضَانَ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ السَّبَبِيَّةِ فَهِيَ ظُرُوفٌ لِلتَّكْلِيفِ بِالْعِدَّةِ لِوُجُودِهِ فِيهَا وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا سَبَبًا لِلتَّكْلِيفِ بِالْعِدَّةِ بَلْ سَبَبُ لُزُومِ الْعِدَّةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْوَفَاةِ أَوْ الطَّلَاقِ إلَّا أَنَّ شُهُورَ الْعِدَدِ تُفَارِقُ شُهُورَ قَضَاءِ رَمَضَانَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ التَّكْلِيفَ فِيهَا مُضَيَّقٌ وَالْوُجُوبُ فِي شُهُورِ قَضَاءِ رَمَضَانَ مُوَسَّعٌ وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ الَّتِي تَحْتَمِلُهُمَا فَهِيَ أَنَّ فِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ آخِرَ أَيَّامِ رَمَضَانَ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ يَوْمَ الْفِطْرِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا أَوْ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ آخِرَ أَيَّامِ رَمَضَانَ أَوْ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْفِطْرِ أَوْ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ أَقْوَالٌ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ يَوْمَ الْفِطْرِ وَإِنَّمَا يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ بَعْدَ الْغُرُوبِ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْقَائِلِ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ مُقَابِلِهِ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ يَوْمَ الْفِطْرِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْقَائِلَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَقُولُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ هَذَا الزَّمَانِ مِنْ الْغُرُوبِ إلَى الْغُرُوبِ ظَرْفٌ لِلتَّكْلِيفِ وَسَبَبٌ لَهُ وَالْقَائِلُ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ مُقَابِلِهِ يَقُولُ غُرُوبُ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الصَّوْمِ سَبَبٌ وَمَا بَعْدَهُ ظَرْفٌ لِلتَّكْلِيفِ فَقَطْ فَلَا يَكُونُ مِنْ أَجْزَائِهِ سَبَبًا لِلتَّكْلِيفِ فَهُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي التَّوْسِعَةِ إلَّا أَنَّ التَّوْسِعَةَ فِي الْأَوَّلِ كَتَوْسِعَةِ صَلَاةِ الظُّهْرِ تَسْتَمِرُّ فِيهَا السَّبَبِيَّةُ وَفِي الثَّانِي كَتَوْسِعَةِ قَضَاءِ رَمَضَانَ لَا تَسْتَمِرُّ فِيهَا السَّبَبِيَّةُ. وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَنْ بَلَغَ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَوْ عَتَقَ أَوْ أَسْلَمَ فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ كَاَلَّذِي يَبْلُغُ فِي أَثْنَاءِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَلَا يُتَّجَهُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ مُقَابِلِهِ كَمَنْ بَلَغَ فِي شُهُورِ قَضَاءِ الصَّوْمِ فَافْهَمْ هَذِهِ الْفُرُوقَ تَنْفَعْك وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اللُّزُومِ الْجُزْئِيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اللُّزُومِ الْكُلِّيِّ] (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اللُّزُومِ الْجُزْئِيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اللُّزُومِ الْكُلِّيِّ) . وَذَلِكَ أَنَّ ضَابِطَ اللُّزُومِ الْكُلِّيِّ الْعَامِّ أَنْ يَكُونَ الرَّبْطُ بَيْنَهُمَا وَاقِعًا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ وَعَلَى جَمِيعِ التَّقَادِيرِ الْمُمْكِنَةِ وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ بِاللُّزُومِ الْبَيِّنِ أَمَّا بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ بِحَيْثُ يَلْزَمُ مِنْ تَصَوُّرِ الْمَلْزُومِ تَصَوُّرُ اللَّازِمِ كَلُزُومِ الزَّوْجِيَّةِ لِلْعِشْرَةِ وَأَمَّا بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ بِحَيْثُ يَلْزَمُ مِنْ تَصَوُّرِ الْمَلْزُومِ وَاللَّازِمِ مَعًا الْجَزْمُ بِاللُّزُومِ سَوَاءٌ كَفَى تَصَوُّرُ الْمَلْزُومِ فِي تَصَوُّرِ اللَّازِمِ أَوْ لَمْ يَكْفِ تَصَوُّرُهُ فِي تَصَوُّرِهِ بَلْ لَا بُدَّ فِي الْجَزْمِ بِاللُّزُومِ مِنْ تَصَوُّرِهِمَا مَعًا كَلُزُومِ قَبُولِ الْعِلْمِ وَصَنْعَةِ الْكِتَابَةِ لِلْإِنْسَانِ ثُمَّ إنَّ اللُّزُومَ الْكُلِّيَّ الْعَامَّ يَكُونُ لِلْمَاهِيَّةِ كَمَا ذُكِرَ وَقَدْ يَكُونُ لِلشَّخْصِ الْوَاحِدِ فِي حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِهِ كَلُزُومِ حَرَكَةِ الْيَدِ لِزَيْدٍ فِي حَالَةِ كِتَابَتِهِ فَكُلَّمَا كَانَ زَيْدٌ يَكْتُبُ فَهُوَ يُحَرِّكُ يَدَهُ أَيْ مَا مِنْ حَالَةٍ تَعْرِضُ وَلَا زَمَانٍ مَا يُشَارُ إلَيْهِ وَزَيْدٌ يَكْتُبُ إلَّا وَهُوَ يُحَرِّكُ يَدَهُ فَاللُّزُومُ بَيْنَ كِتَابَتِهِ وَحَرَكَةِ يَدِهِ فِي جَمِيعِ

صَلَوَاتٍ وَسَبَبُ وُجُوبِ الْخَمْسِ هُوَ الشَّكُّ وَإِذَا شَكَّ هَلْ تَطَهَّرَ أَمْ لَا وَجَبَ الْوُضُوءُ وَسَبَبُ وُجُوبِهِ الشَّكُّ. وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ النَّظَائِرِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَالْمُتَقَرِّبُ فِي جَمِيعِ تِلْكَ الصُّوَرِ جَازِمٌ بِوُجُودِ الْمُوجِبِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَبَبُ الْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ الشَّكُّ وَالْوَاجِبُ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ وَدَلِيلُ الْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ الْإِجْمَاعُ أَوْ النَّصُّ فَالْجَمِيعُ مَعْلُومٌ وَفِي صُورَةِ النَّظَرِ لَا شَيْءَ مِنْهَا بِمَعْلُومٍ بَلْ الْجَمِيعُ مَجْهُولٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَالشَّكُّ فِي السَّبَبِ غَيْرُ السَّبَبِ فِي الشَّكِّ فَالْأَوَّلُ يَمْنَعُ التَّقَرُّبَ وَلَا يَتَقَرَّرُ مَعَهُ حُكْمٌ وَالثَّانِي لَا يَمْنَعُ التَّقَرُّبَ وَتَتَقَرَّرُ مَعَهُ الْأَحْكَامُ كَمَا رَأَيْت فِي هَذِهِ النَّظَائِرِ فَانْدَفَعَ سُؤَالُ هَذَا السَّائِلِ وَصَحَّ الْإِجْمَاعُ وَنَقَلَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ وَمَا أَوْرَدَهُ مِنْ النُّقُوضِ عَلَيْهِمْ لَا يَرِدُ وَلَا نَدَّعِي أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ نَصَبَ الشَّكَّ سَبَبًا فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ بَلْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بِحَسَبِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ أَوْ النَّصُّ وَقَدْ يُلْغِي صَاحِبُ الشَّرْعِ الشَّكَّ فَلَا يَجْعَلُ فِيهِ شَيْئًا كَمَنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالشَّكُّ لَغْوٌ وَمَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ هَلْ سَهَا أَمْ لَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالشَّكُّ لَغْوٌ فَهَذِهِ صُوَرٌ مِنْ الشَّكِّ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِيهَا كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى اعْتِبَارِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ وَقِسْمٌ ثَالِثٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نَصْبِهِ سَبَبًا كَمَنْ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا فَاعْتَبَرَهُ مَالِكٌ دُونَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَمْ اثْنَتَيْنِ أَلْزَمَهُ مَالِكٌ الطَّلْقَةَ الْمَشْكُوكَ فِيهَا دُونَ الشَّافِعِيِّ. وَمَنْ حَلَفَ يَمِينًا وَشَكَّ مَا هِيَ أَلْزَمَهُ مَالِكٌ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ فَقَدْ انْقَسَمَ الشَّكُّ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ مُجْمَعٌ عَلَى اعْتِبَارِهِ وَمُجْمَعٌ عَلَى إلْغَائِهِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ وَيَتَّضِحُ لَك الْفَرْقُ أَيْضًا بَيْنَ الشَّكِّ فِي الْأَسْبَابِ وَبَيْنَ الْأَسْبَابِ فِي الشَّكِّ بِذِكْرِ ثَلَاثِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إذَا نَسِيَ صَلَاةً مِنْ خَمْسٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي خَمْسًا وَتَصِحُّ نِيَّتُهُ مَعَ التَّرَدُّدِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَصِحُّ مَعَ التَّرَدُّدِ وَاسْتُثْنِيَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ لِتَعَذُّرِ جَزْمِ النِّيَّةِ فِيهَا وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالُوا بَلْ الْمُصَلِّي جَازِمٌ بِوُجُوبِ الْخَمْسِ عَلَيْهِ لِوُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِهَا وَهُوَ الشَّكُّ وَإِذَا وُجِدَ سَبَبُ الْوُجُوبِ جَزَمَ الْمُكَلِّفُ بِالْوُجُوبِ وَكَانَتْ نِيَّتُهُ جَازِمَةً لَا مُتَرَدِّدَةً وَكَذَلِكَ مَنْ شَكَّ فِي جِهَةِ الْكَعْبَةِ وَقُلْنَا يُصَلِّي أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ جَزَمْنَا بِوُجُوبِ أَرْبَعٍ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الشَّكِّ وَيُصَلِّي الْأَرْبَعَ بِنِيَّةٍ جَازِمَةٍ وَكَذَلِكَ مَنْ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْأَجْنَبِيَّةُ بِأُخْتِهِ أَوْ الْمُذَكَّاةِ بِالْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ جَازِمٌ بِالتَّحْرِيمِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ الَّذِي هُوَ الشَّكُّ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ وَضَابِطُ اللُّزُومِ الْجُزْئِيِّ أَنْ يَكُونَ لُزُومُ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ دُونَ بَعْضٍ أَوْ بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ دُونَ بَعْضٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِاللُّزُومِ فِي الْجُمْلَةِ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ الْبَيَانِيِّينَ فِي الْمَجَازِ وَالْكِنَايَةِ كَلُزُومِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى لِلطَّهَارَةِ الْكُبْرَى الَّتِي هِيَ غُسْلُ الْجَنَابَةِ مَثَلًا بِمَعْنَى أَنَّ الطَّهَارَةَ الْكُبْرَى إذَا حَصَلَتْ أَغْنَتْ عَنْ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى الَّتِي هِيَ الْوُضُوءُ وَجَازَتْ بِهَا الصَّلَاةُ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ وُضُوءٍ كَمَا قَالَ الْفُقَهَاءُ لَكِنْ لَا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ حَتَّى يُقَالَ إنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ الْمَذْكُورِ أَمَّا مُخَالَفَةُ الْقَاعِدَةِ الْعَقْلِيَّةِ وَهِيَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ اللَّازِمِ انْتِفَاءُ الْمَلْزُومِ بِأَنْ لَا يَلْزَمَ مِنْ انْتِفَاءِ اللَّازِمِ انْتِفَاءُ الْمَلْزُومِ أَنْ أَبْقَوْا الطَّهَارَةَ الْكُبْرَى بَعْدَ انْتِفَاءِ الصُّغْرَى إذَا أَحْدَثَ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ وَأَمَّا مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ الْمُنْعَقِدِ بِعَدَمِ انْتِفَاءِ الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ انْتِفَاءِ الصُّغْرَى إذَا أَحْدَثَ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ إنْ أَوْجَبُوا الْغُسْلَ بِخُرُوجِ الرِّيحِ أَوْ الْغَائِطِ أَوْ الْمُلَامَسَةِ. وَكِلْتَا الْقَاعِدَتَيْنِ لَا سَبِيلَ إلَى مُخَالَفَتِهِمَا فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى لِلطَّهَارَةِ الْكُبْرَى بَلْ مُرَادُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ لُزُومَ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى لِلطَّهَارَةِ الْكُبْرَى مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَقَعْ مِنْ الْمُغْتَسِلِ نَاقِضٌ فِي أَثْنَاءِ غُسْلِهِ بِمَعْنَى أَنَّ لُزُومَ الْوُضُوءِ لِلْغُسْلِ فِي الِابْتِدَاءِ فَقَطْ دُونَ الدَّوَامِ فَاللُّزُومُ بَيْنَهُمَا بِهَذَا الشَّرْطِ وَهُوَ عَدَمُ طَرَءَانِ النَّاقِضِ فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ فَهُوَ فِي حَالَةٍ خَاصَّةٍ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْوَالِ وَلَا يَحْصُلُ فِي حَالَةِ دَوَامِ الْغُسْلِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَحْوَالِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ اللَّازِمِ انْتِفَاءُ الْمَلْزُومِ إلَّا فِي الْحَالَةِ الَّتِي حَصَلَ فِيهَا اللُّزُومُ فَلَا جَرَمَ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْقَائِلِينَ بِاللُّزُومِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِبَقَاءِ الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى دُونَ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى بَلْ إنَّمَا قَالَ بِهِ فِي حَالَةِ الدَّوَامِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا لُزُومٌ فَانْتِفَاءُ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَقْدَحُ إذْ لَا يَقْدَحُ الِانْتِفَاءُ مَا هُوَ لَازِمٌ وَالطَّهَارَةُ الصُّغْرَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَيْسَتْ لَازِمَةً فَلَا يَضُرُّ انْتِفَاؤُهَا وَمِنْ أَمْثِلَةِ اللُّزُومِ الْجُزْئِيِّ أَيْضًا لُزُومُ الْمُؤَثِّرِ لِأَثَرِهِ زَمَنَ حُدُوثِ ذَلِكَ الْأَثَرِ دُونَ مَا بَعْدَ زَمَنِ الْحُدُوثِ فَكُلُّ بِنَاءٍ يَلْزَمُهُ الْبِنَاءُ حَالَةَ الْبِنَاءِ دُونَ مَا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ يَمُوتُ الْبِنَاءُ وَيَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ الْبِنَاءِ وَكَذَلِكَ النَّاسِجُ مِنْ نَسْجِهِ فَعَدَمُ اللُّزُومِ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْحُدُوثِ لَا يَقْدَحُ إذْ لَمْ يُرِيدُوا بِقَوْلِهِمْ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اللَّازِمِ عَدَمُ الْمَلْزُومِ إلَّا حَيْثُ قُضِيَ بِاللُّزُومِ إمَّا عَامًّا وَإِمَّا خَاصًّا أَمَّا فِي الصُّورَةِ الَّتِي لَمْ يُقْضَ فِيهَا بِاللُّزُومِ فَلَا كَمَا أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الشَّرْطِ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ عَدَمُهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا شَرْطٌ. أَمَّا لَوْ كَانَ شَرْطًا فِي حَالَةٍ دُونَ حَالَةٍ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ عَدَمِهِ فِي صُورَةِ مَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهَا عَدَمُ الْمَشْرُوطِ كَالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي صُورَةِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ وَعَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صُورَةِ عَدَمِ الْمَاءِ أَوْ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فَلَا جَرَمَ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ فِي صُورَةِ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ عَدَمُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ فِي صُورَةِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ عَدَمُ الْمَشْرُوطِ الَّذِي هُوَ صِحَّةُ الصَّلَاةِ لِعَدَمِ الشَّرْطِيَّةِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ. فَالشَّرْطُ وَاللَّازِمُ فِي هَذَا الْبَابِ سَوَاءٌ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ

[الفرق بين قاعدة الشك في السبب وبين قاعدة السبب في الشك]

وَكَذَلِكَ مَنْ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْأَوَانِي أَوْ الثِّيَابُ وَقُلْنَا يَجْتَهِدُ فَإِنَّهُ يُجْزَمُ بِوُجُوبِ الِاجْتِهَادِ عَلَيْهِ وَلَا تَرَدُّدَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ أَلْبَتَّةَ بَلْ الْقَصْدُ جَازِمٌ وَالنِّيَّةُ جَازِمَةٌ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ بَقِيَّةَ النَّظَائِرِ كَمَا تَقَدَّمَ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَإِنَّهُ يَجْعَلُهَا ثَلَاثًا وَيُصَلِّي رَكْعَةً وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ مَعَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ مَنْ شَكَّ هَلْ سَهَا أَمْ لَا لَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زَادَ وَأَنْ لَا يَكُونَ فَكَيْفَ يَسْجُدُ مَعَ أَنَّهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ شَكَّ هَلْ زَادَ أَمْ لَا لَا يَسْجُدُ فَتَصِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُشْكِلَاتِ وَيَتَعَذَّرُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ شَكَّ هَلْ سَهَا أَمْ لَا وَبَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَقَدْ ذَكَرْت هَذَا الْإِشْكَالَ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ الْأَعْيَانِ فَلَمْ يَجِدُوا عَنْهُ جَوَابًا ثُمَّ أَنَّهُ كَيْفَ يُصَلِّي هَذِهِ الرَّكْعَةَ الَّتِي قَامَ إلَيْهَا وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَجْدِيدِ النِّيَّةِ فَكَيْفَ يَنْوِي التَّقَرُّبَ بِهَا مَعَ عَدَمِ الْجَزْمِ بِوُجُوبِهَا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً خَامِسَةً وَأَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً رَابِعَةً وَمَعَ التَّرَدُّدِ لَا جَزْمَ وَالْجَوَابُ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ جَعَلَ الشَّكَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ سَبَبًا لِوُجُوبِ رَكْعَةٍ وُجُوبَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَقْتَضِي عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَصْفَ لِذَلِكَ الْحُكْمِ فَصَاحِبُ الشَّرْعِ قَدْ رَتَّبَ هَذِهِ الْأَحْكَامَ عَلَى الشَّكِّ فَقَالَ «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَأْتِ بِرَكْعَةٍ وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ يُرْغِمُ بِهِمَا أَنْفَ الشَّيْطَانِ» فَرَتَّبَ الْأَحْكَامَ الْمَذْكُورَةَ عَلَى الشَّكِّ الْمَذْكُورِ وَالتَّرْتِيبُ دَلِيلُ السَّبَبِيَّةِ كَمَا لَوْ قَالَ إذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ وَإِذَا أَحْدَثَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَنَحْوَهُ فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ عَنْهُ إلَّا سَبَبِيَّةُ الْأَوْصَافِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ فَيَكُونُ الشَّكُّ سَبَبَ وُجُوبِ هَذِهِ الرَّكْعَةِ وَسُجُودِ السَّهْوِ وَعَلَى هَذَا تَكُونُ أَسْبَابُ السُّجُودِ ثَلَاثَةً الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ وَالشَّكُّ وَهَذَا الثَّالِثُ قَلَّ أَنْ يُتَفَطَّنَ لَهُ فَتَأَمَّلْهُ وَلَا تَجِدُ مَا يُسَوِّغُ عَلَى مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ غَيْرَهُ وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّكِّ فِي سَبَبِ السَّهْوِ وَبَيْنَ الشَّكِّ فِي الْعَدَدِ وَأَنَّ الْأَوَّلَ شَكٌّ فِي السَّبَبِ وَالثَّانِي سَبَبٌ فِي الشَّكِّ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّكَّ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ الشَّرْعُ مَحَلَّ السَّبَبِيَّةِ فَذَكَرْته بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ لِيَحْصُلَ التَّقَابُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ طَرْدًا وَعَكْسًا (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) وَقَعَ فِي بَعْضِ تَعَالِيقِ الْمَذْهَبِ أَنَّ رَجُلًا تَوَضَّأَ وَصَلَّى الصُّبْحَ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الشَّكِّ فِي السَّبَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ السَّبَبِ فِي الشَّكِّ] الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الشَّكِّ فِي السَّبَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ السَّبَبِ فِي الشَّكِّ) بِمَعْنَى أَنَّ الشَّكَّ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ الشَّرْعُ مَحَلَّ السَّبَبِيَّةِ وَمَوْصُوفًا بِهَا وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ السَّبَبَ فِي الشَّكِّ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ مَنْ شَكَّ فِي عَيْنِ الصَّلَاةِ الْمَنْسِيَّةِ وَنَظَائِرُهَا الْوَاقِعَةُ فِي الشَّرِيعَةِ لَا يَمْنَعُ التَّقَرُّبَ وَتَتَقَرَّرُ مَعَهُ الْأَحْكَامُ ضَرُورَةً أَنَّ الْمُتَقَرِّبَ جَازِمٌ فِيهِ بِوُجُودِ الْمُوجِبِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَبَبُ الْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ الشَّكُّ وَالْوَاجِبُ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ. وَدَلِيلُ الْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ الْإِجْمَاعُ أَوْ النَّصُّ وَالشَّكُّ فِي السَّبَبِ كَمَا فِي النَّظَرِ الْأَوَّلِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ بِوُجُودِ الصَّانِعِ يَمْنَعُ التَّقَرُّبَ وَلَا يَتَقَرَّرُ مَعَهُ حُكْمٌ ضَرُورَةً أَنَّ الْمُتَقَرِّبَ لَمْ يَجْزِمْ فِيهِ بِوُجُودِ الْمُوجِبِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا بِوُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ الشَّكُّ وَلَا بِوُجُودِ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ وَلَا بِوُجُودِ دَلِيلِ الْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ الْإِجْمَاعُ أَوْ النَّصُّ فَالْجَمِيعُ مَجْهُولٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ لَا مَعْلُومٌ فَلِذَا حَكَى الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ انْعِقَادَ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَعَذُّرِ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ فِي النَّظَرِ الْأَوَّلِ الْمَذْكُورِ وَانْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَحْكِي الْإِجْمَاعَ فِي تَعَذُّرِ هَذَا وَهُوَ وَاقِعٌ فِي الشَّرِيعَةِ فِي عِدَّةِ صُوَرٍ فَإِنَّ غَايَةَ هَذَا النَّاظِرِ قَبْلَ أَنْ يَنْظُرَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ صَانِعٌ وَأَنْ لَا يَكُونَ وَأَنْ يَكُونَ هَذَا النَّظَرُ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ قَصْدَ التَّقَرُّبِ بِدَلِيلِ مَا وَقَعَ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّ مَنْ شَكَّ هَلْ صَلَّى أَمْ لَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَنْوِيَ التَّقَرُّبَ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَإِذَا وَقَعَ فِي الشَّرِيعَةِ نِيَّةُ التَّقَرُّبِ بِالْمَشْكُوكِ فِيهِ جَازَ شَكُّهُ فِي النَّظَرِ الْأَوَّلِ وَتَكُونُ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ فِي تَعَذُّرِهِ خَطَأً بَلْ يُمْكِنُ قَصْدُ التَّقَرُّبِ بِهِ وَلَا يَنْفَعُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الشَّكَّ فِي صُورَةِ النَّظَرِ الْأَوَّلِ فِي الْمُوجِبِ وَفِي صُورَةِ غَيْرِهِ الْوَاقِعُ فِي الشَّرِيعَةِ فِي الْوَاجِبِ إذْ كَمَا لَا يُمْنَعُ الشَّكُّ فِي الْوَاجِبِ كَذَلِكَ لَا يُمْنَعُ فِي الْمُوجِبِ لِأَنَّ غَايَةَ الشَّكِّ فِيهِ أَنْ يُفْضِيَ إلَى الشَّكِّ فِي الْوَاجِبِ وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّ كُلًّا مِنْ وُجُودِ الْمُوجِبِ وَسَبَبِ الْوُجُوبِ وَالْوَاجِبِ وَدَلِيلُ الْوُجُوبِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فِي صُورَةِ النَّظَرِ بَلْ مَجْهُولٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَفِي صُورَةِ غَيْرِهِ الْوَاقِعِ فِي الشَّرِيعَةِ مَجْزُومٌ بِهِ فَالْأَوَّلُ شَكٌّ فِي السَّبَبِ وَالثَّانِي سَبَبٌ فِي الشَّكِّ فَافْتَرَقَا وَبِعِبَارَةٍ أَنَّ الشَّارِعَ شَرَعَ الْأَحْكَامَ وَشَرَعَ لَهَا أَسْبَابًا وَجَعَلَ مِنْ جُمْلَةِ مَا شَرَعَهُ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّكَّ فَشَرَعَهُ فِي عِدَّةٍ مِنْ الصُّوَرِ حَيْثُ شَاءَ مِنْهَا مَا إذَا شَكَّ فِي الشَّاةِ الْمُذَكَّاةِ وَالْمَيْتَةِ حَرُمَتَا مَعًا وَسَبَبُ التَّحْرِيمِ هُوَ الشَّكُّ وَمِنْهَا مَا إذَا شَكَّ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ وَأُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ حَرُمَتَا مَعًا وَسَبَبُ التَّحْرِيمِ هُوَ الشَّكُّ وَمِنْهَا مَا إذَا شَكَّ فِي عَيْنِ الصَّلَاةِ الْمَنْسِيَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ وَسَبَبُ وُجُوبِ الْخَمْسِ هُوَ الشَّكُّ وَمِنْهَا مَا إذَا شَكَّ هَلْ تَظْهَرُ أَمْ لَا وَجَبَ الْوُضُوءُ. وَسَبَبُ وُجُوبِهِ الشَّكُّ وَمِنْهَا مَا إذَا شَكَّ هَلْ صَامَ أَمْ لَا وَجَبَ الصَّوْمُ وَسَبَبُ وُجُوبِهِ الشَّكُّ وَمِنْهَا مَا إذَا شَكَّ هَلْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ أَمْ لَا وَجَبَ إخْرَاجُهَا وَسَبَبُ الْوُجُوبِ الشَّكُّ وَمِنْهَا بَقِيَّةُ النَّظَائِرِ الْكَثِيرَةِ فِي الشَّرِيعَةِ وَقَدْ يُلْغِي صَاحِبُ الشَّرْعِ الشَّكَّ فَلَا يَجْعَلُ فِيهِ شَيْئًا كَمَا فِي صُورَةِ النَّظَرِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمَشْكُوكَ فِيهِ مَجْهُولٌ كَالْمُوجِبِ وَالْوَاجِبِ وَدَلِيلِ الْوُجُوبِ وَسَبَبِهِ كَمَا عَلِمْت فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْحُكْمِ الَّذِي هُوَ

ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ نَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ مِنْ أَحَدِ الْوُضُوءَيْنِ لَا يَدْرِي أَيُّهُمَا هُوَ؟ فَسَأَلَ الْعُلَمَاءَ فَقَالُوا لَهُ يَلْزَمُك أَنْ تَمْسَحَ رَأْسَك وَتُعِيدَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَذَهَبَ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ فَنَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ وَصَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ ثُمَّ جَاءَ يَسْتَفْتِي عَنْ ذَلِكَ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ أَوَّلًا فَقَالُوا لَهُ اذْهَبْ وَامْسَحْ رَأْسَك وَأَعِدْ الْعِشَاءَ وَحْدَهَا فَأُشْكِلَ ذَلِكَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ وَقَالُوا الشَّكُّ مَوْجُودٌ فِي الْحَالَتَيْنِ فَكَيْفَ أُمِرَ أَوَّلًا بِإِعَادَةِ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا وَفِي ثَانِي الْحَالِ أُمِرَ بِإِعَادَةِ الْعِشَاءِ وَحْدَهَا وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَسْحَ الْمَتْرُوكَ إنْ كَانَ مِنْ وُضُوءِ الصَّلَوَاتِ الْأَرْبَعِ فَقَدْ أَعَادَهَا بِوُضُوءِ الْعِشَاءِ بَعْدَ أَنْ اسْتَفْتَى أَوَّلًا فَبَرِئَتْ الذِّمَّةُ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ وُضُوءِ الْعِشَاءِ فَقَدْ بَرِئَتْ الذِّمَّةُ مِنْهَا بِوُضُوئِهَا الْأَوَّلِ فَقَدْ بَرِئَتْ الذِّمَّةُ مِنْهَا عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَلَمْ يَبْقَ الشَّكُّ إلَّا فِي الْعِشَاءِ فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ نُسِيَ مِنْ وُضُوئِهَا تَكُونُ ثَابِتَةً فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَلَّاهَا بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ وُضُوءُ الْعِشَاءِ أَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ فَقَدْ صُلِّيَتْ بِوُضُوءَيْنِ فَتَصِحُّ أَمَّا بِالْأَوَّلِ وَأَمَّا بِالثَّانِي بِخِلَافِ الْعِشَاءِ فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ جَوَابُ الْمُفْتِي قَبْلَ الْإِعَادَةِ وَبَعْدَهَا. (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ قَبُولِ الشَّرْطِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ قَبُولِ التَّعْلِيقِ عَلَى الشَّرْطِ) الْحَقَائِقُ فِي الشَّرِيعَةِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ مَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ وَالتَّعْلِيقَ عَلَيْهِ وَمَا لَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ وَلَا التَّعْلِيقَ عَلَيْهِ وَمَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ دُونَ التَّعْلِيقِ عَلَيْهِ وَمَا لَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ وَيَقْبَلُ التَّعْلِيقَ عَلَيْهِ أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَكَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِمَا فَيَقْبَلُ الشَّرْطَ بِأَنْ يَقُولَ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ فَهَذِهِ صُورَةُ قَبُولِ الشَّرْطِ فَيَلْزَمُ ذَلِكَ إذَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَيُنَجَّزُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ الْآنَ وَيَقْبَلُ التَّعْلِيقَ عَلَى الشَّرْطِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ فَلَا يُنَجَّزُ طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ الْآنَ حَتَّى يَقَعَ الشَّرْطُ وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي الَّذِي لَا يَقْبَلُهُمَا فَالْإِيمَانُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالدُّخُولُ فِي الدِّينِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ فَلَا يَصِحُّ أَسْلَمْت عَلَى أَنَّ لِي أَنْ أَشْرَبَ الْخَمْرَ أَوْ أَتْرُكَ الصَّلَاةَ وَنَحْوَهُ وَيَسْقُطُ شَرْطُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوُجُوبُ وَكَمَنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالشَّكُّ لَغْوٌ وَمَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ هَلْ سَهَا أَمْ لَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالشَّكُّ لَغْوٌ فَهَذِهِ صُوَرٌ مِنْ الشَّكِّ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِيهَا كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى اعْتِبَارِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ فَهَذَانِ قِسْمَانِ وَبَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نَصْبِ الشَّكِّ سَبَبًا فِيهِ كَمَنْ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا فَاعْتَبَرَهُ مَالِكٌ دُونَ الشَّافِعِيِّ. وَمَنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَمْ اثْنَتَيْنِ أَلْزَمَهُ مَالِكٌ الطَّلْقَةَ الْمَشْكُوكَ فِيهَا دُونَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ حَلَفَ يَمِينًا وَشَكَّ مَا هِيَ أَلْزَمَهُ مَالِكٌ جَمِيعَ الْأَيْمَانِ فَقَدْ انْقَسَمَ الشَّكُّ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ مُجْمَعٍ عَلَى اعْتِبَارِهِ وَمُجْمَعٍ عَلَى إلْغَائِهِ وَمُخْتَلَفٍ فِيهِ (وَصْلٌ) فِي زِيَادَةِ تَوْضِيحِ هَذَا الْفَرْقِ بِثَلَاثِ مَسَائِلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إذَا نَسِيَ الْمُكَلَّفُ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ صَلَّى خَمْسًا بِنِيَّةٍ جَازِمَةٍ بِوُجُوبِ الْخَمْسِ عَلَيْهِ لِوُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِهَا وَهُوَ الشَّكُّ لَا بِنِيَّةٍ مُتَرَدِّدَةٍ حَتَّى يَحْتَاجَ لَأَنْ يُقَالَ اُسْتُثْنِيَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَصِحُّ مَعَ التَّرَدُّدِ لِتَعَذُّرِ جَزْمِ النِّيَّةِ فِيهَا وَكَذَلِكَ مَنْ شَكَّ فِي جِهَةِ الْكَعْبَةِ يُصَلِّي أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ إلَى الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ بِنِيَّةٍ جَازِمَةٍ بِوُجُوبِ الْأَرْبَعِ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الشَّكِّ وَمَنْ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْأَوَانِي أَوْ الثِّيَابُ يَجْتَهِدُ بِنِيَّةٍ جَازِمَةٍ بِوُجُوبِ الِاجْتِهَادِ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الشَّكِّ وَكَذَلِكَ مَنْ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْأَجْنَبِيَّةُ بِأُخْتِهِ أَوْ الْمُذَكَّاةُ بِالْمَيْتَةِ جَازِمٌ بِالتَّحْرِيمِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ الَّذِي هُوَ الشَّكُّ فَلَا تَرَدُّدَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ أَلْبَتَّةَ بَلْ الْقَصْدُ جَازِمُ النِّيَّةِ جَازِمَةٌ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ بَقِيَّةَ النَّظَائِرِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَاعِدَةُ أَنَّ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَقْتَضِي عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَصْفَ لِذَلِكَ الْحُكْمِ مَعَ قَوْلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَأْتِ بِرَكْعَةٍ وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ يُرْغِمُ بِهِمَا أَنْفَ الشَّيْطَانِ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ لَمَّا رَتَّبَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وُجُوبَ رَكْعَةٍ وَوُجُوبَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى الشَّكِّ جَعَلَ ذَلِكَ الشَّكَّ فِيهَا سَبَبًا لِهَذَيْنِ الْوُجُوبَيْنِ إذْ التَّرْتِيبُ دَلِيلُ السَّبَبِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ وَإِذَا أَحْدَثَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَنَحْوُهُ لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ إلَّا سَبَبِيَّةُ السَّهْوِ لِوُجُوبِ السُّجُودِ وَسَبَبِيَّةُ الْحَدَثِ لِوُجُوبِ الْوُضُوءِ فَتَكُونُ أَسْبَابُ السُّجُودِ ثَلَاثَةً السَّهْوُ فِي الزِّيَادَةِ وَالسَّهْوُ فِي النُّقْصَانِ وَالشَّكُّ وَقَلَّ أَنْ يُتَفَطَّنَ لِهَذَا الثَّالِثِ فَلَمْ يُصَلِّ الْمُكَلَّفُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ هَذِهِ الرَّكْعَةَ الَّتِي قَامَ إلَيْهَا إلَّا بِنِيَّةٍ جَازِمَةٍ بِوُجُوبِهَا لِوُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِهَا وَهُوَ الشَّكُّ لَا بِنِيَّةٍ مُتَرَدِّدَةٍ فِي أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً خَامِسَةً وَأَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً رَابِعَةً حَتَّى يُقَالَ كَيْفَ يَنْوِي التَّقَرُّبَ بِهَذِهِ الرَّكْعَةِ مَعَ عَدَمِ الْجَزْمِ بِوُجُوبِهَا وَتَعَيَّنَ كَوْنُ هَذِهِ الصُّورَةِ شَكًّا فِي الْعَدَدِ أَيْ سَبَبًا فِي الشَّكِّ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّكّ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ الشَّرْعُ مَحَلَّ السَّبَبِيَّةِ وَمَوْصُوفًا بِهَا بِخِلَافِ صُورَةِ مَا لَوْ شَكَّ هَلْ سَهَا أَمْ لَا فَإِنَّهَا مِنْ الشَّكِّ فِي سَبَبِ السَّهْوِ فَلِذَا جَرَتْ فِيهَا قَاعِدَةُ أَنَّ مَنْ شَكَّ هَلْ سَهَا أَمْ لَا لَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَلَمْ تَجْرِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَعْنِي صُورَةَ مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا وَإِنْ جَازَ فِيهَا أَنْ يَكُونَ زَادَ وَأَنْ لَا يَكُونَ فَلَمْ يَتَعَذَّرْ الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ شَكَّ هَلْ سَهَا أَمْ لَا وَبَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ حَتَّى يَرِدَ الْإِشْكَالُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَسْجُدُ فِيهَا مَعَ أَنَّهُ فِي غَيْرِهَا لَوْ شَكَّ هَلْ زَادَ أَمْ لَا لَا يَسْجُدُ فَافْهَمْ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) سَأَلَ رَجُلٌ بَعْضَ عُلَمَاءِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ صَلَّى الصُّبْحَ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ

[الفرق بين قاعدة قبول الشرط وبين قاعدة قبول التعليق على الشرط]

الَّذِي قَرَنَ بِهِ إسْلَامَهُ وَأَمَّا عَدَمُ قَبُولِهِ التَّعْلِيقَ عَلَى الشَّرْطِ فَكَقَوْلِهِ إنْ كُنْت كَاذِبًا فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فَأَنَا مُسْلِمٌ أَوْ مُؤْمِنٌ أَوْ إنْ لَمْ آتِ بِالدِّينِ فِي وَقْتِ كَذَا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي يُعَلَّقُ عَلَيْهَا فَلَا يَلْزَمُ إسْلَامٌ إذَا وُجِدَ ذَلِكَ الشَّرْطُ بَلْ يَبْقَى عَلَى كُفْرِهِ بِسَبَبِ أَنَّ الدُّخُولَ فِي الدِّينِ يَعْتَمِدُ الْجَزْمَ بِصِحَّتِهِ وَالْمُعَلَّقُ لَيْسَ جَازِمًا فَهَذَا مُتَّجَهٌ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَمَّا الْحَرْبِيُّونَ فَنَحْنُ نُلْزِمُهُمْ الْإِسْلَامَ قَهْرًا بِالسَّيْفِ فَجَازَ أَنْ يُلْزِمَهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ الشَّرْطَ دُونَ التَّعْلِيقِ عَلَيْهِ فَكَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَال بِعْتُك عَلَى أَنَّ عَلَيْك أَنْ تَأْتِيَ بِالرَّهْنِ أَوْ الْكَفِيلِ بِالثَّمَنِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُقَارِنَةِ لِتَنْجِيزِ الْبَيْعِ وَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَقَدْ بِعْتُك أَوْ آجَرْتُك بِسَبَبِ أَنَّ انْتِقَالَ الْأَمْلَاكِ يَعْتَمِدُ الرِّضَى وَالرِّضَى إنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْجَزْمِ وَلَا جَزْمَ مَعَ التَّعْلِيقِ فَإِنَّ شَأْنَ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ يَعْتَرِضُهُ عَدَمُ الْحُصُولِ وَقَدْ يَكُونُ مَعْلُومَ الْحُصُولِ كَقُدُومِ الْحَاجِّ وَحَصَادِ الزَّرْعِ وَلَكِنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ بِجِنْسِ الشَّرْطِ دُونَ أَنْوَاعِهِ وَأَفْرَادِهِ فَلُوحِظَ الْمَعْنَى الْعَامُّ دُونَ خُصُوصِيَّاتِ الْأَنْوَاعِ وَالْأَفْرَادِ وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ وَهُوَ مَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ عَلَى الشَّرْطِ دُونَ مُقَارَنَتِهِ فَكَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يَصِحُّ أَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى أَنْ لَا أَسْجُدَ أَوْ أُسَلِّمَ بَعْدَ سَجْدَةٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَأَدْخُلُ فِي الصَّوْمِ عَلَى أَنَّ لِي الِاقْتِصَارَ عَلَى بَعْضِ يَوْمٍ فَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى الشَّرْطِ فَنَقُولُ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَعَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ أَوْ صَلَاةُ مِائَةِ رَكْعَةٍ وَنَحْوِهَا مِنْ الشُّرُوطِ فِي النُّذُورِ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ فِي هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ يَدُورُ عَلَيْهَا التَّصَرُّفَاتُ فِي الشَّرِيعَةِ وَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَبُولِ التَّعْلِيقِ قَبُولُ الشَّرْطِ وَلَا مِنْ قَبُولِ الشَّرْطِ قَبُولُ التَّعْلِيقِ وَتُطْلَبُ الْمُنَاسَبَةُ فِي كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي تِلْكَ الْمَوَاطِنِ. ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِوُضُوءٍ وَاحِدٍ ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ نَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ مِنْ أَحَدِ الْوُضُوءَيْنِ لَا يَدْرِي أَيَّهمَا هُوَ فَقَالُوا لَهُ يَلْزَمُك أَنْ تَمْسَحَ رَأْسَك وَتُعِيدَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ ثُمَّ جَاءَ يَسْتَفْتِي عَنْ ذَلِكَ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ أَوَّلًا فَقَالُوا لَهُ اذْهَبْ وَامْسَحْ رَأْسَك وَأَعِدْ الْعِشَاءَ وَحْدَهَا وَوَجْهُ اخْتِلَافِ جَوَابِ الْمُفْتِي قَبْلَ الْإِعَادَةِ وَبَعْدَهَا أَنَّ الْمَسْحَ الْمَتْرُوكَ إنْ كَانَ مِنْ وُضُوءِ الصَّلَوَاتِ الْأَرْبَعِ فَقَدْ أَعَادَهَا بِوُضُوءِ الْعِشَاءِ بَعْدَ أَنْ اسْتَفْتَى أَوَّلًا فَبَرِئَتْ الذِّمَّةُ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ وُضُوءِ الْعِشَاءِ فَقَدْ بَرِئَتْ الذِّمَّةُ مِنْهَا بِوُضُوئِهَا الْأَوَّلِ فَعَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ قَدْ بَرِئَتْ الذِّمَّةُ مِنْهَا وَلَمْ يَبْقَ الشَّكُّ إلَّا فِي الْعِشَاءِ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَلَّاهَا بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ لَا بِوُضُوءَيْنِ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ نُسِيَ مِنْ وُضُوءِ الْعِشَاءِ تَكُونُ ثَابِتَةً فِي ذِمَّتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ قَبُولِ الشَّرْطِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ قَبُولِ التَّعْلِيقِ عَلَى الشَّرْطِ] (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ قَبُولِ الشَّرْطِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ قَبُولِ التَّعْلِيقِ عَلَى الشَّرْطِ) وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَبُولِ التَّعْلِيقِ قَبُولُ الشَّرْطِ وَلَا مِنْ قَبُولِ الشَّرْطِ قَبُولُ التَّعْلِيقِ فَإِنَّ الْحَقَائِقَ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ وَالتَّعْلِيقَ عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَيَقْبَلُ الشَّرْطَ بِأَنْ يَقُولَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنَّ عَلَيْك أَلْفًا أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنَّ عَلَيْك أَلْفًا فَيَلْزَمُ الشَّرْطُ إنْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَيُنَجَّزُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ الْآنَ وَيَقْبَلُ التَّعْلِيقَ عَلَى الشَّرْطِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ فَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ الْآنَ بَلْ حَتَّى يَقَعَ الشَّرْطُ الْقِسْمُ الثَّانِي مَا لَا يَقْبَلُهُمَا مِنْ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالدُّخُولِ فِي الدِّينِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ بِأَنْ يَقُولَ أَسْلَمْت عَلَى أَنَّ لِي أَنْ أَشْرَبَ الْخَمْرَ أَوْ أَتْرُكَ الصَّلَاةَ وَنَحْوَهُ بَلْ يَسْقُطُ شَرْطُهُ الَّذِي قَرَنَ بِهِ إسْلَامُهُ وَلَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ حَيْثُ اعْتَمَدَ الْجَزْمَ بِصِحَّتِهِ كَمَا فِي دُخُولِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الدِّينِ فَلَا يَلْزَمُ إسْلَامُ الذِّمِّيِّ بِقَوْلِهِ إنْ كُنْت كَاذِبًا فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فَأَنَا مُسْلِمٌ أَوْ مُؤْمِنٌ أَوْ إنْ لَمْ آتِ بِالدِّينِ فِي وَقْتِ كَذَا فَأَنَا مُسْلِمٌ أَوْ مُؤْمِنٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي يُعَلَّقُ عَلَيْهَا إذَا وُجِدَ ذَلِكَ الشَّرْطُ بَلْ يَبْقَى عَلَى كُفْرِهِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ لَيْسَ بِجَازِمٍ وَدُخُولُهُ فِي الدِّينِ يَعْتَمِدُ الْجَزْمَ بِصِحَّتِهِ وَأَمَّا الْحَرْبِيُّونَ فَمِنْ حَيْثُ إنَّا نُلْزِمُهُمْ الْإِسْلَامَ قَهْرًا بِالسَّيْفِ يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَهُمْ إسْلَامُهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ دُونَ التَّعْلِيقِ عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ بِعْتُك عَلَى أَنْ تَأْتِيَ بِالرَّهْنِ أَوْ الْكَفِيلِ بِالثَّمَنِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُقَارِنَةِ لِتَنْجِيزِ الْبَيْعِ وَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَقَدْ بِعْتُك أَوْ آجَرْتُك لِأَنَّ انْتِقَال الْأَمْلَاكِ يَعْتَمِدُ الرِّضَا وَالرِّضَا إنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْجَزْمِ وَلَا جَزْمَ مَعَ التَّعْلِيقِ لِأَنَّ الشَّأْنَ فِي جِنْسِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ دُونَ أَنْوَاعِهِ وَأَفْرَادِهِ أَنْ يَعْتَرِضَهُ عَدَمُ الْحُصُولِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ قَدْ يَكُونُ مَعْلُومَ الْحُصُولِ كَقُدُومِ الْحَاجِّ وَحَصَادِ الزَّرْعِ وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ مَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ عَلَى الشَّرْطِ دُونَ مُقَارَنَتِهِ مِنْ نَحْوِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَلَا يَصِحُّ أَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى أَنْ لَا أَسْجُدَ أَوْ عَلَى أَنْ أُسَلِّمَ بَعْدَ سَجْدَةٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَلَا أَدْخُلُ فِي الصَّوْمِ عَلَى أَنَّ لِي الِاقْتِصَارَ عَلَى بَعْضِ يَوْمٍ وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى الشَّرْطِ بِأَنْ تَقُولَ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَعَلَيَّ صَوْمُ شَهْرٍ أَوْ صَلَاةُ مِائَةِ رَكْعَةٍ وَنَحْوُهَا مِنْ الشُّرُوطِ فِي النُّذُورِ فَجَمِيعُ التَّصَرُّفَاتِ فِي الشَّرِيعَةِ تَدُورُ عَلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ فِي هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَتُطْلَبُ الْمُنَاسَبَةُ فِي كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي تِلْكَ الْمَوَاطِنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الفرق بين قاعدة ما يطلب جمعه وافتراقه وبين قاعدة ما يطلب افتراقه دون جمعه]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ وَافْتِرَاقُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ افْتِرَاقُهُ دُونَ جَمْعِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ دُونَ افْتِرَاقِهِ) الْمَطْلُوبَاتُ فِي الشَّرِيعَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: مَا يُطْلَبُ وَحْدَهُ وَمَعَ غَيْرِهِ كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَرُسُلِهِ فَإِنَّهُ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ شَرْطٌ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ وَالشَّرْطُ مَطْلُوبُ الْحُصُولِ مَعَ الْمَشْرُوطِ فَالْإِيمَانُ مَطْلُوبُ الْجَمْعِ مَعَ كُلِّ عِبَادَةٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ يُكْتَفَى مِنْهُ بِالْإِيمَانِ الْحُكْمِيِّ تَخْفِيفًا عَلَى الْعَبْدِ فَإِنَّ اسْتِحْضَارَهُ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ وَفِي جَمِيعِ أَجْزَائِهَا بِمَا يَشُقُّ عَلَى الْمُكَلَّفِ فَيُكْتَفَى بِتَقْدِيمِهِ فِعْلًا ثُمَّ يُسْتَصْحَبُ حُكْمًا، وَكَالدُّعَاءِ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَالسُّجُودُ فِي الصَّلَاةِ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مَطْلُوبٌ وَكَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ كُلٌّ مِنْهُمَا مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَالرُّكُوعُ فِي الصَّلَاةِ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ أَيْضًا وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَنَحْوُ هَذِهِ النَّظَائِرِ. الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا يُطْلَبُ مُنْفَرِدًا دُونَ جَمْعِهِ مَعَ غَيْرِهِ فَاعْلَمْ أَنَّ الْمَطْلُوبَيْنِ فِي الشَّرِيعَةِ قَدْ يَكُونُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا غَيْرَ مَطْلُوبٍ وَرُبَّمَا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَقَدْ يَكُونُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مَطْلُوبًا كَمَا تَقَدَّمَ مِثَالُ هَذَا الْقِسْمِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ مَطْلُوبَةٌ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ مَطْلُوبَانِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نُهِيت أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا» عَكْسُ مَا وَرَدَ فِي الدُّعَاءِ مَعَ السُّجُودِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ فَعَسَى أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» . الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ دُونَ افْتِرَاقِهِ فَكَالرُّكُوعِ مَعَ سَجْدَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَطْلُوبُ الْجَمْعِ وَلَمْ يُشْرَعْ التَّقَرُّبُ بِأَحَدِهِمَا مُنْفَرِدًا وَكَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مَعَ رَمْيِ الْجِمَارِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَطْلُوبٌ مَعَ الْآخَرِ وَلَيْسَ مَطْلُوبًا مُنْفَرِدًا وَكَالْحِلَاقِ مَعَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ لَيْسَ قُرْبَةً عَلَى انْفِرَادِهِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا قُرْبَةٌ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ الِاسْتِقْرَاءُ عَلَيْهِ فَهَذَا تَمْثِيلُ هَذِهِ الْأَقْسَامِ، وَأَمَّا وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَقَدْ يَحْصُلُ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ فَيَكُونُ ذَلِكَ تَعَبُّدًا لَا يَطَّلِعُ عَلَى حِكْمَتِهِ فَالْإِيمَانُ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِي كُلِّ تَقَرُّبٍ اُشْتُرِطَ جَمْعُهُ لِيَتَحَقَّقَ التَّقَرُّبُ فَإِنَّ التَّقَرُّبَ بِالْعِبَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ وَافْتِرَاقُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ افْتِرَاقُهُ دُونَ جَمْعِهِ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَبِحَمْدِهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ مِنْ بَعْدِهِ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ شَادُوا الدِّينَ. (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ وَافْتِرَاقُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ افْتِرَاقُهُ دُونَ جَمْعِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ دُونَ افْتِرَاقِهِ) أَمَّا أَمْثِلَةُ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ وَافْتِرَاقُهُ فَمِنْهَا الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَرُسُلِهِ فَإِنَّهُ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ شَرْطٌ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فِي كُلِّ تَقَرُّبٍ فَإِنَّ التَّقَرُّبَ بِالْعِبَادَةِ فَرْعُ التَّصْدِيقِ بِالْأَمْرِ بِهَا وَالْأَصْلُ شَرْطٌ فِي تَحَقُّقِ الْفَرْعِ، فَالْإِيمَانُ شَرْطٌ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ وَالشَّرْطُ مَطْلُوبُ الْحُصُولِ مَعَ الْمَشْرُوطِ فَالْإِيمَانُ مَطْلُوبُ الْجَمْعِ مَعَ كُلِّ عِبَادَةٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ يُكْتَفَى مِنْهُ بِالْإِيمَانِ الْحُكْمِيِّ تَخْفِيفًا عَلَى الْعَبْدِ فَإِنَّ اسْتِحْضَارَهُ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ وَفِي جَمِيعِ أَجْزَائِهَا رُبَّمَا يَشُقُّ عَلَى الْمُكَلَّفِ فَيُكْتَفَى بِتَقَدُّمِهِ عَنْ الْعِبَادَةِ فِعْلًا ثُمَّ يُسْتَصْحَبُ حُكْمًا وَمِنْهَا الدُّعَاءُ وَالسُّجُودُ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَطْلُوبٌ فِي

فَرْعُ التَّصْدِيقِ بِالْآمِرِ بِهَا وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْفَرْعِ وَأَصْلِهِ مُنَاسِبٌ وَأَمَّا الدُّعَاءُ مَعَ السُّجُودِ وَالثَّنَاءُ مَعَ الرُّكُوعِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يَتَقَرَّبُوا إلَيْهِ عَلَى حَسَبِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مَعَ الْأَمَاثِلِ وَالْمُلُوكِ وَالْأَكَابِرِ فَإِنَّ الطَّاعَاتِ كُلَّهَا وَالْمَعَاصِيَ كُلَّهَا نِسْبَتُهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى نِسْبَةً وَاحِدَةً لَا تَزِيدُهُ الطَّاعَاتُ وَلَا تَنْقُصُهُ الْمَعَاصِي وَإِنَّمَا أَمَرَ عِبَادَهُ لِتَظْهَرَ مِنْهُمْ الطَّاعَةُ عَلَى حَسَبِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مَعَ الْأَكَابِرِ، وَلِذَلِكَ لَمَّا كَانَ السُّجُودُ فِي الْعِبَادَةِ أَبْلَغَ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ إذَا كَانَ سَاجِدًا» وَكَانَ بَذْلُ الدِّينَارِ أَفْضَلَ مِنْ بَذْلِ الدِّرْهَمِ فِي الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعَادَةِ أَبْلَغُ وَارْتِكَابُ الْمَشَاقِّ فِي تَحْصِيلِ الْمَأْمُورِ يَكُونُ مُوجِبًا لِمَزِيدِ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعَادَةِ يَدُلُّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الطَّوَاعِيَةِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ أَحْمَزُهَا» أَيْ أَشَقُّهَا. وَلَمَّا جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ مَعَ الْمُلُوكِ أَنْ يُقَدِّمُوا الثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الطَّلَبِ مِنْهُمْ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ وَاسْتِعْطَافًا لِأَنْفُسِهِمْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الثَّنَاءَ وَالتَّمْجِيدَ لَهُ فِي الرُّكُوعِ وَجَعَلَ الدُّعَاءَ فِي السُّجُودِ بَعْدَ الثَّنَاءِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى لَمَّا سُئِلَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْته أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» فَقِيلَ لَهُ هَذَا الثَّنَاءُ فَأَيْنَ الدُّعَاءُ فَأَنْشَدَ أَبْيَاتِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ أَأَطْلُبُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي ... حَيَاؤُك إنَّ شِيمَتَك الْحَيَاءُ إذَا أَثْنَى عَلَيْك الْمَرْءُ يَوْمًا ... كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِك الثَّنَاءُ كَرِيمٌ لَا يُغَيِّرُهُ صَبَاحٌ ... عَنْ الْخُلُقِ الْجَمِيلِ وَلَا مَسَاءُ وَعِلْمُك بِالْحُقُوقِ وَأَنْتَ قِدَمًا ... لَك الْحَسَبُ الْمُهَذَّبُ وَالْوَفَاءُ يَعْنِي فَلَمَّا كَانَ الثَّنَاءُ يُحَصِّلُ مِنْ الْكَرِيمِ مَا يُحَصِّلُهُ الدُّعَاءُ سُمِّيَ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى دُعَاءً؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْته أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ» فَهَذَا هُوَ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي الثَّنَاءِ فِي الرُّكُوعِ وَالدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ، وَأَمَّا الْمَنْعُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ فَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ جَعَلَ لَهَا الشَّرْعُ مَوْطِنًا وَهُوَ الْقِيَامُ؛ لِأَنَّهُ حَالَةُ اسْتِقْرَارٍ يَتَمَكَّنُ فِيهِ الْفِكْرُ مِنْ التَّأَمُّلِ لِمَعَانِي الْقِرَاءَةِ وَالِاتِّعَاظِ بِوَعِيدِهَا وَوَعْدِهَا وَالتَّفْكِيرِ فِي مَعَانِيهَا عَلَى اخْتِلَافِهَا مَعَ حُسْنِ الْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْمُنَاجَاةِ، وَهَذِهِ الْأَحْوَالُ لَا تُنَاسِبُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ لِضِيقِ النَّفْسِ وَضَجَرِهَا فِي حَالَةِ الِانْحِنَاءِ وَانْحِصَارِ الْأَعْضَاءِ وَحَبْسِ النَّفَسِ فَتُنَاسِبُ الْمَنْعَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي هَذَيْنِ الْمَوْطِنَيْنِ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَمَّا عُيِّنَ لَهَا مَوْطِنٌ نَاسَبَ أَنْ تُعَيَّنَ بَقِيَّةُ الْمَوَاطِنِ لِغَيْرِهَا مِنْ الثَّنَاءِ الْمَحْضِ وَالدُّعَاءِ الْمَحْضِ فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ قَدْ لَا تَكُونُ ثَنَاءً وَلَا دُعَاءً فَتَشْتَمِلُ الصَّلَاةُ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْقُرُبَاتِ وَلَا تَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مُعَيَّنٍ فَتَكُونُ حِينَئِذٍ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «أَفْضَلُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQنَفْسِهِ وَقَدْ وَرَدَ طَلَبُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ فَعَسَى أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» وَمِنْهَا الثَّنَاءُ وَالتَّمْجِيدُ لَهُ تَعَالَى بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ فَإِنَّهُ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَالرُّكُوعُ فِي الصَّلَاةِ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ أَيْضًا وَقَدْ وَرَدَ طَلَبُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي نَفْسِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا، وَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ لَمَّا تَقَرَّرَتْ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يَتَقَرَّبُوا إلَيْهِ عَلَى حَسَبِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مَعَ الْأَمَاثِلِ وَالْمُلُوكِ وَالْأَكَابِرِ؛ إذْ نِسْبَةُ كُلٍّ مِنْ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَاحِدَةٌ لَا تَزِيدُهُ الطَّاعَاتُ وَلَا تَنْقُصُهُ الْمَعَاصِي وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ مَعَ مَنْ ذَكَرَ أَنْ يُقَدِّمُوا الثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الطَّلَبِ مِنْهُمْ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ وَاسْتِعْطَافًا لِأَنْفُسِهِمْ نَاسَبَ جَعْلَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الثَّنَاءَ وَالتَّمْجِيدَ لَهُ فِي الرُّكُوعِ وَجَعْلَ الدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ بَعْدَ الثَّنَاءِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ السُّجُودُ فِي الْعِبَادَةِ أَبْلَغَ شَرْعًا مِنْ الرُّكُوعِ كَمَا أَنَّ بَذْلَ الدِّينَارِ صَدَقَةً أَبْلَغُ فِي الْعَادَةِ مِنْ بَذْلِ الدِّرْهَمِ وَأَبْلَغِيَّةُ السُّجُودِ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْإِفْرَاطُ فِي الْقُرْبِ مِنْ الرَّبِّ تَعَالَى قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ إذَا كَانَ سَاجِدًا» . وَثَانِيهِمَا: أَنَّهُ أَشَقُّ مِنْ الرُّكُوعِ لِمَا سَيَأْتِي، وَارْتِكَابُ الْأَشَقِّ فِي تَحْصِيلِ الْمَأْمُورِ بِهِ يَدُلُّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الطَّوَاعِيَةِ فَيَكُونُ مُوجِبًا لِمَزِيدِ الْأُجُورِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ أَحَمْزُهَا» أَيْ أَشَقُّهَا وَكَانَ الدُّعَاءُ مُخَّ الْعِبَادَةِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الطَّلَبِ، وَالثَّنَاءُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ حَتَّى سُمِّيَ دُعَاءً فِي قَوْلِهِ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْته أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» فَقَدْ سُئِلَ عَنْهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فَقِيلَ لَهُ هَذَا الثَّنَاءُ فَأَيْنَ الدُّعَاءُ فَأَنْشُد أَبْيَاتِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ وَهِيَ أَأَطْلُبُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي ... حَيَاؤُك إنَّ شِيمَتَك الْحَيَاءُ إذَا أَثْنَى عَلَيْك الْمَرْءُ يَوْمًا ... كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِك الثَّنَاءُ كَرِيمٌ لَا يُغَيِّرُهُ صَبَاحٌ ... عَنْ الْخُلُقِ الْجَمِيلِ وَلَا مَسَاءُ وَعِلْمُك بِالْحُقُوقِ وَأَنْتَ قِدَمًا ... لَك الْحَسَبُ الْمُهَذَّبُ وَالْوَفَاءُ يَعْنِي فَلَمَّا كَانَ الثَّنَاءُ يُحَصِّلُ مِنْ الْكَرِيمِ مَا لَا يُحَصِّلُهُ الدُّعَاءُ سُمِّيَ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى دُعَاءً؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْته أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ»

وَهَذِهِ الْمَوَاطِنُ الثَّلَاثُ مُنَاسِبَةٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لِمَا وُضِعَ فِيهِ فَالْقِرَاءَةُ فِي الْقِيَامِ لِلتَّمَكُّنِ وَالدُّعَاءُ فِي السُّجُودِ لِفَرْطِ الْقُرْبِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَادَةُ الْمُلُوكِ وَأَمَّا كَوْنُ الرُّكُوعِ لَا يَتَقَرَّبُ بِهِ وَحْدَهُ بِخِلَافِ السَّجْدَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِنَّهَا شُرِعَتْ قُرْبَةً فِي التِّلَاوَةِ وَشُكْرِ النِّعَمِ عِنْدَ مَنْ يَرَى سَجْدَةَ الشُّكْرِ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَرَاهَا دُونَ مَالِكٍ فَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ التَّقَرُّبِ بِالرُّكُوعِ وَحْدَهُ لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ تَعَبُّدٌ، وَكَذَلِكَ أَرْكَانُ الْحَجِّ الَّتِي لَا يُتَقَرَّبُ بِهَا مُنْفَرِدَةً الْغَالِبُ عَلَيْهَا التَّعَبُّدُ بِخِلَافِ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ شُرِعَ قُرْبَةً وَحْدَهُ دُونَ السَّعْيِ فَإِنَّهُ لَا يُشْرَعُ قُرْبَةً وَحْدَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ اُشْتُرِطَ مَعَ الطَّوَافِ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ وَعَلَى هَذِهِ الْقَوَاعِدِ وَالْفُرُوقِ انْبَنَى قَوْلُ الْقَائِلِ لَوْ لَمْ يَكُنْ الصَّوْمُ شَرْطًا فِي الِاعْتِكَافِ لَمَا صَارَ شَرْطًا لَهُ بِالنَّذْرِ كَالصَّلَاةِ لَكِنَّهُ إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا لَزِمَهُ ذَلِكَ وَوَجَبَ الصَّوْمُ وَصِحَّةُ هَذَا الْكَلَامِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ: الْقَاعِدَةُ الْأُولَى أَنَّ النَّذْرَ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي مَنْدُوبٍ وَلَمَّا أَثَّرَ النَّذْرُ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ مَعَ الِاعْتِكَافِ إذَا نَذَرَهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مَطْلُوبٌ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا. وَالْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ إذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَائِمًا لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ غَيْرُ مَطْلُوبٍ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَطْلُوبًا فِي نَفْسِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُؤَثِّرْ النَّذْرُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ. (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ يَصِحُّ مَعَ التَّخْيِيرِ وَقَاعِدَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يَصِحُّ مَعَ التَّخْيِيرِ) وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مَعَ التَّخْيِيرِ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ يَكُونُ الْأَمْرُ فِيهِ مُتَعَلِّقًا بِمَفْهُومِ أَحَدِهَا الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا لِصِدْقِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَيَكُونُ الْمُشْتَرَكُ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ وَلَا تَخْيِيرَ فِيهِ وَالْخُصُوصِيَّاتُ هِيَ مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ يَصِحُّ مَعَ التَّخْيِيرِ وَقَاعِدَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يَصِحُّ مَعَ التَّخْيِيرِ، وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مَعَ التَّخْيِيرِ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ يَكُونُ الْأَمْرُ فِيهِ مُتَعَلِّقًا بِمَفْهُومِ أَحَدِهَا الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا لِصِدْقِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا) قُلْت: قَوْلُهُ: إنَّ الْأَمْرَ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ مُتَعَلِّقٌ بِأَحَدِهَا - صَحِيحٌ، وَقَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا - لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَفْهُومُ أَحَدِ الْأُمُورِ إلَّا وَاحِدٌ مِنْهَا مُبْهَمًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ لَا الْحَقِيقَةُ الْمُشْتَرَكُ فِيهَا، وَلَوْ تَعَلَّقَ الْوُجُوبُ بِالْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ لَلَزِمَ شُمُولُ الْوُجُوبِ لِكُلِّ شَخْصٍ مِمَّا فِيهِ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: لِصِدْقِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، قُلْت: لَا يَلْزَمُ مِنْ صِدْقِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْحَقِيقَةُ الْمُشْتَرَكُ فِيهَا. قَالَ (فَيَكُونُ الْمُشْتَرَكُ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ وَلَا تَخْيِيرَ فِيهِ) قُلْت قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ لَيْسَ الْمُشْتَرَكَ قَالَ (وَالْخُصُوصِيَّاتُ هِيَ مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَاسَبَ تَقْدِيمَ الْوَسِيلَةِ فِي الرُّكُوعِ وَتَأْخِيرَ الدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ الَّذِي هُوَ أَبْلَغُ وَأَشَقُّ وَأَفْرَطُ فِي الْقُرْبِ مِنْ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَأَمَّا أَمْثِلَةُ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ افْتِرَاقُهُ دُونَ جَمْعِهِ فَمِنْهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ مَطْلُوبَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ كَمَا أَنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ مَطْلُوبَانِ كَذَلِكَ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مَطْلُوبٍ بَلْ قَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نُهِيت أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا» عَكْسُ مَا وَرَدَ فِي الدُّعَاءِ مَعَ السُّجُودِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا عَيَّنَ الرُّكُوعَ لِلثَّنَاءِ الْمَحْضِ وَالسُّجُودَ لِلدُّعَاءِ الْمَحْضِ نَاسَبَ أَنْ يُعَيِّنَ الْقِيَامَ مَوْطِنًا لِلْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ لَا تَكُونُ ثَنَاءً وَلَا دُعَاءً لِتَشْمَلَ الصَّلَاةُ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْقُرُبَاتِ وَلَا تَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مُعَيَّنٍ فَتَكُونُ حِينَئِذٍ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «أَفْضَلُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» . الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا جَعَلَ الْقِيَامَ مَوْطِنًا لِلْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ حَالَةُ اسْتِقْرَارٍ يَتَمَكَّنُ فِيهِ الْفِكْرُ مِنْ التَّأَمُّلِ لِمَعَانِي الْقِرَاءَةِ وَالِاتِّعَاظِ بِوَعِيدِهَا وَوَعْدِهَا وَالتَّفَكُّرِ فِي مَعَانِيهَا عَلَى اخْتِلَافِهَا مَعَ حُسْنِ الْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْمُنَاجَاةِ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِمَا فِي الْأَوَّلِ مِنْ ضِيقِ النَّفْسِ وَضَجَرِهَا فِي حَالَةِ الِانْحِنَاءِ، وَالثَّانِي مِنْ انْحِصَارِ الْأَعْضَاءِ وَحَبْسِ النَّفْسِ وَذَلِكَ لَا يُنَاسِبُ أَحْوَالَ الْقِرَاءَةِ كَمَا أَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ الدُّعَاءَ فِي السُّجُودِ لِمَا فِيهِ مِنْ فَرْطِ الْقُرْبِ وَالثَّنَاءِ فِي الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِلدُّعَاءِ وَلِجَرَيَانِهِ عَلَى عَادَةِ الطَّلَبِ مِنْ الْمُلُوكِ كَمَا عَلِمْتَ وَمِنْهَا الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَلَبُ التَّقَرُّبِ مِنْهُ مُنْفَرِدًا وَلَمْ يُطْلَبْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِقَاعِدَتَيْنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ صَائِمًا لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ وَالْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ النَّذْرَ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي مَنْدُوبٍ فَلَمَّا لَمْ يُؤَثِّرْ النَّذْرُ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ مَعَ الصَّلَاةِ كَمَا أَثَّرَ فِي وُجُوبِهِ مَعَ الِاعْتِكَافِ إذًا نَذْرَهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَطْلُوبٍ مَعَ الصَّلَاةِ. وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَطْلُوبًا فِي نَفْسِهِ وَأَنَّهُ مَطْلُوبٌ مَعَ الِاعْتِكَافِ فَمِنْ هُنَا ظَهَرَ صِحَّةُ قَوْلِ الْقَائِلِ لَوْ لَمْ يَكُنْ الصَّوْمُ شَرْطًا فِي الِاعْتِكَافِ لَمَا كَانَ شَرْطًا لَهُ بِالنَّذْرِ كَالصَّلَاةِ لَكِنَّهُ إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا لَزِمَهُ ذَلِكَ وَوَجَبَ الصَّوْمُ فَافْهَمْ وَأَمَّا أَمْثِلَةُ قَاعِدَةِ مَا يُطْلَبُ جَمْعُهُ دُونَ افْتِرَاقِهِ فَمِنْهَا الرُّكُوعُ مَعَ سَجْدَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَطْلُوبُ الْجَمْعِ وَلَمْ يُشْرَعْ التَّقَرُّبُ بِأَحَدِهِمَا مُنْفَرِدًا قَالَ الْأَصْلُ مَا مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ قُرْبَةً إلَّا

[الفرق بين قاعدة المأمور به يصح مع التخيير وقاعدة المنهي عنه لا يصح مع التخيير]

وَلَا وُجُوبَ فِيهَا فَمَفْهُومُ أَحَدِهَا الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ بِتَرْكِ الْجَمِيعِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَالْخُصُوصِيَّاتُ مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ وَلَا وُجُوبَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عَيْنُ الْعِتْقِ وَلَا عَيْنُ الْكِسْوَةِ وَلَا عَيْنُ الْإِطْعَامِ بَلْ لَهُ تَرْكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْخُصُوصِيَّاتِ بِفِعْلِ الْآخَرِ وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِفِعْلِ الْمُشْتَرَكِ فِي أَيُّهَا شَاءَ فَإِنْ أَعْتَقَ حَصَلَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَسَا أَوْ أَطْعَمَ وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا فَالْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي أَنَّ النَّهْيَ مَتَى تَعَلَّقَ بِمُشْتَرَكٍ حُرِّمَتْ أَفْرَادُهُ كُلُّهَا فَإِذَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مَفْهُومَ الْخِنْزِيرِ حَرَّمَ كُلَّ خِنْزِيرٍ أَوْ مَفْهُومَ الْخَمْرِ حَرَّمَ كُلَّ خَمْرٍ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ فَرْدٌ فِي الْوُجُودِ لَدَخَلَ فِي ضِمْنِهِ الْمُشْتَرَكُ فَيَلْزَمُ الْمَحْذُورُ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الْمُشْتَرَكِ تَحْرِيمُ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَلَا وُجُوبَ فِيهَا) قُلْت ذَلِكَ صَحِيحٌ إنْ أَرَادَ مِنْ حَيْثُ تَعَيُّنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ مِنْ حَيْثُ دُخُولِهَا تَحْتَ الْمُشْتَرَكِ فَلَا وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ تُعْتَبَرَ الْحَقِيقَةُ الشَّامِلَةُ لِأَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ وَشَبَهُهَا مِنْ حَيْثُ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ أَوَّلًا فَإِنْ اُعْتُبِرَتْ مِنْ حَيْثُ هِيَ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ فَلَا تَعَلُّقَ لِلْوُجُوبِ بِهَا وَإِنْ لَمْ تُعْتَبَرْ مِنْ حَيْثُ هِيَ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ فَلَا يَخْلُو أَنْ تُعْتَبَرَ الْأَنْوَاعُ مِنْ حَيْثُ هِيَ تِلْكَ الْأَنْوَاعُ أَوَّلًا، فَإِنْ اُعْتُبِرَتْ مِنْ حَيْثُ هِيَ تِلْكَ الْأَنْوَاعُ فَلَا تَعَلُّقَ لِلْوُجُوبِ بِهَا، وَإِنْ لَمْ تُعْتَبَرْ مِنْ حَيْثُ هِيَ تِلْكَ الْأَنْوَاعُ بَلْ مِنْ حَيْثُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا قِسْطٌ مِنْ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ تُعْتَبَرَ مِنْ حَيْثُ مَجْمُوعِهَا أَوَّلًا فَإِنْ اُعْتُبِرَتْ مِنْ حَيْثُ مَجْمُوعِهَا فَلَا تَعَلُّقَ لِلْوُجُوبِ بِهَا وَإِنْ لَمْ تُعْتَبَرْ مِنْ حَيْثُ مَجْمُوعِهَا بَلْ مِنْ حَيْثُ آحَادِهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ تُعْتَبَرَ مِنْ حَيْثُ تَعَيُّنِهَا أَوَّلًا فَإِنْ اُعْتُبِرَتْ مِنْ حَيْثُ تَعَيُّنِهَا فَلَا تَعَلُّقَ لِلْوُجُوبِ بِهَا وَإِنْ لَمْ تُعْتَبَرْ مِنْ حَيْثُ تَعَيُّنِهَا لَكِنْ اُعْتُبِرَتْ مِنْ حَيْثُ إبْهَامِهَا فَهِيَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا غَيْرُ. قَالَ (فَمَفْهُومُ أَحَدِهَا الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ تَرْكَهُ بِتَرْكِ الْجَمِيعِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ إلَى قَوْلِهِ بَلْ لَهُ تَرْكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْخُصُوصِيَّاتِ بِفِعْلِ الْآخَرِ) قُلْت: مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ فَمَفْهُومُ أَحَدِهَا الَّذِي هُوَ مُشْتَرَكٌ فَإِنَّ مَفْهُومَ أَحَدِهَا لَيْسَ الْمُشْتَرَكُ بَلْ وَاحِدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِي الْمُشْتَرَكِ. قَالَ (وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِفِعْلِ الْمُشْتَرَكِ فِي أَيُّهَا شَاءَ) قُلْت: هَذَا صَحِيحٌ. قَالَ (فَإِنْ أَعْتَقَ حَصَلَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَسَا أَوْ أَطْعَمَ) قُلْت: لَيْسَ أَحَدُهَا هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَلْ مُبْهَمٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ. قَالَ (وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا) قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ مِرَارًا أَنَّ مَفْهُومَ أَحَدِهَا لَيْسَ الْمُشْتَرَكَ. قَالَ (فَالْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي أَنَّ النَّهْيَ مَتَى تَعَلَّقَ بِمُشْتَرَكٍ حُرِّمَتْ أَفْرَادُهُ كُلُّهَا وَلِذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الْمُشْتَرَكِ تَحْرِيمُ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ) قُلْت ذَلِكَ صَحِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ فِي التِّلَاوَةِ وَكَذَا فِي شُكْرِ النِّعَمِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ دُونَ مَالِكٍ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى وَجْهِ الْمُنَاسَبَةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ التَّقَرُّبِ بِالرُّكُوعِ وَحْدَهُ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ تَعَبُّدٌ وَمِنْهَا الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ مَعَ رَمْي الْجِمَارِ كُلُّ وَاحِدٍ مَطْلُوبٌ مَعَ الْآخَرِ وَلَيْسَ مَطْلُوبًا مُنْفَرِدًا وَمِنْهَا السَّعْيُ مَعَ الطَّوَافِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ قُرْبَةٌ وَلَيْسَ هُوَ بِانْفِرَادِهِ قُرْبَةٌ وَمِنْهَا الْحِلَاقُ مَعَ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ قُرْبَةٌ وَلَيْسَ هُوَ بِانْفِرَادِهِ قُرْبَةٌ. قَالَ الْأَصْلُ: وَالْغَالِبُ عَلَى أَرْكَانِ الْحَجِّ الَّتِي لَا يَتَقَرَّبُ بِهَا مُنْفَرِدَةً أَيْ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالسَّعْيِ وَكَذَا الْحِلَاقُ عَلَى الْقَوْلِ بِرُكْنِيَّتِهِ التَّعَبُّدُ بِخِلَافِ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ شُرِعَ قُرْبَةً وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ اُشْتُرِطَ مَعَهُ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ وَمِنْهَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ الِاسْتِقْرَاءُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ يَصِحُّ مَعَ التَّخْيِيرِ وَقَاعِدَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يَصِحُّ مَعَ التَّخْيِيرِ] (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ يَصِحُّ مَعَ التَّخْيِيرِ وَقَاعِدَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يَصِحُّ مَعَ التَّخْيِيرِ) عَلَى مَا زَعَمَ الْأَصْلُ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمُعْتَزِلَةُ دُونَ الْأَصْحَابِ وَأَنَّ مَذْهَبَ الْمُعْتَزِلَةِ هُوَ الْحَقُّ وَبُيِّنَ سِرُّهُ بِمَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ أَنَّهُ هُوَ الْمُحَالُ عَقْلًا وَإِنْ مَا حَكَاهُ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ بَاطِلٌ وَالصَّحِيحُ مَا حَكَاهُ سَيْفُ الدِّينِ عَنْ الْأَصْحَابِ فَانْظُرْهُمَا وَالصَّوَابُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَصْلًا لَا عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ وَلَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ. أَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْأَمْرَ أَوْ النَّهْيَ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ هَلْ يُوجِبُ أَوْ يُحَرِّمُ الْكُلَّ فَيُثَابُ بِفِعْلِ الْكُلِّ أَوْ تَرْكِهِ ثَوَابَ فِعْلِ وَاجِبَاتٍ وَتَرْكِ مُحَرَّمَاتٍ وَيُعَاقَبُ بِتَرْكِ الْكُلِّ أَوْ فِعْلِهِ عِقَابَ تَرْكِ وَاجِبَاتٍ وَفِعْلِ مُحَرَّمَاتٍ وَيَسْقُطُ فِعْلُ الْكُلِّ الْوَاجِبِ أَوْ تَرْكُهُ بِفِعْلِ أَوْ تَرْكِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ أَوْ الْمُحَرَّمِ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مُعَيَّنٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَسْقُطُ طَلَبُ الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكُ فِي الْوَاجِبِ أَوْ الْمُحَرَّمِ بِفِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ غَيْرِهِ مِنْهَا أَوْ بِتَرْكِهِ أَوْ تَرْكِ غَيْرِهِ مِنْهَا أَوْ الْوَاجِبِ أَوْ الْمُحَرَّمِ فِي ذَلِكَ مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ لِلْفِعْلِ أَوْ لِلتَّرْكِ مِنْهَا بِأَنْ يَفْعَلَهُ أَوْ يَتْرُكَهُ دُونَ غَيْرِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِينَ إلَّا أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى نَفْيِ إيجَابِ أَوْ تَحْرِيمِ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ لِمَا قَالُوا مِنْ أَنَّ تَحْرِيمَ الشَّيْءِ أَوْ إيجَابَهُ لِمَا فِي فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي يُدْرِكُهَا الْفِعْلُ وَإِنَّمَا يُدْرِكُهَا فِي الْمُعَيَّنِ وَأَمَّا الْأَصْحَابُ فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ أَوْ النَّهْيَ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ يُوجِبُ أَوْ يُحَرِّمُ وَاحِدًا مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا فِي ضِمْنٍ أَيْ مُعَيَّنٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ الْمَأْمُورُ بِهِ أَوْ

وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إيجَابِ الْمُشْتَرَكِ إيجَابُ كُلِّ فَرْدٍ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ هُوَ تَحْصِيلُ تِلْكَ الْمَاهِيَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَإِذَا حَصَلَ فَرْدٌ مِنْهَا حَصَلَتْ فِي ضِمْنِهِ وَاسْتُغْنِيَ عَنْ غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِنْ إيجَابِ الْمُشْتَرَكِ إيجَابُ أَفْرَادِهِ كُلِّهَا فَصَحَّ التَّخْيِيرُ مَعَ الْأَمْرِ بِالْمُشْتَرَكِ وَلَمْ يَصِحَّ التَّخْيِيرُ مَعَ النَّهْيِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ فَهَذَا هُوَ سِرُّ الْفَرْقِ، فَإِنْ قُلْت: قَدْ وَقَعَ النَّهْيُ مَعَ التَّخْيِيرِ فِي الْأُخْتَيْنِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْهِ إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا وَلَا نَعْنِي بِتَحْرِيمِ الْمُشْتَرَكِ إلَّا ذَلِكَ وَحَرَّمَ الْأُمَّ وَابْنَتَهَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَأَوْجَبَ إحْدَى الْخِصَالِ فِي الْكَفَّارَةِ وَإِذَا وَجَبَتْ وَاحِدَةٌ لَا بِعَيْنِهَا حُرِّمَتْ وَاحِدَةٌ لَا بِعَيْنِهَا فَهَذِهِ صُوَرٌ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ النَّهْيِ وَبَيْنَ التَّخْيِيرِ قُلْت هَذَا مُحَالٌ عَقْلًا وَمِنْ الْمُحَالِ عَقْلًا أَنْ يَفْعَلَ الْإِنْسَانُ فَرْدًا مِنْ جِنْسٍ أَوْ نَوْعٍ أَوْ كُلِّيٍّ مُشْتَرَكٍ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْمُشْتَرَكَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْجُزْئِيَّ فِيهِ الْكُلِّيُّ بِالضَّرُورَةِ وَفَاعِلُ الْأَخَصِّ فَاعِلُ الْأَعَمِّ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ فِي النَّهْيِ إلَّا بِتَرْكِ كُلِّ فَرْدٍ، وَالتَّخْيِيرُ مَعَ النَّهْيِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ مُحَالٌ عَقْلًا، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ الصُّوَرِ فَوَهْمٌ أَمَّا الْأُخْتَانِ وَالْأُمُّ وَابْنَتُهَا فَلِأَنَّ ذَلِكَ التَّحْرِيمَ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِالْمَجْمُوعِ عَيْنًا لَا بِالْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْأَفْرَادِ وَلَمَّا كَانَ الْمَطْلُوبُ أَنْ لَا تَدْخُلَ مَاهِيَّةُ الْمَجْمُوعِ الْوُجُودَ وَالْقَاعِدَةُ الْعَقْلِيَّةُ أَنَّ عَدَمَ الْمَاهِيَّةِ يَتَحَقَّقُ بِأَيِّ جُزْءٍ كَانَ مِنْ أَجْزَائِهَا لَا بِعَيْنِهِ فَلَا جَرَمَ أَيَّ أُخْتٍ تَرَكَهَا خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ عَنْ الْمَجْمُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إيجَابِ الْمُشْتَرَكِ إيجَابُ كُلِّ فَرْدٍ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ هُوَ تَحْصِيلُ تِلْكَ الْمَاهِيَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا هُوَ سِرُّ الْفَرْقِ) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَلَا صَحِيحٌ بَلْ يَلْزَمُ مِنْ إيجَابِ الْمُشْتَرَكِ إيجَابُ كُلِّ فَرْدٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ تَحْصِيلَ تِلْكَ الْمَاهِيَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَإِنَّمَا لَا يَلْزَمُ إيجَابُ كُلِّ فَرْدٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ تَحْصِيلَ شَيْءٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ. قَالَ (فَإِنْ قُلْت إلَى قَوْلِهِ فَهَذِهِ صُوَرٌ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ النَّهْيِ وَبَيْنَ التَّخْيِيرِ) . قُلْت: مَا أُورِدَ عَلَيْهِ مِنْ السُّؤَالِ وَارِدٌ. قَالَ (قُلْت: هَذَا مُحَالٌ عَقْلًا وَمِنْ الْمُحَالِ عَقْلًا أَنْ يَفْعَلَ الْإِنْسَانُ فَرْدًا مِنْ جِنْسٍ أَوْ نَوْعٍ أَوْ كُلِّيٍّ مُشْتَرَكٍ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْمُشْتَرَكَ إلَى قَوْلِهِ وَالتَّخْيِيرُ مَعَ النَّهْيِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ مُحَالٌ عَقْلًا) قُلْت: إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْمُشْتَرَكَ " الْحَقِيقَةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فَكَيْفَ وَمِنْ قَاعِدَةِ مَنْ يُثْبِتُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْأَعْيَانِ وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْمُشْتَرَكَ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا مِمَّا فِيهِ الْحَقِيقَةُ فَقَوْلُهُ صَحِيحٌ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَحَلَّ النِّزَاعِ. قَالَ (وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ الصُّوَرِ فَوَهْمٌ) أَمَّا الْأُخْتَانِ وَالْأُمُّ وَابْنَتُهَا فَلِأَنَّ ذَلِكَ التَّحْرِيمَ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِالْمَجْمُوعِ عَيْنًا لَا بِالْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْأَفْرَادِ وَلَمَّا كَانَ الْمَطْلُوبُ أَنْ لَا تَدْخُلَ مَاهِيَّةُ الْمَجْمُوعِ الْوُجُودَ وَالْقَاعِدَةُ الْعَقْلِيَّةُ أَنَّ عَدَمَ الْمَاهِيَّةِ يَتَحَقَّقُ بِأَيِّ جُزْءٍ كَانَ مِنْ أَجْزَائِهَا لَا بِعَيْنِهِ فَلَا جَرَمَ أَيَّ أُخْتٍ تَرَكَهَا خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ عَنْ الْمَجْمُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَتُعْرَفُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ بِالْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ وَالْمُحَرَّمِ الْمُخَيَّرِ لِتَخْيِيرِ الْمُكَلَّفِ فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ أَوْ الْمُحَرَّمِ بِأَيٍّ مِنْ الْأَشْيَاءِ يَفْعَلُهُ أَوْ يَتْرُكُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَيْثُ خُصُومِهِ وَاجِبًا أَوْ مُحَرَّمًا عِنْدَ الْأَصْحَابِ بَلْ وَاحِدٌ لَا بِعَيْنِهِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ مَعَ شَرْحِ الْمُحَلَّى وَمُفَادُ ذَلِكَ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ قَوْلِ الْأَصْحَابِ وَبَيْنَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْوَالِ الْمُعْتَزِلَةِ الْمَذْكُورَةِ مَعْنَوِيٌّ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ كَالْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَالْعَضُدِ قَالَ السَّعْدُ وَهُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ فَيُثَابُ وَيُعَاقَبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَلَوْ أَتَى بِوَاحِدٍ سَقَطَ عَنْهُ الْبَاقِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ قَدْ يَسْقُطُ بِدُونِ الْأَدَاءِ. اهـ. وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ تَعَلَّقَ بِكُلٍّ مِنْهَا بِخُصُوصِهِ عَلَى وَجْهِ الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ مِنْهَا قُلْنَا: إنْ سَلَّمَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ وُجُوبُ الْكُلِّ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ وَذَهَبَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَةٌ إلَى أَنَّهُ لَفْظِيٌّ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ أَبِي الْحُسَيْنِ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْوَالِ الْمُعْتَزِلَةِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِجَمِيعِهَا وَلَا يَجِبُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَلِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَخْتَارَ أَيَّامًا كَانَ فَهُوَ بِعَيْنِهِ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْخُلْفُ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا قَالُوا بِوُجُوبِ الْكُلِّ بِهَذَا الْمَعْنَى فِرَارًا مِنْ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُدْرِكُ فِيهِ مَصْلَحَةً بِنَاءً عَلَى عَقِيدَتِهِمْ مِنْ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ وَأَنَّ الْعَقْلَ يُدْرِكُ الْأَحْكَامَ قَبْلَ الشَّرْعِ، وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ الْعَلَّامَةُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُوَافَقَاتِ حَيْثُ قَالَ وَكُلُّ مَسْأَلَةٍ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ يَنْبَنِي عَلَيْهَا فِقْهٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مِنْ الْخِلَافِ فِيهَا خِلَافٌ فِي فَرْعٍ مِنْ فُرُوعِ الْفِقْهِ كَالْخِلَافِ مَعَ الْمُعْتَزِلَةِ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ وَالْمُحَرَّمِ الْمُخَيَّرِ، فَإِنَّ كُلَّ فِرْقَةٍ مُوَافِقَةٌ لِلْأُخْرَى فِي نَفْسِ الْعَمَلِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الِاعْتِقَادِ بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ مُحَرَّرٍ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَفِي أُصُولِ الْفِقْهِ لَهُ تَقْرِيرٌ أَيْضًا وَهُوَ هَلْ الْوُجُوبُ أَوْ التَّحْرِيمُ أَوْ غَيْرُهُمَا رَاجِعَةٌ إلَى صِفَاتِ الْأَعْيَانِ أَوْ إلَى خِطَابِ الشَّارِعِ. اهـ. الْمُرَادُ قَالَ الشِّرْبِينِيُّ وَأَشَارَ الْمَحَلِّيُّ بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا إلَى الْإِبْهَامِ فِي الْوَاجِبِ أَيْ وَالْمُحَرَّمِ وَبِقَوْلِهِ فِي ضِمْنٍ أَيْ مُعَيَّنٍ إلَى التَّعْيِينِ فِي الْمُخَيَّرِ فِيهِ ثُمَّ إنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهَا أَعْنِي ذَلِكَ الْمَفْهُومَ مِنْ حَيْثُ تَعَيُّنِ الْمُشْتَرَكِ فِيهِ مُعَيَّنٌ فَالْوَاجِبُ مُعَيَّنٌ فَانْدَفَعَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ كُلِّفَ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ وَأَمَّا خُصُوصِيَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ لَا وَاجِبٌ فَلَا يَلْزَمُ فِيهِ التَّكْلِيفُ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ هَذَا هُوَ الْحَقُّ فِي الْحِلِّ الَّذِي بَيَّنَهُ الْعَضُدُ بِمَا تَوْضِيحُهُ أَنَّ الَّذِي

لَا لِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ الْمُشْتَرَكِ بَلْ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْمَجْمُوعِ يَكْفِي فِيهِ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْمَجْمُوعِ فَهَذَا هُوَ السَّبَبُ لَا لِأَنَّ التَّحْرِيمَ تَعَلَّقَ بِوَاحِدَةٍ لَا بِعَيْنِهَا بَلْ تَعَلَّقَ بِالْمَجْمُوعِ فَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِوَاحِدَةٍ لَا بِعَيْنِهَا فَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَرْقَ فَخِلَافُهُ مُحَالٌ عَقْلًا وَالشَّرْعُ لَا يَرِدُ بِخِلَافِ الْعَقْلِ وَلَا بِالْمُسْتَحِيلَاتِ. وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ لَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُشْتَرَكَ حَرَّمَ تَرْكَ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ الْمُشْتَرَكِ فَالْمُحَرَّمُ تَرْكُ الْجَمِيعِ لَا وَاحِدَةٌ بِعَيْنِهَا مِنْ الْخِصَالِ فَلَا نَجِدُ نَهْيًا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ إلَّا وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَجْمُوعِ لَا بِالْمُشْتَرَكِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَلِذَلِكَ صَحَّ التَّخْيِيرُ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِنَّمَا يَقَعُ فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهِ لَا فِي أَصْلِ النَّهْيِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقُلْت: مَا قَالَهُ هُنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يُرِيدَ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمَجْمُوعِ النَّهْيَ عَنْ الْجَمْعِ أَوْ يُرِيدَ بِذَلِكَ النَّهْيَ عَنْ الْجُمْلَةِ فَإِنْ أَرَادَ الثَّانِيَ فَقَوْلُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْجُمْلَةِ النَّهْيُ عَنْ آحَادِهَا، وَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ الْجَمْعِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مُبْهَم وَهُوَ قَوْلُ خَصْمِهِ فَقَدْ لَزِمَهُ مَا أَنْكَرَ. قَالَ (لَا؛ لِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ الْمُشْتَرَكِ) قُلْت: لَوْ كَانَ نَهْيًا عَنْ الْمُشْتَرَكِ لَزِمَ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ. قَالَ (بَلْ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْمَجْمُوعِ يَكْفِي فِيهِ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْمَجْمُوعِ) قُلْت: إنَّمَا يَكْفِي ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْمَجْمُوعِ الْجَمْعَ لَا إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْمَجْمُوعِ الْجُمْلَةَ. قَالَ (فَهَذَا هُوَ السَّبَبُ لَا لِأَنَّ التَّحْرِيمَ تَعَلَّقَ بِوَاحِدَةٍ لَا بِعَيْنِهَا بَلْ تَعَلَّقَ بِالْمَجْمُوعِ وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِوَاحِدَةٍ لَا بِعَيْنِهَا) قُلْت: قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِوَاحِدَةٍ لَا بِعَيْنِهَا إلَّا إذَا كَانَ الْمُرَادُ تَحْرِيمَ الْجَمْعِ لَا إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْمَجْمُوعِ الْجُمْلَةَ. قَالَ (فَتَأَمَّلْ الْفَرْقَ فَخِلَافُهُ مُحَالٌ عَقْلًا) قُلْت: مَا اخْتَارَهُ هُوَ الْمُحَالُ عَقْلًا وَمَا خَالَفَهُ هُوَ الْجَائِزُ عَقْلًا. قَالَ (وَالشَّرْعُ لَا يَرِدُ بِخِلَافِ الْعَقْلِ وَلَا بِالْمُسْتَحِيلَاتِ) قُلْت: ذَلِكَ صَحِيحٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَقْصُودُهُ. قَالَ (وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ لَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُشْتَرَكَ حَرَّمَ تَرْكَ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ الْمُشْتَرَكِ) قُلْت: لَوْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُشْتَرَكَ لَمَا جَازَ تَرْكُ شَيْءٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ. قَالَ (فَالْمُحَرَّمُ تَرْكُ الْجَمِيعِ لَا وَاحِدَةٍ بِعَيْنِهَا مِنْ الْخِصَالِ) قُلْت: إذَا كَانَ الْمُحَرَّمُ تَرْكَ الْجَمِيعِ لَزِمَ مِنْهُ تَحْرِيمُ تَرْكِ وَاحِدَةٍ لَا بِعَيْنِهَا. قَالَ (فَلَا تَجِدُ شَيْئًا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ إلَّا وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَجْمُوعِ لَا بِالْمُشْتَرَكِ) قُلْت: قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْمَجْمُوعِ أَيْ بِالْجُمْلَةِ فَإِنْ كَانَ الْوُجُوبُ فَلَا بُدَّ مِنْ فِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِهَا وَإِنْ كَانَ التَّحْرِيمُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَرْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِهَا. قَالَ (فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَلِذَلِكَ صَحَّ التَّخْيِيرُ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِنَّمَا يَقَعُ فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهِ لَا فِي أَصْلِ النَّهْيِ) قُلْت: قَدْ تَأَمَّلْت ذَلِكَ وَصَحَّ ذَلِكَ التَّخْيِيرُ فِي النَّهْيِ كَمَا صَحَّ فِي الْأَمْرِ وَوَقَعَ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ فِي أَصْلِ النَّهْيِ. قَالَ (فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجَبَ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْمُبْهَمُ أَعْنِي هَذَا الْمَفْهُومَ الْكُلِّيَّ لَمْ يُخَيَّرْ فِيهِ؛ إذْ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ أَلْبَتَّةَ وَالتَّخْيِيرُ إنَّمَا هُوَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُعَيَّنَاتِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ لِتَضَمُّنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا الْوَاجِبَ الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا مُبْهَمًا فَلَيْسَ مَعْنَى الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ أَنَّهُ خُيِّرَ فِي نَفْسِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ كَمَا يَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ بَلْ مَعْنَاهُ الْوَاجِبُ الَّذِي خُيِّرَ فِي أَفْرَادِهِ وَتَعَدَّدَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ أَحَدُهَا إذَا تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ وَالتَّخْيِيرُ يَأْبَى كَوْنُ مُتَعَلِّقِ الْوُجُوبِ وَالتَّخْيِيرِ وَاحِدًا كَمَا لَوْ حَرَّمَ وَاحِدًا مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَأَوْجَبَ وَاحِدًا فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَيَّهمَا فَعَلْت حُرِّمَ الْآخَرُ وَأَيَّهُمَا تَرَكْت وَجَبَ الْآخَرُ وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ وَاجِبٍ أَوْ غَيْرِ وَاجِبٍ بِهَذَا الْمَعْنَى جَائِزٌ وَإِنَّمَا الْمُمْتَنِعُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ وَاجِبٍ بِعَيْنِهِ وَغَيْرِ وَاجِبٍ بِعَيْنِهِ كَالصَّلَاةِ وَأَكْلِ الْخُبْزِ اهـ كَلَامُ الشِّرْبِينِيِّ. وَكَذَلِكَ يَمْتَنِعُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُشْتَرَكِ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ الْمَأْمُورَ بِهِ أَوْ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ كَمَفْهُومِ الْخِنْزِيرِ أَوْ مَفْهُومِ الْخَمْرِ وَكَمَفْهُومِ صَوْمِ رَمَضَانَ خِلَافًا لِلْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الْمُشْتَرَكِ تَحْرِيمُ جَمِيعِ أَفْرَادِهِ كَكُلِّ خِنْزِيرٍ وَكُلِّ خَمْرٍ كَذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْ إيجَابِ الْمُشْتَرَكِ إيجَابُ جَمِيعِ أَفْرَادِهِ كَكُلِّ صَوْمِ رَمَضَانَ بِعَامٍ مِنْ الْأَعْوَامِ، قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ تَحْصِيلَ تِلْكَ الْمَاهِيَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ لَزِمَ مِنْ إيجَابِ الْمُشْتَرَكِ إيجَابُ كُلِّ فَرْدٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ وَإِنَّمَا لَا يَلْزَمُ إيجَابُ كُلِّ فَرْدٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ تَحْصِيلَ شَيْءٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ اهـ. أَيْ كَإِيجَابِ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّ فِي آيَتِهَا الْأَمْرَ بِذَلِكَ تَقْدِيرًا أَيْ مَعْنًى؛ إذْ هِيَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ هُوَ مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِيجَابُ بَلْ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ الْإِيجَابُ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْهَا وَهُوَ الْمَفْهُومُ الْكُلِّيُّ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْوَاجِبَ الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا مُبْهَمًا، فَكَوْنُ الْمَقْصُودِ تَحْصِيلَ شَيْءٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ هُوَ نَفْسُ الْوَاجِبِ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ هُوَ نَفْسَ الْوَاجِبِ وَهُوَ مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ. الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُوَ نَفْسَ الْوَاجِبِ لَكَانَ هُوَ بِعَيْنِهِ مَذْهَبَ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذَلِكَ مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ لِلْفِعْلِ مِنْ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِأَنْ يَفْعَلَهُ دُونَ غَيْرِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِينَ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى

مَعَ أَنَّ الشَّيْخَ سَيْفَ الدِّينِ فِي الْأَحْكَامِ لَهُ الْمَوْضُوعِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ حَكَى عَنْ أَصْحَابِنَا صِحَّةَ النَّهْيِ مَعَ التَّخْيِيرِ كَالْأَمْرِ وَحَكَى عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ مَنْعَهُ وَالْحَقُّ مَعَ الْمُعْتَزِلَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دُونَ أَصْحَابِنَا إلَّا أَنْ يُرِيدُوا التَّخْيِيرَ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا يَبْقَى خِلَافٌ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ. (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ الَّذِي يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ الَّذِي لَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهَا) جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ أَوْ غَيْرَهُ إذَا خَيَّرَ بَيْنَ أَشْيَاءَ يَكُونُ حُكْمُ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ وَاحِدًا وَأَنْ لَا يَقَعَ التَّخْيِيرُ إلَّا بَيْنَ وَاجِبٍ وَوَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ وَمَنْدُوبٍ أَوْ مُبَاحٍ وَمُبَاحٍ وَكَذَلِكَ هُوَ مَسْطُورٌ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَكُتُبِ الْفِقْهِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ هُنَالِكَ تَخْيِيرٌ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ وَتَخْيِيرٌ لَا يَقْتَضِيهَا وَتَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ أَنَّ التَّخْيِيرَ مَتَى وَقَعَ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الْمُتَبَايِنَةِ وَقَعَتْ التَّسْوِيَةُ أَوْ بَيْنَ الْجُزْءِ وَالْكُلِّ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ تَقَعْ التَّسْوِيَةُ وَيَتَّضِحُ لَك هَذَا الْفَرْقُ بِذِكْرِ أَرْبَعِ مَسَائِلَ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) تَخْيِيرُهُ تَعَالَى بَيْنَ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فِي الْحِنْثِ اقْتَضَى ذَلِكَ التَّسْوِيَةَ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ الْوُجُوبُ فِي الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَهُوَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا وَالتَّخْيِيرُ فِي الْخُصُوصِيَّاتِ وَهُوَ الْعِتْقُ وَالْكِسْوَةُ وَالْإِطْعَامُ فَالْمُشْتَرَكُ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ وَالْخُصُوصِيَّاتُ مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَعَلَى كُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــSمَعَ أَنَّ الشَّيْخَ سَيْفَ الدِّينِ فِي الْأَحْكَامِ لَهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ يَحْكِي عَنْ أَصْحَابِنَا صِحَّةَ النَّهْيِ مَعَ التَّخْيِيرِ كَالْأَمْرِ وَحَكَى عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ مَنْعَهُ) قُلْت: مَا حَكَاهُ سَيْفُ الدِّينِ صَحِيحٌ وَقَوْلُ الْأَصْحَابِ صَحِيحٌ وَقَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ بَاطِلٌ. قَالَ (وَالْحَقُّ مَعَ الْمُعْتَزِلَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى آخَرِ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ) قُلْت: قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْأَمْرَ بِعَكْسِ مَا قَالَ وَأَنَّ الصَّوَابَ مَعَ الْأَصْحَابِ. قَالَ (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ الَّذِي يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الْمُخَيَّرِ فِيهَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ الَّذِي لَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ إلَى قَوْلِهِ وَتَخْيِيرٍ لَا يَقْتَضِيهِ) قُلْت الصَّحِيحُ مَا اعْتَقَدَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَسُطِّرَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ دُونَ مَا اخْتَارَهُ هُوَ وَارْتَضَاهُ. قَالَ (وَتَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ إلَى قَوْلِهِ بِذِكْرِ أَرْبَعِ مَسَائِلَ) قُلْت: مَا قَالَهُ هُنَا مُجَرَّدُ دَعْوَى. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى تَخْيِيرُهُ تَعَالَى بَيْنَ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فِي الْحِنْثِ اقْتَضَى ذَلِكَ التَّسْوِيَةَ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ الْوُجُوبُ فِي الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَهُوَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا) قُلْت: قَدْ سَبَقَ مَا فِيهِ. قَالَ (وَالتَّخْيِيرُ فِي الْخُصُوصِيَّاتِ وَهُوَ الْعِتْقُ وَالْكِسْوَةُ وَالْإِطْعَامُ) قُلْت: ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ (فَالْمُشْتَرَكُ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ) قُلْت: لَوْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ مُتَعَلِّقَ الْوُجُوبِ لَوَجَبَ الْجَمِيعُ بَلْ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَاحِدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ. قَالَ (وَالْخُصُوصِيَّاتُ مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَعَلَى كُلِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِأَيٍّ مِنْهَا يَفْعَلُ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ قَوْلُ الْمَحَلِّيِّ أَنَّ الْخُرُوجَ بِهِ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ لِكَوْنِهِ أَحَدَهَا لَا لِخُصُوصِهِ أَيْ كَوْنُهُ مُخْتَارَ الْمُكَلَّفِ لِلْقَطْعِ بِاسْتِوَاءِ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ انْتَهَى عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِمُرَاعَاةِ الْخُصُوصِيَّةِ نَظَرُ التَّأَدِّي الْوَاجِبِ وَهُوَ الْمُشْتَرَكُ بِهَا الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ الْخِلَافُ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي أَنَّ مَحَلَّ ثَوَابِ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا هَلْ هُوَ الْأَعْلَى أَوْ الْأَوَّلُ أَوْ الْأَحَدُّ وَمَحَلُّ الْعِقَابِ هَلْ هُوَ الْأَدْنَى أَوْ الْأَحَدُّ؟ خِلَافُ التَّحْقِيقِ وَالتَّحْقِيقُ الْمَأْخُوذُ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُكَلَّفِينَ أَنَّ مَحَلَّ ثَوَابِ الْوَاجِبِ وَالْعِقَابِ أَحَدُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا وَلَا نَظَرَ إلَى خُصُوصِيَّةِ مَا وَقَعَ لِأَنَّهُ حَتَّى بَعْدَ الْوُقُوعِ لَمْ يَزَلْ مِنْ حَيْثُ تِلْكَ الْخُصُوصِيَّةِ مُخَيَّرًا وَإِلَّا لَاخْتَلَفَ الْوَاجِبُ بِاخْتِلَافِ الْمُكَلَّفِينَ وَلَا قَائِلَ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ الَّذِي التَّفْرِيعُ عَلَيْهِ وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلٍّ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى مَنْ يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ مِنْهَا أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْمَنْدُوبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مُقْتَضَى الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ وَمُقْتَضَاهُ الثَّوَابُ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ. وَأَمَّا خَصِيصِيَّةُ الْمُتَعَلِّقِ وَمَا فِيهِ مِنْ الزِّيَادَةِ فَيُثَابُ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ دُخُولُهَا فِي الْأَمْرِ بِفِعْلِ الْخَيْرِ ثَوَابُ الْمَنْدُوبِ كَمَا فِي الْمَحَلِّيِّ وَالشِّرْبِينِيِّ وَكَمَا لَا يَلْزَمُ إيجَابُ كُلِّ فَرْدٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ تَحْصِيلَ شَيْءٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِمُرَاعَاةِ الْخُصُوصِيَّةِ نَظَرًا لِتَأَدِّي الْوَاجِبُ وَهُوَ الْمُشْتَرَكُ بِهَا أَوْ تَحْصِيلُ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي هُوَ أَحَدُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا بِنَاءً عَلَى التَّحْقِيقِ كَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ تَحْرِيمُ كُلِّ فَرْدٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ كَمَا فِي نَحْوِ لَا تَتَنَاوَلْ السَّمَكَ أَوْ اللَّبَنَ أَوْ الْبَيْضَ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ تَرْكَ شَيْءٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِمُرَاعَاةِ الْخُصُوصِيَّةِ نَظَرًا لِتَأَدِّي تَرْكِ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ الْمُشْتَرَكُ بِهَا أَوْ تَرْكُ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي هُوَ أَحَدُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحَدُهَا فِي ضِمْنٍ أَيْ مُعَيَّنٍ مِنْهَا بِنَاءً عَلَى التَّحْقِيقِ فَعَلَى الْمُكَلَّفِ تَرْكُهُ فِي أَيِّ مُعَيَّنٍ مِنْهَا، وَلَهُ فِعْلُهُ فِي غَيْرِهِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ فِعْلِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ وَاحِدٌ فَتَحْرِيمُ وَاحِدٍ لَا بِعَيْنِهِ لَيْسَ مِنْ بَابِ عُمُومِ السَّلْبِ بَلْ مِنْ بَابِ سَلْبِ الْعُمُومِ فَيَتَحَقَّقُ فِي وَاحِدٍ فَلَيْسَ النَّهْيُ كَالنَّفْيِ وَيُقَاسُ عَلَى التَّحْرِيمِ الْكَرَاهَةُ إلَّا فِي الْعِقَابِ كَمَا فِي الْمَحَلِّيِّ وَالشِّرْبِينِيِّ. وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْأَمْرِ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ يُوجِبُ وَاحِدًا مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَلَا يُوجِبُهُ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ بَلْ إنَّمَا يُوجِبُ الْكُلَّ وَيَسْقُطُ بِوَاحِدٍ أَوْ وَاحِدًا مِنْهَا مُعَيَّنًا عِنْدَ اللَّهِ أَوْ مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ لِلْفِعْلِ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ وَبَيْنَ كَوْنِ النَّهْيِ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ يُحَرِّمُ وَاحِدًا مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَلَا يُحَرِّمُهُ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ بَلْ إنَّمَا يُحَرِّمُ الْكُلَّ وَيَسْقُطُ بِتَرْكِ وَاحِدٍ

[الفرق بين قاعدة التخيير الذي يقتضي التسوية وبين قاعدة التخيير الذي لا يقتضي التسوية بين الأشياء المخير بينها]

تَقْدِيرٍ فَحُكْمُ كُلِّ خَصْلَةٍ مِنْ الْخِصَالِ حُكْمُ الْخَصْلَةِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهَا أُمُورٌ مُتَبَايِنَةٌ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: 2] {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا} [المزمل: 3] {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} [المزمل: 4] قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ خَيَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الثُّلُثِ وَالنِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا} [المزمل: 3] أَيْ اُنْقُصْ مِنْ النِّصْفِ وَالْمُرَادُ الثُّلُثُ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى النِّصْفِ، وَالْمُرَادُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى النِّصْفِ السُّدُسُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ الثُّلُثَيْنِ كَذَا وَقَعَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَهَذَا تَخْيِيرٌ وَقَعَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَالثُّلُثُ وَاجِبٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَالنِّصْفُ وَالثُّلُثَانِ مَنْدُوبَانِ يَجُوزُ تَرْكُهَا وَفِعْلُهُمَا أَوْلَى فَقَدْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ بِسَبَبِ أَنَّ التَّخْيِيرَ وَقَعَ بَيْنَ أَقَلَّ وَأَكْثَرَ وَالْأَقَلُّ جُزْءٌ فَهَذَا مُفَارِقٌ لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فَتَأَمَّلْهُ فَهُوَ لَا يَكَادُ يَخْطُرُ بِالْبَالِ إلَّا أَنَّ التَّخْيِيرَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ مُطْلَقًا. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَوْله تَعَالَى {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] الْآيَةَ خَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسَافِرَ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعٍ وَالرَّكْعَتَانِ وَاجِبَتَانِ جَزْمًا وَالزَّائِدُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ وَمَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لَا يَكُونُ وَاجِبًا وَأَمَّا الرَّكْعَتَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــSتَقْدِيرٍ فَحُكْمُ كُلِّ خَصْلَةٍ مِنْ الْخِصَالِ حُكْمُ الْخَصْلَةِ الْأُخْرَى) ؛ لِأَنَّهَا أُمُورٌ مُتَبَايِنَةٌ قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْخُصُوصِيَّاتِ مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ وَأَنَّ حُكْمَ كُلِّ خَصْلَةٍ حُكْمُ الْأُخْرَى صَحِيحٌ لَا مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا أُمُورًا مُتَبَايِنَةً. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] إلَى قَوْلِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَالثُّلُثُ وَاجِبٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَالنِّصْفُ وَالثُّلُثَانِ مَنْدُوبَانِ يَجُوزُ تَرْكُهُمَا وَفِعْلُهُمَا أَوْلَى قُلْت: لَيْسَ الثُّلُثُ وَاجِبًا مِنْ حَيْثُ هُوَ ثُلُثٌ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ وَاجِبًا مُعَيَّنًا وَلَيْسَ النِّصْفُ وَالثُّلُثَانِ مَنْدُوبَيْنِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَجَازَ تَرْكُهُمَا مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُمَا إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الثُّلُثِ. قَالَ (فَقَدْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ بِسَبَبِ أَنَّ التَّخْيِيرَ وَقَعَ بَيْنَ أَقَلَّ وَأَكْثَرَ) قُلْت: لَمْ يَقَعْ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ وَلَيْسَ كَوْنُ التَّخْيِيرِ وَقَعَ بَيْنَ أَقَلَّ وَأَكْثَرَ سَبَبًا فِي ذَلِكَ. قَالَ (فَهَذَا مُفَارِقٌ لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ) قُلْت: لَيْسَ مُفَارِقًا لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ بَلْ هُمَا سَوَاءٌ إلَّا عِنْدَ مَنْ اعْتَرَاهُ الْغَلَطُ فَتَوَهَّمَ أَنَّ الْجُزْءَ الْمُنْفَرِدَ الْمُنْفَصِلَ هُوَ الْجُزْءُ الْمُجْتَمِعُ الْمُتَّصِلُ. قَالَ (فَتَأَمَّلْهُ فَهُوَ لَا يَكَادُ يَخْطِرُ بِالْبَالِ إلَّا أَنَّ التَّخْيِيرَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ مُطْلَقًا) قُلْت: يَحِقُّ أَنْ لَا يَخْطُرَ غَيْرُ ذَلِكَ بِالْبَالِ فَإِنَّهُ الْأَمْرُ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَوْله تَعَالَى {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] الْآيَةَ خَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسَافِرَ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعٍ وَالرَّكْعَتَانِ وَاجِبَتَانِ جَزْمًا وَالزَّائِدُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ وَمَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لَا يَكُونُ وَاجِبًا وَأَمَّا الرَّكْعَتَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ وَاحِدًا مِنْهَا مُعَيَّنًا عِنْدَ اللَّهِ أَوْ مَا يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ لِلتَّرْكِ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ نَعَمْ فَرَّقَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ اللُّغَةَ لَمْ تَرِدْ بِصِيغَةٍ مِنْ النَّهْيِ عَنْ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ كَمَا وَرَدَتْ بِالْأَمْرِ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ. قَالَ وقَوْله تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] نَهْيٌ عَنْ طَاعَتِهِمَا إجْمَاعًا أَيْ وَلَيْسَ نَهْيًا عَنْ طَاعَةِ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُقَالَ: إنَّهُ صِيغَةٌ مِنْ النَّهْيِ عَنْ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ وَرَدَتْ بِهَا اللُّغَةُ لَكِنْ رَدَّ الْمَحَلِّيِّ هَذَا الْجَوَابَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ يُفْهَمُ مِنْهَا النَّهْيُ عَنْ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ فَهِيَ طَرِيقٌ لِذَلِكَ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ صَرْفُهَا عَنْ ظَاهِرِهَا بِالْإِجْمَاعِ فَقَدْ ثَبَتَ وُرُودُ اللُّغَةِ بِذَلِكَ الطَّرِيقِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ مَانِعٌ فَافْهَمْ هَكَذَا يَنْبَغِي تَحْقِيقُ هَذَا الْمَقَامِ وَإِنْ أَرَدْت زِيَادَةَ تَوْضِيحِهِ فَعَلَيْك بِشَرْحِ الْمَحَلِّيِّ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَحَوَاشِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ الَّذِي يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ الَّذِي لَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهَا] (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ الَّذِي يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ الَّذِي لَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهَا) عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْأَصْلُ وَارْتَضَاهُ مِنْ تَحَقُّقِ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ خِلَافًا لِمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ وَاعْتَقَدَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ أَوْ غَيْرُهُ إذَا خَيَّرَ بَيْنَ أَشْيَاءَ يَكُونُ حُكْمُ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ وَاحِدًا وَأَنَّهُ لَا يَقَعُ التَّخْيِيرُ إلَّا بَيْنَ وَاجِبٍ وَوَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ وَمَنْدُوبٍ أَوْ مُبَاحٍ وَمُبَاحٍ. قَالَ: وَتَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّخْيِيرَ مَتَى وَقَعَ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الْمُتَبَايِنَةِ كَمَا فِي تَخْيِيرِهِ تَعَالَى بَيْنَ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فِي الْحِنْثِ اقْتَضَى ذَلِكَ التَّسْوِيَةَ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ الْوُجُوبُ فِي الْمُشْتَرَكِ الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا وَالتَّخْيِيرُ فِي الْخُصُوصِيَّاتِ الَّتِي هِيَ الْعِتْقُ وَالْكِسْوَةُ وَالْإِطْعَامُ؛ لِأَنَّهَا أُمُورٌ مُتَبَايِنَةٌ فَالْمُشْتَرَكُ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ وَالْخُصُوصِيَّاتُ مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَمَتَى وَقَعَ أَيْ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْجُزْءِ وَالْكُلِّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] الْآيَةَ فَإِنَّ التَّخْيِيرَ فِيهَا وَقَعَ بَيْنَ جُزْءٍ وَهُمَا رَكْعَتَانِ وَكُلٍّ وَهِيَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ أَوْ بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: 2] {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا} [المزمل: 3] {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} [المزمل: 4] فَإِنَّ التَّخْيِيرَ فِيهَا وَقَعَ بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ خَيَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ

فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُمَا إجْمَاعًا فَقَدْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَهَذَا خِلَافُ الْمُتَعَارَفِ الْمَعْهُودِ مِنْ الْقَاعِدَةِ وَسَبَبُهُ أَنَّ التَّخْيِيرَ وَقَعَ بَيْنَ جُزْءٍ وَكُلٍّ لَا بَيْنَ أَشْيَاءَ مُتَبَايِنَةٍ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ عَلَى الْمُعْسِرِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ النَّظِرَةِ وَالْإِبْرَاءِ وَأَنَّ الْإِبْرَاءَ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ وَأَحَدُهُمَا وَاجِبٌ حَتْمًا وَهُوَ تَرْكُ الْمُطَالَبَةِ وَالْإِبْرَاءُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَالسَّبَبُ فِي هَذَا أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَتَضَمَّنُ النَّظِرَةَ وَتَرْكَ الْمُطَالَبَةِ فَصَارَ مِنْ بَابِ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَاعِدَتَيْنِ إحْدَاهُمَا قَاعِدَةُ التَّخْيِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالثَّانِيَةُ قَاعِدَةُ أَنَّ الْوَاجِبَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَنْدُوبِ فَإِنَّ الْمَنْدُوبَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهُوَ الْإِبْرَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــSفَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُمَا إجْمَاعًا قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ وَاجِبَتَانِ جَزْمًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَيْفَ وَلَهُ تَرْكُهُمَا وَإِبْدَالُهُمَا بِأَرْبَعٍ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الزَّائِدَ يَجُوزُ تَرْكُهُ وَمَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لَا يَكُونُ وَاجِبًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا فَإِنَّ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ يَجُوزُ تَرْكُهُ مُطْلَقًا وَهَذَا لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ مُطْلَقًا بَلْ يَجُوزُ عِنْدَ فِعْلِ بَدَلِهِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُمَا إجْمَاعًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ يَجُوزُ تَرْكُهُمَا عِنْدَ فِعْلِ بَدَلِهِمَا وَهُوَ الْأَرْبَعُ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ غَلَطُهُ تَوَهُّمَهُ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْمُنْفَرِدَتَيْنِ هُمَا الْمُجْتَمِعَتَانِ مَعَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعِ. قَالَ (فَقَدْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَهَذَا خِلَافُ الْمُتَعَارَفِ الْمَعْهُودِ مِنْ الْقَاعِدَةِ) قُلْت: لَمْ يَقَعْ التَّخْيِيرُ بَيْنَ وَاجِبٍ وَغَيْرِ وَاجِبٍ فَيَحِقُّ أَنْ يَكُونَ مَا ادَّعَاهُ وَتَوَهَّمَهُ خِلَافَ الْمُتَعَارَفِ مِنْ الْقَاعِدَةِ. قَالَ (وَسَبَبُهُ أَنَّ التَّخْيِيرَ قَدْ وَقَعَ بَيْنَ جُزْءٍ وَكُلٍّ لَا بَيْنَ أَشْيَاءَ مُتَبَايِنَةٍ) قُلْت: لَيْسَ وُقُوعُ التَّخْيِيرِ بَيْنَ جُزْءٍ وَكُلٍّ سَبَبًا فِيمَا ذَكَرَ وَقَدْ سَبَقَ الْقَوْلُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) اجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ عَلَى الْمُعْسِرِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ النَّظِرَةِ وَالْإِبْرَاءِ وَأَنَّ الْإِبْرَاءَ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ قُلْت: مَا قَالَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى التَّخْيِيرِ هُنَا بِوَجْهٍ أَصْلًا بَلْ النَّظِرَةُ لِلْمُعْسِرِ مُتَعَيَّنٌ وُجُوبُهَا بِنَصِّ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ. قَالَ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ لِرَبِّ الدَّيْنِ إبْرَاءُ غَرِيمِهِ مِنْهُ وَإِسْقَاطُهُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا عَنْهُ تُوُهِّمَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فِي حَقِّ الْمُعْسِرِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ تَسْوِيغُ الْإِبْرَاءِ مِنْ الدَّيْنِ مُخْتَصًّا بِالْمُعْسِرِ. قَالَ (وَأَحَدُهُمَا وَاجِبٌ حَتْمًا وَهُوَ تَرْكُ الْمُطَالَبَةِ) قُلْت: ذَلِكَ صَحِيحٌ وَهُوَ مَعْنَى النَّظِرَةِ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَقْصُودُهُ. قَالَ (فَصَارَ مِنْ بَابِ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ) قُلْت: لَيْسَ مِنْ بَابِ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَلَكِنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَخْذِ عِنْدَ الْمَيْسَرَةِ أَوْ التَّرْكِ جُمْلَةً، وَلَا يُقَالُ فِي مِثْلِ هَذَا: إنَّهُ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ إلَّا بِنَوْعٍ مِنْ الْمَجَازِ. قَالَ (وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَاعِدَتَيْنِ إحْدَاهُمَا قَاعِدَةُ التَّخْيِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالثَّانِيَةُ قَاعِدَةُ أَنَّ الْوَاجِبَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَنْدُوبِ فَإِنَّ الْمَنْدُوبَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهُوَ الْإِبْرَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالثُّلُثِ وَالنِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا} [المزمل: 3] أَيْ اُنْقُصْ مِنْ النِّصْفِ. وَالْمُرَادُ الثُّلُثُ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى النِّصْفِ السُّدُسَ فَيَكُونُ الْمُرَادُ الثُّلُثَيْنِ وَكَمَا فِي التَّخْيِيرِ الَّذِي أَجْمَعَتْ الْأَمَةُ عَلَيْهِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُعْسِرِ بَيْنَ النَّظِرَةِ وَالْإِبْرَاءِ فَإِنَّ الْإِبْرَاءَ لَمَّا كَانَ يَتَضَمَّنُ النَّظِرَةَ وَتَرْكَ الْمُطَالَبَةِ صَارَ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّظِرَةِ مِنْ بَابِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ اقْتَضَى ذَلِكَ عَدَمَ التَّسْوِيَةِ فِي الْحُكْمِ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَيَّرَ الْمُسَافِرَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا وَاجِبَتَانِ جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُمَا إجْمَاعًا وَبَيْنَ الزَّائِدِ عَلَيْهِمَا وَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ وَمَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لَا يَكُونُ وَاجِبًا فَوَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى خِلَافِ الْمُتَعَارَفِ الْمَعْهُودِ مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ التَّخْيِيرَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ بَيْنَ جُزْءٍ وَكُلٍّ لَا بَيْنَ أَشْيَاءَ مُتَبَايِنَةٍ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَيَّرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ بَيْنَ الثُّلُثِ وَهُوَ وَاجِبٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَبَيْنَ النِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ وَهُمَا مَنْدُوبَانِ يَجُوزُ تَرْكُهُمَا وَفِعْلُهُمَا أَوْلَى فَوَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهُ بَيْنَ أَقَلَّ وَأَكْثَرَ وَالْأَقَلُّ جُزْءٌ، وَأَنَّ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ وَقَعَ بِتَخْيِيرِ صَاحِبِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُعْسِرِ بَيْنَ النَّظِرَةِ أَيْ تَرْكِ الْمُطَالَبَةِ وَهُوَ وَاجِبٌ حَتْمًا وَبَيْنَ الْإِبْرَاءِ الْمُتَضَمِّنِ لِلنَّظِرَةِ وَتَرْكِ الْمُطَالَبَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ إلَّا أَنَّهُ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَتَيْنِ إحْدَاهُمَا: قَاعِدَةُ التَّخْيِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالثَّانِيَةُ قَاعِدَةُ أَنَّ الْوَاجِبَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَنْدُوبِ؛ لِأَنَّهُ تَخْيِيرٌ فِيمَا هُوَ بَابُ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ كَمَا عَلِمْت اهـ، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّاطِّ: وَالصَّحِيحُ مَا اعْتَقَدَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَسُطِّرَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ دُونَ مَا اخْتَارَهُ الْقَرَافِيُّ وَارْتَضَاهُ وَمَا قَالَهُ مِنْ كَوْنِ التَّخْيِيرِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْمُتَبَايِنَاتِ يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ وَبَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَالْجُزْءِ وَالْكُلِّ لَا يُوجِبُهَا بَاطِلٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ خُصُوصِيَّاتِ الْكَفَّارَةِ وَإِنْ صَحَّ أَنَّهَا مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ وَأَنَّ حُكْمَ كُلِّ خَصْلَةٍ مِنْهَا حُكْمُ الْأُخْرَى لَمْ يَصِحَّ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا أُمُورًا مُتَبَايِنَةً وَلَا مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَإِلَّا لَوَجَبَ الْجَمِيعُ بَلْ إنَّمَا صَحَّ كَوْنُ مُتَعَلِّقِ التَّخْيِيرِ الْخُصُوصِيَّاتِ وَأَنَّ حُكْمَ إلَخْ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْوُجُوبِ وَاحِدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَهُوَ مَفْهُومُ أَحَدِ الْخِصَالِ كَمَا عَلِمْت وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَا قَالَهُ مِنْ وُجُوبِ الرَّكْعَتَيْنِ جَزْمًا عَلَى

أَفْضَلُ مِنْ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الْإِنْظَارُ فَتَحَرَّرَ حِينَئِذٍ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَأَنَّ التَّخْيِيرَ إذَا وَقَعَ بَيْنَ الْمُتَبَايِنَاتِ اقْتَضَى التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَالْجُزْءُ وَالْكُلُّ لَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةُ بَلْ يَتَحَتَّمُ الْأَقَلُّ وَالْجُزْءُ دُونَ الزَّائِدِ عَلَيْهِ. (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَجْنَاسِ الْمُتَبَايِنَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ) وَتَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ يَرْجِعُ إلَى تَحْرِيرِ اصْطِلَاحِ الْعُلَمَاءِ لَا لِمَعْنًى يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ خِصَالَ الْكَفَّارَةِ وَاجِبًا مُخَيَّرًا وَلَا يُسَمُّونَ تَخْيِيرَ الْمُكَلَّفِ بَيْنَ رِقَابِ الدُّنْيَا فِي إعْتَاقِ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَغَيْرِهَا وَاجِبًا مُخَيَّرًا، وَكَذَلِكَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ شِيَاهِ الدُّنْيَا فِي إخْرَاجِ شَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةٍ لَا يُسَمُّونَهُ وَاجِبًا مُخَيَّرًا وَكَذَلِكَ دِينَارٌ مِنْ أَرْبَعِينَ دِينَارًا وَالسُّتْرَةُ بِثَوْبٍ مِنْ ذَلِكَ وَاجِبًا وَالْوُضُوءُ بِمَاءٍ مِنْ مِيَاهِ الدُّنْيَا وَغَيْرُ ذَلِكَ لَا يُسَمُّونَ ذَلِكَ وَاجِبًا مُخَيَّرًا بَلْ يَقْصُرُونَ ذَلِكَ عَلَى خِصَالِ الْكَفَّارَةِ وَنَحْوِهَا، وَضَابِطُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ التَّخْيِيرَ مَتَى وَقَعَ بَيْنَ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فَهُوَ الَّذِي اصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ مُخَيَّرٌ وَمَتَى وَقَعَ بَيْنَ أَفْرَادِ جِنْسٍ وَاحِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــSأَفْضَلُ مِنْ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الْإِنْظَارُ) قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مِنْ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمَنْدُوبَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْوَاجِبِ لَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ بِحُجَّةٍ وَلَعَلَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ مَا زَعَمَ وَغَايَتُهُ أَوْ غَايَةُ مَنْ يَحْتَجُّ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ النَّظِرَةُ إرَاحَةٌ لِلْغَرِيمِ مِنْ مُؤْنَةِ الدَّيْنِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيْسَرَةِ، وَالْإِبْرَاءُ إرَاحَةٌ لِلْغَرِيمِ مِنْ مُؤْنَةِ الدَّيْنِ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِرَاحَةَ الْكُلِّيَّةَ أَعْظَمُ قَدْرًا مِنْ الْإِرَاحَةِ غَيْرِ الْكُلِّيَّةِ فَتَكُونُ أَعْظَمَ أَجْرًا وَمَا يَحْتَجُّ بِهِ الْمُحْتَجُّ مِنْ ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ هَذَا الْمَقَامَ قَاعِدَةٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَفَاضُلِ الْأَعْمَالِ الْمُتَّحِدَةِ تَفَاضُلُ أَحْوَالِ عَامِلِيهَا أَوَّلًا ثُمَّ تَفَاضُلُ الْأَعْمَالِ أَنْفُسِهَا ثَانِيًا ثُمَّ تَفَاضُلُ أَحْوَالِ الْمُنْتَفِعِ بِهَا إنْ كَانَتْ مُتَعَدِّيَةَ النَّفْعِ ثَالِثًا. وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّرْتِيبِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ» . فَلَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ أَوَّلًا تَفَاضُلَ أَحْوَالِ الْمُنْتَفِعِ لَسَبَقَتْ مِائَةُ الْأَلْفِ الدِّرْهَمَ؛ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ نَفْعًا بِالْمُشَاهَدَةِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَوَّلًا حَالُ الْعَامِلِ فَلَا رَيْبَ أَنَّ تَحَمُّلَ وَظِيفَةِ الْإِنْظَارِ الَّتِي حُمِلَ عَلَيْهَا وَاضْطُرَّ بِإِيجَابِهَا عَلَيْهِ إلَيْهَا أَشَقُّ عَلَيْهِ مِنْ وَظِيفَةِ الْإِبْرَاءِ الْمَوْكُولَةِ إلَى اخْتِيَارِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هُوَ السَّبَبُ الْأَعْظَمُ فِي أَفْضَلِيَّةِ الْفَرَائِضِ عَلَى غَيْرِهَا وَعَلَى هَذَا لَا تَنْخَرِمُ قَاعِدَةُ أَفْضَلِيَّةِ الْوَاجِبَاتِ عَلَى الْمَنْدُوبَاتِ وَمَا قَالَ مِنْ كَوْنِ التَّخْيِيرِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْمُتَبَايِنَاتِ يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ وَبَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ إلَى آخِرِهِ قَدْ تَبَيَّنَّ بُطْلَانُهُ . قَالَ الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسَافِرِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُمَا إجْمَاعًا كَيْفَ وَالْمُسَافِرُ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُمَا وَإِبْدَالُهَا بِالْأَرْبَعِ وَاَلَّذِي أَوْجَبَ غَلَطَهُ تَوَهُّمُهُ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْمُنْفَرِدَتَيْنِ هُمَا الْمُجْتَمِعَتَانِ مَعَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعِ وَلَا مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الزَّائِدَ يَجُوزُ تَرْكُهُ وَمَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لَا يَكُونُ وَاجِبًا فَإِنَّ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ يَجُوزُ تَرْكُهُ مُطْلَقًا وَالزَّائِدُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ مُطْلَقًا بَلْ عِنْدَ فِعْلِ بَدَلِهِ فَلَمْ يَقَعْ التَّخْيِيرُ بَيْنَ وَاجِبٍ وَغَيْرِ وَاجِبٍ وَلَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ وُقُوعَ التَّخْيِيرِ بَيْنَ جُزْءٍ وَكُلٍّ فَمَا ادَّعَاهُ وَتَوَهَّمَهُ خِلَافُ الْمُتَعَارَفِ مِنْ الْقَاعِدَةِ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ الثُّلُثَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ مِنْ حَيْثُ هُوَ ثُلُثٌ وَإِلَّا لَكَانَ وَاجِبًا مُعَيَّنًا، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ النِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ مُطْلَقًا حَتَّى يَكُونَا مَنْدُوبَيْنِ بَلْ عِنْدَ قِيَامِ الثُّلُثِ فَلَمْ يَقَعْ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ وَلَا سَبَبُهُ وُقُوعُ التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَقَلَّ وَأَكْثَرَ بَلْ التَّخْيِيرُ هُنَا مُسَاوٍ لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ لَا مُفَارِقَ لَهُ إلَّا عِنْدَ مَنْ اعْتَرَاهُ الْغَلَطُ فَتَوَهَّمَ أَنَّ الْجُزْءَ الْمُنْفَرِدَ الْمُنْفَصِلَ هُوَ الْجُزْءُ الْمُجْتَمِعُ الْمُتَّصِلُ، وَأَمَّا رَابِعًا فَلِأَنَّ الْأُمَّةَ لَمْ تُجْمِعْ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ النَّظِرَةِ لِلْمُعْسِرِ وَإِبْرَائِهِ بَلْ النَّظِرَةُ لَهُ مُتَعَيَّنٌ وُجُوبُهَا بِنَصِّ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ قَالَ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ لِرَبِّ الدَّيْنِ إبْرَاءُ غَرِيمِهِ مِنْهُ وَإِسْقَاطُهُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا عَنْهُ تُوُهِّمَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فِي حَقِّ الْمُعْسِرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِلَّا لَاخْتَصَّ تَسْوِيغُ الْإِبْرَاءِ مِنْ الدَّيْنِ بِالْمُعْسِرِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَكَذَا الْمَلْزُومُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ التَّخْيِيرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا مِنْ بَابِ الْأَخْذِ عِنْدَ الْمَيْسَرَةِ أَوْ التَّرْكِ جُمْلَةً وَلَا يُقَالُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّهُ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ إلَّا بِنَوْعٍ مِنْ الْمَجَازِ. فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مِنْ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ أَصْلًا وَمَا زَعَمَهُ مِنْ أَنَّ الْمَنْدُوبَ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ الْوَاجِبِ وَإِنْ أَمْكَنَ تَوْجِيهُهُ بِأَنَّ النَّظِرَةَ إرَاحَةٌ لِلْغَرِيمِ مِنْ مُؤْنَةِ الدَّيْنِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيْسَرَةِ وَالْإِبْرَاءُ إرَاحَةٌ لِلْغَرِيمِ مِنْ مُؤْنَةِ الدَّيْنِ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِرَاحَةَ الْكُلِّيَّةَ أَعْظَمُ قَدْرًا مِنْ الْإِرَاحَةِ غَيْرِ الْكُلِّيَّةِ فَتَكُونُ أَعْظَمَ أَجْرًا، إلَّا أَنَّ الْقَاعِدَةَ هُنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَفَاضُلِ الْأَعْمَالِ الْمُتَّحِدَةِ تَفَاضُلُ أَحْوَالِ عَامِلِيهَا أَوَّلًا ثُمَّ تَفَاضُلُ الْأَعْمَالِ أَنْفُسِهَا ثَانِيًا ثُمَّ تَفَاضُلُ أَحْوَالِ الْمُنْتَفِعِ بِهَا إنْ كَانَتْ مُتَعَدِّيَةَ النَّفْعِ ثَالِثًا، وَدَلِيلُ صِحَّةِ هَذَا التَّرْتِيبِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ» فَلَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ أَوَّلًا تَفَاضُلَ أَحْوَالِ الْمُنْتَفِعِ لَسَبَقَتْ مِائَةُ الْأَلْفِ الدِّرْهَمَ؛ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ نَفْعًا بِالْمُشَاهَدَةِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَوَّلًا حَالُ

لَا يَكُونُ هُوَ الْمُسَمَّى بِالْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ فَالْعِتْقُ وَالْإِطْعَامُ وَالْكِسْوَةُ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ وَالْغَنَمُ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ الدَّنَانِيرُ وَغَيْرُهَا مِنْ النَّظَائِرِ فَهَذَا هُوَ ضَابِطُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ. (الْفَرْقُ الْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَأَحَدُهُمَا يُخْشَى مِنْ عِقَابِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَأَحَدُهُمَا يُخْشَى مِنْ عَاقِبَتِهِ لَا مِنْ عِقَابِهِ) هَذَا الْمَوْضِعُ أَشْكَلَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ وَتَحْرِيرُهُ وَبَسْطُهُ وَتَقْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنْ نَقُولَ: أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَمُتَعَذِّرُ الْوُقُوعِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُخَيِّرَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَأَحَدُهُمَا يُخْشَى مِنْ عِقَابِهِ وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى إنْ فَعَلْت هَذَا بِعَيْنِهِ عَافَيْتُك فَهَذَا لَا يَجْتَمِعُ مَعَ التَّخْيِيرِ أَبَدًا، وَأَمَّا مَا يُخْشَى مِنْ عَاقِبَتِهِ فَوُقُوعُ التَّخْيِيرِ فِيهِ مُمْكِنٌ وَاقِعٌ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فَمِنْهَا «مَا وَقَعَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَدَحَيْنِ أَحَدُهُمَا لَبَنٌ وَالْآخَرُ خَمْرٌ فَخَيَّرَهُ بَيْنَ شُرْبِ أَيِّهِمَا شَاءَ فَاخْتَارَ اللَّبَنَ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اخْتَرْت الْفِطْرَةَ وَلَوْ اخْتَرْت الْخَمْرَ لَغَوَتْ أُمَّتُك» فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُضَلَاءِ الْمُغْوِي حَرَامٌ وَالْفِطْرَةُ مَطْلُوبَةٌ فَكَيْفَ يُخَيَّرُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْنَ الْحَرَامِ وَالْمَطْلُوبِ وُجُودُهُ، وَمِمَّا يُؤَكِّدُ أَنَّهُ حَرَامٌ أَنَّ السَّبَبَ لِلضَّلَالِ حَرَامٌ وَشُرْبُ هَذَا الْقَدَحِ سَبَبُ ضَلَالِ الْأُمَّةِ كَمَا قَالَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيَكُونُ حَرَامًا وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّبَنِ. وَهَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا فَكَيْفَ يُخَيَّرُ بَيْنَ سَبَبِ الْهِدَايَةِ وَسَبَبِ الضَّلَالَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْعَاقِبَةِ لَا مِنْ بَابِ الْعِقَابِ وَالْمُمْتَنِعُ هُوَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَبَسْطُهُ أَنَّ الْعِقَابَ يَرْجِعُ إلَى مَنْعٍ مِنْ الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ فَهُوَ تَحْرِيمٌ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهَا وَالْعَاقِبَةُ تَرْجِعُ إلَى أَثَرِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ فِي الْحَوَادِثِ لَا بِخِطَابِهِ وَكَلَامِهِ فَلَا مُضَادَّةَ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا يُضَادُّ الْإِذْنَ مِنْ الْكَلَامِ الْمَنْعُ مِنْ الْكَلَامِ حَتَّى يَصِيرَ افْعَلْ لَا تَفْعَلْ، أَمَّا أَثَرُ الْقُدْرَةِ وَالْقَدَرِ فَلَا يُضَادُّ الْإِذْنَ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَمَةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يُخَيَّرُ بَيْنَ سُكْنَى هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ مَثَلًا أَوْ تَزَوُّجِ إحْدَى هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ أَوْ شِرَاءِ إحْدَى هَاتَيْنِ الْفَرَسَيْنِ فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا بِمُقْتَضَى الْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ النَّاشِئِ مِنْ الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ أَمْكَنَ أَنْ يُخْبِرَهُ الْمُخْبِرُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّك لَوْ اخْتَرْت مَا تَرَكْت مِنْ الدَّارَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَالْفَرَسَيْنِ لَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ ضَلَالِك وَهَلَاكَ مَالِكِ وَذُرِّيَّتِك وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثٍ الْمَرْأَةِ وَالدَّارِ وَالْفَرَسِ» وَقَالَ بِحَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَكَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّهُ لَمَّا «قِيلَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ دَارٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَكَنَّاهَا وَالْعَدَدُ وَافِرٌ وَالْمَالُ كَثِيرٌ فَذَهَبَ الْعَدَدُ وَالْمَالُ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَعُوهَا ذَمِيمَةً» وَلَوْ لَمْ تَرِدْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ فَإِنَّا نُجَوِّزُ أَنْ يَفْعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَالْفَرْقُ الْخَمْسُونَ قُلْت: مَا قَالَهُ فِي هَذَيْنِ الْفَرْقَيْنِ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَامِلِ فَلَا رَيْبَ أَنَّ تَحَمُّلَ وَظِيفَةِ الْإِنْظَارِ الَّتِي حَمَلَ عَلَيْهَا بِإِيجَابِهَا عَلَيْهِ إلَيْهَا أَشَقُّ عَلَيْهِ مِنْ وَظِيفَةِ الْإِبْرَاءِ الْمَوْكُولَةِ إلَى اخْتِيَارِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هُوَ السَّبَبُ الْأَعْظَمُ فِي أَفْضَلِيَّةِ الْفَرَائِضِ عَلَى غَيْرِهَا فَلَمْ تَنْخَرِمْ قَاعِدَةُ أَفْضَلِيَّةِ الْوَاجِبَاتِ عَلَى الْمَنْدُوبَاتِ اهـ. قُلْت: وَعَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ فَالصَّوَابُ إبْدَالُ هَذَا الْفَرْقِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُبَاحِ بِالْجُزْءِ الْمَطْلُوبِ الْفِعْلِ بِالْكُلِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُبَاحِ بِالْجُزْءِ الْمَطْلُوبِ التَّرْكِ بِالْكُلِّ بِمَعْنَى أَنَّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا. قَالَ الْعَلَّامَةُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي مُوَافَقَاتِهِ: اعْلَمْ أَنَّ الْمُبَاحَ بِاعْتِبَارِهِ فِي نَفْسِهِ لَا بِالْأُمُورِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ هُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُبَاحِ بِالْجُزْءِ وَبِاعْتِبَارِهِ بِالْأُمُورِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ هُوَ الْمُسَمَّى بِالْمَطْلُوبِ بِالْكُلِّ وَالْأَوَّلُ يُطْلَقُ بِإِطْلَاقَيْنِ الْأَوَّلُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ وَالْآخَرُ مِنْ حَيْثُ يُقَالُ لَا حَرَجَ فِيهِ، وَالثَّانِي عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ خَادِمًا لِأَمْرٍ مَطْلُوبِ الْفِعْلِ، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ خَادِمًا لِأَمْرٍ مَطْلُوبِ التَّرْكِ، وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ خَادِمًا لِمُخَيَّرٍ فِيهِ، وَالرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ الْمُبَاحُ بِالْجُزْءِ بِاعْتِبَارِهِ فِي نَفْسِهِ الْمَطْلُوبَ الْفِعْلَ بِالْكُلِّ بِاعْتِبَارِ مَا هُوَ خَادِمٌ لَهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ الْمُبَاحُ بِالْجُزْءِ الْمَطْلُوبِ التَّرْكِ بِالْكُلِّ بِالِاعْتِبَارَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بِمَعْنَى أَنَّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، وَأَمَّا الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ فَرَاجِعَانِ إلَى هَذَا الْقَسَمِ الثَّانِي وَذَلِكَ أَنَّ الْمُبَاحَ إنْ كَانَ خَادِمًا يُعْتَبَرُ بِمَا يَكُونُ خَادِمًا لَهُ وَالْخِدْمَةُ إنْ كَانَتْ فِي طُرُقِ التَّرْكِ كَتَرْكِ الدَّوَامِ عَلَى التَّنَزُّهِ فِي الْبَسَاتِينِ وَسَمَاعِ تَغْرِيدِ الْحَمَامِ وَالْغِنَاءِ الْمُبَاحِ كَانَ تَرْكُ الدَّوَامِ فِيهِ هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَادِمٌ لِمَا يُضَادُّ الضَّرُورِيَّاتِ وَهُوَ الْفَرَاغُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي طَرَفِ الْفِعْلِ كَالِاسْتِمْتَاعِ بِالْحَلَالِ مِنْ الطَّيِّبَاتِ كَانَ الدَّوَامُ فِيهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَادِمُ الْمَطْلُوبِ وَهُوَ أَصْلُ الضَّرُورِيَّاتِ وَالْخَادِمُ لِلْمُخَيَّرِ فِيهِ عَلَى حُكْمِهِ؛ لِأَنَّهُ خَادِمٌ لَهُ فَصَارَ مَطْلُوبَ التَّرْكِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ خَادِمًا لِقَطْعِ الزَّمَانِ فِي غَيْرِ مَصْلَحَةِ دِينٍ وَلَا دُنْيَا فَهُوَ إذًا خَادِمُ الْمَطْلُوبِ التَّرْكِ فَصَارَ مَطْلُوبَ التَّرْكِ بِالْكُلِّ. وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلَمَّا كَانَ غَيْرَ خَادِمٍ لِشَيْءٍ يُعْتَدُّ بِهِ كَانَ عَبَثًا أَوْ كَالْعَبَثِ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ فَصَارَ مَطْلُوبَ التَّرْكِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ خَادِمًا لِقَطْعِ الزَّمَانِ فِي غَيْرِ مَصْلَحَةِ دِينٍ وَلَا دُنْيَا فَهُوَ إذًا خَادِمُ الْمَطْلُوبِ التَّرْكِ فَصَارَ مَطْلُوبَ التَّرْكِ بِالْكُلِّ وَتَلَخَّصَ أَنَّ كُلَّ مُبَاحٍ

[الفرق بين قاعدة التخيير بين الأجناس المتباينة وبين قاعدة التخيير بين أفراد الجنس الواحد]

فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي نُلَابِسُهَا وَيَجْعَلُ عَاقِبَتَهَا رَدِيئَةً وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُنَافِي ذَلِكَ التَّخْيِيرَ الثَّابِتَ بِمُقْتَضَى الشَّرْعِ الْكَائِنِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَكَذَلِكَ التَّخْيِيرُ الْوَاقِعُ بَيْنَ الْقَدَحَيْنِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَهُوَ مُحَقَّقٌ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مُحَرَّمًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ مَأْذُونٌ بِإِقْدَامِهِ عَلَيْهِمَا وَلَوْ أَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ الْقَدَحِ مِنْ الْخَمْرِ لَمْ يَكُنْ إثْمًا وَلَا عِقَابَ فِيهِ نَعَمْ فِيهِ سُوءُ الْعَاقِبَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى أَثَرِ الْقُدْرَةِ وَالْقَدَرِ وَمَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَوَادِثِ مِنْ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ لَا لِلْمَنْعِ النَّفْسِيِّ الْمُنَاقِضِ لِلتَّخْيِيرِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْيِيرِ مَعَ سُوءِ الْعَاقِبَةِ وَاتَّضَحَ مَعْنَى الْحَدِيثِ الَّذِي اسْتَشْكَلَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْفُضَلَاءِ وَأَنَّهُ لِمَوْضِعِ إشْكَالٍ لَوْلَا هَذَا الْفَرْقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَعَمِّ الَّذِي لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ عَيْنًا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَعَمِّ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ عَيْنًا) اُشْتُهِرَ بَيْنَ النُّظَّارِ وَالْفُضَلَاءِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَالْفِقْهِيَّاتِ أَنَّ الْأَعَمَّ لَا يَسْتَلْزِمُ أَحَدَ أَنْوَاعِهِ عَيْنًا وَإِنَّمَا يَسْتَلْزِمُ الْأَعَمُّ مُطْلَقَ الْأَخَصِّ لَا أَخَصَّ مُعَيَّنًا وَإِنَّمَا يَسْتَلْزِمُ مُطْلَقَ الْأَخَصِّ لِضَرُورَةِ وُقُوعِهِ فِي الْوُجُودِ فَإِنَّ دُخُولَ الْحَقَائِقِ الْكُلِّيَّةِ فِي الْوُجُودِ مُجَرَّدَةً مُحَالٌ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ شَخْصٍ تَدْخُلُ فِيهِ وَمَعَهُ فَلِذَلِكَ صَارَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى وُقُوعِهَا فِي الْوُجُودِ يَدُلُّ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ عَلَى مُطْلَقِ الْأَخَصِّ وَهُوَ أَخَصُّ مَا لَا أَخَصَّ مُعَيَّنًا وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمُطَّرِدُ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَالنُّظَّارِ لَا يَكَادُ يَخْتَلِفُ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ اثْنَانِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ وَهُمَا قَاعِدَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ وَتَحْرِيرُ ضَبْطِهِمَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْعَامَّةَ تَارَةً فِي رُتَبٍ مُتَرَتِّبَةٍ بِالْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَالْجُزْءِ وَالْكُلِّ وَتَارَةً تَقَعُ فِي رُتَبٍ مُتَبَايِنَةٍ فَمِثَالُ الْأَوَّلِ مُطَلَّقُ الْفِعْلِ الْأَعَمِّ مِنْ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ وَالْمَرَّاتِ فَالْمَرَّةُ رُتْبَةٌ دُنْيَا وَالْمَرَّاتُ رُتْبَةٌ عُلْيَا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَعَمِّ الَّذِي لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ عَيْنًا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَعَمِّ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ عَيْنًا) اُشْتُهِرَ بَيْنَ النُّظَّارِ وَالْفُضَلَاءِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَالْفِقْهِيَّاتِ أَنَّ الْأَعَمَّ لَا يَسْتَلْزِمُ أَحَدَ أَنْوَاعِهِ عَيْنًا وَإِنَّمَا يَسْتَلْزِمُ الْأَعَمُّ مُطْلَقَ الْأَخَصِّ لَا أَخَصَّ مُعَيَّنًا إلَى قَوْلِهِ: (لَا يَكَادُ يَخْتَلِفُ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ اثْنَانِ) قُلْت: مَا اُشْتُهِرَ بَيْنَ النُّظَّارِ هُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا يَكَادُ يَخْتَلِفُ فِيهِ مِنْهُمْ اثْنَانِ وَلَا وَجْهَ هُنَا لِيَكَادُ. قَالَ (وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ وَهُمَا قَاعِدَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ) قُلْت: بَلْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ بِمُخْتَلِفٍ وَلَيْسَ هَا هُنَا قَاعِدَتَانِ بِوَجْهٍ بَلْ هِيَ قَاعِدَةٌ وَاحِدَةٌ فَهَذَا الْفَرْقُ بَاطِلٌ. قَالَ (وَتَحْرِيرُ ضَبْطِهِمَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْعَامَّةَ تَارَةً تَقَعُ فِي رُتَبٍ مُتَرَتِّبَةٍ بِالْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَالْجُزْءِ وَالْكُلِّ وَتَارَةً تَقَعُ فِي رُتَبٍ مُتَبَايِنَةٍ) قُلْت: ذَلِكَ مُسَلَّمٌ. قَالَ (فَمِثَالُ الْأَوَّلِ مُطْلَقُ الْفِعْلِ الْأَعَمِّ مِنْ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ وَالْمَرَّاتِ فَالْمَرَّةُ رُتْبَةٌ دُنْيَا وَالْمَرَّاتُ رُتْبَةٌ عُلْيَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ بِمُبَاحٍ بِإِطْلَاقٍ وَإِنَّمَا هُوَ مُبَاحٌ بِالْجُزْءِ خَاصَّةً وَأَمَّا بِالْكُلِّ فَهُوَ إمَّا مَطْلُوبُ الْفِعْلِ أَوْ مَطْلُوبُ التَّرْكِ مَثَلًا هَذَا الثَّوْبُ الْحَسَنُ مُبَاحُ اللُّبْسِ قَدْ اسْتَوَى فِي نَظَرِ الشَّرْعِ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ فَلَا قَصْدَ لَهُ فِي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَهَذَا مَعْقُولٌ وَاقِعٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ الْمُقْتَصَرِ بِهِ عَلَى ذَاتِ الْمُبَاحِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ وَهُوَ مِنْ جِهَةٍ مَا هُوَ وِقَايَةٌ لِلْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَمُوَارٍ لِلسَّوْأَةِ وَجَمَالٌ فِي النَّظَرِ مَطْلُوبُ الْفِعْلِ، وَهَذَا النَّظَرُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهَذَا الثَّوْبِ الْمُعَيَّنِ وَلَا بِهَذَا الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ فَهُوَ نَظَرٌ بِالْكُلِّ لَا بِالْجُزْءِ اهـ بِتَغْيِيرٍ وَتَوْضِيحٍ لِلْمُرَادِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَجْنَاسِ الْمُتَبَايِنَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ] (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَجْنَاسِ الْمُتَبَايِنَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ) وَضَابِطُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّخْيِيرَ مَتَى وَقَعَ بَيْنَ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ مِنْ الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فَهُوَ الَّذِي اصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّهُ يُسَمَّى وَاجِبًا مُخَيَّرًا، وَمَتَى وَقَعَ بَيْنَ أَفْرَادِ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَتَخْيِيرِ الْمُكَلَّفِ بَيْنَ رِقَابِ الدُّنْيَا فِي إعْتَاقِ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَغَيْرِهَا وَبَيْنَ شِيَاهِ الدُّنْيَا فِي إخْرَاجِ شَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَبَيْنَ دَنَانِيرِ الدُّنْيَا فِي إخْرَاجِ دِينَارٍ مِنْ أَرْبَعِينَ دِينَارٍ أَوْ بَيْنَ مِيَاهِ الدُّنْيَا فِي الْوُضُوءِ بِمَاءٍ مِنْهَا وَبَيْنَ ثِيَابِ الدُّنْيَا فِي الِاسْتِتَارِ بِثَوْبٍ مِنْ ذَلِكَ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ النَّظَائِرِ فَهُوَ الَّذِي اصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى وَاجِبًا مُخَيَّرًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَأَحَدُهُمَا يُخْشَى مِنْ عِقَابِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَأَحَدُهُمَا يُخْشَى مِنْ عَاقِبَتِهِ لَا مِنْ عِقَابِهِ] (الْفَرْقُ الْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَأَحَدُهُمَا يُخْشَى مِنْ عِقَابِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَأَحَدُهُمَا يُخْشَى مِنْ عَاقِبَتِهِ لَا مِنْ عِقَابِهِ) حَيْثُ قَالُوا: يَتَعَذَّرُ وُقُوعُ الْأَوَّلِ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُخَيِّرَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَأَحَدُهُمَا يُخْشَى مِنْ عِقَابِهِ إذْ لَا يَجْتَمِعُ الْعِقَابُ عَلَى فِعْلِ الْمُكَلَّفِ أَحَدَ الْأُمُورِ بِعَيْنِهِ مَعَ تَخْيِيرِهِ فِي فِعْلِ مَا يَخْتَارُهُ مِنْهَا أَبَدًا، وَقَالُوا: يُمْكِنُ وُقُوعُ الثَّانِي بَلْ قَدْ «وَقَعَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِقَدَحَيْنِ أَحَدُهُمَا لَبَنٌ وَالْآخَرُ خَمْرٌ فَخَيَّرَهُ بَيْنَ شُرْبِ أَيِّهِمَا شَاءَ فَاخْتَارَ اللَّبَنَ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اخْتَرْت الْفِطْرَةَ وَلَوْ اخْتَرْت الْخَمْرَ لَغَوَتْ أُمَّتُك» وَقَدْ اسْتَشْكَلَ هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ شُرْبَ هَذَا الْقَدَحِ مِنْ الْخَمْرِ سَبَبُ ضَلَالِ الْأُمَّةِ كَمَا قَالَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالسَّبَبُ لِلضَّلَالِ حَرَامٌ فَيَكُونُ حَرَامًا فَكَيْفَ يَقَعُ التَّخْيِيرُ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيْنَهُ وَهُوَ حَرَامٌ

[الفرق بين قاعدة الأعم الذي لا يستلزم الأخص عينا وبين قاعدة الأعم الذي يستلزم الأخص عينا]

لِأَنَّهَا فَوْقَ الْمَرَّةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ فِي دُخُولِ الْفِعْلِ فِي الْوُجُودِ مِنْ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ عَيْنًا؛ لِأَنَّهُ إنْ وَقَعَ فِي الْمَرَّاتِ وَقَعَتْ الْمَرَّةُ وَإِنْ وَقَعَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَقَعَتْ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ فَالْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ لَازِمَةٌ لِدُخُولِ مَاهِيَّةِ الْفِعْلِ بِالضَّرُورَةِ وَالْمَاهِيَّةُ الْعَامَّةُ الْكُلِّيَّةُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِهَذَا النَّوْعِ الْأَخَصِّ عَيْنًا بِالضَّرُورَةِ وَكَذَلِكَ إخْرَاجُ مُطْلَقِ الْمَالِ يَدُلُّ بِالِالْتِزَامِ عَلَى إخْرَاجِ الْأَقَلِّ عَيْنًا وَكَذَلِكَ كُلُّ أَقَلَّ مَعَ أَكْثَرِ الْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا فَيَلْزَمُ أَحَدُ نَوْعَيْهَا عَيْنًا وَهُوَ الْأَقَلُّ بِالضَّرُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَهَذَا ضَابِطُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَأَمَّا مِثَالُ قَاعِدَةِ الْأَعَمِّ الَّذِي لَا يَسْتَلْزِمُ أَحَدُ أَنْوَاعِهِ عَيْنًا فَهَذَا هُوَ الْمَهِيعُ الْعَامُّ وَالْأَكْثَرُ فِي الْحَقَائِقِ الَّذِي لَا يَكَادُ يُعْتَقَدُ غَيْرُهُ كَالْحَيَوَانِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ النَّاطِقَ وَلَا الْبَهِيمَ عَيْنًا مِنْ أَنْوَاعِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي نَاطِقٍ أَوْ بَهِيمٍ وَلَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِمَا وَسَبَبُ عَدَمِ الْتِزَامِهِ لِأَحَدِهِمَا عَيْنًا تَبَايُنُهُمَا. فَإِذَا قُلْنَا: فِي الدَّارِ حَيَوَانٌ لَا يُعْلَمُ أَهُوَ نَاطِقٌ أَوْ بَهِيمٌ وَكَذَلِكَ حَقِيقَةُ الْعَدَدِ لَهَا نَوْعَانِ الزَّوْجُ وَالْفَرْدُ وَهِيَ لَا تَسْتَلْزِمُ أَحَدَهَا عَيْنًا فَإِذَا قُلْنَا مَعَ زَيْدٍ عَدَدٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ لَا يُشْعِرُ هَلْ هُوَ زَوْجٌ أَوْ فَرْدٌ لِحُصُولِ التَّبَايُنِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ وَكَذَلِكَ إذَا قُلْنَا لَوْنٌ حَقِيقَةٌ كُلِّيَّةٌ لَا إشْعَارَ لِلَفْظِهَا بِسَوَادٍ وَلَا بَيَاضٍ بِخُصُوصِهِ نَعَمْ لَا بُدَّ مِنْ خُصُوصٍ لَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ بِخِلَافٍ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ أَحَدُ الْأَنْوَاعِ، وَبِهَذَا التَّحْرِيرِ يَظْهَرُ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ قَوْلَ الْمُوَكِّلِ لِوَكِيلِهِ بِعْ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــSلِأَنَّهَا فُوقَ الْمَرَّةِ) قُلْت: وَذَلِكَ مُسَلَّمٌ. قَالَ (وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ فِي دُخُولِ الْفِعْلِ فِي الْوُجُودِ مِنْ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ عَيْنًا إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا ضَابِطُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ) قُلْت: مَا أَبْعَدَ قَائِلَ هَذَا الْكَلَامِ عَنْ التَّحْقِيقِ وَالتَّحْصِيلِ وَهَلْ يَسْتَرِيبُ ذُو عَقْلٍ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ فِعْلٌ مَا فِي الْوُجُودِ مَرَّاتٍ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَأَنَّهُ إذَا دَخَلَ فِيهِ مَرَّةً وَاحِدَةً لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ مَرَّاتٍ؟ وَكَيْفَ يَصِحُّ فِي الْأَفْهَامِ شَيْءٌ ... إذَا احْتَاجَ النَّهَارُ إلَى دَلِيلِ وَمَا حَمَلَهُ عَلَى مَا قَالَهُ إلَّا تَوَهُّمُهُ أَنَّ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ مِنْ الْفِعْلِ الْمُنْفَرِدَةِ هِيَ بِعَيْنِهَا الْمُجْتَمِعَةُ مَعَ أُخْرَى أَوْ آخَرَ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا تَوَهَّمَ كَيْفَ وَالْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مُقَيَّدَةٌ بِقَيْدِ الِانْفِرَادِ وَالْمَرَّةُ الْمَقْرُونَةُ بِأُخْرَى أَوْ آخَرَ مُقَيَّدَةٌ بِقَيْدِ الِاجْتِمَاعِ وَالْقَيْدَانِ وَاضِحٌ تَنَاقُضُهُمَا وُضُوحًا لَا رَيْبَ فِيهِ. قَالَ (وَأَمَّا مِثَالُ قَاعِدَةِ الْأَعَمِّ الَّذِي لَا يَسْتَلْزِمُ أَحَدُ أَنْوَاعِهِ عَيْنًا فَهَذَا هُوَ الْمَهِيعُ الْعَامُّ وَالْأَكْثَرُ فِي الْحَقَائِقِ الَّذِي لَا يَكَادُ يُعْتَقَدُ غَيْرُهُ كَالْحَيَوَانِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ النَّاطِقُ وَلَا الْبَهِيمُ عَيْنًا مِنْ أَنْوَاعِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي نَاطِقٍ أَوْ بَهِيمٍ وَلَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِمَا إلَى قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ أَحَدُ الْأَنْوَاعِ) قُلْت: قَوْلُهُ فَهَذَا هُوَ الْمَهِيعُ الْعَامُّ الْأَكْثَرُ لَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ هُوَ الْمَهِيعُ الَّذِي لَا مَهِيعَ سِوَاهُ. وَقَوْلُهُ " بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ " قَدْ تَبَيَّنَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِخِلَافِهِ. قَالَ (وَبِهَذَا التَّحْرِيرِ يَظْهَرُ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ أَنَّ قَوْلَ الْمُوَكِّلِ لِوَكِيلِهِ بِعْ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَبَبُ الضَّلَالَةِ وَبَيْنَ اللَّبَنِ الَّذِي هُوَ الْفِطْرَةُ الْمَطْلُوبَةُ الْوُجُودِ وَسَبَبُ الْهِدَايَةِ وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ الَّذِي يَتَّضِحُ بِهِ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَيَنْدَفِعُ عَنْهُ الْإِشْكَالُ الْمَذْكُورُ هُوَ أَنَّ الْعِقَابَ لَمَّا كَانَ يَرْجِعُ إلَى الْمَنْعِ النَّاشِئِ عَنْ الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ كَانَ تَحْرِيمًا لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْإِبَاحَةِ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ النَّاشِئِ عَنْ الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّهَا وَأَنَّ الْعَاقِبَةَ لَمَّا كَانَتْ تَرْجِعُ إلَى أَثَرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدَّرَهُ فِي الْحَوَادِثِ لَا بِخِطَابِهِ وَكَلَامِهِ لَمْ تَكُنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ النَّاشِئِ عَنْ الْكَلَامِ مُضَادَّةٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يُخَيَّرُ بَيْنَ سُكْنَى هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ أَوْ تَزْوِيجِ إحْدَى هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ أَوْ شِرَاءِ إحْدَى هَاتَيْنِ الْفَرَسَيْنِ فَإِذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا بِمُقْتَضَى أَنَّ الشَّرْعِيَّ النَّاشِئَ عَنْ الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ أَمْكَنَ أَنْ يُخْبِرَ الْمُخْبِرُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّك لَوْ اخْتَرْت مَا تَرَكْت مِنْ الدَّارَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَالْفَرَسَيْنِ لَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ ضَلَالِك وَهَلَاكِ مَالِكَ وَذُرِّيَّتِك وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثٍ الْمَرْأَةِ وَالدَّارِ وَالْفَرَسِ» . وَقَالَ بِحَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَكَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّهُ «لَمَّا قِيلَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ دَارٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَكَنَّاهَا وَالْعَدَدُ وَافِرٌ وَالْمَالُ كَثِيرٌ فَذَهَبَ الْعَدَدُ وَالْمَالُ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَعُوهَا ذَمِيمَةً» بَلْ وَلَوْ لَمْ تَرِدْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ فَإِنَّا نُجَوِّزُ أَنْ يَفْعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُلَابِسُهَا وَيَجْعَلُ عَاقِبَتَهَا رَدِيئَةً قَالَ تَعَالَى {وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} [البقرة: 216] وَذَلِكَ لَا يُنَافِي التَّخْيِيرَ الثَّابِتَ بِمُقْتَضَى الشَّرْعِ الْكَائِنِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ فَلِذَا وَقَعَ تَخْيِيرُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْقَدَحَيْنِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَهُوَ مُحَقَّقٌ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهُمَا مُحَرَّمًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ مَأْذُونٌ بِإِقْدَامِهِ عَلَيْهِمَا وَلَوْ أَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ الْقَدَحِ مِنْ الْخَمْرِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إثْمٌ وَلَا عِقَابٌ نَعَمْ فِيهِ سُوءُ الْعَاقِبَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى أَثَرِ الْقُدْرَةِ وَالْقَدْرِ وَمَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَوَادِثِ مِنْ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ لَا لِلْمَنْعِ النَّفْسِيِّ الْمُنَاقِضِ لِلتَّخْيِيرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَعَمِّ الَّذِي لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ عَيْنًا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَعَمِّ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ عَيْنًا] (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَعَمِّ الَّذِي لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ عَيْنًا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَعَمِّ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ عَيْنًا)

مِنْ أَنْوَاعِ هَذَا اللَّفْظِ لَا ثَمَنِ الْمِثْلِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا النَّاقِصِ وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ ثَمَنُ الْمِثْلِ مِنْ الْعَادَةِ لَا مِنْ اللَّفْظِ فَنَقُولُ أَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ ثَمَنَ الْمِثْلِ إنَّمَا تَعَيَّنَ مِنْ جِهَةِ الْعَادَةِ لَا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ فَصَحِيحٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ اللَّفْظَ لَا إشْعَارَ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُشْعِرُ بِالثَّمَنِ الْبَخْسِ الَّذِي هُوَ مُطْلَقُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى الرُّتَبِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ بِالضَّرُورَةِ فَكَانَ اللَّفْظُ دَالًّا عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ دَلَّتْ عَلَيْهِ الْعَادَةُ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَيَحْصُلُ مِنْ هَذَا الْفَرْقِ وَالْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ فِي التَّخْيِيرِ أَنَّ ذَوَاتَ الرُّتَبِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَاعِدَتَيْنِ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ فَيَخْتَلِفُ الْحُكْمُ مَعَ التَّخْيِيرِ وَقَاعِدَةِ أَنَّ الْأَعَمَّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ عَيْنًا فَإِنَّ الْأَعَمَّ فِيهَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ عَيْنًا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ نَوَادِرِ الْمَبَاحِثِ ـــــــــــــــــــــــــــــSمِنْ أَنْوَاعِ هَذَا اللَّفْظِ لَا ثَمَنَ الْمِثْلِ وَلَا الْفَاحِشَ وَلَا النَّاقِصَ وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ ثَمَنُ الْمِثْلِ مِنْ الْعَادَةِ لَا مِنْ اللَّفْظِ فَنَقُولُ أَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ ثَمَنَ الْمِثْلِ إنَّمَا تَعَيَّنَ مِنْ جِهَةِ الْعَادَةِ لَا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ فَصَحِيحٌ) قُلْت: تَسْلِيمُهُ مَا سَلَّمَ صَحِيحٌ. قَالَ (وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ اللَّفْظَ لَا إشْعَارَ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُشْعِرُ بِالثَّمَنِ الْبَخْسِ الَّذِي هُوَ مُطْلَقُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى الرُّتَبِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ بِالضَّرُورَةِ فَكَانَ اللَّفْظُ دَالًّا عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ وَالزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ دَلَّتْ عَلَيْهِ الْعَادَةُ) قُلْت: لَا يُمْكِنُ أَنْ يَفُوهُ أَحَدٌ بِأَشَدَّ فَسَادًا مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وَكَيْفَ يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَى مَا لَا يَقْصِدُهُ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ وَلَا جَرَتْ لَهُ عَادَةٌ وَلَا عُرْفٌ بِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ وَهَلْ يُرِيدُ عَاقِلٌ بَيْعَ مَبِيعِهِ بِالْبَخْسِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ إلَى ذَلِكَ ثُمَّ كَيْفَ يَكُونُ الْبَخْسُ هُوَ مُطْلَقُ الثَّمَنِ وَهُوَ أَحَدُ أَنْوَاعِ مُطْلَقِ الثَّمَنِ وَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ النَّوْعُ هُوَ الْبَخْسُ بِعَيْنِهِ وَهَلْ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُمَا نَقِيضَانِ هَذَا كُلُّهُ خَطَأٌ فَاحِشٌ لَا رَيْبَ فِيهِ، وَإِنَّمَا أَوْقَعَهُ فِي ذَلِكَ تَوَهُّمُهُ أَنَّ الْأَقَلَّ الْمُنْفَصِلَ جُزْءٌ مِنْ الْأَكْثَرِ الْمُتَّصِلِ وَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا سَبَقَ الْقَوْلُ فِيهِ وَالتَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. قَالَ (فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ إلَى قَوْلِهِ فَإِنَّ الْأَعَمَّ فِيهَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ عَيْنًا) قُلْت: لَمْ يَظْهَرْ فَرْقٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا قَاعِدَتَانِ بَلْ قَاعِدَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَتَفَرَّعُ وَلَا تَنْقَسِمُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ بِوَجْهٍ وَكَذَلِكَ قَاعِدَةُ التَّخْيِيرِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ الْمُخَيَّرِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا بِالْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَالْجُزْءِ وَالْكُلِّ. قَالَ (فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ نَوَادِرِ الْمَبَاحِثِ) قُلْت: فِي اقْتِضَائِهِ مِنْ الْخَطَأِ إلَى أَبْعَدِ الْغَايَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى مَا زَعَمَهُ الْأَصْلُ مِنْ أَنَّهُمَا قَاعِدَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ لَا قَاعِدَةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ أَنَّ الْأَعَمَّ لَا يَسْتَلْزِمُ أَحَدَ أَنْوَاعِهِ عَيْنًا وَإِنَّمَا يَسْتَلْزِمُ الْأَعَمُّ مُطْلَقَ الْأَخَصِّ ضَرُورَةَ أَنَّ دُخُولَ الْحَقَائِقِ الْكُلِّيَّةِ فِي الْوُجُودِ مُجَرَّدَةً مُحَالٌ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُطْلَقِ شَخْصٍ تَدْخُلُ مَعَهُ فِيهِ وَتَكُونُ مَاهِيَّةً مَخْلُوطَةً وَمَاهِيَّةً بِشَرْطِ لَا شَيْءَ خِلَافٌ لِمَا اُشْتُهِرَ بَيْنَ النُّظَّارِ وَالْفُضَلَاءِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَالْفِقْهِيَّاتِ بِنَاءً عَلَى تَوَهُّمِهِ أَنَّ الْأَقَلَّ مِنْ الْفِعْلِ كَالْمَرَّةِ فِي حَالِ الِانْفِرَادِ هُوَ عَيْنُ نَفْسِهِ فِي حَالِ اجْتِمَاعِهِ مَعَ غَيْرِهِ كَكَوْنِ الْمَرَّةِ مَعَ أُخْرَى أَوْ آخَرَ حَتَّى صَحَّ أَنْ يُوصَفَ بِالْكَثِيرِ وَالْأَكْثَرِ وَكَذَلِكَ الْجُزْءُ مُنْفَرِدًا عَيْنُ نَفْسِهِ مَعَ الْكُلِّ فَقَالَ: إنَّ الْأَعَمَّ إذَا وَقَعَ فِي رُتَبٍ مُتَرَتِّبَةٍ بِالْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَالْجُزْءِ وَالْكُلِّ اسْتَلْزَمَ نَوْعُهُ الْأَقَلَّ وَالْجُزْءَ جَزْمًا ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِدُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ مَعَ الْأَقَلِّ وَالْجُزْءِ عَيْنًا؛ لِأَنَّهُ إنْ وَقَعَ فِي الْأَكْثَرِ وَالْكُلِّ فَقَدْ وَقَعَ الْأَقَلُّ وَالْجُزْءُ عَيْنًا وَإِنْ وَقَعَ فِي الْأَقَلِّ وَالْجُزْءِ فَقَدْ وَقَعَا عَيْنًا أَيْضًا، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الْأَعَمُّ فِي رُتَبٍ مُتَبَايِنَةٍ كَالْحَيَوَانِ إنْ وَقَعَ فِي نَوْعَيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ هُمَا النَّاطِقُ وَالْبَهِيمُ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ أَحَدُ نَوْعَيْهِ عَيْنًا، وَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي نَاطِقٍ أَوْ بَهِيمٍ لِتَبَايُنِ نَوْعَيْهِ. فَإِذَا قُلْنَا: فِي الدَّارِ حَيَوَانٌ لَا يُعْلَمُ أَهُوَ نَاطِقٌ أَوْ بَهِيمٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الْمُوَكِّلُ لِوَكِيلِهِ بِعْ فَإِنَّ لَفْظَهُ هَذَا يُشْعِرُ بِالثَّمَنِ الْبَخْسِ الَّذِي هُوَ مُطْلَقُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى الرُّتَبِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ بِالضَّرُورَةِ فَكَانَ اللَّفْظُ دَالًّا عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ وَثَمَنُ الْمِثْلِ الزَّائِدِ عَلَى ذَلِكَ إنَّمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْعَادَةُ لَا اللَّفْظُ فَظَهَرَ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ لَفْظَ بِعْ لَا دَلَالَةَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ لَا ثَمَنَ الْمِثْلِ وَلَا الْفَاحِشَ وَلَا النَّاقِصَ وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ ثَمَنُ الْمِثْلِ مِنْ الْعَادَةِ لَا مِنْ اللَّفْظِ. اهـ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَمَا اُشْتُهِرَ بَيْنَ النُّظَّارِ هُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ مِنْهُمْ اثْنَانِ وَلَيْسَ هَاهُنَا قَاعِدَتَانِ بَلْ هِيَ قَاعِدَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَتَفَرَّعُ وَلَا تَنْقَسِمُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ بِوَجْهٍ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَاطِلٌ إنَّمَا أَوْقَعَهُ فِيهِ تَوَهَّمَهُ أَنَّ الْأَقَلَّ الْمُنْفَصِلَ جُزْءٌ مِنْ الْأَكْثَرِ الْمُتَّصِلِ وَأَنَّ الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ مِنْ الْفِعْلِ مُقَيَّدَةٌ بِقَيْدِ الِانْفِرَادِ هِيَ عَيْنُ نَفْسِهَا مَقْرُونَةً بِأُخْرَى أَوْ آخَرَ وَمُقَيَّدَةٌ بِقَيْدِ الِاجْتِمَاعِ وَهُوَ وَاضِحُ الْبُطْلَانِ وُضُوحًا لَا رَيْبَ فِيهِ ضَرُورَةَ أَنَّ الشَّيْءَ مَعَ غَيْرِهِ غَيْرُهُ فِي نَفْسِهِ وَأَنَّ قَيْدَ الِانْفِرَادِ يُنَاقِضُ قَيْدَ الِاجْتِمَاعِ بِلَا شُبْهَةٍ بَلْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَفُوهُ أَحَدٌ بِأَشَدَّ فَسَادًا مِمَّا بَنَاهُ عَلَى هَذَا التَّوَهُّمِ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ قَوْلَ الْمُوَكِّلِ لِوَكِيلِهِ بِعْ

[الفرق بين قاعدة خطاب غير المعين وقاعدة الخطاب بغير المعين]

الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِطَابِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَقَاعِدَةِ الْخِطَابِ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ) وَتَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَقَعْ فِي الشَّرِيعَةِ وَالثَّانِي وَاقِعٌ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّ خِطَابَ الْمَجْهُولِ يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ الْأَمْرِ وَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ مَا تَعَيَّنَ عَلَى الِامْتِثَالِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْخِطَابُ مَعِي وَلَا نَصَّ عَلَيَّ فَلَا أَفْعَلُ فَتَبْطُلُ مَصْلَحَةُ الْأَمْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِطَابِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَقَاعِدَةِ الْخِطَابِ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ إلَى قَوْلِهِ فَتَبْطُلُ مَصْلَحَةُ الْأَمْرِ) قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ إنَّ خِطَابَ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَمْ يَقَعْ فِي الشَّرِيعَةِ إنْ أَرَادَ بِالْخِطَابِ مَا هُوَ ظَاهِرُهُ مِنْ الْقَصْدِ لِلْإِفْهَامِ فَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَإِنْ أَرَادَ بِالْخِطَابِ التَّكْلِيفَ وَالْإِلْزَامَ فَمَا قَالَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ لِجَمَاعَةِ عَبِيدِهِ: لِيَفْعَلْ أَحَدُكُمْ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْفَاعِلِ مِنْ قِبَلِي وَلَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ فَمَنْ فَعَلَهُ أَثَبْته وَمَنْ شَارَكَهُ فِيهِ عَاقَبْته وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَحَدٌ مِنْكُمْ ذَلِكَ الْفِعْلَ عَاقَبَتْكُمْ أَجْمَعِينَ فَالْخِطَابُ فِي هَذَا الْمِثَالِ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْجَمِيعِ بِأَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى تَعْيِينِ أَحَدِهِمْ لِذَلِكَ الْفِعْلِ أَوْ يُعَيِّنَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ نَفْسَهُ، وَهَكَذَا هُوَ فَرْضُ الْكِفَايَةِ الْخِطَابُ لِلْجَمِيعِ وَالتَّكْلِيفُ لِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ أَوْ لِجَمَاعَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ مِنْهُمْ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ وَالسِّرَّ فِيهِ أَنَّ خِطَابَ الْمَجْهُولِ يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ الْأَمْرِ لَيْسَ كَمَا قَالَ فَإِنَّهُ يُرِيدُ هُنَا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُ بَعْدُ بِالْخِطَابِ التَّكْلِيفَ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ كَمَا فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104] وَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة: 122] وَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] إلَى آخِرِهَا. وَكُلُّ هَذِهِ الْآيَاتِ وَقَعَ الْخِطَابُ فِيهَا لِلْجَمِيعِ أَوْ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْجَمِيعِ وَهُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّكْلِيفُ لَمْ يَشْمَلْ الْجَمِيعَ وَلَا عُلِّقَ بِمُعَيَّنٍ، أَمَّا فِي الْآيَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فَمُطْلَقًا وَأَمَّا فِي آيَةِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَشْمَلْ الْجَمِيعَ التَّكْلِيفُ بِإِقَامَتِهَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ تَوَجَّهَ التَّكْلِيفُ إلَى بَعْضِهِمْ بِالدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَإِلَى الْبَاقِينَ فِي تِلْكَ الْحَالِ بِالْحِرَاسَةِ، ثُمَّ تَوَجَّهَ التَّكْلِيفُ بِالدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ إلَى الْحَارِسِينَ أَوَّلًا وَبِالْحِرَاسَةِ إلَى الْمُصَلِّينَ أَوَّلًا وَهَذِهِ الْآيَةُ أَوْضَحُ الْآيَاتِ فِي أَنَّ التَّكْلِيفَ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ لَا يَشْمَلُ الْجَمِيعَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْحَالَةَ تَقْتَضِي انْقِسَامَ الْجَمِيعِ إلَى قِسْمَيْنِ كُلُّ قِسْمٍ يَقُومُ بِوَاجِبٍ يَتَعَذَّرُ قِيَامُ الْقِسْمِ الْآخَرِ بِهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ لِقِيَامِهِ فِيهَا بِالْوَاجِبِ الْآخَرِ، وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ يَتَوَجَّهُ التَّكْلِيفُ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ إلَى الْجَمِيعِ ثُمَّ يَسْقُطُ عَنْ الْبَعْضِ بِفِعْلِ الْبَعْضِ لَا دَلِيلَ أَلْبَتَّةَ عَلَيْهِ وَلَا ضَرُورَةَ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ تَدْعُو إلَيْهِ وَلَمْ يَحْمِلْ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ عَلَيْهِ إلَّا تَوَهُّمُهُمْ أَنَّ الْخِطَابَ بِمَعْنَى الْإِفْهَامِ يَلْزَمُ مِنْهُ الْخِطَابُ بِمَعْنَى الْإِلْزَامِ أَوْ تَوَهُّمُهُمْ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَدُلُّ الْتِزَامًا عَلَى الثَّمَنِ الْبَخْسِ الَّذِي هُوَ مُطْلَقُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى الرُّتَبِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ بِالضَّرُورَةِ وَثَمَنُ الْمِثْلِ الزَّائِدِ عَلَى ذَلِكَ إنَّمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْعَادَةُ لَا اللَّفْظُ إذْ كَيْفَ يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَى مَا لَا يَقْصِدُهُ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ وَلَا جَرَتْ عَادَةٌ وَلَا عُرْفٌ بِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ، وَهَلْ يُرِيدُ عَاقِلٌ بَيْعَ مَبِيعِهِ بِالْبَخْسِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ إلَى ذَلِكَ؟ ثُمَّ كَيْفَ يَكُونُ الْبَخْسُ هُوَ مُطْلَقُ الثَّمَنِ وَهُوَ أَحَدُ أَنْوَاعِ مُطْلَقِ الثَّمَنِ؟ وَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ النَّوْعُ هُوَ الْبَخْسُ بِعَيْنِهِ؟ وَهَلْ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ؟ هَذَا كُلُّهُ خَطَأٌ فَاحِشٌ لَا رَيْبَ فِيهِ اهـ. قُلْت: وَحَيْثُ ثَبَتَ بُطْلَانُ هَذَا الْفَرْقِ فَالصَّوَابُ إبْدَالُهُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُمُومِ فِي خُصُوصِ الْعَيْنِ وَقَاعِدَةِ الْعُمُومِ فِي خُصُوصِ الْحَالِ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِهِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: مِنْ غَرِيبِ فُنُونِ التَّرْجِيحِ تَرْجِيحُ الْعُمُومِ فِي خُصُوصِ الْعَيْنِ عَلَى الْعُمُومِ فِي خُصُوصِ الْحَالِ وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ عُلَمَائِنَا قَالَ: إنَّ دَمَ الْحَيْضِ كَسَائِرِ الدِّمَاءِ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ تَمَسُّكًا بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْكَثِيرَ دُونَ الْقَلِيلِ وَهُوَ عُمُومٌ فِي خُصُوصِ حَالِ الدَّمِ. وَقَالَ الْبَعْضُ الْآخَرُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ فِي التَّحْرِيمِ رَوَاهُ أَبُو ثَابِتٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ سِيرِينَ عَنْ مَالِكٍ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى بَلْ هُوَ أَذًى فَإِنَّهُ يَعُمُّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَهُوَ عُمُومٌ فِي خُصُوصِ عَيْنِ الدَّمِ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ حَالَ الْعَيْنِ أَرْجَحُ مِنْ حَالِ الْحَالِ قَالَ: وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَهُوَ مَا لَمْ نُسْبَقْ إلَيْهِ وَلَمْ نُزَاحَمْ عَلَيْهِ انْتَهَى بِتَصَرُّفٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِطَابِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَقَاعِدَةِ الْخِطَابِ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ] (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِطَابِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَقَاعِدَةِ الْخِطَابِ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ) عَلَى مَذْهَبِ الْأَصْلِ الْمَبْنِيِّ عَلَى قَوْلِ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ أَنَّ طَلَبَ الْكِفَايَةِ مُتَوَجِّهٌ عَلَى الْجَمِيعِ لَكِنْ إذَا قَامَ بِهِ بَعْضُهُمْ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ مِنْ أَنَّ خِطَابَ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَمْ يَقَعْ فِي الشَّرِيعَةِ إذْ لَوْ وَقَعَ لَأَدَّى إلَى تَرْكِ الْأَمْرِ وَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ مَا تَعَيَّنَ عَلَى الِامْتِثَالِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْخِطَابُ مَعِي وَلَا نَصَّ عَلَيَّ فَلَا أَفْعَلُ فَتَبْطُلُ مَصْلَحَةُ الْأَمْرِ وَلِذَلِكَ جَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ الْوُجُوبَ فِي فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ مُتَعَلِّقًا بِالْكُلِّ ابْتِدَاءً عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ لِتَنْبَعِثَ دَاعِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ لِلْفِعْلِ لِيَخْلُصَ عَنْ الْعِقَابِ، فَإِذَا فَعَلَ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْكُلِّ وَإِنْ كَانَ خِطَابُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ يَقْتَضِي مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ خِطَابَ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى

وَلِذَلِكَ لَمَّا كَانَ خِطَابُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ يَقْتَضِي مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ خِطَابَ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104] وَقَوْلِهِ {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: 122] وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي مُخَاطَبًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ جَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ الْوُجُوبَ فِي فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ مُتَعَلِّقًا بِالْكُلِّ ابْتِدَاءً عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ، فَإِذَا فَعَلَ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْكُلِّ وَسَبَبُ تَعَلُّقِهِ بِالْكُلِّ ابْتِدَاءً لِئَلَّا يَتَعَلَّقَ الْخِطَابُ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ مَجْهُولٍ فَيُؤَدِّيَ ذَلِكَ إلَى تَعَذُّرِ الِامْتِثَالِ، فَإِذَا وَجَبَ عَلَى الْكُلِّ ابْتِدَاءً انْبَعَثَتْ دَاعِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ لِلْفِعْلِ لِيَخْلُصَ عَنْ الْعِقَابِ فَهَذَا هُوَ خِطَابُ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَعُرِفَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ فِي الشَّرِيعَةِ وَأَمَّا الْخِطَابُ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَهُوَ وَاقِعٌ فِي الشَّرِيعَةِ كَثِيرًا جِدًّا كَالْأَمْرِ بِإِخْرَاجِ شَاةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَدِينَارٍ مِنْ أَرْبَعِينَ وَالسُّتْرَةِ بِثَوْبٍ وَلَمْ يُعَيَّنْ الشَّرْعُ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ شَيْئًا مِنْ أَشْخَاصِ ذَلِكَ الْمَأْمُورِ بِهِ لِتَمَكُّنِ الْمُكَلَّفِ مِنْ إيقَاعِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فِي ضِمْنِ مُعَيَّنٍ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَقِيَامُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَلَا تَتَعَذَّرُ مَصْلَحَةُ الْمَأْمُورِ بِهِ بِسَبَبِ عَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِخِلَافِ عَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَأْمُورِ الَّذِي هُوَ الْمُكَلَّفُ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ خِطَابِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَبَيْنَ الْخِطَابِ بِغَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــSالْخِطَابَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا تَوَهَّمُوهُ. قَالَ (وَلِذَلِكَ لَمَّا كَانَ خِطَابُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ يَقْتَضِي مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104] وَقَوْلُهُ {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: 122] الْآيَةَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي مُخَاطَبًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ جَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ الْوُجُوبَ فِي فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ مُتَعَلِّقًا بِالْكُلِّ ابْتِدَاءً عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ فَإِذَا فَعَلَ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْكُلِّ) قُلْت: لَمْ يَجْعَلْ صَاحِبُ الشَّرْعِ الْوُجُوبَ فِي فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ مُتَعَلِّقًا بِالْكُلِّ بَلْ بِالْبَعْضِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَلَا ضَرُورَةَ تُحْمَلُ عَلَيْهِ. قَالَ (وَسَبَبُ تَعَلُّقِهِ بِالْكُلِّ ابْتِدَاءً لِئَلَّا يَتَعَلَّقَ الْخِطَابُ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ مَجْهُولٍ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى تَعَذُّرِ الِامْتِثَالِ) قُلْت لَا يَتَعَلَّقُ الْخِطَابُ بِمَعْنَى الْإِفْهَامِ إلَّا بِالْكُلِّ وَالْإِلْزَامِ وَالتَّكْلِيفِ لِلْبَعْضِ وَلَا يَتَعَذَّرُ الِامْتِثَالُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَعَلُّقِ التَّكْلِيفِ بِالْكُلِّ ثُمَّ سُقُوطِهِ عَنْ الْبَعْضِ بِفِعْلِ الْبَعْضِ. قَالَ (فَإِذَا وَجَبَ عَلَى الْكُلِّ ابْتِدَاءً انْبَعَثَتْ دَاعِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ لِلْفِعْلِ لِيَخْلُصَ مِنْ الْعِقَابِ) قُلْت: وَإِذَا وَجَبَ عَلَى الْبَعْضِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ مَعَ مُخَاطَبَةِ الْكُلِّ عَلَى وَجْهِ أَنَّهُمْ مَتَى أَهْمَلُوا الْقِيَامَ بِذَلِكَ الْوَاجِبِ كُلُّهُمْ لَزِمَهُمْ الْعِقَابُ وَمَتَى قَامَ بِهِ بَعْضُهُمْ الْمُعَيَّنُ بِتَعْيِينِهِمْ إيَّاهُ أَوْ بِانْبِعَاثِهِ إلَى ذَلِكَ وَعِلْمِهِمْ بِذَلِكَ إنْ كَانَ مَحَلًّا لِإِمْكَانِ الْعِلْمِ أَوْ ظَنِّهِمْ ذَلِكَ إنْ كَانَ مَحَلًّا يَتَعَذَّرُ فِيهِ الْعِلْمُ خَصَّهُ الثَّوَابُ انْبَعَثَتْ دَاعِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ لِلْفِعْلِ أَوْ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِأَنَّ غَيْرِي انْبَعَثَ لِذَلِكَ. قَالَ (وَأَمَّا الْخِطَابُ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَهُوَ كَثِيرٌ جِدًّا إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104] وقَوْله تَعَالَى {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: 122] وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي مُخَاطَبًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَأَمَّا الْخِطَابُ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَهُوَ وَاقِعٌ فِي الشَّرِيعَةِ كَثِيرًا جِدًّا كَالْأَمْرِ بِإِخْرَاجِ شَاةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَدِينَارٍ مِنْ أَرْبَعِينَ وَالسُّتْرَةِ بِثَوْبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُعَيِّنْ الشَّرْعُ فِيهِ شَيْئًا مِنْ أَشْخَاصِ الْمَأْمُورِ بِهِ لِتَمَكُّنِ الْمُكَلَّفِ مِنْ إيقَاعِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فِي ضِمْنِ مُعَيَّنٍ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَلَا تَتَعَذَّرُ مَصْلَحَةُ الْمَأْمُورِ بِهِ بِسَبَبِ عَدَمِ تَعَيُّنِهِ أَيْ الْمَأْمُورِ بِهِ بِخِلَافِ عَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَأْمُورِ الَّذِي هُوَ الْمُكَلَّفُ كَمَا عَلِمْت. قَالَ: وَيُؤْخَذُ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْإِجْمَاعِيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ يَعْنِي قَاعِدَةَ أَنَّ خِطَابَ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَمْ يَقَعْ فِي الشَّرِيعَةِ لِمَا ذَكَرَ أَنَّ الْأَمْرَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] مُتَوَجِّهٌ عَلَى الْجَمِيعِ بِالْحُضُورِ عِنْدَ حَدِّ الزُّنَاةِ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ الْحُضُورَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَيَسْقُطَ الْأَمْرُ عَنْ الْبَاقِينَ وَإِنْ اقْتَضَى لَفْظُ الْآيَةِ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْحُضُورِ الْمَذْكُورِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَالْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ أَعْنِي قَاعِدَةَ أَنَّ الْخِطَابِ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَاقِعٌ وَجَائِزٌ وَإِنْ اقْتَضَتْ عَدَمَ تَوَجُّهِ السُّؤَالُ عَلَى قَوْله تَعَالَى {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12] مِنْ جِهَةِ عَدَمِ تَعَيُّنِ الظَّنِّ الْمُحَرَّمِ إلَّا أَنَّهُ يُتَوَجَّهُ عَلَيْهِ سُؤَالَانِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَحَدُهُمَا: أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ إذَا حَرَّمَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ مِنْ جِنْسٍ فَإِمَّا أَنْ يُحَرِّمَ الْجَمِيعَ لِيُجْتَنَبَ ذَلِكَ الْمُحَرَّمُ وَإِمَّا أَنْ يَدُلَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فَمَا الْوَاقِعُ هَا هُنَا مِنْ هَذَيْنِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْوَاقِعَ هَا هُنَا (أَمَّا الْأَوَّلُ) بِأَنْ يُحَرِّمَ الْجَمِيعَ كَمَا حَرَّمَ فِي الْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ تَخْتَلِطُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ وَالْمَيْتَةُ تَخْتَلِطُ بِمُذَكَّيَاتٍ. فَإِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى إبَاحَةِ الظَّنِّ عِنْدَ أَسْبَابِهِ الشَّرْعِيَّةِ كَالظَّنِّ الْمَأْذُونِ فِيهِ عِنْدَ سَمَاعِ الْبَيِّنَاتِ وَالْمُقَوِّمِينَ وَالْمُفْتِينَ وَالرُّوَاةِ لِلْأَحَادِيثِ وَالْأَقْيِسَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَظَاهِرِ الْعُمُومَاتِ اعْتَبَرْنَاهُ تَخْصِيصًا لِهَذَا الْعُمُومِ وَلَمْ نَجْتَنِبْهُ بَلْ لَابَسْنَاهُ وَأَبْقَيْنَا مَا لَا دَلِيلَ عَلَى إبَاحَتِهِ تَحْتَ نَهْيِ الْآيَةِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَهُمَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِ ظَنٍّ حَرَّمْنَاهُ كَالظَّنِّ النَّاشِئِ عَنْ قَوْلِ الْفَاسِقِ وَالنِّسَاءِ فِي الدِّمَاءِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُثِيرَاتِ لِلظَّنِّ الَّتِي حُرِّمَ عَلَيْنَا اعْتِبَارُ الظَّنِّ النَّاشِئِ عَنْهَا وَمَا لَمْ يَدُلُّ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ أَبَحْنَاهُ عَمَلًا بِالْبَرَاءَةِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَالْأَوَّلُ عِنْدِي أَظْهَرُ وَأَقْوَى وَالسُّؤَالُ الثَّانِي كَيْفَ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ الظَّنِّ وَهُوَ ضَرُورِيٌّ

الْمُعَيَّنِ وَلْنَذْكُرْ مِنْ هَذَا الْفَرْقِ مَسْأَلَتَيْنِ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَوْله تَعَالَى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] يَقْتَضِي أَنَّ الْمَأْمُورَ هَا هُنَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْأَمْرَ مُتَوَجِّهٌ عَلَى الْجَمِيعِ بِالْحُضُورِ عِنْدَ حَدِّ الزُّنَاةِ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَيَسْقُطَ الْأَمْرُ عَلَى الْبَاقِينَ وَهَذَا لَيْسَ مَأْخُوذًا مِنْ اللَّفْظِ بَلْ مِنْ الْقَاعِدَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَوْله تَعَالَى {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12] إشَارَةٌ إلَى ظَنٍّ غَيْرِ مُعَيَّنٍ بِالتَّحْرِيمِ وَالْخِطَابُ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ يَجُوزُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ أَنَّ هَا هُنَا سُؤَالَيْنِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى. السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: مَا ضَابِطُ هَذَا الظَّنِّ؟ فَإِنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ إذَا حَرَّمَ شَيْئًا وَلَمْ يُعَيِّنْهُ مِنْ جِنْسٍ لَهُ حَالَتَانِ تَارَةً يَدُلُّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَتَارَةً يُحَرِّمُ الْجَمِيعُ لِيُجْتَنَبَ ذَلِكَ الْمُحَرَّمُ فَمَا الْوَاقِعُ هَا هُنَا مِنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ. السُّؤَالُ الثَّانِي: الظَّنُّ يَهْجُمُ عَلَى النَّفْسِ عِنْدَ حُضُورِ أَسْبَابِهِ وَالضَّرُورِيُّ لَا يُنْهَى عَنْهُ فَكَيْفُ صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُ هَا هُنَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ: أَنْ نَقُولَ لَنَا هَا هُنَا طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ نَقُولَ الْمُحَرَّمُ الْجَمِيعُ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى إبَاحَةِ الْبَعْضِ فَيَخْرُجَ مِنْ الْعُمُومِ كَمَا إذَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَاخْتَلَطَتْ بِأَجْنَبِيَّاتٍ فَإِنَّهُنَّ يَحْرُمْنَ كُلُّهُنَّ وَكَذَلِكَ الْمَيْتَةُ مَعَ الْمُذَكَّيَاتِ إذَا اخْتَلَطْنَ، فَإِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى إبَاحَةِ الظَّنِّ عِنْدَ أَسْبَابِهِ الشَّرْعِيَّةِ لَابَسْنَاهُ وَلَمْ نَجْتَنِبْهُ وَكَانَ ذَلِكَ تَخْصِيصًا لِهَذَا الْعُمُومِ وَذَلِكَ كَالظَّنِّ الْمَأْذُونِ فِيهِ عِنْدَ سَمَاعِ الْبَيِّنَاتِ وَالْمُقَوِّمِينَ وَالْمُفْتِينَ وَالرُّوَاةِ لِلْأَحَادِيثِ وَالْأَقْيِسَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَظَاهِرِ الْعُمُومَاتِ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَوَاطِنَ كُلَّهَا تَحْصُلُ الظُّنُونُ الْمَأْذُونُ فِي الْعَمَلِ بِهَا فَأَيُّ شَيْءٍ مِنْ الظُّنُونِ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ اعْتَبَرْنَاهُ وَمَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ أَبْقَيْنَاهُ تَحْتَ نَهْيِ الْآيَةِ. الطَّرِيقُ الثَّانِي فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ: أَنْ نَقُولَ لَا نَقُولُ بِالْعُمُومِ فِي تَحْرِيمِ جَمِيعِ الظُّنُونِ بَلْ نَقُولُ هَذَا الْبَعْضُ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِالتَّحْرِيمِ مِنْ الظَّنِّ بِعَيْنِهِ فِي الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مُهِمٌّ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِ ظَنٍّ حَرَّمْنَاهُ كَالظَّنِّ النَّاشِئِ عَنْ قَوْلِ الْفَاسِقِ وَالنِّسَاءِ فِي الدِّمَاءِ وَغَيْرِهَا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَلْنَذْكُرْ مِنْ هَذَا الْفَرْقِ مَسْأَلَتَيْنِ) قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْخِطَابَ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَثِيرٌ جِدًّا صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ بِخِلَافِ عَدَمِ تَعْيِينِ الْمَأْمُورِ الَّذِي هُوَ الْمُكَلَّفُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَمَا سَبَقَ فَلَمْ يَظْهَرْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْخِطَابَيْنِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي زَعَمَ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إلَى آخِرِهَا قُلْت: مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا سَبَقَ بَيَانُهُ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12] إشَارَةٌ إلَى ظَنٍّ غَيْرِ مُعَيَّنٍ بِالتَّحْرِيمِ وَالْخِطَابُ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ يَجُوزُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ) قُلْت هَكَذَا وَقَعَ هَذَا اللَّفْظُ وَلَعَلَّهُ فِيهِ تَصْحِيفٌ أَوْ فِيهِ تَغْيِيرٌ. قَالَ (غَيْرَ أَنَّ هَا هُنَا سُؤَالَيْنِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى الْأَوَّلُ مَا ضَابِطُ هَذَا الظَّنِّ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُ يَهْجُمُ عَلَى النَّفْسِ عِنْدَ حُضُورِ أَسْبَابِهِ وَالضَّرُورِيُّ لَا يُنْهَى عَنْهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ النَّهْيَ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى آثَارِ الظَّنِّ وَسَبَبِهِ الَّذِي هُوَ التَّحَدُّثُ عَنْ الْإِنْسَانِ بِمَا ظَنَّ فِيهِ أَوْ أَذِيَّته بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ بَلْ يَكُفُّ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى يُوجَدَ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ يُبِيحُهُ فَفِي الْآيَةِ مَجَازٌ بِالْحَذْفِ أَيْ اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ سَبَبِ الظَّنِّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُ الْمَحْذُوفَ مَجَازًا مُطْلَقًا أَوْ مُرْسَلًا عِلَاقَتُهُ الْمُسَبِّبِيَّةُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْخِطَابَ فِي التَّكْلِيفِ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَقْدُورٍ مُكْتَسَبٍ لَا بِالضَّرُورِيِّ اللَّازِمِ الْوُقُوعِ أَوْ اللَّازِمِ الِامْتِنَاعِ، فَإِذَا وَرَدَ مَا ظَاهِرُهُ تَعَلُّقُهُ بِغَيْرِ مَقْدُورٍ صُرِفَ إمَّا لِثَمَرَتِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] فَالرَّأْفَةُ أَمْرٌ يَهْجُمُ عَلَى الْقَلْبِ قَهْرًا عِنْدَ حُصُولِ أَسْبَابِهَا فَالنَّهْيُ عَنْهَا نَهْيٌ عَنْ ثَمَرَتِهَا الَّتِي هِيَ نَقْصُ الْحَدِّ فَيَصِيرُ مَعْنَى الْآيَةِ لَا تَنْقُصْ مِنْ مَجَازِ التَّعْبِيرِ بِالسَّبَبِ عَنْ الْمُسَبِّبِ. كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَأَمَّا لِسَبَبِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] فَالْمَغْفِرَةُ مُضَافَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَتْ مَقْدُورَةً لِلْعَبْدِ، فَالْأَمْرُ بِالْمُسَارَعَةِ إلَيْهَا أَمْرٌ بِالْمُسَارَعَةِ لِسَبَبِهَا، وَالْمَعْنَى إمَّا سَارِعُوا إلَى سَبَبِ مَغْفِرَةٍ مِنْ بَابِ الْإِضْمَارِ وَإِمَّا أَنَّهُ عَبَّرَ بِهَا عَنْ سَبَبِهَا مَجَازًا عِلَاقَتُهُ الْمُسَبِّبِيَّةُ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ هَذَا مَذْهَبُ الْأَصْلِ وَالْحَقُّ خِلَافُهُ وَأَنَّ خِطَابَ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ بِمَعْنَى تَكْلِيفِهِ وَإِلْزَامِهِ وَقَعَ فِي الشَّرِيعَةِ كَمَا وَقَعَ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ بِلَا فَرْقٍ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْخِطَابُ بِمَعْنَى الْقَصْدِ لِلْإِفْهَامِ لَمْ يَقَعْ فِي الشَّرِيعَةِ إلَّا لِلْجَمِيعِ لَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ بِأَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ لِجَمَاعَةِ عَبِيدِهِ لِيَفْعَلْ أَحَدُكُمْ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْفَاعِلِ مِنْ قِبَلِي وَلَا يَفْعَلْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ فَمَنْ فَعَلَهُ أَثَبْته وَمَنْ شَارَكَهُ فِيهِ عَاقَبْته وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَحَدٌ مِنْكُمْ ذَلِكَ الْفِعْلَ عَاقَبْتُكُمْ أَجْمَعِينَ فَالْخِطَابُ فِي هَذَا الْمِثَالِ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْجَمِيعِ بِأَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى تَعْيِينِ أَحَدِهِمْ لِذَلِكَ الْفِعْلِ أَوْ يُعَيِّنَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ نَفْسَهُ وَهَكَذَا هُوَ فَرْضُ الْكِفَايَةِ الْخِطَابُ لِلْجَمِيعِ وَالتَّكْلِيفُ لِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ أَوْ لِجَمَاعَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ مِنْهُمْ وَلَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104] وَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة: 122] وَكَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] إلَى آخِرِهَا فَكُلُّ هَذِهِ

الْمُثِيرَاتِ لِلظَّنِّ الَّتِي حُرِّمَ عَلَيْنَا اعْتِبَارُ الظَّنِّ النَّاشِئِ عَنْهَا وَمَا لَمْ يَدُلَّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ قُلْنَا هُوَ مُبَاحٌ عَمَلًا بِالْبَرَاءَةِ فَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ السُّؤَالِ الثَّانِي فَنَقُولُ قَاعِدَةً وَهِيَ أَنَّ الْخِطَابَ فِي التَّكْلِيفِ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَقْدُورٍ مُكْتَسَبٍ دُونَ الضَّرُورِيِّ اللَّازِمِ الْوُقُوعِ أَوْ اللَّازِمِ الِامْتِنَاعِ فَإِذَا وَرَدَ خِطَابٌ وَكَانَ مُتَعَلِّقُهُ مَقْدُورًا حُمِلَ عَلَيْهِ نَحْوَ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ أَوْ غَيْرَ مَقْدُورٍ صُرِفَ الْخِطَابُ لِثَمَرَتِهِ أَوْ لِسَبَبِهِ وَمِثَالُ مَا يُحْمَلُ عَلَى ثَمَرَتِهِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] فَالرَّأْفَةُ أَمْرٌ يَهْجُمُ عَلَى الْقَلْبِ قَهْرًا عِنْدَ حُصُولِ أَسْبَابِهَا فَيَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَى الثَّمَرَةِ وَالْآثَارِ وَهُوَ تَنْقِيصُ الْحَدِّ فَيَصِيرُ مَعْنَى الْآيَةِ لَا نُنْقِصُ الْحَدَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَيَكُونُ مِنْ مَجَازِ التَّعْبِيرِ بِالسَّبَبِ عَنْ الْمُسَبَّبِ. وَمِثَالُ مَا هُوَ غَيْرُ مَقْدُورٍ وَيُحْمَلُ عَلَى سَبَبِهِ قَوْله تَعَالَى {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] وَالْمَغْفِرَةُ مُضَافَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ مَقْدُورَةً لِلْعَبْدِ فَيَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَى سَبَبِ الْمَغْفِرَةِ فَيَصِيرُ مَعْنَى الْكَلَامِ سَارِعُوا إلَى سَبَبِ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْإِضْمَارِ أَوْ عَبَّرَ بِالْمَغْفِرَةِ عَنْ سَبَبِهَا مِنْ مَجَازِ التَّعْبِيرِ بِالْمُسَبَّبِ عَنْ السَّبَبِ عَكْسُ الْأَوَّلِ وقَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَالطَّلَاقُ الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ غَيْرُ مَقْدُورٍ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَتُهُ الْقَدِيمَةُ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى سَبَبِهِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الزَّوْجِ أَنْتِ طَالِقٌ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالسَّبَبِ عَنْ الْمُسَبَّبِ، وقَوْله تَعَالَى {وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] وَالْمَوْتُ لَا يُنْهَى عَنْهُ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى سَبَبٍ يَقْتَضِي حُصُولَ الْمَوْتِ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ تَقْدِيمُ الْإِسْلَامِ قَبْلَ ذَلِكَ وَالتَّصْمِيمُ عَلَيْهِ فَيَأْتِي الْمَوْتُ حِينَئِذٍ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لَمَّا تَعَذَّرَ حَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى الظَّنِّ نَفْسِهِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى آثَارِهِ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْمُسَبَّبِ عَنْ السَّبَبِ وَآثَارُهُ التَّحَدُّثُ عَنْ الْإِنْسَانِ بِمَا ظُنَّ فِيهِ أَوْ أَذِيَّتُهُ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ بَلْ يَكُفُّ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى يُوجَدَ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ يُبِيحُ ذَلِكَ. (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَعَيُّنِ الْوَاجِبِ) أَمَّا إجْزَاءُ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ فَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَوْ صَلَّى الْإِنْسَانُ أَلْفَ رَكْعَةٍ مَا أَجْزَأَتْ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَدَفَعَ أَلْفَ دِينَارٍ صَدَقَةً لَا تُجْزِئُ عَنْ دِينَارِ الزَّكَاةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــSفَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ) قُلْت: الطَّرِيقَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا مُحْتَمَلَانِ غَيْرَ أَنَّ الْأَوَّلَ عِنْدِي أَظْهَرُ وَأَقْوَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ السُّؤَالِ الثَّانِي إلَى آخِرِهِ) قُلْت: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ. قَالَ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَعَيُّنِ الْوَاجِبِ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآيَاتِ وَقَعَ الْخِطَابُ لِلْجَمِيعِ أَوْ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَ الْجَمِيعِ وَهُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّكْلِيفُ لَمْ يَشْمَلْ الْجَمِيعَ وَلَا عُلِّقَ بِمُعَيَّنٍ أَمَّا فِي الْآيَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فَمُطْلَقًا وَأَمَّا فِي آيَةِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَشْمَلْ الْجَمِيعَ التَّكْلِيفُ بِإِقَامَتِهَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ تَوَجَّهَ التَّكْلِيفُ إلَى بَعْضِهِمْ بِالدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَإِلَى الْبَاقِينَ فِي تِلْكَ الْحَالِ بِالْحِرَابَةِ ثُمَّ تَوَجَّهَ التَّكْلِيفُ بِالدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ إلَى الْحَارِسِينَ أَوَّلًا وَبِالْحِرَابَةِ إلَى الْمُصَلِّينَ أَوَّلًا، وَهَذِهِ الْآيَةُ أَوْضَحُ الْآيَاتِ فِي أَنَّ التَّكْلِيفَ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ لَا يَشْمَلُ الْجَمِيعَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْحَالَةَ تَقْتَضِي انْقِسَامَ الْجَمِيعِ إلَى قِسْمَيْنِ كُلُّ قِسْمٍ يَقُومُ بِوَاجِبٍ يَتَعَذَّرُ قِيَامُ الْقِسْمِ الْآخَرِ بِهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ لِقِيَامِهِ فِيهَا بِالْوَاجِبِ الْآخَرِ فَلَمْ يَظْهَرْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْخِطَابِ لِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَالْخِطَابِ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي زَعَمَ انْتَهَى. (وَصْلٌ) وَأَمَّا مَا بَنَى عَلَيْهِ الْأَصْلُ مَذْهَبَهُ مِنْ قَوْلِ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ أَنَّ طَلَبَ الْكِفَايَةِ مُتَوَجِّهٌ عَلَى الْجَمِيعِ لَكِنْ إذَا قَامَ بِهِ بَعْضُهُمْ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ فَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ إنَّهُ قَوْلٌ لَا دَلِيلَ أَلْبَتَّةَ عَلَيْهِ وَلَا ضَرُورَةَ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ تَدْعُو إلَيْهِ وَلَمْ يَحْمِلْ الْقَائِلِينَ بِهِ عَلَيْهِ إلَّا تَوَهُّمُهُمْ أَنَّ الْخِطَابَ بِمَعْنَى الْإِفْهَامِ يَلْزَمُ مِنْهُ الْخِطَابُ بِمَعْنَى الْإِلْزَامِ أَوْ تَوَهُّمُهُمْ أَنَّ الْخِطَابَيْنِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا تَوَهَّمُوهُ اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي مُوَافَقَاتِهِ: وَمَا قَالَهُ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ كُلِّيِّ الطَّلَبِ وَأَمَّا مِنْ جِهَةٍ جُزْئِيِّهِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَيَنْقَسِمُ أَقْسَامًا وَرُبَّمَا تَشَعَّبَ تَشَعُّبًا طَوِيلًا وَلَكِنَّ الضَّابِطَ لِلْجُمْلَةِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الطَّلَبَ وَارِدٌ عَلَى الْبَعْضِ وَلَا عَلَى الْبَعْضِ كَيْفَ كَانَ وَلَكِنْ عَلَى مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْقِيَامِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ الْمَطْلُوبِ لَا عَلَى الْجَمِيعِ عُمُومًا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أُمُورٌ: أَحَدُهَا: النُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: 122] فَوَرَدَ التَّخْصِيصُ عَلَى طَائِفَةٍ لَا عَلَى الْجَمِيعِ، وَقَوْلِهِ {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} [آل عمران: 104] الْآيَةَ، وقَوْله تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ} [النساء: 102] الْآيَةَ إلَى آخِرِهَا، وَفِي الْقُرْآنِ مِنْ هَذَا النَّحْوِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ وَرَدَ الطَّلَبُ فِيهَا نَصًّا عَلَى الْبَعْضِ لَا عَلَى الْجَمِيعِ. وَالثَّانِي: مَا ثَبَتَ مِنْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ الْقَطْعِيَّةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَالْإِمَامَةِ الْكُبْرَى أَوْ الصُّغْرَى فَإِنَّهَا إنَّمَا تَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ فِيهِ أَوْصَافُهَا الْمَرْعِيَّةُ لَا عَلَى كُلِّ النَّاسِ وَسَائِرِ الْوِلَايَاتِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ إنَّمَا يُطْلَبُ بِهَا شَرْعًا بِاتِّفَاقٍ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْقِيَامِ بِهَا

فِي سَبْعِ مَسَائِلَ: الْأُولَى: إذَا تَوَضَّأَ مُجَدِّدًا ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا هَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا قَوْلَانِ وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ. الثَّانِيَةُ: إذَا اغْتَسَلَ لِجُمُعَتِهِ نَاسِيًا لِجَنَابَتِهِ الْمَذْهَبُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَقِيلَ تُجْزِئُ. الثَّالِثَةُ: إذَا نَسِيَ لُمْعَةً مِنْ الْغَسْلَةِ الْأُولَى فِي وُضُوئِهِ وَكَانَ غَسْلُهَا بِنِيَّةِ الْفَرْضِ هَلْ تُجْزِئُهُ إذَا غَسَلَ الثَّانِيَةَ بِنِيَّةِ السُّنَّةِ قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ كَالتَّجْدِيدِ. الرَّابِعَةُ: إذَا سَلَّمَ مِنْ اثْنَيْنِ سَاهِيًا ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ هَلْ تُجْزِئَاهُ عَنْ رَكْعَتَيْ الْفَرْضِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ. الْخَامِسَةُ: إذَا ظَنَّ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ فَرْضِهِ فَصَلَّى بَقِيَّةَ فَرْضِهِ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ هَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ السَّادِسَةُ: إذَا سَهَا عَنْ سَجْدَةٍ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقَامَ إلَى خَامِسَةٍ سَاهِيًا هَلْ تُجْزِئُهُ عَنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي نَسِيَ مِنْهَا السَّجْدَةَ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ. السَّابِعَةُ: إذَا نَسِيَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَقَدْ طَافَ طَوَافَ الْوَدَاعِ وَرَاحَ إلَى بَلَدِهِ أَجْزَأَهُ طَوَافُ الْوَدَاعِ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ. فَهَذَا هُوَ الَّذِي رَأَيْته وَقَعَ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي الْمَذْهَبِ، وَأَمَّا قَاعِدَةُ تَعَيُّنِ الْوَاجِبِ فَلَيْسَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَتَحْرِيرُهُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يُعْتَقَدُ أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالْعَبْدَ وَالْمُسَافِرَ وَنَحْوَهُمْ لَمَّا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ فَإِذَا حَضَرُوهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُمْ مَعَ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــSفَهَذَا الَّذِي رَأَيْته وَقَعَ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي الْمَذْهَبِ) قُلْت إجْزَاءُ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ خِلَافُ الْأَصْلِ كَمَا. قَالَ وَذَكَرَ مَا وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ ذَلِكَ وَفِيهِ قَوْلَانِ مَسْأَلَةُ الْمُجَدِّدِ وَالْمُغْتَسِلِ لِلْجُمُعَةِ نَاسِيًا لِلْجَنَابَةِ وَنَاسِي اللُّمْعَةِ مِنْ الْغَسْلَةِ الْأُولَى وَهَذِهِ الثَّلَاثُ مَسَائِلَ مِنْ الطَّهَارَةِ، وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ لَا يَكُونَ الْقَائِلُ بِالْإِجْزَاءِ فِي هَذِهِ بَنَى قَوْلَهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ بَلْ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوقِعِينَ لِهَذِهِ الطِّهَارَاتِ إنَّمَا أَرَادَ بِهَا إحْرَازَ كَمَالِهَا، وَالْكَمَالُ فِي رَأْيِهِ يَتَضَمَّنُ الْإِجْزَاءَ بِخِلَافِ رَأْيِ غَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الْكَمَالَ لَا يَتَضَمَّنُ الْإِجْزَاءَ فَيَكُونُ الْخِلَافُ فِي الْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ مَبْنِيًّا عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فَلَا تَكُونُ ثَلَاثُ مَسَائِلَ مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ الْقَائِلُ أَيْضًا بِالْإِجْزَاءِ بَنَى قَوْلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ بَلْ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَعْيِينُ نِيَّةِ الْفَرْضِ وَلَا نِيَّةِ النَّفْلِ فَلَا يَكُونُ عَلَى هَذَا مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُسَلِّمِ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَالظَّانُّ أَنَّهُ سَلَّمَ فَمِنْ ذَلِكَ أَعْنِي مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَأَمَّا السَّادِسَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ السَّاهِي عَنْ سَجْدَةٍ مِنْ الْأُولَى الْقَائِمِ إلَى خَامِسَةٍ فَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ إنَّمَا قَامَ فِي الْخَامِسَةِ لِأَدَاءِ بَقِيَّةِ فَرْضِهِ فِيمَا يَعْتَقِدُ، وَأَمَّا السَّابِعَةُ وَهِيَ نَاسِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَمِنْ تِلْكَ لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا قَوْلَيْنِ وَهِيَ مَحَلٌّ لِاحْتِمَالِ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَأَمَّا قَاعِدَةُ تَعَيُّنِ الْوَاجِبِ) فَلَيْسَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْغَنَاءِ أَيْ النَّفْعِ فِيهَا، وَكَذَلِكَ الْجِهَادُ حَيْثُ يَكُونُ فَرْضَ كِفَايَةٍ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ الْقِيَامُ بِهِ عَلَى مَنْ فِيهِ نَجْدَةٌ وَشَجَاعَةٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْخُطَطِ الشَّرْعِيَّةِ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُطْلَبَ بِهَا مَنْ لَا يُبْدِي فِيهَا وَلَا يُعِيدُ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُكَلَّفِ وَمِنْ بَابِ الْعَبَثِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَصْلَحَةِ الْمُجْتَلَبَةِ أَوْ الْمَفْسَدَةِ الْمُسْتَدْفَعَةِ وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ شَرْعًا وَالثَّالِثُ مَا وَقَعَ مِنْ فَتَاوَى الْعُلَمَاءِ وَمَا وَقَعَ أَيْضًا فِي الشَّرِيعَةِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، فَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ «عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ قَالَ لِأَبِي ذَرٍّ يَا أَبَا ذَرٍّ إنِّي أَرَاك ضَعِيفًا وَإِنِّي أُحِبُّ لَك مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ» وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ نَهَاهُ عَنْهُمَا فَلَوْ فُرِضَ إهْمَالُ النَّاسِ لَهُمَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ بِدُخُولِ أَبِي ذَرٍّ فِي حَرَجِ الْإِهْمَالِ وَلَا مَنْ كَانَ مِثْلَهُ وَفِي الْحَدِيثِ «لَا تَسْأَلُ الْإِمَارَةَ» . وَهَذَا النَّهْيُ يَقْتَضِي أَنَّهَا غَيْرُ عَامَّةِ الْوُجُوبِ وَنَهَى أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بَعْضَ النَّاسِ عَنْ الْإِمَارَةِ فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِيَهَا أَبُو بَكْرٍ فَجَاءَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ: نَهَيْتنِي عَنْ الْإِمَارَةِ ثُمَّ وُلِّيت، فَقَالَ لَهُ: وَأَنَا الْآنَ أَنْهَاك عَنْهَا وَاعْتَذَرَ لَهُ عَنْ وِلَايَتِهِ هُوَ بِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا، وَرُوِيَ أَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي أَنْ يَقُصَّ فَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْقَصَصِ الَّذِي طَلَبَهُ تَمِيمٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ مَطْلُوبَاتِ الْكِفَايَةِ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَعَلَى هَذَا الْمَهِيعِ جَرَى الْعُلَمَاءُ فِي تَقْرِيرِ كَثِيرٍ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَقَدْ جَاءَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ أَفَرْضٌ هُوَ فَقَالَ أَمَّا عَلَى كُلِّ النَّاسِ فَلَا يَعْنِي بِهِ الزَّائِدُ عَلَى الْفَرْضِ الْعَيْنِيِّ. وَقَالَ أَيْضًا: أَمَّا مَنْ كَانَ فِيهِ مَوْضِعٌ لِلْإِمَامَةِ فَالِاجْتِهَادُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ عَلَيْهِ وَاجِبٌ وَالْأَخْذُ فِي الْعِنَايَةِ بِالْعِلْمِ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ فِيهِ فَأَنْتَ تَرَاهُ قَسَّمَ فَجَعَلَ مَنْ فِيهِ قَبُولِيَّةً لِلْإِمَامَةِ مِمَّا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا جَعَلَهُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ وَفِي ذَلِكَ بَيَانُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى كُلِّ النَّاسِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ مِنْ كَانَ أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ وَتَقْلِيدِ الْعُلُومِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104] وَمَنْ لَا يَعْرِفُ الْمَعْرُوفَ كَيْفَ يَأْمُرُ بِهِ أَوْ لَا يَعْرِفُ الْمُنْكَرَ كَيْفَ يَنْهَى عَنْهُ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَمْرُ فِي هَذَا الْمَعْنَى

بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ إمَّا الظُّهْرُ وَإِمَّا الْجُمُعَةُ فَالْوَاجِبُ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَهُوَ مَفْهُومُ إحْدَاهُمَا كَالْوَاجِبِ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ إحْدَى الْخِصَالِ، فَإِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِالْجُمُعَةِ فَقَدْ أَحْرَمَ بِإِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ وَعَيَّنَ ذَلِكَ الْمُشْتَرَكَ فِي أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ كَمَا يُعَيِّنُ الْمُكَفِّرُ إحْدَى الْخِصَالِ بِالْعِتْقِ فَهُوَ مُعَيِّنٌ لِلْوَاجِبِ لَا فَاعِلٌ لِغَيْرِ الْوَاجِبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَأَجْزَأَهُ عَنْ الْوَاجِبِ بَلْ غَيْرِ الْوَاجِبِ هَا هُنَا هُوَ خُصُوصُ الْجُمُعَةِ لَا مُطْلَقُ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ فَالْجُمُعَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَمْرَيْنِ خُصُوصٌ غَيْرُ وَاجِبٍ وَهُوَ كَوْنُهَا جُمُعَةً وَعُمُومٌ وَاجِبٌ وَهُوَ كَوْنُهَا إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ فَأَجْزَأَتْ عَنْ الْوَاجِبِ مِنْ جِهَةِ عُمُومِهَا الْوَاجِبِ لَا مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهَا الَّذِي لَيْسَ بِوَاجِبٍ كَمَا أَنَّ الْمُكَفِّرَ عَنْ الْيَمِينِ بِالْعِتْقِ فِي عِتْقِهِ أَمْرَانِ: خُصُوصٌ وَهُوَ كَوْنُهُ عِتْقًا، وَعُمُومٌ وَهُوَ كَوْنُهُ إحْدَى الْخِصَالِ الثَّلَاثِ فَيُجْزِئُ الْعِتْقُ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ عُمُومِهِ الْوَاجِبِ لَا مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِ الَّذِي لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَهَذَا لَيْسَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْقَاعِدَةِ الْأُولَى فِي الِامْتِنَاعِ وَيَتَمَهَّدُ الْفَرْقُ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ أُخَرَ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالُوا: الْعَبْدُ لَا يَؤُمُّ فِي الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الْمُفْتَرِضَ لَا يَأْتَمُّ بِالْمُتَنَفِّلِ، فَقِيلَ: إذَا حَضَرَهَا صَارَ مِنْ أَهْلِهَا وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ فَصَارَ مُفْتَرِضًا فَمَا ائْتَمَّ الْحُرُّ إلَّا بِمُفْتَرِضٍ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا تَجِبُ بِالشُّرُوعِ فَيَكُونُ الشُّرُوعُ غَيْرَ وَاجِبٍ فَيَقَعُ الِائْتِمَامُ بِهِ فِيهِ وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَيَتَمَهَّدُ الْفَرْقُ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ. قُلْت: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ إلَّا قَوْلَهُ فَالْوَاجِبُ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَهُوَ مَفْهُومُ إحْدَاهُمَا فَإِنَّهُ لَيْسَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ هُوَ مَفْهُومُ إحْدَاهُمَا بَلْ مَفْهُومُ إحْدَاهُمَا وَاحِدَةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَالُوا الْعَبْدُ لَا يَؤُمُّ فِي الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الْمُفْتَرِضَ لَا يَأْتَمُّ بِالْمُتَنَفِّلِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت: مَا قَالَهُ فِيهَا غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ جَعَلَهَا مِنْ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ وَمُوقِعُ نَوْعَيْ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ أَوْ أَنْوَاعِهِ لَا يُوقِعُ إلَّا وَاجِبًا فَالْعَبْدُ إذَا اخْتَارَ إيقَاعَ الْجُمُعَةِ لَا تَقَعُ إلَّا وَاجِبَةً فَالْحُرُّ إذَا اقْتَدَى بِهِ لَمْ يَكُنْ مُفْتَرِضًا ائْتَمَّ بِمُتَنَفِّلٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْخُصُوصَاتِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ مُسَلَّمٌ لَكِنْ مِنْ حَيْثُ هِيَ خُصُوصَاتٌ مُعَيَّنَاتٌ لَا مِنْ حَيْثُ هِيَ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْعُمُومِ فَإِنَّ الْعُمُومَ عَلَى مَا الْتَزَمَهُ هُوَ وَاجِبٌ وَهَلْ يُمْكِنُ إيقَاعُ الْعَامِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ عَامٌّ هَذَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ مِنْ حَيْثُ الْخُصُوصِ الشَّخْصِيِّ خَاصَّةً لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ بِوَجْهٍ فَالْعَامُّ عَلَى هَذَا لَا يَقَعُ إلَّا فِي الْخَاصِّ وَهَذَا كُلُّهُ مُجَارَاةٌ لَهُ عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْنَى الْعَامِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ عَامٌّ وَذَلِكَ عِنْدَ التَّحْقِيقِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنَّمَا هُوَ أَعْنِي الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ بِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمَعْنَى الْعَامُّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمُشْتَرَكُ وَعَلَى هَذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ الْوُجُوبُ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ إلَّا بِخُصُوصٍ لَكِنَّهُ خُصُوصٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْ قِبَلِ الْآمِرِ وَتَعَيُّنُهُ مَوْكُولٌ إلَى خِيرَةِ الْمَأْمُورِ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاضِحٌ وَبَاقِي الْبَحْثِ فِي الْمَسْأَلَةِ مَوْكُولٌ إلَى عِلْمِ الْأُصُولِ، وَبَيَانُ بَعْضِ تَفَاصِيلِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ لِيَظْهَرَ وَجْهُهَا وَنَتَبَيَّنَ صِحَّتَهَا بِحَوْلِ اللَّهِ هُوَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الْخَلْقَ غَيْرَ عَالِمِينَ بِوُجُوهِ مَصَالِحِهِمْ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: 78] ثُمَّ وَضَعَ فِيهِمْ الْعِلْمَ بِذَلِكَ عَلَى التَّدْرِيجِ وَالتَّرْبِيَةِ تَارَةً بِالْإِلْهَامِ كَمَا يُلْهِمُ الطِّفْلَ الْتِقَامَ الثَّدْيِ وَمَصَّهُ وَتَارَةً بِالتَّعْلِيمِ فَطَلَبَ النَّاسَ بِالتَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ لِجَمِيعِ مَا يُسْتَجْلَبُ بِهِ الْمَصَالِحُ أَوْ كَافَّةِ مَا تُدْرَأُ بِهِ الْمَفَاسِدُ إنْهَاضًا لِمَا جُبِلَ فِيهِمْ مِنْ تِلْكَ الْغَرَائِزِ الْفِطْرِيَّةِ وَالْمَطَالِبِ الْإِلْهَامِيَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَالْأَصْلِ لِلْقِيَامِ بِتَفَاصِيلِ الْمَصَالِحِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْأَفْعَالِ أَوْ الْأَقْوَالِ أَوْ الْعُلُومِ وَالِاعْتِقَادَاتِ أَوْ الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ الْعَادِيَّةِ. وَفِي أَثْنَاءِ الْعِنَايَةِ بِذَلِكَ يَقْوَى فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَلْقِ مَا فُطِرَ عَلَيْهِ وَمَا أُلْهِمَ إلَيْهِ مِنْ تَفَاصِيلِ الْأَحْوَالِ وَالْأَعْمَالِ فَيَظْهَرُ فِيهِ وَعَلَيْهِ وَيَبْرُزُ فِيهِ أَقْرَانَهُ مِمَّنْ لَمْ يُهَيَّأْ تِلْكَ التَّهْيِئَةَ فَلَا يَأْتِي زَمَانُ التَّعَقُّلِ إلَّا وَقَدْ نَجَمَ عَلَى ظَاهِرِهِ مَا فُطِرَ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِيَّتِهِ فَتَرَى وَاحِدًا قَدْ تَهَيَّأَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ وَآخَرَ لِطَلَبِ الرِّيَاسَةِ وَآخَرَ لِلتَّصَنُّعِ بِبَعْضِ الْمِهَنِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا وَآخَرَ لِلصِّرَاعِ وَالنِّطَاحِ إلَى سَائِرِ الْأُمُورِ، هَذَا وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ قَدْ غُرِزَ فِيهِ التَّصَرُّفُ الْكُلِّيُّ فَلَا بُدَّ فِي غَالِبِ الْعَادَةِ مِنْ غَلَبَةِ الْبَعْضِ عَلَيْهِ فَيَرِدُ التَّكْلِيفُ عَلَيْهِ مُعَلِّمًا وَمُؤَدِّبًا فِي حَالَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا فَعِنْدَ ذَلِكَ يَنْهَضُ الطَّلَبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ فِي نَفْسِهِ مِنْ تِلْكَ الْمَطْلُوبَاتِ بِمَا هُوَ نَاهِضٌ فِيهِ وَيَتَعَيَّنُ عَلَى النَّاظِرِينَ فِيهِمْ الِالْتِفَاتُ إلَى تِلْكَ الْجِهَاتِ فَيُرَاعُونَهُمْ بِحَسَبِهَا وَيُرَاعُونَهَا إلَى أَنْ تَخْرُجَ فِي أَيْدِيهِمْ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَيُعِينُونَهُمْ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا وَيُحَرِّضُونَهُمْ عَلَى الدَّوَامِ فِيهَا حَتَّى يَبْرُزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا غَلَبَ عَلَيْهِ وَمَالَ إلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْخُطَطِ، ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِهَا فَيُعَامِلُونَهُمْ بِمَا يَلِيقُ بِهِمْ لِيَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا إذَا صَارَتْ لَهُمْ كَالْأَوْصَافِ الْفِطْرِيَّةِ وَالْمُدْرَكَاتِ الضَّرُورِيَّةِ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَحْصُلُ الِانْتِفَاعُ وَتَظْهَرُ نَتِيجَةُ تِلْكَ التَّرْبِيَةِ. فَإِذَا فُرِضَ مَثَلًا وَاحِدٌ مِنْ الصِّبْيَانِ ظَهَرَ عَلَيْهِ حُسْنُ إدْرَاكٍ وَجَوْدَةُ فَهْمٍ وَوُفُورُ حِفْظٍ لِمَا يَسْمَعُ وَإِنْ كَانَ مُشَارِكًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْصَافِ مِيلَ بِهِ نَحْوَ ذَلِكَ الْقَصْدِ وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى النَّاظِرِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ مُرَاعَاةً لِمَا يُرْجَى فِيهِ مِنْ الْقِيَامِ بِمَصْلَحَةِ التَّعْلِيمِ فَطُلِبَ بِالتَّعَلُّمِ وَأُدِّبَ بِالْآدَابِ الْمُشْتَرَكَةِ بِجَمِيعِ الْعُلُومِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُمَالَ مِنْهَا

غَيْرُ وَاجِبٍ قِيلَ فَإِنْ كَانَ الشُّرُوعُ غَيْرَ وَاجِبٍ فَقَدْ أَجْزَأَهُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَهِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ فَخُصُوصُ الْجُمُعَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ وَغَيْرُ الْوَاجِبِ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ فَكَيْفَ أَجْزَأْته تَكْبِيرَةُ إحْرَامِهِ فَقِيلَ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ أَيْضًا فِيهَا خُصُوصٌ وَهُوَ كَوْنُهَا بِالْجُمُعَةِ وَعُمُومٌ وَهُوَ كَوْنُهَا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ فَالْوَاجِبُ عَلَى الْعَبْدِ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ أَمَّا بِالْجُمُعَةِ وَأَمَّا بِالظُّهْرِ فَإِذَا أَحْرَمَ بِالْجُمُعَةِ فَقَدْ عَيَّنَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي إحْرَامٍ خَاصٍّ، وَكَذَلِكَ نَقُولُ إذَا أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ الرُّبَاعِيَّةِ أَيْضًا خُصُوصُ إحْرَامِهِ غَيْرُ وَاجِبٍ بَلْ يُعَيِّنُ الْوَاجِبَ وَإِذَا عَقِلْتَ ذَلِكَ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَاعْقِلْهُ فِي بَقِيَّةِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَفِي الرُّكُوعِ خُصُوصٌ غَيْرُ وَاجِبٍ وَعُمُومٌ وَاجِبٌ وَهُوَ مُطْلَقُ الرُّكُوعِ، وَفِي السُّجُودِ خُصُوصٌ غَيْرُ وَاجِبٍ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي جُمُعَةٍ أَوْ فِي ظُهْرٍ وَعُمُومٌ وَاجِبٌ وَهُوَ مُطْلَقٌ السُّجُودِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأَرْكَانِ فَيَكُونُ الْحُرُّ إذَا اقْتَدَى بِهِ فِي الْخُصُوصِيَّاتِ وَهِيَ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ وَعَلَى الْعَبْدِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ تَكُونُ مِنْ بَابِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فَيَمْتَنِعُ ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا الْبَحْثِ أَنْ لَا يَقْتَدِيَ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ فِي ظُهْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إذَا صَلَّاهَا أَرْبَعًا أَيْضًا فَإِنَّهُ غَيْرُ مُفْتَرِضٍ بِالْخُصُوصِيَّاتِ بِخِلَافِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي ظُهْرِ غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ مُفْتَرِضٌ بِالْخُصُوصِيَّاتِ وَالْعُمُومِ فَاسْتَوَى الْحُرُّ مَعَهُ فِي ذَلِكَ فَصَحَّ الِاقْتِدَاءُ مَعَ أَنِّي لَمْ أَذْكُرْ أَنِّي رَأَيْت هَذَا الْفَرْعَ مَنْقُولًا غَيْرَ أَنَّهُ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ وَيَلْحَقُ بِالْعَبْدِ فِي هَذِهِ الْمَبَاحِثِ الْمُسَافِرُ وَالْمَرْأَةُ وَنَحْوُهُمَا حَرْفًا بِحَرْفٍ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَعْدِيدِ الْمَسَائِلِ بِذِكْرِهِمْ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الْمُسَافِرُ فِي رَمَضَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ إمَّا شَهْرُ الْأَدَاءِ أَوْ شَهْرُ الْقَضَاءِ فَإِذَا اخْتَارَ صَوْمَ رَمَضَانَ فَهُوَ فَاعِلٌ لِخُصُوصٍ غَيْرِ وَاجِبٍ وَهُوَ كَوْنُهُ رَمَضَانَ وَعُمُومٌ وَاجِبٌ وَهُوَ كَوْنُهُ أَحَدَ الشَّهْرَيْنِ فَأَجْزَأَ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ رَمَضَانَ وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَارَ شَهْرَ الْقَضَاءِ فَخُصُوصُهُ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ خُصُوصُ الْقَضَاءِ لِتَعَذُّرِ غَيْرِهِ لَا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِخُصُوصِهِ كَمَا يَتَعَيَّنُ ـــــــــــــــــــــــــــــSهُوَ الصَّحِيحُ لَا مَا سِوَاهُ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الْمُسَافِرُ فِي رَمَضَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ إمَّا شَهْرُ الْأَدَاءِ أَوْ شَهْرُ الْقَضَاءِ قُلْت: ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ (فَإِذَا اخْتَارَ صَوْمَ رَمَضَانَ فَهُوَ فَاعِلٌ لِخُصُوصٍ غَيْرِ وَاجِبٍ وَهُوَ كَوْنُهُ رَمَضَانَ وَعُمُومٍ وَاجِبٍ وَهُوَ كَوْنُهُ أَحَدَ الشَّهْرَيْنِ فَأَجْزَأَ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ رَمَضَانَ) قُلْت: مَا قَالَهُ هُنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ إذَا اخْتَارَ صِيَامَ رَمَضَانَ فَهُوَ فَاعِلٌ لِخُصُوصٍ وَاجِبٍ وَكَيْفَ لَا يَكُونُ وَاجِبًا وَهُوَ قَدْ عَيَّنَهُ لِإِيقَاعِ الْوَاجِبِ كَمَا فُوِّضَ إلَيْهِ تَعْيِينُهُ وَقَوْلُهُ فَأَجْزَأَ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ صَحِيحٌ، وَقَوْلُهُ لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ رَمَضَانَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَهَلْ رَمَضَانُ إلَّا أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ وَهَلْ أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ إلَّا رَمَضَانُ. قَالَ (وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَارَ شَهْرَ الْقَضَاءِ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى بَعْضٍ فَيُؤْخَذَ بِهِ وَيُعَانَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ رَبَّانِيُّو الْعُلَمَاءِ، فَإِذَا دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ فَمَالَ بِهِ طَبْعُهُ إلَيْهِ عَلَى الْخُصُوصِ وَأَحَبَّهُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ تُرِكَ وَمَا أَحَبَّ وَخُصَّ بِأَهْلِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ إنْهَاضُهُ فِيهِ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهُ مَا قُدِّرَ لَهُ مِنْ غَيْرِ إهْمَالٍ لَهُ وَلَا تَرْكٍ لِمُرَاعَاتِهِ، ثُمَّ إنْ وَقَفَ هُنَالِكَ فَحَسَنٌ وَإِنْ طَلَبَ الْأَخْذَ فِي غَيْرِهِ أَوْ طَلَبَ بِهِ فَعَلَ مَعَهُ فِيهِ مَا فَعَلَ فِيمَا قَبْلَهُ هَكَذَا إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ كَمَا لَوْ بَدَأَ بِعِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ مَثَلًا فَإِنَّهُ الْأَحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ فَإِنَّهُ يُصَرَّفُ إلَى مُعَلِّمِيهَا فَصَارَ مِنْ رَعِيَّتِهِمْ وَصَارُوا هُمْ رُعَاةً لَهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ حِفْظُهُ فِيمَا طَلَبَ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ وَبِهِمْ، فَإِذَا انْتَهَضَ عَزْمُهُ بَعْدُ إلَى أَنَّ صَارَ يَحْذِقُ الْقُرْآنَ صَارَ مِنْ رَعِيَّةِ مُفَسِّرِيهِ وَصَارُوا هُمْ رُعَاةً لَهُ كَذَلِكَ. وَمِثْلُهُ إنْ طَلَبَ الْحَدِيثَ أَوْ التَّفَقُّهَ فِي الدِّينِ إلَى سَائِرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرِيعَةِ مِنْ الْعُلُومِ وَهَكَذَا التَّرْتِيبُ فِيمَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ وَصْفُ الْإِقْدَامِ وَالشَّجَاعَةِ وَتَدْبِيرِ الْأُمُورِ فَيُمَالُ بِهِ نَحْوَ ذَلِكَ وَيُعَلَّمُ آدَابَهُ الْمُشْتَرَكَةَ ثُمَّ يُصَارُ بِهِ إلَى مَا هُوَ الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى مِنْ صَنَائِعِ التَّدْبِيرِ كَالْعِرَافَةِ أَوْ النِّقَابَةِ أَوْ الْجُنْدِيَّةِ أَوْ الْهِدَايَةِ أَوْ الْإِمَامَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَلِيقُ بِهِ وَمَا ظَهَرَ لَهُ فِيهِ نَجَابَةٌ وَنُهُوضٌ وَبِذَلِكَ يَتَرَبَّى لِكُلِّ فِعْلٍ هُوَ فَرْضُ كِفَايَةِ قَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ سَيْرٌ أَوَّلًا فِي طَرِيقٍ مُشْتَرَكٍ فَحَيْثُ وَقَفَ السَّائِرُ وَعَجَزَ عَنْ السَّيْرِ فَقَدْ وَقَفَ فِي مَرْتَبَةٍ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ كَانَ بِهِ قُوَّةٌ زَادَ فِي السَّيْرِ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى أَقْصَى الْغَايَاتِ فِي الْمَفْرُوضَاتِ الْكِفَائِيَّةِ وَهِيَ الَّتِي يَنْدُرُ مَنْ يَصِلُ إلَيْهَا كَالِاجْتِهَادِ فِي الشَّرِيعَةِ وَالْإِمَارَةِ فَبِذَلِكَ تَسْتَقِيمُ أَحْوَالُ الدُّنْيَا وَأَعْمَالُ الْآخِرَةِ فَلَيْسَ التَّرَقِّي فِي طَلَبِ الْكِفَايَةِ عَلَى تَرْتِيبٍ وَاحِدٍ وَلَا هُوَ عَلَى الْكَافَّةِ بِإِطْلَاقٍ وَلَا عَلَى الْبَعْضِ بِإِطْلَاقٍ وَلَا هُوَ مَطْلُوبٌ مِنْ حَيْثُ الْمَقَاصِدِ دُونَ الْوَسَائِلِ وَلَا بِالْعَكْسِ بَلْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُنْظَرَ فِيهِ نَظَرٌ وَاحِدٌ حَتَّى يُفَصَّلَ بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا التَّفْصِيلِ وَيُوَزَّعُ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِمِثْلِ هَذَا التَّوْزِيعِ وَإِلَّا لَمْ يَنْضَبِطْ الْقَوْلُ فِيهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ مِنْ التَّجَوُّزِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ بِذَلِكَ الْفَرْضِ قِيَامٌ بِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ فَهُمْ مَطْلُوبُونَ بِسَدِّهَا عَلَى الْجُمْلَةِ فَبَعْضُهُمْ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا مُبَاشَرَةً وَذَلِكَ مَنْ كَانَ لَهَا أَهْلًا وَالْبَاقُونَ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَادِرُونَ عَلَى إقَامَةِ الْقَادِرِينَ فَمَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْوِلَايَةِ فَهُوَ مَطْلُوبٌ بِإِقَامَتِهَا وَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا مَطْلُوبٌ بِأَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ إقَامَةُ ذَلِكَ الْقَادِرِ وَإِجْبَارُهُ عَلَى الْقِيَامِ

[الفرق بين قاعدة إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب وبين قاعدة تعين الواجب]

آخِرَ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِتَعَذُّرِ مَا قَبْلَهُ وَتَعَذُّرِ غَيْرِهِ لَا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ فَفَرَّقَ بَيْنَ قَضَاءِ رَمَضَانَ عَلَى الْمُفَرِّطِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ فِي حَقَّةِ الْأَدَاءُ وَبَيْنَ الْقَضَاءِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُفَرِّطِ وَاجِبٌ بِخُصُوصِهِ وَعُمُومِهِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ وَعَلَى الْمُسَافِرِ بِسَبَبَيْنِ أَحَدُهُمَا رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فَإِنَّهَا أَوْجَبَتْ الْعُمُومَ الَّذِي فِي الْقَضَاءِ وَهُوَ كَوْنُهُ أَحَدَ الشَّهْرَيْنِ، وَثَانِيهِمَا خُرُوجُ شَهْرِ الْأَدَاءِ وَلَمْ يَصُمْ فِيهِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ خُصُوصَ الْقَضَاءِ فَتَأَمَّلْ الْفَرْقَ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْمَرِيضُ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ لَكِنْ مَعَ مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ لَا يَخْشَى مَعَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ فَهَذَا يُسْقِطُ عَنْهُ الْخِطَابَ بِخُصُوصِ رَمَضَانَ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ وَيَبْقَى مُخَاطَبًا بِأَحَدِ الشَّهْرَيْنِ إمَّا شَهْرُ الْأَدَاءِ أَوْ شَهْرُ الْقَضَاءِ وَيَتَعَيَّنُ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِ بِالسَّبَبَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ حَرْفًا بِحَرْفٍ فَإِنْ كَانَ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ أَوْ مَنْفَعَةٍ مِنْ مَنَافِعِهِ فَهَذَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِ الصَّوْمَ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْأَدَاءُ لِلتَّحْرِيمِ وَالْقَضَاءِ لِلْوُجُوبِ إنْ بَقِيَ مُسْتَجْمِعَ الشَّرَائِطِ سَالِمَ الْمَوَانِعِ فِي زَمَانِ الْقَضَاءِ، فَإِنْ أَقْدَمَ وَصَامَ وَفَعَلَ الْمُحَرَّمَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ غَيْرُ الْوَاجِبِ بَعْدَ عُمُومِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَهَلْ يُجْزِئُ عَنْهُ؟ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى: يَحْتَمِلُ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ وَيَحْتَمِلُ الْإِجْزَاءَ كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنَّهُ مُتَقَرِّبٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِتَرْكِ شَهْوَتَيْ فَمِهِ وَفَرْجِهِ جَانٍ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ مُتَقَرِّبٌ إلَى اللَّهِ بِرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَتَعْظِيمِهِ وَإِجْلَالِهِ وَجَانٍ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ وَهُوَ تَخْرِيجٌ حَسَنٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSلِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ) قُلْت: مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ. قَالَ (مُفَرِّقٌ بَيْنَ قَضَاءِ رَمَضَانَ عَلَى الْمُفَرِّطِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِ الْأَدَاءُ وَبَيْنَ الْقَضَاءِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ آخِرَ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت: أَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُفَرِّطِ وَاجِبٌ بِخُصُوصِهِ وَعُمُومِهِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَصَحِيحٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَعَلَى الْمُسَافِرِ بِسَبَبَيْنِ: أَحَدُهُمَا رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فَإِنَّهَا أَوْجَبَتْ الْعُمُومَ الَّذِي فِي الْقَضَاءِ وَهُوَ كَوْنُهُ أَحَدَ الشَّهْرَيْنِ فَلَمْ تُوجِبْ الرُّؤْيَةُ الْعُمُومَ فَإِنَّ الْعُمُومَ مِنْ حَيْثُ هُوَ عُمُومٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ وَلَيْسَ الْعُمُومُ هُوَ كَوْنُهُ أَحَدَ الشَّهْرَيْنِ بَلْ أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ خُصُوصٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْمَرِيضُ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ لَكِنْ مَعَ مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ لَا يَخْشَى مَعَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ فَهَذَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْخِطَابُ بِخُصُوصِ رَمَضَانَ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ وَيَبْقَى مُخَاطَبًا بِأَحَدِ الشَّهْرَيْنِ إلَى قَوْلِهِ إنْ بَقِيَ مُسْتَجْمِعَ الشَّرَائِطِ سَالِمَ الْمَوَانِعِ فِي زَمَنِ الْقَضَاءِ قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْقَضَاءُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَدَاءِ صَحِيحٌ. قَالَ (فَإِنْ أَقْدَمَ وَصَامَ وَفَعَلَ الْمُحَرَّمَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ غَيْرُ الْوَاجِبِ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ تَخْرِيجٌ حَسَنٌ) قُلْت: مَا قَالَهُ ظَاهِرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَا فَالْقَادِرُ إذًا مَطْلُوبٌ بِإِقَامَةِ الْفَرْضِ وَغَيْرُ الْقَادِرِ مَطْلُوبٌ بِتَقْدِيمِ ذَلِكَ الْقَادِرِ إذْ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى قِيَامِ الْقَادِرِ إلَّا بِالْإِقَامَةِ مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَبِهَذَا الْوَجْهِ يَرْتَفِعُ مَنَاطُ الْخِلَافِ فَلَا يَبْقَى لِلْمُخَالَفَةِ وَجْهٌ ظَاهِرٌ اهـ كَلَامُ أَبِي إِسْحَاقَ بِتَغْيِيرٍ مَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَعَيُّنِ الْوَاجِبِ] (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَعَيُّنِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَتَيْنِ: الْأُولَى: أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْقَاعِدَةِ الْأُولَى خُصُوصٌ مُعَيَّنٌ مِنْ قِبَلِ الْآمِرِ لَا مَوْكُولٌ تَعَيُّنُهُ إلَى خِيرَةِ الْمَأْمُورِ وَالْوَاجِبُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ خُصُوصٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْ قِبَلِ الْآمِرِ وَإِنَّمَا تَعَيُّنُهُ مَوْكُولٌ إلَى خِيرَةِ الْمَأْمُورِ، وَالْجِهَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى لَمَّا تَعَيَّنَ فِيهَا الْوَاجِبُ مِنْ قِبَلِ الْآمِرِ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ إجْزَاءِ غَيْرِهِ عَنْهُ وَإِنَّمَا جَرَى إجْزَاءُ غَيْرِ الْوَاجِبِ عَنْهُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِي إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فِي الْمَذْهَبِ أَشَارَ لَهَا الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزَّوَاوِيُّ كَمَا فِي كَبِيرِ مَيَّارَةَ عَلَى نَظْمِ ابْنِ عَاشِرٍ بِقَوْلِهِ: مَسَائِلُ يَجْرِي نَقْلُهَا عَنْ فَرِيضَةٍ ... شُذُوذًا فَلَا تَتْبَعْ سِوَى قَوْلِ شُهْرَةِ مُجَدِّدٌ طَهُرَ سَاهِيًا وَهُوَ مُحْدِثٌ ... وَلُمْعَةُ عُضْوٍ طَهُرَتْ بِفَضِيلَةِ وَآتٍ بِغُسْلٍ سَاهِيًا عَنْ جَنَابَةٍ ... نَوَى جُمُعَةً وَاحْكُمْ لِتَارِكِ سَجْدَةِ مِنْ الْفَرْضِ يَأْتِي بِالسُّجُودِ لِسَهْوِهِ ... وَمُبْطِلُهَا يَأْتِي بِخَامِسِ رَكْعَةِ وَمَنْ لَمْ يُسَلِّمْ ظَنَّ فِيهَا سَلَامَهُ ... وَآتٍ بِنَفْلٍ قَبْلَ خَتْمِ فَرِيضَةِ وَمَنْ لَمْ يُسَلِّمْ أَوْ يَظُنُّ سَلَامَهُ ... لِثَالِثَةٍ قَدْ قَامَ فَافْهَمْ بِصُورَةِ وَيُجْزِئُ فِي الْمَشْهُورِ مَنْ طَافَ عِنْدَهُمْ ... طَوَافَ وَدَاعٍ ذَاهِلًا عَنْ إفَاضَةِ وَذُو مُتْعَةٍ قَدْ سَاقَ هَدْيَ تَطَوُّعٍ ... فَيُجْزِئُ قَدْ قَالُوا لِوَاجِبِ مُتْعَةِ وَقَدْ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إذَا رَمَى ... جِمَارًا لِسَهْوٍ لَا يُعِيدُ لِجَمْرَةِ وَبَيَانُهَا أَنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مُحْتَوٍ عَلَى ثَلَاثِ مَسَائِلَ مِنْ الطَّهَارَةِ وَقَعَتْ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى قَوْلَيْنِ بِالْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ مَشْهُورُهُمَا الثَّانِي وَذَكَرَهَا الْأَصْلُ بِقَوْلِهِ: الْأُولَى: إذَا تَوَضَّأَ مُجَدِّدًا ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا هَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ. الثَّانِيَةُ: إذَا اغْتَسَلَ لِجُمُعَةٍ نَاسِيًا لِجَنَابَتِهِ الْمَذْهَبُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَقِيلَ تُجْزِئُ الثَّالِثَةُ: إذَا نَسِيَ لُمْعَةً مِنْ الْغَسْلَةِ الْأُولَى فِي وُضُوئِهِ وَكَانَ غَسْلُهَا بِنِيَّةِ السُّنَّةِ

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) الصَّبِيُّ إذَا صَلَّى بَعْدَ الزَّوَالِ ثُمَّ بَلَغَ فِي الْقَامَةِ قَالَ مَالِكٌ: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ مَرَّةً أُخْرَى؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ وُجِدَ فِي حَقِّهِ وَهُوَ مَا قَارَنَهُ مِنْ إجْزَاءِ الْقَامَةِ فِي زَمَنِ بُلُوغِهِ وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَهُوَ مَا أَوْقَعَهُ أَوَّلًا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ الَّذِي تَوَجَّهَ عَلَيْهِ ثَانِيًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ الزَّوَالَ مَثَلًا إنَّمَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَبَبًا لِوُجُوبِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ فَعَلَهَا فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ صَلَاةً أُخْرَى لَكَانَ الزَّوَالُ سَبَبًا لِوُجُوبِ صَلَاتَيْنِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَامَةَ كُلَّهَا أَسْبَابٌ فَجَمِيعُ أَجْزَائِهَا ظَرْفٌ لِلْوُجُوبِ وَسَبَبٌ لِلْوُجُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي هَذَا الْفَرْقِ فَالْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ الْقَامَةِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ سَبَبٌ لِلْفِعْلِ وَالْجُزْءُ الَّذِي قَارَنَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى وَنَحْنُ نَمْنَعُ أَنَّ الزَّوَالَ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِصَلَاتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ فِي كُلِّ صُورَةٍ فَيَكُونَ ذَلِكَ مُصَادَرَةً عَلَى صُورَةِ النِّزَاعِ وَإِنْ ادَّعَاهُ فِيمَا عَدَا صُورَةَ النِّزَاعِ فَلَا يُمْكِنُهُ إلْحَاقُ صُورَةِ النِّزَاعِ بِصُورَةِ الْإِجْمَاعِ إلَّا بِالْقِيَاسِ فَإِذَا قَاسَ فَرَّقْنَا بِأَنَّ صُورَةَ النِّزَاعِ وُجِدَ فِيهَا حَالَتَانِ تَقْتَضِيَانِ الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ وَهُمَا الصِّبَا وَالْبُلُوغُ بِخِلَافِ صُورَةِ الْإِجْمَاعِ لَيْسَ فِيهَا إلَّا حَالَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَانَتْ الصَّلَاةُ وَاحِدَةً لِاتِّحَادِ الشَّرْطِ أَمَّا مَعَ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ وَاخْتِلَافِهِ جَازَ اخْتِلَافُ الْمَشْرُوطِ وَالصِّبَا شَرْطٌ فِي تَوَجُّهِ النَّدْبِ وَالْبُلُوغُ شَرْطٌ فِي تَوَجُّهِ الْوُجُوبِ. (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْمَآلِ) فَالْأَوَّلُ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ وَالثَّانِي قَدْ يُجْزِئُ عَنْهُ وَيَتَّضِحُ الْفَرْقُ بِذِكْرِ ثَلَاثِ مَسَائِلَ: (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الزَّكَاةُ إذَا عُجِّلَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ إمَّا بِالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ عِنْدَنَا وَإِمَّا فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَهَذَا الْمُعَجَّلُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَإِنَّ دَوَرَانَ الْحَوْلِ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَالْمَشْرُوطُ لَا يُوجَدُ قَبْلَ شَرْطِهِ، فَإِذَا دَارَ الْحَوْلُ وَتَوَجَّهَ الْخِطَابُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ أَجْزَأَ عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْمُخْرَجِ وَبَيْنَ مَا إذَا نَوَى بِإِخْرَاجِهِ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ فَلَمْ تُجْزِئْ عَنْهُ وَأَمَّا الْمُعَجِّلُ لِلزَّكَاةِ فَهُوَ قَاصِدٌ بِالْمُخْرَجِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) الصَّبِيُّ إذَا صَلَّى بَعْدَ الزَّوَالِ ثُمَّ بَلَغَ فِي الْقَامَةِ، قَالَ مَالِكٌ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ مَرَّةً أُخْرَى إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ قُلْت: مَا قَالَهُ فِيهَا صَحِيحٌ. قَالَ (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْمَآلِ إلَى آخِرِهِ) قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ احْتِمَالِ الْخِلَافِ ظَاهِرٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ لَا بَأْسَ بِهِ وَالْأَصَحُّ نَظَرُ امْتِنَاعِ التَّقْدِيمِ فِي الزَّكَاةِ وَلُزُومُ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَنَفِيَّةِ فَيُصَادِمُهُمْ الْإِجْمَاعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ كَالتَّجْدِيدِ اهـ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ لَا يَكُونَ الْقَائِلُ بِالْإِجْزَاءِ فِي هَذِهِ بَنَى قَوْلَهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَيْ إجْزَاءُ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ بَلْ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوقِعِينَ لِهَذِهِ الطِّهَارَاتِ إنَّمَا أَرَادَ بِهَا إحْرَازَ كَمَالِهَا وَالْكَمَالُ فِي رَأْيِهِ يَتَضَمَّنُ الْأَجْزَاءَ بِخِلَافِ رَأْيِ غَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الْكَمَالَ لَا يَتَضَمَّنُ الْإِجْزَاءَ فَيَكُونُ الْخِلَافُ فِي الْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ مَبْنِيًّا عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فَلَا تَكُونُ هَذِهِ الثَّلَاثُ الْمَسَائِلِ مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ الْقَائِلُ أَيْضًا بِالْإِجْزَاءِ بَنَى قَوْلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ بَلْ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا تَعْيِينُ نِيَّةِ الْفَرْضِ وَلَا نِيَّةِ النَّفْلِ فَلَا يَكُونُ عَلَى هَذَا مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ. اهـ. (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) مُحْتَوٍ عَلَى خَمْسِ مَسَائِلَ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَعَتْ فِي الْمَذْهَبِ أَيْضًا عَلَى قَوْلَيْنِ بِالْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ مَشْهُورُهُمَا الثَّانِي ذَكَرَ الْأَصْلُ مِنْهَا ثَلَاثَةً: الْأُولَى: إذَا سَلَّمَ مِنْ اثْنَيْنِ سَاهِيًا ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ هَلْ تُجْزِئَاهُ عَنْ رَكْعَتَيْ الْفَرْضِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ. الثَّانِيَةُ: إذَا ظَنَّ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ فَرْضِهِ فَصَلَّى بَقِيَّةَ فَرْضِهِ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ هَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ. الثَّالِثَةُ: إذَا سَهَا عَنْ سَجْدَةٍ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقَامَ إلَى خَامِسَةٍ سَاهِيًا هَلْ تُجْزِئُهُ عَنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي نَسِيَ مِنْهَا السَّجْدَةَ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَسْأَلَةُ الْمُسَلِّمِ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَالظَّانِّ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ السَّاهِي عَنْ سَجْدَةٍ مِنْ الْأُولَى الْقَائِمِ إلَى خَامِسَةٍ فَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ إنَّمَا قَامَ فِي الْخَامِسَةِ لِأَدَاءِ بَقِيَّةِ فَرْضِهِ فِيمَا يَعْتَقِدُ الرَّابِعَةُ أَشَارَ لَهَا أَبُو الْعَبَّاسِ الزَّوَاوِيُّ بِقَوْلِهِ: وَاحْكُمْ لِتَارِكِ سَجْدَةٍ ... مِنْ الْفَرْضِ يَأْتِي بِالسُّجُودِ لِسَهْوِهِ يَعْنِي وَاحْكُمْ بِالْإِجْزَاءِ عَلَى مُقَابِلِ الْمَشْهُورِ لِتَارِكِ سَجْدَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ فِي حَالِ إتْيَانِهِ بِسَجْدَةِ سَهْوِهِ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ. الْخَامِسَةُ: أَشَارَ لَهَا أَبُو الْعَبَّاسِ الزَّوَاوِيُّ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ لَمْ يُسَلِّمْ أَوْ يَظُنَّ سَلَامَهُ ... لِثَالِثَةٍ قَدْ قَامَ فَافْهَمْ بِصُورَةِ يَعْنِي وَمَنْ قَامَ مِنْ ثَانِيَةِ فَرْضٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَلِّمَ أَوْ يَظُنَّ السَّلَامَ لِثَالِثَةٍ بِنِيَّةِ النَّفْلِ أَيْضًا أَمَّا إنْ سَلَّمَ أَوْ ظَنَّ السَّلَامَ فَهُمَا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى

الْوَاجِبَ عَلَى تَقْدِيرِ دَوَرَانِ الْحَوْلِ وَلَمْ يَقْصِدْ التَّطَوُّعَ وَإِذَا قَصَدَ بِهِ الْوَاجِبَ فِي الْمَآلِ فَمَا أَجْزَأَ عَنْ الْوَاجِبِ إلَّا وَاجِبٌ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ فِي الْوَاجِبِ الْمُوسِعِ بِآخِرِ الْوَقْتِ وَفِعْلُ الْمُعَجَّلِ قَبْلَ ذَلِكَ نَفْلٌ يَسُدُّ مَسَدَّ الْفَرْضِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ فَقَالَ الْأَصْحَابُ لَهُمْ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ لَصَحَّ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيُجْزِئُ عَنْهُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فَيَكُونُ نَفْلًا سَدَّ مَسَدَّ الْفَرْضِ وَأَجْزَأَ عَنْهُ بَعْدَ طَرَيَانِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَكَذَلِكَ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ لِانْحِصَارِ الْوُجُوبِ عِنْدَكُمْ فِي آخِرِ الْقَامَةِ فَمَا وَقَعَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ سَوَاءٌ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ وَاجِبٍ، فَإِذَا أَجْزَأَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْوَاجِبِ وَجَبَ أَنْ يُجْزِئَ الْآخَرُ عَنْ الْوَاجِبِ، فَإِذَا قُلْتُمْ قَدْ قَصَدَ بِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْمَآلِ عِنْدَ آخِرِ الْوَقْتِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّطَوُّعَ قُلْنَا: وَكَذَلِكَ يَقْصِدُ بِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَيُجْزِئُ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. وَهَذَا السُّؤَالُ قَوِيٌّ جِدًّا فِي بَادِئِ الرَّأْيِ غَيْرَ أَنَّ الْجَوَابَ عَنْهُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَبْلَ الزَّوَالِ إذَا قَصَدَ بِهَا الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْمَآلِ عِنْدَ آخِرِ الْقَامَةِ إنَّمَا وِزَانُهُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ وَيَنْوِي بِهَا مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْمَآلِ عِنْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَدَوَرَانِ الْحَوْلِ وَهَذَا لَا يُجْزِئُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ إيقَاعُ الْفِعْلِ قَبْلَ سَبَبِهِ وَوِزَانُ مَسْأَلَتِنَا الْإِخْرَاجُ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَقَبْلَ الْحَوْلِ؛ فَإِنَّ النِّصَابَ سَبَبٌ وَالزَّوَالُ أَيْضًا سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ آخِرَ الْقَامَةِ كَمَا أَنَّ النِّصَابَ سَبَبُ الْوُجُوبِ بَعْدَ الْحَوْلِ فَالصَّلَاةُ قَبْلَ الزَّوَالِ إنَّمَا وِزَانُهَا الْإِخْرَاجُ قَبْلَ النِّصَابِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيَنْوِي بِهَا الْوَاجِبَ فِي الْمَآلِ فِي أَنَّهُ تَقَدَّمَ عَلَى الْأَسْبَابِ مُطْلَقًا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الزَّوَالِ فِي أَنَّهُ بَعْدَ السَّبَبِ فَلَا يَلْزَمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ وَلَمْ يَكُنْ مَا أَوْقَعَهُ الْمُصَلِّي نَفْلًا مُطْلَقًا لَا يَجِبُ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ بَلْ مَا يَجِبُ فِي الْمَآلِ وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ أَيْضًا بَيْنَ صَلَاتِهِ هَذِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) زَكَاةُ الْفِطْرِ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِيَوْمٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ عِنْدَنَا وَتُجْزِئُ عَنْ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ إذَا تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ سَبَبِهَا وَلَوْ أَخْرَجَ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ لَمْ تُجْزِئْ عَنْهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَخْرَجَهَا بِنِيَّةِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي الْمَآلِ عِنْدَ طَرَيَان السَّبَبِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ فَلَمْ تُجْزِئْ عَنْهُ، فَإِنْ قُلْت فَهَذَا وَاجِبٌ تَقَدَّمَ عَلَى سَبَبِهِ فَإِنَّ سَبَبَ وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ غُرُوبُ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ رَمَضَانَ أَوْ طُلُوعُ الْفَجْرِ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فَالْإِخْرَاجُ قَبْلَ ذَلِكَ إخْرَاجٌ قَبْلَ السَّبَبِ وَهُوَ الْإِخْرَاجُ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ وَالْإِخْرَاجُ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ لَا يُجْزِئُ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا تُجْزِئَ الزَّكَاةُ الْمُخْرَجَةُ هُنَا. قُلْت: سُؤَالٌ حَسَنٌ غَيْرَ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ لَهَا تَعَلُّقٌ بِصَوْمِ رَمَضَانَ فَهِيَ جَابِرَةٌ لِمَا عَسَاهُ اخْتَلَّ عَنْهُ بِالرَّفَثِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ النَّقْصِ كَمَا أَنَّ السُّجُودَ فِي السَّهْوِ جَابِرٌ لِمَا نَقَصَ مِنْ الصَّلَاةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الصَّوْمُ فَيَكُونُ إخْرَاجُهَا بَعْدَ أَحَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ وَلِذَا قَالَ فَافْهَمْ بِصُورَةِ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مُحْتَوٍ عَلَى ثَلَاثِ مَسَائِلَ مِنْ الْحَجِّ وَقَعَتْ فِي الْمَذْهَبِ أَيْضًا عَلَى قَوْلَيْنِ بِالْإِجْزَاءِ وَعَدَمِهِ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ مِنْهُمَا هُنَا الْإِجْزَاءُ ذَكَرَ الْأَصْلُ مِنْهَا وَاحِدَةً. الْأُولَى: إذَا نَسِيَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَقَدْ طَافَ طَوَافَ الْوَدَاعِ وَرَاحَ إلَى بَلَدِهِ أَجْزَأَهُ طَوَافُ الْوَدَاعِ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ كَذَا فِي الْأَصْلِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا قَوْلَيْنِ وَهِيَ مَحَلٌّ لِاحْتِمَالِ الْخِلَافِ اهـ. قُلْت: وَقَدْ صَرَّحَ بِالْخِلَافِ فِيهَا كَغَيْرِهَا وَأَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْهُمَا الْإِجْزَاءُ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ الزَّوَاوِيِّ وَيُجْزِئُ فِي الْمَشْهُورِ مَنْ طَافَ عِنْدَهُمْ طَوَافَ وَدَاعٍ ذَاهِلًا عَنْ إفَاضَةٍ الثَّانِيَةُ أَشَارَ إلَيْهَا أَبُو الْعَبَّاسِ الزَّوَاوِيُّ بِقَوْلِهِ: وَذُو مُتْعَةٍ قَدْ سَاقَ هَدْيَ تَطَوُّعٍ ... فَيُجْزِئُ قَدْ قَالُوا لِوَاجِبِ مُتْعَةِ يَعْنِي أَنَّ الْمُعْتَمِرَ إذَا سَاقَ هَدْيَ التَّطَوُّعِ فِي عُمْرَتِهِ فَلَمَّا حَلَّ مِنْهَا وَجَبَ نَحْرُهُ إلَّا إنْ أَخَّرَهُ لِيَوْمِ النَّحْرِ ثُمَّ بَدَا لَهُ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ وَصَارَ مُتَمَتِّعًا فَإِنَّ هَدْيَ التَّطَوُّعِ يُجْزِئُهُ عَنْ مُتْعَتِهِ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ عِنْدَ سَوْقِهِ أَنَّهُ يَجْعَلُهُ فِي مُتْعَتِهِ عَلَى تَأْوِيلِ سَنَدٍ وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا أَجْزَأَ عَنْ قِرَانِهِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى تَوْضِيحِ الْمَنَاسِكِ لِلْوَالِدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. الثَّالِثَةُ: أَشَارَ لَهَا أَبُو الْعَبَّاسِ الزَّوَاوِيُّ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إذَا رَمَى ... جِمَارَ السَّهْوِ لَا يُعِيدُ لِجَمْرَةِ أَيْ إذَا نَسِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ ثُمَّ رَمَاهَا سَاهِيًا كَمَا وَقَعَ ذَلِكَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ أَيْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ كَمَا فِي كَبِيرِ مَيَّارَةَ عَلَى ابْنِ عَاشِرٍ قُلْت وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ شَيْخِنَا فِي حَاشِيَتِهِ كَمَا أَجْزَأَ أَيْ هَدْيُ التَّطَوُّعِ عَنْ قِرَانِهِ زِيَادَةُ مَسْأَلَةٍ رَابِعَةٍ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَنَظَمْتهَا فِي بَيْتٍ يَلْحَقُ بِنَظْمِ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِي: وَزِدْ قَارِنًا يُجْزِئُهُ هَدْيُ تَطَوُّعٍ ... بِوَاجِبِ هَدْيٍ لِلْقِرَانِ كَمُتْعَةِ وَمِنْ هُنَا اُشْتُهِرَ أَنَّ تَطَوُّعَاتِ الْحَجِّ تُجْزِئُ عَنْ وَاجِبِ جِنْسِهَا فَتَكُونَ جُمْلَةُ النَّظَائِرِ اثْنَيْ عَشْرَ مَسْأَلَةً أَرْبَعَةٌ مِنْ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ شُذُوذًا عَلَى احْتِمَالٍ وَأَرْبَعَةٌ مِنْ ذَلِكَ شُذُوذًا بِدُونِ احْتِمَالٍ وَأَرْبَعَةٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ وَمَا عَدَا هَذِهِ النَّظَائِرَ فَهُوَ جَارٍ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ عَدَمِ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ اتِّفَاقًا

سَبَبَيْهَا الَّذِي هُوَ الْخَلَلُ الْوَاقِعُ فِي الصَّوْمِ وَالْحُكْمُ إذَا تَوَسَّطَ بَيْنَ سَبَبَيْهِ أَوْ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ جَرَى فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ بِخِلَافِ تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِمَا وَفِي الْإِخْرَاجِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا فَلَا جَرَمَ لَمْ يُجْزِئْ وَهَاهُنَا تَوَسَّطَ وَهُوَ سَبَبُ الْإِجْزَاءِ فَظَهَرَ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْمَآلِ وَأَنَّ الْأَوَّلَ أَبْعَدُ فِي الْإِجْزَاءِ عَنْ الْوَاجِبِ مِنْ إجْزَاءِ الثَّانِي عَنْ الْوَاجِبِ. (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ مِلْكًا مُحَقَّقًا يَقْتَضِي الْعِتْقَ عَلَى الْمَالِكِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ مِلْكًا مُقَدَّرًا لَا يَقْتَضِي الْعِتْقَ عَلَى الْمَالِكِ) وَذَلِكَ أَنَّ الْمِلْكَ الْمُحَقَّقَ هُوَ أَنْ يُحَقَّقَ تَنَافِيهِ بِإِجْلَالِ الْآبَاءِ وَاحْتِرَامِ الْأَبْنَاءِ فَيُعْتَقُ الْأَبْنَاءُ وَالْآبَاءُ بِهِ وَغَيْرُهُمْ فِيهِ الْخِلَافُ فَمَنْ اشْتَرَى أَبَاهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ فَقِبَلَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَقَدْ مَلَكَهُ مِلْكًا مُحَقَّقًا فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا إنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَعْتِقْ عَنْ كَفَّارَةٍ عَلَيَّ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِك فَأَعْتَقَ عَنْهُ أَبَا الطَّالِبِ لِلْعِتْقِ الَّذِي عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْعِتْقَ يَصِحُّ وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ الْعِتْقِ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ فَلِأَجْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَثُبُوتِ الْوَلَاءِ يَتَعَيَّنُ تَقْدِيرُ الْمِلْكِ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ قَبْلَ صُدُورِ الْعِتْقِ فِي الزَّمَنِ الْفَرْدِ حَتَّى يَكُونَ الْعِتْقُ فِي مِلْكٍ لَهُ فَتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَيَصِيرَ الْوَلَاءُ لَهُ بِمُقْتَضَى الْعِتْقِ فِي مِلْكِهِ فَهَذَا مِلْكٌ مُقَدَّرٌ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ لِضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ لَا إنَّهُ مِلْكٌ مُحَقَّقٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الْمِلْكِ الْمُقَدَّرِ هُوَ أَنَّ بِالْمَمْلُوكِ مِنْ جِهَةِ مَنْ قُدِّرَ الْمِلْكُ لَهُ فَإِنَّ الْوَاقِعَ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَإِنَّمَا الشَّرْعُ أَعْطَى هَذَا الْمِلْكَ الْمَعْدُومَ حُكْمَ الْمَوْجُودِ وَالْوَاقِعُ الْمُحَقَّقُ عَدَمُ الْمِلْكِ فَلَا جَرَمَ لَا يَلْزَمُ بِهَذَا الْمِلْكِ الْمُقَدَّرِ عِتْقٌ بَلْ يَقَعُ عِتْقُ وَالِدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَتُجْزِئُ عَنْهُ، وَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ عَتَقَ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ لَمْ يُجْزِئْ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ عِتْقَهُ بِسَبَبٍ غَيْرِ الْعَتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَا يُجْزِئُ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ. (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ رَفْعِ الْوَاقِعَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَقْدِيرِ ارْتِفَاعِهَا) هَاتَانِ الْقَاعِدَتَانِ تَلْتَبِسَانِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْفُضَلَاءِ مَعَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى قَاعِدَةُ امْتِنَاعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ مِلْكًا مُحَقَّقًا يَقْتَضِي الْعِتْقَ عَلَى الْمَالِكِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ مِلْكًا مُقَدَّرًا لَا يَقْتَضِي الْعِتْقَ عَلَى الْمَالِكِ إلَى آخِرِهِ) قُلْت: هَذَا الْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى لُزُومِ تَقْدِيرِ الْمِلْكِ فِيمَا مَثَّلَ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ تَقْدِيرَ الْمِلْكِ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِاللَّازِمِ فَلَا مَانِعَ مِنْ إجْزَاءِ الْعِتْقِ عَنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مِلْكِهِ لِمَنْ أَعْتَقَهُ عَنْهُ. قَالَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ رَفْعِ الْوَاقِعَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَقْدِيرِ ارْتِفَاعِهَا إلَى آخِرِهِ) قُلْت: جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلَوْ صَلَّى الْإِنْسَانُ أَلْفَ رَكْعَةٍ مَا أَجْزَأَتْ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْ دَفَعَ أَلْفَ دِينَارٍ صَدَقَةً مَا أَجْزَأَتْ عَنْ دِينَارِ الزَّكَاةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَمِنْ هُنَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا صَلَّى الصَّبِيُّ بَعْدَ الزَّوَالِ ثُمَّ بَلَغَ فِي الْقَامَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ مَرَّةً أُخْرَى؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ وُجِدَ فِي حَقِّهِ وَهُوَ مَا قَارَنَهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ فِي زَمَنِ بُلُوغِهِ وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَهُوَ مَا أَوْقَعَهُ أَوَّلًا لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ الَّذِي تَوَجَّهَ عَلَيْهِ ثَانِيًا وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ ظَرْفٌ لِلْوُجُوبِ وَسَبَبٌ لِلْوُجُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ فَالْجُزْءُ الْأَوَّلُ الَّذِي قَارَنَهُ شَرْطُ النَّدْبِ الَّذِي هُوَ الصِّبَا فِي حَقِّ الصَّبِيِّ سَبَبُ الْفِعْلِ نَدْبًا لَا وُجُوبًا وَالْجُزْءُ الَّذِي قَارَنَهُ بَعْدَ شَرْطِ الْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ الْبُلُوغُ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى فَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ الزَّوَالَ مَثَلًا إنَّمَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَبَبًا لِوُجُوبِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ فَعَلَهَا فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ صَلَاةً أُخْرَى لَكَانَ الزَّوَالُ سَبَبًا لِوُجُوبِ صَلَاتَيْنِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ لَا يُرَدُّ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ الزَّوَالَ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِصَلَاتَيْنِ فِي كُلِّ صُورَةٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُصَادَرَةً عَلَى صُورَةِ النِّزَاعِ وَإِمَّا أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ فِيمَا عَدَا صُورَةَ النِّزَاعِ فَلَا يُمْكِنُهُ إلْحَاقُ صُورَةِ النِّزَاعِ بِصُورَةِ الْإِجْمَاعِ إلَّا بِالْقِيَاسِ. فَإِذَا قَاسَ فَرَّقْنَا بِأَنَّ صُورَةَ النِّزَاعِ وُجِدَ فِيهَا حَالَتَانِ تَقْتَضِيَانِ النَّدْبَ وَالْوُجُوبَ وَهُمَا الصِّبَا وَالْبُلُوغُ وَلَيْسَ فِي صُورَةِ الْإِجْمَاعِ إلَّا حَالَةٌ وَاحِدَةٌ تَقْتَضِي الْوُجُوبَ هِيَ الْبُلُوغُ فَاتَّحَدَتْ الصَّلَاةُ فِي صُورَةِ الْإِجْمَاعِ لِاتِّحَادِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْبُلُوغُ وَتَعَدَّدَتْ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ لِتَعَدُّدِ الشَّرْطِ وَاخْتِلَافِهِ فَلِذَا جَازَ فِيهَا اخْتِلَافُ الْمَشْرُوطِ الَّذِي هُوَ الصَّلَاتَانِ بِاخْتِلَافِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الصِّبَا الشَّرْطُ فِي تَوَجُّهِ النَّدْبِ وَالْبُلُوغِ الشَّرْطُ فِي تَوَجُّهِ الْوُجُوبِ وَأَمَّا الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوَاجِبُ فِيهَا خُصُوصَ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ قِبَلِ الْآمِرِ لَمْ يَكُنْ إجْزَاءُ الْجُمُعَةِ عَنْ الظُّهْرِ مَثَلًا لِنَحْوِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ إذَا حَضَرُوهَا مَعَ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِمْ بِعَيْنِهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ بَلْ هُوَ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ إتْيَانِ الْمَأْمُورِ بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ لَا بِغَيْرِهِ إذْ الْوُجُوبُ هُنَا مُتَعَلِّقٌ بِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ إمَّا الظُّهْرُ وَإِمَّا الْجُمُعَةُ فَإِذَا أَحْرَمَ كُلٌّ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ بِالْجُمُعَةِ فَقَدْ أَحْرَمَ بِإِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ وَعُيِّنَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ الْمُبْهَمُ الَّذِي عَلَّقَ الْآمِرُ بِهِ الْوُجُوبَ

وَاسْتِحَالَةٌ عَقْلِيَّةٌ لَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يَقَعَ شَيْءٌ مِنْهَا فِي الشَّرِيعَةِ وَالْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ وَاقِعَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ فِي مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ وَمَوَاقِعِ الْخِلَافِ وَلَقَدْ حَضَرْت يَوْمًا فِي مَجْلِسٍ فِيهِ فَاضِلَانِ كَبِيرَانِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: مَا مَعْنَى قَوْلِ الْعُلَمَاءِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ قَوْلَانِ أَمَّا مِنْ حِينِهِ فَمُسَلَّمٌ مَعْقُولٌ. وَأَمَّا مِنْ أَصْلِهِ فَغَيْرُ مَعْقُولٍ بِسَبَبِ أَنَّ الْعَقْدَ وَاقِعٌ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَضَمَّنَهُ الزَّمَانُ الْمَاضِي، وَالْقَاعِدَةُ الْعَقْلِيَّةُ أَنَّ رَفْعَ الْوَاقِعِ مُحَالٌ وَإِخْرَاجُ مَا تَضَمَّنَهُ الزَّمَانُ الْمَاضِي مُحَالٌ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّهُ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ؟ قَالَ لَهُ الْآخَرُ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى رَفْعِ آثَارِهِ دُونَ نَفْسِ الْعَقْدِ فَقَالَ لَهُ: الْآثَارُ وَالْأَحْكَامُ هِيَ أَيْضًا وَاقِعَةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْوَاقِعَاتِ وَقَدْ تَضَمَّنَهَا أَيْضًا الزَّمَانُ الْمَاضِي فَيَسْتَحِيلُ رَفْعُهَا كَالْعَقْدِ وَيَمْتَنِعُ إخْرَاجُهَا مِنْ الزَّمَانِ الْمَاضِي كَسَائِرِ الْمَاضِيَاتِ، فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: هَذَا السُّؤَالُ يَرِدُ عَلَى مِثْلِي وَأَظْهَرَ الْغَضَبَ وَالنُّفُورَ لِقَلِقِهِ وَقُوَّةِ السُّؤَالِ وَافْتَرَقَا عَنْ غَيْرِ جَوَابٍ وَمَا سَبَبُ ذَلِكَ إلَّا الْجَهْلُ بِهَذَا الْفَرْقِ وَهَا أَنَا أُوَضِّحُهُ لَك بِذِكْرِ مَسَائِلَ أَرْبَعٍ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الرَّدُّ بِالْعَيْبِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا وَالسُّؤَالُ فِيهَا فَنَقُولُ الْعَقْدُ وَاقِعٌ وَلَا سَبِيلَ إلَى رَفْعِهِ لَكِنَّ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ التَّقْدِيرَاتِ وَهِيَ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ وَالْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ فَهَذَا الْعَقْدُ وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا لَكِنْ يُقَدِّرُهُ الشَّرْعُ مَعْدُومًا أَيْ يُعْطِيهِ الْآنَ حُكْمَ عَقْدٍ لَمْ يُوجَدْ لَا أَنَّهُ يُرْفَعُ بَعْدَ وُجُودِهِ فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وَلَدِ الْجَارِيَةِ وَالْبَهَائِمِ الْمَبِيعَةِ لِمَنْ تَكُونُ وَكَذَلِكَ الْغَلَّاتُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ هَلْ تَكُونُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي لِلْبَائِعِ إنْ قَدَّرْنَاهُ مَعْدُومًا مِنْ أَصْلِهِ أَوْ الْمُشْتَرِي إنْ جَعَلْنَاهُ مَرْفُوعًا مِنْ حِينِهِ فَهَذَا كُلُّهُ فِقْهٌ مُسْتَقِيمٌ وَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةُ قَاعِدَةٍ عَقْلِيَّةٍ حَتَّى يَلْزَمَ وُرُودُ الشَّرْعِ بِخِلَافِ الْعَقْلِ وَهُوَ مِنْ قَاعِدَةِ تَقْدِيرِ رَفْعِ الْوَاقِعَاتِ لَا مِنْ قَاعِدَةِ رَفْعِ الْوَاقِعَاتِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) رَفْضُ النِّيَّاتِ فِي الْعِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالطَّهَارَةِ وَرَفْعُ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ وُقُوعِهَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ قَوْلَانِ وَالْمَشْهُورُ فِي الْحَجِّ وَالْوُضُوءِ عَدَمُ الرَّفْعِ وَفِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ صِحَّةُ الرَّفْضِ وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الْمُشْكِلَاتِ فَإِنَّ النِّيَّةَ وَقَعَتْ وَكَذَلِكَ الْعِبَادَةُ فَكَيْفَ يَصِحُّ رَفْعُ الْوَاقِعِ وَكَيْفَ يَصِحُّ الْقَصْدُ إلَى الْمُسْتَحِيلِ بَلْ النِّيَّةُ وَاقِعَةٌ قَطْعًا وَالْعِبَادَةُ مُحَقَّقَةٌ جَزْمًا فَالْقَصْدُ لِرَفْضِ ذَلِكَ وَإِبْطَالُهُ قَصْدٌ لِلْمُسْتَحِيلِ وَرَفْعُ الْوَاقِعِ وَإِخْرَاجُ مَا انْدَرَجَ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي مِنْهُ وَكُلُّ ذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّقْدِيرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ بِمَعْنَى أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ يُقَدِّرُ هَذِهِ النِّيَّةَ أَوْ هَذِهِ الْعِبَادَةَ فِي حُكْمِ مَا لَمْ يُوجَدْ لَا أَنَّهُ يُبْطِلُ ـــــــــــــــــــــــــــــSغَيْرَ قَوْلِهِ بِتَقْدِيرِ الْمِلْكِ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ فَإِنَّهُ. وَإِنْ كَانَ التَّقْدِيرُ مِمَّا ثَبَتَ لَهُ حُكْمٌ فِي مَوَاضِعَ فَلَا حَاجَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَيْهِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَغَيْرَ قَوْلِهِ بِتَقْدِيرِ مِلْكِ الدِّيَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ تَقْدِيرِ الْمِلْكِ أَعْنِي بَعْدَ إنْفَاذِ الْمُقَاتِلِ، وَقَبْلَ زُهُوقِ الرُّوحِ بَلْ هُوَ مَوْضِعُ تَحْقِيقٍ لِلْمِلْكِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَوَكَّلَ تَعَيُّنَهُ إلَى خِيرَةِ الْمَأْمُورِ، فَإِذَا اخْتَارَ إيقَاعَ الْجُمُعَةِ لَا تَقَعُ إلَّا وَاجِبَةً فَالْحُرُّ إذَا اقْتَدَى بِهِ لَمْ يَكُنْ مُفْتَرِضٌ ائْتَمَّ بِمُتَنَفِّلٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فِي الْجُمُعَةِ كَمَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فِي الظُّهْرِ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ. وَإِنْ قَالَ الْأَصْلُ مَعَ أَنِّي لَمْ أَذْكُرْ أَنِّي رَأَيْت فَرْعَ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ فِي ظُهْرِ غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاقْتِدَاؤُهُ بِهِ فِي ظُهْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ كَاقْتِدَائِهِ بِهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ قَوْلُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ لَا يَؤُمُّ الْعَبْدُ فِي الْجُمُعَةِ حُرًّا؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الْمُفْتَرِضَ لَا يَأْتَمُّ بِالْمُتَنَفِّلِ فَافْهَمْ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْوَاجِبُ نَوْعَانِ مُخَيَّرٌ وَوَاجِبٌ غَيْرُ مُخَيَّرٍ وَالْوُجُوبُ فِي غَيْرِ الْمُخَيَّرِ مُتَعَلِّقٌ بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمَعْنَى الْعَامُّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمُشْتَرَكُ أَيْ خَصَّهُ بِهِ الْآمِرُ وَلَمْ يَكِلْ تَعَيُّنَهُ إلَى خِيرَةِ الْمَأْمُورِ فَلِذَا كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ إجْزَاءِ غَيْرِهِ مِنْ أَفْرَادِ جِنْسِهِ عَنْهُ وَالْقَوْلُ بِإِجْزَائِهِ عَنْهُ إنَّمَا وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً كَمَا عَلِمْت وَالْوُجُوبُ فِي الْمُخَيَّرِ مُتَعَلِّقٌ بِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمَعْنَى الْعَامُّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمُشْتَرَكُ أَيْ لَمْ يُعَيِّنْهُ الْآمِرُ بَلْ وَكَّلَ تَعَيُّنَهُ إلَى خِيرَةِ الْمَأْمُورِ فَمَا اخْتَارَهُ الْمَأْمُورُ مِنْ الْوَاحِدِ الْمُبْهَمِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ كَانَ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَأَوْضَحَ لَك قَاعِدَةَ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ بِثَلَاثِ مَسَائِلَ أُخَرَ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُكَفِّرِ إحْدَى خِصَالِ الْكَفَّارَةِ مِنْ الْعِتْقِ أَوْ الْإِطْعَامِ أَوْ الْكِسْوَةِ بِلَا تَعْيِينٍ مِنْ قِبَلِ الْآمِرِ بَلْ التَّعْيِينُ مَوْكُولٌ لِخِيرَةِ الْمُكَفِّرِ فَإِذَا اخْتَارَ وَاحِدَةً مِنْهَا كَانَ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ عَلَى الْأَصْلِ لَا غَيْرُهُ حَتَّى يَكُونَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ. (وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ الْمُسَافِرَ فِي رَمَضَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُ الشَّهْرَيْنِ إمَّا شَهْرُ الْأَدَاءِ أَوْ شَهْرُ الْقَضَاءِ بِدُونِ تَعْيِينٍ مِنْ قِبَلِ الْآمِرِ بَلْ التَّعْيِينُ وَكَّلَهُ لِخِيرَةِ الْمُسَافِرِ فَإِذَا اخْتَارَ صَوْمَ رَمَضَانَ أَوْ شَهْرَ الْقَضَاءِ وَصَامَهُ كَانَ قَدْ صَامَ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ عَلَى الْأَصْلِ لَا غَيْرُهُ حَتَّى يَكُونَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَتَعَيَّنَ خُصُوصُ شَهْرِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَخْتَرْ صِيَامَ رَمَضَانَ إنَّمَا كَانَ لِتَعَذُّرِ غَيْرِهِ لَا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِخُصُوصِهِ كَمَا يَتَعَيَّنُ آخِرُ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِتَعَذُّرِ مَا قَبْلَهُ وَتَعَذُّرِ غَيْرِهِ لَا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ فَقَضَاءُ رَمَضَانَ عَلَى الْمُفَرِّطِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِ الْأَدَاءُ يُفَارِقُ الْقَضَاءَ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ وَاجِبٌ بِخُصُوصِهِ وَعُمُومِهِ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ وَالثَّانِي لَا يَتَعَلَّقُ بِعُمُومِهِ وُجُوبٌ أَصْلًا وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِ خُصُوصُ شَهْرِ

[الفرق بين قاعدة ما ليس بواجب في الحال والمآل وبين قاعدة ما ليس بواجب في الحال وهو واجب في المآل]

وُجُودَهَا الْمُنْدَرِجَ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي بَلْ يَجْرِي عَلَيْهَا الْآنَ حُكْمُ عِبَادَةٍ أُخْرَى لَمْ تُوجَدْ قَطُّ وَمَا لَمْ يُوجَدْ قَطُّ يُسْتَأْنَفُ فِعْلُهُ فَيُسْتَأْنَفُ فِعْلُ هَذِهِ فَهِيَ مِنْ قَاعِدَةِ تَقْدِيرِ رَفْعِ الْوَاقِعَاتِ لَا مِنْ قَاعِدَةِ رَفْعِ الْوَاقِعَاتِ فَإِنْ قُلْت وَأَيُّ دَلِيلٍ وُجِدَ فِي الشَّرِيعَةِ يَقْتَضِي تَمَكُّنَ الْمُكَلَّفِ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ، وَأَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ يَتَحَقَّقُ وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَتَمَكَّنَ الْمُكَلَّفُ مِنْ إسْقَاطِ جَمِيعِ أَعْمَالِهِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي بِطَرِيقِ التَّقْدِيرِ وَالْقَصْدِ إلَيْهَا فَيَقْصِدُ الْإِنْسَانُ إبْطَالَ مَا مَضَى لَهُ مِنْ جِهَادٍ وَهِجْرَةٍ وَسَعْيٍ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَالِ بَلْ يَكُونُ إذَا قَصَدَ إلَى إبْطَالِ مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ الْإِيمَانِ بِمُجَرَّدِ الْقَصْدِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ مِنْ غَيْرِ كُفْرٍ وَلَا رِدَّةٍ وَلَا مَعْنَى مِنْ الْمَعَانِي الْمُنَافِيَةِ لِلْإِيمَانِ أَنْ يَصِيرَ كَافِرًا غَيْرَ مُؤْمِنٍ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَأَنَّ حُكْمَ إيمَانِهِ الْمُتَقَدِّمِ الْآنَ حُكْمُ عَدَمِهِ وَحُكْمُ جَمِيعِ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ كُلِّهَا كَذَلِكَ. وَكَذَلِكَ يَقْصِدُ إلَى إبْطَالِ زِنَاهُ وَسَرِقَتِهِ وَحِرَابَتِهِ وَأَكْلِهِ الرِّبَا وَأَمْوَالَ الْيَتَامَى وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَاحِسِ وَالْقَبَائِحِ أَنْ يَصِيرَ حُكْمُهَا الْآنَ حُكْمَ الْمَعْدُومِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي فَيَسْتَرِيحَ مِنْ مُؤَاخَذَتِهَا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ هِيَ أَثَرُ هَذَا التَّقْدِيرِ وَجَمِيعُ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِهِ وَلَا قَالَ فَقِيهٌ بِفَتْحِ هَذَا الْقِيَاسِ وَلَمْ نَجِدْهُ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ وَجَمِيعُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ مِنْ التَّعْلِيلِ أَمْكَنَ وُجُودُهُ فِي جَمِيعِ تِلْكَ الصُّوَرِ أَوْ فِي بَعْضِهَا وَلَمْ يَرِدْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ نَصٌّ يُخَصِّصُهَا بِهَذَا الْحُكْمِ وَيَمْنَعُ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَيْهَا بَلْ الْمُقَرَّرُ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِ مَا وَقَعَ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي يَتَوَقَّفُ عَلَى أَسْبَابِ غَيْرِ الرَّفْضِ كَالْإِسْلَامِ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ وَالْهِجْرَةُ تَهْدِمُ مَا قَبْلَهَا وَكَذَلِكَ التَّوْبَةُ وَالْحَجُّ وَعَكْسُهَا فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لَهَا مَا يُبْطِلُهَا وَهِيَ الرِّدَّةُ وَالنُّصُوصُ دَلَّتْ عَلَى اعْتِبَارِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ أَمَّا الرَّفْضُ فَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا يَقْتَضِي اعْتِبَارَهُ وَأَنَّ مُجَرَّدَ الْقَصْدِ مُؤَثِّرٌ فِي الْأَعْمَالِ هَذَا التَّأْثِيرَ قُلْت هَذَا سُؤَالٌ حَسَنٌ قَوِيٌّ مُتَّجِهٌ وَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا لَهُ اتِّجَاهٌ يَقْتَضِي انْدِفَاعَهُ عَلَى الْوَجْهِ التَّامِّ فَالْأَحْسَنُ الِاعْتِرَافُ بِهِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ قَدِمَ زَيْدٌ آخِرَ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ مِنْ أَوَّلِهِ فَإِنَّهَا مُبَاحَةُ الْوَطْءِ بِالْإِجْمَاعِ إلَى قُدُومِ زَيْدٍ فَإِذَا قَدِمَ زَيْدٌ آخِرَ الشَّهْرِ هَلْ تَطْلُقُ مِنْ الْآنَ أَوْ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَهُوَ الَّذِي يَرَاهُ ابْنُ يُونُسَ مِنْ أَصْحَابِنَا مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ فَيَقْضِي بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهِ وَالتَّحْرِيمُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ فَيَرْفَعُ الْإِبَاحَةَ الْكَائِنَةَ فِي وَسَطِ الشَّهْرِ وَهِيَ كَانَتْ وَاقِعَةً فَيَلْزَمُ رَفْعُ الْوَاقِعِ وَهُوَ مُحَالٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّقْدِيرِ الشَّرْعِيِّ بِمَعْنَى أَنَّا نُقَدِّرُ أَنَّ تِلْكَ الْإِبَاحَةَ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ لَا أَنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّهَا ارْتَفَعَتْ مِنْ الزَّمَنِ الْمَاضِي بَلْ حُكْمُهَا الْآنَ حُكْمُ الْمُرْتَفِعَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ فَرْقِ الشُّرُوطِ وَالْبَحْثِ فِيهَا مَعَ الشَّافِعِيِّ فَلْتُطَالَعْ مِنْ هُنَاكَ فَإِنَّهُ مُسْتَوْفًى. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا أَعْتَقَ عَنْ غَيْرِهِ فَإِنَّا نُقَدِّرُ لَهُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْعِتْقِ عَنْهُ مَعَ أَنَّ الْوَاقِعَ عَدَمُ مِلْكِهِ لَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ وَذَلِكَ الْعَدَمُ مِنْ جُمْلَةِ الْوَاقِعَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَضَاءِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَدَاءِ بِسَبَبَيْنِ أَحَدُهُمَا رُؤْيَةُ الْهِلَالِ وَثَانِيهِمَا خُرُوجُ شَهْرِ الْأَدَاءِ وَلَمْ يَصُمْ فِيهِ فَافْهَمْ. (وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ لَكِنْ مَعَ مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ لَا يُخْشَى مَعَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَلَا عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْخِطَابُ بِخُصُوصِ رَمَضَانَ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ وَيَبْقَى مُخَاطَبًا بِأَحَدِ الشَّهْرَيْنِ إمَّا شَهْرُ الْأَدَاءِ أَوْ شَهْرُ الْقَضَاءِ وَيَتَعَيَّنُ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَدَاءِ بِالسَّبَبَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُسَافِرِ فَإِنْ كَانَ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ أَوْ مَنْفَعَةٍ مِنْ مَنَافِعِهِ تَعَيَّنَ الْأَدَاءُ لِلتَّحْرِيمِ كَمَا يَتَعَيَّنُ الْقَضَاءُ لِلْوُجُوبِ إنْ كَانَ مُسْتَجْمِعَ الشَّرَائِطِ سَالِمَ الْمَوَانِعِ زَمَنَهُ فَإِنْ أَقْدَمَ وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَصَامَ الْأَدَاءَ الْمُحَرَّمَ عَلَيْهِ احْتَمَلَ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى عَدَمَ الْإِجْزَاءِ نَظَرًا لِكَوْنِ الْمُحَرَّمِ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ وَالْإِجْزَاءُ نَظَرًا لِكَوْنِهِ مُتَقَرِّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِتَرْكِ شَهْوَتَيْ فَمِهِ وَفَرْجِهِ إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ غَيْرُ الْوَاجِبِ بَعْدَ عُمُومِهِ كَمَا تَقَدَّمَ جَانِيًا عَلَى نَفْسِهِ بِعَدَمِ حِفْظِهَا عَنْ الْإِلْقَاءِ فِي التَّهْلُكَةِ كَمَا أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ مُتَقَرِّبٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَتَعْظِيمِهِ وَإِجْلَالِهِ وَجَانٍ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْمَآلِ] (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْمَآلِ) مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ نَحْوَ مَا يُخْرِجُهُ مَالِكُ النِّصَابِ مُطْلَقًا نَاوِيًا بِإِخْرَاجِهِ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ لَا الزَّكَاةَ فَلَا يُجْزِئُهُ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي زَكَاةِ مَا مَلَكَهُ مِنْ النِّصَابِ عَلَى تَقْدِيرِ دَوَرَانِ الْحَوْلِ قَطْعًا؛ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ إجْزَاءِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَصْلًا عَنْ الْوَاجِبِ وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْحَالِ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الْمَآلِ نَحْوَ مَا يُخْرِجُهُ مَالِكُ النِّصَابِ نَاوِيًا بِهِ الزَّكَاةَ لَا صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ قَبْلَ الْحَوْلِ إمَّا بِالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ عِنْدَنَا وَإِمَّا فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَفِي إجْزَائِهِ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي زَكَاةِ مَا مَلَكَهُ مِنْ النِّصَابِ عَلَى تَقْدِيرِ دَوَرَانِ الْحَوْلِ نَظَرٌ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَصَدَ بِالْمُخْرَجِ الْوَاجِبَ فِي الْمَآلِ عَلَى تَقْدِيرِ دَوَرَانِ الْحَوْلِ لَا التَّطَوُّعَ فَمَا أَجْزَأَ عَنْ الْوَاجِبِ إلَّا وَاجِبٌ عَلَى الْأَصْلِ وَثَانِيهِمَا قَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ حَقٍّ وَلَوْ بَدَنِيًّا خِلَافًا لِجَدِيدِ الشَّافِعِيِّ تَعَلَّقَ بِسَبَبَيْنِ أَوْ بِسَبَبٍ وَشَرْطٍ لَا يَمْتَنِعُ قَطْعًا تَقْدِيمُهُ عَلَى شَرْطِهِ أَوْ ثَانِي سَبَبِهِ بِخِلَافِ تَقْدِيمِهِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ قَطْعًا وَعَدَمُ إجْزَائِهِ خِلَافٌ قَالَ

وَالْوَاقِعُ مِنْ عَدَمٍ أَوْ وُجُودٍ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي يَسْتَحِيلُ رَفْعُهُ فَكَيْفَ يَرْتَفِعُ عَدَمُ الْمِلْكِ وَيَثْبُتُ نَقِيضُهُ وَهُوَ الْمِلْكُ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّقْدِيرِ فَيُقَدَّرُ ذَلِكَ الْعَدَمُ فِي حُكْمِ الْمُرْتَفِعِ لَا لِأَنَّا نَرْفَعُهُ بَلْ نُعْطِيهِ الْآنَ حُكْمَ الِارْتِفَاعِ مِنْ إجْزَاءِ الْعِتْقِ وَثُبُوتِ الْوَلَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ تُقَدَّرُ مِلْكُ الدِّيَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ مِنْ قَبْلِ الْمَوْتِ بِالزَّمَنِ لِيَصِحَّ الْإِرْثُ خَاصَّةً وَهَذِهِ التَّقَادِيرُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ كُلَّهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَّةِ فِي إدْرَاكِ النِّيَّةِ وَأَنَّهُ لَا يَخْلُو بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ عَنْ التَّقْدِيرِ وَهَذِهِ الْفُرُوعُ كُلُّهَا تَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ قَاعِدَةِ ارْتِفَاعِ الْوَاقِعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَقْدِيرِ ارْتِفَاعِ الْوَاقِعِ وَأَنَّ الْأَوَّلَ مُسْتَحِيلٌ مُطْلَقًا وَالثَّانِيَ مُمْكِنٌ مُطْلَقًا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَدَاخُلِ الْأَسْبَابِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَسَاقُطِهَا) اعْلَمْ أَنَّ التَّدَاخُلَ وَالتَّسَاقُطَ بَيْنَ الْأَسْبَابِ قَدْ اسْتَوَيَا فِي أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي دَخَلَ فِي غَيْرِهِ وَلَا عَلَى السَّبَبِ الَّذِي سَقَطَ بِغَيْرِهِ فَهَذَا هُوَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّدَاخُلَ بَيْنَ الْأَسْبَابِ مَعْنَاهُ أَنْ يُوجَدَ سَبَبَانِ مُسَبِّبُهُمَا وَاحِدٌ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا مُسَبَّبٌ وَاحِدٌ مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقْتَضِي مُسَبَّبًا مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ وَمُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنْ يَتَرَتَّبَ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ مُسَبَّبَانِ وَقَدْ وَقَعَ الْأَوَّلُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ وَالثَّانِي أَيْضًا وَاقِعٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ أَمَّا التَّدَاخُلُ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ فَقَدْ وَقَعَ فِي الشَّرِيعَةِ فِي سِتَّةِ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ: الطَّهَارَاتُ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ إذَا تَكَرَّرَتْ أَسْبَابُهُمَا الْمُخْتَلِفَةُ كَالْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ أَوْ الْمُتَمَاثِلَةُ كَالْجَنَابَتَيْنِ وَالْمُلَامَسَتَيْنِ فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ وُضُوءٌ وَاحِدٌ وَغُسْلٌ وَاحِدٌ وَدَخَلَ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ فِي الْآخَرِ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَثَرٌ وَكَالْوُضُوءِ مَعَ الْغُسْلِ فَإِنَّ سَبَبَ الْوُضُوءِ الَّذِي هُوَ الْمُلَامَسَةُ انْدَرَجَ فِي الْجَنَابَةِ فَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ وُجُوبُ وُضُوءٍ وَأَجْزَأَهُ الْغُسْلُ، الثَّانِي: الصَّلَوَاتُ كَتَدَاخُلِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ مَعَ صَلَاةِ الْفَرْضِ مَعَ تَعَدُّدِ سَبَبِهِمَا فَيَدْخُلُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ التَّحِيَّةِ فِي الزَّوَالِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الظُّهْرِ مَثَلًا فَيَقُومُ سَبَبُ الزَّوَالِ مَقَامَ سَبَبِ الدُّخُولِ فَيُكْتَفَى بِهِ، الثَّالِثُ: الصِّيَامُ كَصِيَامِ رَمَضَانَ مَعَ صِيَامِ الِاعْتِكَافِ، فَإِنَّ الِاعْتِكَافَ سَبَبٌ لِتَوَجُّهِ الْأَمْرِ بِالصَّوْمِ وَرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ سَبَبُ تَوَجُّهِ الْأَمْرِ بِصَوْمِ رَمَضَانَ فَيَدْخُلُ سَبَبُ الِاعْتِكَافِ فِي سَبَبِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَيَتَدَاخَلُ الِاعْتِكَافُ وَرُؤْيَةُ الْهِلَالِ. الرَّابِعُ: الْكَفَّارَاتُ فِي الْأَيْمَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي حِلِّ الْأَيْمَانِ عَلَى التَّكْرَارِ دُونَ الْإِنْشَاءِ بِخِلَافِ تَكْرَارِ الطَّلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى الْإِنْشَاءِ حَتَّى يُرِيدَ التَّكْرَارَ وَفِي كَفَّارَةِ إفْسَادِ رَمَضَانَ إذَا تَكَرَّرَ الْوَطْءُ مِنْهُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ عِنْدَنَا عَلَى الْخِلَافِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْيَوْمَيْنِ وَلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ السَّابِعِ وَالْخَمْسِينَ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ الشَّاطِّ: وَالْأَصَحُّ نَظَرًا امْتِنَاعُ التَّقْدِيمِ فِي الزَّكَاةِ قُلْت وَذَلِكَ لِأَنَّ تَعْلِيقَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِالشَّرْطِ أَوْ السَّبَبِ الثَّانِي يَمْنَعُ تَمَامَ السَّبَبِيَّةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْوُجُوبُ قَبْلَ تَمَامِ سَبَبِهِ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ إجْزَاءِ نَفْلٍ عَنْ فَرْضٍ فَمِنْ هُنَا قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ الْأُصُولِيِّ: وَالْأَوْجَهُ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ بِعَدَمِ جَوَازِ تَقْدِيمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ قَبْلَ الْحِنْثِ لِعَقْلِيَّةِ سَبَبِيَّةِ الْحِنْثِ لَهَا دُونَ عَقْلِيَّةِ سَبَبِيَّةِ الْيَمِينِ لَهَا؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي التَّحْقِيقِ لِسَتْرِ مَا وَقَعَ مِنْ الْإِخْلَالِ بِتَوْقِيرِ مَا يَجِبُ لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَلَافِيهِ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ عَنْ الْحِنْثِ لَا عَنْ الْيَمِينِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، وَأَيْضًا أَقَلُّ مَا فِي السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى الْمُسَبَّبِ وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ عَدَمِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَكَيْفَ تَكُونُ مُفْضِيَةً إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ أَنَّ الْيَمِينَ سَبَبُهَا فَالْحِنْثُ شَرْطُ وُجُوبِهَا لِلْقَطْعِ بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ قَبْلَهُ وَإِلَّا وَجَبَتْ بِمُجَرَّدِ الْيَمِينِ وَالْمَشْرُوطُ لَا يُوجَدُ قَبْلَ شَرْطِهِ فَلَا تَقَعُ وَاجِبَةً قَبْلَهُ فَلَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ قَبْلَ ثُبُوتِهِ وَلَا عِنْدَ ثُبُوتِهِ بِفِعْلٍ قَبْلَهُ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَمَا وَقَعَ مِنْ الشَّرْعِ بِخِلَافِهِ كَالزَّكَاةِ يَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِهِ وَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ. قَالَ: وَمَا فَرَّقُوا بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ الْمَالِيِّ وَالْبَدَنِيِّ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ بِجَوَازِ تَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ الْمَالِيَّةِ لِلْيَمِينِ قَبْلَ الْحِنْثِ دُونَ الْبَدَنِيَّةِ وَهِيَ الصَّوْمُ بِأَنَّ الْحِنْثَ شَرْطٌ فِي الْكَفَّارَةِ وَالْيَمِينُ سَبَبُهَا وَالشَّرْطُ عِنْدَهُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي تَأْخِيرِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لَا فِي انْعِقَادِ السَّبَبِ، وَالْحَقُّ الْمَالِيُّ لِلَّهِ تَعَالَى يَنْفَصِلُ وُجُوبُ أَدَائِهِ عَنْ نَفْسِ وُجُوبِهِ لِتَغَايُرِ الْمَالِ وَالْفِعْلِ فَجَازَ اتِّصَافُ الْمَالِ بِنَفْسِ الْوُجُوبِ وَلَا يَثْبُتُ وُجُوبُ الْأَدَاءِ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ إلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ كَمَا فِي الْحَقِّ الْمَالِيِّ لِلْعَبْدِ بِخِلَافِ الْحَقِّ الْبَدَنِيِّ لِلَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَصِلُ وُجُوبُ أَدَائِهِ عَنْ نَفْسِ وُجُوبِهِ بَلْ نَفْسُ وُجُوبِهِ وُجُوبُ أَدَائِهِ فَلَوْ تَأَخَّرَ وُجُوبُ أَدَائِهِ انْتَفَى الْوُجُوبُ فَلَا يَجُوزُ الْأَدَاءُ؛ لِأَنَّهُ أَدَاءٌ قَبْلَ الْوُجُوبِ حِينَئِذٍ. وَمِنْ ثَمَّةَ جَازَ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَلَمْ يَجُزْ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ فَهُوَ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الْوَاجِبَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ هُوَ الْعِبَادَةُ وَهُوَ فِعْلٌ يُبَاشِرُهُ الْمَرْءُ بِخِلَافِ هَوَى النَّفْسِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى بِإِذْنِهِ وَالْمَالُ آلَةٌ يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ كَمَنَافِعِ الْبَدَنِ فَيَكُونُ الْمَالِيُّ كَالْبَدَنِيِّ فِي أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْوُجُوبِ الْأَدَاءُ وَأَنَّ تَعَلُّقَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِالشَّرْطِ يَمْنَعُ تَمَامَ السَّبَبِيَّةِ فِيهِمَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ قَدْ يَنْفَصِلُ عَنْ نَفْسِ الْوُجُوبِ فِي الْبَدَنِيِّ أَيْضًا فَإِنَّ الْمُسَافِرَ

قَوْلَانِ فِي الرَّمَضَانَيْنِ، الْخَامِسُ: الْحُدُودُ الْمُتَمَاثِلَةُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُهَا كَالْقَذْفِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ تَمَاثَلَتْ كَالزِّنَى مِرَارًا وَالسَّرِقَةِ مِرَارًا وَالشُّرْبِ مِرَارًا قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَهِيَ مِنْ أَوْلَى الْأَسْبَابِ بِالتَّدَاخُلِ؛ لِأَنَّ تَكَرُّرَهَا مُهْلِكٌ، السَّادِسُ: الْأَمْوَالُ كَالْوَاطِئِ بِالشُّبْهَةِ الْمُتَّحِدَةِ إذَا تَكَرَّرَ الْوَطْءُ فَإِنَّ كُلَّ وَطْأَةٍ لَوْ انْفَرَدَتْ أَوْجَبَتْ مَهْرًا تَامًّا مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ وَلَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ إلَّا صَدَاقٌ وَاحِدٌ وَكَدِيَةِ الْأَطْرَافِ مَعَ النَّفْسِ فَإِنَّهُ إذَا قَطَعَ أَطْرَافَهُ وَسَرَى ذَلِكَ لِنَفْسِهِ اكْتَفَى صَاحِبُ الشَّرْعِ بِدِيَةٍ وَاحِدَةٍ لِلنَّفْسِ مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ قَبْلَ السَّرَيَانِ نَحْوَ عَشْرِ دِيَاتٍ بِحَسَبِ تَعَدُّدِ الْعُضْوِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ يَسْقُطُ الْجَمِيعُ وَلَا يَلْزَمُ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ تَفْرِيعٌ عَلَى هَذَا قَدْ يَدْخُلُ الْقَلِيلُ مَعَ الْكَثِيرِ كَدِيَةِ الْأُصْبُعِ مَعَ النَّفْسِ وَالْكَثِيرُ مَعَ الْقَلِيلِ كَدِيَةِ الْأَطْرَافِ مَعَ النَّفْسِ وَالْمُتَقَدِّمُ مَعَ الْمُتَأَخِّرِ كَحَدَثِ الْوُضُوءِ مَعَ الْجَنَابَةِ وَالْمُتَأَخِّرُ مَعَ الْمُتَقَدِّمِ كَالْوَطَآتِ الْمُتَأَخِّرَةِ مَعَ الْوَطْأَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْأُولَى. وَمُوجِبَاتُ أَسْبَابِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مَعَ انْدِرَاجِهِ فِي الْمُوجِبِ الْأَوَّلِ وَالطَّرَفَانِ فِي وَسَطٍ كَانْدِرَاجِ الْوَطْأَةِ الْأُولَى وَالْآخِرَةِ فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ فَإِنَّهَا قَدْ تُوطَأُ أَوَّلًا وَهِيَ مَرِيضَةُ الْجِسْمِ عَدِيمَةُ الْمَالِ ثُمَّ تَصِحُّ وَتَرِثُ مَالًا عَظِيمًا ثُمَّ تَسْقَمُ فِي جِسْمِهَا وَيَذْهَبُ مَالُهَا وَهِيَ تُوطَأُ فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا بِشُبْهَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهَا يَجِبُ لَهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ صَدَاقُ الْمِثْلِ فِي أَعْظَمِ أَحْوَالِهَا وَأَعْظَمُ أَحْوَالِهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْحَالَةُ الْوُسْطَى فَيَجِبُ الصَّدَاقُ بِاعْتِبَارِهَا وَتَدْخُلُ فِيهَا الْحَالَةُ الْأُولَى وَالْحَالَةُ الْأَخِيرَةُ فَيَنْدَرِجُ الطَّرَفَانِ فِي الْوَسَطِ وَهَذَا الْمِثَالُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فَإِنَّمَا يَعْتَبِرُ الْوَطْأَةَ الْأُولَى كَيْفَ كَانَتْ وَكَيْفَ صَادَفَتْ وَيَنْدَرِجُ مَا بَعْدَهَا فِيهَا وَتَكُونُ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ انْدِرَاجِ الْمُتَأَخِّرِ فِي الْمُتَقَدِّمِ لَا مِنْ بَابِ انْدِرَاجِ الطَّرَفَيْنِ فِي الْوَسَطِ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ فِي الشَّرِيعَةِ وَهُوَ عَدَمُ التَّدَاخُلِ مَعَ تَمَاثُلِ الْأَسْبَابِ فَكَالْإِتْلَافَيْنِ يَجِبُ بِهِمَا ضَمَانَانِ وَلَا يَتَدَاخَلَانِ وَكَالطَّلَاقَيْنِ يَتَعَدَّدُ أَثَرُهُمَا وَلَا يَتَدَاخَلَانِ بَلْ يُنْقِصُ كُلُّ طَلَاقٍ مِنْ الْعِصْمَةِ طَلْقَةً إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّأْكِيدَ أَوْ الْخَبَرَ عَنْ الْأَوَّلِ وَالزَّوَالَيْنِ فَإِنَّهُمَا يُوجِبَانِ ظُهْرَيْنِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَأَسْبَابِهَا وَكَالنَّذْرَيْنِ يَتَعَدَّدُ مَنْذُورُهُمَا وَلَا يَتَدَاخَلُ وَكَالْوَصِيَّتَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَتَعَدَّدُ لَهُ الْمُوصَى بِهِ عَلَى الْخِلَافِ وَكَالسَّبَبَيْنِ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ رَجُلَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَوْ مُخْتَلِفٍ فَإِنَّهُ يُوجِبُ تَعَدُّدَ التَّعْزِيرِ وَالْمُؤَاخَذَةِ وَكَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ شَهْرًا ثُمَّ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ شَهْرًا وَلَمْ يُعَيِّنْ فَإِنَّهُ يَحْمِلْ عَلَى شَهْرَيْنِ وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ صَاعًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ ثُمَّ اشْتَرَى مِنْهُ صَاعًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ عَلَى صَاعَيْنِ وَهُوَ كَثِيرٌ جِدًّا فِي الشَّرِيعَةِ، الْأَصْلُ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى كُلِّ سَبَبٍ مُسَبَّبُهُ، وَالتَّدَاخُلُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ. وَأَمَّا تَسَاقُطُ الْأَسْبَابِ فَإِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَتَنَافِي الْمُسَبَّبَاتِ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ يَقْتَضِي شَيْئًا وَالْآخَرُ يَقْتَضِي ضِدَّهُ فَيُقَدِّمُ صَاحِبُ الشَّرْعِ الرَّاجِحَ مِنْهُمَا عَلَى الْمَرْجُوحِ فَيَسْقُطُ الْمَرْجُوحُ أَوْ يَسْتَوِيَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا صَامَ فِي رَمَضَانَ جَازَ اتِّفَاقًا وَإِنْ تَأَخَّرَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ إلَى مَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ بِالْإِجْمَاعِ اهـ كَلَامُهُ مَعَ شَيْءٍ مِنْ مَتْنِ التَّحْرِيرِ بِتَصَرُّفٍ وَحَذْفٍ مَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ بِإِمْعَانٍ (وَصْلٌ فِي زِيَادَةِ تَوْضِيحٍ) هَذَا الْفَرْقُ بِذِكْرِ ثَلَاثِ مَسَائِلَ. الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ بِآخِرِ الْوَقْتِ وَفِعْلُ الْمُعَجِّلِ قَبْلَ ذَلِكَ نَفْلٌ يَسُدُّ مَسَدَّ الْفَرْضِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ فَقَالَ الْأَصْحَابُ لَهُمْ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ لَصَحَّ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيُجْزِئُ عَنْهُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فَيَكُونُ نَفْلًا سَدَّ مَسَدَّ الْفَرْضِ وَأَجْزَأَ عَنْهُ بَعْدَ جَرَيَانِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَكَذَلِكَ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ لِانْحِصَارِ الْوُجُوبِ عِنْدَكُمْ فِي آخِرِ الْقَامَةِ فَمَا هُوَ وَاقِعٌ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ سَوَاءٌ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ وَاجِبٍ، فَإِذَا أَجْزَأَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْوَاجِبِ وَجَبَ أَنْ يُجْزِئَ الْآخَرُ عَنْ الْوَاجِبِ، فَإِذَا قُلْتُمْ قَدْ قَصَدَ بِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْمَآلِ عِنْدَ آخِرِ الْوَقْتِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّطَوُّعَ. قُلْنَا: وَكَذَلِكَ يَقْصِدُ بِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَيُجْزِئُ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ قُلْت وَمَا فَرَّقَ بِهِ الْأَصْلُ لَهُمْ بَيْنَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيَنْوِي بِهَا الْوَاجِبَ فِي الْمَآلِ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَيَنْوِي بِهَا الْوَاجِبَ فِي الْمَآلِ أَيْضًا بِأَنَّ الصَّلَاةَ قَبْلَ الزَّوَالِ إذَا قَصَدَ بِهَا الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْمَآلِ عِنْدَ آخِرِ الْقَامَةِ إنَّمَا وِزَانُهَا إخْرَاجُ الزَّكَاةِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ وَيَنْوِي بِهَا مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْمَآلِ عِنْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَدَوَرَانِ الْحَوْلِ وَهَذَا لَا يُجْزِئُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ إيقَاعُ الْفِعْلِ قَبْلَ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ وَالصَّلَاةُ بَعْدَ الزَّوَالِ إذَا قَصَدَ بِهَا الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْمَآلِ عِنْدَ آخِرِ الْقَامَةِ إنَّمَا وِزَانُهَا إخْرَاجُ الزَّكَاةِ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَقَبْلَ الْحَوْلِ إذَا كَمَا أَنَّ النِّصَابَ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ بَعْدَ الْحَوْلِ كَذَلِكَ الزَّوَالُ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ آخِرَ الْقَامَةِ وَهَذَا لَمْ يُجْمَعْ عَلَى عَدَمِ إجْزَائِهِ؛ لِأَنَّهُ إيقَاعٌ لِلْفِعْلِ بَيْنَ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ وَالْحُكْمُ إذَا تَوَسَّطَ بَيْنَ سَبَبَيْهِ أَوْ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ جَرَى فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ بِخِلَافِ تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِمَا فَكَانَ مَا أَوْقَعَهُ الْمُصَلِّي قَبْلَ الزَّوَالِ نَفْلًا مُطْلَقًا وَإِنْ نَوَى بِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ بِخِلَافِ مَا أَوْقَعَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ نَفْلًا مُطْلَقًا إذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْمَآلِ أَمَّا إذَا نَوَى بِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ نَفْلًا فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ وَاجِبٌ فِي الْمَآلِ فَمَا أَجْزَأَ عَنْ الْوَاجِبِ إلَّا وَاجِبٌ اهـ بِتَوْضِيحٍ وَإِنْ كَانَ أَيْ مَا فَرَّقَ

فَيَتَسَاقَطَانِ مَعًا هَذَا هُوَ ضَابِطُ هَذَا الْقِسْمِ وَهُوَ قِسْمَانِ: تَارَةً يَقَعُ الِاخْتِلَافُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَتَارَةً فِي الْبَعْضِ. أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ التَّنَافِي فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَكَالرَّدَّةِ مَعَ الْإِسْلَامِ وَالْقَتْلِ وَالْكُفْرِ مَعَ الْقَرَابَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْمِيرَاثِ فَإِنَّهُمَا يَقْتَضِيَانِ عَدَمَ الْإِرْثِ وَكَالدَّيْنِ مُسْقِطٌ لِلزَّكَاةِ وَأَسْبَابُهَا تُوجِبُهَا، وَكَالْبَيِّنَتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا أَوْ الْأَصْلَيْنِ إذَا قُطِعَ رَجُلٌ مَلْفُوفٌ فِي الثِّيَابِ فَتَنَازَعَ هُوَ وَالْوَلِيُّ فِي كَوْنِهِ كَانَ حَيًّا حَالَةَ الْجِنَايَةِ فَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَالْأَصْلُ أَيْضًا عَدَمُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَالْغَالِبَيْنِ وَهُمَا الظَّاهِرَانِ كَاخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَإِنَّ الْيَدَ لِلرَّجُلِ ظَاهِرَةٌ فِي الْمِلْكِ وَكَوْنُ الْمُدَّعِي فِيهِ مِنْ قُمَاشِ النِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ ظَاهِرٌ فِي كَوْنِهِ لِلْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ فَقَدَّمْنَا نَحْنُ هَذَا الظَّاهِرَ وَسَوَّى الشَّافِعِيُّ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُمَا مَعًا يَدًا وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الْمِلْكِ وَمَالِكٌ يَقُولُ الْيَدُ خَالِصَةٌ بِالرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ. وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَتَاعُ يَصْلُحُ لَهُمَا قُدِّمَ مِلْكُ الرَّجُلِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْيَدِ وَكَالْمُنْفَرِدَيْ نِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ وَالْمِصْرُ كَبِيرٌ قُدِّمَ مِلْكُ ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ، وَقَدَّمَ سَحْنُونٌ ظَاهِرَ الْحَالِ وَقَالَ الظَّاهِرُ كَذِبُهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ الْعَظِيمَ مَعَ ارْتِفَاعِ الْمَوَانِعِ يَقْتَضِي أَنْ يَرَاهُ جَمْعٌ عَظِيمٌ فَانْفِرَادُ هَذَيْنِ دَلِيلُ كَذِبِهِمَا وَلَمْ يُوجِبْ الصَّوْمَ بِشَهَادَتِهِمَا، وَالْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ كَالْمَقْبَرَةِ الْمَنْبُوشَةِ الْأَصْلُ عَدَمُ النَّجَاسَةِ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ وُجُودِهَا بِسَبَبِ النَّبْشِ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ كُلُّهَا مُتَنَافِيَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فِي مُسَبَّبَاتِهَا. وَأَمَّا التَّسَاقُطُ بِسَبَبِ التَّنَافِي فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ وَفِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَالنِّكَاحِ مَعَ الْمِلْكِ إذَا عَقَدَ عَلَى أَمَتِهِ فَإِنَّ النِّكَاحَ يُوجِبُ إبَاحَةَ الْوَطْءِ وَالْمِلْكُ يُوجِبُ مَعَ ذَلِكَ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَالْمَنَافِعِ فَسَقَطَ النِّكَاحُ تَغْلِيبًا لِلْمِلْكِ بِسَبَبِ قُوَّتِهِ وَتَكُونُ الْإِبَاحَةُ الْحَاصِلَةُ مُضَافَةً لِلْمِلْكِ فَقَطْ وَلَا يَحْصُلُ تَدَاخُلٌ فَلَا يُقَالُ هِيَ مُضَافَةٌ لَهُمَا أَلْبَتَّةَ وَكَمَا إذَا اشْتَرَى امْرَأَتَهُ وَصَيَّرَهَا أَمَتَهُ فَإِنَّ النِّكَاحَ السَّابِقَ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ وَكَذَلِكَ الشِّرَاءُ اللَّاحِقُ يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ مَعَ بَقِيَّةِ آثَارِ الْمِلْكِ فَأَسْقَطَ الشَّرْعُ النِّكَاحَ السَّابِقَ بِالْمِلْكِ اللَّاحِقِ عَكْسُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ قُدِّمَ فِيهِ السَّابِقُ وَهَذَا قُدِّمَ فِيهِ اللَّاحِقُ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمِلْكَ أَقْوَى مِنْ النِّكَاحِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى إبَاحَةِ الْوَطْءِ وَغَيْرِهِ فَلَمَّا كَانَ أَقْوَى قَدَّمَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ سَابِقًا وَلَاحِقًا وَلَاحَظْنَا أَنَّ السَّابِقَ يُقَدَّمُ بِحُصُولِهِ فِي الْمَحَلِّ وَسَبْقِهِ وَإِلَّا لَانْدَفَعَ الشِّرَاءُ عَنْ الزَّوْجَةِ وَبَقِيَتْ زَوْجَةً وَبَطَلَ الْبَيْعُ لَكِنَّ السِّرَّ مَا ذَكَرْته لَك، وَمِنْ ذَلِكَ عِلْمُ الْحَاكِمِ مَعَ الْبَيِّنَةِ إذَا شَهِدَتْ بِمَا يَعْلَمُهُ فَإِنَّ الْحُكْمَ مُضَافٌ لِلْبَيِّنَةِ دُونَ عِلْمِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْقَضَاءُ بِالْعِلْمِ سَاقِطٌ حَذَرًا مِنْ الْقُضَاةِ السُّوءِ وَسَدًّا لِذَرِيعَةِ الْفَسَادِ عَلَى الْحُكْمِ بِالتُّهَمِ وَعَلَى النَّاسِ بِالْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ بِالْبَاطِلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عِلْمُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ وَالْعِلْمُ أَوْلَى مِنْ الظَّنِّ وَيَحْتَمِلُ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيَجْعَلُ الْحُكْمَ مُضَافًا إلَيْهِمَا لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا وَمِنْ ذَلِكَ مَنْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ سَبَبَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ الْأَصْلُ بَيْنَ الصَّلَاةِ إلَخْ جَوَابًا عَنْ الْحَنَفِيَّةِ لَا بَأْسَ بِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ إلَّا أَنَّهُ يُعْلَمُ سُقُوطُهُ مِمَّا قَدَّمْته عَنْ شَرْحِ التَّحْرِيرِ الْأُصُولِيِّ فَمِنْ هُنَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَالْأَصَحُّ نَظَرًا لُزُومُ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَنَفِيَّةِ فَيُصَادِمُهُمْ الْإِجْمَاعُ اهـ فَافْهَمْ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) تَعْجِيلُ زَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ يَجُوزُ عِنْدَنَا وَتُجْزِئُ عَنْ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ إذَا تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ سَبَبِهَا الَّذِي هُوَ غُرُوبُ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ رَمَضَانَ أَوْ طُلُوعِ الْفَجْرِ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَنَوَى بِهَا الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي الْمَآلِ عِنْدَ جَرَيَانِ السَّبَبِ لَا صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ عَنْهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهَا بَعْدَ أَحَدِ أَسْبَابِهَا الَّذِي هُوَ الْخَلَلُ الْوَاقِعُ فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ جَابِرَةٌ لِمَا عَسَاهُ اخْتَلَّ عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ بِالرَّفَثِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ النَّقْصِ كَمَا أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ جَابِرٌ لِمَا نَقَصَ مِنْ الصَّلَاةِ وَلِذَلِكَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الصَّوْمُ وَالْحُكْمُ إذَا تَوَسَّطَ بَيْنَ سَبَبَيْهِ أَوْ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ جَرَى فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ كَمَا عَلِمْت فَتَنَبَّهْ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ الْحَطَّابُ عِنْدَ قَوْلِ خَلِيلٍ وَدَمُ التَّمَتُّعِ يَجِبُ بِإِحْرَامِ الْحَجِّ أَيْ وُجُوبًا غَيْرَ مُحَتَّمٍ؛ لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلسُّقُوطِ بِالْمَوْتِ وَالْفَوَاتِ فَإِذَا رَمَى الْعَقَبَةَ تَحَتَّمَ الْوُجُوبُ كَمَا نَقُولُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَنَّهَا تَجِبُ بِالْعَوْدِ وُجُوبًا غَيْرَ مُحَتَّمٍ بِمَعْنَى أَنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ وَطَلَاقِهَا فَإِنْ وَطِئَ تَحَتَّمَ الْوُجُوبُ نَقَلَهُ كَنُونِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى عبق وَفِي حَاشِيَةِ الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق إنَّ الْأَبِيَّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَلَى أَحَادِيثِ الْإِشْرَاكِ فِي الْهَدْيِ عَلَى قَوْلِ الرَّاوِي فَأَمَرَنَا إذَا أَحْلَلْنَا أَنْ نُهْدِيَ نَقْلٌ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَذْهَبُنَا أَنَّ هَدْيَ التَّمَتُّعِ إنَّمَا يَجِبُ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ. وَفِي وَقْتِ جَوَازِ نَحْرِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: فَالصَّحِيحُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَجُوزُ نَحْرُهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ، وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجُوزُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ اهـ. وَعَنْ عِيَاضٍ أَنَّهُ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِمَنْ يُجِيزُ نَحْرَ الْهَدْيِ لِلتَّمَتُّعِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ بِالْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَنَا وَالْأُخْرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ جَارٍ عَلَى تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ وَعَلَى تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى الْحَوْلِ وَقَدْ يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذِهِ الْأُصُولِ وَالْأَوَّلِ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ لِقَوْلِهِ إذَا أَحْلَلْنَا

لِلتَّوْرِيثِ بِالْفَرْضِ فِي أَنْكِحَةِ الْمَجُوسِ فَإِنَّهُ يَرِثُ بِأَقْوَاهُمَا وَيَسْقُطُ الْآخَرُ مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا يَقْتَضِي الْإِرْثَ كَالِابْنِ إذَا كَانَ أَخًا لِأُمٍّ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ أُمَّهُ فَوَلَدُهَا حِينَئِذٍ ابْنُهُ وَهُوَ أَخُوهُ لِأُمِّهِ فَإِنَّهُ يَرِثُ بِالْبُنُوَّةِ وَتَسْقُطُ الْأُخُوَّةُ أَمَّا إنْ كَانَا سَبَبَيْنِ الْفَرْضَ وَالتَّعْصِيبَ فَإِنَّهُ يَرِثُ بِهِمَا كَالزَّوْجِ ابْنُ عَمٍّ يَأْخُذُ النِّصْفَ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ بِكَوْنِهِ ابْنَ عَمٍّ فَهَذِهِ مَثَلٌ وَمَسَائِلُ تُوجِبُ الْفَرْقَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَدَاخُلِ الْأَسْبَابِ وَتَسَاقُطِهَا عَلَى اخْتِلَافِ التَّدَاخُلِ وَالتَّسَاقُطِ. (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَقَاصِدِ وَقَاعِدَةِ الْوَسَائِلِ) وَرُبَّمَا عَبَّرَ عَنْ الْوَسَائِلِ بِالذَّرَائِعِ وَهُوَ اصْطِلَاحُ أَصْحَابِنَا وَهَذَا اللَّفْظُ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ سَدُّ الذَّرَائِعِ وَمَعْنَاهُ حَسْمُ مَادَّةِ وَسَائِلِ الْفَسَادِ دَفْعًا لَهَا فَمَتَى كَانَ الْفِعْلُ السَّالِمُ عَنْ الْمَفْسَدَةِ وَسِيلَةً لِلْمَفْسَدَةِ مَنَعَ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ وَلَيْسَ سَدُّ الذَّرَائِعِ مِنْ خَوَاصِّ مَذْهَبِ مَالِكٍ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ بَلْ الذَّرَائِعُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى سَدِّهِ وَمَنْعِهِ وَحَسْمِهِ كَحَفْرِ الْآبَارِ فِي طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى إهْلَاكِهِمْ وَكَذَلِكَ إلْقَاءُ السُّمِّ فِي أَطْعِمَتِهِمْ وَسَبُّ الْأَصْنَامِ عِنْدَ مَنْ يُعْلَمُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَسُبُّ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ سَبِّهَا وَقِسْمٌ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى عَدَمِ مَنْعِهِ وَأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ لَا تُسَدُّ وَوَسِيلَةٌ لَا تُحْسَمُ كَالْمَنْعِ مِنْ زِرَاعَةِ الْعِنَبِ خَشْيَةَ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَكَالْمَنْعِ مِنْ الْمُجَاوَرَةِ فِي الْبُيُوتِ خَشْيَةَ الزِّنَى. وَقِسْمٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ هَلْ يُسَدُّ أَمْ لَا؟ كَبُيُوعِ الْآجَالِ عِنْدَنَا كَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِخَمْسَةٍ قَبْلَ الشَّهْرِ فَمَالِكٌ يَقُولُ: إنَّهُ أَخْرَجَ مِنْ يَدِهِ خَمْسَةً الْآنَ وَأَخَذَ عَشْرَةً آخِرَ الشَّهْرِ فَهَذِهِ وَسِيلَةٌ لِسَلَفِ خَمْسَةٍ بِعَشْرَةٍ إلَى أَجَلٍ تَوَسُّلًا بِإِظْهَارِ صُورَةِ الْبَيْعِ لِذَلِكَ وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ يُنْظَرُ إلَى صُورَةِ الْبَيْعِ وَيُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ وَهَذِهِ الْبُيُوعُ يُقَالُ إنَّهَا تَصِلُ إلَى أَلْفِ مَسْأَلَةٍ اخْتَصَّ بِهَا مَالِكٌ وَخَالَفَهُ فِيهَا الشَّافِعِيُّ وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي النَّظَرِ إلَى النِّسَاءِ هَلْ يُحَرَّمُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الزِّنَى أَوْ لَا يُحَرَّمُ وَالْحُكْمُ بِالْعِلْمِ هَلْ يُحَرَّمُ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِلْقَضَاءِ بِالْبَاطِلِ مِنْ الْقُضَاةِ السُّوءِ أَوْ لَا يُحَرَّمُ وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ؛ لِأَنَّهُمْ يُؤَثِّرُونَ فِي السِّلَعِ بِصَنْعَتِهِمْ فَتَتَغَيَّرُ السِّلَعُ فَلَا يَعْرِفُهَا رَبُّهَا إذَا بِيعَتْ فَيَضْمَنُونَ سَدًّا لِذَرِيعَةِ الْأَخْذِ أَمْ لَا يَضْمَنُونَ؛ لِأَنَّهُمْ أُجَرَاءُ وَأَصْلُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْأَمَانَةِ قَوْلَانِ وَكَذَلِكَ تَضْمِينُ حَمَلَةِ الطَّعَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَقَاصِدِ وَقَاعِدَةِ الْوَسَائِلِ) قُلْت: جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ غَيْرَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْوَسَائِلِ حُكْمُ مَا أَفَضْت إلَيْهِ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ فِيمَا لَمْ يُصَرِّحْ الشَّرْعُ بِوُجُوبِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَمَا قَالَ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالْخَمْسِينَ وَالْفَرْقِ السِّتِّينَ وَالْحَادِي وَالسِّتِّينَ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ نُهْدِيَ. اهـ. قَالَ وَبِكَلَامِ الْأَبِيِّ هَذَا تَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ صِحَّةُ حَمْلِ قَوْلِ خَلِيلٍ وَأَجْزَأَ قَبْلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَيْ وَأَجْزَأَ نَحْرُ دَمِ التَّمَتُّعِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَسُقُوطُ تَعَقُّبِ الشُّرَّاحِ الْمُعْتَدِّ بِهِمْ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّ نَحْرَ الْهَدْيِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مُجْزِئٌ وَتَأَوُّلِهِمْ لَهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ وَأَجْزَأَ دَمُ التَّمَتُّعِ بِمَعْنَى تَقْلِيدِهِ وَإِشْعَارِهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَلَوْ عِنْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ بَلْ وَلَوْ سَاقَهُ فِيهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ كَمَا يَأْتِي لَهُ مِنْ غَيْرِ دَاعٍ لِذَلِكَ اهـ. بِتَوْضِيحٍ لِلْمُرَادِ. وَقَالَ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ وَاللَّفْظُ لَهُ يَتَعَيَّنُ فِيهِ مَا قَالَهُ الشُّرَّاحُ وَلَا دَلِيلَ لِلْبُنَانِيِّ فِي كَلَامِ الْأَبِيِّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَنْ الْمَازِرِيِّ وَالْجُمْهُورِ إلَخْ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جُمْهُورُ الْمُجْتَهِدِينَ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ حَيْثُ أَطْلَقَهَا أَهْلُ الْخِلَافِ الْكَبِيرِ وَإِنْ كَانَتْ تَشْمَلُ الْإِمَامَ مَالِكًا لَكِنْ لَا تَصْرِيحَ فِيهَا بِنِسْبَةِ ذَلِكَ إلَيْهِ مَعَ أَنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ حُفَّاظِ الْمَذْهَبِ أَيْ كَالْبَاجِيِّ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَسَنَدٍ وَابْنِ الْفَرَسِ وَالْجُنَيْدِ وَغَيْرِهِمْ نَسَبُوا لَهُ عَكْسَ ذَلِكَ نَصًّا. وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْ عِيَاضٍ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالْجَوَازِ هِيَ الْمَشْهُورَةُ أَوْ الرَّاجِحَةُ أَوْ مُسَاوِيَةٌ لِلْأُخْرَى عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَفِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِمَنْ يُجِيزُ نَحْرَ هَدْيِ التَّمَتُّعِ إلَخْ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَبِيِّ كَذَلِكَ مُخَالِفًا لِمَا لِعِيَاضٍ فِي الْإِكْمَالِ فَإِنَّ الَّذِي فِيهِ تَقْلِيدُ هَدْيِ التَّمَتُّعِ إلَخْ كَذَا فِي نُسْخَةٍ عَتِيقَةٍ مَظْنُونٍ بِهَا الصِّحَّةُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ أَيْ عِيَاضًا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا جَوَازَ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ أَصْلًا وَإِنَّمَا ذَكَرَ جَوَازَ نَحْرِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ لَا قَبْلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَكَيْفَ يَذْكُرُ فِي ذَلِكَ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ. وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّ اللَّخْمِيَّ إنَّمَا ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي التَّقْلِيدِ لَا فِي النَّحْرِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ لَفْظَةَ نَحْرٍ فِي نَقْلِ الْأَبِيِّ عَنْ عِيَاضٍ تَصْحِيفٌ وَإِنَّمَا هِيَ تَقْلِيدٌ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ كَلَامُ حُفَّاظِ الْمَذْهَبِ اُنْظُرْهُ فِي الرَّهُونِيِّ وَالْحَطَّابِ اهـ. وَخُلَاصَةُ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُمَا أَنَّ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ وَإِنْ أَفَادَ أَنَّ الْقَوْلَ لَهُ بِجَوَازِ نَحْرِ دَمِ التَّمَتُّعِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ قَوْلَ جُمْهُورِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمَشْهُورُ بَلْ هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُجْتَهِدِينَ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ حَيْثُ أَطْلَقَهَا أَهْلُ الْخِلَافِ الْكَبِيرِ وَشُمُولُهَا احْتِمَالًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ حِينَئِذٍ لَا يَقْتَضِي أَنَّهَا الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِهِ كَيْفَ وَقَدْ نَسَبَ لَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ

لِئَلَّا تَمْتَدَّ أَيْدِيهِمْ إلَيْهِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْمَسَائِلِ فَنَحْنُ قُلْنَا بِسَدِّ هَذِهِ الذَّرَائِعِ وَلَمْ يَقُلْ بِهَا الشَّافِعِيُّ فَلَيْسَ سَدُّ الذَّرَائِعِ خَاصًّا بِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَلْ قَالَ بِهَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ وَأَصْلُ سَدِّهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. (تَنْبِيهٌ) اعْلَمْ أَنَّ الذَّرِيعَةَ كَمَا يَجِبُ سَدُّهَا يَجِبُ فَتْحُهَا وَتُكْرَهُ وَتُنْدَبُ وَتُبَاحُ فَإِنَّ الذَّرِيعَةَ هِيَ الْوَسِيلَةُ فَكَمَا أَنَّ وَسِيلَةَ الْمُحَرَّمِ مُحَرَّمَةٌ فَوَسِيلَةُ الْوَاجِبِ وَاجِبَةٌ كَالسَّعْيِ لِلْجُمُعَةِ وَالْحَجِّ وَمَوَارِدُ الْأَحْكَامِ عَلَى قِسْمَيْنِ مَقَاصِدُ وَهِيَ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ فِي أَنْفُسِهَا وَوَسَائِلُ وَهِيَ الطُّرُقُ الْمُفْضِيَةُ إلَيْهَا وَحُكْمُهَا حُكْمُ مَا أَفَضْت إلَيْهِ مِنْ تَحْرِيمٍ وَتَحْلِيلٍ غَيْرَ أَنَّهَا أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْ الْمَقَاصِدِ فِي حُكْمِهَا وَالْوَسِيلَةُ إلَى أَفْضَلِ الْمَقَاصِدِ أَفْضَلُ الْوَسَائِلِ وَإِلَى أَقْبَحِ الْمَقَاصِدِ أَقْبَحُ الْوَسَائِلِ وَإِلَى مَا يُتَوَسَّطُ مُتَوَسِّطَةٌ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ الْوَسَائِلِ الْحَسَنَةِ قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: 120] فَأَثَابَهُمْ اللَّهُ عَلَى الظَّمَأِ وَالنَّصَبِ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ فِعْلِهِمْ بِسَبَبِ أَنَّهُمَا حَصَلَا لَهُمْ بِسَبَبِ التَّوَسُّلِ إلَى الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ وَسِيلَةٌ لِإِعْزَازِ الدِّينِ وَصَوْنِ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الِاسْتِعْدَادُ وَسِيلَةَ الْوَسِيلَةِ. (تَنْبِيهٌ) الْقَاعِدَةُ أَنَّهُ كُلَّمَا سَقَطَ اعْتِبَارُ الْمَقْصِدِ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْوَسِيلَةِ فَإِنَّهَا تَبَعٌ لَهُ فِي الْحُكْمِ وَقَدْ خُولِفَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي الْحَجِّ فِي إمْرَارِ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ مَنْ لَا شَعْرَ لَهُ مَعَ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى إزَالَةِ الشَّعْرِ فَيَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى الْقَاعِدَةِ. (تَنْبِيهٌ) قَدْ تَكُونُ وَسِيلَةُ الْمُحَرَّمِ غَيْرَ مُحَرَّمَةٍ إذَا أَفَضْت إلَى مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ كَالتَّوَسُّلِ إلَى فِدَاءِ الْأَسَارَى بِدَفْعِ الْمَالِ لِلْكُفَّارِ الَّذِي هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ عِنْدَنَا وَكَدَفْعِ مَالٍ لِرَجُلٍ يَأْكُلُهُ حَرَامًا حَتَّى لَا يَزْنِيَ بِامْرَأَةٍ إذَا عَجَزَ عَنْ دَفْعِهِ عَنْهَا إلَّا بِذَلِكَ، وَكَدَفْعِ الْمَالِ لِلْمُحَارِبِ حَتَّى لَا يَقَعَ الْقَتْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِ الْمَالِ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَكِنَّهُ اشْتَرَطَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا، فَهَذِهِ الصُّوَرُ كُلُّهَا الدَّفْعُ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَعْصِيَةِ بِأَكْلِ الْمَالِ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ لِرُجْحَانِ مَا يَحْصُلُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ عَلَى هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ. (تَنْبِيهٌ) تَفَرَّعَ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ فَرْقٌ آخَرُ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ كَوْنِ الْمَعَاصِي أَسْبَابًا لِلرُّخَصِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مُقَارَنَةِ الْمَعَاصِي لِأَسْبَابِ الرُّخَصِ، فَإِنَّ الْأَسْبَابَ مِنْ جُمْلَةِ الْوَسَائِلِ وَقَدْ الْتَبَسَتْ هَاهُنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَأَمَّا الْمَعَاصِي فَلَا تَكُونُ أَسْبَابًا لِلرُّخَصِ وَلِذَلِكَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ لَا يَقْصُرُ وَلَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ هَذَيْنِ السَّفَرُ وَهُوَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَعْصِيَةٌ فَلَا يُنَاسِبُ الرُّخْصَةَ؛ لِأَنَّ تَرْتِيبَ التَّرَخُّصِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ سَعْيٌ فِي تَكْثِيرِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْمُكَلَّفِ بِسَبَبِهَا. وَأَمَّا مُقَارَنَةُ الْمَعَاصِي لِأَسْبَابِ الرُّخَصِ فَلَا تَمْتَنِعُ إجْمَاعًا كَمَا يَجُوزُ لِأَفْسَقِ النَّاسِ وَأَعْصَاهُمْ التَّيَمُّمُ إذَا عَدِمَ الْمَاءَ وَهُوَ رُخْصَةٌ وَكَذَلِكَ الْفِطْرُ إذَا أَضَرَّ بِهِ الصَّوْمُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ حُفَّاظِ الْمَذْهَبِ عَكْسَ ذَلِكَ نَصًّا وَأَنَّ كَلَامَ عِيَاضٍ عَلَى نَقْلِ الْأَبِيِّ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالْجَوَازِ مَشْهُورَةٌ أَوْ رَاجِحَةٌ أَوْ مُسَاوِيَةٌ لِلْأُخْرَى عَلَى أَنَّ فِي نُسْخَةٍ عَتِيقَةٍ مَظْنُونٍ بِهَا الصِّحَّةُ مِنْ نُسَخِ الْإِكْمَالِ مُخَالِفَةٍ لِمَا فِي نَقْلِ الْأَبِيِّ عَنْهُ حَيْثُ إنَّهَا بِلَفْظٍ يُجِيزُ تَقْلِيدَ هَدْيِ التَّمَتُّعِ إلَخْ لَا بِلَفْظٍ يُجِيزُ نَحْرَ هَدْيٍ إلَخْ كَمَا فِي نَقْلِ الْأَبِيِّ وَيُؤَيِّدُهَا أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: ذَكَرَ عِيَاضٌ الْمَسْأَلَةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِدُونِ أَنْ يَذْكُرَ فِيهَا جَوَازَ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ بَلْ إنَّمَا ذَكَرَ جَوَازَ النَّحْرِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ لَا قَبْلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَقَطْ فَكَيْفَ يَذْكُرُ فِي ذَلِكَ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ، وَثَانِيهِمَا: أَنَّ اللَّخْمِيَّ إنَّمَا ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي التَّقْلِيدِ لَا فِي النَّحْرِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ لَفْظَةَ نَحْرٍ فِي نَقْلِ الْأَبِيِّ عَنْ عِيَاضٍ تَصْحِيفٌ وَإِنَّمَا هِيَ تَقْلِيدٌ كَمَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ كَلَامُ حُفَّاظِ الْمَذْهَبِ، نَعَمْ الْقَوْلُ بِجَوَازِ نَحْرِ هَدْيِ التَّمَتُّعِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَإِنْ ثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ فِي مَذْهَبِنَا إلَّا أَنَّهُ قَوِيٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُعْتَبَرَةِ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنَّ كُلَّ حَقٍّ مَالِيٍّ تَعَلَّقَ بِسَبَبَيْنِ جَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى ثَانِيهِمَا كَمَا نَقَلَهُ الْجَمَلُ عَلَى الْجَلَالَيْنِ عَنْ شَيْخِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا صَوْمُ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ مِمَّنْ فَقَدَ الْهَدْيَ أَوْ ثَمَنَهُ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى ثَانِي سَبَبَيْهَا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ لَا مَالِيَّةٌ اهـ. قُلْت: وَقَدْ تَرَتَّبَ الْآنَ عَلَى إخْرَاجِ الْهَدْيِ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْحِلِّ وَذَبْحِهِ بِمَكَّةَ وَعَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ مِنْ عَرَفَةَ إلَى مِنًى وَذَبْحُهُ بِمِنًى إمَّا إتْلَافُ مَالٍ وَإِمَّا عَدَمُ انْتِفَاعِ الْفُقَرَاءِ بِالْهَدْيِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ حَجَّ وَشَاهَدَ ذَلِكَ فَالْأَسْهَلُ إمَّا الْعَمَلُ بِمُقَابِلِ الْمَشْهُورِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْحَطَّابُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ جَوَازِ الْعَمَلِ بِالشَّاذِّ فِي خَاصَّةِ النَّفْسِ وَأَنَّهُ يُقْدِمُ عَلَى الْعَمَلِ بِمَذْهَبِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمَغَارِبَةِ وَإِمَّا تَقْلِيدُ الشَّافِعِيِّ فِي جَوَازِ نَحْرِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ بِنَاءً عَلَى مَا نَقَلَهُ الدُّسُوقِيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ فِي خَاصَّةِ النَّفْسِ بَلْ يُقَدِّمُ الْعَمَلَ بِقَوْلِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ رَاجِحًا؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْغَيْرِ قَوِيٌّ فِي مَذْهَبِهِ وَتَقْلِيدُ الشَّافِعِيِّ أَوْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْجَمْعِ فِي الْهَدْيِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ عِنْدَنَا فِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ نَصٌّ لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي نَازِلَةٍ فَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ مَسَائِلَ الْخِلَافِ الَّتِي بَيْنَ مَالِكٍ وَبَيْنَهُ اثْنَانِ

[الفرق بين قاعدة ملك القريب ملكا محققا يقتضي العتق على المالك وبين قاعدة ملك القريب ملكا مقدرا]

وَالْجُلُوسُ إذَا أَضَرَّ بِهِ الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ وَيُقَارِضُ وَيُسَاقِي وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الرُّخَصِ وَلَا تَمْنَعُ الْمَعَاصِي مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ هَذِهِ الْأُمُورِ غَيْرُ مَعْصِيَةٍ بَلْ هِيَ عَجْزُهُ عَنْ الصَّوْمِ وَنَحْوُهُ وَالْعَجْزُ لَيْسَ مَعْصِيَةً فَالْمَعْصِيَةُ هَاهُنَا مُقَارَنَةٌ لِلسَّبَبِ لَا سَبَبٌ وَبِهَذَا الْفَرْقِ يَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْعَاصِيَ بِسَفَرِهِ لَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ إذَا اضْطَرَّ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ أَكْلِهِ خَوْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ لَا سَفَرُهُ فَالْمَعْصِيَةُ مُقَارِنَةٌ لِسَبَبِ الرُّخْصَةِ لَا أَنَّهَا هِيَ السَّبَبُ وَيَلْزَمُ هَذَا الْقَائِلَ أَنْ لَا يُبِيحَ لِلْعَاصِي جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَرْقَ فَهُوَ جَلِيلٌ حَسَنٌ فِي الْفِقْهِ وَيَلْزَمُ هَذَا الْقَائِلَ أَنْ يَجْعَلَ السَّفَرَ هُوَ سَبَبُ عَدَمِ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ حَتَّى احْتَاجَ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَنَّ مَنْ خَرَجَ لِيَسْرِقَ فَوَقَعَ فَانْكَسَرَتْ يَدُهُ أَنْ لَا يَمْسَحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَلَا يُفْطِرَ إذَا خَافَ مِنْ الصَّوْمِ وَمِنْ الْكَسْرِ الْهَلَاكَ وَأَنْ لَا يَتَيَمَّمَ إذَا عَجَزَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ حَتَّى يَتُوبَ كَمَا قَالَ فِي الْأَكْلِ فِي السَّفَرِ فَيَلْزَمُ بَقَاءُ الْمُصِرِّ عَلَى مَعْصِيَتِهِ بِلَا صَلَاةٍ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ وَتَتَعَطَّلُ عَلَيْهِ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْأَحْكَامِ وَلَا قَائِلَ بِهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ عِلَّةِ الْإِذْنِ أَوْ التَّحْرِيمِ وَبَيْنَ عَدَمِ عِلَّةِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْعِلَلِ) اعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْعِلَّتَيْنِ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ الْآخَرِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْعِلَلِ فَعَدَمُ عِلَّةِ الْإِذْنِ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ وَعَدَمُ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ عِلَّةُ الْإِذْنِ. وَأَمَّا عَدَمُ عِلَّةِ الْوُجُوبِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ شَيْءٌ فَقَدْ يَكُونُ غَيْرُ الْوَاجِبِ مُحَرَّمًا وَقَدْ يَكُونُ مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مَكْرُوهًا، وَكَذَلِكَ عَدَمُ عِلَّةِ النَّدْبِ أَوْ الْكَرَاهَةِ قَدْ يَكُونُ الْفِعْلُ بَعْدَ ذَلِكَ وَاجِبًا أَوْ مُحَرَّمًا أَوْ مُبَاحًا أَوْ مَتَى عُدِمَتْ عِلَّةُ الْإِذْنِ تَعَيَّنَ التَّحْرِيمُ وَمَتَى عُدِمَتْ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ تَعَيَّنَ الْإِذْنُ وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِذِكْرِ ثَلَاثِ مَسَائِلَ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) عِلَّةُ النَّجَاسَةِ الِاسْتِقْذَارُ فَمَتَى كَانَتْ الْعَيْنُ لَيْسَتْ بِمُسْتَقْذَرَةٍ فَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي تِلْكَ الْعَيْنِ عَدَمُ النَّجَاسَةِ وَأَنْ تَكُونَ طَاهِرَةً فَعِلَّةُ الطَّهَارَةِ عَدَمُ عِلَّةِ النَّجَاسَةِ فَهَذَا هُوَ شَأْنُ هَذَا الْمَقَامِ إلَّا أَنْ يَحْدُثَ مُعَارِضٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى يُعَارِضُنَا عِنْدَ عَدَمِ الْعِلَّةِ كَمَا فِي الْخَمْرِ، فَإِنَّ الْخَمْرَ لَيْسَتْ بِمُسْتَقْذَرَةٍ وَإِنَّمَا قُضِيَ بِتَنْجِيسِهَا؛ لِأَنَّهَا مَطْلُوبَةُ الْإِبْعَادِ وَالْقَوْلُ بِتَنْجِيسِهَا يُفْضِي إلَى إبْعَادِهَا وَمَا يُفْضِي إلَى الْمَطْلُوبِ مَطْلُوبٌ فَتَنْجِيسُهَا مَطْلُوبٌ فَتَكُونُ نَجِسَةً فَهَذِهِ عِلَّةٌ أُخْرَى غَيْرُ الِاسْتِقْذَارِ وُجِدَتْ عِنْدَ عَدَمِهِ فَقَامَتْ مَقَامَهُ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ مَا ذَكَرَ عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَلِّلَ النَّجَاسَةَ وَإِذَا سَأَلَتْهُ عَنْ عِلَّةِ الطَّهَارَةِ لَا يَعْلَمُهَا وَهِيَ عَدَمُ عِلَّةِ النَّجَاسَةِ وَإِذَا سُئِلَ أَيْضًا أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَنْ النَّجَاسَةِ إلَى أَيِّ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ تَرْجِعُ رُبَّمَا عَسِرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَظَنَّ أَنَّهَا حُكْمٌ آخَرُ مِنْ أَحْكَامِ الْوَضْعِ أَوْ غَيْرِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ تَرْجِعُ إلَى أَحَدِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ وَكَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَثَلَاثُونَ مَسْأَلَةً فَقَطْ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَرَافِيِّ وَعَلَيْهِ جَرَى عَمَلُ جَدِّ عج أَنَّهُ يَنْتَقِلُ فِي تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ تِلْمِيذُ الْإِمَامِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْخَرَشِيِّ لِلشَّيْخِ عَلِيٍّ الْعَدَوِيِّ وَإِذَا قَلَّدَ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ الْهَدْيِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّلْفِيقِ فِي الْعِبَادَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ مَذْهَبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فُسْحَةٌ فِي الدِّينِ وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْعَدَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْخَرَشِيِّ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ مِلْكًا مُحَقَّقًا يَقْتَضِي الْعِتْقَ عَلَى الْمَالِكِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ مِلْكًا مُقَدَّرًا] (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ مِلْكًا مُحَقَّقًا يَقْتَضِي الْعِتْقَ عَلَى الْمَالِكِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مِلْكِ الْقَرِيبِ مِلْكًا مُقَدَّرًا لَا يَقْتَضِي الْعِتْقَ عَلَى الْمَالِكِ) بِنَاءً عَلَى مَا زَعَمَهُ الْأَصْلُ مِنْ لُزُومِ تَقْدِيرِ الْمِلْكِ لِلْقَرِيبِ كَالْأَبِ إذَا طَلَبَ قَرِيبُهُ كَابْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يَعْتِقَ عَنْ كَفَّارَةٍ عَلَيْهِ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ فَأَعْتَقَ الْمَطْلُوبُ عَنْ الطَّالِبِ أَبَاهُ فِي الْكَفَّارَةِ الَّتِي عَلَيْهِ وَأَنَّ بَرَاءَةَ ذِمَّةِ الِابْنِ مِنْ الْكَفَّارَةِ الَّتِي عَلَيْهِ وَصَيْرُورَةَ وَلَاءِ أَبِيهِ لَهُ بِعِتْقِ مَالِكِهِ لَهُ عَنْهُ فِي كَفَّارَتِهِ يَتَوَقَّفَانِ عَلَى تَقْدِيرِ الْمِلْكِ لِلِابْنِ الْمُعْتَقِ عَنْهُ قَبْلَ صُدُورِ الْعِتْقِ فِي الزَّمَنِ الْفَرْدِ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ لِضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ وَأَنَّ هَذَا الْمِلْكَ الْمُقَدَّرَ بِضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ يُفَارِقُ الْمِلْكَ الْمُحَقَّقَ الْحَاصِلَ بِنَحْوِ الشِّرَاءِ لِلْآبَاءِ أَوْ لِلْأَبْنَاءِ أَوْ لِنَحْوِهِمْ فِي اقْتِضَاءِ الْمُحَقَّقِ الْعِتْقَ دُونَ الْمُقَدَّرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمِلْكِ الْمُقَدَّرِ هُوَ أَنَّ بِالْمَمْلُوكِ مِنْ جِهَةِ مَنْ قُدِّرَ الْمِلْكُ لَهُ حَتَّى يُنَافِيَ الْإِجْلَالَ لِلْآبَاءِ وَالِاحْتِرَامَ لِلْأَبْنَاءِ وَنَحْوَهُمْ الْمَطْلُوبُ شَرْعًا كَمَا فِي الْمُحَقَّقِ فَإِنَّ الْوَاقِعَ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَإِنَّمَا الشَّرْعُ أَعْطَى هَذَا الْمِلْكَ الْمَعْدُومَ حُكْمَ الْمَوْجُودِ لِمَا ذَكَرَ وَالْوَاقِعُ الْمُحَقَّقُ عَدَمُ الْمِلْكِ فَلَا جَرَمَ لَا يَلْزَمُ بِهَذَا الْمِلْكِ الْمُقَدَّرِ عِتْقٌ بَلْ يَقَعُ عِتْقُ وَالِدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَتُجْزِئُ عَنْهُ إذْ لَوْ قُلْنَا: إنَّهُ عِتْقٌ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ لَمْ يَجُزْ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ عِتْقَهُ بِسَبَبٍ غَيْرِ الْعَتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَا يُجْزِئُ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ اهـ. وَالْحَقُّ أَنَّ تَقْدِيرَ الْمِلْكِ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِاللَّازِمِ بَلْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ إجْزَاءِ الْعِتْقِ عَنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ وَثُبُوتِ الْوَلَاءِ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مِلْكِهِ لِمَنْ أَعْتَقَ عَنْهُ فَفِي شَرْحِ الْمَوَّاقِ عَلَى خَلِيلِ: ابْنُ رُشْدٍ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَوَلَاؤُك لِي لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَذْهَبُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَالْوَلَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ اهـ. وَلَا دَلِيلَ يَدُلُّ عَلَيْهِ بَلْ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ وَهُوَ صِحَّةُ الْعِتْقِ عَنْ الْمَيِّتِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ

[الفرق بين قاعدة رفع الواقعات وبين قاعدة تقدير ارتفاعها]

إذَا قِيلَ لَهُمْ مَا الطَّهَارَةُ عَسِرَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ حَتَّى رَأَيْت لِبَعْضِ الْأَكَابِرِ أَنَّ الطَّهَارَةَ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الطَّهُورِ فِي الْعَيْنِ الَّتِي قُضِيَ عَلَيْهَا بِالطَّهَارَةِ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ بُطُونَ الْجِبَالِ وَتِلَالَ الرِّمَالِ وَبُطُونَ الْأَرْضِ طَاهِرَةٌ مَعَ عَدَمِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِيهَا بَلْ النَّجَاسَةُ تَرْجِعُ إلَى تَحْرِيمِ الْمُلَابَسَةِ فِي الصَّلَوَاتِ وَالْأَغْذِيَةِ لِأَجْلٍ الِاسْتِقْذَارِ أَوْ التَّوَسُّلِ لِلْإِبْعَادِ فَقَوْلِي لِأَجْلِ الِاسْتِقْذَارِ احْتِرَازًا مِنْ السَّمُومِ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ مُلَابَسَتُهَا فِي الْأَغْذِيَةِ، وَكَذَلِكَ الْأَغْذِيَةُ وَالْأَشْرِبَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْأَسْقَامِ وَالْأَمْرَاضِ تَحْرُمُ مُلَابَسَتُهَا فِي الْأَغْذِيَةِ وَلَيْسَتْ نَجِسَةً وَقَوْلِي أَوْ التَّوَسُّلِ لِلْإِبْعَادِ احْتِرَازًا مِنْ الْخَمْرِ حَتَّى تَنْدَرِجَ فِي الْحَدِّ، وَلَوْ اقْتَصَرْت عَلَى قَوْلِي تَحْرُمُ مُلَابَسَتُهَا فِي الصَّلَوَاتِ لَكَانَ ذَلِكَ كَافِيًا لَكِنْ أَرَدْت بِذِكْرِ الْأَغْذِيَةِ زِيَادَةَ الْبَيَانِ وَالطَّهَارَةُ عِبَارَةٌ عَنْ إبَاحَةِ الْمُلَابَسَةِ فِي الصَّلَوَاتِ وَبِهَذَا التَّفْسِيرِ تَنْدَرِجُ بُطُونُ الْجِبَالِ وَسَائِرُ الْأَعْيَانِ فَظَهَرَ أَنَّ النَّجَاسَةَ تَرْجِعُ لِلتَّحْرِيمِ وَالطَّهَارَةُ تَرْجِعُ لِلْإِبَاحَةِ وَأَنَّ عَدَمَ عِلَّةِ التَّنْجِيسِ عِلَّةُ الطَّهَارَةِ وَأَنَّ عَدَمَ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ عِلَّةُ الْإِبَاحَةِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) تَحْرِيمُ الْخَمْرِ مُعَلَّلٌ بِالْإِسْكَارِ فَمَتَى زَالَ الْإِسْكَارُ زَالَ التَّحْرِيمُ وَثَبَتَ الْإِذْنُ وَجَازَ أَكْلُهَا وَشُرْبُهَا وَعِلَّةُ إبَاحَةِ شُرْبِ الْعَصِيرِ مُسَالَمَتُهُ لِلْعَقْلِ وَسَلَامَتُهُ عَنْ الْمَفَاسِدِ فَعَدَمُ هَذِهِ الْمُسَالَمَةِ وَالسَّلَامَةِ عِلَّةٌ لِتَحْرِيمِهِ فَظَهَرَ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ عَدَمَ التَّحْرِيمِ عِلَّةُ الْإِذْنِ وَعَدَمُ عِلَّةِ الْإِذْنِ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْحَدَثُ لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لِلْوُضُوءِ فَلِذَلِكَ يُقَالُ أَحْدَثَ إذَا خَرَجَ مِنْهُ خَارِجٌ وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ الْمَنْعُ الْمُرَتَّبُ عَلَى هَذَا السَّبَبِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْعُلَمَاءِ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ بِفِعْلِهِ أَيْ يَنْوِي ارْتِفَاعَ الْمَنْعِ الْمُرَتَّبِ عَلَى ذَلِكَ السَّبَبِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا يُمْكِنُ فِي نِيَّتِهِ رَفْعُ الْحَدَثِ إلَّا بِهَذَا فَإِنَّ تِلْكَ الْأَسْبَابَ الْمُوجِبَةَ لِلْوُضُوءِ يَسْتَحِيلُ رَفْعُهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ وَاقِعَةً دَاخِلَةً فِي الْوُجُودِ وَلَا يُمْكِنُ لِعَاقِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ يَرْفَعُ تِلْكَ الْأَعْيَانَ الْمُسْتَقْذَرَةَ مِنْ غَيْرِهَا بِوُضُوءٍ بَلْ الَّذِي يَنْوِي بِرَفْعِهِ هَذَا الْمَنْعَ الْمُرَتَّبَ عَلَى تِلْكَ الْأَسْبَابِ، وَالْمَنْعُ وَإِنْ كَانَ أَيْضًا وَقَعَ وَصَارَ مِنْ جُمْلَةِ الْوَاقِعَاتِ وَالْوَاقِعَاتُ يَسْتَحِيلُ رَفْعُهَا غَيْرَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِرَفْعِهِ مَنْعُ اسْتِمْرَارِهِ كَمَا أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَمْنَعُ اسْتِمْرَارَ مَنْعِ الْوَطْءِ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ كَذَلِكَ هَاهُنَا وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ لَا يَعْرِفُ مَعْنَى الْحَدَثِ أَيْضًا وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى تَحْرِيمِ مُلَابَسَةِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَتَطَهَّرَ وَإِذَا كَانَ الْحَدَثُ عِبَارَةً عَنْ التَّحْرِيمِ، فَإِذَا تَطَهَّرَ الْإِنْسَانُ وَصَارَ يُبَاحُ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْعِبَادَةِ فَالْإِبَاحَةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُضَافَةٌ إلَى عَدَمِ سَبَبٍ يَقْتَضِي وُجُوبَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي الطَّهَارَةِ فَعِلَّةُ هَذِهِ الْإِبَاحَةِ عَدَمُ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ الَّتِي هِيَ عِلَّةُ الْحَدَثِ الَّذِي هُوَ الْمَنْعُ فَذَلِكَ الْخَارِجُ مَثَلًا هُوَ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ وَعَدَمُهُ عِلَّةُ الْإِبَاحَةِ بَعْدَ التَّطَهُّرِ وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ سَبَبُ ارْتِفَاعِ ذَلِكَ الْمَنْعِ وَحُصُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَمْلِكَ ثُمَّ أَنَّ الْمُعْتِقَ عَنْ غَيْرِهِ لَمْ يَقْصِدْ إلَى ذَلِكَ الْمُقَدَّرِ وَلَوْ قَصَدَ إلَيْهِ لَمَا صَحَّ عِتْقُهُ إيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ كَأَنْ يَكُونَ حِينَئِذٍ مُعْتِقًا مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ مِنْ تَقَدُّمِ تَوْكِيلِ الْمُعْتَقِ عَنْهُ إنَّمَا يُتَّجَهُ إذَا كَانَ الْعِتْقُ بِإِذْنِهِ أَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا يُتَّجَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُرِيدَ بِالتَّقْدِيرِ مَا يَرْجِعُ إلَى الْبَارِي تَعَالَى وَهُوَ مُحَالٌ عَلَيْهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَقُومُ بِذَاتِهِ تَعَالَى تَقْدِيرُ أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ بِالْمَعْنَى الَّذِي يُقَالُ ذَلِكَ فِي حَقِّنَا بَلْ لَا يَقُومُ بِذَاتِهِ إلَّا الْعِلْمُ بِوُجُودِ ذَلِكَ الْأَمْرِ أَوْ بِعَدَمِهِ وَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا يَرْجِعُ إلَيْنَا وَهُوَ أَيْضًا مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ سَبَبُ قِيَامِ الْخَبَرِ بِبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الِابْنِ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَصَيْرُورَةِ وَلَاءِ أَبِيهِ لَهُ بِعِتْقِ مَالِكِهِ لَهُ عَنْهُ فِي كَفَّارَتِهِ بِذَاتِهِ تَعَالَى تَقْدِيرُنَا نَحْنُ ذَلِكَ الْأَمْرَ وَتَقْدِيرُنَا حَادِثٌ فَيَلْزَمُ حُدُوثُ ذَلِكَ الْخَبَرِ لِضَرُورَةِ سَبْقِ السَّبَبِ لِلْمُسَبَّبِ أَوْ مَعِيَّتِه، وَبِالْجُمْلَةِ الْقَوْلُ بِتِلْكَ التَّقْدِيرَاتِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يَصِحُّ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ الشَّاطِّ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ حَاشِيَتِهِ عَلَى الْأَصْلِ وَإِنْ أَمْكَنَ الْجَوَابُ عَنْ التَّرْدِيدِ بِاخْتِيَارِ الشِّقِّ الثَّانِي وَإِرْجَاعِ سَبَبِيَّةِ التَّقْدِيرِ لِلْمُخْبِرِ بِهِ لَا لِقِيَامِ الْخَبَرِ بِذَاتِهِ تَعَالَى فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ رَفْعِ الْوَاقِعَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَقْدِيرِ ارْتِفَاعِهَا] (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ رَفْعِ الْوَاقِعَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَقْدِيرِ ارْتِفَاعِهَا) وَهُوَ أَنَّ رَفْعَ الْوَاقِعَاتِ مُسْتَحِيلٌ مُطْلَقًا وَأَنَّ تَقْدِيرَ ارْتِفَاعِهَا مُمْكِنٌ مُطْلَقًا وَقَدْ ثَبَتَ الْحُكْمُ لِلتَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ بِإِعْطَاءِ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ أَوْ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا تَقْدِيرُ النَّجَاسَةِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فِي صُوَرِ الضَّرُورَاتِ كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَمَوْضِعِ الْحَدَثِ مِنْ الْمَخْرَجَيْنِ. وَمِنْهَا تَقْدِيرُ رَفْعِ الْإِبَاحَةِ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا قَبْلَ الرَّدِّ وَنَقَلَ ارْتَفَعَ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ لَا مِنْ حِينِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ يُعْطِيهِ الْآنَ حُكْمَ عَقْدٍ لَمْ يُوجَدْ إلَّا أَنَّهُ يُرْفَعُ بَعْدَ وُجُودِهِ حَتَّى يُقَالَ الْقَاعِدَةُ الْعَقْلِيَّةُ أَنَّ رَفْعَ الْوَاقِعِ مُحَالٌ وَإِخْرَاجُ مَا تَضَمَّنَهُ الزَّمَانُ الْمَاضِي مُحَالٌ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي وَلَدِ الْجَارِيَةِ وَالْبَهَائِمِ الْمَبِيعَةِ لِمَنْ تَكُونُ وَكَذَلِكَ الْغَلَّاتُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ فَإِنَّهَا تَكُونُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي لِلْبَائِعِ عَلَى الْقَوْلِ بِتَقْدِيرِ الْعَقْدِ مَعْدُومًا مِنْ أَصْلِهِ وَلِلْمُشْتَرِي عَلَى الْقَوْلِ بِتَقْدِيرِهِ مَعْدُومًا مِنْ حِينِهِ، وَمِنْهَا تَقْدِيرُ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ إبَاحَةِ وَطْءِ الزَّوْجَةِ الَّتِي قَالَ لَهَا: إنْ قَدِمَ زَيْدٌ آخِرَ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى أَنْ يُقْدِمَ زَيْدٌ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ لَا أَنَّنَا نَعْتَقِدُ أَنَّهَا ارْتَفَعَتْ

هَذِهِ الْإِبَاحَةِ فَحَصَلَ أَيْضًا فِي هَذَا الْمِثَالِ أَنَّ عِلَّةَ الْإِبَاحَةِ عَدَمُ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ وَعَدَمُ سَبَبِ الْإِبَاحَةِ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْت لِمَ لَا يَكُونُ الْوُضُوءُ مَثَلًا هُوَ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ وَعَدَمُهُ هُوَ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ وَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ تِلْكَ الْفَضَلَاتِ الْمُسْتَقْذَرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُلَامَسَةِ وَنَحْوِهَا قُلْت لَا خَفَاءَ أَنَّ الْوُضُوءَ مُوجِبٌ لِلْإِبَاحَةِ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَمَا هُوَ مُشْتَرَطٌ فِيهِ الْوُضُوءُ وَنَقُولُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الطَّهَارَةُ سَبَبٌ لِلْإِبَاحَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ حَتَّى يَطْرَأَ الْحَدَثُ وَالْحَدَثُ سَبَبُ الْمَنْعِ الْمُسْتَمِرِّ حَتَّى تَطْرَأَ الطَّهَارَةُ وَيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ فَإِنَّ عَدَمَ الطَّهَارَةِ بِالْكُلِّيَّةِ سَبَبُ الْمَنْعِ وَعَدَمُ الْحَدَثِ بِالْكُلِّيَّةِ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ فَإِنْ قُلْت فَمَنْ لَمْ يُحْدِثْ قَطُّ يَلْزَمْك أَنْ تُبَاحَ لَهُ الصَّلَاةُ وَإِنْ لَمْ يَتَطَهَّرْ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِبَاحَةِ مَوْجُودٌ فِي حَقِّهِ وَهُوَ عَدَمُ الْحَدَثِ قُلْت الْتَزَمَهُ مَعَ أَنَّهُ فَرْضٌ مُحَالٌ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا بُدَّ لَهُ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ فَضَلَاتُ غِذَائِهِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَعِنْدَ الْوِلَادَةِ فَإِذَا فُرِضَ وُقُوعُ هَذَا الْمُحَالِ وَهُوَ عَدَمُ خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْهُ أَلْبَتَّةَ لَا مَانِعَ لِي مِنْ الْتِزَامِ الْإِبَاحَةِ فِي حَقِّهِ لَا بِنَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ. وَكَذَلِكَ أَقُولُ فِي الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فِي سَبَبِ الْمَنْعِ الْمُسْتَمِرِّ حَتَّى تَطْرَأَ الطَّهَارَةُ وَالطَّهَارَةُ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ حَتَّى تَطْرَأَ هَذِهِ الْأَحْدَاثُ وَعَدَمُ هَذِهِ الْأَحْدَاثِ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَلَوْلَا اشْتِرَاطُ صَاحِبِ الشَّرْعِ الْوُضُوءَ لَأَبَحْنَا الصَّلَاةَ لِمَنْ عُدِمَتْ فِي حَقِّهِ هَذِهِ الْأَحْدَاثُ الْكِبَارُ وَصَحَّ لَنَا حِينَئِذٍ فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ وَالطَّهَارَةِ الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى أَنَّ عَدَمَ سَبَبِ الْإِبَاحَةِ سَبَبُ الْمَنْعِ وَعَدَمُ سَبَبِ الْمَنْعِ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ وَاطَّرَدَتْ الْقَاعِدَةُ وَهَذَا الْخِلَافُ سَبَبُ الْوُجُوبِ وَعِلَّتُهُ فَإِنَّ سَبَبَ وُجُوبِ إرَاقَةِ دَمِ الْمُرْتَدِّ رِدَّتُهُ فَإِذَا فُقِدَتْ الرِّدَّةُ كَانَ دَمُهُ حَرَامًا وَسَبَبُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ الزَّوْجِيَّةُ أَوْ الْقَرَابَةُ، فَإِذَا عُدِمَ ذَلِكَ لَا تَحْرُمُ النَّفَقَةُ بَلْ يُنْدَبُ إلَيْهَا فِي الْأَجَانِبِ وَسَبَبُ وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ حُضُورُ مَحَلِّهَا الَّذِي هُوَ الْقِيَامُ فَإِذَا رَكَعَ وَسَجَدَ وَعُدِمَ الْقِيَامُ كُرِهَتْ الْقِرَاءَةُ فَلَمَّا كَانَ عَدَمُ سَبَبِ الْوُجُوبِ لَا يَسْتَلْزِمُ مِنْ ذَلِكَ حُكْمًا مُعَيَّنًا فَارَقَ بِذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عِلَّةِ الْإِبَاحَةِ وَالْمَنْعِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ. (الْفَرْقُ السِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ إثْبَاتِ النَّقِيضِ فِي الْمَفْهُومِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إثْبَاتِ الضِّدِّ فِيهِ) اعْلَمْ أَنَّ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْحُكْمَ الْمَنْطُوقَ غَيْرُ ثَابِتٍ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَهَلْ الْقَاعِدَةُ فِيهِ عِنْدَ الْقَضَاءِ بِأَنَّ حُكْمَ الْمَسْكُوتِ يَقْتَضِي إثْبَاتَ ضِدِّ الْحُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ أَوْ إثْبَاتَ نَقِيضِهِ، وَالثَّانِي هُوَ الْحَقُّ بِأَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ لِلْمَنْطُوقِ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِإِثْبَاتِ حُكْمِ الْمَسْكُوتِ أَلْبَتَّةَ فَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى عَشْرَةِ أَقْسَامٍ كُلُّهَا مُسْتَقِيمَةٌ مَعَ النَّقِيضِ فَقَطْ مَفْهُومُ الْعِلَّةِ نَحْوَ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَهُوَ حَرَامٌ مَفْهُومُهُ مَا لَمْ يُسْكِرْ كَثِيرُهُ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَمَفْهُومُ الصِّفَةِ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ مَفْهُومُهُ مَا لَيْسَ بِسَائِمَةٍ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ مَنْ تَطَهَّرَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مَفْهُومُهُ مَنْ لَمْ يَتَطَهَّرْ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَمَفْهُومُ الْمَانِعِ لَا يُسْقِطُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الزَّمَنِ الْمَاضِي حَتَّى يَلْزَمَ الْمُحَالُ مِنْ رَفْعِ الْوَاقِعِ كَمَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَهَلْ تَطْلُقُ مِنْ الْآنَ أَوْ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَهُوَ الَّذِي يَرَاهُ ابْنُ يُونُسَ مِنْ أَصْحَابِنَا مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ فَيَقْضِي بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالتَّحْرِيمِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَيُقَدَّرُ الْآنَ أَنَّ الْإِبَاحَةَ الْكَائِنَةَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَوَسَطِهِ فِي حُكْمِ الْمُرْتَفِعَةِ لَا إنَّنَا نَجْزِمُ بِارْتِفَاعِهَا بِالْفِعْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَالْبَحْثُ فِيهَا مَعَ الشَّافِعِيِّ فِي بَابِ فَرْقِ الشُّرُوطِ فَلْتُطَالَعْ ثَمَّةَ، وَمِنْهَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ التَّقْدِيرِ الَّتِي لَا يَخْلُو بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ عَنْهَا، نَعَمْ لَيْسَ مِنْهَا تَقْدِيرُ الْمِلْكِ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ؛ إذْ لَا حَاجَةَ إلَى التَّقْدِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَالتَّقْدِيرُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا مِنْهَا تَقْدِيرُ مِلْكِ الدِّيَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ بَعْدَ إنْقَاذِ الْمُقَاتِلِ وَقَبْلَ زُهُوقِ الرُّوحِ بَلْ هُوَ مَوْضِعُ تَحْقِيقِ الْمِلْكِ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ الشَّاطِّ. قُلْت: وَلَيْسَ مِنْهَا أَيْضًا مَسْأَلَةُ تَأْثِيرِ رَفْضِ النِّيَّةِ فِيمَا عَدَا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فِي الْأَثْنَاءِ اتِّفَاقًا فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَعَلَى الْخِلَافِ فِي الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ وَالِاعْتِكَافِ وَلَا تَأْثِيرِ رَفْضِهَا فِي الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ بَعْدَ الْفَرَاغِ عَلَى الْخِلَافِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلرَّفْضِ فِي الْأَثْنَاءِ فَلِأَنَّ الْحَقَّ صِحَّتُهُ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ بِدُونِ احْتِيَاجٍ إلَى التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ قَاصِدًا بِالْعِبَادَةِ امْتِثَالَ الْأَمْرِ ثُمَّ أَتَمَّهَا بِنِيَّةٍ أُخْرَى لَيْسَتْ بِعِبَادَتِهِ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا كَالْمُتَطَهِّرِ يَنْوِي أَوَّلًا رَفْعَ الْحَدَثِ ثُمَّ يَنْسَخُ تِلْكَ النِّيَّةَ ثَانِيًا بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ أَوْ التَّنَظُّفِ مِنْ الْأَوْسَاخِ الْبَدَنِيَّةِ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلرَّفْضِ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ صِحَّتِهِ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ ضَرُورَةَ أَنَّ صِحَّتَهُ حِينَئِذٍ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى رُجُوعِهِ لِلتَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ بَعْدَ كَمَالِهَا عَلَى مَشْرُوطِهَا قَصْدُهُ أَنْ لَا تَكُونَ عِبَادَةً وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمُهَا مِنْ إجْزَاءٍ أَوْ اسْتِبَاحَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَالْوَاقِعُ يَسْتَحِيلُ رَفْعُهُ وَالتَّقْدِيرُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَلَزِمَ أَنْ لَا يُؤَثِّرَ فِيهَا بَلْ تَكُونُ عَلَى حُكْمِهَا لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْقَصْدُ. وَخَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ خِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالِاعْتِكَافِ فَمِنْ هُنَا نَقَلَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ تَأْثِيرِ الرَّفْضِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعِبَادَةِ عِنْدِي أَصَحُّ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَرْجِعُ إلَى التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ يَسْتَحِيلُ رَفْضُهُ وَالتَّقْدِيرُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ

[الفرق بين قاعدة تداخل الأسباب وبين قاعدة تساقطها]

الزَّكَاةَ إلَّا الدَّيْنُ مَفْهُومُهُ أَنَّ مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ وَمَفْهُومُ الزَّمَانِ سَافَرْت يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَمْ يُسَافِرْ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَمَفْهُومُ الْمَكَانِ جَلَسْت أَمَامَك مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَمْ يَجْلِسْ عَنْ يَمِينِك وَمَفْهُومُ الْغَايَةِ {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] مَفْهُومُهُ لَا يَجِبُ بَعْدَ اللَّيْلِ وَمَفْهُومُ الْحَصْرِ إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مِنْ غَيْرِ الْمَاءِ وَمَفْهُومُ الِاسْتِثْنَاءِ قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا مَفْهُومُهُ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يَقُمْ وَمَفْهُومُ اللَّقَبِ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى أَسْمَاءِ الذَّوَاتِ نَحْوَ فِي الْغَنَمِ الزَّكَاةُ مَفْهُومُهُ لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ الْغَنَمِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْمَفْهُومِ وَهُوَ أَضْعَفُهَا فَهَذِهِ الْمَفْهُومَاتُ جَمِيعُهَا أَثْبَتْنَا فِيهَا نَقِيضَ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ لِلْمَسْكُوتِ وَحَصَلَ فِيهَا مَعْنَى الْمَفْهُومِ فَظَهَرَ أَنَّ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ إثْبَاتُ نَقِيضِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ لِلْمَسْكُوتِ وَأَنَّ هَذَا هُوَ قَاعِدَتُهُ وَلَيْسَ قَاعِدَتُهُ إثْبَاتَ الضِّدِّ. وَيَظْهَرُ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا حَيْثُ اسْتَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] أَنَّ مَفْهُومَهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَهُ بَلْ مَفْهُومُهُ عَدَمُ تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَعَدَمُ التَّحْرِيمِ صَادِقٌ مَعَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ الْأَعَمَّ مِنْ الشَّيْءِ لَا يُسْتَلْزَمُ فَلَا يَلْزَمُ الْوُجُوبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَكَذَلِكَ يَكُونُ دَأْبُك أَبَدًا فِي مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ إثْبَاتَ النَّقِيضِ فَقَطْ وَلَا تَتَعَرَّضْ لِلضِّدِّ أَلْبَتَّةَ لِمَا ظَهَرَ لَك مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ. (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَفْهُومِ اللَّقَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَفْهُومَاتِ) فَإِنَّ قَاعِدَةَ مَفْهُومِ اللَّقَبِ لَمْ يَقُلْ بِهَا إلَّا الدَّقَّاقُ وَقَاعِدَةُ مَفْهُومِ غَيْرِ اللَّقَبِ قَالَ بِهَا جَمْعٌ كَثِيرٌ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَفْهُومَ اللَّقَبِ أَصْلُهُ كَمَا قَالَ التَّبْرِيزِيُّ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى أَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي قَوْلِنَا لَقَبٌ. وَأَمَّا أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ نَحْوِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَنَحْوِهِمَا لَا يُقَالُ لَهَا لَقَبٌ فَالْأَصْلُ حِينَئِذٍ إنَّمَا هِيَ الْأَعْلَامُ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا، قَالَ: وَيَلْحَقُ بِهَا أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَلَمَ نَحْوَ قَوْلِنَا أَكْرِمْ زَيْدًا أَوْ اسْمَ الْجِنْسِ نَحْوَ زَكِّ عَنْ الْغَنَمِ لَا إشْعَارَ فِيهِ بِالْعِلَّةِ لِعَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ وَمَفْهُومُ الصِّفَةِ وَنَحْوُهُ فِيهِ رَائِحَةُ التَّعْلِيلِ فَإِنَّ الشُّرُوطَ اللُّغَوِيَّةَ أَسْبَابٌ أَيْضًا فَمَتَى جُعِلَ الشَّيْءُ شَرْطًا أَشْعَرَ ذَلِكَ بِسَبَبِيَّةِ ذَلِكَ الشَّرْطِ عِنْدَ الْمُتَعَلَّقِ عَلَيْهِ أَدْرَكْنَا نَحْنُ ذَلِكَ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ إذَا حُصِرَ أَوْ جُعِلَ غَايَةً وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ تُشْعِرُ بِالتَّعْلِيلِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْمَعْلُولِ فَيَلْزَمُ فِي صُورَةِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ عَدَمُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ عِلَّةِ الثُّبُوتِ فِيهِ أَمَّا الْأَعْلَامُ وَالْأَجْنَاسُ فَلَا إشْعَارَ لَهَا بِالْعِلِّيَّةِ فَلَا جَرَمَ لَا يَكُونُ عَدَمُهَا مِنْ صُورَةِ السُّكُوتِ عِلَّةً لِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَدَمَ عِلَّةٍ فَلَا يَلْزَمُ عَدَمُ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَهَذَا هُوَ سَبَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَلِأَنَّهُ بِنَفْسِ الْفَرَاغِ مِنْ الْفِعْلِ سَقَطَ التَّكْلِيفُ بِهِ وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ التَّكْلِيفَ يَرْجِعُ بَعْدَ سُقُوطِهِ لِأَجْلِ الرَّفْضِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ اهـ وَجَرَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ إجْمَاعُ الْفُقَهَاءِ عَلَى عَدَمِ تَأْثِيرِ الرَّفْضِ بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْغُسْلِ. وَأَمَّا خِلَافُهُمْ فِي رَفْضِ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ بَعْدَ الْكَمَالِ فَإِنَّهُ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الطَّهَارَةَ هُنَا لَهَا وَجْهَانِ فِي النَّظَرِ فَمَنْ نَظَرَ إلَى فِعْلِهَا عَلَى مَا يَنْبَغِي قَالَ إنَّ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ بِهَا لَازِمٌ وَمُسَبَّبٌ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ إلَّا بِنَاقِضٍ طَارِئٍ وَمَنْ نَظَرَ إلَى حُكْمِهَا أَعْنِي اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مُسْتَصْحَبًا إلَى أَنْ يُصَلِّيَ وَذَلِكَ أَمْرٌ مُسْتَقْبَلٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ الْأُولَى الْمُقَارِنَةِ لِلطَّهَارَةِ وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ بِنِيَّةِ الرَّفْضِ الْمُنَافِيَةِ لَهَا فَلَا يَصِحُّ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ الْآتِيَةِ بِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَالرَّفْضِ الْمُقَارِنِ لِلْفِعْلِ وَمَا قَارَنَ الْفِعْلَ مُؤَثِّرٌ فَكَذَلِكَ مَا شَابَهَهُ فَلَوْ انْتَفَتْ الْمُشَابَهَةُ بِأَنْ رَفَضَ نِيَّةَ الطَّهَارَةِ بَعْدَ مَا أَدَّى بِهَا الصَّلَاةَ وَتَمَّ حُكْمُهَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ مَنْ صَلَّى ثُمَّ رَفَضَ تِلْكَ الصَّلَاةَ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْهَا وَقَدْ كَانَ أَتَى بِهَا عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ. فَإِنْ قَالَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الرَّفْضِ فِي مِثْلِ هَذَا فَالْقَاعِدَةُ ظَاهِرَةٌ فِي خِلَافِ مَا قَالَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فِي مُوَافَقَاتِهِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ اللُّزُومَ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ طَرَيَان التَّنَاقُضِ فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ فَلِذَا لَمْ يَتَأَتَّ فِيهِ جَرَيَانُ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ وَأَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ تَأْثِيرِ الرَّفْضِ بَعْدَ كَمَالِهِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَدَاخُلِ الْأَسْبَابِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَسَاقُطِهَا] (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَدَاخُلِ الْأَسْبَابِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَسَاقُطِهَا) التَّدَاخُلُ وَالتَّسَاقُطُ بَيْنَ الْأَسْبَابِ وَإِنْ اتَّفَقَا فِي جِهَتَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي دَخَلَ فِي غَيْرِهِ وَلَا عَلَى السَّبَبِ الَّذِي سَقَطَ بِغَيْرِهِ، وَثَانِيهِمَا: جَرَيَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ إلَّا أَنَّهُمَا تَفَارَقَا فِي جِهَاتٍ: الْجِهَةُ الْأُولَى: أَنَّ تَسَاقُطَ الْأَسْبَابِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَتَنَافِي الْمُسَبَّبَاتِ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ يَقْتَضِي شَيْئًا وَالْآخَرُ يَقْتَضِي ضِدَّهُ فَيُقَدِّمُ صَاحِبُ الشَّرْعِ الرَّاجِحَ مِنْهُمَا عَلَى الْمَرْجُوحِ فَيَسْقُطُ الْمَرْجُوحُ أَوْ يَسْتَوِيَانِ فَيَتَسَاقَطَانِ مَعًا وَتَدَاخُلُهَا إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ اتِّحَادِ مُسَبِّبِهَا بِأَنْ يُوجَدَ سَبَبَانِ مُسَبِّبُهُمَا وَاحِدٌ. الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ التَّدَاخُلَ جَرَى عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِي اتِّحَادِ الْمُسَبَّبُ وَالتَّسَاقُطُ جَرَى عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِي تَنَافِي الْمُسَبَّبَاتِ؛ إذْ الْأَصْلُ

ضَعْفِهِ وَقِلَّةِ الْقَائِلِينَ بِهِ وَيَنْبَغِي لَك أَنْ تَتَفَطَّنَ لَهُ فَإِنَّ جَمَاعَةً مِمَّنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ وَقَعَ فِيهِ عِنْدَ الِاسْتِدْلَالِ وَمَا شَعَرَ. وَقَالَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ التَّيَمُّمُ بِغَيْرِ التُّرَابِ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَفِي أُخْرَى «وَتُرَابُهَا طَهُورًا» وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ وَتُرَابُهَا طَهُورًا أَنَّ غَيْرَ التُّرَابِ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَاسْتِدْلَالُهُ بِذَلِكَ عَلَى مَالِكٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَقَبٌ لَيْسَ حُجَّةً عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ اسْمُ جِنْسٍ فَقَدْ اسْتَدَلَّ بِمَا لَيْسَ حُجَّةً عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَ خَصْمِهِ، وَكَذَلِكَ اسْتَدَلَّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْخَلَّ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «حُتِّيهِ ثُمَّ اقْرِضِيهِ بِالْمَاءِ» فَمَفْهُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُغْسَلَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْخَلِّ وَغَيْرِهِ وَهَذَا أَيْضًا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَإِنَّ الْمَاءَ اسْمُ جِنْسٍ فَمَفْهُومُهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ أَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يَقُلْ بِالْمَفْهُومِ مُطْلَقًا فَضْلًا عَنْ مَفْهُومِ اللَّقَبِ فَاسْتِدْلَالُهُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَبْعَدُ مِنْ اسْتِدْلَالِهِ عَلَى مَالِكٍ بِسَبَبِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ بِالْمَفْهُومِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَلَا فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَالتَّنْبِيهُ عَلَيْهِ بِالْمِثْلِ. (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَفْهُومِ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ) فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ كَانَ حُجَّةً عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ وَإِذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا يَكُونُ حُجَّةً إجْمَاعًا وَضَابِطُهُ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الَّذِي وَقَعَ بِهِ التَّقْيِيدُ غَالِبًا عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ وَمَوْجُودًا مَعَهَا فِي أَكْثَرِ صُوَرِهَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا مَعَهَا فِي أَكْثَرِ صُوَرِهَا فَهُوَ الْمَفْهُومُ الَّذِي هُوَ حُجَّةٌ، وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَصْفَ إذَا كَانَ غَالِبًا عَلَى الْحَقِيقَةِ يَصِيرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ لُزُومٌ فِي الذِّهْنِ فَإِذَا اسْتَحْضَرَ الْمُتَكَلِّمُ الْحَقِيقَةَ لِيَحْكُمَ عَلَيْهَا حَضَرَ مَعَهَا ذَلِكَ الْوَصْفُ الْغَالِبُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِهَا فَإِذَا حَضَرَ فِي ذِهْنِهِ نَطَقَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَاضِرٌ فِي ذِهْنِهِ فَعَبَّرَ عَنْ جَمِيعِ مَا وَجَدَهُ فِي ذِهْنِهِ لَا أَنَّهُ قَصَدَ بِالنُّطْقِ بِهِ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ صُورَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَفْهُومِ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ) فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ كَانَ حُجَّةً عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ وَإِذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا يَكُونُ حُجَّةً إجْمَاعًا وَضَابِطُهُ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الَّذِي وَقَعَ بِهِ التَّقْيِيدُ غَالِبًا عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ مَوْجُودًا مَعَهَا فِي أَكْثَرِ صُوَرِهَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا مَعَهَا فِي أَكْثَرِ صُوَرِهَا فَهُوَ الْمَفْهُومُ الَّذِي هُوَ حُجَّةٌ وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَصْفَ إذَا كَانَ غَالِبًا عَلَى الْحَقِيقَةِ يَصِيرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ لُزُومٌ فِي الذِّهْنِ فَإِذَا اسْتَحْضَرَ الْمُتَكَلِّمُ الْحَقِيقَةَ لِيَحْكُمَ عَلَيْهَا حَضَرَ مَعَهَا ذَلِكَ الْوَصْفُ الْغَالِبُ لِأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِهَا فَإِذَا حَضَرَ فِي ذِهْنِهِ نَطَقَ بِهِ لِأَنَّهُ حَاضِرٌ فِي ذِهْنِهِ فَعَبَّرَ عَنْ جَمِيعِ مَا وَجَدَهُ فِي ذِهْنِهِ لَا أَنَّهُ قَصَدَ بِالنُّطْقِ بِهِ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ صُورَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْقِيَاسُ عَدَمُ التَّدَاخُلِ مَعَ تَمَاثُلِ الْأَسْبَابِ بِأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى كُلِّ سَبَبٍ مُسَبَّبُهُ. الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ التَّدَاخُلَ وَقَعَ فِي الشَّرِيعَةِ فِي سِتَّةِ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ: الطَّهَارَةُ فَمِنْ التَّدَاخُلِ فِيهِ إجْزَاءُ غُسْلٍ وَاحِدٍ مَعَ تَعَدُّدِ أَسْبَابِهِ الْمُخْتَلِفَةِ كَالْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ أَوْ الْمُتَمَاثِلَةِ كَالْجَنَابَتَيْنِ وَمِنْهُ إجْزَاءُ وُضُوءٍ وَاحِدٍ مَعَ تَعَدُّدِ أَسْبَابِهِ الْمُتَمَاثِلَةِ كَالْمُلَامَسَتَيْنِ أَوْ الْمُخْتَلِفَةِ كَالْمُلَامَسَةِ وَإِخْرَاجِ الرِّيحِ، وَمِنْهُ إجْزَاءُ الْغُسْلِ عَنْ الْوُضُوءِ وَإِنْ تَحَقَّقَ سَبَبُهُ الَّذِي هُوَ الْمُلَامَسَةُ مَعَ سَبَبِ الْغُسْلِ الَّذِي هُوَ الْجَنَابَةُ لِانْدِرَاجِ سَبَبِهِ فِي الْجَنَابَةِ فَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ وُجُوبُ وُضُوءٍ. الثَّانِي: الصَّلَوَاتُ فَمِنْ التَّدَاخُلِ فِيهَا تَدَاخُلُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ مَعَ تَعَدُّدِ سَبَبَيْهِمَا فَيَدْخُلُ دُخُولُ الْمَسْجِدِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ التَّحِيَّةِ فِي الزَّوَالِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الظُّهْرِ مَثَلًا فَيَقُومُ سَبَبُ الزَّوَالِ مَقَامَ سَبَبِ الدُّخُولِ فَيُكْتَفَى بِهِ. الثَّالِثُ: الصِّيَامُ فَمِنْ التَّدَاخُلِ فِيهِ تَدَاخُلُ الصَّوْمِ الَّذِي سَبَبُهُ الِاعْتِكَافُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ الَّذِي سَبَبُهُ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فَيَقُومُ سَبَبُ الرُّؤْيَةِ مَقَامَ سَبَبِ الِاعْتِكَافِ فَيُكْتَفَى بِهِ. الرَّابِعُ: الْكَفَّارَاتُ فَمِنْ التَّدَاخُلِ فِيهِ حَمْلُ الْأَيْمَانِ فِي الْمَشْهُورِ عَلَى التَّكْرَارِ لَا عَلَى الْإِنْشَاءِ فَتَكْفِيهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَمِنْهُ تَكْرَارُ الْوَطْءِ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ مِنْ رَمَضَانَ عِنْدَنَا عَلَى الْخِلَافِ وَفِي الْيَوْمَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَكْفِيهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَهُ قَوْلَانِ فِي الرَّمَضَانَيْنِ. الْخَامِسُ: الْحُدُودُ الْمُتَمَاثِلَةُ فَمِنْ التَّدَاخُلِ فِيهِ تَدَاخُلُ أَسْبَابِهَا الْمُخْتَلِفَةِ كَالْقَذْفِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ الْمُتَمَاثِلَةِ كَالزِّنَا مِرَارًا وَالسَّرِقَةِ مِرَارًا وَالشُّرْبِ مِرَارًا قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَهِيَ مِنْ أَوْلَى الْأَسْبَابِ بِالتَّدَاخُلِ؛ لِأَنَّ تَكَرُّرَهَا مُهْلِكٌ. السَّادِسُ: الْأَمْوَالُ فَمِنْ التَّدَاخُلِ فِيهَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي تَكْرَارِ وَطْءِ الشُّبْهَةِ الْمُتَّحِدَةِ إلَّا صَدَاقٌ وَاحِدٌ مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّ وَطْأَةٍ لَوْ انْفَرَدَتْ أَوْجَبَتْ مَهْرًا تَامًّا مِنْ صَدَاقِ الْمِثْلِ وَمِنْهُ اكْتِفَاءُ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِيمَا إذَا قَطَعَ أَطْرَافَهُ وَسَرَى ذَلِكَ لِنَفْسِهِ بِدِيَةٍ وَاحِدَةٍ لِلنَّفْسِ وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ قَبْلَ السَّرَيَانِ نَحْوَ عَشْرِ دِيَاتٍ بِحَسَبِ تَعَدُّدِ الْعُضْوِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَدَخَلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْكَثِيرُ وَهُوَ دِيَةُ الْأَطْرَافِ فِي الْقَلِيلِ وَهُوَ دِيَةُ النَّفْسِ، وَقَدْ يَدْخُلُ الْقَلِيلُ كَدِيَةِ الْأُصْبُعِ فِي الْكَثِيرِ كَدِيَةِ النَّفْسِ (تَنْبِيهٌ) : لَا يَتَنَافَى عِنْدَنَا فِي التَّدَاخُلِ إلَّا أَرْبَعُ صُوَرٍ: أَحَدُهَا دُخُولُ الْقَلِيلِ فِي الْكَثِيرِ. وَثَانِيهَا: دُخُولُ الْكَثِيرِ فِي الْقَلِيلِ وَقَدْ مَرَّتْ مِثْلُهُمَا. وَثَالِثُهَا:

عَدَمِهِ بَلْ الْحَالُ تَضْطَرُّهُ لِلنُّطْقِ بِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ غَالِبًا عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا يَلْزَمُهَا فِي الذِّهْنِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِحْضَارِ الْحَقِيقَةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهَا حُضُورُهُ فَيَكُونُ الْمُتَكَلِّمُ حِينَئِذٍ لَهُ غَرَضٌ فِي النُّطْقِ بِهِ وَإِحْضَارُهُ مَعَ الْحَقِيقَةِ وَلَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا لِذَلِكَ بِسَبَبِ الْحُضُورِ فِي الذِّهْنِ، وَإِذَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِيهِ وَسَلْبُ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ غَرَضَهُ فَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُصَرِّحَ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ لِلذِّهْنِ مِنْ التَّقْيِيدِ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَسِرُّ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ وَكَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُورِدُ عَلَى هَذَا سُؤَالًا فَيَقُولُ الْوَصْفُ الْغَالِبُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ حُجَّةً مِمَّا لَيْسَ بِغَالِبٍ. وَمَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ يَقْتَضِي الْحَالُ فِيهِ الْعَكْسَ بِسَبَبِ أَنَّ الْوَصْفَ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَكَانَتْ الْعَادَةُ شَاهِدَةً بِثُبُوتِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِتِلْكَ الْحَقِيقَةِ يَكُونُ الْمُتَكَلِّمُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ ذِكْرِهِ لِلسَّامِعِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَادَةَ كَافِيَةٌ فِي إفْهَامِ السَّامِعِ ذَلِكَ فَلَوْ أَخْبَرَهُ بِثُبُوتِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لَكَانَ ذَلِكَ تَحْصِيلًا لِلْحَاصِلِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ غَالِبًا فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى ثُبُوتِهِ لِتِلْكَ الْحَقِيقَةِ مِنْ جِهَةِ الْعَادَةِ فَيَتَّجِهُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِخَبَرِهِ بِهِ لِعَدَمِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ لِتِلْكَ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ حِينَئِذٍ يُفِيدُهُ فَائِدَةً جَدِيدَةً وَغَيْرُ مُفِيدٍ لَهُ فِي الْوَصْفِ الْغَالِبِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْعَادَةُ، وَإِذَا كَانَ فِي الْغَالِبِ غَيْرُ مُفِيدٍ بِإِخْبَارِهِ عَنْ ثُبُوتِهِ لِلْحَقِيقَةِ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُ إنَّمَا نَطَقَ بِهِ لِقَصْدٍ آخَرَ غَيْرِ الْإِخْبَارِ عَنْ ثُبُوتِهِ لِلْحَقِيقَةِ وَهُوَ سَلْبُ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَهَذَا الْغَرَضُ لَا يَتَعَيَّنُ إذَا لَمْ يَكُنْ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ غَرَضُهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْإِخْبَارَ عَنْ ثُبُوتِهِ لِلْحَقِيقَةِ لَا سَلْبَ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَظَهَرَ أَنَّ الْوَصْفَ الْغَالِبَ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ حُجَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــSعَدَمِهِ بَلْ الْحَالُ تَضْطَرُّهُ لِلنُّطْقِ بِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ غَالِبًا عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا يَلْزَمُهَا فِي الذِّهْنِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِحْضَارِ حَقِيقَةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهَا حُضُورُهُ فَيَكُونُ الْمُتَكَلِّمُ حِينَئِذٍ لَهُ غَرَضٌ فِي النُّطْقِ بِهِ وَإِحْضَارُهُ مَعَ الْحَقِيقَةِ وَلَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا لِذَلِكَ بِسَبَبِ الْحُضُورِ فِي الذِّهْنِ وَإِذَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ فِيهِ وَسُلِبَ الْحُكْمُ عَنْ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ غَرَضَهُ فَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ حَتَّى يُصَرِّحَ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ لِلذِّهْنِ مِنْ التَّقْيِيدِ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَسِرُّ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ قُلْت: مَا أَبْعَدَ مَا قَالَهُ أَنْ يَكُونَ سِرًّا وَسَبَبًا لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ فَكَيْفَ يَكُونُ الشَّارِعُ مُضْطَرًّا إلَى النُّطْقِ بِمَا لَا يَقْصِدُهُ؟ ، هَذَا مُحَالٌ فَإِنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالشَّارِعِ اللَّهَ تَعَالَى فَاضْطِرَارُهُ إلَى أَمْرٍ مَا مُحَالٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالشَّارِعِ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَذَلِكَ هُوَ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَعْصُومٌ وَالْحَامِلُ عَلَى هَذَا الْحَالِ إنَّمَا هُوَ الْقَوْلُ بِالْمَفْهُومِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بَاطِلٌ عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ الْمُفْهِمَةِ لِمُقْتَضَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَكَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُورِدُ عَلَى هَذَا سُؤَالًا إلَى آخِرِ السُّؤَالِ) قُلْت: السُّؤَالُ وَارِدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQدُخُولُ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمُتَأَخِّرِ كَحَدَثِ الْوُضُوءِ الْمُتَقَدِّمِ مَعَ الْجَنَابَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ. وَرَابِعُهَا: دُخُولُ الْمُتَأَخِّرِ فِي الْمُتَقَدِّمِ كَالْوَطَآتِ الْمُتَأَخِّرَةِ مَعَ الْوَطْأَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْأُولَى، وَأَسْبَابِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ الْمُتَأَخِّرَةِ فِي الْمُوجِبِ الْأَوَّلِ مِنْهَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَزِيدُ صُورَةٌ خَامِسَةٌ وَهِيَ دُخُولُ الطَّرَفَانِ فِي الْوَسَطِ فِيمَا إذَا وُطِئَتْ الْمَرْأَةُ بِالشُّبْهَةِ الْوَاحِدَةِ أَوَّلًا وَهِيَ مَرِيضَةُ الْجِسْمِ عَدِيمَةُ الْمَالِ، وَثَانِيًا: بَعْدَ أَنْ صَحَّتْ وَوَرِثَتْ مَالًا عَظِيمًا وَثَالِثًا بَعْدَ سَقَمِ جِسْمِهَا وَذَهَابِ مَالِهَا فَإِنَّهَا عِنْدَهُمْ يَجِبُ لَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ فِي أَعْظَمِ أَحْوَالِهَا وَأَعْظَمُ أَحْوَالِهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْحَالَةُ الْوُسْطَى فَيَجِبُ الصَّدَاقُ بِاعْتِبَارِهَا وَتَدْخُلُ فِيهَا الْحَالَةُ الْأُولَى وَالْحَالَةُ الْأَخِيرَةُ فَيَنْدَرِجُ الطَّرَفَانِ فِي الْوَسَطِ وَلَا يُعْتَبَرُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي هَذَا الْمِثَالِ إلَّا الْوَطْأَةُ الْأُولَى كَيْفَ كَانَتْ وَكَيْفَ صَادَفَتْ؟ وَيَنْدَرِجُ مَا بَعْدَهَا فِيهَا فَهَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ انْدِرَاجِ الْمُتَأَخِّرِ فِي الْمُتَقَدِّمِ لَا مِنْ بَابِ انْدِرَاجِ الطَّرَفَيْنِ فِي الْوَسَطِ. وَأَمَّا التَّسَاقُطُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِسَبَبِ التَّنَافِي فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَجَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَلَهُ مُثُلٌ مِنْهَا الرِّدَّةُ مَعَ الْإِسْلَامِ وَمِنْهَا الْقَتْلُ وَالْكُفْرُ يَقْتَضِيَانِ عَدَمَ الْإِرْثِ وَالْقَرَابَةُ تَقْتَضِي الْإِرْثَ وَمِنْهَا الدَّيْنُ مُسْقِطٌ لِلزَّكَاةِ وَأَسْبَابِهَا تُوجِبُهَا، وَمِنْهَا تَعَارُضُ الْبَيِّنَتَيْنِ وَمِنْهَا تَعَارُضُ الْأَصْلَيْنِ فِيمَا إذَا قُطِعَ رَجُلٌ مَلْفُوفٌ فِي الثِّيَابِ فَتَنَازَعَ الْقَاطِعُ وَالْوَلِيُّ فِي كَوْنِهِ كَانَ حَيًّا حَالَةَ الْجِنَايَةِ فَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَالْأَصْلُ أَيْضًا عَدَمُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَمِنْهَا تَعَارُضُ الْغَالِبَيْنِ الظَّاهِرَيْنِ فِي بَحْثِ اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَإِنَّ الْيَدَ لِلرَّجُلِ ظَاهِرَةٌ فِي الْمِلْكِ فَإِذَا كَانَ الْمُدَّعِي فِيهِ مِنْ قُمَاشِ النِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ وَكَانَ ظَاهِرًا فِي كَوْنِهِ لِلْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ قَدَّمْنَا نَحْنُ هَذَا الظَّاهِرَ وَسَوَّى الشَّافِعِيُّ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُمَا مَعًا يَدًا وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي الْمِلْكِ وَالْيَدُ عِنْدَ مَالِكٍ خَاصَّةً بِالرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ وَإِذَا كَانَ يَصْلُحُ لَهُمَا قَدَّمَ مِلْكَ الرَّجُلِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْيَدِ وَنَحْوَ الْمُنْفَرِدِينَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ وَالْمِصْرُ كَبِيرٌ فَمَالِكٌ قَدَّمَ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ وَسَحْنُونٌ قَدَّمَ ظَاهِرَ الْحَالِ وَلَمْ يُوجِبْ الصَّوْمَ بِشَهَادَتِهِمَا وَقَالَ: الظَّاهِرُ كَذِبُهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ الْعَظِيمَ مَعَ ارْتِفَاعِ الْمَوَانِعِ يَقْتَضِي أَنْ يَرَاهُ جَمْعٌ عَظِيمٌ فَانْفِرَادُ هَذَيْنِ دَلِيلُ كَذِبِهِمَا. وَمِنْهَا تَعَارُضُ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرُ فِي نَحْوِ الْمَقْبَرَةِ الْمَنْبُوشَةِ فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّجَاسَةِ وَالظَّاهِرُ وُجُودُهَا بِسَبَبِ النَّبْشِ قُلْت وَمِنْهَا مَا قَدَّمْته عَنْ كِتَابِ

وَهُوَ سُؤَالٌ حَسَنٌ مُتَّجِهٌ غَيْرَ أَنَّهُ عَارَضْنَا فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَقْدِيرِ كَوْنِهِ حُجَّةً وَهُوَ أَنَّهُ اضْطَرَّ لِلنُّطْقِ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْغَالِبِ وَأَوْرَدَ لَك ثَلَاثَ مَسَائِلَ تُوَضِّحُ لَك الْقَاعِدَتَيْنِ وَالْفَرْقَ بَيْنَهُمَا. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» أَوْ «زَكُّوا عَنْ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ» اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَيَكُونُ مِنْ الْمَفْهُومِ الَّذِي لَيْسَ حُجَّةً إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ السَّوْمَ يَغْلِبُ عَلَى الْغَنَمِ فِي أَقْطَارِ الدُّنْيَا لَا سِيَّمَا فِي الْحِجَازِ لِعِزَّةِ الْعَلَفِ هُنَالِكَ وَالِاسْتِدْلَالُ بِمَا لَيْسَ حُجَّةً إجْمَاعًا لَا يَسْتَقِيمُ الثَّانِي أَنَّ هَذَا مَفْهُومٌ وَإِنْ سَلَّمَ أَنَّهُ حُجَّةٌ فَهُوَ مُعَارَضٌ بِالْمَنْطُوقِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» فَهَذَا الِاسْتِدْلَال بَاطِلٌ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا أَذِنَ لَهَا وَلِيُّهَا صَحَّ نِكَاحُهَا وَهَذَا الْمَفْهُومُ مَلْغِيٌّ بِسَبَبِ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا لَا تُنْكِحُ نَفْسَهَا فِي مَجْرَى الْعَادَةِ إلَّا وَوَلِيُّهَا غَيْرُ آذِنٍ بَلْ غَيْرُ عَالِمٍ فَصَارَ عَدَمُ إذْنِ الْوَلِيِّ غَالِبًا فِي الْعَادَةِ عَلَى تَزْوِيجِهَا لِنَفْسِهَا فَالتَّقْيِيدُ بِهِ تَقْيِيدٌ بِمَا هُوَ غَالِبٌ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: 31] وَمَفْهُومُهُ أَنَّكُمْ إذَا لَمْ تَخْشَوْا الْإِمْلَاقَ لَا يَحْرُمُ عَلَيْكُمْ الْقَتْلُ وَهُوَ مَفْهُومٌ مَلْغِيٌّ إجْمَاعًا بِسَبَبِ أَنَّهُ قَدْ غَلَبَ فِي الْعَادَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَقْتُلُ وَلَدَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَأَمْرٍ قَاهِرٍ؛ لِأَنَّ حِنَّةَ الْأُبُوَّةِ مَانِعَةٌ مِنْ قَتْلِهِ فَتَقْيِيدُ الْقَتْلِ بِخَشْيَةِ الْإِمْلَاقِ تَقْيِيدٌ لَهُ بِوَصْفٍ هُوَ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِمْ فِي الْقَتْلِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَكَانُوا لَا يَقْتُلُونَ إلَّا خَوْفَ الْفَقْرِ أَوْ الْفَضِيحَةِ فِي الْبَنَاتِ وَهُوَ الْوَأْدُ الَّذِي صُرِّحَ بِهِ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ فِي قَوْلِهِ {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} [التكوير: 8] وَالْوَأْدُ الثِّقَلُ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَدْفِنُونَهُنَّ أَحْيَاءً فَيَمُتْنَ مِنْ غَمِّ التُّرَابِ وَثِقَلِهِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] أَيْ لَا يُثْقِلُهُ وَعَلَى هَذَا الْقَانُونِ اُعْتُبِرَ الْمَفْهُومُ الْغَالِبُ مِنْ غَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَهُوَ سُؤَالٌ حَسَنٌ غَيْرَ أَنَّهُ عَارَضْنَا فِيهِ مَا تَقَدَّمَ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا) قُلْت: قَدْ سَبَقَ مَا وَرَدَ عَلَى دَعْوَى الِاضْطِرَارِ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» إلَى آخِرِهَا قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ لِلشَّافِعِيَّةِ لِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ قَدْ سَبَقَ مَا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ عِزُّ الدِّينِ وَقَوْلُهُ الثَّانِي أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِالْمَنْطُوقِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» لَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» إلَى آخِرِهِ قُلْت: يَرِدُ عَلَى مَا قَالَهُ فِيهَا سُؤَالُ عِزِّ الدِّينِ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: 31] إلَى آخِرِهَا قُلْت: إنَّمَا أُلْغِيَ هَذَا الْمَفْهُومُ لِمُعَارَضَتِهِ الْأَدِلَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ قَتْلِ مَنْ لَمْ يَجْنِ جِنَايَةً تُوجِبُ الْقَتْلَ وَلَدًا كَانَ أَوْ غَيْرَ وَلَدٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَحْكَامِ لِلْإِمَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ مِنْ تَعَارُضِ الْعُمُومِ فِي خُصُوصِ الْعَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى فِي دَمِ الْحَيْضِ بَلْ هُوَ أَذًى وَالْعُمُومُ فِي خُصُوصِ الْحَالِ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] فَيَتَرَجَّحُ الْأَوَّلُ وَيَكُونُ قَلِيلُ دَمِ الْحَيْضِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءً فِي التَّحْرِيمِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو ثَابِتٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ سِيرِينَ عَنْ مَالِكٍ عَلَى الثَّانِي الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ بَعْضُ عُلَمَائِنَا فَقَالَ: يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ كَسَائِرِ الدِّمَاءِ؛ لِأَنَّ حَالَ الْعَيْنِ أَرْجَحُ مِنْ حَالِ الْحَالِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَيْ التَّسَاقُطُ بِسَبَبِ التَّنَافِي فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ وَفِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَلَهُ مَسَائِلُ مِنْهَا اقْتِضَاءُ النِّكَاحِ مَعَ الْمِلْكِ إبَاحَةَ الْوَطْءِ فَيَغْلِبُ الْأَقْوَى وَهُوَ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ يُوجِبُ إبَاحَةَ الْوَطْءِ كَالنِّكَاحِ يُوجِبُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَالْمَنَافِعِ وَتَكُونُ الْإِبَاحَةُ الْحَاصِلَةُ مُضَافَةً لَهُ فَقَطْ وَيَسْقُطُ النِّكَاحُ وَلَا يَحْصُلُ تَدَاخُلٌ فَلَا يُقَالُ الْإِبَاحَةُ مُضَافَةٌ لَهُمَا أَلْبَتَّةَ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْمِلْكُ كَمَا إذَا عَقَدَ عَلَى أَمَتِهِ أَوْ تَأَخَّرَ كَمَا إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ وَصَيَّرَهَا أَمَتَهُ، وَمِنْهَا عِلْمُ الْحَاكِمِ مَعَ الْبَيِّنَةِ إذَا شَهِدَتْ بِمَا يَعْلَمُهُ فَإِنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ لِلْبَيِّنَةِ دُونَ عِلْمِهِ فَيَسْقُطُ الْقَضَاءُ بِهِ عِنْدَ مَالِكٍ حَذَرًا مِنْ الْقُضَاةِ السُّوءِ وَسَدًّا لِذَرِيعَةِ الْفَسَادِ عَلَى الْحُكَّامِ بِالتُّهَمِ وَعَلَى النَّاسِ بِالْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ بِالْبَاطِلِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقَدِّمُ الْقَضَاءَ بِعِلْمِهِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ وَالْعِلْمُ أَوْلَى مِنْ الظَّنِّ وَيَحْتَمِلُ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيَجْعَلُ الْحُكْمَ مُضَافًا إلَيْهِمَا لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا وَمِنْهَا مَنْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ سَبَبَا تَوْرِيثٍ بِالْفَرْضِ فِي أَنْكِحَةِ الْمَجُوسِ فَإِنَّهُ يَرِثُ بِأَقْوَاهُمَا وَيَسْقُطُ الْآخَرُ مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا يَقْتَضِي الْإِرْثَ كَالِابْنِ إذَا كَانَ أَخًا لِأُمٍّ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ أُمَّهُ فَوَلَدُهَا حِينَئِذٍ ابْنُهُ وَهُوَ أَخُوهُ لِأُمِّهِ فَيَرِثُ بِالْبُنُوَّةِ وَتَسْقُطُ الْأُخُوَّةُ، أَمَّا إنْ كَانَا سَبَبَيْنِ لِلتَّوْرِيثِ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ فَإِنَّهُ يَرِثُ بِهَا كَالزَّوْجِ ابْنُ عَمٍّ يَأْخُذُ النِّصْفَ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ بِكَوْنِهِ ابْنَ عَمٍّ. (تَنْبِيهٌ) عَدَمُ تَدَاخُلِ الْأَسْبَابِ مَعَ تَمَاثُلِهَا الْجَارِي عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ وَالْأَصْلُ مِنْ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى كُلِّ سَبَبٍ مُسَبَّبُهُ هُوَ الْأَكْثَرُ فِي الشَّرِيعَةِ فَمِنْ مَسَائِلِهِ الْإِتْلَافَانِ يَجِبُ بِهِمَا ضَمَانَانِ وَلَا يَتَدَاخَلَانِ، وَمِنْهَا الطَّلَاقَانِ يُنْقِصُ كُلُّ طَلَاقٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعِصْمَةِ طَلْقَةً وَلَا يَتَدَاخَلَانِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّأْكِيدَ أَوْ الْخَبَرَ عَنْ الْأَوَّلِ، وَمِنْهَا الزَّوَالَانِ يُوجِبَانِ ظُهْرَيْنِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَأَسْبَابُهَا وَمِنْهَا النَّذْرَانِ يَتَعَدَّدُ مَنْذُورُهُمَا وَلَا يَتَدَاخَلُ وَمِنْهَا الْوَصِيَّتَانِ

[الفرق بين قاعدة المقاصد وقاعدة الوسائل]

الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ: وَهُوَ مَعْرِفَةٌ أَوْ ظَرْفٌ أَوْ مَجْرُورٌ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ وَهُوَ نَكِرَةٌ. اعْلَمْ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ يَجِبُ انْحِصَارُهُ فِي خَبَرِهِ مُطْلَقًا كَانَ مَعْرِفَةً أَوْ نَكِرَةً بِسَبَبِ أَنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَخَصَّ بَلْ مُسَاوِيًا أَوْ أَعَمَّ فَالْمُسَاوِي نَحْوُ: الْإِنْسَانُ نَاطِقٌ، وَالْأَعَمُّ نَحْوُ: الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ، وَالْعَشَرَةُ عَدَدٌ أَوْ زَوْجٌ هَذَا شَأْنُ الْخَبَرِ وَلَوْ قُلْت الْحَيَوَانُ إنْسَانٌ أَوْ الْعَدَدُ عَشَرَةٌ لَمْ يَصِحَّ وَالْمُبْتَدَأُ عَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا إنْ كَانَ الْخَبَرُ مُسَاوِيًا أَوْ أَخَصَّ إنْ كَانَ الْخَبَرُ أَعَمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ وَهُوَ مَعْرِفَةٌ أَوْ ظَرْفٌ أَوْ مَجْرُورٌ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ وَهُوَ نَكِرَةٌ، اعْلَمْ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ يَجِبُ انْحِصَارُهُ فِي خَبَرِهِ مُطْلَقًا كَانَ مَعْرِفَةً أَوْ نَكِرَةً بِسَبَبِ أَنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَخَصَّ بَلْ مُسَاوِيًا أَوْ أَعَمَّ) قُلْت: مَا قَالَهُ هُنَا مِنْ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ يَجِبُ انْحِصَارُهُ فِي الْخَبَرِ مُطْلَقًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُوجَدُ إلَّا فِيهِ وَمَعَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ذَلِكَ لَا مُطْلَقًا وَلَا مُقَيَّدًا وَقَوْلُهُ بِسَبَبِ أَنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَخَصَّ بَلْ مُسَاوِيًا أَوْ أَعَمَّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا بَلْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ إلَّا مُسَاوِيًا لِلْمُبْتَدَأِ لَا أَخَصَّ مِنْهُ وَلَا أَعَمَّ، فَإِنَّهُ إذَا أَخْبَرَ بِشَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا أَنَّ الَّذِي هُوَ الْمُبْتَدَأُ هُوَ بِعَيْنِهِ الْخَبَرُ وَلَوْ صَحَّ مَا قَالَهُ لَكَانَ قَوْلُنَا الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ الْخَاصَّ هُوَ الْحَيَوَانُ الْعَامُّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ، فَيَكُونُ مِنْ مَضْمُونِ ذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ حِمَارٌ وَثَوْرٌ وَكَلْبٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ الْحَيَوَانِ وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ مَعْنَى قَوْلِنَا الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ مَا. قَالَ (فَالْمُسَاوِي نَحْوُ الْإِنْسَانُ نَاطِقٌ وَالْأَعَمُّ نَحْوُ الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ إلَى قَوْلِهِ هَذَا شَأْنُ الْخَبَرِ) قُلْتُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ الْإِنْسَانُ نَاطِقٌ وَالْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ مِنْ حَيْثُ الْقَصْدُ بِالْخَبَرِ نَعَمْ بَيْنَهُمَا الْفَرْقُ فِي اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَفْظَ النَّاطِقِ يَخْتَصُّ بِالْإِنْسَانِ وَلَفْظُ الْحَيَوَانِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِ أَيْ يَصْدُقُ فِي غَيْرِ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى غَيْرِ الْإِنْسَانِ وَأَمَّا فِي هَذَا الْقَوْلِ فَلَا يَصِحُّ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُرَادَ بِهِ إلَّا الْإِنْسَانُ لَا غَيْرُهُ وَلَا هُوَ وَغَيْرُهُ. قَالَ (وَلَوْ قُلْتُ: الْحَيَوَانُ إنْسَانٌ أَوْ الْعَدَدُ عَشَرَةٌ لَمْ يَصِحَّ) قُلْتُ: إنْ أُرِيدَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ اللَّتَيْنِ فِي الْحَيَوَانِ وَالْعَدَدِ الْعَهْدُ فِي الْإِنْسَانِ وَفِي الْعَشَرَةِ صَحَّ وَإِنْ أُرِيدَ الْعَهْدُ فِي الْحَقِيقَةِ أَوْ الْعُمُومِ لَمْ يَصِحَّ لِلُزُومِ مُسَاوَاةُ الْمُبْتَدَأِ لِلْخَبَرِ وَأَنَّهُ هُوَ بِعَيْنِهِ. قَالَ (وَالْمُبْتَدَأُ عَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا إنْ كَانَ الْخَبَرُ مُسَاوِيًا أَوْ أَخَصَّ إنْ كَانَ الْخَبَرُ أَعَمَّ) قُلْتُ قَوْلُهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا إنْ كَانَ الْخَبَرُ مُسَاوِيًا كَلَامٌ لَا حَاصِلَ لَهُ فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا مَعَ أَنَّ الْخَبَرَ غَيْرُ مُسَاوٍ وَقَوْلُهُ وَأَخَصُّ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ أَخَصَّ بَلْ مُسَاوِيًا مِنْ حَيْثُ الْقَصْدُ وَالْمُرَادُ وَإِنْ كَانَ أَعَمَّ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِلَفْظٍ وَاحِدٍ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَتَعَدَّدُ لَهُ الْمُوصَى بِهِ عَلَى الْخِلَافِ وَمِنْهَا الْقَذَفَاتُ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ رَجُلَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَوْ مُخْتَلِفٍ فَإِنَّهُ يُوجِبُ تَعَدُّدَ التَّعْزِيرِ وَالْمُؤَاخَذَةِ وَمِنْهَا مَا إذَا اسْتَأْجَرَ مِنْهُ شَهْرًا ثُمَّ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ شَهْرًا وَلَمْ يُعَيِّنْ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى شَهْرَيْنِ وَمِنْهَا مَا إذَا اشْتَرَى مِنْهُ صَاعًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ ثُمَّ اشْتَرَى مِنْهُ صَاعًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى صَاعَيْنِ وَمِنْهَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ كَثِيرٌ جِدًّا فِي الشَّرِيعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَقَاصِدِ وَقَاعِدَةِ الْوَسَائِلِ] (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَقَاصِدِ وَقَاعِدَةِ الْوَسَائِلِ) وَكَذَا بَيْنَ قَاعِدَةِ كَوْنِ الْمَعَاصِي أَسْبَابًا لِلرُّخَصِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مُقَارَنَةِ الْمَعَاصِي لِأَسْبَابِ الرُّخَصِ. أَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَقَاصِدِ وَالْوَسَائِلِ فَهُوَ أَنَّ مَوَارِدَ الْأَحْكَامِ عَلَى قِسْمَيْنِ: الْأُولَى الْمَقَاصِدُ وَهِيَ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ فِي أَنْفُسِهَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي مُوَافَقَاتِهِ وَقَوْلُ الرَّازِيّ إنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ لَيْسَتْ مُعَلَّلَةً بِعِلَّةٍ أَلْبَتَّةَ كَمَا أَنَّ أَفْعَالَهُ كَذَلِكَ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّا اسْتَقْرَيْنَا مِنْ الشَّرِيعَةِ أَنَّهَا وُضِعَتْ لِمَصَالِح الْعِبَادِ اسْتِقْرَاءً لَا يُنَازِعُ فِيهِ الرَّازِيّ وَلَا غَيْرُهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي بَعْثَةِ الرُّسُلِ وَهِيَ الْأَصْلُ {رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] وَقَالَ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} [هود: 7] {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} [الملك: 2] . وَأَمَّا التَّعَالِيلُ لِتَفَاصِيلِ الْأَحْكَامِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى كَقَوْلِهِ بَعْدَ آيَةِ الْوُضُوءِ {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 6] وَقَالَ فِي الصِّيَامِ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] وَفِي الصَّلَاةِ {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45] . وَقَالَ فِي الْقِبْلَةِ {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} [البقرة: 150] وَفِي الْجِهَادِ {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: 39] وَفِي الْقِصَاصِ {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ} [البقرة: 179] وَفِي التَّقْرِيرِ عَلَى التَّوْحِيدِ بِ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172] وَالْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ وَإِذَا دَلَّ الِاسْتِقْرَاءُ عَلَى هَذَا وَكَانَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ فَنَحْنُ نَقْطَعُ بِأَنَّ الْأَمْرَ مُسْتَمِرٌّ فِي جَمِيعِ تَفَاصِيلِ الشَّرِيعَةِ وَمِنْ هَذِهِ

وَإِذَا وَجَبَ لِلْمُبْتَدَأِ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا أَوْ أَخَصَّ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ كَانَ الْحَصْرُ لَازِمًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوِيَ مُنْحَصِرٌ فِي مُسَاوِيهِ وَالْأَخَصُّ مُنْحَصِرٌ فِي الْأَعَمِّ فَالْإِنْسَانُ كَمَا هُوَ مُنْحَصِرٌ فِي النَّاطِقِ مُنْحَصِرٌ فِي الْحَيَوَانِ فَلَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ فَهَذَا بُرْهَانٌ عَقْلِيٌّ قَطْعِيٌّ فِي وُجُوبِ انْحِصَارِ الْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ فَرَّقَ الْعُلَمَاءُ بَيْنَ قَوْلِنَا زَيْدٌ قَائِمٌ لَمْ يَجْعَلُوهُ لِلْحَصْرِ وَبَيْنَ قَوْلِنَا زَيْدٌ الْقَائِمُ فَجَعَلُوهُ لِلْحَصْرِ فَكَيْفَ صَحَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مُخَالَفَةُ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ فِي الْمُبْتَدَأِ إذَا كَانَ خَبَرُهُ نَكِرَةً. وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ أَنَّ الْحَصْرَ حَصْرَانِ حَصْرٌ يَقْتَضِي نَفْيَ النَّقِيضِ فَقَطْ وَحَصْرٌ يَقْتَضِي نَفْيَ النَّقِيضِ وَالضِّدِّ وَالْخِلَافُ وَمَا عَدَا ذَلِكَ الْوَصْفَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَهَذَا الْحَصْرُ الثَّانِي هُوَ الَّذِي نَفَاهُ الْعُلَمَاءُ عَنْ الْخَبَرِ إذَا كَانَ نَكِرَةً، وَأَمَّا الْحَصْرُ الْأَوَّلُ فَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّك إذَا قُلْت: زَيْدٌ قَائِمٌ فَزَيْدٌ مُنْحَصِرٌ فِي مَفْهُومِ قَائِمٍ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَى نَقِيضِهِ لَكِنْ قَوْلُنَا قَائِمٌ مُطْلَقٌ فِي الْقِيَامِ فَهِيَ مُوجَبَةٌ جُزْئِيَّةٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَنَقِيضُهُ إنَّمَا هُوَ السَّالِبَةُ الدَّائِمَةُ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ زَيْدٌ قَائِمًا دَائِمًا لَا فِي الْمَاضِي وَلَا فِي الْحَالِ وَلَا فِي الِاسْتِقْبَالِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا النَّقِيضَ مَنْفِيٌّ إذَا صَدَقَ قَوْلُنَا زَيْدٌ قَائِمٌ فِي وَقْتِ كَذَا فَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَخْبَارِ الَّتِي هِيَ نَكِرَاتٌ فَالْحَصْرُ ثَابِتٌ بِحَسَبِ النَّقِيضِ لَا بِحَسَبِ غَيْرِهِ فَإِذَا صَدَقَ مَفْهُومُ الْحَصْرِ بِاعْتِبَارِ النَّقِيضِ صَدَقَ الْخَبَرُ وَلَمْ يُخَالِفْ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَإِذَا وَجَبَ لِلْمُبْتَدَأِ أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا أَوْ أَخَصَّ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ كَانَ الْحَصْرُ لَازِمًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوِيَ مُنْحَصِرٌ فِي مُسَاوِيهِ وَالْأَخَصُّ مُنْحَصِرٌ فِي الْأَعَمِّ فَالْإِنْسَانُ كَمَا هُوَ مُنْحَصِرٌ فِي النَّاطِقِ مُنْحَصِرٌ فِي الْحَيَوَانِ فَلَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ فَهَذَا بُرْهَانٌ عَقْلِيٌّ قَطْعِيٌّ فِي وُجُوبِ انْحِصَارِ الْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ مُنْحَصِرٌ فِي الْخَبَرِ إذَا كَانَ الْخَبَرُ مُسَاوِيًا أَوْ أَعَمَّ غَيْرُ مُسَلَّمٍ كَمَا سَبَقَ. قَالَ (وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ فَرَّقَ الْعُلَمَاءُ بَيْنَ قَوْلِنَا زَيْدٌ قَائِمٌ لَمْ يَجْعَلُوهُ لِلْحَصْرِ وَبَيْنَ قَوْلِنَا زَيْدٌ الْقَائِمُ فَجَعَلُوهُ لِلْحَصْرِ فَكَيْفَ صَحَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مُخَالَفَةُ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ فِي الْمُبْتَدَأِ إذَا كَانَ خَبَرُهُ نَكِرَةً. وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ أَنَّ الْحَصْرَ حَصْرَانِ حَصْرٌ يَقْتَضِي نَفْيَ النَّقِيضِ فَقَطْ وَحَصْرٌ يَقْتَضِي نَفْيَ النَّقِيضِ وَالضِّدِّ وَالْخِلَافُ وَمَا عَدَا ذَلِكَ الْوَصْفُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَهَذَا الْحَصْرُ الثَّانِي هُوَ الَّذِي نَفَاهُ الْعُلَمَاءُ عَنْ الْخَبَرِ إذَا كَانَ نَكِرَةً وَأَمَّا الْحَصْرُ الْأَوَّلُ فَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ) . قُلْتُ قَوْلُهُ يَقْتَضِي نَفْيَ النَّقِيضِ فَقَطْ إنْ أَرَادَ يَقْتَضِي نَفْيَ النَّقِيضِ نُطْقًا وَصَرِيحًا فَلَيْسَ قَوْلُهُ بِصَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ يَقْتَضِي ذَلِكَ ضَرُورَةً فَقَوْلُهُ صَحِيحٌ فَإِنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ: زَيْدٌ قَائِمٌ فَقَدْ أَثْبَتَ لَهُ الْقِيَامَ وَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْقِيَامِ انْتِفَاءُ عَدَمِهِ فَالْقَائِلُ زَيْدٌ قَائِمٌ إنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ ثُبُوتِ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ وَلَمْ يُخْبِرْ عَنْ انْتِفَاءِ عَدَمِ الْقِيَامِ عَنْهُ وَلَكِنْ ذَلِكَ لَازِمٌ ضَرُورَةً. قَالَ (وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّكَ إذَا قُلْتَ زَيْدٌ قَائِمٌ فَزَيْدٌ مُنْحَصِرٌ فِي مَفْهُومِ قَائِمٌ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَى نَقِيضِهِ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ وَلَمْ يُخَالِفْ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ كَمَا قَالَ لَكِنْ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجُمْلَةِ ثَبَتَ الْقِيَاسُ وَالِاجْتِهَادُ فَلْنَجْرِ عَلَى مُقْتَضَاهُ وَيَبْقَى الْبَحْثُ فِي كَوْنِ ذَلِكَ وَاجِبًا أَوْ غَيْرَ وَاجِبٍ مَوْكُولًا إلَى عِلْمِهِ ثُمَّ إنَّهُ قَسَّمَ الْمَقَاصِدَ وَبَيَّنَ أَقْسَامَهَا بِمَسَائِلَ بَدِيعَةٍ فَانْظُرْهُ. الْقِسْمُ الثَّانِي: الْوَسَائِلُ وَالْمَشْهُورُ فِي الِاصْطِلَاحِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا التَّعْبِيرُ عَنْهَا بِالذَّرَائِعِ وَهِيَ الطُّرُقُ الْمُفْضِيَةُ إلَى الْمَقَاصِدِ قِيلَ وَحُكْمُهَا حُكْمُ مَا أَفْضَتْ إلَيْهِ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّهَا أَخْفَضُ رُتْبَةً فِي حُكْمِهَا مِمَّا أَفْضَتْ إلَيْهِ فَلَيْسَ كُلُّ ذَرِيعَةٍ يَجِبُ سَدُّهَا بَلْ الذَّرِيعَةُ كَمَا يَجِبُ سَدُّهَا يَجِبُ فَتْحُهَا وَتُكْرَهُ وَتُنْدَبُ وَتُبَاحُ بَلْ قَدْ تَكُونُ وَسِيلَةَ الْمُحَرَّمِ غَيْرَ مُحَرَّمَةٍ إذَا أَفْضَتْ إلَى مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ كَالتَّوَسُّلِ إلَى فِدَاءِ الْأَسَارَى بِدَفْعِ الْمَالِ لِلْكُفَّارِ الَّذِي هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَنَا مِنْ خِطَابِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَكَدَفْعِ مَالٍ لِرَجُلٍ يَأْكُلُهُ حَرَامًا حَتَّى لَا يَزْنِيَ بِامْرَأَةٍ إذَا عَجَزَ عَنْ دَفْعِهِ عَنْهَا إلَّا بِذَلِكَ وَكَدَفْعِ الْمَالِ لِلْمُحَارِبِ حَتَّى لَا يَقَعَ الْقَتْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِ الْمَالِ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَكِنَّهُ اشْتَرَطَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ الْوَسَائِلِ الْحَسَنَةِ قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: 120] فَأَثَابَهُمْ اللَّهُ عَلَى الظَّمَأِ وَالنَّصَبِ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ فِعْلِهِمْ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ حَصَلَا لَهُمْ بِسَبَبِ التَّوَسُّلِ إلَى الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ وَسِيلَةٌ لِإِعْزَازِ الدِّينِ وَصَوْنِ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الِاسْتِعْدَادُ وَسِيلَةَ الْوَسِيلَةِ فَالذَّرَائِعُ الْمُفْضِيَةُ إلَى الْمُحَرَّمِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ. (وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى سَدِّهِ وَمَنْعِهِ وَحَسْمِهِ وَلَهُ مَثَلٌ مِنْهَا حَفْرُ الْآبَارِ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى إهْلَاكِهِمْ فِيهَا وَمِنْهَا إلْقَاءُ السُّمِّ فِي أَطْعِمَتِهِمْ، وَمِنْهَا سَبُّ الْأَصْنَامِ عِنْدَ مَنْ يُعْلَمُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَسُبُّ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ سَبِّهَا. (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) مَا أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى عَدَمِ مَنْعِهِ وَأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ لَا تُسَدُّ وَوَسِيلَةٌ لَا تُحْسَمُ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا زِرَاعَةُ الْعِنَبِ وَسِيلَةٌ إلَى الْخَمْرِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالْمَنْعِ مِنْهَا خَشْيَةَ الْخَمْرِ وَمِنْهَا الْمُجَاوَرَةُ فِي الْبُيُوتِ وَسِيلَةٌ إلَى الزِّنَا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِمَنْعِهَا خَشْيَةَ الزِّنَا. (وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ هَلْ يُسَدُّ أَمْ لَا، وَلَهُ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا بُيُوعُ الْآجَالِ وَهِيَ كَمَا قِيلَ تَصِلُ إلَى أَلْفِ مَسْأَلَةٍ كَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِخَمْسَةٍ قَبْلَ الشَّهْرِ فَاخْتَصَّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الِاتِّصَافِ بِالنَّقِيضِ عَدَمُ الِاتِّصَافِ بِالضِّدِّ وَالْخِلَافِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَعَ كَوْنِهِ قَائِمًا جَالِسًا فِي وَقْتٍ آخَرَ وَنَحْوُهُ وَمِنْ الْأَضْدَادِ وَحَيًّا وَفَقِيهًا وَعَابِدًا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَكَذَلِكَ كُلُّ وَصْفٍ هُوَ خِلَافٌ أَوْ ضِدٌّ فَجَمِيعُ ذَلِكَ يَجُوزُ ثُبُوتُهُ. وَأَمَّا النَّقِيضُ فَلَا سَبِيلَ لِلِاتِّصَافِ بِهِ أَلْبَتَّةَ فَالْحَصْرُ بِاعْتِبَارِهِ لَا بِاعْتِبَارِ غَيْرِهِ هَذَا فِي النَّكِرَاتِ وَأَمَّا غَيْرُ النَّكِرَاتِ فَأَذْكُرُ فِيهِ سَبْعَ مَسَائِلَ تُوَضِّحُهُ وَتُبَيِّنُ الْفَرْقَ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الصَّلَاةِ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ اسْتَدَلَّ بِهِ الْعُلَمَاءُ عَلَى انْحِصَارِ سَبَبِ تَحْرِيمِهَا فِي التَّكْبِيرِ وَسَبَبِ تَحْلِيلِهَا فِي التَّسْلِيمِ فَلَا يَدْخُلُ فِي حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ إلَّا بِالتَّكْبِيرِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ حُرُمَاتِهَا إلَى حِلِّهَا إلَّا بِالتَّسْلِيمِ فَهَذَا خَبَرٌ مُعَرَّفٌ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ اقْتَضَى الْحَصْرَ فِي التَّكْبِيرِ دُونَ نَقِيضِهِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ التَّكْبِيرِ وَضِدُّهُ الَّذِي هُوَ الْهَزْلُ وَاللَّعِبُ وَالنَّوْمُ وَالْجُنُونُ وَخِلَافُهُ الَّذِي هُوَ الْخُشُوعُ وَالتَّعْظِيمُ، فَأَيُّ شَيْءٍ فَعَلَ مِنْ هَذِهِ الْأَضْدَادِ وَالْخِلَافَاتِ وَلَمْ يَفْعَلْ التَّكْبِيرَ لَمْ يَدْخُلْ فِي حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ يَقْتَضِي الْحَصْرَ فِي التَّسْلِيمِ دُونَ نَقِيضِهِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ التَّسْلِيمِ وَضِدِّهِ الَّذِي هُوَ النَّوْمُ وَالْإِغْمَاءُ وَخِلَافُهُ الَّذِي هُوَ الْحَدَثُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ وَغَيْرِهِمَا فَلَا يَخْرُجُ مِنْ حِلِّ الصَّلَاةِ إلَى حُرُمَاتِهَا إلَّا بِالتَّسْلِيمِ فَقَطْ. وَنَعْنِي بِالْحُرُمَاتِ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْرُمُ فِي الصَّلَاةِ وَنَعْنِي بِحِلِّهَا إبَاحَةَ جَمِيعِ مَا حَرُمَ بِالصَّلَاةِ فَإِنْ قُلْت فَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِالضِّدِّ الَّذِي هُوَ النَّوْمُ وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ وَبِالْخِلَافِ الَّذِي هُوَ الْحَدَثُ وَنَعْنِي بِالضِّدِّ مَا لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُ مَعَهُ وَبِالْخِلَافِ مَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُ مَعَهُ قُلْت لَيْسَ مُرَادُنَا بِالْخُرُوجِ مِنْ حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ إلَى حِلِّهَا بُطْلَانَ الصَّلَاةِ كَيْفَ كَانَ إنَّمَا مُرَادُنَا بِذَلِكَ الْخُرُوجُ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْخُرُوجُ ـــــــــــــــــــــــــــــSلَا مِنْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ. قَالَ (وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الِاتِّصَافِ بِالضِّدِّ وَالْخِلَافِ إلَى قَوْلِهِ فَاذْكُرْ فِيهِ سَبْعَ مَسَائِلَ تُوَضِّحُهُ وَتُبَيِّنُ الْفَرْقَ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (فِي الصَّلَاةِ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ إلَى قَوْلِهِ وَخِلَافُهُ الَّذِي هُوَ الْخُشُوعُ وَالتَّعْظِيمُ قُلْتُ مَا قَالَهُ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ قَالَ: فَأَيُّ شَيْءٍ فَعَلَ مِنْ هَذِهِ الْأَضْدَادِ وَالْخِلَافَاتِ وَلَمْ يَفْعَلْ التَّكْبِيرَ لَمْ يَدْخُلْ فِي حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ يَقْتَضِي صَرِيحًا الْمَنْعَ مِنْ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ بِغَيْرِ التَّكْبِيرِ فَذَلِكَ مَمْنُوعٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مَفْهُومًا فَيَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَفْهُومِ فَذَلِكَ مُسَلَّمٌ. قَالَ (وَكَذَلِكَ تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ يَقْتَضِي الْحَصْرَ فِي التَّسْلِيمِ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ وَمَعْنَى تَحْلِيلِهَا إبَاحَةُ جَمِيعِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ بِالصَّلَاةِ) قُلْتُ الْكَلَامُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ (فَإِنْ قُلْتُ: فَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالضِّدُّ الَّذِي هُوَ النَّوْمُ وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ إلَى آخَرِ الْكَلَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَجَوَابَاتُهُ صَحِيحَةٌ وَاسْتِشْكَالُهُ لِمَا اُسْتُشْكِلَ مِنْ مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْقَوْلِ بِوُجُوبِ سَدِّهَا نَظَرًا إلَى أَنَّهُ تَوَسُّلٌ بِإِظْهَارِ صُورَةِ الْبَيْعِ لِسَلَفِ خَمْسَةٍ بِعَشَرَةٍ إلَى أَجَلٍ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ مِنْ يَدِهِ خَمْسَةً الْآنَ وَأَخَذَ عَشَرَةً آخِرَ الشَّهْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُنْظَرُ إلَى صُورَةِ الْبَيْعِ وَيُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ وَمِنْهَا النَّظَرُ إلَى النِّسَاءِ قِيلَ يُحَرَّمُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الزِّنَا وَقِيلَ لَا يُحَرَّمُ وَمِنْهَا حَكَمَ بِعِلْمِهِ قِيلَ يُحَرَّمُ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِلْقَضَاءِ بِالْبَاطِلِ مِنْ الْقُضَاةِ السُّوءِ، وَقِيلَ لَا يُحَرَّمُ وَمِنْهَا صُنَّاعُ السِّلَعِ قِيلَ يَضْمَنُونَهَا إذَا ادَّعَوْا ضَيَاعَهَا سَدًّا لِذَرِيعَةِ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُمْ يُؤَثِّرُونَ فِيهَا بِصَنْعَتِهِمْ فَتَتَغَيَّرُ فَلَا يَعْرِفُهَا رَبُّهَا إذَا بِيعَتْ وَقِيلَ لَا يَضْمَنُونَ؛ لِأَنَّهُمْ أُجَرَاءُ وَأَصْلُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْأَمَانَةِ، وَمِنْهَا حَمَلَةُ الطَّعَامِ قِيلَ: يَضْمَنُونَهُ إذَا تَلِفَ لِئَلَّا تَمْتَدَّ أَيْدِيهِمْ إلَيْهِ، وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُونَهُ قُلْت وَمِنْهَا آلَاتُ الْمَلَاهِي فَإِنَّهَا مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهَا إنْ تَرَتَّبَ فُسُوقٌ وَمَشْهُورُ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا كَمَا فِي مَجْمُوعِ الْأَمِيرِ وَالصَّاوِيِّ عَلَى أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ بَلْ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الزَّوَاجِرِ وَقَدْ حَكَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِ الْمِزْمَارِ الْعِرَاقِيِّ وَمَا يُضْرَبُ بِهِ مِنْ الْأَوْتَارِ اهـ. وَاخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً وَالْأَصَحُّ الثَّانِي كَمَا فِي الدُّسُوقِيِّ عَلَى الدَّرْدِيرِ عَلَى خَلِيلٍ وَفِي الْإِحْيَاءِ الْمَنْعُ مِنْ الْأَوْتَارِ كُلِّهَا لِثَلَاثِ عِلَلٍ: كَوْنُهَا تَدْعُو إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّ اللَّذَّةَ الْحَاصِلَةَ تَدْعُو إلَيْهَا فَلِهَذَا حُرِّمَ شُرْبُ قَلِيلِهَا، وَكَوْنُهَا فِي قَرِيبِ الْعَهْدِ بِشُرْبِهَا تُذَكِّرُهُ مَجَالِسَ الشُّرْبِ وَالذِّكْرُ سَبَبُ انْبِعَاثِ الْفُسُوقِ وَانْبِعَاثُهُ سَبَبُ الْإِقْدَامِ، وَكَوْنُ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الْأَوْتَارِ صَارَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْفِسْقِ مَعَ التَّشَبُّهِ بِهِمْ وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ كَمَا فِي الزَّوَاجِرِ قَالَ أَيْ فَالتَّشَبُّهُ بِهِمْ حَرَامٌ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ وَلَا يَبْعُدُ مَا فِي الْإِحْيَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ النَّظَرِ لِمَا يَتَرَتَّبُ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ حِجَازِيٌّ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ فَمَنْ حَسُنَ قَصْدُهُ وَتَطَهَّرَ مِنْ حُظُوظِ الشَّهَوَاتِ وَرَذَائِلِ الشُّبُهَاتِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى سَمَاعِهِ بِالْحُرْمَةِ اهـ الْمُرَادُ. وَفِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ دَاعِي دَرْءِ الْمَفَاسِدِ فَلِذَا قَالَ وَلَا يَبْعُدُ إلَخْ وَلَمْ يَجْزِمْ اهـ. بِتَغْيِيرٍ. وَمِنْهَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي قُلْنَا بِسَدِّهَا وَلَمْ يَقُلْ بِسَدِّهَا الشَّافِعِيُّ فَلَيْسَ سَدُّ الذَّرَائِعِ خَاصًّا بِمَالِكٍ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ بَلْ قَالَ بِهَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ وَأَصْلُ سَدِّهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ اهـ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَكَوْنُ مَا أَفْضَى إلَى الْوَاجِبِ وَاجِبًا مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ

عَنْ الْعُهْدَةِ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَا سَبَبَ لَهُ إلَّا السَّلَامُ الْمَشْرُوعُ وَالْخُرُوجُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَ مُرَادَنَا فَإِنْ قُلْت السَّلَامُ إذَا وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ يَخْرُجُ مِنْ حُرُمَاتِهَا وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا إبَاحَةَ وَلَا بَرَاءَةَ ذِمَّةٍ قُلْت إنَّمَا أَخْرَجَ السَّلَامُ مِنْ حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ فِي أَثْنَائِهَا؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَهُوَ كَسَبْقِ الْحَدَثِ وَغَيْرِهِ وَمِنْ الْمُبْطِلَاتِ وَإِخْرَاجُهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنْ بَابِ إخْرَاجِهِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَالْحَصْرُ إنَّمَا تَعَرَّضَ لَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ مِنْ الْوَجْهِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ، وَهَذَا الْجَوَابُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ نَافِعٍ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّ السَّلَامَ عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَلَا يَحْتَاجُ فِي الرُّجُوعِ إلَى تَكْبِيرٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَجَعَلَ السَّلَامَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ كَالْكَلَامِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَالْكَلَامُ عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا، وَكَذَلِكَ السَّلَامُ سَهْوًا وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَإِنَّهُ أُرِيدَ بِهِ السَّلَامُ الْمَأْذُونُ فِيهِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ أَمَّا سَهْوُ السَّلَامِ وَعَمْدُهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَرِدْ وَلَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ إلَّا التَّكْبِيرَ الْأَوَّلَ الْمَشْرُوعَ سَبَبًا لِلدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَالسَّلَامُ الَّذِي هُوَ فِي آخِرِهَا الْمَشْرُوعُ سَبَبًا فِي الْخُرُوجِ مِنْهَا لَا سِيَّمَا وَلَفْظُ السَّلَامِ خَبَرٌ مَعْنَاهُ الدُّعَاءُ بِالسَّلَامَةِ وَالدُّعَاءُ لَا يَقْدَحُ فِي الصَّلَاةِ لَا سَهْوًا وَلَا عَمْدًا فَالْقَوْلُ بِكَوْنِهِ إذَا وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ مُحْوِجٌ لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِلدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ مُخْرِجٌ مِنْهَا مُطْلَقًا مُشْكِلٌ فَإِنْ قُلْت النِّيَّةُ الْمُقْتَرِنَةُ بِهِ تَقْتَضِي رَفْضَ الصَّلَاةِ وَرَفْضُ الصَّلَاةِ يَقْتَضِي إبْطَالَهَا فَذَلِكَ أَحْوَجُ لِلتَّكْبِيرِ وَلِأَنَّ جِنْسَهُ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ إجْمَاعًا وَقَعَ فِي أَجْزَائِهَا وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ الْفَرْدِ بَقِيَّةُ صُوَرِهِ بِالْقِيَاسِ أَوْ نَقُولُ اللَّامُ فِيهِ لِلْعُمُومِ فَيَشْمَلُ صُورَةَ النِّزَاعِ. قُلْتُ السَّلَامُ قَدْ يَقَعُ مَعَ نِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَدْ لَا يَقَعُ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعَهُ نِيَّةٌ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ وَقَعَتْ فَلَيْسَتْ رَفْضًا؛ لِأَنَّ الرَّفْضَ هُوَ قَصْدُ إبْطَالِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقْصِدْ إبْطَالَهَا إنَّمَا اعْتَقَدَ أَنَّ صَلَاتَهُ كَمُلَتْ فَأَتَى بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَهَذَا لَيْسَ رَفْضًا وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ السَّلَامَ كَوْنُهُ مُخْرِجًا مِنْ الصَّلَاةِ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى وَلَا يُنَاسِبُ لَفْظٌ هُوَ دُعَاءُ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يُنَاسِبُ فِي ذَلِكَ مَا يُنَافِيهَا وَالدُّعَاءُ لَا يُنَافِي الصَّلَاةَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْقُولَ الْمَعْنَى امْتَنَعَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ بِلَا جَامِعٍ لَا يَصِحُّ فَإِنْ قُلْت هُوَ قِيَاسُ الشَّبَهِ لَا قِيَاسُ الْمَعْنَى قُلْت قِيَاسُ الشَّبَهِ ضَعِيفٌ وَقَدْ مَنَعَ الْقَاضِي شَيْخُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ حُجَّةٌ سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ لَكِنْ الْفَرْقُ أَنَّهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ مُعَارِضٌ فَالْمُقْتَضَى لَا كَمَالُ الصَّلَاةِ الَّذِي يَقْتَضِي الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهَا وَفِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَهُوَ سَالِمٌ عَنْ هَذَا الْمُعَارِضِ فَافْتَرَقَا،. وَأَمَّا التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ قَرِينَةَ السِّيَاقِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّامَ هَهُنَا إنَّمَا أُرِيدَ بِهَا حَقِيقَةُ الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ لَا الْعُمُومُ؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ مَعَهُ مِنْ الطَّهُورِ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ إنَّمَا أُرِيدَ بِهِ الْفَرْدُ الْمُقَارِنُ لِلْأَوَّلِ فَقَطْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ فِيمَا لَمْ يُصَرِّحْ الشَّرْعُ بِوُجُوبِهِ اهـ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ وَقَاعِدَةُ الذَّرِيعَةِ الَّتِي يَجِبُ سَدُّهَا شَرْعًا هُوَ مَا يُؤَدِّي مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُبَاحَةِ إلَى مَحْظُورٍ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ لَا مُطْلَقِ مَحْظُورٍ فَمِنْ هُنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَشْتَرِي الْوَلِيُّ فِي مَشْهُورِ الْأَقْوَالِ مِنْ مَالِ يَتِيمِهِ إذَا كَانَ نَظَرًا لَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِصْلَاحِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي آيَةِ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة: 220] إلَخْ فَلَا يُقَالُ لِمَ تَرَكَ مَالِكٌ أَصْلَهُ فِي التُّهْمَةِ وَالذَّرَائِعِ وَجَوَّزَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ مَعَ يَتِيمَتِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى هَاهُنَا فِي صُورَةِ الْمُخَالَطَةِ وَوَكَلَ الْحَاضِنِينَ إلَى أَمَانَتِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] وَكُلُّ أَمْرٍ مَخُوفٍ وَوَكَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ الْمُكَلَّفَ إلَى أَمَانَتِهِ لَا يُقَالُ فِيهِ أَنَّهُ يَتَذَرَّعُ إلَى مَحْظُورٍ فَمَنَعَ مِنْهُ كَمَا جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ النِّسَاءَ مُؤْتَمَنَاتٍ عَلَى فُرُوجِهِنَّ مَعَ عِظَمِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى قَوْلِهِنَّ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَيَرْتَبِطُ بِهِ مِنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَالْأَنْسَابِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكْذِبْنَ وَهَذَا فَنٌّ بَدِيعٌ فَتَأَمَّلُوهُ وَاِتَّخِذُوهُ دُسْتُورًا فِي الْأَحْكَامِ وَأَصِّلُوهُ اهـ. (التَّنْبِيهُ الثَّانِي) قَالَ الْأَصْلُ الْقَاعِدَةُ أَنَّهُ كُلَّمَا سَقَطَ اعْتِبَارُ الْمَقْصِدِ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْوَسِيلَةِ فَإِنَّهَا تَبَعٌ لَهُ فِي الْحُكْمِ وَقَدْ خُولِفَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي الْحَجِّ فِي إمْرَارِ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ مَنْ لَا شَعْرَ لَهُ مَعَ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى إزَالَةِ الشَّعْرِ فَيَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى الْقَاعِدَةِ اهـ. قُلْت: وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ أَغْلَبِيَّةٌ كَقَاعِدَةِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَكَذَا كَوْنُ الْوَسِيلَةِ إلَى أَفْضَلِ الْمَقَاصِدِ أَفْضَلَ الْوَسَائِلِ وَإِلَى أَقْبَحِ الْمَقَاصِدِ أَقْبَحَ الْوَسَائِلِ وَإِلَى مَا يَتَوَسَّطُ مُتَوَسِّطَةً كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ. (وَأَمَّا الْفَرْقُ) بَيْنَ كَوْنِ الْمَعَاصِي أَسْبَابًا لِلرُّخَصِ وَبَيْنَ مُقَارَنَةِ الْمَعَاصِي لِأَسْبَابِ الرُّخَصِ فَهُوَ أَنَّ الْمَعَاصِيَ لَا تَكُونُ أَسْبَابًا لِلرُّخْصِ؛ لِأَنَّ تَرْتِيبَ التَّرَخُّصِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ سَعْيٌ فِي تَكْثِيرِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْمُكَلَّفِ بِسَبَبِهَا فَالْعَاصِي بِسَفَرِهِ كَالْآبِقِ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَلَا يَقْصُرُ وَلَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ هَذَيْنِ الرُّخْصَتَيْنِ السَّفَرُ وَهُوَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَعْصِيَةٌ فَلَا يُنَاسِبُ الرُّخْصَةَ. وَأَمَّا مُقَارَنَةُ الْمَعَاصِي لِأَسْبَابِ الرُّخَصِ فَلَا تَمْتَنِعُ إجْمَاعًا وَمِنْ مِثْلِهِ إذَا عَدِمَ الْمَاءَ أَفْسَقُ النَّاسِ وَأَعْصَاهُمْ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ وَهُوَ رُخْصَةٌ، وَإِذَا أَضَرَّ الصَّوْمُ

[الفرق بين قاعدة عدم علة الإذن أو التحريم وبين عدم علة غيرهما من العلل]

فَكَذَلِكَ التَّكْبِيرُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا بِالْمُقَارِنِ الْأَوَّلِ وَاَلَّذِي فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ مِنْهُ لَا يَدْخُلُ بِهِ فِي حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ يُحْمَلُ السَّلَامُ عَلَى الْمُقَارِنِ لِآخِرِ الصَّلَاةِ تَسْوِيَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قُرِنَ مَعَهُ وَلِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ لِلذِّهْنِ وَلَوْ كَانَ السَّلَامُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ يُحْوِجُ لِلتَّكْبِيرِ وَيُخْرِجُ مِنْ حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ لَبَطَلَ مَا مَضَى مِنْ الصَّلَاةِ وَابْتُدِئَتْ مِنْ أَوَّلِهَا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ مَالِكٌ فِي السَّهْوِ أَلْبَتَّةَ فَلَمَّا لَمْ تُعَدْ الصَّلَاةُ مِنْ أَوَّلِهَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا أَجِدُ مَشْهُورَ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي أَنَّ السَّلَامَ سَهْوًا مُحْوِجٌ لِلتَّكْبِيرِ إلَّا مُشْكِلًا وَالْمُتَّجَهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ يَقْتَضِي حَصْرَ ذَكَاةِ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ فَلَا يُحْوِجُ إلَى ذَكَاةٍ أُخْرَى وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ ذَكَاةَ الْجَنِينِ تُغْنِي عَنْهَا ذَكَاةُ أُمِّهِ فَإِنْ قُلْت فَذَكَاةُ الْجَنِينِ هِيَ الذَّبْحُ الْخَاصُّ فِي حَلْقِهِ هَذَا هُوَ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ فَجَعَلَ هَذِهِ الذَّكَاةَ عَيْنَ ذَكَاةِ أُمِّهِ إنَّمَا يَصْدُقُ حِينَئِذٍ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ كَقَوْلِنَا أَبُو يُوسُفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَجَازِ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّ هَذَا اللَّفْظَ بِوَضْعِهِ يَقْتَضِي أَنَّ عَيْنَ ذَكَاةِ الْجَنِينِ هِيَ عَيْنُ ذَكَاةِ أُمِّهِ؟ قُلْت: سُؤَالٌ حَسَنٌ وَالْجَوَابُ عَنْهُ يَحْتَاجُ إلَى جَوْدَةِ ذِهْنٍ وَفِكْرٍ فِي فَهْمِهِ بِسَبَبِ النَّظَرِ فِي قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ إضَافَةَ الْمَصَادِرِ مُخَالِفَةٌ لِإِسْنَادِ الْأَفْعَالِ فَالْإِضَافَةُ تَكْفِي فِيهَا أَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً كَقَوْلِنَا صَوْمُ رَمَضَانَ وَحَجُّ الْبَيْتِ فَنُضِيفُ الصَّوْمَ لِرَمَضَانَ وَالْحَجَّ لِلْبَيْتِ فَتَكُونُ إضَافَةً حَقِيقَةً وَلَوْ أَسْنَدْنَا الْفِعْلَ فَقُلْنَا صَامَ رَمَضَانُ بِأَنْ يُجْعَلَ الشَّهْرُ هُوَ الْفَاعِلَ أَوْ الْبَيْتَ يَحُجُّ لَمْ يَصْدُقْ ذَلِكَ حَقِيقَةً وَيَنْفِرُ مِنْهُ سَمْعُ السَّامِعِ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي هَاهُنَا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ ذَكَّيْت الْجَنِينَ وَبَيْنَ ذَكَاةِ الْجَنِينِ فَذَكَّيْت الْجَنِينَ لَا يَصْدُقُ إلَّا إذَا قَطَعَ مِنْهُ مَوْضِعَ الذَّكَاةِ وَذَكَاةُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ يَقْتَضِي حَصْرَ ذَكَاةِ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ فَلَا يَحُوجُ إلَى ذَكَاةٍ أُخْرَى وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ ذَكَاةَ الْجَنِينِ تُغْنِي عَنْهَا ذَكَاةُ أُمِّهِ فَإِنْ قُلْتَ: ذَكَاةُ الْجَنِينِ هُوَ الذَّبْحُ الْخَاصُّ فِي حَلْقِهِ هَذَا هُوَ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ قُلْتُ لَيْسَ الذَّكَاةُ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً بَلْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً شَرْعِيَّةً. قَالَ (فَجَعَلَ هَذِهِ الذَّكَاةَ عَيْنَ ذَكَاةِ أُمِّهِ إنَّمَا يَصْدُقُ حِينَئِذٍ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ كَقَوْلِنَا أَبُو يُوسُف أَبُو حَنِيفَة وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَجَازِ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَقْتَضِي بِوَضْعِهِ أَنَّ عَيْنَ ذَكَاةِ الْجَنِينِ هُوَ عَيْنُ ذَكَاةِ أُمَّةِ) قُلْتُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ عَيْنَ ذَكَاةِ الْجَنِينِ هِيَ عَيْنُ ذَكَاةِ أُمِّهِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُقَالُ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ لَا غَيْرُ لِامْتِنَاعِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَّحِدُ مُتَعَدِّدًا. قَالَ (قُلْتُ سُؤَالٌ حَسَنٌ وَالْجَوَابُ عَنْهُ يَحْتَاجُ إلَى جَوْدَةِ ذِهْنٍ وَفِكْرٍ فِي فَهْمِهِ بِسَبَبِ النَّظَرِ فِي قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ إضَافَةَ الْمَصَادِرِ مُخَالِفَةٌ لِإِسْنَادِ الْأَفْعَالِ فَالْإِضَافَةُ تَكْفِي فِيهَا أَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً كَقَوْلِنَا صَوْمُ رَمَضَانَ وَحَجُّ الْبَيْتِ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ وَاسْتَغْنَى الْجَنِينُ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَفْسَقِ النَّاسِ جَازَ لَهُ الْفِطْرُ وَإِذَا أَضَرَّ بِهِ الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ جَازَ لَهُ الْجُلُوسُ وَيُقَارِضُ وَيُسَاقِي وَلَا يَمْنَعُهُ عِصْيَانُهُ مِنْ فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الرُّخْصِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ هَذِهِ الرُّخَصِ غَيْرُ مَعْصِيَةٍ وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ مُقَارِنَةٌ لِلسَّبَبِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْمَاءِ أَوْ الْعَجْزُ عَنْ الصَّوْمِ أَوْ عَنْ الْقِيَامِ أَوْ نَحْوِهِمَا مِمَّا لَيْسَ هُوَ بِمَعْصِيَةٍ لَا أَنَّهَا هِيَ السَّبَبُ حَتَّى يَصِحَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْعَاصِيَ بِسَفَرِهِ لَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ إذَا اضْطَرَّ إلَيْهَا وَيَلْزَمُهُ أَنْ لَا يُبِيحَ لِلْعَاصِي جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ مُسَاوٍ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ضَرُورَةَ أَنَّ سَبَبَ أَكْلِهِ خَوْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ لَا سَفَرِهِ الَّذِي هُوَ مَعْصِيَةٌ فَالْمَعْصِيَةُ مُقَارِنَةٌ لِسَبَبِ الرُّخْصَةِ لَا أَنَّهَا هِيَ السَّبَبُ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ عِلَّةِ الْإِذْنِ أَوْ التَّحْرِيمِ وَبَيْنَ عَدَمِ عِلَّةِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْعِلَلِ] (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ عِلَّةِ الْإِذْنِ أَوْ التَّحْرِيمِ وَبَيْنَ عَدَمِ عِلَّةِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْعِلَلِ) وَذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى عَدِمَتْ عِلَّةُ الْإِذْنِ تَعَيَّنَ التَّحْرِيمُ وَمَتَى عَدِمَتْ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ تَعَيَّنَ الْإِذْنُ فَعَدَمُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْعِلَّتَيْنِ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ الْآخَرِ أَيْ عَدَمُ عِلَّةِ الْإِذْنِ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ وَعَدَمُ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ عِلَّةُ الْإِذْنِ. وَأَمَّا عَدَمُ عِلَّةِ كُلٍّ مِنْ الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ أَوْ الْكَرَاهَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِنَّ غَيْرَ الْوَاجِبِ قَدْ يَكُونُ مُحَرَّمًا أَوْ مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مَكْرُوهًا وَغَيْرُ الْمَنْدُوبِ كَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا أَوْ مُحَرَّمًا أَوْ مُبَاحًا أَوْ مَكْرُوهًا وَغَيْرُ الْمَكْرُوهِ كَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا أَوْ مُحَرَّمًا أَوْ مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِذِكْرِ أَرْبَعِ مَسَائِلَ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ تُوَضِّحُ اطِّرَادَ الْقَاعِدَةِ الْأُولَى وَالرَّابِعَةُ تُوَضِّحُ عَدَمَ اطِّرَادِ الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) النَّجَاسَةُ تَرْجِعُ إلَى تَحْرِيمِ الْمُلَابَسَةِ فِي الصَّلَوَاتِ وَالْأَغْذِيَةِ لِلِاسْتِقْذَارِ أَوْ التَّوَسُّلِ لِلْإِبْعَادِ فَقُيِّدَ لِلِاسْتِقْذَارِ إلَخْ مُخْرِجٌ لِمَا تَحْرُمُ مُلَابَسَتُهُ فِي الْأَغْذِيَةِ لَا لِأَجْلِ ذَلِكَ بَلْ لِكَوْنِهِ مُضِرًّا كَالسَّمُومِ وَالْأَغْذِيَةِ وَالْأَشْرِبَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْأَسْقَامِ وَالْأَمْرَاضِ فَلَا تَكُونُ نَجِسَةً وَمُدْخِلٌ لِلْخَمْرِ وَنَحْوَهَا مِمَّا قُضِيَ بِتَنْجِيسِهِ لَا لِاسْتِقْذَارِهِ بَلْ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِتَنْجِيسِهِ يُفْضِي إلَى إبْعَادٍ وَإِبْعَادُهُ مَطْلُوبٌ شَرْعًا فَالْقَوْلُ بِتَنْجِيسِهِ يُفْضِي إلَى مَطْلُوبٍ شَرْعًا وَمَا يُفْضِي إلَى الْمَطْلُوبِ مَطْلُوبٌ فَتَنَجُّسُهُ مَطْلُوبٌ فَيَكُونُ نَجِسًا لِلتَّوَسُّلِ لِلْإِبْعَادِ لَا لِلِاسْتِقْذَارِ وَزِيَادَةٍ، وَالْأَغْذِيَةُ لَا لِلِاحْتِرَازِ بَلْ لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ قَوْلُنَا تَحْرِيمَ الْمُلَابَسَةِ فِي الصَّلَوَاتِ كَافِيًا وَالطَّهَارَةُ تَرْجِعُ إلَى إبَاحَةِ الْمُلَابَسَةِ فِي الصَّلَوَاتِ لِعَدَمِ عِلَّةِ النَّجَاسَةِ

الْجَنِينِ تَصْدُقُ بِأَيْسَرِ مُلَابَسَةٍ، وَأَحَدُ طُرُقِ الْمُلَابَسَةِ أَنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ تُبِيحُهُ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ صَارَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَكَاةِ أُمِّهِ مُلَابَسَةٌ تَصْدُقُ أَنَّهَا ذَكَاتُهُ فَيَكُونُ عَلَى التَّقْدِيرِ ذَكَاةُ أُمِّهِ هِيَ عَيْنُ ذَكَاتِهِ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ النُّحَاةِ عَنْ الْعَرَبِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا يَكْفِي فِي الْإِضَافَةِ أَدْنَى مُلَابَسَةٍ كَقَوْلِ أَحَدِ حَامِلِي الْخَشَبَةِ لِلْآخَرِ شِلْ طَرَفَك فَجَعَلَ طَرَفَ الْخَشَبَةِ طَرَفًا لَهُ بِسَبَبِ الْمُلَابَسَةِ وَأَنْشَدُوا: إذَا كَوْكَبُ الْخَرْقَاءِ لَاحَ بِسُحْرَةٍ فَأَضَافَ الْكَوْكَبَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَقُومُ لِشُغْلِهَا عِنْدَ طُلُوعِهِ وَإِذَا اسْتَقْرَيْت ذَلِكَ وَجَدْته كَثِيرًا عَلَى وَجْهِ الْحَقِيقَةِ فَصَحَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ إضَافَةِ الذَّكَاةِ لِلْجَنِينِ وَأَنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي الْحَصْرَ وَاسْتَغْنَى الْجَنِينُ عَنْ الذَّكَاةِ بِسَبَبِ ذَكَاةِ أُمِّهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يُرْوَى بِالرَّفْعِ فِي الذَّكَاةِ الثَّانِيَةِ وَبِالنَّصْبِ فَتَمَسَّكَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِرَاوِيَةِ الرَّفْعِ عَلَى اسْتِغْنَاءِ الْجَنِينِ عَنْ الذَّكَاةِ وَتَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ بِرِوَايَةِ النَّصْبِ عَلَى احْتِيَاجِهِ لِلذَّكَاةِ وَأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ وَالتَّقْدِيرُ عِنْدَهُمْ ذَكَاةُ الْجَنِينِ أَنْ يُذَكَّى ذَكَاةً مِثْلَ ذَكَاةِ أُمِّهِ فَحُذِفَ الْمُضَافُ مَعَ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَأُعْرِبَ كَإِعْرَابِهِ وَهُوَ الْقَاعِدَةُ فِي حَذْفِ الْمُضَافِ. وَالْجَوَابُ عَمَّا تَمَسَّكَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ هَاهُنَا تَقْدِيرًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ دَاخِلَةٌ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ فَحَذَفَ حَرْفَ الْجَرِّ فَانْتَصَبَتْ الذَّكَاةُ عَلَى أَنَّهَا مَفْعُولٌ كَقَوْلِك دَخَلْت الدَّارَ وَيَكُونُ الْمَحْذُوفُ أَقَلَّ مِمَّا قَدَّرَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَيَكُونُ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ جَمْعٌ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَيَكُونُ أَوْلَى مِنْ التَّعَارُضِ وَالتَّنَافِي بَيْنَهُمَا فَيُرَجَّحُ بِقِلَّةِ الْمَحْذُوفِ وَالْجَمْعِ لَا يَبْقَى لَهُمْ فِيهِ مُسْتَنَدٌ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــSالذَّكَاةِ بِسَبَبِ ذَكَاةِ أُمِّهِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْإِضَافَةَ تَصِحُّ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَهِيَ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَالْإِسْنَادِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِسْنَادَ يَلْزَمُ فِيهِ مُرَاعَاةُ الْفَاعِلِ وَهَلْ هُوَ مِمَّا وَقَعَ فِي إسْنَادِ ذَلِكَ الْفِعْلِ إلَيْهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ حَقِيقَةً فِيهِ أَوْ لَا؟ فَيَكُونُ مَجَازًا وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي الْحَصْرَ وَاسْتَغْنَى الْجَنِينُ عَنْ الذَّكَاةِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ. قَالَ (وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يُرْوَى بِالرَّفْعِ فِي الذَّكَاةِ الثَّانِيَةِ وَبِالنَّصْبِ فَتَمَسَّكَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِرَاوِيَةِ الرَّفْعِ عَلَى اسْتِغْنَاءِ الْجَنِينِ عَنْ الذَّكَاةِ وَتَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ بِرِوَايَةِ النَّصْبِ عَلَى احْتِيَاجِهِ لِلذَّكَاةِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ وَمِنْ أَنَّ قَوْلَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ يُرَجَّحُ بِقِلَّةِ الْحَذْفِ مُسَلَّمٌ إلَّا أَنَّهُ يُرَجَّحُ أَيْضًا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ تَقْدِيرَهُمْ مِنْ مُقْتَضَى مَسَاقِ الْكَلَامِ وَتَقْدِيرُ غَيْرِهِمْ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مِنْ مُقْتَضَى رَأْيِهِ وَمَذْهَبِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي مَسَاقِ الْكَلَامِ دَلِيلٌ عَلَى دُخُولِ ذَكَاةِ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ وَمَا قَالَهُ وَمِنْ أَنَّ قَوْلَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ يُرَجَّحُ بِالْجَمْعِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَعَذُّرِ الْجَمْعِ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ الْجَمْعُ مُتَّجَهٌ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ مَعًا وَالشَّأْنُ إنَّمَا هُوَ فِي تَرْجِيحِ أَحَدِ الْجَمْعَيْنِ عَلَى الْآخِرِ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَبَسْطُهُ يَطُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّتِي هِيَ الِاسْتِقْذَارُ فَمَتَى كَانَتْ الْعَيْنُ لَيْسَتْ بِمُسْتَقْذَرَةٍ فَحُكْمُ اللَّهِ فِيهَا عَدَمُ النَّجَاسَةِ وَأَنْ تَكُونَ طَاهِرَةً مَا لَمْ تَكُنْ مَطْلُوبَةَ الْإِبْعَادِ كَالْخَمْرِ وَإِلَّا قَضَى بِتَنْجِيسِهَا مَعَ عَدَمِ الِاسْتِقْذَارِ لِقِيَامِ عِلَّةِ التَّوَسُّلِ إلَى الْإِبْعَادِ مَقَامَ الِاسْتِقْذَارِ فَظَهَرَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ الْخَمْسَةِ بَلْ النَّجَاسَةُ تَرْجِعُ لِلتَّحْرِيمِ وَالطَّهَارَةُ تَرْجِعُ لِلْإِبَاحَةِ وَأَنَّ عَدَمَ عِلَّةِ التَّنْجِيسِ عِلَّةُ الطَّهَارَةِ وَأَنَّ عَدَمَ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ عِلَّةُ الْإِبَاحَةِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) عِلَّةُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ الْإِسْكَارُ فَمَتَى زَالَ الْإِسْكَارُ بِنَحْوِ تَخْلِيلِهِ أَوْ تَحْجِيرِهِ زَالَ التَّحْرِيمُ وَثَبَتَ الْإِذْنُ بِجَوَازِ أَكْلِهَا وَشُرْبِهَا وَعِلَّةُ إبَاحَةِ شُرْبِ الْعَصِيرِ مُسَالَمَتُهُ لِلْعَقْلِ وَسَلَامَتُهُ عَنْ الْمَفَاسِدِ فَعَدَمُ هَذِهِ الْمُسَالَمَةِ وَالسَّلَامَةِ عِلَّةٌ لِتَحْرِيمِ الْعَصِيرِ فَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ عَدَمَ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ عِلَّةُ الْإِذْنِ وَعَدَمُ عِلَّةِ الْإِذْنِ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْحَدَثُ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْوُضُوءِ فَيُقَالُ أَحْدَثَ إذَا خَرَجَ مِنْهُ خَارِجٌ كَذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَنْعِ الْمُرَتَّبِ عَلَى هَذَا السَّبَبِ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ بِفِعْلِهِ أَيْ يَنْوِي ارْتِفَاعَ الْمَنْعِ الْمُرَتَّبِ عَلَى ذَلِكَ السَّبَبِ الْمُتَقَدِّمِ لَا أَنَّهُ يَنْوِي ارْتِفَاعَ أَعْيَانِ تِلْكَ الْأَسْبَابِ الْمُسْتَقْذَرَةِ بِوُضُوئِهِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ وَاقِعَةً دَاخِلَةً فِي الْوُجُودِ وَالْوَاقِعَاتُ يَسْتَحِيلُ رَفْعُهَا وَالْمَنْعُ وَإِنْ كَانَ أَيْضًا وَقَعَ وَصَارَ مِنْ جُمْلَةِ الْوَاقِعَاتِ إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِرَفْعِهِ مَنْعُ اسْتِمْرَارِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ إنَّمَا يَمْنَعُ اسْتِمْرَارَ مَنْعِ الْوَطْءِ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ لَا نَفْسَ الْوَطْءِ وَلَا مَنْعَهُ فَالْحَدَثُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَنْعِ الْمُسْتَمِرِّ مِنْ مُلَابَسَةِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا فَهُوَ أَيْضًا يَرْجِعُ إلَى تَحْرِيمِ الْمُلَابَسَةِ الْمَذْكُورَةِ حَتَّى يَتَطَهَّرَ فَيُبَاحَ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْعِبَادَةِ. فَالْإِبَاحَةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُضَافَةٌ إلَى عَدَمِ سَبَبٍ يَقْتَضِي وُجُوبَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي الطَّهَارَةِ فَالسَّبَبُ الَّذِي هُوَ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ مِنْ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ عَلَى سَبِيلِ الصِّحَّةِ وَالِاعْتِيَادِ مَثَلًا هُوَ عِلَّةُ الْحَدَثِ الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ وَعَدَمُهُ عِلَّةُ الْإِبَاحَةِ بَعْدَ التَّطَهُّرِ، وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ سَبَبُ ارْتِفَاعِ ذَلِكَ التَّحْرِيمِ وَالْمَنْعِ وَحُصُولِ هَذِهِ الْإِبَاحَةِ فَحَصَلَ فِي هَذَا الْمِثَالِ أَيْضًا أَنَّ عِلَّةَ الْإِبَاحَةِ عَدَمُ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ وَعَدَمُ سَبَبِ الْإِبَاحَةِ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ نَعَمْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْوُضُوءَ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْإِبَاحَةِ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَنَحْوِهَا مِمَّا اُشْتُرِطَ فِيهِ الْوُضُوءُ وَتَقُولُ إنَّ الطَّهَارَةَ سَبَبٌ لِلْإِبَاحَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ حَتَّى

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ يَقْتَضِي حَصْرَ الشُّفْعَةِ الَّذِي هُوَ قَابِلٌ لِلْقِسْمَةِ وَلَمْ يُقْسَمْ بَعْدُ وَالْخَبَرُ هَاهُنَا لَيْسَ مَعْرِفَةً بَلْ مَجْرُورًا وَتَقْدِيرُ الْخَبَرِ الشُّفْعَةُ مُسْتَحَقَّةٌ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» يَقْتَضِي حَصْرَ الْأَعْمَالِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي النِّيَّاتِ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ الْأَعْمَالُ مُعْتَبَرَةٌ بِالنِّيَّاتِ فَالْعَمَلُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا كَمَا أَنَّ طَلَبَ الشُّفْعَةِ فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ لَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] تَقْدِيرُهُ زَمَانُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَيَكُونُ وَقْتُ الْحَجِّ مَحْصُورًا فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ وَهِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَهُوَ الْمِيقَاتُ الزَّمَانِيُّ وَهَلْ هَذَا الْحَصْرُ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَلَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ قَبْلَهُ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْفَضِيلَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فَيُكْرَهُ الْإِحْرَامُ قَبْلَهُ فَإِنْ وَقَعَ صَحَّ قَوْلَانِ. (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا قُلْت صَدِيقِي زَيْدٌ أَوْ زَيْدٌ صَدِيقِي اخْتَلَفَ الْحُكْمُ فِي زَيْدٍ فَالْأَوَّلُ يَقْتَضِي حَصْرَ أَصْدِقَائِك فِي زَيْدٍ فَلَا تُصَادِقُ أَنْتَ غَيْرَهُ وَهُوَ يَجُوزُ أَنْ يُصَادِقَ غَيْرَك وَالثَّانِي يَقْتَضِي حَصْرَهُ فِي صَدَاقَتِك فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَادِقَ غَيْرَك وَأَنْتَ يَجُوزُ أَنْ تُصَادِقَ غَيْرَهُ عَلَى عَكْسِ الْأَوَّلِ. (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي كِتَابِ الْإِعْجَازِ لَهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ قَدْ تَرِدُ لِحَصْرِ الثَّانِي فِي الْأَوَّلِ كَقَوْلِك زَيْدٌ الْقَائِمُ أَيْ لَا قَائِمَ إلَّا زَيْدٌ فَيُحْصَرُ وَصْفُ الْقِيَامِ وَكَذَلِكَ إذَا قُلْت: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ الْخَلِيفَةُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْ الْخِلَافَةُ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُنْحَصِرَةٌ فِي أَبِي بَكْرٍ وَمِنْهُ زَيْدٌ النَّاقِلُ لِهَذَا الْخَبَرِ وَالْمُتَسَبِّبُ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فَالثَّانِي أَبَدًا مُنْحَصِرٌ فِي الْأَوَّلِ بِخِلَافِ قَاعِدَةِ الْحَصْرِ أَبَدًا الْأَوَّلُ مُنْحَصِرٌ فِي الثَّانِي. (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) إذَا قُلْتَ السَّفَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فُهِمَ مِنْهُ الْحَصْرُ فِي هَذَا الظَّرْفِ وَأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ وَلَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ وَكَذَلِكَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْخَبَرِ فَقَدْ اتَّضَحَ لَكَ الْحَصْرُ لِلْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ مَعَ التَّعْرِيفِ وَالظَّرْفِ وَالْمَجْرُورِ بِخِلَافِ قَوْلِنَا زَيْدٌ قَائِمٌ وَعَمْرٌو خَارِجٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ يَقْتَضِي حَصْرَ الشُّفْعَةِ فِي الَّذِي هُوَ قَابِلٌ لِلْقِسْمَةِ وَلَمْ يُقْسَمْ بَعْدُ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ قُلْتُ مَا قَالَهُ دَعْوَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] إلَى آخِرِهَا قُلْتُ وَمَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دَعْوَى أَيْضًا. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) قَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا قُلْتُ: صَدِيقِي زَيْدٌ وَزَيْدٌ صَدِيقِي إلَى آخِرِهَا قُلْتُ: قَوْلُ الْغَزَالِيِّ دَعْوَى أَيْضًا. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ، قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ فِي كِتَابِ الْإِعْجَازِ لَهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ قَدْ تَرُدُّ الْحَصْرَ الثَّانِيَ فِي الْأَوَّلِ كَقَوْلِك زَيْدٌ الْقَائِمُ إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ وَقَوْلُ الْفَخْرِ دَعْوَى أَيْضًا. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) إذَا قُلْتُ: السَّفَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فُهِمَ مِنْهُ الْحَصْرُ فِي هَذَا الظَّرْفِ إلَى آخِرِهَا قُلْتُ مَا قَالَهُ لَهُ هُنَا أَيْضًا دَعْوَى لَمْ يَأْتِ عَلَيْهَا بِحُجَّةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيَطْرَأَ الْحَدَثُ وَالْحَدَثُ بِمَعْنَى الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْوُضُوءِ سَبَبُ الْمَنْعِ الْمُسْتَمِرِّ حَتَّى تَطْرَأَ الطَّهَارَةُ وَيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ فَيَكُونَ عَدَمُ الطَّهَارَةِ بِالْكُلِّيَّةِ بِسَبَبِ الْمَنْعِ وَعَدَمُ الْحَدَثِ بِالْكُلِّيَّةِ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ فَإِذَا فُرِضَ وُقُوعُ عَدَمِ خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ الْإِنْسَانِ أَلْبَتَّةَ فَلَا مَانِعَ لَا بِنَصٍّ وَلَا بِإِجْمَاعٍ وَلَا بِقِيَاسٍ مِنْ الْتِزَامِنَا الْإِبَاحَةَ فِي حَقِّهِ. قُلْت: وَمِمَّا يُقَرِّبُ هَذَا الْفَرْضَ مَا حَكَاهُ السُّبْكِيُّ فِي طَبَقَاتِهِ مِنْ حَدِيثِ رَحْمَةَ بِنْتِ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْحَاكِمِ عَنْ أَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عِيسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الطَّهْمَانِيِّ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ وَرَدَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ مَدِينَةً مِنْ مَدَائِنِ خُوَارِزْمَ تُدْعَى هِزَارَنِيفْ وَهِيَ فِي غَرْبِيِّ وَادِي جَيْحُونٍ وَمِنْهَا إلَى الْمَدِينَةِ الْعُظْمَى مَسَافَةُ نِصْفِ يَوْمٍ قَالَ وَأُخْبِرْت أَنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ الشُّهَدَاءِ رَأَتْ رُؤْيَا كَأَنَّهَا أُطْعِمَتْ فِي مَنَامِهَا شَيْئًا فَهِيَ لَا تَأْكُلُ شَيْئًا وَلَا تَشْرَبُ مُنْذُ عَهْدِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ طَاهِرٍ وَالِي خُرَاسَانَ وَكَانَ تُوُفِّيَ قَبْلَ ذَلِكَ بِثَمَانِ سِنِينَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. ثُمَّ مَرَرْت بِتِلْكَ الْمَدِينَةِ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ فَرَأَيْتهَا وَحَدَّثَتْنِي بِحَدِيثِهَا فَلَمْ أَسْتَقْصِ عَلَيْهَا لِحَدَاثَةِ سِنِّي ثُمَّ إنِّي عُدْت إلَى خُوَارِزْمَ فِي آخِرِ سَنَةِ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ فَرَأَيْتهَا بَاقِيَةً وَوَجَدْت حَدِيثَهَا شَائِعًا مُسْتَفِيضًا وَهَذِهِ الْمَدِينَةُ عَلَى مُدْرَجَةِ الْقَوَافِلِ وَكَانَ الْكَثِيرُ مِمَّنْ يَنْزِلُهَا إذَا بَلَغَهُمْ قِصَّتَهَا أَحَبُّوا أَنْ يَنْظُرُوا إلَيْهَا فَلَا يَسْأَلُونَ عَنْهَا رَجُلًا وَلَا امْرَأَةً وَلَا غُلَامًا إلَّا عَرَفَهَا وَدَلَّ عَلَيْهَا فَلَمَّا وَافَيْت النَّاحِيَةَ طَلَبْتهَا فَوَجَدْتهَا غَائِبَةً عَلَى عِدَّةِ فَرَاسِخَ فَمَضَيْت فِي أَثَرِهَا مِنْ قَرْيَةٍ إلَى أُخْرَى فَأَدْرَكْتهَا بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ تَمْشِي مِشْيَةً قَوِيَّةً وَإِذَا هِيَ امْرَأَةٌ نِصْفُ جَيِّدَةِ الْقَامَةِ ظَاهِرَةُ الدَّمِ مُتَوَرِّدَةُ الْخَدَّيْنِ زَكِيَّةُ الْفُؤَادِ فَسَايَرَتْنِي وَأَنَا رَاكِبٌ فَعَرَضْت عَلَيْهَا مَرْكَبًا فَلَمْ تَرْكَبْهُ وَأَقْبَلَتْ تَمْشِي مَعِي بِقُوَّةٍ وَحَضَرَ مَجْلِسِي قَوْمٌ مِنْ التُّجَّارِ وَالدَّهَاقِينِ وَفِيهِمْ فَقِيهٌ يُسَمَّى مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَوَيْهِ الْحَارِثِيُّ وَقَدْ كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْبَزَّارُ بِمَكَّةَ، وَكَهْلٌ لَهُ عِبَارَةٌ وَرِوَايَةٌ لِلْحَدِيثِ، وَشَابٌّ حَسَنٌ يُسَمَّى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَ يُحَلِّقُ أَصْحَابُ الْمَظَالِمِ بِنَاحِيَتِهِ فَسَأَلْتهمْ عَنْهَا فَأَحْسَنُوا الثَّنَاءَ عَلَيْهَا وَقَالُوا عَنْهَا خَيْرًا وَقَالُوا إنَّ أَمْرَهَا ظَاهِرٌ عِنْدَنَا فَلَيْسَ فِينَا مَنْ يَخْتَلِفُ فِيهَا قَالَ الْمُسَمَّى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَا أَسْمَعُ حَدِيثَهَا مُنْذُ أَيَّامِ الْحَدَاثَةِ وَنَشَأْت وَالنَّاسُ يَتَفَاوَضُونَ فِي خَبَرِهَا وَقَدْ فَرَّغْت بَالِي لَهَا وَشَغَلْت

(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْبِيهِ فِي الدُّعَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْبِيهِ فِي الْخَبَرِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّشْبِيهَ فِي الْخَبَرِ يَصِحُّ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالْمُسْتَقْبَلِ فَتُشَبِّهُ مَا وَقَعَ لَكَ أَمْسِ بِمَا وَقَعَ أَمْسِ لِشَخْصٍ آخَرَ وَتُشَبِّهُ مَا وَقَعَ لَكَ الْيَوْمَ بِمَا وَقَعَ لِغَيْرِكَ الْيَوْمَ وَتُشَبِّهُ مَا يَقَعُ لَكَ غَدًا بِمَا يَقَعُ لِغَيْرِك غَدًا وَكُلُّ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ وَلَا يَقَعُ التَّشْبِيهُ فِي الدُّعَاءِ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ خَاصَّةً بِسَبَبِ أَنَّ عَشَرَةَ أَلْفَاظٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ وَهِيَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالدُّعَاءُ وَالشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ وَالتَّرَجِّي وَالتَّمَنِّي وَالْإِبَاحَةُ فَلَا يُؤْمَرُ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ وَلَا يُنْهَى إلَّا عَنْ مَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ وَلَا يُدْعَى إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبِلٍ وَكَذَلِكَ الْبَوَاقِي وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ لَا تَتَنَاوَلُ إلَّا الْمَعْدُومَ الْمُسْتَقْبَلَ فَمَتَى وَقَعَ التَّشْبِيهُ فِي بَابٍ مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ بَيْنَ لَفْظَيْنِ دُعَاءٍ أَوْ أَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ أَوْ وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ مَعَهَا إنَّمَا يَقَعُ فِي أَمْرَيْنِ مُسْتَقْبَلَيْنِ مَعْدُومَيْنِ لَمْ يُوجَدَا بَعْدُ. وَبِاعْتِبَارِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ ظَهَرَتْ فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ ذَلِكَ أَنَّ الشَّيْخَ عِزَّ الدِّينِ بْنَ عَبْدِ السَّلَامِ كَانَ يُورِدُ سُؤَالًا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» فَيَقُولُ كَيْفَ وَقَعَ التَّشْبِيهُ بَيْنَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ إعْطَاؤُهُ وَإِحْسَانُهُ وَعَطِيَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ أَعْظَمَ مِنْ عَطِيَّةِ اللَّهِ لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالتَّشْبِيهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُشَبَّهُ أَدْنَى رُتْبَةً مِنْ الْمُشَبَّهِ بِهِ أَوْ مُسَاوِيًا فَكَيْفَ وَقَعَ هَذَا التَّشْبِيهُ وَكَانَ يُجِيبُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِأَنَّ آلَ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْبِيَاءُ وَآلُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيْسُوا أَنْبِيَاءَ وَالتَّشْبِيهُ إنَّمَا وَقَعَ بَيْنَ الْمَجْمُوعِ الْحَاصِلِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْبِيهِ فِي الدُّعَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْبِيهِ فِي الْخَبَرِ إلَى قَوْلِهِ إنَّمَا يَقَعُ فِي أَمْرَيْنِ مُسْتَقْبَلَيْنِ مَعْدُومَيْنِ لَمْ يُوجَدَا بَعْدُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ وَأَطْلَقَ قَوْلَهُ فِيهِ مِنْ أَنَّ التَّشْبِيهَ لَا يَقَعُ فِي الدُّعَاءِ إلَّا بِالْمُسْتَقْبَلِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَمَا الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ أَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ عَشَرَةَ أَلْفَاظٍ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمُسْتَقْبَلِ صَحِيحٌ إلَّا فِي الشَّرْطِ خَاصَّةً وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ السَّبَبَ فِي التَّشْبِيهِ فِي الدُّعَاءِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْمُسْتَقْبَلِ كَوْنُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمُسْتَقْبِلِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ كَوْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمُسْتَقْبَلِ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَشْبِيهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ بِغَيْرِ الْمُسْتَقْبِلِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ تَشْبِيهَ دُعَاءٍ بِدُعَاءٍ وَأَمْرٍ بِأَمْرٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ. قَالَ (وَبِاعْتِبَارِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ ظَهَرَتْ فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ وَذَكَرَ مَا كَانَ يُورِدُهُ عِزُّ الدِّينِ عَلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ صَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَفْسِي بِالِاسْتِقْصَاءِ عَلَيْهَا فَلَمْ أَرَ إلَّا سَتْرًا وعَفَافًا وَلَمْ أَعْثُرْ مِنْهَا عَلَى كَذِبٍ فِي دَعْوَاهَا وَلَا حِيلَةٍ فِي التَّلْبِيسِ، وَذَكَرَ أَنَّ مَنْ كَانَ يَلِي خُوَارِزْمَ مِنْ الْعُمَّالِ كَانُوا فِيمَا خَلَا يَشْخَصُونَهَا وَيَحْضُرُونَهَا الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ وَالْأَكْثَرَ فِي بَيْتٍ يُغْلِقُونَهُ عَلَيْهَا وَيُوَكِّلُونَ عَلَيْهَا مَنْ يُرَاعِيهَا فَلَا يَرَوْنَهَا تَأْكُلُ وَلَا تَشْرَبُ وَلَا يَجِدُونَ لَهَا أَثَرَ بَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ فَيَبَرُّونَهَا وَيَكْسُونَهَا وَيُخَلُّونَ سَبِيلَهَا، فَلَمَّا تَوَاطَأَ أَهْلُ النَّاحِيَةِ عَلَى تَصْدِيقِهَا قَصَصْتهَا عَنْ حَدِيثِهَا وَسَأَلْتُهَا عَنْ اسْمِهَا وَشَأْنِهَا كُلِّهِ فَذَكَرَتْ أَنَّ اسْمَهَا رَحْمَةُ بِنْتُ إبْرَاهِيمَ وَأَنَّهُ كَانَ لَهَا زَوْجٌ نَجَّارٌ فَقِيرٌ مَعِيشَتُهُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ يَأْتِيهِ رِزْقُهُ يَوْمًا وَيَوْمًا لَا فَضْلَ فِي كَسْبِهِ عَنْ قُوتِ أَهْلِهِ وَأَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ عِدَّةَ أَوْلَادٍ وَجَاءَ الْأَقْطَعُ مَلِكُ التُّرْكِ إلَى الْقَرْيَةِ وَكَانَ كَافِرًا عَاتِيًا كَثِيرَ الْعَدَاوَةِ لِلْمُسْلِمِينَ فِي زُهَاءِ ثَلَاثَةِ آلَافِ فَارِسٍ وَعَاثَ وَأَفْسَدَ وَقَتَلَ وَمَثَّلَ وَعَجَزَتْ عَنْهُ خُيُولُ خُوَارِزْمَ، فَلَمَّا بَلَغَ خَبَرُهُ أَبَا الْعَبَّاسِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ طَاهِرٍ أَنْهَضَ إلَيْهِمْ أَرْبَعَةً مِنْ الْقُوَّادِ وَشَحَنَ الْبَلَدَ بِالْعَسَاكِرِ وَالْأَسْلِحَةِ وَرَتَّبَهُمْ فِي أَرْبَاعِ الْبَلَدِ كُلٌّ فِي رُبْعٍ فَحَمَوْا الْحَرِيمَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى. ثُمَّ إنَّ وَادِيَ جَيْحُونٍ وَهُوَ الَّذِي فِي أَعْلَى نَهْرِ بَلْخٍ جَمَدَ لَمَّا اشْتَدَّ الْبَرْدُ قَالَتْ الْمَرْأَةُ فَعَبَرَ الْكَافِرُ فِي خَيْلِهِ إلَى بَابِ الْحِصْنِ وَقَدْ تَحَصَّنَ النَّاسُ وَضَمُّوا أَمْتِعَتَهُمْ فَحَضَرَ أَهْلُ النَّاحِيَةِ وَأَرَادُوا الْخُرُوجَ فَمَنَعَهُمْ الْعَامِلُ عَنْ الْخُرُوجِ إلَّا فِي عَسَاكِرِ السُّلْطَانِ فَشَدَّ طَائِفَةٌ مِنْ شُبَّانِ النَّاسِ وَأَحْدَاثِهِمْ فَتَقَارَبُوا مِنْ السُّورِ بِمَا أَطَاقُوا حَمْلَهُ مِنْ السِّلَاحِ وَحَمَلُوا عَلَى الْكَفَرَةِ فَتَهَارَجَ الْكَفَرَةُ وَاسْتَحَرُّوهُمْ مِنْ بَيْنِ الْأَبْنِيَةِ وَالْحِيطَانِ فَلَمَّا أَصْحَرُوا أَكْثَرَ التُّرْكُ عَلَيْهِمْ وَانْقَطَعَ مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْحِصْنِ وَبَعُدَتْ الْمُؤْنَةُ عَنْهُمْ فَحَارَبُوا كَأَشَدِّ حَرْبٍ وَثَبَتُوا حَتَّى تَقَطَّعَتْ الْأَوْتَارُ وَالْقِسِيُّ وَأَدْرَكَهُمْ التَّعَبُ وَمَسَّهُمْ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ وَقُتِلَ عَامَّتُهُمْ وَأُثْخِنَ الْبَاقُونَ بِالْجِرَاحَاتِ، وَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِمْ اللَّيْلُ تَحَاجَزَ الْفَرِيقَانِ قَالَتْ الْمَرْأَةُ وَرُفِعَتْ النَّارُ عَلَى الْمَنَاظِرِ سَاعَةَ عُبُورِ الْكَافِرِ فَاتَّصَلَتْ بالجرجانية وَهِيَ مَدِينَةٌ عَظِيمَةٌ فِي قَاصِيَةِ خُوَارِزْمَ وَكَانَ مِيكَالُ مَوْلَى طَاهِرٍ مُرَابِطًا بِهَا فِي عَسْكَرٍ فَخَفَّ فِي الطَّلَبِ وَرَكَضَ إلَى هِزَارَنِيفْ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَرْبَعِينَ فَرْسَخًا بِفَرَاسِخِ خُوَارِزْمَ وَفِيهَا فَضْلٌ كَثِيرٌ عَلَى فَرَاسِخِ خُرَاسَانَ وَعَنَّ لِلتُّرْكِ الْفَرَاغُ مِنْ أَمْرِ أُولَئِكَ النَّفَرِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ ارْتَفَعَتْ

لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَآلِهِ وَالْمَجْمُوعِ الْحَاصِلِ لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَآلِهِ فَيَحْصُلُ؛ لِآلِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ تِلْكَ الْعَطِيَّةِ أَكْثَرُ مِمَّا يَحْصُلُ لِآلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ هَذِهِ الْعَطِيَّةِ فَيَكُونُ الْفَاضِلُ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ أَخْذِ آلِهِ مِنْ هَذِهِ الْعَطِيَّةِ أَكْثَرُ مِنْ الْفَاضِلِ لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ تِلْكَ الْعَطِيَّةِ وَإِذَا كَانَتْ عَطِيَّةُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَعْظَمَ كَانَ أَفْضَلَ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ فَجَعَلَ التَّشْبِيهَ فِي الدُّعَاءِ كَالتَّشْبِيهِ فِي الْخَبَرِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا وَقَعَ التَّشْبِيهُ بَيْنَ عَطِيَّةٍ تَحْصُلُ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ تَكُنْ حَصَلَتْ لَهُ قَبْلَ الدُّعَاءِ فَإِنَّ الدُّعَاءَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْدُومِ الْمُسْتَقْبَلِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الَّذِي حَصَلَ لِلنَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَبْلَ الدُّعَاءِ لَمْ يَدْخُلْ فِي التَّشْبِيهِ وَهُوَ الَّذِي فُضِّلَ بِهِ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهُمَا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا كَرَجُلَيْنِ أُعْطِيَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَلِلْآخَرِ أَلْفَانِ ثُمَّ طُلِبَ لِصَاحِبِ الْأَلْفَيْنِ مِثْلُ مَا أُعْطِيَ لِصَاحِبِ الْأَلْفِ فَيَحْصُلُ لَهُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَالْآخَرُ أَلْفٌ فَقَطْ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ فِي دُعَاءٍ لَا فِي خَبَرٍ نَعَمْ لَوْ قِيلَ إنَّ الْعَطِيَّةَ الَّتِي حَصَلَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُ الْعَطِيَّةِ الَّتِي حَصَلَتْ لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَزِمَ الْإِشْكَالُ لِكَوْنِ التَّشْبِيهِ وَقَعَ فِي الْخَبَرِ لَكِنْ التَّشْبِيهُ مَا وَقَعَ إلَّا فِي الدُّعَاءِ فَتَأَمَّلْ الْفَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَاضْبِطْ الْقَاعِدَةَ وَالْفَرْقُ يَنْدَفِعُ لَك بِهِمَا أَسْئِلَةٌ كَثِيرَةٌ وَإِشْكَالَاتٌ عَظِيمَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSفَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ) قُلْتُ قَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَوَقَعَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا. قَالَ (فَجَعَلَ التَّشْبِيهَ فِي الدُّعَاءِ كَالتَّشْبِيهِ فِي الْخَبَرِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا وَقَعَ التَّشْبِيهُ بَيْنَ عَطِيَّةٍ تَحْصُلُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ تَكُنْ حَصَلَتْ لَهُ قَبْلَ الدُّعَاءِ فَإِنَّ الدُّعَاءَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْدُومِ الْمُسْتَقْبَلِ إلَى قَوْلِهِ فَإِنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ فِي دُعَاءٍ لَا فِي خَبَرٍ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ لَكِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالدُّعَاءِ أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ بِهِ عَطَاءً مُسَاوِيًا لِعَطَاءِ الْمُشَبَّهِ بِهِ زَائِدًا عَلَى مَا ثَبَتَ لِلْمَدْعُوِّ لَهُ مِنْ الْعَطَاءِ قَبْلَ الدُّعَاءِ وَعَلَى ذَلِكَ لَا يَرِدُ السُّؤَالُ مِنْ أَصْلِهِ كَمَا قَالَ (قَالَ: نَعَمْ لَوْ قِيلَ إنَّ الْعَطِيَّةَ الَّتِي حَصَلَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُ الْعَطِيَّةِ الَّتِي حَصَلَتْ لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَزِمَ الْإِشْكَالُ لِكَوْنِ التَّشْبِيهِ وَقَعَ فِي الْخَبَرِ إلَى آخَرِ كَلَامِهِ فِي هَذَا الْفَرْقِ) . قُلْتُ: قَوْلُهُ لِكَوْنِ التَّشْبِيهِ وَقَعَ فِي الْخَبَرِ لَيْسَ بِلَازِمٍ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الدَّاعِي أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ بِالدُّعَاءِ تَسْوِيَةَ الْمَدْعُوِّ لَهُ وَمَعَ الشَّبَهِ بِعَطَائِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَدْعُوُّ لَهُ قَدْ أُعْطِيَ قَبْلَ الدُّعَاءِ عَطَاءً فَيَكُونُ الْمَطْلُوبُ بِالدُّعَاءِ زِيَادَةً تَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ يُتَّجَهُ وُرُودُ السُّؤَالِ وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِمِثَالٍ وَهُوَ أَنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ: أَعْطِ زَيْدًا كَمَا أَعْطَيْتَ عَمْرًا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ سَوِّ بَيْنَهُمَا فِي مُطْلَقِ الْعَطَاءِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِقَصْدِ التَّسْوِيَةِ فِي مِقْدَارِ الْعَطِيَّةِ وَلَا صِفَتِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ سَوِّ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ الْعَطِيَّةِ وَصِفَتِهَا وَمِنْ غَيْرِ مُحَاسَبَةِ زَيْدٍ بِمَا أَعْطَيْتَهُ قَبْلَ هَذَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ سَوِّ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ الْعَطِيَّةِ وَصِفَتِهَا مَعَ مُحَاسَبَةِ زَيْدٍ بِمَا أَعْطَيْتَهُ قَبْلَ هَذَا وَسُؤَالُ عِزِّ الدِّينِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُمْ الْأَعْلَامُ السُّودُ سَمِعُوا أَصْوَاتَ الطُّبُولِ فَأَفْرَجُوا عَنْ الْقَوْمِ وَوَافَى مِيكَالُ مَوْضِعَ الْمَعْرَكَةِ فَوَارَى الْقَتْلَى وَحَمَلَ الْجَرْحَى. قَالَتْ الْمَرْأَةُ وَأَدْخَلَ الْحِصْنَ ذَلِكَ الْيَوْمَ زُهَاءَ أَرْبَعِمِائَةِ جِنَازَةٍ فَلَمْ يَبْقَ دَارٌ إلَّا حُمِلَ إلَيْهَا قَتِيلٌ وَعَمَّتْ الْمُصِيبَةُ وَارْتَجَّتْ النَّاحِيَةُ بِالْبُكَاءِ قَالَتْ: وَوُضِعَ زَوْجِي بَيْنَ يَدَيَّ قَتِيلًا فَأَدْرَكَنِي مِنْ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ عَلَيْهِ مَا يُدْرِكُ الْمَرْأَةَ الشَّابَّةَ عَلَى الزَّوْجِ أَبِي الْأَوْلَادِ وَكَانَتْ لَنَا عِيَالٌ قَالَتْ فَاجْتَمَعَ النِّسَاءُ مِنْ قَرَابَاتِي وَالْجِيرَانُ يُسَاعِدْنَنِي عَلَى الْبُكَاءِ وَجَاءَ الصِّبْيَانُ وَهُمْ أَطْفَالٌ لَا يَعْقِلُونَ مِنْ الْأُمُورِ شَيْئًا يَطْلُبُونَ الْخُبْزَ وَلَيْسَ عِنْدِي مَا أُعْطِيهِمْ فَضِقْت صَدْرًا بِأَمْرِي. ثُمَّ إنِّي سَمِعْت أَذَانَ الْمَغْرِبِ فَفَزِعْت إلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّيْت مَا قَضَى لِي رَبِّي ثُمَّ سَجَدْت أَدْعُو وَأَتَضَرَّعُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْأَلُهُ الصَّبْرَ وَأَنْ يَجْبُرَ يُتْمَ صِبْيَانِي قَالَتْ: فَذَهَبَ بِي النَّوْمُ فِي سُجُودِي فَرَأَيْت فِي مَنَامِي كَأَنِّي فِي أَرْضٍ خَشْنَاءَ ذَاتِ حِجَارَةٍ وَأَنَا أَطْلُبُ زَوْجِي فَنَادَانِي رَجُلٌ إلَى أَيْنَ أَيَّتُهَا الْحُرَّةُ قُلْت أَطْلُبُ زَوْجِي فَقَالَ: خُذِي ذَاتَ الْيَمِينِ فَرُفِعَ لِي أَرْضٌ سَهْلَةٌ طَيِّبَةُ الرَّيِّ ظَاهِرَةُ الْعُشْبِ وَإِذَا قُصُورٌ وَأَبْنِيَةٌ لَا أَحْفَظُ أَنْ أَصِفَهَا وَلَمْ أَرَ مِثْلَهَا وَإِذَا أَنْهَارٌ تَجْرِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ غَيْرَ أَخَادِيدَ لَيْسَتْ لَهَا حَافَّاتٌ فَانْتَهَيْت إلَى قَوْمٍ جُلُوسٍ حِلَقًا حِلَقًا عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ خُضْرٌ قَدْ عَلَاهُمْ النُّورُ فَإِذَا هُمْ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي الْمَعْرَكَةِ يَأْكُلُونَ عَلَى مَوَائِدَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَجَعَلْت أَتَصَفَّحُ وُجُوهَهُمْ لِأَلْقَى زَوْجِي فَنَادَانِي يَا رَحْمَةُ يَا رَحْمَةُ فَيَمَّمْت الصَّوْتَ فَإِذَا أَنَا بِهِ فِي مِثْلِ حَالِ مَنْ رَأَيْت مِنْ الشُّهَدَاءِ وَجْهُهُ مِثْلُ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَهُوَ يَأْكُلُ مَعَ رِفْقَةٍ لَهُ قُتِلُوا يَوْمَئِذٍ مَعَهُ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ إنَّ هَذِهِ الْبَائِسَةَ جَائِعَةٌ مُنْذُ الْيَوْمِ أَفَتَأْذَنُوا لِي أَنْ أُنَاوِلَهَا شَيْئًا تَأْكُلُهُ فَأَذِنُوا لِي فَنَاوَلَنِي كَسْرَةَ خُبْزٍ قَالَتْ وَأَنَا أَعْلَمُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ خُبْزٌ وَلَكِنْ لَا أَدْرِي كَيْفَ هُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ الثَّلْجِ وَاللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ وَأَلْيَنُ مِنْ الزُّبْدِ فَأَكَلْته فَلَمَّا اسْتَقَرَّ فِي جَوْفِي قَالَ اذْهَبِي كَفَاكِ اللَّهُ مُؤْنَةَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مَا حَيِيت فِي الدُّنْيَا فَانْتَبَهْتُ مِنْ نَوْمِي شَبْعَى رَيَّانَةً لَا أَحْتَاجُ إلَى طَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ وَمَا ذُقْتُهُمَا مُنْذُ ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَى يَوْمِي هَذَا وَلَا شَيْئًا يَأْكُلُهُ النَّاسُ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَكَانَتْ تَحْضُرُنَا وَكُنَّا نَأْكُلُ فَتَأْخُذُ عَلَى أَنْفِهَا تَزْعُمُ أَنَّهَا تَتَأَذَّى مِنْ رَائِحَةِ الطَّعَامِ فَسَأَلْتهَا تَتَغَذِّي بِشَيْءٍ أَوْ تَشْرَبِي شَيْئًا غَيْرَ الْمَاءِ فَقَالَتْ لَا فَسَأَلْتهَا هَلْ يَخْرُجُ مِنْهَا

(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْهَا وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَاجِبًا) اعْلَمْ أَنَّ الْمَأْمُورَاتِ قِسْمَانِ مَا صُورَةُ فِعْلِهِ كَافِيَةٌ فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَتِهِ كَأَدَاءِ الدُّيُونِ وَرَدِّ الْغُصُوبِ وَدَفْعِ الْوَدَائِعِ وَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَالدَّوَابِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ صُورَةُ هَذَا الْفِعْلِ تَحْصُل مَقْصُودَةً وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ التَّقَرُّبُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَلَا نِيَّةٍ وَقَعَ ذَلِكَ وَاجِبًا مُجْزِئًا وَلَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعَادَةُ وَلَا ثَوَابَ فِيهِ حَتَّى يَنْوِيَ بِهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ فَعَلَهُ غَيْرَ قَاصِدٍ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا عَالِمٍ بِهِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ثَوَابٌ وَإِنْ سَدَّ الْفِعْلُ مَسَدَّهُ وَوَقَعَ وَاجِبًا وَمِنْ هَذَا الْبَابِ النِّيَّةُ لَا يُقْصَدُ بِهَا التَّقَرُّبُ وَتَقَعُ وَاجِبَةً وَلَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ أُخْرَى وَكَذَلِكَ النَّظَرُ الْأَوَّلُ أَفْضَى إلَى الْعِلْمِ بِإِثْبَاتِ الصَّانِعِ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّقَرُّبُ ـــــــــــــــــــــــــــــSلَا يَصِحُّ وُرُودُهُ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ الْأَوْلَيْنَ وَيَصِحُّ وُرُودُهُ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّالِثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْهَا وَإِنْ وَقَعَ وَاجِبًا اعْلَمْ أَنَّ الْمَأْمُورَاتِ قِسْمَانِ مَا صُورَةُ فِعْلِهِ كَافِيَةٌ فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَتِهِ كَأَدَاءِ الدُّيُونِ وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَدَفْعِ الْوَدَائِعِ وَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ النَّظَرُ الْأَوَّلُ الْمُفْضِي إلَى الْعِلْمِ بِثُبُوتِ الصَّانِعِ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّقَرُّبُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي أَدَاءِ الدُّيُونِ وَشَبَهِهِ وَمِنْ أَنَّهُ لَا ثَوَابَ فِيهِ حَتَّى يَنْوِيَ بِهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِحْضَارِ نِيَّةِ الِامْتِثَالِ وَلَا يَكْتَفِي بِنِيَّةِ أَدَاءِ الدُّيُونِ فَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ فَإِنَّ الَّذِي يُؤَدِّي دَيْنَهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَنْوِيَ بِأَدَائِهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ أَوْ لَا فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ فَلَا نِزَاعَ فِي الثَّوَابِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَنْوِيَ سَبَبًا لِلْأَدَاءِ غَيْرَ الِامْتِثَالِ كَتَخَوُّفِهِ أَنْ لَا يُدَايِنَهُ أَحَدٌ إذَا عُرِفَ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْأَدَاءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَوْ لَا فَإِنْ نَوَى بِالْأَدَاءِ شَيْئًا غَيْرَ الِامْتِثَالِ فَلَا نِزَاعَ أَيْضًا فِي عَدَمِ الثَّوَابِ. وَإِنْ عَرَى عَنْ نِيَّةِ الِامْتِثَالِ وَنِيَّةِ سَبَبٍ غَيْرِهِ وَلَمْ يَنْوِ إلَّا مُجَرَّدَ أَدَاءِ دَيْنِهِ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يُحْرَمُ صَاحِبُ هَذِهِ الْحَالَةِ الثَّوَابَ اسْتِدْلَالًا بِسَعَةِ بَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ النِّيَّةَ وَالنَّظَرَ الْأَوَّلَ لَا يَنْوِي بِهِمَا التَّقَرُّبَ صَحِيحٌ فِي النَّظَرِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ وَغَيْرُهُ صَحِيحٌ فِي النِّيَّةِ فَإِنَّ نِيَّةَ الظُّهْرِ مَثَلًا يُمْكِنُ فِيهِ التَّقَرُّبُ بِهَا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَهَا شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَالشَّرْطُ كَالرُّكْنِ فَكَمَا يَنْوِي الرُّكْنَ يَنْوِي الشَّرْطَ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ لَا فِي النِّيَّةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا وَمَا ذُكِرَ مِنْ التَّسَلْسُلِ لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ نِيَّةُ التَّقَرُّبِ بِالنِّيَّةِ فَلَا تَسَلْسُلَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا ثَوَابَ فِيهِمَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الْأَعْمَالِ إنَّمَا هُوَ حَدِيثُ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَمُطْلَقُهُ مُقَيَّدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQرِيحٌ أَوْ أَذًى كَمَا يَخْرُجُ مِنْ النَّاسِ؟ فَقَالَتْ: لَا عَهْدَ لِي بِالْأَذَى مُنْذُ ذَلِكَ الزَّمَانِ قُلْت: وَالْحَيْضُ؟ أَظُنُّهَا قَالَتْ: انْقَطَعَ بِانْقِطَاعِ الطَّعَامِ قُلْت: فَهَلْ تَحْتَاجِينَ حَاجَةَ النِّسَاءِ إلَى الرِّجَالِ؟ قَالَتْ: أَمَا تَسْتَحِي مِنِّي تَسْأَلُنِي عَنْ مِثْلِ هَذَا قُلْت: إنِّي لَعَلِّي أُحَدِّثُ النَّاسَ عَنْك وَلَا بُدَّ أَنْ أَسْتَقْصِيَ قَالَتْ: لَا أَحْتَاجُ، قُلْت: فَتَنَامِينَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ أَطْيَبُ نَوْمٍ قُلْت: فَمَا تَرَيْنَ فِي مَنَامِك؟ قَالَتْ: مِثْلَ مَا تَرَوْنَ قُلْت: فَتَجِدِينَ لِفَقْدِ الطَّعَامِ وَهْنًا فِي نَفْسِك؟ قَالَتْ: مَا أَحْسَسْت بِالْجُوعِ مُنْذُ طَعِمْت ذَلِكَ الطَّعَامَ وَكَانَتْ تَقْبَلُ الصَّدَقَةَ فَقُلْت: مَا تَصْنَعِينَ بِهَا؟ قَالَتْ: أَكْتَسِي وَأَكْسُو وَلَدِي قُلْت فَهَلْ تَجِدِينَ الْبَرْدَ وَتَتَأَذَّيْنَ بِالْحَرِّ؟ قَالَتْ: نَعَمْ قُلْت: يُدْرِكُك اللُّغُوبُ وَالْإِعْيَاءُ إذَا مَشَيْت؟ قَالَتْ: نَعَمْ أَلَسْت مِنْ الْبَشَرِ؟ قُلْت: فَتَتَوَضَّئِينَ لِلصَّلَاةِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قُلْت: لِمَ؟ قَالَتْ: أَمَرَنِي بِذَلِكَ الْفُقَهَاءُ، فَقُلْت: إنَّهُمْ أَفْتَوْهَا عَلَى حَدِيثِ لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ حَدَثٍ أَوْ نَوْمٍ وَذَكَرَتْ لِي أَنَّ بَطْنَهَا لَاصِقٌ بِظَهْرِهَا وَأَمَرْتُ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِنَا فَنَظَرَتْ فَإِذَا بَطْنُهَا كَمَا وَصَفَتْ وَإِذَا قَدْ اتَّخَذَتْ كِيسًا مُصْمَتًا بِالْقُطْنِ وَشَدَّتْهُ عَلَى بَطْنِهَا كَيْ لَا يَقْصِفَ ظَهْرُهَا إذَا مَشَتْ. ثُمَّ لَمْ أَزَلْ أَخْتَلِفُ إلَى هِزَارَنِيفْ، بَيْنَ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فَتَحْضُرُنِي فَأُعِيدُ مَسْأَلَتَهَا فَلَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ وَعَرَضْت كَلَامَهَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفَقِيهِ فَقَالَ: أَنَا أَسْمَعُ هَذَا الْكَلَامَ مُنْذُ نَشَأْت فَلَا أَجِدُ مَنْ يَدْفَعُهُ أَوْ يَزْعُمُ أَنَّهَا تَأْكُلُ أَوْ تَشْرَبُ أَوْ تَتَغَوَّطُ اهـ. الْمُرَادُ هَذَا وَالْجَنَابَةُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ مِثْلُ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فِي سَبَبِ الْمَنْعِ الْمُسْتَمِرِّ حَتَّى تَطْرَأَ الطَّهَارَةُ وَالطَّهَارَةُ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَلَوْلَا اشْتِرَاطُ صَاحِبِ الشَّرْعِ الْوُضُوءَ لَأَبَحْنَا الصَّلَاةَ لِمَنْ عُدِمَتْ فِي حَقِّهِ هَذِهِ الْأَحْدَاثُ الْكِبَارُ وَصَحَّ لَنَا حِينَئِذٍ فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ وَالطَّهَارَةِ الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى أَنَّ عَدَمَ سَبَبِ الْإِبَاحَةِ سَبَبُ الْمَنْعِ وَعَدَمُ سَبَبِ الْمَنْعِ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ وَاطَّرَدَتْ الْقَاعِدَةُ الْأُولَى. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) الرِّدَّةُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى عِلَّةٌ وَسَبَبٌ لِوُجُوبِ إرَاقَةِ دَمِ الْمُرْتَدِّ فَإِذَا فُقِدَتْ الرِّدَّةُ كَانَ دَمُهُ حَرَامًا وَالزَّوْجِيَّةُ وَالْقَرَابَةُ عِلَّةٌ وَسَبَبٌ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ فَإِذَا عُدِمَتْ الزَّوْجِيَّةُ وَالْقَرَابَةُ لَا تَحْرُمُ وَالنَّفَقَةُ بَلْ يَنْدُبُ إلَيْهَا فِي الْأَجَانِبِ وَحُضُورُ مَحَلِّ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ الَّذِي هُوَ الْقِيَامُ عِلَّةٌ وَسَبَبٌ لِوُجُوبِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ فَإِذَا رَكَعَ وَسَجَدَ وَعُدِمَ الْقِيَامُ كُرِهَتْ الْقِرَاءَةُ فَلَمْ يَسْتَلْزِمْ عَدَمُ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَعِلَّتُهُ كَمَا

[الفرق بين قاعدة إثبات النقيض في المفهوم وبين قاعدة إثبات الضد فيه]

وَالْقِسْمُ الْآخَرُ لَا يَقَعُ وَاجِبًا إلَّا مَعَ النِّيَّةِ وَالْقَصْدِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالطِّهَارَاتِ وَجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّاتُ فَهَذَا الْقِسْمُ إذَا وَقَعَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَلَا يَقَعُ وَاجِبًا وَلَا يُثَابُ عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ مَنْوِيًّا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ كَانَ قَابِلًا لِلثَّوَابِ وَهُوَ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ لَهُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ غَيْرَ أَنَّ هَاهُنَا قَاعِدَةً وَهِيَ أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ الْإِجْزَاءِ وَغَيْرُ الْفِعْلِ الصَّحِيحِ فَالْمُجْزِئُ مِنْ الْأَفْعَالِ هُوَ مَا اجْتَمَعَتْ شَرَائِطُهُ وَأَرْكَانُهُ وَانْتَفَتْ مَوَانِعُهُ فَهَذَا يُبْرِئُ الذِّمَّةَ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَيَكُونُ فَاعِلُهُ مُطِيعًا بَرِيءَ الذِّمَّةِ فَهَذَا أَمْرٌ لَازِمٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الثَّوَابُ عَلَيْهِ فَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى عَدَمِ لُزُومِهِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يُبْرِئُ الذِّمَّةَ بِالْفِعْلِ وَلَا يُثِيبُ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْقَبُولِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أُمُورٌ أَحَدُهَا: قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ ابْنَيْ آدَمَ {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] لَمَّا قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الْآخَرِ مَعَ أَنَّ قُرْبَانَهُ كَانَ عَلَى وَفْقِ الْأَمْرِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ أَخَاهُ عَلَّلَ عَدَمَ الْقَبُولِ بِعَدَمِ التَّقْوَى وَلَوْ أَنَّ الْفِعْلَ مُخْتَلٌّ فِي نَفْسِهِ لَقَالَ لَهُ إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ الْعَمَلَ الصَّحِيحَ الصَّالِحَ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ السَّبَبُ الْقَرِيبُ لِعَدَمِ الْقَبُولِ فَحَيْثُ عَدَلَ عَنْهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ كَانَ صَحِيحًا مُجْزِئًا وَإِنَّمَا انْتَفَى الْقَبُولُ لِأَجْلِ انْتِفَاءِ التَّقْوَى فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ الْمُجْزِئَ قَدْ لَا يُقْبَلُ وَإِنْ بَرِئَتْ الذِّمَّةُ بِهِ وَصَحَّ فِي نَفْسِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSبِإِمْكَانِ النِّيَّاتِ فَبَقِيَ مَحَلُّ امْتِنَاعِهَا غَيْرَ مُتَنَاوِلٍ لَهُ دَلِيلُ اشْتِرَاطِهَا فَيُسْتَدَلُّ عَلَى إثْبَاتِ الثَّوَابِ فِي النِّيَّةِ وَالنَّظَرِ الْأَوَّلِ بِقَاعِدَةِ سَعَةِ بَابِ الثَّوَابِ إذْ لَا مُعَارِضَ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (شِهَابُ الدِّينِ وَالْقِسْمُ الْآخَرُ لَا يَقَعُ وَاجِبًا إلَّا مَعَ النِّيَّةِ وَالْقَصْدِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ لَهُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ صَحِيحٌ. قَالَ (غَيْرَ أَنَّ هَاهُنَا قَاعِدَةً وَهِيَ أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ الْإِجْزَاءِ وَغَيْرُ الْفِعْلِ الصَّحِيحِ فَالْمُجْزِئُ مِنْ الْأَفْعَالِ هُوَ مَا اجْتَمَعَتْ شَرَائِطُهُ وَأَرْكَانُهُ وَانْتَفَتْ مَوَانِعُهُ وَهَذَا يُبْرِئُ الذِّمَّةَ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَيَكُونُ فَاعِلُهُ مُطِيعًا بَرِيءَ الذِّمَّةِ فَهَذَا أَمْرٌ لَازِمٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الثَّوَابُ عَلَيْهِ فَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى عَدَمِ لُزُومِهِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يُبْرِئُ الذِّمَّةَ بِالْفِعْلِ وَلَا يُثِيبُ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْقَبُولِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أُمُورٌ أَحَدُهُمَا قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٌ عَنْ ابْنَيْ آدَمَ {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ الْمُجْزِئَ قَدْ لَا يُقْبَلُ وَإِنْ بَرِئَتْ الذِّمَّةُ بِهِ وَصَحَّ فِي نَفْسِهِ) قُلْتُ الْمَسْأَلَةُ قَطْعِيَّةٌ لَا يَكْفِي فِيهَا مِثْلُ هَذَا الدَّلِيلِ وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهَا ظَنِّيَّةٌ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ مِنْ الْآيَةِ بِظَاهِرٍ لِاحْتِمَالِ الْآيَةِ أَنْ يُرِيدَ بِالتَّقْوَى الْإِيمَانَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْإِيمَانَ الْمُوَافِيَ عَلَيْهِ وَعَلَى تَسْلِيمِ ظُهُورِ تَأْوِيلِهِ لَعَلَّهُ كَانَ شَرْعًا لَهُمْ اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْعِصْيَانِ فِي الْقَبُولِ ثُمَّ جَمِيعُ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُتَضَمَّنَةُ لِوَعْدِ الْمُطِيعِ بِالثَّوَابِ مُعَارِضَةٌ لِذَلِكَ الظَّاهِرِ إنْ قُلْنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQرَأَيْت حُكْمًا مُعَيَّنًا كَمَا اسْتَلْزَمَ عَدَمُ سَبَبِ الْمَنْعِ وَعِلَّتُهُ الْإِبَاحَةُ وَعَدَمُ سَبَبِ الْإِبَاحَةِ وَعِلَّتُهَا الْمَنْعُ فِي الْمَسَائِلِ قَبْلُ وَاتَّضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ إثْبَاتِ النَّقِيضِ فِي الْمَفْهُومِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إثْبَاتِ الضِّدِّ فِيهِ] (الْفَرْقُ السِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ إثْبَاتِ النَّقِيضِ فِي الْمَفْهُومِ بَيْنَ قَاعِدَةِ إثْبَاتِ الضِّدِّ فِيهِ) مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ أَبَدًا يَقْتَضِي أَنَّ حُكْمَ الْمَنْطُوقِ غَيْرُ ثَابِتٍ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ قَطْعًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ هَلْ يَثْبُتُ لَهُ ضِدُّ الْحُكْمِ الثَّابِتِ لِلْمَنْطُوقِ بِهِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا حَيْثُ اسْتَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] فَقَالَ إنَّ مَفْهُومَهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ يُثْبِتُ لَهُ نَقِيضَ الْحُكْمِ الثَّابِتِ لِلْمَنْطُوقِ بِهِ وَنَقِيضُ كُلِّ شَيْءٍ رَفْعُهُ أَيْ يُثْبِتُ لَهُ عَدَمَ الْحُكْمِ الثَّابِتِ لِلْمَنْطُوقِ بِهِ وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْحَقُّ فِي جَمِيعِ مَفَاهِيمِ الْمُخَالَفَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَفْهُومِ الصِّفَةِ كَمَا فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّ مَفْهُومَ مِنْهُمْ فِيهَا عَدَمُ تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ صَادِقٌ مَعَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ وَالْإِبَاحَةِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْوُجُوبَ؛ لِأَنَّ الْأَعَمَّ مِنْ الشَّيْءِ لَا يَسْتَلْزِمُهُ وَكَمَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» فَإِنَّ مَفْهُومَهُ مَا لَيْسَ بِسَائِمَةٍ لَا زَكَاةَ فِيهِ. وَمَفْهُومُ الْعِلَّةِ كَمَا فِي نَحْوِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَهُوَ حَرَامٌ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ مَا لَمْ يُسْكِرْ كَثِيرُهُ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ كَمَا فِي نَحْوِ مَنْ تَطَهَّرَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَتَطَهَّرْ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَمَفْهُومُ الْمَانِعِ كَمَا فِي نَحْوِ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ إلَّا الدَّيْنُ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ وَمَفْهُومُ الزَّمَانِ كَمَا فِي نَحْوِ سَافَرْت يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ لَمْ يُسَافِرْ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَمَفْهُومُ الْمَكَانِ كَمَا فِي نَحْوِ جَلَسْت أَمَامَك فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ لَمْ يَجْلِسْ عَنْ يَمِينِك وَمَفْهُومُ الْغَايَةِ كَمَا فِي نَحْوِ {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَجِبُ بَعْدَ اللَّيْلِ، وَمَفْهُومُ الْحَصْرِ كَمَا فِي «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ مِنْ غَيْرِ الْمَاءِ، وَمَفْهُومُ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا فِي نَحْوِ قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يَقُمْ. وَاعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرَ مِنْ الْمَفَاهِيمِ التِّسْعَةِ تَرْجِعُ إلَى مَفْهُومِ الصِّفَةِ فَفِي حَاشِيَةِ السَّعْدِ عَلَى عَضُدِ ابْنِ الْحَاجِبِ ذَكَرَ الْإِمَامُ فِي الْبُرْهَانِ أَنَّ جَمِيعَ جِهَاتِ التَّخْصِيصِ تَرْجِعُ إلَى الصِّفَةِ فَإِنَّ الْمَحْدُودَ وَالْمَعْدُودَ مَوْصُوفَانِ بِعَدَدِهِمَا وَحَدَّهُمَا وَالْمُخَصَّصُ بِالْكَوْنِ فِي زَمَانٍ وَمَكَانٍ مَوْصُوفٌ بِالِاسْتِقْرَارِ فِيهِمَا اهـ.

[الفرق بين قاعدة مفهوم اللقب وبين قاعدة غيره من المفهومات]

وَثَانِيهَا قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127] فَسُؤَالُهُمَا الْقَبُولَ فِي فِعْلِهِمَا مَعَ أَنَّهُمَا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَسَلَامُهُ لَا يَفْعَلَانِ إلَّا فِعْلًا صَحِيحًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ الْفِعْلِ الصَّحِيحِ وَلِذَلِكَ دَعَوْا بِهِ لِأَنْفُسِهِمَا. وَثَالِثُهَا: الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَمَّا مَنْ أَسْلَمَ وَأَحْسَنَ فِي إسْلَامِهِ فَإِنَّهُ يُجْزَى بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ» فَاشْتَرَطَ فِي الْجَزَاءِ الَّذِي هُوَ الثَّوَابُ أَنْ يُحْسِنَ فِي الْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانُ فِي الْإِسْلَامِ هُوَ التَّقْوَى وَهُوَ يَرِدُ عَلَى مَنْ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] أَنَّ الْمُرَادَ الْمُؤْمِنُونَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَرَّحَ بِالْإِسْلَامِ ثُمَّ ذَكَرَ الْإِحْسَانَ فِيهِ. وَرَابِعُهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْأُضْحِيَّةِ لَمَّا ذَبَحَهَا «اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ» فَسَأَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْقَبُولَ مَعَ أَنَّ فِعْلَهُ فِي الْأُضْحِيَّةِ كَانَ عَلَى وَفْقِ الشَّرِيعَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقَبُولَ ـــــــــــــــــــــــــــــSإنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا. قَالَ (ثَانِيهَا قَوْلُهُ جَلَّ جَلَالُهُ حِكَايَةً عَنْ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127] فَسُؤَالُهُمَا الْقَبُولَ فِي فِعْلِهِمَا مَعَ أَنَّهُمَا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَسَلَامُهُ لَا يَفْعَلَانِ إلَّا فِعْلًا صَحِيحًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي الْفِعْلِ فِي الصَّحِيحِ وَلِذَلِكَ دَعَوَا بِهِ لِأَنْفُسِهِمَا) قُلْتُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُهُمَا ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ عِلْمِهِمَا بِعَاقِبَةِ أَمْرِهِمَا لِيَقْتَدِيَ بِهِمَا مَنْ لَا يَعْلَمُ عَاقِبَةَ أَمْرِهِ مِنْ أَتْبَاعِهِمَا وَهَذَا الِاحْتِمَالُ حَالٌ لَا مَقَالِيٌّ وَالِاحْتِمَالَاتُ الْحَالِيَّةُ لَا تَفَاوُتَ فِيهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهَا أَظْهَرَ مِنْ بَعْضٍ فَيُسْتَدَلُّ بِالظَّاهِرِ مِنْهَا بِخِلَافِ الْحَالَاتِ الْمَقَالِيَّةِ فَإِنَّهُ تَكُونُ مُسْتَوِيَةً فِي الْمُحْتَمَلَاتِ وَغَيْرِهِ مُسْتَوِيَةً فِي الظَّاهِرِ وَالْمُؤَوَّلَاتِ. قَالَ (وَثَالِثُهَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَمَّا مَنْ أَسْلَمَ وَأَحْسَنَ فِي إسْلَامِهِ فَإِنَّهُ يُجْزَى بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ» فَاشْتُرِطَ فِي الْجَزَاءِ الَّذِي هُوَ الثَّوَابُ أَنْ يُحْسِنَ فِي إسْلَامِهِ وَالْإِحْسَانُ فِي الْإِسْلَامِ هُوَ التَّقْوَى وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] إنَّ الْمُرَادَ الْمُؤْمِنُونَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَرَّحَ بِالْإِسْلَامِ ثُمَّ ذَكَرَ الْإِحْسَانَ فِيهِ) قُلْتُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْإِحْسَانِ الْمُوَافَاةَ عَلَى الْإِيمَانِ لَا اجْتِنَابَ الْعِصْيَانِ، وَالْمُوَافَاةُ عَلَى الْإِيمَانِ هُوَ شَرْطُ ثُبُوتِ الْأَعْمَالِ الَّذِي لَا شَرْطَ لِثُبُوتِ الْأَعْمَالِ سِوَاهُ فَكُلُّ مَا وَرَدَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ وَمِمَّا يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى صِحَّةِ الْعَمَلِ وَبَرَاءَةَ الذِّمَّةِ فَهُوَ مُتَأَوَّلٌ بِأَنَّهُ الْمُرَادُ هَذَا إنْ سُلِّمَ ظُهُورُ آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ فِي غَيْرِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ. قَالَ (وَرَابِعُهُمَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأُضْحِيَّةِ لَمَّا ذَبَحَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ» فَسَأَلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْقَبُولَ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَذَا الْبَاقِي كَمَا لَا يَخْفَى وَمَفْهُومُ اللَّقَبِ أَيْ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى أَسْمَاءِ الذَّوَاتِ كَمَا فِي نَحْوِ فِي الْغَنَمِ الزَّكَاةُ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ الْغَنَمِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْمَفْهُومِ وَهُوَ الدَّقَّاقُ وَمَنْ مَعَهُ كَمَا سَيَأْتِي وَهَذَا الْمَفْهُومُ أَضْعَفُ الْمَفَاهِيمِ الْعَشَرَةِ الْمَذْكُورَةِ فَقَاعِدَةُ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ أَبَدًا إثْبَاتُ نَقِيضِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ فَقَطْ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ عَلَى الْقَوْلِ الْحَقِّ وَلَيْسَ قَاعِدَتُهُ إثْبَاتَ ضِدِّ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا فَلْيَكُنْ دَأْبُك أَبَدًا فِيهِ إثْبَاتَ النَّقِيضِ فَقَطْ وَلَا تَتَعَرَّضْ لِلضِّدِّ أَلْبَتَّةَ لِمَا ظَهَرَ لَك مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَفْهُومِ اللَّقَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَفْهُومَاتِ] (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَفْهُومِ اللَّقَبِ) لَمْ يَقُلْ بِهَا إلَّا الدَّقَّاقُ وَالصَّيْرَفِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنُ خُوَيْزٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَفْهُومَاتِ قَالَ بِهَا جَمْعٌ كَثِيرٌ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ مَفْهُومِ اللَّقَبِ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَفَاهِيمِ كَمَفْهُومِ الصِّفَةِ وَالْغَايَةِ وَالْحَصْرِ فِيهِ رَائِحَةُ التَّعْلِيلِ ضَرُورَةَ أَنَّ الصِّفَةَ وَالْغَايَةَ وَالْحَصْرَ وَالزَّمَانَ وَالْمَكَانَ وَالْمَانِعَ وَالِاسْتِثْنَاءَ وَالشَّرْطَ شُرُوطٌ لُغَوِيَّةٌ وَالشُّرُوطُ اللُّغَوِيَّةُ أَسْبَابٌ شَرْعِيَّةٌ كَالْعِلَّةِ فَمَتَى جُعِلَ الشَّيْءُ شَرْطًا أَشْعَرَ بِسَبَبِيَّةِ ذَلِكَ الشَّرْطِ لِلْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَدْرَكْنَا نَحْنُ ذَلِكَ أَمْ لَا وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ تُشْعِرُ بِالتَّعْلِيلِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْمَعْلُولِ كَانَ اللَّازِمُ فِي صُورَةِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ عَدَمَ الْحُكْمِ لِعَدَمِ عِلَّةِ الثُّبُوتِ فِيهِ وَأَمَّا مَفْهُومُ اللَّقَبِ فَإِنَّهُ وَإِنْ اسْتَدَلَّ لَهُ مَنْ احْتَجَّ لَهُ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ إلَّا نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِهِ كَالصِّفَةِ وَنَحْوِهَا إلَّا أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّفَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ جِهَتَيْنِ الْأُولَى أَنَّ الْكَلَامَ لَا يَسْتَقِيمُ بِدُونِ ذِكْرِهِ بِخِلَافِ الصِّفَةِ وَنَحْوِهَا. وَالْجِهَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَصْلُهُ كَمَا قَالَ التَّبْرِيزِيُّ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَنْ أَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي قَوْلِنَا لَقَبٌ، وَأَمَّا أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ نَحْوَ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ فَلَا يُقَالُ لَهَا لَقَبٌ إلَّا أَنَّهَا تُلْحَقُ بِهَا فَتَجْرِي مَجْرَاهَا جَامِدَةً كَانَتْ أَوْ مُشْتَقَّةً غَلَبَتْ عَلَيْهِ الِاسْمِيَّةُ فَاسْتُعْلِمَتْ اسْتِعْمَالَ الْأَسْمَاءِ كَالطَّعَامِ فِي حَدِيثِ «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ» كَمَا مَثَّلَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى لِلَّقَبِ وَلَمْ تَكُنْ لِلْأَعْلَامِ وَلَا لِلْأَجْنَاسِ إشْعَارٌ بِالْعِلَّةِ لِعَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ فِيهِمَا بِخِلَافِ الصِّفَةِ وَنَحْوِهَا كَمَا عَلِمْت كَانَ عَدَمُهُمَا مِنْ صُورَةِ السُّكُوتِ لَيْسَ عِلَّةً

وَرَاءَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَالْإِجْزَاءِ وَإِلَّا لَمَا سَأَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّ سُؤَالَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ لَا يَجُوزُ. وَخَامِسُهَا: أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ صُلَحَاءُ الْأُمَّةِ وَخِيَارُهَا يَسْأَلُونَ اللَّهَ تَعَالَى الْقَبُولَ فِي الْعَمَلِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ طَلَبًا لِلصِّحَّةِ وَالْإِجْزَاءِ لَكَانَ هَذَا الدُّعَاءُ إنَّمَا يَحْسُنُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى تَيْسِيرَ الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ وَانْتِفَاءَ الْمَوَانِعِ أَمَّا بَعْدَ الْجَزْمِ بِوُقُوعِهَا فَلَا يَحْسُنُ ذَلِكَ فَدَلَّتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ عَلَى أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ الْإِجْزَاءِ وَغَيْرُ الصِّحَّةِ وَأَنَّهُ الثَّوَابُ. وَسَادِسُهَا: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ مِنْ الصَّلَاةِ لَمَا يُقْبَلُ نِصْفُهَا وَثُلُثُهَا وَرُبْعُهَا وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ فَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا» فَحَمَلَهُ الصُّوفِيَّةُ وَقَلِيلٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَلَى عَدَمِ الْإِجْزَاءِ وَأَنَّهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ إذَا غَفَلَ عَنْ صَلَاتِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ صَلَاتِهِ إلَّا مَا عَقَلَ مِنْهَا» وَحَكَى الْغَزَالِيُّ الْإِجْمَاعَ فِي إجْزَائِهَا إذَا عَلِمَ عَدَدَ رَكَعَاتِهَا وَأَرْكَانَهَا وَشَرَائِطَهَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُشْتَغِلٍ بِالْخُشُوعِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا. وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إنَّ الْمُرَادَ بِالثُّلُثِ وَبِالرُّبْعِ وَنَحْوِهِ الثَّوَابُ لَا الْإِجْزَاءُ وَالصِّحَّةُ فَظَهَرَ حِينَئِذٍ أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ الْإِجْزَاءِ وَأَنَّ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ يُثَابُ عَلَيْهَا دُونَ بَعْضٍ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْفَرْقِ إذَا تَقَرَّرَ الْفَرْقُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ وَصْفَ التَّقْوَى شَرْطٌ فِي الْقَبُولِ بَعْدَ الْإِجْزَاءِ وَالتَّقْوَى هَاهُنَا لَيْسَ مَحْمُولًا عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَهُوَ مُجَرَّدُ الِاتِّقَاءِ لِلْمَكْرُوهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَإِنَّ الْفَسَقَةَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ لَا يُسَمَّوْنَ أَتْقِيَاءَ وَلَا مِنْ الْمُتَّقِينَ وَلَوْ اعْتَبَرْنَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ لَقِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ بَلْ التَّقْوَى فِي ـــــــــــــــــــــــــــــSفَإِنَّ سُؤَالَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ لَا يَجُوزُ) قُلْتُ الِاحْتِمَالُ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ كَالِاحْتِمَالِ فِي قَوْلِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. قَالَ (وَخَامِسُهَا أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ صُلَحَاءُ الْأُمَّةِ وَخِيَارُهَا يَسْأَلُونَ اللَّهَ تَعَالَى الْقَبُولَ فِي الْعَمَلِ إلَى آخِرِهِ) قُلْتُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ طَلَبُوا حُصُولَ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْمُوَافَاةُ عَلَى الْإِيمَانِ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ أَوْ طَلَبُوا الْمُسَامَحَةَ فِي إغْفَالِ بَعْضِ شُرُوطِ الْأَعْمَالِ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِتَحْصِيلِ ذَلِكَ عَلَى الْكَمَالِ. قَالَ (وَسَادِسُهَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّ مِنْ الصَّلَاةِ لَمَا يُقْبَلُ نِصْفُهَا وَثُلُثُهَا وَرُبْعُهَا وَأَنَّ مِنْهَا لَمَا يُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ فَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا» إلَى آخِرِ قَوْلِهِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْفَرْقِ) قُلْتُ قَوْلُهُ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِثْلَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الثَّوَابُ مَعَ تَقْدِيرِ كَمَالِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَجَمِيعِ أَوْصَافِهَا خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَأَنَّ مِنْهَا لَمَا يُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ فَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا» إذْ لَوْ كَانَتْ مُسْتَوْفِيَةً لِشُرُوطِهَا وَأَوْصَافِهَا لَمْ يَكُنْ لِتَشْبِيهِهَا بِالثَّوْبِ الْخَلَقِ وَجْهٌ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إنَّمَا هُوَ مَغْزَاهُ التَّحْذِيرُ مِنْ التَّهَاوُنِ بِشُرُوطِهَا وَالتَّحْرِيضُ عَلَى مُرَاعَاةِ أَحْوَالِهَا فَلَا دَلِيلَ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا أَرَادَ لَا بِظَاهِرٍ وَلَا بِنَصٍّ أَلْبَتَّةَ. قَالَ (وَإِذَا تَقَرَّرَ الْفَرْقُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ وَصْفَ التَّقْوَى شَرْطٌ فِي الْقَبُولِ بَعْدَ الْإِجْزَاءِ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَدَمَ عِلَّةٍ فَلَا يَلْزَمُ عَدَمُ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَلِذَا قَلَّ الْقَائِلُونَ بِهِ وَحُكِمَ بِضَعْفِهِ، وَمِنْ هُنَا تَعْلَمُ صِحَّةَ اسْتِدْلَالِ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَالِكٍ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَجُوزُ بِغَيْرِ التُّرَابِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «وَتُرَابُهَا طَهُورًا» حَيْثُ قَالَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَتُرَابُهَا طَهُورًا أَنَّ غَيْرَ التُّرَابِ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ اهـ. وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ اسْمُ جِنْسٍ فَمَفْهُومُهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ لَيْسَ حُجَّةً عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَ مَالِكٍ فَقَدْ اسْتَدَلَّ بِمَا لَيْسَ حُجَّةً عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَ خَصْمِهِ وَكَذَا عَدَمُ صِحَّةِ اسْتِدْلَالِهِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْخَلَّ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ «بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَسْمَاءِ فِي دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ حُتِّيهِ ثُمَّ اقْرِضِيهِ بِالْمَاءِ» حَيْثُ قَالَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْمَاءِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَغْسِلَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْخَلِّ وَغَيْرِهِ اهـ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَاءَ اسْمُ جِنْسٍ فَمَفْهُومُهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُ وَلَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ أَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يَقُلْ بِالْمَفْهُومِ مُطْلَقًا فَضْلًا عَنْ مَفْهُومِ اللَّقَبِ فَاسْتِدْلَالُهُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَبْعَدُ مِنْ اسْتِدْلَالِهِ عَلَى مَالِكٍ بِسَبَبِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ بِالْمَفْهُومِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَلَا كَذَا قَالَ الْأَصْلُ وَفِي حَاشِيَةِ الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ؛ لِأَنَّهُ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَمْرَ إذَا تَعَلَّقَ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَقَعُ الِامْتِثَالُ إلَّا بِذَلِكَ الشَّيْءِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْأَمْرُ صِفَةً أَوْ لَقَبًا وَلِأَنَّهُ بِالْحَدِيثِ الثَّانِي مِنْ جِهَةِ أَنَّ قَرِينَةَ الِامْتِنَانِ تَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ فِيهِ وَأَنَّ الْعُدُولَ عَنْ أُسْلُوبِ التَّعْمِيمِ مَعَ الْإِيجَازِ إلَى التَّخْصِيصِ مَعَ تَرْكِ الْإِيجَازِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نُكْتَةٍ وَنُكْتَتُهُ اخْتِصَاصُ الطَّهُورِيَّةِ. وَقَدْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ بِأَنَّ مَفْهُومَ اللَّقَبِ حُجَّةٌ مَعَ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ وَأَشَارَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنْ يُقَالَ اللَّقَبُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ رَائِحَةُ التَّعْلِيقِ فَإِنْ وُجِدَتْ كَانَ حُجَّةً فَإِنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا اسْتَأْذَنَتْ امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا» يَحْتَجُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ يَمْنَعُ امْرَأَتَهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَّا بِإِذْنِهِ لِأَجْلِ تَخْصِيصِ النَّهْيِ بِالْخُرُوجِ لِلْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ لِمَا فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَحَلَّ الْعِبَادَةِ فَلَا تُمْنَعُ مِنْهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ اهـ. فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

[الفرق بين قاعدة المفهوم إذا خرج مخرج الغالب وبين ما إذا لم يخرج مخرج الغالب]

عُرْفِ الشَّرْعِ الْمُبَالَغَةُ فِي اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ الْغَالِبَ عَلَى الشَّخْصِ، هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَإِذَا حَصَلَ هَذَا الْوَصْفُ يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَقِدَ أَيْضًا أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ لَازِمٍ بَلْ الْمَحَلُّ قَابِلٌ لَهُ لِحُصُولِ الشَّرْطِ وَأَنَّ الْقَبُولَ مَشْرُوطٌ بِالتَّقْوَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الشَّرْطِ حُصُولُ الْمَشْرُوطِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَحَلَّ يَبْقَى قَابِلًا لِلْقَبُولِ مِنْ غَيْرِ لُزُومِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا بِالْقَبُولِ مَعَ أَنَّهُ سَيِّدُ الْمُتَّقِينَ وَكَذَلِكَ إبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَالْمَدْعُوُّ بِهِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ بِصَدَدِ الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ؛ إذْ لَوْ تَعَيَّنَ وُقُوعُهُ لَكَانَ ذَلِكَ طَلَبًا لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الثَّوَابُ يُمْكِنُ حُصُولُهُ وَعَدَمُ حُصُولِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSحَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ الْغَالِبَ عَلَى الشَّخْصِ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الظَّاهِرَ فِي أَنَّ التَّقْوَى شَرْطٌ فِي الْقَبُولِ مُسَلَّمٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ وَصْفَ التَّقْوَى فِي الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ الْمُبَالَغَةُ فِي اجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ وَفِعْلِ الْمَأْمُورَاتِ مُسَلَّمٌ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّقْوَى الْمُشْتَرَطَةِ فِي الْقَبُولِ التَّقْوَى الْعُرْفِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ لِمُعَارَضَةِ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ الْمُتَكَاثِرَةِ الْمُتَظَافِرَةِ بِتَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّحِيحَةِ، وَلَيْسَ كَوْنُ التَّقْوَى عُرْفًا مَا فَسَّرَهَا بِهِ بِالْمُقَاوِمِ فِي الظُّهُورِ لِتِلْكَ الْأَدِلَّةِ هَذَا إنْ لَمْ تَقُلْ بِانْتِهَاءِ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ إلَى الْقَطْعِ بِلُزُومِ تَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمُسْتَوْفِيَةِ لِشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَالْقَطْعُ بِذَلِكَ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي وَمَنْ تَتَبَّعَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ وَتَأَمَّلَ مَسَاقَ الْكَلَامِ فِيهِ عَلِمَ صِحَّةَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَإِذَا حَصَلَ هَذَا الْوَصْفُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَدَ أَيْضًا أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ لَازِمٍ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الثَّوَابُ يُمْكِنُ حُصُولُهُ وَعَدَمُ حُصُولِهِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الشَّرْطِ حُصُولُ الْمَشْرُوطِ صَحِيحٌ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ حُصُولِ الثَّوَابِ بَلْ يَلْزَمُ حُصُولُهُ لَا لِمُجَرَّدِ حُصُولِ الشَّرْطِ بَلْ لِلْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى حُصُولِهِ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ كَوْنِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَعَا بِالْقَبُولِ قَدْ تَقَدَّمَ تَأْوِيلُهُ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمَدْعُوَّ بِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِصَدَدِ الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ إنْ أَرَادَ بِاعْتِبَارِ عِلْمِنَا فَمُسَلَّمٌ وَإِنْ أَرَادَ مُطْلَقًا فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ تَعَلَّقَ أَزَلًا بِمَا يَكُونُ وَمَا لَا يَكُونُ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ وُقُوعُهُ لَكَانَ ذَلِكَ طَلَبًا لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ فَكَلَامٌ لَيْسَ لَهُ حَاصِلٌ فَإِنَّ الدُّعَاءَ مَشْرُوعٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَالْمَدْعُوُّ بِهِ مُسْتَقَرٌّ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى حُصُولُهُ أَوْ عَدَمُ حُصُولِهِ فَعَلَى تَقْدِيرِ تَعَلُّقِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِحُصُولِهِ يَكُونُ الدُّعَاءُ طَلَبًا لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَعَلُّقِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِعَدَمِ حُصُولِهِ يَكُونُ الدُّعَاءُ طَلَبًا لِتَحْصِيلِ الْمُمْتَنِعِ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ فِي بَادِي الرَّأْيِ مُحَالٌ. وَذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الطَّلَبُ عَقْلًا جَوَازَ الْمَطْلُوبِ بَلْ يَجُوزُ طَلَبُ الْجَائِزِ وَغَيْرِ الْجَائِزِ فَلَا فَرْقَ فِي الْعَقْلِ بَيْنَ طَلَبِ تَحْصِيلِ الْوَاقِعِ الْحَاصِلِ وَبَيْنَ طَلَبِ تَحْصِيلِ غَيْرِهِ فَإِنْ ثَبَتَ فِي ذَلِكَ فَرْقٌ شَرْعِيٌّ فَذَاكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَفْهُومِ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ] الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَفْهُومِ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ) قِيلَ: لَا يَكُونُ حُجَّةً إجْمَاعًا وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْغَالِبِ قِيلَ: يَكُونُ حُجَّةً عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالْمَفْهُومِ وَالصَّحِيحُ كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ الْأُصُولِيِّ أَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي وَقَعَ بِهِ تَقْيِيدُ الْحَقِيقَةِ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ بِأَنْ وُجِدَ مَعَهَا فِي أَكْثَرِ صُوَرِهَا كَوَصْفِ الرَّبَائِبِ بِاَللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] وَهُنَّ جَمْعُ رَبِيبَةٍ بِنْتُ زَوْجَةِ الرَّجُلِ مِنْ آخَرَ سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُرَبِّيهَا غَالِبًا كَمَا يُرَبِّي وَلَدَهُ ثُمَّ اتَّسَعَ فِيهِ فَسُمِّيَتْ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَرِبْهَا وَإِنَّمَا لَحِقَتْهُ الْهَاءُ مَعَ أَنَّهُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ اسْمًا فَكَوْنُهُنَّ فِي حُجُورِ أَزْوَاجِ الْأُمَّهَاتِ هُوَ الْغَالِبُ مِنْ حَالِهِنَّ فَوَصَفَهُنَّ بِهِ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ فَلَا يَدُلُّ الْكَلَامُ الْمُفِيدُ لِلْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْحَقِيقَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِهِ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِهِ كَالْكَلَامِ الْمُفِيدِ لِتَحْرِيمِهِنَّ عَلَيْهِمْ عَلَى عَدَمِ تَحْرِيمِهِنَّ عَلَيْهِمْ عِنْدَ عَدَمِ كَوْنِهِنَّ فِي حُجُورِهِمْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا إجْمَاعًا. فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَعَلَهُ شَرْطًا حَتَّى إنَّ الْبَعِيدَةَ عَنْ الزَّوْجِ لَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ وَأَسْنَدَهُ إلَيْهِ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فَقَالَ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ فَتُوُفِّيَتْ وَقَدْ وَلَدَتْ لِي فَوَجَدْت عَلَيْهَا فَلَقِيَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ مَا لَكَ فَقُلْت تُوُفِّيَتْ الْمَرْأَةُ فَقَالَ عَلِيٌّ: هَلْ لَهَا ابْنَةٌ؟ فَقُلْت: نَعَمْ وَهِيَ بِالطَّائِفِ قَالَ: كَانَتْ فِي حِجْرِك؟ قُلْت: لَا، قَالَ: فَانْكِحْهَا قُلْت: فَأَيْنَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] قَالَ: إنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِك إنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَتْ فِي حِجْرِك، قَالَ الْحَافِظُ الْعِمَادُ بْنُ كَثِيرٍ: إسْنَادُهُ قَوِيٌّ ثَابِتٌ إلَى عَلِيٍّ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا اهـ بِتَوْضِيحٍ وَزِيَادَةٍ مِنْ الْعَطَّارِ. نَعَمْ قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ إجْمَاعُ الْأَرْبَعَةِ الْأَئِمَّةِ لَا جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ لَكِنْ فِي الْمُحَلَّى عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ. وَقَدْ مَشَى فِي النِّهَايَةِ فِي آيَةِ الرَّبِيبَةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الْقَيْدَ فِيهَا لِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ لَا مَفْهُومَ لَهُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ مَالِكٍ الْقَوْلَ بِمَفْهُومِهِ وَمِنْ أَنَّ الرَّبِيبَةَ الْكَبِيرَةَ وَقْتَ التَّزَوُّجِ بِأَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي حِجْرِهِ وَتَرْبِيَتِهِ وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَمِرَّ

وَعَلَى هَذِهِ الْمَدَارِكِ وَهَذِهِ التَّقَادِيرِ يَكُونُ قَوْله تَعَالَى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] مَشْرُوطًا بِالتَّقْوَى فَإِنَّ أَمْثَالَ الْعَشْرِ هِيَ الْمَثُوبَاتُ وَلَا تَحْصُلُ إلَّا لِلْمُتَّقِينَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَ وَالزَّائِدَ عَلَيْهَا هِيَ مَثُوبَاتٌ تَتَضَاعَفُ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ وَصَلَاةٌ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِسِتِّمِائَةِ صَلَاةٍ» وقَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 261] يَقْتَضِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّقْرِيرِ أَنْ يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ مَشْرُوطًا بِالتَّقْوَى وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ الظَّوَاهِرَ كُلَّهَا تَقْتَضِي الْمَثُوبَاتِ مُطْلَقًا وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّقْدِيرِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالتَّقْوَى فَيَتَعَيَّنُ رَدُّ أَحَدِ الظَّاهِرَيْنِ إلَى الْآخَرِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَسَدِّ وَقَدْ بَيَّنْتُ لَكَ وَجْهَ التَّعَارُضِ وَوَجْهَ الْجَمْعِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ مَوْضِعٌ صَعْبٌ مُشْكِلٌ وَاَلَّذِي رَأَيْتُ عَلَيْهِ جَمَاعَةً مِنْ الْمُحَقِّقِينَ هُوَ مَا ذَكَرْتُهُ لَكَ فَتَأَمَّلْهُ. (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَّنَ وَقْتُهُ فَيُوصَفُ فِيهِ بِالْأَدَاءِ وَبَعْدَهُ بِالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَّنَ وَقْتُهُ وَلَا يُوصَفُ فِيهِ بِالْأَدَاءِ وَلَا بَعْدَهُ بِالْقَضَاءِ وَالتَّعْيِينُ فِي الْقِسْمَيْنِ شَرْعِيٌّ) ـــــــــــــــــــــــــــــSوَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بِوَجْهٍ. قَالَ (وَعَلَى هَذِهِ الْمَدَارِكِ وَهَذِهِ التَّقَادِيرِ يَكُونُ قَوْله تَعَالَى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] مَشْرُوطًا بِالتَّقْوَى إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةِ الْفَذِّ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَشْرُوطٌ بِالتَّقْوَى مُسَلَّمٌ لَكِنْ بِمَعْنَى الْمُوَافَاةِ عَلَى الْإِيمَانِ لَا بِمَعْنَى مُجَانَبَةِ الْعِصْيَانِ. قَالَ (فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ الظَّوَاهِرَ كُلَّهَا تَقْتَضِي الْمَثُوبَاتِ مُطْلَقًا وَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْ التَّقْرِيرِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالتَّقْوَى) قُلْتُ لَا يُقَاوِمُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّقْرِيرِ تِلْكَ الظَّوَاهِرَ عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ الْقَطْعَ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا قَدْ بَلَغَتْهُ فَإِنَّ الظَّوَاهِرَ إذَا تَظَاهَرَتْ وَتَكَاثَرَتْ وَلَمْ يُعَارِضْهَا سِوَاهَا حَصَلَ الْقَطْعُ بِمَعْنَاهَا وَهَذِهِ الظَّوَاهِرُ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ وَتَكَاثَرَتْ وَلَمْ يُعَارِضْهَا سِوَاهَا فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ مُعَارِضًا لَيْسَ بِمُعَارِضٍ لِاسْتِوَاءِ احْتِمَالَاتِهِ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ. قَالَ (فَيَتَعَيَّنَ رَدُّ أَحَدِ الظَّاهِرَيْنِ إلَى الْآخَرِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَسَدِّ) قُلْتُ إنْ سُلِّمَ عَدَمُ الْقَطْعِ فَلَيْسَ الْوَجْهُ الْأَسَدُّ مَا ذَكَرَهُ وَاخْتَارَهُ وَإِنْ لَمْ يُسَلَّمْ فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ الْأَسَدُّ. قَالَ (وَقَدْ بَيَّنْت لَك وَجْهَ التَّعَارُضِ وَوَجْهَ الْجَمْعِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ مَوْضِعٌ صَعْبٌ مُشْكِلٌ) قُلْتُ قَدْ تَبَيَّنَ مَا قَالَ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَتَأَمَّلْتُهُ كَمَا أَمَرَ وَلَمْ أَجِدْ مَا وَجَدَ مِنْ الصُّعُوبَةِ وَالْإِشْكَالِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ذِي الْمِنَّةِ وَالْإِفْضَالِ. قَالَ (وَاَلَّذِي رَأَيْتُ عَلَيْهِ جَمَاعَةً مِنْ الْمُحَقِّقِينَ هُوَ مَا ذَكَرْتُهُ فَتَأَمَّلْهُ) قُلْتُ لَعَلَّهُمْ مُحَقِّقُونَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَمَّا فِي هَذِهِ فَلَا وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ مَالِكٌ فَقَدْ نَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ كَالْمَاوَرْدِيِّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ دَاوُد كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَرَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ وَمَرْجِعُ مَا نَقَلَ عَنْ دَاوُد وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَنَّ الْقَيْدَ لَيْسَ لِمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ أَيْ بَلْ لِنَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ اهـ فَافْهَمْ. وَأَوْرَدَ الْإِمَامُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ لِغَيْرِ الْغَالِبِ مَفْهُومًا دُونَ الْغَالِبِ وَالْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي الْعَكْسَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ لَا إذَا لَمْ يَكُنْ غَالِبًا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْحَقِيقَةِ تَدُلُّ الْعَادَةُ عَلَى ثُبُوتِهِ لَهَا فَالْمُتَكَلِّمُ يَكْتَفِي بِدَلَالَتِهَا عَلَى ثُبُوتِهِ لَهَا عَنْ ذِكْرِهِ فَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيَدُلَّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ بِانْحِصَارِ غَرَضِهِ فِيهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَادَةٌ فَغَرَضُ الْمُتَكَلِّمِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ إفْهَامُ السَّامِعِ بِثُبُوتِهَا لِلْحَقِيقَةِ. وَأَجَابَ بِأَنَّ الْقَوْلَ بِالْمَفْهُومِ لِخُلُوِّ الْقَيْدِ عَنْ الْفَائِدَةِ لَوْلَاهُ وَهُوَ إذَا كَانَ الْغَالِبُ يُفْهَمُ مِنْ الظَّنِّ بِاللَّفْظِ أَوَّلًا لِغَلَبَتِهِ فَذِكْرُهُ بَعْدَهُ يَكُونُ تَأْكِيدًا لِثُبُوتِ الْحُكْمِ لِلْمُتَّصِفِ بِهِ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْقَيْدِ فِيهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْمَفْهُومِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْغَالِبِ. وَأَجَابَ الْأَصْلُ بِأَنَّ الْغَالِبَ مُلَازِمٌ لِلْحَقِيقَةِ فِي الذِّهْنِ فَذِكْرُهُ مَعَهَا عِنْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهَا لِحُضُورِهِ فِي ذِهْنِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ لَوَازِمِهَا فَيَضْطَرُّهُ الْحَالُ لِلنُّطْقِ بِهِ لِذَلِكَ لَا لِتَخْصِيصِ الْحُكْمِ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِحْضَارِ الْحَقِيقَةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهَا حُضُورُهُ مَعَهَا فَلَا يَضْطَرُّهُ الْحَالُ لِنُطْقِهِ بِهِ مَعَهَا فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْمُتَكَلِّمِ غَرَضٌ فِي نُطْقِهِ بِهِ، وَإِحْضَارُهُ مَعَ الْحَقِيقَةِ وَسَلْبُ الْحُكْمِ عَنْ صُورَةِ عَدَمِهِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ غَرَضَهُ فَيُحْمَلَ عَلَيْهِ حَتَّى يُصَرِّحَ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ إلَى الذِّهْنِ مِنْ التَّقْيِيدِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِأَنَّ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَارِدٌ وَدَعْوَى الِاضْطِرَارِ بَاطِلَةٌ إذْ كَيْفَ يَكُونُ الشَّارِعُ سَوَاءٌ قُلْنَا اللَّهُ تَعَالَى أَوْ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُضْطَرًّا إلَى النُّطْقِ بِمَا لَا يَقْصِدُهُ وَاضْطِرَارُ اللَّهِ تَعَالَى إلَى أَمْرٍ مَا مُحَالٌ وَكَذَلِكَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَيْثُ هُوَ مَعْصُومٌ، وَالْحَامِلُ عَلَى هَذَا الْحَالِ إنَّمَا هُوَ الْقَوْلُ بِالْمَفْهُومِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بَاطِلٌ عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ الْمُفْهِمَةِ لِمُقْتَضَاهُ. (قُلْت) يُعَيَّنُ أَنَّ الْبَاطِلَ هُوَ مَا لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْأَشْعَرِيِّ وَالْإِمَامِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْقَوْلِ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ بِأَقْسَامِهِ الرَّاجِعَةِ إلَى مَفْهُومِ الصِّفَةِ كَمَا مَرَّ عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ الْمُفْهِمَةِ لِمُقْتَضَاهُ إذَا تَوَفَّرَتْ الشُّرُوطُ لِتَحَقُّقِهِ وَهِيَ أُمُورٌ أَحْرَى

اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ وَهَذَا الْفَرْقَ لَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِيمَ رَأَيْتُهُ وَلَمْ يَقَعْ التَّصْرِيحُ بِهِ فِيمَا وَجَدْتُهُ وَلَا التَّعْرِيضُ بَلْ التَّصْرِيحُ فِي حَدِّ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ بِضِدِّهِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ فَيَقُولُونَ فِي حَدِّ الْأَدَاءِ هُوَ إيقَاعُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا وَفِي حَدِّ الْقَضَاءِ هُوَ إيقَاعُ الْوَاجِبِ خَارِجَ وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا وَهَذَانِ التَّفْسِيرَانِ بَاطِلَانِ بِسَبَبِ أَنَّ الْوَاجِبَاتِ الْفَوْرِيَّةَ كَرَدِّ الْغُصُوبِ وَالْوَدَائِعِ إذَا طُلِبَتْ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأَقْضِيَةِ الْحُكَّامِ إذَا نَهَضَتْ الْحِجَاجُ كُلُّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُقَالُ لَهَا إنَّهَا أَدَاءٌ إذَا وَقَعَتْ فِي وَقْتِهَا الْمَحْدُودِ لَهَا شَرْعًا وَلَا قَضَاءً إذَا وَقَعَتْ بَعْدَهُ فَإِنَّ الشَّرْعَ حَدَّدَ لَهَا زَمَانًا وَهُوَ زَمَانُ الْوُقُوعِ فَأَوَّلُهُ أَوَّلُ زَمَانِ التَّكْلِيفِ وَآخِرُهُ الْفَرَاغُ مِنْهَا بِحَسَبِهَا فِي طُولِهَا وَقِصَرِهَا فَزَمَانُهَا مَحْدُودٌ شَرْعًا مَعَ انْتِفَاءِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ عَنْهَا فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ. وَكَذَلِكَ إنْقَاذُ الْغَرِيقِ حَدَّدَ لَهُ الشَّرْعُ الزَّمَانَ فَأَوَّلُهُ مَا يَلِي زَمَنَ السُّقُوطِ وَآخِرُهُ الْفَرَاغُ مِنْ عِلَاجِهِ بِحَسَبِ حَالِهِ وَلَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ أَدَاءٌ فِي الْوَقْتِ وَلَا قَضَاءٌ بَعْدَهُ مَعَ التَّحْدِيدِ الشَّرْعِيِّ، وَمِنْ ذَلِكَ الْحَجُّ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنَّ الشَّارِعَ حَدَّدَ لَهُ زَمَانًا مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَلَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ قَضَاءٌ بَعْدَ هَذِهِ السَّنَةِ إذَا أُخِّرَتْ هَذِهِ الْحِجَّةُ وَلَا يَلْزَمُ مَعَهَا هَدْيُ الْقَضَاءِ، وَكَذَلِكَ إذَا قُلْنَا الْأَمْرُ لِلْفَوْرِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ لَا بُدَّ مِنْ زَمَانٍ لِلسَّمَاعِ وَزَمَانٍ لِلتَّأَمُّلِ وَتَعَرُّفِ مَعْنَى الْخِطَابِ وَفِي الزَّمَنِ الثَّالِثِ يَكُونُ الْفِعْلُ زَمَانِيًّا وَبِالتَّأْخِيرِ عَنْهُ يُوصَفُ الْمُكَلَّفُ بِالْمُخَالَفَةِ. وَقَدْ حَدَّدَ الشَّرْعُ الزَّمَانَ حِينَئِذٍ أَوَّلُهُ الزَّمَنُ الثَّالِثُ مِنْ زَمَنِ السَّمَاعِ وَآخِرُهُ الْفَرَاغُ مِنْ الْفِعْلِ بِحَسَبِهِ وَهَذِهِ النُّقُوضُ كُلُّهَا تُبْطِلُ حَدَّ الْأَدَاءِ فَإِنَّ حَدَّهُ يَتَنَاوَلُهَا وَلَيْسَتْ أَدَاءً فَيَكُونُ غَيْرَ مَانِعٍ وَإِيقَاعُهَا بَعْدَ وَقْتِهَا يَتَنَاوَلُهُ حَدُّ الْقَضَاءِ وَلَيْسَتْ قَضَاءً فَيَكُونُ غَيْرَ جَامِعٍ فَحِينَئِذٍ تَتَعَيَّنُ الْعِنَايَةُ بِتَحْرِيرِ الْفَرْقِ وَتَحْرِيرِ هَذِهِ الضَّوَابِطِ وَالْحُدُودِ حَتَّى يَتَّضِحَ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ نَقُولَ الْأَدَاءُ هُوَ إيقَاعُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ وَالْقَضَاءُ إيقَاعُ الْوَاجِبِ خَارِجَ وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا لِأَجْلِ مَصْلَحَةٍ فِيهِ بِالْأَمْرِ الثَّانِي فَقَوْلُهُ فِي وَقْتِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْقَضَاءِ، وَقَوْلُنَا: " الْمَحْدُودُ لَهُ " احْتِرَازٌ مِنْ الْمُغَيَّا بِجَمِيعِ الْعُمْرِ، وَقَوْلُنَا: " شَرْعًا " احْتِرَازٌ مِمَّا يَحُدُّهُ أَهْلُ الْعُرْفِ، وَقَوْلُنَا: " لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ " احْتِرَازٌ مِنْ تِلْكَ النُّقُوضِ كُلِّهَا، وَتَحْرِيرُهُ أَنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا عَيَّنَ شَهْرَ رَمَضَانَ لِمَصْلَحَةٍ يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا دُونَ غَيْرِهِ طَرْدًا لِقَاعِدَةِ الشَّرْعِ فِي رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ عَلَى سَبِيلِ التَّفَضُّلِ فَإِنَّا إذَا لَاحَظْنَا الشَّرَائِعَ وَجَدْنَاهَا مَصَالِحَ فِي الْأَغْلَبِ أَدْرَكْنَا ذَلِكَ وَخَفِيَ عَلَيْنَا فِي الْأَقَلِّ فَقُلْنَا ذَلِكَ الْأَقَلُّ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْأَكْثَرِ كَمَا لَوْ جَرَتْ عَادَةُ مَلِكٍ بِأَنْ لَا يَخْلَعَ الْأَخْضَرَ إلَّا عَلَى الْفُقَهَاءِ فَإِذَا رَأَيْنَا مَنْ خَلَعَ عَلَيْهِ الْأَخْضَرَ وَلَا نَعْلَمُ قُلْنَا هُوَ فَقِيهٌ طَرْدًا لِقَاعِدَةِ ذَلِكَ الْمَلِكِ وَكَذَلِكَ نَعْتَقِدُ فِيمَا لَمْ نَطَّلِعْ فِيهِ عَلَى مَفْسَدَةٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ لَا تُظْهِرَ أَوْلَوِيَّةَ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فِي الْحُكْمِ وَإِلَّا اسْتَلْزَمَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَكَانَ مَفْهُومَ مُوَافَقَةٍ لَا مُخَالَفَةٍ كَتَحْرِيمِ الضَّرْبِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] وَتَأْدِيَةِ مَا دُونَ الْقِنْطَارِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75] . وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ قَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ الْمُعْتَادِ مِثْلَ {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] فَإِنَّ الْغَالِبَ كَوْنُ الرَّبَائِبِ فِي الْحُجُورِ وَمِنْ شَأْنِهِنَّ ذَلِكَ فَقَيَّدَ بِهِ لِذَلِكَ لَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّاتِي لَسْنَ فِي الْحُجُورِ بِخِلَافَةِ وَمِثْلَ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] إذْ الْخُلْعُ غَالِبًا إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ خَوْفِ أَنْ لَا يَقُومَ كُلٌّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ الْخَوْفِ وَمِثْلَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» إذْ الْمَرْأَةُ إنَّمَا تُبَاشِرُ نِكَاحَ نَفْسِهَا عِنْدَ مَنْعِ الْوَلِيِّ فَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهَا إذَا نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا لَمْ يَكُنْ بَاطِلًا. وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يَكُونَ لِسُؤَالِ سَائِلٍ عَنْ الْمَذْكُورِ وَلَا لِحَادِثَةٍ خَاصَّةٍ بِالْمَذْكُورِ مِثْلَ أَنْ يَسْأَلَ هَلْ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ فَيَقُولُ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ أَوْ يَكُونُ الْغَرَضُ بَيَانَ ذَلِكَ لَهُ السَّائِمَةُ دُونَ الْمَعْلُوفَةِ. وَالرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ تَقْدِيرُ جَهَالَةٍ بِحُكْمِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَإِلَّا رُبَّمَا تَرَكَ التَّعَرُّضَ لَهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِحَالِهِ وَلَا يَكُونُ خَوْفٌ يَمْنَعُ مِنْ ذِكْرِهِ كَقَوْلِ قَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ لِعَبْدِهِ بِحُضُورِ الْمُسْلِمِينَ تَصَدَّقْ بِهَذَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ وَغَيْرِهِمْ وَتَرَكَهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُتَّهَمَ بِالنِّفَاقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالذِّكْرِ كَمُوَافَقَةِ الْوَاقِعِ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 28] نَزَلَتْ كَمَا قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُ فِي قَوْمٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالَوْا الْيَهُودَ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَمَّا إذَا لَمْ تَتَوَفَّرْ هَذِهِ الشُّرُوطُ بِانْتِفَاءِ الْمَذْكُورَاتِ بَلْ ثَبَتَ وَاحِدٌ مِنْهَا فَلَا يَسْتَنِدُ فِي الْعَمَلِ إلَى الْمَفْهُومِ ضَرُورَةَ أَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فَوَائِدُ ظَاهِرَةٌ وَالْمَفْهُومُ فَائِدَةٌ خَفِيفَةٌ فَيُؤَخَّرُ عَنْهَا وَيَكُونُ الْعَمَلُ حِينَئِذٍ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ وَلَوْ خَالَفَ الْمَفْهُومَ، فَإِذَا دَلَّ عَلَى إعْطَاءِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ حُكْمَ الْمَنْطُوقِ بِهِ عُمِلَ بِمُقْتَضَاهُ كَمَا فِي نَحْوِ آيَتَيْ الرَّبِيبَةِ وَالْمُوَالَاةِ وَقَوْلُ قَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ إلَخْ فَإِنَّ إرَادَةَ قَرِيبِ الْعَهْدِ وَغَيْرِهِمْ كَمَا عَلِمْت وَتَحَقُّقَ عِلَّةِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فِي الْآيَتَيْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الرَّبِيبَةَ

أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ إنْ كَانَ فِي جَانِبِ الْأَمْرِ وَفِيهِ مَفْسَدَةٌ إنْ كَانَ فِي جَانِبِ النَّوَاهِي طَرْدًا لِقَاعِدَةِ الشَّرْعِ فِي رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ عَلَى سَبِيلِ التَّفَضُّلِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ الْعَقْلِيِّ كَمَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ، وَكَذَا نَقُولُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ إنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَصَالِحَ لَا نَعْلَمُهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ تَعَبُّدِيٍّ وَمَعْنَاهُ أَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لَا نَعْلَمُهَا فَحِينَئِذٍ تَتَعَيَّنُ أَوْقَاتُ الْعِبَادَاتِ لِمَصَالِحَ فِيهَا ، وَتَعْيِينُ الْفَوْرِيَّاتِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَبَعٌ لِلْمَأْمُورَاتِ وَطَرَيَانِ الْأَسْبَابِ فَالْغَرِيقُ لَوْ تَأَخَّرَ سُقُوطُهُ فِي الْبَحْرِ تَأَخَّرَ الزَّمَانُ أَوْ تَعَجَّلَ تَعَجَّلَ الزَّمَانُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الْحَجُّ تَابِعٌ لِلِاسْتِطَاعَةِ فَلَوْ تَأَخَّرَتْ تَأَخَّرَتْ السَّنَةُ أَوْ تَقَدَّمَتْ تَقَدَّمَتْ السَّنَةُ فَصَارَ تَعْيِينُ الْوَقْتِ تَابِعًا لِلِاسْتِطَاعَةِ لَا لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ، وَكَذَلِكَ نَقُولُ: إنَّ الْفَوْرَ تَعَيُّنُ الْوَقْتِ إذَا قُلْنَا الْأَمْرُ عَلَى الْفَوْرِ تَابِعٌ لِوُرُودِ الصِّيغَةِ فَإِنْ تَقَدَّمَتْ تَقَدَّمَ الْوَقْتُ أَوْ تَأَخَّرَتْ تَأَخَّرَ الْوَقْتُ وَكَذَلِكَ أَقْضِيَةُ الْحُكَّامِ الْوَقْتُ تَابِعٌ لِنُهُوضِ الْحِجَاجِ فَتَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ وَكَذَلِكَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ وَبَقِيَّةُ النُّقُوضِ قَدْ اتَّضَحَ لَك التَّخْرِيجُ فِي ذَلِكَ وَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ أَوْقَاتِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ لِمَصَالِحَ فِيهَا وَلَوْلَاهَا لَمَا تَعَيَّنَ بَعْدَ الزَّوَالِ دُونَ مَا قَبْلَهُ وَلَا رَمَضَانُ دُونَ بَقِيَّةِ شُهُورِ السَّنَةِ إذَا اتَّضَحَ لَك الْفَرْقُ فَقَوْلُهُ فِي الْحَدِّ لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ احْتِرَازٌ مِنْ تَعْيِينِ الْوَقْتِ لِمَصْلَحَةِ الْمَأْمُورِ وَالتَّبَعِيَّةِ لِطَرَيَانِ الْأَسْبَابِ. وَاتُّجِهَ أَيْضًا حَدُّ الْقَضَاءِ بِذَلِكَ لِمَا قُلْنَا إنَّهُ إيقَاعُ الْوَاجِبِ خَارِجَ وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ فَلَا يَكُونُ الْفِعْلُ مَوْصُوفًا بِالْقَضَاءِ إلَّا إذَا وَقَعَ خَارِجَ وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ، وَقَوْلُنَا فِي الْقَضَاءِ بِالْأَمْرِ الثَّانِي احْتِرَازٌ مِنْ نَقْضٍ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِقَضَاءِ رَمَضَانَ جُمْلَةَ السَّنَةِ كُلِّهَا الَّتِي تَلِي شَهْرَ الْأَدَاءِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَقَعَ فِي وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا وَلَيْسَ أَدَاءً فَخَرَجَ بِقَوْلِنَا بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقَضَاءَ وَجَبَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ وَدَخَلَ فِي حَدِّ الْقَضَاءِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بِقَوْلِنَا بِالْأَمْرِ الثَّانِي وَسَبَبُ انْدِرَاجِهِ فِي حَدِّ الْأَدَاءِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَيَّنَ السَّنَةَ لِمَصْلَحَةٍ تَخْتَصُّ بِهَا لَا نَعْلَمُهَا فَالسَّنَةُ كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ لَيْسَتْ تَابِعَةً لِغَيْرِهَا بِخِلَافِ سَنَةِ الْحَجِّ تَابِعَةٌ لِلِاسْتِطَاعَةِ فَإِنْ قُلْت وَسَنَةُ الْقَضَاءِ أَيْضًا تَابِعَةٌ لِتَرْكِ الصَّوْمِ قُلْت مُسَلَّمٌ لَكِنْ هَذَا وَقْتٌ حُدِّدَ طَرَفَاهُ وَجُعِلَ وَاجِبًا مُوَسَّعًا بِخِلَافِ الْحَجِّ. وَلَمَّا تَرَتَّبَ رَمَضَانُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الشُّهُورِ لِلْأَدَاءِ رُتِّبَ مَا بَعْدَهُ لِلْقَضَاءِ إلَى شَعْبَانَ فِي أَصْلِ الشَّرِيعَةِ مُعَيَّنًا فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ بِخِلَافِ الْحَجِّ لَمْ يُعَيَّنْ لَهُ إلَّا مَا كَانَ عَقِيبَ الِاسْتِطَاعَةِ وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَسَنَةُ الْقَضَاءِ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ فَإِنْ قُلْتَ مَا ذَكَرْتَهُ لَا يَتِمُّ لِاتِّفَاقِ النَّاسِ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ يُوصَفُ بِالْقَضَاءِ مَعَ خُرُوجِهِ عَمَّا ذَكَرْته مِنْ التَّحْدِيدِ فَيَقُولُونَ فِي الْحَجِّ بَعْدَ الْحِجَّةِ الْفَاسِدَةِ قَضَاءٌ وَيَقُولُونَ إنَّ النَّوَافِلَ تُقْضَى وَلَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مَحْدُودٌ بِالتَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرْتَهُ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْضَى مَا لَهُ سَبَبٌ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ مَا شُرِعَ فِيهِ مِنْ الطَّاعَاتِ وَأَبْطَلَهُ عَلَى تَفْصِيلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحُرِّمَتْ لِئَلَّا يَقَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أُمِّهَا التَّبَاغُضُ لَوْ أُبِيحَتْ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَيُوجَدُ نَظَرًا لِلْعَادَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِجْرِ الزَّوْجِ أَمْ لَا، وَمِنْ حَيْثُ إنَّ مُوَالَاةَ الْمُؤْمِنِ الْكَافِرَ حُرِّمَتْ لِعَدَاوَةِ الْكَافِرِ لَهُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ سَوَاءٌ وَالَى الْمُؤْمِنَ أَمْ لَا، وَقَدْ عَمَّ مَنْ وَالَاهُ وَمَنْ يُوَالِيهِ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ} [المائدة: 57] إلَى قَوْلِهِ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَقِيَاسُ الْمَسْكُوتِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ عَلَى الْمَنْطُوقِ لَا يَمْتَنِعُ؛ إذْ كَيْفَ يَمْتَنِعُ وَهُنَاكَ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْمَعْرُوضَ لِلصِّفَةِ وَنَحْوِهَا كَالْغَنَمِ فِي حَدِيثِ «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ» يَعُمُّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ كَالْمَعْلُوفَةِ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِدُونِ قِيَاسٍ؛ لِأَنَّ عَارِضَهُ مِنْ الصِّفَةِ وَنَحْوِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَسْكُوتِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْعِلَّةِ كَأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ. نَعَمْ الْحَقُّ عَدَمُ الْعُمُومِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَقَوْلُ إمَامِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ الْمَعْلُوفَةَ فِيهَا الزَّكَاةُ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَيْثُ شُمُولُ الْغَنَمِ لِلْمَعْلُوفَةِ فِي الْحُكْمِ كَمَا قِيلَ بَلْ إمَّا لِكَوْنِ حَدِيثِ «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» مَنْطُوقًا عَارَضَ مَفْهُومَ حَدِيثِ «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ زَكَاةٌ» فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ كَمَا قَالُوا بِالْمِنَّةِ مَنْ قَتَلَ مَنْ لَمْ يَجْنِ جِنَايَةً تُوجِبُ الْقَتْلَ وَلَدًا كَانَ أَوْ غَيْرَ وَلَدٍ لِلْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ الْمُعَارِضَةِ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: 31] لَا لِكَوْنِهِ غَالِبًا فِي مَجْرَى الْعَادَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْتُلُونَ إلَّا خَوْفَ الْفَقْرِ وَالْفَضِيحَةِ فِي الْبَنَاتِ وَهُوَ الْوَأْدُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} [التكوير: 8] وَالْوَأْدُ الْقَتْلُ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَدْفِنُونَهُنَّ أَحْيَاءً فَيَمُتْنَ مِنْ غَمِّ التُّرَابِ وَثِقَلِهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] أَيْ لَا يُثْقِلُهُ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ عُمُومًا فِي خُصُوصِ عَيْنِ الْغَنَمِ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى حَدِيثِ فِي الْغَنَمِ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ عُمُومٌ فِي خُصُوصِ حَالِ الْغَنَمِ لِمَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ مِنْ أَنَّ حَالَ الْعَيْنِ أَرْجَحُ مِنْ حَالِ الْحَالِ. وَإِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى إعْطَاءِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ نَقِيضَ حُكْمِ الْمَنْقُوضِ بِهِ عُمِلَ بِمُقْتَضَاهُ كَمَا فِي نَحْوِ الْغَنَمِ الْمَعْلُوفَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ بِعَدَمِ الزَّكَاةِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَتَبْقَى الْمَعْلُوفَةُ الَّتِي لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا الْأَصْلُ كَمَا سَيَأْتِي وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ بَاطِلًا كَانَ الصَّحِيحُ مُقَابِلَهُ وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ بِقَوْلِهِ وَأَنْكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ الْكُلَّ مُطْلَقًا قَالَ الْمَحَلِّيُّ أَيْ لَمْ يَقُلْ بِشَيْءٍ مِنْ مَفَاهِيمِ الْمُخَالَفَةِ وَإِنْ قَالَ فِي الْمَسْكُوتِ

[المكلف إذا غلب على ظنه أنه لا يعيش إلى آخر الوقت ثم عاش]

عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ لِلْفَرِيقَيْنِ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى الْقَضَاءِ فِي النَّوَافِلِ وَيَقُولُونَ الْمَأْمُومُ فِيمَا فَاتَهُ هَلْ يَكُونُ قَاضِيًا أَمْ بَانِيًا خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي تَعْيِينِ الْقَضَاءِ لَا فِي أَنَّهُ يُسَمَّى قَضَاءً لَوْ وَقَعَ فَاتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ مَا فَاتَهُ مِنْ الْمَغْرِبِ جَهْرًا لَكَانَ قَضَاءً اتِّفَاقًا إنَّمَا الْخِلَافُ هَلْ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى ذَلِكَ أَمْ لَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: 10] مَعَ أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ وَقَضَاءَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي الْوَقْتِ فَبَطَلَ بِهَذِهِ الْأَنْوَاعِ حَدُّ الْأَدَاءِ وَحَدُّ الْقَضَاءِ قُلْتُ الْقَضَاءُ فِي اصْطِلَاحِ حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ يُطْلَقُ عَلَى ثَلَاثِ مَعَانٍ: أَحَدُهُمَا إيقَاعُ الْوَاجِبِ خَارِجَ وَقْتِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَحْدِيدُهُ، وَثَانِيهَا: إيقَاعُ الْوَاجِبِ بَعْدَ تَعْيِينِهِ بِالشُّرُوعِ وَمِنْهُ حِجَّةُ الْقَضَاءِ وَمِنْهُ قَضَاءُ النَّوَافِلِ إذَا شُرِعَ فِيهَا وَهَذَا مُغَايِرٌ لِلْقِسْمِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِنَا خَارِجَ وَقْتِهِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِنَا بَعْدَ تَعَيُّنِهِ بِالشُّرُوعِ فَإِنَّ بَعْدِيَّةَ الْوَقْتِ غَيْرُ بَعْدِيَّةِ الشُّرُوعِ، وَثَالِثُهَا: مَا وَقَعَ عَلَى خِلَافِ وَضْعِهِ فِي الشَّرِيعَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْوَقْتِ وَالتَّعْيِينِ بِالشُّرُوعِ، وَمِنْهُ قَضَاءُ الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ إذَا صُلِّيَتَا جَهْرًا فَهَذَا خِلَافُ الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ فَإِنَّ وَضْعَ الشَّرِيعَةِ تَقَدُّمُ الْجَهْرِ عَلَى السِّرِّ فَتَأْخِيرُهُ خِلَافُ الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ فِي الِاصْطِلَاحِ وَيُلْحَقُ بِهَا قِسْمٌ رَابِعٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ: إنَّ السُّنَنَ تُقْضَى لِتَقَدُّمِ أَسْبَابِهَا لَا لِلشُّرُوعِ فِيهَا فَيَكُونُ مُفَسَّرًا عِنْدَهُ أَيْضًا بِإِيقَاعِ الْفِعْلِ بَعْدَ تَقَدُّمِ سَبَبِهِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} [الجمعة: 10] فَذَلِكَ وَضْعٌ لُغَوِيٌّ لَا اصْطِلَاحِيٌّ فَيُقَالُ قُضِيَ الْفِعْلُ إذَا فُعِلَ كَيْفَ كَانَ فَقَضَى بِمَعْنَى فَعَلَ وَهَذَا غَيْرُ مَا نَحْنُ فِيهِ وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ لَفْظُ الْقَضَاءِ يُطْلَقُ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ وَالِاصْطِلَاحِ عَلَى خَمْسَةِ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ أَرْبَعَةٌ مِنْهَا اصْطِلَاحِيَّةٌ وَوَاحِدٌ لُغَوِيٌّ وَاللَّفْظُ إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ وَحَدَّدْنَا بَعْضَ تِلْكَ الْمَعَانِي لَا يَرِدُ عَلَيْنَا غَيْرُهُ مِنْ تِلْكَ الْمَعَانِي نَقْضًا وَلَا سُؤَالًا كَمَا إذَا حَدَّدْنَا الْعَيْنَ بِمَعْنَى الْحَدَقَةِ بِأَنَّهَا عُضْوٌ يَتَأَتَّى بِهِ الْإِبْصَارُ فَيَقُولُ السَّائِلُ يُنْتَقَضُ عَلَيْكَ بِعَيْنِ الْمَاءِ وَبِالذَّهَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُسَمَّى عَيْنًا فَلَا يُسْمَعُ هَذَا السُّؤَالُ فَإِنَّ الْحَقَائِقَ الْمُخْتَلِفَةَ أَنْ تَكُونَ حُدُودُهَا مُخْتَلِفَةً فَحِينَئِذٍ لَا يَرِدُ عَلَيْنَا حَقِيقَةٌ مِنْ تِلْكَ الْحَقَائِقِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى تَحْدِيدِنَا الْقَضَاءَ بِالْمُوقَعِ خَارِجَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهَا مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٌ فَانْدَفَعَتْ الْأَسْئِلَةُ الَّتِي وَرَدَتْ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَاسْتَقَامَ حَدُّ الْقَضَاءِ وَحَدُّ الْأَدَاءِ وَظَهَرَ حِينَئِذٍ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَّنَ وَقْتُهُ فَيُوصَفُ بِالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَتَعَيَّنُ وَقْتُهُ فَلَا يُوصَفُ لَا بِالْأَدَاءِ وَلَا بِالْقَضَاءِ. (فَائِدَةٌ) الْعِبَادَاتُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مِنْهَا مَا يُوصَفُ بِالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَرَمَضَانَ، وَمِنْهَا مَا لَا يُوصَفُ بِهِمَا كَالنَّوَافِلِ إلَّا بِذَلِكَ التَّفْسِيرِ الْآخَرِ الَّذِي تَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ، وَمِنْهَا مَا يُوصَفُ بِالْأَدَاءِ فَقَطْ كَالْجُمُعَةِ. [الْمُكَلَّفَ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ ثُمَّ عَاشَ] فَائِدَةٌ: اتَّضَحَ بِمَا تَحَرَّرَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ ثُمَّ عَاشَ أَنَّ الْفِعْلَ يَكُونُ مِنْهُ أَدَاءً ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِخِلَافِ حُكْمِ الْمَنْطُوقِ فَلِأَمْرٍ آخَرَ كَمَا فِي انْتِفَاءِ الزَّكَاةِ عَنْ الْمَعْلُوفَةِ، قَالَ: إنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزَّكَاةِ وَوَرَدَتْ فِي السَّائِمَةِ فَبَقِيَتْ الْمَعْلُوفَةُ عَلَى الْأَصْلِ اهـ. وَمُحَصِّلُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَنِدُ فِي الْعَمَلِ إلَى الْمَفْهُومِ وَلَوْ تَوَفَّرَتْ شُرُوطُ تَحَقُّقِهِ الْمَذْكُورَةِ بَلْ إنَّمَا يَسْتَنِدُ إلَى الْقَرَائِنِ الْمُفْهِمَةِ لِمُوَافَقَتِهِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ لِحُكْمِ الْمَنْطُوقِ مُطْلَقًا فِي كَلَامِ الشَّارِعِ أَوْ كَلَامِ النَّاسِ. نَعَمْ قَالَ الْعَطَّارُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى مَحَلِّي جَمْعِ الْجَوَامِعِ: إنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا نَقَلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا عَنْ أَصْحَابِهِ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا يُنْكِرُونَ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ، أَمَّا فِي كَلَامِ النَّاسِ فَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَهُمْ عَكْسُ مَا لِوَالِدِ الْمُصَنِّفِ مِنْ إنْكَارِهِ الْكُلَّ فِي غَيْرِ الشَّرْعِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِينَ وَالْوَاقِفِينَ لِغَلَبَةِ الذُّهُولِ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِهِ فِي الشَّرْعِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الْمُبَلِّغِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ قَالَ سم: وَحَاصِلُ كَلَامِ وَالِدِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمَفْهُومَ مَعْنًى يُقْصَدُ تَبَعًا لِلْمَنْطُوقِ فَلَا يُعْتَبَرُ مِمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الذُّهُولُ؛ إذْ الْأُمُورُ التَّابِعَةُ إنَّمَا يُعْتَدُّ بِهَا مِمَّنْ قَصَدَهَا وَلَاحَظَهَا وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الذُّهُولُ وَلَا وُثُوقَ بِقَصْدِهِ وَمُلَاحَظَتِهِ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْمَعْنَى تَوَقُّفُ الدَّلَالَةِ عَلَى الْإِرَادَةِ بَلْ الَّذِي فِيهِ تَوَقُّفٌ اعْتِبَارُهَا فِي الْمَعَانِي التَّابِعَةِ لَا مُطْلَقًا عَلَى مَنْ يُوثَقُ فِيهِ بِإِرَادَتِهِ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ اهـ. 2 - وَوَجْهُ بُطْلَانِ الْقَوْلِ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ الْمُفْهِمَةِ لِمُقْتَضَاهُ إذَا تَوَفَّرَتْ شُرُوطُ تَحَقُّقِهِ وَإِنْ قَالُوا إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمُخْتَارُ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ دَاعٍ إلَى دَعْوَى الِاضْطِرَارِ إلَى النُّطْقِ بِمَا لَا يَقْصِدُ وَاضْطِرَارُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَمْرٍ مَا مُحَالٌ كَمَا عَلِمْت. الثَّانِي: أَنَّ وُجُوهَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ ضَعِيفَةٌ. أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَإِمَّا أَنْ يُقَرِّرَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا لِلْحَصْرِ لَزِمَ اشْتِرَاكُ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ لِلْمَذْكُورِ فِي الْحُكْمِ إذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الِاخْتِصَاصِ وَالِاشْتِرَاكِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي الْمَذْكُورِ قَطْعًا فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فَهُوَ الِاخْتِصَاصُ وَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ الِاشْتِرَاكُ وَهَذَا تَرْدِيدٌ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا وَاللَّازِمُ أَعْنِي الِاشْتِرَاكَ الْمَذْكُورَ مُنْتَفٍ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلِاشْتِرَاكِ غَايَتُهُ أَنَّهُ مُحْتَمَلٌ وَإِمَّا أَنْ يُقَرِّرَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُفِدْ الْحَصْرَ لَمْ يُفِدْ الِاخْتِصَاصَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ إذْ لَا مَعْنَى لِلْحَصْرِ فِيهِ إلَّا اخْتِصَاصَهُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَمْ يَحْصُلْ وَاللَّازِمُ أَعْنِي انْتِفَاءَ إفَادَتِهِ اخْتِصَاصَ الْحُكْمِ بِالْمَذْكُورِ دُونَ غَيْرِهِ مُنْتَفٍ لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِأَنَّهُ يُفِيدُ اخْتِصَاصَ الْحُكْمِ بِالْمَذْكُورِ

[الفرق بين قاعدة الأداء الذي يثبت معه الإثم وبين قاعدة الأداء الذي لا يثبت معه الإثم]

لِأَنَّ تَعْيِينَ الْوَقْتِ لَمْ تَكُنْ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ بَلْ تَبَعٌ لِلظَّنِّ الْكَاذِبِ وَقِيلَ هُوَ قَضَاءٌ قَوْلَانِ لِلْقَاضِي وَالْغَزَالِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدَاءِ الَّذِي يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدَاءِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ] (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدَاءِ الَّذِي يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدَاءِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ قَدْ أَشْكَلَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَاسْتَشْكَلُوا كَيْفَ تَكُونُ الْعِبَادَةُ أَدَاءً وَفَاعِلُهَا آثِمٌ وَسِرُّ الْفَرْقِ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ أَرْبَابَ الْأَعْذَارِ يُدْرِكُونَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِإِدْرَاكِ وَقْتٍ يَسَعُ خَمْسَ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الطَّهَارَةِ وَاتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ قَبْلَ زَوَالِ الْعُذْرِ لَا يَلْزَمُ أَرْبَابَ الْأَعْذَارِ فَدَلَّ لُزُومُ الصَّلَاتَيْنِ لَهُمْ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى بَقَاءِ وَقْتِهَا وَلَمَّا كَانَ الْأَدَاءُ كَمَا تَقَدَّمَ إيقَاعُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا كَمَا تَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ أَدَاءً فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّا لَمَّا حَدَّدْنَا الْأَدَاءَ لَمْ نَحُدَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْفَاعِلِينَ وَإِنَّمَا حَدَّدْنَاهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِبَادَةِ خَاصَّةً مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْفَاعِلِ مَنْ هُوَ هَلْ هُوَ ذُو عُذْرٍ أَمْ لَا. وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ فِي حَدِّ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ لِأَحْوَالِ الْمُكَلَّفِ فِي حَدِّهِمَا بَلْ لِلْعِبَادَةِ فَقَطْ فَصَارَ الْأَدَاءُ وَالْقَضَاءُ تَابِعًا لِكَوْنِ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا أَمْ لَا فَكَانَ الظُّهْرُ أَدَاءً إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ بِنَاءً عَلَى صِدْقِ حَدِّ الْأَدَاءِ عَلَيْهِ وَلَمَّا كَانَ الشَّرْعُ قَدْ مَنَعَ الْمُكَلَّفَ الَّذِي لَا عُذْرَ لَهُ مِنْ تَأْخِيرِ الْعِبَادَاتِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ مُطْلَقًا بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُوقِعَ فِي آخَرَ فَسُمِّيَ الْوَقْتُ وَهُوَ مِنْ أَوَّلِ الزَّوَالِ إلَى آخِرِ الْقَامَةِ وَيَبْقَى مِنْ آخِرِ الْقَامَةِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ هُوَ مِنْ الْوَقْتِ بِاعْتِبَارِ حَدِّ الْأَدَاءِ، وَغَيْرُ الْمَعْذُورِ مَمْنُوعٌ مِنْهُ فَإِذَا أَخَّرَ الْفِعْلَ إلَيْهِ وَأَوْقَعَهُ فِيهِ كَانَ مُؤَدِّيًا آثِمًا أَمَّا أَدَاؤُهُ فَلِصِدْقِ حَدِّ الْأَدَاءِ. وَأَمَّا ثَمَّةَ فَلِتَأْخِيرِهِ عَنْ الْحَدِّ الَّذِي حُدِّدَ لَهُ مِنْ الْوَقْتِ وَلِصَاحِبِ الشَّرْعِ أَنْ يُحَدِّدَ لِلْعِبَادَةِ وَقْتًا وَيَجْعَلَ نِصْفَهُ الْأَوَّلَ لِطَائِفَةٍ وَنِصْفَهُ الْآخَرَ لِطَائِفَةٍ أُخْرَى فَتَأْثَمُ الْأُولَى بِتَعَدِّيهَا لِغَيْرِ وَقْتِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَامَةَ وَقْتُ أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ طَائِفَةٍ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ إلَى آخِرِ الْقَامَةِ بَلْ لِنِصْفِهَا جَعَلَ صَاحِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدَاءِ الَّذِي يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدَاءِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ إلَى قَوْلِهِ فَيَأْثَمُ الْأَوَّلُ بِتَعَدِّيهَا إلَى غَيْرِ وَقْتِهَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ اصْطِلَاحَ الْفُقَهَاءِ مُوَافِقٌ لِتَحْدِيدِهِ الْأَدَاءَ وَإِلَّا فَهُوَ اصْطِلَاحٌ اخْتَرَعَهُ وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ أَيْضًا عَلَى تَسْلِيمِ اصْطِلَاحِهِ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ. قَالَ (أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَامَةَ وَقْتَ أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ طَائِفَةٍ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ إلَى آخِرِ الْقَامَةِ بَلْ لِنِصْفِهَا جَعَلَ صَاحِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQدُونَ غَيْرِهِ. وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَمِنْ جِهَتَيْنِ الْجِهَةُ الْأُولَى أَنَّهُ عَلَى التَّقْرِيرِ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي إنْ أَرَادَ بِاخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِالْمَذْكُورِ دُونَ الْمَسْكُوتِ أَنَّ الْحُكْمَ النَّفْسِيَّ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ بِالذِّكْرِ اللَّفْظِيِّ مُخْتَصٌّ بِهِ بِمَعْنَى أَنَّا حَكَمْنَا عَلَى السَّائِمَةِ مَثَلًا وَلَمْ نَحْكُمْ عَلَى الْمَعْلُوفَةِ فَلَا نِزَاعَ فِيهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ النَّفْسِيِّ وَهُوَ النِّسْبَةُ الْوَاقِعَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِالْحُكْمِ الْخَارِجِيِّ مُخْتَصٌّ بِالْمَذْكُورِ بِمَعْنَى أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي السَّائِمَةِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فِي الْمَعْلُوفَةِ فَمَمْنُوعٌ؛ إذْ غَايَةُ الْأَمْرِ عَدَمُ الْحُكْمِ بِالْوُجُوبِ فِي الْمَعْلُوفَةِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِيهَا لِجَوَازِ أَنْ تَثْبُتَ نِسْبَتُهُ وَلَا يُحْكَمَ بِثُبُوتِهَا وَحَاصِلُهُ تَسْلِيمُ اخْتِصَاصِ النِّسْبَةِ الذِّهْنِيَّةِ دُونَ الْخَارِجِيَّةِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْإِخْبَارِ دُونَ الْإِنْشَاءِ إذْ لَيْسَ لِنَفْسِهِ مُتَعَلِّقٌ هُوَ الْخَارِجِيُّ إلَّا أَنْ يَئُولَ بِالْخَبَرِ أَوْ يُقَالَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَعَلِّقِ هَاهُنَا هُوَ طَرَفُ الْحُكْمِ كَالسَّائِمَةِ مَثَلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُتَعَلِّقَ الذِّكْرِ النَّفْسِيِّ هُوَ الطَّرَفَانِ لِيَصِحَّ فِي الْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ جَمِيعًا. الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ بِكِلَا تَقْرِيرَيْهِ كَمَا يَجْرِي هُنَا يَجْرِي فِي اللَّقَبِ بِأَنْ يُقَالَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْحَصْرِ لَكَانَ لِلِاشْتِرَاكِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ أَوْ يُقَالَ لَوْ لَمْ يُفِدْ الْحَصْرَ لَمْ يُفِدْ الِاخْتِصَاصُ وَأَنَّهُ يُفِيدُهُ قَطْعًا مَعَ أَنَّ اللَّقَبَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فَهُوَ أَنَّهُ إذَا قِيلَ الْفُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةُ فُضَلَاءُ وَلَا مُقْتَضَى لِتَخْصِيصِ الْحَنَفِيَّةِ بِالْفَضْلِ نَفَرَتْ الشَّافِعِيَّةُ وَلَوْلَا فَهْمُهُمْ نَفْيَ الْفَضْلِ عَنْ غَيْرِهِمْ لَمَا نَفَرُوا. وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَبِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ النَّفْرَةِ وَفَهْمِهِمْ نَفْيِ الْفَضْلِ عَنْ غَيْرِهِمْ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ النَّفْرَةُ إمَّا لِتَصْرِيحٍ بِغَيْرِهِمْ وَتَرْكِهِمْ عَلَى الِاحْتِمَالِ كَمَا يَنْفِرُ مِنْ التَّقْدِيرِ فِي الذِّكْرِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِلتَّفْضِيلِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ وَإِمَّا لِتَوَهُّمِ الْمُعْتَقِدِينَ لِإِفَادَةِ النَّفْيِ عَنْ الْغَيْرِ قَصْدَ تِلْكَ الْإِفَادَةِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ إمَّا بِمَعْنَى أَنَّهُمْ نَفَرُوا عَنْ أَنْ تُذْكَرَ عِبَارَةٌ يَتَوَهَّمُ مِنْهَا بَعْضُ النَّاسِ نَفْيَ الْفَضْلِ عَنْهُمْ أَوْ بِمَعْنَى أَنَّ النَّفْرَةَ إنَّمَا هُوَ لِلْمُعْتَقِدَيْنِ تِلْكَ الْإِفَادَةَ بِحَسَبِ اعْتِقَادِهِمْ وَأَنَّهُ تَوَهُّمٌ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ فَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِبَ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] قَالَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا قَدْحَ فِي رُوَاتِهِ «لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِمَ مِنْ الْآيَةِ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى السَّبْعِينَ حُكْمُهُ بِخِلَافِ السَّبْعِينَ وَذَلِكَ مَفْهُومُ الْعَدَدِ وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِهِ قَالَ بِمَفْهُومِ

الشَّرْعِ نِصْفَ الْقَامَةِ وَقْتًا لِهَؤُلَاءِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ مِنْ الْقَامَةِ لَيْسَ وَقْتًا لَهُمْ كَذَلِكَ هَاهُنَا وَقْتُ الظُّهْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَحَجَرَ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَلَى الْمُخْتَارِينَ الْوُصُولَ إلَيْهِ وَحَدَّدَ لَهُمْ آخِرَ الْقَامَةِ فَإِذَا تَعَدَّوْا الْقَامَةَ كَانُوا مُؤَدِّينَ آثِمِينَ فَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْمَغْرِبِ أَدَاءً إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ بِسَبَبِ أَنَّ أَرْبَابَ الْأَعْذَارِ يُدْرِكُونَ صَلَاتَيْ اللَّيْلِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ لَا يَلْزَمُ أَرْبَابَ الْأَعْذَارِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يُدْرِكُونَ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِإِدْرَاكِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْفَجْرِ وَلَا يَلْزَمُ بِذَلِكَ صَلَاةُ النَّهَارِ الْمُتَقَدِّمِ بِسَبَبِ أَنَّ وَقْتَهُ خَرَجَ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ. فَإِذَا أَخَّرَ أَيْضًا الْمُكَلَّفُ الْمُخْتَارُ الْمَغْرِبَ أَوْ الْعِشَاءَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ كَانَ مُؤَدِّيًا آثِمًا أَمَّا أَدَاؤُهُ فَلِوُجُودِ الْأَدَاءِ فِي حَقِّهِ. وَأَمَّا إثْمُهُ فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّصَهُ بِقِطْعَةٍ مِنْ الْوَقْتِ فَتَعَدَّاهَا لِنَصِيبِ غَيْرِهِ مِنْهُ وَإِنَّمَا كَانَ يَلْزَمُ الْإِشْكَالُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْإِثْمِ أَنْ لَوْ كَانَ حَدُّ الْأَدَاءِ إيقَاعَ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الِاخْتِيَارِيِّ لَهُ فَكَانَ حِينَئِذٍ إيقَاعُهُ فِي غَيْرِ الِاخْتِيَارِيِّ قَضَاءً لَكِنْ حَدُّ الْأَدَاءِ إيقَاعُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ مُطْلَقًا وَالْقَضَاءُ إيقَاعُهُ خَارِجَ وَقْتِهِ مُطْلَقًا وَلَمْ نَقُلْ إنَّهُ خَارِجَ وَقْتِهِ الِاخْتِيَارِيِّ وَكُتُبُ أُصُولِ الْفِقْهِ مُجْمِعَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَمُصَرِّحَةٌ بِهِ فَظَهَرَ إمْكَانُ اجْتِمَاعِ الْأَدَاءِ وَالْإِثْمِ فِي حَقِّ مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْوَقْتِ وَعَدَمُ اجْتِمَاعِ الْإِثْمِ مَعَ الْأَدَاءِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــSالشَّرْعِ نِصْفَ الْقَامَةِ وَقْتًا لِهَؤُلَاءِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ وَالنِّصْفَ الْآخَرَ مِنْ الْقَامَةِ لَيْسَ وَقْتًا لَهُمْ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ جَعَلَ نِصْفَ الْقَامَةِ وَقْتًا لِمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى نِصْفِهَا بَاطِلٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَإِنْ كَانَ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ فَهُوَ مَذْهَبٌ ذَاهِبٌ وَدَعْوَى لَا حُجَّةَ عَلَيْهَا أَلْبَتَّةَ وَمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقَعَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَّهُ أَوْ لَا، فَإِنْ وَقَعَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَّهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أَوْقَعَ الصَّلَاةَ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَوْقَعَهَا فَقَدْ أَوْقَعَ الْوَاجِبَ وَفَازَ بِأَجْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْقَعَهَا فَلَا مُؤَاخَذَةَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ فَلَا يُعَدُّ مُفَرِّطًا بِوَجْهٍ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَّهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُوقِعَ الصَّلَاةَ فِي بَقِيَّةِ الْقَامَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ أَوْقَعَهَا فَقَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ وَلَمْ تَلْحَقْهُ مُؤَاخَذَةٌ وَلَمْ يُعَدَّ مُفَرِّطًا وَإِنْ لَمْ يُوقِعْهَا إلَّا بَعْدَ الْقَامَةِ فَهُوَ مُفَرِّطٌ أَثِمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (فَكَذَلِكَ هَاهُنَا وَقْتُ الظُّهْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّهُ بِقِطْعَةٍ مِنْ الْوَقْتِ فَتَعَدَّاهَا لِنَصِيبِ غَيْرِهِ مِنْهُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ صَحِيحٌ عَلَى تَسْلِيمِ اصْطِلَاحِهِ وَتَصْحِيحِ حَدِّهِ بِخِلَافِ مَا نَظَرَ بِهِ وَمِنْ مَسْأَلَةِ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى تَمَامِ الْوَقْتِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ أَنَّ تَحْدِيدَ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ بِالْقَامَةِ ثَابِتٌ مِنْ الشَّرْعِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَتَحْدِيدَ الْوَقْتِ بِالظَّنِّ الْمَذْكُورِ غَيْرُ ثَابِتٍ مِنْ الشَّرْعِ وَلَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَا بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ وَلَا قَطْعِيٍّ بِوَجْهٍ. قَالَ (وَإِنَّمَا كَانَ يَلْزَمُ الْإِشْكَالُ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالصِّفَةِ فَيَثْبُتُ مَفْهُومُ الصِّفَةِ. وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَبِمَنْعِ فَهْمِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ السَّبْعِينَ لِلْمُبَالَغَةِ وَمَا زَادَ عَلَى السَّبْعِينَ مِثْلُهُ فِي الْحُكْمِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ السَّبْعِينَ وَمَا فَوْقَهَا وَهُوَ مَا يَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ عَدَمِ الْمَغْفِرَةِ فَلَا يَتَبَادَرُ مِنْ ذِكْرِ السَّبْعِينَ أَنَّ مَا فَوْقَهَا بِخِلَافِهَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ» فَلَعَلَّهُ مِنْ جِهَةِ عِلْمِهِ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ السَّبْعِينَ وَمَا فَوْقَهَا غَيْرُ مُرَادٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِخُصُوصِهِ لَا مِنْ جِهَةِ فَهْمِهِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وَلَوْ سَلِمَ أَنَّهُ فَهِمَهُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ فَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْعَدَدِ بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَصْلَ قَبُولُ اسْتِغْفَارِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَدْ تَحَقَّقَ النَّفْيُ فِي السَّبْعِينَ فَبَقِيَ مَا فَوْقَهَا عَلَى الْأَصْلِ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ فَهُوَ أَنَّ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَهِمَا مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] حَيْثُ قَيَّدَ قَصْرَ الصَّلَاةِ بِحَالِ الْخَوْفِ أَنَّ عَدَمَ قَصْرِهَا عِنْدَ عَدَمِ الْخَوْفِ «وَأَقَرَّ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عُمَرَ عَلَيْهِ فَقَالَ يَعْلَى لِعُمَرَ مَا بَالُنَا نَقْصُرُ وَقَدْ أَمِنَّا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} [النساء: 101] إلَخْ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» إذْ لَوْلَا إفَادَةُ تَقْيِيدِ الْقَصْرِ بِالْخَوْفِ فِي الْآيَةِ لِعَدَمِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ لُغَةً مَا فَهِمَاهُ وَلَمَا أَقَرَّهُ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَبِمَنْعِ فَهْمِهَا مِنْهُ لِجَوَازِ أَنَّهُمَا حَكَمَا بِذَلِكَ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فِي وُجُوبِ إتْمَامِ الصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ الْأَصْلُ وَخُولِفَ فِي الْخَوْفِ بِالْآيَةِ، وَلِذَا ذَكَرُوا الْآيَةَ عِنْدَ التَّعَجُّبِ يَعْنُونَ أَنَّ الْقَصْرَ حَالَ الْخَوْفِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْآيَةِ فَمَا بَالُ حَالِ الْأَمْنِ لَمْ يَبْقَ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ مِنْ الْإِتْمَامِ بِحَيْثُ لَا يُعْدَلُ عَنْهُ فِيهِ إلَّا لِدَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ لَمْ يَتَعَيَّنْ أَنْ يَكُونَ الْفَهْمُ مِنْهُ فَلَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ فِيهِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا مَفْهُومَ الشَّرْطِ لَا الصِّفَةِ وَلَعَلَّ الْغَرَضَ مِنْهُ إلْزَامُ مَنْ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا. وَأَمَّا الْوَجْهُ الْخَامِسُ فَهُوَ أَنَّ إفَادَتَهُ لِتَخْصِيصٍ تُفْضِي إلَى تَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ فَإِنَّ إثْبَاتَ الْمَذْكُورِ وَنَفْيَ غَيْرِهِ أَكْثَرُ فَائِدَةً مِنْ إثْبَاتِ الْمَذْكُورِ وَحْدَهُ وَكَثْرَةُ فَائِدَتِهِ تُرَجِّحُ الْمَصِيرَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُلَائِمٌ لِغَرَضِ الْعُقَلَاءِ وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّ هَذَا لَا يَلْزَمُ إلَّا الْقَائِلِينَ بِأَنَّ تَكْثِيرَ الْفَائِدَةِ دَالٌّ عَلَى الْوَضْعِ كَعَبَّادٍ الصَّيْمَرِيِّ وَالْجُمْهُورِ عَلَى أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْوَضْعِ إنَّمَا هُوَ النَّقْلُ تَوَاتُرًا أَوْ آحَادًا كَمَا تَقَرَّرَ فِي

الْوَقْتِ كَمَا يَجْتَمِعُ الْأَدَاءُ وَالْإِثْمُ فِيمَنْ أَخَّرَ إلَى آخِرِ الْقَامَةِ وَهُوَ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إيقَاعِ الْفِعْلِ آخِرَ الْقَامَةِ فَقَدَرَ وَأَخَّرَ وَصَلَّى فَإِنَّهُ مُؤَدٍّ آثِمٌ وَيَجْتَمِعُ فِي حَقِّهِ الْأَدَاءُ عَلَى الْخِلَافِ وَالْإِثْمُ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي اجْتِمَاعِهِمَا آخِرَ النَّهَارِ وَعِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ اجْتِمَاعُهُمَا وَمَذْهَبُ غَيْرِهِ عَدَمُ اجْتِمَاعِهِمَا فَعَلَى هَذَا يَجْتَمِعُ الْإِثْمُ وَالْأَدَاءُ فِي حَقِّ فَرِيقَيْنِ مِنْ النَّاسِ أَحَدُهُمَا الْمُخْتَارُونَ الَّذِينَ لَا عُذْرَ لَهُمْ إذَا أَخَّرُوا إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ بَعْدَ الْقَامَةِ وَمِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ أَوْ أَخَّرُوا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ إلَى بَعْدِ ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي آخِرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ هَلْ هُوَ ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفُهُ وَهَلْ تُؤَخَّرُ الْمَغْرِبُ إلَى الشَّفَقِ أَمْ لَا وَثَانِيهِمَا الْفَرْقُ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِمْ عَدَمُ الْمُكْنَةِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ فَيُؤَخِّرُونَ إلَى آخِرِهِ فَإِنَّهُمْ آثِمُونَ مَعَ الْأَدَاءِ إذَا فَعَلُوا آخِرَ الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ فِي الْقَامَةِ لِلظُّهْرِ مَثَلًا وَنَحْوُهُ مِنْ الْأَوْقَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَتَحَرَّرَ بِهَذَا الْفَرْقِ زَوَالُ مَا اسْتَشْكَلَهُ الشَّافِعِيَّةُ عَلَيْنَا مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْإِثْمِ فَإِنَّهُمْ قَائِلُونَ بِهِ فِي الْفَرِيقِ الثَّانِي فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُمْ فِي الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــSفَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ اجْتِمَاعُهُمَا وَمَذْهَبُ غَيْرِهِ عَدَمُ اجْتِمَاعِهِمَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَلْزَمُ الْإِشْكَالُ لَوْ كَانَ حَدُّ الْأَدَاءِ إيقَاعَ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الِاخْتِيَارِيِّ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ كُتُبَ الْأُصُولِ مُجْمِعَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَمُصَرِّحَةٌ بِهِ إنْ أَرَادَ أَنَّهَا مُجْمِعَةٌ عَلَى إطْلَاقِ لَفْظِ أَنَّ الْإِجْزَاءَ فِعْلُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ هَكَذَا فَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ كُتُبَ الْأُصُولِ مُصَرِّحَةٌ بِلَفْظِ الْإِطْلَاقِ بِأَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مَثَلًا لِأَدَاءِ فِعْلِ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ مُطْلَقًا أَوْ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَا أَعْرِفُ أَنِّي وَقَفْتُ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مَنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إيقَاعِ الْفِعْلِ آخِرَ الْقَامَةِ فَقَدْرَ تَمَكُّنِهِ وَصَلَّى مَدًّا آثِمٌ إجْمَاعًا غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنَّمَا هُوَ رَأْيٌ لِبَعْضِ النَّاسِ وَهُوَ بَاطِلٌ لَا شَكَّ فِي بُطْلَانِهِ. قَالَ (فَعَلَى هَذَا يَجْتَمِعُ الْأَدَاءُ وَالْإِثْمُ فِي حَقِّ فَرِيقَيْنِ مِنْ النَّاسِ أَحَدُهُمَا الْمُخْتَارُونَ الَّذِينَ لَا عُذْرَ لَهُمْ إذَا أَخَّرُوا إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ بَعْدَ الْقَامَةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ وَهَلْ تُؤَخَّرُ الْمَغْرِبُ إلَى الشَّفَقِ أَمْ لَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ بِنَاءً عَلَى تَسْلِيمِ الِاصْطِلَاحِ الْمُتَقَدِّمِ وَتَصْحِيحِ حَدِّهِ. قَالَ (وَثَانِيهِمَا الْفَرِيقُ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِمْ عَدَمُ الْمُكْنَةِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ فَيُؤَخِّرُونَ إلَى آخِرِهِ فَإِنَّهُمْ آثِمُونَ مَعَ الْأَدَاءِ إذَا فَعَلُوا آخِرَ الْوَقْتِ الِاخْتِيَارِيِّ فِي الْقَامَةِ لِلظُّهْرِ مَثَلًا وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَوْقَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ) قُلْتُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ. قَالَ (وَتَحَرَّرَ بِهَذَا الْفَرْقِ زَوَالُ مَا اسْتَشْكَلَهُ الشَّافِعِيَّةُ عَلَيْنَا مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْإِثْمِ فَإِنَّهُمْ قَائِلُونَ بِهِ فِي الْفَرِيقِ الثَّانِي فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُمْ فِي الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ) قُلْتُ يَلْزَمُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ لِمَنْ. قَالَ بِهِ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَحَلِّهِ وَعَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى النَّفْيِ عَنْ الْغَيْرِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْوَضْعِ تَكْثِيرُ الْفَائِدَةِ تَتَوَقَّفُ عَلَى تَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ إذْ بِهِ تَثْبُتُ وَتَكْثِيرُ الْفَائِدَةِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِدَلَالَتِهِ عَلَى النَّفْيِ عَلَى الْغَيْرِ وَذَلِكَ دَوْرٌ ظَاهِرٌ. نَعَمْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الدَّلَالَةُ تَعَقُّلُ كَثْرَةِ الْفَائِدَةِ لَا حُصُولُهَا وَالْمَوْقُوفُ عَلَى الدَّلَالَةِ حُصُولُ كَثْرَةِ الْفَائِدَةِ لَا تَعَقُّلُهَا. وَأَمَّا الْوَجْهُ السَّادِسُ فَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ مُخَالِفًا لِلْمَذْكُورِ فِي الْحُكْمِ فَفِي نَحْوِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» يَلْزَمُ أَنْ لَا تَكُونَ السَّبْعُ مُطَهِّرَةً؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ إذَا حَصَلَتْ بِدُونِ السَّبْعِ فَلَا تَحْصُلُ بِالسَّبْعِ؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَأَنَّهُ مُحَالٌ وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خَمْسُ رَضَعَاتٍ يُحَرِّمْنَ» يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ الْخَمْسُ مُحَرِّمَةً؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَحْصُلُ بِدُونِ الْخَمْسِ فَلَا تَحْصُلُ بِالْخَمْسِ؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَأَنَّهُ مُحَالٌ. وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَبِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ دَلَالَةِ السَّبْعِ عَلَى نَفْيِ الطَّهَارَةِ فِيمَا دُونَهَا حُصُولُ الطَّهَارَةِ قَبْلَ السَّابِعَةِ وَلَا مِنْ عَدَمِ دَلَالَةِ الْخَمْسِ عَلَى نَفْيِ تَحْرِيمِ الْمُرْضِعَةِ حُصُولُ التَّحْرِيمِ قَبْلَ الْخَمْسِ لِجَوَازِ أَنْ يَثْبُتَ التَّحْرِيمُ وَأَنْ تَثْبُتَ النَّجَاسَةُ بِدَلِيلٍ آخَرَ. أَمَّا فِي الرَّضَاعِ فَظَاهِرٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ، وَأَمَّا فِي الْإِنَاءِ فَلِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ الطَّهَارَةَ مَا لَمْ يَظْهَرْ دَلِيلُ النَّجَاسَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ إلَّا أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى التَّنَجُّسِ قَائِمٌ هُنَا بِوُجُودِ النَّجَسِ وَهُوَ دَلِيلٌ قَاطِعٌ فَإِذَا لَمْ يَدُلَّ الْعَدَدُ عَلَى النَّفْيِ فِيمَا دُونَهُ بَقِيَ مَا كَانَ ثَابِتًا مِنْ النَّجَاسَةِ وَعَدَمِ التَّحْرِيمِ حَتَّى يَظْهَرَ الدَّلِيلُ كَذَا فِي شَرْحِ الْعَضُدِ عَلَى مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَحَاشِيَةِ السَّعْدِ عَلَيْهِ وَلَا يَخْفَاك أَنَّ بُطْلَانَ الْقَوْلِ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ لَا يُنْتِجُهُ وَاحِدٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْمَفْهُومِ فِي غَيْرِ الْغَالِبِ لَا فِي الْغَالِبِ دَاعٍ إلَى الِاضْطِرَارِ الْمَذْكُورِ فِي الْغَالِبِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا قَالَ الْأَصْلُ بِذَلِكَ فِي بَيَانِ سِرِّ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا غَيْرَ ذَلِكَ وَهُوَ مَا مَرَّ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ فِي جَوَابِهِ عَمَّا أَوْرَدَهُ مِنْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْغَالِبِ لَمَّا كَانَتْ فَائِدَتُهُ هِيَ التَّأْكِيدُ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ لِلْمُتَّصِفِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لِغَلَبَتِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ يُفْهَمُ مِنْ النُّطْقِ بِلَفْظِهَا أَوَّلًا لَمْ يَحْتَجْ فِيهِ إلَى الْمَفْهُومِ ضَرُورَةَ أَنَّ فَائِدَةَ التَّأْكِيدِ فِيهِ ظَاهِرَةٌ وَالْمَفْهُومُ فَائِدَةٌ خَفِيَّةٌ؛ لِأَنَّ اسْتِفَادَتَهُ بِوَاسِطَةِ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فَائِدَةٍ وَغَيْرُ

وَيَتَّضِحُ مَذْهَبُنَا اتِّضَاحًا جَيِّدًا وَأَنَّا لَمْ نُخَالِفْ قَاعِدَةً بَلْ مَشَيْنَا عَلَى الْقَوَاعِدِ وَيَلْزَمُ الشَّافِعِيَّةَ إشْكَالٌ لَا جَوَابَ لَهُمْ عَنْهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَدُّهُمْ الْأَدَاءَ وَالْقَضَاءَ فِي كُتُبِهِمْ الْأُصُولِيَّةِ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُمْ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ فِيهَا وَلَيْسَ مُطْلَقًا عَلَى مَا زَعَمُوا بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْأَدَاءُ فِي كُتُبِهِمْ إيقَاعُ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ وَالْقَضَاءُ إيقَاعُ الْعِبَادَةِ خَارِجَ وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ أَصْلٌ لَكِنَّهُمْ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ لَمْ يَصْنَعُوا ذَلِكَ. (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا قِيلَ بِهِ مِنْ وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ) قَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الصَّوْمِ وَلَوْ أَوْقَعَتْهُ حِينَئِذٍ وَعَلَى أَنَّهَا آثِمَةٌ إذَا فَعَلَتْ فَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَوَافَقَهُ جَمَاعَةٌ إنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّوْمِ دُونَ وُجُوبِهِ وَيَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَوُجُوبِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــSالشَّافِعِيَّةِ وَذَلِكَ إذَا قَالَ: إنَّهُ أَدَاءٌ أَمَّا إذَا قَالَ: إنَّهُ قَضَاءٌ فَلَا يَلْزَمُهُ. قَالَ (وَيَتَّضِحُ مَذْهَبُنَا اتِّضَاحًا جَيِّدًا فَإِنَّا لَمْ نُخَالِفْ قَاعِدَةً بَلْ مَشَيْنَا عَلَى الْقَوَاعِدِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ بِنَاءً عَلَى مَا قُرِّرَ. قَالَ (وَيَلْزَمُ الشَّافِعِيَّةَ إشْكَالٌ لَا جَوَابَ لَهُمْ عَنْهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَدُّهُمْ الْأَدَاءَ وَالْقَضَاءَ فِي كُتُبِهِمْ الْأُصُولِيَّةِ بَاطِلًا فَإِنَّهُمْ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ فِيهَا إلَى قَوْلِهِ لَكِنَّهُمْ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ لَمْ يَصْنَعُوا ذَلِكَ) قُلْتُ وَلَا صَنَعَهُ غَيْرُهُمْ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ فِيمَا عَلِمْتُ وَلَيْسَ بِنَكِيرٍ أَنْ يُطْلَقَ الْقَوْلُ وَالْمُرَادُ التَّقْيِيدُ وَغَايَتُهُ أَنْ تَقُولَ تَجَنُّبُ ذَلِكَ فِي الْحُدُودِ أَكِيدٌ. قَالَ (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا قِيلَ فِيهِ مِنْ وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ إلَى قَوْلِهِ وَيَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَوُجُوبِهَا) قُلْتُ لَيْسَ مُرَادُ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ أَنَّهَا مُكَلَّفَةٌ بِإِيقَاعِ الصَّوْمِ فِي حَالِ الْحَيْضِ كَيْفَ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ إنْ أَوْقَعَتْهُ وَعَلَى أَنَّهَا آثِمَةٌ بِذَلِكَ وَلَكِنْ مُرَادُهُمْ أَنَّهَا مُكَلَّفَةٌ بِالتَّعْوِيضِ وَمِنْ أَيَّامِ الْحَيْضِ الَّتِي هِيَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ أَنَّ تَكْلِيفَهَا بِذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ بَلْ فِي أَيَّامِ التَّعْوِيضِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ أَنْ يَكُونَ زَمَنُ التَّكْلِيفِ غَيْرَ زَمَنِ إيقَاعِ الْفِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِهِ وَلَوْ لَزِمَ ذَلِكَ لَلَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدٌ مُكَلَّفًا بِجُمْلَةِ عِبَادَةٍ مُتَرَتِّبَةِ الْأَجْزَاءِ بَلْ بِكُلِّ جُزْءٍ زَمَنَهُ وَذَلِكَ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ قَطْعًا وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ تَقْرِيرٌ أَنَّ زَمَنَ التَّكْلِيفِ يَكُونُ غَيْرَ زَمَنِ إيقَاعِ الْفِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِهِ فِي الْفَرْقِ الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ وَمِنْ لُزُومِ تَقَدُّمِ زَمَنِ التَّكْلِيفِ عَلَى زَمَنِ إيقَاعِ الْفِعْلِ فِي الْعِبَادَاتِ ذَوَاتِ الْأَجْزَاءِ الْمُتَرَتِّبَةِ ظَهَرَتْ صِحَّةُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِتَرَتُّبِ الْعِبَادَاتِ فِي الذِّمَمِ كَالدُّيُونِ وَظَهَرَ بُطْلَانُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّخْصِيصِ بِالْحُكْمِ مُنْتَفٍ فَتَعَيَّنَ التَّخْصِيصُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْغَالِبِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَظْهَرْ لِلتَّقْيِيدِ بِهِ فَائِدَةٌ غَيْرُ التَّخْصِيصِ تَعَيَّنَ فِيهِ التَّخْصِيصُ وَمِنْ هُنَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ اللَّفْظِ فَلَا تُسْقِطُهُ مُوَافَقَةُ الْغَالِبِ بَلْ قَالَ زَكَرِيَّا: لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الرِّسَالَةِ كَلَامٌ آخَرُ يَنْدَفِعُ بِهِ أَيْضًا تَوْجِيهَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ لِمَا نَفَاهُ مُخَالِفًا لِلشَّافِعِيِّ بِمَا ذَكَرَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ لِتَخْصِيصِ الْمَنْطُوقِ فَائِدَةٌ غَيْرُ نَفْيِ الْحُكْمِ بِطَرِيقِ الِاحْتِمَالِ إلَى الْمَفْهُومِ فَيَصِيرُ الْكَلَامُ مُجْمَلًا حَتَّى لَا يَقْضِيَ فِيهِ بِمُوَافَقَةٍ أَوْ مُخَالَفَةٍ اهـ فَافْهَمْ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ ضَعْفَ دَلِيلِ الشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَهُ عَلَى أَنَّ وُجُوهَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْقَوْلِ بِإِنْكَارِ الْمَفْهُومِ مُطْلَقًا قَدْ ضَعُفَتْ أَيْضًا فَمَا وَجْهُ إبْطَالِ مُقَابِلِهِ دُونَهُ، أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَهُوَ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْمَفْهُومُ لَثَبَتَ بِدَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ؛ لِأَنَّهُ إمَّا عَقْلِيٌّ وَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي مِثْلِهِ وَإِمَّا نَقْلِيٌّ إمَّا مُتَوَاتِرٌ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ فِيهِ وَإِمَّا آحَادٌ وَأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فِي مِثْلِهِ. وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَيَمْنَعُ اشْتِرَاطَ التَّوَاتُرِ وَعَدَمَ إفَادَةِ الْآحَادِ فِي مِثْلِهِ وَإِلَّا امْتَنَعَ الْعَمَلُ بِأَكْثَرِ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ لِعَدَمِ التَّوَاتُرِ فِي مُفْرَدَاتِهَا وَأَيْضًا فَإِنَّا نَقْطَعُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ كَانُوا يَكْتَفُونَ فِي فَهْمِ مَعَانِي الْأَلْفَاظِ بِالْآحَادِ كَنَقْلِهِمْ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ وَالْخَلِيلِ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَسِيبَوَيْهِ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فَهُوَ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْمَفْهُومُ لَلَزِمَ ثُبُوتُهُ فِي الْخَبَرِ لِأَنَّ الَّذِي بِهِ ثَبَتَ فِي الْأَمْرِ وَهُوَ الْحَذَرُ مِنْ عَدَمِ الْفَائِدَةِ قَائِمٌ فِي الْخَبَرِ وَالْعِلَّةُ تَدُورُ مَعَ الْمَعْلُولِ وُجُودًا وَعَدَمًا وَاللَّازِمُ وَهُوَ ثُبُوتُهُ فِي الْخَبَرِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي الشَّامِ الْغَنَمُ السَّائِمَةُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى عَدَمِ الْمَعْلُوفَةِ بِهَا وَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ قَطْعًا. وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَيَمْنَعُ انْتِفَاءَ اللَّازِمِ لِقَوْلِ السَّعْدِ الْحَقُّ عَدَمُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ كَمَا فِي قَوْلِنَا الْفُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةُ أَئِمَّةٌ فُضَلَاءُ وَمَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ عِنْدَ قَصْدِ الْإِخْبَارِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَاضِعِ وَنَفْيَ الْمَفْهُومِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ كَمَا فِي قَوْلِنَا فِي الشَّامِ الْغَنَمُ السَّائِمَةُ لَا يُنَافِي ذَلِكَ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ فَهُوَ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْقَوْلُ بِالْمَفْهُومِ لَلَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ أَدِّ زَكَاةَ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ مُجْتَمِعًا أَوْ أَدِّ زَكَاةَ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ أَدِّ زَكَاةَ الْغَنَمِ الْمَعْلُوفَةِ مُتَفَرِّقًا وَتَحَقَّقَ التَّخْصِيصُ بِالصِّفَةِ فِي صُورَةِ الِاجْتِمَاعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحُكْمَ عُلِّقَ بِالسَّائِمَةِ تَارَةً بِالْمَعْلُوفَةِ أُخْرَى أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ وِزَانَ قَوْلِك فِي مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَدِّ زَكَاةَ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ مُجْتَمِعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا وِزَانُ قَوْلِك فِي مَفْهُومِ

وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ يَجِبُ عَلَيْهَا الصَّوْمُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا يُشِيرُونَ بِهَذِهِ التَّوْسِعَةِ إلَى عَدَمِ تَحَتُّمِ الصَّوْمِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ حَتَّى لَا يَجْتَمِعَ الْوُجُوبُ وَالْإِثْمُ فِي الْفِعْلِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ لَا يُمْنَعُ وَهَذِهِ تُمْنَعُ مِنْ فِعْلِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْوُجُوبُ فِي حَقِّهَا وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهَا بِوُجُوهٍ أَحَدُهَا قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَهِيَ شَهِدَتْ الشَّهْرَ فَيَلْزَمُهَا الصَّوْمُ لِعُمُومِ النَّصِّ وَثَانِيهَا أَنَّهَا تَنْوِي رَمَضَانَ وَلَوْلَا تَقَدُّمُ الْوُجُوبِ لَمَا كَانَ لِهَذَا الصَّوْمِ بِرَمَضَانَ تَعَلُّقٌ وَثَالِثُهَا أَنَّ الْقَضَاءَ يُقَدَّرُ بِقَدَرِ الْأَدَاءِ الْفَائِتِ فَأَشْبَهَ قِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ الْقَائِمَةِ مَقَامَ الْأَعْيَانِ الْمُتْلَفَةِ فَكَذَلِكَ هَذَا الْقَضَاءُ يَقُومُ مَقَامَ الْوَاجِبِ الَّذِي فَاتَ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ مُتَقَدِّمٌ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ يَقُومُ هَذَا الْقَضَاءُ مَقَامَهُ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ عُمُومَ النَّصِّ يَجِبُ تَخْصِيصُهُ بِالدَّلِيلِ الضَّرُورِيِّ فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْوَاجِبِ مَا لَا يُمْنَعُ مِنْ فِعْلِهِ وَهَذِهِ مَمْنُوعَةٌ مِنْ الْفِعْلِ وَلَمَّا كَانَتْ مَمْنُوعَةً مِنْ ذَلِكَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا بِالضَّرُورَةِ وَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ أَوْجَبَ عَلَى مُكَلَّفٍ شَيْئًا وَيُعَاقِبُهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ يُعَاقِبُهُ إذَا فَعَلَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ. وَهَذَا لَمْ يُعْهَدْ فِي الشَّرِيعَةِ أَصْلًا وَنَحْنُ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ بَابِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ فَنَحْنُ نَقْطَعُ بِأَنَّ الشَّرِيعَةَ لَمْ تَرِدْ بِهَذَا الْجَائِزِ بَلْ بِالرَّحْمَةِ وَتَرْكِ الْمَشَاقِّ وَالتَّيْسِيرِ وَالْإِحْسَانِ وَلِذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْلُومَ النَّفْيِ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ أَدِلَّةِ التَّخْصِيصِ فَيُتَخَصَّصُ بِهِ عُمُومُ الْآيَةِ بِالضَّرُورَةِ فَلَا يَسْتَقِيمُ التَّمَسُّكُ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ تَرَتُّبِهَا فِي الذِّمَمِ بِخِلَافِ الدُّيُونِ. قَالَ (وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ يَجِبُ عَلَيْهَا الصَّوْمُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا يُشِيرُونَ بِهَذِهِ التَّوَسُّعَةِ إلَى عَدَمِ تَحَتُّمِ الصَّوْمِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ حَتَّى لَا يَجْتَمِعَ عَلَيْهَا الْوُجُوبُ وَالْإِثْمُ فِي الْفِعْلِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ لَا يُمْنَعُ مِنْ فِعْلِهِ وَهَذِهِ تُمْنَعُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْوُجُوبُ فِي حَقِّهَا) قُلْتُ إنْ سَلَّمَ الْحَنَفِيَّةُ مَنْعَهَا مِنْ الصَّوْمِ فَكَيْفَ يَقُولُونَ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا وَذَلِكَ مُتَنَاقِضٌ إلَّا أَنْ يَعْنُوا بِذَلِكَ أَنَّ التَّعْوِيضَ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ مُوَسَّعُ الْوَقْتِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ أَمَّا أَنْ يَعْنُوا بِذَلِكَ التَّوْسِعَةَ فِي إيقَاعِ الصَّوْمِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ أَوْ غَيْرِهَا فَذَلِكَ لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ. قَالَ: (وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهَا بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَهِيَ شَهِدَتْ الشَّهْرَ فَيَلْزَمُهَا الصَّوْمُ لِعُمُومِ النَّصِّ، وَثَانِيهَا: أَنَّهَا تَنْوِي رَمَضَانَ وَلَوْلَا تَقَدُّمُ الْوُجُوبِ لَمَا كَانَ لِهَذَا الصَّوْمِ بِرَمَضَانَ تَعَلُّقٌ وَثَالِثُهَا أَنَّ الْقَضَاءَ يُقَدَّرُ بِقَدْرِ الْأَدَاءِ الْفَائِتِ فَأَشْبَهَ قِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ الْقَائِمَةِ مَقَامَ الْأَعْيَانِ الْمُتْلَفَةِ فَكَذَلِكَ هَذَا الْقَضَاءُ يَقُومُ مَقَامَ الْوَاجِبِ الَّذِي فَاتَ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ مُتَقَدِّمٌ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ يَقُومُ هَذَا الْقَضَاءُ مَقَامَهُ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ عُمُومَ النَّصِّ يَجِبُ تَخْصِيصُهُ بِالدَّلِيلِ الضَّرُورِيِّ فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْوَاجِبِ مَا لَا يُمْنَعُ مِنْ فِعْلِهِ وَهَذِهِ مَمْنُوعَةٌ مِنْ الْفِعْلِ إلَى قَوْلِهِ فَيُتَخَصَّصُ بِهِ عُمُومُ الْآيَةِ بِالضَّرُورَةِ فَلَا يَسْتَقِيمُ التَّمَسُّكُ بِهَا) قُلْتُ إنْ أَرَادَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُوَافَقَةِ لَا تَقُلْ لَهُ أُفٍّ وَاضْرِبْهُ فِي مُنَافَاةِ الْمَفْهُومِ لِلْمَنْطُوقِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ بِلَا شَكٍّ أَنْ يُقَالَ لَا تَقُلْ لَهُ أُفٌّ وَاضْرِبْهُ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ لَا تَقُلْ لَهُ أُفٍّ وَهُوَ حُرْمَةُ الضَّرْبِ يُنَاقِضُ مَنْطُوقَ اضْرِبْهُ وَهُوَ جَوَازُ الضَّرْبِ وَمَفْهُومُ اضْرِبْهُ وَهُوَ جَوَازُ أَنْ يُقَالَ لَهُ أُفٍّ يُنَاقِضُ مَنْطُوقَ لَا تَقُلْ لَهُ أُفٍّ وَهُوَ حُرْمَةُ أَنْ يُقَالَ لَهُ أُفٍّ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ أَدِّ زَكَاةَ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ مُجْتَمِعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْمَنْطُوقَيْنِ مَعَ الْمَفْهُومَيْنِ مُتَعَارِضَانِ وَالْمَنْطُوقُ أَقْوَى مِنْ الْمَفْهُومِ فَيَنْدَفِعُ الْمَفْهُومَانِ فَلَا يَبْقَى لِذِكْرِ الْقَيْدَيْنِ فَائِدَةٌ إذْ فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ الْمَفْهُومَةِ وَيَكُونُ بِمَثَابَةِ قَوْلِك أَدِّ زَكَاةَ الْغَنَمِ فَيَضِيعُ ذِكْرُ السَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ بِخُصُوصِهِمَا وَاللَّازِمُ أَعْنِي صِحَّةَ أَنْ يُقَالَ أَدِّ زَكَاةَ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ مُجْتَمِعًا أَوْ مُتَفَرِّقًا ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ. وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَيَمْنَعُ الْمُلَازَمَةَ بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ دَلَالَةَ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ لِلْمَسْكُوتِ عَنْهُ قَطْعِيَّةٌ وَدَلَالَةُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَنْ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ ظَنِّيَّةٌ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ فِي الظَّوَاهِرِ مَعَ إمْكَانِ الصَّرْفِ عَنْ مَعَانِيهَا لِدَلِيلٍ وَدَفْعُ التَّنَاقُضِ أَقْوَى دَلِيلٍ عَلَيْهِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْفَائِدَةَ فِي ذِكْرِ الْقَيْدَيْنِ السَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ عَدَمُ تَخْصِيصِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْعَامِّ فَإِنَّ الْعَامَّ ظَاهِرٌ فِي تَنَاوُلِ الْخَاصِّينَ وَيُمْكِنُ إخْرَاجُ أَحَدِهِمَا عَنْهُ تَخْصِيصًا لَهُ، إذَا ذَكَرَهُمَا بِالنُّصُوصِيَّةِ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ فَهُوَ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْمَفْهُومُ لَلَزِمَ أَنْ لَا يَثْبُتَ خِلَافُهُ إذَا لَوْ ثَبَتَ خِلَافُهُ مَعَ ثُبُوتِهِ لَثَبَتَ التَّعَارُضُ بَيْنَ دَلِيلِ الْمَفْهُومِ وَدَلِيلِ خِلَافِهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّعَارُضِ وَاللَّازِمُ أَعْنِيَ عَدَمَ ثُبُوتِ خِلَافِ الْمَفْهُومِ مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّ خِلَافَ الْمَفْهُومِ قَدْ ثَبَتَ فِي نَحْوِ {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: 130] فَإِنَّ قَوْلَهُ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً فِي مَعْنَى الْوَصْفِ وَمَفْهُومُهُ عَدَمُ النَّهْيِ عَنْ الْقَلِيلِ مِنْهُ وَقَدْ تَحَقَّقَ التَّحْرِيمُ فِي الْقَلِيلِ مَعَ انْتِفَاءِ الْوَصْفِ كَمَا تَحَقَّقَ فِي الْكَثِيرِ لِتَحَقُّقِ الْوَصْفِ. وَأَمَّا ضَعْفُهُ فَبِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَنْعُ الْمُلَازَمَةِ فِي أَصْلِ الدَّلِيلِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَفْهُومُ حَقًّا وَثَبَتَ خِلَافُهُ أَحْيَانَا بِنَاءً عَلَى دَلِيلٍ قَطْعِيٍّ لَا يُعَارِضُهُ دَلِيلُ الْمَفْهُومِ لِكَوْنِهِ ظَنِّيًّا. وَثَانِيهِمَا: مَنْعُ انْتِفَاءِ اللَّازِمِ لِجَوَازِ أَنْ يَثْبُتَ التَّعَارُضُ لِقِيَامِ دَلِيلٍ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَصْلَ الْبَرَاءَةُ وَيُخَالِفُهَا بِالدَّلِيلِ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْعَضُدِ وَالسَّعْدِ بِزِيَادَةٍ مِنْ الْمَحَلِّيِّ وَالْعَطَّارِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الفرق بين قاعدة حصر المبتدأ في خبره]

وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهَا إنَّمَا تَنْوِي رَمَضَانَ بِسَبَبِ أَنَّ هَذَا الصَّوْمَ لَيْسَ تَطَوُّعًا وَلَا وَاجِبًا ابْتِدَاءً وَلَا بِسَبَبٍ حَدَثَ الْآنَ وَلَا نَذْرًا وَلَا كَفَّارَةً بَلْ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ مِنْ الصَّوْمِ غَيْرِ الْأَنْوَاعِ الْمَعْهُودَةِ فِي الشَّرِيعَةِ فَيَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ تُمَيِّزُهُ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِتَمْيِيزِ الْعِبَادَاتِ عَنْ الْعَادَاتِ وَلِتَمْيِيزِ مَرَاتِبِ الْعِبَادَاتِ وَسَبَبُ هَذَا الصَّوْمِ هُوَ التَّرْكُ فِي رَمَضَانَ فَأُضِيفَ لِسَبَبِهِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهِ لَا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَقَدَّمَ بَلْ جَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ رُؤْيَةَ هِلَالِ رَمَضَانَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْمُخْتَارِينَ الَّذِينَ لَا مَانِعَ فِي حَقِّهِمْ وَسَبَبًا لِجَعْلِ تَرْكِ كُلِّ يَوْمٍ سَبَبًا لِوُجُوبِ فِعْلِ يَوْمٍ آخَرَ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــSبِقَوْلِهِ إنَّ حَقِيقَةَ الْوَاجِبِ مَا لَا يُمْنَعُ مِنْ فِعْلِهِ أَلْبَتَّةَ وَإِنْ مُنِعَ عَلَى وَجْهٍ مَا فَذَلِكَ مُسَلَّمٌ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَحَلَّ النِّزَاعِ فَإِنَّهَا لَمْ تَمْنَعْ مِنْهُ أَلْبَتَّةَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ فَقَطْ وَإِنْ أَرَادَ مَا لَا يُمْنَعُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَذَلِكَ مَمْنُوعٌ. قَالَ (وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهَا إنَّمَا نَوَتْ رَمَضَانَ بِسَبَبِ أَنَّ هَذَا الصَّوْمَ لَيْسَ تَطَوُّعًا وَلَا وَاجِبًا ابْتِدَاءً وَلَا بِسَبَبٍ حَدَثَ الْآنَ وَلَا نَذْرًا وَلَا كَفَّارَةً بَلْ هُوَ نَوْعٌ آخَرُ مِنْ الصَّوْمِ غَيْرُ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْمَعْهُودَةِ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ بِالْأَنْوَاعِ الْمَعْهُودَةِ الْأَنْوَاعَ الَّتِي سَمَّاهَا فَذَلِكَ أَمْرٌ لَا يَجْهَلُهُ أَحَدٌ وَلَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الصَّوْمِ غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي الشَّرْعِ فَذَلِكَ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ صَوْمٌ مَعْهُودٌ فِي الشَّرْعِ كَسَائِرِ أَنْوَاعِهِ. قَالَ (فَيَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ تُمَيِّزُهُ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِتَمْيِيزِ الْعِبَادَاتِ عَنْ الْعَادَاتِ وَلِتَمْيِيزِ مَرَاتِبِ الْعِبَادَاتِ) قُلْتُ لَمْ تُشْرَعْ النِّيَّاتُ لِذَلِكَ وَلَكِنْ شُرِعَتْ لِلتَّقَرُّبِ بِالْعِبَادَاتِ لِمَنْ أُمِرَ بِالْعِبَادَاتِ وَهُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ وَمِنْ لَازِمِ التَّقَرُّبِ بِهَا لِلْمَعْبُودِ الْوَاجِبِ الطَّاعَةِ أَنْ يُتَقَرَّبَ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ وَلِلسَّبَبِ الَّذِي نَصَبَ فَالتَّمْيِيزُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِشَرْعِ النِّيَّاتِ بَلْ هُوَ لَازِمٌ لِمَا شُرِعَتْ لَهُ النِّيَّاتُ. قَالَ (وَسَبَبُ هَذَا الصَّوْمِ هُوَ التَّرْكُ فِي رَمَضَانَ فَأُضِيفَ لِسَبَبِهِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهِ لَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَقَدَّمَ) قُلْتُ وَلِمَ كَانَ تَرْكُهَا لِلصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ سَبَبًا فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ فِي غَيْرِهِ بِنِيَّةِ التَّعْوِيضِ مِنْهُ وَكَيْفَ يَجِبُ التَّعْوِيضُ مِنْ غَيْرِ وَاجِبٍ هَذَا مِمَّا لَا خَفَاءَ بِبُطْلَانِهِ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهَا فِي رَمَضَانَ لَكِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا فِعْلُ هَذَا الْوَاجِبِ تَعَذُّرًا شَرْعِيًّا وَحُكْمُ الْعُذْرِ الشَّرْعِيِّ كَحُكْمِ الْعُذْرِ الْحِسِّيِّ أَمَّا الْحِسِّيُّ فَكَالنَّوْمِ الْمُسْتَغْرِقِ لِوَقْتِ الصَّلَاةِ. وَأَمَّا الشَّرْعِيُّ فَكَمُزَاحَمَةِ وَاجِبٍ تَفُوتُ مَصْلَحَتُهُ إنْ أُخِّرَ كَمَا فِي إنْقَاذِ غَرِيقٍ يَسْتَغْرِقُ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَكِلَا الْمُكَلَّفَيْنِ بِذَلِكَ يَقْضِيَانِ بَعْدَ الْوَقْتِ وَقَدْ كَانَ الْوُجُوبُ تَعَلَّقَ بِهِمَا عِنْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَاسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِمَا إلَى حِينِ الْقَضَاءِ وَلَيْسَ يُشْكِلُ وُجُوبُ وَاجِبٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ فِي وَقْتٍ يَمْتَنِعُ إيقَاعُهُ فِيهِ عَلَى كُلِّ مَنْ يَرَى تَرَتُّبَ الْعِبَادَاتِ فِي الذِّمَمِ كَالدُّيُونِ وَإِنَّمَا يُشْكِلُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالدُّيُونِ. قَالَ (بَلْ جَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْمُخْتَارِينَ الَّذِينَ لَا مَانِعَ فِي حَقِّهِمْ وَسَبَبًا لِجَعْلِ تَرْكِ كُلِّ يَوْمٍ سَبَبًا لِوُجُوبِ فِعْلِ يَوْمٍ آخَرَ بَعْدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ] (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ وَهُوَ مَعْرِفَةٌ بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ حَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ وَهُوَ نَكِرَةٌ) اعْلَمْ أَنَّ خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لِلْمُبْتَدَأِ مِنْ حَيْثُ قَصْدُ الْإِخْبَارِ بِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ لَفْظُهُ أَعَمَّ مِنْ الْمُبْتَدَأِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخْبَرَ بِشَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا أَنَّ الَّذِي هُوَ الْمُبْتَدَأُ هُوَ بِعَيْنِهِ الْخَبَرُ فَمَعْنَى قَوْلِنَا الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ مَا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الْإِنْسَانُ الْخَاصُّ هُوَ الْحَيَوَانُ الْعَامُّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَإِلَّا لَتَضَمَّنَ ذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ حِمَارٌ وَثَوْرٌ وَكَلْبٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ الْحَيَوَانِ وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ الْإِنْسَانُ نَاطِقٌ وَقَوْلِهِ الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ مِنْ حَيْثُ الْقَصْدُ بِالْخَبَرِ وَإِنَّمَا بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَفْظَ النَّاطِقِ يَخْتَصُّ بِالْإِنْسَانِ لِوَضْعِهِ لِمَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِهِ وَلَفْظُ الْحَيَوَانِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِ لِوَضْعِهِ لِمَا هُوَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِ فَيَصْدُقُ فِي غَيْرِ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى غَيْرِ الْإِنْسَانِ. وَأَمَّا فِي هَذَا الْقَوْلِ فَلَا يَصِحُّ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُرَادَ بِهِ إلَّا الْإِنْسَانَ لَا غَيْرُهُ وَلَا هُوَ وَغَيْرُهُ وَأَنَّ الْحَصْرَ حَصْرَانِ حَصْرٌ يَقْتَضِي نَفْيَ النَّقِيضِ فَقَطْ وَحَصْرٌ يَقْتَضِي نَفْيَ النَّقِيضِ وَالضِّدِّ وَالْخِلَافُ وَمَا عَدَا ذَلِكَ الْوَصْفَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْأَوَّلُ حَاصِلٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ لِكُلِّ مُبْتَدَأٍ فِي خَبَرِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَبَرُهُ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ ضَرُورَةَ أَنَّ انْتِفَاءَ نَقِيضِهِ لَازِمٌ لِثُبُوتِهِ لِلْمُبْتَدَأِ فَنَحْوُ قَوْلِكَ زَيْدٌ قَائِمٌ مُخْبِرًا عَنْ ثُبُوتِ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ يَلْزَمُهُ عَقْلًا انْتِفَاءُ عَدَمِ الْقِيَامِ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ صَرِيحًا وَالثَّانِي حَاصِلٌ صَرِيحًا يَدُلُّ عَلَيْهِ خُصُوصُ الْخَبَرِ الْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ بِمُقْتَضَى اسْتِقْرَارِ تَرَاكِيبِ الْبُلَغَاءِ فَهَذَا الْحَصْرُ الثَّانِي وَهُوَ مُرَادُ مَنْ فَرَّقَ مِنْ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ قَوْلِنَا زَيْدٌ قَائِمٌ وَبَيْنَ قَوْلِنَا زَيْدٌ الْقَائِمُ بِجَعْلِهِ الثَّانِيَ لِلْحَصْرِ دُونَ الْأَوَّلِ فَزَيْدٌ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ لَا اللَّفْظِ مُنْحَصِرًا فِي مَفْهُومِ قَائِمٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَى نَقِيضِهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ زَيْدٌ قَائِمًا دَائِمًا لَا فِي الْمَاضِي وَلَا فِي الْحَالِ وَلَا فِي الِاسْتِقْبَالِ ضَرُورَةَ أَنَّ لَفْظَ قَائِمٍ مُطْلَقٌ فِي الْقِيَامِ. فَقَوْلُنَا زَيْدٌ قَائِمٌ مُوجَبَةٌ جُزْئِيَّةٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَنَقِيضُهُ إنَّمَا هُوَ السَّالِبَةُ الدَّائِمَةُ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ فِي مَفْهُومِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَى ضِدِّهِ أَوْ خِلَافِهِ أَيْضًا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الِاتِّصَافِ بِالنَّقِيضِ عَدَمُ الِاتِّصَافِ بِالضِّدِّ وَالْخِلَافِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَ كَوْنِهِ قَائِمًا جَالِسًا فِي وَقْتٍ

رَمَضَانَ فَرُؤْيَةُ الْهِلَالِ سَبَبٌ لِسَبَبِيَّةِ تَرْكِ الصَّوْمِ وَنَصْبُ التَّرْكِ سَبَبًا لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْإِيقَاعِ فِيهِ بَلْ لَوْ صَرَّحَ الشَّارِعُ هَكَذَا. وَقَالَ جَعَلْتُ تَرْكَ رَمَضَانَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ سَبَبًا لِوُجُوبِ مِثْلِهِ خَارِجَ رَمَضَانِ وَلَا يَجِبُ الْفِعْلُ فِي رَمَضَانَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُتَنَاقِضًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ إذَا تُرِكَ إخْرَاجُ قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فِي زَمَنِ الصِّبَا وَالْجُنُونِ يَكُونُ ذَلِكَ التَّرْكُ سَبَبًا لِوُجُوبِ دَفْعِ الْقِيَمِ بَعْدَ زَوَالِ الصِّبَا وَالْجُنُونِ وَيُكَلَّفُونَ ح بِالْغَرَامَاتِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فِي ذِمَمِهِمْ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِمْ وُجُوبٌ قَبْلَ ذَلِكَ وَصَارَ التَّرْكُ سَبَبًا لِلتَّكْلِيفِ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ كَذَلِكَ هَاهُنَا جُعِلَ التَّرْكُ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ مَعَ عَدَمِ التَّكْلِيفِ فِي زَمَانِ التَّرْكِ وَيُضَافُ هَذَا الصَّوْمُ لِذَلِكَ التَّرْكِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا تُضَافُ الْقِيمَةُ لِلْإِتْلَافِ فِي زَمَانِ الصِّبَا أَوْ الْجُنُونِ لِيَتَمَيَّزَ هَذَا الْمَالُ الْمَدْفُوعُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ وَالْوَاجِبَاتِ وَمِنْ النَّفَقَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــSرَمَضَانَ فَرُؤْيَةُ الْهِلَالِ سَبَبٌ لِسَبَبِيَّةِ تَرْكِ الْيَوْمِ وَنَصْبُ التَّرْكِ سَبَبًا لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْإِيقَاعِ فِيهِ) قُلْتُ إيقَاعُ صَوْمِهَا فِي أَيَّامِ رَمَضَانَ مُسَلَّمٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ وَجَعْلُ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ سَبَبًا لِسَبَبِيَّةِ التَّرْكِ دَعْوَى، وَقَوْلُهُ إنَّ نَصْبَ التَّرْكِ سَبَبًا لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الْإِيقَاعِ فِي الْيَوْمِ الْمَتْرُوكِ دَعْوَى أَيْضًا وَبِالْجُمْلَةِ لَا حَاجَةَ إلَى هَذِهِ الدَّعَاوَى الَّتِي لَا حُجَّةَ عَلَيْهَا. قَالَ (بَلْ لَوْ صَرَّحَ الشَّارِعُ هَكَذَا وَقَالَ جَعَلْتُ تَرْكَ رَمَضَانَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ سَبَبًا لِوُجُوبِ مِثْلِهِ خَارِجَ رَمَضَانَ وَلَا يَجِبُ الْفِعْلُ فِي رَمَضَانَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُتَنَاقِضًا أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ إذَا تُرِكَ إخْرَاجُ قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فِي زَمَنِ الصِّبَا وَالْجُنُونِ يَكُونُ ذَلِكَ التَّرْكُ سَبَبًا لِوُجُوبِ دَفْعِ الْقِيَمِ بِعُذْرِ زَوَالِ الصِّبَا وَالْجُنُونِ وَيُكَلَّفُونَ ح بِالْغَرَامَاتِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فِي ذِمَمِهِمْ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِمْ وُجُوبٌ قَبْلَ ذَلِكَ وَصَارَ التَّرْكُ سَبَبًا لِلتَّكْلِيفِ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ كَذَلِكَ هَاهُنَا جُعِلَ التَّرْكُ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ مَعَ عَدَمِ التَّكْلِيفِ فِي زَمَنِ التَّرْكِ وَيُضَافُ هَذَا الصَّوْمُ لِذَلِكَ التَّرْكِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا تُضَافُ الْقِيَمُ لِلْإِتْلَافِ فِي زَمَنِ الصِّبَا أَوْ الْجُنُونِ لِيَتَمَيَّزَ هَذَا الْمَالُ الْمَدْفُوعُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ وَالْوَاجِبَاتِ مِنْ النَّفَقَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَمْوَالِ الْمُتَنَوِّعَةِ فِي الدَّفْعِ) قُلْتُ إضَافَةُ وُجُوبِ الصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ إلَى تَرْكِهِ فِي رَمَضَانَ مُشْعِرٌ بِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْمُكَلَّفَةِ بِذَلِكَ فِي رَمَضَانَ وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِتِلْكَ الْإِضَافَةِ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ إنَّمَا تَرَكَتْ غَيْرَ وَاجِبٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَهَلْ عُهِدَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ تَرْكَ غَيْرِ الْوَاجِبِ يَكُونُ سَبَبًا فِي الْوُجُوبِ وَمَا سَبَبُ هَذَا الِارْتِبَاكِ الْمُوجِبِ لِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ الْوَاضِحِ الضَّعْفِ إلَّا الْغَفْلَةُ عَنْ تَقَرُّرِ الْعِبَادَاتِ فِي الذِّمَمِ عِنْدَ وُجُودِ أَسْبَابِهَا كَالدُّيُونِ وَالْغَرَامَاتِ أَوْ التَّغَافُلِ عَنْ ذَلِكَ وَالصَّبِيُّ وَالْحَائِضُ وَإِنْ كَانَ حَالُهُمَا مُسْتَوِيًا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا لَا تُكَلَّفُ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ رَمَضَانُ بِإِيقَاعِ الصَّوْمِ فِيهِ وَالصَّبِيُّ أَيْضًا ـــــــــــــــــــــــــــــQآخَرَ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُ مَعَهُ مِنْ الْأَضْدَادِ وَحَيًّا وَفَقِيهًا وَعَابِدًا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُ مَعَهُ مِنْ خِلَافِهِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ. وَأَمَّا زَيْدٌ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي فَكَمَا أَنَّهُ مُنْحَصِرٌ فِي مَفْهُومِ الْقَائِمِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَى نَقِيضِهِ كَذَلِكَ وَهُوَ مُنْحَصِرٌ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَى ضِدِّهِ أَوْ خِلَافِهِ أَيْضًا وَيُوَضِّحُ لَك هَذَا مَسْأَلَةً وَهِيَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الصَّلَاةِ «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» عَلَى انْحِصَارِ سَبَبِ تَحْرِيمِهَا أَيْ الدُّخُولِ فِي حُرُمَاتِهَا بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْرُمُ فِيهَا فِي التَّكْبِيرِ وَانْحِصَارِ سَبَبِ تَحْلِيلِهَا أَيْ حِلِّهَا بِإِبَاحَةِ جَمِيعِ مَا حُرِّمَ بِهَا فِي التَّسْلِيمِ فَلَا يَدْخُلُ فِي حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ إلَّا بِالتَّكْبِيرِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ حُرُمَاتِهَا إلَى حِلِّهَا إلَّا بِالتَّسْلِيمِ فَالتَّكْبِيرُ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ خَبَرٌ مُعَرَّفٌ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ اقْتَضَى حَصْرَ الْمُبْتَدَأِ وَهُوَ تَحْرِيمُهَا فِيهِ فَيَكُونُ مَفْهُومُهُ أَنَّ تَحْرِيمَهَا لَا يَثْبُتُ مَعَ نَقِيضِهِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ التَّكْبِيرِ وَلَا مَعَ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ الْهَزْلُ وَاللَّعِبُ وَالنَّوْمُ وَالْجُنُونُ وَلَا مَعَ خِلَافِهِ الَّذِي هُوَ الْخُشُوعُ وَالتَّعْظِيمُ بِحَيْثُ إذَا فَعَلَ أَيَّ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَضْدَادِ وَالْخِلَافَاتِ وَلَمْ يَفْعَلْ التَّكْبِيرَ لَمْ يَدْخُلْ فِي حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ. وَكَذَا التَّسْلِيمُ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» خَبَرٌ مُعَرَّفٌ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ اقْتَضَى حَصْرَ الْمُبْتَدَأِ وَهُوَ تَحْلِيلُهَا فِيهِ فَيَكُونُ مَفْهُومُهُ أَنَّ تَحْلِيلَهَا لَا يَثْبُتُ مَعَ نَقِيضِهِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ التَّسْلِيمِ وَلَا مَعَ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ النَّوْمُ وَالْإِغْمَاءُ وَلَا مَعَ خِلَافِهِ الَّذِي هُوَ الْحَدَثُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ نَحْوِ التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ بِحَيْثُ إذَا فَعَلَ أَيَّ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَضْدَادِ وَالْخِلَافَاتِ وَلَمْ يَفْعَلْ التَّسْلِيمَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ إلَى حِلِّهَا أَيْ إبَاحَةِ جَمِيعِ مَا حَرُمَ بِهَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ الشَّرْعِيَّةِ لَا عَلَى وَجْهِ بُطْلَانِهَا كَيْفَ كَانَ فَلَا سَبَبَ لَهُ إلَّا السَّلَامُ الْمَشْرُوعُ الْمَأْذُونُ فِيهِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ أَمَّا سَهْوُ السَّلَامِ وَعَمْدُهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَرِدْ وَلَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» لَا سِيَّمَا وَلَفْظُ السَّلَامِ خَبَرٌ مَعْنَاهُ الدُّعَاءُ بِالسَّلَامَةِ وَالدُّعَاءُ لَا يَقْدَحُ فِي الصَّلَاةِ لَا سَهْوًا وَلَا عَمْدًا أَمَّا نَقُولُ بِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ مُخْرِجٌ مِنْهَا مُطْلَقًا وَمُحْوِجٌ لِتَكْبِيرَةِ

الْأَمْوَالِ الْمُتَنَوِّعَةِ فِي الدَّفْعِ وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا قُدِّرَ بِقَدْرِ الْمَتْرُوكِ مِنْ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ جَعَلَ تَرْكَ كُلِّ يَوْمٍ سَبَبًا لِوُجُوبِ صَوْمِ يَوْمٍ بَعْدَ رَمَضَانَ كَمَا قُدِّرَتْ قِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِزَوَالِ الْجُنُونِ بِحَسَبِ قَدْرِ الْمُتْلَفَاتِ مَعَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي زَمَانِ الصِّبَا وَالْجُنُونِ، وَكَذَلِكَ هَاهُنَا وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ شَيْءٌ مِنْ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ رُتَبِ الْوَاجِبِ أَنْ يُؤْذَنَ فِي فِعْلِهِ وَهَذَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهَا فِي فِعْلِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا مَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهَا فِيهِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ إنَّهُ وَاجِبٌ مُوَسَّعٌ فَهُوَ فِي بَادِي الرَّأْيِ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ مَحْذُورٌ لِعَدَمِ التَّضْيِيقِ وَعِنْدَ التَّحْقِيقِ يَبْطُلُ مَا قَالُوهُ بِسَبَبِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ مِنْ شَرْطِهِ إمْكَانُ وُقُوعِهِ فِي أَوَّلِ أَزْمِنَةِ التَّوْسِعَةِ وَهَذِهِ مَمْنُوعَةٌ إجْمَاعًا إلَى زَمَنِ الطُّهْرِ فِي جَمِيعِ زَمَنِ الْحَيْضِ فَلَا يَصِحُّ فِي حَقِّهَا أَنَّهُ وَاجِبٌ مُوَسَّعٌ. وَلَوْ صَحَّ مَا قَالُوهُ لَصَحَّ أَنْ يُقَالَ إنَّ الظُّهْرَ يَجِبُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا فَإِنَّهَا تُفْعَلُ بَعْدَ الزَّوَالِ كَمَا تَفْعَلُ فِي الصَّوْمِ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ رَمَضَانَ يَجِبُ مِنْ رَجَبٍ وُجُوبًا مُوَسَّعًا وَيُفْعَلُ بَعْدَ انْسِلَاخِ شَعْبَانَ كَمَا يُفْعَلُ الصَّوْمُ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ وَلَكِنْ هَذَا كُلُّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَلَا يَصِحُّ مَا قَالُوهُ مِنْ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَيَتَّضِحُ حِينَئِذٍ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَبَيْنَ صَوْمِ الْحَائِضِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ يُمْكِنُ فِعْلُهُ فِي أَوَّلِ أَزْمِنَةِ التَّوْسِعَةِ وَهَذِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSلَا يُطْلَبُ عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الْإِتْلَافُ بِإِيقَاعِ الْغَرَامَةِ يَوْمَ الْإِتْلَافِ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الصَّبِيَّ خَالٍ عَنْ شَرْطِ التَّكْلِيفِ بِخِلَافِهَا فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهَا إنَّهَا مُكَلَّفَةٌ بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهَا بِشَرْطِ التَّكْلِيفِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إنَّهُ مُكَلَّفٌ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ وَيَصِحُّ فِيهِمَا مَعًا أَنْ يُقَالَ تَرَتُّبُ الْعِوَضِ فِي ذِمَّتِهِمَا يَوْمَ وُجُودِ السَّبَبِ وَالْمُوجِبُ لِصِحَّةِ الْقَوْلِ بِتَرَتُّبِ الْعِوَضِ فِي ذِمَّتِهِمَا وَصِحَّةِ الْقَوْلِ بِتَكْلِيفِهَا دُونَهُ أَنَّ لَفْظَ التَّكْلِيفِ وَلَفْظَ التَّرْتِيبِ فِي الذِّمَّةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ اخْتِلَافُ عِبَارَاتٍ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارَاتٍ وَالِاعْتِبَارَاتُ أُمُورٌ وَضْعِيَّةٌ تَتْبَعُ الْمَقَاصِدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا قُدِّرَ بِقَدْرِ الْمَتْرُوكِ مِنْ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ جَعَلَ تَرْكَ يَوْمٍ سَبَبًا لِوُجُوبِ صَوْمِ يَوْمٍ بَعْدَ رَمَضَانَ إلَى قَوْلِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا مَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهَا فِيهِ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ أَنَّهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا إيقَاعُ الصَّوْمِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَقَدْ حَكَى هُوَ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنَّ الْوُجُوبَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذِمَّتِهَا عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ وَهُوَ رَمَضَانُ فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ لُزُومِ تَقَرُّرِ الْعِبَادَاتِ فِي الذِّمَمِ بِدَلِيلِ أَوَائِلِ إجْزَاءِ الْعِبَادَاتِ ذَوَاتِ الْأَجْزَاءِ الْمُرَتَّبَةِ مَعَ أَوَاخِرِ أَجْزَائِهَا فَإِنَّهُ لَا قَائِلَ بِأَنَّ الْوُجُوبَ إنَّمَا تَوَجَّهَ عَلَى الْمُكَلَّفِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعِبَادَاتِ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهَا دُونَ سَائِرِ أَجْزَائِهَا ثُمَّ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ تَوَجَّهَ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ بِالْجُزْءِ الثَّانِي ثُمَّ كَذَلِكَ إلَى آخِرِ الْأَجْزَاءِ. قَالَ (وَأَمَّا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ إنَّهُ وَاجِبٌ مُوَسَّعٌ فَهُوَ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ مَحْذُورٌ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِحْرَامِ لِلدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا هُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ مُشْكِلٌ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ كَالْكَلَامِ فِي أَثْنَائِهَا سَهْوًا فِي كَوْنِهِ لَا يُبْطِلُهَا وَلَا يُحْوِجُ لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِلدُّخُولِ فِيهَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ نَافِعٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالسَّلَامُ فِي أَثْنَائِهَا قَدْ يَقَعُ مَعَ نِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَدْ لَا يَقَعُ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ وَلَيْسَتْ النِّيَّةُ إذَا وَقَعَتْ بِرَفْضٍ حَتَّى يُقَالَ إنَّ رَفْضَ الصَّلَاةِ يَقْتَضِي إبْطَالَهَا فَلِذَلِكَ أَحْوَجَ لِلتَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّ مَنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ سَلَامِهِ أَثْنَاءَهَا لَمْ يَقْصِدْ إبْطَالَهَا بَلْ إنَّمَا اعْتَقَدَ أَنَّ صَلَاتَهُ كَمُلَتْ فَأَتَى بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَهَذَا لَيْسَ رَفْضًا وَكَوْنُ جِنْسِ السَّلَامِ مُبْطِلًا لِلصَّلَاةِ إجْمَاعًا فَيَلْحَقُ بِذَلِكَ الْفَرْدِ بَقِيَّةُ صُوَرِهِ بِالْقِيَاسِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ بِلَا جَامِعٍ ضَرُورَةَ أَنَّ السَّلَامَ دُعَاءٌ وَالدُّعَاءُ لَا يُنَافِي الصَّلَاةَ فَلَمْ يَكُنْ جَعْلُهُ مُخْرِجًا مِنْ الصَّلَاةِ بِمَعْقُولِ الْمَعْنَى حَتَّى يَتَأَتَّى الْقِيَاسُ عَلَيْهِ. وَالْقِيَاسُ بِلَا جَامِعٍ لَا يَصِحُّ وَكَوْنُ عَدَمِ الصِّحَّةِ إنَّمَا هِيَ فِي قِيَاسِ الْمَعْنَى وَهَذَا قِيَاسُ الشَّبَهِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ قِيَاسَ الشَّبَهِ ضَعِيفٌ، وَقَدْ مَنَعَ الْقَاضِي شَيْخُ الْأُصُولِيِّينَ مِنْ أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّ السَّلَامَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ مُعَارَضٌ بِالْمُقْتَضَى لِإِكْمَالِ الصَّلَاةِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا وَفِي آخِرِ الصَّلَاةِ هُوَ سَالِمٌ عَنْ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ فَافْتَرَقَا وَلَا قِيَاسَ مَعَ الْفَارِقِ وَكَوْنُ اللَّامِ فِي السَّلَامِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» لِلْعُمُومِ فَيَشْمَلُ السَّلَامَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ قَرِينَةَ السِّيَاقِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّامَ هَا هُنَا إنَّمَا أُرِيدَ بِهَا حَقِيقَةُ الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ إلَى الْعُمُومِ؛ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ مَعَهُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» مِنْ الطَّهُورِ وَالتَّكْبِيرِ الْمُحَلَّيَيْنِ بِاللَّامِ إنَّمَا أُرِيدَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَرْدُ الْمُقَارِنُ لِأَوَّلِ الصَّلَاةِ فَقَطْ فَلَا يَدْخُلُ فِيهَا بِفَرْدِ التَّكْبِيرِ الَّذِي فِي أَثْنَائِهَا فَكَذَلِكَ بِحَمْلِ السَّلَامِ عَلَى فَرْدِهِ الْمُقَارِنِ لِآخِرِ الصَّلَاةِ تَسْوِيَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قُرِنَ مَعَهُ وَلِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ لِلذِّهْنِ، وَلَوْ كَانَ السَّلَامُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ يُخْرِجُ مِنْ حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ وَيُحْوِجُ لِلتَّكْبِيرِ لَبَطَلَ مَا مَضَى مِنْ الصَّلَاةِ وَابْتُدِئَتْ مِنْ أَوَّلِهَا، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ مَالِكٌ فِي السَّهْوِ أَلْبَتَّةَ فَلَمَّا لَمْ تَعُدْ الصَّلَاةُ مِنْ أَوَّلِهَا كَانَ الْمُصَلِّي فِي حُرُمَاتِ الصَّلَاةِ قَالَ الْأَصْلُ وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا أَجِدُ مَشْهُورَ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي أَنَّ السَّلَامَ سَهْوًا مُحْوِجٌ لِلتَّكْبِيرِ إلَّا مُشْكِلًا وَالْمُتَّجَهُ

لَا يُمْكِنُ أَنْ تَفْعَلَ فِي أَوَّلِ زَمَنِ الْحَيْضِ وَلَا يَكُونُ زَمَنُ الْحَيْضِ مِنْ أَزْمِنَةِ التَّوْسِعَةِ لَهَا فَإِنْ أَرَادُوا بِأَنَّهُ وَاجِبٌ وُجُوبًا مُوَسَّعًا إنَّهُ يَجِبُ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ فَقَطْ فَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَلَا يُصَرِّحُونَ بِالْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَيَقُولُونَ إنَّ هَذَا مَذْهَبٌ يَخْتَصُّونَ بِهِ فَظَهَرَ الْحَقُّ وَاتَّضَحَ الْفَرْقُ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى. (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ الْكُلِّيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْكُلِّيِّ الْوَاجِبِ فِيهِ وَبِهِ وَعَلَيْهِ وَعِنْدَهُ وَمِنْهُ وَمِثْلُهُ وَإِلَيْهِ) فَهَذِهِ عَشْرُ قَوَاعِدَ فِي الْكُلِّيِّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ خَاصَّةً وَهِيَ عَشْرُ قَوَاعِدَ كُلُّهَا يَتَعَلَّقُ فِيهَا الْوُجُوبُ بِالْكُلِّيِّ دُونَ الْجُزْئِيِّ وَهِيَ مُتَبَايِنَةُ الْحَقَائِقِ مُخْتَلِفَةُ الْمُثُلِ وَالْأَحْكَامِ فَأَذْكُرُ كُلَّ قَاعِدَةٍ عَلَى حِيَالِهَا لِيَظْهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا. اعْلَمْ أَنَّ خِطَابَ الشَّرْعِ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِجُزْئِيٍّ كَوُجُوبِ التَّوَجُّهِ إلَى خُصُوصِ الْكَعْبَةِ الْحَرَامِ وَالْإِيمَانِ بِالنَّبِيِّ الْمُعَيَّنِ وَالتَّصْدِيقِ بِالرِّسَالَةِ الْمَخْصُوصَةِ كَالْقُرْآنِ وَقَدْ لَا يُعَيَّنُ مُتَعَلِّقُ التَّكْلِيفِ بَلْ يَجْعَلُهُ دَائِرًا بَيْنَ أَفْرَادِ جِنْسٍ وَيَكُونُ مُتَعَلِّقُ الْخِطَابِ هُوَ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْجِنْسِ دُونَ خُصُوصِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَفْرَادِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فِي هَذَا الْفَرْقِ وَهُوَ الْمُنْقَسِمُ إلَى عَشْرَةِ أَجْنَاسٍ كَمَا يَأْتِي إنْ بَيَانَهُ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. الْقَاعِدَةُ الْأُولَى: الْوَاجِبُ الْكُلِّيُّ هَذَا هُوَ الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ وَحَيْثُ قِيلَ بِهِ فَالْوَاجِبُ هُوَ أَحَدُ الْخِصَالِ وَهُوَ مَفْهُومٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهَا لِصِدْقِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالصَّادِقُ عَلَى أَشْيَاءَ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ الْكُلِّيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْكُلِّيِّ الْوَاجِبِ فِيهِ وَبِهِ وَعَلَيْهِ وَعِنْدَهُ وَمِنْهُ وَعَنْهُ وَمِثْلُهُ وَإِلَيْهِ إلَى آخَرِ قَوْلِهِ فَاذْكُرْ كُلَّ قَاعِدَةٍ عَلَى حِيَالِهَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْوُجُوبَ فِي هَذِهِ الْقَوَاعِدِ يَتَعَلَّقُ بِالْكُلِّيِّ لَا بِالْجُزْئِيِّ إنْ أَرَادَ ظَاهِرَ لَفْظِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَكَيْفَ يَتَعَلَّقُ التَّكْلِيفُ بِالْكُلِّيِّ وَهُوَ مِمَّا لَا يَدْخُلُ فِي الْوُجُودِ الْعَيْنِيِّ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ وَالتَّكْلِيفُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوُجُودِ الْعَيْنِيِّ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْوُجُوبَ يَتَعَلَّقُ بِالْكُلِّيِّ أَيْ بِإِيقَاعِ مَا فِيهِ الْكُلِّيُّ بِمَعْنَى مَا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْكُلِّيِّ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِتَعْيِينِ مَا وَقَعَ بِهِ التَّكْلِيفُ فَذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ (اعْلَمْ أَنَّ خِطَابَ الشَّرْعِ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِجُزْئِيٍّ كَوُجُوبِ التَّوَجُّهِ إلَى خُصُوصِ الْكَعْبَةِ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الْمُنْقَسِمُ إلَى عَشَرَةِ أَجْنَاسٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) قُلْتُ قَوْلُهُ فِي أَثْنَاءِ هَذَا الْفَصْلِ قَدْ لَا يُعَيَّنُ مُتَعَلَّقُ التَّكْلِيفِ بَلْ يَجْعَلُهُ دَائِرًا بَيْنَ أَفْرَادِ جِنْسٍ يُشْعِرُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْكُلِّيِّ أَنَّ تَعَلُّقَهُ بِهِ لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ كُلِّيٌّ بَلْ مِنْ حَيْثُ يَكُونُ الْفِعْلُ الْمُوقَعُ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْكُلِّيِّ. قَالَ (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى الْوَاجِبُ الْكُلِّيُّ هَذَا هُوَ الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ إلَى قَوْلِهِ وَالصَّادِقُ عَلَى أَشْيَاءَ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهَا) قُلْتُ قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّ تَعَلُّقَ التَّكْلِيفِ بِالْمُشْتَرَكِ الْكُلِّيِّ إنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ التَّكْلِيفَ تَعَلَّقَ بِإِيقَاعِ شَيْءٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ الْكُلِّيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ اهـ هَذَا حَاصِلُ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ هُنَا. وَأَمَّا قَوْلُ الْأَصْلِ إنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَقَدْ رُوِيَ بِرَفْعِ الذَّكَاةِ الثَّانِيَةِ وَبِهَا تَمَسَّكَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلِهِمْ بِاسْتِغْنَاءِ الْجَنِينِ عَنْ الذَّكَاةِ وَأَنَّهُ يُؤْكَلُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَقْتَضِي حَصْرَ ذَكَاتِهِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ بِمَعْنَى أَنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ تُبِيحُهُ فَيُسْتَغْنَى بِهَا عَنْ الذَّكَاةِ الَّتِي هِيَ فِي الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ عِبَارَةٌ عَنْ الذَّبْحِ الْخَاصِّ فِي حَلْقِهِ فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ مُلَابَسَةٌ تُصَحِّحُ أَنْ تَكُونَ ذَكَاةُ أُمِّهِ هِيَ عَيْنَ ذَكَاتِهِ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ إضَافَةَ الْمَصَادِرِ مُخَالِفَةٌ لِإِسْنَادِ الْأَفْعَالِ فِي أَنَّهُ يَكْفِي فِي كَوْنِهَا حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً أَدْنَى مُلَابَسَةٍ كَقَوْلِنَا: صَوْمُ رَمَضَانَ وَحَجُّ الْبَيْتِ بِخِلَافِ إسْنَادِ الْأَفْعَالِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً مُرَاعَاةُ الْفَاعِلِ الْحَقِيقِيِّ لَا مُطْلَقُ مُلَابِسٍ. وَرُوِيَ بِنَصْبِ الذَّكَاةِ الثَّانِيَةِ وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ تَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلِهِمْ بِاحْتِيَاجِ الْجَنِينِ لِلذَّكَاةِ وَأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ أَنْ يُذَكَّى ذَكَاةً مِثْلَ ذَكَاةِ أُمِّهِ فَحُذِفَ الْمُضَافُ مَعَ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَأُعْرِبَ كَإِعْرَابِهِ عَلَى قَاعِدَةِ حَذْفِ الْمُضَافِ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ عَلَى رِوَايَةِ النَّصْبِ ذَكَاةَ الْجَنِينِ دَاخِلَةً فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ فَحَذَفَ حَرْفَ الْجَرِّ فَانْتَصَبَتْ الذَّكَاةُ عَلَى أَنَّهَا مَفْعُولٌ عَلَى حَدِّ دَخَلْت الدَّارَ بَلْ هَذَا التَّقْدِيرُ أَرْجَحُ مِمَّا قَدَّرَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قِلَّةُ الْحَذْفِ. وَثَانِيهِمَا: الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَدَفْعُ التَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا اهـ. فَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي الْحَصْرَ وَاسْتَغْنَى الْجَنِينُ عَنْ الذَّكَاةِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَمَا قَالَهُ مِنْ تَرْجِيحِ التَّقْدِيرِ عَلَى مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِقِلَّةِ الْحَذْفِ وَإِنْ سَلِمَ إلَّا أَنَّهُ يَضْعُفُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَسَاقِ الْكَلَامِ دَلِيلٌ عَلَى دُخُولِ ذَكَاةِ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ كَمَا أَنَّ التَّقْدِيرَ عَلَى قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ وَإِنْ ضَعُفَ بِكَثْرَةِ الْحَذْفِ إلَّا أَنَّهُ يُرَجَّحُ بِأَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَى مَسَاقِ الْكَلَامِ، وَمَا قَالَهُ مِنْ تَرْجِيحِ التَّقْدِيرِ عَلَى مَا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِالْجَمْعِ لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ عَلَى مَا لِلْحَنَفِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْجَمْعَ مُتَّجَهٌ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ مَعًا وَالشَّأْنُ إنَّمَا هُوَ فِي تَرْجِيحِ أَحَدِ الْجَمْعَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَبَسْطُهُ يَطُولُ اهـ. وَأَمَّا قَوْلُ الْأَصْلِ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ يَقْتَضِي حَصْرَ الشُّفْعَةِ فِي الَّذِي هُوَ قَابِلٌ لِلْقِسْمَةِ وَلَمْ يُقْسَمْ بَعْدُ وَالتَّقْدِيرُ الشُّفْعَةُ

وَهَذَا الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ هُوَ مُتَعَلِّقُ خَمْسَةِ أَحْكَامٍ: الْحُكْمُ الْأَوَّلُ: الْوُجُوبُ فَلَا وُجُوبَ إلَّا فِيهِ وَالْخُصُوصَاتُ الَّتِي هِيَ الْعِتْقُ وَالْكِسْوَةُ وَالْإِطْعَامُ مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَالْمُشْتَرَكُ هُوَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَلَا تَخْيِيرَ فِيهِ فَلَمْ يُخَيِّرْ اللَّهُ الْمُكَلَّفَ بَيْنَ فِعْلِ أَحَدِهَا وَبَيْنَ تَرْكِ هَذَا الْمَفْهُومِ، فَإِنَّ تَرْكَ هَذَا الْمَفْهُومِ إنَّمَا هُوَ بِتَرْكِ جَمِيعِهَا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ بَلْ مَفْهُومُ أَحَدِهَا الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا مُتَعَيِّنٌ لِلْفِعْلِ مُتَحَتِّمُ الْإِيقَاعِ فَالْمُشْتَرَكُ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَلَا تَخْيِيرَ فِيهِ وَالْخُصُوصَاتُ مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ وَلَا وُجُوبَ فِيهَا فَالْوَاجِبُ وَاجِبٌ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ وَالْمُخَيَّرُ فِيهِ مُخَيَّرٌ فِيهِ مِنْ غَيْرِ إيجَابِ الْحُكْمِ الثَّانِي الْمُتَعَلِّقِ بِهَذَا الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الثَّوَابُ عَلَى تَقْدِيرِ الْفِعْلِ فَإِذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ أَوْ بَعْضَهُ لَا يُثَابُ ثَوَابَ الْوَاجِبِ إلَّا عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَمَا وَقَعَ مَعَهُ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ النَّدْبِ أَوْ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ مَا يَخْتَارُهُ إنْ اخْتَارَ أَفْضَلَهَا حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ النَّدْبِ عَلَى ذَلِكَ الْخُصُوصِ. وَإِنْ اخْتَارَ أَدْنَاهَا إنْ كَانَ بَيْنَهَا تَفَاوُتٌ أَوْ إحْدَاهَا وَلَيْسَ بَيْنَهَا تَفَاوُتٌ فَلَا ثَوَابَ فِي الْخُصُوصِ ـــــــــــــــــــــــــــــSلَا بِالْكُلِّيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ كُلِّيٌّ. قَالَ (وَهَذَا الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ هُوَ مُتَعَلِّقُ خَمْسَةِ أَحْكَامٍ إلَى قَوْلِهِ فَالْوَاجِبُ وَاجِبٌ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ وَالْمُخَيَّرُ فِيهِ مُخَيَّرٌ فِيهِ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ) قُلْتُ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ غَيْرُ قَوْلِهِ بَلْ مَفْهُومُ أَحَدِهَا الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ عِنْدَهُ هُوَ الْكُلِّيُّ وَاحِدُ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ هُوَ الْمُشْتَرَكُ الَّذِي هُوَ الْكُلِّيُّ لِتِلْكَ الْأَشْيَاءِ بَلْ أَحَدُ الْأَشْيَاءِ وَاحِدٌ مِنْهَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْ الْآحَادِ الصَّادِقِ عَلَيْهَا ذَلِكَ الْمُشْتَرَكُ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا فِي مَوَاضِعَ غَيْرِ هَذَا. قَالَ (الْحُكْمُ الثَّانِي الْمُتَعَلِّقُ بِهَذَا الْمُشْتَرَكِ الثَّوَابُ عَلَى تَقْدِيرِ الْفِعْلِ فَإِذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ أَوْ بَعْضَهُ لَا يُثَابُ ثَوَابَ الْوَاجِبِ إلَّا عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَمَا وَقَعَ مَعَهُ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ النَّدْبِ أَوْ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُثَابُ إلَّا عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الثَّوَابَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي وَقَعَ مِنْ الْمُكَلَّفِ وَهَذَا لَمْ يُوقِعْ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ إيقَاعُهُ وَإِنَّمَا أَوْقَعَ مَا كُلِّفَ أَنْ يُوقِعَهُ وَيَصِحُّ مِنْهُ إيقَاعُهُ وَهُوَ فَرْدٌ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُشْتَرَكِ وَتَعَلُّقُ التَّكْلِيفِ بِهِ عَلَى الْإِبْهَامِ وَلَكِنْ الْوُجُودُ عَيَّنَهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْوُجُودُ إلَّا فِي الْمُعَيَّنِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ مَا أَوْقَعَهُ مَعَ ذَلِكَ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ النَّدْبِ أَوْ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ فَإِنَّهُ دَعْوَى لَمْ يَأْتِ عَلَيْهَا بِحُجَّةٍ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يُثَابُ عَلَى الزَّائِدِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُهُ اسْتِظْهَارًا وَتَأْكِيدًا لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ فَإِنْ اتَّفَقَ أَنْ يَفْعَلَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ الْقَصْدِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُثَابَ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْهُ لِذَلِكَ لَمْ يَفْعَلْهُ لِوَجْهٍ مَشْرُوعٍ وَمَا لَمْ يُفْعَلْ لِوَجْهٍ مَشْرُوعٍ فَلَا دَلِيلَ عَلَى ثُبُوتِ الثَّوَابِ عَلَيْهِ. قَالَ (وَبِحَسَبِ مَا يَخْتَارُهُ إنْ اخْتَارَ أَفْضَلَهَا حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ النَّدْبِ عَلَى ذَلِكَ الْخُصُوصِ وَإِنْ اخْتَارَ أَدْنَاهَا إنْ كَانَ بَيْنَهَا تَفَاوُتٌ أَوْ إحْدَاهَا وَلَيْسَ بَيْنَهَا تَفَاوُتٌ فَلَا ثَوَابَ فِي الْخُصُوصِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ إنَّمَا يُثَابُ ثَوَابَ الْوَاجِبِ لَا ثَوَابَ النَّدْبِ بَعْدَ اخْتِيَارِ أَفْضَلِهَا أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسْتَحَقَّةٌ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» يَقْتَضِي حَصْرَ الْأَعْمَالِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي النِّيَّاتِ وَالتَّقْدِيرُ الْأَعْمَالُ مُعْتَبَرَةٌ بِالنِّيَّاتِ فَكَمَا أَنَّ الْعَمَلَ لَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَذَلِكَ طَلَبُ الشُّفْعَةِ لَا يُعْتَبَرُ شَرْعًا فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ اهـ. فَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ هُوَ دَعْوَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَمِثْلُهُ فِي كَوْنِهِ دَعْوَى لَمْ يَأْتِ عَلَيْهَا بِحُجَّةٍ قَوْلُهُ إنَّ الْحَجَّ قَوْله تَعَالَى {أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] بِتَقْدِيرِ زَمَانِ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ يَقْتَضِي حَصْرَ وَقْتِ الْحَجِّ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ وَهِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَفِي كَوْنِهِ بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ فَلَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ قَبْلَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْفَضِيلَةِ فَيَصِحُّ الْإِحْرَامُ قَبْلَهُ إذَا وَقَعَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ قَوْلَانِ. وَكَذَا قَوْلُهُ: إنَّ مِثْلَ قَوْلِنَا السَّفَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يُفْهَمُ مِنْهُ الْحَصْرُ لِلسَّفَرِ فِي هَذَا الظَّرْفِ وَأَنَّهُ لَا يَقَعُ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ وَلَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ، وَمِثْلُهُ أَيْضًا فِي كَوْنِهِ دَعْوَى قَوْلُ الْغَزَالِيِّ إذَا قُلْت: صَدِيقِي زَيْدٌ أَوْ زَيْدٌ صَدِيقِي اقْتَضَى الْأَوَّلُ حَصْرَ أَصْدِقَائِك فِي زَيْدٍ فَلَا تُصَادِقْ أَنْتَ غَيْرَهُ وَهُوَ يَجُوزُ أَنْ يُصَادِقَ غَيْرَك وَالثَّانِي حَصْرُ زَيْدٍ فِي صَدَاقَتِك فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَادِقَ غَيْرَك وَأَنْتَ يَجُوزُ أَنْ تُصَادِقَ غَيْرَهُ عَلَى عَكْسِ الْأَوَّلِ وَمِثْلُهُ فِي كَوْنِهِ دَعْوَى أَيْضًا قَوْلُ الْفَخْرِ الرَّازِيّ فِي كِتَابِهِ الْإِعْجَازُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ قَدْ تَرِدُ لِحَصْرِ الثَّانِي فِي الْأَوَّلِ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ الْحَصْرِ مِنْ كَوْنِ الْأَوَّلِ أَبَدًا مُنْحَصِرًا فِي الثَّانِي كَقَوْلِك زَيْدٌ الْقَائِمُ تُرِيدُ لَا قَائِمَ إلَّا زَيْدٌ بِحَصْرِ وَصْفِ الْقِيَامِ فِي زَيْدٍ، وَقَوْلُك أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ الْخَلِيفَةُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُرِيدُ أَنَّ الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُنْحَصِرَةٌ فِي أَبِي بَكْرٍ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ زَيْدٌ النَّاقِلُ لِهَذَا الْخَبَرِ وَالْمُتَسَبِّبُ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ اهـ كَلَامُ ابْنِ الشَّاطِّ. قُلْتُ: وَلَا يَخْفَاك أَنَّ فِي اخْتِيَارِهِ حَصْرَ الْمُبْتَدَأِ فِي خَبَرِهِ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ وَأَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ الْفَخْرِ بِعَكْسِهِ فِي نَحْوِ زَيْدٌ الْقَائِمُ أَوْ النَّاقِلُ لِهَذَا الْخَبَرِ أَوْ الْمُتَسَبِّبُ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ دَعْوَى لَا حُجَّةَ لَهَا وَإِنَّ الْمُسْنَدَ النَّكِرَةَ لَا يَقْتَضِي لُغَةً الْحَصْرَ أَلْبَتَّةَ وَلَوْ عُرِّفَ الْمُسْنَدُ إلَيْهِ بِاللَّامِ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي عَقْلًا حَصْرَ الْمُبْتَدَأِ فِيهِ دُونَ نَقِيضِهِ مُخَالَفَةً لِمَا قَالَهُ عُلَمَاءُ الْمَعَانِي فِي مَبْحَثِ الْقَصْرِ مِمَّا حَاصِلُهُ كَمَا فِي الدُّسُوقِيِّ عَلَى مُخْتَصَرِ السَّعْدِ وَابْنِ يَعْقُوبَ عَلَى التَّلْخِيصِ أَنَّ التَّعْرِيفَ فَاللَّامُ الْجِنْسِ إنْ كَانَ الْمُسْنَدَ إلَيْهِ فَهُوَ الْمَقْصُورُ عَلَى الْمُسْنَدِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْنَدُ مَعْرِفَةً نَحْوُ الْأَمِيرُ زَيْدٌ أَوْ نَكِرَةً نَحْوُ

أَمَّا ثَوَابُ الْوُجُوبِ فَلَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمُشْتَرَكِ خَاصَّةً فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْوُجُوبِ وَمُتَعَلِّقَ ثَوَابِهِ يَجِبُ أَنْ يَتَّحِدَا أَمَّا إنَّهُ يَجِبُ شَيْءٌ وَيُفْعَلُ وَيُثَابُ ثَوَابَ الْوَاجِبِ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا الْحُكْمُ الثَّالِثُ الْعِقَابُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا فَإِذَا تَرَكَهُ فَقَدْ تَرَكَ الْجَمِيعَ وَتَرْكُهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِتَرْكِ الْجَمِيعِ فَإِنَّهُ إذَا تَرَكَ الْبَعْضَ وَفَعَلَ الْبَعْضَ فَقَدْ فَعَلَ الْمُشْتَرَكَ وَهُوَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا؛ لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنِ فَيَسْتَحِقُّ حِينَئِذٍ الْعِقَابَ عَلَى تَرْكِهِ إذَا تَرَكَهُ تَرَكَ الْجَمِيعَ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْوُجُوبِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقَ الْعِقَابِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ وَمُتَعَلِّقُ الثَّوَابِ عَلَى تَقْدِيرِ الْفِعْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــSأَدْنَاهَا وَلَكِنْ يَكُونُ ثَوَابُ أَفْضَلِهَا ثَوَابَ وَاجِبٍ أَفْضَلَ وَثَوَابُ أَدْنَاهَا ثَوَابَ وَاجِبٍ أَدْوَنَ وَلَا وَجْهَ لِدُخُولِ النَّدْبِ هُنَا وَقَوْلُهُ فَلَا ثَوَابَ فِي الْخُصُوصِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الثَّوَابَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى مَا أَوْقَعَ وَلَمْ يُوقِعْ إلَّا الْخُصُوصَ. قَالَ (أَمَّا ثَوَابُ الْوُجُوبِ فَلَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمُشْتَرَكِ خَاصَّةً فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْوُجُوبِ وَمُتَعَلِّقَ ثَوَابِهِ يَجِبُ أَنْ يَتَّحِدَا أَمَّا أَنَّهُ يَجِبُ شَيْءٌ وَيَفْعَلُ وَيُثَابُ ثَوَابَ الْوَاجِبِ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا مِنْ أَنَّ ثَوَابَ الْوُجُوبِ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمُشْتَرَكِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ وَمَا قَالَهُ مِنْ لُزُومِ تَوَارُدِ الْوُجُوبِ وَثَوَابِهِ عَلَى شَيْءٍ مُتَّحِدٍ صَحِيحٌ لَكِنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ الْفِعْلُ الَّذِي أَوْقَعَهُ وَلَيْسَ هُوَ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ وَلَا تَعَلُّقَ الْوُجُوبِ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَلْ بِفَرْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ وَالْإِيقَاعُ إفَادَةُ التَّعْيِينِ. قَالَ (الْحُكْمُ الثَّالِثُ الْعِقَابُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا) قُلْتُ قَدْ تَقَدَّمَ مِرَارًا أَنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ لَيْسَ مَفْهُومَ أَحَدِهَا. قَالَ (فَإِذَا تَرَكَهُ فَقَدْ تَرَكَ الْجَمِيعَ وَتَرْكُهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِتَرْكِ الْجَمِيعِ فَإِنَّهُ إذَا تَرَكَ الْبَعْضَ وَفَعَلَ الْبَعْضَ فَقَدْ فَعَلَ الْمُشْتَرَكَ وَهُوَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا؛ لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنِ فَيَسْتَحِقُّ حِينَئِذٍ الْعِقَابَ عَلَى تَرْكِهِ إذَا تَرَكَهُ بِتَرْكِ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْوُجُوبِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقَ الْعِقَابِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ وَمُتَعَلِّقُ الثَّوَابِ عَلَى تَقْدِيرِ الْفِعْلِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِتَرْكِ الْجَمِيعِ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ الْبَعْضَ فَقَدْ فَعَلَ الْمُشْتَرَكَ إنَّمَا يَعْنِي فِعْلَ مَا فِيهِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ لَا الْكُلِّيُّ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ مَفْهُومُ أَحَدِهَا فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَأَنَّهُ إنْ كَانَ يَعْنِي مَا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ أَوْ يَحْوِيهِ الْمُشْتَرَكُ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَلَا وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ حِينَئِذٍ عَلَى تَرْكِهِ إذَا تَرَكَهُ بِتَرْكِ الْجَمِيعِ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْوُجُوبِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقَ الْعِقَابِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ وَمُتَعَلِّقُ الثَّوَابِ عَلَى تَقْدِيرِ الْفِعْلِ لَيْسَ كَمَا. قَالَ فَإِنَّ مُتَعَلِّقَ الثَّوَابِ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ فِعْلُ إحْدَى الْخِصَالِ الْمُخَيَّرِ فِيهَا وَمُتَعَلِّقُ الْعِقَابِ تَرْكُ جَمِيعِهَا فَلَيْسَ مُتَعَلِّقَ الْوُجُوبِ هُوَ بِعَيْنِهِ مُتَعَلِّقَ الثَّوَابِ وَمُتَعَلِّقَ الْعِقَابِ مَعًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْوُجُوبِ هُوَ مُتَعَلِّقُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَى الْجُمْلَةِ فَلِذَلِكَ وَجْهٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ أَيْ لَا عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ لِلْمُسْنَدِ فَهُوَ الْمَقْصُورُ عَلَى الْمُسْنَدِ إلَيْهِ وَهَلْ وَلَوْ عُرِّفَ الْمُسْنَدُ إلَيْهِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ أَيْضًا نَحْوُ الْكَرْمُ التَّقْوَى وَبِهِ صَرَّحَ السَّعْدُ فِي الْمُطَوَّلِ أَوْ إنْ عُرِّفَ الْمُسْنَدُ إلَيْهِ بِهَا أَيْضًا احْتَمَلَ قَصْرَهُ عَلَى الْمُسْنَدِ أَوْ قَصْرَ الْمُسْنَدِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْأَظْهَرَ حِينَئِذٍ قَصْرُ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ؛ لِأَنَّ الْقَصْرَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَصْدِ الِاسْتِغْرَاقِ وَشُمُولِ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ وَذَلِكَ أَنْسَبُ بِالْمُسْنَدِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِيهِ إلَى الذَّاتِ وَفِي الْمُسْنَدِ إلَى الصِّفَةِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ السَّيِّدُ أَوْ إنْ عُرِّفَ الْمُسْنَدُ إلَيْهِ بِهَا أَيْضًا فَالْأَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْهُمَا سَوَاءٌ قُدِّمَ وَجُعِلَ مُبْتَدَأً أَوْ أُخِّرَ وَجُعِلَ خَبَرًا يُقْصَرُ عَلَى الْأَخَصِّ نَحْوُ الْعُلَمَاءُ النَّاسُ أَوْ النَّاسُ الْعُلَمَاءُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ فَبِحَسَبِ الْقَرَائِنِ فَفِي نَحْوِ الْعُلَمَاءُ الْخَاشِعُونَ تَارَةً يُقْصَدُ قَصْرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْخَاشِعِينَ وَتَارَةً يُقْصَدُ عَكْسُهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ فَالْأَظْهَرُ قَصْرُ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ وَمَعْنَى تَصَوُّرِ الْعُمُومِ فِي الْقَصْرِ جَوَازُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَعَمَّ مَفْهُومًا وَإِنْ تَسَاوَيَا مَا صَدَقَا وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عَبْدُ الْحَكِيمِ أَقُولُ: وَالْجِنْسُ فِي الْخَبَرِ قَدْ يَبْقَى عَلَى إطْلَاقِهِ وَقَدْ يُقَيَّدُ بِوَصْفٍ أَوْ حَالٍ أَوْ ظَرْفٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ نَحْوُ هُوَ الرَّجُلُ الْكَرِيمُ وَهُوَ السَّائِرُ رَاكِبًا وَهُوَ الْأَمِيرُ فِي الْبَلَدِ وَهُوَ الْوَاهِبُ أَلْفَ قِنْطَارٍ وَكَوْنُ التَّعْرِيفِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ لِإِفَادَةِ الْحَصْرِ وَإِنْ عُلِمَ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَتَصَفُّحِ تَرَاكِيبِ الْبُلَغَاءِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ تَعْرِيفَ الْخَبَرِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ فِي قَوْلِ الْخَنْسَاءِ فِي مَرْثِيَةِ أَخِيهَا صَخْرٍ: إذَا قَبُحَ الْبُكَاءُ عَلَى قَتِيلٍ ... رَأَيْتُ بُكَاءَكَ الْحَسَنَ الْجَمِيلَا لَمْ يَكُنْ لِإِفَادَةِ الْحَصْرِ وَأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ بُكَاءَكَ هُوَ الْحَسَنُ الْجَمِيلُ فَقَطْ دُونَ بُكَاءِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَسَنٍ كَمَا تُوُهِّمَ بَلْ إنَّمَا هُوَ لِإِفَادَةِ الْإِشَارَةِ إلَى مَعْلُومِيَّةِ الْحَسَنِ لِذَلِكَ ادِّعَاءً وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَصْرَ لَا يُلَائِمُهُ إذَا قَبُحَ الْبُكَاءُ عَلَى قَتِيلٍ لِإِشْعَارِهِ بِأَنَّ الْكَلَامَ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الْبُكَاءَ عَلَى هَذَا الْمَرْثِيِّ قَبِيحٌ كَغَيْرِهِ وَالرَّدُّ عَلَى ذَلِكَ الْمُتَوَهَّمِ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ إخْرَاجِ بُكَائِهِ مِنْ الْقُبْحِ إلَى كَوْنِهِ حَسَنًا وَيُتَصَوَّرُ فِي تَعْرِيفِ كُلٍّ مِنْ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ وَالْمُسْنَدِ كُلٌّ مِنْ قَصْرِ الْأَفْرَادِ وَقَصْرِ الْقَلْبِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي تَعْرِيفِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَاللَّامُ الْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ قَصْرُ الْأَفْرَادِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا فِيهِ عُمُومٌ كَالْجِنْسِ فَيُحْصَرُ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ وَلَا عُمُومَ فِي الْمَفْهُومِ الْخَارِجِيِّ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ قَصْرُ الْقَلْبِ فَيُقَالُ لِمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ الْمُنْطَلِقَ الْمَعْهُودَ هُوَ عَمْرٌو الْمُنْطَلِقُ

وَلَا وَجْهَ لِمَنْ قَالَ إنَّهُ إذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ أُثِيبَ ثَوَابَ الْوَاجِبِ عَلَى أَكْثَرِهَا ثَوَابًا وَإِذَا تَرَكَ الْجَمِيعَ عُوقِبَ عَلَى تَرْكِ أَدْوَنِهَا عِقَابًا فَإِنَّ أَكْثَرَهَا ثَوَابًا لَوْ أُثِيبَ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ لَكَانَ هُوَ الْوَاجِبَ وَلَتَعَيَّنَ الْوَاجِبُ وَلَمْ يَكُنْ الْوَاجِبُ أَحَدَهَا لَا بِعَيْنِهِ فَكَانَ يُبْطِلُ مَعْنَى التَّخْيِيرِ وَالتَّقْدِيرُ ثُبُوتُهُ. وَأَمَّا أَدْوَنُهَا عِقَابًا فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِنَا إنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَقَلَّ مِنْ الْمُشْتَرَكِ وَلَكِنْ تَشْخِيصُهُ فِي خَصْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَهُ فَيُقَالُ هَذَا أَقَلُّهَا عِقَابًا لَهُ وَهِيَ مُتَعَلِّقُ الْعِقَابِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ يَقْتَضِي أَنَّهَا هِيَ بِعَيْنِهَا مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ فَيَبْطُلُ مَعْنَى التَّخْيِيرِ وَالتَّقْدِيرُ ثُبُوتُهُ هَذَا خَلْفٌ بَلْ التَّصْرِيحُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ فِي ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَلَا وَجْهَ لِمَنْ قَالَ إنَّهُ إذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ أُثِيبَ ثَوَابَ الْوَاجِبِ عَلَى أَكْثَرِهَا ثَوَابًا وَإِذَا تَرَكَ الْجَمِيعَ عُوقِبَ عَلَى تَرْكِ أَدْوَنِهَا عِقَابًا) قُلْتُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ بَلْ لِقَوْلِ قَائِلِ ذَلِكَ وَجْهٌ ثَبَتَ تَقْدِيرُهُ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْ سَعَةِ بَابِ الثَّوَابِ بِدَلِيلِ تَضْعِيفِ الْحَسَنَاتِ وَضِيقِ الْعِقَابِ بِدَلِيلِ عَدَمِ تَضْعِيفِ السَّيِّئَاتِ فَالثَّوَابُ عَنْ الْأَكْثَرِ ثَوَابًا وَالْعِقَابُ عَلَى الْأَدْوَنِ عِقَابًا مُنَاسِبٌ لِتِلْكَ الْقَاعِدَةِ. قَالَ (فَإِنَّ أَكْثَرَهَا ثَوَابًا لَوْ أَثْبَتَ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ لَكَانَ هُوَ الْوَاجِبَ وَلَتَعَيَّنَ الْوَاجِبُ وَلَمْ يَكُنْ الْوَاجِبُ أَحَدَهَا لَا بِعَيْنِهِ فَكَانَ يُبْطِلُ مَعْنَى التَّخْيِيرِ وَالتَّقْدِيرُ ثُبُوتُهُ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَلَتَعَيَّنَ الْوَاجِبُ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ فَذَلِكَ مَمْنُوعٌ وَكَيْفَ يَتَعَيَّنُ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ وَقَدْ فُرِضَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ هَذَا مَا لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ وَإِنْ أَرَادَ وَلَتَعَيَّنَ الْوَاجِبُ بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ فَذَلِكَ مُسَلَّمٌ وَلَا بُدَّ مِنْهُ فَإِنَّ الْوُجُودَ يَسْتَلْزِمُ التَّعْيِينَ بِخِلَافِ الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْوُجُوبَ أَمْرٌ إضَافِيٌّ وَالْوُجُودُ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ أَمْرَانِ حَقِيقَانِ لَا يَتَرَتَّبَانِ إلَّا عَلَى الْأَمْرِ الْحَقِيقِيِّ فَهُمَا يَسْتَلْزِمَانِ مَا يَتَرَتَّبَانِ عَلَيْهِ وَتَعْيِينَهُ وَإِنَّمَا أَوْقَعَ شِهَابُ الدِّينِ فِي هَذَا الْإِشْكَالِ ذَهَابُ وَهْمِهِ إلَى أَنَّ التَّعْيِينَ فِي الْوُجُودِ يَسْتَلْزِمُ التَّعْيِينَ فِي الْوُجُوبِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنْته آنِفًا. قَالَ (وَأَمَّا أَدْوَنُهَا عِقَابًا فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِنَا إنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَقَلَّ مِنْ الْمُشْتَرَكِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ إنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى أَدْوَنِهَا عِقَابًا قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ إنَّهُ يُعَاقَبُ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَقَلَّ مِنْ الْمُشْتَرَكِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ الَّذِي هُوَ الْكُلِّيُّ لَا يَلْحَقُهُ وَصْفُ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَلَا مَا أَشْبَهَهُمَا مِنْ الْأَوْصَافِ. قَالَ (وَلَكِنْ تَشْخِيصُهُ فِي خَصْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَهُ فَيُقَالُ هَذِهِ أَقَلُّهَا عِقَابًا وَهِيَ مُتَعَلِّقُ الْعِقَابِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ يَقْتَضِي أَنَّهَا هِيَ بِعَيْنِهَا مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ فَيَبْطُلُ مَعْنَى التَّخْيِيرِ وَالتَّقْدِيرُ ثُبُوتُهُ هَذَا خُلْفٌ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ تَشْخِيصَهُ خَصْلَةً يُقَالُ إنَّهَا أَقَلُّهَا عِقَابًا يَقْتَضِي أَنَّهَا بِعَيْنِهَا مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ لَا يَقْتَضِي تَشْخِيصَهَا ذَلِكَ وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ. قَالَ (بَلْ التَّصْرِيحُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ فِي ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ) قُلْتُ لَيْسَ مَا صَوَّبَهُ بِصَوَابٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQزَيْدٌ أَيْ لَا عَمْرٌو كَمَا تَعْتَقِدُ وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ. وَقَدْ نَظَمْتُ هَذَا الْحَاصِلَ مُذَيِّلًا لِبَيْتَيْ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْأُجْهُورِيِّ بِقَوْلِي: مُبْتَدَأٌ فَاللَّامُ جِنْسٍ عُرِّفَا ... مُنْحَصِرٌ فِي مُخْبَرٍ بِهِ وَفَا وَإِنْ خَلَا عَنْهَا وَعُرِّفَ الْخَبَرْ ... بِاللَّامِ مُطْلَقًا فَبِالْعَكْسِ اسْتَقَرْ كَذَا إذَا مَا عُرِّفَ الْجُزْءَانِ ... بِاللَّامِ عِنْدَ السَّعْدِ ذِي الْإِتْقَانِ وَالسَّيِّدِ بِأَنَّ ذَا يَحْتَمِلُ ... أَيْضًا لِحَصْرِ الْمُبْتَدَأِ بَلْ أَكْمَلُ وَالثَّالِثُ الْأَعَمُّ مِنْهُمَا بِنَصِّ ... حِينَئِذٍ يُحْصَرُ دَوْمًا مَا فِي الْأَخَصِّ وَإِنْ أَتَى عُمُومُهُ وَجْهِيًّا ... حِيلَ عَلَى قَرَائِنَ مَلِيًّا وَحَيْثُ لَا قَرَائِنَ فَالْأَظْهَرُ ... مُبْتَدَأٌ فِي خَبَرٍ يَنْحَصِرُ وَكُلُّ أَقْسَامِ الْحَصْرِ قَدْ أَتَتْ ... فِيمَا فَاللَّامُ الْجِنْسِ حَصْرُهُ ثَبَتْ وَقَدْ أَتَى مُعَرَّفٌ بِاللَّامِ ... لِغَيْرِ حَصْرٍ فَافْهَمْ كَلَامِي وَمَا فَاللَّامُ الْعَهْدِ خَارِجًا فَلَا ... حَصْرَ لِإِفْرَادٍ بِهِ تَحَصَّلَا وَقَدْ مَرَّ عَنْ السَّعْدِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى عَضُدِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْحَقَّ عَدَمُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ كَمَا فِي قَوْلِنَا الْفُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةُ أَئِمَّةً فُضَلَاءَ وَمَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ عِنْدَ قَصْدِ الْإِخْبَارِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ وَنَفْيُهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ كَمَا فِي قَوْلِنَا فِي الشَّامِ الْغَنَمُ السَّائِمَةُ لَا يُنَافِي ذَلِكَ. اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الشِّرْبِينِيُّ فِي تَقْرِيرَاتِهِ عَلَى حَوَاشِي مَحَلِّي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ كَوْنِ مَدْلُولِ الْخَبَرِ الْإِيقَاعُ وَالِانْتِزَاعُ أَوْ الْوُقُوعُ وَاللَّا وُقُوعُ لَفْظِيٌّ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ عَبْدُ الْحَكِيمِ فِي حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ مِنْ أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ مَدْلُولَهُ الْإِيقَاعُ أَرَادَ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِالْوُقُوعِ وَالْقَائِلُ بِأَنَّ مَدْلُولَهُ الْوُقُوعُ أَرَادَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُتَعَلِّقُ الْإِيقَاعِ وَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْمَوْضُوعَ لَهُ الصُّورَةُ الذِّهْنِيَّةُ أَوْ الْخَارِجِيَّةُ بَلْ وَلَوْ بَنَيْنَا عَلَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلصُّورَةِ الذِّهْنِيَّةِ أَعْنِي الْحُكْمَ بِالنِّسْبَةِ قُلْنَا أَنْ نَقُولَ هُوَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْإِفَادَةِ هُوَ الْمُتَعَلِّقُ الَّذِي هُوَ النِّسْبَةُ بِمَعْنَى الْوُقُوعِ أَوْ اللَّا وُقُوعِ إذْ هُوَ الَّذِي يَقْصِدُهُ الْمُتَكَلِّمُ وَلِهَذَا جَزَمَ السَّعْدُ فِي حَاشِيَةِ الْعَضُدِ بِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَوْضُوعُ لَهُ هَذَا وَغَيْرُ خَافٍ عَلَيْكَ أَنَّ طَرِيقَ حُجَّةِ الْمَفْهُومِ سَوَاءٌ فِي الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ هُوَ أَنَّهُ الْمَفْهُومُ لُغَةً اهـ. وَمَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ الْفَخْرِ جَارٍ عَلَى هَذَا الَّذِي قَالَهُ عُلَمَاءُ الْمَعَانِي فَكَيْفَ يَكُونُ دَعْوَى لَا حُجَّةَ لَهَا وَإِنَّمَا

[الفرق بين قاعدة التشبيه في الدعاء وبين قاعدة التشبيه في الخبر]

الْحُكْمُ الرَّابِعُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلَا تَبْرَأُ إلَّا بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا فَإِذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ أَوْ شَيْئًا مُعَيَّنًا مِنْهَا إنَّمَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ ذَلِكَ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ سَبَبُ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْ الْوَاجِبِ إذَا وَقَعَ بِعَيْنِهِ وَلَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ مِنْ الْوَاجِبِ بِشَيْءٍ غَيْرِهِ أَلْبَتَّةَ وَلِذَلِكَ نَقُولُ فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ إنَّمَا بَرَأَتْ ذِمَّتُهُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ صَلَاتِهِ هَذِهِ وَجَمِيعِ صَلَوَاتِ النَّاسِ وَهُوَ مَفْهُومُ الظُّهْرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ ظُهْرٌ أَمَّا خُصُوصُ هَذَا الظُّهْرِ وَهُوَ كَوْنُهُ وَاقِعًا فِي الْبُقْعَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَعَلَى الْهَيْئَةِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوُجُوبِ وَكَذَلِكَ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إنَّمَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ بِمَا فِي ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْحُكْمُ الرَّابِعُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلَا تَبْرَأُ إلَّا بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا) قُلْتُ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ أَنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ لَيْسَ مَفْهُومَ أَحَدِهَا مِرَارًا عَدِيدَةً. قَالَ (فَإِذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ أَوْ شَيْئًا مُعَيَّنًا مِنْهَا فَلَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ إلَّا بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ) قُلْتُ لَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيقَاعُهُ وَلَا دُخُولُهُ فِي الْوُجُودِ الْعَيْنِيِّ وَإِنَّمَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ بِمَا أَوْقَعَهُ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ أَيْ قِسْطٌ مِنْهُ عَلَى مَا قَرَّرَهُ أَهْلُ هَذَا الْعِلْمِ. قَالَ (لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ سَبَبُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْوَاجِبِ إذَا وَقَعَ بِعَيْنِهِ وَلَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ مِنْ الْوَاجِبِ بِشَيْءٍ غَيْرِهِ أَلْبَتَّةَ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إذَا وَقَعَ بِعَيْنِهِ إذَا وَقَعَ وَتَعَيَّنَ بِالْوُقُوعِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إذَا وَقَعَ بِعَيْنِهِ إذَا وَقَعَ عَلَى حَسَبِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ فَذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْوُجُوبِ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْإِبْهَامِ وَلَيْسَ تَعَلُّقُ الْوُجُودِ بِهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ بَلْ عَلَى التَّعْيِينِ. قَالَ (وَلِذَلِكَ تَقُولُ فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ إنَّمَا بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ صَلَاتِهِ هَذِهِ وَجَمِيعِ صَلَوَاتِ النَّاسِ وَهُوَ مَفْهُومُ الظُّهْرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ ظُهْرٌ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ ظَاهِرَ لَفْظِهِ وَهُوَ أَنَّ بَرَاءَةَ ذِمَّةِ مُصَلِّي الظُّهْرِ إنَّمَا تَقَعُ بِصَلَاتِهِ وَصَلَاةِ غَيْرِهِ فَذَلِكَ وَاضِحُ الْبُطْلَانِ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ لَا تَبْرَأَ ذِمَّةُ زَيْدٍ حَتَّى يُصَلِّيَ عَمْرٌو وَغَيْرُهُ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ بَرَاءَةَ ذِمَّةِ مُصَلِّي الظُّهْرِ إنَّمَا تَقَعُ بِالْكُلِّيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ كُلِّيٌّ فَهُوَ خَطَأٌ أَيْضًا وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ بَرَاءَةَ ذِمَّةِ الْمُصَلِّي إنَّمَا تَقَعُ بِصَلَاتِهِ لَا مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهَا بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْمُشْتَرَكِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَلَكِنْ هَذَا الِاحْتِمَالُ بَعِيدٌ مِنْ لَفْظِهِ وَمَسَاقُ كَلَامِهِ. قَالَ (أَمَّا خُصُوصُ هَذَا الظُّهْرِ وَهُوَ كَوْنُهُ وَاقِعًا فِي الْبُقْعَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَعَلَى الْهَيْئَةِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوُجُوبِ) قُلْتُ كَوْنُ الصَّلَاةِ وَاقِعَةً فِي بُقْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَعَلَى هَيْئَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْوُجُوبِ أَيْ لَمْ تُشْتَرَطْ تِلْكَ الْبُقْعَةُ وَلَا تِلْكَ الْهَيْئَةُ فِي الْوُجُوبِ فَلَمْ تَقَعْ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ إلَّا بِتِلْكَ الصَّلَاةِ الْمُقَيَّدَةِ بِتِلْكَ الْقُيُودِ وَذَلِكَ لِتَعْيِينِ الْوُجُودِ لَا لِتَعْيِينِ الْوُجُوبِ. قَالَ (وَكَذَلِكَ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إنَّمَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ صَوْمِ رَمَضَانَ بِمَا فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْأَصْلَ فِي الْخَبَرِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ غَيْرُ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ أَوْ الْمَعْرُوفُ بِهَا إذَا كَانَ الْمُبْتَدَأُ مُعَرَّفًا بِهَا أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدَأُ مَحْصُورًا فِيهِ بِمَعْنَى اتِّصَافِهِ بِهِ دُونَ نَقِيضِهِ وَضِدُّهُ وَخِلَافُهُ عَلَى قَاعِدَةِ حَصْرِ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي وَالْأَصْلُ فِي الْخَبَرِ الْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ إذَا لَمْ يُعَرَّفْ مُبْتَدَؤُهُ بِاللَّامِ أَنْ يَكُونَ مَحْصُورًا فِي الْمُبْتَدَأِ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ الْحَصْرِ لِلْأَوَّلِ فِي الثَّانِي وَقَدْ يَجِيءُ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْأَصْلِ فَيَجْرِي عَلَى قَاعِدَةِ الْحَصْرِ لِلْأَوَّلِ فِي الثَّانِي كَمَا فِي حَدِيثِ «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» كَمَا أَنَّهُ قَدْ يَأْتِي لِغَيْرِ الْحَصْرِ كَمَا فِي: وَجَدْتُ بُكَاءَكَ الْحَسَنَ الْجَمِيلَا وَإِذَا كَانَ هَذَا كَذَلِكَ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخَبَرِ الْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ الْجِنْسِ وَغَيْرِهِ إذَا لَمْ يُعَرَّفْ مُبْتَدَؤُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ حَصْرُ الثَّانِي فِي الْأَوَّلِ وَقَدْ يَجِيءُ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْأَصْلِ إمَّا بِحَصْرِ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي وَإِمَّا بِدُونِ الْحَصْرِ، وَغَيْرُهُ إنَّمَا يَكُونُ لِحَصْرِ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ حَصْرَهُ لُغَوِيٌّ لَا عَقْلِيٌّ فَقَطْ وَحَصْرُ غَيْرِهِ عَقْلِيٌّ فَقَطْ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ حَصْرَهُ الْحَقِيقِيَّ يَقْتَضِي نَفْيَ النَّقِيضِ وَالضِّدِّ وَالْخِلَافِ جَمِيعًا وَحَصْرُ غَيْرِهِ إنَّمَا يَقْتَضِي حَصْرَ النَّقِيضِ فَقَطْ. هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْمَقَامِ فَتَأَمَّلْهُ بِإِنْصَافٍ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ جِدًّا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْبِيهِ فِي الدُّعَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْبِيهِ فِي الْخَبَرِ] (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْبِيهِ فِي الدُّعَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْبِيهِ فِي الْخَبَرِ) بِنَاءً عَلَى مَا زَعَمَهُ الْأَصْلُ مِنْ أَنَّ التَّشْبِيهَ فِي الدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالتَّرَجِّي وَالتَّمَنِّي وَالْإِبَاحَةِ لَا يَقَعُ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ خَاصَّةً بِسَبَبِ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الثَّمَانِيَةَ لَا تَتَعَلَّقُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ كَمَا مَرَّ فِي الْفَرْقِ الرَّابِعِ بِخِلَافِ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتَعَلَّقُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِالْمَاضِي وَالْحَالِ وَالْمُسْتَقْبَلِ يَصِحُّ التَّشْبِيهُ فِيهِ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالْمُسْتَقْبَلِ بِأَنْ تُشَبِّهَ مَا وَقَعَ لَك أَمْسِ بِمَا وَقَعَ أَمْسِ لِشَخْصٍ آخَرَ، وَتُشَبِّهَ مَا وَقَعَ لَكَ الْيَوْمَ بِمَا وَقَعَ لِغَيْرِكَ الْيَوْمَ، وَتُشَبِّهَ مَا يَقَعُ لَكَ غَدًا بِمَا يَقَعُ لِغَيْرِكَ غَدًا وَكُلُّ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ، لَكِنْ تَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِأَنَّ كَوْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّمَانِيَةِ مِنْ الدُّعَاءِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ إلَخْ لَا تَتَعَلَّقُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إلَّا بِالْمُسْتَقْبَلِ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَشْبِيهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهَا بِغَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ، أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: أَعْطِ زَيْدًا كَمَا أَعْطَيْتَ عَمْرًا كَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ سَوِّ بَيْنَهُمَا فِي مُطْلَقِ الْعَطِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِقَصْدِ التَّسْوِيَةِ

[الفرق بين قاعدة ما يثاب عليه من الواجبات وبين قاعدة ما لا يثاب عليه منها]

صَوْمِهِ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ صَوْمِهِ هَذَا وَبَيْنَ صَوْمِ عَامَّةِ النَّاسِ وَهُوَ مَفْهُومُ شَهْرِ رَمَضَانَ. أَمَّا خُصُوصُ هَذَا الشَّهْرِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْبَرَاءَةِ كَمَا أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْوُجُوبِ فَكَوْنُهُ صَامَهُ الْمُكَلَّفُ فِي الْبَلَدِ الْمُعَيَّنِ أَوْ وَهُوَ يَأْكُلُ الْغِذَاءَ الْمُعَيَّنَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ خُصُوصَاتٍ سَاقِطٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ فِي الْبَرَاءَةِ وَالْوُجُوبِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ هَذَا الْبَابِ إنَّمَا الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ. الْحُكْمُ الْخَامِسُ: النِّيَّةُ فَلَا يَنْوِي الْمُكَلَّفُ إيقَاعَهُ بِنِيَّةِ الْوُجُوبِ وَأَدَاءِ الْفَرْضِ إلَّا الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ فَهُوَ الْمَنْوِيُّ فَقَطْ دُونَ الْخُصُوصَاتِ فَإِذَا أَعْتَقَ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ لَا يَنْوِي بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ وَلَا فِعْلَ الْوَاجِبِ بِالْعِتْقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ عِتْقٌ بَلْ لِكَوْنِ الْعِتْقِ أَحَدَ الْخِصَالِ فَقَطْ، وَكَذَلِكَ إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ لَا يَنْوِي فِعْلَ الْوَاجِبِ إلَّا بِمَا فِي الْمَجْمُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــSصَوْمِهِ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ صَوْمِهِ هَذَا وَبَيْنَ صَوْمِ عَامَّةِ النَّاسِ وَهُوَ مَفْهُومُ شَهْرِ رَمَضَانَ أَمَّا خُصُوصُ هَذَا الشَّهْرِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْبَرَاءَةِ كَمَا أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْوُجُوبِ) قُلْتُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ بِمَا فِي صَوْمِهِ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ كَانَ كَلَامُهُ كَافِيًا صَحِيحًا لَكِنَّهُ زَادَ مَا أَفْسَدَهُ بِهِ وَهُوَ بَاقِي كَلَامُهُ وَقَوْلُهُ أَمَّا خُصُوصُ هَذَا الشَّهْرِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْبَرَاءَةِ كَمَا أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْوُجُوبِ مِنْ أَشَدِّ الْكَلَامِ فَسَادًا وَأَوْضَحِهِ بُطْلَانًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَنْهُ أَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ الْمُعَيَّنَ مِنْ السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَا يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِصَوْمِهِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ قَطْعًا. قَالَ (فَكَوْنُهُ صَامَهُ الْمُكَلَّفُ فِي الْبَلَدِ الْمُعَيَّنِ أَوْ وَهُوَ يَأْكُلُ الْغِذَاءَ الْمُعَيَّنَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ خُصُوصَاتٍ سَاقِطٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ فِي الْبَرَاءَةِ وَالْوُجُوبِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ هَذَا الْبَابِ إنَّمَا الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ تِلْكَ الْخُصُوصَاتِ سَاقِطَةٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْبَرَاءَةَ لَمْ تَقَعْ بِالْمُقَيَّدِ بِتِلْكَ الْخُصُوصَاتِ وَكَذَلِكَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ لِكَوْنِ الْوُجُوبِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْمُقَيَّدِ بِهَا فَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْبَرَاءَةَ وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ لَمْ يَكُنْ كُلٌّ مِنْهَا مُرَتَّبًا عَلَى الْوَاجِبِ الْمَفْعُولِ أَوْ الْمَتْرُوكِ مَشْرُوطًا بِتِلْكَ الْخُصُوصَاتِ بَلْ مُرَتَّبٌ عَلَى مَا عَرَضَ لَهُ مِنْ جِهَةِ ضَرُورَةِ الْوُجُودِ مِنْ تِلْكَ الْخُصُوصَاتِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ اشْتِرَاطُهَا فَذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ (الْحُكْمُ الْخَامِسُ النِّيَّةُ فَلَا يَنْوِي الْمُكَلَّفُ إيقَاعَهُ بِنِيَّةِ الْوُجُوبِ وَأَدَاءِ الْفَرْضِ إلَّا الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ فَهُوَ الْمَنْوِيُّ فَقَطْ دُونَ الْخُصُوصَاتِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ تَعَلُّقِ النِّيَّةِ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِالْخُصُوصِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي يَخْتَارُ إيقَاعَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ أَوْ لِكَوْنِهِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ لَا بِخُصُوصِهِ. قَالَ (فَإِذَا أَعْتَقَ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ لَا يَنْوِي بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ وَلَا فِعْلَ الْوَاجِبِ بِالْعِتْقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ عِتْقٌ بَلْ لِكَوْنِ الْعِتْقِ أَحَدَ الْخِصَالِ فَقَطْ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ. قَالَ (وَكَذَلِكَ إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ لَا يَنْوِي فَهَلْ الْوَاجِبُ إلَّا بِمَا فِي الْمَجْمُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا فِي مِقْدَارِ الْعَطِيَّةِ وَلَا فِي صِفَتِهَا أَوْ مُرَادُهُ سَوِّ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ الْعَطِيَّةِ وَصِفَتِهَا مِنْ غَيْرِ مُحَاسَبَةِ زَيْدٍ بِمَا أَعْطَيْتَهُ قَبْلَ هَذَا كَذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ سَوِّ بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ الْعَطِيَّةِ وَصِفَتِهَا مَعَ مُحَاسَبَةِ زَيْدٍ بِمَا أَعْطَيْتَهُ قَبْلَ هَذَا فَيَكُونُ قَدْ شَبَّهَ مَا أَعْطَى لِزَيْدٍ أَمْسِ أَوْ فِي الْحَالِ بِمَا أَعْطَى لِعَمْرٍو أَمْسِ أَوْ فِي الْحَالِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ تَشْبِيهَ دُعَاءٍ بِدُعَاءٍ وَأَمْرٍ بِأَمْرٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ اهـ. وَقَدْ مَرَّ عَنْ ابْنِ الشَّاطِّ فِي الْفَرْقِ الرَّابِعِ أَنَّ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثَ كَذَلِكَ تَأْتِي فِي حَدِيثٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قِيلَ لَهُ: كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ قَالَ؟ قُولُوا: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» وَأَنَّ مَا أَوْرَدَهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ قَاعِدَةَ الْعَرَبِ تَقْتَضِي أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ أَخْفَضَ رُتْبَةً مِنْهُ وَأَعْظَمُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ وَهَا هُنَا صَلَاةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَعْنَاهَا الْإِحْسَانُ مَجَازٌ أَوْ نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ إحْسَانَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْظَمُ مِنْ إحْسَانِهِ لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى خِلَافِ مَا يَقْتَضِيهِ التَّشْبِيهُ فَمَا وَجْهُ التَّشْبِيهِ إنَّمَا يَصِحُّ وُرُودُهُ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّالِثِ لَا عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَلَيْسَ بِلَازِمٍ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْإِشْكَالَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ عَلَى التَّشْبِيهِ لَوْ وَقَعَ فِي الْخَبَرِ بِأَنْ قِيلَ إنَّ الْعَطِيَّةَ الَّتِي حَصَلَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُ الْعَطِيَّةِ الَّتِي حَصَلَتْ لِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْهَا] (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْهَا وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَاجِبًا) اعْلَمْ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا لِلْأَصْلِ مِنْ أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ الْإِجْزَاءِ وَغَيْرُ الْفِعْلِ الصَّحِيحِ وَأَنَّ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ يُثَابُ عَلَيْهَا وَيَكُونُ مَقْبُولًا دُونَ بَعْضٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يُبَرِّئُ الذِّمَّةَ بِالْفِعْلِ وَلَا يُثِيبُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَكْمِلًا لِشُرُوطِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ شَرْطَ تَحْقِيقِ الْقَبُولِ وَالثَّوَابِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا قَصْدُ الِامْتِثَالِ بِالْعَمَلِ وَثَانِيهِمَا التَّقْوَى الْعُرْفِيَّةُ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَأْمُورَاتِ قِسْمَانِ الْأَوَّلُ مَا صُورَةُ فِعْلِهِ كَافِيَةٌ فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَتِهِ كَأَدَاءِ الدُّيُونِ وَرَدِّ الْغُصُوبِ وَدَفْعِ الْوَدَائِعِ وَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَالدَّوَابِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَسُدُّ فِعْلُهُ مَسَدَّهُ وَيَقَعُ وَاجِبًا مُجْزِئًا لَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعَادَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصَدَ بِهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى

مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْخِصَالِ دُونَ الْخُصُوصِيَّاتِ وَكَذَلِكَ إذَا فَعَلَ وَاجِبًا مُطْلَقًا فِي ضِمْنِ مُعَيَّنٍ إنَّمَا يَنْوِي ذَلِكَ الْمُطْلَقَ الَّذِي هُوَ فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنِ فَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ مَثَلًا يَنْوِي مَفْهُومَ صَلَاةِ الظُّهْرِ الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ صَلَاتِهِ وَصَلَاةِ غَيْرِهِ فِيهِ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ وَهُوَ الَّذِي يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ نِيَّتُهُ فَهَذِهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ دُونَ الْخُصُوصَاتِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَنْدَفِعُ بِهِ جَمِيعُ الشُّكُوكِ وَالْأَسْئِلَةُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. فَإِنْ قُلْتَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ كُلِّيٌّ وَالْكُلِّيُّ لَا يُمْكِنُ دُخُولُهُ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ إنَّمَا يَقَعُ الْكُلِّيُّ فِي الذِّهْنِ دُونَ الْخَارِجِ وَجَمِيعُ مَا يَقَعُ فِي الْخَارِجِ إنَّمَا هُوَ جُزْئِيٌّ أَمَّا الْكُلِّيُّ فَلَا يُوجَدُ إلَّا فِي الذِّهْنِ وَمَا لَا يَقَعُ فِي الْخَارِجِ لَا يَجِبُ فِعْلُهُ فِي الْخَارِجِ وَإِلَّا لَزِمَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاق وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ بَطَلَ كَوْنُهُ مُتَعَلِّقَ الثَّوَابِ أَوْ الْعِقَابِ أَوْ الْبَرَاءَةِ أَوْ النِّيَّةِ قُلْتُ الْمُشْتَرَكَاتُ وَالْكُلِّيَّاتُ لَا تَقَعُ فِي الْأَعْيَانِ مُجَرَّدَةً عَنْ الْمُشَخَّصَاتِ وَالْمُعَيَّنَاتِ بَلْ ذَلِكَ إنَّمَا يُوجَدُ فِي الْأَذْهَانِ. وَأَمَّا وُقُوعُهَا فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنَاتِ فَحَقٌّ فَمَنْ أَعْتَقَ الرَّقَبَةَ الْمُعَيَّنَةَ فَقَدْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُطْلَقَةً وَمَنْ أَخْرَجَ الشَّاةَ الْمُعَيَّنَةَ فِي الزَّكَاةِ فَقَدْ أَخْرَجَ شَاةً مُطْلَقَةً فِي ضِمْنِ تِلْكَ الْمُعَيَّنَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSمِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْخِصَالِ دُونَ الْخُصُوصَاتِ) قُلْتُ وَمَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ أَيْضًا غَيْرُ قَوْلِهِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْخِصَالِ فَإِنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ لَيْسَ أَحَدَ الْخِصَالِ. قَالَ (وَكَذَلِكَ إذَا فَعَلَ وَاجِبًا مُطْلَقًا فِي ضِمْنِ مُعَيَّنٍ إنَّمَا يَنْوِي ذَلِكَ الْمُطْلَقَ الَّذِي هُوَ فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنِ) قُلْتُ هَذَا هُوَ سَبَبُ ارْتِبَاكِهِ وَاخْتِلَالِ أَقْوَالِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَشَبَهِهَا وَهُوَ اعْتِقَادُهُ أَنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ وَذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ هُوَ الْحَقِيقَةُ الْكُلِّيَّةُ وَالْمُطْلَقُ هُوَ الْوَاحِدُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ مِمَّا فِيهِ الْحَقِيقَةُ قَالَ (فَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ مَثَلًا يَنْوِي مَفْهُومَ صَلَاةِ الظُّهْرِ الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ صَلَاتِهِ وَصَلَاةِ غَيْرِهِ فَبِهِ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ وَهُوَ الَّذِي تَعَيَّنَ عَلَيْهِ نِيَّتُهُ إلَى آخَرِ قَوْلِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ ظَاهِرَ لَفْظِهِ وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ إيقَاعَ الْمُشْتَرَكِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُشْتَرَكٌ فَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْوِيَ إيقَاعَ الْمُعَيَّنِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ (فَإِنْ قُلْتَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ كُلِّيٌّ وَالْكُلِّيُّ لَا يُمْكِنُ دُخُولُهُ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ إلَى قَوْلِهِ وَأَمَّا وُقُوعُهَا فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنَاتِ فَحَقٌّ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا مِنْ أَنَّ وُقُوعَهُ ضِمْنَ الْمُعَيَّنَاتِ حَقٌّ وَإِنْ أَرَادَ وُقُوعَهَا كُلِّيَّاتٍ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ وُقُوعَ مَا فِيهِ قِسْطٌ مِنْ الْكُلِّيِّ أَوَمَا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْكُلِّيِّ فَذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ (فَمَنْ أَعْتَقَ الرَّقَبَةَ الْمُعَيَّنَةَ فَقَدْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُطْلَقَةً وَمَنْ أَخْرَجَ الشَّاةَ الْمُعَيَّنَةَ فِي الزَّكَاةِ فَقَدْ أَخْرَجَ شَاةً مُطْلَقَةً فَمَنْ ضَمِنَ تِلْكَ الْمُعَيَّنَةَ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ أَعْتَقَ الرَّقَبَةَ الْمُطْلَقَةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ مُطْلَقَةً فَذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْإِطْلَاقَ هُوَ الْإِبْهَامُ وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِلتَّعْيِينِ فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ النَّقِيضَانِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا عَالِمًا بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ مَقْبُولًا إلَّا إذَا نَوَى بِهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ هَذَا الْبَابِ النِّيَّةُ لَا يُقْصَدُ بِهَا التَّقَرُّبُ وَتَقَعُ وَاجِبَةً وَلَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ أُخْرَى لِئَلَّا يَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ، وَكَذَلِكَ النَّظَرُ الْأَوَّلُ الْمُفْضِي إلَى الْعِلْمِ بِإِثْبَاتِ الصَّانِعِ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّقَرُّبُ لِمَا مَرَّ فِي الْفَرْقِ الثَّامِنَ عَشَرَ وَالْقِسْمُ الثَّانِي مَا لَا تَكُونُ صُورَةُ فِعْلِهِ كَافِيَةً فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَتِهِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالطَّهَارَاتِ وَجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّاتُ فَلَا يَقَعُ وَاجِبًا مُجْزِئًا بِحَيْثُ لَا تَلْزَمُ فِيهِ الْإِعَادَةُ إلَّا إذَا وَقَعَ مَنْوِيًّا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ غَيْرَ أَنَّ هَا هُنَا قَاعِدَةً وَهِيَ أَنَّ الثَّوَابَ وَالْقَبُولَ غَيْرُ لَازِمٍ لِصِحَّةِ الْفِعْلِ وَإِجْزَائِهِ كَمَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أُمُورٌ أَحَدُهَا: أَنَّ ابْنَيْ آدَمَ لَمَّا قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الْآخَرِ مَعَ أَنَّ قُرْبَانَهُ كَانَ عَلَى وَفْقِ الْأَمْرِ بِدَلِيلِ أَنَّ أَخَاهُ عَلَّلَ عَدَمَ الْقَبُولِ بِعَدَمِ التَّقْوَى كَمَا حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَفْقِ الْأَمْرِ بَلْ كَانَ مُخْتَلًّا فِي نَفْسِهِ لَقَالَ لَهُ إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ الْعَمَلَ الصَّحِيحَ الصَّالِحَ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ السَّبَبُ الْقَرِيبُ لِعَدَمِ الْقَبُولِ فَدَلَّ عُدُولُهُ عَنْهُ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ كَانَ صَحِيحًا مُجْزِئًا وَإِنَّمَا انْتَفَى عَنْهُ الْقَبُولُ لِأَجْلِ انْتِفَاءِ شَرْطِهِ الَّذِي هُوَ التَّقْوَى فِي عُرْفِ الشَّرْعِ وَأَنَّ الْعَمَلَ الْمُجْزِئَ قَدْ لَا يُقْبَلُ وَإِنْ بَرَأَتْ الذِّمَّةُ بِهِ وَصَحَّ فِي نَفْسِهِ. وَثَانِيهَا: أَنَّ سُؤَالَ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - الْقَبُولَ فِي فِعْلِهِمَا كَمَا حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا بِقَوْلِهِ {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127] وَهُمَا لَا يَفْعَلَانِ إلَّا فِعْلًا صَحِيحًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْفِعْلِ الصَّحِيحِ بَلْ الْمَحَلُّ قَابِلٌ لَهُ لِحُصُولِ شَرْطِهِ الَّذِي هُوَ التَّقْوَى فِي عُرْفِ الشَّرْعِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الشَّرْطِ حُصُولُ الْمَشْرُوطِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ اشْتِرَاطَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَزَاءِ الَّذِي هُوَ الثَّوَابُ أَنْ يُحْسِنَ فِي الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ «أَمَّا مَنْ أَسْلَمَ وَأَحْسَنَ فِي إسْلَامِهِ فَإِنَّهُ يُجْزَى بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِحْسَانَ فِي الْإِسْلَامِ هُوَ التَّقْوَى فِي عُرْفِ الشَّرْعِ الَّتِي هِيَ الْمُبَالَغَةُ فِي اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ لَا بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الَّذِي هُوَ مُجَرَّدُ الِاتِّقَاء لِلْمَكْرُوهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ حَتَّى يَصِحَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ بِالْمُتَّقِينَ فِي

وَيَدُلُّ مِنْ حَيْثُ الْعَقْلُ عَلَى وُجُودِ الْمُطْلَقَاتِ فِي الْخَارِجِ فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنَاتِ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مَفْهُومَ الْإِنْسَانِ بِالضَّرُورَةِ فِي الْخَارِجِ فَهُوَ فِي الْخَارِجِ إمَّا وَحْدَهُ فَقَدْ وُجِدَ مُطْلَقُ الْإِنْسَانِ فِي الْخَارِجِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْخَارِجِ مَعَ قَيْدٍ وَمَتَى وُجِدَ مَعَ قَيْدٍ فَقَدْ وُجِدَ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مَعَ غَيْرِهِ مَوْجُودٌ بِالضَّرُورَةِ فَمُطْلَقُ الْإِنْسَانِ فِي الْخَارِجِ بِالضَّرُورَةِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي جَمِيعِ الْأَجْنَاسِ الَّتِي نَجْزِمُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهَا وَمَنْ قَالَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا خَلَقَ الْأَجْنَاسَ مِنْ الْجَمَادِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ فَقَدْ خَالَفَ الضَّرُورَةَ وَكَذَلِكَ أَيْضًا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّ زَيْدٌ إنْسَانٌ فِي الْخَارِجِ بِالضَّرُورَةِ وَنَجِدُ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــSأَعْتَقَ الرَّقَبَةَ الْمُعَيَّنَةَ فَحَصَلَ بِهَا مُقْتَضَى التَّكْلِيفِ بِالْمُطْلَقَةِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ (وَيَدُلُّ مِنْ حَيْثُ الْعَقْلُ عَلَى وُجُودِ الْمُطْلَقَاتِ فِي الْخَارِجِ فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنَاتِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مَفْهُومَ الْإِنْسَانِ بِالضَّرُورَةِ فِي الْخَارِجِ) قُلْتُ قَوْلُهُ هَذَا جَارٍ عَلَى فَاسِدِ اعْتِقَادِهِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ يَرُدُّهُ وَهُوَ أَنَّ الْكُلِّيَّاتِ هِيَ الْمُطْلَقَاتُ وَقَدْ وَقَعَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ مِرَارًا وَقَوْلُهُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مَفْهُومَ الْإِنْسَانِ بِالضَّرُورَةِ فِي الْخَارِجِ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ جُمْهُورِ مُثْبِتِي الْكُلِّيِّ وَصَحِيحٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ فَإِنَّ جُمْهُورَ الْقَائِلِينَ بِالْكُلِّيِّ مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ وَقَدْ نَوَّعَ بَعْضُهُمْ الْكُلِّيَّ إلَى مَنْطِقِيٍّ وَعَقْلِيٍّ وَطَبِيعِيٍّ وَجَزَمَ بِأَنَّ الْمَنْطِقِيَّ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ وَأَنَّ الطَّبِيعِيَّ لَهُ وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ وَأَنَّ الْعَقْلِيَّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. قَالَ (فَهُوَ فِي الْخَارِجِ إمَّا وَحْدَهُ فَقَدْ وُجِدَ مُطْلَقُ الْإِنْسَانِ فِي الْخَارِجِ وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْخَارِجِ مَعَ قَيْدٍ وَمَتَى وُجِدَ مَعَ قَيْدٍ فَقَدْ وُجِدَ) قُلْتُ لَا كَلَامَ أَشَدَّ فَسَادًا مِنْ هَذَا الْكَلَامِ فَإِنَّهُ إنْ حُمِلَ قَوْلُهُ بِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَوْجُودٌ فِي الْمُقَيَّدِ عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ الْمُطْلَقَ حَقِيقَةً وَالْمُقَيَّدَ حَقِيقَةً فَذَلِكَ بَيِّنُ الْبُطْلَانِ وَالْفَسَادِ فَإِنَّهُ كَيْفَ يَجْتَمِعَانِ مَعًا فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ وَهُمَا نَقِيضَانِ وَإِنْ حُمِلَ قَوْلُهُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ بِالْمُطْلَقِ الْكُلِّيَّ فَذَلِكَ بَاطِلٌ أَيْضًا فَإِنَّهُ كَيْفَ يَجْتَمِعُ الْكُلِّيُّ بِمَا هُوَ كُلِّيٌّ وَالْجُزْئِيُّ بِمَا هُوَ جُزْئِيٌّ مَعًا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ وَهُمَا نَقِيضَانِ أَيْضًا هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ مَنْ لَمْ يُحَصِّلْ هَذِهِ الْعُلُومَ وَلَا أَشْرَفَ عَلَى هَذِهِ الْمَبَاحِثِ بِوَجْهٍ أَصْلًا. قَالَ (لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مَعَ غَيْرِهِ مَوْجُودٌ بِالضَّرُورَةِ) قُلْتُ ذَلِكَ صَحِيحٌ لَكِنْ وُجُودُ الْمُطْلَقِ بِمَا هُوَ مُطْلَقٌ مَعَ الْمُقَيَّدِ وَوُجُودُ الْكُلِّيِّ بِمَا هُوَ كُلِّيٌّ مَعَ الْجُزْئِيِّ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ مُمْتَنِعٌ فَدَلِيلُهُ لَا يَتَنَاوَلُ مَحَلَّ النِّزَاعِ. قَالَ (فَمُطْلَقُ الْإِنْسَانِ فِي الْخَارِجِ بِالضَّرُورَةِ) قُلْتُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ دَلِيلَهُ لَمْ يُنْتِجْ مَقْصُودَهُ. قَالَ (وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي جَمِيعِ الْأَجْنَاسِ الَّتِي تَجْزِمُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهَا وَمَنْ قَالَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا خَلَقَ الْأَجْنَاسَ مِنْ الْجَمَادِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ فَقَدْ خَالَفَ الضَّرُورَةَ) قُلْتُ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فَمَنْ أَنْكَرَ الْكُلِّيَّاتِ أَنْكَرَ تِلْكَ الضَّرُورَةَ وَكَذَلِكَ مَنْ أَثْبَتَهَا فِي الْخَارِجِ أَيْضًا قَالَ (وَكَذَلِكَ يَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ إنَّ زَيْدًا إنْسَانٌ فِي الْخَارِجِ بِالضَّرُورَةِ وَنَجِدُ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] الْمُؤْمِنُونَ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَرَّحَ بِالْإِسْلَامِ ثُمَّ ذَكَرَ الْإِحْسَانَ فِيهِ. وَرَابِعُهَا: أَنَّ سُؤَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَبُولَ فِي الْأُضْحِيَّةِ لَمَّا ذَبَحَهَا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ» مَعَ أَنَّ فِعْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأُضْحِيَّةِ كَانَ عَلَى وَفْقِ الشَّرِيعَةِ قَطْعًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَبُولَ وَرَاءَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَالْإِجْزَاءِ وَأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ وَإِنْ حَصَلَ شَرْطُهُ الَّذِي هُوَ التَّقْوَى فِي عُرْفِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ سَيِّدُ الْمُتَّقِينَ وَإِلَّا لَمَا سَأَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّ سُؤَالَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ لَا يَجُوزُ. وَخَامِسُهَا: أَنَّ صُلَحَاءَ الْأُمَّةِ وَخِيَارَهَا لَمْ يَزَالُوا يَسْأَلُونَ اللَّهَ تَعَالَى الْقَبُولَ فِي الْعَمَلِ بَعْدَ فِعْلِهِ وَفِي أَثْنَائِهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ طَلَبًا لِلصِّحَّةِ وَالْإِجْزَاءِ لَكَانَ إنَّمَا يَحْسُنُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى تَيْسِيرَ الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ وَانْتِفَاءَ الْمَوَانِعِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْجَزْمِ بِوُقُوعِهَا فَإِنَّمَا يَحْسُنُ إذَا كَانَ الْقَبُولُ غَيْرَ الْإِجْزَاءِ وَغَيْرَ الصِّحَّةِ وَأَنَّهُ الثَّوَابُ. وَسَادِسُهَا: أَنَّ حَمْلَ الصُّوفِيَّةِ وَقَلِيلٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مِنْ الصَّلَاةِ لَمَا يَقْبَلُ اللَّهُ نِصْفَهَا وَثُلُثَهَا وَرُبْعَهَا وَأَنَّ مِنْهَا لَمَا يُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ فَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا» عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَأَنَّهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ إذَا غَفَلَ عَنْ صَلَاتِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ صَلَاتِهِ إلَّا مَا عَقَلَ مِنْهَا» مَعَ حِكَايَةِ الْغَزَالِيِّ الْإِجْمَاعَ فِي إجْزَائِهَا إذَا عَلِمَ عَدَدَ رَكَعَاتِهَا وَأَرْكَانَهَا وَشَرَائِطَهَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُشْتَغِلٍ بِالْخُشُوعِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا. وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ: إنَّ الْمُرَادَ بِالثُّلُثِ وَبِالرُّبْعِ وَنَحْوِهِ الثَّوَابُ وَالْإِجْزَاءُ لَا الصِّحَّةُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْقَبُولَ غَيْرُ الْإِجْزَاءِ وَأَنَّ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ يُثَابُ عَلَيْهَا دُونَ بَعْضٍ وَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْفَرْقِ وَكَوْنُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَدَارِكِ وَالتَّقَارِيرِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَثُوبَاتِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالتَّقْوَى فِي عُرْفِ الشَّرْعِ وَإِنْ عَارَضَهُ ظَوَاهِرُ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» ، وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ وَصَلَاةٌ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِسِتِّمِائَةِ صَلَاةٍ» وقَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 261] ، وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» مِنْ حَيْثُ إنَّ هَذِهِ الظَّوَاهِرَ تَقْتَضِي حُصُولَ الْمَثُوبَاتِ مُطْلَقًا فَإِنَّ أَمْثَالَ

الْخَبَرِ وَبَيْنَ قَوْلِنَا زَيْدٌ فِي الْخَارِجِ بِالضَّرُورَةِ وَأَنَّ الْأَوَّلَ مُفِيدٌ دُونَ الثَّانِي وَكَذَلِكَ نَقُولُ هَذَا السَّوَادُ الْمُعَيَّنُ سَوَادٌ وَنُدْرِكُ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِنَا الْمُعَيَّنُ مُعَيَّنٌ وَيُدْرِكُ الْإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ مَفْهُومُ الْجِسْمِ وَمَفْهُومُ الْحَيَوَانِ وَمَفْهُومُ الْإِنْسَانِ وَمَفْهُومُ الْمُمْكِنِ وَمَفْهُومُ الْمَخْلُوقِ وَجَمِيعُ هَذِهِ الْكُلِّيَّاتِ الْمُشْتَرَكَةِ يَجْزِمُ كُلُّ عَاقِلٍ بِثُبُوتِهَا لَهُ بِالضَّرُورَةِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ فَجَحْدُ كَوْنِ الْكُلِّيَّاتِ وَالْمُشْتَرَكَاتِ مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنَاتِ خِلَافُ الضَّرُورَةِ فَهَذَا هُوَ تَلْخِيصُ قَاعِدَةِ الْكُلِّيِّ الْوَاجِبِ وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْكُلِّيَّاتِ. (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) الْوَاجِبُ فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ فَإِذَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الظُّهْرَ مِنْ أَوَّلِ الْقَامَةِ إلَى آخِرِهَا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ عَلَى سَبْعَةِ مَذَاهِبَ وَتَحْرِيرُهَا أَنَّ الْقَائِلَ قَائِلَانِ قَائِلٌ بِالْوُجُوبِ الْمُوَسَّعِ وَقَائِلٌ بِجَحْدِهِ وَالْأَوَّلُونَ لَهُمْ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى الْعَزْمِ إذَا تَأَخَّرَ وَالْآخَرُ أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ وَلَا يَجِبُ الْعَزْمُ فَهَذَانِ قَوْلَانِ وَالْقَائِلُونَ بِجَحْدِهِ مِنْهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــSالْخَبَرِ وَبَيْنَ قَوْلِنَا زَيْدٌ فِي الْخَارِجِ بِالضَّرُورَةِ وَأَنَّ الْأَوَّلَ مُفِيدٌ دُونَ الثَّانِي) قُلْتُ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ هُمَا مُفِيدَانِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَفَادَ مَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ وَلَا صِدْقٍ وَالثَّانِي أَفَادَ مَا هُوَ مَعْلُومٌ وَصِدْقٌ. قَالَ (وَكَذَلِكَ نَقُولُ هَذَا السَّوَادُ الْمُعَيَّنُ سَوَادٌ وَنُدْرِكُ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِنَا الْمُعَيَّنُ مُعَيَّنٌ) قُلْتُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي عَدَمِ الْفَائِدَةِ. قَالَ (وَيُدْرِكُ الْإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ مَفْهُومُ الْجِسْمِ وَمَفْهُومُ الْحَيَوَانِ وَمَفْهُومُ الْإِنْسَانِ وَمَفْهُومُ الْمُمْكِنِ وَمَفْهُومُ الْمَخْلُوقِ وَجَمِيعُ هَذِهِ الْكُلِّيَّاتِ الْمُشْتَرَكَةِ يَجْزِمُ كُلُّ عَاقِلٍ بِثُبُوتِهَا لَهُ بِالضَّرُورَةِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ) قُلْتُ لَمْ يَجْزِمْ كُلُّ عَاقِلٍ بِذَلِكَ بَلْ مِنْ الْعُقَلَاءِ مَنْ جَزَمَ بِنَفْيِهَا جُمْلَةً عَنْ الْوُجُودَيْنِ مَعًا وَزَعَمَ أَنَّ الشَّرِكَةَ لَمْ تَقَعْ إلَّا فِي مُجَرَّدِ الْأَلْفَاظِ لَا فِي الْمَعَانِي وَمِنْهُمْ مَنْ جَزَمَ بِإِثْبَاتِهَا فِي الْأَذْهَانِ وَهُمْ جُمْهُورُ الْمُثْبِتِينَ وَمُحَقِّقُوهُمْ وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهَا فِي الْأَعْيَانِ وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ إنْ أَرَادَ أَنَّ هَذَا الْعَاقِلَ الَّذِي جَزَمَ بِثُبُوتِ هَذِهِ الْكُلِّيَّاتِ لَهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا فَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ خِلَافُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ فَرَضَ ثَابِتًا وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ ثُبُوتُ كُلِّ جُزْئِيٍّ فِي الْإِمْكَانِ لِكُلِّ كُلِّيٍّ وَيَكُونُ ثُبُوتُهُ فِي الْخَارِجِ أَيْ لَا يَلْزَمُ حُصُولُ جَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ فِي الْوُجُودِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ (فَجَحْدُ كَوْنِ الْكُلِّيَّاتِ وَالْمُشْتَرَكَاتِ مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنَاتِ خِلَافُ الضَّرُورَةِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ) قُلْتُ قَدْ تَبَيَّنَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ وَتَبَيَّنَ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ بِإِثْبَاتِ الْكُلِّيَّاتِ فِي الْأَذْهَانِ أَنَّ وُجُودَهَا فِي الْجُزْئِيَّاتِ لَيْسَ عَلَى أَنَّهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا مِنْ كَوْنِهَا كُلِّيَّةً بَلْ عَلَى أَنَّ فِي الْجُزْئِيَّاتِ قِسْطًا مِنْ الْكُلِّيَّاتِ يَخْتَصُّ كُلُّ جُزْئِيٍّ بِقِسْطٍ لَا يَصِحُّ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ جُزْئِيٌّ سِوَاهُ. قَالَ (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ الْوَاجِبُ فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ إلَى آخِرِ مَا قَالَ فِيهِ) . قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ حِكَايَةِ الْمَذَاهِبِ وَرَدِّ مَا رَدَّهُ مِنْهَا صَحِيحٌ وَمَا مَالَ إلَى تَحْسِينِهِ مِنْ قَوْلِ الْغَزَالِيِّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إنَّمَا الصَّحِيحُ أَنْ لَا حَاجَةَ إلَى بَدَلٍ أَصْلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَشْرِ حَسَنَاتٍ وَالْأَلْفِ صَلَاةٍ وَالزَّائِدِ عَلَيْهَا وَالسِّتِّمِائَةِ صَلَاةٍ وَالْمُضَاعَفَةِ لِمَنْ يَشَاءُ تَعَالَى وَالْخَمْسِ أَوْ السَّبْعِ وَالْعِشْرِينَ دَرَجَةً هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ مَثُوبَاتٍ تَتَضَاعَفُ إلَّا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ رَدُّ أَحَدِ الظَّاهِرَيْنِ إلَى الْآخَرِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَسَدِّ بِحَمْلِ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ تِلْكَ الْمَدَارِكُ وَالتَّقَارِيرُ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّقْوَى فِي الْجَمِيعِ هَذَا مَا لِلْأَصْلِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَرَتُّبَ الثَّوَابِ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمُسْتَوْفِيَةِ لِشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا مَشْرُوطٌ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى تِلْكَ الْمَدَارِكِ وَالتَّقَارِيرِ بِالتَّقْوَى الْعُرْفِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْمُبَالَغَةُ فِي اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَإِجْزَائِهِ حَيْثُ قَالَ: الصَّحِيحُ عِنْدِي خِلَافُهُ وَإِنْ قَالَ: إنَّهُ رَأَى عَلَيْهِ جَمَاعَةً مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَوْ لَعَلَّهُمْ مُحَقِّقُونَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَمَّا فِي هَذِهِ فَلَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى الْقَطْعِ فَتَتَعَارَضُ ظَوَاهِرُ الْأَدِلَّةِ الْمُتَكَاثِرَةِ الْمُتَظَافِرَةِ بِتَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّحِيحَةِ بِدُونِ اشْتِرَاطِ التَّقْوَى الْعُرْفِيَّةِ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّقْوَى الْعُرْفِيَّةِ جَرْيًا عَلَى قَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ. لَكِنْ تَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ أَوَّلًا فِي قَوْلِهِ بِعَدَمِ تَرْتِيبِ الثَّوَابِ عَلَى صِحَّةِ الْعَمَلِ بِلُزُومِ تَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمُسْتَوْفِيَةِ لِشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا هُوَ أَنَّ مَا تَقْتَضِيهِ تِلْكَ الْمَدَارِكُ وَالتَّقَارِيرُ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّقْوَى الْعُرْفِيَّةِ لَا يُقَاوِمُ تِلْكَ الظَّوَاهِرَ عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ الْقَطْعَ حَتَّى يَتَعَيَّنَ دَفْعُ التَّعَارُضِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الظَّوَاهِرَ الْمَذْكُورَةَ قَدْ بَلَغَتْ الْقَطْعَ فَإِنَّهَا قَدْ تَظَافَرَتْ وَتَكَاثَرَتْ وَلَمْ يُعَارِضْهَا سِوَاهَا وَلَيْسَ مَا ذَكَرَ أَنَّهُ مُعَارِضٌ بِمُعَارِضٍ لِاسْتِوَاءِ احْتِمَالَاتِهِ أَمَّا قَوْله تَعَالَى حِكَايَتُهُ عَنْ ابْنَيْ آدَمَ {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] فَلَيْسَ الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ بِهِ بِظَاهِرٍ لِاحْتِمَالِ الْآيَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالتَّقْوَى الْإِيمَانَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْإِيمَانُ الْمُوَافِي عَلَيْهِ وَعَلَى تَسْلِيمِ ظُهُورِ تَأْوِيلِهِ لَعَلَّهُ كَانَ شَرْعًا لَهُمْ اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْعِصْيَانِ فِي الْقَبُولِ وَكَوْنُ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يُعَارَضْ وَجَمِيعُ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِوَعْدِ الْمُطِيعِ بِالثَّوَابِ مُعَارِضَةٌ لِذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127] فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُهُمَا ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ عِلْمِهِمَا بِعَاقِبَةِ أَمْرِهِمَا لِيَقْتَدِيَ بِهِمَا مَنْ لَا يَعْلَمُ عَاقِبَةَ أَمْرِهِ فَيَتْبَعُهُمَا فِي ذَلِكَ وَهَذَا

بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ مُعْتَمِدًا عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ مَعَ جَوَازِ التَّأْخِيرِ مُتَنَافِيَانِ وَالْأَصْلُ تَرَتُّبُ الْمُسَبَّبِ عَلَى سَبَبِهِ وَالزَّوَالُ سَبَبٌ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ الَّذِي هُوَ مُسَبَّبُهُ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَمَا يَقَعُ بَعْدَ ذَلِكَ قَضَاءٌ يَسُدُّ مَسَدَّ الْأَدَاءِ فَهَذَا مُسْتَنَدُهُ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِذْنَ فِي تَفْوِيتِ الْأَدَاءِ لِفِعْلِ الْقَضَاءِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ خِلَافُ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ نَعَمْ يَجُوزُ الْإِذْنُ فِي تَفْوِيتِ الْأَدَاءِ لِفِعْلِ الْقَضَاءِ لِضَرُورَةِ السَّفَرِ أَوْ الْمَرَضِ كَمَا فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يَجُوزُ تَرْكُ أَدَائِهَا لِلْقَضَاءِ لِأَجْلِ الْعُذْرِ أَمَّا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَغَيْرُ مَعْهُودٍ فِي الشَّرِيعَةِ وَأَخْفَقَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ فَهَذَا مُسْتَنَدُ هَذَا الْمَذْهَبِ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ الْقَوْلِ الْمَذْهَبُ الثَّانِي لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِآخِرِ الْوَقْتِ وَمُسْتَنَدُهُ أَنَّا نَسْتَدِلُّ بِثُبُوتِ خَصِيصَةِ الشَّيْءِ عَلَى ثُبُوتِهِ وَبِعَدَمِ خَصِيصَةِ الشَّيْءِ عَلَى عَدَمِهِ. وَمِنْ خَصَائِصِ الْوُجُوبِ الْعِقَابُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ وَوَجَدْنَا هَذِهِ الْخِصِّيصَةَ مُنْتَفِيَةً فِي غَيْرِ آخِرِ الْوَقْتِ فَقُلْنَا بِنَفْيِ الْوُجُوبِ فِي غَيْرِ آخِرِ الْوَقْتِ وَوَجَدْنَاهَا آخِرَ الْوَقْتِ فَقُلْنَا بِالْوُجُوبِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَإِنْ وَقَعَ الْفِعْلُ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ نَفْلًا يَسُدُّ مَسَدَّ الْفَرْضِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ إجْزَاءَ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ مَذْهَبُ الْكَرْخِيِّ أَنَّ الْفِعْلَ مَوْقُوفٌ إذَا عَجَّلَهُ الْمُكَلَّفُ فَإِنْ جَاءَ آخِرُ الْوَقْتِ وَفَاعِلُهُ مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْمُكَلَّفِينَ كَانَ فِعْلُهُ هَذَا وَاجِبًا فَمَا أَجْزَأَ عَنْ الْوَاجِبِ إلَّا وَاجِبٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ الْمُكَلَّفِينَ كَانَ نَفْلًا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ قَبْلَ وَقْتِ الْوُجُوبِ وَسَبَبُ هَذَا الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ أَنَّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ مَنْ يَقُولُ يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِآخِرِ الْوَقْتِ وَرَأَى مَا وَرَدَ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ مِنْ إجْزَاءِ النَّفْلِ عَنْ الْفَرْضِ فَاخْتَارَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ حَالَةَ الْإِيقَاعِ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا وَلَا تَتَعَيَّنُ فِيهِ نِيَّةٌ لِأَحَدِهِمَا خِلَافُ الْمَعْهُودِ فِي الْقَوَاعِدِ. وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ لِلْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا أَنَّ الْمُكَلَّفَ إنْ عَجَّلَ الْفِعْلَ مَنَعَ تَعْجِيلَهُ مِنْ تَعْلِيقِ الْوُجُوبِ بِآخِرِ الْوَقْتِ فَلَا يُجْزِئُ نَفْلٌ عَنْ فَرْضٍ وَلَا يَكُونُ مَوْقُوفًا بَلْ يَنْوِي بِهِ النَّفَلَ وَإِنْ لَمْ يُعَجِّلْهُ كَانَ آخِرُ الْوَقْتِ وَاجِبًا مَوْصُوفًا بِصِفَةِ الْوُجُوبِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ عَلَى الْكَرْخِيِّ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَصْحَابَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يُطِيعُوا اللَّهَ تَعَالَى بِصَلَاةٍ وَاجِبَةٍ وَلَا أُثِيبُوا ثَوَابَ الْوَاجِبِ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا وَذَلِكَ حَظٌّ عَظِيمٌ يَفُوتُ عَلَيْهِمْ لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ «مَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدٌ أَوْ أَحَدٌ بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ فَثَوَابُ الْوَاجِبَاتِ هُوَ أَفْضَلُ الْمَثُوبَاتِ فَالْقَوْلُ بِفَوَاتِهِ عَلَيْهِمْ مَحْذُورٌ كَبِيرٌ. الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ حَكَاهُ سَيْفُ الدِّينِ فِي الْأَحْكَامِ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَمَا قَالَهُ مِنْ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ إنْ أَرَادَ الْكُلِّيَّ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ تَعَلُّقَ الْوُجُوبِ بِفَرْدٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَمَا اخْتَارَهُ وَصَحَّحَهُ وَنَسَبَهُ إلَى الْمَالِكِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاحْتِمَالُ حَالِيٌّ لَا مَقَالِيٌّ وَالِاحْتِمَالَاتُ الْحَالِيَّةُ لَا تَفَاوُتَ فِيهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهَا أَظْهَرَ مِنْ بَعْضٍ فَيُسْتَدَلُّ بِالظَّاهِرِ مِنْهَا بِخِلَافِ الْحَالَاتِ الْمَقَالِيَّةِ فَإِنَّهُ تَكُونُ مُسْتَوِيَةً فِي الْمُحْتَمَلَاتِ وَغَيْرَ مُسْتَوِيَةٍ فِي الظَّاهِرِ وَالْمُؤَوَّلَاتِ، وَأَمَّا مَا خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَّا مَنْ أَسْلَمَ وَأَحْسَنَ فِي إسْلَامِهِ فَإِنَّهُ يُجْزَى بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ» فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْإِحْسَانِ الْمُوَافَاةَ عَلَى الْإِيمَانِ الَّذِي لَا شَرْطَ لِثُبُوتِ الْأَعْمَالِ سِوَاهُ بَلْ لَوْ سُلِّمَ ظُهُورُ آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ فِي اشْتِرَاطِ غَيْرِهِ لَكَانَ كُلُّ مَا وَرَدَ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ مِمَّا يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى صِحَّةِ الْعَمَلِ وَبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مُتَأَوَّلًا بِأَنَّهُ الْمُرَادُ لِاجْتِنَابِ الْمَعَاصِي مَعَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأُضْحِيَّةِ لَمَّا ذَبَحَهَا «اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ» فَالِاحْتِمَالُ فِيهِ كَالِاحْتِمَالِ فِي قَوْلِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَأَمَّا كَوْنُ صُلَحَاءِ الْأُمَّةِ وَخِيَارِهَا لَمْ يَزَالُوا يَسْأَلُونَ اللَّهَ تَعَالَى الْقَبُولَ فِي الْعَمَلِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ طَلَبُوا حُصُولَ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْمُوَافَاةُ عَلَى الْإِيمَانِ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ أَوْ طَلَبُوا الْمُسَامَحَةَ فِي إغْفَالِ بَعْضِ شُرُوطِ الْأَعْمَالِ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ لِتَحْصِيلِ ذَلِكَ عَلَى الْكَمَالِ. وَأَمَّا قَوْلُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مِنْ الصَّلَاةِ لَمَا يُقْبَلُ نِصْفُهَا وَثُلُثُهَا وَرُبْعُهَا وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الْخَلَقُ فَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُ صَاحِبِهَا» فَلَا دَلِيلَ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ فِيهِ عَلَى مَا أَوْرَدَ لَا بِظَاهِرٍ وَلَا بِبَاطِنٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تَكُنْ مُسْتَوْفِيَةً لِشُرُوطِهَا وَأَوْصَافِهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يُلَفُّ كَمَا تُلَفُّ إلَخْ إذْ لَوْ كَانَتْ مُسْتَوْفِيَةً لِشُرُوطِهَا وَأَوْصَافِهَا لَمْ يَكُنْ لِشَبَهِهَا بِالثَّوْبِ الْخَلَقِ وَجْهٌ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَغْزَى هَذَا الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ التَّحْذِيرُ مِنْ التَّهَاوُنِ بِشُرُوطِهَا وَالتَّحْرِيضُ عَلَى مُرَاعَاةِ أَحْوَالِهَا فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الثَّوَابُ مَعَ تَقْدِيرِ كَمَالِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَجَمِيعِ أَوْصَافِهَا خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ كَمَا عَلِمْت يُنَافِي قَوْلَهُ إنَّ أَدَاءَ الدُّيُونِ وَشَبَهَهُ لَا ثَوَابَ فِيهِ حَتَّى يَنْوِيَ بِهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ قَالَ: إنْ أَرَادَ بِهِ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِحْضَارِ نِيَّةِ الِامْتِثَالِ وَلَا يَكْتَفِي بِمُجَرَّدِ نِيَّةِ أَدَاءِ الدُّيُونِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يُحْرَمُ صَاحِبُ هَذِهِ الْحَالَةِ الثَّوَابَ اسْتِدْلَالًا بِقَاعِدَةِ سَعَةِ بَابِ الثَّوَابِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا ثَوَابَ لَهُ إذَا نَوَى سَبَبًا لِلْأَدَاءِ غَيْرَ الِامْتِثَالِ كَتَخَوُّفِهِ أَنْ لَا يُدَايِنَهُ أَحَدٌ إذَا عُرِفَ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْأَدَاءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ

الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِوَقْتِ الْإِيقَاعِ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ أَوَّلُهُ أَوْ وَسَطُهُ أَوْ آخِرُهُ فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ الْإِشْكَالَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ شَأْنَ الْوُجُوبِ أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْفِعْلِ وَيَكُونَ الْفِعْلُ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْوُجُوبِ وَتَابِعًا، أَمَّا كَوْنُ الْوُجُوبِ تَابِعًا لِلْفِعْلِ فَغَيْرُ مَعْهُودٍ فِي الشَّرِيعَةِ وَعِنْدَهُ الْوُجُوبُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَتَحَتُّمُ الْإِيقَاعِ فِيهِ تَابِعٌ لِلْفِعْلِ فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ فَهَذَا هُوَ مُسْتَنَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَمَا فِيهِ مِنْ الْمُخَالَفَاتِ لِلْقَوَاعِدِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ فِي التَّوْسِعَةِ وَالْقَوْلُ فِيهِمَا أَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْخَارِجِ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ الْكَائِنَةِ بَيْنَ طَرَفَيْ الْقَامَةِ كَالْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَالَ صَلِّ إمَّا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ فَالْوَاجِبُ الصَّلَاةُ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ وَهُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا كَمَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْمُوَسَّعِ هُوَ أَحَدُ الْخِصَالِ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ مُرَتَّبًا عَلَى الزَّوَالِ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ لِبَقَاءِ الْمُشْتَرَكِ وَيَبْرَأُ بِالْفِعْلِ أَوَّلَ الْوَقْتِ لِوُجُودِ الْمُشْتَرَكِ فِيهِ وَأَيُّ وَقْتٍ فَعَلَ فِيهِ صَادَفَ الْمُشْتَرَكَ فَلَا يَلْزَمُ تَأْخِيرُ الْمُسَبَّبِ عَنْ سَبَبِهِ وَلَا أَنَّ الْفِعْلَ بَعْدَ أَوَّلِ الْوَقْتِ قَضَاءٌ وَأَوَّلُهُ نَفْلٌ يَنُوبُ مَنَابَ الْفَرْضِ وَلَا يَلْزَمُ مُخَالَفَةُ قَاعِدَةٍ مِنْ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ الَّتِي لَزِمَتْ الْأَقْوَالَ الْأُوَلَ بَلْ تَجْتَمِعُ أَسْبَابُ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ كُلِّهَا. وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ غَيْرَ أَنَّ أَرْبَابَ هَذَا الْمَذْهَبِ اخْتَلَفُوا إذَا قُصِدَ التَّأْخِيرُ لِوَسَطِ الْوَقْتِ أَوْ آخِرِهِ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ لِغَيْرِ بَدَلٍ هُوَ الْعَزْمُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ مَا دَلَّ إلَّا عَلَى الصَّلَاةِ، أَمَّا هَذَا الْعَزْمُ فَلَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ فَوَجَبَ نَفْيُهُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ فِي بَقِيَّةِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْفِعْلِ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ يُعَدُّ مُعْرِضًا عَنْ أَمْرِ سَيِّدِهِ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الْأَمْرِ حَرَامٌ وَمَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْحَرَامُ وَاجِبٌ فَالْعَزْمُ وَاجِبٌ وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ طَرِيقَةً وُسْطَى وَهِيَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْغَافِلِ عَنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَزْمُ وَبَيْنَ مَنْ خَطَرَ بِبَالِهِ الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ فَهَذَا إنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْفِعْلِ عَزَمَ عَلَى التَّرْكِ بِالضَّرُورَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَزْمُ عَلَى الْفِعْلِ وَهِيَ طَرِيقَةٌ حَسَنَةٌ. (فَرْعٌ) مُرَتَّبٌ إذَا قُلْنَا بِالتَّوْسِعَةِ فَهَلْ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ فَقَدْ أَخَّرَ مُخْتَارًا يَأْثَمُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ أَوْ لَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ أَذِنَ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ فَهُوَ فَعَلَ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ وَفِعْلُ الْمَأْذُونِ فِيهِ لَا إثْمَ فِيهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ فَهَذَا هُوَ قَاعِدَةُ الْوَاجِبِ فِيهِ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ كُلِّيٌّ لَا جُزْئِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ. الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ الْوَاجِبُ بِهِ وَهُوَ سَبَبٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSالْمُؤَخِّرِ الَّذِي يَمُوتُ قَبْلَ الْفِعْلِ صَحِيحٌ. قَالَ (الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ الْوَاجِبُ بِهِ وَهُوَ سَبَبٌ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ زَوَالَ الشَّمْسِ سَبَبًا لِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَجَعَلَ مُطْلَقَ الْإِتْلَافِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ وَمُطْلَقَ النِّصَابِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَمُسَلَّمٌ إذْ لَا نِزَاعَ فِي عَدَمِ الثَّوَابِ حِينَئِذٍ لَكِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ وَثَالِثًا فِي قَوْلِهِ إنَّ النِّيَّةَ وَالنَّظَرَ الْأَوَّلَ وَلَا يَنْوِي بِهِمَا التَّقَرُّبَ حَيْثُ قَالَ: هَذَا صَحِيحٌ فِي النَّظَرِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ وَغَيْرُ صَحِيحٍ فِي النِّيَّةِ فَإِنَّ نِيَّةَ الظُّهْرِ مَثَلًا يُمْكِنُ فِيهِ التَّقَرُّبُ بِهَا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَهَا شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَالشَّرْطُ كَالرُّكْنِ فَكَمَا يَنْوِي الرُّكْنَ يَنْوِي الشَّرْطَ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ لَا فِي النِّيَّةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا، وَلَا يَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ إلَّا لَوْ شُرِعَ نِيَّةُ التَّقَرُّبِ بِالنِّيَّةِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا شَرْطًا فَافْهَمْ. وَرَابِعًا: فِي قَوْلِهِ إنَّ النِّيَّةَ وَالنَّظَرَ لَا ثَوَابَ فِيهِمَا حَيْثُ قَالَ: يَدُلُّ عَلَى إثْبَاتِ الثَّوَابِ فِيهِمَا قَاعِدَةُ سَعَةِ بَابِ الثَّوَابِ؛ إذْ لَا يُعَارِضُهَا حَدِيثُ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَمَا فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ مُقَيَّدٌ بِإِمْكَانِ النِّيَّاتِ فَبَقِيَ مَحَلُّ امْتِنَاعِهَا غَيْرَ مُتَنَاوِلٍ لَهُ دَلِيلُ اشْتِرَاطِهَا فَافْهَمْ اهـ. قُلْتُ: وَقَاعِدَةُ إنَّ الْأَعْمَالَ لَا تَكُونُ مُعْتَبَرَةً حَتَّى تُقْرَنَ بِهَا الْمَقَاصِدُ مُسْتَمِرَّةٌ فِي بَابِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ خَاصَّةً لَا فِي بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ، قَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي مُوَافَقَاتِهِ: وَإِذَا عَرَّيْت الْأَفْعَالَ وَالتُّرُوكَ عَنْ الْمَقَاصِدِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ، وَالدَّلِيلُ عَنْ ذَلِكَ أُمُورٌ: أَحَدُهَا: مَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ وَهُوَ أَصْلٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ وَالْأَدِلَّةُ عَلَيْهِ لَا تَقْصُرُ عَنْ مَبْلَغِ الْقَطْعِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْأَعْمَالِ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَحْسُوسَةٌ فَقَطْ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ شَرْعًا عَلَى حَالٍ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِهِ فِي بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ خَاصَّةً أَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَالْقَاعِدَةُ مُسْتَمِرَّةٌ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ مُعْتَبَرَةً حَتَّى تَقْتَرِنَ بِهَا الْمَقَاصِدُ كَانَ مُجَرَّدُهَا فِي الشَّرْعِ بِمَثَابَةِ حَرَكَاتِ الْعَجْمَاوَاتِ وَالْجَمَادَاتِ وَالْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا عَقْلًا وَلَا سَمْعًا فَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِثْلَهَا. وَالثَّانِي: مَا ثَبَتَ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْأَفْعَالِ الصَّادِرَةِ مِنْ الْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَأَنَّهَا لَا حُكْمَ لَهَا فِي الشَّرْعِ فَلَا يُقَالُ فِيهَا جَائِزٌ أَوْ مَمْنُوعٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا لَا اعْتِبَارَ بِهَا مِنْ الْبَهَائِمِ وَفِي الْقُرْآنِ {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] وَقَالَ {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] قَالَ: قَدْ فَعَلْت، وَفِي مَعْنَاهُ رُوِيَ الْحَدِيثُ أَيْضًا «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ فَذَكَرَ الصَّبِيَّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ حَتَّى يُفِيقَ» فَجَمِيعُ هَؤُلَاءِ لَا قَصْدَ لَهُمْ وَهِيَ الْعِلَّةُ فِي رَفْعِ أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ عَنْهُمْ. وَالثَّالِثُ: الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ غَيْرُ وَاقِعٍ فِي الشَّرِيعَةِ وَتَكْلِيفُ مَنْ لَا قَصْدَ لَهُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ وَالْمُبَاحُ وَإِنْ كَانَ لَا تَكْلِيفَ فِيهِ

وَتَقْدِيرُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ مُطْلَقَ زَوَالِ الشَّمْسِ سَبَبَ وُجُوبِ الظُّهْرِ مَتَى وُجِدَ فِي أَيِّ يَوْمٍ كَانَ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَجَعَلَ مُطْلَقَ الْإِتْلَافِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ وَمُطْلَقَ مِلْكِ النِّصَابِ مُوجِبًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ أَمَّا خُصُوصُ كَوْنِهَا هَذِهِ الدَّنَانِيرَ أَوْ تِلْكَ الدَّنَانِيرَ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ، فَلَوْ قُدِّرَ نِصَابٌ مَكَانَ نِصَابٍ فِي مِلْكِ الْمُزَكِّي لَمْ يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ وَكَذَلِكَ إتْلَافٌ بَدَلَ إتْلَافٍ فَالْمَنْصُوبُ سَبَبًا إنَّمَا هُوَ الْمُطْلَقُ الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النُّصُبِ وَالْخُصُوصَاتِ سَاقِطَةٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ سَبَبٍ يَقْتَضِي ثُبُوتُهُ الثُّبُوتَ فَهَذَا كُلُّهُ مُشْتَرَكٌ وَهُوَ وَاجِبٌ بِهِ أَيْ بِسَبَبِهِ. الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ وَالْوَاجِبُ بِهِ وَهُوَ أَدَاةٌ يُفْعَلُ بِهَا فَإِنَّ الْبَاءَ كَمَا تَكُونُ سَبَبِيَّةً تَكُونُ لِلِاسْتِعَانَةِ نَحْوُ كَتَبْتُ بِالْقَلَمِ وَنَجَرْتُ بِالْقُدُومِ فَالْوَاجِبُ بِهِ الَّذِي هُوَ أَدَاةٌ فِي الشَّرِيعَةِ لَهُ مِثْلٌ أَحَدُهَا الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ وَيُغْتَسَلُ فَإِنَّهُ لَيْسَ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ بَلْ هُوَ أَدَاةٌ يُعْمَلُ بِهَا الْفِعْلُ وَسَبَبُ الطَّهَارَةِ إنَّمَا هُوَ الْحَدَثُ، وَكَذَلِكَ التُّرَابُ فِي التَّيَمُّمِ أَدَاةٌ وَلَيْسَ سَبَبًا وَثَانِيهَا الثَّوْبُ لِلسُّتْرَةِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى السُّتْرَةَ بِثَوْبٍ مُعَيَّنٍ بَلْ بِمُطْلَقِ الثَّوْبِ الَّذِي هُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ جَمِيعِ الثِّيَابِ كَمَا لَمْ يُوجِبْ الطَّهَارَةَ بِمَاءٍ مُعَيَّنٍ بَلْ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الْمِيَاهِ وَكَذَلِكَ نُجِيبُ عَنْ مَغْلَطَةٍ عَادَتُهَا تُلْقَى عَلَى الطَّلَبَةِ فَيُقَالُ الْوُضُوءُ وَاجِبٌ وَمِنْ هَذِهِ الْفَسْقِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ لَا يَجِبُ مِنْ غَيْرِهَا بِالْإِجْمَاعِ فَتَعَيَّنَتْ هِيَ وَإِلَّا لَبَطَلَ الْوُجُوبُ وَكَذَلِكَ يُقَالُ السُّتْرَةُ وَاجِبَةٌ بِهَذَا الثَّوْبِ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّ السُّتْرَةَ وَاجِبَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهِيَ لَا تَجِبُ بِغَيْرِ هَذَا الثَّوْبِ الْمُعَيَّنِ بِالْإِجْمَاعِ لِجَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذَا الثَّوْبِ فَتَعَيَّنَ هَذَا الثَّوْبُ. وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ تُورَدُ هَذِهِ الشُّبُهَاتُ وَالْجَوَابُ عَنْهَا وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ الْوُجُوبَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ هَذِهِ الْفَسْقِيَّةِ وَغَيْرِهَا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهَا وَاجِبًا بِالْإِجْمَاعِ لَا تَتَعَيَّنُ هِيَ بَلْ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا لَا هِيَ وَلَا غَيْرُهَا وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ تَجِبْ السُّتْرَةُ بِغَيْرِ هَذَا الثَّوْبِ لَا يَتَعَيَّنُ هَذَا الثَّوْبُ بَلْ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ بَلْ الْخُصُوصَاتُ كُلُّهَا سَاقِطَةٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ، وَثَالِثُهَا: الْجِمَارُ فِي النُّسُكِ أَدَاةٌ يُعْمَلُ بِهَا الْوَاجِبُ لَا أَنَّهَا سَبَبُ الْوُجُوبِ بَلْ سَبَبُ الْوُجُوبِ هُوَ تَعْظِيمُ الْبَيْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] وَلِتَذَكُّرِ قِصَّةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي ذَبْحِ وَلَدِهِ وَفِدَائِهِ بِالْكَبْشِ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَقَدْ سَبَقَ لَهُ هَذَا مِرَارًا عَدِيدَةً وَقَدْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَاحِدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ وَأَنَّ مُرَادَهُ بِالْمُطْلَقِ ذَلِكَ أَيْضًا لَوْلَا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَقَعَ لَهُ فِيهَا ذَلِكَ الْقَوْلُ يُصَرِّحُ فِيهَا بِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ هُوَ الْكُلِّيُّ وَهَذَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ تَأْوِيلِ كَلَامِهِ بِذَلِكَ. قَالَ (الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ الْوَاجِبُ بِهِ وَهُوَ أَدَاةٌ يَفْعَلُ بِهَا فَإِنَّ الْبَاءَ كَمَا تَكُونُ سَبَبِيَّةً تَكُونُ لِلِاسْتِعَانَةِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي الْقَاعِدَةِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِيهَا صَحِيحٌ غَيْرُ مَا فِي قَوْلِهِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ عَلَى مَا سَبَقَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا تَعْلِيقَ التَّخْيِيرِ وَمَتَى صَحَّ تَعَلُّقُ التَّخْيِيرِ صَحَّ تَعَلُّقُ الطَّلَبِ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ قَصْدَ الْمُخْبِرِ وَقَدْ فَرَضْنَاهُ غَيْرَ قَاصِدٍ هَذَا خُلْفٌ. وَأَمَّا تَعَلُّقُ الْغَرَامَاتِ وَالزَّكَاةِ بِالْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ خِطَابِ الْوَضْعِ لَا خِطَابِ التَّكْلِيفِ الَّذِي كَلَامُنَا فِيهِ، وَأَمَّا تَعَلُّقُ خِطَابِ التَّكْلِيفِ بِالسَّكْرَانِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] فَإِمَّا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَدْخَلَ السُّكْرَ عَلَى نَفْسِهِ كَانَ كَالْقَاصِدِ لِرَفْعِ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ فَعُومِلَ بِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ وَلَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ كَمَا حُجِرَ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إلَّا فِي خُصُوصِ عُقُودِهِ وَبُيُوعِهِ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّ الشُّرْبَ سَبَبٌ لِمَفَاسِدَ كَثِيرَةٍ فَصَارَ اسْتِعْمَالُهُ تَسَبُّبًا فِي تِلْكَ الْمَفَاسِدِ فَيُؤَاخِذُهُ الشَّرْعُ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهَا كَمَا وَقَعَتْ مُؤَاخَذَةُ أَحَدِ ابْنَيْ آدَمَ بِكُلِّ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا وَكَمَا يُؤَاخَذُ الزَّانِي بِمُقْتَضَى الْمَفْسَدَةِ فِي اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ غَيْرُ الْإِيلَاجِ الْمُحَرَّمِ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ اهـ بِتَصَرُّفٍ فَافْهَمْ. وَحَاصِلُ مَا لِابْنِ الشَّاطِّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الشَّرْعِ وَاجِبٌ صَحِيحٌ مُجْزِئٌ إلَّا وَهُوَ مَقْبُولٌ مُثَابٌ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى قَاعِدَةِ سَعَةِ بَابِ الثَّوَابِ وَالْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِوَعْدِ الْمُطِيعِ بِالثَّوَابِ بِدُونِ أَدْنَى مُعَارِضٍ صَحِيحٍ سَالِمٍ مِنْ الِاحْتِمَالِ وَبِالْجُمْلَةِ فَفِي لُزُومِ الثَّوَابِ وَالْقَبُولِ لِلْعَمَلِ الصَّحِيحِ الْمُجْزِئِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ فِي الثَّوَابِ وَالْقَبُولِ هُوَ التَّقْوَى بِمَعْنَى الْإِيمَانِ الْمُوَافِي عَلَيْهِ وَعَدَمُ لُزُومِ الثَّوَابِ وَالْقَبُولِ لِلْعَمَلِ الْمَذْكُورِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ شَرْطَ الثَّوَابِ وَالْقَبُولِ أَمْرٌ إنْ قَصَدَ الِامْتِثَالَ وَالتَّقْوَى الْعُرْفِيَّةَ الَّتِي هِيَ الْمُبَالَغَةُ فِي اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ قَوْلَا ابْنِ الشَّاطِّ وَالشِّهَابِ، وَعَلَى الثَّانِي تَتَحَقَّقُ الْقَاعِدَتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا قَاعِدَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ صَحِيحٍ مُجْزِئٍ يُثَابُ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. 2 - (فَائِدَتَانِ) الْأُولَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُضَاعَفَةِ صَرَّحَ الْعُلَمَاءُ بِأَنَّهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الثَّوَابِ فَقَطْ وَلَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى الْإِجْزَاءِ عَنْ الْفَوَائِتِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاتَانِ فَصَلَّى فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ أَوْ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَوْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى صَلَاةً لَمْ تُجْزِهِ عَنْهُمَا قَطْعًا خِلَافًا لِمَا يَغْتَرُّ بِهِ بَعْضُ الْجَهَلَةِ أَفَادَهُ شَيْخُنَا نَقْلًا عَنْ الْوَالِدِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى كِتَابِهِ تَوْضِيحِ الْمَنَاسِكِ، وَنَقَلَ الصَّاوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي رِسَالَتِهِ أَنَّ الْمُضَاعَفَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَرَمِ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَوَاتِ بَلْ

[الفرق بين قاعدة ما تعين وقته فيوصف فيه بالأداء وبعده بالقضاء وبين قاعدة ما تعين وقته ولا يوصف فيه بالأداء ولا بعده بالقضاء]

وَأَنَّهُ هَرَبَ مِنْهُ فَلَحِقَهُ وَرَمَاهُ بِالْحِجَارَةِ هُنَاكَ فَشُرِعَ رَمْيُ الْجِمَارِ لِتَذَكُّرِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ السُّنِّيَّةِ وَالطَّوَاعِيَةِ التَّامَّةِ وَالْإِنَابَةِ الْجَمِيلَةِ لِيُقْتَدَى بِهِمَا فِي ذَلِكَ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالْجِمَارُ لَيْسَتْ سَبَبًا بَلْ أَدَاةً يُفْعَلُ بِهَا الْوَاجِبُ وَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا شَيْئًا مُعَيَّنًا بَلْ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا فَأَيُّ حَصَاةٍ أَخَذَهَا أَجْزَأَتْ وَسَدَّتْ الْمَسَدَّ وَخُصُوصُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا سَاقِطٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ وَالْوُجُوبُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا دُونَ خُصُوصَاتِهَا، وَرَابِعُهَا: الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا أَدَوَاتٌ يُفْعَلُ بِهَا الْوَاجِبُ وَسَبَبُ الْوُجُوبِ هُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ فِي الضَّحَايَا وَالتَّمَتُّعِ وَنَحْوِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْهَدْيِ. وَأَمَّا هَذِهِ الْأَنْعَامُ فَلَيْسَتْ أَسْبَابًا لِلْوُجُوبِ بَلْ أَدَوَاتٌ يُفْعَلُ بِهَا الْوَاجِبُ وَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى خُصُوصَ بَدَنَةٍ دُونَ أُخْرَى بَلْ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا هُوَ الْمَطْلُوبُ فَأَيُّهَا فَعَلَ سَدَّ الْمَسَدَّ وَلَا يَفُوتُ بِفَوَاتِ الْخُصُوصِ مَقْصِدٌ شَرْعِيٌّ مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الصِّفَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الثَّوَابِ وَالْمَاءِ حَرْفًا بِحَرْفٍ، وَخَامِسُهَا: الرِّقَابُ فِي الْعِتْقِ لَيْسَتْ أَسْبَابًا لِلْحُكْمِ بَلْ السَّبَبُ الظِّهَارُ مَثَلًا أَوْ الْيَمِينُ أَوْ إفْسَادُ صَوْمِ رَمَضَانَ عَمْدًا أَوْ الْقَتْلُ فَهَذِهِ هِيَ الْأَسْبَابُ، وَأَمَّا الرِّقَابُ فَهِيَ أَدَوَاتٌ يُفْعَلُ بِهَا الْوَاجِبُ كَالْمَاءِ وَالسُّتْرَةِ وَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى خُصُوصَ رَقَبَةٍ دُونَ أُخْرَى مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الصِّفَاتِ بَلْ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا هُوَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَهُوَ وَاجِبٌ بِهِ أَدَاةً لَا وَاجِبٌ بِهِ سَبَبًا. الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ: الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ فَإِنَّ مُقْتَضَى الْخِطَابِ فِيهِ التَّعَلُّقُ بِطَائِفَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ بَلْ هُوَ بِمُطْلَقِ الطَّائِفَةِ الصَّالِحَةِ لَا إيقَاعُ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِالْكُلِّ حَتَّى لَا يَضِيعَ الْوَاجِبُ وَإِلَّا فَالْمَقْصُودُ إنَّمَا هُوَ طَائِفَةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ وَأَيُّ طَائِفَةٍ فَعَلَتْ سَدَّتْ الْمَسَدَّ كَالثَّوْبِ فِي السُّتْرَةِ وَالْمَاءِ فِي الطَّهَارَةِ فَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ فِي الطَّوَائِفِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُكَلَّفُ وَالْمُكَلَّفُ يَجِبُ عَلَيْهِ لَا بِهِ وَلَا فِيهِ، فَإِذَا فَعَلَتْ طَائِفَةٌ سَقَطَ عَنْ الْبَقِيَّةِ لِتَحَقُّقِ الْفِعْلِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَإِذَا تَرَكَ الْجَمِيعُ أَثِمُوا لِتَعْطِيلِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا عَنْ الْفِعْلِ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ الْوَاجِبِ تَعَيَّنَ الْفِعْلُ عَيْنًا لِانْحِصَارِ الْمُشْتَرَكِ فِيهِ كَآخِرِ الْوَقْتِ فِي الصَّلَاةِ وَتَعَذُّرِ غَيْرِ الثَّوْبِ الْمَوْجُودِ فِي السُّتْرَةِ حَرْفًا بِحَرْفٍ. الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ: الْوَاجِبُ عِنْدَهُ وَلَهُ مِثْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ أَحَدُهَا الشَّرْطُ فَإِنَّ الْحَوْلَ إذَا دَارَ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ لَا بِالشَّرْطِ الَّذِي هُوَ دَوَرَانُ الْحَوْلِ بَلْ بِالسَّبَبِ الَّذِي هُوَ مِلْكُ النِّصَابِ وَلَكِنْ أَثَرُ السَّبَبِ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ دَوَرَانِ الْحَوْلِ فَدَوَرَانُ الْحَوْلِ وَاجِبٌ عِنْدَهُ لَا بِهِ وَلَمْ يَخْتَصَّ حَوْلٌ مُعَيَّنٌ بِالْوُجُوبِ عِنْدَهُ بَلْ مُطْلَقُ الْحَوْلِ وَهَذِهِ هِيَ الْحَقِيقَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِيهَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا قَالَهُ مِنْ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْكُلِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ (الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ الْوَاجِبُ عِنْدَهُ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِيهَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا قَالَهُ مِنْ تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْكُلِّيِّ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَا سَبَقَ.. ـــــــــــــــــــــــــــــQكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا الْعَبْدُ فِيهِ بِمِائَةِ أَلْفٍ فَمَنْ صَامَ فِيهِ يَوْمًا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ صَوْمَ مِائَةِ أَلْفِ يَوْمٍ وَمَنْ تَصَدَّقَ فِيهِ بِدِرْهَمٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ صَدَقَةً وَمَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فِيهِ مَرَّةً وَاحِدَةً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِائَةَ أَلْفِ خَتْمَةٍ بِغَيْرِهِ وَمَنْ سَبَّحَ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ مَرَّةً كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِائَةَ أَلْفِ مَرَّةٍ بِغَيْرِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ اهـ. 2 - (الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الْبَاجِيَّ: وَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي فَضْلِ الْمَسْجِدَيْنِ مَسْجِدِ مَكَّةَ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ مُخَالَفَةَ حُكْمِ مَسْجِدِ مَكَّةَ لِسَائِرِ الْمَسَاجِدِ وَكَذَا مَسْجِدِ الرَّسُولِ وَلَا يُعْلَمُ مِنْهَا حُكْمُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي التَّفَاضُلِ إلَّا أَنَّ حَدِيثَ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ بِمِائَةِ أَلْفٍ إذْ أُثِيبَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ نَفْسَ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ نَفْسِ الْمَدِينَةِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْوَالِدِ عَلَى كِتَابِهِ تَوْضِيحِ الْمَنَاسِكِ قُلْتُ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حَدِيثَ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ إلَخْ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ أَسْبَابَ التَّفْضِيلِ لَا تَنْحَصِرُ فِي مَزِيدِ الْمُضَاعَفَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ بِمِنًى عِنْدَ التَّوَجُّه بِعَرَفَةَ أَفْضَلُ مِنْهَا بِمَسْجِدِ مَكَّةَ وَإِنْ انْتَفَتْ عَنْهَا نَعَمْ إنْ ثَبَتَ حَدِيثُ «خَيْرِ بَلَدٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَأَحَبُّهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى مَكَّةُ» كَمَا فِي مَنَاسِكِ الصَّاوِيُّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي رِسَالَتِهِ لِأَخِيهِ كَانَ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَّنَ وَقْتُهُ فَيُوصَفُ فِيهِ بِالْأَدَاءِ وَبَعْدَهُ بِالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَنَ وَقْتُهُ وَلَا يُوصَفُ فِيهِ بِالْأَدَاءِ وَلَا بَعْدَهُ بِالْقَضَاءِ] (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَّنَ وَقْتُهُ فَيُوصَفُ فِيهِ بِالْأَدَاءِ وَبَعْدَهُ بِالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَّنَ وَقْتُهُ وَلَا يُوصَفُ فِيهِ بِالْأَدَاءِ وَلَا بَعْدَهُ بِالْقَضَاءِ وَالتَّعَيُّنُ فِي الْقِسْمَيْنِ شَرْعِيٌّ) اعْلَمْ وَفَّقَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكَ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ أَنَّ تَحْرِيرَ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ يَتَوَقَّفُ عَلَى بَيَانِ أُمُورٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْوَاجِبَ قِسْمَانِ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: الْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ وَهُوَ مَا جَعَلَ الشَّارِعُ لِأَدَائِهِ وَقَضَائِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَقْتًا حُدِّدَ طَرَفَاهُ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ مُعَيَّنًا فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ بِحَيْثُ لَا يَخْتَلِفُ وَقْتُ أَدَائِهِ وَلَا وَقْتُ قَضَائِهِ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ كَالصَّوْمِ عَيَّنَ الشَّارِعُ لِأَدَائِهِ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ شَهْرَ رَمَضَانَ فِي كُلِّ مُكَلَّفٍ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ وَلِقَضَائِهِ مَا بَعْدَهُ إلَى شَعْبَانَ بِالْأَمْرِ الثَّانِي فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ أَيْضًا بِحَيْثُ لَا يَخْتَلِفُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِاخْتِلَافِ النَّاسِ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي: الْوَاجِبُ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ مَا جَعَلَ الشَّارِعُ لَهُ مِنْ الْفَوْرِيَّاتِ وَقْتًا مُرَتَّبًا عَلَى ثُبُوتِ أَمْرٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ لَا لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ كَالْحَجِّ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الشَّارِعُ إلَّا مَا كَانَ عَقِيبَ الِاسْتِطَاعَةِ وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ بِحَيْثُ لَوْ

اللُّغَوِيَّةُ مِنْ الْحَوْلِ فَمَتَى وُجِدَتْ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ حَصَلَ الْوُجُوبُ عِنْدَهَا لَا بِهَا لَا لِخُصُوصِ ذَلِكَ الْحَوْلِ بَلْ لِمُطْلَقِ الْحَوْلِ الْمُوجِبِ لِحُصُولِ التَّمَكُّنِ مِنْ التَّنْمِيَةِ فِي النِّصَابِ فَالْمُحَصِّلُ لِمَقْصُودِ الشَّرْعِ هُوَ مُطْلَقُ الْحَوْلِ لَا خُصُوصُ هَذَا الْحَوْلِ فَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ جَمِيعِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ هُوَ الْوَاجِبُ عِنْدَهُ كَمَا أَنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ النُّصُبِ هُوَ الْوَاجِبُ بِهِ وَثَانِيهَا عَدَمُ الْمَانِعِ نَحْوُ عَدَمِ الدَّيْنِ فِي الزَّكَاةِ وَالْحَيْضِ فِي الصَّلَاةِ تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُ بِالسَّبَبِ الَّذِي هُوَ مِلْكُ النِّصَابِ أَوْ زَوَالُ الشَّمْسِ فِي الصَّلَاةِ لَا لِعَدَمِ الدَّيْنِ وَلَا لِعَدَمِ الْحَيْضِ فَعَدَمُ الدَّيْنِ وَالْحَيْضِ وَاجِبٌ عِنْدَهُ وَلَمْ يَعْتَبِرْ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَدَمَ خُصُوصِ دَيْنٍ دُونَ دَيْنٍ وَلَا خُصُوصِ حَيْضٍ دُونَ حَيْضٍ بَلْ مُطْلَقُ الدَّيْنِ وَمُطْلَقُ الْحَيْضِ فَهَذَا الْمُشْتَرَكُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ، وَثَالِثُهَا: وُجُوبُ التَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ فَإِنَّ عَدَمَ الْمَاءِ يَجِبُ عِنْدَهُ التَّيَمُّمُ وَلَيْسَ هُوَ سَبَبُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ لِلصَّلَاةِ أَوْقَاتُهَا وَأَسْبَابُ الطَّهَارَاتِ الْأَحْدَاثُ أَمَّا عَدَمُ الْمَاءِ فَلَيْسَ سَبَبًا لِوُجُوبِ التَّيَمُّمِ بَلْ الْحَدَثُ اقْتَضَى إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ عَلَى التَّرْتِيبِ فَإِنْ عُدِمَتْ طَهَارَةُ الْمَاءِ تَعَيَّنَتْ طَهَارَةُ التُّرَابِ فَعَدَمُ الْمَاءِ وَاجِبٌ عِنْدَهُ لَا بِهِ وَلَمْ يُلَاحِظْ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَدَمَ مَاءٍ مُعَيَّنٍ بَلْ عَدَمُ الْمَاءِ الطَّهُورِ الْكَافِي لِلطَّهَارَةِ دُونَ خُصُوصِ مَاءٍ فَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ هَاهُنَا وَاجِبٌ عِنْدَهُ. وَرَابِعُهَا: وُجُوبُ أَكْلِ الْمَيْتَةِ عِنْدَ عَدَمِ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ إذَا خَافَ الْهَلَاكَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ لَا لِأَنَّ السَّبَبَ عَدَمُ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ بَلْ السَّبَبُ إحْيَاءُ النَّفْسِ وَعَدَمُ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ وَاجِبٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ إحْيَاءَ النَّفْسِ اقْتَضَى أَحَدَ الْغِذَاءَيْنِ إمَّا الْمُبَاحَ أَوْ الْمَيْتَةَ عَلَى التَّرْتِيبِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ الْمُبَاحُ تَعَيَّنَتْ الْمَيْتَةُ كَاقْتِضَاءِ الْحَدَثِ إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ وَلَمْ يُلَاحِظْ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَدَمَ طَعَامٍ مُبَاحٍ بِعَيْنِهِ بَلْ مُطْلَقَ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ الَّذِي يَصْلُحُ لِإِقَامَةِ الْبِنْيَةِ، وَخَامِسُهَا: عَدَمُ الْخَصْلَةِ الْأُولَى مِنْ الْخِصَالِ الْمُرَتَّبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ نَحْوُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَإِنَّ تَعَذُّرَ الْعِتْقِ يُوجِبُ الصِّيَامَ وَعَدَمُ الْعِتْقِ لَيْسَ هُوَ سَبَبَ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ هُوَ الظِّهَارُ وَعَدَمُ الْعِتْقِ وَاجِبٌ عِنْدَهُ لَا بِهِ وَلَمْ يُلَاحِظْ الشَّرْعُ عَدَمَ رَقَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ بَلْ عَدَمُ مُطْلَقِ الرَّقَبَةِ الصَّالِحَةِ لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْ الظِّهَارِ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ كُلُّهَا كُلِّيٌّ مُشْتَرَكٌ لَيْسَ بِجُزْئِيٍّ وَالْوُجُوبُ فِيهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ أَفْرَادِهِ وَهُوَ كُلُّهُ وَاجِبٌ عِنْدَهُ. الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ الْكُلِّيُّ الْمُشْتَرَكُ الْوَاجِبُ مِنْهُ وَلَهُ مِثْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ أَحَدُهَا الْجِنْسُ الْمُخْرَجُ مِنْهُ زَكَاةُ الْإِبِلِ غَنَمًا فِي الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ الْكُلِّيُّ الْمُشْتَرَكُ الْوَاجِبُ مِنْهُ إلَى آخَرِ مَا قَالَهُ فِيهَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ الْكُلِّيُّ وَكَذَلِكَ مَا قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ وَالتَّاسِعَةِ وَالْعَاشِرَةِ غَيْرُ مَا يُشْعِرُ كَلَامُهُ مِنْ مُتَعَلِّقِ الْحُكْمِ بِالْكُلِّيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِرَارًا بَلْ الصَّحِيحُ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِفَرْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمُعَيَّنُ الْمُشْتَرَكُ فَإِنْ عَنَى ذَلِكَ فَمُرَادُهُ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQتَأَخَّرَتْ الِاسْتِطَاعَةُ تَأَخَّرَتْ السُّنَّةُ أَوْ تَقَدَّمَتْ تَقَدَّمَتْ السُّنَّةُ فَصَارَ تَعْيِينُ الْوَقْتِ تَابِعًا لِلِاسْتِطَاعَةِ لَا لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ فَحِينَئِذٍ تَعَيَّنَ أَوْقَاتُ الْعِبَادَاتِ لِمَصَالِحَ فِيهَا بِحَيْثُ إنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا عَيَّنَ شَهْرَ رَمَضَانَ لِلصَّوْمِ مَثَلًا لِمَصْلَحَةٍ يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا دُونَ غَيْرِهِ طَرْدًا لِقَاعِدَةِ الشَّرْعِ فِي رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ عَلَى سَبِيلِ التَّفَضُّلِ فَإِنَّا إذَا لَاحَظْنَا الشَّرَائِعَ وَجَدْنَاهَا مَصَالِحَ فِي الْأَغْلَبِ أَدْرَكْنَا ذَلِكَ وَخَفِيَ عَلَيْنَا فِي الْأَقَلِّ فَقُلْنَا: ذَلِكَ الْأَقَلُّ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْأَكْثَرِ كَمَا لَوْ جَرَتْ عَادَةُ مَلِكٍ بِأَنْ لَا يَخْلَعَ الْأَخْضَرَ إلَّا عَلَى الْفُقَهَاءِ فَإِذَا رَأَيْنَا مَنْ خُلِعَ عَلَيْهِ الْأَخْضَرُ وَلَا نَعْلَمُ قُلْنَا: هُوَ فَقِيهٌ طَرْدًا لِقَاعِدَةِ ذَلِكَ الْمَلِكِ. وَهَكَذَا لَمَّا كَانَتْ قَاعِدَةُ الشَّرْعِ رِعَايَةَ الْمَصَالِحِ فِي جَانِبِ الْأَوَامِرِ وَالْمَفَاسِدِ فِي جَانِبِ النَّوَاهِي عَلَى سَبِيلِ التَّفْضِيلِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ الْعَقْلِيِّ كَمَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ لَزِمَ أَنْ نَعْتَقِدَ فِيمَا لَمْ نَطَّلِعْ فِيهِ عَلَى مَفْسَدَةٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ إنْ كَانَ فِي جَانِبِ الْأَوَامِرِ أَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً وَإِنْ كَانَ فِي جَانِبِ النَّوَاهِي أَنَّ فِيهِ مَفْسَدَةً كَأَنْ نَقُولَ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ: إنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَصَالِحَ لَا نَعْلَمُهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ تَعَبُّدِيٍّ مَعْنَاهُ أَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لَا نَعْلَمُهَا. وَأَمَّا تَعَيُّنُ أَوْقَاتِ الْفَوْرِيَّاتِ كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْوَدَائِعِ إذَا طُلِبَتْ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأَقْضِيَةِ الْحُكَّامِ إذَا نَهَضَتْ الْحِجَاجُ وَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ وَامْتِثَالِ الْأَمْرِ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ زَمَانٍ لِلسَّمَاعِ وَزَمَانٍ لِلتَّأَمُّلِ وَتَعَرُّفِ مَعْنَى الْخِطَابِ وَفِي الزَّمَنِ الثَّالِثِ يَكُونُ الْفِعْلُ زَمَانِيًّا وَبِالتَّأْخِيرِ عَنْهُ يُوصَفُ الْمُكَلَّفُ بِالْمُخَالَفَةِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَبَعٌ لِلْمَأْمُورَاتِ وَطَرَيَانِ الْأَسْبَابِ فَتَعَيُّنُ وَقْتِ إنْقَاذِ الْغَرِيقِ تَابِعٌ لِسُقُوطِهِ فِي الْبَحْرِ فَلَوْ تَأَخَّرَ سُقُوطُهُ فِي الْبَحْرِ تَأَخَّرَ الزَّمَانُ أَوْ تَعَجَّلَ تَعَجَّلَ الزَّمَانُ. وَتَعَيُّنُ وَقْتِ امْتِثَالِ الْأَمْرِ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ تَابِعٌ لِوُرُودِ الصِّيغَةِ فَإِنْ تَقَدَّمَتْ تَقَدَّمَ الْوَقْتُ أَوْ تَأَخَّرَتْ تَأَخَّرَ الْوَقْتُ وَتَعَيُّنُ وَقْتِ أَقْضِيَةِ الْأَحْكَامِ تَابِعٌ لِنُهُوضِ الْحِجَاجِ لَا لِمَصْلَحَةٍ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ وَهَكَذَا يُقَالُ فِي الْبَاقِي. وَالْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ الْوَاجِبَاتِ الْفَوْرِيَّةَ وَإِنْ حَدَّ الشَّارِعُ لَهَا زَمَانًا وَهُوَ زَمَانُ الْوُقُوعِ الَّذِي أَوَّلُهُ أَوَّلُ زَمَانِ التَّكْلِيفِ وَآخِرُهُ الْفَرَاغُ مِنْهَا بِحَسَبِهَا فِي طُولِهَا وَقِصَرِهَا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ تَابِعًا لِمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ لَا لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ مَحْدُودَ الطَّرَفَيْنِ بِخِلَافِ زَمَانِ الْعِبَادَاتِ لَمْ يُقَلْ

إبِلًا فِيمَا فَوْقَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ جِنْسٌ كُلِّيٌّ يَجِبُ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ وَلَمْ يُلَاحِظْ الشَّرْعُ شَاةً مُعَيَّنَةً وَلَا حِقَّةً مُعَيَّنَةً مَعَ اسْتِوَاءِ الصِّفَاتِ فِي الْجِنْسِ الْمُجْزِئِ بَلْ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ الْكُلِّيُّ هُوَ مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ فَقَطْ وَثَانِيهَا الْجِنْسُ الْمُخْرَجُ مِنْهُ زَكَاةُ النَّقْدَيْنِ، وَهُوَ النَّقْدَانِ أَيْضًا يَجِبُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهُمَا مِقْدَارَ رُبْعِ الْعُشْرِ زَكَاةً عَمَّا يَمْلِكُهُ وَلَمْ يُلَاحِظْ الشَّرْعُ خُصُوصَ دِينَارٍ وَلَا دِرْهَمٍ، وَثَالِثُهَا: الْجِنْسُ الْمُخْرَجُ مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَهُوَ الْحَبُّ الَّذِي غَالِبُ قُوتِ أَهْلِ الْبَلَدِ مِنْهُ يَجِبُ أَنْ يُخْرَجَ مِنْهُ صَاعٌ عَنْ كُلِّ آدَمِيٍّ إلَّا مَنْ اُسْتُثْنِيَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَرَابِعُهَا: الْجِنْسُ الْمُخْرَجُ مِنْهُ الْكَفَّارَاتُ فِي الْإِطْعَامِ وَهُوَ الْجِنْسُ الَّذِي تُخْرَجُ مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ بِعَيْنِهِ، وَخَامِسُهَا: الْجِنْسُ الْمُخْرَجُ مِنْهُ زَكَاةُ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ يَجِبُ أَنْ يُخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ مِمَّا فِي الْمِلْكِ أَوْ غَيْرِهِ بِأَنْ يُحَصِّلَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيُخْرِجُ مِنْهُ الْعُشْرَ عَمَّا مَلَكَهُ مِنْ الْحَبِّ أَوَ الثَّمَنِ فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ كُلُّهَا أَجْنَاسٌ كُلِّيَّةٌ لَيْسَتْ مُعَيَّنَةً يَجِبُ الْإِخْرَاجُ مِنْهَا وَلَمْ يُلَاحِظْ الشَّارِعُ فِيهَا مُعَيَّنًا بَلْ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ تِلْكَ الْمُعَيَّنَاتِ. الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ الْوَاجِبُ عَنْهُ وَهُوَ جِنْسُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ يَجِبُ أَنْ يُخْرَجَ عَنْ كُلِّ فَرْدٍ مِنْهُ صَاعٌ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَلَمْ يُلَاحِظْ الشَّارِعُ خُصُوصَ شَخْصٍ دُونَ شَخْصٍ بَلْ مَفْهُومُ الْإِنْسَانِ الْمَوْصُوفِ بِالصِّفَاتِ الَّتِي لِأَجْلِهَا تَجِبُ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ كَانَ ذَلِكَ الْمُخْرَجُ عَنْهُ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِوَصِيَّةٍ أَوْ حَاكِمٍ أَوْ وَلِيٍّ بِقَرَابَةٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ أَوْ رَقِيقٍ فَتَعَلُّقُ الْحُكْمِ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ دُونَ خُصُوصِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ زَوْجَةٍ مُعَيَّنَةٍ. الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةُ الْوَاجِبُ مِثْلُهُ وَلَهُ مِثَالَانِ: أَحَدُهُمَا جَزَاءُ الصَّيْدِ فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَجِبُ إخْرَاجُ مِثْلِ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ فِي الْإِحْرَامِ أَوْ الْحَرَمِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مُطْلَقُ الْغَزَالِ وَمُطْلَقُ بَقَرِ الْوَحْشِ دُونَ خُصُوصِ ظَبْيٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بَقَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ بَلْ الْوَاجِبُ مَنُوطٌ بِمُطْلَقِ ذَلِكَ الْجِنْسِ الْكُلِّيِّ وَخُصُوصِ كُلِّ صَيْدٍ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ سَاقِطٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ فِي الْجَزَاءِ فَهَذَا الْجِنْسُ الْكُلِّيُّ هُوَ الْوَاجِبُ مِثْلُهُ، وَثَانِيهِمَا: الْمُتْلَفُ الْمِثْلِيُّ مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ تَجِبُ غَرَامَةُ مِثْلِهِ كَمَنْ أَتْلَفَ قَفِيزَ قَمْحٍ يَجِبُ عَلَيْهِ غَرَامَةُ قَفِيزٍ مِثْلِهِ أَوْ رِطْلَ زَيْتٍ يَجِبُ عَلَيْهِ إخْرَاجُ رِطْلِ زَيْتٍ مِثْلِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ خُصُوصِ ذَلِكَ الرِّطْلِ الزَّيْتِ وَتَعَيُّنِهِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ كَوْنُهُ زَيْتًا مَوْصُوفًا بِصِفَةٍ هِيَ مُتَعَلِّقُ الْأَغْرَاضِ نَحْوُ كَوْنِهِ زَيْتًا اتِّفَاقًا وَزَيْتَ بِزْرِ كَتَّانٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ إخْرَاجِ مِثْلِهِ حَتَّى إنَّ أَفْرَادَ الْأَرْطَالِ مِنْ الْغَلَّةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الزَّيْتِ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ وَالْمُعْتَبَرُ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا دُونَ خُصُوصِ رِطْلٍ دُونَ رِطْلٍ، وَكَذَلِكَ الْمِثْلِيَّاتُ الْمُعْتَبَرُ فِي الْحُكْمِ أَجْنَاسُهَا وَصِفَاتُهَا الْعَامَّةُ دُونَ خُصُوصِ الْمُعَيَّنَاتِ، فَهَذَا جِنْسٌ كُلِّيٌّ هُوَ الْوَاجِبُ مِثْلُهُ. الْقَاعِدَةُ الْعَاشِرَةُ الْوَاجِبُ إلَيْهِ وَلَهُ مِثْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ أَحَدُهَا غُرُوبُ الشَّمْسِ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْوَاجِبَاتِ الْفَوْرِيَّةِ إذَا وَقَعَتْ فِي وَقْتِهَا الْمَحْدُودِ لَهَا شَرْعًا أَدَاءً وَلَا إذَا وَقَعَتْ بَعْدَهُ قَضَاءً بِخِلَافِ الْعِبَادَاتِ. وَالْأَمْرُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْأَدَاءَ هُوَ إيقَاعُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَقَيْدُ فِي وَقْتِهِ يُخْرِجُ الْقَضَاءَ وَقَيْدُ الْمَحْدُودِ لَهُ يُخْرِجُ الْوَاجِبَ الْمُغَيَّا بِجَمِيعِ الْعُمْرِ كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَقَيْدُ شَرْعًا يُخْرِجُ الْمَحْدُودَ عُرْفًا وَقَيْدُ لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ يُخْرِجُ الْوَاجِبَاتِ الْفَوْرِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ كُلَّهَا؛ لِأَنَّ تَحْدِيدَ وَقْتِهَا شَرْعًا تَابِعٌ لِحُصُولِ أَمْرٍ لَا لِمَصْلَحَةٍ فِي الْوَقْتِ كَمَا عَلِمْتَ فَلَا يُوصَفُ الْفِعْلُ بِالْأَدَاءِ إلَّا إذَا وَقَعَ فِي وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ فَوَقْتُ الْأَدَاءِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ الْكُلُّ لَا جُزْءٌ مِنْهُ لَا بِعَيْنِهِ يَتَعَيَّنُ بِالْوُقُوعِ فِيهِ سَوَاءٌ وَقَعَ فِي الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ الْجَزَاءُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْفِعْلُ بِمَعْنَى أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ جُزْءٌ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ لَا بِعَيْنِهِ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا يَتَعَيَّنُ بِالْوُقُوعِ فِيهِ إنْ فُعِلَ فِي الْوَقْتِ وَإِلَّا تَعَيَّنَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ الْآخِرُ فَالْوُجُوبُ لِلْأَدَاءِ عِنْدَهُمْ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ مَعَ الشُّرُوعِ فِي الْفِعْلِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ السَّعْدُ فِي شَرْحِ التَّوْضِيحِ أَفَادَهُ الشِّرْبِينِيُّ عَلَى حَوَاشِي مَحَلِّي جَمْعِ الْجَوَامِعِ. وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَهُوَ فِي اللُّغَةِ فِعْلُ الشَّيْءِ كَيْفَ كَانَ وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} [الجمعة: 10] أَيْ فَإِذَا فُعِلَتْ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ لَهُ أَرْبَعَةُ مَعَانٍ أَحَدُهَا مَا يُقَابِلُ الْأَدَاءَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ إيقَاعُ الْوَاجِبِ خَارِجَ وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ بِالْأَمْرِ الثَّانِي فَقَيْدُ خَارِجَ وَقْتِهِ يُخْرِجُ الْأَدَاءَ وَقَيْدُ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا يُخْرِجُ الْمَحْدُودَ وَقْتُهُ عُرْفًا وَقَيْدُ لِمَصْلَحَةٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْوَقْتُ يُخْرِجُ الْوَاجِبَاتِ الْفَوْرِيَّةَ؛ لِأَنَّ تَحْدِيدَ وَقْتِهَا شَرْعًا تَابِعٌ لِحُصُولِ أَمْرٍ لَا لِمَصْلَحَةٍ كَمَا عَلِمْتَ فَلَا يُوصَفُ الْفِعْلُ بِالْقَضَاءِ إلَّا إذَا وَقَعَ خَارِجَ وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ وَقَيَّدَ بِالْأَمْرِ الثَّانِي لِدَفْعِ نَقْضٍ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِقَضَاءِ رَمَضَانَ جُمْلَةَ السَّنَةِ كُلِّهَا الَّتِي تَلِي شَهْرَ الْأَدَاءِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَقَعَ فِي وَقْتِهِ الْمَحْدُودِ لَهُ شَرْعًا وَلَيْسَ أَدَاءً، وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ وَإِنْ دَخَلَ فِي حَدِّ الْأَدَاءِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَيَّنَ لَهُ السَّنَةَ تَعْيِينًا لَا كَسَنَةِ الْحَجِّ لِخُصُوصِ كَوْنِهَا تَابِعَةً لِلِاسْتِطَاعَةِ غَيْرَ مَحْدُودَةِ الطَّرَفَيْنِ بَلْ إنَّمَا عَيَّنَهَا لَهُ مَحْدُودَةَ الطَّرَفَيْنِ لِمَصْلَحَةٍ يَخْتَصُّ بِهَا لَا نَعْلَمُهَا لَا لِخُصُوصِ كَوْنِهَا تَابِعَةً لِتَرْكِ الصَّوْمِ إلَّا أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ

الصَّوْمِ يَجِبُ الصَّوْمُ إلَيْهِ وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ ذَلِكَ جِنْسُ الْغُرُوبِ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ أَمَّا كَوْنُهُ غُرُوبَ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَسَاقِطٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ بَلْ مَتَى تَحَقَّقَ الْغُرُوبُ فِي أَيِّ يَوْمٍ كَأَنْ سَقَطَ وُجُوبُ الصَّوْمِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَانْتَقَلَ الْمُكَلَّفُ إلَى تَحْرِيمِ الصَّوْمِ لِوُجُودِ مَفْهُومِ الْغُرُوبِ فِي أَيِّ يَوْمٍ كَانَ وَلَا عِبْرَةَ بِخُصُوصِ الْأَيَّامِ فَهَذَا جِنْسٌ عَامٌّ كُلِّيٌّ يَجِبُ الْفِعْلُ إلَيْهِ وَهُوَ مُلَابَسَةٌ ضِدُّ الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ. وَثَانِيهَا: هِلَالُ شَوَّالٍ يَجِبُ تَتَابُعُ الصَّوْمِ فِي الْأَيَّامِ إلَيْهِ كَمَا يَجِبُ إيصَالُ الصَّوْمِ فِي كُلِّ يَوْمٍ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَمُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ هُوَ كَوْنُهُ هِلَالَ شَوَّالٍ أَمَّا كَوْنُهُ هَذَا الْهِلَالَ أَوْ ذَلِكَ أَوْ كَوْنُهُ مِنْ سَنَةِ سِتِّينَ أَوْ مِنْ سَنَةِ سَبْعِينَ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَلْ مُطْلَقُ هِلَالِ شَوَّالٍ كَيْفَ كَانَ مِنْ أَيِّ سَنَةٍ كَانَ. وَثَالِثُهَا: أَوَاخِرُ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَالْإِحْدَادِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ يَجِبُ إيصَالُ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ إلَى تِلْكَ الْغَايَاتِ، وَكَذَلِكَ الْإِحْدَادُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِ تِلْكَ الْغَايَةِ مِنْ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ بَلْ مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ كَوْنُهُ كَمَالَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ هَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَمَا عَدَاهُ لَغْوٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ فَهَذِهِ أَجْنَاسٌ عَشَرَةٌ اشْتَرَكَتْ كُلُّهَا فِي تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِمَعْنًى كُلِّيٍّ وَاخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِخُصُوصٍ كَمَا تَقَدَّمَ كَكَوْنِهِ فِيهِ وَبِهِ وَعَنْهُ وَمِنْهُ وَإِلَيْهِ وَعَلَيْهِ وَعِنْدَهُ وَبِهِ نُجِيبُ عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ إذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي الْأَبْوَابِ كُلِّهَا مُتَعَلِّقًا بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ فَلْيَكُنْ الْكُلُّ وَاجِبًا مُخَيَّرًا فَلِمَ اخْتَلَفَتْ الْأَسْمَاءُ؟ فَنُجِيبُ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ الْعَامَّ الَّذِي هُوَ تَعَلَّقَ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ قَدْ حَصَلَ تَحْتَهُ أَيْضًا أَجْنَاسٌ كُلِّيَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ أَفْرَادِهَا وَلِكُلِّ جِنْسٍ مِنْ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ خُصُوصٌ عَامٌّ مُشْتَرَكٌ فِيهِ بَيْنَ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْجِنْسِ، وَالْأَصْلُ إذَا اخْتَلَفَتْ الْحَقَائِقُ الْكُلِّيَّةُ أَوْ الْجُزْئِيَّةُ أَنْ تَخْتَلِفَ الْأَسْمَاءُ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا حَتَّى تَحْصُلَ فَائِدَةُ التَّعْبِيرِ عَنْ خُصُوصِ كُلِّ حَقِيقَةٍ كَانَتْ جِنْسًا أَوْ شَخْصًا فَهَذَا تَقْرِيرُ هَذَا الْفَرْقِ بَيْنَ قَوَاعِدِهِ الْعَشَرَةِ. (الْفَرْقُ السَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا) هَذَا الْفَرْقُ بَالَغَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي اعْتِبَارِهِ حَتَّى أَثْبَتَ عُقُودَ الرِّبَا وَإِفَادَتَهَا الْمِلْكَ فِي أَصْلِ الْمَالِ الرِّبَوِيِّ وَرَدِّ الزَّائِدِ فَإِذَا بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْجَبَ الْعَقْدُ دِرْهَمًا مِنْ الدِّرْهَمَيْنِ وَيُرَدُّ الدِّرْهَمُ الزَّائِدُ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الرِّبَوِيَّاتِ وَبَالَغَ قُبَالَتَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي إلْغَاءِ هَذَا الْفَرْقِ حَتَّى أَبْطَلَ الصَّلَاةَ بِالثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (شِهَابُ الدِّينِ الْفَرْقُ السَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي أَمْرٍ خَارِجٍ إلَى قَوْلِهِ وَهَذَا فِقْهٌ حَسَنٌ) قُلْتُ مَا قَالَهُ حِكَايَةُ مَذْهَبٍ وَتَقْرِيرُهُ وَذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ الْمُرَكَّبَةَ كَمَا تَعْدَمُ لِعَدَمِ كُلِّ أَجْزَائِهَا تَعْدَمُ بِعَدَمِ بَعْضِ أَجْزَائِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ إذَا عَدِمَ بَعْضَ الْأَجْزَاءُ لَمْ تَتَرَكَّبْ تِلْكَ الْمَاهِيَّةُ فَلَا يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَدِّ الْأَدَاءِ بِقَيْدِ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ وَفِيهِ وَدَخَلَ فِي حَدِّ الْقَضَاءِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بِقَيْدِ بِالْأَمْرِ الثَّانِي فِيهِ فَافْهَمْ. وَثَانِيهَا: إيقَاعُ الْوَاجِبِ تَعْيِينُهُ بِالشُّرُوعِ وَعَلَيْهِ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ بِقَضَاءِ مَا شُرِعَ فِيهِ مِنْ الطَّاعَاتِ وَأَبْطَلَهُ لِوُجُوبِهَا بِالشُّرُوعِ عَلَى تَفْصِيلٍ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ لِلْفَرِيقَيْنِ وَمِنْهُ حِجَّةُ الْقَضَاءِ فِي الْحَجِّ بَعْدَ الْحِجَّةِ الْفَاسِدَةِ. وَثَالِثُهَا: مَا وَقَعَ عَلَى خِلَافِ وَضْعِهِ فِي الشَّرِيعَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْوَقْتِ وَالتَّعْيِينِ بِالشُّرُوعِ وَمِنْهُ قَضَاءُ الْمَأْمُومِ الْمَسْبُوقِ مَا فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فَاتَتَاهُ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الْمَغْرِبِ أَوْ الْعِشَاءِ جَهْرًا تُسَمَّى قَضَاءً اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا صُلِّيَتَا جَهْرًا وَقَدْ صَارَا أَخِيرَيْنِ كَانَا عَلَى خِلَافِ الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ مِنْ تَقَدُّمِ الْجَهْرِ عَلَى السِّرِّ، وَقَوْلُهُمْ الْمَأْمُورُ فِيمَا فَاتَهُ هَلْ يَكُونُ قَاضِيًا أَوْ بَانِيًا إنَّمَا هُوَ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي تَعْيِينِ الْقَضَاءِ أَيْ هَلْ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى ذَلِكَ أَوَّلًا لَا فِي أَنَّهُ يُسَمَّى قَضَاءً لَوْ وَقَعَ كَذَلِكَ فَافْهَمْ. وَرَابِعُهَا: إيقَاعُ الْفِعْلِ بَعْدَ تَقَدُّمِ سَبَبِهِ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ إنَّ السُّنَنَ تُقْضَى لِتَقَدُّمِ أَسْبَابِهَا لَا لِلشُّرُوعِ فِيهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَمَعَانِي لَفْظِ الْقَضَاءِ خَمْسَةٌ مُخْتَلِفَةٌ أَرْبَعَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ وَوَاحِدٌ لُغَوِيٌّ فَلَا يَرِدُ صِدْقُهُ بِاعْتِبَارِ أَحَدِ مَعَانِيهِ عَلَى غَيْرِ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَدُّنَا لَهُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ الْآخَرِ لَا نَقْضًا وَلَا سُؤَالًا أَلَا تَرَى أَنَّا إذَا حَدَّدْنَا الْعَيْنَ بِمَعْنَى الْحَدَقَةِ بِأَنَّهَا عُضْوٌ يَتَأَتَّى بِهِ الْإِبْصَارُ لَا نَلْتَفِتُ لِلْقَوْلِ بِنَقْضِهِ بِعَيْنِ الْمَاءِ وَبِالذَّهَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ضَرُورَةَ أَنَّ الْمَعَانِيَ الْمُخْتَلِفَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ حُدُودُهَا مُخْتَلِفَةً فَحِينَئِذٍ اسْتَقَامَ مَا ذُكِرَ مِنْ حَدِّ الْقَضَاءِ وَحَدِّ الْأَدَاءِ وَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَّنَ وَقْتُهُ بِتَحْدِيدِ طَرَفَيْهِ لِمَصْلَحَةٍ فِيهِ فَيُوصَفُ بِالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَعَيَّنَ وَقْتُهُ بِغَيْرِ تَحْدِيدِ طَرَفَيْهِ لِانْتِفَاءِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ بَلْ تَعْيِينًا تَابِعًا لِتَحَقُّقِ أَمْرٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ فَلَا يُوصَفُ لَا بِالْأَدَاءِ وَلَا بِالْقَضَاءِ. وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ ثُمَّ عَاشَ أَنَّ الْفِعْلَ يَكُونُ مِنْهُ أَدَاءً؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْوَقْتِ لَمْ تَكُنْ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ بَلْ تَبَعٌ لِلظَّنِّ الْكَاذِبِ وَهَلْ هُوَ قَضَاءٌ قَوْلَانِ لِلْقَاضِي وَالْغَزَالِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَسَيَأْتِي عَنْ ابْنِ الشَّاطِّ أَنَّ قَوْلَ الْغَزَالِيِّ بِأَنَّهُ قَضَاءٌ دَعْوَى لَا حُجَّةَ عَلَيْهَا أَلْبَتَّةَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعِبَادَاتِ بِاعْتِبَارِ الِاتِّصَافِ بِالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ مَا يُوصَفُ بِهِمَا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ الِاصْطِلَاحِيِّ

[العبادات ثلاثة أقسام]

وَالْوُضُوءَ بِالْمَاءِ الْمَسْرُوقِ وَالذَّبْحَ بِالسِّكِّينِ الْمَغْصُوبَةِ وَسَوَّى فِيهِ بَيْنَ مَوَارِدِ النَّهْيِ وَتَوَسَّطَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ فَأَوْجَبَا الْفَسَادَ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ دُونَ بَعْضٍ، وَأَنَا أَذْكُرُ حُجَجَ الْفَرِيقَيْنِ ثُمَّ أُذَيِّلُ بِمَسَائِلَ تُوَضِّحُ الْفَرْقَ. احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّ النَّهْيَ إذَا كَانَ فِي نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ كَانَتْ الْمَفْسَدَةُ فِي نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ وَالْمُتَضَمِّنُ لِلْمُفْسِدَةِ فَاسِدٌ فَإِنَّ النَّهْيَ إنَّمَا يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ إنَّمَا يَعْتَمِدُ الْمَصَالِحَ كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ وَبَيْعِ السَّفِيهِ، وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ أَرْكَانَ الْعَقْدِ أَرْبَعَةٌ: عِوَضَانِ وَعَاقِدَانِ فَمَتَى وُجِدَتْ الْأَرْبَعَةُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ سَالِمَةً عَنْ النَّهْيِ فَقَدْ وُجِدَتْ الْمَاهِيَّةُ الْمُعْتَبَرَةُ شَرْعًا سَالِمَةً عَنْ النَّهْيِ فَيَكُونُ النَّهْيُ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا وَمَتَى انْخَرَمَ وَاحِدٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ فَقَدْ عُدِمَتْ الْمَاهِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمَاهِيَّةَ الْمُرَكَّبَةَ كَمَا تُعْدَمُ لِعَدَمِ كُلِّ أَجْزَائِهَا تُعْدَمُ لِعَدَمِ بَعْضِ أَجْزَائِهَا فَإِذَا بَاعَ سَفِيهٌ مِنْ سَفِيهٍ خَمْرًا بِخِنْزِيرٍ فَجَمِيعُ الْأَرْكَانِ مَعْدُومَةٌ فَالْمَاهِيَّةُ مَعْدُومَةٌ وَالنَّهْيُ وَالْفَسَادُ فِي نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ وَإِذَا بَاعَ رَشِيدٌ مِنْ رَشِيدٍ ثَوْبًا بِخِنْزِيرٍ فَقَدْ فُقِدَ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فَتَكُونُ الْمَاهِيَّةُ مَعْدُومَةً شَرْعًا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ. فَإِذَا بَاعَ رَشِيدٌ مِنْ رَشِيدٍ فِضَّةً بِفِضَّةٍ فَالْأَرْكَانُ الْأَرْبَعَةُ مَوْجُودَةٌ سَالِمَةٌ عَنْ النَّهْيِ الشَّرْعِيِّ فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى الْفِضَّتَيْنِ أَكْثَرَ فَالْكَثْرَةُ وَصْفٌ حَصَلَ لِأَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فَالْوَصْفُ مُتَعَلِّقُ النَّهْيِ دُونَ الْمَاهِيَّةِ فَهَذَا هُوَ تَحْرِيرُ كَوْنِ النَّهْيِ فِي الْمَاهِيَّةِ أَوْ فِي أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا وَخَرَجَ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ عُقُودِ الرِّبَا وَجَمِيعُ مَا هُوَ مِنْ هَذَا الضَّابِطِ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ فِي الْمِثَالِ فَمَتَى وُجِدَتْ الْأَرْكَانُ كُلُّهَا وَأَجْزَاءُ الْمَاهِيَّةِ فَالنَّهْيُ فِي الْخَارِجِ وَمَتَى كَانَ النَّهْيُ فِي جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاهِيَّةِ أَوْ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَالنَّهْيُ فِي الْمَاهِيَّةِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَصْلُ الْمَاهِيَّةِ سَالِمٌ عَنْ الْمَفْسَدَةِ وَالنَّهْيُ إنَّمَا هُوَ فِي الْخَارِجِ عَنْهَا فَلَوْ قُلْنَا بِالْفَسَادِ مُطْلَقًا لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ الْمُتَضَمَّنَةِ لِلْفَسَادِ وَبَيْنَ السَّالِمَةِ عَنْ الْفَسَادِ، وَلَوْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ السَّالِمَةِ فِي ذَاتِهَا وَصِفَاتِهَا وَبَيْنَ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْفَسَادِ فِي صِفَاتِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فَإِنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ مَوَاطِنِ الْفَسَادِ وَبَيْنَ السَّالِمِ عَنْ الْفَسَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــSذَلِكَ الْجُزْءُ الْمَعْدُومُ جُزْءًا مِنْهَا إلَّا بِالتَّوَهُّمِ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ جُزْءًا فِي غَيْرِ هَذَا الْفَرْضِ أَمَّا فِي هَذَا فَلَا وَغَيْرُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي قَرَّرَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِقْهٌ حَسَنٌ وَهُوَ قَوْلُهُ. (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَصْلُ الْمَاهِيَّةِ سَالِمٌ عَنْ الْمَفْسَدَةِ وَالنَّهْيُ إنَّمَا هُوَ فِي الْخَارِجِ عَنْهَا فَلَوْ قُلْنَا بِالْفَسَادِ مُطْلَقًا لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْفَسَادِ وَبَيْنَ السَّالِمَةِ عَنْ الْفَسَادِ وَلَوْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ السَّالِمَةِ فِي ذَاتِهَا وَصِفَاتِهَا وَبَيْنَ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْفَسَادِ فِي صِفَاتِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فَإِنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ مَوَاطِنِ الْفَسَادِ وَبَيْنَ السَّالِمِ عَنْ الْفَسَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَرَمَضَانَ. وَالثَّانِي: مَا لَا يُوصَفُ بِهِمَا بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ الِاصْطِلَاحِيِّ وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِهِمَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي الِاصْطِلَاحِيِّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْأَحْنَافِ أَوْ بِالْمَعْنَى الرَّابِعِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَالنَّوَافِلِ فَافْهَمْ. وَالثَّالِثُ: مَا يُوصَفُ بِالْأَدَاءِ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ فَقَطْ كَالْجُمُعَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [الْعِبَادَاتُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ] (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدَاءِ الَّذِي يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَدَاءِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ مَعَهُ الْإِثْمُ) وَذَلِكَ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ حَدِّ الْأَدَاءِ وَحَدِّ الْقَضَاءِ لَمَّا لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِمَا لِأَحْوَالِ الْمُكَلَّفِ بَلْ لِلْعِبَادَةِ فَقَطْ وَكَانَ حَدُّ الْأَدَاءِ يَصْدُقُ عَلَى أَنَّ وَقْتَ أَدَاءِ الظُّهْرِ مِنْ أَوَّلِ الزَّوَالِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَوَقْتَ أَدَاءِ الْمَغْرِبِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ بِسَبَبِ أَنَّ أَرْبَابَ الْأَعْذَارِ يُدْرِكُونَ الظُّهْرَيْنِ بِزَوَالِ عُذْرِهِمْ فِي مِقْدَارِ مَا يَسَعُ خَمْسَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَيُدْرِكُونَ صَلَاتَيْ اللَّيْلِ بِزَوَالِهِ فِي مِقْدَارِ مَا يَسَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ لَا يَلْزَمُ أَرْبَابَ الْأَعْذَارِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَا يَلْزَمُهُمْ صَلَاةُ النَّهَارِ إذَا لَمْ يَزُلْ عُذْرُهُمْ إلَّا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَا صَلَاةُ اللَّيْلِ إذَا لَمْ يَزُلْ إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا مَنَعَ الْمُكَلَّفَ الَّذِي لَا عُذْرَ لَهُ مِنْ تَأْخِيرِ الْعِبَادَاتِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ مُطْلَقًا وَحَدُّ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ فِي الظُّهْرِ بِآخِرِ الْقَامَةِ وَفِي الْعَصْرِ بِالِاصْفِرَارِ وَفِي الْمَغْرِبِ عَلَى زَاوِيَةِ اتِّحَادِهِ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَهِيَ الْأَشْهَرُ وَقَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ الِاتِّحَادُ هُوَ الْمَشْهُورُ بِقَدْرِ مَا يَسَعُ فِعْلُهَا بَعْدَ شُرُوطِهَا وَعَلَى رِوَايَةِ امْتِدَادِهِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ الْقَوْلُ بِالِامْتِدَادِ هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ فِي أَحْكَامِهِ إنَّهُ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَوْلُهُ الَّذِي فِي مُوَطَّئِهِ الَّذِي قَرَأَهُ طُولَ عُمْرِهِ وَأَمْلَاهُ حَيَاتَهُ اهـ. بِغِيَابِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ كَمَا فِي الْحَطَّابِ عَلَى خَلِيلٍ، وَفِي الْعِشَاءِ أَمَّا بِثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا بِنِصْفِهِ عَلَى الْخِلَافِ وَحَدُّ وَقْتِ الِاضْطِرَارِ فِي الظُّهْرِ مِنْ بَعْدِ الْقَامَةِ وَالْعَصْرِ مِنْ بَعْدِ الِاصْفِرَارِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فِيهِمَا وَفِي الْمَغْرِبِ إمَّا مِنْ بَعْدِ مَا يَسَعُهَا بِشُرُوطِهَا أَوْ مِنْ بَعْدِ غِيَابِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي الْعِشَاءِ إمَّا مِنْ بَعْدِ الثُّلُثِ أَوْ النِّصْفِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فِيهِمَا بِحَيْثُ إنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ حَجَرَ عَلَى الْمُخْتَارِينَ مِنْ إيقَاعِ الظُّهْرِ مَثَلًا فِيمَا بَعْدَ الْقَامَةِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَمِنْ إيقَاعِ الْمَغْرِبِ مَثَلًا فِيمَا بَعْدَ مَا يَسَعُهَا بِشُرُوطِهَا أَوْ فِيمَا بَعْدَ غِيَابِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْوَقْتَيْنِ

خِلَافُ الْقَوَاعِدِ فَتَعَيَّنَ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَابَلَ الْأَصْلُ بِالْأَصْلِ وَالْوَصْفُ بِالْوَصْفِ فَنَقُولُ أَصْلُ الْمَاهِيَّةِ سَالِمٌ عَنْ النَّهْيِ. وَالْأَصْلُ فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَعُقُودِهِمْ الصِّحَّةُ حَتَّى يَرِدَ نَهْيٌ فَيَثْبُتُ لِأَصْلِ الْمَاهِيَّةِ الْأَصْلُ الَّذِي هُوَ الصِّحَّةُ وَيَثْبُتُ لِلْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْمَفْسَدَةِ الْوَصْفُ الْعَارِضُ وَهُوَ النَّهْيُ فَيَفْسُدُ الْوَصْفُ دُونَ الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَهُوَ فِقْهٌ حَسَنٌ وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ النَّهْيَ يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ وَمَتَى وَرَدَ نَهْيٌ أَبْطَلْنَا ذَلِكَ الْعَقْدَ وَذَلِكَ التَّصَرُّفَ بِجُمْلَتِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ إنَّمَا اقْتَضَى تِلْكَ الْمَاهِيَّةَ بِذَلِكَ الْوَصْفِ أَمَّا بِدُونِهِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ غَيْرَ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَيُرَدُّ مِنْ يَدِ قَابِضِهِ بِغَيْرِ عَقْدٍ، وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ مَعْدُومٌ شَرْعًا وَالْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا وَمَنْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ حِسًّا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ، فَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ بَاطِلَةٌ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ وَالْمَسْرُوقِ وَالذَّبْحُ بِالسِّكِّينِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمَسْرُوقَةِ فَهِيَ كُلُّهَا مَعْدُومَةٌ شَرْعًا فَتَكُونُ مَعْدُومَةً حِسًّا وَمَنْ فَرَى الْأَوْدَاجَ بِغَيْرِ أَدَاةٍ حِسًّا لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ فَكَذَلِكَ ذَبِيحَةُ الذَّابِحِ بِسِكِّينٍ مَغْصُوبَةٍ وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَتَوَسَّطْنَا بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ فَقُلْنَا بِالْفَسَادِ لِأَجْلِ النَّهْيِ عَنْ الْوَصْفِ فِي مَسَائِلَ دُونَ مَسَائِلَ وَلْنَذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَسَائِلَ ـــــــــــــــــــــــــــــSخِلَافُ الْقَوَاعِدِ فَتَعَيَّنَ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَابَلَ الْأَصْلُ بِالْأَصْلِ وَالْوَصْفُ بِالْوَصْفِ فَنَقُولُ أَصْلُ الْمَاهِيَّةِ سَالِمٌ عَنْ النَّهْيِ وَالْأَصْلُ فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَعُقُودِهِمْ الصِّحَّةُ حَتَّى يَرِدَ نَهْيٌ فَيُثْبِتَ لِأَصْلِ الْمَاهِيَّةِ الْأَصْلَ الَّذِي هُوَ الصِّحَّةُ وَيُثْبِتَ لِلْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْمَفْسَدَةِ الْوَصْفَ الْعَارِضَ وَهُوَ النَّهْيُ فَيَفْسُدُ الْوَصْفُ دُونَ الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ) قُلْتُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْوَصْفَ إذَا نَهَى عَنْهُ سَرَى النَّهْيُ إلَى الْمَوْصُوفِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَا وُجُودَ لَهُ مُفَارِقًا لِلْمَوْصُوفِ فَيَئُولُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ النَّهْيَ يَتَسَلَّطُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ الْمَوْصُوفَةِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَتَكُونُ الْمَاهِيَّةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ عَارٍ عَنْ ذَلِكَ الْوَصْفِ فَلَا يَتَسَلَّطُ النَّهْيُ عَلَيْهِ وَمُتَّصِفٌ بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَيَتَسَلَّطُ النَّهْيُ عَلَيْهِ. قَالَ (وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِأَنَّ النَّهْيَ يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ إلَى قَوْلِهِ وَلِنَذْكُرَ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَسَائِلَ) قُلْتُ فِيمَا قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَمِنْ تَسْوِيَتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الرِّبَا نَظَرٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَمْ يَتَسَلَّطْ النَّهْيُ فِيهَا عَلَى الْمَاهِيَّةِ وَلَا عَلَى وَصْفِهَا بَلْ تَسَلَّطَ عَلَى الْغَصْبِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضِ لِكَوْنِهِ فِي وُضُوءٍ أَوْ غَيْرِ وُضُوءٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الرِّبَا فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ النَّهْيُ فِي الْآيَةِ ظَاهِرُهُ التَّسَلُّطُ عَلَى الرِّبَا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِكَوْنِهِ فِي الْبَيْعِ أَوْ لَا فَإِنَّ الْحَدِيثَ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَذْكُورَيْنِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَدُّ الْأَدَاءِ الْمَارِّ كَانَ إيقَاعُ الْمُخْتَارِينَ الظُّهْرَ بَعْدَ الْقَامَةِ وَالْعَصْرَ بَعْدَ الِاصْفِرَارِ وَالْمَغْرِبَ بَعْدَ مَا يَسَعُهَا بِشُرُوطِهَا أَوْ بَعْدَ غِيَابِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ وَالْعِشَاءَ بَعْدَ الثُّلُثِ أَوْ النِّصْفِ أَدَاءً مَعَهُ الْإِثْمُ لِتَعَدِّيهِمْ مَا حَدَّدَهُ لَهُمْ صَاحِبُ الشَّرْعِ وَإِيقَاعِهِمْ الظُّهْرَ فِي الْقَامَةِ وَالْمَغْرِبَ فِيمَا يَسَعُهَا بِشُرُوطِهَا أَدَاءً لَيْسَ مَعَهُ إثْمٌ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِمْ مَا حَدَّدَهُ لَهُمْ صَاحِبُ الشَّرْعِ إذْ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ أَنْ يُحَدِّدَ لِلْعِبَادَةِ وَقْتًا وَيَجْعَلَ نِصْفَهُ الْأَوَّلَ لِطَائِفَةٍ وَنِصْفَهُ الْآخَرَ لِطَائِفَةٍ أُخْرَى فَتَأْثَمُ الْأُولَى بِتَعَدِّيهَا لِغَيْرِ وَقْتِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَامَةَ وَقْتُ أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ طَائِفَةٍ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ إلَى آخِرِ الْقَامَةِ بَلْ لِنِصْفِهَا لَجَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ نِصْفَ الْقَامَةِ وَقْتًا لِهَؤُلَاءِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ مِنْ الْقَامَةِ لَيْسَ وَقْتًا لَهُمْ، فَكَذَلِكَ هَا هُنَا جَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ وَقْتَ الظُّهْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَوَقْتَ الْمَغْرِبِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَحَجَرَ عَلَى الْمُخْتَارِينَ الْوُصُولَ إلَيْهِ وَجَعَلَهُمْ بِتَعَدِّي الْقَامَةِ وَغِيَابِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ مُؤَدِّينَ آثِمِينَ وَجَعَلَ لِأَرْبَابِ الْأَعْذَارِ إدْرَاكَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَدَاءً بِلَا إثْمٍ فِيمَا يَسَعُ خَمْسَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَإِدْرَاكُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ أَدَاءً بِلَا إثْمٍ فِيمَا يَسَعُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْفَجْرِ. فَظَهَرَ بِهَذَا تَحْرِيرُ الْفَرْقِ وَزَالَ مَا اسْتَشْكَلَهُ الشَّافِعِيَّةُ عَلَيْنَا مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْإِثْمِ عَلَى أَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِهِ فِيمَنْ ظَنَّ مَا ذَكَرَ فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوا بِهِ فِي الْمُخْتَارِينَ بِالْأَوْلَى هَذَا خُلَاصَةُ مَا قَالَهُ الْأَصْلُ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ اصْطِلَاحَ الْفُقَهَاءِ مُوَافِقٌ لِتَحْدِيدِهِ الْأَدَاءَ أَوْ عَلَى تَسْلِيمِ اصْطِلَاحِهِ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ، وَتَصْحِيحُ تَحْدِيدِهِ إلَّا أَنَّ دَعْوَاهُ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ جَعَلَ نِصْفَ الْقَامَةِ وَقْتًا لِمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَى نِصْفِهَا بَاطِلَةٌ بِلَا شَكٍّ وَإِنْ كَانَ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ طَائِفَةٌ فَهُوَ مَذْهَبٌ ذَاهِبٌ وَدَعْوَى لَا حُجَّةَ عَلَيْهَا أَلْبَتَّةَ فَلَا يَصِحُّ التَّنْظِيرُ بِهِ ضَرُورَةَ أَنَّ تَحْدِيدَ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ بِالْقَامَةِ مَثَلًا ثَابِتٌ مِنْ الشَّرْعِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَتَحْدِيدُ الْوَقْتِ بِالظَّنِّ الْمَذْكُورِ غَيْرُ ثَابِتٍ مِنْ الشَّرْعِ وَلَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَا بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ وَلَا قَطْعِيٍّ بِوَجْهٍ بَلْ الْحَقُّ أَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ إنْ وَقَعَ الْأَمْرُ لِمَا ظَنَّهُ فَأَمَّا أَنْ يُوقِعَ الصَّلَاةَ قَبْلَ مَوْتِهِ فَيَكُونُ قَدْ أَوْقَعَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَفَازَ بِأَجْرِهِ. وَأَمَّا أَنْ لَا يُوقِعَهَا فَلَا يُؤَاخَذُ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ

[الفرق بين قاعدة الواجب الموسع وبين قاعدة ما قيل به من وجوب الصوم على الحائض]

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ قُلْنَا نَحْنُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ بِصِحَّتِهَا وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ بِبُطْلَانِهَا فَنَحْنُ نُلَاحِظُ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ قَدْ وُجِدَ فِيهَا بِكَمَالِهِ مَعَ مُتَعَلِّقِ النَّهْيِ فَالصَّلَاةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ صَلَاةٌ حَاصِلَةٌ غَيْرَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ جَنَى عَلَى حَقِّ صَاحِبِ الدَّارِ فَالنَّهْيُ فِي الْمُجَاوِرِ وَالْحَنَابِلَةُ مَشَوْا عَلَى أَصْلِهِمْ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) غَاصِبُ الْخُفِّ إذَا مَسَحَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا صَحَّتْ طَهَارَتُهُ وَصَلَاتُهُ وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تَبْطُلُ وَالْمُدْرَكُ عِنْدَنَا أَنَّهُ مُحَصِّلٌ لِلطَّهَارَةِ بِكَمَالِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا وَإِنَّمَا هُوَ جَانٍ عَلَى حَقِّ صَاحِبِ الْخُفِّ كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَبِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْفَرْعِ وَبَيْنَ الْمُحْرِمِ إذَا مَسَحَ عَلَى الْخُفِّ أَنَّ الْمُحْرِمَ مُخَاطَبٌ فِي طَهَارَتِهِ بِالْغُسْلِ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ فَلَمْ تَحْصُلْ بِهِ حَقِيقَةُ الْمَأْمُورِ بِهِ بِكَمَالِهِ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ حَصَّلَ حَقِيقَةَ الْمَأْمُورِ بِهِ بِكَمَالِهِ مَعَ حَقِيقَةِ النَّهْيِ فَكَانَ النَّهْيُ فِي الْمُجَاوِرِ، وَكَثِيرًا مَا يُسْأَلُ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأُمُورٍ وَعِبَارَاتٍ لَيْسَ فِيهَا إبَانَةٌ عَنْ الْمَقْصُودِ وَسِرُّ الْفَرْقِ مَا ذَكَرْتُهُ لَكَ مِنْ وُجُودِ كَمَالِ حَقِيقَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْغَاصِبِ وَعَدَمُ وُجُودِهَا فِي الْمُحْرِمِ فَفِي صُورَةِ الْغَاصِبِ نَهْيٌ عَنْ مُجَاوِرٍ وَفِي صُورَةِ الْمُحْرِمِ عَدَمُ الْمَأْمُورِ بِهِ فَبَقِيَتْ الذِّمَّةُ مَشْغُولَةً بِالْمَأْمُورِ فَالْبَابَانِ مُخْتَلِفَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَاصٍ بِاللُّبْسِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الَّذِي يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ أَوْ يَتَوَضَّأُ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ يَحُجُّ بِمَالٍ حَرَامٍ كُلُّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ فِي الصِّحَّةِ خِلَافًا لِأَحْمَدَ وَالْعِلَّةُ وَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ الْحَجِّ وَالسُّتْرَةِ وَصُورَةِ التَّطَهُّرِ قَدْ وُجِدَتْ مِنْ حَيْثُ الْمَصْلَحَةُ لَا مِنْ حَيْثُ الْإِذْنُ الشَّرْعِيُّ وَإِذَا حَصَلَتْ حَقِيقَةُ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْمَصْلَحَةُ كَانَ النَّهْيُ مُجَاوِرًا وَهِيَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْغَيْرِ كَمَا فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنْ قُلْتَ لَا نُسَلِّمُ وُجُودَ حَقِيقَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا فَتَكُونُ السُّتْرَةُ مَعْدُومَةً حِسًّا مَعَ الْعَمْدِ وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ بِعَيْنِ هَذَا التَّقْرِيرِ وَلَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَقُولَ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ فَإِنَّ النَّفَقَةَ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ رُكْنًا وَلَا صُرِفَتْ فِي رُكْنٍ بَلْ نَفَقَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــSبِمِثْلٍ» فَسَلَّطَ النَّهْيَ عَلَى الْبَيْعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الزِّيَادَةِ وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ. قَالَ لَا تَتَوَضَّأْ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ فَبَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ فَرْقٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا خَفَاءَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ لَمْ يَزِدْ عَلَى حِكَايَةِ الْمَذَاهِبِ وَمُسْتَنِدِهَا وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ غَاصِبُ الْخُفِّ إذَا مَسَحَ عَلَيْهِ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ وَصَلَاتُهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تَبْطُلُ إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ إلَى مُنْتَهَى الْمَسْأَلَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَقْتِ فَلَا يُعَدُّ مُفَرِّطًا بِوَجْهٍ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَّهُ فَأَمَّا أَنْ يُوقِعَ الصَّلَاةَ فِي بَقِيَّةِ الْقَامَةِ فَيَكُونُ قَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ فَلَا يَلْحَقُهُ مُؤَاخَذَةٌ وَلَا يُعَدُّ مُفَرِّطًا، وَأَمَّا أَنْ لَا يُوقِعَهَا إلَّا بَعْدَ الْقَامَةِ فَيَكُونُ مُفَرِّطًا آثِمًا وَأَنَّ مَنْ قَالَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْإِثْمِ فِي حَقِّ مَنْ ظَنَّ مَا ذَكَرَ إذَا صَلَّى فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ الْقَامَةِ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ بِهِ فِي الْمُخْتَارِينَ بِالْأَوْلَى إلَّا إذَا قَالَ: إنَّهُ أَدَاءٌ هُوَ إنَّمَا قَالَ أَنَّهُ قَضَاءٌ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا قِيلَ بِهِ مِنْ وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ] (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا قِيلَ بِهِ مِنْ وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ) وَذَلِكَ هُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ لِقَضَاءِ رَمَضَانَ يَجِبُ مُوَسَّعًا مِنْ شَوَّالٍ إلَى آخِرِ شَعْبَانَ مِنْ السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ شَرْطُهُ أَنْ يُمْكِنَ فِعْلُهُ فِي أَوَّلِ أَزْمِنَةِ التَّوْسِعَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ الصَّوْمُ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ فَقَطْ بِالْإِجْمَاعِ فَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الصَّوْمِ لَوْ أَوْقَعَتْهُ زَمَنَ الْحَيْضِ وَعَلَى أَنَّهَا آثِمَةٌ إذَا فَعَلَتْ فَمُرَادُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَكُلِّ مَنْ قَالَ: إنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّوْمِ دُونَ وُجُوبِهِ وَيَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَوُجُوبَهَا أَنَّ الْحَائِضَ مُكَلَّفَةٌ زَمَنَ الْحَيْضِ بِالتَّعْوِيضِ مِنْ أَيَّامِ الْحَيْضِ الَّتِي هِيَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ تَكْلِيفَهَا بِذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ بَلْ فِي أَيَّامِ التَّعْوِيضِ إذْ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ زَمَنُ التَّكْلِيفِ غَيْرَ زَمَنِ إيقَاعِ الْفِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِهِ وَإِلَّا لَلَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدٌ مُكَلَّفًا بِجُمْلَةِ عِبَادَةٍ مُتَرَتِّبَةِ الْأَجْزَاءِ بَلْ بِكُلِّ جُزْءٍ فِي زَمَنِهِ وَذَلِكَ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ. وَقَدْ مَرَّ فِي الْفَرْقِ الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ أَنَّ زَمَنَ التَّكْلِيفِ يَكُونُ غَيْرَ زَمَنِ إيقَاعِ الْفِعْلِ الْمُكَلَّفِ بِهِ فَظَهَرَ لُزُومُ تَقَدُّمِ زَمَنِ التَّكْلِيفِ عَلَى زَمَنِ الْإِيقَاعِ فِي الْعِبَادَاتِ ذَوَاتِ الْأَجْزَاءِ الْمُتَرَتِّبَةِ وَمِنْهُ تَظْهَرُ صِحَّةُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِتَرَتُّبِ الْعِبَادَاتِ فِي الذِّمَمِ كَالدُّيُونِ وَبُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ تَرَتُّبِهَا فِي الذِّمَمِ بِخِلَافِ الدُّيُونِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْأَحْنَافِ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ يَجِبُ عَلَيْهَا الصَّوْمُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا مُحْتَجِّينَ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَهِيَ شَهِدَتْ الشَّهْرَ فَيَلْزَمُهَا الصَّوْمُ لِعُمُومِ النَّصِّ. وَثَانِيهَا: أَنَّهَا تَنْوِي رَمَضَانَ وَلَوْلَا تَقَدُّمُ الْوُجُوبِ لَمَا كَانَ لِهَذَا الصَّوْمِ بِرَمَضَانَ تَعَلُّقٌ. وَثَالِثُهَا: الْقَضَاءُ يُقَدَّرُ بِقَدْرِ الْأَدَاءِ الْفَائِتِ فَأَشْبَهَ قِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ الْقَائِمَةِ مَقَامَ الْأَعْيَانِ الْمُتْلَفَةِ فَكَذَلِكَ هَذَا الْقَضَاءُ يَقُومُ مَقَامَ الْوَاجِبِ الَّذِي فَاتَ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ

[الفرق بين قاعدة الواجب الكلي وبين قاعدة الكلي الواجب فيه وبه]

الطَّرِيقِ لِحِفْظِ حَيَاةِ الْمُسَافِرِ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ هَاهُنَا صُرِفَ فِيمَا هُوَ شَرْطٌ فَكَانَ الشَّرْطُ مَعْدُومًا قُلْتُ نَمْنَعُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّهَارَةِ وَالسُّتْرَةِ وَاشْتَرَطَ فِيهِمَا أَنْ تَكُونَ الْأَدَاةُ مُبَاحَةً بَلْ حَرَّمَ الْغَصْبَ مُطْلَقًا وَأَوْجَبَ الطَّهَارَةَ مُطْلَقًا وَلَمْ يُقَيِّدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا أَلْبَتَّةَ فَكَمَا يَتَحَقَّقُ الْغَصْبُ وَإِنْ قَارَنَ مَأْمُورًا يَتَحَقَّقُ الْمَأْمُورُ وَإِنْ قَارَنَ تَحْرِيمًا فَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا بِالصَّلَاةِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا بُقْعَةً مُبَاحَةً بَلْ أَوْجَبَ الصَّلَاةَ مُطْلَقًا وَحَرَّمَ الْغَصْبَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ عَدَمُهُ شَرْطًا كَمَا أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ فِي صَلَاتِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ عَزَمَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى قَتْلِ إنْسَانٍ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ مَعَ مُقَارَنَةِ الْمُحَرَّمِ فَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ فَإِنْ قُلْتَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَبَيْنَ مَسَائِلِ الرِّبَا وَلِمَ لَا وَافَقْتَ الْحَنَفِيَّةَ فِي تَصْحِيحِ الْعَقْدِ فِيهَا كَمَا صَحَّتْ الْعِبَادَةُ مَعَ ثُبُوتِ النَّهْيِ فِي الْوَصْفِ وَفِي الْجَمِيعِ النَّهْيُ فِي الْوَصْفِ دُونَ الْأَصْلِ وَالْحَنَفِيَّةُ طَرَدَتْ أَصْلهَا وَأَنْتَ لَمْ تَطْرُدْ أَصْلَكَ، وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ قُلْتُ السِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ تِلْكَ الْحَقَائِقَ مُتَعَلِّقَاتُ الْعُقُودِ وَالرِّضَا لَمْ يَحْصُلْ إلَّا بِمُقَابَلَةِ الْوَاحِدِ بِالِاثْنَيْنِ فَلَوْ صَحَّحْنَا الْعَقْدَ فِي الْبَعْضِ لَنَقَلْنَا مِلْكَ الْبَائِعِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ» وَهَذَا لَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ إلَّا بِمَا تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِهِ فَكَانَ الدِّرْهَمُ الْبَاقِي بَعْدَ إسْقَاطِ الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ بَاذِلِهِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْعَقْدِ مُقَابَلَتَهُ بِمِثْلِهِ بَلْ بِمِثْلَيْهِ، وَأَمَّا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ حَيْثُ قُلْتُ بِالصِّحَّةِ فَالْمَوْجُودُ كَمَالُ مُتَعَلِّقِ الْأَمْرِ فَقُلْتُ بِالصِّحَّةِ لِكَمَالِ وُجُودِ الْمُتَعَلِّقِ وَهُنَاكَ لَمْ يُوجَدْ كَمَالُ الْمُتَعَلِّقِ وَهَذَا فَرْقٌ جَلِيٌّ جَلِيلٌ فَإِنْ قُلْتَ مَنْ رَضِيَ بِأَنْ يَكُونَ دِرْهَمَانِ مِنْ عِنْدِهِ بِإِزَاءِ دِرْهَمٍ فَقَدْ رَضِيَ بِأَنْ يَكُونَ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ مِنْ قِبَلِهِ بِإِزَاءِ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَقَوْلُهُ لَمْ يَحْصُلْ الرِّضَا مَمْنُوعٌ بَلْ الرِّضَا حَاصِلٌ. قُلْتُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ هَبْ أَنَّ بَاذِلَ الدِّرْهَمَيْنِ رَاضٍ فَبَاذِلُ الدِّرْهَمِ غَيْرُ رَاضٍ بِبَذْلِهِ بِإِزَاءِ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا رَضِيَ بِبَذْلِهِ بِإِزَاءِ دِرْهَمَيْنِ سَلَّمْنَا حُصُولَ الرِّضَا لَكِنْ الرِّضَا لَا يَكْفِي وَحْدَهُ فِي نَقْلِ الْأَمْلَاكِ فَإِنَّهُ لَوْ رَضِيَ بِنَقْلِ مِلْكِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ وَلَمْ يَنْتَقِلْ مِلْكُهُ فِيمَا عَلِمْته إجْمَاعًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ عَقْدٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، أَمَّا الرِّضَا وَحْدَهُ فَلَيْسَ هُوَ سَبَبًا شَرْعِيًّا بَلْ السَّبَبُ الشَّرْعِيُّ هُوَ الدَّالُّ عَلَى الرِّضَا وَهَذَا السَّبَبُ لَهُ مُتَعَلِّقٌ وَلَمْ يُوجَدْ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُقْضَى بِاللُّزُومِ حِينَئِذٍ فَهَذَا هُوَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الرِّبَوِيَّاتِ وَالْعِبَادَاتِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ حَسَنٌ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQشَيْءٌ مُتَقَدِّمٌ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ يَقُومُ هَذَا الْقَضَاءُ مَقَامَهُ فَيَتَعَيَّنُ حَيْثُ سَلَّمَ الْأَحْنَافُ مَنْعَهَا مِنْ الصَّوْمِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّ التَّعْوِيضَ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ مُوَسَّعُ الْوَقْتِ لَا أَنَّ التَّوْسِعَةَ فِي إيقَاعِ الصَّوْمِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ أَوْ غَيْرِهَا لِعَدَمِ صِحَّةِ ذَلِكَ بِوَجْهٍ إذْ كَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُمْ بِأَنَّهَا مُكَلَّفَةٌ بِإِيقَاعِ الصَّوْمِ فِي حَالِ الْحَيْضِ وَهُمْ يَقُولُونَ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ إنْ أَوْقَعَتْهُ وَبِأَنَّهَا آثِمَةٌ بِذَلِكَ وَهَلْ يُجَامِعُ الْوُجُوبُ الْإِثْمَ وَالْوَاجِبُ لَا يَمْتَنِعُ إذْ لَمْ يُعْهَدْ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ يُعَاتِبُ الْمُكَلَّفَ إذَا فَعَلَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّا وَإِنْ جَوَّزْنَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ إلَّا أَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ الشَّرِيعَةَ لَمْ تَرِدْ بِهَذَا الْجَائِزِ بَلْ بِالرَّحْمَةِ وَتَرْكِ الْمَشَاقِّ وَالتَّيْسِيرِ وَالْإِحْسَانِ وَلِذَلِكَ قَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» وَحِينَئِذٍ فَيَرْجِعُ خِلَافُهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ لَفْظِيًّا بَلْ لَا وَجْهَ لِتَصْرِيحِهِمْ بِالْخِلَافِ فِيهَا وَاحْتِجَاجِهِمْ لِمَا قَالُوهُ بِتِلْكَ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فَلَا دَاعِيَ إلَى الْإِطَالَةِ بِالْجَوَابِ عَنْ تِلْكَ الْوُجُوهِ بِتَكَلُّفِ الدَّعَاوَى الَّتِي لَا حُجَّةَ عَلَيْهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ الْكُلِّيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْكُلِّيِّ الْوَاجِبِ فِيهِ وَبِهِ] [الْقَاعِدَةُ الْأُولَى الْوَاجِبُ الْكُلِّيُّ هُوَ الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْكُلِّيِّ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا] (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبِ الْكُلِّيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْكُلِّيِّ الْوَاجِبِ فِيهِ وَبِهِ وَعَلَيْهِ وَعِنْدَهُ وَمِنْهُ وَعَنْهُ وَمِثْلُهُ وَإِلَيْهِ) اعْلَمْ أَنَّ مُتَعَلِّقَ خِطَابِ الشَّرْعِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: جُزْئِيٌّ مُعَيَّنٌ كَوُجُوبِ التَّوَجُّهِ إلَى خُصُوصِ الْكَعْبَةِ الْحَرَامِ وَالْإِيمَانِ بِالنَّبِيِّ الْمُعَيَّنِ وَالتَّصْدِيقِ بِالرِّسَالَةِ الْمَخْصُوصَةِ كَالْقُرْآنِ. وَثَانِيهِمَا: جُزْئِيٌّ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ الْمُشْتَرَكِ الْكُلِّيِّ فَيَتَعَلَّقُ حِينَئِذٍ الْخِطَابُ بِالْكُلِّيِّ لَكِنْ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ كُلِّيٌّ ضَرُورَةَ أَنَّ التَّكْلِيفَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوُجُودِ الْعَيْنِيِّ وَالْكُلِّيُّ لَا يَدْخُلُ فِي الْوُجُودِ الْعَيْنِيِّ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْفِعْلَ الْمُوقَعَ مِنْ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْكُلِّيِّ وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي هَذَا الْفَرْقِ وَهُوَ الْمُنْقَسِمُ إلَى عَشَرَةِ أَجْنَاسٍ مُتَبَايِنَةِ الْحَقَائِقِ مُخْتَلِفَةِ الْمِثْلِ وَالْأَحْكَامِ يَذْكُرُ كُلُّ جِنْسٍ مِنْهَا قَاعِدَةً عَلَى حِيَالِهَا لِيَظْهَرَ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا. (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) الْوَاجِبُ الْكُلِّيُّ هُوَ الْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْكُلِّيِّ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا مِنْ حَيْثُ صِدْقُهُ بِوَاحِدٍ مِنْهَا غَيْرِ مُعَيَّنٍ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ خَمْسَةِ أَحْكَامٍ. الْحُكْمُ الْأَوَّلُ: الْوُجُوبُ فَلَا وُجُوبَ إلَّا فِي ذَلِكَ الْوَاحِدِ الْمُبْهَمِ مِنْهَا فَمَفْهُومُ أَحَدِهَا

(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ حِكَايَةُ الْحَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ سَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال وَبَيْنَ قَاعِدَةِ حِكَايَةُ الْحَالِ إذَا تُرِكَ فِيهَا الِاسْتِفْصَالُ تَقُومُ مَقَامَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ وَيَحْسُنُ بِهَا الِاسْتِدْلَال) هَذَا مَوْضِعٌ نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِيهِ هَذَانِ الْأَمْرَانِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَاخْتَلَفَتْ أَجْوِبَةُ الْفُضَلَاءِ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هَذَا مُشْكِلٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّهُمَا لَيْسَتَا قَاعِدَةً وَاحِدَةً فِيهَا قَوْلَانِ بَلْ هُمَا قَاعِدَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَلَا تَنَاقُضَ وَتَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا يَنْبَنِي عَلَى قَوَاعِدَ: الْقَاعِدَةُ الْأُولَى أَنَّ الِاحْتِمَالَ الْمَرْجُوحَ لَا يَقْدَحُ فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ وَإِلَّا لَسَقَطَتْ دَلَالَةُ الْعُمُومَاتِ كُلُّهَا لِتَطَرُّقِ احْتِمَالِ التَّخْصِيصِ إلَيْهَا بَلْ تَسْقُطُ دَلَالَةُ جَمِيعِ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ لِتَطَرُّقِ احْتِمَالِ الْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ إلَى جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ لَكِنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ فَتَعَيَّنَ حِينَئِذٍ أَنَّ الِاحْتِمَالَ الَّذِي يُوجِبُ الْإِجْمَالَ إنَّمَا هُوَ الِاحْتِمَالُ الْمُسَاوِي أَوْ الْمُقَارِبُ أَمَّا الْمَرْجُوحُ فَلَا. الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ كَلَامَ صَاحِبِ الشَّرْعِ إذَا كَانَ مُحْتَمِلًا احْتِمَالَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ صَارَ مُجْمَلًا وَلَيْسَ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ حِكَايَةِ الْحَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ سَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال وَبَيْنَ قَاعِدَةِ حِكَايَةِ الْحَالِ إذَا تُرِكَ فِيهَا الِاسْتِفْصَالُ تَقُومُ مَقَامَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ وَيَحْسُنُ بِهَا الِاسْتِدْلَال إلَى قَوْلِهِ وَتَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا يَنْبَنِي عَلَى قَوَاعِدَ) قُلْت قَوْلُهُ بَلْ هُمَا قَاعِدَتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ فَلَيْسَ قَوْلُهُ بِصَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَتَانِ فِي كَوْنِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا قَاعِدَةً مُسْتَقِلَّةً مُسَاوِيَةً لِلْأُخْرَى فِي الِاسْتِقْلَالِ فَقَوْلُهُ صَحِيحٌ. قَالَ (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى أَنَّ الِاحْتِمَالَ الْمَرْجُوحَ لَا يَقْدَحُ فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ وَإِلَّا لَسَقَطَتْ دَلَالَةُ الْعُمُومَاتِ كُلِّهَا لِتَطَرُّقِ احْتِمَالِ التَّخْصِيصِ إلَيْهَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ (بَلْ تَسْقُطُ دَلَالَةُ جَمِيعِ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ لِتَطَرُّقِ احْتِمَالِ الْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ إلَى جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ مِنْ الْأَلْفَاظِ مَا لَا يَلْحَقُهُ ذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَ لَهُ مِنْ هَذَا أَنَّ أَسْمَاءَ الْأَعْدَادِ لَا يَدْخُلُهَا الْمَجَازُ. قَالَ (لَكِنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ فَتَعَيَّنَ حِينَئِذٍ أَنَّ الِاحْتِمَالَ الَّذِي يُوجِبُ الْإِجْمَالَ إنَّمَا هُوَ الِاحْتِمَالُ الْمُسَاوِي أَوْ الْمُقَارِبُ أَمَّا الْمَرْجُوحُ فَلَا) قُلْتُ إيجَابُ الِاحْتِمَالِ الْمُسَاوِي الْإِجْمَالَ مُسَلَّمٌ وَأَمَّا إيجَابُ الْمُقَارِبِ فَلَا فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مُتَحَقِّقَ الْمُقَارَبَةِ فَهُوَ مُتَحَقِّقُ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ وَإِنْ كَانَ مُتَحَقِّقَ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ فَهُوَ مُتَحَقِّقُ الْمَرْجُوحِيَّةِ فَلَا إجْمَالَ. قَالَ (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ إنَّ كَلَامَ صَاحِبِ الشَّرْعِ إذَا كَانَ مُحْتَمِلًا احْتِمَالَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ صَارَ مُجْمَلًا وَلَيْسَ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَعَيَّنٌ لِلْفِعْلِ مُتَحَتِّمُ الْإِيقَاعِ لَا تَخْيِيرَ فِيهِ وَإِنَّمَا مُتَعَلِّقُ التَّخْيِيرِ الْخُصُوصِيَّاتُ الَّتِي هِيَ الْعِتْقُ وَالْكِسْوَةُ وَالْإِطْعَامُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِخُصُوصِهِ لَا إيجَابَ فِيهِ نَعَمْ لَمَّا كَانَ وُجُودُ مُتَعَلِّقَ الْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ الْوَاحِدُ الْمُبْهَمُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي مُعَيَّنٍ كَانَ تَعَلُّقُ التَّكْلِيفِ بِهِ لَكِنْ عَلَى الْإِبْهَامِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ الَّذِي اقْتَضَاهُ تَحَقُّقُ الْوُجُودِ فَلَمْ يَكُنْ التَّعْيِينُ الزَّائِدُ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقَ التَّخْيِيرِ وَاجِبًا فَافْهَمْ. الْحُكْمُ الثَّانِي: ثَوَابُ الْوَاجِبِ فَلَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِفِعْلٍ وَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُشْتَرَكِ الْكُلِّيِّ لَكِنْ لَمَّا كَانَ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُهُ إلَّا فِي الْمُعَيَّنِ كَانَ ثَوَابُ الْوَاجِبِ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلِ الْمُعَيَّنِ عَلَى الْإِبْهَامِ لَا عَلَى تَعْيِينِهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ تَحَقُّقُ الْوُجُودِ لِكَوْنِهِ زَائِدًا عَلَى الْإِبْهَامِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَثَوَابُهُ. نَعَمْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: يُثَابُ عَلَى التَّعْيِينِ الزَّائِدِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُهُ اسْتِظْهَارًا وَتَأْكِيدًا لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ حَتَّى إنَّهُ إذَا اخْتَارَ أَفْضَلَ الْخِصَالِ أُثِيبَ ثَوَابَ وَاجِبٍ أَفْضَلَ أَوْ أَدْنَاهَا أُثِيبَ ثَوَابَ وَاجِبٍ أَدْوَنَ، فَإِنْ اتَّفَقَ أَنْ يَفْعَلَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ الْقَصْدِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُثَابَ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْهُ لِذَلِكَ لَمْ يَفْعَلْهُ لِوَجْهٍ مَشْرُوعٍ فَلَا دَلِيلَ عَلَى ثُبُوتِ الثَّوَابِ عَلَيْهِ فَافْهَمْ. الْحُكْمُ الثَّالِثُ: الْعِقَابُ عَلَى تَقْدِيرِ تَرْكِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ وَاحِدٌ مُبْهَمٌ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُشْتَرَكِ الْكُلِّيِّ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِتَرْكِ الْجَمِيعِ إذْ بِفِعْلِ الْبَعْضِ يَتَحَقَّقُ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَثَوَابُهُ الَّذِي هُوَ الْوَاحِدُ الْمُبْهَمُ فِي ضِمْنِ الْمُعَيَّنِ، فَإِذَا تَرَكَ الْجَمِيعَ عُوقِبَ عَلَى تَرْكِ أَدْوَنِهَا عِقَابًا بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَ الْجَمِيعَ فَإِنَّهُ يُثَابُ ثَوَابَ الْوَاجِبِ عَلَى أَكْثَرِهَا ثَوَابًا نَظَرًا لِقَاعِدَةِ سَعَةِ الثَّوَابِ بِدَلِيلِ تَضْعِيفِ الْحَسَنَاتِ وَقَاعِدَةِ ضِيقِ بَابِ الْعِقَابِ بِدَلِيلِ عَدَمِ تَضْعِيفِ السَّيِّئَاتِ فَالثَّوَابُ عَلَى الْأَكْثَرِ ثَوَابًا وَالْعِقَابُ عَلَى الْأَدْوَنِ عِقَابًا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَاعِدَتَيْهِمَا الْمَذْكُورَتَيْنِ فَافْهَمْ. الْحُكْمُ الرَّابِعُ: بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الْوَاجِبِ الَّذِي مُتَعَلِّقُهُ وَاحِدٌ مُبْهَمٌ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُشْتَرَكِ الْكُلِّيِّ فَإِنَّمَا تَحْصُلُ بِمَا أَوْقَعَهُ مِمَّا فِيهِ الْمُشْتَرَكُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُوقَعُ جَمِيعَ الْخِصَالِ أَوْ شَيْئًا مِنْهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَاحِدَ الْمُبْهَمَ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ مُتَحَقِّقٌ بِهِ لَا مِنْ حَيْثُ تَعَيُّنُهُ؛ إذْ لَا مَدْخَلَ لِلْمُعَيَّنِ فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْ الْوَاجِبِ إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ بِهِ تَعْيِينَ وُجُودِ الْوَاجِبِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّ بِهِ تَعْيِينَ الْوُجُوبِ فَافْهَمْ. الْحُكْمُ الْخَامِسُ النِّيَّةُ فَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِمَا يَخْتَارُ إيقَاعَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ بِهِ

الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ لَفْظَ صَاحِبِ الشَّرْعِ إذَا كَانَ ظَاهِرًا أَوْ نَصًّا فِي جِنْسٍ وَذَلِكَ الْجِنْسُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْوَاعِهِ وَأَفْرَادِهِ لَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي الدَّلَالَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] اللَّفْظُ ظَاهِرٌ فِي إعْتَاقِ جِنْسِ الرَّقَبَةِ وَهِيَ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالطَّوِيلَةِ وَالْقَصِيرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْصَافِ وَلَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى إيجَابِ الرَّقَبَةِ وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِجَمِيعِ الْمُطْلَقَاتِ الْكُلِّيَّاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا عَشْرَةٌ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ مِثْلِهَا قَدْحٌ وَلَا إجْمَالٌ إذَا تَحَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ فَنَقُولُ الِاحْتِمَالَاتُ تَارَةً تَكُونُ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ عَلَى السَّوَاءِ فَتَقْدَحُ وَتَارَةً تَكُونُ فِي مَحَلِّ مَدْلُولِ اللَّفْظِ فَلَا تَقْدَحُ فَحَيْثُ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ حِكَايَةَ الْحَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ سَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال مُرَادُهُ إذَا اسْتَوَتْ الِاحْتِمَالَاتُ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَمُرَادُهُ أَنَّ حِكَايَةَ الْحَالِ إذَا تُرِكَ فِيهَا الِاسْتِفْصَالُ قَامَتْ مَقَامَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ إذَا كَانَتْ الِاحْتِمَالَاتُ فِي مَحَلِّ الْمَدْلُولِ دُونَ الدَّلِيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ إنَّ لَفْظَ صَاحِبِ الشَّرْعِ إذَا كَانَ ظَاهِرًا أَوْ نَصًّا فِي جِنْسٍ وَذَلِكَ الْجِنْسُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْوَاعِهِ وَأَفْرَادِهِ لَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي الدَّلَالَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] إلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ مِثْلِهَا قَدْحٌ وَلَا إجْمَالٌ) قُلْتُ لَيْسَ مَا مَثَّلَ بِهِ الْجِنْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَفْظُ رَقَبَةٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ جِنْسًا وَلَكِنَّهُ وَاحِدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْ الْجِنْسِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِجَمِيعِ الْمُطْلَقَاتِ الْكُلِّيَّاتِ فَإِنَّ الْمُطْلَقَاتِ لَيْسَتْ الْكُلِّيَّاتُ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ مِرَارًا. قَالَ (إذَا تَحَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ فَنَقُولُ الِاحْتِمَالَاتُ تَارَةً تَكُونُ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ عَلَى السَّوَاءِ فَتَقْدَحُ وَتَارَةً تَكُونُ فِي مَحَلِّ مَدْلُولِ اللَّفْظِ فَلَا تَقْدَحُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ. قَالَ (فَحَيْثُ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ حِكَايَةَ الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ سَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال مُرَادُهُ إذَا اسْتَوَتْ الِاحْتِمَالَاتُ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ) قُلْتُ الْأَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُرَادَهُ وَإِنَّ مُرَادَهُ أَنَّ قَضَايَا الْأَعْيَانِ إذَا نُقِلَتْ إلَيْنَا وَنُقِلَ حُكْمُ الشَّارِعِ فِيهَا وَاحْتَمَلَ عِنْدَنَا وُقُوعُهَا عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ أَوْ وُجُوهٍ وَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا عَلَى أَيِّ الْوَجْهَيْنِ أَوْ الْوُجُوهِ وَقَعَ الْأَمْرُ فِيهَا فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا يَثْبُتُ فِيهِ الْإِجْمَالُ وَيَسْقُطُ بِهِ الِاسْتِدْلَال وَدَلِيلُ ظُهُورِ مَا قُلْته دُونَ مَا قَالَهُ أَنَّ مَا قُلْته يُطْلَقُ عَلَيْهِ حِكَايَةُ حَالٍ حَقِيقَةً وَمَا قَالَهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ حِكَايَةُ حَالٍ مَجَازًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَمُرَادُهُ أَنَّ حِكَايَةَ الْحَالِ إذَا تُرِكَ فِيهَا الِاسْتِفْصَالُ قَامَتْ مَقَامَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ إذَا كَانَتْ الِاحْتِمَالَاتُ فِي مَحَلِّ الْمَدْلُولِ دُونَ الدَّلِيلِ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ بِمَحَلِّ الْمَدْلُولِ أَنَّ قَضَايَا الْأَعْيَانِ إذَا عُرِضَتْ عَلَى الشَّارِعِ وَهِيَ مُحْتَمِلَةُ الْوُقُوعِ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ أَوْ وُجُوهٍ وَتُرِكَ الِاسْتِفْصَالُ فِيهَا فَتَرْكُهُ الِاسْتِفْصَالَ فِيهَا دَلِيلٌ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا مُتَّحِدٌ فِي الْوَجْهَيْنِ أَوْ الْوُجُوهِ فَقَوْلُهُ فِيهَا صَحِيحٌ وَهُوَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِلَا شَكٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَحْصُلُ مُقْتَضَى التَّكْلِيفِ بِالْمُطْلَقِ الَّذِي هُوَ الْوَاحِدُ الْمُبْهَمُ لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ فَإِذَا أَعْتَقَ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ لَا يَنْوِي بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ وَلَا فِعْلَ الْوَاجِبِ بِالْعِتْقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ عِتْقٌ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعِتْقَ أَحَدُ خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَقَطْ وَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ لَا يَنْوِي بِالْمَجْمُوعِ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ وَلَا فِعْلَ الْوَاجِبِ إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ فِي الْمَجْمُوعِ أَحَدَ الْخِصَالِ لَا مِنْ حَيْثُ الْخُصُوصِيَّاتُ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْأَحْكَامُ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُطْلَقِ الَّذِي هُوَ وَاحِدٌ مُبْهَمٌ مِنْ خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَا نَفْسُ الْمُشْتَرَكِ الْكُلِّيِّ كَمَا قِيلَ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْإِطْلَاقُ عِبَارَةً عَنْ الْإِبْهَامِ وَالْإِبْهَامُ لَا يَتَأَتَّى تَحَقُّقُهُ فِي الْخَارِجِ بَلْ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِيهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ إطْعَامُ طَعَامٍ مُعَيَّنٍ أَوْ إعْطَاءُ كِسْوَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَانَ حُصُولُ الْوَاجِبِ وَالثَّوَابِ عَلَيْهِ وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْهُ بِنِيَّةِ فِعْلِ ذَلِكَ الْخَاصِّ مِنْ حَيْثُ حُصُولُ مُقْتَضَى التَّكْلِيفِ بِالْمُطْلَقَةِ بِهِ لَا مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُ الْإِطْلَاقِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ كَمَا قِيلَ. إذْ كَيْفَ يَجْتَمِعُ الْإِبْهَامُ وَالتَّعْيِينُ فِيهِ وَهُمَا نَقِيضَانِ؟ وَلَيْسَتْ الْمُطْلَقَاتُ هِيَ الْكُلِّيَّاتِ حَتَّى يُقَالَ إنَّ الْمَنَاطِقَةَ قَدْ نَوَّعُوا الْكُلِّيَّ إلَى مَنْطِقِيٍّ وَعَقْلِيٍّ وَطَبِيعِيٍّ وَقَالُوا الْمَنْطِقِيُّ هُوَ مَفْهُومُ الْكُلِّيِّ أَعْنِي مَا لَا يَمْنَعُ نَفْسَ تَصَوُّرِهِ مِنْ وُقُوعِ الشَّرِكَةِ فِيهِ وَالطَّبِيعِيُّ هُوَ مَعْرُوضُهُ كَمَفْهُومِ الْإِنْسَانِ أَيْ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ وَالْعَقْلِيُّ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُرَكَّبِ مِنْ هَذَيْنِ الْمَفْهُومَيْنِ وَاتَّفَقَ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْمَاهِيَّةَ مَعَ اتِّصَافِهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَاعْتِبَارُ عُرُوضِهَا لَهَا لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْخَارِجِ، قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ سِينَا إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى وُجُودِهَا فِيهِ بَلْ بَدِيهِيَّةُ الْعَقْلِ حَاكِمَةٌ بِأَنَّ الْكُلِّيَّةَ تُنَافِي الْوُجُودَ الْخَارِجِيَّ اهـ. وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُوجَدُ الْكُلِّيُّ الطَّبِيعِيُّ خَارِجًا بِوُجُودِ أَشْخَاصِهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ غَيْرِ مُمْتَنِعِ الْوُجُودِ فِي الْخَارِجِ كَشَرِيكِ الْبَارِي وَمِنْ غَيْرِ الْمَعْدُومِ الْمُمْكِنِ كَالْعَنْقَاءِ أَوْ هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الِانْتِزَاعِيَّةِ وَتَحَقُّقُهُ فِي الْفَرْدِ بِالذِّهْنِ فَقَطْ وَالثَّانِي لِلْمُتَأَخِّرِينَ وَالْأَوَّلُ لِلْمُتَقَدِّمِينَ وَهُوَ الْحَقُّ ضَرُورَةَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْإِنْسَانِ مَثَلًا حَالَ اقْتِرَانِ الْعَوَارِضِ الَّتِي هِيَ خَارِجَةٌ عَنْهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْخَارِجِ فَتَكُونُ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ وَذَاتِيَّاتُهَا الَّتِي هِيَ مُتَّحِدَةٌ مَعَهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْخَارِجِ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ لَيْسَتْ مُعَيَّنَةً فِي حَدِّ ذَاتِهَا؛ لِأَنَّ تَعَيُّنَهَا لَيْسَ عَيْنَهَا وَلَا جُزْأَهَا بَلْ يُمْكِنُ أَنْ نُلَاحِظَهَا بِشَرْطِ لَا شَيْءَ فَتَعْرِضُ

[القاعدة الثانية الواجب فيه وهذا هو الواجب الموسع]

وَلْنُوَضِّحْ ذَلِكَ بِذِكْرِ ثَمَانِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ قَالَ تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ إلَّا أَنَّ التَّمْرَةَ طَاهِرَةٌ طَيِّبَةٌ وَالْمَاءُ طَهُورٌ فَيَبْقَى إذَا جَمَعَ بَيْنَ التَّمْرَةِ وَالْمَاءِ الطَّهُورِ كَيْفَ يَكُونُ الْحَالُ هَلْ يُسْلَبُ الطَّهُورِيَّةُ أَمْ لَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَقِيَ عَلَى حَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ وَصْفِهِ فَلِذَلِكَ وَصَفَهُمَا بِمَا كَانَا عَلَيْهِ قَبْلَ الِاجْتِمَاعِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا تَغَيَّرَا عَنْ حَالَتِهِمَا الْأُولَى فَتَفَتَّتَتْ التَّمْرَةُ وَاحْمَرَّ الْمَاءُ وَحَلَا وَمَعَ ذَلِكَ فَالْمَاءُ طَهُورٌ عَلَى حَالِهِ وَهُوَ مُرَادُ الْحَنَفِيَّةِ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ إشْعَارٌ بِالتَّفَتُّتِ وَلَا بِعَدَمِهِ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ» لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي ذَلِكَ لِمَا قَبْلَ التَّغَيُّرِ وَلَا لِمَا بَعْدَهُ فَإِنْ قُلْت لَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا بَعْدَ التَّغَيُّرِ لَمْ يَكُنْ الْجَوَابُ حَاصِلًا فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا سُئِلَ عَنْهُمَا بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمَا قُلْتُ مُسَلَّمٌ إنَّهُ سُئِلَ عَنْهُمَا بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمَا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ لِلسَّائِلِ تَوَضَّأْ وَلَا لَا تَتَوَضَّأْ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ وَصْفَيْ الْمُجْتَمِعَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّغَيُّرِ وَلَا لِعَدَمِهِ فَلَا جَرَمَ لَمَّا تَسَاوَتْ الِاحْتِمَالَاتُ فِي ذَلِكَ سَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ عَلَى الْجَوَازِ بَعْدَ التَّغَيُّرِ فَإِنَّ الدَّالَّ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَلْنُوَضِّحْ ذَلِكَ بِذِكْرِ ثَمَانِ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ قَالَ تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ» لَيْسَ فِي اللَّفْظِ إلَّا أَنَّ التَّمْرَةَ طَاهِرَةٌ طَيِّبَةٌ وَالْمَاءُ طَهُورٌ فَيَبْقَى إذَا جَمَعَ بَيْنَ التَّمْرَةِ وَالْمَاءِ الطَّهُورِ كَيْفَ يَكُونُ الْحَالُ هَلْ يُسْلَبُ الطَّهُورِيَّةُ أَمْ لَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَقِيَ عَلَى حَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ وَصْفِهِ فَلِذَلِكَ وَصَفَهُمَا بِمَا كَانَا عَلَيْهِ قَبْلَ الِاجْتِمَاعِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا تَغَيَّرَا عَنْ حَالَتِهِمَا الْأُولَى فَتَفَتَّتَتْ التَّمْرَةُ وَاحْمَرَّ الْمَاءُ وَحَلَا وَمَعَ ذَلِكَ فَالْمَاءُ طَهُورٌ عَلَى حَالِهِ وَهُوَ مُرَادُ الْحَنَفِيَّةِ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ إشْعَارٌ بِالتَّفَتُّتِ وَلَا بِعَدَمِهِ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي ذَلِكَ لِمَا قَبْلَ التَّغَيُّرِ وَلَا لِمَا بَعْدَهُ) قُلْتُ لَا يَجُوزُ عَلَى الشَّارِعِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - أَنْ يُسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ ثُمَّ لَا يُجِيبُ عَنْهُ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا سُئِلَ عَنْ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ وَالنَّبِيذُ اسْمُ الْمَاءِ الْمُسْتَنْقَعِ فِيهِ التَّمْرُ حَتَّى يَتَغَيَّرَ حَقِيقَةً أَمَّا قَبْلَ التَّغَيُّرِ فَلَا يُسَمَّى بِنَبِيذٍ إلَّا مَجَازًا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَئُولُ إلَى ذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ أَصْلَ النَّبِيذِ تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ وَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ مِنْ الطِّيبِ وَالطَّهُورِيَّةِ. قَالَ (فَإِنْ قُلْت لَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا قَبْلَ التَّغَيُّرِ لَمْ يَكُنْ الْجَوَابُ حَاصِلًا فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا سُئِلَ عَنْهُمَا بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمَا قُلْتُ مُسَلَّمٌ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُمَا بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمَا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ لِلسَّائِلِ تَوَضَّأْ وَلَا لَا تَتَوَضَّأْ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ وَصْفَيْ الْمُجْتَمِعَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّغَيُّرِ وَلَا لِعَدَمِهِ فَلَا جَرَمَ لَمَّا تَسَاوَتْ الِاحْتِمَالَاتُ فِي ذَلِكَ سَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ عَلَى الْجَوَازِ بَعْدَ التَّغَيُّرِ فَإِنَّ الدَّالَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهَا الْكُلِّيَّةُ وَيَكُونُ كُلِّيًّا طَبِيعِيًّا وَيُمْكِنُ أَنْ تُلَاحِظَهَا بِشَرْطِ شَيْءٍ فَتَعْرِضُ لَهَا الْجُزْئِيَّةُ وَيَكُونُ فَرْدًا وَحِصَّةً فَالْمَاهِيَّةُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْأَعْرَاضِ الْمَخْصُوصَةِ مَوْجُودَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَحْسُوسَةٍ اُنْظُرْ رِسَالَتِي السَّوَانِحِ الْجَازِمَةِ فِي التَّعَارِيفِ اللَّازِمَةِ عَلَى أَنَّ الْإِطْلَاقَ نَظِيرُ الْكُلِّيَّةِ فِي كَوْنِ بَدِيهِيَّةِ الْعَقْلِ حَاكِمَةٌ بِمُنَافَاتِهَا لِلْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ فَافْهَمْ. [الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ الْوَاجِبُ فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ] (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) الْوَاجِبُ فِيهِ هُوَ الْوَاجِبُ الْمُوَسَّعُ كَإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى الظُّهْرَ مِنْ أَوَّلِ الْقَامَةِ إلَى آخِرِهَا وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْقَوْلِ بِهِ وَبِجَحْدِهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا قَصَدَ التَّأْخِيرَ لِوَسَطِ الْوَقْتِ أَوْ آخِرِهِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ بَدَلٍ هُوَ الْعَزْمُ لِعَدَمِ دَلِيلٍ عَلَيْهِ؛ إذْ الدَّلِيلُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الصَّلَاةِ فَوَجَبَ نَفْيُهُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْعَزْمِ عَلَى الْفِعْلِ فِي بَقِيَّةِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْفِعْلِ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ يُعَدُّ مُعْرِضًا عَنْ أَمْرِ سَيِّدِهِ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الْأَمْرِ حَرَامٌ وَمَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْحَرَامُ وَاجِبٌ فَالْعَزْمُ وَاجِبٌ قَوْلَانِ ثَالِثُهَا لِلْغَزَالِيِّ وُجُوبُ الْعَزْمِ عَلَى مَنْ خَطَرَ بِبَالِهِ الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْفِعْلِ عَزَمَ عَلَى التَّرْكِ بِالضَّرُورَةِ بِخِلَافِ الْغَافِلِ عَنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَالصَّحِيحُ أَنْ لَا حَاجَةَ إلَى بَدَلٍ أَصْلًا وَعَلَى الثَّانِي فَفِي مُتَعَلِّقِ الْوُجُوبِ خَمْسَةُ مَذَاهِبَ: (الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ) لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ مُتَعَلِّقَهُ أَوَّلُ الْوَقْتِ مُسْتَنِدًا إلَى أَنَّ الْوُجُوبَ يُنَافِي جَوَازَ التَّأْخِيرِ وَأَنَّ الزَّوَالَ سَبَبُ الْوُجُوبِ وَالْأَصْلُ تَرَتُّبُ الْمُسَبَّبِ عَلَى سَبَبِهِ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَمَا يَقَعُ بَعْدَ ذَلِكَ قَضَاءٌ يَسُدُّ مَسَدَّ الْأَدَاءِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِذْنَ فِي تَفْوِيتِ الْأَدَاءِ لِفِعْلِ الْقَضَاءِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ خِلَافُ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَإِنَّمَا الْمَعْهُودُ فِي قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْإِذْنَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ لِأَجْلِ الْعُذْرِ كَضَرُورَةِ السَّفَرِ أَوْ الْمَرَضِ فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ. (الْمَذْهَبُ الثَّانِي) لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مُتَعَلِّقَهُ آخِرُ الْوَقْتِ مُسْتَنِدٌ إلَى أَنَّ ثُبُوتَ خِصِّيصَةِ الشَّيْءِ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِهِ وَعَدَمُ خِصِّيصَتِهِ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى عَدَمِهِ وَالْعِقَابُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ مِنْ خَصَائِصِ الْوُجُوبِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي غَيْرِ آخِرِ الْوَقْتِ وَثَابِتٌ فِي آخِرِهِ فَيُسْتَدَلُّ بِثُبُوتِهِ آخِرَ الْوَقْتِ عَلَى ثُبُوتِ الْوُجُوبِ آخِرَ الْوَقْتِ وَبِنَفْيِهِ فِي غَيْرِ آخِرِ الْوَقْتِ عَلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ فِي غَيْرِ آخِرِ الْوَقْتِ، فَإِذَا وَقَعَ الْفِعْلُ قَبْلَ آخِرِ الْوَقْتِ

[المسألة الثانية الشر من العبد لا من الله]

عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ وَحَالَةُ التَّغَيُّرِ أَخَصُّ مِمَّا فُهِمَ مِنْ اللَّفْظِ مِنْ وَصْفَيْ الْمُجْتَمِعَيْنِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) اسْتَدَلَّتْ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى أَنَّ الشَّرَّ مِنْ الْعَبْدِ لَا مِنْ اللَّهِ «بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْحَجِّ الْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْك وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْك» وَهَذَا سَلْبٌ عَامٌّ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى الْأَشْعَرِيَّةِ فَجَوَابُهُ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَيْسَ إلَيْك هَذَا الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عَامِلٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَالْمُعْتَزِلَةُ يُقَدِّرُونَهُ وَالشَّرُّ لَيْسَ مَنْسُوبًا إلَيْك حَتَّى يَكُونَ مِنْ الْعَبْدِ عَلَى زَعْمِهِمْ وَنَحْنُ نُقَدِّرُهُ وَالشَّرُّ لَيْسَ قُرْبَةً إلَيْك لِأَنَّ الْمُلُوكَ كُلَّهُمْ يُتَقَرَّبُ إلَيْهِمْ بِالشَّرِّ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى لَا يُتَقَرَّبُ إلَيْهِ إلَّا بِالْخَيْرِ وَهَذَا مَعْنًى حَسَنٌ جَمِيلٌ يُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ هَذَا يَكُونُ لَفْظُ صَاحِبِ الشَّرْعِ مُحْتَمِلًا لِمَا قُلْنَاهُ وَلِمَا قَالُوهُ وَلَيْسَ اللَّفْظُ ظَاهِرًا فِي أَحَدِهِمَا مِنْ حَيْثُ الْوَضْعُ بَلْ الِاحْتِمَالَانِ مُسْتَوِيَانِ فَيَسْقُطُ اسْتِدْلَالُ الْمُعْتَزِلَةِ بِهِ لِحُصُولِ الْإِجْمَالِ فِيهِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْ بِهِ نَاقَتُهُ لَا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» هَذِهِ وَاقِعَةُ عَيْنٍ فِي هَذَا الْمُحْرِمِ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ ثَابِتٌ لِكُلِّ مُحْرِمٍ أَوْ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَإِذَا تَسَاوَتْ الِاحْتِمَالَاتُ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَقِيَّةِ الْمُحْرِمِينَ سَقَطَ اسْتِدْلَالُ الشَّافِعِيَّةِ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا مَاتَ لَا يُغَسَّلُ وَلَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــSعَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ وَحَالَةُ التَّغَيُّرِ أَخَصُّ مِمَّا فُهِمَ مِنْ اللَّفْظِ مِنْ وَصْفَيْ الْمُجْتَمِعَيْنِ) قُلْتُ السُّؤَالُ وَارِدٌ لَازِمٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ لِلسَّائِلِ تَوَضَّأْ وَلَا لَا تَوَضَّأْ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ قَالَ تَوَضَّأْ لَكِنْ لَا بِاللَّفْظِ وَلَكِنْ بِاقْتِضَاءِ الْمُسَاقِ وَضَرُورَةِ حَمْلِ كَلَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْفَائِدَةِ وَعَلَى الْجَوَابِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ وَصْفَيْ الْمُجْتَمِعَيْنِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَمْ يَقْتَصِرْ لِضَرُورَةِ الْمُسَاقِ وَحَمْلِ كَلَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْجَوَابِ وَعَلَى الْفَائِدَةِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّغَيُّرِ وَلَا لِعَدَمِهِ لَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ عَنْ النَّبِيذِ سُئِلَ وَهُوَ الْمُتَغَيِّرُ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا تَسَاوَتْ الِاحْتِمَالَاتُ سَقَطَ الِاسْتِدْلَال عَلَى الْجَوَازِ بَعْدَ التَّغَيُّرِ لَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ لَمْ تَتَسَاوَ الِاحْتِمَالَاتُ وَلَا سَقَطَ الِاسْتِدْلَال وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ صَحِيحٌ لَكِنْ لَيْسَ الْأَمْرُ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ ذَلِكَ بَلْ مِنْ الدَّالِّ عَلَى الْأَخَصِّ بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ إنَّمَا سُئِلَ عَنْ النَّبِيذِ وَلَيْسَ النَّبِيذُ إلَّا الْمُتَغَيِّرَ. . [الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الشَّرَّ مِنْ الْعَبْدِ لَا مِنْ اللَّهِ] قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ اسْتَدَلَّتْ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى أَنَّ الشَّرَّ مِنْ الْعَبْدِ لَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى «بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْحَجِّ الْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدِك وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْك» إلَى آخِرِهِ مَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ) قُلْتُ الْأَظْهَرُ أَنَّ مَا قَدَّرَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ أَظْهَرُ وَلَكِنَّ الْمَسْأَلَةَ قَطْعِيَّةٌ لَا يُكْتَفَى فِيهَا بِالظَّوَاهِرِ مَعَ أَنَّ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ الْقَطْعِيَّ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الشَّرَّ بِقُدْرَتِهِ كَمَا أَنَّ الْخَيْرَ كَذَلِكَ فَبَطَلَ مُقْتَضَى ذَلِكَ الظَّاهِرِ وَتَعَيَّنَ التَّأْوِيلُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ نَفْلًا يَسُدُّ مَسَدَّ الْفَرْضِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ إجْرَاءَ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَنْ الْوَاجِبِ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ. (الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ) لِلْكَرْخِيِّ أَنَّ مُتَعَلِّقَهُ آخِرُ الْوَقْتِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ بِطَرِيقَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا عَجَّلَ الْفِعْلَ فَإِنْ جَاءَ آخِرُ الْوَقْتِ وَهُوَ مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْمُكَلَّفِينَ كَانَ فِعْلُهُ وَاجِبًا فَمَا أَجْزَأَ عَنْ الْوَاجِبِ إلَّا وَاجِبٌ وَإِنْ جَاءَ آخِرُ الْوَقْتِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِهَا كَانَ نَفْلًا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ قَبْلَ وَقْتِ الْوُجُوبِ وَسَبَبُ اخْتِيَارِهِ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الْخُرُوجُ مِنْ عُهْدَةِ مَا أَوْرَدَ عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ بِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِآخِرِ الْوَقْتِ مِنْ إجْزَاءِ النَّفْلِ عَنْ الْفَرْضِ كَمَا عَلِمْتَ مَعَ أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ كَوْنَ الْفِعْلِ حَالَةَ الْإِيقَاعِ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا وَلَا تَتَعَيَّنُ فِيهِ نِيَّةٌ لِأَحَدِهِمَا خِلَافُ الْمَعْهُودِ فِي الْقَوَاعِدِ. (الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ) لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا أَنَّ مُتَعَلِّقَهُ آخِرُ الْوَقْتِ حَيْثُ لَمْ يُعَجِّلْ الْمُكَلَّفُ الْفِعْلَ بَعْدَ فِعْلِهِ آخِرَ الْوَقْتِ فَصَارَ آخِرُ الْوَقْتِ مَوْصُوفًا بِالْوُجُوبِ فَإِنْ عَجَّلَ الْمُكَلَّفُ الْفِعْلَ لَمْ يَكُنْ آخِرُ الْوَقْتِ مَوْصُوفًا بِصِفَةِ الْوُجُوبِ فَالتَّعْجِيلُ مَانِعٌ مِنْ تَعْلِيقِ الْوُجُوبِ بِآخِرِ الْوَقْتِ فَلَمْ يُجْزِ نَفْلٌ عَنْ فَرْضٍ وَلَمْ يَكُنْ الْفِعْلُ الْمُعَجَّلُ مَوْقُوفًا بَلْ يَنْوِي بِهِ النَّفَلَ نَعَمْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يُطِيعُوا اللَّهَ تَعَالَى بِصَلَاةٍ وَاجِبَةٍ وَلَا أَثِيبُوا ثَوَابَ الْوَاجِبِ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا وَذَلِكَ حَظٌّ عَظِيمٌ يَفُوتُ عَلَيْهِمْ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ «مَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدٌ أَوْ أَحَدٌ بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ وَبِالْجُمْلَةِ فَثَوَابُ الْوَاجِبَاتِ هُوَ أَفْضَلُ الْمَثُوبَاتِ وَالْقَوْلُ بِفَوَاتِهِ عَلَيْهِمْ مَحْذُورٌ كَبِيرٌ. (الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ) حَكَاهُ سَيْفُ الدِّينِ فِي الْأَحْكَامِ أَنَّ مُتَعَلِّقَهُ وَقْتُ الْإِيقَاعِ أَيُّ وَقْتٍ كَانَ أَوَّلُهُ أَوْ وَسَطُهُ أَوْ آخِرُهُ فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ الْإِشْكَالَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْقَوَاعِدَ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْفِعْلِ وَالْفِعْلُ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ وَتَابِعًا لَهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ جَعَلَ تَحَتُّمَ الْإِيقَاعِ فِي الْوَقْتِ تَابِعًا لِلْفِعْلِ عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ فَظَهَرَ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَقْوَالِ الْخَمْسَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى جَحْدِ التَّوْسِعَةِ مُخَالِفَاتٍ لِلْقَوَاعِدِ وَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِقَاعِدَةٍ مَا بَلْ تَجْتَمِعُ أَسْبَابُ الْقَوَاعِدِ كُلِّهَا فِيهِ إلَّا الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ الْمَبْنِيَّةَ عَلَى التَّوْسِعَةِ وَأَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُطْلَقِ

[القاعدة الثالثة الواجب به وهو سبب]

وَالْمُحْرِمُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا حَتَّى يَكُونَ فِيهِ عُمُومٌ وَلَا رَتَّبَ الْحُكْمَ عَلَى وَصْفٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ عِلَّةٌ لَهُ فَيَعُمُّ جَمِيعَ الصُّوَرِ لِعُمُومِ عِلَّتِهِ بَلْ عِلَلُ حُكْمِ الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ فَقَطْ فَكَانَ اللَّفْظُ مُجْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ أَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - التَّرْتِيبَ عَلَى الْوَصْفِ لَقَالَ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا وَلَمْ يَقُلْ فَإِنَّهُ وَلَقَالَ لَا تَقْرَبُوا الْمُحْرِمَ ولَمْ يَقُلْ لَا تَقْرَبُوهُ فَلَمَّا عَدَلَ عَنْ هَذَيْنِ الْمَقَامَيْنِ إلَى الضَّمَائِرِ الْجَامِدَةِ دَلَّ ذَلِكَ ظَاهِرًا عَلَى عَدَمِ إرَادَتِهِ لِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ فَبَقِيَتْ الِاحْتِمَالَاتُ مُسْتَوِيَةً وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ الْحَنَفِيَّةُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوتِرَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ بِثَلَاثٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ الْبَتْرَاءِ وَهِيَ الرَّكْعَةُ الْمُنْفَرِدَةُ قُلْنَا لَيْسَ فِي لَفْظِ الْبَتْرَاءِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ بَلْ الْأَبْتَرُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الَّذِي لَا ذَنَبَ وَلَا عَقِبَ لَهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى لِنَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [الكوثر: 3] أَيْ لَا عَقِبَ لَهُ فَالْبَتْرَاءُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا رَكْعَةً لَيْسَ قَبْلَهَا شَيْءٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا رَكْعَةً مُنْفَرِدَةً وَالِاحْتِمَالَانِ مُتَقَارِبَانِ فَلَا يَحْصُلُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى أَنَّ الرَّكْعَةَ الْمُنْفَرِدَةَ لَا تُجْزِي نَعَمْ لَوْ كَانَ الْأَبْتَرُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْمُنْفَرِدُ وَحْدَهُ صَحَّ ذَلِكَ بَلْ هُوَ الَّذِي لَا يَتْبَعُهُ غَيْرُهُ وَيُضَافُ إلَيْهِ مِنْ ذَنَبٍ أَوْ عَقِبٍ وَنَحْنُ نَقُولُ الرَّكْعَتَانِ مُتَقَدِّمَتَانِ تَابِعَتَانِ لِلْوِتْرِ وَتَوْطِئَةٌ لَهُ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا الِاحْتِمَالَاتُ فِيهَا فِي نَفْسِ الدَّلِيلِ وَقَدْ تَقَارَبَتْ فَيَسْقُطُ الِاسْتِدْلَال بِهَا فَمَتَى وَقَعَتْ وَاقِعَةُ عَيْنٍ وَوَقَعَ فِيهَا مِثْلُ هَذَا سَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال وَهِيَ الَّتِي أَفْتَى فِيهَا الشَّافِعِيُّ بِالْإِجْمَالِ وَعَدَمِ الدَّلَالَةِ وَأَشْرَعُ الْآنَ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي تَجْرِي مَجْرَى الْعُمُومِ بِسَبَبِ عَدَمِ الِاسْتِفْصَالِ. (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِغَيْلَانَ لَمَّا أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ عُقُودًا مُرَتَّبَةً عَقْدًا بَعْدَ عَقْدٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْ الْمُؤَخَّرَاتِ لِفَسَادِ عُقُودِهِنَّ بَعْدَ أَرْبَعِ عُقُودٍ فَإِنَّ الْخَامِسَةَ وَمَا فَوْقَهَا بَاطِلٌ وَالْخِيَارُ فِي الْبَاطِلِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ عَقْدًا وَاحِدًا جَازَ أَنْ يَخْتَارَ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُنَّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَطْلَقَ الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ فَكَانَ ذَلِكَ كَالتَّصْرِيحِ بِالْعُمُومِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ فَيَجُوزُ التَّخْيِيرُ مُطْلَقًا وَلَوْ أَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَحَدَ الْقِسْمَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لَاسْتَفْصَلَ غَيْلَانُ عَنْ ذَلِكَ وَحَيْثُ لَمْ يَسْتَفْصِلْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى التَّسْوِيَةِ فِي الْحُكْمِ فَإِنْ قِيلَ لَعَلَّهُ عَلَى أَنَّ الْوَاقِعَ اتِّحَادُ الْعَقْدِ فَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الْقَوْلَ قُلْت الْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِلْمِ بِحَالَةِ غَيْلَانَ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَقْرِيرِ قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ وَمِثْلُ هَذَا شَأْنُهُ الْبَيَانُ وَالْإِيضَاحُ فَلَوْ كَانَ فِي نَفْسِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِلْمٌ يَنْبَنِي عَلَيْهِ الْحُكْمُ لَبَيَّنَهُ لِلنَّاسِ وَحَيْثُ لَمْ يُبَيِّنْهُ وَأَطْلَقَ الْقَوْلَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْحَالَيْنِ سَوَاءٌ فَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ إجْمَالٌ وَالِاحْتِمَالَاتُ مُسْتَوِيَةٌ بَلْ اللَّفْظُ ظَاهِرٌ ظُهُورًا قَوِيًّا فِي الْإِذْنِ وَالتَّخْيِيرِ وَإِنَّمَا الِاحْتِمَالَاتُ الْمُسْتَوِيَةُ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَعْنِي جُزْءًا مُبْهَمًا مِنْ الْأَجْزَاءِ الْكَائِنَةِ بَيْنَ طَرَفَيْ الْقَامَةِ كَالْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَالَ: صَلِّ إمَّا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ فَالْوَاجِبُ الصَّلَاةُ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَمَا أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُخَيَّرَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ هُوَ أَحَدُ الْخِصَالِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَيَكُونُ الْوُجُوبُ مُرَتَّبًا عَلَى الزَّوَالِ فِي جُزْءٍ مُبْهَمٍ مِمَّا بَيْنَ طَرَفَيْ الْقَامَةِ فَأَيُّ جُزْءٍ صَلَّى فِيهِ صَادَفَ الْمُطْلَقَ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ وَلَمْ يَلْزَمْ تَأْخِيرُ الْمُسَبَّبِ عَنْ سَبَبِهِ وَلَا أَنَّ الْفِعْلَ بَعْدَ أَوَّلِ الْوَقْتِ قَضَاءً وَلَا أَنَّهُ فِي أَوَّلِهِ نَفْلٌ يَنُوبُ مَنَابَ الْفَرْضِ حَتَّى يَكُونَ مُخَالِفًا لِقَاعِدَةٍ مِنْ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ الَّتِي لَزِمَتْ مُخَالَفَتُهَا لِلْأَقْوَالِ الْخَمْسَةِ الْمَارَّةِ فَالْقَوْلُ بِالتَّوْسِعَةِ هُوَ الْحَقُّ وَقَدْ مَرَّ عَنْ ابْنِ الشَّاطِّ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِيمَا إذَا قَصَدَ الْمُكَلَّفُ التَّأْخِيرَ لِوَسَطِ الْوَقْتِ أَوْ آخِرِهِ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى بَدَلٍ أَصْلًا وَبَقِيَ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّوْسِعَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ سَلَامَةُ الْعَاقِبَةِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ وَقَدْ أَخَّرَ مُخْتَارًا يَأْثَمُ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ سَلَامَةُ الْعَاقِبَةِ فَلَا يَأْثَمُ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ وَقَدْ أَخَّرَ مُخْتَارًا قَوْلَانِ الْأَوَّلُ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالثَّانِي لِلْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ أَذِنَ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ وَقَدْ فَعَلَ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ وَفِعْلُ الْمَأْذُونِ فِيهِ لَا إثْمَ فِيهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ. [الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ الْوَاجِبُ بِهِ وَهُوَ سَبَبٌ] (الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) الْوَاجِبُ بِهِ أَيْ بِسَبَبِهِ كَمُطْلَقِ زَوَالِ الشَّمْسِ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَبَبَ وُجُوبِ الظُّهْرِ مَتَى وُجِدَ فِي أَيِّ يَوْمٍ كَانَ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَكَمُطْلَقِ الْإِتْلَافِ جُعِلَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ وَكَمُطْلَقِ مِلْكِ النِّصَابِ جُعِلَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَلَا مَدْخَلَ لِخُصُوصِ كَوْنِهَا هَذِهِ الدَّنَانِيرَ أَوْ تِلْكَ الدَّنَانِيرَ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَلَوْ قُدِّرَ نِصَابٌ مَكَانَ نِصَابٍ فِي مِلْكِ الْمُزَكِّي لَمْ يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ إذْ الْمَنْصُوبُ سَبَبًا إنَّمَا هُوَ الْمُطْلَقُ الَّذِي هُوَ وَاحِدٌ مُبْهَمٌ مِنْ أَفْرَادِ النُّصُبِ وَكَذَلِكَ كُلُّ سَبَبِ وُجُوبٍ يَقْتَضِي بِثُبُوتِهِ الثُّبُوتَ إنَّمَا هُوَ الْمُطْلَقُ أَيْ فَرْدٌ مُبْهَمٌ مِنْ أَفْرَادِهِ وَخُصُوصَاتُ أَفْرَادِهِ سَاقِطَةٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ فِي ذَلِكَ الْوُجُوبِ فَلَوْ قُدِّرَ إتْلَافُ بَدَلَ إتْلَافٍ لَمْ يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ بِوُجُوبِ الضَّمَانِ. [الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ وَالْوَاجِبُ بِهِ وَهُوَ أَدَاةٌ يُفْعَلُ بِهَا] (الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ) الْوَاجِبُ الَّذِي هُوَ أَدَاةٌ يُفْعَلُ بِهَا الْوَاجِبُ لَا سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ فَإِنَّ الْبَاءَ كَمَا تَكُونُ سَبَبِيَّةً كَذَلِكَ تَكُونُ لِلِاسْتِعَانَةِ كَكَتَبْتُ بِالْقَلَمِ وَنَجَرْتُ بِالْقَدُومِ وَلِهَذَا الْوَاجِبُ مُثُلٌ: أَحَدُهَا: مُطْلَقُ الْمَاءِ الطَّهُورِ فِي الطَّهَارَةِ وُضُوءً كَانَتْ أَوْ غُسْلًا أَدَاةٌ يُعْمَلُ بِهَا الطَّهَارَةُ

[المسألة الثالثة المحرم إذا مات]

وَهَذِهِ النِّسْوَةُ وَعُقُودُهُنَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَقْدًا وَاحِدًا أَوْ عُقُودًا وَالِاحْتِمَالَاتُ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ لَا تَقْدَحُ وَإِنَّمَا يَقْدَحُ فِي الدَّلَالَةِ الِاسْتِوَاءُ فِي الِاحْتِمَالَاتِ فِي الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى الْحُكْمِ أَمَّا إذَا كَانَ الدَّلِيلُ ظَاهِرًا وَمَحَلُّ الْحُكْمِ فِيهِ احْتِمَالَاتٌ لَا يَقْدَحُ ذَلِكَ (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْمُفْطِرِ فِي رَمَضَانَ أَعْتِقْ رَقَبَةً» ظَاهِرٌ فِي وُجُوبِ الْإِعْتَاقِ لَا إجْمَالَ فِيهِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الرَّقَبَةُ الْمَأْمُورُ بِهَا سَوْدَاءَ أَوْ بَيْضَاءَ أَوْ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ طَوِيلَةً أَوْ قَصِيرَةً وَمِنْ هَذَا التَّنْوِيعِ كَثِيرٌ فِي الرَّقَبَةِ وَلَا تَقْدَحُ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتُ وَإِنْ اسْتَوَتْ فِي دَلَالَةِ الدَّلِيلِ عَلَى وُجُوبِ إعْتَاقِ رَقَبَةٍ لِأَنَّ الِاحْتِمَالَاتِ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ لَا فِي دَلِيلِهِ (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا شَهِدَ عَدْلَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا وَانْسُكُوا» لَفْظٌ ظَاهِرٌ فِي رَبْطِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ بِشَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْعَدْلَانِ عَرَبِيَّيْنِ أَوْ عَجَمِيَّيْنِ شَيْخَيْنِ أَوْ كَهْلَيْنِ أَبْيَضَيْنِ أَوْ أَسْوَدَيْنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَيَعُمُّ الْحُكْمُ الْجَمِيعَ لِأَنَّ الِاحْتِمَالَاتِ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ لَا فِي دَلِيلِهِ وَنَقُولُ جَمِيعُ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ تَنْدَرِجُ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) قَوْله تَعَالَى {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] اللَّفْظُ نَصٌّ قَطْعِيٌّ فِي السَّبْعَةِ وَالثَّلَاثَةِ لَا احْتِمَالَ فِي الدَّلِيلِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَصْلًا وَالِاحْتِمَالَاتُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَرْجِعُ إلَيْهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَرْبًا أَوْ شَرْقًا أَوْ شَمَالًا أَوْ جَنُوبًا أَوْ مَدِينَةً أَوْ بَرِّيَّةً أَوْ قَرْيَةً وَجَمِيعُ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ فَلَا جَرَمَ أَنْ يَعُمَّ الْحُكْمُ جَمِيعَهَا وَيَسْتَوِيَ فِيمَا حَكَمَ بِهِ صَاحِبُ الشَّرْعِ فَهَذَا مِثَالُ الدَّلِيلِ يَكُونُ نَصًّا وَالِاحْتِمَالَاتُ مُسْتَوِيَةٌ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتُ الْمُسْتَوِيَةُ فِي الدَّلِيلِ سَقَطَ بِهِ الِاسْتِدْلَال وَصَارَ مُجْمَلًا كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَدْ ظَهَرَ بِهَذِهِ الْقَوَاعِدِ وَهَذِهِ الْمَسَائِلِ الْفَرْقُ بَيْنَ حِكَايَةِ الْحَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبَ الْإِجْمَالِ وَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ فِي حِكَايَةِ الْحَالِ تَقُومُ مَقَامَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ وَلَمْ يَتَنَاقَضْ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا اخْتَلَفَ بَلْ كُلُّ قَوْلٍ لَهُ مَوْضِعٌ يَخُصُّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــS [الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الْمُحْرِمَ إذَا مَاتَ] قَالَ (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْمُفْطِرِ فِي رَمَضَانَ أَعْتِقْ رَقَبَةً» إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ قُلْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَالْمَسْأَلَتَانِ بَعْدَهَا لَيْسَتْ مِنْ مَسَائِلِ مَا يَجْرِي مَجْرَى الْعُمُومِ لِتَرْكِ الِاسْتِفْصَالِ بَلْ هِيَ مَسَائِلُ الْإِطْلَاقِ الْمُقْتَضِي تَخْيِيرَ الْمُكَلَّفِ فِي مُخْتَلِفَاتِ الْأَشْخَاصِ وَالصِّفَاتِ وَالْأَحْوَالِ فَلَيْسَ مَا أَوْرَدَهُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ لِمَا وَقَعَ تَصْدِيقُ الْكَلَامِ بِهِ بِمِثَالٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ الثَّانِي وَالسَّبْعِينَ أَكْثَرُهُ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا سَبَبٌ لِلطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا إنَّمَا هُوَ الْحَدَثُ وَكَذَلِكَ التُّرَابُ فِي التَّيَمُّمِ أَدَاةٌ وَلَيْسَ سَبَبًا وَلَا مَدْخَلَ لِعَيْنِ الْمَاءِ فِي وُجُوبِ الطَّهَارَةِ وَلَا لِتَعَيُّنِ التُّرَابِ فِي وُجُوبِ التَّيَمُّمِ إذْ لَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى الطَّهَارَةَ بِمَاءٍ مُعَيَّنٍ بَلْ بِفَرْدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمَاءِ وَلَا التَّيَمُّمَ بِتُرَابٍ مُعَيَّنٍ بَلْ بِفَرْدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أَفْرَادِ التُّرَابِ. وَثَانِيهَا: مُطْلَقُ الثَّوَابِ الَّذِي هُوَ فَرْدٌ مُبْهَمٌ مِنْ أَفْرَادِ الثِّيَابِ أَدَاةٌ لِلسُّتْرَةِ الْوَاجِبَةِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا مَدْخَلَ لِلثَّوْبِ الْمُعَيَّنِ فِي وُجُوبِ السُّتْرَةِ إذْ لَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى السُّتْرَةَ بِثَوْبٍ مُعَيَّنٍ بَلْ بِمُطْلَقِ الثَّوْبِ الَّذِي هُوَ فَرْدٌ مُبْهَمٌ مِنْ أَفْرَادِ الثِّيَابِ وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ لَكَ جَوَابُ الْمُغَالَطَةِ الَّتِي تُلْقَى عَادَةً عَلَى الطَّلَبَةِ فَيُقَالُ السُّتْرَةُ وَاجِبَةٌ بِهَذَا الثَّوْبِ الْمُعَيَّنِ؛ لِأَنَّ السُّتْرَةَ وَاجِبَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهِيَ لَا تَجِبُ بِغَيْرِ هَذَا الثَّوْبِ بِالْإِجْمَاعِ فَتَعَيَّنَ هُوَ وَإِلَّا لَبَطَلَ الْوُجُوبُ أَوْ يُقَالُ الْوُضُوءُ وَاجِبٌ مِنْ هَذِهِ الْفَسْقِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ لَا يَجِبُ مِنْ غَيْرِهَا بِالْإِجْمَاعِ فَتَعَيَّنَتْ هِيَ وَإِلَّا لَبَطَلَ الْوُجُوبُ، وَهَكَذَا إذَا أُورِدَتْ هَذِهِ الشُّبُهَاتُ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ كَانَ الْجَوَابُ عَنْهَا وَاحِدًا وَهُوَ أَنَّ الْوُجُوبَ لِكُلٍّ مِنْ الْوُضُوءِ وَالسُّتْرَةِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِفَرْدٍ مُبْهَمٍ دَاخِلٍ تَحْتَ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ هَذِهِ الْفَسْقِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَبَيْنَ هَذَا الثَّوْبِ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهَا وَلَا غَيْرُهُ وَاجِبًا بِالْإِجْمَاعِ لَا تَتَعَيَّنُ هِيَ وَلَا هُوَ فَالْخُصُوصَاتُ كُلُّهَا سَاقِطَةٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ. وَثَالِثُهَا: مُطْلَقُ الْجِمَارِ فِي النُّسُكِ أَدَاةٌ يُعْمَلُ بِهَا الْوَاجِبُ لَا سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ بَلْ سَبَبُ الْوُجُوبِ إمَّا تَعْظِيمُ الْبَيْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] وَإِمَّا تَذَكُّرُ قِصَّةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي ذَبْحِ ابْنِهِ وَفِدَائِهِ بِالْكَبْشِ قِيلَ؛ لِأَنَّ مِنْهَا أَنَّهُ هَرَبَ مِنْهُ فَلَحِقَهُ وَرَمَاهُ بِالْحِجَارَةِ هُنَاكَ قُلْتُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102] فَالصَّوَابُ مَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى تَوْضِيحِ الْمَنَاسِكِ أَنَّ فِي الْقِصَّةِ هُوَ أَنَّ الشَّيْطَانَ تَعَرَّضَ لِلذَّبِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا ذَهَبَ مَعَ أَبِيهِ لِلذَّبْحِ وَقَالَ لَهُ إنَّ أَبَاك يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَكَ فَأَمَرَهُ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَرْجُمَهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ اهـ فَشُرِعَ رَمْيُ الْجِمَارِ لِتَذَكُّرِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ السَّنِيَّةِ وَالطَّوَاعِيَةِ التَّامَّةِ وَالْإِنَابَةِ الْجَمِيلَةِ لِيُقْتَدَى بِهِمَا فِي ذَلِكَ وَلَا مَدْخَلَ لِتَعَيُّنِ الْجِمَارِ فِي وُجُوبِ الرَّمْيِ بَلْ أَيَّ حَصَاةٍ أَخَذَهَا أَجْزَأَتْ وَسَدَّتْ الْمَسَدَّ وَخُصُوصُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا سَاقِطٌ عَنْ

[القاعدة الخامسة الواجب عليه وهو المكلف في فرض الكفاية]

الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فِي غَيْرِ الْأَيْمَانِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ لَيْسَ بِإِثْبَاتٍ فِي الْأَيْمَانِ) اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فِي غَيْرِ الْأَيْمَانِ هَذِهِ قَاعِدَتُهُ فِي الْأَقَارِيرِ وَقَاعِدَتُهُ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ لَيْسَ بِإِثْبَاتٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ فَمِنْهُمْ مَنْ طَرَدَ أَنَّ الْجَمِيعَ إثْبَاتٌ فِي الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ وَافَقَنَا وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِذِكْرِ ثَلَاثِ مَسَائِلَ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا إلَّا كَتَّانًا فِي هَذَا الْيَوْمِ وَقَعَدَ عُرْيَانًا فَالْكَتَّانُ قَدْ اُسْتُثْنِيَ مِنْ النَّفْيِ السَّابِقِ فَيَكُونُ إثْبَاتًا فَيَكُونُ كَلَامُهُ جُمْلَتَيْنِ جُمْلَةٌ سَلْبِيَّةٌ وَجُمْلَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ وَقَبْلَهُ وَقَدْ دَخَلَ الْقَسَمُ عَلَيْهِمَا فَيَحْنَثُ إذَا قَعَدَ عُرْيَانًا نُحْنِثُهُ فِي الْجُمْلَةِ الثُّبُوتِيَّةِ وَيَكُونُ قَدْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ غَيْرَ الْكَتَّانِ وَلْيَلْبَسْ الْكَتَّانَ وَمَا لَبِسَ الْكَتَّانَ فَيَحْنَثُ هَذَا هُوَ مُقْتَضَى قَاعِدَةِ اللُّغَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَالشَّافِعِيَّةُ مَشَوْا عَلَى ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَحَنَّثُوهُ، وَوَافَقُونَا فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ فَلَمْ يُحْنِثُوهُ لَنَا وُجُوهٌ الْأَوَّلُ أَنَّ إلَّا تُسْتَعْمَلُ لِلْإِخْرَاجِ وَتُسْتَعْمَلُ صِفَةً وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ غَيْرُ اللَّهِ لَفَسَدَتَا وَلَوْ أَرَادَ الِاسْتِثْنَاءَ بِهِ لَنَصَبَ فَقَالَ إلَّا اللَّهَ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مُوجِبٍ وَهِيَ فِي الْعُرْفِ قَدْ جَعَلُوهَا فِي الْأَيْمَانِ بِمَعْنَى غَيْرٍ فَلَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا إلَّا الْكَتَّانَ أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى لُبْسِ الْكَتَّانِ بَلْ يُفْهَمُ لَا لَبِسْت ثَوْبًا غَيْرَ الْكَتَّانِ وَأَنَّ غَيْرَ الْكَتَّانِ هُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَمَّا الْكَتَّانُ فَلَا يَفْهَمُ أَهْلُ الْعُرْفِ ذَلِكَ فِيهِ وَإِذَا كَانَ الْكَتَّانُ غَيْرَ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ إذَا قَعَدَ عُرْيَانًا الثَّانِي سَلَّمْنَا أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَمْ يَنْقُلُوهَا لِمَعْنَى غَيْرِ وَسِوَى وَلَكِنَّ الْقَسَمَ يَحْتَاجُ فِي جَوَابِهِ إلَى جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ جَوَابَهُ حَصَلَ بِقَوْلِهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا وَإِنَّهُ لَوْ سَكَتَ هُنَالِكَ كَانَ كَلَامًا عَرَبِيًّا وَالْأَصْلُ عَدَمُ تَعَلُّقِهِ بِالْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي بَعْدَ إلَّا وَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا الْقَسَمُ كَانَ لُبْسُ الْكَتَّانِ غَيْرَ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ إذَا جَلَسَ عُرْيَانًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ الثَّالِثُ سَلَّمْنَا أَنَّهُ تَنَاوَلَ الْجُمْلَتَيْنِ لَكِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ عِنْدَنَا مِنْ إثْبَاتٍ فَيَكُونُ نَفْيًا بَيَانُ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ جَمِيعَ الثِّيَابِ مَحْلُوفٌ عَلَيْهَا إلَّا الْكَتَّانَ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَحْلِفُ عَلَى عَدَمِ لُبْسِ كُلِّ ثَوْبٍ إلَّا الْكَتَّانَ فَلَا أَحْلِفُ عَلَيْهِ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَهُ مِنْ الْحَلِفِ الَّذِي هُوَ ثُبُوتِيٌّ وَإِذَا كَانَ الْكَتَّانُ غَيْرَ مُقْسَمٍ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ بِتَرْكِهِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ فَهَذِهِ الْوُجُوهُ هِيَ الْفُرُوقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فِي غَيْرِ الْأَيْمَانِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْأَيْمَانِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) حَكَى صَاحِبُ الْقَبَسِ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ جَلَسَ رَجُلَانِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ يَلْعَبَانِ بِالشِّطْرَنْجِ فَتَعَارَضَا فِي الْكَلَامِ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا لَا لَعِبَ مَعَ صَاحِبِهِ غَيْرَ هَذَا الدُّسَتِ فَجَاءَ رَجُلٌ وَنَقَضَ الرُّقْعَةَ وَخَلَطَهَا وَجَهِلَ تَرْتِيبَهَا كَيْفَ كَانَ وَامْتَنَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاعْتِبَارِ. وَرَابِعُهَا: مُطْلَقُ الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا أَدَوَاتٌ يُفْعَلُ بِهَا الْوَاجِبُ لَا سَبَبَ لِلْوُجُوبِ بَلْ سَبَبُهُ فِي الضَّحَايَا أَيَّامُ النَّحْرِ وَفِي الْهَدَايَا التَّمَتُّعُ وَنَحْوُهُ مِنْ أَسْبَابِ الْهَدْيِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْبَدَنَةِ الْمُعَيَّنَةِ فِي الْوُجُوبِ؛ إذْ لَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى خُصُوصَ بَدَنَةٍ دُونَ أُخْرَى بَلْ الْمَطْلُوبُ فَرْدٌ مُبْهَمٌ مِنْ أَفْرَادِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ هَذِهِ الْبَدَنَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْبَدَنِ فَأَيُّهَا فَعَلَ سَدَّ الْمَسَدَّ وَلَا يَفُوتُ بِفَوَاتِ الْخُصُوصِ مَقْصِدٌ شَرْعِيٌّ مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الصِّفَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الثَّوْبِ وَالْمَاءِ حَرْفًا بِحَرْفٍ. وَخَامِسُهَا: مُطْلَقُ الرِّقَابِ فِي الْعِتْقِ أَدَوَاتٌ يُفْعَلُ بِهَا الْوَاجِبُ لَا أَسْبَابٌ لِلْوُجُوبِ بَلْ السَّبَبُ الظِّهَارُ أَوْ الْيَمِينُ أَوْ إفْسَادُ صَوْمِ رَمَضَانَ عَمْدًا أَوْ الْقَتْلُ وَلَا مَدْخَلَ لِتَعَيُّنِ الرَّقَبَةِ فِي الْوُجُوبِ؛ إذْ لَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى خُصُوصَ رَقَبَةٍ دُونَ أُخْرَى مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الصِّفَاتِ بَلْ فَرْدٌ مُبْهَمٌ مِنْ أَفْرَادِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ هَذِهِ الرَّقَبَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَغَيْرِهَا فَأَيَّ رَقَبَةٍ عَتَقَهَا سَدَّتْ الْمَسَدَّ كَمَا عَلِمْت. [الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ] الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ: الْوَاجِبُ عَلَيْهِ هُوَ الْمُكَلَّفُ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ فَإِنَّ مُقْتَضَى الْخِطَابِ فِيهِ التَّعَلُّقُ بِطَائِفَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ أَيْ بِمُطْلَقِ طَائِفَةٍ صَالِحَةٍ لِإِيقَاعِ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ فَأَيُّ طَائِفَةٍ مِنْ الطَّوَائِفِ الصَّالِحَةِ لِإِيقَاعِ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِهِ الشَّرْعِيِّ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا هِيَ الْمُكَلَّفَةُ وَالْمُكَلَّفُ يَجِبُ عَلَيْهِ لَا بِهِ وَلَا فِيهِ فَإِذَا فَعَلَتْ سَدَّتْ الْمَسَدَّ كَالثَّوْبِ فِي السُّتْرَةِ وَالْمَاءِ فِي الطَّهَارَةِ وَسَقَطَ بِفِعْلِهَا الطَّلَبُ عَنْ بَقِيَّةِ الطَّوَائِفِ لِتَحَقُّقِ الْفِعْلِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَإِذَا تَرَكَ الْجَمِيعُ أَثِمُوا لِتَعْطِيلِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا عَنْ الْفِعْلِ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ الْوَاجِبِ تَعَيَّنَ الْفِعْلُ عَلَيْهِ عَيْنًا لِانْحِصَارِ الْمُشْتَرَكِ فِيهِ كَآخِرِ الْوَقْتِ فِي الصَّلَاةِ وَتَعَذُّرِ غَيْرِ الثَّوْبِ الْمَوْجُودِ فِي السُّتْرَةِ حَرْفًا بِحَرْفٍ. [الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ الْوَاجِبُ عِنْدَهُ] ُ لَهُ أَمْثِلَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ: أَحَدُهَا: الشَّرْطُ كَدَوَرَانِ مُطْلَقِ الْحَوْلِ تَجِبُ عِنْدَهُ الزَّكَاةُ بِسَبَبِهَا الَّذِي هُوَ مِلْكُ النِّصَابِ فَأَثَرُ السَّبَبِ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ دَوَرَانِ مُطْلَقِ الْحَوْلِ الْمُوجِبِ لِحُصُولِ التَّمَكُّنِ مِنْ التَّنْمِيَةِ فِي النِّصَابِ فَمُطْلَقُ الْحَوْلِ هُوَ الْوَاجِبُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَصِّلُ لِمَقْصُودِ الشَّرْعِ وَلَا مَدْخَلَ لِخُصُوصِ الْحَوْلِ الْمُعَيَّنِ فِي حُصُولِ مَقْصُودِ الشَّرْعِ كَمَا أَنَّ مُطْلَقَ نِصَابٍ دَاخِلٌ تَحْتَ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ النُّصُبِ هُوَ الْوَاجِبُ بِهِ لَا خُصُوصُ النِّصَابِ الْمُعَيَّنِ. وَثَانِيهَا: عَدَمُ الْمَانِعِ كَعَدَمِ مُطْلَقِ الدَّيْنِ فِي الزَّكَاةِ وَعَدَمِ مُطْلَقِ الْحَيْضِ فِي الصَّلَاةِ فَتَجِبُ

[القاعدة السابعة الكلي المشترك الواجب منه]

تَكْمِيلُ ذَلِكَ الدُّسَتِ فَسَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ تَحْنِيثِهِ بِذَلِكَ فَاخْتَلَفُوا فِي تَحْنِيثِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ قَالَ ثُمَّ اجْتَمَعْت بِشَيْخِنَا أَبِي الْوَلِيدِ الطُّرْطُوشِيِّ فَأَخْبَرْتُهُ بِالْمَسْأَلَةِ فَاخْتَارَ عَدَمَ الْحِنْثِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ دِرْهَمًا مِنْ دَيْنِك إلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَأَعْطَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَعَ سَائِرِ الْأَيَّامِ فَإِنَّ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ يَجْرِي فِيهِ وَإِنْ كَانَ اسْتِثْنَاءً مِنْ إثْبَاتٍ لِأَنَّ إلَّا بِمَعْنَى سِوَى فِي الْأَيْمَانِ عِنْدَ أَهْلِ الْعُرْفِ وَلَا يَفْهَمُونَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ أَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ الْإِعْطَاءِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَلْ اسْتِثْنَاءُ تَوْسِعَةٍ وَأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهُ لَوْ أَعْطَى فِيهِ لَمْ يَضُرَّ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْ الْيَمِينِ أَنْ لَا يُخِلَّ بِالْإِعْطَاءِ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَغَيْرُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْيَمِينِ لَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُفْرَدُ الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُفِيدُ الْعُمُومَ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ نَحْوُ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151] وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الطَّلَاقِ لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ) فَلَوْ قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَمْ يَلْزَمْهُ مَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَمُقْتَضَى اللُّغَةِ أَنْ يَلْزَمَهُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ قَاعِدَةَ الْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ أَنَّهُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَفْرَادِ الْجِنْسِ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ وَقَدْ دَخَلَ عَلَى مَفْهُومِ الطَّلَاقِ فَيَعُمُّ أَفْرَادَهُ إلَى غَيْرِ النِّهَايَةِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَلْزَمَهُ مِنْ الطَّلَاقِ عَدَدٌ غَيْرُ مُتَنَاهٍ إلَّا أَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَقْبَلُ إلَّا ثَلَاثًا فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِائَةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فَقَطْ لِعَدَمِ قَبُولِ الْمَحَلِّ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ الْيَوْمَ عَلَى خِلَافِهِ وَلَا يُلْزِمُونَ بِهِ إلَّا وَاحِدَةً بِسَبَبِ أَنَّ لَامَ التَّعْرِيفِ قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ نَحْوُ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَلِلْمَعْهُودِ مِنْ الْجِنْسِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا} [المزمل: 15] {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16] فَهَذِهِ اللَّامُ لِلْمَعْهُودِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَلِحَقِيقَةِ الْجِنْسِ كَقَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ اذْهَبْ إلَى السُّوقِ فَاشْتَرِ لَنَا الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ يُرِيدُ إثْبَاتَ هَاتَيْنِ الْحَقِيقَتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُفْرَدُ الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُفِيدُ الْعُمُومَ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ نَحْوُ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] ، {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151] . وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الطَّلَاقِ لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ فَلَوْ قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَمْ يَلْزَمْهُ مَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَمُقْتَضَى اللُّغَةِ أَنْ يَلْزَمَهُ الثَّلَاثُ إلَى قَوْلِهِ فَهَذِهِ اللَّامُ لِلْمَعْهُودِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ إلَّا فِي قَوْلِهِ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ} [الأنعام: 151] إنَّهُ لِلْجِنْسِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ يَعْنِي الْحَقِيقَةَ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ يَعْنِي أَنَّهُ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَلَا. قَالَ (وَلِحَقِيقَةِ الْجِنْسِ كَقَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ اذْهَبْ إلَى السُّوقِ فَاشْتَرِ لَنَا الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ يُرِيدُ إثْبَاتَ هَاتَيْنِ الْحَقِيقَتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّكَاةُ عِنْدَ عَدَمِ مُطْلَقِ الدَّيْنِ بِسَبَبِهَا الَّذِي هُوَ مِلْكُ النِّصَابِ وَالصَّلَاةُ عِنْدَ عَدَمِ مُطْلَقِ الْحَيْضِ بِسَبَبِهَا الَّذِي هُوَ زَوَالُ الشَّمْسِ مَثَلًا وَلَمْ يَعْتَبِرْ صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي الْوُجُوبِ عِنْدَهُ عَدَمَ خُصُوصِ دَيْنٍ دُونَ دَيْنٍ وَلَا عَدَمَ خُصُوصِ حَيْضٍ دُونَ حَيْضٍ. وَثَالِثُهَا: عَدَمُ مُطْلَقِ الْمَاءِ الطَّهُورِ يَجِبُ التَّيَمُّمُ عِنْدَهُ لَا بِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ لِلصَّلَاةِ أَوْقَاتُهَا وَأَسْبَابُ الطَّهَارَاتِ الْأَحْدَاثُ فَالْحَدَثُ اقْتَضَى إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ عَلَى التَّرْتِيبِ فَإِنْ عُدِمَتْ طَهَارَةُ الْمَاءِ تَعَيَّنَتْ طَهَارَةُ التُّرَابِ فَعَدَمُ مُطْلَقِ الْمَاءِ الطَّهُورِ الْكَافِي لِلطَّهَارَةِ هُوَ الْوَاجِبُ عِنْدَهُ التَّيَمُّمُ لَا عَدَمُ خُصُوصِ مَاءٍ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ لَمْ يُلَاحِظْ عَدَمَ مَاءٍ مُعَيَّنٍ. وَرَابِعُهَا: عَدَمُ مُطْلَقِ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ عِنْدَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ إذَا خَافَ الْهَلَاكَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِهِ بَلْ بِخَوْفِ الْهَلَاكِ لِوُجُوبِ إحْيَاءِ النَّفْسِ بِدَلِيلِ {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] فَإِحْيَاءُ النَّفْسِ اقْتَضَى أَحَدَ الْغِذَاءَيْنِ إمَّا الْمُبَاحَ وَإِمَّا الْمَيْتَةَ عَلَى التَّرْتِيبِ فَإِذَا تَعَذَّرَ الْمُبَاحُ تَعَيَّنَتْ الْمَيْتَةُ كَاقْتِضَاءِ الْحَدَثِ إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ بِلَا فَرْقٍ وَلَمْ يُلَاحِظْ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَدَمَ طَعَامٍ مُبَاحٍ بِعَيْنِهِ بَلْ مُطْلَقُ الطَّعَامِ الْمُبَاحِ الَّذِي يَصْلُحُ لِإِقَامَةِ الْبِنْيَةِ وَخَامِسُهَا عَدَمُ الْخَصْلَةِ الْأُولَى مِنْ الْخِصَالِ الْمُرَتَّبَةِ فِي نَحْوِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ كَعَدَمِ مُطْلَقِ الرَّقَبَةِ الصَّالِحَةِ لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ يَجِبُ عِنْدَهُ الصِّيَامُ لَا بِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ الظِّهَارُ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ اقْتَضَى أَحَدَ الْخِصَالِ عَلَى التَّرْتِيبِ فَإِذَا تَعَذَّرَتْ الْأُولَى تَعَيَّنَتْ الثَّانِيَةُ نَظِيرَ مَا مَرَّ وَلَمْ يُلَاحِظْ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَدَمَ رَقَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ. [الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ الْكُلِّيُّ الْمُشْتَرَكُ الْوَاجِبُ مِنْهُ] الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ الْوَاجِبُ مِنْهُ لَهُ أَمْثِلَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ: أَحَدُهَا: الْجِنْسُ الْمُخْرَجُ مِنْهُ زَكَاةُ الْإِبِلِ كَانَتْ غَنَمًا كَمَا فِي الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ أَوْ إبِلًا مُطْلَقًا كَمَا فِيمَا فَوْقَهَا يَتَعَلَّقُ وُجُوبُ الْإِخْرَاجِ مِنْهُ بِمُطْلَقِ شَاةٍ مِنْ الْغَنَمِ فِي الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جِنْسِ الْإِبِلِ وَمُطْلَقُ حَقِّهِ فِيمَا فَوْقَ الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جِنْسِ الْإِبِلِ؛ إذْ لَمْ يُلَاحِظْ الشَّرْعُ شَاةً مُعَيَّنَةً وَلَا حِقَّةً مُعَيَّنَةً مَعَ اسْتِوَاءِ الصِّفَاتِ فِي الْجِنْسِ الْمُجْزِئِ فَافْهَمْ. وَثَانِيهَا: الْجِنْسُ الْمُخْرَجُ مِنْهُ زَكَاةُ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ النَّقْدَيْنِ بِشَرْطِهِ يَتَعَلَّقُ وُجُوبُ الْإِخْرَاجِ مِنْهُ بِمُطْلَقِ النَّقْدِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً؛ إذْ لَمْ يُلَاحِظْ الشَّرْعُ خُصُوصَ دِينَارٍ لَا دِرْهَمٍ. وَثَالِثُهَا: الْجِنْسُ الْمُخْرَجُ مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَهُوَ مَا كَانَ غَالِبَ قُوتِ أَهْلِ الْبَلَدِ مِنْهُ كَالْحَبِّ يَتَعَلَّقُ وُجُوبُ الْإِخْرَاجِ مِنْهُ بِمُطْلَقِ

[القاعدة الثامنة الواجب عنه وهو جنس المولى عليه]

وَلَا يُرِيدُ الْعُمُومَ بِأَنْ يَأْتِيَ بِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْجِنْسِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مَعْهُودٌ يَنْصَرِفُ الْكَلَامُ إلَيْهِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ حَقِيقَةُ الْجِنْسِ أَيْ الْمَاهِيَةُ الْكُلِّيَّةُ الَّتِي تَصْدُقُ بِفَرْدٍ إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ لَامَ التَّعْرِيفِ تُسْتَعْمَلُ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ فَاعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ قَدْ نَقَلُوهَا وَخَصَّصُوهَا بِحَقِيقَةِ الْجِنْسِ دُونَ اسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ فَيَصِيرُ مَعْنَى كَلَامِ الْمُطَلِّقِ أَنَّ حَقِيقَةَ جِنْسِ الطَّلَاقِ يَلْزَمُنِي وَإِذَا لَزِمَتْهُ هَذِهِ الْحَقِيقَةُ وَهَذِهِ الْحَقِيقَةُ تَصْدُقُ بِفَرْدٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا فَرْدٌ وَهُوَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ فَإِذَا حَدَثَ عُرْفٌ بَعْدَ اللُّغَةِ قُدِّمَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ نَاسِخٌ لَهَا وَالنَّاسِخُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَنْسُوخِ وَهَاتَانِ قَاعِدَتَانِ فِي الْأُصُولِ خَالَفَهُمَا الْفُقَهَاءُ فِي الْفُرُوعِ وَهُمَا قَاعِدَةُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَلَمْ يَقُولُوا بِذَلِكَ فِي الْأَيْمَانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ وَقَاعِدَةُ الْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ قَالُوا بِأَنَّهُ لِلْعُمُومِ وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ فِي الطَّلَاقِ وَالسَّبَبُ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فِي غَيْرِ الشُّرُوطِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ لَيْسَ بِإِثْبَاتٍ فِي الشُّرُوطِ خَاصَّةً دُونَ بَقِيَّةِ أَبْوَابِ الِاسْتِثْنَاءِ) هَذَا الْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ السَّبَبَ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَالشَّرْطُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ وَالْمَانِعُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَلَا يُرِيدُ الْعُمُومَ إلَى قَوْلِهِ أَيْ الْمَاهِيَةُ الْكُلِّيَّةُ الَّتِي تَصْدُقُ بِفَرْدٍ) قُلْتُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ اشْتَرِ الْخُبْزَ وَمَا أَشْبَهَهُ الْمَاهِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ فَإِنَّهُ مِنْ الْمُحَالِ عِنْدَ مُثْبِتِيهَا وُجُودُهَا فِي الْخَارِجِ وَمَا اشْتَرَى لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ فِي الْخَارِجِ. قَالَ (إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ لَامَ التَّعْرِيفِ تُسْتَعْمَلُ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ فَاعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ قَدْ نَقَلُوهَا وَخَصَّصُوهَا بِحَقِيقَةِ الْجِنْسِ دُونَ اسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ) قُلْتُ إذَا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ حَقِيقَةُ الْجِنْسِ فَلَا نَقْلَ أَمَّا التَّخْصِيصُ فَنَعَمْ. قَالَ (فَيَصِيرُ مَعْنَى كَلَامِ الْمُطْلَقِ أَنَّ حَقِيقَةَ جِنْسِ الطَّلَاقِ يَلْزَمُنِي وَإِذَا لَزِمَتْهُ هَذِهِ الْحَقِيقَةُ وَهَذِهِ الْحَقِيقَةُ تَصْدُقُ بِفَرْدٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا فَرْدٌ وَهُوَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ إلَى قَوْلِهِ وَالنَّاسِخُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَنْسُوخِ) قُلْتُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْكُلِّيَّةَ لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْخَارِجِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمَقْصُودَةَ فِي قَوْلِهِ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ الِاسْتِغْرَاقَ أَوْ الْعَهْدَ فَعَلَى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُ الثَّلَاثُ احْتِيَاطًا كَمَنْ طَلَّقَ وَلَا يَدْرِي أَوَاحِدَةً أَمْ ثَلَاثًا تَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ احْتِيَاطًا وَلَكِنْ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَلْزَمَ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ بِذَلِكَ اللَّفْظِ فَهُوَ عُرْفٌ فِي مُطْلَقِ الطَّلَاقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَمَا قَالَهُ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ ظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ الْفَرْقُ بَعْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَكِيلِ صَاعٍ عَنْ كُلِّ آدَمِيٍّ إلَّا مَنْ اُسْتُثْنِيَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَرَابِعُهَا الْجِنْسُ الْمُخْرَجُ مِنْهُ الْكَفَّارَاتُ فِي الْإِطْعَامِ وَهُوَ مَا تُخْرَجُ مِنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ بِعَيْنِهِ وَخَامِسُهَا الْجِنْسُ الْمُخْرَجُ مِنْهُ زَكَاةُ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ يَتَعَلَّقُ وُجُوبُ الْإِخْرَاجِ مِنْهُ بِمُطْلَقِ عُشْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا فِي مِلْكِهِ أَوْ مِمَّا يُحَصِّلُهُ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ. [الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ الْوَاجِبُ عَنْهُ وَهُوَ جِنْسُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ] الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ الْوَاجِبُ عَنْهُ هُوَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ يَجِبُ أَنْ يُخْرَجَ صَاعٌ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ فَرْدٍ مُبْهَمٍ دَاخِلٍ تَحْتَ مَفْهُومِ الْإِنْسَانِ الْمَوْصُوفِ بِالصِّفَاتِ الَّتِي لِأَجْلِهَا تَجِبُ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِوَصِيَّةٍ أَوْ حَاكِمٍ أَوْ وَلِيٍّ بِقَرَابَةٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ أَوْ رِقٍّ فَمُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ هُوَ الْفَرْدُ الْمُبْهَمُ مِنْ أَفْرَادِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ دُونَ خُصُوصِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ زَوْجَةٍ مُعَيَّنَةٍ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُلَاحِظْ خُصُوصَ شَخْصٍ دُونَ شَخْصٍ. [الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةُ الْوَاجِبُ مِثْلُهُ] ُ لَهُ مِثَالَانِ فِي الشَّرِيعَةِ: أَحَدُهُمَا: جَزَاءُ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ فِي الْإِحْرَامِ أَوْ الْحَرَمِ أَيْ جَزَاءُ مُطْلَقِ الْغَزَالِ وَمُطْلَقِ بَقَرِ الْوَحْشِ دُونَ خُصُوصِ ظَبْيٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بَقَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَالْوَاجِبُ مِثْلُهُ مَنُوطٌ بِمُطْلَقِ ذَلِكَ الْجِنْسِ الْكُلِّيِّ وَخُصُوصُ كُلِّ صَيْدٍ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ سَاقِطٌ عَنْ الِاعْتِبَارِ فِي الْجَزَاءِ. وَثَانِيهِمَا: غَرَامَةُ مِثْلِ مُطْلَقِ الْمُتْلَفِ الْمِثْلِيِّ مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ فَمَنْ أَتْلَفَ قَفِيزَ قَمْحٍ وَجَبَ عَلَيْهِ غَرَامَةُ قَفِيزٍ مِثْلِهِ مِنْ مُطْلَقِ قَمْحٍ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ هِيَ مُتَعَلِّقُ الْأَغْرَاضِ وَمَنْ أَتْلَفَ رِطْلَ زَيْتٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إخْرَاجُ رِطْلٍ مِنْ مُطْلَقِ زَيْتٍ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ هِيَ مُتَعَلِّقُ الْأَغْرَاضِ كَكَوْنِهِ زَيْتًا اتِّفَاقًا وَزَيْتُ بِزْرِ الْكَتَّانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ حَتَّى إنَّ أَفْرَادَ الْأَرْطَالِ مِنْ الْغَلَّةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الزَّيْتِ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ وَالْمُعْتَبَرُ الْفَرْدُ الْمُبْهَمُ الدَّاخِلُ تَحْتَ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ سَائِرِ الْأَفْرَادِ دُونَ خُصُوصِ رِطْلٍ دُونَ رِطْلٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعْتَبَرُ فِي الْحُكْمِ فَرْدٌ مُبْهَمٌ مِنْ أَجْنَاسِ الْمِثْلِيَّاتِ مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِهَا الْعَامَّةِ دُونَ خُصُوصِ الْمُعَيَّنَاتِ. [الْقَاعِدَةُ الْعَاشِرَةُ الْوَاجِبُ إلَيْهِ] ِ لَهُ ثَلَاثَةُ أَمْثِلَةٍ فِي الشَّرِيعَةِ: أَحَدُهَا: غُرُوبُ الشَّمْسِ فِي الصَّوْمِ يَجِبُ الصَّوْمُ إلَى فَرْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ أَفْرَادِ الْغُرُوبِ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ فَمَتَى تَحَقَّقَ الْغُرُوبُ فِي أَيِّ يَوْمٍ كَانَ سَقَطَ وُجُوبُ الصَّوْمِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَانْتَقَلَ الْمُكَلَّفُ إلَى تَحْرِيمِ الصَّوْمِ لِوُجُودِ مَفْهُومِ الْغُرُوبِ فِي أَيِّ يَوْمٍ كَانَ وَلَا عِبْرَةَ بِخُصُوصِ الْأَيَّامِ فِي الْغُرُوبِ كَكَوْنِهِ غُرُوبَ شَمْسِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَهُوَ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ. وَثَانِيهَا: مُطْلَقُ هِلَالِ شَوَّالٍ

[الفرق بين قاعدة اقتضاء النهي الفساد في نفس الماهية وبين قاعدة اقتضاء النهي الفساد في أمر خارج عنها]

وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ هَذِهِ الْحَقَائِقِ وَتَحْرِيرُهَا وَتَعْلِيلُهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا فَلَا حَاجَةَ لِإِعَادَتِهَا غَيْرَ أَنَّ الْمَقْصُودَ هَا هُنَا أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الشَّرْطَ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ شَيْءٌ إنَّمَا الْمُؤَثِّرُ عَدَمُهُ فَإِذَا قُلْنَا الْحَيَاةُ شَرْطٌ فِي الْعِلْمِ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْحَيَاةِ عَدَمُ الْعِلْمِ بِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْحَيَاةِ الْعِلْمُ بِهِ وَلَا عَدَمُ الْعِلْمِ بِهِ فَكَمْ مِنْ حَيٍّ لَا يَعْلَمُ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الطَّهَارَةِ الْجَزْمُ بِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الطَّهَارَةِ الْجَزْمُ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ أَوْ يُصَلِّيَ وَلَكِنْ بِغَيْرِ نِيَّةٍ أَوْ سِتَارَةٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْحَوْلِ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَمَّا إذَا دَارَ الْحَوْلُ فَقَدْ تَجِبُ الزَّكَاةُ. وَقَدْ لَا تَجِبُ لِكَوْنِهِ فَقِيرًا أَوْ مِدْيَانًا فَوُجُودُ الشَّرْطِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ شَيْءٌ إنَّمَا اللُّزُومُ عِنْدَ عَدَمِهِ إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً إلَّا بِطَهُورٍ» لَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَضَاءِ قَبْلُ إلَّا بِعَدَمِ الْقَبُولِ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ الْقَضَاءُ بِالْقَبُولِ بَعْدُ إلَّا لِوُجُودِ الطَّهَارَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّرْطِ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» لَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَضَاءِ بِنَفْيِ النِّكَاحِ قَبْلُ إلَّا لِأَجْلِ عَدَمِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْوَلِيُّ الْقَضَاءُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ بَعْدُ إلَّا لِأَجْلِ وُجُودِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْوَلِيُّ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّرْطِ شَيْءٌ إنَّمَا الْمُؤَثِّرُ عَدَمُهُ لَا وُجُودُهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ تَحْصُلُ لَهُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ أَوْ الْفَضِيلَةُ إذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ لِجَوَازِ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي الْمَسْجِدِ وَتَكُونَ صَلَاتُهُ بَاطِلَةً وَالسِّرُّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ الشَّرْطَ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ شَيْءٌ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا مُطَّرِدًا فِيمَا عَدَا الشَّرْطَ وَتَكُونُ الشُّرُوطُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ إطْلَاقِ الْعُلَمَاءِ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ وَإِنَّ مُرَادَهُمْ غَيْرُ الشُّرُوطِ. وَأَمَّا الشُّرُوطُ فَلَا وَهَذَا التَّخْصِيصُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ غَرِيبٌ قَلَّ مَنْ يَتَفَطَّنُ لَهُ وَبِسَبَبِ التَّفَطُّنِ لَهُ يَبْطُلُ مَا يُورِدُهُ الْحَنَفِيَّةُ عَلَيْنَا فِي مَسْأَلَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فَيَقُولُونَ لَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا لَلَزِمَ الْقَضَاءُ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الطَّهُورِ وَبِصِحَّةِ النِّكَاحِ عِنْدَ الْوَلِيِّ الْوَارِدِ فِي الْأَحَادِيثِ وَلَمَّا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ لَيْسَ بِإِثْبَاتٍ وَإِلَّا لَزِمَ تَخَلُّفُ الْمَدْلُولِ عَنْ الدَّلِيلِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَنُجِيبُ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ هَذِهِ الِاسْتِثْنَاءَاتِ مِنْ بَابِ الشُّرُوطِ وَنَحْنُ إنَّمَا نَدَّعِي ذَلِكَ فِي غَيْرِ الشُّرُوطِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا الشُّرُوطُ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ فَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ وَخَرَجَ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءَاتُ الْوَاقِعَةُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ وَالْحَالِفِينَ وَغَيْرِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَيْفَ كَانَ يَجِبُ تَتَابُعُ الصَّوْمِ فِي أَيَّامِ رَمَضَانَ إلَيْهِ كَمَا يَجِبُ إيصَالُ الصَّوْمِ فِي كُلِّ يَوْمٍ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَا دَخْلَ لِلْحُكْمِ فِي كَوْنِهِ خُصُوصَ هَذَا الْهِلَالِ أَوْ ذَلِكَ أَوْ كَوْنِهِ مِنْ سَنَةِ سِتِّينَ أَوْ مِنْ سَنَةِ تِسْعِينَ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ. وَثَالِثُهَا: مُطْلَقُ غَايَاتِ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَالْإِحْدَادِ الْمَوْصُوفِ بِالصِّفَةِ الْعَامَّةِ كَكَوْنِهِ كَمَالَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ كَمَالَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ هُوَ الْمُتَعَلِّقُ الْمُعْتَبَرُ فِي الشَّرِيعَةِ لِوُجُوبِ إيصَالِ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَالْإِحْدَادِ إلَيْهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِ تِلْكَ الْغَايَةِ مِنْ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَهَذِهِ أَجْنَاسٌ عَشَرَةٌ تَشْتَرِكُ كُلُّهَا فِي تَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِفَرْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الْمُشْتَرَكُ وَيَخْتَصُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِخُصُوصٍ كَكَوْنِهِ فِيهِ وَبِهِ وَعَنْهُ وَمِنْهُ وَعَلَيْهِ وَعِنْدَهُ وَإِلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَبِهَذَا الِاخْتِصَاصِ نُجِيبُ عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: إذَا كَانَ الْحُكْمُ فِي أَبْوَابِ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ الْعَشَرَةِ كُلِّهَا مُتَعَلِّقًا بِفَرْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ فَلِيَكُنْ الْكُلُّ وَاجِبًا مُخَيَّرًا فَلِمَ اخْتَلَفَتْ الْأَسْمَاءُ؟ فَنَقُولُ: إنَّ هَذَا الْقَدْرَ الْعَامَّ الَّذِي هُوَ التَّعَلُّقُ بِفَرْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ قَدْ حَصَلَ تَحْتَهُ أَيْضًا أَجْنَاسٌ كُلِّيَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَالْأَصْلُ اخْتِلَافُ الْأَسْمَاءِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا إذَا اخْتَلَفَتْ الْحَقَائِقُ الْكُلِّيَّةُ أَوْ الْجُزْئِيَّةُ لِتَحْصُلَ فَائِدَةُ التَّعْبِيرِ عَنْ خُصُوصِ كُلِّ حَقِيقَةٍ كَانَتْ جِنْسًا أَوْ شَخْصًا فَهَذَا تَقْرِيرُ هَذَا الْفَرْقِ بَيْنَ قَوَاعِدِهِ الْعَشَرَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا] (الْفَرْقُ السَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الْفَسَادَ فِي أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا) مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ النَّهْيَ إذَا كَانَ فِي رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ مَاهِيَّةِ الْبَيْعِ مَثَلًا الَّتِي هِيَ الْعَاقِدَانِ وَالْعِوَضَانِ كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ وَبَيْعِ السَّفِيهِ وَتَحْرِيرِهِ كَانَتْ الْمَفْسَدَةُ فِي نَفْسِ الْمَاهِيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ إنَّمَا يَعْتَمِدُ الْمَصَالِحَ وَالْمُتَضَمِّنُ لِلْمَفْسَدَةِ فَاسِدٌ وَإِذَا كَانَ أَيْ النَّهْيُ إنَّمَا هُوَ فِي خَارِجٍ عَنْهَا كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ نَقْدٍ بِنَقْدٍ أَكْثَرَ مِنْهُ فَإِنَّ مُتَعَلِّقَ النَّهْيِ وَصْفُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ بِالْكَثْرَةِ لَا نَفْسُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ كَانَ أَصْلُ الْمَاهِيَّةِ سَالِمًا عَنْ الْمَفْسَدَةِ النَّهْيُ إنَّمَا هُوَ فِي الْخَارِجِ عَنْهَا فَلَا يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَاهِيَّةِ كَمَا اقْتَضَاهُ تَعَلُّقُ النَّهْيِ بِرُكْنٍ مِنْ

(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ إنْ وَقَاعِدَةِ إذَا وَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا لِلشَّرْطِ) لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا إنْ تَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ بِالِالْتِزَامِ وَعَلَى الشَّرْطِ بِالْمُطَابَقَةِ وَإِذَا عَلَى الْعَكْسِ فِي ذَلِكَ. فَإِذَا قُلْت إنْ جَاءَ زَيْدٌ فَأَكْرِمْهُ فَلَفْظُك يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إنْ شَرْطٌ وَالْإِكْرَامُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجِيءِ مُطَابَقَةً وَيَدُلُّ بِالِالْتِزَامِ عَلَى أَنَّ الْمَجِيءَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي زَمَانِ وَإِذَا قُلْت إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَأَكْرِمْهُ فَإِذَا تَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ بِالْمُطَابَقَةِ وَعَلَى الشَّرْطِ بِالِالْتِزَامِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَإِنَّهَا قَدْ يَلْزَمُهَا الشَّرْطُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ نَحْوُ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} [النصر: 1] إلَى قَوْلِهِ {فَسَبِّحْ} وَقَدْ لَا يَلْزَمُهَا وَتَكُونُ ظَرْفًا مَحْضًا نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل: 2] أَيْ أُقْسِمُ بِاللَّيْلِ فِي حَالَةِ غَشَيَانِهِ وَبِالنَّهَارِ فِي حَالِ تَجَلِّيهِ لِأَنَّهُمَا أَكْمَلُ أَحْوَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْقَسَمُ تَعْظِيمٌ وَالتَّعْظِيمُ يُنَاسِبُ أَعْظَمَ الْأَحْوَالِ فَإِذَا فِي مِثْلِ هَذَا ظَرْفٌ مَحْضٌ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ فَصَارَتْ إذَا الظَّرْفِيَّةُ قَدْ يَلْزَمُهَا الشَّرْطُ فَتَدُلُّ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَقَدْ لَا يَلْزَمُهَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَلَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْتِزَامًا وَثَانِيهَا أَنَّ إنْ وَإِذَا وَإِنْ كَانَا مُطْلَقَيْنِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الزَّمَانِ لَا عُمُومَ فِيهِمَا غَيْرَ أَنَّ إنْ لَا تَوْسِعَةَ فِيهَا وَإِذَا ظَرْفٌ وَالظَّرْفُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ. وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ إنْ مِتُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ إذَا مِتُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا طَلَاقَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَلْزَمُهُ فِي الثَّانِي لِأَنَّ الظَّرْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ فَظَرْفُ الْمَوْتِ يَحْتَمِلُ دُخُولَ زَمَنٍ مِنْ أَزْمِنَةِ الْحَيَاةِ فِيهِ فَيَقَعُ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ الطَّلَاقُ فِي زَمَنِ الْحَيَاةِ فَيَلْزَمُهُ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مَبْنِيٌّ عَلَى مُلَاحَظَةِ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الْفُرُوقِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الظَّرْفَ قَدْ يَكُونُ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ أَنْ تَقُولَ وُلِدَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَامَ الْفِيلِ وَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةَ سِتِّينَ مِنْ عَامِ الْفِيلِ وَهُوَ لَمْ يُولَدْ فِي جُمْلَةِ عَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ إنْ وَقَاعِدَةِ إذَا وَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا لِلشَّرْطِ إلَى قَوْلِهِ وَقَدْ لَا يَلْزَمُهَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَلَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْتِزَامًا) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ إلَّا قَوْلَهُ فِي إنْ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ الْتِزَامًا فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ الْتِزَامًا بِنَفْسِهَا وَعَلَى مَا شَرَطُوهُ فِي دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ مِنْ أَنَّهَا يَسْبِقُ ذَلِكَ فَهْمُ السَّامِعِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ الْتِزَامًا بِمَعْنَى أَنَّهَا مِنْ الْحُرُوفِ الَّتِي تُلَازِمُ الدُّخُولَ عَلَى الْفِعْلِ وَالْفِعْلُ يَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ الْتِزَامًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ (وَثَانِيهَا أَنَّ إنْ وَإِذَا وَإِنْ كَانَا مُطْلَقَيْنِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الزَّمَانِ لَا عُمُومَ فِيهِمَا غَيْرَ أَنَّ إنْ لَا تَوْسِعَةَ فِيهَا وَإِذَا ظَرْفٌ وَالظَّرْفُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ إنْ مِتُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ إذَا مِتَّ فَأَنْتِ طَالِقٌ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَرْكَانِهَا الْأَرْبَعَةِ قَالَ: إذْ لَوْ قُلْنَا بِالْفَسَادِ مُطْلَقًا لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْفَسَادِ وَبَيْنَ السَّالِمَةِ عَنْ الْفَسَادِ كَمَا أَنَّا لَوْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا لَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْمَاهِيَّةِ السَّالِمَةِ فِي ذَاتِهَا وَصِفَاتِهَا وَبَيْنَ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْفَسَادِ فِي صِفَاتِهَا وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فَإِنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ مَوَاطِنِ الْفَسَادِ وَبَيْنَ السَّالِمِ عَنْ الْفَسَادِ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ فَتَعَيَّنَ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَابَلَ الْأَصْلُ بِالْأَصْلِ وَالْوَصْفُ بِالْوَصْفِ فَنَقُولُ أَصْلُ الْمَاهِيَّةِ سَالِمٌ عَنْ النَّهْيِ وَالْأَصْلُ فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَعُقُودِهِمْ الصِّحَّةُ حَتَّى يَرِدَ نَهْيٌ فَيَثْبُتُ لِأَصْلِ الْمَاهِيَّةِ الْأَصْلُ الَّذِي هُوَ الصِّحَّةُ وَيَثْبُتُ لِلْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْمَفْسَدَةِ الْوَصْفُ الْعَارِضُ وَهُوَ النَّهْيُ فَيَفْسُدُ الْوَصْفُ دُونَ الْأَصْلِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ اهـ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْوَصْفَ إذَا نُهِيَ عَنْهُ سَرَى النَّهْيُ إلَى الْمَوْصُوفِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَا وُجُودَ لَهُ مُفَارِقًا لِلْمَوْصُوفِ فَيَئُولُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ النَّهْيَ يَتَسَلَّطُ عَلَى الْمَاهِيَّةِ الْمَوْصُوفَةِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَتَكُونُ الْمَاهِيَّةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ عَارٍ عَنْ ذَلِكَ الْوَصْفِ فَلَا يَتَسَلَّطُ النَّهْيُ عَلَيْهِ وَمُتَّصِفُ بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَيَتَسَلَّطُ النَّهْيُ عَلَيْهِ اهـ. وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ فِي جَمِيعِ مَوَارِدِ النَّهْيِ حَتَّى أَبْطَلَ الصَّلَاةَ بِالثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ وَالْوُضُوءَ بِالْمَاءِ الْمَسْرُوقِ وَالذَّبْحَ بِالسِّكِّينِ الْمَغْصُوبَةِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ النَّهْيَ يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ وَمَتَى وَرَدَ نَهْيٌ أَبْطَلْنَا ذَلِكَ الْعَقْدَ وَذَلِكَ التَّصَرُّفَ بِجُمْلَتِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ إنَّمَا اقْتَضَى تِلْكَ الْمَاهِيَّةَ بِذَلِكَ الْوَصْفِ أَمَّا بِدُونِهِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ غَيْرَ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَيُرَدُّ مِنْ يَدِ قَابِضِهِ بِغَيْرِ عَقْدٍ. وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ مَعْدُومٌ شَرْعًا وَالْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا وَمَنْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ حِسًّا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ فَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ بَاطِلَةٌ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ وَالْمَسْرُوقِ وَالذَّبْحِ بِالسِّكِّينِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمَسْرُوقَةِ فَهِيَ كُلُّهَا مَعْدُومَةٌ شَرْعًا فَتَكُونُ مَعْدُومَةٌ حِسًّا وَمَنْ فَرَى الْأَوْدَاجَ بِغَيْرِ أَدَاةٍ حِسًّا لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ فَكَذَلِكَ ذَبِيحَةُ الذَّابِحِ بِسِكِّينٍ مَغْصُوبَةٍ وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَفِي تَسْوِيَتِهِ بَيْنَ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الرِّبَا نَظَرٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَمْ يَتَسَلَّطْ النَّهْيُ فِيهَا عَلَى الْمَاهِيَّةِ وَلَا عَلَى وَصْفِهَا بَلْ

الْفِيلِ بَلْ فِي جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ مَعَ أَنَّك جَعَلْته بِجُمْلَتِهِ ظَرْفًا فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الظَّرْفُ أَوْسَعَ مِنْ مَظْرُوفِهِ الَّذِي هُوَ الْوِلَادَةُ وَكَذَلِكَ جُعِلَتْ جُمْلَةُ سَنَةَ سِتِّينَ ظَرْفًا لِلْمَوْتِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ بَلْ فِي جُزْءٍ مِنْهَا فَيَكُونُ هَذَا الظَّرْفُ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] . أَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِيهِ سُؤَالًا فَقَالَ الشَّرْطُ وَجَوَابُهُ إذَا جُعِلَ الشَّرْطُ ظَرْفًا لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَا مَعًا وَاقِعَيْنِ فِيهِ نَحْوُ إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَأَكْرِمْهُ فَالْمَجِيءُ وَالْإِكْرَامُ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِإِذَا وَكَذَلِكَ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] إلَى قَوْلِهِ {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [النصر: 3] الْآيَةُ كِلَاهُمَا وَاقِعٌ فِي إذَا الْمَجِيءُ وَالتَّسْبِيحُ وَلِذَلِكَ جَوَّزُوا أَنْ يَعْمَلَ فِي إذَا كِلَا الْفِعْلَيْنِ وَاخْتَارُوا فِعْلَ الْجَوَابِ لِلْعَمَلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُضَافًا إلَيْهِ بِخِلَافِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ مُضَافٌ إلَى مَخْفُوضٍ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ لَا يَعْمَلُ فِي الْمُضَافِ وَإِذَا جَوَّزُوا عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفِعْلَيْنِ فِي هَذَا الظَّرْفِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى وُقُوعِهِمَا فِيهِ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْعَامِلِ فِي الظَّرْفِ أَنْ يَكُونَ وَاقِعًا فِيهِ حَتَّى يَصِيرَ مَظْرُوفَهُ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالذِّكْرُ ضِدُّ النِّسْيَانِ وَقَدْ دَلَّتْ الْآيَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــSفَيَكُونُ هَذَا الظَّرْفُ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الظَّرْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُجَاءُ بِلَفْظِ الْيَوْمِ مَثَلًا فَيُقَالُ أَكَلْت يَوْمَ الْخَمِيسِ وَإِنْ كَانَ الْأَكْلُ لَمْ يَقَعْ فِي جَمِيعِهِ بَلْ فِي بَعْضِهِ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ لَكِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ ظَرْفٍ كَذَلِكَ وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ كُلُّ ظَرْفٍ كَذَلِكَ فَالصَّحِيحُ فِي إذَا أَنَّهَا لَا تَخْلُو أَنْ تَدْخُلَ عَلَى شَرْطٍ وَمَشْرُوطٍ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ عَلَى شَرْطٍ وَمَشْرُوطٍ فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى شَرْطٍ وَمَشْرُوطٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ وُقُوعُ ذَلِكَ الْمَشْرُوطِ بَعْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ مُمْكِنًا أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا كَقَوْلِهِ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَإِنْ كَانَ وُقُوعُ ذَلِكَ الْمَشْرُوطِ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ كَقَوْلِهِ إذَا مِتُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ قَوْلَهُ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَيْسَ مَعْنَاهُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ الدُّخُولِ بِعَيْنِهِ بَلْ مَعْنَاهُ إيقَاعُهُ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَلِي زَمَنَ الدُّخُولِ لِضَرُورَةِ مُقْتَضَى الْفَاءِ فَإِنَّهَا لِلتَّعْقِيبِ وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ إذَا يُرَادُ بِهَا ظَرْفُ الدُّخُولِ لَا ظَرْفُ الطَّلَاقِ وَظَرْفُ الطَّلَاقِ غَيْرُ مُصَرَّحٍ بِهِ وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ تَعَلُّقُ إذَا بِدَخَلْت الَّذِي هُوَ فِعْلُ الشَّرْطِ وَلَا يُعْتَرَضُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ الْمُضَافُ إلَيْهِ لَا يَعْمَلُ فِي الْمُضَافِ لِأَنَّهَا قَاعِدَةٌ لَا يُسَلَّمُ فِيهَا الْإِطْلَاقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] إلَى آخِرِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ) قُلْتُ إنَّمَا يَلْزَمُ السُّؤَالُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ ظَرْفُ النِّسْيَانِ هُوَ بِعَيْنِهِ ظَرْفُ الذِّكْرِ أَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّ ظَرْفَ الذِّكْرِ غَيْرُ ظَرْفِ النِّسْيَانِ لَكِنَّهُ يَعْقُبُهُ فَتَكُونُ إذَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] ظَرْفًا لِلنِّسْيَانِ خَاصَّةً فَظَرْفُ الذِّكْرِ غَيْرُ مُصَرَّحٍ بِهِ فَلَا يَلْزَمُ السُّؤَالُ وَجَوَابُهُ بِأَنَّ الظَّرْفَ يَكُونُ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ فَيَفْضُلُ مِنْ إذَا زَمَنٌ لَا نِسْيَانَ فِيهِ وَهُوَ جَوَابٌ رَافِعٌ لِلسُّؤَالِ مِنْ أَصْلِهِ لَا جَوَابٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغَصْبُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِكَوْنِهِ فِي وُضُوءٍ أَوْ غَيْرِ وُضُوءٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الرِّبَا فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ النَّهْيُ فِي الْآيَةِ ظَاهِرُهُ التَّسَلُّطُ عَلَى الرِّبَا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِكَوْنِهِ فِي الْبَيْعِ أَوْ لَا فَإِنَّ الْحَدِيثَ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» فَسَلَّطَ النَّهْيَ عَلَى الْبَيْعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الزِّيَادَةِ وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: لَا تَتَوَضَّأْ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ فَبَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ فَرْقٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا خَفَاءَ فِيهِ اهـ. وَبِالْجُمْلَةِ فَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُبَالَغَةُ فِي اعْتِبَارِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ حَتَّى أَثْبَتَ عُقُودَ الرِّبَا وَإِفَادَتَهَا الْمِلْكَ فِي أَصْلِ الْمَالِ الرِّبَوِيِّ وَرَدِّ الزَّائِدِ، فَإِذَا بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْجَبَ الْعَقْدُ دِرْهَمًا مِنْ الدِّرْهَمَيْنِ وَيُرَدُّ الدِّرْهَمُ الزَّائِدُ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الرِّبَوِيَّاتِ وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الْمُبَالَغَةُ فِي إلْغَاءِ هَذَا الْفَرْقِ حَتَّى أَبْطَلَ الصَّلَاةَ بِالثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا نَظَرٌ قَدْ عَلِمْته وَتَوَسَّطَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَخُلَاصَةُ مَا فَرَقَّا بِهِ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّهْيَ إذَا كَانَ فِي حَقِيقَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِأَنْ كَانَ فِي رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهِ أَيْ فِي نَفْسِ الرُّكْنِ أَوْ صِفَتِهِ كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْخِنْزِيرِ وَكَالنَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْخُفِّ فِي الْإِحْرَامِ وَكَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ كَانَ مُقْتَضِيًا لِفَسَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ ضَرُورَةَ عَدَمِ حُصُولِ الْحَقِيقَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِكَمَالِهِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ إنَّمَا يَعْتَمِدُ الْمَصَالِحَ. وَإِذَا كَانَ أَيْ النَّهْيُ لَا فِي حَقِيقَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ بَلْ فِي الْمُجَاوِرِ كَالنَّهْيِ عَنْ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ كَانَ مُقْتَضِيًا لِفَسَادِ الْمُجَاوِرِ لَا لِفَسَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَطَهَارَةُ غَاصِبِ الْخُفِّ إذَا مَسَحَ عَلَيْهِ مَعَ نَهْيِهِ عَنْ الْغَصْبِ فَإِنَّ طَهَارَتَهُ صَحِيحَةٌ عِنْدَنَا لِكَوْنِهِ مُحَصِّلًا لَهَا بِكَمَالِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا وَإِنَّمَا هُوَ جَانٍ عَلَى حَقِّ صَاحِبِ الْخُفِّ بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْمُحْرِمِ إذَا مَسَحَ عَلَى الْخُفِّ فَإِنَّهُ لَمْ يُحَصِّلْهَا بِكَمَالِهَا مَعَ نَهْيِهِ عَنْ لُبْسِ الْخُفِّ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا فِي طَهَارَتِهِ بِالْغُسْلِ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ فَلَمْ تَحْصُلْ حَقِيقَةُ الطَّهَارَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا بِكَمَالِهَا مَعَ النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْخُفِّ لِكَوْنِهِ فِي نَفْسِ الْحَقِيقَةِ لَا فِي مُجَاوِرِهَا فَبِكُلٍّ مِنْ الْغَاصِبِ وَالْمُحْرِمِ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الْعِصْيَانِ بِلُبْسِ الْخُفِّ بِسَبَبِ نَهْيِهِ عَنْهُ إلَّا أَنَّ النَّهْيَ فِي الْغَاصِبِ لَمَّا تَعَلَّقَ بِالْمُجَاوِرِ لِلْمَأْمُورِ بِهِ لَا بِنَفْسِ حَقِيقَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ اقْتَضَى فَسَادَ الْمُجَاوِرِ لَا فَسَادَ الْمَأْمُورِ بِهِ فَلَمْ تَبْقَ الذِّمَّةُ مَشْغُولَةً

عَلَى وُقُوعِهِمَا فِي إذَا وَالضِّدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فَكَيْفَ أَمَرَ بِالذِّكْرِ فِي زَمَنِ النِّسْيَانِ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ الظَّرْفَ قَدْ يَكُونُ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ فَيَفْضُلُ مِنْ زَمَانِ إذَا زَمَانٌ لَيْسَ فِيهِ نِسْيَانٌ يَقَعُ فِيهِ الذِّكْرُ فَلَا يَجْتَمِعُ الضِّدَّانِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ الْإِشْكَالُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: 39] فَإِعْرَابُ الْيَوْمَ ظَرْفٌ وَإِذْ ظَرْفٌ أَيْضًا وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ الْيَوْمِ وَالْبَدَلُ هُنَا غَيْرُ الْمُبْدَلِ مِنْهُ فَيَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هُوَ عَيْنُ زَمَنِ الظُّلْمِ لَكِنَّ زَمَنَ الظُّلْمِ فِي الدُّنْيَا وَالدُّنْيَا لَيْسَتْ هِيَ عَيْنَ الْآخِرَةِ وَلَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَكَيْفَ صَحَّتْ الْبَدَلِيَّةُ أَوْرَدَ ابْنُ جِنِّي هَذَا السُّؤَالَ فَقَالَ الظَّرْفُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ وَزَمَنُ الظُّلْمِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْهُ حَتَّى يَمْتَدَّ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَيُطْلَقُ عَلَيْهِ وَيَقْبَلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الِامْتِدَادُ حَتَّى يُطْلَقَ عَلَى يَوْمِ الظُّلْمِ فَيَتَّحِدَانِ فَتَحْسُنُ الْبَدَلِيَّةُ. وَهَذَا الْمَوْضِعُ فِي الِاتِّسَاعِ أَبْعَدُ مِنْ آيَةِ الذِّكْرِ وَالنِّسْيَانُ بِطُولِ الْبُعْدِ وَإِفْرَاطِهِ وَبُعْدِهِ عَنْ أَكْثَرِ الِاسْتِعْمَالَاتِ وَبِالْجُمْلَةِ قَدْ ظَهَرَ لَك بِهَذِهِ الْآيَاتِ وَهَذَا التَّقْرِيرُ أَنَّ الظَّرْفَ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَقْبَلُ السَّعَةَ أَكْثَرَ مِنْ مَظْرُوفِهِ فَيَكُونُ أَوْسَعَ مِنْهُ وَقَدْ لَا يَسَعُ أَكْثَرَ مِنْهُ نَحْوَ صُمْت رَمَضَانَ وَصُمْت يَوْمَ الْخَمِيسِ فَإِنَّ الظَّرْفَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مُسَاوٍ لِلْمَظْرُوفِ فَتَلَخَّصَ الْفَرْقُ أَيْضًا بَيْنَ إنْ وَإِذَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَثَالِثُهَا أَنَّ إنْ لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا إلَّا مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا تَقُولُ إنْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَأْتِ وَإِذَا تَقْبَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــSمُتَرَتِّبٌ عَلَى صِحَّةِ السُّؤَالِ. قَالَ (وَكَذَلِكَ وَقَعَ الْإِشْكَالُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: 39] إلَى قَوْلِهِ وَبُعْدِهِ عَنْ أَكْثَرِ الِاسْتِعْمَالَاتِ) قُلْتُ إنَّمَا وَقَعَ الْإِشْكَالُ فِي الْآيَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إذْ بَدَلٌ مِنْ الْيَوْمِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ بِلَا إشْكَالٍ وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ وَلَنْ يَنْفَعَكُمْ الْيَوْمَ اشْتِرَاكُكُمْ فِي الْعَذَابِ بِسَبَبِ ظُلْمِكُمْ إذْ ظَلَمْتُمْ هَذَا لَا مَانِعَ مِنْهُ أَلْبَتَّةَ. قَالَ (وَبِالْجُمْلَةِ قَدْ ظَهَرَ لَك بِهَذِهِ الْآيَاتِ وَهَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الظَّرْفَ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَقْبَلُ السَّعَةَ أَكْثَرَ مِنْ مَظْرُوفِهِ فَيَكُونُ أَوْسَعَ إلَى قَوْلِهِ فَتَلَخَّصَ الْفَرْقُ أَيْضًا بَيْنَ إنْ وَإِذَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) قُلْتُ لَمْ يَظْهَرْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تِلْكَ الْآيَاتِ بِوَجْهٍ وَلَا يَصِحُّ تَقْرِيرُ مَا قَرَّرَهُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا مَعْنَى كَوْنِ الظَّرْفِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ أَنَّهُ يُطْلَقُ لَفْظُ الْيَوْمِ مَثَلًا فِي فِعْلٍ يَقَعُ فِي بَعْضِهِ لَا فِي جَمِيعِهِ وَذَلِكَ الْإِطْلَاقُ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ لِلْإِطْرَادِ وَلَيْسَ ذَلِكَ حَقِيقَةً مَعْنَوِيَّةً بِمَعْنَى أَنَّ ظَرْفَ الْفِعْلِ يَكُونُ أَوْسَعَ مِنْهُ فِي الْمَعْنَى فَإِنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ وَلَمْ يَزَلْ الْإِشْكَالُ يَقَعُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ بَيْنَ الْحَقَائِقِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَالْحَقَائِقِ اللَّفْظِيَّةِ فَيَظُنُّهَا شَيْئًا وَاحِدًا وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. قَالَ (وَثَالِثُهَا أَنَّ إنْ لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا إلَّا مَشْكُوكٌ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمَأْمُورِ بِهِ وَالنَّهْيُ فِي الْمُحْرِمِ لَمَّا تَعَلَّقَ بِنَفْسِ حَقِيقَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا بِمُجَاوِرِهِ اقْتَضَى فَسَادَ الْمَأْمُورِ بِهِ فَبَقِيَتْ الذِّمَّةُ مَشْغُولَةً بِالْمَأْمُورِ بِهِ. (وَصْلٌ) فِي زِيَادَةِ تَوْضِيحِ الْمَقَامِ بِمَسْأَلَتَيْنِ: (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ فِي ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ وَالْوُضُوءُ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ وَالْحَجُّ بِمَالٍ حَرَامٍ سَوَاءٌ فِي الصِّحَّةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ خِلَافًا لِأَحْمَدَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّا نُلَاحِظُ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْأَمْرِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ قَدْ وُجِدَ فِيهَا بِكَمَالِهِ مَعَ مُتَعَلِّقِ النَّهْيِ فَحَقِيقَةُ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ الْمَكَانِ الطَّاهِرِ وَالسُّتْرَةِ الْكَامِلَةِ وَصُورَةُ التَّطْهِيرِ وَالْحَجُّ قَدْ وُجِدَتْ مِنْ حَيْثُ الْمَصْلَحَةُ لَا مِنْ حَيْثُ الْإِذْنُ الشَّرْعِيُّ وَإِذَا حَصَلَتْ حَقِيقَةُ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْمَصْلَحَةُ كَانَ النَّهْيُ فِي مُجَاوِرٍ وَهِيَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْغَيْرِ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ مَشَى عَلَى أَصْلِهِ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ نَظَرًا لِعَدَمِ وُجُودِ حَقِيقَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الْمَكَانِ وَالسُّتْرَةِ وَصُورَةِ التَّطَهُّرِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا فَيَكُونُ الْمَكَانُ وَالسُّتْرَةُ وَصُورَةُ التَّطْهِيرِ مَعْدُومَةً حِسًّا مَعَ الْعَمْدِ وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَلَا يَخْفَاك أَنَّ هَذَا النَّظَرَ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّهَارَةِ وَالسُّتْرَةِ وَالْمَكَانِ الطَّاهِرِ وَاشْتَرَطَ فِي ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْأَدَاةُ مُبَاحَةً وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ نَقُولُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الصَّلَاةَ مُطْلَقًا وَحَرَّمَ الْغَصْبَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ عَدَمُهُ شَرْطًا. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ فِي صَلَاتِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ مَعَ مُقَارَنَةِ الْمُحَرَّمِ فَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ عَلَى أَنَّ هَذَا النَّظَرُ لَا يَتَأَتَّى فِي الْحَجِّ فَإِنَّ النَّفَقَةَ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ رُكْنًا وَلَا صُرِفَتْ فِي رُكْنٍ بَلْ نَفَقَةُ الطَّرِيقِ لِحِفْظِ حَيَاةِ الْمُسَافِرِ بِخِلَافِ الْمُحْرِمِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَكَانِ وَالسُّتْرَةِ وَصُورَةِ التَّطْهِيرِ فَإِنَّهُ صُرِفَ فِيمَا هُوَ شَرْطٌ فَكَانَ الشَّرْطُ مَعْدُومًا فَافْهَمْ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَنَحْوُهُ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ لَا بِنَفْسِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَكَانِ وَالسُّتْرَةِ وَصُورَةِ التَّطْهِيرِ وَالْحَجِّ إلَّا أَنَّ الْوَصْفَ هُنَا أَيْ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ لَمَّا كَانَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّ رِضَا الْبَائِعِ لَمْ يَحْصُلْ إلَّا بِمُقَابَلَةِ الْوَاحِدِ بِالِاثْنَيْنِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ» وَهَذَا الْبَائِعُ لَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ إلَّا بِمَا تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِهِ لَمْ تَحْصُلْ حَقِيقَةُ الْعَقْدِ الْمَأْمُورِ بِهِ بِكَمَالِهِ بَلْ كَانَ

[الفرق بين قاعدة حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال سقط بها الاستدلال وبين قاعدة حكاية الحال إذا ترك فيها الاستفصال]

الْمَعْلُومَ وَالْمَشْكُوكَ فِيهِ فَتَقُولُ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَأْتِ وَإِذَا دَخَلَ الْعَبْدُ الدَّارَ فَهُوَ حُرٌّ فَهَذِهِ فُرُوقٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعَانِي وَأَمَّا الْفَرْقُ مِنْ جِهَةِ الصِّنَاعَةِ النَّحْوِيَّةِ فَإِنَّ إنْ حَرْفٌ وَإِذَا اسْمٌ وَظَرْفٌ وَإِنْ لَا يُخْفَضُ مَا بَعْدَهَا بَلْ يَكُونُ مَا بَعْدَهَا فِي مَوْضِعِ جَزْمٍ بِالشَّرْطِ وَإِذَا مَا بَعْدَهَا فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بِالظَّرْفِ. وَإِذَا عَرَضَ لَهَا الْبِنَاءُ لِأَنَّ الْبِنَاءَ فِي الْأَسْمَاءِ عَارِضٌ وَالْبِنَاءُ فِي إنْ أَصْلٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْحُرُوفِ الْبِنَاءُ فَكُلُّهَا مَبْنِيَّةٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْفُرُوقِ النَّحْوِيَّةِ الَّتِي لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَسَائِلُ الْفُرُوعِيَّةُ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهَا مِنْ أَحَدِ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهَا لِلْآخَرِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَسَائِلُ الْأَوَانِي وَالنِّسْيَانِ وَالْكَعْبَةِ وَنَحْوِهَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهَا أَنْ يُقَلِّدَ الْآخَرَ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نُقِلَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ سُئِلَ عَنْهَا فَقِيلَ لَهُ أَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الشَّافِعِيُّ خَلْفَ الْمَالِكِيِّ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْفُرُوعِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْكَعْبَةِ وَالْأَوَانِي أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ الْمُجْتَهِدِ الْآخَرِ فَسَكَتَ عَنْ الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ وَكَانَ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَحْكِي ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَكَانَ هُوَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفَرِّقُ بِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي الصَّلَاةِ مَطْلُوبَةٌ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ فَلَوْ قُلْنَا بِالْمَنْعِ مِنْ الِائْتِمَامِ لِمَنْ يُخَالِفُ فِي الْمَذْهَبِ وَأَنْ لَا يُصَلِّيَ الْمَالِكِيُّ إلَّا خَلْفَ الْمَالِكِيِّ وَلَا شَافِعِيٌّ إلَّا خَلْفَ شَافِعِيٍّ لَقَلَّتْ الْجَمَاعَاتُ وَإِذَا مَنَعْنَا مِنْ ذَلِكَ فِي الْقِبْلَةِ وَنَحْوِهَا لَمْ يُخِلَّ لَنَا ذَلِكَ بِالْجَمَاعَاتِ كَبِيرَ خَلَلٍ لِنُدْرَةِ وُقُوعِ مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَكَثْرَةِ وُقُوعِ الْخِلَافِ فِي مَسَائِلِ الْفُرُوعِ وَهَذَا جَوَابُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــSفَهَذِهِ فُرُوقٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعَانِي) قُلْتُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ دُخُولُ إنْ عَلَى الْمَشْكُوكِ وَأَنَّهَا لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ فَقَطْ. قَالَ (وَأَمَّا الْفَرْقُ مِنْ جِهَةِ الصِّنَاعَةِ النَّحْوِيَّةِ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ لَا نِزَاعَ فِيهِ قَالَ. (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَسَائِلُ الْفُرُوعِيَّةُ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهَا مِنْ أَحَدِ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهَا لِلْآخَرِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَسَائِلُ الْأَوَانِي وَالثِّيَابِ وَالْكَعْبَةِ وَنَحْوِهَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهَا أَنْ يُقَلِّدَ الْآخَرَ إلَى قَوْلِهِ فَسَكَتَ عَنْ الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ) قُلْتُ قَوْلُهُ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ قَوْلٌ مُوهِمٌ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ وَهُوَ مُرَادُهُ بِلَا شَكٍّ. قَالَ (وَكَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْكِي ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَكَانَ هُوَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُفَرِّقُ بِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي الصَّلَاةِ مَطْلُوبَةٌ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ فَلَوْ قُلْنَا بِالْمَنْعِ مِنْ الِائْتِمَامِ لِمَنْ يُخَالِفُ فِي الْمَذْهَبِ وَأَنْ لَا يُصَلِّيَ الْمَالِكِيُّ إلَّا خَلْفَ الْمَالِكِيِّ وَلَا شَافِعِيٌّ إلَّا خَلْفَ شَافِعِيٍّ لَقَلَّتْ الْجَمَاعَاتُ وَإِذَا مَنَعْنَا مِنْ ذَلِكَ فِي الْقِبْلَةِ وَنَحْوِهَا لَمْ يُخِلَّ ذَلِكَ بِالْجَمَاعَاتِ كَبِيرَ خَلَلٍ لِنُدْرَةِ وُقُوعِ مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَكَثْرَةِ وُقُوعِ الْخِلَافِ فِي مَسَائِلِ الْفُرُوعِ) قُلْتُ ذَلِكَ فَرْقٌ ضَعِيفٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدِي بِالْفَرْقِ بَلْ الْفَرْقُ الصَّحِيحُ أَنَّ مَسْأَلَةَ اقْتِدَاءِ الْمَالِكِيِّ بِالشَّافِعِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالدِّرْهَمُ الْبَاقِي بَعْدَ إسْقَاطِ الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ بَاذِلِهِ. وَأَمَّا الْوَصْفُ فِي مَسَائِلِ الْعِبَادَاتِ الْمَارَّةِ فَلَمَّا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْمَأْمُورِ بِهِ بِحَيْثُ تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى صِحَّتِهِ كَانَ مُتَعَلِّقُ الْأَمْرِ مَوْجُودًا بِكَمَالِهِ، فَقَوْلُنَا بِالصِّحَّةِ فِي مَسَائِلِ الْعِبَادَاتِ وَعَدَمِهَا فِي مَسْأَلَةِ الرِّبَا إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ لِكَمَالِ وُجُودِ مُتَعَلِّقِ الْأَمْرِ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ بَاذِلُ الدِّرْهَمَيْنِ مِنْ عِنْدِهِ بِإِزَاءِ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ وَإِنْ رَضِيَ بِمُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ بِمِثْلِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى إلَّا أَنَّ بَاذِلَ الدِّرْهَمِ غَيْرُ رَاضٍ بِبَذْلِهِ بِإِزَاءِ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا يَرْضَى بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ مِنْ بَذْلِهِ بِإِزَاءِ دِرْهَمَيْنِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ رَضِيَ بِذَلِكَ أَيْضًا لَا يَكْفِي حُصُولُ الرِّضَا وَحْدَهُ فِي نَقْلِ الْأَمْلَاكِ فَإِنَّهُ لَوْ رَضِيَ بِنَقْلِ مِلْكِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ لَمْ يَنْتَقِلْ مِلْكُهُ إجْمَاعًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ عَقْدٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ الشَّرْعِيُّ لَا الرِّضَا وَحْدَهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَقْضِيَ بِاللُّزُومِ حِينَئِذٍ هَذَا هُوَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الرِّبَوِيَّاتِ وَالْعِبَادَاتِ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ حَسَنٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ حِكَايَةُ الْحَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ سَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال وَبَيْنَ قَاعِدَةِ حِكَايَةُ الْحَالِ إذَا تُرِكَ فِيهَا الِاسْتِفْصَالُ] (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ حِكَايَةِ الْحَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ سَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال وَبَيْنَ قَاعِدَةِ حِكَايَةِ الْحَالِ إذَا تُرِكَ فِيهَا الِاسْتِفْصَالُ تَقُومُ مَقَامَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ وَيَحْسُنُ بِهَا الِاسْتِدْلَال) هَاتَانِ قَاعِدَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ نُقِلَتَا عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا قَاعِدَةٌ وَاحِدَةٌ فِيهَا قَوْلَانِ لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ إنَّ حِكَايَةَ الْحَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَخْ أَنَّ الدَّلِيلَ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ إذَا اسْتَوَتْ فِيهِ الِاحْتِمَالَاتُ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهَا سَقَطَ بِهِ الِاسْتِدْلَال لِقَاعِدَتَيْنِ (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) أَنَّ الِاحْتِمَالَ الَّذِي يُوجِبُ الْإِجْمَالَ إنَّمَا هُوَ الِاحْتِمَالُ الْمُسَاوِي أَمَّا الْمَرْجُوحُ فَلَا وَإِلَّا لَسَقَطَتْ دَلَالَةُ الْعُمُومَاتِ كُلُّهَا لِتَطَرُّقِ احْتِمَالِ التَّخْصِيصِ إلَيْهَا وَذَلِكَ بَاطِلٌ (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ كَلَامَ صَاحِبِ الشَّرْعِ إذَا كَانَ مُحْتَمِلًا احْتِمَالَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ صَارَ مُجْمَلًا وَلَيْسَ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَإِنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ إنَّ حِكَايَةَ الْحَالِ إذَا تُرِكَ فِيهَا إلَخْ أَنَّ الِاحْتِمَالَاتِ إذَا كَانَتْ فِي مَحَلِّ مَدْلُولِ اللَّفْظِ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ دُونَ الدَّلِيلِ تَقُومُ مَقَامَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ وَيَحْسُنُ بِهَا الِاسْتِدْلَال بِمَعْنَى أَنَّ الشَّارِعَ إذَا تَرَكَ الِاسْتِفْصَالَ فِي قَضَايَا الْأَعْيَانِ وَهِيَ مُحْتَمَلَةُ الْوُقُوعِ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ أَوْ وُجُوهٍ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا مُتَّحِدٌ فِي

[المسألة الأولى الوضوء بنبيذ التمر]

وَقَدْ ظَهَرَ لِي فِي ذَلِكَ جَوَابٌ هُوَ أَقْوَى مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي مَتَى خَالَفَ إجْمَاعًا أَوْ نَصًّا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا أَوْ الْقَوَاعِدَ نَقَضْنَاهُ. وَإِذَا كُنَّا لَا نُقِرُّ حُكْمًا تَأَكَّدَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَأَوْلَى أَنْ لَا نُقِرَّهُ إذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي حُكْمٍ هُوَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لِأَنَّا لَا نُقِرُّهُ شَرْعًا وَمَا لَيْسَ بِشَرْعٍ لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهِ فَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ كُلُّ مَنْ اعْتَقَدْنَا أَنَّهُ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ وَبِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَحْصُلُ الْفَرْقُ فِي غَايَةِ الْجُودَةِ وَبَيَانُهُ بِذِكْرِ أَرْبَعِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الْمُجْتَهِدُونَ فِي الْكَعْبَةِ إذَا اخْتَلَفُوا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الْآخَرَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ تَرَكَ أَمْرًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَهُوَ الْكَعْبَةُ وَتَارِكُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ لَا يُقَلِّدُ أَمَّا الْمُخْتَلِفَانِ فِي مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ فَإِنَّمَا يَعْتَقِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي صَاحِبِهِ أَنَّهُ خَالَفَ ظَاهِرًا مِنْ نَصٍّ أَوْ مَنْطُوقٍ بِهِ أَوْ مَفْهُومِ لَفْظٍ وَذَلِكَ لَيْسَ مُجْمَعًا عَلَى اعْتِبَارِهِ وَلَا وَصَلَ إلَى حَدِّ الْقَطْعِ بَلْ هُوَ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ فَجَازَ لَهُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ وَتَقْلِيدُهُ بِخِلَافِ اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ خَالَفَ الْكَعْبَةَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا الْمَقْطُوعَ بِاعْتِبَارِهَا وَهَذَا الْفَرْقُ فِي غَايَةِ الْجَلَاءِ فَأَيْنَ الْمَقْطُوعُ مِنْ الْمَظْنُونِ وَأَيْنَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الْمُجْتَهِدُونَ فِي الْأَوَانِي الَّتِي اخْتَلَطَ طَاهِرُهَا بِنَجَسِهَا إذَا اخْتَلَفُوا وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ النَّجَاسَةَ مُبْطِلَةٌ لِلصَّلَاةِ إمَّا بِاجْتِهَادِهِمْ وَصَلُوا إلَى ذَلِكَ أَوْ قَلَّدُوا مَنْ وَصَلَ إلَى ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِ فَإِنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّهِمْ بِالْإِجْمَاعِ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُمْ أَوْ اجْتِهَادُ إمَامِهِمْ الَّذِي قَلَّدُوهُ وَإِذَا كَانَ حُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّهِمْ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَعْتَقِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــSمَعَ أَنَّهُ لَا يَتَدَلَّكُ لَا يُمْكِنُ الْخَطَأُ فِيهَا عَلَى الْقَوْلِ بِتَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ أَوْ لَا يُمْكِنُ تَعْيِينُ الْخَطَأِ فِيهَا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّصْوِيبِ وَمَسْأَلَةُ الْأَوَانِي وَنَحْوِهَا لَا بُدَّ مِنْ الْخَطَأِ فِيهَا وَيُمْكِنُ تَعْيِينُهُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَقَدْ ظَهَرَ لِي فِي ذَلِكَ جَوَابٌ هُوَ أَقْوَى مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي مَتَى خَالَفَ إجْمَاعًا أَوْ نَصًّا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا أَوْ الْقَوَاعِدَ قَضَاهُ وَإِذَا كُنَّا لَا نُقِرُّ حُكْمًا تَأَكَّدَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَأَوْلَى أَنْ لَا تُقِرَّهُ إذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي حُكْمٍ هُوَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لِأَنَّا لَا نُقِرُّهُ شَرْعًا وَمَا لَيْسَ بِشَرْعٍ لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهِ فَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ كُلُّ مَنْ اعْتَقَدْنَا أَنَّهُ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ وَبِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَحْصُلُ الْفَرْقُ فِي غَايَةِ الْجَوْدَةِ وَبَيَانُهُ بِذِكْرِ أَرْبَعِ مَسَائِلَ) قُلْتُ مَا ذَكَرَهُ فَرْقًا لَيْسَ بِفَرْقٍ لِأَنَّ الْفَرْقَ إنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِيمَا ذَكَرْته لَا فِيمَا ذَكَرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إلَى آخِرِ الْفَرْقِ قُلْت مَا قَالَهُ فِي الْمَسَائِلِ صَحِيحٌ بِنَاءً عَلَى مَا قَرَّرَ وَهُوَ أَنَّ الْفَرْقَ مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لِتَعَيُّنِ الْمَنَاطِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَوَانِي وَنَحْوِهَا وَعَدَمِ تَعَيُّنِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْبَسْمَلَةِ وَنَحْوِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَجْهَيْنِ أَوْ الْوُجُوهِ. (قَاعِدَةٌ) وَهِيَ أَنَّ لَفْظَ صَاحِبِ الشَّرْعِ لَا يَقْدَحُ الِاسْتِدْلَال بِهِ إذَا كَانَ ظَاهِرًا أَوْ نَصًّا فِي فَرْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ أَفْرَادِ الْجِنْسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] فَإِنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِي إعْتَاقِ مُطْلَقِ رَقَبَةٍ مُتَرَدِّدَةٍ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالطَّوِيلَةِ وَالْقَصِيرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْصَافِ وَلَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى إيجَابِ الرَّقَبَةِ وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِجَمِيعِ الْمُطْلَقَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالسِّتِّينَ أَنَّهَا عَشْرَةٌ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ مِثْلِهَا قَدْحٌ وَلَا إجْمَالٌ وَصَلَ فِي تَوْضِيحِ هَذَا الْفَرْقِ بِثَلَاثِ مَسَائِلَ. [الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ] (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) اسْتِدْلَالُ الشَّافِعِيَّةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْ بِهِ نَاقَتُهُ «لَا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا مَاتَ لَا يُغَسَّلُ سَاقِطٌ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُرَتِّبْ الْحُكْمَ عَلَى وَصْفٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ عِلَّةٌ لَهُ فَيَعُمُّ جَمِيعَ الصُّوَرِ لِعُمُومِ عِلَّتِهِ بَلْ عِلَلُ حُكْمِ الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ فَقَطْ وَلَوْ أَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - التَّرْتِيبَ عَلَى الْوَصْفِ لَقَالَ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا وَلَمْ يَقُلْ فَإِنَّهُ وَلَقَالَ لَا تَمَسُّوا الْمُحْرِمَ وَلَمْ يَقُلْ لَا تَمَسُّوهُ فَلَمَّا عَدَلَ فِيهِمَا عَنْ الْوَصْفِ إلَى الضَّمِيرِ الْجَامِدِ دَلَّ ذَلِكَ ظَاهِرًا عَلَى عَدَمِ إرَادَتِهِ لِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ فَبَقِيَتْ الِاحْتِمَالَاتُ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَقِيَّةِ الْمُحْرِمِينَ مُسْتَوِيَةً وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. [الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوتِرَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ بِثَلَاثٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَا يَحْصُلُ بِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْبَتْرَاءِ اسْتِدْلَالٌ لِلْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّ الرَّكْعَةَ الْمُنْفَرِدَةَ لَا تُجْزِئُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوتِرَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ بِثَلَاثٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ إذْ لَيْسَ الْأَبْتَرُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْمُنْفَرِدُ وَحْدَهُ حَتَّى يَحْصُلَ الِاسْتِدْلَال بِذَلِكَ بَلْ الْأَبْتَرُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الَّذِي لَا يَتْبَعُهُ غَيْرُهُ وَيُضَافُ إلَيْهِ مِنْ ذَنَبٍ أَوْ عَقِبٍ وَحِينَئِذٍ فَالْبَتْرَاءُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا رَكْعَةً لَيْسَ قَبْلَهَا شَيْءٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا رَكْعَةً مُنْفَرِدَةً وَالِاحْتِمَالَانِ مُسْتَوِيَانِ وَنَحْنُ نَقُولُ الرَّكْعَتَانِ مُتَقَدِّمَتَانِ تَابِعَتَانِ لِلْوِتْرِ وَتَوْطِئَةٌ لَهُ فَلَا حُجَّةَ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قَالُوا فَالِاحْتِمَالَاتُ وَقَعَتْ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي نَفْسِ الدَّلِيلَيْنِ وَتَسَاوَتْ فَيَسْقُطُ الِاسْتِدْلَال بِهِمَا وَكَذَا يَسْقُطُ فِي كُلِّ وَاقِعَةِ عَيْنٍ وَقَعَ فِيهَا مِثْلُ هَذَا وَهِيَ الَّتِي أَفْتَى فِيهَا الشَّافِعِيُّ بِالْإِجْمَالِ وَعَدَمِ الدَّلَالَةِ. [الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ أَسْلَمَ عَلَى عَشْر نِسْوَة] (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) اللَّفْظُ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغَيْلَانَ لَمَّا أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ «أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» ظَاهِرٌ ظُهُورًا قَوِيًّا فِي الْإِذْنِ وَالتَّخْيِيرِ فِي الْحَالَيْنِ حَالَ مَا إذَا عَقَدَ عَلَيْهِنَّ عُقُودًا

أَنَّ صَاحِبَهُ لَابِسٌ فِي صَلَاتِهِ مَا هُوَ مُبْطِلٌ لِصَلَاتِهِ بِالْإِجْمَاعِ فَقَدْ خَالَفَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَمَقْطُوعًا بِهِ فَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِخِلَافِ مَنْ لَا يَتَدَلَّكُ فِي غُسْلِهِ أَوْ لَمْ يُبَسْمِلْ لَمْ يُخَالِفْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَلَا مَقْطُوعًا بِهِ بَلْ ظَاهِرًا مُحْتَمِلَ التَّأْوِيلِ فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْمُجْتَهِدُونَ فِي الثِّيَابِ الَّتِي اخْتَلَطَ طَاهِرُهَا بِنَجَسِهَا إذَا اخْتَلَفُوا وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ النَّجَاسَةَ مُبْطِلَةٌ لِلصَّلَاةِ إمَّا بِاجْتِهَادِهِمْ أَوْ بِاجْتِهَادِ إمَامٍ قَلَّدُوهُ لَا يُقَلِّدُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَوَانِي بِعَيْنِهِ حَرْفًا بِحَرْفٍ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إنَاءٌ وَقَعَ فِيهِ رَوْثُ عُصْفُورٍ وَتَوَضَّأَ بِهِ مَالِكِيٌّ وَصَلَّى يَجُوزُ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَهُ وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ الشَّافِعِيَّ كَمَا لَا يَضُرُّهُ تَرْكُ الْمَالِكِيِّ الْبَسْمَلَةَ وَغَيْرَهَا مِمَّا يَعْتَقِدُهُ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ اخْتَلَطَ هَذَا الْإِنَاءُ بِإِنَاءٍ طَاهِرٍ فَاجْتَهَدَ فِيهِ هَذَا الشَّافِعِيُّ مَعَ شَافِعِيٍّ آخَرَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْآخَرِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الِاجْتِهَادِ وَلَوْ اجْتَمَعَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَاجْتَهَدَا فِي رَوْثِ الْعُصْفُورِ فَحَكَمَ مَالِكٌ بِطَهَارَتِهِ وَالشَّافِعِيُّ بِنَجَاسَتِهِ جَازَ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ مَالِكٍ إذَا تَوَضَّأَ بِالْمَاءِ الَّذِي هُوَ فِيهِ مَعَ تَعَيُّنِ رَوْثِ الْعُصْفُورِ فِي جِهَةِ الْإِمَامِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَجُوزُ الْمَأْمُومُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي إنَاءِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَهُوَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ أَنْ يُعَيِّنَ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى امْتِنَاعِ التَّقْلِيدِ فِي الْإِنَاءَيْنِ إذَا اجْتَهَدَا فِي الطَّاهِرِ مِنْهُمَا دُونَ أَنْ يَتَعَيَّنَ فِي جِهَةِ الْإِمَامِ. وَهَذَا أَيْضًا مِنْ أَشْكَلِ الْمَسَائِلِ وَجَوَابُهُ أَنَّ لِلشَّافِعِيَّيْنِ إذَا اجْتَهَدَا فِي الْإِنَاءَيْنِ فَهُمَا مُقَلِّدَانِ لِمَنْ يَعْتَقِدُ نَجَاسَةَ رَوْثِ الْعُصْفُورِ وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّ الشَّافِعِيِّ وَحَقِّ مَنْ قَلَّدَهُ مَا ظَهَرَ فِي اجْتِهَادِهِ فَالشَّافِعِيُّ يَعْتَقِدُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ الْآخَرَ قَدْ أَصَابَ فِي صَلَاتِهِ مَا هُوَ مُبْطِلٌ لِصَلَاتِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَمَنْ اعْتَقَدْنَا فِيهِ مُخَالَفَةَ الْإِجْمَاعِ لَا نُقَلِّدُهُ بِخِلَافِ صَلَاةِ هَذَا الشَّافِعِيِّ خَلْفَ الْمَالِكِيِّ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّ مَالِكٍ وَالْمَالِكِيِّ صِحَّةُ صَلَاتِهِ بِرَوْثِ الْعُصْفُورِ إجْمَاعًا وَأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ إجْمَاعًا بَلْ خَالَفَ قِيَاسًا مَظْنُونًا أَوْ ظَاهِرَ نَصٍّ غَيْرِ مَقْطُوعٍ بِهِ وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ إذَا صَلَّى خَلْفَ مَالِكٍ وَعَلَيْهِ رَوْثُ عُصْفُورٍ أَوْ فِي مَائِهِ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يَعْتَقِدُ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يُخَالِفْ إجْمَاعًا وَلَا مَقْطُوعًا بِهِ بَلْ ظَاهِرَ قِيَاسٍ أَوْ ضَرْبًا مِنْ ضُرُوبِ الِاجْتِهَادِ فَجَازَ لَهُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ بِخِلَافِ أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ يَعْتَقِدُ مَا يَعْتَقِدُهُ مِنْ إبْطَالِ رَوْثِ الْعُصْفُورِ لِلصَّلَاةِ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَسَائِلَ وَهَذِهِ الْمَبَاحِثَ فَهِيَ كُلُّهَا دَائِرَةٌ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ مَنْ اعْتَقَدْنَا فِيهِ أَنَّهُ خَالَفَ مَقْطُوعًا بِهِ لَمْ يَجُزْ لَنَا تَقْلِيدُهُ وَإِنْ لَمْ نَعْتَقِدْ فِيهِ ذَلِكَ جَازَ لَنَا تَقْلِيدُهُ وَالصَّلَاةُ خَلْفَهُ وَهُوَ رُوحُ الْفَرْقِ وَهُوَ فَرْقٌ جَيِّدٌ جِدًّا وَلَكِنْ بَعْدَ التَّأَمُّلِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَهُوَ أَجْلَى مِنْ قَوْلِنَا إنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى قِلَّةِ الْجَمَاعَاتِ أَوْ كَثْرَتِهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُرَتَّبَةً عَقْدًا بَعْدَ عَقْدٍ وَحَالَ مَا إذَا عَقَدَ عَلَيْهِنَّ عَقْدًا وَاحِدًا فَالِاحْتِمَالَاتُ الْمُسْتَوِيَةُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ لَيْسَتْ فِي الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى الْحُكْمِ حَتَّى يَقْدَحَ فِي الدَّلَالَةِ بَلْ هِيَ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ وَالِاحْتِمَالَاتُ الْمُسْتَوِيَةُ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ لَا تَقْدَحُ فِي الدَّلَالَةِ فَمِنْ هُنَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَهُ الْخِيَارُ فِي الْحَالَيْنِ بِلَا فَرْقٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى مِنْ الْمُؤَخَّرَاتِ لِفَسَادِ عُقُودِهِنَّ بَعْدَ أَرْبَعِ عُقُودٍ فَإِنَّ عَقْدَ الْخَامِسَةِ وَمَا فَوْقَهَا بَاطِلٌ وَالْخِيَارُ فِي الْبَاطِلِ لَا يَجُوزُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَوْ أَرَادَ أَحَدَ الْحَالَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى لَاسْتَفْصَلَ غَيْلَانُ عَنْ ذَلِكَ وَحَيْثُ لَمْ يَسْتَفْصِلْ وَالْأَصْلُ عَدَمُ عِلْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحَالَةِ غَيْلَانَ وَهُوَ فِي مَقَامِ تَقْرِيرِ قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ وَمَنْ كَانَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ شَأْنُهُ الْبَيَانُ وَالْإِيضَاحُ كَانَ أَبَيْنَ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْحَالَيْنِ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ. 2 - (تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ لَيْسَ فِي جَوَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ فَقَالَ «تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ» احْتِمَالُ مَا فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ بَلْ وَلَا فِيهِ احْتِمَالَاتٌ مُتَسَاوِيَةٌ كَمَا قِيلَ فِي نَفْسِ الدَّلِيلِ حَتَّى يَدَّعِيَ سُقُوطَ اسْتِدْلَالِ الْحَنَفِيَّةُ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ بِالتَّمْرِ إذْ لَا شَكَّ كَمَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ أَصْلَ النَّبِيذِ تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ وَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ مِنْ الطِّيبِ وَالطَّهُورِيَّةِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا سُئِلَ عَنْ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ وَالنَّبِيذُ اسْمٌ لِلْمَاءِ الْمُسْتَنْقَعِ فِيهِ التَّمْرُ حَتَّى يَتَغَيَّرَ حَقِيقَةً أَمَّا قَبْلَ التَّغَيُّرِ فَلَا يُسَمَّى نَبِيذًا إلَّا مَجَازًا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَئُولُ إلَى ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الشَّارِعِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - أَنْ يُسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ ثُمَّ لَا يُجِيبَ عَنْهُ وَلَا أَنْ يُخْبِرَ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ تَوَضَّأْ بِالنَّبِيذِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ إلَّا الْمُتَغَيِّرُ لَكِنْ لَا بِاللَّفْظِ بَلْ بِاقْتِضَاءِ الْمُسَاقِ وَضَرُورَةِ حَمْلِ كَلَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْفَائِدَةِ وَعَلَى جَوَابٍ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قِيلَ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّغَيُّرِ وَلَا لِعَدَمِهِ بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ وَصْفَيْ الْمُجْتَمِعَيْنِ اهـ. 2 - (التَّنْبِيهُ الثَّانِي) لَيْسَ الِاحْتِمَالَانِ فِي تَقْدِيرِ مُتَعَلِّقِ إلَيْك فِي «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَجِّ الْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدَيْك وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْك» أَعْنِي تَقْدِيرَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشَّرُّ لَيْسَ مَنْسُوبًا إلَيْك وَتَقْدِيرَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالشَّرُّ لَيْسَ قُرْبَةً إلَيْك بِمُسْتَوِيَيْنِ حَتَّى يُقَالَ بِسُقُوطِ

[المسألة السادسة وجوب الإعتاق لا إجمال فيه مع احتمال أن تكون الرقبة المأمور بها سوداء أو بيضاء للمفطر في رمضان]

(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْخِلَافُ يَتَقَرَّرُ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ يَبْطُلُ الْخِلَافُ فِيهَا وَيَتَعَيَّنُ قَوْلُ وَاحِدٍ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ) وَذَلِكَ الْقَوْلُ هُوَ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ عَلَى الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَيَرْجِعُ الْمُخَالِفُ عَنْ مَذْهَبِهِ لِمَذْهَبِ الْحَاكِمِ وَتَتَغَيَّرُ فُتْيَاهُ بَعْدَ الْحُكْمِ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فَمَنْ لَا يَرَى وَقْفَ الْمُشَاعِ إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ وَقْفِهِ ثُمَّ رُفِعَتْ الْوَاقِعَةُ لِمَنْ كَانَ يُفْتِي بِبُطْلَانِهِ نَفَّذَهُ وَأَمْضَاهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُفْتِيَ بِبُطْلَانِهِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا وَحَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ فَاَلَّذِي كَانَ يَرَى لُزُومَ الطَّلَاقِ لَهُ يُنْفِذُ هَذَا النِّكَاحَ وَلَا يَحِلُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُفْتِيَ بِالطَّلَاقِ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَلِذَلِكَ وَقَعَ لَهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهِ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ لَا يُرَدُّ وَلَا يُنْقَضُ وَأَفْتَى مَالِكٌ فِي السَّاعِي إذَا أَخَذَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ شَاةً لِرَجُلَيْنِ خَلِيطَيْنِ فِي الْغَنَمِ شَاةً أَنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِهَا بَيْنَهُمَا وَلَا يَخْتَصُّ بِهَا مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مَعَ أَنَّهُ يُفْتِي إذَا أَخَذَهَا السَّاعِي الْمَالِكِيُّ أَنَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْخِلَافُ يَتَقَرَّرُ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ يَبْطُلُ الْخِلَافُ فِيهَا وَيَتَعَيَّنُ قَوْلٌ وَاحِدٌ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَذَلِكَ الْقَوْلُ هُوَ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ عَلَى الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ يُوهِمُ أَنَّ الْخِلَافَ يَبْطُلُ مُطْلَقًا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا حُكْمُ الْحَاكِمِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ الْخِلَافُ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا اسْتَفْتَى الْمُخَالِفُ فِي عَيْنِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي وَقَعَ حُكْمٌ فِيهَا لَا تَسُوغُ الْفَتْوَى فِيهَا بِعَيْنِهَا لِأَنَّهُ قَدْ نَفَذَ فِيهَا الْحُكْمُ بِقَوْلَةِ قَائِلٍ وَمَضَى الْعَمَلُ بِهَا فَإِذَا اسْتَفْتَى فِي مِثْلِهَا قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الْحُكْمُ فِيهَا أَفْتَى بِمَذْهَبِهِ عَلَى أَصْلِهِ فَكَيْفَ يَقُولُ يَبْطُلُ الْخِلَافُ وَلَوْ بَطَلَ الْخِلَافُ لَمَا سَاغَ ذَلِكَ نَعَمْ يَبْطُلُ الْخِلَافُ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْمُعَيَّنَةِ خَاصَّةً. قَالَ (اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ إلَى قَوْلِهِ وَلِذَلِكَ وَقَعَ لَهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهِ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ لَا يُرَدُّ وَلَا يُنْقَضُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ وَقْفِ الْمُشَاعِ ثُمَّ رُفِعَتْ الْوَاقِعَةُ لِمَنْ كَانَ يُفْتِي بِبُطْلَانِهِ نَفَّذَهُ وَأَمْضَاهُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يُنَفِّذُهُ وَلَا يُمْضِيهِ وَلَكِنَّهُ لَا يَرُدُّهُ وَلَا يَنْقُضُهُ وَفَرَّقَ بَيْنَ كَوْنِهِ يُنَفِّذُهُ وَيُمْضِيهِ وَكَوْنِهِ لَا يَرُدُّهُ وَلَا يَنْقُضُهُ. قَالَ (وَأَفْتَى مَالِكٌ فِي السَّاعِي إذَا أَخَذَ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً لِرَجُلَيْنِ خَلِيطَيْنِ فِي الْغَنَمِ شَاةً أَنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِهَا بَيْنَهُمَا وَلَا يَخْتَصُّ بِهَا مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَعَ أَنَّهُ يُفْتِي إذَا أَخَذَهَا لِلسَّاعِي الْمَالِكِيُّ أَنَّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِدْلَالِ الْمُعْتَزِلَةِ بِهِ عَلَى زَعْمِهِمْ مِنْ أَنَّ الشَّرَّ مِنْ الْعَبْدِ لِحُصُولِ الْإِجْمَالِ فِي نَفْسِ الدَّلِيلِ بَلْ مَا قَدَّرَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ هُوَ الْأَظْهَرُ وَلَكِنَّ الْمَسْأَلَةَ قَطْعِيَّةٌ لَا يُكْتَفَى فِيهَا بِالظَّوَاهِرِ مَعَ أَنَّ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ الْقَطْعِيَّ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الشَّرَّ بِقُدْرَتِهِ تَعَالَى كَمَا أَنَّ الْخَيْرَ كَذَلِكَ فَبَطَلَ مُقْتَضَى ذَلِكَ الظَّاهِرِ وَتَعَيَّنَ التَّأْوِيلُ قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ. [الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ وُجُوبِ الْإِعْتَاقِ لَا إجْمَالَ فِيهِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الرَّقَبَةُ الْمَأْمُورُ بِهَا سَوْدَاءَ أَوْ بَيْضَاءَ لِلْمُفْطِرِ فِي رَمَضَان] (التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ) «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُفْطِرِ فِي رَمَضَانَ أَعْتِقْ رَقَبَةً» وَإِنْ احْتَمَلَ عَلَى السَّوَاءِ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ لَا فِي دَلِيلِهِ أَنْ تَكُونُ الرَّقَبَةُ سَوْدَاءَ أَوْ بَيْضَاءَ أَوْ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ طَوِيلَةً أَوْ قَصِيرَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. [الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ شَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا شَهِدَ عَدْلَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا وَانْسُكُوا» وَإِنْ احْتَمَلَ عَلَى السَّوَاءِ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ لَا فِي دَلِيلِهِ أَنْ يَكُونَ الْعَدْلَانِ عَرَبِيَّيْنِ أَوْ عَجَمِيَّيْنِ شَيْخَيْنِ أَوْ كَهْلَيْنِ أَبْيَضَيْنِ أَوْ أَسْوَدَيْنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ الدَّلِيلِ يَكُونُ نَصًّا وَالِاحْتِمَالَاتُ مُسْتَوِيَةٌ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ] وقَوْله تَعَالَى {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] وَإِنْ احْتَمَلَ عَلَى السَّوَاءِ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ لَا فِي دَلِيلِهِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَرْجِعُ إلَيْهِ غَرْبًا أَوْ شَرْقًا أَوْ شَمَالًا أَوْ جَنُوبًا أَوْ مَدِينَةً أَوْ بَرِّيَّةً أَوْ قَرْيَةً لَيْسَتْ مِنْ مَسَائِلِ مَا يَجْرِي مَجْرَى الْعُمُومِ لِتَرْكِ الِاسْتِفْصَالِ كَمَا قِيلَ بَلْ هِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْإِطْلَاقِ الْمُقْتَضِي تَخْيِيرَ الْمُكَلَّفِ فِي مُخْتَلِفَاتِ الْأَشْخَاصِ وَالصِّفَاتِ وَالْأَحْوَالِ فَافْهَمْ قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ حِكَايَةُ الْحَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبَ الْإِجْمَالِ وَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال إنَّمَا هُوَ فِي الِاحْتِمَالَاتِ الثَّابِتَةِ فِي نَفْسِ دَلِيلِ الْحُكْمِ لَا فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ عَكْسُ قَوْلِهِ إنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ فِي حِكَايَةِ الْحَالِ تَقُومُ مَقَامَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ فَإِنَّهُ فِي الِاحْتِمَالَاتِ الثَّابِتَةِ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ لَا فِي دَلِيلِهِ فَكِلَا قَوْلَيْهِ لَمْ يَتَنَاقَضَا وَلَمْ يَخْتَلِفَا بَلْ كُلُّ قَوْلٍ لَهُ مَوْضِعٌ يَخُصُّهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فِي غَيْرِ الْأَيْمَانِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ لَيْسَ بِإِثْبَاتٍ فِي الْأَيْمَانِ] [الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا إلَّا كَتَّانًا فِي هَذَا الْيَوْمِ وَقَعَدَ عُرْيَانًا] (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فِي غَيْرِ الْأَيْمَانِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ لَيْسَ بِإِثْبَاتٍ فِي الْأَيْمَانِ) مَذْهَبُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ جَرْيًا عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ كَمَا أَنَّهُ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ مَذْهَبُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ جَرْيًا عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ كَمَا أَنَّهُ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ فِي الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ قَاعِدَةَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ إنَّمَا هِيَ فِي غَيْرِ الْأَيْمَانِ كَالْأَقَارِيرِ. وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْأَيْمَانِ فَقَاعِدَتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِثْبَاتٍ لَا إثْبَاتٍ أَيْضًا كَمَا فِي الْأُصُولِ لِوُجُوهٍ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّ إلَّا كَمَا تُسْتَعْمَلُ لِلْإِخْرَاجِ

[المسألة الثانية جلس رجلان ببيت المقدس يلعبان بالشطرنج فتعارضا في الكلام]

تَكُونُ مَظْلِمَةً مِمَّنْ أُخِذَتْ مِنْهُ وَعَلَّلَ مَالِكٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُ حُكْمُ حَاكِمٍ فَأَبْطَلَ مَا كَانَ يُفْتِي بِهِ عِنْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِخِلَافِ مَا يَعْتَقِدُهُ مَالِكٌ وَوَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فِي عِدَّةِ مَسَائِلَ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ إذَا حَكَمَ الْإِمَامُ فِيهَا أَنَّهَا لَا تُصَلَّى إلَّا بِإِذْنٍ مِنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَوَقَعَ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا رُفِعَ لِمَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ لَا يَنْفُذُ وَلَا يَنْقُضُهُ وَيَتْرُكُهُ عَلَى حَالِهِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى التَّنْفِيذِ لِوَجْهَيْنِ وَهُمَا الْفَرْقُ الْمَقْصُودُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ لَمَا اسْتَقَرَّتْ لِلْحُكَّامِ قَاعِدَةٌ وَلَبَقِيَتْ الْخُصُومَاتُ عَلَى حَالِهَا بَعْدَ الْحُكْمِ وَذَلِكَ يُوجِبُ دَوَامَ التَّشَاجُرِ وَالتَّنَازُعِ وَانْتِشَارِ الْفَسَادِ وَدَوَامِ الْعِنَادِ وَهُوَ مُنَافٍ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا نُصِبَ الْحُكَّامُ وَثَانِيهِمَا وَهُوَ أَجَلُّهُمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُنْشِئَ الْحُكْمَ فِي مَوَاضِعِ الِاجْتِهَادِ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الدَّلِيلُ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ إمَامِهِ الَّذِي قَلَّدَهُ فَهُوَ مُنْشِئٌ لِحُكْمِ الْإِلْزَامِ فِيمَا يَلْزَمُ وَالْإِبَاحَةُ فِيمَا يُبَاحُ كَالْقَضَاءِ بِأَنَّ الْمَوَاتَ الَّذِي ذَهَبَ إحْيَاؤُهُ صَارَ مُبَاحًا مُطْلَقًا كَمَا كَانَ قَبْلَ الْإِحْيَاءِ وَالْإِنْشَاءِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُفْتِي بِأَنَّ الْمُفْتِيَ مُخْبِرٌ كَالْمُتَرْجِمِ مَعَ الْحَاكِمِ وَالْحَاكِمُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى كَنَائِبِ الْحَاكِمِ مَعَهُ يَحْكُمُ بِغَيْرِ مَا تَقَدَّمَ الْحُكْمُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ مُسْتَنِيبِهِ بَلْ يُنْشِئُ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ رَأْيُهُ وَالْمُتَرْجِمُ لَا يَتَعَدَّى صُورَةَ مَا وَقَعَ فَيَنْقُلُهُ. وَقَدْ بَسَطْت هَذَا الْمَعْنَى بِشُرُوطِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي كِتَابِ الْإِحْكَامِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ وَتَصَرُّفِ الْقَاضِي ـــــــــــــــــــــــــــــSتَكُونُ مَظْلِمَةً مِمَّنْ أُخِذَتْ مِنْهُ وَعَلَّلَ مَالِكٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُ حُكْمُ حَاكِمٍ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ مُنَافٍ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا نُصِبَ الْحُكَّامُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى التَّنْفِيذِ إنْ أَرَادَ بِهِ إبْقَاءَ الْحُكْمِ عَلَى حَالِهِ وَإِقْرَارِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لَهُ بِرَدٍّ وَلَا نَقْضٍ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْحَاكِمَ الثَّانِيَ الَّذِي يُخَالِفُ رَأْيُهُ ذَلِكَ الْحُكْمَ يُنْشِئُ تَنْفِيذُهُ الْآنَ عَلَى خِلَافِ رَأْيِهِ مُوَافَقَةً لِرَأْيِ مَنْ قَدْ حَكَمَ بِهِ قَبْلَهُ وَنَفَّذَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدِي بِصَحِيحٍ وَكَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ وَفِيهِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَالْحُكْمُ بِمَا يُخَالِفُ رَأْيَ الْحَاكِمِ أَمَّا إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِتَنْفِيذِهِ إقْرَارَهُ وَعَدَمَ نَقْضِهِ وَالزَّجْرَ عَنْ الْخُصُومَةِ فِيهِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ قَدْ نَفَّذَهُ حَاكِمٌ فَذَلِكَ صَحِيحٌ أَوْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ إنَّهُ إذَا رُفِعَ لِمَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ لَا يُنَفِّذُهُ وَلَا يَنْقُضُهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ بِذَلِكَ أَنْ لَا يُقِرَّهُ عَلَى حُكْمِ ذَلِكَ الْحَاكِمِ وَيُزْجَرَ عَنْ الْخُصُومَةِ فِيهِ وَلَا يَنْقُضَهُ أَيْضًا ابْتِدَاءً بَلْ يُمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَثَانِيهِمَا وَهُوَ أَجَلُّهُمَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُنْشِئَ الْحُكْمَ فِي مَوَاضِعِ الِاجْتِهَادِ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الدَّلِيلُ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ إمَامِهِ الَّذِي قَلَّدَهُ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَلِكَ تُسْتَعْمَلُ صِفَةً وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الِاسْتِثْنَاءَ وَإِلَّا لَوَجَبَ النَّصْبُ اسْتِثْنَاءً مِنْ مُوجَبٍ بَلْ مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ غَيْرُ اللَّهِ لَفَسَدَتَا وَالْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَأَهْلُ الْعُرْفِ قَدْ جَعَلُوا إلَّا فِي الْأَيْمَانِ بِمَعْنَى غَيْرِ صِفَةً لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَا لِلْإِخْرَاجِ الْوَجْهُ الثَّانِي سَلَّمْنَا أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَمْ يَنْقُلُوهَا عَنْ الْإِخْرَاجِ لِمَعْنَى غَيْرٍ وَسِوَى وَهُوَ الْوَصْفِيَّةُ لَكِنَّ الْقَسَمَ إنَّمَا يَحْتَاجُ فِي جَوَابِهِ إلَى جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ لَا إلَى جُمْلَتَيْنِ وَلِذَا قَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ جَوَابَ الْقَسَمِ فِي نَحْوِ قَوْلِ الْقَائِلِ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا إلَّا الْكَتَّانَ عَلَى أَنَّ جَوَابَهُ حَصَلَ بِقَوْلِهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا وَإِنَّهُ لَوْ سَكَتَ هُنَالِكَ كَانَ كَلَامًا عَرَبِيًّا وَالْأَصْلُ عَدَمُ تَعَلُّقِهِ بِالْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي بَعْدَ إلَّا وَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا الْقَسَمُ كَانَ لُبْسُ الْكَتَّانِ غَيْرَ مَحْلُوفٍ عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَثُ إذَا جَلَسَ عُرْيَانًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ سَلَّمْنَا أَنَّ الْقَسَمَ تَنَاوَلَ الْجُمْلَتَيْنِ لَكِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَنَا مِنْ الْحَلِفِ الَّذِي هُوَ ثُبُوتِيٌّ فَكَأَنَّهُ قَالَ احْلِفْ عَلَى عَدَمِ لُبْسِ كُلِّ ثَوْبٍ إلَّا الْكَتَّانَ وَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ جَمِيعَ الثِّيَابِ أَحْلِفُ عَلَيْهَا إلَّا الْكَتَّانَ فَلَا أَحْلِفُ عَلَيْهِ ضَرُورَةَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَإِذَا كَانَ الْكَتَّانُ غَيْرَ مُقْسَمٍ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ بِتَرْكِهِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (وَصْلٌ) فِي زِيَادَةِ تَوْضِيحِ الْخِلَافِ بَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَعَدَمِهِ بِثَلَاثِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا إلَّا كَتَّانًا فِي هَذَا الْيَوْمِ وَقَعَدَ عُرْيَانًا فَإِنْ جُعِلَتْ إلَّا لِاسْتِثْنَاءِ الْكَتَّانِ مِنْ النَّفْيِ السَّابِقِ وَيَكُونُ قَدْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ غَيْرَ الْكَتَّانِ وَلْيَلْبَسْ الْكَتَّانَ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى قَاعِدَةِ اللُّغَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ حَنِثَ بِقُعُودِهِ عُرْيَانًا لِأَنَّهُ لَمْ يَلْبَسْ الْكَتَّانَ وَمَشَى عَلَى هَذَا بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَإِنْ جُعِلَتْ إلَّا لِاسْتِثْنَاءِ الْكَتَّانِ مِنْ الْحَلِفِ الَّذِي هُوَ ثُبُوتِيٌّ لَا مِنْ النَّفْيِ السَّابِقِ وَيَكُونُ قَدْ حَلَفَ عَلَى عَدَمِ لُبْسِ كُلِّ ثَوْبٍ إلَّا الْكَتَّانَ أَوْ جُعِلَتْ أَيْ إلَّا لِاسْتِثْنَاءِ الْكَتَّانِ مِنْ النَّفْيِ السَّابِقِ إلَّا أَنَّ الْحَلِفَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالِاسْتِثْنَاءِ بَلْ بِمَا قَبْلَهُ وَيَكُونُ قَدْ حَلَفَ عَلَى عَدَمِ لُبْسِ كُلِّ ثَوْبٍ فَقَطْ أَوْ جُعِلَتْ أَيْ إلَّا بِمَعْنَى غَيْرِ عُرِفَ صِفَةً لِلثَّوْبِ لَا لِلِاسْتِثْنَاءِ أَصْلًا وَيَكُونُ قَدْ حَلَفَ عَلَى عَدَمِ لُبْسِ ثَوْبٍ غَيْرِ كَتَّانٍ لَمْ يَحْنَثْ بِقُعُودِهِ عُرْيَانًا فِي الْجَمِيعِ كَمَا مَرَّ تَوْضِيحُهُ وَمَشَى عَلَى هَذَا الْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ [الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ جَلَسَ رَجُلَانِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ يَلْعَبَانِ بِالشِّطْرَنْجِ فَتَعَارَضَا فِي الْكَلَامِ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) حَكَى صَاحِبُ الْقَبَسِ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ جَلَسَ رَجُلَانِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ يَلْعَبَانِ بِالشِّطْرَنْجِ فَتَعَارَضَا فِي الْكَلَامِ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا لَا لَعِبَ مَعَ صَاحِبِهِ غَيْرَ هَذَا الدُّسَتِ فَجَاءَ رَجُلٌ وَنَقَضَ الرُّقْعَةَ وَخَلَطَهَا

[المسألة الثالثة قال والله لأعطينك في كل يوم درهما من دينك إلا في يوم الجمعة فأعطاه يوم الجمعة مع سائر الأيام]

وَالْإِمَامِ وَهُوَ كِتَابٌ جَلِيلٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَإِذَا كَانَ مَعْنَى حُكْمِ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ إنْشَاءَ الْحُكْمِ فَهُوَ مُخْبِرٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ الْحُكْمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ لَهُ أَنَّ مَا حَكَمَ بِهِ فَهُوَ حُكْمُهُ وَهُوَ كَالنَّصِّ الْوَارِدِ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي خُصُوصِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ فَيَصِيرُ الْحَالُ إلَى تَعَارُضِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ فَيُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَتَقْرِيبُهُ بِالْمِثَالِ أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى دَلَّ الدَّلِيلُ عِنْدَهُ عَلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمِلْكِ يَلْزَمُ وَهَذَا الدَّلِيلُ يَشْمَلُ صُوَرًا لَا نِهَايَةَ لَهَا فَإِذَا رُفِعَتْ صُورَةٌ مِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ إلَى حَاكِمٍ شَافِعِيٍّ وَحَكَمَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ وَاسْتِمْرَارِ الْعِصْمَةِ وَإِبْطَالِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ كَانَ حُكْمُ الشَّافِعِيِّ نَصًّا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَرَدَ فِي خُصُوصِ تِلْكَ الصُّورَةِ. وَلَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ التَّعْلِيقُ قَبْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَهُوَ كِتَابٌ جَلِيلٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْحَاكِمَ مُنْشِئٌ لِلْحُكْمِ وَأَنَّ الْمُفْتِيَ مُخْبِرٌ بِالْحُكْمِ كَالْمُتَرْجِمِ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْحَاكِمَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى كَنَائِبِ الْحَاكِمِ مَعَهُ يَحْكُمُ بِغَيْرِ مَا تَقَدَّمَ الْحُكْمُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ مُسْتَنِيبِهِ بَلْ يُنْشِئُ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ رَأْيُهُ كَلَامٌ يُوهِمُ بِحَسَبِ التَّشْبِيهِ أَنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِغَيْرِ مَا هُوَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَلَا هُوَ مُرَادُهُ بَلْ لَفْظُهُ لَمْ يُسَاعِدْهُ عَلَى الْمُرَادِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُخْتَارِ وَمُرَادُهُ عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّ الْمُفْتِيَ نَاقِلٌ وَمُخْبِرٌ وَمُعَرِّفٌ بِالْحُكْمِ وَالْحَاكِمُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُلْزِمٌ لِلْحُكْمِ وَمُنَفِّذٌ لَهُ وَذَلِكَ بَيِّنٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ مَعْنَى حُكْمِ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ إنْشَاءَ الْحُكْمِ فَهُوَ مُخْبِرٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ الْحُكْمِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا مِنْ أَنَّ الْحَاكِمَ مُخْبِرٌ عَنْ اللَّهِ بِذَلِكَ الْحُكْمِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْحَاكِمَ لَيْسَ بِمُخْبِرٍ بِالْحُكْمِ بَلْ هُوَ مُلْزِمٌ لِلْحُكْمِ وَقَوْلُهُ هَذَا نَقِيضٌ لِقَوْلِهِ آنِفًا إنَّ الْحَاكِمَ مُنْشِئٌ لِحُكْمِ الْإِلْزَامِ فِيمَا يَلْزَمُ وَأَنَّ الْمُفْتِيَ مُخْبِرٌ فَسُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ. قَالَ (وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ لَهُ أَنَّ مَا حَكَمَ بِهِ فَهُوَ حُكْمُهُ) قُلْتُ أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِتَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ فَقَوْلُهُ ذَلِكَ صَحِيحٌ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُصَوِّبُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ بَلْ رُبَّمَا صَادَفَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَرُبَّمَا لَمْ يُصَادِفْ حُكْمُهُ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَهُ لَكِنَّهُ مَعْذُورٌ وَمَأْجُورٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَهُوَ كَالنَّصِّ الْوَارِدِ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي خُصُوصِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ فَيَصِيرُ الْحَالُ إلَى تَعَارُضِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ فَيُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ الْمُتَعَارِضَيْنِ عَلَى التَّحْقِيقِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُشْبِهُ الْعَامَّ وَالْخَاصَّ الْمُتَعَارِضَيْنِ بِوَجْهٍ مَا فَذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ (وَتَقْرِيبُهُ بِالْمِثَالِ أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى دَلَّ الدَّلِيلُ عِنْدَهُ عَلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمِلْكِ يَلْزَمُ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَجَهِلَ تَرْتِيبَهَا كَيْفَ كَانَ وَامْتَنَعَ تَكْمِيلُ ذَلِكَ الدُّسَتِ فَسَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ تَحْنِيثِهِ بِذَلِكَ فَاخْتَلَفُوا فِي تَحْنِيثِهِ وَعَدَمِ تَحْنِيثِهِ أَيْ بِنَاءً عَلَى جَعْلِ غَيْرٍ لِاسْتِثْنَاءِ هَذَا الدُّسَتِ مِنْ النَّفْيِ السَّابِقِ وَالْحَلِفُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَبِالْمُسْتَثْنَى مَعًا أَوْ بِالنَّفْيِ السَّابِقِ فَقَطْ أَوْ مِنْ الْحَلِفِ الَّذِي هُوَ ثُبُوتٌ أَوْ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ قَالَ ثُمَّ اجْتَمَعْت بِشَيْخِنَا أَبِي بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيِّ فَأَخْبَرْتُهُ بِالْمَسْأَلَةِ فَاخْتَارَ عَدَمَ الْحِنْثِ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَالَ وَاَللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ دِرْهَمًا مِنْ دَيْنِك إلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَأَعْطَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَعَ سَائِرِ الْأَيَّامِ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ دِرْهَمًا مِنْ دَيْنِك إلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَأَعْطَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَعَ سَائِرِ الْأَيَّامِ جَرَى الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ أَيْضًا فِي تَحْنِيثِهِ وَعَمْدِ تَحْنِيثِهِ وَإِنْ كَانَ اسْتِثْنَاءً مِنْ إثْبَاتٍ مُطْلَقًا وَذَلِكَ لِأَنَّ إلَّا إنْ جُعِلَتْ لِلْإِخْرَاجِ عَلَى الْأَصْلِ كَانَ الْكَلَامُ مُفْهِمًا الْحَلِفَ عَلَى مَنْعِ نَفْسِهِ مِنْ الْإِعْطَاءِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ مَعَ عَدَمِ الْإِخْلَالِ بِالْإِعْطَاءِ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ فَيَحْنَثُ وَإِنْ جُعِلَتْ بِمَعْنَى سِوَى نَظَرًا لِكَوْنِ أَهْلِ الْعُرْفِ نَقَلُوهَا مِنْ الْإِخْرَاجِ إلَيْهِ فِي الْأَيْمَانِ حَتَّى لَا يَفْهَمُونَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ ذَلِكَ أَنَّهُ مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ الْإِعْطَاءِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَلْ إنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ الْيَمِينِ إنَّمَا هُوَ غَيْرُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْإِعْطَاءِ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَإِنَّ اسْتِثْنَاءَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اسْتِثْنَاءُ تَوْسِعَةٌ لَوْ أَعْطَى فِيهِ لَمْ يَضُرَّ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْفُقَهَاءُ خَالَفُوا مَا فِي الْأُصُولِ مِنْ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَلَمْ يَقُولُوا بِذَلِكَ فِي الْأَيْمَانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ وَالسَّبَبُ مَا عَلِمْته وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُفْرَدُ الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُفِيدُ الْعُمُومَ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الطَّلَاقِ] (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُفْرَدُ الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُفِيدُ الْعُمُومَ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ نَحْوُ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151] وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الطَّلَاقِ لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ) اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي رَجَّحَهُ السَّيِّدُ الصَّفَوِيُّ أَنَّ لَامَ التَّعْرِيفِ قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلْمَعْهُودِ مِنْ أَفْرَادِ الْجِنْسِ خَارِجًا نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا} [المزمل: 15] {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16] وَنَحْوُ {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} [آل عمران: 36] وَنَحْوُ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] أَوْ لِلْجِنْسِ أَمَّا مِنْ حَيْثُ هُوَ أَيْ لِلْمَاهِيَةِ مِنْ حَيْثُ حُضُورُهَا الذِّهْنِيُّ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْأَفْرَادِ فَتُسَمَّى لَامَ الْحَقِيقَةِ نَحْوُ الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ وَالْحَيَوَانُ جِنْسٌ وَالنَّاطِقُ فَصْلٌ. وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ وُجُودُهُ فِي بَعْضٍ مُبْهَمٍ مَعَ قَرِينَةِ ذَلِكَ الْبَعْضِ فَتُسَمَّى لَامَ الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ سَيِّدِنَا يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} [يوسف: 13] لِعَهْدِيَّةِ الْحَقِيقَةِ الَّتِي لِذَلِكَ الْبَعْضِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مُبْهَمًا فَمَدْخُولُهَا وَإِنْ جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمَعَارِفِ بِالنَّظَرِ لِوَضْعِهِ

[الفرق بين قاعدة الاستثناء من النفي إثبات في غير الشروط وبين قاعدة الاستثناء من النفي ليس بإثبات في الشروط خاصة]

الْمِلْكِ لَازِمٌ وَقَالَ التَّعْلِيقُ قَبْلَ الْمِلْكِ فِي حَقِّ هَذِهِ الْمَرْأَةِ غَيْرُ لَازِمٍ وَالْعِصْمَةُ فِيهَا تَسْتَمِرُّ لَقُلْنَا هَذَانِ نَصَّانِ خَاصٌّ وَعَامٌّ فَنُقَدِّمُ الْخَاصَّ عَلَى الْعَامِّ كَمَا لَوْ قَالَ اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ لَا تَقْتُلُوا الرُّهْبَانَ فَإِنَّا نَقْتُلُ الْمُشْرِكِينَ وَنَتْرُكُ الرُّهْبَانَ كَذَلِكَ يَقُولُ مَالِكٌ أُعْمِلُ هَذَا الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَتَبْقَى بَقِيَّةُ الصُّوَرِ عِنْدِي لَا يَصِحُّ فِيهَا التَّعْلِيقُ قَبْلَ النِّكَاحِ جَمْعًا بَيْنَ نَصَّيْ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ وَمَنْ فَهِمَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُفْتِي وَالْحَاكِمِ وَإِنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ نَصٌّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى خَاصٌّ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَمْ يَسَعْهُ إلَّا مَا قَالَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا خَفِيًّا جِدًّا حَتَّى إنِّي لَمْ أَجِدْ أَحَدًا يُحَقِّقُهُ خَالَفَ فِي ذَلِكَ مَنْ خَالَفَ وَلَمْ يُوجِبْ تَنْفِيذَ أَقْضِيَةِ الْحُكَّامِ فِي مَوَاقِعِ الْخِلَافِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْخِلَافِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَبَيْنَ قَاعِدَتِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ وَمَنْ أَرَادَ اسْتِيعَابَهُ فَلْيَقِفْ عَلَى كِتَابِ الْإِحْكَامِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ إلَّا هَذَا الْفَرْقُ لَكِنَّهُ مَبْسُوطٌ فِي أَرْبَعِينَ مَسْأَلَةً مُنَوَّعَةً حَتَّى صَارَ الْمَعْنَى فِي غَايَةِ الضَّبْطِ وَالْجَلَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــSجَمْعًا بَيْنَ نَصَّيْ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ) قُلْتُ هُوَ مِثَالٌ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ مِنْ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ حَقِيقَةً فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُشْبِهُهُ بِوَجْهٍ مَا فَذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ (وَمَنْ فَهِمَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُفْتِي وَالْحَاكِمِ وَإِنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ نَصٌّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى خَاصٌّ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَمْ يَسَعْهُ إلَّا مَا قَالَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا خَفِيًّا جِدًّا حَتَّى أَنِّي لَمْ أَجِدْ أَحَدًا يُحَقِّقُهُ خَالَفَ فِي ذَلِكَ مَنْ خَالَفَ وَلَمْ يُوجِبْ تَنْفِيذَ أَقْضِيَةِ الْحُكَّامِ فِي مَوَاقِعِ الْخِلَافِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي الْفَرْقِ) قُلْتُ قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ خَاصٌّ وَعَامٌّ تَعَارَضَا حَقِيقَةً فَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يُشْبِهُ الْعَامَّ وَالْخَاصَّ مِنْ وَجْهٍ مَا فَهُوَ كَذَلِكَ قُلْتُ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُفْتِي وَالْحَاكِمِ خَفِيٌّ جِدًّا لَيْسَ كَمَا قَالَ وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ نَصٌّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقَضِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ نَقْضِ أَحْكَامِ الْمُجْتَهِدِينَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَفْسَدَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ الثَّامِنِ وَالسَّبْعِينَ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ مَا قَالَ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالسَّبْعِينَ إلَّا مَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِهِ مِمَّا أَحَالَ فِيهِ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ تَحْرِيمِ الْمُشْتَرَكِ وَثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَكَذَلِكَ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْفُرُوقِ إلَى الْفَرْقِ الثَّالِثِ وَالثَّمَانِينَ إلَّا مَا قَالَ فِي الْفَرْقِ الثَّانِي وَالثَّمَانِينَ مِنْ نِسْبَةِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَلَّيْت بِأَصْحَابِك وَأَنْتَ جُنُبٌ لِحَسَّانَ فَإِنَّهُ إنَّمَا كَانَ لِعَمَّارٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْحَقِيقَةِ الْمُعَيَّنَةِ ذِهْنًا فَيَجِيءُ مُبْتَدَأً وَذَا حَالٍ بِلَا مُسَوِّغٍ وَوَصْفًا لِلْمَعْرِفَةِ إلَّا أَنَّهُ فِي الْمَعْنَى كَالنَّكِرَةِ نَظَرًا لِقَرِينَةِ ذَلِكَ الْبَعْضِ الْمُبْهَمِ كَالْأَكْلِ فِي الْآيَةِ. وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ وُجُودُهُ فِي جَمِيعِ الْأَفْرَادِ فَتُسَمَّى لَامَ الِاسْتِغْرَاقِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151] إذْ لَا عَهْدَ مَعَ تَحَقُّقِ قَرِينَةِ إرَادَةِ الْفَرْدِ دُونَ الْبَعْضِيَّةِ الْمُبْهَمَةِ وَدُونَ الْحَقِيقَةِ وَهِيَ فِي الْآيَةِ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُقْتَضِي لِلْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ وَلَا وُجُودَ لِلْحَقِيقَةِ فِي الْخَارِجِ وَقَاعِدَةُ الْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ فِي الْأُصُولِ حِينَئِذٍ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْكُلِّيَّةِ فَيَعُمُّ جَمِيعَ أَفْرَادِ الْجِنْسِ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةُ الْكُلِّيَّةِ كَالِاسْتِثْنَاءِ فَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ الشَّخْصُ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي مَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ الِاسْتِغْرَاقَ أَوْ الْعَهْدَ وَعَلَى قَاعِدَةِ الِاحْتِيَاطِ فِي الْفُرُوجِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُ الثَّلَاثُ كَمَنْ طَلَّقَ وَلَا يَدْرِي أَوَاحِدَةً أَمْ ثَلَاثًا تَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ احْتِيَاطًا وَذَلِكَ أَنَّ مُقْتَضَى اللُّغَةِ وَالِاحْتِيَاطَ أَنْ يَلْزَمَهُ مِنْ الطَّلَاقِ عَدَدٌ غَيْرُ مُتَنَاهٍ إلَّا أَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَقْبَلُ إلَّا ثَلَاثًا فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِائَةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فَقَطْ لِعَدَمِ قَبُولِ الْمَحَلِّ لِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ خَالَفُوا هَذِهِ الْقَاعِدَةَ الْأُصُولِيَّةَ فِي الطَّلَاقِ كَمَا خَالَفُوا قَاعِدَةَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ فِي الْأَيْمَانِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ بِسَبَبِ أَنَّ مَبْنَى الطَّلَاقِ وَالْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعُرْفُ صَرْفُ ذَلِكَ اللَّفْظِ لِمُطْلَقِ الطَّلَاقِ أَيْ وَاحِدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْ أَفْرَادِهِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَلْزَمَ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ بِذَلِكَ اللَّفْظِ فَهُوَ عُرْفٌ فِي مُطْلَقِ الطَّلَاقِ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فِي غَيْرِ الشُّرُوطِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ لَيْسَ بِإِثْبَاتٍ فِي الشُّرُوطِ خَاصَّةً] (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فِي غَيْرِ الشُّرُوطِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ لَيْسَ بِإِثْبَاتٍ فِي الشُّرُوطِ خَاصَّةً دُونَ بَقِيَّةِ أَبْوَابِ الِاسْتِثْنَاءِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الشُّرُوطَ لَمَّا كَانَ وُجُودُهَا غَيْرَ مُؤَثِّرٍ فِي وُجُودِ الْمَشْرُوطِ وَلَا فِي عَدَمِهِ وَإِنَّمَا الْمُؤَثِّرُ عَدَمُهَا فِي عَدَمِهِ لِأَنَّ الشَّرْطَ كَمَا مَرَّ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ كَانَ مِنْ الضَّرُورِيِّ اسْتِثْنَاءُ الشُّرُوطِ مِنْ إطْلَاقِ الْعُلَمَاءِ قَاعِدَةَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَإِلَّا لَاتَّجَهَ مَا يُورِدُهُ الْحَنَفِيَّةُ عَلَيْنَا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا لَلَزِمَ الْقَضَاءُ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الطَّهُورِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً إلَّا بِطَهُورٍ» وَالْقَضَاءُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ عِنْدَ الْوَلِيِّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ ضَرُورَةَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الطَّهُورِ وَالْوَلِيِّ شَرْطٌ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ شَيْءٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَضَاءِ بِعَدَمِ قَبُولِ

[الفرق بين قاعدة إن وقاعدة إذا وإن كان كلاهما للشرط]

(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ) اعْلَمْ أَنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ لَهُ أَحْوَالٌ الْحَالَةُ الْأُولَى أَنْ يَشْتَغِلَ بِمُخْتَصَرٍ مِنْ مُخْتَصَرَاتِ مَذْهَبِهِ فِيهِ مُطْلَقَاتٌ مُقَيَّدَةٌ فِي غَيْرِهِ وَعُمُومَاتٌ مَخْصُوصَةٌ فِي غَيْرِهِ وَمَتَى كَانَ الْكِتَابُ الْمُعَيَّنُ حَفِظَهُ وَفَهِمَهُ كَذَلِكَ أَوْ جَوَّزَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا فِيهِ وَإِنْ أَجَادَهُ حِفْظًا وَفَهْمًا إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ يُقْطَعُ فِيهَا أَنَّهَا مُسْتَوْعَبَةُ التَّقْيِيدِ وَأَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى مَعْنًى آخَرَ مِنْ كِتَابٍ آخَرَ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْقُلَهَا لِمَنْ يَحْتَاجُهَا عَلَى وَجْهِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَتَكُونُ هِيَ عَيْنَ الْوَاقِعَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا لَا أَنَّهَا تُشْبِهُهَا وَلَا تُخَرَّجُ عَلَيْهَا بَلْ هِيَ هِيَ حَرْفًا بِحَرْفٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ هُنَالِكَ فُرُوقٌ تَمْنَعُ مِنْ الْإِلْحَاقِ أَوْ تَخْصِيصٌ أَوْ تَقْيِيدٌ يَمْنَعُ مِنْ الْفُتْيَا بِالْمَحْفُوظِ فَيَجِبُ الْوَقْفُ. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَتَّسِعَ تَحْصِيلُهُ فِي الْمَذْهَبِ بِحَيْثُ يَطَّلِعُ مِنْ تَفَاصِيلِ الشُّرُوحَاتِ وَالْمُطَوَّلَاتِ عَلَى تَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ وَلَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَمْ يَضْبِطْ مَدَارِكَ إمَامِهِ وَمُسْنَدَاتِهِ فِي فُرُوعِهِ ضَبْطًا مُتْقَنًا بَلْ سَمِعَهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ مِنْ أَفْوَاهِ الطَّلَبَةِ وَالْمَشَايِخِ فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِجَمِيعِ مَا يَنْقُلُهُ وَيَحْفَظُهُ فِي مَذْهَبِهِ اتِّبَاعًا لِمَشْهُورِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ بِشُرُوطِ الْفُتْيَا وَلَكِنَّهُ إذَا وَقَعَتْ لَهُ وَاقِعَةٌ لَيْسَتْ فِي حِفْظِهِ لَا يُخَرِّجُهَا عَلَى مَحْفُوظَاتِهِ وَلَا يَقُولُ هَذِهِ تُشْبِهُ الْمَسْأَلَةَ الْفُلَانِيَّةَ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ أَحَاطَ بِمَدَارِكِ إمَامِهِ وَأَدِلَّتِهِ وَأَقْيِسَتِهِ وَعِلَلِهِ الَّتِي اعْتَمَدَ عَلَيْهَا مُفَصَّلَةً وَمَعْرِفَةِ رُتَبِ تِلْكَ الْعِلَلِ وَنِسْبَتِهَا إلَى الْمَصَالِحِ الشَّرْعِيَّةِ وَهَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْمَصَالِحِ الضَّرُورِيَّةِ أَوْ الْحَاجِيَّةِ أَوْ التَّتْمِيمِيَّةِ وَهَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْمُنَاسِبِ الَّذِي اُعْتُبِرَ نَوْعُهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ وَهَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ الَّتِي هِيَ أَدْنَى رُتَبِ الْمَصَالِحِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ مَا شَهِدَتْ لَهَا أُصُولُ الشَّرْعِ بِالِاعْتِبَارِ أَوْ هِيَ مِنْ بَابِ قِيَاسِ الشَّبَهِ أَوْ الْمُنَاسِبِ أَوْ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ أَوْ قِيَاسِ الْإِحَالَةِ أَوْ الْمُنَاسِبِ الْقَرِيبِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَفَاصِيلِ الْأَقْيِسَةِ وَرُتَبِ الْعِلَلِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِينَ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ النَّاظِرَ فِي مَذْهَبِهِ وَالْمُخَرِّجَ عَلَى أُصُولِ إمَامِهِ نِسْبَتُهُ إلَى مَذْهَبِهِ وَإِمَامِهِ كَنِسْبَةِ إمَامِهِ إلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ فِي اتِّبَاعِ نُصُوصِهِ وَالتَّخْرِيجِ عَلَى مَقَاصِدِهِ فَكَمَا أَنَّ إمَامَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقِيسَ مَعَ قِيَامِ الْفَارِقِ لِأَنَّ الْفَارِقَ مُبْطِلٌ لِلْقِيَاسِ وَالْقِيَاسُ الْبَاطِلُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هُوَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخَرِّجَ عَلَى مَقَاصِدِ إمَامِهِ فَرْعًا عَلَى فَرْعٍ نَصَّ عَلَيْهِ إمَامُهُ مَعَ قِيَامِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا لَكِنَّ الْفُرُوقَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّلَاةِ قَبْلَ إلَّا وَلَا مِنْ الْقَضَاءِ بِنَفْيِ النِّكَاحِ قَبْلَ إلَّا لِأَجْلِ عَدَمِ الشَّرْطِ فِيهِمَا الْقَضَاءُ بِالْقَبُولِ لِلصَّلَاةِ بَعْدَ إلَّا لِوُجُودِ الطَّهَارَةِ وَالْقَضَاءُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ بَعْدَ إلَّا لِوُجُودِ الْوَلِيِّ وَلَمَّا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ لَيْسَ بِإِثْبَاتٍ وَإِلَّا لَزِمَ تَخَلُّفُ الْمَدْلُولِ عَنْ الدَّلِيلِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَزِمَ أَنْ نَقُولَ فِي دَفْعِهِ أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ الْوَارِدَ فِي الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ بَابِ الشُّرُوطِ وَنَحْنُ إنَّمَا نَدَّعِي أَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الشُّرُوطِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا الشُّرُوطُ هَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ وَخَرَجَ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءَاتُ الْوَاقِعَةُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ وَالْحَالِفِينَ وَغَيْرِهِمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ إنْ وَقَاعِدَةِ إذَا وَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا لِلشَّرْطِ] (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ إنْ وَقَاعِدَةِ إذَا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلشَّرْطِ أَيْ لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ بَيْنَ جُمْلَتَيْنِ وَفِي الدَّلَالَةِ عَلَى مُطْلَقِ الزَّمَانِ أَيْ زَمَنٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا عُمُومِ الْأَزْمَانِ) لَكِنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ وَجْهَيْنِ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّ إنْ تَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ الْتِزَامًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مِنْ الْحُرُوفِ الَّتِي تُلَازِمُ الدُّخُولَ عَلَى الْفِعْلِ وَالْفِعْلُ يَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ وَعَلَى الشَّرْطِ بِالْمُطَابَقَةِ بِعَكْسِ إذَا فَفِي قَوْلِك إنْ جَاءَ زَيْدٌ فَأَكْرِمْهُ تَدُلُّ عَلَى إنْ بِالْمُطَابَقَةِ عَلَى أَنَّ الْإِكْرَامَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجِيءِ وَبِالِالْتِزَامِ مِنْ الْجِهَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنَّ الْمَجِيءَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي زَمَانٍ فَافْهَمْ وَفِي نَحْوِ قَوْلِك إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَأَكْرِمْهُ تَدُلُّ إذَا بِالْمُطَابَقَةِ عَلَى الزَّمَانِ وَبِالِالْتِزَامِ عَلَى الشَّرْطِ أَيْ تَوَقُّفُ الْإِكْرَامِ عَلَى الْمَجِيءِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} [النصر: 1] إلَى قَوْلِهِ فَسَبِّحْ وَقَدْ تَكُونُ ظَرْفًا مَحْضًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل: 2] أَيْ أُقْسِمُ بِاللَّيْلِ فِي حَالَةِ غَشَيَانِهِ وَبِالنَّهَارِ فِي حَالَةِ تَجَلِّيهِ لِأَنَّهُمَا أَكْمَلُ أَحْوَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْقَسَمُ تَعْظِيمٌ وَالتَّعْظِيمُ يُنَاسِبُ أَعْظَمَ الْأَحْوَالِ فَلَا تَدُلُّ إذَا الظَّرْفِيَّةُ عَلَى الشَّرْطِ الْتِزَامًا إلَّا فِي بَعْضِ صُوَرِهَا وَهُوَ مَا إذَا دَخَلَتْ عَلَى شَرْطٍ وَمَشْرُوطٍ بِخِلَافِ إنْ فَلَا تُفَارِقُ الدَّلَالَةَ عَلَى الشَّرْطِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ إنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَانِ بِالْجِهَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ فَإِذَا قَالَ إنْ مِتُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ قَطْعًا إذْ لَا طَلَاقَ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَأَمَّا إذَا فَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ أَنَّهَا إنْ لَمْ تَدْخُلْ عَلَى شَرْطٍ وَمَشْرُوطٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زَمَانُهَا أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ إذْ لَا إشْكَالَ فِي أَنَّ الظَّرْفَ يَجُوزُ فِيهِ ذَلِكَ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُجَاءُ بِلَفْظِ الْيَوْمِ مَثَلًا فَيُقَالُ أَكَلْت يَوْمَ الْخَمِيسِ وَإِنْ كَانَ الْأَكْلُ لَمْ يَقَعْ فِي جَمِيعِهِ كَمَا يُقَالُ وُلِدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفِيلِ وَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَنَةَ سِتِّينَ مِنْ عَامِ الْفِيلِ وَهُوَ لَمْ يُولَدْ إلَّا فِي جُزْءٍ مِنْ عَامِ الْفِيلِ وَلَمْ يَقَعْ مَوْتُهُ إلَّا فِي جُزْءٍ مِنْ السَّنَةِ

إنَّمَا تَنْشَأُ عَنْ رُتَبِ الْعِلَلِ وَتَفَاصِيلِ أَحْوَالِ الْأَقْيِسَةِ فَإِذَا كَانَ إمَامُهُ أَفْتَى فِي فَرْعٍ بُنِيَ عَلَى عِلَّةٍ اُعْتُبِرَ فَرْعُهَا فِي نَوْعِ الْحُكْمِ لَا يَجُوزُ لَهُ هُوَ أَنْ يُخَرِّجَ عَلَى أَصْلِ إمَامِهِ فَرْعًا مِثْلَ ذَلِكَ الْفَرْعِ لَكِنَّ عِلَّتَهُ مِنْ قَبِيلِ مَا شَهِدَ جِنْسُهُ لِجِنْسِ الْحُكْمِ فَإِنَّ النَّوْعَ عَلَى النَّوْعِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجِنْسِ فِي النَّوْعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ الْأَقْوَى اعْتِبَارُ الْأَضْعَفِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ إمَامُهُ قَدْ اعْتَبَرَ مَصْلَحَةً سَالِمَةً عَنْ الْمُعَارِضِ لِقَاعِدَةٍ أُخْرَى فَوَقَعَ لَهُ هُوَ فَرْعٌ فِيهِ عَيْنُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ لَكِنَّهَا مُعَارَضَةٌ بِقَاعِدَةٍ أُخْرَى أَوْ بِقَوَاعِدَ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّخْرِيجُ حِينَئِذٍ لِقِيَامِ الْفَارِقِ أَوْ تَكُونُ مَصْلَحَةُ إمَامِهِ الَّتِي اعْتَمَدَ عَلَيْهَا مِنْ بَابِ الضَّرُورِيَّاتِ فَيُفْتِي هُوَ بِمِثْلِهَا وَلَكِنَّهَا مِنْ بَابِ الْحَاجَاتِ أَوْ التَّتِمَّاتِ وَهَاتَانِ ضَعِيفَتَانِ مَرْجُوحَتَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُولَى وَلَعَلَّ إمَامَهُ رَاعَى خُصُوصَ تِلْكَ الْقَوِيَّةِ وَالْخُصُوصُ فَائِتٌ هُنَا وَمَتَى حَصَلَ التَّرَدُّدُ فِي ذَلِكَ وَالشَّكُّ. وَجَبَ التَّوَقُّفُ كَمَا أَنَّ إمَامَهُ لَوْ وَجَدَ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَدْ نَصَّ عَلَى حُكْمٍ وَمَصْلَحَةٍ مِنْ بَابِ الضَّرُورِيَّاتِ حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَقِيسَ عَلَيْهِ مَا هُوَ مِنْ بَابِ الْحَاجَاتِ أَوْ التَّتِمَّاتِ لِأَجْلِ قِيَامِ الْفَارِقِ فَكَذَلِكَ هَذَا الْمُقَلِّدُ لَهُ لِأَنَّ نِسْبَتَهُ إلَيْهِ فِي التَّخْرِيجِ كَنِسْبَةِ إمَامِهِ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ وَالضَّابِطُ لَهُ وَلِإِمَامِهِ فِي الْقِيَاسِ وَالتَّخْرِيجِ أَنَّهُمَا مَتَى جَوَّزَا فَارِقًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا حَرُمَ الْقِيَاسُ وَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ إلَّا بَعْدَ الْفَحْصِ الْمُنْتَهِي إلَى غَايَةٍ أَنَّهُ لَا فَارِقَ هُنَاكَ وَلَا مُعَارِضَ وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُ مِنْ الْقِيَاسِ وَهَذَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ وَالْمُقَلِّدِينَ لِلْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ فَمَهْمَا جَوَّزَ الْمُقَلِّدُ فِي مَعْنًى ظَفِرَ بِهِ فِي فَحْصِهِ وَاجْتِهَادِهِ أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ قَصَدَهُ أَوْ يُرَاعِيهِ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّخْرِيجُ فَلَا يَجُوزُ التَّخْرِيجُ حِينَئِذٍ إلَّا لِمَنْ هُوَ عَالِمٌ بِتَفَاصِيلِ أَحْوَالِ الْأَقْيِسَةِ وَالْعِلَلِ وَرُتَبِ الْمَصَالِحِ وَشُرُوطِ الْقَوَاعِدِ وَمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا وَمَا لَا يَصْلُحُ وَهَذَا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ يَعْرِفُ أُصُولَ الْفِقْهِ مَعْرِفَةً حَسَنَةً فَإِذَا كَانَ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَحَصَلَ لَهُ هَذَا الْمَقَامُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ مَقَامٌ آخَرُ وَهُوَ النَّظَرُ وَبَذْلُ الْجَهْدِ فِي تَصَفُّحِ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ وَتِلْكَ الْمَصَالِحِ وَأَنْوَاعِ الْأَقْيِسَةِ وَتَفَاصِيلِهَا فَإِذَا بَذَلَ جَهْدَهُ فِيمَا يَعْرِفُهُ وَوَجَدَ مَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَبِرَهُ إمَامُهُ فَارِقًا أَوْ مَانِعًا أَوْ شَرْطًا وَهُوَ لَيْسَ فِي الْحَادِثَةِ الَّتِي يَرُومُ تَخْرِيجَهَا حَرُمَ عَلَيْهِ التَّخْرِيجُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا بَعْدَ بَذْلِ الْجَهْدِ وَتَمَامِ الْمَعْرِفَةِ جَازَ لَهُ التَّخْرِيجُ حِينَئِذٍ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي إمَامِهِ مَعَ صَاحِبِ الشَّرْعِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ إمَامُهُ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ الِاجْتِهَادِ الَّتِي بَعْضُهَا مَا تَقَدَّمَ اشْتِرَاطُهُ فِي حَقِّ الْمُقَلِّدِ الْمُخْرَجِ ثُمَّ بَعْدَ اتِّصَافِهِ بِصِفَاتِ الِاجْتِهَادِ يَنْتَقِلُ إلَى مَقَامِ بَذْلِ الْجَهْدِ فِيمَا عَلِمَهُ مِنْ الْقَوَاعِدِ وَتَفَاصِيلِ الْمَدَارِكِ فَإِذَا بَذَلَ جَهْدَهُ وَوَجَدَ حِينَئِذٍ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فَارِقًا أَوْ مَانِعًا أَوْ شَرْطًا قَائِمًا فِي الْفَرْعِ الَّذِي يَرُومُ قِيَاسَهُ عَلَى كَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ حَرُمَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَذْكُورَةِ وَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى شَرْطٍ وَمَشْرُوطٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وُقُوعُ ذَلِكَ الْمَشْرُوطِ بَعْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ مُمْكِنًا أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمْكِنٍ كَقَوْلِهِ إذَا مِتَّ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ إذْ لَيْسَ مَعْنَاهُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ الْمَوْتِ بِعَيْنِهِ حَتَّى يُقَالَ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ لِأَنَّ ظَرْفَ الْمَوْتِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ فَيَدْخُلُ فِيهِ زَمَنٌ مِنْ أَزْمِنَةِ الْحَيَاةِ يَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ فَيَلْزَمُهُ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مَبْنِيٍّ عَلَى مُلَاحَظَةِ هَذَا الْوَجْهِ بَلْ مَعْنَاهُ إيقَاعُ الطَّلَاقِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَلِي زَمَنَ الْمَوْتِ لِمَا سَيَتَّضِحُ وَلَا طَلَاقَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا كَقَوْلِهِ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ إذْ لَيْسَ مَعْنَاهُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ الدُّخُولِ بِعَيْنِهِ بَلْ مَعْنَاهُ إيقَاعُهُ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَلِي زَمَنَ الدُّخُولِ لِضَرُورَةِ مُقْتَضَى الْفَاءِ الَّتِي لِلتَّعْقِيبِ وَإِنْ لَزِمَ عَنْ ذَلِكَ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ إذَا ظَرْفٌ لِلدُّخُولِ لَا ظَرْفٌ لِلطَّلَاقِ بَلْ ظَرْفُ الطَّلَاقِ غَيْرُ مُصَرَّحٍ بِهِ وَالثَّانِي تَعَلُّقُهَا بِدَخَلْت الَّذِي هُوَ فِعْلُ الشَّرْطِ لَا بِطَالِقٍ وَإِنْ كَانَ هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ النَّحْوِيِّينَ الْمُضَافُ إلَيْهِ لَا يَعْمَلُ فِي الْمُضَافِ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ هَذَا قَاعِدَةٌ لَا يُسَلَّمُ فِيهَا الْإِطْلَاقُ اهـ كَلَامُ ابْنِ الشَّاطِّ بِتَصَرُّفٍ وَتَوْضِيحٍ. (قُلْتُ) وَيُقَرُّ بِهِ قَوْلُ النَّحْوِيِّينَ الْعَامِلُ فِي أَسْمَاءِ الشُّرُوطِ فِعْلُ الشَّرْطِ لَا الْجَوَابُ لِأَنَّ رُتْبَةَ الْجَوَابِ مَعَ مُتَعَلِّقَاتِهِ التَّأْخِيرُ عَنْ الشَّرْطِ فَلَا يَعْمَلُ فِي مُتَقَدِّمٍ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَقْتَرِنُ بِالْفَاءِ وَإِذَا الْفُجَائِيَّةِ وَمَا بَعْدَهُمَا لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهُمَا وَهَاتَانِ الْعِلَّتَانِ مُتَحَقِّقَتَانِ أَيْضًا فِي إذَا وَالْعِلَّةُ تَدُورُ مَعَ الْمَعْلُولِ فَلِذَا اُضْطُرُّوا فِي إذَا وَنَحْوِهَا عَلَى تَسْلِيمِ إطْلَاقِ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَى تَكَلُّفَاتٍ مِنْهَا أَنَّ عَامِلَهَا مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْجَوَابُ لَا الْجَوَابُ لِمَا عَلِمْت وَمِنْهَا أَنَّ عَامِلَهَا هُوَ الْجَوَابُ وَتَقْيِيدُ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ أَعْنِي قَاعِدَةَ مَا رُتْبَتُهُ لَا يَعْمَلُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ وَقَاعِدَةُ مَا بَعْدَ الْفَاءِ وَإِذَا الْفُجَائِيَّةِ إلَخْ بِغَيْرِ الظُّرُوفِ لِتَوَسُّعِهِمْ فِي الظُّرُوفِ وَإِنْ لَمْ تَسْتَحِقَّ التَّصْدِيرَ فَمَا ظَنُّك بِمَا يَسْتَحِقُّهُ وَمِنْهَا قَوْلُ الْعَلَّامَةِ الْخُضَرِيِّ عَلَى ابْنِ عَقِيلٍ عَلَى الْأَلْفِيَّةِ وَمَنْ جَعَلَ شَرْطَهَا هُوَ الْعَامِلُ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ قَالَ إنَّهَا غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَيْهِ مِثْلُهَا كَمَا يَقُولُ الْجَمِيعُ فِيهَا إذَا جَزَمَتْ كَمَا فِي الْمُغْنِي وَحِينَئِذٍ فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ (إذْ وَحَيْثُ) أَنَّهَا يَحْصُلُ الرَّبْطُ فِيهَا بَيْنَ جُمْلَتَيْ الْجَوَابِ وَالشَّرْطِ بِكَوْنِهَا شَرْطًا كَمَا فِي أَيْنَ وَمَتَى وَأَمَّا إذْ وَحَيْثُ فَلَوْلَا الْإِضَافَةُ مَا حَصَلَ بِهِمَا رَبْطٌ وَعِنْدَ تَجَرُّدِهَا عَنْ الشَّرْطِ تَكُونُ مُضَافَةً لِلْجُمْلَةِ بَعْدَهَا بِلَا خِلَافٍ فِيمَا يَظْهَرُ لِيَحْصُلَ بِهَا الرَّبْطُ فَتَدَبَّرْ اهـ. وَمِنْهَا قَوْلُ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ عَلَى الْمُغْنِي كُلُّ كَلِمَتَيْنِ فَأَكْثَرَ كَانَتَا

الْقِيَاسُ وَوَجَبَ التَّوَقُّفُ. وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ جَمِيعِ ذَلِكَ وَأَنَّ الْفَرْعَ مُسَاوٍ لِلصُّورَةِ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِلْحَاقُ حِينَئِذٍ وَكَذَلِكَ مُقَلِّدُهُ وَحِينَئِذٍ بِهَذَا التَّقْرِيرِ يَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ لَا يَشْتَغِلُ بِأُصُولِ الْفِقْهِ أَنْ لَا يُخَرِّجَ فَرْعًا أَوْ نَازِلَةً عَلَى أُصُولِ مَذْهَبِهِ وَمَنْقُولَاتِهِ وَإِنْ كَثُرَتْ مَنْقُولَاتُهُ جِدًّا فَلَا تُفِيدُ كَثْرَةُ الْمَنْقُولَاتِ مَعَ الْجَهْلِ بِمَا تَقَدَّمَ كَمَا أَنَّ إمَامَهُ لَوْ كَثُرَتْ مَحْفُوظَاتُهُ لِنُصُوصِ الشَّرِيعَةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْضِيَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِأُصُولِ الْفِقْهِ حَرُمَ عَلَيْهِ الْقِيَاسُ وَالتَّخْرِيجُ عَلَى الْمَنْصُوصَاتِ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ بَلْ حَرُمَ عَلَيْهِ الِاسْتِنْبَاطُ مِنْ نُصُوصِ الشَّارِعِ لِأَنَّ الِاسْتِنْبَاطَ فَرْعُ مَعْرِفَةِ أُصُولِ الْفِقْهِ فَهَذَا الْبَابُ الْمُجْتَهِدُونَ وَالْمُقَلِّدُونَ فِيهِ سَوَاءٌ فِي امْتِنَاعِ التَّخْرِيجِ بَلْ يُفْتِي كُلُّ مُقَلِّدٍ وَصَلَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ الَّتِي هِيَ ضَبْطُ مُطْلَقَاتِ إمَامِهِ بِالتَّقْيِيدِ وَضَبْطُ عُمُومَاتِ مَذْهَبِهِ بِمَنْقُولَاتِ مَذْهَبِهِ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ تَخْرِيجٍ إذَا فَاتَهُ شَرْطُ التَّخْرِيجِ كَمَا أَنَّ إمَامَهُ لَوْ فَاتَهُ شَرْطُ أُصُولِ الْفِقْهِ وَحِفْظِ النُّصُوصِ وَاسْتَوْعَبَهَا يَصِيرُ مُحَدِّثًا نَاقِلًا فَقَطْ لَا إمَامًا مُجْتَهِدًا كَذَلِكَ هَذَا الْمُقَلِّدُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَالنَّاسُ مُهْمِلُونَ لَهُ إهْمَالًا شَدِيدًا وَيَقْتَحِمُونَ عَلَى الْفُتْيَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّخْرِيجِ عَلَى قَوَاعِدِ الْأَئِمَّةِ مِنْ غَيْرِ شُرُوطِ التَّخْرِيجِ وَالْإِحَاطَةِ بِهَا فَصَارَ يُفْتِي مَنْ لَمْ يُحِطْ بِالتَّقْيِيدَاتِ وَلَا بِالتَّخْصِيصَاتِ مِنْ مَنْقُولَاتِ إمَامِهِ وَذَلِكَ لَعِبٌ فِي دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَفُسُوقٌ مِمَّنْ يَتَعَمَّدُهُ أَوَ مَا عَلِمُوا أَنَّ الْمُفْتِيَ مُخْبِرٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ مَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ أَخْبَرَ عَنْهُ مَعَ ضَبْطِ ذَلِكَ الْخَبَرِ فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ الْكَاذِبِ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ تَعَالَى امْرُؤٌ فِي نَفْسِهِ وَلَا يَقْدُمُ عَلَى قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ بِغَيْرِ شَرْطِهِ. (تَنْبِيهٌ) : كُلُّ شَيْءٍ أَفْتَى فِيهِ الْمُجْتَهِدُ فَخَرَجَتْ فُتْيَاهُ فِيهِ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ أَوْ الْقَوَاعِدِ أَوْ النَّصِّ أَوْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ لَا يَجُوزُ لِمُقَلِّدِهِ أَنْ يَنْقُلَهُ لِلنَّاسِ وَلَا يُفْتِي بِهِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ لَنَقَضْنَاهُ وَمَا لَا نُقِرُّهُ شَرْعًا بَعْدَ تَقَرُّرِهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْلَى أَنْ لَا نُقِرَّهُ شَرْعًا إذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ وَهَذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ فَلَا نُقِرُّهُ شَرْعًا وَالْفُتْيَا بِغَيْرِ شَرْعٍ حَرَامٌ فَالْفُتْيَا بِهَذَا الْحُكْمِ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ الْمُجْتَهِدُ غَيْرَ عَاصٍ بِهِ بَلْ مُثَابًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَذَلَ جَهْدَهُ عَلَى حَسَبِ مَا أُمِرَ بِهِ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ» فَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْعَصْرِ تَفَقُّدُ مَذَاهِبِهِمْ فَكُلُّ مَا وَجَدُوهُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْفُتْيَا بِهِ وَلَا يَعْرَى مَذْهَبٌ مِنْ الْمَذَاهِبِ عَنْهُ لَكِنَّهُ قَدْ يَقِلُّ وَقَدْ يَكْثُرُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَعْلَمَ هَذَا فِي مَذْهَبِهِ إلَّا مَنْ عَرَفَ الْقَوَاعِدَ وَالْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَالنَّصَّ الصَّرِيحَ وَعَدَمَ الْمُعَارِضِ لِذَلِكَ وَذَلِكَ يَعْتَمِدُ تَحْصِيلَ أُصُولِ الْفِقْهِ وَالتَّبَحُّرَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَنْزِلَةِ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ بِمَعْنَى وُقُوعِهِمَا مَعًا جُزْءُ كَلَامٍ يَجُوزُ أَنْ تَعْمَلَ أُولَاهُمَا فِي الثَّانِيَةِ كَالْمُضَافِ إلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ الْعَكْسُ إذْ لَمْ تُعْهَدْ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ بَعْضُ أَجْزَائِهَا مُقَدَّمٌ مِنْ وَجْهٍ مُؤَخَّرٌ مِنْ آخَرَ فَكَذَلِكَ مَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهَا فِي الْمَعْنَى فَمِنْ ثَمَّ لَمْ تَعْمَلْ صِلَةٌ فِي مَوْصُولٍ وَلَا تَابِعٌ فِي مَتْبُوعٍ وَلَا مُضَافٌ إلَيْهِ فِي مُضَافٍ. وَأَمَّا كَلِمَةُ الشَّرْطِ وَالشَّرْطِ فَلَيْسَتَا كَكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ إذْ لَا يَقَعَانِ مَوْقِعَ الْمُفْرَدِ كَالْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَالْمُبْتَدَأِ فَيَجُوزُ عَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْآخَرِ نَحْوُ مَتَى تَذْهَبْ أَذْهَبْ وَ {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110] نَعَمْ إنْ لَمْ يَعْمَلْ الشَّرْطُ فِي كَلِمَتِهِ نَحْوُ مَنْ قَامَ قُمْت جَازَ وُقُوعُهَا مَوْقِعَ الْمُبْتَدَأِ عَلَى مَا هُوَ مَذْهَبُ بَعْضِهِمْ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ الْأَبْيَارِيُّ فِي الْقَصْرِ الْمَبْنِيِّ أَيْ فَإِنَّ مَنْ هُنَا غَيْرُ ظَرْفٍ فَهِيَ تَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ وَهُوَ لَا يَعْمَلُ فِيهَا لَكِنَّ هَذَا الْمَذْهَبَ ضَعِيفٌ اهـ إذْ لَا مَعْنَى لِجَعْلِ كَلِمَةِ إذَا مَعَ الشَّرْطِ إذَا جَزَمَتْ كَكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَجَعْلُهَا مَعَهُ إذَا لَمْ تَجْزِمْ لَيْسَتْ كَكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ قَدْ جَعَلُوهُمَا كَسَائِرِ كَلِمَاتِ الشَّرْطِ مَعَ شُرُوطِهَا مُطْلَقًا قَيْدًا لِجُمْلَةِ الْجَزَاءِ. وَأَمَّا عَدَمُ تَسْلِيمِ إطْلَاقِ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا لِابْنِ الشَّاطِّ فَلَا يَحْتَاجُونَ لِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ التَّكَلُّفَاتِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ بَلْ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى الْجَزْمِ بِعَدَمِ تَسْلِيمِ إطْلَاقِهَا وَجَعَلَ إذَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] ظَرْفًا لِلنِّسْيَانِ. وَلَمْ يُصَرِّحْ بِظَرْفِ الذِّكْرِ يَنْدَفِعُ مِنْ أَصْلِهِ مَا أَوْرَدَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى جَعْلِ إذَا ظَرْفًا لَا ذُكِرْ الَّذِي هُوَ الْجَوَابُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُضَافًا إلَيْهِ لَا لَنَسِيت الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ وَإِنْ جَازَ بِالنَّظَرِ لِذَاتِهِ لِكَوْنِهِ مُضَافًا إلَيْهِ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ لَا يَعْمَلُ فِي الْمُضَافِ مِنْ أَنَّ الذِّكْرَ ضِدُّ النِّسْيَانِ وَقَدْ دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى وُقُوعِهِمَا فِي إذَا وَالضِّدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فَكَيْفَ أَمَرَ بِالذِّكْرِ فِي زَمَنِ النِّسْيَانِ وَلَمْ نَحْتَجْ لِلْجَوَابِ عَنْهُ الْمَبْنِيِّ عَلَى صِحَّتِهِ بِأَنَّ الظَّرْفَ قَدْ يَكُونُ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ فَيَفْضُلُ مِنْ زَمَانِ إذَا زَمَانٌ لَيْسَ فِيهِ نِسْيَانٌ يَقَعُ فِيهِ الذِّكْرُ فَلَا يَجْتَمِعُ الضِّدَّانِ عَلَى أَنْ لَا يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا مَعْنَى كَوْنِ الظَّرْفِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَوْسَعَ مِنْ الْمَظْرُوفِ كَمَا مَرَّ أَنَّهُ يُطْلَقُ لَفْظُ الْيَوْمِ مَثَلًا فِي فِعْلٍ يَقَعُ فِي بَعْضِهِ لَا فِي جَمِيعِهِ وَذَلِكَ الْإِطْلَاقُ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ لِلْإِطْرَادِ وَلَيْسَ ذَلِكَ حَقِيقَةً مَعْنَوِيَّةً بِمَعْنَى أَنَّ ظَرْفَ الْفِعْلِ يَكُونُ أَوْسَعَ مِنْهُ فِي الْمَعْنَى فَإِنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ وَلَمْ يَزَلْ الْإِشْكَالُ يَقَعُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ بَيْنَ الْحَقَائِقِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَالْحَقَائِقِ اللَّفْظِيَّةِ فَيَظُنُّهَا شَيْئًا وَاحِدًا وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ قَالَ وَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: 39] وَلَنْ يَنْفَعَكُمْ الْيَوْمَ اشْتِرَاكُكُمْ

فِي الْفِقْهِ فَإِنَّ الْقَوَاعِدَ لَيْسَتْ مُسْتَوْعَبَةً فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بَلْ لِلشَّرِيعَةِ قَوَاعِدُ كَثِيرَةٌ جِدًّا عِنْدَ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى وَالْفُقَهَاءِ لَا تُوجَدُ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ أَصْلًا وَذَلِكَ هُوَ الْبَاعِثُ لِي عَلَى وَضْعِ هَذَا الْكِتَابِ لِأَضْبِطَ تِلْكَ الْقَوَاعِدَ بِحَسَبِ طَاقَتِي وَلِاعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ يَحْرُمُ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ الْفَتْوَى فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ وَكَذَلِكَ كَانَ السَّلَفُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُتَوَقِّفِينَ فِي الْفُتْيَا تَوَقُّفًا شَدِيدًا وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُفْتِيَ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ أَهْلًا لِذَلِكَ وَيَرَى هُوَ نَفْسَهُ أَهْلًا لِذَلِكَ يُرِيدُ تَثْبُتُ أَهْلِيَّتُهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ. وَيَكُونُ هُوَ بِيَقِينٍ مُطَّلِعًا عَلَى مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ فِي حَقِّهِ مِنْ الْأَهْلِيَّةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ مِنْ الْإِنْسَانِ أَمْرٌ عَلَى ضِدِّ مَا هُوَ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى مَا وَصَفَهُ بِهِ النَّاسُ حَصَلَ الْيَقِينُ فِي ذَلِكَ وَمَا أَفْتَى مَالِكٌ حَتَّى أَجَازَهُ أَرْبَعُونَ مُحَنَّكًا لِأَنَّ التَّحَنُّكَ وَهُوَ اللِّثَامُ بِالْعَمَائِمِ تَحْتَ الْحَنَكِ شِعَارُ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ تَحَنُّكٍ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى تَأَكُّدِ التَّحْنِيكِ وَهَذَا هُوَ شَأْنُ الْفُتْيَا فِي الزَّمَنِ الْقَدِيمِ وَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ انْخَرَقَ هَذَا السِّيَاجُ وَسَهُلَ عَلَى النَّاسِ أَمْرُ دِينِهِمْ فَتَحَدَّثُوا فِيهِ بِمَا يَصْلُحُ وَبِمَا لَا يَصْلُحُ وَعَسُرَ عَلَيْهِمْ اعْتِرَافُهُمْ بِجَهْلِهِمْ وَأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ لَا يَدْرِي فَلَا جَرَمَ آلَ الْحَالُ لِلنَّاسِ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ بِالِاقْتِدَاءِ بِالْجُهَّالِ. الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يَصِيرَ طَالِبُ الْعِلْمِ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الشُّرُوطِ مَعَ الدِّيَانَةِ الْوَازِعَةِ وَالْعَدَالَةِ الْمُتَمَكِّنَةِ فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِي مَذْهَبِهِ نَقْلًا وَتَخْرِيجًا وَيَعْتَمِدُ عَلَى مَا يَقُولُهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالسَّبْعُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّقْلِ وَقَاعِدَةِ الْإِسْقَاطِ) اعْلَمْ أَنَّ الْحُقُوقَ وَالْأَمْلَاكَ يَنْقَسِمُ التَّصَرُّفُ فِيهَا إلَى نَقْلٍ وَإِسْقَاطٍ فَالنَّقْلُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ بِعِوَضٍ فِي الْأَعْيَانِ كَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَإِلَى مَا هُوَ فِي الْمَنَافِعِ كَالْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ وَالْقِرَاضِ وَالْجَعَالَةِ وَإِلَى مَا هُوَ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْهَدَايَا وَالْوَصَايَا وَالْعُمْرَى وَالْوَقْفِ وَالْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالزَّكَاةِ وَالْمَسْرُوقِ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ وَالْغَنِيمَةِ فِي الْجِهَادِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ نَقْلُ مِلْكٍ فِي أَعْيَانٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ. وَأَمَّا الْإِسْقَاطُ فَهُوَ إمَّا بِعِوَضٍ كَالْخُلْعِ وَالْعَفْوِ عَلَى مَالٍ وَالْكِتَابَةِ وَبَيْعِ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ وَالصُّلْحِ عَلَى الدَّيْنِ وَالتَّعْزِيرِ فَجَمِيعُ هَذِهِ الصُّوَرِ يَسْقُطُ فِيهَا الثَّابِتُ وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْبَاذِلِ مَا كَانَ يَمْلِكُهُ الْمَبْذُولُ لَهُ مِنْ الْعِصْمَةِ وَبَيْعِ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِمَا وَإِمَّا بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْإِبْرَاءِ مِنْ الدُّيُونِ وَالْقِصَاصِ وَالتَّعْزِيرِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَإِيقَافِ الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا فَجَمِيعُ هَذِهِ الصُّوَرِ يَسْقُطُ فِيهَا الثَّابِتُ وَلَا يَنْتَقِلُ لِغَيْرِ الْأَوَّلِ وَيَخْرُجُ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الْإِبْرَاءُ مِنْ الدَّيْنِ هَلْ يَفْتَقِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْعَذَابِ بِسَبَبِ ظُلْمِكُمْ إذْ ظَلَمْتُمْ يَعْنِي أَنَّ إذْ ظَلَمْتُمْ تَعْلِيلٌ لِنَفْيِ النَّفْعِ الْمَأْخُوذِ مِنْ لَنْ أَيْ أَنَّهُمْ لِعِظَمِ مَا هُمْ فِيهِ لَا يُهَوِّنُ عَلَيْهِمْ اشْتِرَاكُهُمْ فِي الْعَذَابِ كَمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا كَمَا فِي الْمُغْنِي وَحَوَاشِيهِ نَعَمْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ بِسَبَبِ ظُلْمِكُمْ إذْ ظَلَمْتُمْ الْجَرْيُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ إذَا التَّعْلِيلِيَّةَ ظَرْفٌ وَالتَّعْلِيلُ مُسْتَفَادٌ مِنْ قُوَّةِ الْكَلَامِ لَا مِنْ اللَّفْظِ فَإِنَّهُ إذَا قِيلَ ضَرَبْته إذْ أَسَاءَ وَأُرِيدَ بِإِذْ الْوَقْتُ اقْتَضَى ظَاهِرُ الْحَالِ أَنَّ الْإِسَاءَةَ سَبَبُ الضَّرْبِ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِوَصْفٍ يُشْعِرُ بِعَلِيَّتِهِ لَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا حَرْفٌ بِمَنْزِلَةِ لَامِ الْعِلَّةِ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ فِي الْمُغْنِي وَالْجُمْهُورُ لَا يُثْبِتُونَ هَذَا الْقِسْمَ أَيْ كَوْنَ إذْ حَرْفًا بِمَنْزِلَةِ لَامِ الْعِلَّةِ وَلِذَا قَالَ الرَّضِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ} [الأحقاف: 11] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ {وَإِذْ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ} الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [المجادلة: 13] الْآيَةَ أَنَّ الْفَاءَ لِإِجْرَاءِ الظَّرْفِ مَجْرَى كَلِمَةِ الشَّرْطِ كَمَا ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ فِي نَحْوِ زَيْدٌ حِينَ لَقِيته فَأَنَا أُكْرِمُهُ وَهُوَ فِي إذْ مُطَّرِدٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 5] أَيْ مِمَّا أُضْمِرَ فِيهِ وَإِنَّمَا جَازَ إعْمَالُ الْمُسْتَقْبَلِ الَّذِي هُوَ سَيَقُولُونَ وَآوَوْا وَأَقِيمُوا فِي الظُّرُوفِ الْمَاضِيَةِ الَّتِي هِيَ إذْ لَمْ يَهْتَدُوا وَمَا مَعَهُ وَإِنْ كَانَ وُقُوعُ الْمُسْتَقْبَلِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي مُحَالًا لِمَا ذُكِرَ فِي نَحْوِ أَمَّا زَيْدٌ فَمُنْطَلِقٌ مِنْ أَنَّ الْغَرَضَ الْمَعْنَوِيَّ هُوَ قَصْدُ الْمُلَازَمَةِ حَتَّى كَانَ هَذِهِ الْأَفْعَالُ الْمُسْتَقْبَلَةُ وَقَعَتْ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ وَصَارَتْ لَازِمَةً لَهَا كُلُّ ذَلِكَ لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ اهـ نَقَلَهُ الْأَبْيَارِيُّ فِي الْقَصْرِ لَكِنْ أَوْرَدَ فِي الْمُغْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ إذْ التَّعْلِيلِيَّةَ ظَرْفٌ إشْكَالَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْ اُسْتُفِيدَ التَّعْلِيلُ مِنْ قُوَّةِ الْكَلَامِ لَكَانَ إذَا حُذِفَتْ إذْ وَحَلَّ مَحَلُّهَا وَقْتٌ اُسْتُفِيدَ التَّعْلِيلُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ زَمَنِ الْفِعْلَيْنِ فَإِنَّ يَنْفَعُ مُسْتَقْبَلٌ لِاقْتِرَانِهِ بِلَنْ وَظَلَمَ مَاضٍ وَكَذَا إذْ وَلَا بُدَّ فِي التَّعْلِيلِ مِنْ اتِّحَادِ الزَّمَانَيْنِ فِي الْمِثَالِ. وَثَانِيهِمَا أَنَّ إذْ لَا تُبْدَلُ مِنْ الْيَوْمِ لِاخْتِلَافِ الزَّمَانَيْنِ أَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَهُمَا مُتَبَايِنَانِ وَلَا يَصِحُّ إبْدَالُ أَحَدِ الْمُتَبَايِنَيْنِ مِنْ الْآخَرِ وَلَا تَكُونُ ظَرْفًا لِيَنْفَعَ لِأَنَّهُ لَا يَعْمَلُ فِي ظَرْفَيْنِ زَمَانِيَّيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا تَابِعًا لِلْآخَرِ وَلَا مُنْدَرِجًا فِيهِ مَعَ أَنَّ النَّفْعَ لَيْسَ وَاقِعًا فِي وَقْتِ الظُّلْمِ وَلَا تَكُونُ ظَرْفًا لَمُشْتَرِكُونَ لِأَنَّ مَعْمُولَ خَبَرِ الْأَحْرُفِ السِّتَّةِ يَعْنِي إنَّ وَأَخَوَاتِهَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا. وَلِأَنَّ مَعْمُولَ الصِّلَةِ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَوْصُولِ وَلِأَنَّ اشْتِرَاكَهُمْ فِي الْآخِرَةِ لَا فِي زَمَنِ ظُلْمِهِمْ وَأَجَابَ عَنْ هَذَا الثَّانِي بِأَرْبَعَةِ أَجْوِبَةٍ أَشَارَ لِأَوَّلِهَا وَثَانِيهَا بِقَوْلِهِ. وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ رَاجَعْت أَبَا عَلِيٍّ مِرَارًا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ} [الزخرف: 39] الْآيَةَ مُسْتَشْكِلًا إبْدَالَ إذْ مِنْ الْيَوْمِ فَآخِرُ مَا تَحَصَّلَ مِنْهُ أَنَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ مُتَّصِلَتَانِ وَأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ فَكَانَ الْيَوْمُ مَاضٍ أَوْ

[الفرق بين قاعدة المسائل الفروعية يجوز التقليد فيها وبين قاعدة مسائل الأواني والنسيان والكعبة]

إلَى الْقَبُولِ فَلَا يَبْرَأُ مِنْ الدُّيُونِ حَتَّى يَقْبَلَ أَوْ يَبْرَأَ مِنْ الدُّيُونِ إذَا أَبْرَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اشْتِرَاطُ الْقَبُولِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ الْإِبْرَاءُ إسْقَاطٌ وَالْإِسْقَاطُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّهُمَا لَا يَفْتَقِرَانِ إلَى قَبُولِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَلِذَلِكَ يَنْفُذُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَإِنْ كَرِهَتْ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ أَوْ هُوَ تَمْلِيكٌ لِمَا فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ فَيَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ كَمَا لَوْ مَلَّكَهُ عَيْنًا بِالْهِبَةِ أَوْ غَيْرِهَا لَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ وَقَبُولِهِ وَكَذَلِكَ هَا هُنَا يَتَأَكَّدُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمِنَّةَ قَدْ تَعْظُمُ فِي الْإِبْرَاءِ وَذَوُو الْمُرُوآتِ وَالْأَنَفَاتِ يَضُرُّ ذَلِكَ بِهِمْ لَا سِيَّمَا مِنْ السَّفَلَةِ فَجَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ لَهُمْ قَبُولَ ذَلِكَ أَوْ رَدَّهُ نَفْيًا لِلضَّرَرِ الْحَاصِلِ مِنْ الْمِنَنِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الْوَقْفُ هَلْ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ أَوْ لَا خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ وَبَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ الْوَاقِفُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْمَنَافِعِ فِي الْمَوْقُوفِ فَيَكُونُ ذَلِكَ كَالْعِتْقِ أَوْ هُوَ تَمْلِيكٌ لِمَنَافِعِ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَيَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا أَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ لِتَعَذُّرِهِ هَذَا فِي مَنَافِعِ الْمَوْقُوفِ أَمَّا أَصْلُ مِلْكِهِ فَهَلْ يَسْقُطُ أَوْ هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الْحَائِطِ الْمَوْقُوفِ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ نَحْوِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ إذَا كَانَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِلْكُ الْوَاقِفِ فَيُزَكِّي عَلَى مِلْكِهِ. وَأَمَّا الْحَائِطُ عَلَى الْمُعَيَّنِينَ فَيُشْتَرَطُ فِي حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَسَاجِدِ أَنَّهَا مِنْ بَابِ الْإِسْقَاطِ وَالْعِتْقِ لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهَا {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18] وَلِأَنَّهَا تُقَامُ فِيهَا الْجَمَاعَاتُ وَالْجُمُعَةُ، وَالْجُمُعَةُ لَا تُقَامُ فِي الْمَمْلُوكَاتِ لَا سِيَّمَا عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ فَإِنَّهَا لَا يُصَلِّيهَا أَرْبَابُ الْحَوَانِيتِ فِي حَوَانِيتِهِمْ لِأَجْلِ الْمِلْكِ وَالْحَجْرِ فَلَا يَجْرِي فِي الْمَسَاجِدِ الْقَوْلَانِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ يَخْتَارُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ يَعُمُّ الْعِتْقُ الْجَمِيعَ وَإِذَا طَلَّقَ أَحَدَ نِسَاؤُهُ يَعُمُّ الطَّلَاقُ النِّسْوَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ يَخْتَارُ وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ الطَّلَاقَ إسْقَاطٌ لِلْعِصْمَةِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْعِتْقُ قُرْبَةٌ لَا إسْقَاطٌ وَإِنْ لَزِمَهَا الْإِسْقَاطُ وَتَمَامُ هَذَا الْفَرْقِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ تَحْرِيمِ الْمُشْتَرَكِ وَثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُشْتَرَكِ فَلْيُطَالَعْ مِنْ هُنَاكَ وَلَا حَاجَةَ لِلْإِعَادَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرْت الْفَرْعَيْنِ هَا هُنَا لِأَجْلِ تَعَلُّقِهِمَا بِالنَّقْلِ وَالْإِسْقَاطِ فَقَطْ. (الْفَرْقُ الثَّمَانُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِزَالَةِ فِي النَّجَاسَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِحَالَةِ فِيهَا) اعْلَمْ أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ فِي الشَّرِيعَةِ تَقَعُ عَلَى ثَلَاثِ أَقْسَامٍ إزَالَةٍ وَإِحَالَةٍ وَهُمَا مَعًا وَلِكُلِّ قَاعِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ خَاصِّيَّةٌ تَمْتَازُ بِهَا أَمَّا الْإِزَالَةُ فَبِالْمَاءِ فِي الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ وَالْمَكَانِ. وَأَمَّا الْإِحَالَةُ فَفِي الْخَمْرِ تَصِيرُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ إذْ مُسْتَقْبَلَةً اهـ. وَلِثَالِثِهَا وَرَابِعِهَا بِقَوْلِهِ وَقِيلَ الْمَعْنَى إذْ ثَبَتَ ظُلْمُكُمْ وَقِيلَ التَّقْدِيرُ بَعْدَ إذْ ظَلَمْتُمْ وَعَلَيْهِمَا أَيْضًا فَإِذْ بَدَلٌ مِنْ الْيَوْمِ وَمَعْنَى إنْ بَعْدُ وَقَبْلُ غَيْرُ صَالِحَيْنِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُمَا عِنْدَ إضَافَتِهِمَا إلَى إذْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَةِ مَعْنَاهُمَا وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ حَذْفُهُمَا لِدَلِيلٍ وَهُوَ هُنَا تَوَقُّفُ صِحَّةِ الْكَلَامِ عَلَى تَقْدِيرِ بَعْدَ فَهِيَ دَلَالَةٌ اقْتِضَائِيَّةٌ قَالَ وَإِذَا لَمْ تُقَدَّرْ إذْ تَعْلِيلًا أَيْ بَلْ جُعِلَتْ بَدَلًا عَلَى أَحَدِ الْأَوْجُهِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إنْ وَصِلَتُهَا تَعْلِيلًا أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ حَرْفِ التَّعْلِيلِ وَالْفَاعِلُ مُسْتَتِرٌ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِمْ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَك بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ أَوْ إلَى الْقَرِينِ وَيَشْهَدُ لَهُ قِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ إنَّكُمْ بِالْكَسْرِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هِيَ وَصِلَتُهَا فَاعِلَ يَنْفَعُ اهـ. بِتَوْضِيحٍ مِنْ الْأَبْيَارِيِّ هَذَا وَزَادَ الْأَصْلُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ إنْ وَإِذَا وَجْهًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّ إنْ لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا إلَّا مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا تَقُولُ إنْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَأْتِ بِخِلَافِ إذَا فَإِنَّهَا تَقْبَلُ الْمَعْلُومَ وَالْمَشْكُوكَ فِيهِ فَتَقُولُ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَأْتِ وَإِذَا دَخَلَ الْعَبْدُ الدَّارَ فَهُوَ حُرٌّ وَهَذَا الْوَجْهُ وَإِنْ صَرَّحَ بِهِ الْبَيَانِيُّونَ إلَّا أَنَّ ابْنَ الشَّاطِّ جَزَمَ بِأَنَّ إنْ لَا يَلْزَمُ دُخُولُهَا عَلَى الْمَشْكُوكِ بَلْ هِيَ لِمُطْلَقِ الرَّبْطِ فَقَطْ وَكَمَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِمَا ذُكِرَ كَذَلِكَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا أَيْضًا مِنْ جِهَةِ الصِّنَاعَةِ النَّحْوِيَّةِ بِأَنَّ إنْ حَرْفٌ وَإِذَا اسْمٌ وَظَرْفٌ وَبِأَنَّ مَا بَعْدَ إنْ يَكُونُ فِي مَوْضِعِ جَزْمٍ بِهَا وَمَا بَعْدَ إذَا فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بِهَا وَبِأَنَّ الْبِنَاءَ فِي إنْ أَصْلٌ وَفِي إذَا عَارِضٌ لِأَنَّ الْبِنَاءَ فِي الْأَسْمَاءِ عَارِضٌ وَفِي الْحُرُوفِ أَصْلٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفُرُوقِ النَّحْوِيَّةِ الَّتِي لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَسَائِلُ الْفُرُوعِيَّةُ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَسَائِلُ الْأَوَانِي وَالنِّسْيَانِ وَالْكَعْبَةِ] (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَسَائِلُ الْفُرُوعِيَّةُ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ فِيهَا مِنْ أَحَدِ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهَا بِالْآخَرِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَسَائِلُ الْأَوَانِي وَالثِّيَابِ وَالْكَعْبَةِ وَنَحْوِهَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهَا أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْآخَرِ) قَدْ وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِثَلَاثَةِ فُرُوقٍ الْأَوَّلُ لِابْنِ الشَّاطِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ الْفَرْقُ الصَّحِيحُ أَنَّ مَسْأَلَةَ اقْتِدَاءِ الْمَالِكِيِّ بِالشَّافِعِيِّ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتَدَلَّكُ لَا يُمْكِنُ الْخَطَأُ فِيهَا عَلَى الْقَوْلِ بِتَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ أَوْ لَا يُمْكِنُ تَعْيِينُ الْخَطَأِ فِيهَا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّصْوِيبِ وَمَسْأَلَةُ الْأَوَانِي وَنَحْوِهَا لَا بُدَّ مِنْ الْخَطَأِ فِيهَا وَيُمْكِنُ تَعْيِينُهُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ قُلْت وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الْمَازِرِيِّ حَكَى الْمَذْهَبُ الْإِجْمَاعَ عَلَى صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُخَالِفِ فِي الْفُرُوعِ الظَّنِّيَّةِ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ فِيمَا عُلِمَ خَطَؤُهُ كَنَقْضِ قَضَاءِ الْقَاضِي قَالَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَفْرِقَةُ أَشْهَبَ بَيْنَ الْقُبْلَةِ وَمَسِّ الذَّكَرِ اهـ. أَيْ حَيْثُ قَالَ عِنْدَ ابْنِ سَحْنُونٍ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ لَا يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقُبْلَةِ يُعِيدُ أَبَدًا. وَقَالَ

[المسألة الأولى المجتهدون في الكعبة إذا اختلفوا]

خَلًّا وَأَمَّا هُمَا مَعًا فَفِي الدِّبَاغِ فَإِنَّهُ إزَالَةٌ لِلْفَضَلَاتِ الْمُتَنَجِّسَةِ الَّتِي تُوجِبُ الْعَصْرَ فَيَخْرُجُ مَا فِي الْجُلُودِ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْإِحَالَةُ فَلِأَنَّ صِفَةَ الْجُلُودِ تَتَغَيَّرُ عَنْ هَيْئَتِهَا إلَى هَيْئَةٍ أُخْرَى أَمَّا الْخَوَاصُّ فَخَاصِّيَّةُ الْإِزَالَةِ الْمَاءُ الطَّهُورُ وَالنِّيَّةُ عَلَى الْخِلَافِ وَوُصُولُ الْغُسْلِ حَدًّا يَنْفَصِلُ الْمَاءُ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ وَأَنَّ السَّبَبَ الِاسْتِقْذَارُ وَخَاصِّيَّةُ الْإِحَالَةِ عَدَمُ النِّيَّةِ وَالْمَاءِ وَالِاسْتِقْذَارِ فَلَا تَحْتَاجُ لِلْمَاءِ بَلْ قَدْ تُوجَدُ مَعَ عَدَمِهِ وَقَدْ يُلْقِي فِي الْخَمْرِ مَاءً فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِحَالَتِهَا لِلْخَلِّيَّةِ غَيْرَ أَنَّ الْمَاءَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِي الْإِحَالَةِ وَيَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْإِزَالَةِ، وَأَمَّا النِّيَّةُ فَمَانِعَةٌ مِنْ تَطْهِيرِهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقَصْدِ إلَى تَخْلِيلِ الْخَمْرِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْقَصْدَ مَانِعٌ وَلَيْسَ شَرْطًا إجْمَاعًا وَهُوَ شَرْطٌ فِي الْإِزَالَةِ عَلَى الْخِلَافِ وَحَيْثُ قَالَ الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ النِّيَّةُ شَرْطٌ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ إنَّمَا يُرِيدُونَ أَحَدَ أَقْسَامِهَا وَهِيَ الْإِزَالَةُ وَمِنْ خَوَاصِّهَا عَدَمُ الِاسْتِقْذَارِ بَلْ سَبَبُ تَنْجِيسِهَا طَلَبُ إبْعَادِهَا فَهَذِهِ ثَلَاثُ خَوَّاصٍ لِلْإِحَالَةِ تَمْتَازُ بِهَا عَنْ الْإِزَالَةِ. وَأَمَّا الصُّورَةُ الَّتِي يَجْتَمِعَانِ فِيهَا وَهُوَ الدِّبَاغُ فَمِنْ خَوَاصِّهِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْمَاءِ وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ إجْمَاعًا وَلَيْسَ الْقَصْدُ مَانِعًا إجْمَاعًا بِخِلَافِ الْإِحَالَةِ الْمُنْفَرِدَةِ وَالِاسْتِقْذَارِ وَالِاسْتِخْبَاثِ سَبَبُ التَّنْجِيسِ لِأَجْلِ مَا فِيهَا مِنْ النَّجَاسَةِ فَخَوَاصُّهَا أَيْضًا ثَلَاثَةٌ فَهَذِهِ خَوَاصُّ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ وَبِهَا يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْقَوَاعِدِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا قَاعِدَةٌ تُعْرَفُ بِجَمْعِ الْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى الْوَاحِدَ يُوجِبُ الضِّدَّيْنِ الْمُتَنَافِيَيْنِ وَهَذَا النَّوْعُ قَلِيلٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَفِيهَا مُثُلٌ أَحَدُهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَإِنَّ الْقَصْدَ مُنَاسِبٌ لِلتَّطْهِيرِ فَاشْتَرَطَهُ مَنْ اشْتَرَطَ الْمُنَاسِبَ فِي الْإِزَالَةِ وَجَعَلَهُ مَانِعًا فِي الْإِحَالَةِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ فَإِنَّهُ إذَا جَوَّزْنَا الْقَصْدَ لِلتَّخْلِيلِ جَوَّزْنَا إبْقَاءَهَا فِي الْمِلْكِ فَفِي ذَلِكَ الزَّمَانِ رُبَّمَا انْبَعَثَتْ الدَّوَاعِي لِشُرْبِهَا فَمُنِعَ مِنْ الْقَصْدِ لِتَخْلِيلِهَا سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ فَصَارَ الْقَصْدُ يَقْتَضِي هَا هُنَا الْمَنْعَ وَفِي الْإِزَالَةِ الْإِبَاحَةَ فِي الصَّلَاةِ بِذَلِكَ الثَّوْبِ الْمُزَالِ عَنْهُ النَّجَاسَةُ وَقَدْ رُتِّبَ عَلَى الْمَعْنَى الْوَاحِدِ الضِّدَّانِ وَهُمَا الْمَنْعُ وَالْإِبَاحَةُ فَنَاسَبَ الضِّدَّيْنِ وَهَذَا هُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ بِجَمْعِ الْفَرْقِ أَيْ جَمْعِ الْمُتَفَرِّقَاتِ مِنْ الْأَضْدَادِ. الْمِثَالُ الثَّانِي لِجَمْعِ الْفَرْقِ قَالَ الْعُلَمَاءُ تُرَدُّ تَصَرُّفَاتُ السَّفِيهِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ صَوْنًا لِمَالِهِ عَلَى مَصَالِحِهِ لِئَلَّا يَضِيعَ مَالُهُ بِتَصَرُّفَاتٍ رَدِيَّةٍ، فَصَوْنُ مَالِهِ عَلَى مَصَالِحِهِ هُوَ سَبَبُ رَدِّ تَصَرُّفَاتِهِ وَتَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ فِي الْوَصَايَا عِنْدَ الْمَوْتِ صَوْنًا لِمَالِهِ عَلَى مَصَالِحِهِ فَإِنَّا لَوْ رَدَدْنَا وَصَايَاهُ لَأَخَذَ مَالَهُ وَارِثُهُ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْ مَالِهِ مَصْلَحَةٌ فَصَوْنُ مَالِهِ عَلَى مَصَالِحِهِ اقْتَضَى رَدَّ تَصَرُّفَاتِهِ حَالَ الْحَيَاةِ وَتَنْفِيذُ تَصَرُّفَاتِهِ عِنْدَ الْمَمَاتِ فَقَدْ نَاسَبَ الْوَصْفُ الْوَاحِدُ الضِّدَّيْنِ الْمُنَافِيَيْنِ وَتَرَتَّبَا عَلَيْهِ فِي الشَّرِيعَةِ وَهَذَا هُوَ جَمْعُ الْفَرْقِ أَيْضًا لِأَنَّهُ جَمْعُ الْمُتَفَرِّقَاتِ مِنْ الْأَضْدَادِ (الْمِثَالُ الثَّالِثُ) الْجَهَالَةُ مَانِعَةٌ مِنْ عَقْدِ الْبَيْعِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQسَحْنُونٌ يُعِيدُ فِيهِمَا فِي الْوَقْتِ كَذَا فِي الْحَطَّابِ عَنْ الذَّخِيرَةِ بِتَوْضِيحٍ مَا مِنْ الْمَوَّاقِ وَالْفَرْقُ الثَّانِي لِلْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي الصَّلَاةِ مَطْلُوبَةٌ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ وَكُلُّ مَطْلُوبٍ لَهُ يُغْتَفَرُ فِيهِ مَا يُؤَدِّي لِقِلَّتِهِ وَلَا يُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُؤَدِّي لِقِلَّتِهِ فَلِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْخِلَافِ فِي مَسَائِلِ الْفُرُوعِ لَوْ قُلْنَا بِالْمَنْعِ مِنْ الِائْتِمَامِ لِمَنْ يُخَالِفُ فِي الْمَذْهَبِ وَأَنْ لَا يُصَلِّيَ الْمَالِكِيُّ إلَّا خَلْفَ الْمَالِكِيِّ وَلَا الشَّافِعِيُّ إلَّا خَلْفَ الشَّافِعِيِّ لَقَلَّتْ الْجَمَاعَاتُ وَلِنُدْرَةِ وُقُوعِ مِثْلِ مَسْأَلَةِ الْأَوَانِي وَالْقُبْلَةِ لَوْ قُلْنَا بِالْمَنْعِ مِنْ الِائْتِمَامِ لِمَنْ يُخَالِفُ فِي الِاجْتِهَادِ فِيهَا لَمْ يُخِلُّ ذَلِكَ بِالْجَمَاعَاتِ كَبِيرَ خَلَلٍ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَهَذَا فَرْقٌ ضَعِيفٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدِي بِالْفَرْقِ أَيْ لِأَنَّ الْفَرْقَ إنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَا مِنْ غَيْرِهِمَا فَافْهَمْ. (وَالْفَرْقُ الثَّالِثُ لِلْأَصْلِ) بِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْإِجْمَاعِ لِتَعَيُّنِ الْمَنَاطِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَوَانِي وَنَحْوِهَا دُونَ مُخَالَفَتِهِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَنَاطِ فِي مَسْأَلَةِ الْبَسْمَلَةِ وَنَحْوِهَا اقْتَضَى أَنْ لَا يَجُوزَ التَّقْلِيدُ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي مَتَى خَالَفَ إجْمَاعًا أَوْ نَصًّا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا أَوْ الْقَوَاعِدَ نَقَضْنَاهُ وَلَا نُقِرُّهُ شَرْعًا وَإِنْ تَأَكَّدَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَأَوْلَى أَنْ لَا نُقِرَّهُ شَرْعًا إذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ كَمَا هُنَا فَكُلُّ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ لَا نُقِرُّهُ شَرْعًا وَمَا لَيْسَ بِشَرْعٍ فَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهِ وَيُوَضِّحُ لَك هَذَا الْفَرْقَ الْأَخِيرَ مَسْأَلَتَانِ [الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْمُجْتَهِدُونَ فِي الْكَعْبَةِ إذَا اخْتَلَفُوا] (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) اللَّذَانِ اخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُمَا فِي الْكَعْبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ أَحَدَهُمَا يَعْتَقِدُ أَنَّ الْآخَرَ قَدْ خَالَفَ الْكَعْبَةَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا الْمَقْطُوعِ بِاعْتِبَارِهَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ لِأَنَّ تَارِكَ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الْمَقْطُوعِ بِاعْتِبَارِهِ لَا يُقْتَدَى بِهِ وَالْمُخْتَلِفَانِ فِي مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا يَعْتَقِدُ فِي صَاحِبِهِ أَنَّهُ خَالَفَ ظَاهِرًا مِنْ نَصٍّ أَوْ مَنْطُوقٍ بِهِ أَوْ مَفْهُومٍ لَفْظٌ لَا مُجْمَعًا عَلَى اعْتِبَارِهِ وَلَا وَاصِلًا إلَى حَدِّ الْقَطْعِ بَلْ هُوَ فِي مَحَلِّ اجْتِهَادٍ يَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ صَاحِبِهِ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الْمُجْتَهِدُونَ فِي الْأَوَانِي الَّتِي اخْتَلَطَ طَاهِرُهَا بِنَجَسِهَا] (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) اللَّذَانِ اخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُمَا فِي الْأَوَانِي أَوْ فِي الثِّيَاب الَّتِي اخْتَلَطَ طَاهِرُهَا بِنَجَسِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَفِي حَقِّ مَنْ قَلَّدَهُ فِي اجْتِهَادِهِ بِالْإِجْمَاعِ هُوَ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ لَا مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُ غَيْرِهِ يَعْتَقِدُ هُوَ وَمَنْ قَلَّدَهُ أَنَّ غَيْرَهُ لَابِسٌ فِي صَلَاتِهِ مَا هُوَ مُبْطِلٌ لِصَلَاتِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَخَالَفَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَمَقْطُوعًا بِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ وَلَا لِمَنْ قَلَّدَهُ الِاقْتِدَاءُ بِذَلِكَ الْغَيْرِ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَمَنْ لَمْ يَتَدَلَّكْ فِي غُسْلِهِ أَوْ لَمْ يُبَسْمِلْ فِي صَلَاتِهِ. [الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ إنَاءٌ وَقَعَ فِيهِ رَوْثُ عُصْفُورٍ وَتَوَضَّأَ بِهِ مَالِكِيٌّ وَصَلَّى] أَوْ تَوَضَّأَ بِإِنَاءٍ وَقَعَ فِيهِ رَوْثُ عُصْفُورٍ أَوْ صَلَّى بِثَوْبٍ فِيهِ رَوْثُ عُصْفُورٍ مُجْتَهِدًا كَانَ أَوْ مُقَلِّدًا فِي ذَلِكَ الْمُجْتَهِدَ مِنْ حَيْثُ

وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهِمَا وَهِيَ شَرْطٌ فِي الْجَعَالَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْقِرَاضِ فَلَا يَجُوزُ إلَى يَوْمٍ مَعْلُومٍ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ قَدْ لَا يَحْصُلُ فِي ذَلِكَ الْأَجَلِ فَاقْتَضَتْ مَصْلَحَةُ هَذِهِ الْعُقُودِ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَجْهُولًا وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحَدِّدَ لِخِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْإِجَارَاتِ يَوْمًا مَعْلُومًا لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْغَرَرَ وَتَفُوتُ الْمَصْلَحَةُ بَلْ الْمَصْلَحَةُ تَقْتَضِي بَقَاءَ الْأَجَلِ مَجْهُولًا. الْمِثَالُ الرَّابِعُ الْأُنُوثَةُ اقْتَضَى ضَعْفُهَا التَّأَخُّرَ عَنْ الْوِلَايَاتِ وَاقْتَضَى ضَعْفُهَا وِلَايَةَ الْحَضَانَةِ وَالتَّقْدِمَةَ فِيهَا عَلَى الذُّكُورِ فَقَدْ اقْتَضَتْ الضِّدَّيْنِ كَمَا اقْتَضَتْهُ الْجَهَالَةُ الْمِثَالُ الْخَامِسُ قَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْتَضَى تَعْظِيمُهَا بَذْلَ الْمَالِ لِلْأَقَارِبِ وَالْمُبَادَرَةَ إلَى سَدِّ الْخَلَّاتِ فِي حَقِّهِمْ وَاقْتَضَى مَنْعُ الْمَالِ مِنْهُمْ فِي الزَّكَاةِ فَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْبَذْلُ وَالْمَنْعُ وَهُمَا ضِدَّانِ وَإِنَّمَا قَلَّتْ هَذِهِ النَّظَائِرُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُنَاسِبِ أَنْ يُنَافِيَ ضِدَّ مَا يُنَاسِبُهُ. (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرُّخْصَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ) وَذَلِكَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالُوا إزَالَةُ النَّجَاسَةِ رُخْصَةٌ بِسَبَبِ أَنَّ السَّبَبَ فِي تَنْجِيسِ الطَّاهِرِ مُلَاقَاتُهُ لِلنَّجَسِ إجْمَاعًا فَإِذَا صَبَبْنَا الْمَاءَ عَلَى النَّجَاسَةِ لِنُزِيلَهَا مِنْ الْإِبْرِيقِ مَثَلًا فَالْجُزْءُ الْوَاصِلُ إلَى النَّجَاسَةِ الْمُتَّصِلِ بِهَا تَنَجَّسَ لِمُلَاقَاتِهِ النَّجَاسَةَ كَمَا تَقَدَّمَ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ فِي الْقَاعِدَةِ وَإِذَا تَنَجَّسَ الْجُزْءُ الْمُلَاقِي لِلنَّجَاسَةِ تَنَجَّسَ ذَلِكَ الْجُزْءُ الَّذِي يَلِيهِ وَتَنَجَّسَ الْجُزْءُ الثَّانِي لِلثَّالِثِ وَالثَّالِثُ لِلرَّابِعِ وَالرَّابِعُ لِلْخَامِسِ وَكَذَلِكَ حَتَّى يَنْجُسَ الْمَاءُ الَّذِي دَاخِلُ الْإِبْرِيقِ بَلْ يَنْجُسُ مَاءُ الْبَحْرِ الْمَالِحِ إذَا وَضَعْنَا النَّجَاسَةَ فِي طَرَفِهِ وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مُلَاقَاةُ النَّجَسِ لِلطَّاهِرِ وَحَيْثُ قَضَى الشَّرْعُ بِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَزُولُ وَأَنَّ الْمَاءَ لَمْ يَفْسُدْ مُطْلَقًا كَانَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَكَانَ رُخْصَةً مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَهَذَا كَلَامٌ مَتِينٌ قَوِيٌّ لَمْ أَرَ أَحَدًا تَعَرَّضَ لِلْجَوَابِ عَنْهُ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الرُّخْصَةِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقْضِ عَلَى الْأَعْيَانِ بِأَنَّهَا نَجِسَةٌ وَلَا مُتَنَجِّسَةٌ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهَا جَوَاهِرَ وَلَا أَجْسَامًا إجْمَاعًا بَلْ لِأَجْلِ أَعْرَاضٍ خَاصَّةٍ قَامَتْ بِتِلْكَ الْأَجْسَامِ مِنْ لَوْنٍ خَاصٍّ وَكَيْفِيَّةٍ خَاصَّةٍ مَعْلُومَةٍ فِي الْعَادَةِ فَإِذَا انْتَفَتْ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةُ وَتِلْكَ الْأَعْرَاضُ انْتَفَى الْحُكْمُ لِانْتِفَاءِ مُوجِبِهِ وَانْتِفَاءُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الرُّخَصِ إجْمَاعًا وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَبْطُلُ السُّؤَالُ بِسَبَبِ أَنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْأَعْرَاضَ الْخَاصَّةَ وَالْكَيْفِيَّةَ الْخَاصَّةَ اللَّتَيْنِ قَضَى الشَّرْعُ لِأَجْلِهَا بِالتَّنْجِيسِ لَيْسَا مَوْجُودَيْنِ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ مَاءِ الْإِبْرِيقِ وَلَا فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ مَاءِ الْبَحْرِ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ مَنْ قَلَّدَهُ صِحَّةُ صَلَاتِهِ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ أَوْ اجْتِهَادُ مُقَلِّدِهِ وَأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَلَا مَقْطُوعًا بِهِ بَلْ خَالَفَ ظَاهِرًا مُحْتَمِلًا لِلتَّأْوِيلِ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فَرْقًا لَيْسَ بِفَرْقٍ لِأَنَّ الْفَرْقَ إنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِيمَا ذَكَرْته لَا فِيمَا ذَكَرَهُ اهـ. قُلْت وَذَلِكَ لِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْإِجْمَاعِ وَعَدَمَ مُخَالَفَتِهِ وَصْفَانِ لِلْمُجْتَهِدِ لَا لِلْمَسْأَلَتَيْنِ الْمَفْرُوقِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْقَطْعِ بِالْخَطَأِ وَإِمْكَانِ تَعْيِينِهِ وَعَدَمِ إمْكَانِ الْخَطَأِ وَلَا إمْكَانِ تَعْيِينِهِ فَإِنَّهُمَا وَصْفَانِ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ الْمَفْرُوقِ بَيْنَهُمَا فَافْهَمْ (وَصْلٌ) الظَّاهِرُ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْفَرْقِ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى قَاعِدَةِ الْعَوْفِيِّ الَّتِي فِي قَوْلِ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ فِي مَجْمُوعِهِ وَشَرْحِهِ وَالْعِبْرَةُ فِي شَرْطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِمَذْهَبِهِ أَيْ الْإِمَامِ وَفِي شَرْطِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِمَذْهَبِ الْمَأْمُومِ عَلَى مَا قَالَهُ الْعَوْفِيُّ وَارْتَضَوْهُ قَالَ الرَّمَاصِيُّ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ مَالِكِيٍّ بِشَافِعِيٍّ فِي ظُهْرٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِاتِّحَادِ عَيْنِ الصَّلَاةِ وَالْمَأْمُومُ يَرَاهَا أَدَاءً كَمَا فِي كَبِيرِ الْخَرَشِيِّ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ حِجَازِيٌّ فَشَرْطُ الِاقْتِدَاءِ مَوْجُودٌ عَلَى مَذْهَبِ الْمَأْمُومِ بَلْ كَذَلِكَ لَوْ الْتَفَتْنَا إلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ جَدَلًا فَإِنَّهُمَا قَضَاءٌ عِنْدَهُ وَلَا مُوجِبَ لِلتَّلْفِيقِ اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ عَقِبَ مَا ذَكَرَ بَقِيَ أَنَّ قَاعِدَةَ الْعَوْفِيِّ هَلْ تَجْرِي فِي الْأَرْكَانِ حَتَّى يَصِحَّ خَلْفَ حَنَفِيٍّ لَا يَرْفَعُ مِنْ الرُّكُوعِ وَبِهِ صَرَّحَ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ الْخَرَشِيِّ أَوْ تَقْتَصِرُ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ مِنْ الشَّرْطِ كَمَسْحِ رَأْسٍ وَنَقْضِ وُضُوءٍ لِأَنَّ الرُّكْنَ أَعْظَمُ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَوْ عَلِمْت أَنَّ رَجُلًا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ لَمْ أُصَلِّ خَلْفَهُ نَقَلَهُ الْحَطَّابُ يُحَرَّرُ اهـ بِتَوْضِيحٍ مَا وَبِالِاحْتِمَالِ الثَّانِي جَزَمَ الْعَلَّامَةُ الدُّسُوقِيُّ حَيْثُ قَالَ. وَأَمَّا مَا كَانَ رُكْنًا دَاخِلًا فِي مَاهِيَّتِهَا فَالْعِبْرَةُ فِيهِ بِمَذْهَبِ الْمَأْمُومِ مِثْلُ شَرْطِ الِاقْتِدَاءِ فَلَوْ اقْتَدَى مَالِكِيٌّ بِحَنَفِيٍّ لَا يَرَى رُكْنِيَّةَ السَّلَامِ وَلَا الرَّفْعَ مِنْ الرُّكُوعِ فَإِنْ أَتَى بِهِمَا صَحَّتْ صَلَاةُ مَأْمُومِهِ الْمَالِكِيِّ وَإِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ الْحَنَفِيُّ الرَّفْعَ مِنْ الرُّكُوعِ أَوْ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِأَجْنَبِيٍّ كَانَتْ صَلَاةُ مَأْمُومِهِ الْمَالِكِيِّ بَاطِلَةً وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ الْمَأْمُومُ الْمَذْكُورُ كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ اهـ. وَلَيْسَ مَبْنِيًّا أَيْضًا عَلَى الْقَاعِدَةِ الَّتِي يَقْتَضِيهَا قَوْلُ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ الْإِمَامَ الْمُخَالِفَ فِي الْفُرُوعِ الظَّنِّيَّةِ مَتَى تَحَقَّقَ فِعْلُهُ لِلشَّرَائِطِ جَازَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ فَالشَّافِعِيُّ مَسْحُ جَمِيعِ رَأْسِهِ سُنَّةٌ فَلَا يَضُرُّ اعْتِقَادُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمَّ فِي الْفَرِيضَةِ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ أَوْ مَسَحَ رِجْلَيْهِ نَقَلَهُ الْخَطَّابُ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَفِي الْمَوَّاقِ

[الفرق بين قاعدة الخلاف يتقرر في مسائل الاجتهاد قبل حكم الحاكم وبين قاعدة مسائل الاجتهاد يبطل الخلاف فيها]

وَضَعْنَا النَّجَاسَةَ فِي طَرَفِهِ بَلْ الْأَجْزَاءُ بَعِيدَةٌ مِنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَطْعًا فَلَا يَكُونُ الْقَضَاءُ بِتَطْهِيرِ الْأَجْزَاءِ الْبَعِيدَةِ رُخْصَةً بَلْ قَضَاءً بِالْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ الرُّخَصِ وَكَذَلِكَ إذَا تَوَالَى الصَّبُّ وَالْغُسْلُ عَلَى الثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ فَقُطِعَ بِعَدَمِ تِلْكَ الصِّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِكَوْنِ الْعَيْنِ نَجِسَةً أَوْ مُتَنَجِّسَةً فَوَجَبَ أَنْ يَزُولَ حُكْمُ التَّنْجِيسِ لِزَوَالِ سَبَبِهِ كَمَا يَزُولُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ لِعَدَمِ النِّصَابِ وَيَزُولُ وُجُوبُ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ لِزَوَالِ رَمَضَانَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الشَّرِيعَةِ الَّتِي لَا يُسَمَّى شَيْءٌ مِنْهَا رُخْصَةً فَكَذَلِكَ هَا هُنَا فَظَهَرَ أَنَّ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ مِنْ بَابِ الرُّخَصِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ بَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْعَزَائِمِ عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ لَا عَلَى خِلَافِهَا (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ إزَالَةِ الْوُضُوءِ لِلْجَنَابَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّوْمِ خَاصَّةً وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إزَالَةِ الْحَدَثِ عَنْ الرَّجُلِ خَاصَّةً بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخُفِّ) اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَذَاهِبِ فَتَاوَى مُشْكِلَةٌ فِي الْأَحْدَاثِ وَأَحْكَامِهَا وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي الْجُنُبِ يُرِيدُ النَّوْمَ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ لِلنَّوْمِ خَاصَّةً لَا لِلصَّلَاةِ وَلَا لِغَيْرِهَا فَقَالَ الْفُقَهَاءُ هَذَا وُضُوءٌ يَرْفَعُ حَدَثَ الْجَنَابَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّوْمِ خَاصَّةً فَهَذَا حَدَثٌ قَدْ ارْتَفَعَ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَيْءٍ خَاصٍّ وَهَذَا وُضُوءٌ لَا يُزِيلُهُ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ رَافِعًا لِلْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَإِنَّمَا يُزِيلُهُ الْحَدَثُ الْأَكْبَرُ وَهُوَ الْجَنَابَةُ فَقَطْ فَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُقَرَّرَةٌ فِي الْحَدَثِ فِي الْمَذْهَبِ وَيُلْقُونَ هَذَا الْوُضُوءَ لُغْزًا عَلَى الطَّلَبَةِ فَيَقُولُونَ هَلْ تَعْلَمُونَ وُضُوءًا لَا يُزِيلُهُ الْبَوْلُ وَنَحْوُهُ فَيَشْكُلُ ذَلِكَ عَلَى الْمَسْئُولِ وَيُرِيدُونَ هَذَا الْوُضُوءَ هَذِهِ قَاعِدَةٌ قَدْ تَقَرَّرَتْ ثُمَّ قَالُوا إذَا غَسَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَهَا فِي الْخُفِّ قَبْلَ غَسْلِ الْأُخْرَى هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفِّ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ هَلْ يَرْتَفِعُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ عَلَى حِيَالِهِ أَوْ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بَعْدَ غُسْلِ الْجَمِيعِ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى هَذَا الْخُفِّ لِأَنَّهُ لَبِسَهُ بَعْدَ رَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ مَحَلِّهِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ فَقِيلَ لَهُمْ إنَّ الْحَدَثَ لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لَهُ كَالْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَنَحْوِهِ فَيُقَالُ أَحْدَثَ إذَا وُجِدَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ يَقُولُ الْفُقَهَاءُ النَّوْمُ هَلْ هُوَ حَدَثٌ أَوْ سَبَبٌ لِلْحَدَثِ قَوْلَانِ وَلِلْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ حَدَثٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَثَانِيهِمَا الْمَنْعُ الْمُرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ الْأَسْبَابِ يُسَمَّى حَدَثًا وَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَرْجِعُ إلَى التَّحْرِيمِ الْخَاصِّ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَنَحْوِهَا فَهَذَا الْمَنْعُ يُسَمَّى حَدَثًا أَيْضًا وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ الْفُقَهَاءُ فِيهِ إنَّ الْمُتَطَهِّرَ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ أَيْ يَنْوِي ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ عِيَاضٌ إنَّ أَبَا الْمَعَالِيَ الْجُوَيْنِيَّ قَدَّمَ عَبْدَ الْحَقِّ الصَّقَلِّيَّ صَلَّى بِهِ وَقَالَ لَهُ الْبَعْضُ يَدْخُلُ فِي الْكُلِّ يَعْرِضُ لَهُ بِمَسْحِ الرَّأْسِ إذْ كَانَ أَبُو الْمَعَالِي شَافِعِيًّا اهـ. وَهِيَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَذْهَبِ الْمَأْمُومِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا يَنْبَغِي مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْفَرْقِ عَلَى الْقَاعِدَةِ الَّتِي حَكَاهَا الشَّيْخُ حِجَازِيٌّ عَلَى الْمَجْمُوعِ بِقِيلِ مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ مُطْلَقًا قَالَ الْحَطَّابُ أَجَازَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالسَّبْعِينَ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْمُخَالِفِ وَإِنْ رَآهُ يَفْعَلُ مَا يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ اهـ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَحَرِّرْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْخِلَافُ يَتَقَرَّرُ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ يَبْطُلُ الْخِلَافُ فِيهَا] (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْخِلَافُ يَتَقَرَّرُ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ يَبْطُلُ الْخِلَافُ فِيهَا وَيَتَعَيَّنُ قَوْلُ وَاحِدٍ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَهُوَ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ عَلَى الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ) بِمَعْنَى أَنَّ الْمُفْتِي الْمُخَالِفَ إذَا اسْتَفْتَى فِي عَيْنِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي وَقَعَ الْحُكْمُ فِيهَا لَا تَسُوغُ لَهُ الْفَتْوَى فِيهَا بِعَيْنِهَا لِأَنَّهُ قَدْ نَفَذَ فِيهَا الْحُكْمُ بِقَوْلِهِ قَائِلٍ وَمَضَى الْعَمَلُ بِهَا أَمَّا إذَا اسْتَفْتَى فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الْحُكْمُ فِيهَا فَإِنَّهُ يُفْتِي بِمَذْهَبِهِ عَلَى أَصْلِهِ فَالْخِلَافُ إنَّمَا يَبْطُلُ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْمُعَيَّنَةِ خَاصَّةً مَثَلًا وَقْفُ الْمُشَاعِ إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ ثُمَّ رُفِعَتْ الْوَاقِعَةُ عَيْنَهَا لِمَنْ لَا يَرَى صِحَّتَهُ وَكَانَ يُفْتِي بِبُطْلَانِهِ فَهُوَ لَا يَرُدُّهُ وَلَا يَنْقُضُهُ وَنِكَاحُ مَنْ قَالَ لَهَا إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ ثُمَّ رُفِعَتْ مَسْأَلَتُهُ عَيْنُهَا لِمَنْ كَانَ يَرَى لُزُومَ الطَّلَاقِ لَهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرُدَّ هَذَا النِّكَاحَ وَلَا يَنْقُضَهُ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلِذَلِكَ وَقَعَ لَهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهِ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ لَا يُرَدُّ وَلَا يُنْقَضُ وَأَفْتَى مَالِكٌ فِي السَّاعِي الشَّافِعِيِّ إذَا أَخَذَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ شَاةً لِرَجُلَيْنِ خَلِيطَيْنِ فِي الْغَنَمِ شَاةً بِأَنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِهَا بَيْنَهُمَا وَلَا يَخْتَصُّ بِهَا مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبْطَلَ مَا كَانَ يُفْتِي بِهِ وَيَعْتَقِدُهُ مِنْ أَنَّ الشَّاةَ تَكُونُ مَظْلِمَةً مِمَّنْ أُخِذَتْ مِنْهُ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ قَدْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِخِلَافِهِ فَلَا يَتَعَرَّضُ لِحُكْمِهِ بِرَدٍّ وَلَا نَقْضٍ وَوَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فِي عِدَّةِ مَسَائِلَ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَإِنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ إذَا حَكَمَ الْإِمَامُ فِيهَا لَا تُصَلَّى إلَّا بِإِذْنٍ مِنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بَلْ قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ فِي الِاجْتِهَادِيَّاتِ وِفَاقًا قَالَ الْمَحَلِّيُّ لَا مِنْ الْحَاكِمِ بِهِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ اخْتَلَفَ الِاجْتِهَادُ اهـ. لَكِنْ قَالَ الْأَصْلُ وَوَقَعَ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِمْ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا رُفِعَ لِمَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ لَا يُنَفِّذُهُ أَيْ لَا يُقِرُّهُ عَلَى حُكْمِ ذَلِكَ الْحَاكِمِ بَلْ يُمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ فِيهِ عَلَى خِلَافِ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَمَالِكٌ مِنْ أَنَّهُ يُقِرُّهُ عَلَى حُكْمِ ذَلِكَ الْحَاكِمِ. وَلَا

بِفِعْلِهِ ارْتِفَاعَ ذَلِكَ الْمَنْعِ وَالْمَنْعُ قَابِلٌ لِلرَّفْعِ كَمَا يَرْتَفِعُ تَحْرِيمُ الْأَجْنَبِيَّةِ بِالْعَقْدِ عَلَيْهَا وَتَحْرِيمُ الْمُطَلَّقَةِ بِالرَّجْعَةِ وَتَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ بِالِاضْطِرَارِ. وَأَمَّا رَفْعُ تِلْكَ الْفَضَلَاتِ الْخَارِجَةِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ بِالْوُضُوءِ فَمُتَعَذَّرٌ بِالضَّرُورَةِ وَلَمَّا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ يَرْتَفِعُ بِالطَّهَارَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْمَنْعُ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَتَحَرَّرَ حِينَئِذٍ أَنَّ الْحَدَثَ لَهُ مَعْنَيَانِ الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ وَالْمَنْعُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهَا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُهُمْ إنَّ الْحَدَثَ يَرْتَفِعُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ عَلَى حِيَالِهِ مُشْكِلٌ بِسَبَبِ أَنَّ هَذَا الْمَنْعَ يَتَعَلَّقُ بِالْمُكَلَّفِ لَا بِالْعُضْوِ فَالْمُكَلَّفُ هُوَ الْمَمْنُوعُ مِنْ الصَّلَاةِ لَا إنَّ الْعُضْوَ هُوَ الْمَمْنُوعُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْمَنْعُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ بَاقٍ وَلَوْ غَسَلَ جَمِيعَ الْأَعْضَاءِ إلَّا لُمْعَةً وَاحِدَةً فَقَوْلُهُمْ الْحَدَثُ يَرْتَفِعُ عَنْ الْعُضْوِ بِانْفِرَادِهِ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَإِنَّمَا يُعْقَلُ أَنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْعُضْوُ مَمْنُوعًا فِي نَفْسِهِ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِذْنٌ لَهُ وَحْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ فَحِينَئِذٍ نَقُولُ إنَّ الْحَدَثَ ارْتَفَعَ عَنْهُ وَحْدَهُ لَكِنَّ الْمَمْنُوعَ هُوَ الْمُكَلَّفُ وَالْمَنْعُ بَاقٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ حُكْمُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَدَثَ يَرْتَفِعُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ بِانْفِرَادِهِ غَيْرِ مَعْقُولٍ وَتَخْرِيجُ مَسْأَلَةِ الْخُفِّ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ لَا يَصِحُّ فَإِنْ قُلْت لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غُسْلُ الرِّجْلِ يَرْتَفِعُ الْمَنْعُ بِهِ عَنْ الْمُكَلَّفِ بِاعْتِبَارِ لُبْسِ الْخُفِّ خَاصَّةً وَيَبْقَى الْمُكَلَّفُ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّلَاةِ كَمَا قُلْنَا فِي الْوُضُوءِ يَرْفَعُ الْجَنَابَةَ بِاعْتِبَارِ النَّوْمِ خَاصَّةً وَيَبْقَى الْمُكَلَّفُ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّلَاةِ فَتَكُونُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مِثْلَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ سَوَاءً وَيَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ قُلْتُ هَذَا الْجَوَابُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ الْحَدَثُ يَرْتَفِعُ عَنْ عُضْوٍ وَحْدَهُ لَمْ يُخَصِّصُوا بِهِ الرِّجْلَ بَلْ عَمَّمُوهُ فِي جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ وَاتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ غُسْلَ الْوَجْهِ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ بِاعْتِبَارِ خُفٍّ وَلَا غَيْرِهِ. وَكَذَا الْيَدَانِ وَالرَّأْسُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ بِاعْتِبَارِ شَيْءٍ وَلَا الْمُكَلَّفُ تُبَاحُ لَهُ الصَّلَاةُ بِهِ وَحْدَهُ فَصَارَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ غَيْرَ مَعْقُولَةٍ وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ إنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ يَرْفَعُ الْجَنَابَةَ بِاعْتِبَارِ النَّوْمِ خَاصَّةً لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهِ وَفِي رَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ وَحْدَهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ وَلَا قِيَاسٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تَعَبُّدِيَّةٌ وَقَدْ عُلِّلَ الْوُضُوءُ هُنَاكَ بِأُمُورٍ كُلِّهَا بَاطِلَةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَعَبُّدٌ وَمَعَ التَّعَبُّدِ لَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ وَلَوْ صَحَّتْ تِلْكَ الْمَعَانِي فَلَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي كُلِّ عُضْوٍ وَحْدَهُ فَإِنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ وَحْدَهُ لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ الْوُضُوءِ حَتَّى يَصِحَّ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ فَظَهَرَ أَنَّ الْقَوْلَ بِرَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ بِانْفِرَادِهِ قَوْلٌ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ ثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ عَقِيبَهُ لَكِنَّ الْمَنْعَ بَاقٍ إجْمَاعًا فَالْحَدَثُ بَاقٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ قَوْلَنَا إنَّ الْحَدَثَ يَرْتَفِعُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ وَحْدَهُ قَوْلٌ بَاطِلٌ وَإِنَّ الْقَوْلَ بِثُبُوتِ الْحَدَثِ فِي الْأَعْضَاءِ وَفِي كُلِّ عُضْوٍ وَحْدَهُ أَيْضًا قَوْلٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْحَدَثَ هُوَ الْمَنْعُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَنْقُضُهُ بَلْ يُزْجَرُ عَنْ الْخُصُومَةِ فِيهِ نَظَرًا لِوَجْهَيْنِ هُمَا سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ لَمَا اسْتَقَرَّتْ لِلْحُكَّامِ قَاعِدَةٌ وَلَبَقِيَتْ الْخُصُومَاتُ عَلَى حَالِهَا بَعْدَ الْحُكْمِ وَذَلِكَ يُوجِبُ دَوَامَ التَّشَاجُرِ وَالتَّنَازُعِ وَانْتِشَارِ الْفَسَادِ وَدَوَامِ الْعِنَادِ وَهُوَ مُنَافٍ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا نُصِبَ الْحُكَّامُ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ اقْتَصَرَ الْمَحَلِّيُّ حَيْثُ قَالَ إذْ لَوْ جَازَ نَقْضُهُ لَجَازَ نَقْضُ النَّقْضِ وَهَلُمَّ فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ نَصْبِ الْحَاكِمِ مِنْ فَصْلِ الْحُكُومَاتِ وَثَانِيهِمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُنْشِئَ الْحُكْمَ فِي مَوَاضِعِ الِاجْتِهَادِ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِي الدَّلِيلُ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ إمَامِهِ الَّذِي قَلَّدَهُ فَهُوَ مُنْشِئٌ لِحُكْمِ الْإِلْزَامِ فِيمَا يَلْزَمُ وَالْإِبَاحَةِ فِيمَا يُبَاحُ كَالْقَضَاءِ بِأَنَّ الْمَوَاتَ الَّذِي ذَهَبَ إحْيَاؤُهُ صَارَ مُبَاحًا مُطْلَقًا كَمَا كَانَ قَبْلَ الْإِحْيَاءِ وَالْإِنْشَاءِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُنَفِّذٌ لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ بَلْ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ لَهُ أَنَّ مَا حَكَمَ بِهِ فَهُوَ إمَّا نَفْسُ حُكْمِهِ تَعَالَى بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِتَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ وَإِمَّا أَنَّهُ كَالنَّصِّ الْوَارِدِ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي خُصُوصِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ مِنْ جِهَةِ مَنْعِهِ تَعَالَى مِنْ نَقْضِ أَحْكَامِ الْمُجْتَهِدِينَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَفْسَدَةِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّصْوِيبِ فَيَئُولُ الْحَالُ فِيهَا إلَى مَا يُشْبِهُ تَعَارُضَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ بِوَجْهٍ مَا فَيُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مَثَلًا دَلَّ الدَّلِيلُ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ قَبْلَ مِلْكِ الْعِصْمَةِ يَلْزَمُ وَهَذَا الدَّلِيلُ يَشْمَلُ صُوَرًا لَا نِهَايَةَ لَهَا فَإِذَا رُفِعَتْ صُورَةٌ مِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ إلَى حَاكِمٍ شَافِعِيٍّ وَحَكَمَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ وَاسْتِمْرَارِ الْعِصْمَةِ وَإِبْطَالِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى ذَلِكَ النِّكَاحِ كَانَ حُكْمُ الشَّافِعِيِّ كَالنَّصِّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْوَارِدِ مِنْ خُصُوصِ تِلْكَ الصُّورَةِ مِنْ الْجِهَةِ الْمَذْكُورَةِ فَيَكُونُ الْحَالُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى التَّعْلِيقُ قَبْلَ الْمِلْكِ لَازِمٌ وَقَالَ التَّعْلِيقُ قَبْلَ الْمِلْكِ فِي حَقِّ هَذِهِ الْمَرْأَةِ غَيْرُ لَازِمٍ وَالْعِصْمَةُ فِيهَا تَسْتَمِرُّ فَقُلْنَا هَذَانِ نَصَّانِ خَاصٌّ وَعَامٌّ فَنُقَدِّمُ الْخَاصَّ عَلَى الْعَامِّ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ فَكَمَا أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ فِيمَا لَوْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ. وَقَالَ لَا تَقْتُلُوا الرُّهْبَانَ إنَّا نَقْتُلُ الْمُشْرِكِينَ وَنَتْرُكُ الرُّهْبَانَ جَمْعًا بَيْنَ نَصَّيْ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ كَذَلِكَ يَقُولُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُنَا أَعْمَلُ هَذَا الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَتَبْقَى بَقِيَّةُ الصُّورَةِ عِنْدِي يَصِحُّ فِيهَا التَّعْلِيقُ قَبْلَ النِّكَاحِ جَمْعًا بَيْنَ مَا هُوَ كَنَصَّيْ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ وَلِيُّ الْمُفْتِي كَالْحَاكِمِ فِيمَا ذُكِرَ بَلْ هُوَ نَاقِلٌ وَمُخْبِرٌ وَمُعَرِّفٌ بِالْحُكْمِ اُنْظُرْ كِتَابَ الْإِحْكَامِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ لِلْأَصْلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (تَنْبِيهٌ) الشَّرْطُ فِي كَوْنِ حُكْمِ الِاجْتِهَادِيَّاتِ لَا يَنْقُضُ أَنْ

[الفرق بين قاعدة من يجوز له أن يفتي وبين قاعدة من لا يجوز له أن يفتي]

الشَّرْعِيُّ عَنْ مُلَابَسَةِ الصَّلَاةِ وَالْعُضْوُ لَيْسَ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّلَاةِ إنَّمَا الْمَمْنُوعُ هُوَ الْمُكَلَّفُ فَلَا مَعْنَى لِثُبُوتِ الْمَنْعِ عَلَى الْعُضْوِ وَحْدَهُ وَهَذَا يُؤَكِّدُ أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَرْتَفِعُ عَنْ الْعُضْوِ وَحْدَهُ لِأَنَّ الِارْتِفَاعَ عَنْهُ فَرْعُ الثُّبُوتِ فِيهِ فَمَا لَا مَنْعَ فِيهِ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ رَفْعُ الْمَنْعِ مِنْهُ وَهَذَا ضَرُورِيٌّ وَهُوَ يُوَضِّحُ عِنْدَك بُطْلَانَ تِلْكَ الْمَقَالَةِ بِرَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ الْعُضْوِ وَحْدَهُ وَأَنَّهَا مَقَالَةٌ بَاطِلَةٌ وَيَتَّضِحُ لَك أَيْضًا أَنَّ الْوُضُوءَ إنَّمَا رَفَعَ الْجَنَابَةَ هُنَالِكَ بِاعْتِبَارِ النَّوْمِ عَلَى الْمُكَلَّفِ لَا عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْبَحْثِ أَيْضًا بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ إنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَهُوَ عَكْسُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِسَبَبِ أَنَّ الْحَدَثَ هُوَ الْمَنْعُ الشَّرْعِيُّ مِنْ الصَّلَاةِ وَهَذَا الْحَدَثُ الَّذِي هُوَ الْمَنْعُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُكَلَّفِ وَهُوَ بِالتَّيَمُّمِ قَدْ أُبِيحَتْ لَهُ الصَّلَاةُ إجْمَاعًا وَارْتَفَعَ الْمَنْعُ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا مَنْعَ مَعَ الْإِبَاحَةِ فَإِنَّهُمَا ضِدَّانِ وَالضِّدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَإِذَا كَانَتْ الْإِبَاحَةُ ثَابِتَةً قَطْعًا وَالْمَنْعُ مُرْتَفِعٌ قَطْعًا كَانَ التَّيَمُّمُ رَافِعًا لِلْحَدَثِ قَطْعًا فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ بَاطِلٌ قَطْعًا. فَإِنْ قُلْت يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ النَّصُّ وَالْمَعْقُولُ أَمَّا النَّصُّ «فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِحَسَّانَ لَمَّا تَيَمَّمَ وَصَلَّى بِالنَّاسِ أَصَلَّيْت بِأَصْحَابِك وَأَنْتَ جُنُبٌ» فَسَمَّاهُ جُنُبًا مَعَ التَّيَمُّمِ وَلَا نَعْنِي بِعَدَمِ رَفْعِ الْحَدَثِ إلَّا الْجَنَابَةَ وَنَحْوَهَا، وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ إذَا وُجِدَ الْمَاءُ فَلَوْ كَانَ الْحَدَثُ ارْتَفَعَ لَكَانَتْ الْجَنَابَةُ ارْتَفَعَتْ بِالتَّيَمُّمِ وَلَمَّا احْتَاجَ لِلْغُسْلِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي بَقَاءِ الْحَدَثِ وَصِحَّةِ الْقَوْلِ بِهِ ثُمَّ هَذِهِ الْمَقَالَةُ قَالَ بِهَا أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَالْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ قَلِيلُونَ جِدًّا وَالْحَقُّ لَا يَفُوتُ الْجُمْهُورَ غَالِبًا قُلْتُ الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَرَجَ مَخْرَجَ الِاسْتِفْهَامِ لِلِاسْتِطْلَاعِ عَلَى مَا عِنْدَ الْمَسْئُولِ مِنْ الْفِقْهِ فِي التَّيَمُّمِ وَبِمَاذَا يُجِيبُ فَيَظْهَرُ فِقْهُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَأَلَ مُعَاذًا لَمَّا بَعَثَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى الْيَمَنِ «بِمَ تَحْكُمُ فَقَالَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى» الْحَدِيثَ إلَى آخِرِهِ لَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَصْدَرَ هَذَا الْكَلَامَ مَصْدَرَ الْخَبَرِ الْجَازِمِ حَتَّى يَلْزَمَ الْحُجَّةُ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ قَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْخَبَرِ لَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ وَحَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ نُكْتَةٌ عَقْلِيَّةٌ قَطْعِيَّةٌ فَمَتَى عَارَضَهَا نَصٌّ وَجَبَ تَأْوِيلُهُ هَذَا هُوَ قَاعِدَةُ تَعَارُضِ الْقَطْعِيَّاتِ مَعَ الْأَلْفَاظِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ وُجُوبَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ عِنْدَ وُجُودِهِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَلَنَا مَنْعُهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّا نَقُولُ التَّيَمُّمُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ ارْتِفَاعًا مُغَيًّا بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إمَّا طَرَيَان الْحَدَثِ بِأَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ أَوْ يُبَاشِرَ حَدَثًا مِنْ الْأَحْدَاثِ أَوْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ وَتَوَابِعِهَا مِنْ النَّوَافِلِ فَيَصِيرُ مُحْدِثًا حِينَئِذٍ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ يَجِدَ الْمَاءَ فَيَصِيرَ مُحْدِثًا عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ ثَابِتًا إلَى آخِرِ غَايَاتٍ كَثِيرَةٍ أَوْ قَلِيلَةٍ فَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ مَا حَكَمَ بِهِ عَلَى الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا عَلِمْت وَإِلَّا نُقِضَ قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَشَرْحِهِ لِلْمَحَلِّيِّ. (فَإِنْ خَالَفَ) الْحُكْمُ (نَصًّا أَوْ ظَاهِرًا جَلِيًّا وَلَوْ قِيَاسًا) وَهُوَ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ نُقِضَ لِمُخَالَفَتِهِ لِلدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النَّقْضِ عِنْدَ مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ وَعَزَاهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى إلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ أَرَادُوا بِهِ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ مِمَّا نَقْطَعُ بِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ وَإِنْ أَرَادُوا بِهِ قِيَاسًا مَظْنُونًا مَعَ كَوْنِهِ جَلِيًّا فَلَا وَجْهَ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ظَنٍّ وَظَنٍّ اهـ. (أَوْ حَكَمَ) حَاكِمٌ (بِخِلَافِ اجْتِهَادِهِ) قَلَّدَ غَيْرَهُ فِيهِ أَوْ لَا نُقِضَ حُكْمُهُ لِمُخَالَفَتِهِ لِاجْتِهَادِهِ وَامْتِنَاعِ تَقْلِيدِهِ فِيمَا اجْتَهَدَ فِيهِ (أَوْ حَكَمَ) حَاكِمٌ (بِخِلَافِ نَصِّ إمَامِهِ غَيْرِ مُقَلِّدٍ غَيْرَهُ) مِنْ الْأَئِمَّةِ (حَيْثُ يَجُوزُ) لِمُقَلِّدِ إمَامٍ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ بِأَنْ لَمْ يُقَلِّدْ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا لِاسْتِقْلَالِهِ فِيهِ بِرَأْيِهِ أَوْ قَلَّدَ فِيهِ غَيْرَ إمَامِهِ حَيْثُ يُمْتَنَعُ تَقْلِيدُهُ (نُقِضَ) حُكْمُهُ لِمُخَالَفَتِهِ لِنَصِّ إمَامِهِ الَّذِي هُوَ فِي حَقِّهِ لِالْتِزَامِهِ تَقْلِيدَهُ كَالدَّلِيلِ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ أَمَّا إذَا قَلَّدَ فِي حُكْمِهِ غَيْرَ إمَامِهِ حَيْثُ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ فَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ لِعَدَالَتِهِ إنَّمَا حَكَمَ بِهِ لِرُجْحَانِهِ عِنْدَهُ اهـ. بِزِيَادَةٍ مِنْ حَاشِيَةِ الْعَطَّارِ قَالَ الْعَطَّارُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي التَّمْهِيدِ نَقْلًا عَنْ الْغَزَالِيِّ إذَا تَوَلَّى مُقَلِّدٌ لِلضَّرُورَةِ فَحَكَمَ بِمَذْهَبِ غَيْرِ مُقَلِّدِهِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ لِلْمُقَلِّدِ تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ بَلْ عَلَيْهِ إتْبَاعُ مُقَلِّدِهِ نُقِضَ حُكْمُهُ وَإِنْ قُلْنَا لَهُ تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ لَمْ يُنْقَضْ اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّ الدَّامَغَانِيَّ قَاضِيَ بَغْدَادَ الْحَنَفِيَّ فِي أَيَّامِ الْمُعْتَضِدِ وَلَّى ابْنُ سُرَيْجٍ الْقَضَاءَ وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَحْكُمَ إلَّا بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْتَزَمَ ذَلِكَ اهـ وَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ مَا يُقَابِلُ الظَّاهِرَ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِجْمَاعُ الْقَطْعِيُّ وَفِي الظَّاهِرِ الظَّنِّيِّ وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي النَّصِّ الْمَوْجُودِ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ فَإِنْ حَدَثَ بَعْدَهُ وَهُوَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي عَصْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْقَضْ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُقَاسُ بِالنَّصِّ الْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ اهـ زَكَرِيَّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ] (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُفْتِيَ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ كَمَا فِي تَحْرِيرِ الْكَمَالِ هُوَ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ الْفَقِيهُ قَالَ الصَّيْرَفِيُّ مَوْضُوعٌ لِمَنْ قَامَ لِلنَّاسِ بِأَمْرِ دِينِهِمْ وَعَلِمَ جُمَلَ عُمُومِ الْقُرْآنِ وَخُصُوصِهِ وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ وَكَذَلِكَ فِي السُّنَنِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَلَمْ يُوضَعْ لِمَنْ عَلِمَ مَسْأَلَةً وَأَدْرَكَ حَقِيقَتَهَا وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ هُوَ مَنْ اُسْتُكْمِلَ فِيهِ ثَلَاثَةُ شَرَائِطَ الِاجْتِهَادُ وَالْعَدَالَةُ وَالْكَفُّ عَنْ التَّرْخِيصِ وَالتَّسَاهُلِ وَلِلْمُتَسَاهِلِ حَالَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَتَسَاهَلَ فِي طَلَبِ الْأَدِلَّةِ وَطُرُقِ الْأَحْكَامِ وَيَأْخُذَ بِبَادِئِ النَّظَرِ وَأَوَائِلِ الْفِكْرِ

مَعْقُولٌ وَأَمَّا ثُبُوتُ الْمَنْعِ مَعَ الْإِبَاحَةِ وَاجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ فَغَيْرُ مَعْقُولٍ وَإِذَا تَعَارَضَ الْمُسْتَحِيلُ وَالْمُمْكِنُ وَجَبَ الْعُدُولُ إلَى الْقَوْلِ بِمَا هُوَ مُمْكِنٌ. وَقَدْ رَفَعَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْحَدَثَ إلَى غَايَةٍ وَهِيَ طَرَيَان الْحَدَثِ فَجَازَ أَنْ يَرْفَعَ التَّيَمُّمُ الْحَدَثَ إلَى غَايَاتٍ وَكَذَلِكَ نَقُولُ الْأَجْنَبِيَّةُ مَمْنُوعَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَالْعَقْدُ عَلَيْهَا رَافِعٌ لِهَذَا الْمَنْعِ ارْتِفَاعًا مُغَيًّا بِغَايَاتٍ أَحَدُهَا الطَّلَاقُ وَثَانِيهَا الْحَيْضُ وَثَالِثُهَا الصَّوْمُ وَرَابِعُهَا الْإِحْرَامُ وَخَامِسُهَا الظِّهَارُ فَقَدْ وَجَدْنَا الْمَنْعَ يَرْتَفِعُ ارْتِفَاعًا مُغَيًّا بِغَايَاتٍ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ مُغَيًّا بِأَحَدِ ثَلَاثِ غَايَاتٍ وَهَذَا أَمْرٌ مَعْقُولٌ وَوَاقِعٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ مُسْتَحِيلٌ فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ كَوْنَ الْجُمْهُورِ عَلَى شَيْءٍ يَقْتَضِي الْقَطْعَ بِصِحَّتِهِ بَلْ الْقَطْعُ إنَّمَا يَحْصُلُ فِي الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ مَجْمُوعَ الْأُمَّةِ مَعْصُومٌ أَمَّا جُمْهُورُهُمْ فَلَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُمْ وَالظَّاهِرُ إذَا عَارَضَهُ الْقَطْعُ قَطَعْنَا بِبُطْلَانِ ذَلِكَ الظُّهُورِ وَهَا هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ الضِّدَّيْنِ مُسْتَحِيلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ فَيَنْدَفِعُ بِهِ الظُّهُورُ وَالنَّاشِئُ عَنْ قَوْلِ الْجُمْهُورِ فَظَهَرَ لَك بِهَذِهِ الْمَبَاحِثِ بُطْلَانُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ رَفْعِ الْوُضُوءِ لِلْجَنَابَةِ بِاعْتِبَارِ النَّوْمِ وَقَاعِدَةِ رَفْعِ غُسْلِ الرِّجْلِ لِلْحَدَثِ بِاعْتِبَارِ لُبْسِ الْخُفِّ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّمَانُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ أَوْ يُكْرَهُ عَلَى الْخِلَافِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ هُوَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ أَوْ تَغَيَّرَ بِمَا هُوَ ضَرُورِيٌّ لَهُ كَالْجَارِي عَلَى الْكِبْرِيتِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُلَازِمُ الْمَاءَ فِي مَقَرِّهِ وَكَانَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْقِسْمِ أَنْ لَا يُسَمَّى مُطْلَقًا لِأَنَّهُ قَدْ تَقَيَّدَ بِإِضَافَةِ عَيْنٍ أُخْرَى إلَيْهِ لَكِنَّهُ اُسْتُثْنِيَ لِلضَّرُورَةِ فَجُعِلَ مُطْلَقًا تَوْسِعَةً عَلَى الْمُكَلَّفِ وَاخْتِيرَ هَذَا اللَّفْظُ لِهَذَا الْمَاءِ وَهُوَ قَوْلُنَا مُطْلَقٌ لِأَنَّ اللَّفْظَ يُفْرَدُ فِيهِ إذَا عَبَّرَ عَنْهُ فَيُقَالُ مَاءٌ وَشَرِبْت مَاءً. وَهَذَا مَاءٌ وَخَلَقَ اللَّهُ الْمَاءَ رَحْمَةً لِلْعَالَمَيْنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ فَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يُفْرَدُ اللَّفْظُ فِيهِ بَلْ يُقَالُ مَاءُ الْوَرْدِ مَاءُ الرَّيَاحِينِ مَاءُ الْبِطِّيخِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلَا يُذْكَرُ اللَّفْظُ إلَّا مُقَيَّدًا بِإِضَافَةٍ أَوْ مَعْنًى آخَرَ. وَأَمَّا فِي هَذَا الْمَاءِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى لَفْظٍ مُفْرَدٍ مُطْلَقٍ غَيْرِ مُقَيَّدٍ وَإِنْ وَقَعَتْ الْإِضَافَةُ فِيهِ كَقَوْلِنَا مَاءُ الْبَحْرِ وَمَاءُ الْبِئْرِ وَنَحْوُهُمَا فَهِيَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا بِخِلَافِ مَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ الْقَيْدِ وَتِلْكَ الْإِضَافَةِ فَمِنْ هُنَا حَصَلَ الْفَرْقُ مِنْ جِهَةِ التَّعْيِينِ وَاللُّزُومِ وَعَدَمِهِ أَمَّا جَوَازُ الْإِطْلَاقِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَمُشْتَرَكٌ فِيهِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَهَذَا هُوَ ضَابِطُ الْمُطْلَقِ وَأَمَّا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فَهُوَ الَّذِي أُدِّيَتْ بِهِ طَهَارَةٌ وَانْفَصَلَ مِنْ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا مُقَصِّرٌ فِي حَقِّ الِاجْتِهَادِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ وَلَا يَجُوزُ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَتَسَاهَلَ فِي طَلَبِ الرُّخَصِ وَتَأَوُّلِ السُّنَّةِ فَهَذَا مُتَجَوِّزٌ فِي دِينِهِ وَهُوَ آثِمٌ مِنْ الْأَوَّلِ اهـ. لَكِنْ قَالَ مَنْ وَصَفَهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي تَوْشِيحِ التَّرْشِيحِ بِالْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ الْإِمَامِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ تَوْقِيفُ الْفُتْيَا عَلَى حُصُولِ الْمُجْتَهِدِ يُفْضِي إلَى حَرَجٍ عَظِيمٍ وَاسْتِرْسَالِ الْخَلْقِ فِي أَهْوَائِهِمْ فَالْمُخْتَارُ أَنَّ الرَّاوِيَ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ إذَا كَانَ عَدْلًا مُتَمَكِّنًا مِنْ فَهْمِ كَلَامِ الْإِمَامِ ثُمَّ حَكَى لِلْمُقَلَّدِ قَوْلَهُ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْعَامِّيِّ أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ عِنْدَهُ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِي زَمَانِنَا عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْفُتْيَا هَذَا مَعَ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِأَنَّ نِسَاءَ الصَّحَابَةِ كُنَّ يَرْجِعْنَ فِي أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَغَيْرِهِ إلَى مَا يُخْبِرُ بِهِ أَزْوَاجُهُنَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَذَلِكَ فَعَلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ أَرْسَلَ الْمِقْدَادَ فِي قِصَّةِ الْمَذْيِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا أَظْهَرُ فَإِنَّ مُرَاجَعَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ ذَاكَ مُمْكِنَةٌ وَمُرَاجَعَةُ الْمُقَلِّدِ الْآنَ لِلْأَئِمَّةِ السَّابِقِينَ مُتَعَذِّرَةٌ وَقَدْ أَطْبَقَ النَّاسُ عَلَى تَنْفِيذِ أَحْكَامِ الْقُضَاةِ مَعَ عَدَمِ شَرَائِطِ الِاجْتِهَادِ الْيَوْمَ أَيْ لِطُولِ الْمُدَّةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ زَمَنِ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ مَعَ ضَعْفِ الْعِلْمِ وَغَلَبَةِ الْجَهْلِ سِيَّمَا وَقَدْ ادَّعَى الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَكَانَ إمَامًا جَلِيلًا مُتَضَلِّعًا مِنْ الْعُلُومِ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ وَمِنْ أَهْلِ الْقَرْنِ الرَّابِعِ بُلُوغَهُ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ فَلَمْ يُسَلِّمُوا لَهُ فَمَا بَالُك بِغَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ الْبَعِيدَةِ كَمَا فِي رِسَالَةِ كَيْفِيَّةِ الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الزَّيْغِ لِشَيْخِ شُيُوخِنَا السَّيِّدِ أَحْمَدَ دَخْلَانَ وَفِي الْحَطَّابِ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ اسْتِعَاذَةَ الْفَخْرِ فِي الْمَحْصُولِ وَتَبِعَهُ السَّرَّاجُ فِي تَحْصِيلِهِ وَالتَّاجُ فِي حَاصِلِهِ فِي قَوْلِهِمْ فِي كِتَابِ الِاجْتِهَادِ مَا نَصُّهُ وَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَاحِدٌ كَانَ قَوْلُهُ حُجَّةً اهـ. وَإِنْ بَنَى عَلَى بَقَاءِ الِاجْتِهَادِ فِي عَصْرِهِمْ وَالْفَخْرُ تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّمِائَةٍ لَكِنَّهُمْ قَالُوا فِي كِتَابِ الِاسْتِفْتَاءِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِي زَمَانِنَا عَلَى تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ إذْ لَا مُجْتَهِدَ فِيهِ اهـ وَإِذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا مُجْتَهِدَ فِي الْقَرْنِ السَّابِعِ فَكَيْفَ لَا يَنْعَقِدُ بِالْأَوْلَى فِي الْقَرْنِ الرَّابِعَ عَشَرَ وَقَدْ قَالَ الْعَطَّارُ وَفِي عَصْرِنَا وَهُوَ الْقَرْنُ الثَّالِثَ عَشَرَ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ بِتَرَاكُمِ عَظَائِمِ الْخُطُوبِ نَسْأَلُ السَّلَامَةَ اهـ. ثُمَّ قَالَ السُّبْكِيُّ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ مَرَاتِبُ إحْدَاهَا أَنْ يَصِلَ إلَى رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ الْمُقَيَّدِ فَيَسْتَقِلُّ بِتَقْرِيرِ مَذْهَبِ إمَامٍ مُعَيَّنٍ وَنُصُوصِهِ أُصُولًا يَسْتَنْبِطُ مِنْهَا نَحْوُ مَا يَفْعَلُهُ بِنُصُوصِ الشَّارِعِ وَهَذِهِ صِفَةُ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَاَلَّذِي أَظُنُّهُ قِيَامَ الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ فُتْيَا هَؤُلَاءِ وَأَنْتَ تَرَى عُلَمَاءَ الْمَذْهَبِ مِمَّنْ وَصَلَ إلَى هَذِهِ الرُّتْبَةِ هَلْ مَنَعَهُمْ أَحَدٌ الْفَتْوَى أَوْ مَنَعُوا هُمْ أَنْفُسَهُمْ عَنْهَا؛ الثَّانِيَةُ

الْأَعْضَاءِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ طَهُورٌ مُطْلَقٌ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا. فَإِذَا انْفَصَلَ عَنْ الْعُضْوِ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ صَالِحٌ لِلتَّطْهِيرِ أَمْ لَا وَهَلْ هُوَ نَجَسٌ أَمْ لَا وَهَلْ يَنْجُسُ الثَّوْبُ إذَا لَاقَاهُ أَمْ لَا هَذِهِ أَقْوَالٌ لِلْحَنَفِيَّةِ وَلِغَيْرِهَا وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِخُرُوجِهِ عَنْ صَلَاحِيَّتِهِ لِلتَّطْهِيرِ هَلْ ذَلِكَ مُعَلَّلٌ بِإِزَالَةِ الْمَانِعِ أَوْ بِأَنَّهُ أُدِّيَتْ بِهِ قُرْبَةٌ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَسَائِلُ فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْعِلَّةَ إزَالَةُ الْمَانِعِ لَمْ يَنْدَرِجْ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ الْغُسْلُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فِي الْوُضُوءِ إذَا نَوَى فِي الْأُولَى الْوُجُوبَ وَلَا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُزِيلُ الْمَانِعَ وَيَنْدَرِجُ فِيهِ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْمَانِعَ مِنْ الْوَطْءِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ سَبَبَ ذَلِكَ كَوْنُهُ أُدِّيَتْ بِهِ قُرْبَةٌ انْدَرَجَ فِيهِ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَفِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَلَا يَنْدَرِجُ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ تَحْصُلْ بِهِ قُرْبَةٌ عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ وَلِلْقَائِلَيْنِ بِالْمَنْعِ وَخُرُوجِهِ عَنْ كَوْنِهِ صَالِحًا لِلتَّطْهِيرِ مَدَارِكُ أَحْسَنُهَا أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وقَوْله تَعَالَى {لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] . مُطْلَقٌ فِي التَّطْهِيرِ لَا عَامٌّ فِيهِ بَلْ عَامٌّ فِي الْمُكَلَّفِينَ فَإِذَا قَالَ السَّيِّدُ لِعَبِيدِهِ أَخْرَجْت هَذَا الثَّوْبَ لِأُغَطِّيَكُمْ بِهِ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يُغَطِّيهِمْ بِهِ مَرَّاتٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَصْلِ التَّغْطِيَةِ فِي جَمِيعِهِمْ فَإِذَا غَطَّاهُمْ بِهِ مَرَّةً حَصَلَ مُوجِبُ اللَّفْظِ وَكَذَلِكَ هُنَا إذَا تَطَهَّرْنَا بِالْمَاءِ مَرَّةً حَصَلَ مُوجِبُ اللَّفْظِ فَبَقِيَتْ الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ فِيهِ غَيْرَ مَنْطُوقٍ بِهَا فَتَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ عَدَمُ الِاعْتِبَارِ فِي التَّطْهِيرِ إذْ الْأَصْلُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِي التَّطْهِيرِ وَغَيْرِهِ إلَّا مَا وَرَدَتْ الشَّرِيعَةُ بِهِ وَهَذَا وَجْهٌ قَوِيٌّ حَسَنٌ وَمَدْرَكٌ جَمِيلٌ وَاحْتَجُّوا مَعَ هَذَا الْوَجْهِ بِقَوْلِهِمْ إنَّهُ مَاءٌ أُدِّيَتْ بِهِ عِبَادَةٌ فَلَا تُؤَدَّى بِهِ عِبَادَةٌ أُخْرَى كَالرَّقَبَةِ فِي الْعِتْقِ وَبِقَوْلِهِمْ إنَّهُ مَاءُ الذُّنُوبِ فَيَكُونُ نَجِسًا. وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ مَاءُ الذُّنُوبِ لِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا تَوَضَّأَ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ بَيْنِ أَنَامِلِهِ وَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ أَطْرَافِ أُذُنَيْهِ» الْحَدِيثَ. فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَاءَ تَخْرُجُ مَعَهُ الذُّنُوبُ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ إذَا كَانَ مَاءَ الذُّنُوبِ يَكُونُ نَجَسًا لِأَنَّ الذُّنُوبَ مَمْنُوعٌ مِنْ مُلَابَسَتِهَا شَرْعًا وَالنَّجَاسَةُ هِيَ مَنْعٌ شَرْعِيٌّ فَإِذَا حَصَلَ الْمَنْعُ حَصَلَتْ النَّجَاسَةُ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّكُمْ تُجَوِّزُونَ عِتْقَ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ فِي الْكَفَّارَاتِ الْوَاجِبَاتِ وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا كَافِرًا ذِمِّيًّا ثُمَّ خَرَجَ إلَى أَهْلِ الْحَرْبِ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ ثُمَّ غَنِمْنَاهُ عَادَ رَقِيقًا وَجَازَ عِتْقُهُ فِي الْوَاجِبِ مَرَّةً أُخْرَى عِنْدَكُمْ فَمَا قِسْتُمْ عَلَيْهِ لَا يَتِمُّ عَلَى أُصُولِكُمْ سَلَّمْنَا صِحَّةَ الْقِيَاسِ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّهُ عَيْنٌ أُدِّيَتْ بِهِ عِبَادَةٌ فَيَجُوزُ أَنْ تُؤَدَّى بِهِ عِبَادَةٌ أُخْرَى كَالثَّوْبِ فِي سُتْرَةِ الصَّلَاةِ وَاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ. وَكَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ لَكِنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ حَافِظٌ لِلْمَذْهَبِ قَائِمٌ بِتَقْرِيرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَرْتَضْ فِي التَّخْرِيجِ وَالِاسْتِنْبَاطِ كَارْتِيَاضِ أُولَئِكَ وَقَدْ كَانُوا يُفْتُونَ وَيُخَرِّجُونَ كَأُولَئِكَ اهـ وَفِي جَوَازِ إفْتَاءِ مَنْ فِي هَذِهِ الرُّتْبَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَثَالِثُهَا عِنْدَ عَدَمِ الْمُجْتَهِدِ كَمَا حَكَاهُ شَافِعِيٌّ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ الثَّالِثَةُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ هَذَا الْمِقْدَارَ وَلَكِنَّهُ حَافِظٌ لِوَاضِحَاتِ الْمَسَائِلِ غَيْرَ أَنَّ عِنْدَهُ ضَعْفًا فِي تَقْرِيرِ أَدِلَّتِهَا فَعَلَى هَذَا الْإِمْسَاكُ فِيمَا يَغْمُضُ فَهْمُهُ فِيمَا لَا نَقْلَ عِنْدَهُ فِيهِ وَلَيْسَ هَذَا الَّذِي حَكَيْنَا فِيهِ الْخِلَافَ فَإِنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَى الْمَأْخَذِ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ غَيْرُ عَوَامَّ اهـ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ لَهُ الْإِفْتَاءَ فِيمَا لَا يَغْمُضُ فَهْمُهُ قَالَ مُتَأَخِّرٌ شَافِعِيٌّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا رَاجِعًا لِمَحَلِّ الضَّرُورَةِ لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ اهـ. وَثَانِي الْأَقْوَالِ فِيهِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَثَالِثُهَا الْجَوَازُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُجْتَهِدِ وَعَدَمِ الْجَوَازِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ وَقِيلَ الصَّوَابُ إنْ كَانَ السَّائِلُ يُمْكِنُهُ التَّوَصُّلُ إلَى عَالِمٍ يَهْدِيهِ السَّبِيلَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ اسْتِفْتَاءُ مِثْلِ هَذَا وَلَا يَحِلُّ لِهَذَا أَنْ يُنَصِّبَ نَفْسَهُ لِلْفَتْوَى مَعَ وُجُودِ هَذَا الْعَالِمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَلَدِهِ أَوْ نَاحِيَتِهِ غَيْرُهُ فَلَا رَيْبَ أَنَّ رُجُوعَهُ إلَيْهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَقْدُمَ عَلَى الْعَمَلِ بِلَا عِلْمٍ أَوْ يَبْقَى مُرْتَبِكًا فِي حَيْرَتِهِ مُتَرَدِّدًا فِي عَمَاهُ وَجَهَالَتِهِ بَلْ هَذَا هُوَ الْمُسْتَطَاعُ مِنْ تَقْوَاهُ الْمَأْمُورُ بِهَا وَهُوَ حَسَنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (أَمَّا الْعَامِّيُّ) إذَا عَرَفَ حُكْمَ حَادِثَةٍ بِدَلِيلِهَا فَهَلْ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِهِ وَيَسُوغَ لِغَيْرِهِ تَقْلِيدُهُ فَفِيهِ أَوْجُهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ أَحَدُهَا لَا مُطْلَقًا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلِاسْتِدْلَالِ وَعَدَمِ عِلْمِهِ بِشُرُوطِهِ وَمَا يُعَارِضُهُ وَلَعَلَّهُ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ دَلِيلًا وَهَذَا فِي بَحْرِ الزَّرْكَشِيّ الْأَصَحُّ ثَانِيهَا نَعَمْ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِهِ كَمَا لِلْعَالِمِ وَتَمَيُّزِ الْعَالِمِ عَنْهُ لِقُوَّةٍ يَتَمَكَّنُ بِهَا مِنْ تَقْرِيرِ الدَّلِيلِ وَدَفْعِ الْمُعَارِضِ لَهُ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ بِدَلِيلِهِ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ الدَّلِيلُ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً جَازَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُمَا خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ فَيَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْعَمَلُ بِمَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْهُمَا وَإِرْشَادُ غَيْرِهِ إلَيْهِ رَابِعُهَا إنْ كَانَ نَقْلِيًّا جَازَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ السُّبْكِيُّ (وَأَمَّا الْعَامِّيُّ) الَّذِي عَرَفَ مِنْ الْمُجْتَهِدِ حُكْمَ مَسْأَلَةٍ وَلَمْ يَدْرِ دَلِيلَهَا كَمَنْ حَفِظَ مُخْتَصَرًا مِنْ مُخْتَصَرَاتِ الْفِقْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ وَرُجُوعُ الْعَامِّيِّ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ سِوَاهُ أَوْلَى مِنْ الِارْتِبَاكِ فِي الْحَيْرَةِ. وَكُلُّ هَذَا فِي مَنْ لَمْ يَنْقُلْ عَنْ غَيْرِهِ أَمَّا النَّاقِلُ فَلَا يُمْنَعُ فَإِذَا ذَكَرَ الْعَامِّيُّ أَنَّ فُلَانًا الْمُفْتِيَ أَفْتَانِي بِكَذَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ نَقْلِ هَذَا الْقَدْرِ. اهـ. لَكِنْ لَيْسَ لِلْمَذْكُورِ لَهُ الْعَمَلُ بِهِ عَلَى مَا فِي الزَّرْكَشِيّ لَا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يَعْمَلَ بِفَتْوَى مُفْتٍ لِعَامِّيٍّ مِثْلِهِ أَفَادَ جَمِيعَ هَذَا أَمِيرُ الْحَاجِّ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ شَرْحِهِ عَلَى التَّحْرِيرِ الْأُصُولِيِّ

الْمَالُ فِي الزَّكَاةِ لَوْ اشْتَرَاهُ مِمَّنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ الْفُقَرَاءِ جَازَ أَنْ يُخْرِجَهُ فِي الزَّكَاةِ مَرَّةً أُخْرَى وَكَذَلِكَ السَّيْفُ فِي الْجِهَادِ يُجَاهِدُ بِهِ مِرَارًا وَالْفَرَسُ وَغَيْرُهُ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ فِي الشَّرِيعَةِ تُؤَدَّى بِهِ الْعِبَادَاتُ مِرَارًا كَثِيرَةً نُعَارِضُكُمْ بِهِ فِي هَذَا الْقِيَاسِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الذُّنُوبَ لَيْسَتْ أَجْرَامًا تُوجِبُ تَنْجِيسَ الْمَاءِ وَالنَّجَاسَةُ فِي الشَّرْعِ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْأَجْرَامِ عِنْدَ اتِّصَافِهَا بِأَعْرَاضٍ أُخَرَ وَهَذِهِ لَيْسَتْ أَجْرَامًا فَلَا تَكُونُ تُوجِبُ التَّنْجِيسَ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ مُلَابَسَةَ الذُّنُوبِ حَرَامٌ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَإِنَّمَا الذُّنُوبُ الَّتِي تَحْرُمُ مُلَابَسَتُهَا فِي الشَّرِيعَةِ هِيَ أَفْعَالٌ خَاصَّةٌ لِلْمُكَلَّفِ اخْتِيَارِيَّةٌ مُكْتَسَبَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ. وَأَمَّا هَذِهِ الذُّنُوبُ فَمَعْنَاهَا اسْتِحْقَاقُ الْمُؤَاخَذَةِ وَذَلِكَ حُكْمٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِعْلٌ لِلْمُكَلَّفِ وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَيَخْتَصُّ بِهِ لَا اخْتِيَارَ لِلْمُكَلَّفِ فِيهِ وَلَا كَسْبَ وَحِينَئِذٍ لَا يُوصَفُ بِتَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا إيهَامٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ السَّلَفَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يُبَاشِرُونَ الْأَسْفَارَ مَعَ قِلَّةِ الْمَاءِ فِيهَا وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ جَمَعَ مَاءَ طَهَارَتِهِ لِيَسْتَعْمِلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ لَا يُتَطَهَّرُ بِهِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْغَالِبَ فِي ذَلِكَ الْمَاءِ التَّغَيُّرُ لَا سِيَّمَا فِي زَمَنِ الصَّيْفِ وَشُعْثِ السَّفَرِ فَلَا يَنْفَصِلُ إلَّا مُتَغَيِّرًا بِالْأَعْرَاقِ وَغَيْرِهَا وَالْمُتَغَيِّرُ لَا يَصْلُحُ لِلتَّطْهِيرِ إنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ أَمَّا هَذَا فَمَانِعٌ آخَرُ غَيْرُ كَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَالْمَاءِ الْمُطْلَقِ. (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّجَاسَاتِ فِي الْبَاطِنِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النَّجَاسَاتِ تُرَدُّ عَلَى بَاطِنِ الْحَيَوَانِ) اعْلَمْ أَنَّ بَاطِنَ الْحَيَوَانِ مُشْتَمِلٌ عَلَى رُطُوبَاتٍ كَالدَّمِ وَالْمَذْيِ وَالْمَنِيِّ وَالْبَوْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الرُّطُوبَاتِ وَكَذَلِكَ أَثَفَالُ الْغِذَاءِ وَالْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ الدَّمُ وَالصَّفْرَاءُ وَالسَّوْدَاءُ وَالْبَلْغَمُ وَجَمِيعُ ذَلِكَ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِنَجَاسَةٍ فَمَنْ حَمَلَ حَيَوَانًا فِي صَلَاتِهِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فَإِذَا انْفَصَلَتْ هَذِهِ الرُّطُوبَاتُ وَالْأَثْفَالُ مِنْ بَاطِنِ الْحَيَوَانِ فَحِينَئِذٍ يُقْبَلُ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهَا بِالنَّجَاسَةِ فَالدَّمُ لَمْ أَرَ أَحَدًا قَضَى عَلَيْهِ بِالطَّهَارَةِ. وَأَمَّا الْبَوْلُ وَالْعُذْرَةُ فَهُمَا نَجَسَانِ مِنْ بَنِي آدَمَ وَمِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَأَمَّا مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَهُمَا مِنْهُ عِنْدَ مَالِكٍ طَاهِرَانِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ نَجَسَانِ وَمِنْ الْحَيَوَانِ الْمَكْرُوهِ الْأَكْلِ قِيلَ مَكْرُوهَانِ كَاللَّحْمِ وَقِيلَ نَجَسَانِ تَغْلِيبًا لِلِاسْتِقْذَارِ وَأَمَّا الدَّمُ وَالسَّوْدَاءُ فَهُمَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ نَجَسَانِ وَالْبَلْغَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّجَاسَاتِ فِي الْبَاطِنِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النَّجَاسَاتِ تُرَدُّ عَلَى بَاطِنِ الْحَيَوَانِ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ زِيَادَةٍ وَتَوْضِيحِ الْمَقَامِ عَلَى مَا يُرَامُ أَنَّ الْإِفْتَاءَ كَانَ فِي الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي شَهِدَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» مِنْ خَوَاصِّ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ ضَرُورَةَ أَنَّ الِاجْتِهَادَ اسْتِفْرَاغُ الْفَقِيهِ الْوُسْعَ لِتَحْصِيلِ ظَنٍّ بِحُكْمٍ وَالْفَقِيهُ هُوَ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ وَتَحَقُّقُ مَاهِيَةِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ لَا يُوجَدُ إلَّا بِشُرُوطٍ مِنْهَا مَا هِيَ صِفَةٌ فِيهِ وَهِيَ مَا ذَكَرَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ بِقَوْلِهِ مَعَ تَوْضِيحٍ مِنْ شَرْحِ الْمَحَلِّيّ وَغَيْرِهِ (هُوَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ) أَيْ ذُو الْمَلَكَةِ الَّتِي يُدْرِكُ بِهَا الْمَعْلُومَ أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْلَمَ (فَقِيهُ النَّفْسِ) أَيْ شَدِيدُ الْفَهْمِ بِالطَّبْعِ لِمَقَاصِدِ الْكَلَامِ وَإِنْ أَنْكَرَ الْقِيَاسَ (الْعَارِفُ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ) أَيْ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالتَّكْلِيفِ بِهِ فِي الْحُجِّيَّةِ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّا مُكَلَّفُونَ بِالتَّمَسُّكِ بِاسْتِصْحَابِ الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ إلَى أَنْ يُصْرَفُ عَنْهُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ (ذُو الدَّرَجَةِ الْوُسْطَى) أَوْ الْكَامِلَةِ لُغَةً وَعَرَبِيَّةً مِنْ نَحْوٍ وَتَصْرِيفٍ وَأُصُولًا بِأَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَبَلَاغَةٍ مِنْ مَعَانٍ وَبَيَانٍ وَمَا تَتَعَلَّقُ الْأَحْكَامُ بِهِ بِدَلَالَتِهِ عَلَيْهَا مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْ الْمُتُونَ لِيَتَأَتَّى لَهُ الِاسْتِنْبَاطُ الْمَقْصُودُ بِالِاجْتِهَادِ أَمَّا عِلْمُهُ بِآيَاتِ الْأَحْكَامِ وَأَحَادِيثِهَا أَيْ مَوَاقِعِهَا. وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْهَا فَلِأَنَّهَا الْمُسْتَنْبَطُ مِنْهُ وَأَمَّا عِلْمُهُ بِأُصُولِ الْفِقْهِ فَلِأَنَّهُ يَعْرِفُ بِهِ كَيْفِيَّةَ الِاسْتِنْبَاطِ وَغَيْرَهَا لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَأَمَّا عِلْمُهُ بِالْبَاقِي فَلِأَنَّهُ لَا يَفْهَمُ الْمُرَادَ مِنْ الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهُ إلَّا بِهِ لِأَنَّهُ عَرَبِيٌّ بَلِيغٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ شَرْطٌ فِي الِاجْتِهَادِ لَا صِفَةٌ فِي الْمُجْتَهِدِ وَهِيَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ السُّبْكِيّ عَنْ وَالِدِهِ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ مِنْ كَوْنِهِ خَبِيرًا بِمَوَاقِع الْإِجْمَاعِ كَيْ لَا يَخْرِقَهُ وَبِالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ لِيُقَدِّمَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي وَبِأَسْبَابِ النُّزُولِ لِتُرْشِدَهُ إلَى فَهْمِ الْمُرَادِ وَبِشَرْطِ الْمُتَوَاتِرِ وَالْآحَادِ الْمُحَقِّقِ لَهُمَا لِيُقَدِّمَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي وَبِالصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ مِنْ الْحَدِيثِ أَيْ مَاصَدَقَاتِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْحَسَنَةِ وَالضَّعِيفَةِ لَا مَفَاهِيمُهَا فَإِنَّ ذَلِكَ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ لِيُقَدِّمَ مَاصَدَق الصَّحِيحَةِ وَالْحَسَنَةِ عَلَى مَاصَدَق الضَّعِيفَةِ وَبِحَالِ الرُّوَاةِ فِي الْقَبُولِ وَالرَّدِّ لِيُقَدِّمَ الْمَقْبُولَ عَلَى الْمَرْدُودِ وَيُشْتَرَطُ لِاعْتِمَادِ قَوْلِهِ لَا لِاجْتِهَادِهِ الْعَدَالَةُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَوْنِ الْبَحْثِ عَنْ الْمُعَارِضِ كَالْمُخَصَّصِ وَالْمُقَيَّدِ وَالنَّاسِخِ. وَعَنْ اللَّفْظِ هَلْ مَعَهُ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ لِيَسْلَمَ مَا يَسْتَنْبِطُهُ عَنْ تَطَرُّقِ الْخَدْشِ إلَيْهِ لَوْ لَمْ يَبْحَثْ وَاجِبًا أَوْ أَوْلَى فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ وَهَذِهِ الشُّرُوطُ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى تَسْلِيمِ تَحَقُّقِهَا فِي عُلَمَاءِ تِلْكَ الْقُرُونِ وَلَمْ يُعَارِضُوا مَنْ ادَّعَى الِاجْتِهَادَ الْمُطْلَقَ مِنْهُمْ. وَأَمَّا عُلَمَاءُ الْقَرْنِ الرَّابِعِ وَعُلَمَاءُ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْقُرُونِ إلَى هَذَا

وَالصَّفْرَاءُ. عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ طَاهِرَانِ مِنْ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا الْمَنِيُّ فَنَجِسٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَطَاهِرٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْمَذْيُ نَجِسٌ عِنْدَهُمَا وَكَذَا الْوَدْيُ وَالْمَعِدَةُ طَاهِرَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ نَجِسَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ هَذَا حُكْمُ الْحَيَوَانِ وَمَا فِي بَاطِنِهِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ. وَأَمَّا مَا حَصَلَ فِي بَاطِنِهِ مِنْ خَارِجٍ مِنْ النَّجَاسَاتِ بَعْدَ أَنْ قَضَى عَلَيْهِ بِالتَّنْجِيسِ فَهُوَ نَجِسٌ وَيَنْجُسُ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعِدَةِ وَغَيْرِهَا فَمَنْ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ أَكَلَ مَيْتَةً أَوْ شَرِبَ بَوْلًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مُلَابِسٌ فِي صَلَاتِهِ مَا قَضَى اللَّهُ عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ وَقَوْلُنَا مَا فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إنَّمَا يُرِيدُ الْعُلَمَاءُ بِذَلِكَ الَّذِي لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِالتَّنْجِيسِ أَمَّا مَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالتَّنْجِيسِ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ فِي ظَاهِرِ الْجَسَدِ وَفِي بَاطِنِهِ تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ فَإِنْ حَدَثَ عَنْهُ عَرَقٌ يُخْتَلَفُ فِي نَجَاسَةِ ذَلِكَ الْعَرَقِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي رَمَادِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ الَّتِي طَرَأَتْ عَلَيْهَا التَّغَيُّرَاتُ وَالِاسْتِحَالَاتُ فَإِذَا صَارَ غِذَاءً وَأَجْزَاءً مِنْ الْأَعْضَاءِ لَحْمًا وَعَظْمًا وَغَيْرَهُمَا مِنْ الْأَعْضَاءِ فَقَدْ صَارَ طَاهِرًا بَعْدَ الِاسْتِحَالَةِ فَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي الْبَقَرَةِ الْجَلَّالَةِ وَالشَّاةِ تَشْرَبُ لَبَنَ خِنْزِيرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا بَعُدَتْ الِاسْتِحَالَةُ طَهُرَ كَمَا أَنَّ الدَّمَ إذَا صَارَ مَنِيًّا ثُمَّ آدَمِيًّا قُضِيَ بِطَهَارَتِهِ بَعْدَ الِاسْتِحَالَةِ وَمَا طُرِحَ مِنْ الْأَغْذِيَةِ الطَّاهِرَةِ فِي مَعِدَةِ الْحَيَوَانِ كَانَ طَاهِرًا عِنْدَ مَالِكٍ حَتَّى يَتَغَيَّرَ إلَى صِفَةِ الْعُذْرَةِ أَوْ يَخْتَلِطَ بِنَجَاسَةٍ مِنْ عَرَقٍ يُنْشَرُ فِي بَاطِنِ الْجَسَدِ وَنَحْوِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ كُلُّ مَا يَصِلُ إلَى الْمَعِدَةِ يَتَنَجَّسُ بِهَا لِأَنَّهَا عِنْدَهُ نَجِسَةٌ وَعَرَضَ هَا هُنَا فَرْعٌ وَهُوَ جُبْنُ الرُّومِ فَإِنَّهُمْ يَعْمَلُونَهُ بِالْإِنْفَحَةِ وَهُمْ لَا يُذَكُّونَ بَلْ الْإِنْفَحَة مَيْتَةٌ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ الْمُحَقِّقُونَ هُوَ نَجِسٌ لِذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ هُوَ طَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَعِدَةَ طَاهِرَةٌ وَاللَّبَنُ الَّذِي يَشْرَبُهُ فِيهَا طَاهِرٌ فَيَكُونُ الْجُبْنُ طَاهِرًا وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ بِالْمَوْتِ صَارَ جُرْمُ الْمَعِدَةِ نَجِسًا فَيَنْجُسُ اللَّبَنُ الْكَائِنُ فِيهِ فَيَصِيرُ الْجُبْنُ نَجِسًا ـــــــــــــــــــــــــــــSهَذَا حُكْمُ الْحَيَوَانِ وَمَا فِي بَاطِنِهِ قَبْلَ انْفِصَالِهِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ وَحَكَاهُ صَحِيحٌ. قَالَ (أَمَّا مَا حَصَلَ فِي بَاطِنِهِ مِنْ خَارِجٍ مِنْ النَّجَاسَاتِ بَعْدَ أَنْ قَضَى عَلَيْهِ بِالتَّنْجِيسِ فَيُنَجِّسُ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَعِدَةِ وَغَيْرِهَا فَمَنْ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ أَكَلَ مَيْتَةً أَوْ شَرِبَ بَوْلًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مُلَابِسٌ فِي صَلَاتِهِ مَا قَضَى اللَّهُ عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ إلَى قَوْلِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ فِي ظَاهِرِ الْجَسَدِ وَفِي بَاطِنِهِ تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ) قُلْتُ لَمْ أَقِفْ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ عَلَى مَا قَالَهُ هُنَا مِنْ بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ فِي جَوْفِهِ نَجَاسَةٌ وَرَدَتْ عَلَيْهِ وَلَا أَرَاهُ صَحِيحًا. قَالَ (فَإِنْ حَدَثَ عَنْهُ عِرْقٌ يُخْتَلَفُ فِي نَجَاسَةِ ذَلِكَ الْعِرْقِ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ نَجِسَةٌ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا وَحَكَاهُ صَحِيحٌ. قَالَ (وَعَرَضَ هَا هُنَا فَرْعٌ وَهُوَ جُبْنُ الرُّومِ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَرْنِ فَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي تَسْلِيمِ تَحَقُّقِ تِلْكَ الشُّرُوطِ فِي بَعْضِهِمْ وَعَدَمِ تَسْلِيمِ ذَلِكَ فَادَّعَى جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْقَرْنِ الرَّابِعِ فَمَا بَعْدَهُ تَحَقُّقَ تِلْكَ الشُّرُوطِ فِيهِ وَأَنَّهُ بَلَغَ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ بِنَاءً عَلَى أُمُورٍ أَحَدُهَا قَوْلُ ابْنِ السُّبْكِيّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ مَعَ تَوْضِيحٍ مِنْ الْمَحَلِّيّ وَيَكْفِي الْخِبْرَةُ بِحَالِ الرُّوَاةِ فِي زَمَانِنَا الرُّجُوعُ إلَى أَئِمَّةِ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمْ فَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِمْ فِي التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ لِتَعَذُّرِهِمَا فِي زَمَانِنَا إلَّا بِوَاسِطَةٍ وَهُمْ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ. 2 - وَثَانِيهَا قَوْلُ الْعَلَّامَةِ الْمُحَقِّقِ الشَّيْخِ جَلَالِ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّيُوطِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رِسَالَتِهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَخْلَدَ إلَى الْأَرْضِ أَنَّ الِاجْتِهَادَ الْمُطْلَقَ قِسْمَانِ مُسْتَقِلٌّ وَغَيْرُ مُسْتَقِلٍّ وَالْمُسْتَقِلُّ هُوَ الَّذِي اسْتَقَلَّ بِقَوَاعِدِهِ لِنَفْسِهِ يَبْنِي عَلَيْهَا الْفِقْهَ خَارِجًا عَنْ قَوَاعِدِ الْمَذَاهِبِ الْمُقَرَّرَةِ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَدَاوُد وَغَيْرِهِمْ مِنْ مُجْتَهِدِي الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْخَيْرِيَّةِ قَالَ السُّيُوطِيّ. وَهَذَا الْقِسْمُ قَدْ فُقِدَ مِنْ دَهْرٍ بَلْ لَوْ أَرَادَهُ الْإِنْسَانُ الْيَوْمَ لَامْتَنَعَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ ابْنُ بُرْهَانٍ فِي كِتَابِهِ فِي الْأُصُولِ أُصُولُ الْمَذَاهِبِ وَقَوَاعِدُ الْأَدِلَّةِ مَنْقُولَةٌ عَنْ السَّلَفِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْدُثَ فِي الْأَعْصَارِ خِلَافُهَا اهـ كَلَامُ ابْنِ بُرْهَانٍ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ اتِّبَاعُ الْأَئِمَّةِ الْآنَ الَّذِينَ حَازُوا شُرُوطَ الِاجْتِهَادِ مُجْتَهِدُونَ مُلْتَزِمُونَ أَنْ لَا يُحْدِثُوا مَذْهَبًا أَمَّا كَوْنُهُمْ مُجْتَهِدِينَ فَلِأَنَّ الْأَوْصَافَ قَائِمَةٌ بِهِمْ. وَأَمَّا كَوْنُهُمْ مُلْتَزِمِينَ أَنْ لَا يُحْدِثُوا مَذْهَبًا فَلِأَنَّ إحْدَاثَ مَذْهَبٍ زَائِدٍ بِحَيْثُ يَكُونُ لِفُرُوعِهِ أُصُولٌ وَقَوَاعِدُ مُبَايِنَةٌ لِسَائِرِ قَوَاعِدِ الْمُتَقَدِّمِينَ مُتَعَذِّرُ الْوُجُودِ لِاسْتِيعَابِ الْمُتَقَدِّمِينَ سَائِرَ الْأَسَالِيبِ اهـ كَلَامُهُ وَذَكَرَ نَحْوَهُ ابْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ وَهُوَ مَالِكِيٌّ أَيْضًا وَالْمُجْتَهِدُ غَيْرُ الْمُسْتَقِلِّ هُوَ الَّذِي وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ الِاجْتِهَادِ الْمَذْكُورَةِ الَّتِي اتَّصَفَ بِهَا الْمُجْتَهِدُ الْمُسْتَقِلُّ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَبْتَكِرْ لِنَفْسِهِ قَوَاعِدَ بَلْ سَلَكَ طَرِيقَةَ إمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ فِي الِاجْتِهَادِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ فِي كِتَابِهِ آدَابِ الْفُتْيَا وَهَذَا لَا يَكُونُ مُقَلِّدَ الْإِمَامَةِ لَا فِي الْمَذْهَبِ وَلَا فِي دَلِيلِهِ لِاتِّصَافِهِ بِصِفَةِ الْمُسْتَقِلِّ وَإِنَّمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ لِسُلُوكِهِ طَرِيقَهُ فِي الِاجْتِهَادِ وَادَّعَى الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ هَذِهِ الصِّفَةَ لِأَصْحَابِنَا فَحَكَى عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُمْ صَارُوا إلَى مَذْهَبِ أَئِمَّتِهِمْ تَقْلِيدًا لَهُمْ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَهُوَ أَنَّهُمْ صَارُوا إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لَا تَقْلِيدًا لَهُ بَلْ

وَاَلَّذِي رَأَيْت عَلَيْهِ فَتَاوَى الْعُلَمَاءِ فِي الْعَصْرِ تَحْرِيمُهُ وَتَنْجِيسُهُ بِنَاءً عَلَى هَذَا إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْمَبَاحِثُ فَيَكُونُ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَنْشَأُ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ مِنْ النَّجَاسَاتِ وَبَيْنَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ أَنَّ الَّذِي نَشَأَ فِيهِ أَصْلُهُ الطَّهَارَةُ فَاسْتُصْحِبَتْ وَالْوَارِدُ قَدْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ قَبْلَ أَنْ يَرِدَ فَكَانَ الْأَصْلُ فِيهِ النَّجَاسَةَ فَاسْتُصْحِبَتْ فَاسْتِصْحَابُ الْحَالِ فِيهِمَا أَوْجَبَ الْحُكْمَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَاَلَّذِي رَأَيْت عَلَيْهِ فَتَاوَى الْعُلَمَاءِ فِي الْعَصْرِ تَحْرِيمُهُ وَتَنْجِيسُهُ بِنَاءً عَلَى هَذَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الرُّومَ لَا يُذَكُّونَ قَدْ حَكَى بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُذَكِّي وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُمْ لَا يُذَكُّونَ لَيْسَتْ الْإِنْفَحَة مُتَعَيِّنَةً لِعَقْدِ الْجُبْنِ فَإِنَّهُ قَدْ يُعْقَدُ بِغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ طَاهِرٌ كَبَعْضِ الْأَعْشَابِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الرُّومَ لَا يُذَكُّونَ وَأَنَّ الطَّائِفَةَ الَّذِينَ يَكُونُ الْجُبْنُ الْمُعَيَّنُ جُبْنَهُمْ لَا يُذَكُّونَ وَأَنَّهُمْ لَا يَعْقِدُونَ بِغَيْرِ الْإِنْفَحَةِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَوْلَ مَا ارْتَضَاهُ وَحَكَاهُ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَوَقَعَ الِاحْتِمَالُ فَهُوَ مَوْضِعُ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَالْأَقْوَى نَقْلًا وَنَظَرًا الْجَوَازُ وَعَدَمُ التَّنْجِيسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْمَبَاحِثُ فَيَكُونُ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَنْشَأُ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ مِنْ النَّجَاسَاتِ وَبَيْنَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ أَنَّ الَّذِي نَشَأَ فِيهِ أَصْلُهُ الطَّهَارَةُ فَاسْتُصْحِبَتْ وَالْوَارِدُ قَدْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ قَبْلَ أَنْ يَرِدَ فَكَانَ الْأَصْلُ فِيهِ النَّجَاسَةَ فَاسْتُصْحِبَتْ فَاسْتِصْحَابُ الْحَالِ فِيهِمَا أَوْجَبَ الْحُكْمَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ) قُلْتُ لَا شَكَّ أَنَّ عَيْنَ مَا فِي الْبَاطِنِ هُوَ عَيْنُ مَا فِي الْخَارِجِ مِنْ الْعُذْرَةِ وَالْبَوْلِ وَغَيْرِهِمَا فَإِذَا حَكَمَ لِمَا فِي الْبَاطِنِ مِنْ ذَلِكَ بِالطَّهَارَةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَحْكُمَ لِمَا فِي الْخَارِجِ بِالطَّهَارَةِ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَا كَانَ فِي الْبَاطِنِ وَلَمَّا لَمْ يَحْكُمْ لِمَا فِي الْخَارِجِ بِالطَّهَارَةِ إجْمَاعًا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ لِمَا فِي الْبَاطِنِ بِالطَّهَارَةِ لِأَنَّ أَصْلَهُ الطَّهَارَةُ بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ هَذَا إنْ سَلَّمَ أَنَّ حُكْمَ مَا فِي الْبَاطِنِ الطَّهَارَةُ لَكِنَّهُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ مَا فِي الْبَاطِنِ مِنْ ذَلِكَ بِطَاهِرٍ بَلْ هُوَ نَجَسٌ لَكِنَّهُ عُفِيَ عَنْهُ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى إزَالَتِهِ وَإِذَا كَانَ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ مَعْفُوًّا عَنْهُ مَعَ إمْكَانِ الْإِزَالَةِ دَفْعًا لِمَشَقَّةِ الْإِزَالَةِ مَعَ إمْكَانِهَا فَأَحْرَى أَنْ يُعْفَى عَمَّا تَعَذَّرَتْ فِيهِ الْإِزَالَةُ وَالدَّاعِي إلَى هَذَا الْكَلَامِ وَاخْتِيَارُهُ دُونَ مَا اخْتَارَهُ أَنَّ عَيْنَ مَا فِي الْخَارِجِ هُوَ عَيْنُ مَا فِي الْبَاطِنِ مَعَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِطَهَارَتِهِ فِي الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ وَبِالْجُمْلَةِ فَكَلَامُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَلَا الظَّاهِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمَّا وَجَدُوا طَرِيقَهُ فِي الِاجْتِهَادِ وَالْقِيَاسِ أَسَدَّ الطُّرُقِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُدٌّ مِنْ الِاجْتِهَادِ سَلَكُوا طَرِيقَهُ فَطَلَبُوا مَعْرِفَةَ الْأَحْكَامِ بِطَرِيقِ الشَّافِعِيِّ وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ نَحْوَ هَذَا فَقَالَ اتَّبَعْنَا الشَّافِعِيَّ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّا وَجَدْنَا قَوْلَهُ أَرْجَحَ الْأَقْوَالِ وَأَعْدَلَهَا لَا أَنَّا قَلَّدْنَاهُ قَالَ النَّوَوِيُّ. هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُوَافِقٌ لِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ الْمُزَنِيّ فِي أَوَّلِ مُخْتَصَرِهِ وَغَيْرُهُ بِقَوْلِهِ مَعَ إعْلَامِهِ بِنَهْيِهِ عَنْ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ قَالَ ثُمَّ فَتْوَى الْمُفْتِي فِي هَذَا النَّوْعِ كَفَتْوَى الْمُسْتَقِلِّ فِي الْعَمَلِ بِهَا وَالِاعْتِدَادِ بِهَا فِي الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ اهـ كَلَامُ النَّوَوِيِّ قَالَ السُّيُوطِيّ فَالْمُطْلَقُ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ الْمُسْتَقِلِّ فَكُلُّ مُسْتَقِلٍّ مُطْلَقٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُطْلَقٍ مُسْتَقِلًّا وَاَلَّذِي ادَّعَيْنَاهُ هُوَ الِاجْتِهَادُ الْمُطْلَقُ لَا الِاسْتِقْلَالُ بَلْ نَحْنُ تَابِعُونَ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَسَالِكُونَ طَرِيقَهُ فِي الِاجْتِهَادِ امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ وَمَعْدُودُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَكَيْفَ يُظَنُّ أَنَّ اجْتِهَادَنَا مُقَيَّدٌ وَالْمُجْتَهِدُ الْمُقَيَّدُ إنَّمَا يَنْقُصُ عَنْ الْمُطْلَقِ بِإِخْلَالِهِ بِالْحَدِيثِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ مَشْرِقِهَا إلَى مَغْرِبِهَا أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ وَالْعَرَبِيَّةِ مِنِّي إلَّا أَنْ يَكُونَ الْخَضِرُ أَوْ الْقُطْبُ أَوْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ أَقْصِدْ دُخُولَهُمْ فِي عِبَارَتِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ كَلَامُ السُّيُوطِيّ الْأَمْرُ الثَّالِثُ أَنَّ الِاجْتِهَادَ الْمُطْلَقَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَكَيْفَ يَدَّعِي خُلُوَّ الْأَرْضِ عَمَّنْ يَقُومُ بِهِ فَيَأْثَمُ جَمِيعُ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ كَمَا فِي رِسَالَةِ السُّيُوطِيّ الْمَذْكُورَةِ وَفِي حَاشِيَةِ الْبَاجُورِيِّ عَلَى ابْنِ قَاسِمٍ وَادَّعَى الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ بَقَاءَهُ إلَى آخِرِ الزَّمَانِ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَبْعَثُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَمْرَ دِينِهَا» وَمَنَعَ الِاسْتِدْلَالَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ يُجَدِّدُ أَمْرَ الدِّينِ مَنْ يُقَرِّرُ الشَّرَائِعَ وَالْأَحْكَامَ لَا الْمُجْتَهِدَ الْمُطْلَقَ اهـ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ شُرُوطَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ تَتَحَقَّقْ فِي شَخْصٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْقَرْنِ الرَّابِعِ فَمَا بَعْدَهُ وَأَنَّ مَنْ ادَّعَى بُلُوغَهَا مِنْهُمْ لَا تَسْلَمُ لَهُ دَعْوَاهُ ضَرُورَةَ أَنَّ بُلُوغَهَا لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ بِهِ تَحْصِيلُهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الِاجْتِهَادُ فِي تَحْصِيلِ شُرُوطِهِ بِقَدْرِ مَا فِي طَاقَاتِهِمْ الْبَشَرِيَّةِ فَإِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ تَحْصِيلُهَا كَيْفَ يَدَّعِي تَأْثِيمَ جَمِيعِهِمْ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ عَالِمُ الْأَقْطَارِ الشَّامِيَّةِ بَعْدَ سَرْدِهِ شُرُوطَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ: هَذِهِ الشُّرُوطُ يَعُزُّ وُجُودُهَا فِي زَمَانِنَا فِي شَخْصٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ بَلْ لَا يُوجَدُ فِي الْبَسِيطَةِ الْيَوْمَ مُجْتَهِدٌ مُطْلَقٌ. وَقَالَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْوَسِيطِ. وَأَمَّا شُرُوطُ الِاجْتِهَادِ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْقَاضِي فَقَدْ تَعَذَّرَتْ فِي وَقْتِنَا وَفِي الْإِنْصَافِ مِنْ كُتُبِ السَّادَةِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ مِنْ زَمَنٍ طَوِيلٍ عُدِمَ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ

(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَنْدُوبِ الَّذِي لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ وَقَاعِدَةِ الْمَنْدُوبِ الَّذِي يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ) اعْلَمْ أَنَّ الْقَاعِدَةَ وَالْغَالِبَ أَنَّ الْوَاجِبَ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ الْمَنْدُوبِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى «مَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ وَلَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا» الْحَدِيثُ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ قَدْ صَرَّحَ الْحَدِيثُ بِأَنَّ الْوَاجِبَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ وَمَتَى تَعَارَضَ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ قُدِّمَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمَنْدُوبِ وَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَرَدَ سُؤَالٌ مُشْكِلٌ وَهُوَ أَنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِلظَّلَامِ وَالْمَطَرِ وَالطِّينِ وَهَذَا الْجَمْعُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَقْدِيمُ الْمَنْدُوبِ عَلَى الْوَاجِبِ وَذَلِكَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ يَلْحَقُهُمْ ضَرَرٌ بِخُرُوجِهِمْ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى بُيُوتِهِمْ وَعَوْدِهِمْ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ لَهُمْ أَقِيمُوا فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ حَتَّى تُصَلُّوهَا وَهَذَا الضَّرَرُ يَنْدَفِعُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِتَفْوِيتِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ بِأَنْ يَخْرُجُوا الْآنَ وَيُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ أَفْذَاذًا وَإِمَّا بِأَنْ يُصَلُّوا الْآنَ الصَّلَاتَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ الْوَقْتِ وَتَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا وَاجِبٌ فَضَاعَ الْوَاجِبُ بِالْجَمْعِ فَلَوْ حُفِظَ هَذَا الْوَاجِبُ ضَاعَ الْمَنْدُوبُ الَّذِي فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ فَقَدْ تَعَارَضَ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ فِي دَفْعِ هَذِهِ الضَّرُورَةِ عَنْ الْمُكَلَّفِ فَقُدِّمَ الْمَنْدُوبُ عَلَى الْوَاجِبِ فَحَصَلَ وَتُرِكَ الْوَاجِبُ فَذَهَبَ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَنْدُوبِ الَّذِي لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ وَقَاعِدَةِ الْمَنْدُوبِ الَّذِي يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ إلَى قَوْلِهِ فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ الْوَقْتِ) قُلْتُ مَا ذَكَرَهُ وَقَرَّرَهُ هُنَا صَحِيحٌ كَمَا قَرَّرَ. قَالَ (وَتَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا وَاجِبٌ فَضَاعَ الْوَاجِبُ بِالْجَمْعِ فَلَوْ حَفِظَ هَذَا الْوَاجِبُ ضَاعَ الْمَنْدُوبُ الَّذِي هُوَ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ فَقَدْ تَعَارَضَ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ فِي دَفْعِ هَذِهِ الضَّرُورَةِ عَنْ الْمُكَلَّفِ فَقُدِّمَ الْمَنْدُوبُ عَلَى الْوَاجِبِ فَحَصَلَ وَتُرِكَ الْوَاجِبُ فَذَهَبَ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا فِي الْحَالِ الَّتِي شُرِعَ فِيهَا الْجَمْعُ وَتَقْدِيمُ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ إلَى وَقْتِ الْأُولَى لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَصْلًا بَلْ هُوَ جَائِزٌ وَالتَّقْدِيمُ أَوْلَى لِتَحْصِيلِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ فَلَمْ يَضِعْ وَاجِبٌ بِالْجَمْعِ وَلَا تَعَارَضَ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ وَلَا قُدِّمَ مَنْدُوبٌ عَلَى وَاجِبٍ وَلَا خُولِفْتُ فِي ذَلِكَ الْقَاعِدَةُ وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى مَا قَالَهُ ذَهَابُ وَهْمِهِ إلَى أَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا وَاجِبٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا لَيْسَ وَاجِبًا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ فِيمَا عَدَا الْحَالَ الَّتِي شُرِعَ فِيهَا الْجَمْعُ فَإِنَّهُ لَيْسَ تَأْخِيرُهَا إلَى وَقْتِهَا مِنْ الْوَاجِبِ بَلْ هُوَ جَائِزٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ إنَّ النَّاسَ كَالْمُجْمِعِينَ الْيَوْمَ عَلَى أَنَّهُ لَا مُجْتَهِدَ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ شَيْخِ شُيُوخِنَا فِي رِسَالَتِهِ كَيْفِيَّةُ الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الزَّيْغِ أَنَّ الْإِمَامَ مُحَمَّدَ بْنَ جَرِيرٍ الطَّبَرِيَّ قَدْ ادَّعَى بُلُوغَهُ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ فَلَمْ يُسَلِّمُوا لَهُ وَهُوَ إمَامٌ جَلِيلٌ مُتَضَلِّعٌ مِنْ الْعُلُومِ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ وَمِنْ أَهْلِ الْقَرْنِ الرَّابِعِ فَمَا بَالُك بِغَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ الْبَعِيدَةِ وَعَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ الْمُطْلَقَ لَا يَكُونُ إلَّا مُسْتَقِلًّا وَأَنَّ مَنْ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ عِبَارَةً عَنْ غَيْرِ الْعَامِّيِّ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ عِبَارَةً عَنْ الْعَامِّيِّ وَأَنَّ غَيْرَ الْعَامِّيِّ إمَّا مُجْتَهِدٌ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ وَلَهُ مَرْتَبَتَانِ الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى أَشَارَ لَهَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ بِقَوْلِهِ مَعَ الشَّرْحِ وَدُونَهُ أَيْ دُونَ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ الْمُتَقَدِّمِ مُجْتَهِدُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ تَخْرِيجِ الْوُجُوهِ الَّتِي يُبْدِيهَا عَلَى نُصُوصِ إمَامِهِ فِي الْمَسَائِلِ اهـ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ أَيْضًا وَهُوَ مَا يَكُونُ مُسْتَقِلًّا بِتَقْرِيرِ أُصُولِهِ بِالدَّلِيلِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَجَاوَزُ فِي أَدِلَّتِهِ أُصُولَ إمَامِهِ وَقَوَاعِدَهُ وَشَرْطُهُ كَوْنُهُ عَالِمًا بِالْفِقْهِ وَأُصُولِهِ وَأَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ تَفْصِيلًا بَصِيرًا بِمَسَالِكِ الْأَقْيِسَةِ وَالْمَعَانِي تَامِّ الِارْتِيَاضِ فِي التَّخْرِيجِ وَالِاسْتِنْبَاطِ قَيِّمًا بِإِلْحَاقِ مَا لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ لِإِمَامِهِ بِأُصُولِهِ وَلَا يُعَرَّى عَنْ شَوْبِ تَقْلِيدٍ لَهُ لِإِخْلَالِهِ بِبَعْضِ أَدَوَاتِ الْمُسْتَقِلِّ بِأَنْ يُخِلَّ بِالْحَدِيثِ أَوْ الْعَرَبِيَّةِ وَكَثِيرًا مَا أَخَلَّ بِهِمَا الْمُقَيَّدُ ثُمَّ يَتَّخِذُ نُصُوصَ إمَامِهِ أُصُولًا يَسْتَنْبِطُ مِنْهَا كَفِعْلِ الْمُسْتَقِلِّ بِنُصُوصِ الشَّرْعِ وَرُبَّمَا اكْتَفَى فِي الْحُكْمِ بِدَلِيلِ إمَامِهِ وَلَا يَبْحَثُ عَنْ مُعَارِضٍ كَفِعْلِ الْمُسْتَقِلِّ فِي النُّصُوصِ وَهَذِهِ صِفَةُ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَالْعَامِلُ بِفَتْوَى هَذَا مُقَلِّدٌ لِإِمَامِهِ لَا لَهُ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ مَنْ هَذَا حَالُهُ لَا يَتَأَدَّى بِهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَيَظْهَرُ تَأَدِّي الْفَرْضِ بِهِ فِي الْفَتْوَى وَإِنْ لَمْ يَتَأَدَّ فِي إحْيَاءِ الْعُلُومِ الَّتِي مِنْهَا اسْتِمْدَادٌ لِلْفَتْوَى اهـ. وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَهَذِهِ صِفَةُ أَصْحَابِنَا إلَخْ مِثْلُ الْمُزَنِيّ وَالْبُوَيْطِيِّ صَاحِبَيْ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ صَاحِبَيْ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ صَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْإِمَامِ الْخَلَّالِ وَإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيِّ وَالشَّيْخِ حَنْبَلٍ وَصَالِحِ بْنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ إفْتَاءِ مَنْ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ وَالْأَصْلُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَنْ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ وَلَعَلَّهُ لِعَدَمِ وُجُودِهِ سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا فِي رِسَالَتِهِ الْمَذْكُورَةِ لَا يَجُوزُ لِأَهْلِ هَذِهِ الْأَعْصَارِ الِاسْتِنْبَاطُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأَخْذُ بِأَقْوَالِ أَئِمَّةِ الدِّينِ وَاتِّبَاعِهِمْ فِي كُلِّ مَا يَقُولُونَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ وَتَفْسِيرِ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ. وَلَوْ لَمْ نَقُلْ ذَلِكَ لَزِمَ

وَالْمَعْهُودُ فِي الشَّرِيعَةِ دَفْعُ الضَّرَرِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ وَتَرْكِ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الصَّلَاةِ لِدَفْعِ ضَرُورَةِ السَّفَرِ وَكَذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ الْمُحَرَّمُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِدَفْعِ ضَرَرِ التَّلَفِ وَتُسَاغُ الْغُصَّةُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ كَذَلِكَ وَذَلِكَ كُلُّهُ لِتَعَيُّنِ الْوَاجِبِ أَوْ الْمُحَرَّمِ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ أَمَّا إذَا أَمْكَنَ تَحْصِيلُ الْوَاجِبِ أَوْ تَرْكُ الْمُحَرَّمِ مَعَ دَفْعِ الضَّرَرِ بِطَرِيقٍ آخَرَ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ أَوْ الْمَكْرُوهَاتِ لَا يَتَعَيَّنُ تَرْكُ الْوَاجِبِ وَلَا فِعْلُ الْمُحَرَّمِ وَلِذَلِكَ لَا يُتْرَكُ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ وَلَا الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا السُّجُودُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَالْأَلَمِ وَالْمَرَضِ إلَّا لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا لِدَفْعِ ذَلِكَ الضَّرَرِ وَهَذَا كُلُّهُ قِيَاسٌ مُطَّرِدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَالْمَعْهُودُ فِي الشَّرِيعَةِ دَفْعُ الضَّرَرِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ وَتَرْكِ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الصَّلَاةِ لِدَفْعِ ضَرُورَةِ السَّفَرِ) قُلْتُ وَمَتَى كَانَ تَرْكُ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ طَرِيقًا مُتَعَيِّنًا لِدَفْعِ ضَرَرِ السَّفَرِ فِي مَذْهَبِنَا وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ إمَامِنَا الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ جَائِزٌ وَمَتَى كَانَ تَرْكُ الرَّكْعَتَيْنِ أَيْضًا طَرِيقًا مُتَعَيِّنًا وَالْإِتْمَامُ سَائِغٌ بَلْ ضَرَرُ السَّفَرِ جَائِزُ الدَّفْعِ بِذَلِكَ وَإِذَا كَانَ الدَّفْعُ بِذَلِكَ جَائِزًا فَالْمُكَلَّفُ مُخَيَّرٌ فِي إيقَاعِ الصَّوْمِ فِي حَالِ السَّفَرِ وَتَأْخِيرُهُ إلَى وَقْتٍ آخَرَ مَعَ اخْتِيَارِ الصَّوْمِ وَكَذَلِكَ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ مَعَ اخْتِيَارِ الْقَصْرِ فَإِذَا أَفْطَرَ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا وَإِذَا قَصَرَ كَذَلِكَ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا أَفْطَرَ تَرَكَ وَاجِبًا لَزِمَهُ إنْكَارُ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا قَصَرَ تَرَكَ وَاجِبًا لَزِمَهُ إنْكَارُ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ. قَالَ (وَكَذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ الْمُحَرَّمُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِدَفْعِ ضَرَرِ التَّلَفِ وَتُسَاغُ الْغُصَّةُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ كَذَلِكَ وَذَلِكَ كُلُّهُ لِتَعَيُّنِ الْوَاجِبِ أَوْ الْمُحَرَّمِ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ) قُلْتُ إذَا أَكَلَ الْمُضْطَرُّ الْمَيْتَةَ أَوْ شَرِبَ الْغَاصُّ الْخَمْرَ فَلَمْ يَفْعَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مُحَرَّمًا بَلْ فَعَلَ وَاجِبًا وَمَا هَذَا الْكَلَامُ كُلُّهُ إلَّا كَلَامُ مَنْ ذَهَبَ وَهْمُهُ إلَى أَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ وَصْفٌ حَقِيقِيٌّ فَالتَّحْرِيمُ لَا يُفَارِقُ الْمَيْتَةَ وَالْخَمْرَ بِحَالٍ وَذَلِكَ وَهْمٌ بَاطِلٌ وَغَلَطٌ وَاضِحٌ لَا شَكَّ فِيهِ. قَالَ (أَمَّا إذَا أَمْكَنَ تَحْصِيلُ الْوَاجِبِ أَوْ تَرْكُ الْمُحَرَّمِ مَعَ دَفْعِ الضَّرَرِ بِطَرِيقٍ آخَرَ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ أَوْ الْمَكْرُوهَاتِ لَا يَتَعَيَّنُ تَرْكُ الْوَاجِبِ وَلَا فِعْلُ الْمُحَرَّمِ) قُلْتُ لَا يَتَعَيَّنُ تَرْكُ وَاجِبٍ وَلَا فِعْلُ مُحَرَّمٍ إلَّا بِمَعْنَى مَا كَانَ وَاجِبًا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالِ وَمُحَرَّمًا كَذَلِكَ ثُمَّ قَالَ (وَلِذَلِكَ لَا يُتْرَكُ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ وَلَا الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا السُّجُودُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَالْأَلَمِ وَالْمَرَضِ إلَّا لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَهَذَا كُلُّهُ قِيَاسٌ مُطَّرَدٌ) قُلْتُ إذَا تَعَيَّنَ تَرْكُ مَا ذَكَرَهُ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ صَارَتْ تِلْكَ الْوَاجِبَاتُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ وَهَذَا كُلُّهُ قِيَاسٌ مُطَّرِدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالزَّيْغُ وَالضَّلَالُ وَالْإِلْحَادُ فِي الدِّينِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ يُعَارِضُهَا مِثْلُهَا مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ وَلَا إطْلَاعَ لِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِالنَّقْلِ عَنْهُمْ وَبَعْضُهَا مَنْسُوخٌ وَبَعْضُهَا مَخْصُوصٌ وَبَعْضُهَا مُجْمَلٌ وَبَعْضُهَا مُتَشَابِهٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْسَامِ اهـ الْمُرَادُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ مِنْ جَوَازِ خُلُوِّ الزَّمَانِ حَتَّى عَنْ مُجْتَهِدِ الْمَذْهَبِ فَفِي الْعَطَّارِ عَلَى مَحَلِّي جَمْعِ الْجَوَامِعِ قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ يَجُوزُ خُلُوُّ عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ عَنْ الَّذِي يُمْكِنُ تَفْوِيضُ الْفَتْوَى إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مُجْتَهِدًا مُطْلَقًا أَوْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِي مَذْهَبِ الْمُجْتَهِدِينَ الْمُطْلَقِ وَمَنَعَ مِنْهُ الْأَقَلُّونَ كَالْحَنَابِلَةِ اهـ سَمِّ سِيَّمَا وَنَحْنُ الْآنَ فِي الْقَرْنِ الرَّابِعَ عَشَرَ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ الْأَخْضَرِيُّ فِي سُلَّمِهِ الْمُنْوَرِقِ لَا سِيَّمَا فِي عَاشِرِ الْقُرُونِ ذِي الْجَهْلِ وَالْفَسَادِ وَالْفُتُونِ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ أَشَارَ لَهَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ بِقَوْلِهِ مَعَ الشَّرْحِ وَدُونَهُ إلَخْ أَيْ دُونَ مُجْتَهِدِ الْمَذْهَبِ مُجْتَهِدُ الْفُتْيَا وَهُوَ الْمُتَبَحِّرُ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ تَرْجِيحِ قَوْلٍ لَهُ عَلَى آخَرَ أَطْلَقَهُمَا اهـ. وَسَمَّاهُ الْعَلَّامَةُ السُّيُوطِيّ فِي رِسَالَتِهِ الْمَذْكُورَةِ مُجْتَهِدَ التَّرْجِيحِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ أَيْضًا وَهُوَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ لَكِنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ حَافِظٌ لِمَذْهَبِ إمَامِهِ عَارِفٌ بِأَدِلَّتِهِ قَائِمٌ بِتَقْرِيرِهَا يُصَوِّرُ وَيُحَرِّرُ وَيُقَرِّرُ وَيُمَهِّدُ وَيُزَيِّفُ وَيُرَجِّحُ لَكِنَّهُ قَصَرَ عَنْ أُولَئِكَ لِقُصُورِهِ عَنْهُمْ فِي حِفْظِ الْمَذْهَبِ أَوْ الِارْتِيَاضِ فِي الِاسْتِنْبَاطِ وَمَعْرِفَةِ الْأُصُولِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَدِلَّتِهَا اهـ. وَقَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا فِي رِسَالَتِهِ وَمُجْتَهِدُو الْفَتْوَى مَنْ كَمُلُوا فِي الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذْهَبِ حَتَّى وَصَلُوا لِرُتْبَةِ التَّرْجِيحِ لِلْأَقْوَالِ وَهُمْ كَثِيرُونَ كَالرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ وَابْنِ حَجَرٍ وَالرَّمْلِيِّ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ اهـ بِتَوْضِيحٍ. وَقَالَ شَيْخُ وَالِدِي الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْبَاجُورِيُّ عَلَى ابْنِ قَاسِمٍ إنَّ الرَّمْلِيَّ وَابْنَ حَجَرٍ لَمْ يَبْلُغَا مَرْتَبَةَ التَّرْجِيحِ بَلْ هُمَا مُقَلِّدَانِ فَقَطْ نَعَمْ قَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ لَهُمَا تَرْجِيحٌ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ بَلْ والشبراملسي أَيْضًا اهـ وَكَالْمَازِرِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَاللَّخْمِيِّ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ وَالْقَرَافِيِّ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَكَابْنِ نَجِيمٍ وَالسَّرَخْسِيِّ وَالْكَمَالِ بْنِ الْهُمَامِ وَالطَّحَاوِيِّ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَأَبِي يَعْلَى وَابْنِ قُدَامَةَ وَأَبِي الْخَطَّابِ وَالْقَاضِي عَلَاءِ الدِّينِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَقَالَ الْأَصْلُ وَحَالُ مَنْ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ أَنْ يُحِيطَ بِتَقْيِيدِ جَمِيعِ مُطْلَقَاتِ الْمَذْهَبِ وَتَخْصِيصِ جَمِيعِ عُمُومَاتِهِ وَبِمَدَارِكِ إمَامِهِ وَمُسْتَنَدَاتِهِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُفْتِي بِمَا يَحْفَظُهُ وَيُخَرِّجُ وَيَقِيسُ بِشُرُوطِ الْقِيَاسِ مَا لَا يَحْفَظُهُ عَلَى مَا يَحْفَظُهُ اهـ. وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَأَمَّا

وَقَدْ خُولِفَ هَذَا الْقِيَاسُ بِالْجَمْعِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ وَتَرْكُ الْوَاجِبِ وَفِعْلُ الْمَنْدُوبِ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ بِعَرَفَةَ تُرِكَ فِيهِ وَاجِبَانِ أَحَدُهُمَا تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا وَهِيَ الْعَصْرُ فَتُقَدَّمُ وَتُصَلَّى مَعَ الظُّهْرِ مَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ الْوَقْتِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ وَثَانِيهِمَا تَرْكُ الْجُمُعَةِ إذَا جَاءَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ وَيُصَلَّى الظُّهْرُ أَرْبَعًا فَتُرِكَ الْوَاجِبُ أَيْضًا لَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ لِأَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْعَصْرِ وَالْجُمُعَةِ كَمَا يَنْدَفِعُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَلِذَلِكَ لَمَّا حَجَّ هَارُونُ الرَّشِيدُ وَمَعَهُ أَبُو يُوسُفَ وَاجْتَمَعَا بِمَالِكٍ فِي الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَقَعَ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا اجْتَمَعَ الْجُمُعَةُ وَالظُّهْرُ يَوْمَ عَرَفَةَ قُدِّمَتْ الْجُمُعَةُ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ وَوَاجِبَةٌ قَبْلَ الظُّهْرِ مَعَ الْإِمْكَانِ قَالَ لَهُ مَالِكٌ إنَّ ذَلِكَ خِلَافَ السُّنَّةِ فَقَالَ لَهُ أَبُو يُوسُفَ مِنْ أَيْنَ لَك ذَلِكَ وَأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَقَدْ خُولِفَ هَذَا الْقِيَاسُ بِالْجَمْعِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ وَتَرْكُ الْوَاجِبِ وَفِعْلُ الْمَنْدُوبِ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ تَرْكَ الْوَاجِبِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَلَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ مَقْصُودُهُ وَإِنْ أَرَادَ تَرْكَ الْوَاجِبِ فِي حَالٍ شَرْعِيَّةِ الْجَمْعِ فَلَيْسَ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا بِوَاجِبٍ فَلَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا بَلْ صَارَتْ الْأَخِيرَةُ فِي هَذِهِ الْحَالِ مِنْ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَقْتِهَا وَوَقْتِ الْأُولَى وَمَنْ فَعَلَ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ فِي أَوَّلِ أَجْزَاءِ وَقْتِهِ الْمُوَسَّعِ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا أَصْلًا وَإِنَّمَا السَّبَبُ فِيمَا ارْتَكَبَهُ ذَهَابُ الْوَهْمِ إلَى أَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا وَاجِبٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ هُوَ بِعَيْنِهِ الْوَاجِبُ وَلَيْسَ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا وَاجِبًا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَا هُوَ بِعَيْنِهِ الْوَاجِبُ أَمَّا كَوْنُهُ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلِمَا قَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ. وَأَمَّا كَوْنُهُ لَيْسَ هُوَ بِعَيْنِهِ الْوَاجِبَ فَلِأَنَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا هُوَ الصَّلَاةُ وَالتَّأْخِيرُ وَالتَّقْدِيمُ أَمْرَانِ إضَافِيَّانِ فَمَتَى نُسِبَ الْوُجُوبُ إلَى التَّأْخِيرِ أَوْ إلَى التَّقْدِيمِ فَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ الْمَقْصُودُ بِوُجُوبِ التَّأْخِيرِ وُجُوبُ فِعْلِ الصَّلَاةِ مُؤَخَّرَةً وَبِوُجُوبِ التَّقْدِيمِ وُجُوبُ فِعْلِهَا مُقَدَّمَةً وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ فَهِمَ شَيْئًا مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ أَنَّ الْمُكَلَّفَ فِي حَالِ الْمَطَرِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إيقَاعِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مُقَدَّمَةً قَبْلَ وَقْتِهَا الْمَحْدُودِ لَهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالِ إيثَارًا لِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَبَيْنَ إيقَاعِهَا فَذًّا فِي وَقْتِهَا الْمَذْكُورِ وَلَا غَرْوَ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَمْرٍ رَاجِحٍ وَمَرْجُوحٍ وَفَاضِلٍ وَمَفْضُولٍ كَمَا فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّ الْعِتْقَ أَرْجَحُهَا لِرُجْحَانِ قِيمَةِ الرَّقَبَةِ عَلَى قِيمَةِ الْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ فِي غَالِبِ الْعَادَةِ بَلْ كَمَا فِي رَقَبَةٍ قِيمَتُهَا أَلْفٌ وَرَقَبَةٍ قِيمَتُهَا مِائَةٌ وَكَمَا فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ إطَالَةِ سُجُودِ الصَّلَاةِ وَتَقْصِيرِهِ وَذَلِكَ لَا يُحْصَى كَثْرَةً فِي الشَّرِيعَةِ. قَالَ (وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ بِعَرَفَةَ تُرِكَ فِيهِ وَاجِبَانِ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَالِمٌ غَيْرُ مُجْتَهِدٍ بِأَنْ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ مُجْتَهِدِ الْفَتْوَى وَلَا يَنْزِلَ إلَى دَرَجَةِ الْعَامِّيِّ وَسَمَّاهُ الْعَلَّامَةُ السُّيُوطِيّ فِي رِسَالَتِهِ الْمَذْكُورَةِ مُجْتَهِدَ الْفُتْيَا نَظَرًا لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ وَعَنْ شَارِحِ التَّحْرِيرِ الْأُصُولِيِّ مِنْ أَنَّهُ رُتْبَةٌ ثَالِثَةٌ لِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُقَلِّدِينَ إلَّا أَنَّ كَلَامَ شَارِحِ التَّحْرِيرِ الْمَارِّ وَكَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الْآتِي عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُجْتَهِدِ فُتْيَا بَلْ مُجْتَهِدُ الْفُتْيَا هُوَ مُجْتَهِدُ التَّرْجِيحِ فَتَأَمَّلْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ أَيْضًا وَهُوَ مَنْ يَقُومُ بِحِفْظِ الْمَذْهَبِ وَنَقْلِهِ وَفَهْمِهِ فِي الْوَاضِحَاتِ وَالْمُشْكِلَاتِ وَلَكِنْ عِنْدَهُ ضَعْفٌ فِي تَقْرِيرِ أَدِلَّتِهِ وَتَحْرِيرِ أَقْيِسَتِهِ فَهَذَا يُعْتَمَدُ نَقْلُهُ وَفَتْوَاهُ فِيمَا يَحْكِيهِ مِنْ مَسْطُورَاتِ مَذْهَبِهِ وَمَا لَا يَجِدُهُ مَنْقُولًا إنْ وُجِدَ فِي الْمَنْقُولَاتِ مَعْنَاهُ بِحَيْثُ يُدْرِكُ بِغَيْرِ كَبِيرِ فِكْرٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا جَازَ إلْحَاقُهُ بِهِ وَالْفَتْوَى بِهِ وَكَذَا مَا يُعْلَمُ انْدِرَاجُهُ تَحْتَ ضَابِطِ مُجْتَهِدٍ فِي الْمَذْهَبِ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ يَجِبُ إمْسَاكُهُ عَنْ الْفَتْوَى فِيهِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ الْأَصْلِ وَحَالُ هَذَا أَنْ يَتَّسِعَ إطْلَاعُهُ بِحَيْثُ يَعْلَمُ بِتَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ لَكِنَّهُ لَمْ يَضْبِطْ مَدَارِكَ إمَامِهِ وَمُسْتَنَدَاتِهِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُفْتِي بِمَا يَحْفَظُهُ وَيَنْقُلُهُ مِنْ مَذْهَبِهِ اتِّبَاعًا لِمَشْهُورِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ بِشُرُوطِ الْفُتْيَا لَا بِكُلِّ قَوْلٍ فِيهِ إذْ لَا يُعَرَّى مَذْهَبٌ مِنْ الْمَذَاهِبِ عَنْ قَوْلٍ خَالَفَ فِيهِ الْمُجْتَهِدُ الْإِجْمَاعَ أَوْ الْقَوَاعِدَ أَوْ النَّصَّ أَوْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ السَّالِمَ عَنْ الْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ لَكِنَّهُ قَدْ يَقِلُّ وَقَدْ يَكْثُرُ. وَهَذَا النَّوْعُ لَا يَجُوزُ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَنْقُلَهُ لِلنَّاسِ وَلَا يُفْتِي بِهِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ لَنَقَضْنَاهُ وَلَا نُقِرُّهُ شَرْعًا وَإِنْ تَأَكَّدَ بِحُكْمِهِ فَأَوْلَى أَنْ نُقِرَّهُ شَرْعًا إذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ وَلَا يُعْلَمُ فِي مَذْهَبِهِ إلَّا مَنْ عَرَفَ الْقَوَاعِدَ الشَّرْعِيَّةَ وَالْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَالنَّصَّ الصَّرِيحَ وَعَدَمَ الْمُعَارِضِ لِذَلِكَ بِالْمُبَالَغَةِ فِي تَحْصِيلِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ بِأُصُولِهَا مَعَ مَعْرِفَةِ عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ مَعْرِفَةً حَسَنَةً لَا بِمُجَرَّدِ مَعْرِفَةِ أُصُولِ الْفِقْهِ فَإِنَّ الْقَوَاعِدَ لَيْسَتْ مُسْتَوْعَبَةً فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بَلْ لِلشَّرِيعَةِ قَوَاعِدُ كَثِيرَةٌ جِدًّا عِنْدَ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى وَالْفُقَهَاءِ لَا تُوجَدُ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ أَصْلًا وَذَلِكَ هُوَ الْبَاعِثُ عَلَى وَضْعِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُسَمَّى كِتَابُ الْأَنْوَارِ وَالْقَوَاعِدِ السَّنِيَّةِ لِأَضْبِطَ تِلْكَ الْقَوَاعِدَ حَسْبَ طَاقَتِي وَلِاعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ يَحْرُمُ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ الْفَتْوَى فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ وَكَذَلِكَ كَانَ السَّلَفُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُتَوَقِّفِينَ فِي الْفُتْيَا تَوَقُّفًا شَدِيدًا. وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يُفْتِيَ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ أَهْلًا لِذَلِكَ وَيَرَى هُوَ نَفْسُهُ أَهْلًا لِذَلِكَ يُرِيدُ تَثَبُّتَ أَهْلِيَّتِهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَيَكُونُ هُوَ بِيَقِينٍ

خِلَافُ السُّنَّةِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَهُمَا خُطْبَةٌ وَهَذِهِ هِيَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ جَهَرَ فِيهِمَا أَوْ أَسَرَّ فَسَكَتَ أَبُو يُوسُفَ فَظَهَرَتْ الْحُجَّةُ لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - بِسَبَبِ الْإِسْرَارِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ جَهْرِيَّةٌ فَلَمَّا صَلَّى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَكْعَتَيْنِ سِرًّا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ سَفَرِيَّةً وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ وَالْخُطْبَةَ لِيَوْمِ عَرَفَةَ لَا لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ عَرَفَةَ إنَّمَا خُطْبَتُهُ لِتَعْلِيمِ النَّاسِ مَنَاسِكَ الْحَجِّ كَانَتْ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَمْ لَا وَالْجَوَابُ عَنْ الْجَمْعِ وَتَرْكِ الْجُمُعَةِ بِعَرَفَةَ أَيْسَرُ مِنْ الْجَوَابِ عَنْ الْجَمْعِ لَيْلَةَ الْمَطَرِ. أَمَّا الْجَوَابُ عَنْ عَرَفَةَ وَتَرْكِ الْجُمُعَةِ فَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْحَجِيجِ السَّفَرُ وَفَرْضُ الْمُسَافِرِ الظُّهْرُ دُونَ الْجُمُعَةِ فَجُعِلَ النَّادِرُ تَبَعًا لِلْغَالِبِ فَمَنْ هُوَ مُقِيمٌ بِعَرَفَةَ أَوْ مَنْزِلُهُ قَرِيبٌ مِنْ عَرَفَةَ فَتَرْكُ الْجُمُعَةِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَيْسَ تَرْكَ الْوَاجِبِ. وَأَمَّا تَرْكُ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا وَهِيَ الْعَصْرُ فَلِضَرُورَةِ الْحُجَّاجِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِلْإِقْبَالِ عَلَى الدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ وَالتَّقَرُّبِ اللَّائِقِ بِعَرَفَةَ وَهُوَ يَوْمٌ لَا يَكَادُ يَحْصُلُ فِي الْعُمْرِ إلَّا مَرَّةً بَعْدَ ضَنْكِ الْأَسْفَارِ وَقَطْعِ الْبَرَارِيِ وَالْقِفَارِ وَإِنْفَاقِ الْأَمْوَالِ مِنْ الْأَقْطَارِ الْبَعِيدَةِ وَالْأَوْطَانِ النَّائِيَةِ فَنَاسَبَ أَنْ يُقَدَّمَ هَذَا عَلَى مَصْلَحَةِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَيَكُونُ هَذَا ضَرَرًا يُوجِبُ التَّقْدِيمَ كَمَا يُوجِبُ فَوَاتُ الزَّمَانِ التَّقْدِيمَ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بَلْ هَذَا أَعْظَمُ مِنْ فَوَاتِ الزَّمَانِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يُسَافِرَ أَوْ يُسَافِرَ مَعَهُ رُفْقَةٌ مُوَافِقِينَ عَلَى النُّزُولِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَهُوَ ضَرَرٌ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ أَمَّا مَصَالِحُ الْحَجِّ فَأَمْرٌ لَازِمٌ لِلْعَبْدِ وَلَا خُرُوجَ لَهُ عَنْهَا وَلَا يُمْكِنُ الْعُدُولُ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا فَهَذَا جَوَابٌ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي جَمْعِ عَرَفَةَ دُونَ جَمْعِ لَيْلَةِ الْمَطَرِ. وَأَمَّا جَمْعُ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إذَا خَافَ الْغَلَبَةَ عَلَى عَقْلِهِ آخِرَ الْوَقْتِ فَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لِدَفْعِ الضَّرَرِ بِخِلَافِ جَمْعِ الْمَطَرِ لَمْ يَتَعَيَّنْ تَرْكُ الْوَاجِبِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَلَوْ لَمْ يَجْمَعْ الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ ضَاعَ الْوَاجِبُ آخِرَ الْوَقْتِ وَهُوَ الصَّلَاةُ الْأَخِيرَةُ بِغَيْبَةِ الْعَقْلِ وَضَرُورَةِ الْمَرَضِ أَوْ دَخَلَ الضَّرَرُ بِفَوَاتِ الرِّفَاقِ وَالْجَمْعُ لَيْلَةَ الْمَطَرِ لَوْ تُرِكَ إنَّمَا يَفُوتُ الْمَنْدُوبُ الَّذِي هُوَ الْجَمَاعَةُ. وَأَمَّا الصَّلَوَاتُ فَتُصَلَّى عَلَى أَفْضَلِ الْأَحْوَالِ فِي الْبُيُوتِ عِنْدَ دُخُولِ الْأَوْقَاتِ فَهَذَا جَمْعٌ يَخْتَصُّ بِهَذَا السُّؤَالِ الْقَوِيِّ وَالْجَوَابُ عَنْهُ إذَا حَصَلَ يُقَوِّي الْجَوَابَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَنَشْرَعُ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ فَإِنَّهُ مِنْ الْأَسْئِلَةِ الْمُشْكِلَةِ فَنَقُولُ إنَّ الْمَنْدُوبَاتِ قِسْمَانِ قِسْمٌ تَقْصُرُ مَصْلَحَتُهُ عَنْ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــSفَنَشْرَعُ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ فَإِنَّهُ مِنْ الْأَسْئِلَةِ الْمُشْكِلَةِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ ذَلِكَ صَحِيحٌ لَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ (فَنَقُولُ إنَّ الْمَنْدُوبَاتِ قِسْمَانِ قِسْمٌ تَقْصُرُ مَصْلَحَتُهُ عَنْ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمُطَّلِعًا عَلَى مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ فِي حَقِّهِ مِنْ الْأَهْلِيَّةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ مِنْ الْإِنْسَانِ أَمْرٌ عَلَى ضِدِّ مَا هُوَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى مَا وَصَفَهُ بِهِ النَّاسُ حَصَلَ الْيَقِينُ فِي ذَلِكَ وَمَا أَفْتَى مَالِكٌ حَتَّى أَجَازَهُ أَرْبَعُونَ مُحَنَّكًا لِأَنَّ التَّحْنِيكَ وَهُوَ اللِّثَامُ بِالْعَمَائِمِ تَحْتَ الْحَنَكِ شِعَارُ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ تَحْنِيكٍ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى تَأَكُّدِ التَّحْنِيكِ وَهَذَا هُوَ شَأْنِ الْفُتْيَا فِي الزَّمَنِ الْقَدِيمِ. وَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ انْخَرَقَ هَذَا السِّيَاجُ وَسَهُلَ عَلَى النَّاسِ أَمْرُ دِينِهِمْ فَتَحَدَّثُوا فِيهِ بِمَا يَصْلُحُ وَمَا لَا يَصْلُحُ وَعَسُرَ عَلَيْهِمْ اعْتِرَافُهُمْ بِجَهْلِهِمْ وَأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ لَا يَدْرِي فَلَا جَرَمَ آلَ الْحَالُ لِلنَّاسِ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ بِالِاقْتِدَاءِ بِالْجُهَّالِ وَالْمُتَجَرِّئِينَ عَلَى دِينِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ. قَالَ الْحَطَّابُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ بِحَيْثُ يَعْلَمُ تَقْيِيدَ الْمُطْلَقَاتِ وَتَخْصِيصَ الْعُمُومَاتِ يَعْنِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ وَأَمَّا الْقَطْعُ بِأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لَيْسَتْ مُقَيَّدَةً فَبَعِيدٌ وَيَكْفِي الْآنَ فِي ذَلِكَ وُجُودُ الْمَسْأَلَةِ فِي التَّوْضِيحِ أَوْ فِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ الَّذِي يُفْتِي فِي هَذَا الزَّمَانِ أَقَلُّ مَرَاتِبِهِ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَبْحَرَ فِي الِاطِّلَاعِ عَلَى رِوَايَاتِ الْمَذْهَبِ وَتَأْوِيلِ الشُّيُوخِ لَهَا وَتَوْجِيهِهِمْ لِمَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ اخْتِلَافِ ظَوَاهِرَ وَاخْتِلَافِ مَذَاهِبَ وَتَشْبِيهِهِمْ مَسَائِلَ بِمَسَائِلَ قَدْ يَسْبِقُ إلَى النَّفْسِ تَبَاعُدُهَا وَتَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ مَسَائِلَ وَمَسَائِلَ قَدْ يَقَعُ فِي النَّفْسِ تَقَارُبُهَا وَتَشَابُهُهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا بَسَطَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي كُتُبِهِمْ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي كَثِيرٍ مِنْ رِوَايَاتِهِمْ فَهَذَا لِعَدَمِ النُّظَّارِ يُقْتَصَرُ عَلَى نَقْلِهِ عَنْ الْمَذْهَبِ اهـ. وَفِي آخِرِ خُطْبَةِ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ لِابْنِ رُشْدٍ قَالَ إذَا جَمَعَ الطَّالِبُ الْمُقَدَّمَاتِ إلَى هَذَا الْكِتَابِ يَعْنِي الْبَيَانَ وَالتَّحْصِيلَ حَصَلَ عَلَى مَعْرِفَةِ مَا لَا يَسَعُ جَهْلُهُ مِنْ أُصُولِ الدِّيَانَاتِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَعَرَفَ الْعِلْمَ مِنْ طَرِيقِهِ وَأَخَذَهُ مِنْ بَابِهِ وَسَبِيلِهِ وَأَحْكَمَ رَدَّ الْفَرْعِ إلَى الْأَصْلِ وَاسْتَغْنَى بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ عَنْ الشُّيُوخِ فِي الْمُشْكِلَاتِ وَحَصَّلَ مَرْتَبَةَ مَنْ يَجِبُ تَقْلِيدُهُ فِي النَّوَازِلِ الْمُعْضِلَاتِ وَدَخَلَ فِي زُمْرَةِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ وَوَعَدَهُمْ فِيهِ بِتَرْفِيعِ الدَّرَجَاتِ اهـ كَلَامُ الْحَطَّابِ بِتَغْيِيرِ مَا. قَالَ وَجَعَلَ الْقَرَافِيُّ أَنَّ مَا خَالَفَ فِيهِ الْإِمَامُ النَّصَّ نَظِيرُ مَا خَالَفَ فِيهِ الْإِجْمَاعَ فِي عَدَمِ جَوَازِ نَقْلِهِ لِلنَّاسِ وَإِفْتَائِهِمْ بِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِنَصِّ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ وَغَيْرِهِ عَلَى مُخَالَفَةِ نَصِّ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إذَا كَانَ الْعَمَلُ بِخِلَافِهِ اهـ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَعْلِ قَوْلِهِ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ وَصْفًا لِخُصُوصِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ لَا لَهُ وَلِلنَّصِّ وَإِلَّا

فَإِنَّ أَوَامِرَ الشَّرْعِ تَتْبَعُ الْمَصَالِحَ الْخَالِصَةَ أَوْ الرَّاجِحَةَ وَنَوَاهِيَهُ تَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ الْخَالِصَةَ أَوْ الرَّاجِحَةَ حَتَّى يَكُونَ أَدْنَى الْمَصَالِحِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ ثُمَّ تَتَرَقَّى الْمَصْلَحَةُ وَالنَّدْبُ وَتَعْظُمُ رُتْبَتُهُ حَتَّى يَكُونَ أَعْلَى رُتَبِ الْمَنْدُوبَاتِ تَلِيهِ أَدْنَى رُتَبِ الْوَاجِبَاتِ وَأَدْنَى رُتَبِ الْمَفَاسِدِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَدْنَى رُتَبِ الْمَكْرُوهَاتِ ثُمَّ تَتَرَقَّى الْمَفَاسِدُ وَالْكَرَاهَةُ فِي الْعِظَمِ حَتَّى يَكُونَ أَعْلَى رُتَبِ الْمَكْرُوهَاتِ يَلِيهِ أَدْنَى رُتَبِ الْمُحَرَّمَاتِ هَذَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ ثُمَّ إنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِي الشَّرِيعَةِ مَنْدُوبَاتٌ أَفْضَلُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَثَوَابُهَا أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ الْوَاجِبَاتِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَصَالِحَهَا أَعْظَمُ مِنْ مَصَالِحِ الْوَاجِبَاتِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَقِلَّتِهِ كَثْرَةُ الْمَصَالِحِ وَقِلَّتُهَا أَلَا تَرَى أَنَّ ثَوَابَ التَّصَدُّقِ بِدِينَارٍ أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ التَّصَدُّقِ بِدِرْهَمٍ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مَصْلَحَةً وَسَدُّ خَلَّةِ الْوَالِي الصَّالِحِ أَعْظَمُ مِنْ سَدِّ خَلَّةِ الْفَاسِقِ الطَّالِحِ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ بَقَاءِ الْوَلِيِّ وَالْعَالِمِ فِي الْوُجُودِ لِنَفْسِهِ وَلِلْخَلْقِ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْفَاسِقِ وَعَلَى هَذَا الْقَانُونِ ـــــــــــــــــــــــــــــSفَإِنَّ أَوَامِرَ الشَّرْعِ تَتْبَعُ الْمَصَالِحَ الْخَالِصَةَ أَوْ الرَّاجِحَةَ وَنَوَاهِيهِ تَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ الْخَالِصَةَ أَوْ الرَّاجِحَةَ إلَى قَوْلِهِ هَذَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ) قُلْتُ مَا قَالَ صَحِيحٌ عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ الْأَوَامِرَ تَتْبَعُ الْمَصَالِحَ وَالنَّوَاهِيَ تَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ وَهُوَ أَنَّ الْمَصَالِحَ تَتْبَعُ الْأَوَامِرَ وَالْمَفَاسِدَ تَتْبَعُ النَّوَاهِيَ أَمَّا فِي الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ الْأُخْرَوِيَّةِ فَلَا خَفَاءَ بِهِ فَإِنَّ الْمَصَالِحَ هِيَ الْمَنَافِعُ وَلَا مَنْفَعَةَ أَعْظَمُ مِنْ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَالْمَفَاسِدُ هِيَ الْمَضَارُّ وَلَا ضَرَرَ أَعْظَمُ مِنْ الْعَذَابِ الْمُقِيمِ. وَأَمَّا فِي الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَعَلَى ذَلِكَ دَلَائِلُ مِنْ الظَّوَاهِرِ الشَّرْعِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282] وَكَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ظَهَرَتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ» إلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُكَادُ يَنْحَصِرُ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْمَوْضِعُ مَحَلُّ نَظَرٍ هَذَا إنْ كَانَ يُرِيدُ بِالتَّبَعِيَّةِ حُصُولَ هَذِهِ بَعْدَ حُصُولِ هَذِهِ وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْأَوَامِرَ وَرَدَتْ لِتَحْصُلَ عِنْدَ امْتِثَالِهَا الْمَصَالِحَ وَأَنَّ النَّوَاهِيَ وَرَدَتْ لِتَرْتَفِعَ عِنْدَ امْتِثَالِهَا الْمَفَاسِدَ فَذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ (ثُمَّ إنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِي الشَّرِيعَةِ مَنْدُوبَاتٌ أَفْضَلُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَثَوَابُهَا أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ الْوَاجِبَاتِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَصَالِحَهَا أَعْظَمُ مِنْ مَصَالِحِ الْوَاجِبَاتِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ وَلَا صَحِيحٍ. قَالَ (لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَقِلَّتِهِ كَثْرَةُ الْمَصَالِحِ وَقِلَّتُهَا أَلَا تَرَى أَنَّ ثَوَابَ التَّصَدُّقِ بِدِينَارٍ أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ التَّصَدُّقِ بِدِرْهَمٍ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ مَصْلَحَةً وَسَدَّ خَلَّةِ الْوَلِيِّ الصَّالِحِ أَعْظَمُ مِنْ سَدِّ خَلَّةِ الْفَاسِقِ الطَّالِحِ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ. هَذَا وَقَالَ الْأَصْلُ وَمَا لَيْسَ مَحْفُوظًا مِنْ رِوَايَاتِ الْمَذْهَبِ لِمَنْ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ تَخْرِيجُهُ عَلَى مَا هُوَ مَحْفُوظٌ لَهُ مِنْهَا وَإِنْ كَثُرَتْ مَنْقُولَاتُهُ جِدًّا إلَّا إذَا حَصَلَتْ لَهُ شُرُوطُ التَّخْرِيجِ مِنْ حِفْظِهِ قَوَاعِدَ الشَّرِيعَةِ بِالْمُبَالَغَةِ فِي تَحْصِيلِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ بِأُصُولِهَا وَمَعْرِفَتِهِ عِلْمَ أُصُولِ الْفِقْهِ وَكِتَابَ الْقِيَاسِ وَأَحْكَامِهِ وَتَرْجِيحَاتِهِ وَشَرَائِطِهِ وَمَوَانِعِهِ مَعْرِفَةً حَسَنَةً وَعِلْمُهُ بِأَنَّ قَوْلَ إمَامِهِ الْمُخَرَّجَ عَلَيْهِ لَيْسَ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ وَلَا لِلْقَوَاعِدِ وَلَا لِنَصٍّ وَلَا لِقِيَاسٍ جَلِيٍّ سَالِمٍ عَنْ مُعَارِضٍ رَاجِحٍ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَقْدُمُونَ عَلَى التَّخْرِيجِ دُونَ هَذِهِ الشُّرُوطِ بَلْ صَارَ يُفْتِي مَنْ لَمْ يُحِطْ بِالتَّقْيِيدَاتِ وَلَا بِالتَّخْصِيصَاتِ مِنْ مَنْقُولِ إمَامِهِ وَذَلِكَ فِسْقٌ وَلَعِبٌ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّنْ يَتَعَمَّدُهُ اهـ وَيَتَعَيَّنُ جَعْلُ قَوْلِهِ سَالِمٌ عَنْ مُعَارِضٍ رَاجِحٍ وَصْفًا لِكُلٍّ مِنْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَالنَّصِّ لَا لِخُصُوصِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ حَتَّى يَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ إيرَادُ الْحَطَّابِ فَافْهَمْ. وَأَمَّا الْعَامِّيُّ فَلَهُ مَرْتَبَتَانِ الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى أَنْ يَعْرِفَ مِنْ الْمُجْتَهِدِ حُكْمَ حَادِثَةٍ بِدَلِيلِهَا وَفِي جَوَازِ إفْتَائِهِ بِمَا عَرَفَهُ مُطْلَقًا وَأَنْ يُقَلِّدَهُ غَيْرُهُ فِيهِ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ الدَّلِيلُ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً رَابِعُهَا إنْ كَانَ نَقْلِيًّا وَالْأَصَحُّ مِنْهَا كَمَا فِي بَحْرِ الزَّرْكَشِيّ الثَّانِي أَيْ الْمَنْعُ مُطْلَقًا الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَعْرِفَ مِنْ الْمُجْتَهِدِ حُكْمَ مَسْأَلَةٍ وَلَمْ يَدْرِ دَلِيلَهَا أَوْ يَحْفَظْ مُخْتَصَرًا مِنْ مُخْتَصَرَاتِ الْفِقْهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا عَرَفَهُ نَعَمْ رُجُوعُ الْعَامِّيِّ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ سِوَاهُ أَوْلَى مِنْ الِارْتِبَاكِ فِي الْحِيرَةِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْقُلَ مَا أَفْتَاهُ بِهِ الْمُجْتَهِدُ لِغَيْرِهِ نَعَمْ فِي بَحْرِ الزَّرْكَشِيّ لَا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يَعْمَلَ بِفَتْوَى مُفْتٍ لِعَامِّيٍّ مِثْلِهِ وَإِلَى حَالِ مَنْ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ وَحُكْمُ فَتْوَاهُ أَشَارَ الْأَصْلُ بِقَوْلِهِ أَنْ يَحْفَظَ كِتَابًا فِيهِ عُمُومَاتٌ مُخَصَّصَةٌ فِي غَيْرِهِ وَمُطْلَقَاتٌ مُقَيَّدَةٌ فِي غَيْرِهِ فَهَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا فِيهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ يَقْطَعُ أَنَّهَا مُسْتَوْفِيَةٌ لِلْقُيُودِ وَتَكُونُ هِيَ الْوَاقِعَةَ بِعَيْنِهَا اهـ. وَإِلَى حُكْمِ فَتْوَى مَنْ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى يُشِيرُ قَوْلُهُ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ يَقْطَعُ أَنَّهَا مُسْتَوْفِيَةٌ إلَخْ فَتَأَمَّلْ بِدِقَّةٍ إذَا عَلِمْت هَذَا عَلِمْت أَنَّ كَلَامَ الْأَصْلِ فِي هَذَا الْفَرْقِ وَجَوَابَ ابْنِ رُشْدٍ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْفَتْوَى وَصِفَةِ الْمُفْتِي قَدْ حَصَرَاهُ فِي مُجْتَهِدِ الْفَتْوَى وَالتَّرْجِيحِ وَالْعَالِمِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَتَهُ وَصَاحِبِ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مَرْتَبَتِي الْعَامِّيِّ الْمَارَّتَيْنِ مَعَ إدْمَاجِ صَاحِبِ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى مِنْهُمَا مَعَ صَاحِبِ الثَّانِيَةِ وَحَاصِلُ كَلَامِ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْحَطَّابِ عَلَى مَتْنِ سَيِّدِي خَلِيلٍ أَنَّ لِطَالِبِ الْعِلْمِ ثَلَاثَ حَالَاتٍ الْأُولَى أَنْ يَحْفَظَ كِتَابًا فِيهِ عُمُومَاتٌ مُخَصَّصَةٌ فِي غَيْرِهِ وَمُطْلَقَاتٌ مُقَيَّدَةٌ فِي غَيْرِهِ فَهَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا فِيهِ إلَّا فِي

هَذِهِ هِيَ الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ فِي غَالِبِ مَوَارِدِ الشَّرِيعَةِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي الشَّرِيعَةِ مَوَاضِعُ مُسْتَوِيَةٌ فِي الْمَصْلَحَةِ وَأَحَدُهَا أَكْثَرُ ثَوَابًا كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ دَاخِلَ الصَّلَاةِ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ قِرَاءَتِهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ لِوُجُوبِهَا دَاخِلَ الصَّلَاةِ وَشَاةُ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ أَعْظَمُ ثَوَابًا مِنْ شَاةِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ مَعَ مُسَاوَاتِهَا لِنَفْسِهَا وَدِينَارُ الزَّكَاةِ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ دِينَارِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ. وَهُوَ فِي الشَّرِيعَةِ قَلِيلٌ وَلِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُفَضِّلَ أَحَدَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِإِرَادَتِهِ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ مَصْلَحَةٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا أَحَدٌ بِسَبَبِ قَصْدِ الْوُجُوبِ فِيهِ أَوْ وُقُوعِهِ فِي حَيِّزِ الْوَاجِبِ إذَا ظَهَرَ أَنَّ كَثْرَةَ الثَّوَابِ تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الْمَصْلَحَةِ غَالِبًا أَوْ مُطْلَقًا فَأَذْكُرُ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ الَّتِي فَضَّلَهَا الشَّرْعُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ سَبْعُ صُوَرٍ: الصُّورَةُ الْأُولَى إنْظَارُ الْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ وَاجِبٌ وَإِبْرَاؤُهُ مِنْهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَهُوَ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْإِنْظَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 280] فَجَعَلَهُ أَفْضَلَ مِنْ الْإِنْظَارِ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــSهَذِهِ هِيَ الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ فِي غَالِبِ مَوَارِدِ الشَّرْعِ) قُلْتُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ ثَوَابَ التَّصَدُّقِ بِدِينَارٍ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ التَّصَدُّقِ بِدِرْهَمٍ مُسَلَّمٌ صَحِيحٌ لَكِنْ عَلَى شَرْطِ الِاسْتِوَاءِ فِي حَالِ الْمُتَصَدِّقِ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَمَّا عِنْدَ تَفَاوُتِ حَالِ الْمُتَصَدِّقِ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ فَلَا لِمَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفٍ» وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ. قَالَ (مَعَ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي الشَّرِيعَةِ مَوَاضِعُ مُسْتَوِيَةٌ فِي الْمَصَالِحِ وَأَحَدُهَا أَكْثَرُ ثَوْبًا كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ دَاخِلَ الصَّلَاةِ إلَى قَوْلِهِ إذَا ظَهَرَ أَنَّ كَثْرَةَ الثَّوَابِ تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الْمَصْلَحَةِ غَالِبًا أَوْ مُطْلَقًا فَاذْكُرْ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ الَّتِي فَضَّلَهَا الشَّرْعُ عَلَى الْوَاجِبَاتِ سَبْعَ صُوَرٍ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ اسْتِوَاءِ مَصْلَحَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ دَاخِلَ الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَلَمْ يَأْتِ عَلَى ذَلِكَ بِحُجَّةٍ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُفَضِّلَ أَحَدَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِإِرَادَتِهِ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ مَصْلَحَةٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا أَحَدٌ بِسَبَبِ قَصْدِ الْوُجُوبِ فِيهِ أَوْ وُقُوعِهِ فِي حَيِّزِ الْوَاجِبِ. قَالَ (الصُّورَةُ الْأُولَى إنْظَارُ الْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ وَاجِبٌ وَإِبْرَاؤُهُ مِنْهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ إلَى آخِرِهَا) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ وَلَا بِصَحِيحٍ بَلْ الْإِنْظَارُ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْوَاجِبَ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْمَنْدُوبِ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 280] نَقُولُ بِمُوجِبِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَقْصُودُهُ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ مَصْلَحَةَ الْإِبْرَاءِ أَعْظَمُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الْإِنْظَارُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْإِنْظَارَ تَأْخِيرُ الطَّلَبِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِطَلَبِ الدَّيْنِ بَعْدُ وَالْإِبْرَاءُ إسْقَاطٌ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ طَلَبِهِ بَعْدُ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الطَّلَبِ مُتَضَمِّنًا لِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَسْأَلَةٍ يَقْطَعُ أَنَّهَا مُسْتَوْفِيَةُ الْقُيُودِ وَتَكُونُ هِيَ الْوَاقِعَةَ بِعَيْنِهَا الثَّانِيَةُ أَنْ يَتَّسِعَ اطِّلَاعُهُ بِحَيْثُ يَعْلَمُ بِتَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ لَكِنَّهُ لَمْ يَضْبِطْ مَدَارِكَ إمَامِهِ وَمُسْتَنِدَاتِهِ فَهَذَا يُفْتِي بِمَا يَحْفَظُهُ وَيَنْقُلُهُ مِنْ الْمَشْهُورِ فِي ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَلَا يُخَرِّجُ مَسْأَلَةً لَيْسَتْ مَنْصُوصَةً عَلَى مَا يُشْبِهُهَا الثَّالِثَةُ أَنْ يُحِيطَ بِذَلِكَ وَبِمَدَارِكِ إمَامِهِ وَمُسْتَنِدَاتِهِ وَهَذَا يُفْتِي بِمَا يَحْفَظُهُ وَيُخَرِّجُ وَيَقِيسُ بِشُرُوطِ الْقِيَاسِ مَا لَا يَحْفَظُهُ عَلَى مَا يَحْفَظُهُ اهـ. وَجَوَابُ ابْنِ رُشْدٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْحَطَّابِ عَلَى خَلِيلٍ نَقْلًا عَنْ وَثَائِقِ ابْنِ سَلْمُونٍ أَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّتِي تُنْسَبُ إلَى الْعُلُومِ وَتَتَمَيَّزُ عَنْ جُمْلَةِ الْعَوَامّ فِي الْمَحْفُوظِ وَالْمَفْهُومِ تَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةِ طَوَائِفَ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ اعْتَقَدَتْ صِحَّةَ مَذْهَبِ مَالِكٍ تَقْلِيدًا بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَأَخَذَتْ أَنْفُسَهَا بِحِفْظِ مُجَرَّدِ أَقْوَالِهِ وَأَقْوَالِ أَصْحَابِهِ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ دُونَ التَّفَقُّهِ فِي مَعَانِيهَا بِتَمْيِيزِ الصَّحِيحِ مِنْهَا وَالسَّقِيمِ فَهَذِهِ لَا يَصِحُّ لَهَا الْفَتْوَى بِمَا عَلِمَتْهُ وَحَفِظَتْهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إذْ لَا عِلْمَ عِنْدَهَا بِصِحَّةِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إذْ لَا يَصِحُّ الْفَتْوَى بِمُجَرَّدِ التَّقْلِيدِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَيَصِحُّ لَهَا فِي خَاصَّتِهَا إنْ لَمْ تَجِدْ مَنْ يَصِحُّ لَهَا أَنْ تَسْتَفْتِيَهُ أَنْ تُقَلِّدَ مَالِكًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيمَا حَفِظَتْهُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَنْ نَزَلَتْ بِهِ نَازِلَةٌ مَنْ يُقَلِّدُهُ فِيهَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فَيَجُوزُ لِلَّذِي نَزَلَتْ بِهِ النَّازِلَةُ أَنْ يُقَلِّدَهُ فِيمَا حَكَاهُ لَهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي نَازِلَتِهِ وَيُقَلِّدَ مَالِكًا فِي الْأَخْذِ بِقَوْلِهِ فِيهَا وَذَلِكَ أَيْضًا إذَا لَمْ يَجِدْ فِي عَصْرِهِ مَنْ يَسْتَفْتِيهِ فِي نَازِلَتِهِ فَيُقَلِّدُهُ فِيهَا. وَإِنْ كَانَتْ النَّازِلَةُ قَدْ عُلِمَ فِيهَا اخْتِلَافًا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ فَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ كَانَ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمَ الْعَامِّيِّ إذَا اسْتَفْتَى الْعُلَمَاءَ فِي نَازِلَتِهِ فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فِيهَا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالِ أَحَدُهَا أَنْ يَأْخُذَ بِمَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ الثَّانِي أَنْ يَجْتَهِدَ مِنْ ذَلِكَ فَيَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِ أَعْلَمِهِمْ الثَّالِثُ أَنْ يَأْخُذَ بِأَغْلَظِ الْأَقْوَالِ وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ مِنْهُمْ اعْتَقَدَتْ صِحَّةَ مَذْهَبِ مَالِكٍ بِمَا بَانَ لَهَا مِنْ صِحَّةِ أُصُولِهِ الَّتِي بَنَاهُ عَلَيْهَا فَأَخَذَتْ أَنْفُسَهَا بِحِفْظِ مُجَرَّدِ أَقْوَالِهِ وَأَقْوَالِ أَصْحَابِهِ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ وَتَفَقَّهَتْ فِي مَعَانِيهَا فَعَلِمَتْ الصَّحِيحَ مِنْهَا الْجَارِيَ عَلَى أُصُولِهِ مِنْ السَّقِيمِ الْخَارِجِ إلَّا أَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ دَرَجَةَ التَّحْقِيقِ بِمَعْرِفَةِ قِيَاسِ الْفُرُوعِ عَلَى الْأُصُولِ وَهَذِهِ يَصْلُحُ لَهَا إذَا اُسْتُفْتِيَتْ أَنْ تُفْتِيَ بِمَا عَلِمَتْهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَقَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ إذَا كَانَتْ قَدْ بَانَتْ لَهَا صِحَّتُهُ كَمَا يَجُوزُ لَهَا فِي خَاصَّتِهَا الْأَخْذُ بِقَوْلِهِ إذَا بَانَتْ لَهَا صِحَّتُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُفْتِيَ بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا لَا تَعْلَمُ فِيهِ نَصًّا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَوْ قَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ بَانَتْ لَهَا

مَصْلَحَتَهُ أَعْظَمُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الْإِنْظَارُ فَمَنْ أُبْرِئَ مِمَّا عَلَيْهِ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ الْإِنْظَارُ وَهُوَ عَدَمُ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِ. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً» أَيْ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ مَثُوبَةً مِثْلَ مَثُوبَةِ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ كَذَلِكَ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَهَذِهِ السَّبْعُ وَالْعِشْرُونَ مَثُوبَةً هِيَ مُضَافَةٌ لِوَصْفِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ خَاصَّةً أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ ثُمَّ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ حَصَلَتْ لَهُ مَعَ أَنَّ الْإِعَادَةَ فِي جَمَاعَةٍ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ فَصَارَ وَصْفُ الْجَمَاعَةِ الْمَنْدُوبُ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ ثَوَابِ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ فَضَلَ وَاجِبًا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَصْلَحَتَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَكْثَرُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ. الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ لِلصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ بِأَلْفِ مَثُوبَةٍ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَقَدْ فَضَلَ الْمَنْدُوبُ الَّذِي هُوَ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوَاجِبَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْمَكَانِ أَعْظَمُ مَصْلَحَةً عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ. الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ «الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ» كَمَا خَرَّجَهُ الثِّقَاتُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَقَدْ فَضَلَ الْمَنْدُوبُ الْوَاجِبَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ صَلَاةٌ. الصُّورَةُ الْخَامِسَةُ الصَّلَاةُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَقَدْ فَضَلَ الْمَنْدُوبُ الْوَاجِبَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــSيَسْتَلْزِمُ الطَّلَبَ. قَالَ (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ لَيْسَتْ الْجَمَاعَةُ مُتَفَضِّلَةً عَنْ الصَّلَاةِ بَلْ الْجَمَاعَةُ وَصْفٌ لِلصَّلَاةِ فُضِّلَتْ بِهِ عَلَى وَصْفِ الِانْفِرَادِ فَصَلَاةُ الْمُكَلَّفِ إذَا فَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ وَقَعَتْ وَاجِبَةً وَإِذَا فَعَلَهَا وَحْدَهُ وَقَعَتْ كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ أَحَدُ الْوَاجِبَيْنِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْآخَرِ وَلَا يُنْكَرُ مِثْلُ ذَلِكَ وَأَمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ مَثَلًا إذَا أَوْقَعَهَا الْمُكَلَّفُ فِي جَمَاعَةٍ فَكَوْنُهَا صَلَاةَ ظُهْرٍ هُوَ الْوَاجِبُ وَكَوْنُهَا فِي جَمَاعَةٍ هُوَ الْمَنْدُوبُ فَذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بِوَجْهٍ لِأَنَّ كَوْنَهَا فِي جَمَاعَةٍ لَيْسَ مُنْفَصِلًا مِنْ كَوْنِهَا ظُهْرًا بَلْ هِيَ ظُهْرٌ وَهِيَ فِي جَمَاعَةٍ. قَالَ (الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي تُصَلَّى فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاجِبَةً فَهِيَ تَفْضُلُ تِلْكَ الصَّلَاةَ بِنَفْسِهَا إذَا صُلِّيَتْ فِي غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَتْ نَافِلَةً فَهِيَ تَفْضُلُ تِلْكَ الصَّلَاةَ بِنَفْسِهَا إذَا صُلِّيَتْ فِي غَيْرِهِ. قَالَ (الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَالْكَلَامِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. قَالَ (الصُّورَةُ الْخَامِسَةُ الصَّلَاةُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلَى آخِرِهَا) قُلْتُ وَهَذِهِ الْكَلَامُ فِيهَا أَيْضًا كَالْكَلَامِ فِيمَا قَبْلَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQصِحَّتُهُ إذْ لَيْسَتْ مِمَّنْ كَمُلَ لَهَا آلَاتُ الِاجْتِهَادِ الَّذِي يَصِحُّ لَهَا بِهَا قِيَاسٌ مِنْ الْفُرُوعِ عَلَى الْأُصُولِ وَالطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ مِنْهُمْ اعْتَقَدَتْ صِحَّةَ مَذْهَبِهِ بِمَا بَانَ لَهَا أَيْضًا مِنْ صِحَّةِ أُصُولِهِ لِكَوْنِهَا عَالِمَةً أَحْكَامَ الْقُرْآنِ عَارِفَةً لِلنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَالْمُفَصَّلِ وَالْمُجْمَلِ وَالْخَاصِّ مِنْ الْعَامِّ عَالِمَةً بِالسُّنَنِ الْوَارِدَةِ فِي الْأَحْكَامِ مُمَيِّزَةً بَيْنَ صَحِيحِهَا مِنْ مَعْلُولِهَا عَالِمَةً بِأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَبِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ عَالِمَةً مِنْ عِلْمِ اللِّسَانِ بِمَا يُفْهَمُ بِهِ مَعَانِي الْكَلَامِ عَالِمَةً بِوَضْعِ الْأَدِلَّةِ فِي مَوَاضِعِيهَا وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي يَصِحُّ لَهَا الْفَتْوَى عُمُومًا بِالِاجْتِهَادِ وَالْقِيَاسِ عَلَى الْأُصُولِ الَّتِي هِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ بِالْمَعْنَى الْجَامِعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّازِلَةِ وَعَلَى مَا قِيسَ عَلَيْهَا إنْ قُدِّمَ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا وَمِنْ الْقِيَاسِ جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ قَدْ يُعْلَمُ قَطْعًا بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَقَدْ يُعْلَمُ بِالِاسْتِدْلَالِ فَلَا يُوجِبُ إلَّا غَلَبَةَ الظَّنِّ وَلَا يَرْجِعُ إلَى الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ إلَّا بَعْدَ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَهَذَا كُلُّهُ يَتَفَاوَتُ الْعُلَمَاءُ فِي التَّحْقِيقِ بِالْمَعْرِفَةِ بِهِ تَفَاوُتًا بَعِيدًا وَتَفْتَرِقُ أَحْوَالُهُمْ أَيْضًا فِي جَوْدَةِ الْفَهْمِ لِذَلِكَ وَجَوْدَةِ الذِّهْنِ فِيهِ افْتِرَاقًا بَعِيدًا إذْ لَيْسَ الْعِلْمُ الَّذِي هُوَ الْفِقْهُ فِي الدِّينِ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ وَالْحِفْظِ وَإِنَّمَا هُوَ نُورٌ يَضَعُهُ اللَّهُ حَيْثُ يَشَاءُ فَمَنْ اعْتَقَدَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ مِمَّنْ تَصِحُّ لَهُ الْفَتْوَى بِمَا آتَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ الْمُرَكَّبِ عَلَى الْمَحْفُوظِ الْمَعْلُومِ جَازَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ وَإِذَا اعْتَقَدَ النَّاسُ فِيهِ ذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ فَمِنْ الْحَقِّ لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يُفْتِيَ حَتَّى يَرَى نَفْسَهُ أَهْلًا لِذَلِكَ عَلَى مَا حَكَى مَالِكٌ عَنْ ابْنِ هُرْمُزَ أَشَارَ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ اسْتَشَارَهُ السُّلْطَانُ فَاسْتَشَارَهُ فِي ذَلِكَ اهـ. تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ الِاسْتِنْبَاطُ لُغَةً اسْتِخْرَاجُ الْمَاءِ مِنْ الْعَيْنِ مِنْ قَوْلِهِمْ نَبَطَ الْمَاءُ إذَا خَرَجَ مِنْ مَنْبَعِهِ وَاصْطِلَاحًا اسْتِخْرَاجُ الْمَعَانِي مِنْ النُّصُوصِ بِفَرْطِ الذِّهْنِ وَقُوَّةِ الْقَرِيحَةِ كَمَا فِي تَعْرِيفَاتِ الْجُرْجَانِيِّ قَالَ الْمَحَلِّيُّ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنْ يَسْتَنْبِطَ الْحُكْمَ بِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُعَرَّفَ بِأَلْ عَامٌّ مِمَّا نُقِلَ أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ حَيْثُ لَا حَصْرَ فِيهِ أَيْ إخْرَاجُ بَعْضِهِ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا بِأَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ كُبْرَى مَأْخُوذَةً مِنْ قَوْلِهِمْ مِعْيَارًا لِعُمُومِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهِيَ كُلُّ مَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ مِمَّا لَا حَصْرَ فِيهِ فَهُوَ عَامٌّ لِيَنْتِجَ مَطْلُوبٌ وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ عَامٌّ اهـ بِتَوْضِيحٍ لِلْمُرَادِ. وَفِي حَاشِيَتَيْ الشِّرْبِينِيِّ وَالْعَطَّارِ عَلَى مَحَلِّي جَمْعِ الْجَوَامِعِ الِاسْتِنْبَاطُ اسْتِنْتَاجُ الْأَحْكَامِ مِنْ الْأَدِلَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا رُفِعَتْ إلَى الْمُجْتَهِدِ وَاقِعَةٌ فَلْيَعْرِضْهَا عَلَى نُصُوصِ الْكِتَابِ فَإِنْ أَعْوَزَهُ فَعَلَى الْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ

الصَّلَاةِ. الصُّورَةُ السَّادِسَةُ رُوِيَ أَنَّ «صَلَاةً بِسِوَاكٍ خَيْرٌ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةٍ بِغَيْرِ سِوَاكٍ» مَعَ أَنَّ وَصْفَ السِّوَاكِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَقَدْ فَضَلَ الْمَنْدُوبُ الْوَاجِبَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الصَّلَاةِ وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَصْلَحَتَهُ تَصْلُحُ لِلْإِيجَابِ وَلَكِنَّ تُرِكَ الْإِيجَابُ رِفْقًا بِالْعِبَادِ. الصُّورَةُ السَّابِعَةُ الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لَا يَأْثَمُ تَارِكُهُ فَهُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ مَعَ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» وَرُوِيَ «وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّمَا أَمَرَ بِعَدَمِ الْإِفْرَاطِ فِي السَّعْيِ لِأَنَّهُ إذَا قَدُمَ عَلَى الصَّلَاةِ عَقِيبَ شِدَّةِ السَّعْيِ يَكُونُ عِنْدَهُ انْبِهَارٌ وَقَلَقٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الْخُشُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَحَقِيقَتُهُ أَنَّ إيقَاعَ الصَّلَاةِ فِي مَكَان مَا لَيْسَ غَيْرَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ إنَّ إيقَاعَهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مَنْدُوبٌ وَهِيَ فِي نَفْسِهَا وَاجِبَةٌ وَلَكِنَّ إيقَاعَ الصَّلَاةِ فِي الْمَكَانِ هُوَ نَفْسُ الصَّلَاةِ وَتَوَهُّمُ الِانْفِصَالِ أَوْجَبَ الْغَلَطَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ. قَالَ (الصُّورَةُ السَّادِسَةُ رُوِيَ أَنَّ «صَلَاةً بِسِوَاكٍ خَيْرٌ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةً بِغَيْرِ سِوَاكٍ» إلَى آخِرِ الصُّورَةِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ وَصْفَ السِّوَاكِ مَنْدُوبٌ صَحِيحٌ وَلَكِنْ جَعَلَ الشَّارِعُ الصَّلَاةَ مَعَ السِّوَاكِ بِسَبْعِينَ صَلَاةً بِغَيْرِ سِوَاكٍ أَيْ فِيهَا ثَوَابُ سَبْعِينَ صَلَاةً بِدُونِ سِوَاكٍ فَالسِّوَاكُ وَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا سَبَبٌ فِي تَضْعِيفِ ثَوَابِ الْوَاجِبِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْمَنْدُوبَ خَيْرٌ مِنْ أَصْلِ الصَّلَاةِ لِأَجْلِ كَوْنِهِ سَبَبًا فِي تَضْعِيفِ ثَوَابِهَا وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ نَصَّ الشَّارِعِ لَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا التَّضْعِيفَ ثَوَابٌ لِلسِّوَاكِ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ التَّضْعِيفَ ثَوَابٌ لِلصَّلَاةِ الْمُصَاحِبَةِ لِلسِّوَاكِ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمَنْدُوبَ الَّذِي هُوَ السِّوَاكُ خَيْرٌ مِنْ أَصْلِ الصَّلَاةِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَدِيثِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ. قَالَ (الصُّورَةُ السَّابِعَةُ الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لَا يَأْثَمُ تَارِكُهُ فَهُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ مَعَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» وَرُوِيَ «وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّمَا أَمَرَ بِعَدَمِ الْإِفْرَاطِ فِي السَّعْيِ لِأَنَّهُ إذَا قَدِمَ عَلَى الصَّلَاةِ عَقِيبَ شِدَّةِ السَّعْيِ يَكُونُ عِنْدَهُ انْبِهَارٌ وَقَلَقٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الْخُشُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ عَلَى الْآحَادِ فَإِنْ أَعْوَزَهُ لَمْ يَخُضْ فِي الْقِيَاسِ بَلْ يَلْتَفِتُ إلَى ظَوَاهِرِ الْقُرْآنِ فَإِنْ وَجَدَ ظَاهِرًا نَظَرَ فِي الْمُخَصَّصَاتِ مِنْ قِيَاسٍ أَوْ خَبَرٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَخْصِيصًا حَكَمَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْثُرْ عَلَى لَفْظٍ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ نَظَرَ إلَى الْمَذَاهِبِ فَإِنْ وَجَدَهَا مُجْمَعًا عَلَيْهَا اتَّبَعَ الْإِجْمَاعَ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إجْمَاعًا خَاضَ فِي الْقِيَاسِ وَيُلَاحِظُ الْقَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةَ أَوَّلًا وَيُقَدِّمُهَا عَلَى الْجُزْئِيَّاتِ كَمَا فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقِلِ يُقَدِّمُ قَاعِدَةَ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ عَلَى مُرَاعَاةِ الْآلَةِ فَإِنْ عُدِمَ قَاعِدَةً كُلِّيَّةً نَظَرَ فِي النُّصُوصِ وَمَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ فَإِنْ وَجَدَهَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ أَلْحَقَ بِهِ وَإِلَّا انْحَدَرَ إلَى قِيَاسٍ مُخَيَّلٍ فَإِنْ أَعْوَزَهُ تَمَسَّكَ بِالشَّبَهِ وَلَا يَعُودُ عَلَى طَرْدٍ إنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَيَعْرِفُ مَأْخَذَ الشَّرْعِ هَذَا تَدْرِيجُ النَّظَرِ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَقَدْ أَخَّرَ الْإِجْمَاعَ عَنْ الْإِخْبَارِ وَذَلِكَ تَأْخِيرُ مَرْتَبَةٍ لَا تَأْخِيرُ عَمَلٍ إذْ الْفِعْلُ بِهِ مُقَدَّمٌ لَكِنَّ الْخَبَرَ يَتَقَدَّمُ فِي الْمَرْتَبَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مُسْتَنَدُ قَبُولِ الْإِجْمَاعِ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ اهـ. 2 - (التَّنْبِيهُ الثَّانِي) الْقِيَاسُ لُغَةً عِبَارَةٌ عَنْ رَدِّ الشَّيْءِ إلَى نَظِيرِهِ وَعِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ إبَانَةُ مِثْلِ حُكْمِ الْمَذْكُورِ بِمِثْلِ عِلَّتِهِ فِي الْآخَرِ أَيْ إظْهَارُ مِثْلِ حُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ بِمِثْلِ عِلَّتِهِ فِي آخَرَ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ لَا إثْبَاتُهُ لِأَنَّ الْقِيَاسَ غَيْرُ مُثْبِتٍ لِلْحُكْمِ بَلْ مُظْهِرٍ لَهُ وَاحْتَرَزَ بِمِثْلِ الْحُكْمِ وَمِثْلِ الْعِلَّةِ عَنْ لُزُومِ الْقَوْلِ بِانْتِقَالِ الْأَوْصَافِ وَاخْتِيَارِ لَفْظِ الْمَذْكُورِ لِيَشْمَلَ الْقِيَاسَ بَيْنَ الْمَعْدُومِينَ أَيْضًا وَأَرْكَانُهُ. أَرْبَعَةٌ مَقِيسٌ عَلَيْهِ وَمَقِيسٌ وَمَعْنًى مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَحُكْمُ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ يَتَعَدَّى بِوَاسِطَةِ الْمُشْتَرَكِ إلَى الْمَقِيسِ وَفِي التَّعْبِيرِ بِالْأَصْلِ وَالْفَرْعِ عَنْ الْأَوَّلَيْنِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَوْ عَنْ غَيْرِهِمَا كَحُكْمِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ أَوْ الْأَصْلُ دَلِيلُ حُكْمِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ خِلَافٌ وَيَنْقَسِمُ إلَى جَلِيٍّ وَهُوَ مَا تَسْبِقُ إلَيْهِ الْأَفْهَامُ وَإِلَى خَفِيٍّ وَهُوَ مَا يَكُونُ بِخِلَافِهِ وَيُسَمَّى فِي الْأَغْلَبِ بِالِاسْتِحْسَانِ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِحْسَانُ أَعَمَّ مُطْلَقًا مِنْهُ لِأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَالضَّرُورَةِ كَمَا فِي تَعْرِيفَاتِ الْجُرْجَانِيِّ وَمَحَلِّي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَرْكَانِهِ الْأَرْبَعَةِ شُرُوطٌ تُطْلَبُ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ قَالَ الْحَطَّابُ فِي شَرْحِ وَرَقَاتِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ مَعَ الْمَتْنِ. وَيَنْقَسِمُ الْقِيَاسُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قِيَاسِ عِلَّةٍ وَقِيَاسِ دَلَالَةٍ وَقِيَاسِ شَبَهٍ (فَقِيَاسُ الْعِلَّةِ) مَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِيهِ مُوجِبَةً لِلْحُكْمِ بِحَيْثُ لَا يَحْسُنُ عَقْلًا تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْهَا وَلَوْ تَخَلَّفَ عَنْهَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ مُحَالٌ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ كَقِيَاسِ تَحْرِيمِ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ عَلَى التَّأْفِيفِ بِجَامِعِ الْإِيذَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَحْسُنُ فِي الْعَقْلِ إبَاحَةُ الضَّرْبِ مَعَ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الدَّلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْحُكْمِ قِيَاسِيَّةٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الدَّلَالَةَ فِيهِ مِنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْحُكْمِ وَقِيَاسُ الدَّلَالَةِ مَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِيهِ دَالَّةً عَلَى الْحُكْمِ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لَهُ أَيْ مَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ لِعِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ يَجُوزُ أَنْ يَتَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَيْهَا فِي الْفَرْعِ

اللَّائِقِ بِالصَّلَاةِ فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَاجْتِنَابِ مَا يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ الْخُشُوعِ وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَاتُ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَصْلَحَةَ الْخُشُوعِ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ وَصْفِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ مَعَ أَنَّ الْجُمُعَةَ وَاجِبَةٌ فَقَدْ فَضَلَ الْمَنْدُوبُ الْوَاجِبَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَهِيَ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهَا الَّتِي شَهِدَ لَهَا الْحَدِيثُ فِي قَوْله تَعَالَى «مَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ وَلَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» الْحَدِيثَ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَظَهَرَ أَنَّ بَعْضَ الْمَنْدُوبَاتِ قَدْ تَفْضُلُ الْوَاجِبَاتِ فِي الْمَصْلَحَةِ فَنَقُولُ إنَّا حَيْثُ قُلْنَا إنَّ الْوَاجِبَ يُقَدَّمُ عَلَى الْمَنْدُوبِ وَالْمَنْدُوبَ لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ حَيْثُ كَانَتْ مَصْلَحَةُ الْوَاجِبِ أَعْظَمَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمَنْدُوبِ أَمَّا إذَا كَانَتْ مَصْلَحَةُ الْمَنْدُوبِ أَعْظَمَ ثَوَابًا فَإِنَّا نُقَدِّمُ الْمَنْدُوبَ عَلَى الْوَاجِبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْخُشُوعِ وَغَيْرِهِ فَإِذَا وَجَدْنَا الشَّرْعَ قَدَّمَ مَنْدُوبًا عَلَى وَاجِبٍ فَإِنْ عَلِمْنَا أَنَّ مَصْلَحَةَ ذَلِكَ الْمَنْدُوبِ أَكْثَرُ فَلَا كَلَامَ حِينَئِذٍ وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْهَا اسْتَدْلَلْنَا بِالْأَثَرِ عَلَى الْمُؤَثِّرِ وَقُلْنَا مَا قَدَّمَ صَاحِبُ الشَّرْعِ هَذَا الْمَنْدُوبَ عَلَى هَذَا الْوَاجِبِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ وَمَصْلَحَتُهُ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ لِأَنَّا اسْتَقْرَيْنَا الشَّرَائِعَ ـــــــــــــــــــــــــــــSاللَّائِقِ بِالصَّلَاةِ فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَاجْتِنَابِ مَا يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ الْخُشُوعِ وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَاتُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «وَلَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ» الْحَدِيثَ) قُلْتُ لَا يَتَعَيَّنُ مَا قَالَهُ ذَلِكَ الْعَالِمُ مِنْ كَوْنِ عَدَمِ السَّكِينَةِ مُوجِبًا لِعَدَمِ الْخُشُوعِ سَبَبًا لِلْأَمْرِ بِالسَّكِينَةِ حَتَّى يَلْزَمَ عَنْ ذَلِكَ تَرْكُ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ لِلْمَنْدُوبِ الَّذِي هُوَ الْخُشُوعُ بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْأَمْرَ بِالسَّكِينَةِ إنَّمَا كَانَ لِأَنَّ ضِدَّهَا الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الَّذِي هُوَ شِدَّةُ السَّعْيِ شَاغِلٌ لِلْبَالِ مُنَافٍ لِلْحُضُورِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِحَسَبِ الْوُسْعِ فَإِذَا كَانَتْ شِدَّةُ السَّعْيِ مِنْ كَسْبِهِ فَعَدَمُ الْحُضُورِ الْمُسَبَّبُ عَنْ الشُّغْلِ بِآثَارِ شِدَّةِ السَّعْيِ مِنْ الِانْبِهَارِ وَالْقَلَقِ مِنْ كَسْبِهِ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ مَنْدُوبٍ وَلَا تَفْضِيلِهِ عَلَى وَاجِبٍ بَلْ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ التَّسَبُّبِ إلَى الْإِخْلَالِ بِشَرْطِ الْوَاجِبِ مَعَ أَنَّ مُنَافَاةَ الْقَلَقِ وَالِانْبِهَارِ لِلْخُشُوعِ لَيْسَ بِالْأَمْرِ الْوَاضِحِ وَإِنْ ثَبَتَتْ الْمُنَافَاةُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ مُنَافَاةِ الْحُضُورِ إذْ الْحُضُورُ شَرْطٌ فِي الْخُشُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (إذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَظَهَرَ أَنَّ بَعْضَ الْمَنْدُوبَاتِ قَدْ تَفْضُلُ الْوَاجِبَاتِ فِي الْمَصْلَحَةِ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّفَ وَهَذَا أَضْعَفُ مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ غَالِبُ أَنْوَاعِ الْأَقْيِسَةِ كَقِيَاسِ مَالِ الصَّبِيِّ عَلَى مَالِ الْبَالِغِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ بِجَامِعِ أَنَّهُ مَالٌ نَامٍ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَا يَجِبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ (وَقِيَاسُ الشَّبَهِ) مَا كَانَ الْفَرْعُ فِيهِ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ أَصْلَيْنِ وَهُوَ أَكْثَرُ شَبَهًا بِأَحَدِهِمَا فَيُلْحَقُ بِهِ كَالْعَبْدِ الْمَقْتُولِ فَإِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ فِي الضَّمَانِ بَيْنَ الْإِنْسَانِ الْحُرِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ وَبَيْنَ الْبَهِيمَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ وَهُوَ بِالْمَالِ أَكْثَرُ شَبَهًا مِنْ الْحُرِّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُبَاعُ وَيُورَثُ وَيُوقَفُ وَتُضْمَنُ أَجْزَاؤُهُ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ وَتُضْمَنُ قِيمَتُهُ وَإِنْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ وَهَذَا أَضْعَفُ مِمَّا قَبْلَهُ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ مَا قَبْلَهُ اهـ. بِتَصَرُّفٍ قُلْتُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُرَادُ بِالْجَلِيِّ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ هُوَ الْمُرَادُ بِالْخَفِيِّ نَعَمْ قَالَ الرَّازِيّ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْجَمَلِ عَلَى الْجَلَالَيْنِ إنَّ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 28] دَالٌّ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ فِي اللِّوَاطَةِ لِأَنَّهَا اشْتَرَكَتْ مَعَ الزِّنَا فِي كَوْنِهَا فَاحِشَةً وَهَذَا وَإِنْ كَانَ قِيَاسًا أَيْ مِنْ أَمْثِلَةِ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ الظَّنِّيِّ إلَّا أَنَّ الْجَامِعَ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْآيَةِ اهـ. أَيْ مِنْ النَّصِّ وَكُلُّ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ النَّصِّ فَهُوَ قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ لَا ظَنِّيُّهَا فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ وَقَدْ اقْتَصَرْت فِي الْمُقَدِّمَةِ تَبَعًا لِابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ فِي بِدَايَتِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ دَلَالَةَ نَحْوِ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ فِي الْآيَةِ عَلَى تَحْرِيمِ الضَّرْبِ لَفْظِيَّةٌ لَا قِيَاسِيَّةٌ وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ ابْنُ السُّبْكِيّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَافْهَمْ. قَالَ الْأَصْلُ وَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ لِلْمُقَلِّدِ وَلَا لِإِمَامِهِ إلَّا بَعْدَ الْفَحْصِ الْمُنْتَهِي إلَى غَايَةِ أَنَّهُ لَا فَارِقَ هُنَاكَ وَلَا مُعَارِضَ وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُ مِنْ الْقِيَاسِ وَلَا يَتَأَتَّى الْفَحْصُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْمُقَلِّدِ إلَّا بَعْدَ إحَاطَتِهِ بِمَدَارِكِ إمَامِهِ وَأَدِلَّتِهِ وَأَقْيِسَتِهِ وَعِلَلِهِ الَّتِي اعْتَمَدَ عَلَيْهَا مُفَصَّلَةً وَمَعْرِفَتِهِ رُتَبَ تِلْكَ الْعِلَلِ وَنِسْبَتَهَا إلَى الْمَصَالِحِ الشَّرْعِيَّةِ وَهَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْمَصَالِحِ الضَّرُورِيَّةِ أَوْ الْحَاجِيَّةِ أَوْ التَّتِمِّيَّةِ وَهَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْمُنَاسِبِ الَّذِي اُعْتُبِرَ نَوْعُهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ وَهَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ الَّتِي هِيَ أَدْنَى رُتَبِ الْمَصَالِحِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ مَا شَهِدَتْ لَهَا أُصُولُ الشَّرْعِ بِالِاعْتِبَارِ أَوْ هِيَ مِنْ بَابِ قِيَاسِ الشَّبَهِ أَوْ الْمُنَاسِبِ أَوْ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ أَوْ قِيَاسِ الْإِحَالَةِ أَوْ الْمُنَاسِبِ الْقَرِيبِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَفَاصِيلِ الْأَقْيِسَةِ وَرُتَبِ الْعِلَلِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِينَ الْمُوَضَّحَةِ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ نِسْبَةَ هَذَا الْمُقَلِّدِ إلَى إمَامِهِ فِي الْقِيَاسِ عَلَى أُصُولِ مَذْهَبِهِ كَنِسْبَةِ إمَامِهِ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ فِي الْقِيَاسِ عَلَى مَقَاصِدِهِ فَكَمَا أَنَّ إمَامَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقِيسَ مَعَ قِيَامِ الْفَارِقِ لِأَنَّ الْفَارِقَ مُبْطِلٌ لِلْقِيَاسِ وَالْقِيَاسُ الْبَاطِلُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ مَثَلًا لَوْ وَجَدَ إمَامُهُ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَدْ نَصَّ عَلَى حُكْمٍ وَمَصْلَحَةٍ مِنْ بَابِ الضَّرُورِيَّاتِ حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَقِيسَ عَلَيْهِ مَا هُوَ مِنْ بَابِ الْحَاجَاتِ أَوْ التَّتِمَّاتِ لِكَوْنِ هَاتَيْنِ ضَعِيفَتَيْنِ

فَوَجَدْنَاهَا مَصَالِحَ عَلَى وَجْهِ التَّفَضُّلِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - إذَا سَمِعْتُمْ قِرَاءَةَ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَاسْتَمِعُوا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِخَيْرٍ وَيَنْهَاكُمْ عَنْ شَرٍّ فَحَيْثُ لَمْ نَعْلَمْ ذَلِكَ قُلْنَا هُوَ كَذَلِكَ طَرَدَ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعُ فِي رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ وَلَمَّا وَرَدَتْ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَقُدِّمَ فِيهِ الْمَنْدُوبُ الَّذِي هُوَ وَصْفُ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الْوَقْتُ قُلْنَا هَذَا الْمَنْدُوبُ أَعْظَمُ مَصْلَحَةً مِنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ أَوْ مُسَاوٍ لِلْوَاجِبِ فَخَيَّرَ الشَّرْعُ بَيْنَهُمَا وَجَعَلَ لَهُ اخْتِيَارَ أَحَدِهِمَا فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ حِينَئِذٍ. (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّمَانُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَكْثُرُ الثَّوَابُ فِيهِ وَالْعِقَابُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقِلُّ الثَّوَابُ فِيهِ وَالْعِقَابُ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَقِلَّتِهِ وَكَثْرَةِ الْعِقَابِ وَقِلَّتِهِ أَنْ يَتْبَعَا كَثْرَةَ الْمَصْلَحَةِ فِي الْفِعْلِ وَقِلَّتَهَا كَتَفْضِيلِ التَّصَدُّقِ بِالدِّينَارِ عَلَى التَّصَدُّقِ بِالدِّرْهَمِ وَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ مِنْ بَنِي آدَمَ مَعَ إنْقَاذِ الْغَرِيقِ مِنْ الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ وَإِثْمُ الْأَذِيَّةِ فِي الْأَعْرَاضِ وَالنُّفُوسِ أَعْظَمُ مِنْ الْأَذِيَّةِ فِي الْأَمْوَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــSطَرَدَ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعُ فِي رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ) قُلْتُ لَمْ يَتَقَرَّرْ مَا قَالَ وَلَا أَقَامَ عَلَيْهِ حُجَّةً وَلَا يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي أَمْرٍ مَا أَعْظَمَ مِنْهَا فِي أَمْرٍ آخَرَ وَبَلَغَ إلَى حَدِّ مَصَالِحِ الْوَاجِبَاتِ فَاَلَّذِي يُنَاسِبُ رِعَايَةَ الْمَصَالِحِ أَنْ يَكُونَ الْأَعْظَمُ مَصْلَحَةً عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَاجِبًا وَالْأَدْنَى مَصْلَحَةً مَنْدُوبًا أَمَّا أَنْ يَكُونَ الْأَعْظَمُ مَصْلَحَةً مَنْدُوبًا وَيَكُونَ الْأَدْنَى مَصْلَحَةً وَاجِبًا فَلَيْسَ بِمُنَاسِبٍ لِرِعَايَةِ الْمَصَالِحِ بِوَجْهٍ. قَالَ (وَلَمَّا وَرَدَتْ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَقَدَّمَ فِيهِ الْمَنْدُوبَ الَّذِي هُوَ وَصْفُ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الْوَقْتُ قُلْنَا هَذَا الْمَنْدُوبُ أَعْظَمُ مَصْلَحَةً مِنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ) قُلْتُ لَمْ يُقَدِّمْ الْمَنْدُوبَ عَلَى الْوَاجِبِ وَلَا يَصِحُّ عَلَى قَاعِدَةِ مُرَاعَاةِ الْمَصَالِحِ أَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ مَصْلَحَةً مِنْ الْوَاجِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَكْثُرُ الثَّوَابُ فِيهِ وَالْعِقَابُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقِلُّ الثَّوَابُ فِيهِ وَالْعِقَابُ اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَقِلَّتِهِ وَكَثْرَةِ الْعِقَابِ وَقِلَّتِهِ أَنْ يَتَّبِعَا كَثْرَةَ الْمَصْلَحَةِ فِي الْفِعْلِ وَقِلَّتِهَا كَتَفْضِيلِ التَّصَدُّقِ بِالدِّينَارِ عَلَى التَّصَدُّقِ بِالدِّرْهَمِ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَرْجُوحَتَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُولَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ الْأَقْوَى اعْتِبَارُ الْأَضْعَفِ كَذَلِكَ هَذَا الْمُقَلِّدُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقِيسَ فَرْعًا عَلَى فَرْعٍ نَصَّ إمَامُهُ عَلَيْهِ مَعَ قِيَامِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا مَثَلًا إمَامُهُ أَفْتَى فِي فَرْعٍ بُنِيَ عَلَى عِلَّةٍ اُعْتُبِرَ فَرْعُهَا فِي نَوْعِ الْحُكْمِ لَا يَجُوزُ لَهُ هُوَ أَنْ يَقِيسَ عَلَى أَصْلِ إمَامِهِ فَرْعًا مِثْلَ ذَلِكَ الْفَرْعِ لَكِنَّ عِلَّتَهُ مِنْ قَبِيلِ مَا شَهِدَ جِنْسُهُ لِجِنْسِ الْحُكْمِ لِقُوَّةِ النَّوْعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ الْأَقْوَى اعْتِبَارُ الْأَضْعَفِ أَوْ وَجَدَ إمَامَهُ اعْتَمَدَ عَلَى مَصْلَحَةٍ مِنْ بَابِ الضَّرُورِيَّاتِ لَا يَجُوزُ لَهُ هُوَ أَنْ يَقِيسَ عَلَيْهَا مِثْلَهَا لَكِنَّهَا مِنْ بَابِ الْحَاجَاتِ أَوْ التَّتِمَّاتِ إذْ لَعَلَّ إمَامَهُ رَاعَى خُصُوصَ تِلْكَ الْقُوَّةِ وَذَلِكَ لِخُصُوصٍ مُنْتَفٍ هُنَا أَوْ وَجَدَ إمَامَهُ اعْتَبَرَ مَصْلَحَةً سَالِمَةً عَنْ الْمُعَارِضِ لِقَاعِدَةٍ أُخْرَى حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَ فِيمَا فِيهِ عَنْ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ لَكِنَّهَا مُعَارِضَةٌ لِقَاعِدَةٍ أُخْرَى أَوْ بِقَوَاعِدَ لِقِيَامِ الْفَارِقِ. 2 - (التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ) التَّخْرِيجُ فِي اصْطِلَاحِ الْعُلَمَاءِ تَعَرُّفُ أَحْكَامِ جُزْئِيَّاتِ مَوْضُوعِ الْقَاعِدَةِ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى تِلْكَ الْأَحْكَامِ بِالْقُوَّةِ الْقَرِيبَةِ مِنْ الْفِعْلِ بِإِبْرَازِهَا مِنْ الْقُوَّةِ إلَى الْفِعْلِ بِأَنْ تُجْعَلَ الْقَاعِدَةُ نَحْوُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ حَقِيقَةً كُبْرَى قِيَاسٌ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ لِصُغْرَى سَهْلَةِ الْحُصُولِ لِأَنَّ مَحْمُولَهَا مَوْضُوعُ الْكُبْرَى وَمَوْضُوعُهَا هُوَ الْجُزْئِيُّ الَّذِي قُصِدَ تَعَرُّفُ حُكْمِهِ فَيُقَالُ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ حَقِيقَةٌ تُنْتِجُ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ لِلْوُجُوبِ حَقِيقَةً فَلِذَا عَرَّفُوا الْقَاعِدَةَ بِقَضِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ يَتَعَرَّفُ مِنْهَا أَحْكَامُ جُزْئِيَّاتِ مَوْضُوعِهَا، وَفِي صِيغَةِ التَّفَعُّلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ تِلْكَ الْمَعْرِفَةَ بِالْكُلْفَةِ وَالْمَشَقَّةِ فَخَرَجَ مِنْ التَّعْرِيفِ الْقَضِيَّةُ الَّتِي تَكُونُ فُرُوعُهَا بَدِيهِيَّةً غَيْرَ مُحْتَاجَةٍ إلَى التَّخْرِيجِ فَيَكُونُ ذِكْرُهَا فِي الْفَنِّ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَادِي لِمَسَائِلَ أُخَرَ وَيُقَالُ لِلْإِبْرَازِ الْمَذْكُورِ تَفْرِيعٌ كَمَا فِي الْعَطَّارِ وَالشِّرْبِينِيِّ عَلَى مَحَلِّي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَأَطْلَقَ الْأَصْلُ التَّخْرِيجَ عَلَى مَعْنَى الْقِيَاسِ فَلِذَا قَالَ لَا يَجُوزُ إلَّا لِمَنْ ضَبَطَ مَدَارِكَ إمَامِهِ وَمُسْتَنَدَاتِهِ بِخِلَافِهِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ يَتَّسِعُ اطِّلَاعُهُ بِحَيْثُ يَعْلَمُ بِتَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ وَلَوْ لَمْ يَضْبِطْ مَدَارِكَ إمَامِهِ وَمُسْتَنَدَاتِهِ. قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ عُلَيْشٌ فِي فَتَاوِيهِ فَتْحِ الْعَلِيِّ الْمَالِكِ فِي جَوَابِ بَعْضِ مُعَاصِرِيهِ لَمَّا سُئِلَ عَنْ رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي بَهِيمَةٍ اشْتَرَيَاهَا وَالْتَزَمَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ نَفَقَتَهَا ثُمَّ بَعْدَ انْفِصَالِ الشَّرِكَةِ أَرَادَ الْمُلْتَزِمُ مُحَاسَبَةَ شَرِيكِهِ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى حِصَّتِهِ فِي الْبَهِيمَةِ الْمَذْكُورَةِ فَهَلْ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ حَيْثُ الْتَزَمَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْإِنْفَاقَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى شَرِيكِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْرُوفٌ لَازِمٌ لِمَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ مَا لَمْ يُفْلِسْ أَوْ يَمُتْ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْعَلَّامَةُ الْحَطَّابُ وَنَصُّ مَسْأَلَةِ مَنْ الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى شَخْصٍ مُدَّةً مُعَيَّنَةً أَوْ مُدَّةَ حَيَاةِ الْمُنْفِقِ أَوْ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ أَوْ حَتَّى يَقْدُمَ زَيْدٌ أَوْ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يُفْلِسْ أَوْ يَمُتْ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْمَعْرُوفَ عَلَى مَذْهَبِ

وَهَذَا هُوَ غَالِبُ الشَّرِيعَةِ وَقَدْ يَسْتَوِي الْفِعْلَانِ فِي الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَيُوجِبُ اللَّهُ تَعَالَى أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَ غَيْرِهَا مِنْ التَّكْبِيرَاتِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ مَعَ سَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَسَجْدَةِ النَّافِلَةِ مَعَ سَجْدَةِ الْفَرِيضَةِ وَكَذَلِكَ الرُّكُوعُ فِيهِمَا بَلْ قَدْ تُتْرَكُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَتُعْكَسُ بِأَنْ يَصِيرَ الْأَقَلُّ أَكْثَرَ ثَوَابًا كَتَفْضِيلِ الْقَصْرِ عَلَى الْإِتْمَامِ مَعَ اشْتِمَالِ الْإِتْمَامِ عَلَى مَزِيدِ الْخُشُوعِ وَالْإِجْلَالِ وَأَنْوَاعِ التَّقَرُّبِ وَكَتَفْضِيلِ الصُّبْحِ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَنَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى وَكَتَفْضِيلِ الْعَصْرِ عَلَى رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ تَقْصِيرِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الظُّهْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَهَذَا هُوَ غَالِبُ الشَّرِيعَةِ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ وَيَلْزَمُ فِيهِ فَلَيْسَ مَا قَالَهُ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ تَرَتُّبَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَى الْأَعْمَالِ لَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِيهِ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ وُقُوعِ أَحَدِ الْجَائِزَيْنِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ يُدْرَكُ شَرْعًا وَيَلْزَمُ فِيهِ فَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ لَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ ذَلِكَ إذَا وَقَعَتْ الْمُسَاوَاةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ يَقِلَّ التَّفَاوُتُ إلَّا فِي الْمَصْلَحَةِ خَاصَّةً. قَالَ (وَقَدْ يَسْتَوِي الْفِعْلَانِ فِي الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَيُوجِبُ اللَّهُ تَعَالَى أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَ غَيْرِهَا مِنْ التَّكْبِيرَاتِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ مَعَ سَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَسَجْدَةِ النَّافِلَةِ مَعَ سَجْدَةِ الْفَرِيضَةِ وَكَذَلِكَ الرُّكُوعُ فِيهِمَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ لَا يَصِحُّ عَلَى قَاعِدَةِ مُرَاعَاةِ الْمَصَالِحِ وَأَنَّهَا إذَا بَلَغَتْ إلَى حَدِّهَا فِي الْكَثِيرَةِ لَزِمَ الْوُجُوبُ وَإِذَا لَمْ تَبْلُغْ فَلَا بُدَّ مِنْ الثَّوَابِ وَعَلَى ذَلِكَ يَلْزَمُ إذَا تَسَاوَتْ أَنْ يَلْزَمَ الْوُجُوبُ فِي الْمُتَسَاوِيَيْنِ إنْ بَلَغَتْ مَصْلَحَتُهُمَا إلَى رُتْبَةِ الْوَاجِبَاتِ أَوْ النَّدْبِ فِيهِمَا وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ إلَى تِلْكَ الرُّتْبَةِ وَمَا أَوْرَدَهُ مِنْ الْأَمْثِلَةِ لَا نُسَلِّمُ فِيهَا الْمُسَاوَاةَ لَمْ يَأْتِ عَلَى دَعْوَةِ الْمُسَاوَاةِ فِيهَا بِحُجَّةٍ غَيْرِ مَا سَبَقَ إلَى الْوَهْمِ بِذَلِكَ بِسَبَبِ الْمُسَاوَاةِ فِي الصُّورَةِ وَالْمِقْدَارِ وَذَلِكَ لَا دَلِيلَ فِيهِ. قَالَ (بَلْ قَدْ تُتْرَكُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَتُعْكَسُ بِأَنْ يَصِيرَ الْأَقَلُّ أَكْثَرَ ثَوَابًا كَتَفْضِيلِ الْقَصْرِ عَلَى الْإِتْمَامِ مَعَ اشْتِمَالِ الْإِتْمَامِ عَلَى مَزِيدِ الْخُضُوعِ وَالْإِجْلَالِ وَأَنْوَاعِ التَّقَرُّبِ وَكَتَفْضِيلِ الصُّبْحِ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَنَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى وَكَتَفْضِيلِ الْعَصْرِ عَلَى رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ تَقْصِيرِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الظُّهْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ لَازِمٌ لِمَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ مَا لَمْ يُفْلِسْ أَوْ يَمُتْ اهـ. فَالْمُنْفِقُ عَلَى الْبَهِيمَةِ فِي تِلْكَ النَّازِلَةِ لَا مُحَاسَبَةَ لَهُ لِلْمُنْفَقِ لَهُ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَاتِّبَاعُهُ أَسْلَمُ مَا نَصَّهُ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالنَّصُّ الَّذِي فِيهِ هُوَ كَذَلِكَ فِي الْتِزَامَاتِ الْحَطَّابِ وَلَيْسَ فِيهِ قِيَاسٌ عَلَى مَنْ الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَى رَجُلٍ إلَخْ وَإِنَّمَا فِيهِ تَخْرِيجُ حُكْمِ الْجُزْئِيِّ مِنْ الْقَاعِدَةِ الَّتِي تَشْمَلُهُ وَغَيْرَهُ فَالْمَنْفِيُّ بِهِ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُشْكَرَ عَلَيْهِ وَيُدْعَى لَهُ بِخَيْرٍ وَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ مِنْ التَّغْيِيرِ فِي الْوُجُوهِ الْحِسَانِ سَبَبُهُ فَسَادُ التَّصَوُّرِ وَالْحَسَدِ: وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا ... وَآفَتُهُ مِنْ الْفَهْمِ السَّقِيمِ كَضَرَائِرِ الْحَسْنَاءِ قُلْنَ لِوَجْهِهَا ... حَسَدًا وَبُغْضًا إنَّهُ لَدَمِيمُ اهـ. قُلْتُ وَمِنْهُ تَخَرُّجِي فِي رِسَالَتَيْ شَمْسِ الْإِشْرَاقِ فِي حُكْمِ التَّعَامُلِ بِالْأَوْرَاقِ حُكْمُ الْأَنْوَاطِ مِمَّا فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ لِي مَالِكٌ فِي الْفُلُوسِ لَا خَيْرَ فِيهَا نَظِرَةٌ بِالذَّهَبِ وَلَا بِالْوَرِقِ وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ أَجَازُوا بَيْنَهُمْ الْجُلُودَ حَتَّى تَكُونَ لَهَا سِكَّةٌ وَعَيْنٌ لِكَرَاهَتِهَا أَنْ تُبَاعَ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ نَظِرَةً وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ فَلْسٌ بِفَلْسَيْنِ اهـ كَمَا وَضَّحْته فِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ مِنْ قَبِيلِ قِيَاسِهِ عَلَى الْفُلُوسِ النُّحَاسِ فَرَاجِعْهَا إنْ شِئْت. 2 - (التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ) قَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي مُوَافَقَاتِهِ مَا حَاصِلُهُ إنَّ الِاجْتِهَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ الْأَوَّلُ مَا يُسَمَّى تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الْمُعْتَبَرُ فِي الْحُكْمِ مَذْكُورًا مَعَ غَيْرِهِ فِي النَّصِّ فَيُنَقَّحُ بِالِاجْتِهَادِ حَتَّى يُمَيَّزَ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ مِمَّا هُوَ مُلْغًى كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي جَاءَ يَنْتِفُ شَعْرَهُ وَيَضْرِبُ صَدْرَهُ وَقَدْ قَسَّمَهُ الْغَزَالِيُّ إلَى أَقْسَامٍ ذَكَرَهَا فِي شِفَاءِ الْعَلِيلِ وَهُوَ مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ قَالُوا وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ بَابِ الْقِيَاسِ وَلِذَلِكَ قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ مَعَ إنْكَارِهِ الْقِيَاسَ فِي الْكَفَّارَاتِ وَإِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إلَى نَوْعٍ مِنْ تَأْوِيلِ الظَّوَاهِرِ. (الضَّرْبُ الثَّانِي) مَا يُسَمَّى بِتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ النَّصَّ الدَّالَّ عَلَى الْحُكْمِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمَنَاطِ فَكَأَنَّهُ أَخْرَجَهُ بِالْبَحْثِ وَهُوَ الِاجْتِهَادُ الْقِيَاسِيُّ وَهُوَ مَعْلُومٌ. (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) مَا يُسَمَّى بِتَحَقُّقِ الْمَنَاطِ وَهُوَ نَوْعَانِ عَامٌّ وَخَاصٌّ فَتَحْقِيقُ الْمَنَاطِ الْعَامِّ نَظَرٌ فِي تَعْيِينِ الْمَنَاطِ مِنْ حَيْثُ هُوَ لِمُكَلَّفٍ مَا مَثَلًا إذَا نَظَرَ الْمُجْتَهِدُ فِي الْعَدَالَةِ وَوَجَدَ هَذَا الشَّخْصَ مُتَّصِفًا بِهَا عَلَى حَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ أَوْقَعَ عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِيهِ النَّصُّ مِنْ التَّكَالِيفِ الْمَشْرُوطَةِ بِالْعُدُولِ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَالِانْتِصَابِ لِلْوِلَايَاتِ الْعَامَّةِ أَوْ الْخَاصَّةِ وَإِذَا نَظَرَ فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي النَّدْبِيَّةِ وَالْأُمُورِ الْإِبَاحِيَّةِ وَوَجَدَ الْمُكَلَّفِينَ وَالْمُخَاطَبِينَ عَلَى الْجُمْلَةِ أَوْقَعَ عَلَيْهِمْ أَحْكَامَ تِلْكَ النُّصُوصِ كَمَا يُوقِعُ عَلَيْهِمْ نُصُوصَ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَى شَيْءٍ غَيْرِ الْقَبُولِ الْمَشْرُوطِ بِالتَّهْيِئَةِ الظَّاهِرَةِ فَالْمُكَلَّفُونَ كُلُّهُمْ فِي أَحْكَامِ تِلْكَ النُّصُوصِ عَلَى سَوَاءٍ فِي النَّظَرِ، وَتَحْقِيقُ الْمَنَاطِ

وَكَتَفْضِيلِ رَكْعَةِ الْوِتْرِ عَلَى رَكْعَتِي الْفَجْرِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «مَنْ قَتَلَ الْوَزَغَةَ فِي الضَّرْبَةِ الْأُولَى فَلَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الثَّانِيَةِ فَلَهُ سَبْعُونَ حَسَنَةً» فَكُلَّمَا كَثُرَ الْفِعْلُ كَانَ الثَّوَابُ أَقَلَّ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ تَكْرَارَ الْفِعْلِ وَالضَّرَبَاتِ فِي الْقَتْلِ يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ اهْتِمَامِ الْفَاعِلِ بِأَمْرِ صَاحِبِ الشَّرْعِ إذْ لَوْ قَوِيَ عَزْمُهُ وَاشْتَدَّتْ حَمِيَّتُهُ لَقَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ حَيَوَانٌ لَطِيفٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى كَثْرَةِ مُتُونَةٍ فِي الضَّرْبِ فَحَيْثُ لَمْ يَقْتُلْهَا فِي الضَّرْبَةِ الْأُولَى دَلَّ ذَلِكَ عَلَى ضَعْفِ عَزْمِهِ فَلِذَلِكَ يَنْقُصُ أَجْرُهُ عَنْ الْمِائَةِ إلَى السَّبْعِينَ وَالْأَصْلُ هُوَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ قَاعِدَةَ كَثْرَةِ الثَّوَابِ كَثْرَةُ الْفِعْلِ وَقَاعِدَةَ قِلَّةِ الثَّوَابِ قِلَّةُ الْفِعْلِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْأَفْعَالِ فِي الْقُرُبَاتِ تَسْتَلْزِمُ كَثْرَةَ الْمَصَالِحِ غَالِبًا وَلِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمَ مَا يُرِيدُ لَا رَادَّ لِحُكْمِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِصُنْعِهِ. (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَثْبُتُ فِيهَا) اعْلَمْ أَنَّ الْمُعَيَّنَاتِ الْمُشَخَّصَاتِ فِي الْخَارِجِ الْمَرْئِيَّةَ بِالْحِسِّ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ وَلِذَلِكَ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً مُعَيَّنَةً فَاسْتُحِقَّتْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَوْ وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ كَمَا فِي السَّلَمِ فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ وَعَيَّنَهُ فَظَهَرَ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ مُسْتَحَقًّا رَجَعَ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً مُعَيَّنَةً لِلْحَمْلِ أَوْ غَيْرِهِ فَاسْتُحِقَّتْ أَوْ مَاتَتْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ حَمْلَ هَذَا الْمَتَاعِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ دَابَّةٍ أَوْ عَلَى أَنْ يَرْكَبَهُ إلَى مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَرْكُوبٍ مُعَيَّنٍ فَعَيَّنَ لَهُ لِجَمِيعِ ذَلِكَ دَابَّةً لِلْحَمْلِ أَوْ لِرُكُوبِهِ فَعَطِبَتْ أَوْ اُسْتُحِقَّتْ رَجَعَ فَطَالَبَهُ بِغَيْرِهَا لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ بَلْ فِي الذِّمَّةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْهُ بِكُلِّ مُعَيَّنٍ شَاءَ وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِي قَاعِدَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ مَتَى كَانَ فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَخَيَّرَ بَيْنَ الْأَمْثَالِ وَيُعْطِيَ أَيَّ مِثْلٍ شَاءَ وَلَوْ عَقَدَ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْ تِلْكَ الْأَمْثَالِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَلَوْ اكْتَالَ رِطْلَ زَيْتٍ مِنْ خَابِيَةٍ وَعَقَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَكَتَفْضِيلِ رَكْعَةِ الْوِتْرِ عَلَى رَكْعَتِي الْفَجْرِ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ) قُلْتُ قَدْ اعْتَرَفَ بِأَنَّهَا قَاعِدَةٌ غَيْرُ مُطَّرِدَةٍ وَأَنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يُفَضِّلُ مَا شَاءَ عَلَى مَا شَاءَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لَا مَا سِوَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَثْبُتُ فِيهَا إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَاصِّ نَظَرٌ فِي تَعْيِينِ الْمَنَاطِ فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّلَائِلِ التَّكْلِيفِيَّةِ بِحَيْثُ يَتَعَرَّفُ مِنْهُ مَدَاخِلَ الشَّيْطَانِ وَمَدَاخِلَ الْهَوَى وَالْحُظُوظِ الْعَاجِلَةِ حَتَّى يُلْقِيَهَا هَذَا الْمُجْتَهِدُ عَلَى ذَلِكَ الْمُكَلَّفِ مُقَيَّدَةً بِقُيُودِ التَّحَرُّرِ مِنْ تِلْكَ الْمَدَاخِلِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّكْلِيفِ الْمُتَحَتِّمِ وَغَيْرِهِ وَيَخْتَصُّ غَيْرُ الْمُتَحَتِّمِ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ النَّظَرُ فِيمَا يَصْلُحُ بِكُلِّ مُكَلَّفٍ فِي نَفْسِهِ بِحَسَبِ وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ وَحَالٍ دُونَ حَالٍ وَشَخْصٍ دُونَ شَخْصٍ إذْ النُّفُوسُ لَيْسَتْ فِي قَبُولِ الْأَعْمَالِ الْخَاصَّةِ عَلَى وِزَانِ وَاحِدٍ كَمَا أَنَّهَا فِي الْعُلُومِ وَالصَّنَائِعِ كَذَلِكَ فَرُبَّ عَمَلٍ صَالِحٍ يَدْخُلُ بِسَبَبِهِ عَلَى رَجُلٍ ضَرَرٌ أَوْ فَتْرَةٌ وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى آخَرَ وَرُبَّ عَمَلٍ يَكُونُ حَظُّ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَامِلِ أَقْوَى مِنْهُ فِي عَمَلٍ آخَرَ وَيَكُونُ بَرِيئًا فِي بَعْضِ الْأَعْمَالِ دُونَ بَعْضٍ فَصَاحِبُ هَذَا التَّحْقِيقِ الْخَاصِّ هُوَ الَّذِي رُزِقَ نُورًا يَعْرِفُ بِهِ النُّصُوصَ وَمَرَامِيَهَا وَتَفَاوُتَ إدْرَاكِهَا وَقُوَّةَ تَحَمُّلِهَا لِلتَّكْلِيفِ وَصَبْرِهَا عَلَى حَمْلِ أَعْبَائِهَا أَوْ ضَعْفِهَا وَيَصْرِفُ الْتِفَاتَهَا إلَى الْحُظُوظِ الْعَاجِلَةِ وَعَدَمِ الْتِفَاتِهَا فَهَذَا النَّوْعُ أَعْلَى وَأَدَقُّ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَمَنْشَؤُهُ فِي الْحَقِيقَةِ عَنْ نَتِيجَةِ التَّقْوَى الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29] وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْحِكْمَةِ قَالَ تَعَالَى {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] قَالَ مَالِكٌ مِنْ شَأْنِ ابْنِ آدَمَ أَنْ لَا يَعْلَمَ ثُمَّ يَعْلَمَ أَمَا سَمِعْت قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29] . وَقَالَ أَيْضًا إنَّ الْحِكْمَةَ مَسْحَةُ مَلَكٍ عَلَى قَلْبِ الْعَبْدِ وَقَالَ الْحِكْمَةُ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ وَقَالَ أَيْضًا يَقَعُ بِقَلْبِي أَنَّ الْحِكْمَةَ الْفِقْهُ فِي دِينِ اللَّهِ وَأَمْرٌ يُدْخِلُهُ اللَّهُ الْقُلُوبَ مِنْ رَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ هُوَ الِاجْتِهَادُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْقَطِعَ حَتَّى يَنْقَطِعَ أَصْلُ التَّكْلِيفِ وَذَلِكَ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ بِخِلَافِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ مِنْ تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ وَبِخِلَافِ تَخْرِيجِ الْمَنَاطِ وَتَنْقِيحِ الْمَنَاطِ فَإِنَّهَا مِنْ أَفْرَادِ الِاجْتِهَادِ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَنْقَطِعَ قَبْلَ فَنَاءِ الدُّنْيَا وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ الْخَاصَّ مِنْ تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ كُلِّيٌّ فِي كُلِّ زَمَانٍ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْوَقَائِعِ أَوْ أَكْثَرِهَا فَلَوْ فُرِضَ ارْتِفَاعُهُ لَارْتَفَعَ مُعْظَمُ التَّكْلِيفِ الشَّرْعِيِّ أَوْ جَمِيعُهُ وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ إنْ فُرِضَ فِي زَمَانٍ ارْتَفَعَتْ الشَّرِيعَةُ ضَرْبَةَ لَازِبٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْوَقَائِعَ الْمُتَجَدِّدَةَ الَّتِي لَا عَهْدَ بِهَا فِي الزَّمَانِ الْمُتَقَدِّمِ قَلِيلَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا تَقَدَّمَ لِاتِّسَاعِ النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ فَيُمْكِنُ تَقْلِيدُهُمْ فِيهِ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ الشَّرِيعَةِ فَلَا تَتَعَطَّلُ الشَّرِيعَةُ بِتَعَطُّلِ بَعْضِ الْجُزْئِيَّاتِ كَمَا لَوْ فُرِضَ الْعَجْزُ عَنْ تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ فِي بَعْضِ الْجُزْئِيَّاتِ دُونَ السَّائِرِ فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الشَّرِيعَةِ فِي ذَلِكَ فَوَضَحَ أَنَّهُمَا لَيْسَا سَوَاءً اُنْظُرْ الْمُوَافَقَاتِ إنْ شِئْت. 2 - (التَّنْبِيهُ الْخَامِسُ) الْفَتْوَى مِنْ الْمُفْتِي كَمَا تَحْصُلُ مِنْ جِهَةِ الْقَوْلِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ وَهُوَ الْأَمْرُ الْمَشْهُورُ كَذَلِكَ تَحْصُلُ مِنْ جِهَةِ الْفِعْلِ وَالْإِقْرَارِ كَمَا فِي مُوَافَقَاتِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ

عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ مِنْ الْخَابِيَةِ. وَكَذَلِكَ إذَا فَرَّقَ صُبْرَتَهُ صِيعَانًا فَعَقَدَ عَلَى صَاعٍ مِنْهَا بِعَيْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ تِلْكَ الْأَمْثَالِ وَلَوْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ لَكَانَ لَهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ بِأَيِّ مِثْلٍ شَاءَ مِنْ تِلْكَ الْأَمْثَالِ فَهَذَا أَيْضًا يُوَضِّحُ لَك أَنَّ الْمُعَيَّنَاتِ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ وَأَنَّ مَا فِي الذِّمَمِ لَا يَكُونُ مُعَيَّنًا بَلْ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ فِيهِ بِالْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ وَالْأَجْنَاسِ الْمُشْتَرَكَةِ فَيَقْبَلُ مَا لَا يَتَعَيَّنُ مِنْهَا الْبَدَلَ وَالْمُعَيَّنُ لَا يَقْبَلُ الْبَدَلَ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ وَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالصَّلَوَاتِ وَالزَّكَوَاتِ فَلَا يَنْتَقِلُ الْأَدَاءُ إلَى الذِّمَّةِ إلَّا إذَا خَرَجَ وَقْتُهُ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ بِوَقْتِهِ وَالْقَضَاءُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ يَتَعَيَّنُ حَدُّهُ بِخُرُوجِهِ فَهُوَ فِي الذِّمَّةِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الِانْتِقَالِ إلَى الذِّمَّةِ تَعَذُّرَ الْمُعَيَّنِ كَالزَّكَاةِ مَثَلًا مَا دَامَتْ مُعَيَّنَةً بِوُجُودِ نِصَابِهَا لَا تَكُونُ فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا تَلِفَ النِّصَابُ بِعُذْرٍ لَا يَضْمَنُ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ وَلَا يَنْتَقِلُ الْوَاجِبُ إلَى الذِّمَّةِ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ إذَا تَعَذَّرَ فِيهَا الْأَدَاءُ بِخُرُوجِ وَقْتَيْهَا لِعُذْرٍ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ وَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ عُذْرٍ تَرَتَّبَتْ فِي الذِّمَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSفَيَقْبَلُ مَا لَا يَتَعَلَّقُ مِنْهَا الْبَدَلَ وَالْمُعَيَّنُ لَا يَقْبَلُ الْبَدَلَ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ مَا عَدَا قَوْلَهُ بَلْ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ فِيهِ بِالْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ وَالْأَجْنَاسِ الْمُشْتَرَكَةِ فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ كُلِّيَّةٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ أَيْ بِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْهَا فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا. قَالَ (وَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالصَّلَوَاتِ وَالزَّكَوَاتِ فَلَا يَنْتَقِلُ الْأَدَاءُ إلَى الذِّمَّةِ إلَّا إذَا خَرَجَ وَقْتُهُ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ بِوَقْتِهِ وَالْقَضَاءُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ يَتَعَيَّنُ حَدُّهُ بِخُرُوجِهِ فَهُوَ فِي الذِّمَّةِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ فِي كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّ الْأَفْعَالَ لَا تَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْوُقُوعِ وَكُلُّ فِعْلٍ لَمْ يَقَعْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُوَقَّتَ مُعَيَّنٌ بِوَقْتِهِ لَا يُفِيدُهُ الْمَقْصُودُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا بِوَقْتِهِ أَيْ وَقْتُهُ مُعَيَّنٌ فَهُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ بِمَكَانِهِ وَسَائِرِ أَحْوَالِهِ. قَالَ (وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الِانْتِقَالِ إلَى الذِّمَّةِ تَعَذُّرَ الْمُعَيَّنِ كَالزَّكَاةِ مَثَلًا مَا دَامَتْ مُعَيَّنَةً بِوُجُودِ نِصَابِهَا لَا تَكُونُ فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا تَلِفَ النِّصَابُ بِعُذْرٍ لَا يَضْمَنُ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ وَلَا يَنْتَقِلُ الْوَاجِبُ إلَى الذِّمَّةِ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ إذْ تَعَذَّرَ فِيهَا الْأَدَاءُ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا لِعُذْرٍ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ وَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ عُذْرٍ تَرَتَّبَتْ فِي الذِّمَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ أَمَّا بِالْفِعْلِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يُقْصَدُ بِهِ الْإِفْهَامُ فِي مَعْهُودِ الِاسْتِعْمَالِ فَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْقَوْلِ الْمُصَرَّحِ بِهِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ» «وَسُئِلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَجَّتِهِ فَقَالَ ذَبَحْت قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ قَالَ لَا حَرَجَ» . وَقَالَ «يُقْبَضُ الْعِلْمُ وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ وَالْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرَجُ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْهَرَجُ فَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ فَحَرَّفَهَا كَأَنَّهُ يُرِيدُ الْقَتْلَ» وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ حِينَ أَشَارَتْ إلَى السَّمَاءِ قُلْت آيَةٌ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَيْ نَعَمْ وَحِينَ «سُئِلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ قَالَ لِلسَّائِلِ صَلِّ مَعَنَا هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ قَالَ لَهُ الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ» أَوْ كَمَا قَالَ وَهُوَ كَثِيرٌ جِدًّا وَالثَّانِي مَا يَقْتَضِيهِ كَوْنُهُ أُسْوَةً يُقْتَدَى بِهِ وَمَبْعُوثًا لِذَلِكَ قَصْدًا وَأَصْلُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} [الأحزاب: 37] الْآيَةَ وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] الْآيَةَ. وَقَالَ فِي إبْرَاهِيمَ {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ} [الممتحنة: 4] إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ وَالتَّأَسِّي إيقَاعُ الْفِعْلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا «وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأُمِّ سَلَمَةَ أَلَا أَخْبَرْتِهِ أَنِّي أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ» وَقَالَ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ فِي الِاقْتِدَاءِ بِأَفْعَالِهِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى وَلِذَلِكَ جَعَلَ الْأُصُولِيُّونَ أَفْعَالَهُ فِي بَيَانِ الْأَحْكَامِ كَأَقْوَالِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَثَبَتَ لِلْمُفْتِي أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ النَّبِيِّ وَنَائِبٌ مَنَابَهُ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَفْعَالَهُ مَحَلٌّ لِلِاقْتِدَاءِ أَيْضًا فَمَا قَصَدَ بِهِ الْبَيَانَ وَالْإِعْلَامَ فَظَاهِرٌ وَمَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ ذَلِكَ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَذَلِكَ أَيْضًا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَارِثٌ وَقَدْ كَانَ الْمُوَرِّثَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ مُطْلَقًا فَكَذَلِكَ الْوَارِثُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ وَارِثًا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالثَّانِي أَنَّ التَّأَسِّي بِالْأَفْعَالِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ يُعَظَّمُ فِي النَّاسِ سِرٌّ مَبْثُوثٌ فِي طِبَاعِ الْبَشَرِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الِانْفِكَاكِ عَنْهُ بِوَجْهٍ وَلَا بِحَالٍ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الِاعْتِيَادِ وَالتَّكْرَارِ وَإِذَا صَادَفَ مَحَبَّةً وَمَيْلًا إلَى الْمُتَأَسِّي بِهِ وَإِمْكَانِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَالْكَذِبِ عَمْدًا وَسَهْوًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ لَمَّا لَمْ تُعْتَبَرْ فِي الْأَقْوَالِ كَانَ إمْكَانُ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْكُفْرِ مِنْ حَيْثُ ذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْأَفْعَالِ وَلِأَجْلِ هَذَا تُسْتَعْظَمُ شَرْعًا زَلَّةُ الْعَالِمِ فَلَا بُدَّ لِمَنْ يَنْتَصِبُ لِلْفَتْوَى بِفِعْلِهِ وَقَوْلِهِ مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى أَفْعَالِهِ حَتَّى تَجْرِيَ عَلَى قَانُونِ الشَّرْعِ لِيُتَّخَذَ فِيهَا أُسْوَةً. وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَرَاجِعٌ إلَى الْفِعْلِ لِأَنَّ الْكَفَّ فِعْلٌ وَكَفُّ الْمُفْتِي عَنْ الْإِنْكَارِ إذَا رَأَى فِعْلًا مِنْ الْأَفْعَالِ كَتَصْرِيحِهِ بِجَوَازِهِ وَقَدْ أَثْبَتَ الْأُصُولِيُّونَ ذَلِكَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَذَلِكَ يَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُنْتَصِبِ لِلْفَتْوَى وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَدِلَّةِ فِي الْفَتْوَى الْفِعْلِيَّةِ جَازَ هُنَا بِلَا إشْكَالٍ وَمِنْ هُنَا ثَابَرَ السَّلَفُ عَلَى الْقِيَامِ بِوَظِيفَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَلَمْ يُبَالُوا فِي ذَلِكَ بِمَا يَنْشَأُ عَنْهُ مِنْ عَوْدِ الْمَضَرَّاتِ عَلَيْهِمْ بِالْقَتْلِ فَمَا دُونَهُ

[الفرق بين قاعدة النقل وقاعدة الإسقاط]

وَوَجَبَ الْقَضَاءُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْقَضَاءِ التَّمَكُّنُ مِنْ الْإِيقَاعِ أَوَّلَ الْوَقْتِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِ الزَّكَاةِ تَأَخُّرُ الْجَائِحَةِ عَنْ الزَّرْعِ أَوْ الثَّمَرَةِ بَعْدَ زَمَنِ الْوُجُوبِ وَكَمَا لَوْ بَاعَ صَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ وَتَمَكَّنَ مِنْ كَيْلِهَا ثُمَّ تَلِفَتْ الصُّبْرَةُ مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِالتَّوْفِيَةِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَلَا يَنْتَقِلُ الصَّاعُ لِلذِّمَّةِ وَلِذَلِكَ أَجْمَعْنَا فِي الْمُسَافِرِ يُقِيمُ وَالْمُقِيمُ يُسَافِرُ عَلَى اعْتِبَارِ آخِرِ الْوَقْتِ وَهَذَا الْفَرْقُ قَدْ خَالَفْنَاهُ أَيُّهَا الْمَالِكِيَّةُ فِي صُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا فِي النَّقْدَيْنِ عِنْدَنَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَإِنَّمَا تَقَعُ الْمُعَامَلَةُ بِهِمَا عَلَى الذِّمَمِ. وَإِنْ عُيِّنَتْ إلَّا أَنْ تُخَصَّ بِأَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغَرَضُ كَشُبْهَةٍ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ سِكَّةٍ رَائِجَةٍ دُونَ النَّقْدِ الْآخَرِ وَلَوْ غَصَبَ غَاصِبٌ دِينَارًا مُعَيَّنًا فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ مِثْلَهُ فِي الْمَحَلِّ وَيَمْنَعَ رَبَّهُ مِنْ أَخْذِ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ الْمَغْصُوبِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ خُصُوصَاتِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَغْرَاضُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا فِي نَظَرِ الشَّرْعِ فَإِنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ إنَّمَا يَعْتَبِرُ مَا فِيهِ نَظَرٌ صَحِيحٌ وَلَزِمَهُمْ عَلَى ذَلِكَ سُؤَالَانِ: أَحَدُهُمَا يَلْزَمُ أَنَّ أَعْيَانَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لَا تُمْلَكُ أَيْضًا لِأَجْلِ أَنَّ لِلْغَاصِبِ الْمَنْعَ مِنْ الْمُعَيَّنِ وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي فِي الْعُقُودِ وَلَوْ كَانَتْ الْخُصُوصَاتُ مَمْلُوكَةً لَكَانَ لِصَاحِبِ الْمُعَيَّنِ الْمُطَالَبَةُ بِمِلْكِهِ وَأَخْذِهِ الْمُعَيَّنَ مِنْ الْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِي فَلَا يَكُونُ الْمَمْلُوكُ عِنْدَهُمْ إلَّا الْجِنْسَ الْكُلِّيَّ دُونَ الشَّخْصِيِّ وَمَتَى شَخَصَ مِنْ الْجِنْسِ شَيْءٌ لَا يَمْلِكُ خُصُوصَهُ أَلْبَتَّةَ وَهُوَ أَمْرٌ شَنِيعٌ وَثَانِيهِمَا أَنَّا اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ الصِّيعَانَ الْمُسْتَوِيَةَ وَالْأَرْطَالَ الْمُسْتَوِيَةَ مِنْ الزَّيْتِ تُمْلَكُ أَعْيَانُهَا وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ بِالتَّعْيِينِ مَعَ أَنَّ الْأَغْرَاضَ مُسْتَوِيَةٌ فِي تِلْكَ الْأَفْرَادِ فَهِيَ نَقْضٌ كَبِيرٌ عَلَيْهِمْ وَلَهُمْ الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِالْتِزَامِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَوَجَبَ الْقَضَاءُ) قُلْتُ تَسْوِيَتُهُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقٌّ وَاجِبٌ فِي الْمَالِ الْمُعَيَّنِ فَالْحَقُّ مُتَعَيِّنٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ جُزْءٌ لِمُعَيَّنٍ وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلَيْسَتْ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا فِعْلٌ وَالْأَفْعَالُ لَا تَعَيُّنَ لَهَا مَا لَمْ تَقَعْ. قَالَ (وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْقَضَاءِ التَّمَكُّنُ مِنْ الْإِيقَاعِ أَوَّلُ الْوَقْتِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِ الزَّكَاةِ تَأَخُّرُ الْجَائِحَةِ عَنْ الزَّرْعِ أَوْ الثَّمَرَةِ إلَى قَوْلِهِ وَلِذَلِكَ أَجْمَعْنَا فِي الْمُسَافِرِ يُقِيمُ وَالْمُقِيمُ يُسَافِرُ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَقْتِ قَالَ وَهَذَا الْفَرْقُ قَدْ خَالَفْنَاهُ أَيُّهَا الْمَالِكِيَّةُ فِي صُورَتَيْنِ إحْدَاهَا فِي النَّقْدَيْنِ عِنْدَنَا لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَإِنَّمَا تَقَعُ الْمُعَامَلَةُ بِهِمَا عَلَى الذِّمَمِ وَإِنْ عُيِّنَتْ إلَّا أَنْ تَخْتَصَّ بِأَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغَرَضُ كَشُبْهَةٍ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ سِكَّةٍ رَائِجَةٍ دُونَ النَّقْدِ الْآخَرِ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْ أَخَذَ بِالرُّخْصَةِ فِي تَرْكِ الْإِنْكَارِ فَرَّ بِدِينِهِ وَاسْتَخْفَى بِنَفْسِهِ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْإِخْلَالِ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ تَرْكِ الْإِنْكَارِ فَإِنَّ ارْتِكَابَ خَيْرِ الشَّرَّيْنِ أَوْلَى مِنْ ارْتِكَابِ شَرِّهِمَا وَهُوَ رَاجِعٌ فِي الْحَقِيقَةِ إلَى إهْمَالِ الْقَاعِدَةِ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالْمَرَاتِبُ الثَّلَاثُ فِي هَذَا الْوَجْهِ مَذْكُورَةٌ شَوَاهِدُهَا فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِيهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَمِنْ حَقِيقَةِ نَيْلِ كُلِّ مُنْتَصِبٍ لِلْفُتْيَا بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ وَإِقْرَارِهِ لِرُتْبَةِ الْوِرَاثَةِ لِلْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ظُهُورُ فِعْلِهِ عَلَى مِصْدَاقِ قَوْلِهِ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِصِحَّةِ الِانْتِصَابِ وَالِانْتِفَاعِ فِي الْوُقُوعِ وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ عَلَى الْعَالِمِ الْمُجْتَهِدِ الِانْتِصَابُ وَالْفَتْوَى عَلَى الْإِطْلَاقِ طَابَقَ قَوْلُهُ فِعْلَهُ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا قَوْلُهُ لِفِعْلِهِ حَصَلَ الِانْتِفَاعُ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ مَعًا أَوْ كَانَ مَظِنَّةً لِلْحُصُولِ لِأَنَّ الْفِعْلَ يُصَدِّقُ الْقَوْلَ أَوْ يُكَذِّبُهُ. وَإِنْ خَالَفَ فِعْلُهُ قَوْلَهُ فَإِمَّا أَنْ تُؤَدِّيَهُ الْمُخَالَفَةُ إلَى الِانْحِطَاطِ عَنْ رُتْبَةِ الْعَدَالَةِ إلَى الْفِسْقِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَعَدَمِ صِحَّةِ الِانْتِصَابِ شَرْعًا وَعَادَةً وَمَنْ اقْتَدَى بِهِ كَانَ مُخَالِفًا مِثْلَهُ فَلَا فَتْوَى فِي الْحَقِيقَةِ وَلَا حُكْمَ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي صَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَاسْتِفْتَاؤُهُ وَفَتْوَاهُ فِيمَا وَافَقَ دُونَ مَا خَالَفَ فَإِذَا أَفْتَى بِتَرْكِ الزِّنَا وَالْخَمْرِ وَبِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْوَاجِبَاتِ وَهُوَ فِي فِعْلِهِ عَلَى حَسَبِ قَوْلِهِ حَصَلَ تَصْدِيقُ قَوْلِهِ بِفِعْلِهِ وَإِذَا أَفْتَاكَ بِالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا أَوْ تَرَكَ مُخَالَطَةَ الْمُتْرَفِينَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَقْدَحُ فِي أَصْلِ الْعَدَالَةِ ثُمَّ رَأَيْته يُحَرِّضُ عَلَى الدُّنْيَا وَيُخَالِطُ مَنْ نَهَاكَ عَنْ مُخَالَطَتِهِمْ فَلَمْ يَصْدُقْ الْقَوْلُ الْفِعْلَ فَهَذَا وَإِنْ نَصَبَهُ الشَّارِعُ أَيْضًا لِيُؤْخَذَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ لِأَنَّهُ وَارِثُ النَّبِيِّ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَلَا الْفَتْوَى عَلَى كَمَالِهَا فِي الصِّحَّةِ إلَّا مَعَ مُطَابَقَةِ الْقَوْلِ الْفِعْلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَقَدْ قَالَ أَبُو الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيُّ: ابْدَأْ بِنَفْسِك فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا ... فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ فَهُنَاكَ يُسْمَعُ مَا تَقُولُ وَيُقْتَدَى ... بِالرَّأْيِ مِنْك وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ ... عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ وَهُوَ مَعْنًى مُوَافِقٌ لِلنَّقْلِ وَالْعَقْلِ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ اهـ كَلَامُ الشَّاطِبِيِّ مُلَخَّصًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّقْلِ وَقَاعِدَةِ الْإِسْقَاطِ] [الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْإِبْرَاءُ مِنْ الدَّيْنِ هَلْ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ] (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالسَّبْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّقْلِ وَقَاعِدَةِ الْإِسْقَاطِ) التَّصَرُّفُ فِي الْحُقُوقِ وَالْأَمْلَاكِ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ الْأَوَّلُ النَّقْلُ وَهُوَ تَصَرُّفٌ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ وَيَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ بِعِوَضٍ فِي الْأَعْيَانِ كَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَإِلَى مَا هُوَ بِعِوَضٍ فِي الْمَنَافِعِ كَالْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ وَالْقِرَاضِ وَالْجَعَالَةِ وَإِلَى مَا هُوَ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْهَدَايَا وَالْوَصَايَا وَالْعُمْرَى وَالْوَقْفِ وَالْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالزَّكَاةِ وَالْمَسْرُوقِ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ وَالْغَنِيمَةِ فِي الْجِهَادِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ نَقْلُ مِلْكٍ فِي أَعْيَانٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي الْإِسْقَاطُ وَهُوَ تَصَرُّفٌ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ وَهُوَ إمَّا بِعِوَضٍ كَالْخُلْعِ وَالْعَفْوِ عَلَى مَالٍ وَالْكِتَابَةِ وَبَيْعِ الْعَبْدِ

[المسألة الثانية الوقف هل يفتقر إلى القبول أو لا]

وَالشَّنَاعَةُ لَا عِبْرَةَ بِهَا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ. وَقَدْ تَمَسَّكُوا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَهُوَ أَنَّ الشَّرْعَ لَا يَعْتَبِرُ مَا لَا غَرَضَ فِيهِ وَهَذَا كَلَامٌ حَقٌّ، وَعَنْ الثَّانِي الْفَرْقُ بَيْنَ النَّقْدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّهُمَا وَسَائِلُ لِتَحْصِيلِ الْأَغْرَاضِ مِنْ السِّلَعِ وَالْمَقَاصِدُ إنَّمَا هِيَ السِّلَعُ وَإِذَا كَانَتْ السِّلَعُ مَقَاصِدَ وَقَعَتْ الْمُشَاحَنَةُ مِنْ تَعْيِينَاتِهَا بِخِلَافِ الْوَسَائِلِ اجْتَمَعَ فِيهَا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا وَسَائِلُ وَالثَّانِي عَدَمُ تَعَلُّقِ الْأَغْرَاضِ بِخِلَافِ الْمَقَاصِدِ فِيهَا حَيْثِيَّةٌ وَاحِدَةٌ فَظَهَرَ الْفَرْقُ وَانْدَفَعَ النَّقْضُ. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي خَالَفَ فِيهَا الْمَالِكِيَّةُ الْفَرْقُ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَأَخَذَ مِنْهُ مَا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ كَدَارٍ يَسْكُنُهَا أَوْ ثَمَرَةٍ يَتَأَخَّرُ جُذَاذُهَا أَوْ عَبْدٍ يَسْتَخْدِمُهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ مِنْ دَيْنٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَمَّا كَانَتْ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا أَشْبَهَتْ الدَّيْنَ وَفِيهَا مَفْسَدَةُ الدَّيْنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهَا الْمُطَالَبَةَ وَقَالَ أَشْهَبُ يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا فَسْخَ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ بَلْ دَيْنٌ مُعَيَّنٌ فِي مُعَيَّنٍ وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ يَطَّرِدُ الْفَرْقُ إنَّمَا مُخَالَفَتُهُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــSفَظَهَرَ الْفَرْقُ وَانْدَفَعَ النَّقْضُ) قُلْتُ السُّؤَالَانِ وَارِدَانِ وَالْجَوَابُ عَنْهُمَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا خَفَاءَ بِبُطْلَانِهِ وَكَيْفَ يَسُوغُ لِعَاقِلٍ الْتِزَامُ مَا لَا يَصِحّ وَلَا يُعْقَلُ وَمَا يَشُكُّ أَحَدٌ مِنْ أَنَّ مَنْ مَلَكَ دِينَارًا مَلَكَ عَيْنَهُ وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَ الْجِنْسَ الْكُلِّيَّ وَهُوَ ذِهْنِيٌّ عِنْدَ مُثْبِتِيهِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ نَافِيهِ يَلْزَمُ أَنَّ مَنْ مَلَكَ دِينَارًا لَمْ يَمْلِكْ عَيْنَهُ وَلَا جِنْسَهُ لِبُطْلَانِ الْقَوْلِ بِهِ فَيَلْزَمُ أَنَّ مَنْ مَلَكَ دِينَارًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ النُّقُودِ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَوْ يَقَعُ لِلشَّكِّ فِي أَنَّهُ مَلَكَهُ أَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ عِنْدَ مَنْ يَشُكُّ فِي الْأَجْنَاسِ وَهَذَا كُلُّهُ خُرُوجٌ عَنْ الْمَعْقُولِ لَا شَكَّ فِيهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا أَثَرَ لِلْفَرْقِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِصَاحِبِ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ غَرَضٌ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْغَرَضُ مِنْ الْأَغْرَاضِ الْمُعْتَادَةِ فَالصَّحِيحُ تَعَيُّنُ النَّقْدَيْنِ بِالتَّعْيِينِ وَلُزُومُ رَدِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ إلَّا أَنْ يَفُوتَ فَيَلْزَمُ الْبَدَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الصُّورَةُ (الثَّانِيَةُ الَّتِي خَالَفَ فِيهَا الْمَالِكِيَّةُ الْفَرْقُ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَأَخَذَ مِنْهُ مَا تَأَخَّرَ قَبْضُهُ كَدَارٍ يَسْكُنُهَا أَوْ ثَمَرَةٍ يَتَأَخَّرُ جِذَاذُهَا أَوْ عَبْدٍ يَسْتَخْدِمُهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَمَّا كَانَتْ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا أَشْبَهَتْ الدَّيْنَ وَفِيهَا مَفْسَدَةُ الدَّيْنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهَا الْمُطَالَبَةَ وَقَالَ أَشْهَبُ يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ بَلْ دَيْنٌ مُعَيَّنٌ فِي مُعَيَّنٍ وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ يَطَّرِدُ الْفَرْقُ إنَّمَا مُخَالَفَتُهُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ نَفْسِهِ وَالصُّلْحُ عَلَى الدَّيْنِ وَعَلَى التَّعْزِيرِ فَجَمِيعُ هَذِهِ الصُّوَرِ يَسْقُطُ فِيهَا الثَّابِتُ وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْبَاذِلِ مَا كَانَ يَمْلِكُهُ الْمَبْذُولُ مِنْ الْعِصْمَةِ وَبَيْعِ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِمَا، وَإِمَّا بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْإِبْرَاءِ مِنْ الدُّيُونِ وَالْقِصَاصِ وَالتَّعْزِيرِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَإِيقَافِ الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا فَجَمِيعُ هَذِهِ الصُّوَرِ يَسْقُطُ فِيهَا الثَّابِتُ وَلَا يَنْتَقِلُ لِغَيْرِ الْأَوَّلِ وَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) فِي افْتِقَارِ الْإِبْرَاءِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الْقَبُولِ فَلَا يَبْرَأُ مِنْ الدَّيْنِ إذَا أَبْرَأَهُ مِنْهُ حَتَّى يَقْبَلَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَدَمُ افْتِقَارِهِ إلَى الْقَبُولِ فَيَبْرَأُ مِنْ الدَّيْنِ إذَا أَبْرَأَهُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مَنْشَؤُهُ هَلْ الْإِبْرَاءُ إسْقَاطٌ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّهُمَا لَا يَفْتَقِرَانِ إلَى قَبُولِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَلِذَلِكَ يَنْفُذُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَإِنْ كَرِهَتْ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ أَوْ هُوَ نَقْلٌ وَتَمْلِيكٌ لِمَا فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ فَيَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ كَمَا لَوْ مَلَّكَهُ عَيْنًا بِالْهِبَةِ أَوْ غَيْرِهَا عَلَى أَنَّ الْمِنَّةَ فِي الْإِبْرَاءِ قَدْ تَعْظُمُ وَهِيَ تَضُرُّ بِذَوِي الْمُرُوآتِ وَالْأَنَفَاتِ لَا سِيَّمَا مِنْ السَّفَلَةِ فَجَعَلَ صَاحِبُ الشَّرْعِ لَهُمْ قَبُولَ ذَلِكَ أَوْ رَدَّهُ نَفْيًا لِلضَّرَرِ الْحَاصِلِ مِنْ الْمِنَنِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الْوَقْفُ هَلْ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ أَوْ لَا] (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي افْتِقَارِ الْوَقْفِ عَلَى مُعَيَّنٍ إلَى الْقَبُولِ أَوْ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ وَبَيْنَ الْعُلَمَاءِ مَنْشَؤُهُ هَلْ الْوَاقِفُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ مَنَافِعِ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ فَيَكُونُ كَالْعِتْقِ أَوْ أَنَّهُ نَقَلَ مِلْكَهُ لِمَنَافِعِ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ وَمَلَّكَهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ فَيَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ أَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ لِتَعَذُّرِهِ. وَأَمَّا أَصْلُ مِلْكِ الْوَاقِفِ فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَسَاجِدِ أَنَّهَا مِنْ بَابِ الْإِسْقَاطِ وَالْعِتْقِ لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهَا {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18] وَلِأَنَّهَا تُقَامُ فِيهَا الْجَمَاعَاتُ وَالْجُمُعَةُ وَالْجُمُعَةُ لَا تُقَامُ فِي الْمَمْلُوكَاتِ لَا سِيَّمَا عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ فَإِنَّهَا لَا يُصَلِّيهَا أَرْبَابُ الْحَوَانِيتِ فِي حَوَانِيتِهِمْ لِأَجْلِ الْمِلْكِ وَالْحَجْرِ وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ فَقِيلَ يَسْقُطُ أَصْلُ مِلْكِهِ فِيهَا وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ لِأَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الْحَائِطِ الْمَوْقُوفِ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ إذَا كَانَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِلْكُ الْوَاقِفِ فَيُزَكِّي عَلَى مِلْكِهِ وَأَمَّا الْحَائِطُ عَلَى الْمُعَيَّنِينَ فَيُشْتَرَطُ فِي حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ [الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْمَشْهُورُ فِي الْعِتْقِ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ أَحَدَ عَبِيدِهِ يَخْتَارُ وَقِيلَ يَعُمُّ الْعِتْقُ الْجَمِيعَ وَفِي الطَّلَاقِ إذَا طَلَّقَ أَحَدَ نِسَائِهِ يَعُمُّ الطَّلَاقُ النِّسْوَةَ وَقِيلَ يَخْتَارُ وَقَدْ مَرَّ آخِرَ الْفَرْقِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ بَيْنَ قَاعِدَةِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْمُشْتَرَكِ وَقَاعِدَةِ النَّهْيِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ فِي أَنَّ كُلًّا رَافِعٌ وَحَالٌّ لِمَا يُبِيحُ الزَّوْجَةَ وَالْمَمْلُوكَةَ فَيَسْتَلْزِمُ التَّحْرِيمَ إلَّا أَنَّ الْوَجْهَ فِي نَظَرِ مَالِكٍ فِي الطَّلَاقِ لِلِاحْتِيَاطِ لِلْفُرُوجِ وَإِنْ لَزِمَهُ فَخَالَفَهُ الْإِجْمَاعُ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِغَيْرِ مُقْتَضٍ وَفِي الْعِتْقِ

[الفرق بين قاعدة الإزالة في النجاسة وبين قاعدة الإحالة فيها]

(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالثَّمَانُونَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ وُجُودِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ وُجُودِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ مَعَ التَّخْيِيرِ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ وَلَمْ يُمَيَّزْ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ إلَّا بِالتَّخْيِيرِ وَعَدَمِهِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْوُجُودِ وَالسَّلَامَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ) وَهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ فِيهِ صُعُوبَةٌ وَغُمُوضٌ وَيَظْهَرُ لَك الْغُمُوضُ وَالصُّعُوبَةُ بِمَا وَرَدَ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ لَمَّا خَالَفُوا الشَّافِعِيَّةَ فَقَالُوا الْمُعْتَبَرُ مِنْ الْأَوْقَاتِ فِي الصَّلَوَاتِ أَوَاخِرُهَا دُونَ أَوَائِلِهَا فَإِنْ وُجِدَ الْعُذْرُ الْمُسْقِطُ لِلصَّلَاةِ آخِرَ الْوَقْتِ سَقَطَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فُعِلَتْ قَبْلَ طَرَيَان الْعُذْرِ. وَلَا عِبْرَةَ بِمَا وُجِدَ مِنْ الْوَقْتِ فِي أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ سَالِمًا مِنْ الْعُذْرِ وَكَذَلِكَ إذَا ذَهَبَ الْعُذْرُ آخِرَ الْوَقْتِ فَطَهُرَتْ الْحَائِضُ حِينَئِذٍ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ وَلَا عِبْرَةَ بِوُجُودِ الْعُذْرِ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ وَسَطَهُ وَالشَّافِعِيَّةُ سَلَّمُوا الْقِسْمَ الثَّانِيَ وَإِنَّمَا نَازَعُوا فِي الْأَوَّلِ فَقَالُوا أَجْمَعْتُمْ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ فِي الصَّلَاةِ وُجُوبٌ مُوَسَّعٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ وَإِذَا وُجِدَ أَوَّلُ الْوَقْتِ فَقَدْ وُجِدَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ فِي ضِمْنِهِ وَهُوَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَسَبَبُهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ كَالْحَيْضِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ وُجِدَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ فَإِذَا حَاضَتْ بَعْدَ ذَلِكَ حَاضَتْ بَعْدَ تَرَتُّبِ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا فَتُقْضَى بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ وَانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَأَنْتُمْ إذَا قُلْتُمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ شَيْءٌ بَلْ إنَّمَا يُعْتَبَرُ آخِرُ الْوَقْتِ فِي طَرَيَان الْعُذْرِ وَزَوَالِهِ فَهَذَا مِنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْتَضِي أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِآخِرِ الْوَقْتِ كَمَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ لَا تُسَاعِدُ عَلَى ذَلِكَ فَيَبْقَى مَذْهَبُ مَالِكٍ مُشْكِلًا جِدًّا أَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ فِي اعْتِبَارِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ فَهُوَ الْقِيَاسُ وَجَرَى عَلَى أَصْلِهِ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ أَمَّا مَالِكٌ فَلَا وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَعْرِفَةِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ السَّبَبَ السَّالِمَ عَنْ الْمُعَارِضِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَخْيِيرٌ هُوَ الَّذِي يَلْزَمُ فِيهِ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ. أَمَّا مَعَ التَّخْيِيرِ فَلَا لِسَبَبِ مَا نَذْكُرُهُ مِنْ الْفُرُوقِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقُلْتُ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَكَذَا مَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا اقْتَضَاهُ الْإِجْمَاعُ مِنْ عَدَمِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِغَيْرِ مُقْتَضَى وَإِنْ لَزِمَهُ مُخَالَفَةُ الِاحْتِيَاطِ لِلْفُرُوجِ هُوَ أَنَّ اسْتِلْزَامَ الطَّلَاقِ لِلتَّحْرِيمِ لِخُصُوصِ الْوَطْءِ مُطَّرِدٌ إذْ لَا يَكُونُ غَيْرَ مُسْتَلْزِمٍ لَهُ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِزَالَةِ فِي النَّجَاسَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِحَالَةِ فِيهَا] (الْفَرْقُ الثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِزَالَةِ لِلنَّجَاسَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِحَالَةِ فِيهَا) تَقَعُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إزَالَةٌ فَقَطْ وَإِحَالَةٌ فَقَطْ وَإِزَالَةٌ وَإِحَالَةٌ مَعًا فَالْإِزَالَةُ فَقَطْ بِالْمَاءِ فِي الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ وَالْمَكَانِ وَخَاصِّيَّتُهَا الَّتِي تَمْتَازُ بِهَا أَرْبَعٌ أَحَدُهَا اشْتِرَاطُ الْمَاءِ الطَّهُورِ وَثَانِيهَا اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ عَلَى الْخِلَافِ وَثَالِثُهَا وُصُولُ الْغُسْلِ إلَى حَدِّ أَنْ يَنْفَصِلَ الْمَاءُ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ وَرَابِعُهَا أَنَّ السَّبَبَ الِاسْتِقْذَارُ وَالْإِحَالَةُ فَقَطْ فِي الْخَمْرِ تَصِيرُ خَلًّا وَخَاصِّيَّتُهَا الَّتِي تَمْتَازُ بِهَا ثَلَاثٌ أَحَدُهَا عَدَمُ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ إجْمَاعًا وَفِي كَوْنِ الْقَصْدِ إلَى تَخْلِيلِ الْخَمْرِ مَانِعًا مِنْ تَطْهِيرِهَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَوْ غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ تَطْهِيرِهَا خِلَافٌ فَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ فِي كُتُبِهِمْ النِّيَّةُ شَرْطٌ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ إنَّمَا يُرِيدُونَ أَحَدَ أَقْسَامِهَا وَهِيَ الْإِزَالَةُ فَقَطْ وَثَانِيهَا أَنَّ الْمَاءَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِيهَا بَلْ قَدْ تُوجَدُ مَعَ عَدَمِهِ وَقَدْ يُلْقِي فِي الْخَمْرِ مَاءً فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِحَالَتِهَا بِخِلَافِ الْإِزَالَةِ وَثَالِثُهَا عَدَمُ الِاسْتِقْذَارِ بَلْ سَبَبُ تَنْجِيسِهَا طَلَبُ إبْعَادِهَا وَالْإِزَالَةُ وَالْإِحَالَةُ مَعًا فِي الدِّبَاغِ فَإِنَّهُ إزَالَةٌ لِلْفَضَلَاتِ الْمُتَنَجِّسَةِ الَّتِي تُوجِبُ الْعَصْرَ فَيَخْرُجُ مَا فِي الْجُلُودِ مِنْ ذَلِكَ وَإِحَالَةً لِصِفَةِ الْجُلُودِ بِتَغَيُّرِ هَيْئَتِهَا إلَى هَيْئَةٍ أُخْرَى وَخَاصِّيَّتُهَا الَّتِي تَمْتَازُ بِهَا ثَلَاثٌ أَيْضًا أَحَدُهَا عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْمَاءِ وَثَانِيهَا عَدَمُ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ إجْمَاعًا وَلَيْسَ الْقَصْدُ إلَى الدَّبْغِ مَانِعًا مِنْ تَطْهِيرِ الْجِلْدِ إجْمَاعًا بِخِلَافِ الْإِحَالَةِ فَقَطْ وَثَالِثُهَا أَنَّ الِاسْتِقْذَارَ وَالِاسْتِحْبَابَ سَبَبُ التَّنْجِيسِ (وَصْلٌ) قَدْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا قَاعِدَةٌ تُعْرَفُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ بِجَمْعِ الْفُرُوقِ أَيْ جَمْعُ الْمُتَفَرِّقَاتِ مِنْ الْأَضْدَادِ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ قَلِيلٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَلَهُ مُثُلٌ أَحَدُهَا مَا هُنَا فَإِنَّ الْقَصْدَ مُنَاسِبٌ لِلتَّطْهِيرِ فَاشْتَرَطَهُ مَنْ اشْتَرَطَ الْمُنَاسِبَ فِي الْإِزَالَةِ وَجَعَلَهُ مَانِعًا فِي الْإِحَالَةِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ فَإِنَّا إذَا جَوَّزْنَا الْقَصْدَ لِلتَّخْلِيلِ فَقَدْ جَوَّزْنَا إبْقَاءَهَا فِي الْمِلْكِ زَمَانًا وَفِي ذَلِكَ الزَّمَانِ رُبَّمَا انْبَعَثَتْ الدَّوَاعِي لِشُرْبِهَا فَقَدْ رَتَّبَ عَلَى الْمَعْنَى الْوَاحِدِ كَوْنَ الْقَصْدِ إلَيْهِ يَقْتَضِي فِي الْإِحَالَةِ الْمَنْعَ وَفِي الْإِزَالَةِ الْإِبَاحَةَ فِي الصَّلَاةِ بِذَلِكَ الثَّوْبِ الْمُزَالِ عَنْهُ النَّجَاسَةُ وَالْمَعْنَى الْوَاحِدُ هُوَ التَّطْهِيرُ وَالضِّدَّانِ هُمَا الْمَنْعُ وَالْإِبَاحَةُ الْمِثَالُ الثَّانِي قَالَ الْعُلَمَاءُ تَرِدُ تَصَرُّفَاتُ السَّفِيهِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ صَوْنًا لِمَالِهِ عَلَى مَصَالِحِهِ لِئَلَّا يَضِيعَ مَالُهُ بِتَصَرُّفَاتٍ رَدِيئَةٍ وَتَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ فِي الْوَصَايَا عِنْدَ الْمَوْتِ صَوْنًا لِمَالِهِ عَلَى مَصَالِحِهِ فَإِنَّا لَوْ رَدَدْنَا وَصَايَاهُ لَأَخَذَ مَالَهُ وَارِثُهُ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْ مَالِهِ مَصْلَحَةٌ فَصَوْنُ مَالِهِ عَلَى مَصَالِحِهِ وَصْفٌ وَاحِدٌ نَاسَبَ الضِّدَّيْنِ الْمُتَنَافِيَيْنِ

[الفرق بين قاعدة الرخصة وبين قاعدة إزالة النجاسة]

وَنُوَضِّحُهُ بِذِكْرِ نَظَائِرَ مِنْ الشَّرِيعَةِ: أَحَدُهَا أَنَّهُ إذَا بَاعَ صَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ فَلَهُ بَيْعُ بَقِيَّةِ الصِّيعَانِ وَبَقِيَّتُهَا مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ وَبَقِيَ صَاعٌ وَتَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَمْ يُنْقَلْ الصَّاعُ لِلذِّمَّةِ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ الصُّبْرَةُ كُلُّهَا بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْعَقْدَ تَعَلَّقَ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ صِيعَانِ الصُّبْرَةِ وَهُوَ مُطْلَقُ الصَّاعِ فَتَصَرَّفَ بِمُقْتَضَى التَّخْيِيرِ فِيمَا عَدَا الصَّاعَ الْوَاحِدَ وَأَتَتْ الْجَائِحَةُ عَلَى ذَلِكَ الصَّاعِ فَكَانَ التَّخْيِيرُ فِي غَيْرِهِ مَعَ أَنَّ الْآفَةَ فِيهِ كَالْآفَةِ فِي الْجَمِيعِ كَذَلِكَ أَجْزَاءُ الْوَقْتِ كَالصِّيعَانِ يَجِبُ مِنْهَا وَاحِدٌ فَقَطْ فَإِذَا تَصَرَّفَتْ الْمَرْأَةُ فِي ضَيَاعِ مَا عَدَا الْآخِرَ مِنْهَا بِالْإِتْلَافِ ثُمَّ طَرَأَ الْعُذْرُ فِي آخِرِهَا قَامَ ذَلِكَ مَقَامَ وُجُودِ الْعُذْرِ فِي جَمِيعِهَا وَلَوْ وُجِدَ الْعُذْرُ فِي جَمِيعِهَا سَقَطَتْ الصَّلَاةُ وَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَمَرَّ التَّخْيِيرُ مَعَ الْعُذْرِ فِي الْأَخِيرِ وَبِالتَّخْيِيرِ حَصَلَ الْفَرْقُ بَيْنَ سَبَبِ الْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ فَإِذَا وُجِدَ أَوَّلًا سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ فَأَتْلَفَهُ الْمُكَلَّفُ بِالضَّيَاعِ لَا يَضْمَنُ الصَّلَاةَ وَبَيْنَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ فَإِذَا وُجِدَ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ التَّخْيِيرُ وَعَدَمُهُ وَلَوْلَا التَّخْيِيرُ لَكَانَ لِلْمُشْتَرِي فِي الصِّيعَانِ أَنْ يَقُولَ الْعَقْدُ اقْتَضَى مُطْلَقَ الصَّاعِ وَقَدْ وُجِدَ فِي صَاعٍ مِنْ الصِّيعَانِ الَّتِي تَعَدَّيْت عَلَيْهَا أَيُّهَا الْبَائِعُ وَمَنْ تَعَدَّى عَلَى الْمَبِيعِ ضَمِنَهُ فَيَلْزَمُك أَيُّهَا الْبَائِعُ الضَّمَانُ وَلَمَّا كَانَ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ إنَّ تُسَلِّطِي بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ صِيعَانِ الصُّبْرَةِ فِي تَوْفِيَتِهِ يَنْفِي عَنِّي الْعُدْوَانَ فِيمَا تَعَدَّيْت فِيهِ فَلَا أَضْمَنُ كَانَ لِلْمَرْأَةِ أَيْضًا أَنْ تَقُولَ إنَّ تَسَلُّطِي عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ فِي إيقَاعِ الصَّلَاةِ يَنْفِي عَنِّي وُجُوبَ الصَّلَاةِ فَإِنِّي جُعِلَ لِي أَنْ أُؤَخِّرَ وَأُعَيِّنَ الْمُشْتَرَكَ فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ فَلَمَّا عَيَّنْتُهُ تَلِفَ بِالْحَيْضِ كَمَا تَلِفَ الصَّاعُ بِالْآفَةِ وَمَا سِرُّ ذَلِكَ إلَّا التَّخْيِيرُ، وَثَانِيهَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ فِي الْكَفَّارَةِ وَعِنْدَهُ رِقَابٌ فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا عَدَا الْوَاحِدَ بِالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا رَقَبَةٌ مَاتَتْ أَوْ تَعَيَّبَتْ سَقَطَ عَنْهُ الْأَمْرُ بِالْعِتْقِ وَجَازَ لَهُ الِانْتِقَالُ إلَى الصِّيَامِ وَلَا نَقُولُ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ وَثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ لَا بُدَّ مِنْهَا بَلْ يَسْقُطُ التَّكْلِيفُ بِالرَّقَبَةِ بِالْكُلِّيَّةِ فَيَكُونُ التَّخْيِيرُ مَعَ الْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ فِي الْأَخِيرِ يَقُومُ مَقَامَ حُصُولِ الْآفَةِ فِي جَمِيعِ الرِّقَابِ ابْتِدَاءً. وَثَالِثُهَا لَوْ كَانَ لَهُ عِدَّةُ ثِيَابٍ لِلسُّتْرَةِ فِي الصَّلَاةِ فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا عَدَا الْوَاحِدَ مِنْهَا فَإِذَا وَهَبَ أَوْ بَاعَ وَخَلَّى وَاحِدًا مِنْهَا فَطَرَأَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّذَيْنِ هُمَا رَدُّ تَصَرُّفَاتِهِ حَالَ الْحَيَاةِ وَتَنْفِيذُ تَصَرُّفَاتِهِ عِنْدَ الْمَمَاتِ وَتَرَتَّبَا عَلَيْهِ فِي الشَّرِيعَةِ. الْمِثَالُ الثَّالِثُ الْجَهَالَةُ مَانِعَةٌ مِنْ صِحَّةِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهِمَا وَهِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الْجِعَالَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْقِرَاضِ فَمَصْلَحَةُ هَذِهِ الْعُقُودِ اقْتَضَتْ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَجْهُولًا وَأَنْ لَا يَجُوزَ تَحْدِيدُهُ بِيَوْمٍ مَعْلُومٍ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ قَدْ لَا يَحْصُلُ فِي ذَلِكَ الْأَجَلِ وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَحْدِيدُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ لِخِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْإِجَارَاتِ الَّتِي مِنْ قَبِيلِ الْجَعَالَةِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْغَرَرَ فَتَفُوتُ الْمَصْلَحَةُ فَقَدْ اقْتَضَتْ الْجَهَالَةُ الضِّدَّيْنِ كَالْجَهَالَةِ. الْمِثَالُ الرَّابِعُ: الْأُنُوثَةُ اقْتَضَى ضَعْفُهَا التَّأَخُّرَ عَنْ الْوِلَايَاتِ وَاقْتَضَى ضَعْفُهَا وِلَايَةَ الْحَضَانَةِ وَالتَّقْدِمَةِ فِيهَا عَلَى الذُّكُورِ فَقَدْ اقْتَضَتْ الضِّدَّيْنِ كَالْجَهَالَةِ الْمِثَالُ الْخَامِسُ قَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْتَضَى تَعْظِيمُهَا بَذْلَ الْمَالِ لِلْأَقَارِبِ وَالْمُبَادَرَةَ إلَى سَدِّ الْخَلَّاتِ فِي حَقِّهِمْ وَاقْتَضَى مَنْعُ الْمَالِ مِنْهُمْ فِي الزَّكَاةِ فَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْبَذْلُ وَالْمَنْعُ وَهُمَا ضِدَّانِ وَإِنَّمَا قَلَّتْ هَذِهِ النَّظَائِرُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُنَاسِبِ أَنْ يُنَافِيَ ضِدَّ مَا يُنَاسِبُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرُّخْصَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ] (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرُّخْصَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ) اعْلَمْ أَنَّ الرُّخْصَةَ كَمَا فِي مُوَافَقَاتِ الشَّاطِبِيِّ لَهَا فِي الشَّرْعِ إطْلَاقَاتٌ أَرْبَعَةٌ الْإِطْلَاقُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا شُرِعَ مِنْ الْأَحْكَامِ لِعُذْرٍ شَاقٍّ اسْتِثْنَاءً مِنْ أَصْلٍ كُلِّيٍّ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَوَاضِعِ الْحَاجَةِ فِيهِ فَقَيْدُ لِعُذْرٍ شَاقٍّ مُخْرِجٌ لِمَا كَانَ مِنْ أَصْلِ الْحَاجِيَّاتِ الْكُلِّيَّاتِ مُسْتَثْنًى مِنْ أَصْلٍ مَشْرُوعٍ لِعُذْرِ مُجَرَّدِ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ مَوْجُودَةٍ كَشَرْعِيَّةِ الْقِرَاضِ فَإِنَّهُ لِعُذْرٍ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ عَجْزُ صَاحِبِ الْمَالِ عَنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَيَجُوزُ حَيْثُ لَا عُذْرَ وَلَا عَجْزَ وَكَذَلِكَ الْقَرْضُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالسَّلَمُ وَنَحْوُهَا مِمَّا شُرِعَ فِي الْأَصْلِ لِعُذْرِ مُجَرَّدِ الْحَاجَةِ وَإِنْ جَازَ بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ فَيَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَقْتَرِضَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إلَى الِاقْتِرَاضِ وَأَنْ يُسَاقِيَ حَائِطَهُ. وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى عَمَلِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهِ وَهَكَذَا فَلَا يُسَمَّى هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِاسْمِ الرُّخْصَةِ وَمُخْرِجٌ أَيْضًا لِمَا كَانَ مِنْ أَصْلِ التَّكْمِيلَاتِ مُسْتَثْنًى مِنْ أَصْلٍ مَشْرُوعٍ لِعُذْرِ مُجَرَّدِ التَّكْمِيلِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ مَوْجُودَةٍ كَشَرْعِيَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِينَ جُلُوسًا لِعُذْرِ مُجَرَّدِ طَلَبِ الْمُوَافَقَةِ لِإِمَامِهِمْ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّلَاةِ قَائِمًا أَوْ يَقْدِرُ بِمَشَقَّةٍ حَتَّى شُرِعَ فِي حَقِّهِ الِانْتِقَالُ إلَى الْجُلُوسِ وَإِنْ كَانَ مُخِلًّا بِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ الْمَشَقَّةِ صَارَ الْجُلُوسُ رُخْصَةً فِي حَقِّهِ فَفِي الْحَدِيثِ إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعِينَ فَلَا يُسَمَّى مِثْلُ هَذَا رُخْصَةً وَإِنْ كَانَ مُسْتَثْنًى لِعُذْرٍ وَقَيْدُ اسْتِثْنَاءٍ مِنْ أَصْلٍ كُلِّيٍّ يَقْضِي الْمَنْعَ مُدْخِلٌ لِمَا عَرَضَ لَهَا مِنْ الرُّخَصِ أَنْ تَكُونَ كُلِّيَّاتٍ فِي الْحُكْمِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ أَصْلِهَا الْكُلِّيِّ الَّذِي اُسْتُثْنِيَتْ مِنْهُ لِلْعُذْرِ كَجَوَازِ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ إنَّمَا كَانَ

عَلَيْهِ الْآفَةُ الْمَانِعَةُ لَهُ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ صَلَّى عُرْيَانًا مِنْ غَيْرِ إثْمٍ وَيَسْقُطُ التَّكْلِيفُ بِالْكُلِّيَّةِ فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ التَّصَرُّفَ بِالتَّخْيِيرِ مَعَ الْعُذْرِ فِي الْأَخِيرِ يَقُومُ مَقَامَ الْعُذْرِ فِي الْجَمِيعِ فَكَذَلِكَ آخِرُ الْوَقْتِ وَرَابِعُهَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ قَدْرُ كِفَايَتِهِ مِنْ الْمَاءِ لِطَهَارَتِهِ مِرَارًا فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ تِلْكَ الْمَقَادِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَاجِبَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الثِّيَابِ وَالرِّقَابِ فَلَهُ هِبَةُ مَا عَدَا كِفَايَتَهُ فَإِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ بِالْهِبَةِ بِمُقْتَضَى التَّخْيِيرِ ثُمَّ تَلِفَ الْمَاءُ الْآخَرُ الَّذِي اسْتَبَقَاهُ سَقَطَ التَّكْلِيفُ بِالْوُضُوءِ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ غَيِّ إثْمٍ وَقَامَ التَّصَرُّفُ بِالتَّخْيِيرِ مَعَ الْآفَةِ فِي الْأَخِيرِ مَقَامَ حُصُولِ الْعُذْرِ فِي الْجَمِيعِ فِي عَدَمِ الْإِثْمِ وَسُقُوطِ التَّكْلِيفِ كَذَلِكَ هَا هُنَا يَقُومُ التَّصَرُّفُ فِي الْأَوْقَاتِ الْأَوَّلِ بِالتَّخْيِيرِ مَعَ حُصُولِ الْعُذْرِ فِي الْأَخِيرِ مَقَامَ حُصُولِ الْعُذْرِ فِي جَمِيعِهَا. وَخَامِسُهَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ صَاعَانِ مِنْ الطَّعَامِ لِزَكَاةِ الْفِطْرِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ مُطْلَقُ الصَّاعِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيمَا عَدَا الصَّاعَ الْوَاحِدَ فَإِذَا بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَتَرَكَ صَاعًا وَاحِدًا فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِهِ حَتَّى تَلِفَ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ مِنْ قِبَلِهِ فَإِنَّهُ تَسْقُطُ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ إذَا قُلْنَا بِأَنَّهَا تَجِبُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ رَمَضَانَ إلَى غُرُوبِهَا مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَأَشْبَهَ مَنْ جَاءَهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ طَعَامٌ أَلْبَتَّةَ وَبِالْجُمْلَةِ فَإِذَا اسْتَقْرَيْت الشَّرِيعَةَ تَجِدْ فِيهَا صُوَرًا كَثِيرَةً الْخِطَابُ فِيهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَيَقُومُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ تِلْكَ الْأَفْرَادِ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْبَعْضِ بِالْإِتْلَافِ بِمُقْتَضَى التَّخْيِيرِ فِي الْجَمِيعِ مَقَامَ التَّلَفِ فِي الْجَمِيعِ فَكَذَلِكَ صُورَةُ النِّزَاعِ فَعُلِمَ بِهَذِهِ النَّظَائِرِ أَنَّ الْفَرْقَ فِي الشَّرْعِ وَاقِعٌ بَيْنَ وُجُودِ السَّبَبِ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ مَعَ التَّخْيِيرِ وَبَيْنَ وُجُودِهِ مَعَ عَدَمِ التَّخْيِيرِ فَلَا يُعْتَقَدُ أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ مَتَى وُجِدَ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ بَلْ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَفْرَادِهِ كَمَا قُلْنَاهُ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَغَيْرِهِ وَظَهَرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قِيَامِ الْمُعَارِضِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ السَّبَبِ وَبَيْنَ قِيَامِهِ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ إذَا كَانَ التَّخْيِيرُ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَرْقَ فَهُوَ دَقِيقٌ وَهُوَ عُمْدَةُ الْمَذْهَبِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ اسْتِقْرَارِ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَتْ آيَاتُ الصَّوْمِ نَزَلَتْ دَفْعَةً وَاحِدَةً إلَّا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ ثَانٍ عَنْ اسْتِقْرَارِ حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَلَى الْجُمْلَةِ وَكَذَلِكَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اضْطُرَّ} [البقرة: 173] الْآيَةَ وَمُخْرِجٌ لِبَاقِي أَنْوَاعِ الْعَزِيمَةِ مِمَّا شُرِعَ ابْتِدَاءً لَا اسْتِثْنَاءً مِنْ أَصْلٍ إلَخْ وَقَيْدُ مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَوَاضِعِ الْحَاجَةِ فِيهِ مَدْخَلٌ لِبَاقِي أَنْوَاعِ الرُّخَصِ وَمُوَضِّحٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَا شُرِعَ مِنْ الرُّخَصِ وَمَا شُرِعَ مِنْ الْحَاجِيَّاتِ الْكُلِّيَّةِ بِأَنَّ الرُّخَصَ جُزْئِيَّةٌ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَوْضِعِ الْحَاجَةِ فَإِنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا انْقَطَعَ سَفَرُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إلَى الْأَصْلِ مِنْ إتْمَامِ الصَّلَاةِ وَإِلْزَامِ الصَّوْمِ وَالْمَرِيضُ إذَا قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يُصَلِّ قَاعِدًا وَإِذَا قَدَرَ عَلَى مَسِّ الْمَاءِ لَمْ يَتَيَمَّمْ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الرُّخَصِ بِخِلَافِ الْقَرْضِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْحَاجِيَّاتِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي تُشْبِهُ الرُّخْصَةَ فَإِنَّهُ مَشْرُوعٌ أَيْضًا وَإِنْ زَالَ الْعُذْرُ كَمَا عَلِمْت. الْإِطْلَاقُ الثَّانِي عَلَى مَا اسْتَثْنَى مِنْ أَصْلٍ كُلِّيٍّ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مُطْلَقًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِعُذْرٍ شَاقٍّ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا اسْتَنَدَ إلَى أَصْلِ الْحَاجِيَّاتِ مِنْ الْقَرْضِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَرَدِّ الصَّاعِ مِنْ الطَّعَامِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ وَبَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِخَرْصِهَا ثَمَرًا وَضَرْبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك وَأَرْخَصَ فِي السَّلَمِ» فَيَجْرِي عَلَيْهَا فِي التَّسْمِيَةِ كَمَا جَرَى عَلَيْهَا حُكْمُهَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ أَصْلٍ مَشْرُوعٍ وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا مَا اسْتَنَدَ إلَى أَصْلِ التَّكْمِيلَاتِ مِنْ صَلَاةِ الْمَأْمُومِينَ جُلُوسًا اتِّبَاعًا لِلْإِمَامِ الْمَعْذُورِ وَصَلَاةُ الْخَوْفِ الْمَشْرُوعَةِ بِالْإِمَامِ كَذَلِكَ أَيْضًا وَنَحْوُ ذَلِكَ فَيُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ لَفْظُ الرُّخْصَةِ وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهَا فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ كَمَا أَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ لَفْظُ الرُّخْصَةِ عَلَى مَا اُسْتُمِدَّ مِنْ الرُّخَصِ مِنْ أَصْلِ الضَّرُورِيَّاتِ كَالْمُصَلِّي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ فَإِنَّ الرُّخْصَةَ فِي حَقِّهِ ضَرُورِيَّةٌ وَإِنَّمَا تَكُونُ حَاجِيَّةً إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ لَكِنْ بِمَشَقَّةٍ تَلْحَقُهُ فِيهِ أَوْ بِسَبَبِهِ، الْإِطْلَاقُ الثَّالِثُ عَلَى مَا وُضِعَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ التَّكَالِيفِ الْغَلِيظَةِ وَالْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: 286] وقَوْله تَعَالَى {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157] فَإِنَّ الرُّخْصَةَ فِي اللُّغَةِ رَاجِعَةٌ إلَى مَعْنَى اللِّينِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَنَعَ شَيْئًا تَرَخَّصَ فِيهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْآخَرَ «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ» كَمَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الرُّخَصَ الَّتِي هِيَ مَحْبُوبَةٌ مَا ثَبَتَ الطَّلَبُ فِيهِ أَوْ مَا أَدَّى تَرْكُهُ إلَى الْمَشَقَّةِ الْفَادِحَةِ الَّتِي قَالَ فِي مِثْلِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» فَيُوَافِقُ قَوْله تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وقَوْله تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: 28] بَعْدَ مَا قَالَ فِي الْأُولَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] . وَفِي الثَّانِيَةِ {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ} [النساء: 25] لَكِنْ فَلْيُتَفَطَّنْ فَكَانَ مَا جَاءَ فِي هَذِهِ الْمِلَّةِ السَّمْحَةِ

(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِلْزَامِ إيجَابِ الْمَجْمُوعِ لِوُجُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ، وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ لَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ فِي الْقَضَاءِ جُزْءَ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ، وَالْجُزْءُ الْآخَرُ خُصُوصُ الْوَقْتِ) هَاتَانِ الْقَاعِدَتَانِ مُلْتَبِسَتَانِ جِدًّا بِسَبَبِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعِبَادَةِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ أَمْرٌ بِالْعِبَادَةِ، وَبِكَوْنِهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ أَمْرٌ بِمَجْمُوعِ الْفِعْلِ وَتَخْصِيصِهِ بِالزَّمَانِ فَإِذَا ذَهَبَ أَحَدُ الْجُزْأَيْنِ، وَهُوَ تَخْصِيصُهُ بِعَيْنِ ذَلِكَ الزَّمَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى الْفِعْلُ وَاجِبًا بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ إيجَابَ الْمُرَكَّبِ يَقْتَضِي إيجَابَ مُفْرَدَاتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِلْزَامِ إيجَابِ الْمَجْمُوعِ لِوُجُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ لَا يُوجَبُ الْقَضَاءَ، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ فِي الْقَضَاءِ جُزْءَ الْوَاجِبِ الْأَوَّلِ، وَالْجُزْءُ الْآخَرُ خُصُوصُ الْوَقْتِ. هَاتَانِ الْقَاعِدَتَانِ مُلْتَبِسَتَانِ جِدًّا بِسَبَبِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعِبَادَةِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ أَمْرٌ بِالْعِبَادَةِ، وَبِكَوْنِهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ أَمْرٌ بِمَجْمُوعِ الْفِعْلِ وَتَخْصِيصِهِ بِالزَّمَانِ فَإِذَا ذَهَبَ أَحَدُ الْجُزْأَيْنِ وَهُوَ تَخْصِيصُهُ بِعَيْنِ ذَلِكَ الزَّمَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى الْفِعْلُ وَاجِبًا بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ إيجَابَ الْمُرَكَّبِ يَقْتَضِي إيجَابَ مُفْرَدَاتِهِ) قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ اسْتِلْزَامِ إيجَابِ الْمَجْمُوعِ لِوُجُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ إنْ أَرَادَ أَنَّ إيجَابَ الْمَجْمُوعِ يَسْتَلْزِمُ إيجَابَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَجْزَاءِ مَجْمُوعًا مَعَ غَيْرِهِ مِنْهَا فَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ إيجَابَ الْمَجْمُوعِ يَسْتَلْزِمُ إيجَابَ كُلِّ جُزْءٍ مُطْلَقًا مَجْمُوعًا مَعَ غَيْرِهِ وَغَيْرَ مَجْمُوعٍ فَذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَغَيْرُ صَحِيحٍ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعِبَادَةِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ أَمْرٌ بِالْعِبَادَةِ وَبِكَوْنِهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَأَنَّهُ إذَا ذَهَبَ أَحَدُ الْجُزْأَيْنِ وَهُوَ تَخْصِيصُهُ بِعَيْنِ ذَلِكَ الزَّمَانِ يَبْقَى الْفِعْلُ وَاجِبًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْفِعْلَ الْمُعَيَّنَ زَمَانُهُ لَا يَصِحُّ انْفِكَاكُهُ عَنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَمَتَى قُدِّرَ انْفِكَاكُهُ عَنْهُ فَلَيْسَ هُوَ ذَلِكَ الْفِعْلُ، وَلَيْسَ الزَّمَانُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفِعْلِ الْمُوقَعِ فِيهِ كَالرَّكْعَةِ الْأُولَى مَعَ الثَّانِيَةِ فِي تَصَوُّرِ انْفِكَاكِ إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْأُخْرَى عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ مَثَلًا مَعَ أَنَّهُ إذَا فُعِلَتْ رَكْعَةٌ مُنْفَرِدَةٌ لَا تَكُونُ جُزْءًا مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا تَكُونُ جُزْءًا مِنْهَا إذَا فُعِلَتْ مَعَ أُخْرَى بِشَرْطِ اسْتِيفَاءِ شُرُوطِ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ نِيَّةٍ وَغَيْرِهَا وَبِالْجُمْلَةِ فِي كَلَامِهِ هَذَا فِي هَذَا الْفَرْقِ ضُرُوبٌ مِنْ الْفَسَادِ لَا يَفُوهُ بِمِثْلِهَا مُحَصِّلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْمُسَامَحَةِ وَاللِّينِ رُخْصَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا حَمَلَهُ الْأُمَمُ السَّابِقَةُ مِنْ الْعَزَائِمِ الشَّاقَّةِ الْإِطْلَاقُ الرَّابِعُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْمَشْرُوعَاتِ تَوْسِعَةً عَلَى الْعِبَادِ مُطْلَقًا مِمَّا هُوَ رَاجِعٌ إلَى نَيْلِ حُظُوظِهِمْ وَقَضَاءِ أَوْطَارِهِمْ فَالرُّخْصَةُ عَلَى هَذَا عِبَارَةٌ عَنْ الْإِذْنِ فِي نَيْلِ الْحَظِّ الْمَلْحُوظِ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا كَانَ تَخْفِيفًا وَتَوْسِعَةً عَلَى الْمُكَلَّفِ وَإِنَّ الْعَزِيمَةَ كَذَلِكَ لَهَا فِي الشَّرْعِ أَرْبَعُ إطْلَاقَاتٍ تُقَابِلُ إطْلَاقَاتِ الرُّخْصَةِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ. فَإِطْلَاقُهَا الْمُقَابِلُ لِهَذَا الْإِطْلَاقِ الرَّابِعِ هُوَ مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وقَوْله تَعَالَى {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا} [طه: 132] الْآيَةَ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِبَادَةَ مِلْكٌ لِلَّهِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ فَحَقٌّ عَلَيْهِمْ التَّوَجُّهُ إلَيْهِ وَبَذْلُ الْمَجْهُودِ فِي عِبَادَتِهِ لِأَنَّهُمْ عِبَادُهُ وَلَيْسَ لَهُمْ حَقٌّ لَدَيْهِ وَلَا حُجَّةَ عَلَيْهِ فَإِذَا وَهَبَ لَهُمْ حَظًّا يَنَالُونَهُ فَذَلِكَ كَالرُّخْصَةِ لَهُمْ لِأَنَّهُ تَوَجُّهٌ إلَى غَيْرِ الْمَعْبُودِ وَاعْتِنَاءٌ بِغَيْرِ مَا اقْتَضَتْهُ الْعُبُودِيَّةُ وَذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُنَبَّهُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ هُوَ امْتِثَالُ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابُ النَّوَاهِي عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْعُمُومِ كَانَتْ الْأَوَامِرُ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا وَالنَّوَاهِي كَرَاهَةً أَوْ تَحْرِيمًا وَتَرْكُ كُلِّ مَا يَشْغَلُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ الْمُبَاحَاتِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْأَمْرَ مِنْ الْآمِرِ مَقْصُودٌ أَنْ يُمْتَثَلَ عَلَى الْجُمْلَةِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْعَزَائِمُ ثَمَّ عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ وَالرُّخَصُ حَظُّ الْعِبَادِ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ فَتَشْتَرِكُ الْمُبَاحَاتُ مَعَ الرُّخَصِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ مِنْ حَيْثُ كَانَا مَعًا تَوْسِعَةً عَلَى الْعَبْدِ وَرَفْعُ حَرَجٍ عَنْهُ وَإِثْبَاتًا لِحَظِّهِ وَتَصِيرُ الْمُبَاحَاتُ عِنْدَ هَذَا النَّظَرِ تَتَعَارَضُ مَعَ الْمَنْدُوبَاتِ عَلَى الْأَوْقَاتِ فَيُؤْثِرُ حَظَّهُ فِي الْأُخْرَى عَلَى حَظِّهِ فِي الدُّنْيَا أَوْ يُؤْثِرُ حَقَّ رَبِّهِ عَلَى حَظِّ نَفْسِهِ فَيَكُونُ رَافِعًا لِلْمُبَاحِ مِنْ عَمَلِهِ رَأْسًا أَوْ آخِذًا لَهُ حَقًّا لِرَبِّهِ فَيَصِيرُ حَظُّهُ مُنْدَرِجًا تَابِعًا لِحَقِّ اللَّهِ وَحَقُّ اللَّهِ هُوَ الْمُقَدَّمُ هُوَ الْمَقْصُودُ فَإِنَّ الْعَبْدَ بَذَلَ الْمَجْهُودَ وَالرَّبُّ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ وَهَذَا الْوَجْهُ يَعْتَبِرُهُ الْأُولَيَاتُ مِنْ أَصْحَابِ الْأَحْوَالِ وَكَذَا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ رَقَى عَنْ الْأَحْوَالِ وَعَلَيْهِ يُرَبُّونَ التَّلَامِيذَ أَلَا تَرَى أَنَّ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ الْأَخْذُ بِعَزَائِم الْعِلْمِ وَاجْتِنَابِ الرُّخَصِ جُمْلَةً حَتَّى آلَ الْحَالُ بِهِمْ أَنْ عَدُّوا أَصْلَ الْحَاجِيَّاتِ كُلَّهَا أَوْ جُلَّهَا. وَهُوَ مَا يَرْجِعُ إلَى حَظِّ الْعَبْدِ مِنْهَا حَسْبَمَا بَانَ لَك فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ الْأَخِيرِ مِنْ الرُّخَصِ وَإِطْلَاقُ الْعَزِيمَةِ الْمُقَابِلُ لِلْإِطْلَاقِ الثَّالِثِ هُوَ التَّكَالِيفُ الْغَلِيظَةُ وَالْأَعْمَالُ الشَّاقَّةُ الَّتِي كَانَتْ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا وَوُضِعَتْ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ رُخْصَةً فِي حَقِّهَا كَرَامَةً لِنَبِيِّهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِطْلَاقُهَا الْمُقَابِلُ لِلْإِطْلَاقِ الثَّانِي هُوَ مَا لَا يَكُونُ مِنْ الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ الْمَشْرُوعَةِ ابْتِدَاءً مُسْتَثْنًى مِنْ أَصْلٍ كُلِّيٍّ يَقْتَضِي الْمَنْعَ فَلَا تَشْمَلُ عَلَى هَذَا مَا اسْتَنَدَ مِنْ الْأَحْكَامِ إلَى أَصْلِ الْحَاجِيَّاتِ وَلَا مَا اسْتَنَدَ مِنْهَا إلَى أَصْلِ التَّكْمِيلَاتِ كَمَا لَا تَشْمَلُ مَا كَانَ مِنْهَا مُسْتَنِدٌ إلَى أَصْلِ الضَّرُورِيَّاتِ وَإِطْلَاقُهَا الْمُقَابِلُ لِلْإِطْلَاقِ

فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْقَاعِدِ وَقَاعِدَةِ أَنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ لَا يَقْتَضِي الْقَضَاءَ فَإِنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ، وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ بَعْدَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّ الْأَمْرَ مُرَكَّبٌ فِيهِمَا أَنَّ تَخْصِيصَ صَاحِبِ الشَّرْعِ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ بِأَفْعَالٍ مُعَيَّنَةٍ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَوْقَاتِ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ بِمَصْلَحَةٍ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ الْفِعْلُ عَامًّا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَلَا بُدَّ لِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ مَعْنًى لَاحَظَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا قَبْلَ الزَّوَالِ طَرْدًا لِقَاعِدَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِي رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ، وَهَكَذَا كُلُّ أَمْرٍ تَعَبُّدِيٍّ مَعْنَاهُ أَنَّ فِيهِ مَعْنًى لَمْ نَعْلَمْهُ لَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنًى، وَإِذَا كَانَتْ الْأَوْقَاتُ الْمُعَيَّنَةُ إنَّمَا خُصِّصَتْ بِالْعِبَادَةِ لِأَجْلِ مَصَالِحَ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا كَانَ مُقْتَضَى هَذَا الدَّلِيلِ أَنْ لَا يُشْرَعَ الْفِعْلُ فِي غَيْرِهَا لِعَدَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَقَاعِدَةِ إنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ لَا يَقْتَضِي الْقَضَاءَ فَإِنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ) . قُلْت لَا يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ فَإِنَّهُ شَيْءٌ لَا يَلْتَبِسُ عَلَى مُحَصِّلٍ، وَيَحِقُّ إنْ كَانَ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ قَالَ (وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ بَعْدَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّ الْأَمْرَ مُرَكَّبٌ فِيهِمَا أَنَّ تَخْصِيصَ صَاحِبِ الشَّرْعِ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ بِأَفْعَالٍ مُعَيَّنَةٍ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَوْقَاتِ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ بِمَصْلَحَةٍ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ الْفِعْلُ عَامًّا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَلَا بُدَّ لِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ مَعْنًى لَاحَظَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا قَبْلَ الزَّوَالِ طَرْدًا لِقَاعِدَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِي رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ، وَهَكَذَا كُلُّ أَمْرٍ تَعَبُّدِيٍّ مَعْنَاهُ أَنَّ فِيهِ مَعْنًى لَمْ نَعْلَمْهُ لَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنًى) . قُلْت: رِعَايَةُ الْمَصَالِحِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَقْلًا فَيَجُوزُ عَقْلًا شَرْعُ أَمْرٍ مَا لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ فِيهِ إلَّا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الثَّوَابِ فَإِنْ أَرَادَ بِالْمَصَالِحِ الْمَنَافِعَ عَلَى الْإِطْلَاقِ دُنْيَوِيَّةً كَانَتْ أَوْ أُخْرَوِيَّةً فَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِهَا الْمَنَافِعَ الدُّنْيَوِيَّةَ خَاصَّةً فَذَلِكَ مِنْ مُجَوِّزَاتِ الْعَقْلِ لَا مِنْ مُوجِبَاتِهِ، وَقَدْ دَلَّتْ الدَّلَائِلُ الشَّرْعِيَّةُ الْقَطْعِيَّةُ عَلَى رِعَايَةِ مَصَالِحِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْمَأْمُورَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ فَأَمَّا رِعَايَتُهَا فِي جَمِيعِ الْمَأْمُورَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ فَلَا أَعْلَمُ قَاطِعًا فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَتْ رِعَايَةُ الشَّارِعِ الْمَصَالِحَ بِحُكْمٍ مِنْهُ شَرْعِيٍّ فَيَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ بَلْ ذَلِكَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْقَطْعِ. قَالَ: (وَإِذَا كَانَتْ الْأَوْقَاتُ الْمُعَيَّنَةُ إنَّمَا خُصِّصَتْ بِالْعِبَادَاتِ لِأَجْلِ مَصَالِحَ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا كَانَ مُقْتَضَى هَذَا الدَّلِيلِ أَنْ لَا يُشْرَعَ الْفِعْلُ فِي غَيْرِهَا لِعَدَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوَّلِ هُوَ مَا شُرِعَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ ابْتِدَاءً وَمَعْنَى كَوْنِهَا كُلِّيَّةً أَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْمُكَلَّفِينَ دُونَ بَعْضٍ فَيَدْخُلُ تَحْتَهَا جَمِيعُ كُلِّيَّاتِ الشَّرِيعَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا كَانَ مِنْهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ فَإِنَّهَا مَشْرُوعَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْعُمُومِ فِي كُلِّ شَخْصٍ وَفِي كُلِّ حَالٍ وَمَا كَانَ مِنْهَا مَشْرُوعًا لِلتَّوَصُّلِ إلَى إقَامَةِ مَصَالِحِ الدَّارَيْنِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَسَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ مِنْ الْقِصَاصِ وَالضَّمَانِ وَسَائِرِ أَحْكَامِ الْجِنَايَاتِ وَمَعْنَى شَرْعِيَّتِهَا ابْتِدَاءً أَنْ يَكُونَ قَصْدُ الشَّارِعِ بِهَا إنْشَاءَ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ عَلَى الْعِبَادَتَيْنِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ فَلَا يَسْبِقُهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَوْ حُكْمًا كَالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْأَخِيرِ النَّاسِخِ لِمَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ كَالْحُكْمِ الِابْتِدَائِيِّ تَمْهِيدًا لِلْمَصَالِحِ الْكُلِّيَّةِ الْعَامَّةِ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ الْكُلِّيَّاتِ وَارِدًا عَلَى سَبَبٍ فَإِنَّ الْأَسْبَابَ قَدْ تَكُونُ مَفْقُودَةً قَبْلَ ذَلِكَ فَإِذَا وُجِدَتْ اقْتَضَتْ أَحْكَامًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا} [البقرة: 104] وقَوْله تَعَالَى {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الأنعام: 108] وقَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] وقَوْله تَعَالَى {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 187] الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203] . وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ تَمْهِيدًا لِأَحْكَامٍ وَرَدَتْ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْمُسْتَثْنَيَاتُ مِنْ الْعُمُومَاتِ وَسَائِرِ الْمَخْصُوصَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229] وقَوْله تَعَالَى {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19] وقَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] «وَنَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» فَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْعَزَائِمِ لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى أَحْكَامٍ كُلِّيَّةٍ ابْتِدَائِيَّةٍ وَهَذِهِ الْإِطْلَاقَاتُ الْأَرْبَعَةُ لِلرُّخْصَةِ وَمَا يُقَابِلُهَا لِلْعَزِيمَةِ مِنْهَا مَا هُوَ خَاصٌّ بِبَعْضِ النَّاسِ وَهُوَ الرَّابِعُ وَمِنْهَا مَا هُوَ عَامٌّ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ وَهُوَ مَا عَدَا الرَّابِعَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَرَّرَ وَهَذَا وَاخْتُلِفَ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّهَا رُخْصَةٌ لَا عَزِيمَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا حُكْمٌ مُسْتَثْنًى مِنْ أَصْلٍ كُلِّيٍّ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مُطْلَقًا وَذَلِكَ الْأَصْلُ هُوَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ مِنْ أَنَّ السَّبَبَ فِي تَنْجِيسِ الطَّاهِرِ مُلَاقَاتُهُ لِلنَّجَسِ إجْمَاعًا تَقْتَضِي أَنَّا إذَا صَبَبْنَا الْمَاءَ مِنْ الْإِبْرِيقِ مَثَلًا عَلَى النَّجَاسَةِ لِنُزِيلَهَا تَنَجَّسَ الْجُزْءُ الْوَاصِلُ إلَى النَّجَاسَةِ الْمُتَّصِلِ بِهَا لِمُلَاقَاتِهِ النَّجَاسَةَ فَيَتَنَجَّسُ الَّذِي يَلِيهِ لِمُلَاقَاتِهِ لَهُ. وَهَكَذَا حَتَّى يَتَنَجَّسَ الْمَاءُ الَّذِي دَاخِلُ الْإِبْرِيقِ بَلْ يَنْجُسُ مَاءُ الْبَحْرِ الْمَالِحِ إذَا وَضَعْنَا النَّجَاسَةَ فِي طَرَفِهِ فَلَمَّا قَضَى الشَّرْعُ بِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَزُولُ وَأَنَّ الْمَاءَ لَمْ يَفْسُدْ مُطْلَقًا عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ كَانَ ذَلِكَ رُخْصَةَ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ اسْتَثْنَاهَا مِنْ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ وَالْحَقُّ أَنَّ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهَا مِنْ بَابِ الرُّخَصِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ بَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْعَزَائِمِ عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ لَا عَلَى خِلَافِهَا وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقْضِ

[الفرق بين قاعدة إزالة الوضوء للجنابة بالنسبة إلى النوم خاصة وبين قاعدة إزالة الحدث عن الرجل خاصة بالنسبة إلى الخف]

الْمَصْلَحَةِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ دَلَّ بِالِالْتِزَامِ عَلَى عَدَمِ الْمَصْلَحَةِ بِدَلِيلِ التَّخْصِيصِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ أَمْرٌ دَالٌّ عَلَى الْقَضَاءِ. قُلْنَا: الْأَصْلُ عَدَمُ مَصْلَحَةِ الْفِعْلِ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي عُيِّنَ لَهُ وَمَعَ الْأَصْلِ لَفْظُ التَّخْصِيصِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِهِ فَلَا تُفْعَلُ تِلْكَ الْعِبَادَةُ أَلْبَتَّةَ فَإِنْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالْقَضَاءِ دَلَّ الْأَمْرُ الثَّانِي عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِمَّا يُقَارِبُ الْوَقْتَ الْأَوَّلَ فِي مَصْلَحَةِ الْوُجُوبِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى مِثْلِ مَصْلَحَتِهِ، إذْ لَوْ وَصَلَ إلَيْهَا لَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ، وَحَيْثُ لَمْ يُسَوِّ بَيْنَهُمَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فَمَنْ لَاحَظَ هَذَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ قَالَ الْقَضَاءِ إنَّمَا يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، وَمَنْ لَاحَظَ التَّسْوِيَةَ وَالْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا قَالَ الْقَضَاءُ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. (الْفَرْقُ التِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَسْبَابِ الصَّلَوَاتِ وَشُرُوطِهَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهَا وَتَفَقُّدُهَا وَقَاعِدَةِ أَسْبَابِ الزَّكَاةِ لَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهَا) ـــــــــــــــــــــــــــــSالْمَصْلَحَةِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ دَالٌّ بِالِالْتِزَامِ عَلَى عَدَمِ الْمَصْلَحَةِ بِدَلِيلِ التَّخْصِيصِ) . قُلْت: مَا قَالَهُ هُنَا لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ لِعَدَمِ الْقَاطِعِ فِي رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ فِي كُلِّ تَعَبُّدِيٍّ قَالَ (فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ أَمْرٌ دَالٌّ عَلَى الْقَضَاءِ، قُلْنَا الْأَصْلُ عَدَمُ مَصْلَحَةِ الْفِعْلِ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي عُيِّنَ لَهُ، وَمَعَ الْأَصْلِ لَفْظُ التَّخْصِيصِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِهِ فَلَا تُفْعَلُ تِلْكَ الْعِبَادَةُ أَلْبَتَّةَ) قُلْت: مَا قَالَهُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَاهُ عُمُومَ رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِقَاطِعٍ فَمَا قَالَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ (فَإِنْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالْقَضَاءِ دَلَّ الْأَمْرُ الثَّانِي عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِمَّا يُقَارِبُ الْوَقْتَ الْأَوَّلَ فِي مَصْلَحَةِ الْوُجُوبِ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى مِثْلِ مَصْلَحَتِهِ إذْ لَوْ وَصَلَ إلَيْهَا لَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ، وَحَيْثُ لَمْ يُسَوِّ بَيْنَهُمَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا) . قُلْت مَا قَالَهُ مَبْنِيٌّ أَيْضًا عَلَى تِلْكَ الدَّعْوَى قَالَ (فَمَنْ لَاحَظَ هَذَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ قَالَ الْقَضَاءُ إنَّمَا يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، وَمَنْ لَاحَظَ التَّسْوِيَةَ وَالْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا قَالَ الْقَضَاءُ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ) . قُلْت: مَا أَرَى مَنْ قَالَ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ لَاحَظَ ذَلِكَ الْفَرْقَ بَلْ لَاحَظَ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُؤَقَّتَ لَا يَقْتَضِي الْقَضَاءَ فَلَا بُدَّ فِي شَرْعِ الْقَضَاءِ مِنْ أَمْرٍ جَدِيدٍ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ الْقَضَاءُ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَلَا أَرَاهُ أَيْضًا يَقُولُ إنَّهُ مِنْ مُقْتَضَاهُ لَفْظًا بَلْ قِيَاسًا عَلَى الْحُقُوقِ الْمُتَرَتِّبَةِ فِي الذِّمَمِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. . قَالَ (الْفَرْقُ التِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَسْبَابِ الصَّلَوَاتِ وَشُرُوطِهَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهَا إلَى آخِرِ الْفَرْقِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِيهِ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي آخِرِهِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْأَعْيَانِ بِأَنَّهَا نَجِسَةٌ وَلَا مُتَنَجِّسَةٌ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهَا جَوَاهِرَ وَلَا أَجْسَامًا إجْمَاعًا بَلْ لِأَجْلِ أَعْرَاضٍ خَاصَّةٍ قَامَتْ بِتِلْكَ الْأَجْسَامِ مِنْ لَوْنٍ خَاصٍّ وَكَيْفِيَّةٍ خَاصَّةٍ مَعْلُومَةٍ فِي الْعَادَةِ فَإِذَا انْتَفَتْ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةُ وَتِلْكَ الْأَعْرَاضُ انْتَفَى الْحُكْمُ لِانْتِفَاءِ مُوجِبِهِ وَانْتِفَاءُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الرُّخَصِ إجْمَاعًا وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَعْرَاضَ الْخَاصَّةَ وَالْكَيْفِيَّةَ الْخَاصَّةَ اللَّذَيْنِ قَضَى الشَّرْعُ لِأَجْلِهَا بِالتَّنْجِيسِ لَيْسَا مَوْجُودَيْنِ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ مَاءِ الْإِبْرِيقِ وَلَا فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ مَاءِ الْبَحْرِ إذَا وَضَعْنَا النَّجَاسَةَ فِي طَرَفِهِ بَلْ الْأَجْزَاءُ بَعِيدَةٌ مِنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَطْعًا فَوَجَبَ أَنْ يَزُولَ حُكْمُ التَّنْجِيسِ لِزَوَالِ سَبَبِهِ كَمَا يَزُولُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ لِعَدَمِ النِّصَابِ وَيَزُولُ وُجُوبُ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ لِزَوَالِ رَمَضَانَ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الشَّرِيعَةِ الَّتِي لَا يُسَمَّى شَيْءٌ مِنْ زَوَالِهَا لِزَوَالِ سَبَبِهَا رُخْصَةً فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ إزَالَةِ الْوُضُوءِ لِلْجَنَابَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّوْمِ خَاصَّةً وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إزَالَةِ الْحَدَثِ عَنْ الرَّجُلِ خَاصَّةً بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخُفِّ] (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ إزَالَةِ الْوُضُوءِ لِلْجَنَابَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّوْمِ خَاصَّةً وَقَاعِدَةِ إزَالَةِ الْحَدَثِ عَنْ الرِّجْلِ خَاصَّةً بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخُفِّ) أَمَّا قَاعِدَةُ إزَالَةِ الْوُضُوءِ لِلْجَنَابَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّوْمِ خَاصَّةً فَقَدْ وَرَدَ فِيهَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْجُنُبَ الَّذِي يُرِيدُ النَّوْمَ يَتَوَضَّأُ لِلنَّوْمِ خَاصَّةً لَا لِلصَّلَاةِ وَلَا لِغَيْرِهَا. وَقَالَ الْفُقَهَاءُ هَذَا وُضُوءٌ يَرْفَعُ حَدَثَ الْجَنَابَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَيْءٍ خَاصٍّ وَهُوَ النَّوْمُ وَلَا يُزِيلُهُ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ رَافِعًا لِلْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَإِنَّمَا يُزِيلُهُ الْحَدَثُ الْأَكْبَرُ وَهُوَ الْجَنَابَةُ فَقَطْ وَلِبَعْضِهِمْ إذَا سُئِلْتَ وُضُوءًا لَيْسَ يَنْقُضُهُ إلَّا الْجِمَاعُ وُضُوءُ النَّوْمِ لِلْجُنُبِ وَيُلْقُونَ هَذَا الْوُضُوءَ لُغْزًا عَلَى الطَّلَبَةِ فَيَقُولُونَ لَهُمْ هَلْ تَعْلَمُونَ وُضُوءًا لَا يُزِيلُهُ الْبَوْلُ وَنَحْوُهُ وَيُرِيدُونَ هَذَا الْوُضُوءَ فَهَذِهِ قَاعِدَةٌ وَرَدَ بِهَا النَّصُّ وَتَقَرَّرَتْ فِي الْمَذْهَبِ. وَأَمَّا قَاعِدَةُ إزَالَةِ الْحَدَثِ عَنْ الرِّجْلِ خَاصَّةً بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخُفِّ فَهِيَ وَإِنْ قَالَ بِهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فَأَجَازَ لِمَنْ غَسَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ فِي وُضُوئِهِ ثُمَّ أَدْخَلَهَا فِي الْخُفِّ قَبْلَ غُسْلِ الْأُخْرَى أَنْ يَمْسَحَ عَلَى هَذَا الْخُفِّ فِي الْوُضُوءِ الَّذِي بَعْدُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَدَثَ يَرْتَفِعُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ عَلَى حِيَالِهِ إلَّا أَنَّ الرَّاجِحَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ ذُكِرَ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى هَذَا الْخُفِّ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بَعْدَ غُسْلِ جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْحَدَثَ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لَهُ كَالْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ وَنَحْوِهِ فَيُقَالُ أَحْدَثَ إذَا وُجِدَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَيَقُولُ الْفُقَهَاءُ النَّوْمُ هَلْ هُوَ حَدَثٌ أَوْ سَبَبٌ لِلْحَدَثِ قَوْلَانِ وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَنْعُ الْمُرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ الْأَسْبَابِ. وَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَرْجِعُ إلَى التَّحْرِيمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمُكَلَّفِ لَا بِعُضْوِهِ الْخَاصِّ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا الْمَنْعُ هُوَ الَّذِي يَقُولُ الْفُقَهَاءُ فِيهِ إنَّ

اعْلَمْ أَنَّ أَسْبَابَ التَّكْلِيفِ وَشُرُوطَهُ وَانْتِفَاءَ مَوَانِعِهِ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهَا إجْمَاعًا إنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ إيقَاعُ الْوَاجِبِ بَعْدَ وُجُوبِهِ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ ثَالِثُهَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَسْبَابِ فَتَجِبُ دُونَ غَيْرِهَا فَلَا تَجِبُ أَمَّا مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ تَحْصِيلِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يُحَصِّلَ نِصَابًا حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ وُجُوبِهَا وَلَا يُوفِيَ الدَّيْنَ لِغَرَضِ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْهَا، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِقَامَةُ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهِ هَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ إيقَاعُ الْوَاجِبِ بَعْدَ وُجُوبِهِ وَتَقْتَضِي هَذِهِ الْقَاعِدَةُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْنَا الْفَحْصُ عَنْ أَسْبَابِ الصَّلَوَاتِ وَلَا أَسْبَابِ وُجُوبِ الصَّوْمِ وَجَمِيعِ الْوَاجِبَاتِ غَيْرَ أَنَّ الْوَاجِبَاتِ انْقَسَمَتْ قِسْمَيْنِ قِسْمٌ يَجِبُ فِيهِ الْفَحْصُ، وَقِسْمٌ لَا يَجِبُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَاعِدَةٌ تَخُصُّهُ. وَتَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَالضَّابِطُ لَهُمَا أَنَّ الْوَاجِبَ تَارَةً يَقْتَضِي الْحَالُ فِيهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ طَرَيَان سَبَبِهِ وَتَرَتُّبِ التَّكَالِيفِ عَلَيْهِ جَزْمًا لَا مَحِيدَ عَنْهُ كَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الْوُجُودِ. وَيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ وُجُودُ الْفِعْلِ قَطْعًا فَهَذَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهُ كَانَ شَرْطًا أَوْ سَبَبًا بِسَبَبِ أَنَّهُ لَوْ أُهْمِلَ لَوَقَعَ التَّكْلِيفُ. وَالْمُكَلَّفُ غَافِلٌ عَنْهُ فَيَعْصِي بِتَرْكِ الْوَاجِبِ بِسَبَبِ إهْمَالِهِ، وَهُوَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ وَلَا عُذْرَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا هُوَ ضَابِطُ مَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهُ كَانَ شَرْطًا أَوْ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ الْوُجُوبِ، وَمِنْهُ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا وَهِلَالُ رَمَضَانَ وَهِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَهِلَالُ شَوَّالٍ لِوُجُوبِ الْفِطْرِ وَإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ وَأَيَّامُ الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَنْ نَذَرَ يَوْمًا مُعَيَّنًا أَوْ شَهْرًا مُعَيَّنًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْحَصَ عَنْ هِلَالِ ذَلِكَ الشَّهْرِ وَتَحَرِّي ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يُوقِعَ ذَلِكَ الْوَاجِبَ وَلَا يَتَعَدَّاهُ فَيَعْصِيَ بِالْإِهْمَالِ مَعَ إمْكَانِ الضَّبْطِ لَهُ. وَمِنْ ذَلِكَ قَضَاءُ رَمَضَانَ يَسُدُّ فِي بَقِيَّةِ الْعَامِ إلَى شَعْبَانَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إذَا أَخَّرَ أَنْ يَتَفَقَّدَ الْأَهِلَّةَ لِئَلَّا يَدْخُلَ شَعْبَانُ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِهِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى ضَيَاعِ الْقَضَاءِ عَنْ وَقْتِهِ. أَمَّا مَا لَا يَتَعَيَّنُ وُقُوعُهُ مِنْ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالظُّرُوفِ الْوَاجِبَاتِ فَلَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ الْأَصْلُ عَدَمُ طَرَيَانِهِ لِأَجْلِ عَدَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــSأَشْيَاءَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى مَا هُوَ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّ فُرُوضَ الْكِفَايَاتِ لَا تَخُصُّ كُلَّ مُكَلَّفٍ وَلَا تَتَوَجَّهُ عَلَى مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ بِخِلَافِ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُتَطَهِّرَ يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ أَيْ يَنْوِي بِفِعْلِهِ ارْتِفَاعَ ذَلِكَ الْمَنْعِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ الرَّفْعَ كَمَا يَرْتَفِعُ تَحْرِيمُ الْأَجْنَبِيَّةِ بِالْعَقْدِ عَلَيْهَا وَتَحْرِيمُ الْمُطَلَّقَةِ بِالرَّجْعَةِ وَتَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ بِالِاضْطِرَارِ وَأَمَّا رَفْعُ تِلْكَ الْفَضَلَاتِ الْخَارِجَةِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ بِالْوُضُوءِ فَمُتَعَذِّرٌ بِالضَّرُورَةِ فَالْحَدَثُ الَّذِي أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى رَفْعِهِ بِالطَّهَارَةِ هُوَ الْمَنْعُ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْمَمْنُوعُ مِنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا هُوَ الْمُكَلَّفُ لَا أَنَّ الْعُضْوَ هُوَ الْمَمْنُوعُ مِنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا وَالْمَنْعُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ بَاقٍ وَلَوْ غَسَلَ جَمِيعَ الْأَعْضَاءِ إلَّا لُمْعَةً وَاحِدَةً فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْحَدَثَ يَرْتَفِعُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ بِانْفِرَادِهِ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَتَخْرِيجُ مَسْأَلَةِ الْخُفِّ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ لَا يَصِحُّ وَقِيَاسُ ارْتِفَاعِ الْمَنْعِ بِغُسْلِ الرِّجْلِ عَنْ الْمُكَلَّفِ بِاعْتِبَارِ لُبْسِ الْخُفِّ خَاصَّةً وَيَبْقَى الْمُكَلَّفُ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى ارْتِفَاعِ الْجَنَابَةِ بِوُضُوءِ النَّوْمِ لِلْجُنُبِ بِاعْتِبَارِ النَّوْمِ خَاصَّةً وَيَبْقَى الْمُكَلَّفُ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّلَاةِ لَا يَصِحُّ بِوُجُوهٍ. الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّ قَوْلَهُمْ الْحَدَثُ يَرْتَفِعُ عَنْ عُضْوٍ وَحْدَهُ لَمْ يُخَصِّصُوا بِهِ الرِّجْلَ بَلْ عَمَّمُوهُ فِي جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ غَسْلَ الْوَجْهِ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ بِاعْتِبَارِ خُفٍّ وَلَا غَيْرِهِ وَكَذَا الْيَدَانِ وَالرَّأْسُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثُ بِاعْتِبَارِ شَيْءٍ. الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْوُضُوءَ إنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ يَرْفَعُ الْجَنَابَةَ بِاعْتِبَارِ الْيَوْمِ خَاصَّةً لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهِ وَرَفْعُ الْحَدَثِ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ وَحْدَهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تَعَبُّدِيَّةٌ وَمَعَ التَّعَبُّدِ لَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ الْأُمُورَ الَّتِي عَلَّلُوا بِهَا رَفْعَ وُضُوءِ النَّوْمِ لِلْجَنَابَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّوْمِ خَاصَّةً كُلُّهَا لَا تَصِحُّ وَعَلَى فَرْضِ صِحَّتِهَا فَلَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي كُلِّ عُضْوٍ وَحْدَهُ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنَّ الْوُضُوءَ إنَّمَا رَفَعَ الْجَنَابَةَ بِاعْتِبَارِ النَّوْمِ عَنْ الْمُكَلَّفِ لَا عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَظَهَرَ أَنَّ الْقَوْلَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ بِانْفِرَادِهِ قَوْلٌ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ ثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ عَقِيبَهُ لَكِنَّ الْمَنْعَ بَاقٍ إجْمَاعًا فَالْحَدَثُ بَاقٍ وَإِنَّ الْقَوْلَ بِثُبُوتِ الْحَدَثِ فِي الْأَعْضَاءِ وَفِي كُلِّ عُضْوٍ وَحْدَهُ قَوْلٌ بَاطِلٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْحَدَثَ هُوَ الْمَنْعُ الشَّرْعِيُّ عَنْ مُلَابَسَةِ الصَّلَاةِ وَالْعُضْوُ لَيْسَ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّلَاةِ الْمَمْنُوعُ هُوَ الْمُكَلَّفُ فَلَا مَعْنَى لِثُبُوتِ الْمَنْعِ عَلَى الْعُضْوِ وَحْدَهُ. (وَصْلٌ) يُسْتَفَادُ مِنْ الْبَحْثِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ بَاطِلٌ قَطْعًا وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدَثَ هُوَ الْمَنْعُ الشَّرْعِيُّ مِنْ الصَّلَاةِ وَهَذَا الْحَدَثُ الَّذِي هُوَ الْمَنْعُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُكَلَّفِ وَهُوَ بِالتَّيَمُّمِ قَدْ أُبِيحَتْ لَهُ الصَّلَاةُ إجْمَاعًا وَارْتَفَعَ الْمَنْعُ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَا مَنْعَ مَعَ الْإِبَاحَةِ فَإِنَّهُمَا ضِدَّانِ وَالضِّدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ إجْمَاعًا وَإِذَا كَانَتْ الْإِبَاحَةُ ثَابِتَةً قَطْعًا وَالْمَنْعُ مُرْتَفِعٌ قَطْعًا كَانَ التَّيَمُّمُ رَافِعًا لِلْحَدَثِ قَطْعًا «وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَسَّانَ لَمَّا تَيَمَّمَ وَصَلَّى بِالنَّاسِ أَصْلَيْت بِأَصْحَابِك وَأَنْتَ جُنُبٌ» لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ لِأَنَّهُ وَإِنْ سَمَّاهُ جُنُبًا مَعَ التَّيَمُّمِ إلَّا أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الِاسْتِفْهَامِ لِلِاسْتِطْلَاعِ عَلَى مَا عِنْدَ الْمَسْئُولِ مِنْ

[الفرق بين قاعدة الماء المطلق وبين قاعدة الماء المستعمل لا يجوز استعماله أو يكره]

التَّعْيِينِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حُجَّةً لِلْمُكَلَّفِ وَعُذْرًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ فَقِيرًا وَلَهُ أَقَارِبُ أَغْنِيَاءُ وَهُوَ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَجُوزُ أَنْ يَمُوتَ أَحَدُهُمْ فَيَرِثَهُ فَيَنْتَقِلَ الْمَالُ إلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ بِإِغْفَالِ ذَلِكَ وَتَرْكِ السُّؤَالِ عَنْهُ إذَا كَانُوا فِي بِلَادٍ بَعِيدَةٍ عَنْهُ يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مَعَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ، وَلَوْ فَحَصَ لَحَازَ الْمَالَ وَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ الْفَحْصُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ هَذَا، فَقَدْ يَقَعُ، وَقَدْ لَا يَقَعُ وَمِنْ ذَلِكَ تَجْوِيزُهُ لَأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ جَائِعٌ يَجِبُ سَدُّ خَلَّتِهِ وَعُرْيَانُ يَجِبُ سَتْرُ عَوْرَتِهِ وَغَرِيقٌ يَجِبُ رَفْعُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْمُتَوَقَّعَاتِ. وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ أَمَارَةٌ دَالَّةٌ عَلَى وُقُوعِهِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ بِخِلَافِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَهَذَا هُوَ ضَابِطُ مَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهُ مِنْ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَضَابِطُ مَا لَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَاعْتَمِدْ عَلَيْهِ. (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَفْضَلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَزِيَّةِ وَالْخَاصِّيَّةِ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْعِبَادَةِ لَهَا مَزِيَّةٌ تَخْتَصُّ بِهَا أَنْ تَكُونَ أَرْجَحَ مِمَّا لَيْسَ لَهُ تِلْكَ الْمَزِيَّةُ، فَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَلَّى الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ فَإِذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْأَذَانِ أَقْبَلَ فَإِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَدْبَرَ فَإِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِالصَّلَاةِ جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ لَهُ اُذْكُرْ كَذَا اُذْكُرْ كَذَا حَتَّى يَضِلَّ الرَّجُلُ فَلَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى» فَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا يَنْفِرُ مِنْ الصَّلَاةِ، وَأَنَّهُ لَا يَهَابُهَا وَيَهَابُهُمَا فَيَكُونَانِ أَفْضَلَ مِنْهَا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ هُمَا وَسِيلَتَانِ إلَيْهَا، وَالْوَسَائِلُ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْ الْمَقَاصِدِ وَأَيْنَ الصَّلَاةُ مِنْ الْإِقَامَةِ وَالْأَذَانِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «أَفْضَلُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» وَكَتَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى عُمَّالِهِ أَنَّ أَهَمَّ أُمُورِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ، وَلَنَا هَاهُنَا قَاعِدَةٌ وَهِيَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَفْضَلِيَّةِ وَالْمَزِيَّةِ وَهِيَ أَنَّ الْمَفْضُولَ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَصَّ بِمَا لَيْسَ لِلْفَاضِلِ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ الْحَاصِلُ لِلْفَاضِلِ لَمْ يَحْصُلْ لِلْمَفْضُولِ، إمَّا أَنَّهُ حَصَلَ لِلْمَفْضُولِ فِي الْمَجْمُوعِ الْحَاصِلِ لَهُ خَصْلَةٌ لَيْسَتْ فِي مَجْمُوعِ الْفَاضِلِ فَقَدْ يَكُونُ فِي الْمَدِينَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفِقْهِ فِي التَّيَمُّمِ وَبِمَاذَا يُجِيبُ فَيَظْهَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا «سَأَلَ مُعَاذًا لَمَّا بَعَثَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى الْيَمَنِ بِمَ تَحْكُمُ فَقَالَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى» الْحَدِيثُ إلَى آخِرِهِ لَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَصْدَرَ هَذَا الْكَلَامَ مَصْدَرَ الْخَبَرِ الْجَازِمِ حَتَّى يَلْزَمَ الْحُجَّةَ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْخَبَرِ لَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ وَحَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ نُكْتَةٌ عَقْلِيَّةٌ قَطْعِيَّةٌ عَارَضَهَا نَصٌّ فَمَتَى عَارَضَهَا نَصٌّ وَجَبَ تَأْوِيلُهُ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ فِي تَعَارُضِ الْقَطْعِيَّاتِ مَعَ الْأَلْفَاظِ. وَأَمَّا أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلَا يَظْهَرُ فِي بَقَاءِ الْحَدَثِ وَصِحَّةُ الْقَوْلِ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَدَثُ ارْتَفَعَ لَكَانَتْ الْجَنَابَةُ ارْتَفَعَتْ بِالتَّيَمُّمِ وَلَمَا احْتَاجَ لِلْغُسْلِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ وُجُوبَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ عِنْدَ وُجُودِهِ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَلَنَا مَنْعُهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّا لَوْ سَلَّمْنَاهُ لَكُنَّا نَقُولُ التَّيَمُّمُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ ارْتِفَاعًا مُغَيًّا بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إمَّا أَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهِ الْحَدَثُ بِأَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ أَوْ يُبَاشِرَ حَدَثًا مِنْ الْأَحْدَاثِ وَإِمَّا أَنْ يَفْرُغَ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ وَتَوَابِعَهَا مِنْ النَّوَافِلِ فَيَصِيرُ مُحْدِثًا حِينَئِذٍ مَمْنُوعًا مِنْ الصَّلَاةِ وَإِمَّا أَنْ يَجِدَ الْمَاءَ فَيَصِيرَ مُحْدِثًا عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ وَكَوْنُ الْحُكْمِ ثَابِتًا إلَى آخِرِ غَايَاتٍ كَثِيرَةٍ أَوْ قَلِيلَةٍ مُمْكِنٌ مَعْقُولٌ وَثُبُوتُ الْمَنْعِ مَعَ الْإِبَاحَةِ مُسْتَحِيلٌ وَغَيْرُ مَعْقُولٍ لِأَنَّهُ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ وَإِذَا تَعَارَضَ الْمُسْتَحِيلُ وَالْمُمْكِنُ وَجَبَ الْعُدُولُ إلَى الْقَوْلِ بِمَا هُوَ مُمْكِنٌ سِيَّمَا وَقَدْ وَجَدْنَا مِثْلَ هَذَا الْمُمْكِنِ وَاقِعًا فِي الشَّرِيعَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَفْعَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْحَدَثَ إلَى غَايَةٍ وَهِيَ طَرَيَان الْحَدَثِ وَأَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ مَمْنُوعَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَالْعَقْدُ عَلَيْهَا رَافِعٌ لِهَذَا الْمَنْعِ ارْتِفَاعًا مُغَيًّا بِغَايَاتٍ أَحَدُهُمَا الطَّلَاقُ وَثَانِيهَا الْحَيْضُ وَثَالِثُهَا الصَّوْمُ وَرَابِعُهَا الْإِحْرَامُ وَخَامِسُهَا الظِّهَارُ فَمَا الْمَانِعُ هَاهُنَا أَنْ يَكُونَ رَفْعُ الْحَدَثِ مُغَيًّا بِإِحْدَى ثَلَاثِ غَايَاتٍ وَكَوْنُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ قَلِيلِينَ جِدًّا وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُهُ فَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَالْحَقُّ لَا يَفُوتُ الْجُمْهُورَ غَالِبًا لَا يَقْتَضِي الْقَطْعُ بِصِحَّةِ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ بَلْ الْقَطْعُ إنَّمَا يَحْصُلُ فِي الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ مَجْمُوعَ الْأُمَّةِ مَعْصُومٌ أَمَّا جُمْهُورُهُمْ فَلَا. وَإِنَّمَا الظَّاهِرُ أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُمْ وَهُوَ مُعَارَضٌ هُنَا بِمُسْتَحِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وَهُوَ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ وَالظَّاهِرُ يَقْطَعُ بِبُطْلَانِهِ إذَا عَارَضَهُ الْقَطْعُ فَوَجَبَ أَنْ يَقْطَعَ بِبُطْلَانِ الظُّهُورِ النَّاشِئِ عَنْ قَوْلِ الْجُمْهُورِ كَمَا قَطَعَ بِبُطْلَانِ الْقَوْلِ بِرَفْعِ الْحَدَثِ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ بِانْفِرَادِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ أَوْ يُكْرَهُ] (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ أَوْ يُكْرَهُ عَلَى الْخِلَافِ) الْمَاءُ الْمُطْلَقُ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ لَازِمٍ فَيُقَالُ هَذَا مَاءٌ وَشَرِبْت مَاءً وَخَلَقَ اللَّهُ الْمَاءَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَنَحْوُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ إمَّا بَاقِيًا عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ أَوْ مُتَغَيِّرًا بِمَا هُوَ ضَرُورِيٌّ لَهُ كَالْجَارِي عَلَى الْكِبْرِيتِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُلَازِمُ الْمَاءَ فِي مَقَرِّهِ وَإِضَافَتِهِ فِي نَحْوِ مَاءِ الْبَحْرِ وَمَاءِ الْبِئْرِ وَإِنْ كَانَتْ

فَقِيرٌ عِنْدَهُ ابْنَةٌ حَسْنَاءُ أَوْ تُحْفَةٌ غَرِيبَةٌ لَيْسَتْ عِنْدَ مَلِكِهَا. وَمَجْمُوعُ مَا حَصَلَ لِلْمَلِكِ قَدْرُ مَا حَصَلَ لِذَلِكَ الْفَقِيرِ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً مِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «أَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ وَأَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ وَأَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ فِي فَضْلِ الصَّحَابَةِ مَعَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَفْضَلُ مِنْ الْجَمِيعِ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَفْضَلُ مِنْ أُبَيٍّ وَزَيْدٍ. وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ فَضَلَاهُ فِي الْفَرَائِضِ وَالْقِرَاءَةِ، وَمَا سَبَبُ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ لِلْمَفْضُولِ مَا لَمْ يَحْصُلْ لِلْفَاضِلِ، وَمِنْ ذَلِكَ «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعُمَرَ مَا سَلَكَ عُمَرُ وَادِيًا وَلَا فَجًّا إلَّا سَلَكَ الشَّيْطَانُ فَجًّا غَيْرَهُ» فَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ عُمَرَ وَلَا يُلَابِسُهُ، وَأَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَدْ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الشَّيْطَانُ الْبَارِحَةَ لِيُفْسِدَ عَلَيَّ صَلَاتِي فَلَوْلَا أَنِّي تَذَكَّرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ لَرَبَطْته بِسَارِيَةٍ مِنْ سِوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَلْعَبَ بِهِ صِبْيَانُ الْمَدِينَةِ» فَلَمْ يَنْفِرْ الشَّيْطَانُ مِنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا نَفَرَ مِنْ عُمَرَ وَفِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ «أَنَّ شَيْطَانًا قَصَدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ فَأَمَرَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالتَّعَوُّذِ مِنْهُ» وَأَيْنَ عُمَرُ مِنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ لِلْمَفْضُولِ مَا لَا يَحْصُلُ لِلْفَاضِلِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَدْ حَصَلَ لِلْمَلَائِكَةِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى الْعِبَادَةِ مَعَ جَمِيعِ الْأَنْفَاسِ يُلْهَمُ أَحَدُهُمْ التَّسْبِيحَ كَمَا يُلْهَمُ أَحَدُنَا النَّفَسَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفَضَائِلِ وَالْمَزَايَا الَّتِي لَمْ تَحْصُلْ لِلْبَشَرِ. وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَنْبِيَاءُ أَفْضَلُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ الْحَاصِلَ لِلْأَنْبِيَاءِ مِنْ الْمَزَايَا وَالْمَحَاسِنِ أَعْظَمُ مِنْ الْمَجْمُوعِ الْحَاصِلِ لِلْمَلَائِكَةِ فَمَنْ اسْتَقْرَى هَذَا وَجَدَهُ كَثِيرًا فِي الْمَخْلُوقَاتِ فَيَجِدُ فِي الشَّعِيرِ مِنْ الْخَوَاصِّ الطَّيِّبَةِ مَا لَيْسَ فِي الْبُرِّ وَفِي النُّحَاسِ مَا لَيْسَ فِي الذَّهَبِ مِنْ الْخَوَاصِّ النَّافِعَةِ بِالْإِكْحَالِ وَغَيْرِهَا فَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَخَرَّجَتْ الْإِقَامَةُ وَالْأَذَانُ، وَأَنَّ مِنْ خَوَاصِّهِمَا الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا أَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْهُمَا دُونَ الصَّلَاةِ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْهُمَا وَلَا تَنَاقُضَ فِي ذَلِكَ بِسَبَبِ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَفْضَلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَزِيَّةِ وَالْخَاصِّيَّةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ.. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَيْدًا إلَّا أَنَّهَا غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا وَيُقَابِلُ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ الْمَاءُ الْمُقَيَّدُ وَهُوَ مَا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ إلَّا بِقَيْدٍ لَازِمٍ مِنْ إضَافَةٍ أَوْ وَصْفٍ كَمَاءِ الْوَرْدِ وَمَاءِ الشِّيشَةِ وَلَهُ حُكْمُ قَيْدِهِ مِنْ طَهَارَةٍ وَخِلَافِهَا وَمِنْهُ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ وَهُوَ الَّذِي أُدِّيَتْ بِهِ طَهَارَةٌ بِأَنْ انْفَصَلَ عَنْ الْأَعْضَاءِ وَجُمِعَ فِي إنَاءٍ إذْ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا فِي الْأَعْضَاءِ طَهُورٌ وَمُطْلَقٌ فَإِذَا انْفَصَلَ عَنْهَا اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ فِي كَوْنِهِ صَالِحًا لِلتَّطْهِيرِ أَمْ لَا وَفِي كَوْنِهِ نَجَسًا أَمْ لَا وَفِي كَوْنِ مُلَاقِيهِ يُنَجِّسُ أَمْ لَا وَفِي كَوْنِ عَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لِلتَّطْهِيرِ مُعَلَّلًا بِإِزَالَةِ الْمَانِعِ أَوْ بِأَنَّهُ أُدِّيَتْ بِهِ قُرْبَةٌ وَثَمَرَةُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِكَوْنِ الْعِلَّةِ إزَالَةَ الْمَانِعِ لَا يَنْدَرِجُ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ الْمَاءُ الْمُنْفَصِلُ عَنْ الْأَعْضَاءِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ إذَا نَوَى فِي الْأُولَى الْوُجُوبَ وَلَا الْمَاءَ الْمُنْفَصِلَ عَنْ الْأَعْضَاءِ فِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُزِيلُ الْمَانِعَ وَيَنْدَرِجُ فِيهِ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْمَنْعَ مِنْ الْوَطْءِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ عِلَّةَ ذَلِكَ أَنَّهُ أُدِّيَتْ بِهِ قُرْبَةٌ بِالْعَكْسِ فَيَنْدَرِجُ فِيهِ الْمَاءُ الْمُنْفَصِلُ عَنْ الْأَعْضَاءِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَفِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَلَا يَنْدَرِجُ فِيهِ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ تَحْصُلْ بِهِ قُرْبَةٌ وَأَحْسَنُ مَدَارِك الْقَائِلِينَ بِإِزَالَتِهِ الْمَنْعُ وَخُرُوجُهُ عَنْ صَلَاحِيَّتِهِ لِلتَّطْهِيرِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وقَوْله تَعَالَى {لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] مُطْلَقٌ فِي التَّطْهِيرِ لَا عَامٌّ فِيهِ بَلْ عَامٌّ فِي الْمُكَلَّفِينَ فَلَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى أَصْلِ التَّطْهِيرِ فَإِذَا تَطَهَّرْنَا بِالْمَاءِ مَرَّةً حَصَلَ مُوجِبُ اللَّفْظِ فَبَقِيَتْ الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ فِيهِ غَيْرَ مَنْطُوقٍ بِهَا فَتَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ فِي التَّطْهِيرِ وَغَيْرِهِ إلَّا مَا وَرَدَتْ الشَّرِيعَةُ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّيِّدَ إذَا قَالَ لِعَبِيدِهِ أَخْرَجْت هَذَا الثَّوْبَ لِأُغَطِّيَكُمْ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُغَطِّيهِمْ بِهِ مَرَّاتٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَصْلِ التَّغْطِيَةِ فِي جَمِيعِهِمْ فَإِذَا غَطَّاهُمْ بِهِ مَرَّةً حَصَلَ مُوجِبُ اللَّفْظِ وَاحْتَجُّوا مَعَ هَذَا الْمُدْرِكِ الْحَسَنِ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُمْ إنَّهُ مَاءٌ أُدِّيَتْ بِهِ عِبَادَةٌ فَلَا تُؤَدَّى عِبَادَةٌ أُخْرَى كَالرَّقَبَةِ فِي الْعِتْقِ وَفِيهِ أَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى الرَّقَبَةِ فِي الْعِتْقِ لَا يَتِمُّ عَلَى أُصُولِهِمْ لِأَنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ عِتْقَ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ فِي الْكَفَّارَاتِ الْوَاجِبَاتِ وَأَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا كَافِرًا ذِمِّيًّا ثُمَّ خَرَجَ إلَى أَهْلِ الْحَرْبِ نَاقِصًا لِلْعَهْدِ ثُمَّ غَنِمْنَاهُ وَعَادَ رَقِيقًا جَازَ عِتْقُهُ فِي الْوَاجِبِ مَرَّةً أُخْرَى سَلَّمْنَا صِحَّةَ الْقِيَاسِ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّهُ كَمْ مِنْ عَيْنٍ فِي الشَّرِيعَةِ تُؤَدَّى بِهِ الْكَثِيرَةُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالُ فِي الزَّكَاةِ لَوْ اشْتَرَاهُ مِمَّنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ الْفُقَرَاءِ جَازَ أَنْ يُخْرِجَهُ فِي الزَّكَاةِ مَرَّةً أُخْرَى وَالسَّيْفُ وَالْفَرَسُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ يُجَاهِدُ مِرَارًا وَلِلثَّوْبِ يَسْتَتِرُ بِهِ وَالْكَعْبَةُ تُسْتَقْبَلُ فِي الصَّلَاةِ مِرَارًا. الْأَمْرُ الثَّانِي قَوْلُهُمْ إنَّهُ مَاءُ الذُّنُوبِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَوَضَّأَ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ بَيْنِ أَنَامِلِهِ وَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ أَطْرَافِ أُذُنَيْهِ» الْحَدِيثَ وَإِذَا كَانَ مَاءُ الذُّنُوبِ يَكُونُ نَجَسًا لِأَنَّ الذُّنُوبَ مَمْنُوعٌ مِنْ مُلَابَسَتِهَا شَرْعًا وَالنَّجَاسَةُ هِيَ مَنْعٌ شَرْعِيٌّ فَإِذَا حَصَلَ الْمَنْعُ حَصَلَتْ النَّجَاسَةُ وَفِيهِ أَنَّ النَّجَاسَةَ فِي الشَّرْعِ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْأَجْرَامِ عِنْدَ اتِّصَافِهَا بِأَعْرَاضٍ أُخَرَ وَالذُّنُوبُ لَيْسَتْ أَجْرَامًا حَتَّى تُوجِبَ التَّنْجِيسَ وَالذُّنُوبُ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ مُلَابَسَةَ الذُّنُوبِ حَرَامٌ فِي الشَّرِيعَةِ مَعْنَاهَا أَفْعَالٌ خَاصَّةٌ لِلْمُكَلَّفِ اخْتِيَارِيَّةٌ مُكْتَسَبَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ

[الفرق بين قاعدة النجاسات في الباطن من الحيوان وبين قاعدة النجاسات ترد على باطن الحيوان]

الْمَفْضُولَ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَصَّ بِمَا لَيْسَ لِلْفَاضِلِ فَظَهَرَ بِمَا تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَفْضَلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَزِيَّةِ . (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِغْفَارِ مِنْ الذُّنُوبِ الْمُحَرَّمَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِغْفَارِ مِنْ تَرْكِ الْمَنْدُوبَاتِ) اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ. وَهَذَا إنَّمَا يَحْسُنُ مِنْ أَسْبَابِ الْعُقُوبَاتِ كَتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ وَفِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي فِيهَا الْعُقُوبَاتُ، أَمَّا الْمَكْرُوهَاتُ وَالْمَنْدُوبَاتُ وَالْمُبَاحَاتُ فَلَا يَحْسُنُ الِاسْتِغْفَارُ فِيهَا لِعَدَمِ الْعُقُوبَاتِ فِي فِعْلِهَا وَتَرْكِهَا، وَهَذَا أَمْرٌ ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ فِيهِ غَيْرَ أَنَّهُ وَقَعَ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ تَرَكَ الْإِقَامَةَ أَنَّهُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَوَقَعَ لَهُ أَيْضًا ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْإِقَامَةِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ، وَقَدْ سَبَقَ الْجَلَّابُ وَالتَّهْذِيبُ عَلَى نَقْلِ ذَلِكَ عَنْهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَاقِبُ عَلَى الذَّنْبِ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا الْمُؤْلِمَاتُ كَالنَّارِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا هُوَ الْأَمْرُ الْغَالِبُ فِي ذَلِكَ. وَثَانِيهَا تَيْسِيرُ الْمَعْصِيَةِ فِي شَيْءٍ آخَرَ فَيَجْتَمِعُ عَلَى الْعَاصِي عُقُوبَتَانِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} [الليل: 8] {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 9] {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 10] فَجَعَلَ الْعُسْرَى مُسَبَّبَةً عَنْ الْمَعَاصِي الْمُتَقَدِّمَةِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ - ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ} [محمد: 25 - 26] الْآيَةَ فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ الرِّدَّةَ مُسَبَّبَةً عَنْ الْمَعْصِيَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى الرِّدَّةِ، وَقَوْلُهُ بِأَنَّهُمْ قَالُوا الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ الرَّجُلَ لَيُخْتَمُ لَهُ بِالْكُفْرِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ ذُنُوبِهِ» . وَثَالِثُهَا تَفْوِيتُ الطَّاعَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: 146] وقَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 108] {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام: 21] وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى سَلْبِ الْفَلَاحِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِغْفَارِ مِنْ الذُّنُوبِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِغْفَارِ مِنْ تَرْكِ الْمَنْدُوبَاتِ) قُلْت: وَمَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالذُّنُوبُ هُنَا مَعْنَاهَا اسْتِحْقَاقُ الْمُؤَاخَذَةِ وَذَلِكَ حُكْمٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِعْلٌ لِلْمُكَلَّفِ وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَيَخْتَصُّ بِهِ لَا اخْتِيَارَ لِلْمُكَلَّفِ فِيهِ وَلَا كَسْبَ وَحِينَئِذٍ لَا يُوصَفُ بِتَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لِدَعْوَى أَنَّ الذُّنُوبَ مَمْنُوعٌ مِنْ مُلَابَسَتِهَا شَرْعًا بَلْ هُوَ مَحْضُ إيهَامٍ. الْأَمْرُ الثَّالِثُ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهُمْ يُبَاشِرُونَ الْأَسْفَارَ مَعَ قِلَّةِ الْمَاءِ فِيهَا أَنَّهُ جَمْعُ مَاءِ طَهَارَتِهِ لِيَسْتَعْمِلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ لَا يُتَطَهَّرُ بِهِ وَفِيهِ أَنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَمَاءُ طَهَارَةِ السَّلَفِ فِي أَسْفَارِهِمْ فَفِيهِ مَانِعٌ آخَرُ غَيْرَ كَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا إذْ الْغَالِبُ فِيهِ التَّغَيُّرُ لَا سِيَّمَا فِي زَمَنِ الصَّيْفِ وَشُعْثُ السَّفَرِ فَلَا يَنْفَصِلُ إلَّا مُتَغَيِّرًا بِالْإِعْرَاقِ وَغَيْرِهَا وَالْمُتَغَيِّرُ لَا يَصْلُحُ لِلتَّطْهِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّجَاسَاتِ فِي الْبَاطِنِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النَّجَاسَاتِ تُرَدُّ عَلَى بَاطِنِ الْحَيَوَانِ] (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّجَاسَاتِ فِي الْبَاطِنِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ النَّجَاسَاتِ تَرِدُ عَلَى بَاطِنِ الْحَيَوَانِ) اعْلَمْ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا إمَّا أَنْ يَبْنِيَ عَلَى أَنَّ عَيْنَ مَا فِي الْبَاطِنِ هُوَ عَيْنُ مَا فِي الْخَارِجِ مِنْ الْعُذْرَةِ وَالْبَوْلِ وَغَيْرِهِمَا وَأَنَّهُ إذَا حَكَمَ لِمَا فِي الْبَاطِنِ مِنْ ذَلِكَ بِالطَّهَارَةِ لَزِمَ أَنْ يَحْكُمَ لِمَا فِي الْخَارِجِ بِهَا أَيْضًا وَأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَحْكُمْ لِمَا فِي الْخَارِجِ بِالطَّهَارَةِ إجْمَاعًا عَادَلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ لِمَا فِي الْبَاطِنِ بِالطَّهَارَةِ بَلْ هُوَ نَجَسٌ فَيَكُونُ سِرُّهُ أَنَّهُ عُفِيَ عَمَّا فِي الْبَاطِنِ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى إزَالَتِهِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعَفْوَ عَمَّا تَعَذَّرَتْ فِيهِ الْإِزَالَةُ أَحْرَى مِنْ عَفْوِهِمْ عَمَّا عَلَى الْمُخْرَجِ وَقَدْ أُمْكِنَتْ إزَالَتُهُ مَعَ الْمَشَقَّةِ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ فَافْهَمْ وَأَمَّا أَنْ يَبْنِيَ عَلَى أَنَّ عَيْنَ مَا فِي الْبَاطِنِ وَإِنْ كَانَ عَيْنَ مَا فِي الْخَارِجِ إلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِطَهَارَتِهِ فِي الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ فَيَكُونُ سِرُّهُ هُوَ أَنَّ اسْتِصْحَابَ الْحَالِ فِيهِمَا أَوْجَبَ الْحُكْمَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي نَشَأَ فِي بَاطِنِ الْحَيَوَانِ أَصْلُهُ الطَّهَارَةُ فَاسْتُصْحِبَ وَالْوَارِدُ عَلَى بَاطِنِهِ قَدْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ قَبْلَ أَنْ يَرِدَ فَكَانَ الْأَصْلُ فِيهِ النَّجَاسَةَ فَاسْتُصْحِبَتْ وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ بَاطِنُ الْحَيَوَانِ مِنْ الرُّطُوبَاتِ كَالدَّمِ وَالْمَذْيِ وَالْمَنِيِّ وَالْبَوْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ أَثْفَالُ الْغِذَاءِ وَالْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ الدَّمُ وَالصَّفْرَاءُ وَالسَّوْدَاءُ وَالْبَلْغَمُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ كُلُّهُ مَا دَامَ فِي الْبَاطِنِ بِنَجَاسَةٍ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ حَمَلَ حَيَوَانًا فِيهَا فَإِذَا انْفَصَلَتْ هَذِهِ الرُّطُوبَاتُ وَالْأَثْفَالُ مِنْ بَاطِنِ الْحَيَوَانِ قَبِلَتْ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهَا بِالنَّجَاسَةِ فَالدَّمُ وَالسَّوْدَاءُ لَمْ يَقْضِ أَحَدٌ بِطَهَارَتِهِمَا وَقَضَى بِنَجَاسَةِ الْبَوْلِ وَالْعُذْرَةِ مِنْ بَنِي آدَمَ وَمِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَبِطَهَارَتِهِمَا مِمَّا يُبَاحُ أَكْلُهُ كَالنَّعَمِ عِنْدَ مَالِكٍ فَقَطْ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ. وَأَمَّا مِنْ مَكْرُوهِ الْأَكْلِ كَالسَّبُعِ وَالْهِرَّةِ فَقِيلَ مَكْرُوهَانِ كَاللَّحْمِ وَقِيلَ نَجَسَانِ تَغْلِيبًا لِلِاسْتِقْذَارِ وَبِطَهَارَةِ الْبَلْغَمِ وَالصَّفْرَاءِ مِنْ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ كَالْمَنِيِّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَقَطْ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ وَبِنَجَاسَةِ الْمَذْيِ وَالْوَدْيِ وَبِطَهَارَةِ الْمَعِدَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَبِنَجَاسَتِهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَعِنْدَهُ كُلُّ مَا يَصِلُ إلَيْهَا مِنْ الْأَغْذِيَةِ الطَّاهِرَةِ يَتَنَجَّسُ بِهَا وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا يَتَنَجَّسُ حَتَّى يَتَغَيَّرَ إلَى صِفَةِ الْعُذْرَةِ أَوْ يَخْتَلِطَ بِمَا فِي بَاطِنِ الْجَسَدِ مِنْ نَجَاسَةٍ وَكُلُّ مَا قَضَى عَلَيْهِ بِالتَّنْجِيسِ قَبْلَ وُرُودِهِ عَلَى بَاطِنِ الْحَيَوَانِ قَضَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَعْدَ وُرُودِهِ عَلَيْهِ إذْ لَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَهُ فِي ظَاهِرِ الْجَسَدِ وَفِي بَاطِنِهِ فَإِنْ حَدَثَ

[الفرق بين قاعدة المندوب الذي لا يقدم على الواجب وقاعدة المندوب الذي يقدم على الواجب]

وَالْخَيْرِ بِسَبَبِ الْأَوْصَافِ الْمَذْمُومَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي تِلْكَ الْآيَاتِ، وَكَمَا يُعَاقِبُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ يُثِيبُ أَيْضًا بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا الْأُمُورُ الْمُسْتَلَذَّةُ كَمَا فِي الْجَنَّاتِ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَغَيْرِهِمَا. وَثَانِيهَا تَيْسِيرُ الطَّاعَاتِ فَيَجْتَمِعُ لِلْعَبْدِ مَثُوبَتَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 7] فَجَعَلَ الْيُسْرَى مُسَبَّبَةً عَنْ الْإِعْطَاءِ وَمَا مَعَهُ فِي الْآيَةِ وقَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69] {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] {يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ. وَثَالِثُهَا تَعْسِيرُ الْمَعَاصِي عَلَيْهِ وَصَرْفُهَا عَنْهُ إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَإِذَا نَسِيَ الْإِنْسَانُ الْإِقَامَةَ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ دَلَّ هَذَا الْحِرْمَانُ عَلَى أَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْ مَعَاصٍ سَابِقَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] وَفَوَاتُ الطَّاعَةِ مُصِيبَتُهَا أَعْظَمُ الْمَصَائِبِ فَإِنَّ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ طَيِّبَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتُوجِبُ لِقَائِلِهَا ثَوَابًا سَرْمَدِيًّا خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا مِنْ إصَابَةِ شَوْكَةٍ أَوْ غَمٍّ يَغُمُّهُ فِي فَلَسٍ يَذْهَبُ لَهُ، وَإِذَا كَانَ تَرْكُ الطَّاعَاتِ مُسَبَّبًا عَنْ الْمَعَاصِي الْمُتَقَدِّمَةِ فَحِينَئِذٍ إذَا رَأَى الْمُكَلَّفُ ذَلِكَ سَأَلَ الْمَغْفِرَةَ مِنْ تِلْكَ الْمَعَاصِي الْمُتَقَدِّمَةِ حَتَّى لَا يَتَكَرَّرَ عَلَيْهِ مِثْلُ تِلْكَ الْمُصِيبَةِ، فَالِاسْتِغْفَارُ عِنْدَ تَرْكِ الْإِقَامَةِ لِأَجْلِ غَيْرِهَا لَا أَنَّهُ لَهَا، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْمَنْدُوبَاتِ إذَا فَاتَتْ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْإِنْسَانِ الِاسْتِغْفَارُ لِأَجْلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّرْكُ مِنْ ذُنُوبٍ سَالِفَةٍ لِأَجْلِ هَذِهِ التُّرُوكِ فَهَذَا هُوَ وَجْهُ أَمْرِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالِاسْتِغْفَارِ فِي تَرْكِ الْمَنْدُوبَاتِ لَا أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ مِنْ تَرْكِ الْمَنْدُوبَاتِ فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِغْفَارِ عَنْ الذُّنُوبِ الْمُحَرَّمَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِغْفَارِ مِنْ تَرْكِ الْمَنْدُوبَاتِ، وَأَنَّهَا فِي فِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ لِأَجْلِهَا مُطَابِقَةٌ وَفِي تَرْكِ الْمَنْدُوبَاتِ لِأَجْلِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ لَا أَنَّهُ لَهَا مُطَابَقَةٌ. وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ تُحَلُّ مَوَاضِعُ كَثِيرَةٌ مِمَّا وَقَعَ لِلْعُلَمَاءِ مِنْ ذِكْرِ الِاسْتِغْفَارِ عَنْ تَرْكِ الْمَنْدُوبَاتِ فَيُشْكِلُ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ ذَلِكَ عَرَقٌ فَفِي نَجَاسَةِ ذَلِكَ الْعَرَقِ وَطَهَارَتِهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي رَمَادِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ الَّتِي طَرَأَتْ عَلَيْهَا التَّغَيُّرَاتُ وَالِاسْتِحَالَاتُ. وَأَمَّا إذَا صَارَ مَا وَرَدَ عَلَى بَاطِنِ الْحَيَوَانِ غِذَاءً مِنْ النَّجَاسَةِ لَحْمًا وَعَظْمًا وَغَيْرَهُمَا مِنْ الْأَعْضَاءِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ طَاهِرًا يَبْعُدُ الِاسْتِحَالَةُ كَمَا أَنَّ الدَّمَ إذَا صَارَ مَنِيًّا ثُمَّ آدَمِيًّا فَإِنَّهُ يَكُونُ يَبْعُدُ هَذِهِ الِاسْتِحَالَةُ ظَاهِرًا وَكَذَا مَا تَغَذَّتْ بِهِ الْبَقَرَةُ الْجَلَّالَةُ مِنْ النَّجَاسَةِ وَلَبَنِ الْخِنْزِيرِ تَشْرَبُهُ الشَّاةُ يَطْهُرُ إذَا بَعُدَتْ الِاسْتِحَالَةُ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَقَوْلُ الْأَصْلِ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ فِي جَوْفِهِ نَجَاسَةٌ وَرَدَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ اسْتِحَالَتِهَا لَحْمًا وَعَظْمًا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ وَلَا أَرَاهُ صَحِيحًا. قَالَ وَقَوْلُهُ إنَّ الرُّومَ لَا يُذَكُّونَ فَيَنْجُسُ جُبْنُهُمْ وَيَحْرُمُ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ بِالْإِنْفَحَةِ كَمَا قَالَهُ مُحَقِّقُو الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الَّذِي رَأَيْت عَلَيْهِ فَتَاوَى الْعُلَمَاءِ فِي الْعَصْرِ غَيْرَ ظَاهِرٍ عَلَى إطْلَاقِهِ فَقَدْ حَكَى بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُذَكِّي وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُمْ لَا يُذَكُّونَ لَيْسَتْ الْإِنْفَحَة مُتَعَيِّنَةً لِعَقْدِ الْجُبْنِ فَإِنَّهُ قَدْ يُعْقَدُ بِغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ طَاهِرٌ كَبَعْضِ الْأَعْشَابِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَظْهَرُ مَا ارْتَضَاهُ وَحَكَاهُ بِلَا شَكٍّ إلَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّ الطَّائِفَةَ الَّذِينَ يَكُونُ الْجُبْنُ الْمُعَيَّنُ جُبْنَهُمْ لَا يُذَكُّونَ وَإِنَّهُمْ لَا يَعْقِدُونَ بِغَيْرِ الْإِنْفَحَةِ أَمَّا إذَا لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَوَقَعَ الِاحْتِمَالُ فَهُوَ مَوْضِعُ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَالْأَقْوَى نَقْلًا وَنَظَرًا الْجَوَازُ وَعَدَمُ التَّنْجِيسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَنْدُوبِ الَّذِي لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ وَقَاعِدَةِ الْمَنْدُوبِ الَّذِي يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ] (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَنْدُوبِ الَّذِي لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ وَقَاعِدَةِ الْمَنْدُوبِ الَّذِي يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ) الْمَنْدُوبُ الَّذِي لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ هُوَ مَا لَمْ تَعْرِضْ ضَرُورَةٌ لَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ فَيُقَدَّمُ الْوَاجِبُ حِينَئِذٍ عَلَيْهِ جَرْيًا عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأَغْلَبِيَّةِ مِنْ تَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ فَفِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى «مَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضَتْهُ عَلَيْهِ وَلَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا» الْحَدِيثَ فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ وَالْمَنْدُوبُ الَّذِي يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ هُوَ مَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ الَّتِي لَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِتَقْدِيمِهِ عَلَى الْوَاجِبِ إلَى تَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَهُ مُثُلٌ مِنْهَا الْجَمْعُ لِلْمُسَافِرِ وَكَذَا لِلْمَرِيضِ إذَا خَافَ الْغَلَبَةَ عَلَى عَقْلِهِ آخِرَ الْوَقْتِ فَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لِرَفْعِ الضَّرَرِ وَمِنْهَا الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ عِنْدَ الزَّوَالِ يَوْمَ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ مَنْدُوبٌ قُدِّمَ عَلَى وَاجِبَيْنِ أَحَدُهُمَا تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا وَهِيَ الْعَصْرُ تُرِكَ لِأَنَّ الْجَمْعَ لِضَرُورَةِ الْحُجَّاجِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِلْإِقْبَالِ عَلَى الدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ وَالتَّقَرُّبِ اللَّائِقِ بِعَرَفَةَ وَهُوَ يَوْمٌ لَا يَكَادُ يَحْصُلُ فِي الْعُمْرِ إلَّا مَرَّةً بَعْدَ ضَنْكِ الْأَسْفَارِ وَقَطْعِ الْبَرَارِيِ وَالْقِفَارِ وَإِنْفَاقِ الْأَمْوَالِ مِنْ الْأَقْطَارِ الْبَعِيدَةِ وَالْأَوْطَانِ النَّائِيَةِ نَاسَبَ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى مَصْلَحَةِ وَقْتِ الْعَصْرِ لِأَنَّ فَوَاتَ الزَّمَانِ هُنَا لِلضَّرُورَةِ الْمَذْكُورَةِ أَعْظَمُ مِنْ فَوَاتِ الزَّمَانِ بِجَمْعِ التَّقْدِيمِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِلْمُسَافِرِ لِضَرُورَةِ السَّفَرِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يُسَافِرَ أَوْ يُسَافِرَ مَعَهُ رُفْقَةٌ مُوَافِقُونَ عَلَى النُّزُولِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَهُوَ ضَرَرٌ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ بِخِلَافِ ضَرُورَةِ مَصَالِحِ الْحَجِّ فَإِنَّهَا أَمْرٌ لَازِمٌ لِلْعَبْدِ لَا خُرُوجَ لَهُ عَنْهَا وَلَا يُمْكِنُهُ الْعُدُولُ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا. وَثَانِيهَا تَرْكُ الْجُمُعَةِ إذَا جَاءَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ وَوَاجِبَةً قَبْلَ الظُّهْرِ مَعَ الْإِمْكَانِ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ

عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، وَلَيْسَ فِيهَا إشْكَالٌ بِسَبَبِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَرْقِ وَالْبَيَانِ. (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّسْيَانِ فِي الْعِبَادَاتِ لَا يَقْدَحُ وَقَاعِدَةِ الْجَهْلِ يَقْدَحُ وَكِلَاهُمَا غَيْرُ عَالِمٍ بِمَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْغَزَالِيَّ حَكَى الْإِجْمَاعَ فِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ وَالشَّافِعِيَّ فِي رِسَالَتِهِ حَكَاهُ أَيْضًا فِي أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى فِعْلٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ، فَمَنْ بَاعَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا عَيَّنَهُ اللَّهُ وَشَرَعَهُ فِي الْبَيْعِ، وَمَنْ آجَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِجَارَةِ وَمَنْ قَارَضَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقِرَاضِ، وَمَنْ صَلَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ الطَّهَارَةُ وَجَمِيعُ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ فَمَنْ تَعَلَّمَ وَعَمِلَ بِمُقْتَضَى مَا عَلِمَ أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى طَاعَتَيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَعْمَلْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ مَعْصِيَتَيْنِ، وَمَنْ عَلِمَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمُقْتَضَى عِلْمِهِ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى طَاعَةً وَعَصَاهُ مَعْصِيَةً. وَيَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ الْقُرْآنِ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} [هود: 47] وَمَعْنَاهُ مَا لَيْسَ لِي بِجَوَازِ سُؤَالِهِ عِلْمٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى الدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ إلَّا بَعْدَ عِلْمِهِ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ السُّؤَالِ، وَأَنَّهُ جَائِزٌ وَذَلِكَ سَبَبُ كَوْنِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عُوتِبَ عَلَى سُؤَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِابْنِهِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ لِكَوْنِهِ سَأَلَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِحَالِ الْوَلَدِ، وَأَنَّهُ مِمَّا يَنْبَغِي طَلَبُهُ أَمْ لَا فَالْعَتْبُ وَالْجَوَابُ كِلَاهُمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْعِلْمِ بِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّسْيَانِ فِي الْعِبَادَاتِ لَا يَقْدَحُ وَقَاعِدَةِ الْجَهْلِ يَقْدَحُ) قُلْت: وَمَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ مِمَّا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْهُ صَحِيحٌ، وَوَقَعَ فِيهِ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي رَأَيْتهَا مِنْهُ نَقْصٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ فَلِذَلِكَ قُلْت مَا وَقَفْت عَلَيْهِ.. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْإِمَامِ مَالِكٍ لَمَّا اجْتَمَعَ بِهِ فِي الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَامَ حَجِّهِ مَعَ هَارُونَ الرَّشِيدِ إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ لَهُ إنَّ ذَلِكَ خِلَافُ السُّنَّةِ فَقَالَ لَهُ أَبُو يُوسُفَ مِنْ أَيْنَ لَك ذَلِكَ وَأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَهُمَا خُطْبَةٌ. وَهَذِهِ هِيَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ جَهَرَ فِيهِمَا أَوْ أَسَرَّ فَسَكَتَ أَبُو يُوسُفَ وَظَهَرَتْ الْحُجَّةُ لِمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ بِسَبَبِ الْإِسْرَارِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ جَهْرِيَّةٌ فَلَمَّا صَلَّى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَكْعَتَيْنِ سِرًّا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ سَفَرِيَّةً وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ وَإِنَّ الْخُطْبَةَ لِيَوْمِ عَرَفَةَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِتَعْلِيمِ النَّاسِ مَنَاسِكَ الْحَجِّ لَا لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْحَجِيجِ السَّفَرُ وَفَرْضُ الْمُسَافِرِ الظُّهْرُ دُونَ الْجُمُعَةِ فَجَعَلَ النَّادِرَ وَهُوَ الْمُقِيمُ بِعَرَفَةَ وَمَنْ مَنْزِلَتُهُ قَرِيبٌ مِنْهَا تَبَعًا لِلْغَالِبِ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ فَتَرْكُ الْجُمُعَةِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَيْسَ تَرْكُ الْوَاجِبِ وَلَيْسَ مِنْ مِثْلِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِلظَّلَامِ وَالْمَطَرِ وَالطِّينِ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِهَا لَيْسَ وَاجِبًا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ فِيمَا عَدَا الْحَالَ الَّتِي شُرِعَ فِيهَا الْجَمْعُ أَمَّا فِي الْحَالِ الَّتِي شُرِعَ فِيهَا الْجَمْعُ كَمَا هُنَا فَلَيْسَ تَأْخِيرُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ مَثَلًا إلَى وَقْتِهَا مِنْ الْوَاجِبِ بَلْ هُوَ جَائِزٌ كَمَا أَنَّ تَقْدِيمَهَا إلَى وَقْتِ الْأُولَى لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَصْلًا بَلْ هُوَ جَائِزٌ إلَّا أَنَّ تَقْدِيمَهَا لِتَحْصِيلِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى مِنْ تَأْخِيرِهَا إلَى وَقْتِهَا فَلَمْ يَضِعْ وَاجِبٌ بِالْجَمْعِ وَلَا قُدِّمَ مَنْدُوبٌ عَلَى وَاجِبٍ وَلَا خُولِفَتْ فِي ذَلِكَ الْقَاعِدَةُ الْمَذْكُورَةُ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ تَأْخِيرَ الْعِشَاءِ إلَى وَقْتِهَا وَاجِبٌ هُنَا أَيْضًا وَأَنَّ هَذَا الْوَاجِبَ إنَّمَا ضَاعَ بِالْمَنْدُوبِ الَّذِي هُوَ وَصْفُ الْجَمَاعَةِ لِمَا يَلْحَقُ الْجَمَاعَةَ مِنْ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ إمَّا بِخُرُوجِهِمْ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى بُيُوتِهِمْ وَعَوْدِهِمْ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ وَإِمَّا بِإِقَامَتِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ وَيُصَلُّوهَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا الضَّرَرَ لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِالْجَمْعِ لِجَوَازِ دَفْعِهِ بِغَيْرِهِ أَيْضًا وَهُوَ تَفْوِيتُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ بِأَنْ يَخْرُجُوا الْآنَ وَيُصَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ أَفْذَاذًا فَقَدْ تَعَارَضَ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ فِي دَفْعِ هَذِهِ الضَّرُورَةِ عَنْ الْمُكَلَّفِ وَالْمَعْهُودُ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّ مَحَلَّ دَفْعِ الضَّرَرِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَتَقْدِيمِ الْمَنْدُوبِ عَلَيْهِ إذَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَإِلَّا وَجَبَ تَقْدِيمُ الْوَاجِبِ وَتَرْكُ الْمَنْدُوبِ عَلَى الْقَاعِدَةِ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّا وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مَعَ هَذَا التَّعَارُضِ وَعَدَمِ تَعَيُّنِ تَرْكِ الْوَاجِبِ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَلَا يَجِبُ تَقْدِيمُ الْوَاجِبِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمَنْدُوبَاتِ قِسْمَانِ قِسْمٌ تَقْصُرُ مَصْلَحَتُهُ عَنْ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ. وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ فَإِنَّ أَوَامِرَ الشَّرْعِ تَتْبَعُ الْمَصَالِحَ الْخَالِصَةَ أَوْ الرَّاجِحَةَ وَنَوَاهِيهِ تَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ الْخَالِصَةَ أَوْ الرَّاجِحَةَ حَتَّى يَكُونَ أَدْنَى رُتَبِ الْمَصَالِحِ وَالنَّدْبِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ ثُمَّ تَتَرَقَّى الْمَصْلَحَةُ وَالنَّدْبُ وَتَعْظُمُ رُتْبَتُهُ حَتَّى يَكُونَ أَعْلَى رُتَبِ الْمَنْدُوبَاتِ تَلِيهِ أَدْنَى رُتَبِ الْوَاجِبَاتِ وَأَدْنَى رُتَبِ الْمَفَاسِدِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَدْنَى رُتَبِ الْمَكْرُوهَاتِ ثُمَّ تَتَرَقَّى الْمَفَاسِدُ وَالْكَرَاهَةُ فِي الْعِظَمِ حَتَّى يَكُونَ أَعْلَى رُتَبِ الْمَكْرُوهَاتِ يَلِيهِ أَدْنَى الْمُحَرَّمَاتِ وَقِسْمٌ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ لَا تَقْصُرُ مَصْلَحَتُهُ عَنْ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ بَلْ تَارَةً يُسَاوِي الْوَاجِبَ وَتَارَةً يَفْضُلُهُ فِيهَا فَمَا وَرَدَ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْ تَقْدِيمِ الْمَنْدُوبَاتِ عَلَى الْوَاجِبِ كَمَا هُنَا فَإِنَّ الْمَنْدُوبَ الَّذِي هُوَ أَدَاءُ الْعِشَاءِ فِي جَمَاعَةٍ يَجْمَعُهَا مَعَ الْعِشَاءِ قُدِّمَ عَلَى الْوَاجِبِ

يُرِيدُ الْإِنْسَانُ أَنْ يَشْرَعَ فِيهِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَمِثْلُهُ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] نَهَى اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ اتِّبَاعِ غَيْرِ الْمَعْلُومِ فَلَا يَجُوزُ الشُّرُوعُ فِي شَيْءٍ حَتَّى يُعْلَمَ فَيَكُونُ طَلَبُ الْعِلْمِ وَاجِبًا فِي كُلِّ حَالَةٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - طَلَبُ الْعِلْمِ قِسْمَانِ فَرْضُ عَيْنٍ وَفَرْضُ كِفَايَةٍ فَفَرْضُ الْعَيْنِ عِلْمُك بِحَالَتِك الَّتِي أَنْتَ فِيهَا. وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ مَا عَدَا ذَلِكَ فَإِذَا كَانَ الْعِلْمُ بِمَا يُقْدِمُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ وَاجِبًا كَانَ الْجَاهِلُ فِي الصَّلَاةِ عَاصِيًا بِتَرْكِ الْعِلْمِ فَهُوَ كَالْمُتَعَمِّدِ التَّرْكَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَهَذَا هُوَ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّ الْجَهْلَ فِي الصَّلَاةِ كَالْعَمْدِ، وَالْجَاهِلُ كَالْمُتَعَمِّدِ لَا كَالنَّاسِي. وَأَمَّا النَّاسِي فَمَعْفُوٌّ عَنْهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ النِّسْيَانَ لَا إثْمَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَهَذَا فَرْقٌ، وَفَرْقٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّ النِّسْيَانَ يَهْجُمُ عَلَى الْعَبْدِ قَهْرًا لَا حِيلَةَ لَهُ فِي دَفْعِهِ عَنْهُ، وَالْجَهْلُ لَهُ حِيلَةٌ فِي دَفْعِهِ بِالتَّعَلُّمِ وَبِهَذَيْنِ الْفَرْقَيْنِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّسْيَانِ وَقَاعِدَةِ الْجَهْلِ . (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَكُونُ الْجَهْلُ عُذْرًا فِيهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَكُونُ الْجَهْلُ عُذْرًا فِيهِ) اعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَدْ تَسَامَحَ فِي جَهَالَاتٍ فِي الشَّرِيعَةِ فَعَفَا عَنْ مُرْتَكِبِهَا، وَأَخَذَ بِجَهَالَاتٍ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَكُونُ الْجَهْلُ عُذْرًا فِيهِ، وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَكُونُ الْجَهْلُ عُذْرًا فِيهِ إلَى آخِرِهِ) قُلْت: مَا قَالَهُ فِيهِ صَحِيحٌ غَيْرَ إطْلَاقِهِ لَفْظَ الظَّنِّ فِي وَطْءِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَمَا مَعَهُ فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ حَقِيقَةَ الظَّنِّ الَّذِي يَخْطِرُ لِصَاحِبِهِ احْتِمَالُ نَقِيضِهِ فَلَا أَرَى ذَلِكَ صَوَابًا، وَإِنْ أَرَادَ بِالظَّنِّ الِاعْتِقَادَ الْجَزْمِيَّ الَّذِي لَا يَخْطِرُ مَعَهُ احْتِمَالُ النَّقِيضِ فَذَلِكَ صَوَابٌ وَغَيْرَ قَوْلِهِ تَكْلِيفُ الْمَرْأَةِ الْبَلْهَاءِ الْمَفْسُودَةِ الْمِزَاجِ فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ الْفَاسِدَةَ الْمِزَاجُ بِحَيْثُ لَا تَفْقَهُ شَيْئًا فَلَا أَرَى ذَلِكَ صَوَابًا فَإِنَّ مِثْلَ هَذِهِ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي هُوَ أَدَاؤُهَا فِي وَقْتِهَا يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا الْقِسْمِ سَوَاءٌ أَعْلِمْنَا أَنَّ مَصْلَحَةَ ذَلِكَ الْمَنْدُوبِ أَعْظَمُ ثَوَابًا مِنْ مَصْلَحَةِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ أَوْ أَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِيهَا أَوْ لَمْ نَعْلَمْ ذَلِكَ أَمَّا إذَا عَلِمْنَا أَنَّ مَصْلَحَتَهُ أَكْثَرُ كَمَا فِي الْمَنْدُوبَاتِ الَّتِي وُجِدَ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّهَا أَعْظَمُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَأَنَّ ثَوَابَهَا أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ الْوَاجِبَاتِ فَدَلَّنَا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَصَالِحَهَا أَعْظَمُ مِنْ مَصَالِحِ الْوَاجِبَاتِ فَلَا كَلَامَ كَمَا إذَا عَلِمْنَا التَّسَاوِي لِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يُفَضِّلَ أَحَدَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِإِرَادَتِهِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ مَصْلَحَةٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا أَحَدٌ بِسَبَبِ قَصْدِ الْوُجُوبِ فِيهِ أَوْ وُقُوعِهِ فِي حَيِّزِ الْوَاجِبِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ نَعْلَمْ ذَلِكَ فَلِأَنَّا نَسْتَدِلُّ بِالْأَثَرِ عَلَى الْمُؤَثِّرِ وَنَقُولُ مَا قَدَّمَ صَاحِبُ الشَّرْعِ هَذَا الْمَنْدُوبَ عَلَى هَذَا الْوَاجِبِ إلَّا لِكَوْنِ مَصْلَحَتِهِ أَعْظَمَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ وَذَلِكَ لِأَنَّا اسْتَقْرَيْنَا الشَّرِيعَةَ فَوَجَدْنَاهَا مَصَالِحَ عَلَى وَجْهِ التَّفَضُّلِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - إذَا سَمِعْتُمْ قِرَاءَةَ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَاسْتَمِعُوا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِخَيْرٍ وَيَنْهَاكُمْ عَنْ شَرٍّ هَذَا كَلَامُ الْأَصْلِ مُلَخَّصًا إلَّا أَنَّا نَقُولُ قَوْلُهُ إنَّ أَوَامِرَ الشَّرْعِ تَتْبَعُ الْمَصَالِحَ وَنَوَاهِيَهُ تَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ وَهُوَ أَنَّ الْمَصَالِحَ تَتْبَعُ الْأَوَامِرَ وَالْمَفَاسِدَ تَتْبَعُ النَّوَاهِيَ أَمَّا فِي الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ الْأُخْرَوِيَّةِ فَلَا خَفَاءَ بِهِ فَإِنَّ الْمَصَالِحَ هِيَ الْمَنَافِعُ وَلَا مَنْفَعَةَ أَعْظَمُ مِنْ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَالْمَفَاسِدُ هِيَ الْمَضَارُّ وَلَا ضَرَرَ أَعْظَمُ مِنْ الْعَذَابِ الْمُقِيمِ. وَأَمَّا فِي الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَعَلَى ذَلِكَ دَلَائِلُ مِنْ الظَّوَاهِرِ الشَّرْعِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282] وَكَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ظَهَرَتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ» إلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَكَادُ يَنْحَصِرُ نَعَمْ إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْأَوَامِرَ وَرَدَتْ لِتَحْصُلَ عِنْدَ امْتِثَالِهَا الْمَصَالِحُ وَإِنَّ النَّوَاهِيَ وَرَدَتْ لِتَرْتَفِعَ عِنْدَ امْتِثَالِهَا الْمَفَاسِدُ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ إنَّهُ وُجِدَ فِي الشَّرِيعَةِ مَنْدُوبَاتٌ أَفْضَلُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَثَوَابُهَا أَعْظَمُ مِنْ ثَوَابِ الْوَاجِبَاتِ فَدَلَّنَا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَصَالِحَهَا أَعْظَمُ مِنْ مَصَالِحِ الْوَاجِبَاتِ فَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ وَلَا صَحِيحٍ فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْوَاجِبَ أَعْظَمُ مِنْ الْمَنْدُوبِ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ. وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] نَقُولُ بِمُوجِبِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَقْصُودُهُ وَالْمُنَاسِبُ لِلْبِنَاءِ عَلَى رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ أَنْ يَكُونَ الْأَعْظَمُ مَصْلَحَةً بِحَيْثُ يَبْلُغُ إلَى حَدِّ مَصَالِحِ الْوَاجِبَاتِ وَاجِبًا وَالْأَدْنَى مَصْلَحَةً مَنْدُوبًا أَمَّا أَنْ يَكُونَ الْأَعْظَمُ مَصْلَحَةً مَنْدُوبًا وَالْأَدْنَى مَصْلَحَةً وَاجِبًا فَلَيْسَ بِمُنَاسِبٍ لِرِعَايَةِ الْمَصَالِحِ بِوَجْهٍ وَمَا مَثَّلَ بِهِ مِنْ الصُّوَرِ السَّبْعِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ تِلْكَ الْمَنْدُوبَاتِ فَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهُ. أَمَّا الصُّورَةُ الْأُولَى فَإِنَّ الْأَعْظَمَ فِيهَا أَجْرًا إنَّمَا هُوَ إنْظَارُ الْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ وَاجِبٌ لَا كَمَا قَالَ مِنْ أَنَّ الْأَعْظَمَ أَجْرًا هُوَ إبْرَاؤُهُ مِنْهُ مِنْ جِهَةِ اشْتِمَالِهِ عَلَى الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الْإِنْظَارُ إذْ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْإِبْرَاءُ الَّذِي هُوَ إسْقَاطٌ لِلطَّلَبِ بِالْكُلِّيَّةِ وَمُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ طَلَبِهِ بَعْدُ مُتَضَمِّنًا لِلْإِنْظَارِ الَّذِي هُوَ تَأْخِيرُ الطَّلَبِ بِالدَّيْنِ وَمُسْتَلْزِمٌ لِطَلَبِهِ بَعْدُ وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّ صَلَاةَ الْمُكَلَّفِ نَحْوَ الظُّهْرِ إذَا فَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ وَقَعَتْ وَاجِبَةً. وَإِذَا فَعَلَهَا وَحْدَهُ وَقَعَتْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا أَنَّ أَحَدَ الْوَاجِبَيْنِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْآخَرِ

[الفرق بين قاعدة ما يكثر الثواب فيه والعقاب وبين قاعدة ما يقل الثواب فيه والعقاب]

فَلَمْ يَعْفُ عَنْ مُرْتَكِبِهَا وَضَابِطُ مَا يُعْفَى عَنْهُ مِنْ الْجَهَالَاتِ الْجَهْلُ الَّذِي يُتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ عَادَةً، وَمَا لَا يُتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَلَا يَشُقُّ لَمْ يَعْفُ عَنْهُ وَلِذَلِكَ صُوَرٌ أَحَدُهَا مَنْ وَطِئَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً بِاللَّيْلِ يَظُنُّهَا امْرَأَتَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ عُفِيَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْفَحْصَ عَنْ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ عَلَى النَّاسِ وَثَانِيهَا مَنْ أَكَلَ طَعَامًا نَجِسًا يَظُنُّهُ طَاهِرًا فَهَذَا جَهْلٌ يُعْفَى عَنْهُ لِمَا فِي تَكَرُّرِ الْفَحْصِ عَنْ ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالْكُلْفَةِ. وَكَذَلِكَ الْمِيَاهُ النَّجِسَةُ وَالْأَشْرِبَةُ النَّجِسَةُ لَا إثْمَ عَلَى الْجَاهِلِ بِهَا ، وَثَالِثُهَا مَنْ شَرِبَ خَمْرًا يَظُنُّهُ جُلَّابًا فَإِنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي جَهْلِهِ بِذَلِكَ وَرَابِعُهَا مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا فِي صَفِّ الْكُفَّارِ يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا فَإِنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي جَهْلِهِ بِهِ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْ ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَلَوْ قَتَلَهُ فِي حَالَةِ السَّعَةِ مِنْ غَيْرِ كَشْفٍ عَنْ ذَلِكَ أَثِمَ. وَخَامِسُهَا الْحَاكِمُ يَقْضِي بِشُهُودِ الزُّورِ مَعَ جَهْلِهِ بِحَالِهِمْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ مَا وَرَدَ عَلَيْك مِنْ هَذَا النَّحْوِ وَمَا عَدَاهُ فَمُكَلَّفٌ بِهِ وَمَنْ أَقْدَمَ مَعَ الْجَهْلِ فَقَدْ أَثِمَ خُصُوصًا فِي الِاعْتِقَادَاتِ فَإِنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَدْ شَدَّدَ فِي عَقَائِدِ أُصُولِ الدِّينِ تَشْدِيدًا عَظِيمًا بِحَيْثُ إنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ بَذَلَ جَهْدَهُ وَاسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ فِي رَفْعِ الْجَهْلِ عَنْهُ فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ فِي شَيْءٍ يَجِبُ اعْتِقَادُهُ مِنْ أُصُولِ الدِّيَانَاتِ، وَلَمْ يَرْتَفِعْ ذَلِكَ الْجَهْلُ فَإِنَّهُ آثِمٌ كَافِرٌ بِتَرْكِ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ الَّذِي هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْإِيمَانِ وَيَخْلُدُ فِي النِّيرَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا تَفْقَهُ وَلَكِنْ بَعْدَ تَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ فَذَلِكَ صَوَابٌ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ: الْمَفْسُودَةِ الْمِزَاجُ فَاسِدٌ، وَصَوَابُهُ الْفَاسِدَةُ الْمِزَاجِ وَغَيْرَ مَا أَطْلَقَ الْقَوْلَ فِيهِ مِنْ أَنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ مُلْحَقَةٌ بِأُصُولِ الدِّينِ فِي أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ وَالْمُخْطِئَ آثِمٌ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَالْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى التَّخْطِئَةِ وَالتَّأْثِيمِ وَالْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ.. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَكَوْنُهَا فِي جَمَاعَةٍ لَيْسَ مُنْفَصِلًا مِنْ كَوْنِهَا ظُهْرًا حَتَّى إنَّهُ هُوَ الْمَنْدُوبُ بَلْ هِيَ ظُهْرٌ وَهِيَ فِي جَمَاعَةٍ وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ فَلِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ إنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فَهِيَ تَفْضُلُ عَلَى نَفْسِهَا إذَا صُلِّيَتْ فِي غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَتْ نَافِلَةً فَهِيَ تَفْضُلُ عَلَى نَفْسِهَا إذَا صُلِّيَتْ فِي غَيْرِهِ فَلَيْسَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَّا أَنَّ أَحَدَ الْوَاجِبَيْنِ أَوْ أَحَدَ الْمَنْدُوبَيْنِ أَعْظَمُ مِنْ الْآخَرِ. وَأَمَّا الصُّورَةُ السَّادِسَةُ فَلِأَنَّ مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ صَلَاةً بِسِوَاكٍ خَيْرٌ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةً بِغَيْرِ سِوَاكٍ لَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا التَّضْعِيفَ ثَوَابُ السِّوَاكِ الَّذِي هُوَ مَنْدُوبٌ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ التَّضْعِيفَ ثَوَابُ الصَّلَاةِ الْمُصَاحِبَةِ لِلسِّوَاكِ فَلَا دَلِيلَ لَا مِنْ الْحَدِيثِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ الْمَنْدُوبَ الَّذِي هُوَ السِّوَاكُ خَيْرٌ مِنْ أَصْلِ الصَّلَاةِ. وَأَمَّا الصُّورَةُ السَّابِعَةُ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الصَّحِيحِ «إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» وَرُوِيَ «وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ مَنْدُوبٍ وَتَفْضِيلِهِ عَلَى وَاجِبٍ إلَّا عَلَى احْتِمَالِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَاجْتِنَابَ الْإِفْرَاطِ فِي السَّعْيِ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ الْمُكَلَّفِ عَقِيبَهُ انْبِهَارٌ وَقَلَقٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الْخُشُوعِ اللَّائِقِ بِالصَّلَاةِ. وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَاتُ وَأَمَّا عَلَى احْتِمَالِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالسَّكِينَةِ إنَّمَا كَانَ لِأَنَّ ضِدَّهُ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الَّذِي هُوَ شِدَّةُ السَّعْيِ شَاغِلٌ لِلْبَالِ مُنَافٍ لِلْحُضُورِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِحَسَبِ الْوُسْعِ فَيَكُونُ عَدَمُ الْحُضُورِ مِنْ كَسْبِهِ لِكَوْنِهِ مُسَبَّبًا عَمَّا هُوَ مِنْ كَسْبِهِ الَّذِي هُوَ الشُّغْلُ بِآثَارِ شِدَّةِ السَّعْيِ مِنْ الِانْبِهَارِ وَالْقَلِقِ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ التَّسَبُّبِ إلَى الْإِخْلَالِ بِشَرْطِ الْوَاجِبِ وَلَا دَلَالَةَ مَعَ الِاحْتِمَالِ عَلَى أَنَّ مُنَافَاةَ الْقَلِقِ وَالِانْبِهَارِ لِلْخُشُوعِ لَيْسَ بِالْأَمْرِ الْوَاضِحِ إذْ ثُبُوتُهَا بَيْنَهُمَا إنَّمَا هُوَ عَنْ مُنَافَاةِ الْحُضُورِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي الْخُشُوعِ فَافْهَمْ أَفَادَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَكْثُرُ الثَّوَابُ فِيهِ وَالْعِقَابُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقِلُّ الثَّوَابُ فِيهِ وَالْعِقَابُ] (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَكْثُرُ الثَّوَابُ فِيهِ وَالْعِقَابُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقِلُّ الثَّوَابُ فِيهِ وَالْعِقَابُ) يَكْثُرُ الثَّوَابُ أَوْ الْعِقَابُ غَالِبًا فِي أَحَدِ فِعْلَيْنِ وَقَعَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِيمَا عَدَا الْمَصْلَحَةَ خَاصَّةً أَوْ الْمَفْسَدَةَ خَاصَّةً عَلَى حَسَبِ مَا يُدْرَكُ فِيهِ شَرْعًا مِنْ كَثْرَةِ الْمَصْلَحَةِ أَوْ الْمَفْسَدَةِ مَثَلًا ثَوَابُ التَّصَدُّقِ بِدِينَارٍ أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ التَّصَدُّقِ بِدِرْهَمٍ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الدِّينَارِ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ الدِّرْهَمِ عِنْدَ اسْتِوَاءِ حَالِ الْمُتَصَدِّقِ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَمَّا عِنْدَ تَفَاوُتِ حَالِ الْمُتَصَدِّقِ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ فَلَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفٍ» «وَسَدُّ خَلَّةِ الْوَلِيِّ الصَّالِحِ أَعْظَمُ مِنْ سَدِّ خَلَّةِ الْفَاسِقِ الطَّالِحِ» لِأَنَّ مَصْلَحَةَ بَقَاءِ الْوَلِيِّ وَالْعَالِمِ فِي الْوُجُودِ لِنَفْسِهِ وَلِلْخَلْقِ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ بَقَاءِ الْفَاسِقِ وَإِنْقَاذُ الْغَرِيقِ مِنْ بَنِي آدَمَ لِعَظِيمِ مَصْلَحَةِ بَقَائِهِ أَعْظَمُ مِنْ إنْقَاءِ الْغَرِيقِ مِنْ الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ وَإِثْمُ الْأَذِيَّةِ فِي الْأَعْرَاضِ وَالنُّفُوسِ لِعِظَمِ مَفْسَدَتِهَا أَعْظَمُ مِنْ إثْمِ الْأَذِيَّةِ فِي الْأَمْوَالِ وَعَلَى هَذَا الْقَانُونِ فِي غَالِبِ الشَّرِيعَةِ وَقَدْ يَكْثُرُ الثَّوَابُ أَوْ الْعِقَابُ فِي أَحَدِ الْفِعْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْقَانُونِ بِأَنْ يَصِيرَ الْأَقَلُّ مَفْسَدَةً أَكْثَرَ عِقَابًا وَالْأَقَلُّ مَصْلَحَةً أَكْثَرَ

[الفرق بين قاعدة ما يثبت في الذمم وبين قاعدة ما لا يثبت فيها]

مِنْ الْمَذَاهِبِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ أَوْصَلَ الِاجْتِهَادَ حَدَّهُ. وَصَارَ الْجَهْلُ لَهُ ضَرُورِيًّا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يُعْذَرْ بِهِ حَتَّى صَارَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ فِيمَا يُعْتَقَدُ أَنَّهَا مِنْ بَابِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ فَإِنَّ تَكْلِيفَ الْمَرْأَةِ الْبَلْهَاءِ الْمَفْسُودَةِ الْمِزَاجِ النَّاشِئَةِ فِي الْأَقَالِيمِ الْمُنْحَرِفَةِ عَمَّا يُوجِبُ اسْتِقَامَةَ الْعَقْلِ كَأَقَاصِي بِلَادِ السُّودَانِ وَأَقَاصِي بِلَادِ الْأَتْرَاكِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَقَالِيمَ لَا يَكُونُ لِلْعَقْلِ فِيهَا كَبِيرُ رَوْنَقٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بِلَادِ الْأَتْرَاكِ عِنْدَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ {وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا} [الكهف: 93] وَمَنْ لَا يَفْهَمُ الْقَوْلَ وَبَعُدَتْ أَهْلِيَّتُهُ لِهَذِهِ الْغَايَةِ مَعَ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِأَدِلَّةِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَدَقَائِقِ أُصُولِ الدِّينِ أَنَّهُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ، فَتَكْلِيفُ هَذَا الْجِنْسِ كُلِّهِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مَعَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَأْسِ بِسَبَبِ الْكُفْرَانِ وَقَعُوا لِلْجَهْلِ. وَأَمَّا الْفُرُوعُ دُونَ الْأُصُولِ فَقَدْ عَفَا صَاحِبُ الشَّرْعِ عَنْ ذَلِكَ، وَمَنْ بَذَلَ جَهْدَهُ فِي الْفُرُوعِ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَمَنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَيَلْحَقُ بِأُصُولِ الدِّينِ أُصُولُ الْفِقْهِ قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي كِتَابِ الْمُعْتَمَدِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ إنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ اخْتَصَّ بِثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ عَنْ الْفِقْهِ أَنَّ الْمُصِيبَ فِيهِ وَاحِدٌ وَالْمُخْطِئَ فِيهِ آثِمٌ، وَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهِ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الَّتِي حَكَاهَا هِيَ فِي أُصُولِ الدِّينِ بِعَيْنِهَا فَظَهَرَ لَك الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَكُونُ الْجَهْلُ فِيهِ عُذْرًا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَكُونُ الْجَهْلُ فِيهِ عُذْرًا. (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ الْجِهَةِ فِي الصَّلَاةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ السَّمْتِ) اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي الْمَذَاهِبِ عَامَّةً قَوْلُهُمْ إنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ اسْتِقْبَالَ الْجِهَةِ يَكْفِي وَآخَرُونَ يَقُولُونَ بَلْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ اسْتِقْبَالَ سَمْتِ الْكَعْبَةِ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهَذِهِ الْمَقَالَاتُ وَالْإِطْلَاقَاتُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ بِسَبَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ الْجِهَةِ فِي الصَّلَاةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ السَّمْتِ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQثَوَابًا كَتَفْصِيلِ الْقَصْرِ عَلَى الْإِتْمَامِ مَعَ اشْتِمَالِ الْإِتْمَامِ عَلَى مَزِيدِ الْخُشُوعِ وَالْإِجْلَالِ وَأَنْوَاعِ التَّقَرُّبِ وَكَتَفْضِيلِ الصُّبْحِ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَنَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى وَكَتَفْضِيلِ الْعَصْرِ عَلَى رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى مَعَ تَقْصِيرِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الظُّهْرِ وَكَتَفْضِيلِ رَكْعَةِ الْوِتْرِ عَلَى رَكْعَتِي الْفَجْرِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «مَنْ قَتَلَ الْوَزَغَةَ فِي الضَّرْبَةِ الْأُولَى فَلَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الثَّانِيَةِ فَلَهُ سَبْعُونَ حَسَنَةً» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كُلَّمَا كَثُرَ الْفِعْلُ كَانَ الثَّوَابُ أَقَلَّ وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقْتُلْهَا فِي الضَّرْبَةِ وَهِيَ حَيَوَانٌ لَطِيفٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى كَثْرَةِ مُتُونَةٍ فِي الضَّرْبِ دَلَّ عَلَى ضَعْفِ عَزْمِهِ وَقِلَّةِ اهْتِمَامِهِ بِأَمْرِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَنَقَصَ أَجْرُهُ عَنْ الْمِائَةِ إلَى السَّبْعِينَ وَإِنْ كَثُرَ فِعْلُهُ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ إذْ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمَ مَا يُرِيدُ لَا رَادَّ لِحُكْمِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِصُنْعِهِ قُلْتُ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ تَفْضِيلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ إذْ لَا مَعْنَى لِتَفْضِيلِ مَكَّةَ عَلَيْهَا عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ إلَّا أَنَّ ثَوَابَ الْعَمَلِ فِي مَكَّةَ أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ الْعَمَلِ فِيهَا. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ إنَّ أَسْبَابَ التَّفْضِيلِ لَا تَنْحَصِرُ فِي مَزِيدِ الْمُضَاعَفَةِ فَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِمِنًى عِنْدَ التَّوَجُّهِ لِعَرَفَةَ أَفْضَلُ مِنْهَا بِمَسْجِدِ مَكَّةَ وَإِنْ انْتَفَتْ عَنْهَا الْمُضَاعَفَةُ فَافْهَمْ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ مَا حَاصِلُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الشَّرِيعَةِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى تَفْضِيلِ اللَّهِ تَعَالَى أَحَدَ الْفِعْلَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْمَصْلَحَةِ عَلَى الْآخَرِ وَقَاعِدَةُ مُرَاعَاةِ الْمَصَالِحِ وَإِنَّهَا إذَا بَلَغَتْ إلَى حَدِّهَا فِي الْكَثْرَةِ لَزِمَ الْوُجُوبُ وَإِذَا لَمْ تَبْلُغْ فَلَا بُدَّ مِنْ الثَّوَابِ وَالنَّدْبِ تَقْتَضِي لُزُومَ الْوُجُوبِ فِي الْمُتَسَاوِيَيْنِ مَعًا إنْ بَلَغَتْ مَصْلَحَتُهُمَا إلَى رُتْبَةِ الْوَاجِبَاتِ أَوْ النَّدْبِ فِيهِمَا مَعًا وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ مَصْلَحَتُهُمَا إلَى تِلْكَ الرُّتْبَةِ فَوَجَبَ حَمْلُ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْمَصْلَحَةِ حِينَئِذٍ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَتَأَمَّلْ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَثْبُتُ فِيهَا] (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَثْبُتُ فِيهَا) الَّذِي لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ هُوَ الْمُعَيَّنَاتُ الْمُشَخَّصَاتُ فِي الْخَارِجِ الْمَرْئِيَّةُ بِالْحِسِّ وَاَلَّذِي يَثْبُتُ فِيهَا هُوَ مَا عَدَاهَا وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَفِي الصَّلَوَاتِ وَالزَّكَوَاتِ أَمَّا فِي الْمُعَامَلَاتِ فَفِي قَاعِدَتَيْنِ إحْدَاهُمَا قَاعِدَةُ الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ الْمَوْتِ لِمَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ يُوجِبُ فِي الْمُعَيَّنِ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ وَفِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَا يُوجِبُهُ فَإِذَا اشْتَرَى سِلْعَةً مُعَيَّنَةً فَاسْتُحِقَّتْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ أَوْ مَا فِي الذِّمَّةِ كَمَا فِي السَّلَمِ فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ وَعَيَّنَهُ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ بَلْ يَرْجِعُ إلَى غَيْرِ مَا اُسْتُحِقَّ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا وَإِذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً مُعَيَّنَةً لِلْحَمْلِ أَوْ غَيْرِهِ كَالرُّكُوبِ فَاسْتُحِقَّتْ أَوْ مَاتَتْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لِذَلِكَ فَعَطِبَتْ أَوْ اُسْتُحِقَّتْ لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ بَلْ يُطَالِبُهُ بِغَيْرِهَا لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ بَلْ فِي الذِّمَّةِ فَيَجِبُ الْخُرُوجُ مِنْهُ بِكُلِّ مُعَيَّنٍ شَاءَ الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ قَاعِدَةُ التَّخْيِيرِ فِي تَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَعَدَمِهِ فَمَتَى كَانَ فِي الذِّمَّةِ كَانَ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَخَيَّرَ بَيْنَ الْأَمْثَالِ وَيُعْطِي أَيَّ مِثْلٍ شَاءَ وَمَتَى كَانَ مُعَيَّنًا مِنْ تِلْكَ الْأَمْثَالِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَلَوْ اكْتَالَ رِطْلَ زَيْتٍ مِنْ خَابِيَةٍ وَعَقَدَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ مِنْ الْخَابِيَةِ وَإِذَا فَرَّقَ صُبْرَتَهُ صِيعَانًا فَعَقَدَ عَلَى صَاعٍ مِنْهَا بِعَيْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ

أُمُورٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذَا إنَّمَا وَقَعَ فِيمَنْ بَعُدَ عَنْ الْكَعْبَةِ أَمَّا مَنْ قَرُبَ فَإِنَّ فَرْضَهُ اسْتِقْبَالُ السَّمْتِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَاَلَّذِي بَعُدَ لَا يَقُولُ أَحَدٌ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالَ عَيْنِ الْكَعْبَةِ وَمُقَابَلَتَهَا وَمُعَايَنَتَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبْذُلَ جَهْدَهُ فِي تَعْيِينِ جِهَةٍ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْكَعْبَةَ وَرَاءَهَا، وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بَعْدَ بَذْلِ الْجَهْدِ فِي الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْكَعْبَةِ أَنَّهَا وَرَاءَ الْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَتْهَا أَدِلَّتُهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُهَا إجْمَاعًا فَصَارَتْ الْجِهَةُ مُجْمَعًا عَلَيْهَا وَالسَّمْتُ الَّذِي هُوَ الْعَيْنُ وَالْمُعَايَنَةُ مُجْمَعٌ عَلَى عَدَمِ التَّكْلِيفِ بِهِ، وَإِذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ فِي الصُّورَتَيْنِ فَأَيْنَ يَكُونُ الْخِلَافُ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَإِذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ فِي الصُّورَتَيْنِ فَأَيْنَ يَكُونُ الْخِلَافُ) قُلْت أَمَّا مُعَايِنُ الْكَعْبَةِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ فَرْضَهُ اسْتِقْبَالُ سَمْتِهَا كَمَا ذَكَرَ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَايِنِ فَنَقْلُ الْخِلَافِ فِيهِ مَعْرُوفٌ هَلْ فَرْضُهُ اسْتِقْبَالُ السَّمْتِ كَالْمُعَايِنِ أَمْ فَرْضُهُ اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ وَظَاهِرُ الْمَنْقُولِ عَنْ الْقَائِلِينَ بِالسَّمْتِ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَقْبِلَ لِلْكَعْبَةِ فَرْضُهُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ قُدِّرَ خُرُوجُ خَطٍّ مُسْتَقِيمٍ عَلَى زَوَايَا قَائِمَةٍ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْهِ نَافِذًا إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ لَمَرَّ بِالْكَعْبَةِ قَاطِعًا لَهَا لَا أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنَّ فَرْضَهُ اسْتِقْبَالُ عَيْنِهَا وَمُعَايَنَتُهَا فَإِنَّ ذَلِكَ كَمَا قَالَ مِنْ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ وَلَا قَائِلَ بِهِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مُرَادُهُمْ يَلْزَمُ مِنْهُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ إذْ فِيهِ تَكْلِيفُ الْمُعَايَنَةِ مَعَ عَدَمِهَا، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ فَالْخِلَافُ مُعْجَمٌ فِي الْجِهَةِ هَلْ هِيَ الْمَطْلُوبُ أَمْ لَا وَفِي السَّمْتِ هَلْ هُوَ الْمَطْلُوبُ أَمْ لَا، لَكِنَّ تَرْجِيحَ الْقَوْلِ بِالْجِهَةِ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الصَّفِّ الْمُسْتَقِيمِ الطَّوِيلِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ الْمُتَحَاذِيَيْنِ أَوْ الْمَوَاضِعِ، وَيُرَجَّحُ أَيْضًا بِأَنَّ التَّوَصُّلَ إلَى تَحْقِيقِ الْجِهَةِ مُتَيَسِّرٌ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ أَوْ أَكْثَرِهِمْ بِخِلَافِ التَّوَصُّلِ إلَى تَحْقِيقِ السَّمْتِ، وَالْحَنِيفِيَّةُ سَمْحَةٌ وَدِينُ اللَّه يُسْرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ تِلْكَ الْأَمْثَالِ. وَأَمَّا إذَا عَقَدَ عَلَى صَاعٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ جِنْسِ هَذِهِ الصُّبْرَةِ أَوْ عَلَى رِطْلٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ جِنْسِ هَذَا الزَّيْتِ فَإِنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ فَلَهُ الْخُرُوجُ عَنْهُ بِأَيِّ مِثْلٍ شَاءَ مِنْ تِلْكَ الْأَمْثَالِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعَيَّنَاتُ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ وَمَا فِي الذِّمَمِ لَا يَكُونُ مُعَيَّنًا بَلْ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ فِيهِ بِوَاحِدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ الْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ وَالْأَجْنَاسِ الْمُشْتَرَكَةِ فَيَقْبَلُ مَا لَا يَتَعَيَّنُ مِنْهَا الْبَدَلَ وَالْمُعَيَّنُ لَا يَقْبَلُ الْبَدَلَ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ. وَأَمَّا فِي الصَّلَوَاتِ وَالزَّكَوَاتِ فَفِي قَاعِدَةِ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الِانْتِقَالِ إلَى الذِّمَّةِ تَعَذُّرَ الْمُعَيَّنِ وَالصَّلَاةُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا فِعْلٌ لَا تَعَيُّنَ لَهَا مَا لَمْ تَقَعْ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ الَّتِي لَمْ تَقَعْ مَعَ بَقَاءِ وَقْتِهَا وَقَضَاءُ الصَّلَوَاتِ الَّتِي لَمْ تَقَعْ مَعَ خُرُوجِ وَقْتِهَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ إذْ لَا يَصِحُّ فِي الْفِعْلِ الَّذِي لَمْ يَقَعْ وَإِنْ تَعَيَّنَ بِتَعَيُّنِ وَقْتِهِ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا لِأَنَّ تَعَيُّنَهُ بِتَعَيُّنِ وَقْتِهِ لَا يَقْتَضِي جَعْلَهُ مُعَيَّنًا بِمَكَانِهِ وَسَائِرِ أَحْوَالِهِ وَالزَّكَاةُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا حَقٌّ وَاجِبٌ فِي الْمَالِ الْمُعَيَّنِ لَا تَكُونُ إلَّا حَقًّا مُعَيَّنًا بِمَعْنَى أَنَّهُ جُزْءٌ لِمُعَيِّنٍ فَلَا تَكُونُ فِي الذِّمَّةِ مَا وُجِدَ نِصَابُهَا فَإِذَا تَلِفَ بِعُذْرٍ لَمْ يَنْتَقِلْ الْحَقُّ الْوَاجِبُ لِتَعَيُّنِهِ إلَى الذِّمَّةِ فَلَا يَضْمَنُ مَالِكُ النِّصَابِ حِينَئِذٍ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ وَإِذَا تَلِفَ بِغَيْرِ عُذْرٍ تَرَتَّبَ الْحَقُّ الْوَاجِبُ فِي الذِّمَّةِ فَيَضْمَنُ مَالِكُ النِّصَابِ حِينَئِذٍ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الضَّمَانِ تَأَخُّرُ الْجَائِحَةِ عَنْ زَمَنِ الْوُجُوبِ فِي الزَّرْعِ أَوْ الثَّمَرَةِ مَثَلًا فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَصْلٌ) هَذَا الْفَرْقُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بَلْ خَالَفُوهُ فِي صُورَتَيْنِ. الصُّورَةُ الْأُولَى قَوْلُهُمْ لَا يَتَعَيَّنُ النَّقْدَانِ بِالتَّعْيِينِ وَإِنَّمَا تَقَعُ الْمُعَامَلَةُ بِهِمَا عَلَى الذِّمَمِ وَإِنْ عُيِّنَتْ النُّقُودُ إلَّا أَنْ تَخْتَصَّ بِأَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغَرَضُ كَشُبْهَةٍ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ سِكَّةٍ رَائِجَةٍ دُونَ النَّقْدِ الْآخَرِ وَأَنَّهُ إذَا غَصَبَ غَاصِبٌ دِينَارًا مُعَيَّنًا فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ مِثْلَهُ فِي الْمَحَلِّ وَيَمْنَعَ رَبَّهُ مِنْ أَخْذِ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ الْمَغْصُوبِ مُعَلِّلِينَ بِأَنَّ خُصُوصَاتِ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَغْرَاضُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهَا فِي نَظَرِ الشَّرْعِ إذْ لَا يَعْتَبِرُ صَاحِبُ الشَّرْعِ إلَّا مَا فِيهِ نَظَرُهُ صَحِيحٌ وَيَرِدُ عَلَيْهِ سُؤَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ لَا تَكُونَ أَعْيَانُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مَمْلُوكَةً أَيْضًا إذْ لَوْ كَانَتْ الْخُصُوصَاتُ مَمْلُوكَةً لَكَانَ لِصَاحِبِ الْمُعَيَّنِ الْمُطَالَبَةُ بِمِلْكِهِ وَأَخْذُهُ الْمُعَيَّنَ مِنْ الْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِي وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ لِلْغَاصِبِ الْمَنْعَ مِنْ الْمُعَيَّنِ وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي فِي الْعُقُودِ وَإِذَا لَمْ تُمْلَكْ أَعْيَانُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ عِنْدَهُمْ لَمْ يَكُنْ الْمَمْلُوكُ إلَّا الْجِنْسَ الْكُلِّيَّ وَالْجِنْسُ الْكُلِّيُّ لَا يَصِحُّ أَنْ يُمْلَكَ أَمَّا عَلَى قَوْلِ نَافِيهِ فَظَاهِرٌ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُثْبِتِهِ فَلِأَنَّهُ ذِهْنِيٌّ صِرْفٌ وَالذِّهْنِيُّ الصِّرْفُ لَا يَتَأَتَّى مِلْكُهُ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَنْ مَلَكَ دِينَارًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ النُّقُودِ إمَّا أَنْ نَقْطَعَ بِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا عِنْدَ مَنْ يَنْفِي الْأَجْنَاسَ أَوْ يَقَعُ الشَّكُّ فِي أَنَّهُ مَلَكَهُ أَوْ لَمْ يَمْلِكْهُ عِنْدَ مَنْ يَشُكُّ فِي الْأَجْنَاسِ وَهَذَا كُلُّهُ خُرُوجٌ عَنْ الْمَعْقُولِ وَلَا شَكَّ فِي شَنَاعَتِهِ فَلَا وَجْهَ لِالْتِزَامِهِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ لِشَنَاعَتِهِ وَكَيْفَ يَسُوغُ لِعَاقِلٍ الْتِزَامُ مَا لَا يَصِحُّ وَلَا يُعْقَلُ قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ. قُلْتُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ عَلَى مَا حَقَّقَهُ الْجَلَالُ الدَّوَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّ الْجِنْسَ قَدْ يُعْتَبَرُ لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ مِنْ تَشَخُّصٍ أَوْ كُلِّيَّةٍ فَيَتَحَقَّقُ أَفْرَادُهُ وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا مَرَّ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ لَا يَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَنْ مَلَكَ دِينَارًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ النُّقُودِ لَمْ يَمْلِكْ شَيْئًا أَوْ يَقَعُ الشَّكُّ فِي مِلْكِهِ وَعَدَمِهِ بَلْ إنَّمَا

[الفرق بين قاعدة وجود السبب الشرعي سالما عن المعارض من غير تخيير وبين قاعدة وجود السبب الشرعي سالما عن المعارض مع التخيير]

وَثَانِيهَا أَنَّ الصَّفَّ الطَّوِيلَ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى صِحَّةِ صَلَاتِهِ مَعَ أَنَّهُ خَرَجَ بَعْضُهُ عَنْ السَّمْتِ قَطْعًا فَإِنَّ الْكَعْبَةَ عَرْضُهَا عِشْرُونَ ذِرَاعًا وَطُولُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا عَلَى مَا قِيلَ، وَالصَّفُّ الطَّوِيلُ مِائَةُ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرُ فَبَعْضُهُ خَارِجٌ عَنْ السَّمْتِ قَطْعًا فَقَوْلُهُمْ إنَّ الْقَاعِدَةَ اسْتِقْبَالُ السَّمْتِ مُشْكِلٌ. وَثَالِثُهَا أَنَّ الْبَلَدَيْنِ الْمُتَقَارِبَيْنِ يَكُونُ اسْتِقْبَالُهُمَا وَاحِدًا مَعَ أَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّهُمَا أَطْوَلُ مِنْ سَمْتِ الْكَعْبَةِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ صَلَاةَ أَحَدِهِمَا صَحِيحَةٌ وَالْأُخْرَى بَاطِلَةٌ وَلَوْ قِيلَ ذَلِكَ لَكَانَ تَرْجِيحًا مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ إحْدَاهُمَا أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى بِالْبُطْلَانِ فَهَذِهِ أُمُورٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا كُلِّهَا وَجَمِيعُهَا يَقْتَضِي الْإِشْكَالَ عَلَى هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ. الْجَوَابُ عَنْهُ وَهُوَ سِرُّ الْفَرْقِ مَا كَانَ يَذْكُرُهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْدَ أَنْ كَانَ يُورِدُ هَذَا الْإِشْكَالَ فَلَا يُجِيبُهُ أَحَدٌ عَنْهُ فَكَانَ يَقُولُ الشَّيْءُ قَدْ يَجِبُ إيجَابَ الْوَسَائِلِ، وَقَدْ يَجِبُ إيجَابَ الْمَقَاصِدِ فَالْأَوَّلُ كَالنَّظَرِ فِي أَوْصَافِ الْمِيَاهِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ فَإِنَّهُ يُتَوَسَّلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ الطَّهُورِيَّةِ وَكَالنَّظَرِ فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ فَإِنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى مَعْرِفَةِ قِيمَةِ الْمُتْلَفِ، وَكَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى إيقَاعِهَا فِي الْجَامِعِ، وَكَذَلِكَ السَّفَرُ إلَى الْحَجِّ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ، وَمِثَالُ مَا يَجِبُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَالْإِيمَانُ وَالتَّوْحِيدُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ مَقْصِدٌ لِنَفْسِهِ لَا؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِغَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَثَانِيهَا أَنَّ الصَّفَّ الطَّوِيلَ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى صِحَّةِ صَلَاتِهِ إلَخْ) قُلْت هُوَ أَقْوَى حُجَجِ الْقَائِلِينَ بِالْجِهَةِ قَالَ: (وَالْجَوَابُ عَنْهُ وَهُوَ سِرُّ الْفَرْقِ مَا كَانَ يَذْكُرُهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى قَوْلِهِ لَا أَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِغَيْرِهِ) . قُلْت: مَا ذَكَرَهُ حَاكِيًا لَهُ عَنْ عِزِّ الدِّينِ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: وَاجِبٌ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ، وَوَاجِبٌ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَالِكُ الْجِنْسِ الْمُتَحَقِّقِ فِي فَرْدٍ مَا فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ السُّؤَالُ الثَّانِي أَنَّهُمْ وَافَقُوا الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ الصِّيعَانَ الْمُسْتَوِيَةَ مِنْ الصُّبْرَةِ وَالْأَرْطَالَ الْمُسْتَوِيَةَ مِنْ الزَّيْتِ تُمْلَكُ أَعْيَانُهَا وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ بِالتَّعْيِينِ مَعَ أَنَّ الْأَغْرَاضَ مُسْتَوِيَةٌ فِي تِلْكَ الْأَفْرَادِ اسْتِوَاءَهَا فِي أَعْيَانِ النُّقُودِ وَقَوْلُ الْأَصْلِ إنَّ الصِّيعَانَ وَالْأَرْطَالَ الْمُسْتَوِيَةَ وَسَائِلُ لِتَحْصِيلِ الْأَغْرَاضِ مِنْ السِّلَعِ وَالْمَقَاصِدِ إنَّمَا هِيَ السِّلَعُ فَتَقَعُ الْمُشَاحَنَةُ مِنْ تَعْيِينَاتِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَقَاصِدُ وَالسِّلَعُ وَإِنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ الْأَغْرَاضُ بِأَفْرَادِهَا كَأَعْيَانِ النُّقُودِ إلَّا أَنَّ أَعْيَانَ النُّقُودِ تُفَارِقُهَا فِي أَنَّهَا وَسَائِلُ لِتَحْصِيلِ الْأَغْرَاضِ مِنْ السِّلَعِ فَاجْتَمَعَ فِيهَا أَمْرَانِ كَوْنُهَا وَسَائِلَ وَعَدَمُ تَعَلُّقِ الْأَغْرَاضِ بِخِلَافِ السِّلَعِ فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا الثَّانِي فَقَطْ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ إنَّهُ فَرْقٌ لَا أَثَرَ لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِصَاحِبِ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ غَرَضٌ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْغَرَضُ مِنْ الْأَغْرَاضِ الْمُعْتَادَةِ فَالصَّحِيحُ تَعَيُّنُ النَّقْدَيْنِ بِالتَّعَيُّنِ وَلُزُومِ رَدِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ إلَّا أَنْ يَفُوتَ فَيَلْزَمُ الْبَدَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ فَتَأَمَّلْ. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ لِمَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ كَدَارٍ يَسْكُنُهَا أَوْ ثَمَرَةٍ يَتَأَخَّرُ جِذَاذُهَا أَوْ عَبْدٍ يَسْتَخْدِمُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَمَّا كَانَتْ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا أَشْبَهَتْ الدَّيْنَ وَفِيهَا مَفْسَدَةُ الدَّيْنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهَا الْمُطَالَبَةَ فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا فِي هَذَا الْفَرْقِ مِنْ أَنَّ الْمُعَيَّنَ لَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَكُونُ دَيْنًا. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ بَلْ دَيْنٌ مُعَيَّنٌ فِي مُعَيَّنٍ فَلَا مُخَالَفَةَ فَمِنْ هُنَا جَرَى عَمَلُ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْأُجْهُورِيِّ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ فَكَانَتْ لَهُ حَانُوتٌ سَاكِنٌ فِيهَا مُجَلِّدُ الْكُتُبِ وَكَانَ إذَا تَرَتَّبَ لَهُ أُجْرَةٌ فِي ذِمَّتِهِ يَسْتَأْجِرُهُ بِهَا عَلَى تَجْلِيدِ كُتُبِهِ وَيَقُولُ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَصَحَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الصَّاوِيِّ عَلَى شَرْحِ أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرَقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ وُجُودِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ وُجُودِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ مَعَ التَّخْيِيرِ] (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ وُجُودِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ وُجُودِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ مَعَ التَّخْيِيرِ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ وَلَمْ يُمَيَّزْ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ إلَّا بِالتَّخْيِيرِ وَعَدَمِهِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْوُجُودِ وَالسَّلَامَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ) وَذَلِكَ أَنَّ أَجْزَاءَ الْوَقْتِ كَاَلَّذِي بَيْنَ الزَّوَالِ إلَى آخِرِ الْقَامَةِ إنَّمَا يَجِبُ مِنْهَا لِأَدَاءِ الظُّهْرِ جُزْءٌ وَاحِدٌ فَقَطْ فَإِذَا تَصَرَّفَتْ الْمَرْأَةُ فِي ضَيَاعٍ مَا عَدَا الْآخِرَ مِنْهَا بِالْإِتْلَافِ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهَا عُذْرُ الْحَيْضِ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ الْآخِرِ قَامَ وُجُودُ ذَلِكَ الْعُذْرِ فِيهِ مَقَامَ وُجُودِهِ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ فَكَمَا أَنَّ وُجُودَهُ فِي جَمِيعِهَا يُسْقِطُ الصَّلَاةَ كَذَلِكَ وُجُودُهُ فِي الْجُزْءِ الْآخِرِ يُسْقِطُهَا إذْ مِنْ حُجَّةِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَقُولَ إنَّ تَسَلُّطِيِّ عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ فِي إيقَاعِ الصَّلَاةِ يَنْفِي عَنِّي وُجُوبَ الصَّلَاةِ فَإِنِّي جُعِلَ لِي أَنْ أُؤَخِّرَ وَأُعَيِّنَ مُطْلَقَ جُزْءٍ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ فَلَمَّا عَيَّنَهُ تَلِفَ بِالْحَيْضِ وَمَا سِرُّ ذَلِكَ إلَّا التَّخْيِيرُ هُنَا بِخِلَافِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الصَّوْمِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إذَا وُجِدَ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ الْوُجُوبُ بِلَا تَخْيِيرٍ فَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ الْمُعْتَبَرَةُ مِنْ الْأَوْقَاتِ فِي الصَّلَوَاتِ أَوَاخِرُهَا دُونَ أَوَائِلِهَا. فَإِنْ وُجِدَ الْعُذْرُ الْمُسْقِطُ لِلصَّلَاةِ آخِرَ الْوَقْتِ

إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْجِهَةِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ، وَأَنَّ النَّظَرَ فِيهَا إنَّمَا هُوَ لِتَحْصِيلِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِذَا أَخْطَأَ فِي الْجِهَةِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَيْضًا أَنَّ الْوَسِيلَةَ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصِدُهَا سَقَطَ اعْتِبَارُهَا وَالنَّظَرُ فِي الْجِهَةِ وَاجِبٌ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ، وَأَنَّ الْكَعْبَةَ لَمَّا بَعُدَتْ عَنْ الْأَبْصَارِ جِدًّا، وَتَعَذَّرَ الْجَزْمُ بِحُصُولِهَا جَعَلَ الشَّرْعُ الِاجْتِهَادَ فِي الْجِهَةِ هُوَ الْوَاجِبُ نَفْسُهُ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ دُونَ عَيْنِ الْكَعْبَةِ فَإِذَا اجْتَهَدَ ثُمَّ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَصِيرُ الْخِلَافُ فِي السَّمْتِ هَلْ يَجِبُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ أَوْ لَا يَجِبُ أَلْبَتَّةَ لَا وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ وَلَا وُجُوبَ الْوَسَائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَسِيلَةً لِغَيْرِهِ قَوْلَانِ وَهَلْ تَجِبُ الْجِهَةُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ أَمْ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ قَوْلَانِ هَذَا هُوَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْجِهَةِ هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ، وَأَنَّ النَّظَرَ فِيهَا إنَّمَا هُوَ لِتَحْصِيلِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا أَخْطَأَ فِي الْجِهَةِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَيْضًا أَنَّ الْوَسِيلَةَ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصِدُهَا سَقَطَ اعْتِبَارُهَا، وَالنَّظَرُ فِي الْجِهَةِ وَاجِبٌ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ، وَأَنَّ الْكَعْبَةَ لَمَّا بَعُدَتْ مِنْ الْأَبْصَارِ جِدًّا وَتَعَذَّرَ الْجَزْمُ بِحُصُولِهَا جَعَلَ الشَّرْعُ الِاجْتِهَادَ فِي الْجِهَةِ هُوَ الْوَاجِبُ نَفْسُهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ دُونَ عَيْنِ الْكَعْبَةِ، فَإِذَا اجْتَهَدَ ثُمَّ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ) قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالْخَطَأِ خَطَأَ عَيْنِ الْكَعْبَةِ لَا خَطَأَ الْجِهَةِ فَإِنَّ خَطَأَ الْجِهَةِ خَطَأُ الْمَقْصُودِ فَتَلْزَمُ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي خَطَأِ الْعَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. قَالَ: (فَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَصِيرُ الْخِلَافُ فِي السَّمْتِ هَلْ يَجِبُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ أَوْ لَا يَجِبُ أَلْبَتَّةَ لَا وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ وَلَا وُجُوبَ الْوَسَائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَسِيلَةً لِغَيْرِهِ قَوْلَانِ وَهَلْ تَجِبُ الْجِهَةُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ أَمْ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ؟ قَوْلَانِ هَذَا هُوَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَقَطَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فُعِلَتْ قَبْلَ طَرَيَان الْعُذْرِ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا وُجِدَ مِنْ الْوَقْتِ فِي أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ سَالِمًا مِنْ الْعُذْرِ وَكَذَلِكَ إذَا ذَهَبَ الْعُذْرُ آخِرَ الْوَقْتِ فَظَهَرَتْ الْحَائِضُ حِينَئِذٍ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ وَلَا عِبْرَةَ بِوُجُودِ الْعُذْرِ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ وَسَطَهُ وَيَسْقُطُ مَا أَوْرَدَهُ الشَّافِعِيَّةُ عَلَيْهِمْ حَيْثُ وَافَقُوهُمْ فِي الشِّقِّ الثَّانِي وَخَالَفُوهُمْ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ وَقَالُوا إنَّكُمْ مَعَاشِرَ الْمَالِكِيَّةِ أَجْمَعْتُمْ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ فِي الصَّلَاةِ وُجُوبٌ مُوَسَّعٌ مُتَعَلِّقٌ بِمُطْلَقٍ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ وَإِذَا وُجِدَ أَوَّلُ الْوَقْتِ فَقَدْ وُجِدَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ فِي ضِمْنِهِ وَهُوَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَسَبَبُهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ كَالْحَيْضِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ وُجِدَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ فَإِذَا حَاضَتْ بَعْدَ ذَلِكَ حَاضَتْ بَعْدَ تَرَتُّبِ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا فَتُقْضَى بِعُذْرٍ وَانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَأَنْتُمْ إذَا قُلْتُمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ شَيْءٌ بَلْ إنَّمَا يُعْتَبَرُ آخِرُ الْوَقْتِ فِي طَرَيَان الْعُذْرِ وَزَوْلِهِ فَهَذَا مِنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْتَضِي أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِآخِرِ الْوَقْتِ كَمَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ مَعَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ لَا تُسَاعِدُ عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ مَذْهَبُ مَالِكٍ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ اعْتِبَارِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ وَعَدَمِ جَرْيِهِ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ مُشْكِلًا جِدًّا وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ جِهَةِ اعْتِبَارِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ وَالْجَرْيُ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ سَالِمًا عَنْ الْإِشْكَالِ وَبَيَانُ سُقُوطِهِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَعْتَبِرْ السَّبَبَ الْمُوجِبَ السَّالِمَ مِنْ الْمُعَارِضِ وَخَالَفَ أَصْلَهُ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ إذْ لَيْسَ كُلُّ سَبَبٍ كَذَلِكَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ بَلْ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ حَيْثُ كَانَ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ كَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَمَّا حَيْثُ كَانَ مَعَ التَّخْيِيرِ كَمَا هُنَا فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ إلَّا إذَا تَعَيَّنَ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ مِنْ بَيْنِ أَجْزَاءِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الْمُخَيَّرِ فِيهَا بِفَوَاتِ مَا عَدَاهُ. فَالْفَرْقُ فِي الشَّرْعِ وَاقِعٌ بَيْنَ وُجُودِ السَّبَبِ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ مَعَ عَدَمِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَفْرَادِهِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ لِتَحَقُّقِ شَرْطِ التَّرَتُّبِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ التَّخْيِيرِ كَمَا قُلْنَاهُ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَغَيْرِهِ وَبَيْنَ وُجُودِهِ مَعَ التَّخْيِيرِ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَرْطِ التَّرَتُّبِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ التَّخْيِيرِ كَمَا قُلْنَاهُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَلَهُ نَظَائِرُ فِي الشَّرِيعَةِ الْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ أَحَدُهَا إذَا بَاعَ صَاعًا وَاحِدًا مِنْ صُبْرَةٍ فَتَصَرَّفَ بِمُقْتَضَى التَّخْيِيرِ فِيمَا عَدَا الصَّاعَ الْوَاحِدَ بِبَيْعٍ مِنْ غَيْرِ مُشْتَرِي الصَّاعِ أَوْ نَحْوِهِ وَتَلِفَ الصَّاعُ الْبَاقِي بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَلَمْ يُنْقَلْ الصَّاعُ لِلذِّمَّةِ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ الصُّبْرَةُ كُلُّهَا بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعَقْدَ لَمَّا تَعَلَّقَ بِمُطْلَقِ صَاعٍ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ صِيعَانِ الصُّبْرَةِ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ مُقْتَضَى التَّخْيِيرِ فِيمَا عَدَا الصَّاعَ الْوَاحِدَ كَانَتْ الْآفَةُ فِي الصَّاعِ الْوَاحِدِ حِينَئِذٍ كَالْآفَةِ فِي الْجَمِيعِ إذْ مِنْ حُجَّةِ الْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ إنَّ تَسَلُّطِي بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ صِيعَانِ الصُّبْرَةِ فِي تَوْفِيَتِهِ يَنْفِي عَنِّي الْعُدْوَانَ فِيمَا تَعَدَّيْتُ فِيهِ فَلَا أَضْمَنُ. وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ هُوَ التَّخْيِيرُ إذْ لَوْلَا التَّخْيِيرُ لَكَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقُولَ الْعَقْدُ اقْتَضَى مُطْلَقَ الصَّاعِ وَقَدْ وُجِدَ فِي صَاعٍ مِنْ الصِّيعَانِ الَّتِي تَعَدَّيْتُ عَلَيْهَا أَيُّهَا الْبَائِعُ وَمَنْ تَعَدَّى عَلَى الْمَبِيعِ ضَمِنَهُ فَيَلْزَمُك أَيُّهَا الْبَائِعُ الضَّمَانُ وَثَانِيهَا إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ فِي الْكَفَّارَةِ وَعِنْدَهُ رِقَابٌ فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ فِيمَا عَدَا الْوَاحِدَ فَإِذَا تَصَرَّفَ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا

[الفرق بين قاعدة استلزام إيجاب المجموع لوجوب كل واحد من أجزائه]

مِنْ الْقَاعِدَتَيْنِ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْجِهَةُ وَاجِبَةً بِالْإِجْمَاعِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي صُورَةِ وُجُوبِهَا هَلْ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ أَوْ الْمَقَاصِدِ، وَيَكُونُ السَّمْتُ لَيْسَ وَاجِبًا مُطْلَقًا إلَّا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ فَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ هَلْ الْوَاجِبُ الْجِهَةُ أَوْ السَّمْتُ قَوْلَانِ يَصِحُّ فِيهِ قَيْدٌ لَطِيفٌ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ هَلْ الْوَاجِبُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ السَّمْتُ أَوْ الْجِهَةُ؟ قَوْلَانِ فَبِهَذَا الْقَيْدِ اسْتَقَامَ حِكَايَةُ الْخِلَافِ، وَاتَّضَحَ أَيْضًا بِهِ تَخْرِيجُ الْخِلَافِ هَلْ تَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَى مَنْ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْجِهَةَ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ، وَقَدْ حَصَلَ الِاجْتِهَادُ فِيهَا وَهُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فَقَطْ لَا شَيْءَ وَرَاءَهُ أَوْ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ فَتَجِبُ الْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّ الْوَسِيلَةَ إذَا لَمْ تُفْضِ إلَى مَقْصُودِهَا سَقَطَ اعْتِبَارُهَا وَاتَّضَحَ الْخِلَافُ وَالتَّخْرِيجُ، وَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ حِينَئِذٍ بِهَذَا الْقَيْدِ الزَّائِدِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــSمِنْ الْقَاعِدَتَيْنِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْجِهَةُ وَاجِبَةً بِالْإِجْمَاعِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي صُورَةِ وُجُوبِهَا هَلْ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ أَوْ الْمَقَاصِدِ، وَيَكُونُ السَّمْتُ لَيْسَ وَاجِبًا مُطْلَقًا إلَّا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ، فَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ هَلْ الْوَاجِبُ الْجِهَةُ أَوْ السَّمْتُ؟ قَوْلَانِ يَظْهَرُ فِيهِ قَيْدٌ لَطِيفٌ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ هَلْ الْوَاجِبُ وُجُوبُ الْمَقَاصِدِ السَّمْتُ أَوْ الْجِهَةُ قَوْلَانِ فَبِهَذَا الْقَيْدِ اسْتَقَامَ حِكَايَةُ الْخِلَافِ، وَاتَّضَحَ أَيْضًا بِهِ تَخْرِيجُ الْخِلَافِ هَلْ تَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَى مَنْ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْجِهَةَ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ، وَقَدْ حَصَلَ الِاجْتِهَادُ فِيهَا وَهُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فَقَطْ لَا شَيْءٌ وَرَاءَهُ، أَوْ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ الْوَسِيلَةَ إذَا لَمْ تُفْضِ إلَى مَقْصُودِهَا سَقَطَ اعْتِبَارُهَا، وَاتَّضَحَ الْخِلَافُ وَالتَّخْرِيجُ وَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ حِينَئِذٍ بِهَذَا الْقَيْدِ الزَّائِدِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ) قُلْت جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ تَحْرِيرُ خِلَافٍ وَلَا كَلَامَ فِيهِ غَيْرَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْأَقْوَالِ أَنَّ الْجِهَةَ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ، وَأَنَّ الْإِعَادَةَ لَازِمَةٌ عِنْدَ الْخَطَأِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَقَبَةٌ فَمَاتَتْ أَوْ تَعَيَّبَتْ سَقَطَ عَنْهُ الْأَمْرُ بِالْعِتْقِ وَجَازَ لَهُ الِانْتِقَالُ إلَى الصِّيَامِ ضَرُورَةَ التَّصَرُّفِ بِالتَّخْيِيرِ مَعَ الْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ فِي الْأَخِيرِ يَقُومُ مَقَامَ حُصُولِ الْآفَةِ فِي جَمِيعِ الرِّقَابِ ابْتِدَاءً فَلِذَا لَمْ نَقُلْ تَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ رَقَبَةٌ لَا بُدَّ مِنْهَا تَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ وَثَالِثُهَا إذَا كَانَ لَهُ عِدَّةُ ثِيَابٍ لِلسُّتْرَةِ فِي الصَّلَاةِ فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِهِبَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فِيمَا عَدَا وَاحِدًا مِنْهَا فَإِذَا تَصَرَّفَ وَأَبْقَى وَاحِدًا فَطَرَأَتْ عَلَيْهِ الْآفَةُ الْمَانِعَةُ لَهُ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ صَلَّى عُرْيَانًا غَيْرَ آثِمٍ وَيَسْقُطُ التَّكْلِيفُ بِالْكُلِّيَّةِ ضَرُورَةَ أَنَّ التَّصَرُّفَ بِالتَّخْيِيرِ مَعَ الْعُذْرِ فِي الْأَخِيرِ يَقُومُ مَقَامَ الْعُذْرِ فِي الْجَمِيعِ وَرَابِعُهَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ قَدْرُ كِفَايَتِهِ مِنْ الْمَاءِ لِطَهَارَتِهِ مِرَارًا فَلَهُ هِبَةُ مَا عَدَا كِفَايَتَهُ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ تِلْكَ الْمَقَادِيرِ فَإِذَا وَهَبَهُ وَأَبْقَى كِفَايَتَهُ مِنْهُ فَتَلِفَ مَا أَبْقَاهُ سَقَطَ التَّكْلِيفُ بِالْوُضُوءِ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ إثْمٍ وَقَامَ التَّصَرُّفُ بِالتَّخْيِيرِ مَعَ الْآفَةِ فِي الْأَخِيرِ مَقَامَ حُصُولِ الْعُذْرِ فِي الْجَمِيعِ فِي عَدَمِ الْإِثْمِ وَسُقُوطِ التَّكْلِيفِ وَخَامِسُهَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ صَاعَانِ فَأَكْثَرُ مِنْ الطَّعَامِ لِزَكَاةِ الْفِطْرِ فَلَهُ التَّصَرُّفُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ فِيمَا عَدَا الصَّاعَ الْوَاحِدَ فَإِذَا بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَتَرَكَ صَاعًا وَاحِدًا فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إخْرَاجِهِ حَتَّى تَلِفَ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ مِنْ قَبْلِهِ سَقَطَ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ إذَا قُلْنَا إنَّ وُجُوبَهَا مُوَسَّعٌ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ رَمَضَانَ إلَى غُرُوبِهَا مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ جَاءَ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ طَعَامٌ أَلْبَتَّةَ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالتَّصَرُّفُ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْجِنْسِ مَعَ الْآفَةِ فِي الْأَخِيرِ كَمَا يَقُومُ مَقَامَ حُصُولِ الْعُذْرِ فِي الْجَمِيعِ فِي هَذِهِ النَّظَائِرِ وَنَحْوِهَا مِنْ الصُّوَرِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي تَجِدُهَا فِي الشَّرِيعَةِ إذَا اسْتَقْرَيْتهَا كَذَلِكَ يَقُومُ تَفْوِيتُ غَيْرِ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ أَجْزَاءِ الْقَامَةِ مَثَلًا بِمُقْتَضَى التَّخْيِيرِ مَعَ حُصُولِ الْعُذْرِ كَالْحَيْضِ فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مَقَامَ حُصُولِ الْعُذْرِ فِي جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ إذْ كَمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قِيَامِ الْمُعَارِضِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ السَّبَبِ وَبَيْنَ قِيَامِهِ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ إذَا كَانَ التَّخْيِيرُ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ هَذِهِ النَّظَائِرُ وَنَحْوُهَا مِمَّا هُوَ كَثِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ كَذَلِكَ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي صُورَةِ النِّزَاعِ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَرْقَ فَهُوَ دَقِيقٌ وَهُوَ عُمْدَةُ الْمَذْهَبِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِلْزَامِ إيجَابِ الْمَجْمُوعِ لِوُجُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ] (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِلْزَامِ إيجَابِ الْمَجْمُوعِ لِوُجُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ لَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ فِي الْقَضَاءِ جُزْءَ الْأَوَّلِ، وَالْجُزْءُ الْآخَرُ خُصُوصُ الْوَقْتِ) قَالَ: الْأَصْلُ أَنَّهُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَتَا فِي أَنَّ الْأَمْرَ مُرَكَّبٌ فِيهِمَا بِسَبَبِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْعِبَادَةِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ أَمْرٌ بِالْعِبَادَةِ وَبِكَوْنِهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ أَمْرٌ بِمَجْمُوعِ الْفِعْلِ وَتَخْصِيصِهِ بِالزَّمَانِ إلَّا أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ تَخْصِيصَ صَاحِبِ الشَّرْعِ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ بِأَفْعَالٍ مُعَيَّنَةٍ دُونَ بَقِيَّةِ الْأَوْقَاتِ لَمَّا كَانَ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ بِمَصْلَحَةٍ، وَكَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ مَصْلَحَةِ الْفِعْلِ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي عُيِّنَ لَهُ كَانَ لَفْظُ تَخْصِيصِهِ دَالًّا عَلَى عَدَمِ مَصْلَحَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي غَيْرِهِ فَلَا تُفْعَلُ تِلْكَ الْعِبَادَةُ أَلْبَتَّةَ فَإِنْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالْقَضَاءِ دَلَّ الْأَمْرُ الثَّانِي عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِمَّا يُقَارِبُ الْوَقْتَ الْأَوَّلَ فِي مَصْلَحَةِ الْوُجُوبِ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى مِثْلِ مَصْلَحَتِهِ إذْ لَوْ وَصَلَ إلَيْهَا لَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ، وَحَيْثُ لَمْ يُسَوِّ بَيْنَهُمَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا، وَبُنِيَ هَذَا الْفَرْقُ

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الصَّفِّ الطَّوِيلِ فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ الِاسْتِقْبَالَ الْعَادِيَّ لَا الْحَقِيقِيَّ، وَالْعَادَةُ أَنَّ الصَّفَّ الطَّوِيلَ إذَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ الْقَصِيرِ الَّذِي يُسْتَقْبَلُ يَكُونُ أَطْوَلَ مِنْهُ، وَيَجِدُ بَعْضُهُمْ نَفْسَهُ خَارِجَةً عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُسْتَقْبَلِ الَّذِي هُوَ أَقْصَرُ مِنْ الصَّفِّ الطَّوِيلِ، وَإِذَا بَعُدَ ذَلِكَ الصَّفُّ الطَّوِيلُ بُعْدًا كَثِيرًا عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْقَصِيرِ يَجِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ فِي ذَلِكَ الصَّفِّ الطَّوِيلِ نَفْسَهُ مُسْتَقْبِلًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ الْقَصِيرِ فِي نَظَرِ الْعَيْنِ بِسَبَبِ الْبُعْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّخْلَةَ الْبَعِيدَةَ أَوْ الشَّجَرَةَ إذَا اسْتَقْبَلَهَا الرَّكْبُ الْعَظِيمُ الْكَثِيرُ الْعَدَدِ مِنْ الْبُعْدِ يَجِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الرَّكْبِ أَوْ الْقَافِلَةِ نَفْسَهُ قُبَالَةَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ، وَيَقُولُ الرَّكْبُ بِجُمْلَتِهِ نَحْنُ قُبَالَةَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ، وَنَحْنُ سَائِرُونَ إلَيْهَا وَإِذَا قَرُبُوا مِنْ الشَّجَرَةِ جِدًّا لَمْ يَبْقَ قُبَالَتَهَا إلَّا النَّفَرُ الْيَسِيرُ مِنْ ذَلِكَ الرَّكْبِ فَكَذَلِكَ الصَّفُّ الطَّوِيلُ بِمِصْرَ أَوْ بِخُرَاسَانَ لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ الْمُعَظَّمَةِ بِحَيْثُ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُبْصِرُ الْكَعْبَةَ لَرَأَى نَفْسَهُ قُبَالَةَ الْكَعْبَةِ بِسَبَبِ الْبُعْدِ كَمَا قُلْنَا فِي الرَّكْبِ مَعَ الشَّجَرَةِ فَقَدْ حَصَلَ فِي حَقِّهِمْ الِاسْتِقْبَالُ الْعَادِيُّ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ الشَّرْعِيُّ وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي الْبَلَدَيْنِ الْمُتَقَارِبَيْنِ لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ لَرَأَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَفْسَهُ قُبَالَةَ الْكَعْبَةِ، فَهُمَا كَالصَّفِّ الطَّوِيلِ سَوَاءٌ وَالْجَمِيعُ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَهِيَ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الصَّفِّ الطَّوِيلِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ) . قُلْت: هَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا هُوَ جَوَابُ الْقَائِلِينَ بِالسَّمْتِ دَفْعًا لِاسْتِدْلَالِ الْقَائِلِينَ بِالْجِهَةِ عَلَيْهِمْ بِالصَّفِّ الطَّوِيلِ، وَلِلْقَائِلَيْنِ بِالْجِهَةِ أَنْ يَقُولُوا سَلَّمْنَا صِحَّةَ هَذَا الْجَوَابِ؛ لِأَنَّهُ مُحَصِّلٌ لِمَقْصُودِنَا مِنْ الْقَوْلِ بِالْجِهَةِ وَغَيْرُ مُحَصِّلٍ لِمَقْصُودِكُمْ مِنْ الْقَوْلِ بِالسَّمْتِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ الْعَيْنُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْمُعَايَنَةِ لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ مَعَ الْبُعْدِ وَمَآلِ قَوْلِكُمْ بِالسَّمْتِ الْعَادِيِّ غَيْرِ الْحَقِيقِيِّ إلَى قَوْلِنَا بِالْجِهَةِ، فَعَلَى التَّحْقِيقِ ذَلِكَ الْجَوَابُ لَيْسَ بِجَوَابٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى أَمْرَيْنِ: الْأَمْرُ الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَاعِدَةِ اسْتِلْزَامِ إيجَابِ الْمَجْمُوعِ لِوُجُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ هُوَ أَنَّ إيجَابَ الْمَجْمُوعِ يَسْتَلْزِمُ إيجَابَ كُلِّ جُزْءٍ مُطْلَقًا كَانَ مَجْمُوعًا مَعَ غَيْرِهِ أَمْ غَيْرَ مَجْمُوعٍ، فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ بِالْعِبَادَةِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ أَمْرًا بِالْعِبَادَةِ وَبِكَوْنِهَا فِي وَقْتٍ، وَذَهَبَ الْجُزْءُ الثَّانِي وَهُوَ تَخْصِيصُهُ بِعَيْنِ ذَلِكَ الزَّمَانِ يَبْقَى الْفِعْلُ وَاجِبًا. الْأَمْرُ الثَّانِي اطِّرَادُ قَاعِدَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِي رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ لِوُجُوبِ رِعَايَتِهَا عَقْلًا فِي كُلِّ فِعْلٍ وَلَوْ تَعَبُّدِيًّا، وَمَعْنَى كَوْنِهِ تَعَبُّدِيًّا أَنَّ فِيهِ مَعْنًى لَمْ نَعْلَمْهُ لَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنًى. وَقَالَ وَقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ لَا يَقْتَضِي الْقَضَاءَ بَلْ الْقَضَاءُ إنَّمَا يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ الْمُلَاحِظِينَ هَذَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ قَوْلُ مَنْ لَاحَظَ التَّسْوِيَةَ وَالْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ، هَذَا خُلَاصَةُ كَلَامِهِ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَفِي كَلَامِهِ هَذَا فِي هَذَا الْفَرْقِ ضُرُوبٌ مِنْ الْفَسَادِ لَا يَفُوهُ بِمِثْلِهَا مُحَصِّلٌ: الضَّرْبُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْقَاعِدَةِ الْأُولَى أَنَّ إيجَابَ الْمَجْمُوعِ يَسْتَلْزِمُ إيجَابَ كُلِّ جُزْءٍ مُطْلَقًا، بَلْ إنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهَا أَنَّ إيجَابَ الْمَجْمُوعِ يَسْتَلْزِمُ إيجَابَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَجْزَاءِ مَجْمُوعًا مَعَ غَيْرِهِ مِنْهَا. الضَّرْبُ الثَّانِي أَنَّ الْفِعْلَ الْمُعَيَّنَ زَمَانُهُ لَا يَصِحُّ انْفِكَاكُهُ عَنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَمَتَى قُدِّرَ انْفِكَاكُهُ عَنْهُ فَلَيْسَ هُوَ ذَلِكَ الْفِعْلُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ ذَلِكَ الزَّمَانُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْفِعْلِ الْمُوقَعِ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا فُعِلَتْ رَكْعَةٌ مُفْرَدَةٌ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ مَثَلًا لَا تَكُونُ جُزْءًا مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا تَكُونُ جُزْءًا مِنْهَا إذَا فُعِلَتْ مَعَ أُخْرَى بِشَرْطِ اسْتِيفَاءِ شُرُوطِ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ نِيَّةٍ وَغَيْرِهَا. الضَّرْبُ الثَّالِثُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اطِّرَادُ قَاعِدَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فِي رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ بِمَعْنَى الْمَنَافِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ رِعَايَتَهَا بِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ مُجَوِّزَاتِ الْعَقْلِ لَا مِنْ مُوجِبَاتِهِ، وَالدَّلَائِلُ الشَّرْعِيَّةُ الْقَطْعِيَّةُ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى رِعَايَةِ مَصَالِحِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْمَأْمُورَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ إلَّا أَنَّهَا لَمْ تَدُلَّ عَلَى رِعَايَتِهَا فِي جَمِيعِ الْمَأْمُورَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ إذْ لَا نَعْلَمُ قَاطِعًا فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَتْ رِعَايَةُ الشَّارِعِ الْمَصَالِحَ بِحُكْمٍ مِنْهُ شَرْعِيٍّ فَيَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ بَلْ ذَلِكَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْقَطْعِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَيَجُوزُ عَقْلًا شَرْعُ أَمْرٍ مَا لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ فِيهِ إلَّا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الثَّوَابِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ قَاعِدَةُ رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ مُطَّرِدَةً إلَّا إذَا أُرِيدَ بِالْمَصَالِحِ الْمَنَافِعُ عَلَى الْإِطْلَاقِ دُنْيَوِيَّةً أَوْ أُخْرَوِيَّةً فَافْهَمْ. الضَّرْبُ الرَّابِعُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْفَرْقِ أَنَّ تَخْصِيصَ الشَّارِعِ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ بِأَفْعَالٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ بِمَصْلَحَةٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُودِهَا فِي غَيْرِهِ يَدُلُّ لَفْظُ تَخْصِيصِ ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى عَدَمِ مَصْلَحَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ فِيهِ فَإِنْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالْقَضَاءِ دَلَّ الْأَمْرُ الثَّانِي إلَخْ لَيْسَ بِصَحِيحَيْنِ إلَّا عَلَى تَسْلِيمِ دَعْوَى عُمُومِ رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِقَاطِعٍ. الضَّرْبُ الْخَامِسُ أَنَّ مَنْ قَالَ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ لَمْ يُلَاحِظْ ذَلِكَ الْفَرْقَ بَلْ لَاحَظَ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُؤَقَّتَ لَا يَقْتَضِي الْقَضَاءَ فَلَا بُدَّ فِي شَرْعِ الْقَضَاءِ مِنْ أَمْرٍ جَدِيدٍ، وَأَنَّ مَنْ قَالَ الْقَضَاءُ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ لَا يَقُولُ إنَّهُ مِنْ مُقْتَضَاهُ لَفْظًا بَلْ يَقُولُ إنَّهُ مِنْ مُقْتَضَاهُ قِيَاسًا عَلَى الْحُقُوقِ الْمُتَرَتِّبَةِ فِي الذِّمَمِ اهـ. كَلَامُ ابْنِ الشَّاطِّ وَفِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ مَعَ شَرْحِ الْمَحَلِّيِّ مَسْأَلَةٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ الْأَمْرُ بِشَيْءٍ مُؤَقَّتٍ يَسْتَلْزِمُ الْقَضَاءَ لَهُ إذَا لَمْ

اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَ بِالِاسْتِقْبَالِ الْعَادِيِّ دُونَ الْحَقِيقِيِّ مَعَ الْبُعْدِ وَمَعَ الْقُرْبِ الْوَاجِبُ الِاسْتِقْبَالُ الْحَقِيقِيُّ. حَتَّى إنَّهُ إذَا صُفَّ صَفٌّ مَعَ حَائِطِ الْكَعْبَةِ فَصَادَفَ أَحَدُهُمْ نِصْفَهُ قُبَالَةَ الْكَعْبَةِ وَنِصْفَهُ خَارِجًا عَنْهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَسْتَقْبِلَ بِجُمْلَتِهِ الْكَعْبَةَ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ اسْتَدَارَ، وَكَذَلِكَ الصَّفُّ الطَّوِيلُ بِقُرْبِ الْكَعْبَةِ يُصَلُّونَ دَائِرَةً أَوْ قَوْسًا إنْ قَصُرُوا عَنْ الدَّائِرَةِ وَفِي الْبُعْدِ يُصَلُّونَ خَطًّا مُسْتَقِيمًا بِسَبَبِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّقْرِيرِ، وَأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا خَطًّا مَعَ الْبُعْدِ يَكُونُونَ مُسْتَقْبِلِينَ عَادَةً بِخِلَافِهِمْ مَعَ الْقُرْبِ فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ السَّمْتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ الْجِهَةِ. وَصَحَّ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَانْدَفَعَتْ الْإِشْكَالَاتُ الَّتِي عَلَيْهَا وَهُوَ مِنْ الْمَوَاطِنِ الْجَلِيلَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْفُقَهَاءُ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا حَرَّرَهُ هَذَا التَّحْرِيرَ إلَّا الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدَّسَ رُوحَهُ فَلَقَدْ كَانَ شَدِيدَ التَّحْرِيرِ لِمَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ فِي الشَّرِيعَةِ مَعْقُولِهَا وَمَنْقُولِهَا، وَكَانَ يُفْتَحُ عَلَيْهِ بِأَشْيَاءَ لَا تُوجَدُ لِغَيْرِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً. (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يَتَعَيَّنُ تَقْدِيمُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُهُ فِي الْوِلَايَاتِ وَالْمَنَاصِبِ وَالِاسْتِحْقَاقَات الشَّرْعِيَّةِ) اعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِهَا عَلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ، فَيُقَدَّمُ فِي وِلَايَةِ الْحُرُوبِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِمَكَائِدِ الْحُرُوبِ وَسِيَاسَةِ الْجُيُوشِ وَالصَّوْلَةِ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَالْهَيْبَةِ عَلَيْهِمْ، وَيُقَدَّمُ فِي الْقَضَاءِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَشَدُّ تَفَطُّنًا لِحِجَاجِ الْخُصُومِ وَخُدَعِهِمْ، وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــSبَلْ تَسْلِيمٌ لِقَوْلِ الْمُخَالِفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يَتَعَيَّنُ تَقْدِيمُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُهُ فِي الْوِلَايَاتِ وَالْمَنَاصِبِ وَالِاسْتِحْقَاقَات الشَّرْعِيَّةِ اعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِهَا عَلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQيُفْعَلْ فِي وَقْتِهِ لِإِشْعَارِ الْأَمْرِ بِطَلَبِ اسْتِدْرَاكِهِ أَيْ الْفِعْلِ إنْ لَمْ يَقَعْ فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ الْفِعْلُ أَيْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي الْوَقْتِ أَوْ خَارِجِهِ. وَقَالَ الْأَكْثَرُ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ كَالْأَمْرِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «إذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» ، وَالْقَصْدُ مِنْ الْأَمْرِ الْفِعْلُ فِي الْوَقْتِ لَا مُطْلَقًا اهـ. وَشَرْحُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّا إذَا تَعَقَّلْنَا صَوْمًا مَخْصُوصًا وَقُلْنَا: صُمْ صَوْمَ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَقَدْ تَعَقَّلْنَا أَمْرَيْنِ وَتَلَفَّظْنَا بِلَفْظَيْنِ، وَأَمَّا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ هَذَانِ الْأَمْرَانِ أَوْ شَيْءٌ وَاحِدٌ يَصْدُقَانِ عَلَيْهِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِاللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ مِنْهُمَا مِثْلِ صَوْمِ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ فَمَنْ ذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ جَعَلَ الْقَضَاءَ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ شَيْئَانِ فَإِنْ انْتَفَى أَحَدُهُمَا بَقِيَ الْآخَرُ وَمَنْ ذَهَبَ إلَى الثَّانِي جَعَلَ الْقَضَاءَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْوُجُودِ إلَّا شَيْءٌ وَاحِدٌ فَإِذَا انْتَفَى سَقَطَ الْمَأْمُورُ بِهِ ثُمَّ اخْتِلَافُهُمْ فِي هَذَا الْأَصْلِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُطْلَقَ وَالْقَيْدَ بِحَسَبِ الْوُجُودِ شَيْئَانِ أَوْ شَيْءٌ وَاحِدٌ يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْمَعْنَيَانِ نَاظِرِينَ إلَى اخْتِلَافٍ فِي أَصْلٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ تَرَكُّبَ الْمَاهِيَّةِ مِنْ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ وَتَمَايُزَهُمَا هَلْ هُوَ بِحَسَبِ الْخَارِجِ أَوْ مُجَرَّدِ الْعَقْلِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ كَانَ الْمُطْلَقُ وَالْقَيْدُ شَيْئَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي، وَهُوَ الْحَقُّ كَانَا بِحَسَبِ الْوُجُودِ شَيْئًا وَاحِدًا كَذَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْعَضُدِ، وَحَاصِلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمَحَلِّيُّ بِقَوْلِهِ وَالْقَصْدُ مِنْ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ إلَخْ مِنْ رَدِّ قَوْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ الْفِعْلُ أَنَّا سَلَّمْنَا أَنَّ الْكَوْنَ فِي الْوَقْتِ بِهِ كَمَالُ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ لَهُ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ بَقَاءَ الْوُجُوبِ مَعَ النَّقْصِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَبْقَى إذَا انْفَرَدَ بِهِ الطَّلَبُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمَطْلُوبُ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَقَدْ انْتَفَى بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ أَفَادَهُ الشِّرْبِينِيُّ قَالَ الْعَطَّارُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَحَلِّيُّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ قَصْدًا بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ وَالتَّتِمَّةِ لِلِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ الدَّالَّيْنِ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ فَلَا يُقَالُ إنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْقَضَاءِ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ اهـ. قُلْت وَمِنْهُ يُعْلَمُ أُمُورٌ: الْأَمْرُ الْأَوَّلُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ بِمَا يَنْدَفِعُ عَنْهُ جَمِيعَ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مِنْ ضُرُوبِ الْفَسَادِ، وَهُوَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى مِنْ اسْتِلْزَامِ الْمَجْمُوعِ لِوُجُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ مَبْنِيَّةٌ كَقَوْلِ الرَّازِيّ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ بِأَنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ يُوجِبُ الْقَضَاءَ عَلَى أَنَّ الْمُطْلَقَ وَالْقَيْدَ بِحَسَبِ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ شَيْئَانِ مُتَمَايَزَانِ تَمَايُزَ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ بِحَسَبِ الْخَارِجِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ. وَالْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ لَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُطْلَقَ وَالْقَيْدَ شَيْءٌ وَاحِدٌ يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْمَعْنَيَانِ، وَيَتَمَيَّزَانِ فِيهِ تَمَيُّزَ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ بِهِ وَيَكُونُ سِرُّ هَذَا الْفَرْقِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ. الْأَمْرُ الثَّانِي انْدِفَاعُ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ عَنْ كَلَامِ الْأَصْلِ إذْ لَا يَتَّجِهُ عَدَمُ صِحَّةِ قَاعِدَةِ أَنَّ إيجَابَ الْمَجْمُوعِ يَسْتَلْزِمُ إيجَابَ كُلِّ جُزْءٍ مُطْلَقًا إلَّا إذَا قُلْنَا بِبِنَائِهَا عَلَى أَنَّ الْمُطْلَقَ وَالْقَيْدَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، أَمَّا إذَا بَنَيْنَاهَا عَلَى أَنَّهُمَا شَيْئَانِ فَلَا يَتَّجِهُ ذَلِكَ. الْأَمْرُ الثَّالِثُ انْدِفَاعُ الضَّرْبِ الثَّانِي أَيْضًا حَيْثُ بُنِينَا عَلَى أَنَّ الْمُطْلَقَ وَالْقَيْدَ شَيْئَانِ لَا شَيْءٌ وَاحِدٌ إذْ لَا يَتِمُّ قِيَاسُ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى كَوْنِهَا مُفْرَدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ مَثَلًا لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ هِيَ نَفْسُ الصُّبْحِ إلَّا إذَا بُنِيَتْ تِلْكَ الْقَاعِدَةُ عَلَى أَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ فَافْهَمْ. الْأَمْرُ الرَّابِعُ انْدِفَاعُ

[الفرق بين قاعدة أسباب الصلوات وشروطها يجب الفحص عنها وتفقدها]

مَعْنَى قَوْلِهِ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ» أَيْ هُوَ أَشَدُّ تَفَطُّنًا لِحِجَاجِ الْخُصُومِ وَخُدَعِ الْمُتَحَاكِمِينَ. وَبِهِ يَظْهَرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» وَإِذَا كَانَ مُعَاذٌ عُرِفَ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ كَانَ أَقْضَى النَّاسِ غَيْرَ أَنَّ الْقَضَاءَ لَمَّا كَانَ يَرْجِعُ إلَى مَعْرِفَةِ الْحِجَاجِ وَالتَّفَطُّنِ لَهَا كَانَ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى مَعْرِفَةِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَقَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ شَدِيدَ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ. وَهُوَ يُخْدَعُ بِأَيْسَرِ الشُّبُهَاتِ فَالْقَضَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ هَذَا التَّفَطُّنِ، وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ يَكُونُ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ» الْحَدِيثَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ تَبَعُ الْحِجَاجِ وَأَحْوَالِهَا فَمَنْ كَانَ لَهَا أَشَدَّ تَفَطُّنًا كَانَ أَقَضَى مِنْ غَيْرِهِ، وَيُقَدَّمُ فِي الْقَضَاءِ وَيُقَدَّمُ فِي أَمَانَةِ الْيَتِيمِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِتَنْمِيَةِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَتَقْدِيرِ أَمْوَالِ النَّفَقَاتِ وَأَحْوَالِ الْكَوَافِلِ وَالْمُنَاظَرَاتِ عِنْدَ الْحُكَّامِ عَنْ أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ، وَيُقَدَّمُ فِي جِبَايَةِ الصَّدَقَاتِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِمَقَادِيرِ النُّصُبِ وَأَحْكَامِ الزَّكَاةِ مِنْ الْخُلْطَةِ وَغَيْرِهَا. وَيُقَدَّمُ فِي الصَّلَاةِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِأَحْكَامِهَا وَعَوَارِضِ سَهْوِهَا وَاسْتِخْلَافِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عَوَارِضِهَا وَمَصَالِحِهَا حَتَّى يَكُونُ الْمُقَدَّمُ فِي بَابٍ رُبَّمَا أُخِّرَ فِي بَابٍ آخَرَ كَالنِّسَاءِ مُقَدَّمَاتٍ فِي بَابِ الْحَضَانَةِ عَلَى الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُنَّ أَصْبَرُ عَلَى أَخْلَاقِ الصِّبْيَانِ وَأَشَدُّ شَفَقَةً وَرَأْفَةً وَأَقَلُّ أَنَفَةً عَنْ قَاذُورَاتِ الْأَطْفَالِ، وَالرِّجَالُ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ فَقُدِّمْنَ لِذَلِكَ وَأُخِّرَ الرِّجَالُ عَنْهُنَّ وَأَخِّرْنَ فِي الْإِمَامَةِ وَالْحُرُوبِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَنَاصِبِ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِ تِلْكَ الْوِلَايَاتِ مِنْهُنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــSلِأَنَّ الرِّجَالَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِ تِلْكَ الْوِلَايَاتِ مِنْهُنَّ) قُلْت: إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِهَا مَنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِالْأَهْلِيَّةِ لِذَلِكَ وَبِمَنْ هُوَ دُونَهُ مَنْ لَيْسَ مُتَّصِفًا بِالْأَهْلِيَّةِ لِذَلِكَ فَلَا خَفَاءَ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْمُتَّصِفِ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِنْ أَرَادَ بِمَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِهَا مَنْ هُوَ أَتَمُّ قِيَامًا مَعَ أَنَّ مَنْ هُوَ دُونَهُ مِمَّنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْقِيَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالضَّرْبِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ إذْ لَا يَتَوَجَّهَانِ إلَّا إذَا أُرِيدَ مَصْلَحَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ غَيْرُ الْكَوْنِ فِي الْوَقْتِ أَمَّا إذَا أُرِيدَ مَصْلَحَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ هِيَ الْكَوْنُ فِي الْوَقْتِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ أَنْ يَكُونَ لِلْكَوْنِ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَمْ لَا فَلَا يَتَوَجَّهَانِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى اطِّرَادِ قَاعِدَةِ رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ بِمَعْنَى الْمَنَافِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ خَاصَّةً حِينَئِذٍ هُوَ أَنَّا نَعْتَبِرُ أَنَّ تَخْصِيصَ جَمِيعِ الْأُمُورِ التَّعَبُّدِيَّةِ بِوَقْتٍ وَنَحْوِهِ هُوَ مَصْلَحَتُهُ الدُّنْيَوِيَّةُ لَا أَنَّ لِهَذَا التَّخْصِيصِ مَصْلَحَةً لَمْ نَعْلَمْهَا حَتَّى يُقَالَ لَمْ يَرِدْ بِعُمُومِ رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ قَاطِعٌ نَعَمْ لَا يُسَاعِدُ هَذَا الدَّفْعَ كَلَامُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ هَذَا التَّخْصِيصَ مَصْلَحَةٌ لَمْ نَعْلَمْهَا فَافْهَمْ. الْأَمْرُ الْخَامِسُ انْدِفَاعُ الضَّرْبِ الْخَامِسِ بِمَنْعِ كَوْنِ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْقَضَاءَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ أَوْ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ فَتَأَمَّلْ بِأَنْصَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَسْبَابِ الصَّلَوَاتِ وَشُرُوطِهَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهَا وَتَفَقُّدُهَا] . الْفَرْقُ التِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَسْبَابِ الصَّلَوَاتِ وَشُرُوطِهَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهَا وَتَفَقُّدُهَا وَقَاعِدَةِ أَسْبَابِ الزَّكَاةِ لَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهَا) فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُوبُ جَمِيعِ الْوَاجِبَاتِ مِنْ أَسْبَابِ التَّكْلِيفِ بِهَا وَشُرُوطِهِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يُحَصِّلَ نِصَابًا حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ وُجُوبِهَا، وَلَا أَنْ يُوفِيَ الدَّيْنَ لِغَرَضِ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ مُنِعَ مِنْهَا، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِقَامَةُ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِي وُجُوبِهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ تَحْصِيلِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ إيقَاعُ الْوَاجِبِ بَعْدَ وُجُوبِهِ وَعَدَمِ وُجُوبِهِ. ثَالِثُهَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَسْبَابِ فَتَجِبُ دُونَ غَيْرِهَا فَلَا تَجِبُ إلَّا أَنَّ الْوَاجِبَاتِ بِاعْتِبَارِ تَعْيِينِ وُقُوعِ أَسْبَابِهَا أَوْ شُرُوطِهَا وَعَدَمِ تَعْيِينِ وُقُوعِهَا عَلَى قِسْمَيْنِ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مَا لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي الْوُجُودِ طَرَيَان مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ التَّكْلِيفُ بِهَا جَزْمًا لَا مَحِيدَ عَنْهُ كَالزَّوَالِ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لِرَمَضَانَ لِوُجُوبِ صَوْمِهِ وَلِشَوَّالٍ لِوُجُوبِ فِطْرِهِ وَإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ وَلِذِي الْحِجَّةِ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ وَكَأَيَّامِ الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ لِوُجُوبِ أَدَائِهِمَا فَهَذَا الْقِسْمُ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ تَحْصِيلُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ التَّكْلِيفُ بِهِ لَكِنَّهُ يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهُ كَانَ شَرْطًا أَوْ سَبَبًا بِسَبَبِ أَنَّهُ لَوْ أُهْمِلَ لَوَقَعَ التَّكْلِيفُ، وَالْمُكَلَّفُ غَافِلٌ عَنْهُ فَيَعْصِي بِتَرْكِ الْوَاجِبِ بِسَبَبِ إهْمَالِهِ، وَهُوَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ وَلَا عُذْرَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ ذَلِكَ قَضَاءُ رَمَضَانَ يَسُدُّ فِي بَقِيَّةِ الْعَامِ إلَى شَعْبَانَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إذَا أَخَّرَ أَنْ يَتَفَقَّدَ الْأَهِلَّةَ لِئَلَّا يَدْخُلَ شَعْبَانُ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِهِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى ضَيَاعِ الْقَضَاءِ عَنْ وَقْتِهِ كَمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ نَذَرَ يَوْمًا مُعَيَّنًا أَوْ شَهْرًا مُعَيَّنًا أَنْ يَفْحَصَ عَنْ هِلَالِ ذَلِكَ الشَّهْرِ وَيَتَحَرَّى ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يُوقِعَ ذَلِكَ الْوَاجِبَ وَلَا يَتَعَدَّاهُ فَيَعْصِي بِالْإِهْمَالِ مَعَ إمْكَانِ الضَّبْطِ لَهُ. الْقِسْمُ الثَّانِي مَا لَا يَتَعَيَّنُ وُقُوعُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ التَّكْلِيفُ بِهَا مِنْ أَسْبَابِهَا وَشُرُوطِهَا فَقَدْ يَقَعُ وَقَدْ لَا يَقَعُ بَلْ الْأَصْلُ عَدَمُ وُقُوعِهِ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ مَا إذَا كَانَ الْمُكَلَّفُ فَقِيرًا، وَلَهُ أَقَارِبُ أَغْنِيَاءُ فِي بِلَادٍ بَعِيدَةٍ عَنْهُ، وَهُوَ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَجُوزُ أَنْ يَمُوتَ أَحَدُهُمْ فَيَرِثَهُ فَيَنْتَقِلَ الْمَالُ إلَيْهِ فَيَجِبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَهَذَا الْقِسْمُ كَمَا لَا يَجِبُ تَحْصِيلُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ التَّكْلِيفُ بِهِ كَذَلِكَ لَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ إغْفَالُ ذَلِكَ وَتَرْكُ السُّؤَالِ عَنْهُ مَعَ أَنَّهُ لَوْ فَحَصَ لَحَازَ الْمَالَ وَوَجَبَتْ

[الفرق بين قاعدة الأفضلية وبين قاعدة المزية والخاصية]

وَيَظْهَرُ لَك بِاعْتِبَارِ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ التَّقْدِيمَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَقْدِيمٌ فِي الصَّلَاةِ التَّقْدِيمُ فِي الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى مُشْتَمِلَةٌ عَلَى سِيَاسَةِ الْأُمَّةِ وَمَعْرِفَةِ مُعَاقَدِ الشَّرِيعَةِ وَضَبْطِ الْجُيُوشِ وَوِلَايَةِ الْأَكْفَاءِ وَعَزْلِ الضُّعَفَاءِ وَمُكَافَحَةِ الْأَضْدَادِ وَالْأَعْدَاءِ وَتَصْرِيفِ الْأَمْوَالِ وَأَخْذِهَا مِنْ مَظَانِّهَا وَصَرْفِهَا فِي مُسْتَحَقَّاتِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْإِمَامَةِ الْكُبْرَى. وَعَلَى هَذَا وَرَدَ سُؤَالٌ عَنْ قَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي أَمْرِ الْإِمَامَةِ رَضِيَك رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِدِينِنَا أَفَلَا نَرْضَاك لِدُنْيَانَا إشَارَةٌ لِتَقْدِيمِهِ فِي الصَّلَاةِ فَجَعَلَ عُمَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــSبِهَا فَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدَ التَّأَمُّلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وُجُوبَ حَتْمٍ تَقْدِيمُ الْأَقْوَمِ بِتِلْكَ الْمَصَالِحِ، بَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُ غَيْرِ الْأَقْوَمِ بِهَا وَتَقْدِيمُ الْأَقْوَمِ أَوْلَى، وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تِلْكَ الْمَصَالِحِ حَاصِلٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِالْأَهْلِيَّةِ لِذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِتَعَيُّنِ الْأَقْوَمِ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْأَوْلَوِيَّةِ خَاصَّةً، وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِرَاضُ عَلَى هَذَا بِتَعْيِينِ تَقْدِيمِ النِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ فِي بَابِ الْحَضَانَةِ فَإِنَّ الرِّجَالَ لَيْسُوا كَالنِّسَاءِ فِي الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ أُمُورِ الْحَضَانَةِ فَتَعَيَّنَ تَقْدِيمُهُنَّ عَلَيْهِمْ لِذَلِكَ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيمَا هَذَا سَبِيلُهُ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي مِثْلِ رَجُلَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَهْلِيَّةُ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ غَيْرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَصْلَحُ لَهَا مَعَ أَنَّ الْأَدْنَى صَالِحٌ لَهَا أَيْضًا. قَالَ: (وَيَظْهَرُ لَك بِاعْتِبَارِ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ التَّقْدِيمَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَقْدِيمٌ فِي الصَّلَاةِ التَّقْدِيمُ فِي الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى إلَى قَوْلِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْإِمَامَةِ الْكُبْرَى) . قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ أَهْلِيَّةَ الْقِيَامِ بِإِمَامَةِ الصَّلَاةِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْقِيَامِ بِإِمَامَةِ الْخِلَافَةِ صَحِيحٌ. قَالَ: (وَعَلَى هَذَا وَرَدَ سُؤَالٌ عَنْ قَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي أَمْرِ الْإِمَامَةِ رَضِيَك رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِدِينِنَا أَفَلَا نَرْضَاك لِدُنْيَانَا إشَارَةً لِتَقْدِيمِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الصَّلَاةِ فَجَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ الزَّكَاةُ يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مَعَ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّعْيِينِ وَكَوْنَ الْأَصْلِ عَدَمُ وُقُوعِهِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لِلْمُكَلَّفِ وَعُذْرًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا هُوَ ضَابِطُ مَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهُ مِنْ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ، وَضَابِطُ مَا لَا يَجِبُ الْفَحْصُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ فَاعْلَمْهُ وَاعْتَمِدْ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَفْضَلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَزِيَّةِ وَالْخَاصِّيَّةِ] الْفَرْقُ الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَفْضَلِيَّةِ وَبَيْن قَاعِدَةِ الْمَزِيَّةِ وَالْخَاصِّيَّةِ) وَذَلِكَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمَفْضُولَ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَصَّ بِخَصْلَةٍ لَيْسَتْ فِي الْمَجْمُوعِ الْحَاصِلِ لِلْفَاضِلِ مِنْ الْفَضَائِلِ، وَحِينَئِذٍ فَقَاعِدَةُ الْأَفْضَلِيَّةِ أَنْ يَكُونَ الْمَجْمُوعُ الْحَاصِلُ لِلْفَاضِلِ مِنْ الْفَضَائِلِ دُونَ الْمَجْمُوعِ الْحَاصِلِ لِلْمَفْضُولِ، وَقَاعِدَةُ الْمَزِيَّةِ وَالْخَاصِّيَّةِ أَنْ يَخْتَصَّ الْمَفْضُولُ بِخَصْلَةٍ لَمْ تَحْصُلْ فِي مَجْمُوعِ الْفَاضِلِ، وَمَنْ اسْتَقْرَى ذَلِكَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ وَجَدَ لَهُ أَمْثِلَةً كَثِيرَةً مِنْهَا مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَلَّى الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ فَإِذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْأَذَانِ أَقْبَلَ فَإِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَدْبَرَ فَإِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِالصَّلَاةِ جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ لَهُ اُذْكُرْ كَذَا اُذْكُرْ كَذَا حَتَّى يَضِلَّ الرَّجُلُ فَلَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى» ، فَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا يَنْفِرُ مِنْ الصَّلَاةِ، وَأَنَّهُ لَا يَهَابُهَا وَيَهَابُهُمَا مَعَ أَنَّهُمَا وَسِيلَتَانِ إلَيْهَا، وَالْوَسَائِلُ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْ الْمَقَاصِدِ، وَأَيْضًا أَيْنَ هِيَ مِنْهُمَا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «أَفْضَلُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» وَكَتَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى عُمَّالِهِ أَنَّ أَهَمَّ أُمُورِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ وَمِنْهَا مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «أَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ وَأَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ وَأَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ فِي فَضْلِ الصَّحَابَةِ مَعَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَفْضَلُ مِنْ الْجَمِيعِ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَفْضَلُ مِنْ أُبَيٍّ وَزَيْدٍ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ فَضَلَاهُ فِي الْفَرَائِضِ وَالْقِرَاءَةِ، وَمَا سَبَبُ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ لِلْمَفْضُولِ مَا لَمْ يَحْصُلْ لِلْفَاضِلِ وَمِنْهَا «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعُمَرَ مَا سَلَكَ عُمَرُ وَادِيًا وَلَا فَجًّا إلَّا سَلَكَ الشَّيْطَانُ فَجًّا غَيْرَهُ» فَأَخْبَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ عُمَرَ وَلَا يُلَابِسُهُ، وَأَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ «- عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَدْ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الشَّيْطَانُ الْبَارِحَةَ لِيُفْسِدَ عَلَيَّ صَلَاتِي فَلَوْلَا أَنِّي تَذَكَّرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ لَرَبَطْته بِسَارِيَةٍ مِنْ سِوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَلْعَبَ بِهِ صِبْيَانُ الْمَدِينَةِ» ، وَفِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ «أَنَّ شَيْطَانًا قَصَدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ فَأَمَرَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالتَّعَوُّذِ مِنْهُ فَلَمْ يَنْفِرْ الشَّيْطَانُ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا نَفَرَ مِنْ عُمَرَ وَأَيْنَ عُمَرُ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ لِلْمَفْضُولِ مَا لَا يَحْصُلُ لِلْفَاضِلِ. وَمِنْهَا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَدْ حَصَلَ لِلْمَلَائِكَةِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى الْعِبَادَةِ مَعَ جَمِيعِ الْأَنْفَاسِ يُلْهَمُ أَحَدُهُمْ التَّسْبِيحَ كَمَا يُلْهَمُ أَحَدُنَا النَّفَسَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفَضَائِلِ وَالْمَزَايَا الَّتِي لَمْ تَحْصُلْ لِلْبَشَرِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَنْبِيَاءُ أَفْضَلُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ الْحَاصِلَ لِلْأَنْبِيَاءِ مِنْ الْمَزَايَا وَالْمَحَاسِنِ أَعْظَمُ مِنْ الْمَجْمُوعِ الْحَاصِلِ لِلْمَلَائِكَةِ وَمِنْهَا مَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ مِنْ أَنَّ الْمَدِينَةَ أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ، وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ فِي مَكَّةَ أَكْثَرَ مِنْ الْعَمَلِ فِيهَا؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ التَّفْضِيلِ لَا تَنْحَصِرُ فِي مَزِيدِ الْمُضَاعَفَةِ

ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى تَقْدِيمِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلْإِمَامَةِ وَهَذَا فِي ظَاهِرِ الْحَالِ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّقْدِيمِ فِي الصَّلَاةِ التَّقْدِيمُ فِي الْخِلَافَةِ. وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ لِلْخِلَافَةِ، وَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَتَّبِعُ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ، وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فَعِنْدَ ذَلِكَ، وُكِّلَ الْأَمْرُ فِيهِ إلَى الِاجْتِهَادِ فَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُشِيرُ إلَى خِلَافَتِهِ بِالْإِيمَاءِ وَأَنْوَاعِ التَّكْرِيمِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِمَحَاسِنِهِ الَّتِي تُوجِبُ تَقْدِيمَهُ فَمِنْ ذَلِكَ تَقْدِيمُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الصَّلَاةِ «وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي مَرَضِ مَوْتِهِ يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُسْلِمُونَ إلَّا أَبَا بَكْرٍ» مُشِيرًا بِذَلِكَ إلَى أَنَّ مَنْ كَانَ مُتَعَيِّنًا لِلْخِلَافَةِ كَيْفَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لِلصَّلَاةِ فَمُرَادُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّك رَضِيَك النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِدِينِنَا الرِّضَا الْخَاصَّ الَّذِي تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْنَا أَنْ نَرْضَاك لِلْخِلَافَةِ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ الرِّضَا بِحَيْثُ يَقْتَصِرُ عَلَى أَهْلِيَّتِهِ لِلْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ خَاصَّةً الثَّانِي أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَصَدَ بِذَلِكَ تَسْكِينَ الثَّائِرَةِ وَالْفِتْنَةِ وَرَدْعَ الْأَهْوَاءِ بِذِكْرِ حُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ لِيَسْكُنَ لَهَا أَكْثَرُ النَّاسِ فَيَنْدَفِعَ الْفَسَادُ. وَثَالِثُهَا أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَك النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِدِينِنَا عَلَى ظَاهِرِهِ وَتُجْعَلَ الْإِضَافَةُ عَلَى بَابِهَا مُوجِبَةً لِلْعُمُومِ كَمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ هُوَ اللُّغَةُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ فَجَعَلُوهَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ لُغَةً، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» فَكَانَ ذَلِكَ عَامًّا فِي جَمِيعِ مَاءِ الْبَحْرِ وَمَيْتَتِهِ بِسَبَبِ الْإِضَافَةِ فَفَهِمَ عُمَرُ مِنْ إشَارَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ الصِّدِّيقَ مَرْضِيٌّ لِجَمِيعِ حُرُمَاتِ الدِّينِ وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَحْوَالُ الْأُمَّةِ وَالنَّظَرُ فِي مَصَالِحِ الْمِلَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ أَعَمِّ ـــــــــــــــــــــــــــــSذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى تَقْدِيمِهِ لِلْإِمَامَةِ، وَهَذَا فِي ظَاهِرِ الْحَالِ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّقْدِيمِ فِي الصَّلَاةِ التَّقْدِيمُ فِي الْخِلَافَةِ، وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ مِنْ وُجُوهٍ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِمِنًى عِنْدَ التَّوَجُّهِ لِعَرَفَةَ أَفْضَلُ مِنْهَا بِمَسْجِدِ مَكَّةَ وَإِنْ انْتَفَتْ عَنْهَا الْمُضَاعَفَةُ، وَمِنْهَا أَنَّ فِي الشَّعِيرِ مِنْ الْخَوَاصِّ الطَّيِّبَةِ مَا لَيْسَ فِي الْبُرِّ وَفِي الْخَوَاصِّ النَّافِعَةِ بِالْحَالِ وَغَيْرِهَا مَا لَيْسَ فِي الذَّهَبِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْمَدِينَةِ فَقِيرٌ عِنْدَهُ ابْنَةٌ حَسْنَاءُ أَوْ تُحْفَةٌ غَرِيبَةٌ لَيْسَتْ عِنْدَ مَلِكِهَا، وَمَجْمُوعُ مَا حَصَلَ لِلْمَلِكِ قَدْرُ مَا حَصَلَ لِذَلِكَ الْفَقِيرِ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَبِالْجُمْلَةِ فَبِسَبَبِ قَاعِدَةِ أَنَّ الْمَفْضُولَ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَصَّ بِمَا لَيْسَ لِلْفَاضِلِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَانْدَفَعَ التَّنَاقُصُ فِي مِثْلِ كَوْنِ الصَّلَاةِ أَفْضَلَ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا أَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْهُمَا دُونَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) ذَكَرَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ بَابَا التنبكتي فِي نَيْلِ الِابْتِهَاجِ آخِرَ تَرْجَمَةِ الْإِمَامِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَبْدُوسِيِّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّصَّاعِ أَنَّ صَاحِبَ التَّرْجَمَةِ كَانَ يَقُولُ فِي مَجْلِسِهِ بِجَامِعِ الْقَصْرِ مِنْ تُونُسَ مِمَّا جُرِّبَ لِتَسْهِيلِ الرِّزْقِ وَالْأَمَانِ وَالتَّحَصُّنِ مِنْ آفَاتِ الزَّمَانِ أَنْ تَكْتُبَ فِي وَرَقَةٍ، وَيُجْعَلَ عَلَى الرَّأْسِ مَنَاقِبَ السَّادَاتِ الْكِرَامِ مِنْ الصَّحَابَةِ جَمَعَهُمْ مِنْ كُتُبٍ عَدِيدَةٍ أَثْنَى عَلَيْهِمْ سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الرَّصَّاعُ: وَقَدْ قَيَّدْتهَا قَدِيمًا وَوَجَدْت لَهَا بَرَكَاتٍ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهِيَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحَبَّ أَبَا بَكْرٍ فَقَدْ أَقَامَ الدِّينَ وَمَنْ أَحَبَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَدْ أَوْضَحَ السَّبِيلَ وَمَنْ أَحَبَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَدْ اسْتَضَاءَ بِنُورِ اللَّهِ وَمَنْ أَحَبَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى أَلَا وَإِنَّ أَرْأَفَ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ وَإِنَّ أَقْوَاهُمْ صَلَابَةً فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَإِنَّ أَشَدَّهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَإِنَّ أَقْضَاهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَلِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ وَحَوَارِيِّي الزُّبَيْرُ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلْيَنْظُرْ إلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ مِنْ أَحْبَابِ الرَّحْمَنِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَدُورُ مَعَ الْحَقِّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ تَاجِرُ اللَّهِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ أَمِينُ اللَّهِ وَمَا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ وَلَا أَظَلَّتْ الْخَضْرَاءُ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى زُهْدِ عِيسَى فَلْيَنْظُرْ إلَى زُهْدِ أَبِي ذَرٍّ وَإِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى لِرِضَا سَلْمَانَ وَيَسْخَطُ لِسُخْطِ سَلْمَانَ وَإِنَّ الْجَنَّةَ لَتَشْتَاقُ إلَى سَلْمَانَ أَشَدَّ مِنْ اشْتِيَاقِ سَلْمَانَ إلَى الْجَنَّةِ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ حَلِيمٌ وَحَلِيمُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ مِنْ أَصْفِيَاءِ الرَّحْمَنِ وَإِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَإِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالْفَرَائِضِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَإِنَّ أَقْرَأَ أُمَّتِي أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ وَحَمْزَةُ أَسَدُ اللَّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ. وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ سَيْفُ اللَّهِ وَسَيْفُ رَسُولِهِ وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ذُو الْجَنَاحَيْنِ فِي الْجَنَّةِ يَطِيرُ بِهِمَا فِيهَا حَيْثُ يَشَاءُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْهُمَا وَالْعَبَّاسُ عَمِّي وَصِنْوُ أَبِي وَرَضِيت لِأُمَّتِي مَا رَضِيَ لَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَصَوْتُ أَبِي طَلْحَةَ فِي الْجَيْشِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةٍ أَوْ خَيْرٌ مِنْ فِئَةٍ وَلِكُلِّ نَبِيٍّ خَادِمٌ وَخَادِمِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَلِكُلِّ نَبِيٍّ خَلِيلٌ وَخَلِيلِي سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ فَارِسٌ وَفَارِسُ الْقُرْآنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ وَأَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ بِلَالٌ وَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا أَبُو الدَّحْدَاحِ وَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ تُصَافِحُهُ الْمَلَائِكَةُ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يَرِدُ حَوْضِي صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ مِنْ الصِّدِّيقِينَ

[الفرق بين قاعدة الاستغفار من الذنوب المحرمات]

فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ فَهُوَ مِنْ الدِّينِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ أَفَلَا نَرْضَاك لِدُنْيَانَا أَيْ هَؤُلَاءِ إنَّمَا يَتَنَازَعُونَ يَعْنِي الْأَنْصَارَ فِي أُمُورِ رِئَاسَةٍ وَعُلُوٍّ وَحُصُولِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مِنْ قِبَلِهِمْ، وَهَذَا أَمْرٌ دُنْيَوِيٌّ لَا دِينِيٌّ فَيَكُونُ حَسِيسًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الدِّينِ الَّذِي هُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَصَالِحِ الْأُمَّةِ وَالْمِلَّةِ، وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ فَإِنَّ الْمَرْضِيَّ لِمَعَالِي الْأُمُورِ لَا يَقْصُرُ دُونَ خَسِيسِهَا فَانْدَفَعَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ هَذَا السُّؤَالُ، وَكَانَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَجَلَّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَإِنَّمَا قَامَ الْأَنْصَارُ فِي مُنَازَعَتِهِ لِطَلَبِ الْعُلُوِّ وَالرِّئَاسَةِ، وَلِهَذَا قَالَ قَائِلُهُمْ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْإِمَامَةِ لَيْسَتْ مِنْ مَصَالِحِ الدِّينِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى الْمُخَالَفَةِ وَالْمُشَاقَقَةِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَجِدْ هَذَا الْقَائِلُ الْأَمْرَ يَصْفُو لَهُ وَحْدَهُ طَلَبَ الشَّرِكَةَ تَحْصِيلًا لِمَقْصِدِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَيْسَ مَصْلَحَةً لِلنَّاسِ. وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إنَّ قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44] إنَّهُ الْخِلَافَةُ وَإِنَّهُ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطُوفُ عَلَى الْقَبَائِلِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ لِيَنْصُرُوهُ فَيَقُولُونَ لَهُ وَيَكُونُ لَنَا الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِك فَيَقُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي قَدْ مُنِعْتُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيَّ {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف: 44] » فَلَمْ يَكُنْ لِلْأَنْصَارِ فِي هَذَا الشَّأْنِ شَيْءٌ، وَهَذَا مُسْتَوْعَبٌ فِي كُتُبِ الْإِمَامَةِ وَمَوْضِعُهُ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهُ، وَقَدْ سُئِلَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْقَيْرَوَانِ مَنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْخِلَافَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ إنَّا بِالْقَيْرَوَانِ نَعْلَمُ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ مِنَّا بِالْقَضَاءِ، وَمَنْ هُوَ أَصْلَحُ مِنَّا لِلْفُتْيَا وَمَنْ هُوَ أَصْلَحُ مِنَّا لِلْإِمَامَةِ أَيَخْفَى ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا يَسْأَلُ عَنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَهْلُ الْعِرَاقِ، وَصَدَقَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَا قَالَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــSإنَّمَا يَسْأَلُ عَنْ هَذَا الْمَسَائِلِ أَهْلُ الْعِرَاقِ، وَصَدَقَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَا قَالَهُ) . قُلْت: الْجَوَابَاتُ لَا بَأْسَ بِهَا غَيْرَ مَا تَضَمَّنَهُ الْجَوَابُ الْأَخِيرُ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْأَنْصَارِ فِي قَوْلِهِ إنَّمَا قَامُوا فِي مُنَازَعَتِهِ لِطَلَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ وُفُودِ الرَّحْمَنِ وَإِنَّ أَفْضَلَ النِّسَاءِ آسِيَةُ وَمَرْيَمُ وَخَدِيجَةُ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ وَنِسَائِي خَيْرُ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَحَبُّهُنَّ إلَيَّ عَائِشَةُ وَأَصْحَابِي كُلُّهُمْ كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ وَمَنْ أَحَبَّ أَصْحَابِي فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَبْغَضَ أَصْحَابِي فَقَدْ أَبْغَضَنِي أَلَا وَإِنَّ عَلَيْهِ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» . هَذِهِ وَصِيَّةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَادَاتِنَا نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِمْ وَحَشَرَنَا فِي زُمْرَتِهِمْ وَنَرْغَبُ مِنْ حَامِلِ هَذَا الْكِتَابِ أَنْ يُعْطِيَ مِنْهُ نُسَخًا لِلْمُؤْمِنِينَ وَالسَّلَامُ مِنْ كَاتِبِهِ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ الرَّصَّاعِ اهـ. نَقَلْته مِنْ خَطِّ وَالِدِي قَائِلًا نَقَلْته مِنْ خَطِّ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ هِلَالٍ قَالَ نَقَلْته مِنْ خَطِّ الرَّصَّاعِ وَقَدْ رَأَيْت لِعَمِّي نَزِيلِ الْمَدِينَةِ الْحَاجِّ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَحْمَدَ شَرْحًا عَلَى هَذِهِ الْمَنَاقِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ بِلَفْظِهِ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِغْفَارِ مِنْ الذُّنُوبِ الْمُحَرَّمَاتِ] (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِغْفَارِ مِنْ الذُّنُوبِ الْمُحَرَّمَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِغْفَارِ مِنْ تَرْكِ الْمَنْدُوبَاتِ) لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ لَا يَحْسُنُ فِيمَا لَيْسَ فِي فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ الْعُقُوبَاتُ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ وَالْمُبَاحَاتِ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ فِيمَا فِي فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ الْعُقُوبَاتُ مِنْ تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ وَفِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ إلَّا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا كَانَ يُعَاقِبُ عَلَى الذَّنْبِ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَيُثِيبُ عَلَى الطَّاعَةِ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَيْضًا أَمَّا ثَلَاثَةُ الْعِقَابِ فَأَحَدُهَا الْمُؤْلِمَاتُ كَالنَّارِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ فِي ذَلِكَ وَثَانِيهَا تَيْسِيرُ الْمَعْصِيَةِ فِي شَيْءٍ آخَرَ فَيَجْتَمِعُ عَلَى الْعَاصِي عُقُوبَتَانِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ فَقَدْ جَعَلَ سُبْحَانَهُ الْعُسْرَى مُسَبَّبَةً عَنْ الْمَعَاصِي الْمُتَقَدِّمَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} [الليل: 8] {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 9] {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 10] وَجَعَلَ سُبْحَانَهُ الرِّدَّةَ مُسَبَّبَةً عَنْ الْمَعْصِيَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ - ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ} [محمد: 25 - 26] الْآيَةَ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى ذَلِكَ إشَارَةً إلَى الرِّدَّةِ وَقَوْلُهُ بِأَنَّهُمْ قَالُوا الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ الرَّجُلَ لَيُخْتَمُ لَهُ بِالْكُفْرِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ ذُنُوبِهِ» وَثَالِثُهَا تَفْوِيتُ الطَّاعَاتِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى سَلْبِ الْفَلَاحِ وَالْخَيْرِ بِسَبَبِ الْأَوْصَافِ الْمَذْمُومَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهَا مِنْ نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: 146] وقَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 108] {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام: 21] وَأَمَّا ثَلَاثَةُ الثَّوَابِ فَأَحَدُهَا الْأُمُورُ الْمُسْتَلَذَّاتُ كَمَا فِي الْجَنَّاتِ مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَغَيْرِهِمَا وَثَانِيهَا تَيْسِيرُ الطَّاعَاتِ فَيَجْتَمِعُ لِلْعَبْدِ مَثُوبَتَانِ فَقَدْ جَعَلَ سُبْحَانَهُ الْيُسْرَى مُسَبَّبَةً عَنْ الْإِعْطَاءِ وَمَا مَعَهُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل: 5] {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 6] {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 7] وَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69] {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] {يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَثَالِثُهَا تَعْسِيرُ الْمَعَاصِي عَلَيْهِ وَصَرْفُهَا عَنْهُ وَكَانَ نِسْيَانُ الْإِنْسَانِ الْأَذَانَ أَوْ الْإِقَامَةَ أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ فَيُحْرَمُ ثَوَابَهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ سِيَّمَا وَكَلِمَاتُ الْأَذَانِ طَيِّبَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتُوجِبُ لِقَائِلِهَا ثَوَابًا سَرْمَدِيًّا خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَمُصِيبَةُ فَوَاتِ ثَوَابِهَا مُسَبَّبَةٌ عَنْ مَعَاصٍ سَابِقَةٍ وَقَعَتْ

[الفرق بين قاعدة النسيان في العبادات لا يقدح وقاعدة الجهل يقدح]

وَبِهَذِهِ الْمَبَاحِثِ أَيْضًا يَظْهَرُ مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا وَجَدَ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ لِلْقَضَاءِ مِمَّنْ هُوَ مُتَوَلٍّ الْآنَ عَزَلَ الْأَوَّلَ وَوَلَّى الثَّانِيَ، وَكَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ لِئَلَّا يُفَوِّتَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَصْلَحَةَ الْأَفْضَلِ مِنْهُمَا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْزِلَ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى لِئَلَّا يُفَوِّتَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَصْلَحَةَ الْأَعْلَى وَلَا يَنْفُذُ عَزْلُ الْأَعْلَى؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ الَّذِي عَزَلَهُ مَعْزُولٌ عَنْ عَزْلِهِ، وَإِنَّمَا وَلَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] وَإِذَا كَانَ الْوَصِيُّ مَعْزُولًا عَنْ غَيْرِ الْأَحْسَنِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ فَمَصْلَحَةُ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ أَوْلَى بِذَلِكَ. فَالْإِمَامُ الْأَعْظَمُ مَعْزُولٌ عَنْ عَزْلِ الْأَصْلَحِ لِلنَّاسِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ أُمَّتِي شَيْئًا ثُمَّ لَمْ يَجْتَهِدْ لَهُمْ وَلَمْ يَنْصَحْ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» ـــــــــــــــــــــــــــــSالْعُلُوِّ وَالرِّئَاسَةِ، وَإِنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَصْفُو لَهُمْ طَلَبُوا الشَّرِكَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ أَمْرٌ لَا يَلِيقُ بِهِمْ، وَلَا تَصِحُّ نِسْبَةُ مِثْلِهِ إلَيْهِمْ، وَلَيْسَ الظَّنُّ بِهِمْ إلَّا أَنَّهُمْ طَلَبُوا ذَلِكَ لِتَحْصِيلِ الْأُجُورِ الْحَاصِلَةِ لِمُتَوَلِّي أَمْرِ الْإِمَامَةِ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ فَلَمَّا لَمْ يُسَاعَدُوا عَلَى ذَلِكَ طَلَبُوا الشَّرِكَةَ طَمَعًا فِي تَحْصِيلِ بَعْضِ تِلْكَ الْأُجُورِ إذْ تَعَذَّرَ تَحْصِيلُ جَمِيعِهَا هَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِهِمْ لَا مَا ذَكَرَهُ مِنْ إيثَارِ الرِّئَاسَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ الَّتِي لَا تُنَاسِبُ أَحْوَالَهُمْ فِي بَذْلِهِمْ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (وَبِهَذِهِ الْمَبَاحِثِ أَيْضًا يَظْهَرُ مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا وَجَدَ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ لِلْقَضَاءِ مِمَّنْ هُوَ مُتَوَلٍّ الْآنَ عَزَلَ الْأَوَّلَ وَوَلَّى الثَّانِيَ، وَكَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ لِئَلَّا يُفَوِّتَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَصْلَحَةَ الْأَفْضَلِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ) . قُلْت: مَا حَكَاهُ عَنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا وَجَدَ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ لِلْقَضَاءِ عَزَلَ الْمُتَوَلِّيَ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ مُقَصِّرٌ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ لَا عَلَى أَنَّهُ أَهْلٌ، وَلَكِنَّ غَيْرَهُ أَمَسُّ مِنْهُ بِالْأَهْلِيَّةِ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ الْقَضَاءِ تَحْصُلُ مِنْ الْمَفْضُولِ الْمُتَّصِفِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُ قَالَ تَعَالَى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا وَقَعَ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ تَرَكَ الْإِقَامَةَ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ أَنَّهُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَقَدْ اتَّفَقَ الْجَلَّابُ وَالتَّهْذِيبُ عَلَى نَقْلِ ذَلِكَ عَنْهُ هُوَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْإِنْسَانِ الِاسْتِغْفَارُ لِأَجْلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ تَرْكُهَا مِنْ ذُنُوبٍ سَالِفَةٍ لَا أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ يُشْرَعُ فِي تَرْكِ الْمَنْدُوبَاتِ وَظَهَرَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ هُوَ أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ فِي تَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ وَتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ لِأَجْلِهَا مُطَابَقَةٌ وَفِي تَرْكِ الْمَنْدُوبَاتِ لِأَجْلِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ لَا أَنَّهُ لَهَا مُطَابَقَةٌ وَبِهِ يَنْحَلُّ كُلُّ إشْكَالٍ يَرِدُ عَلَى مَا وَقَعَ لِلْعُلَمَاءِ مِنْ ذِكْرِ الِاسْتِغْفَارِ عَنْ تَرْكِ الْمَنْدُوبَاتِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّسْيَانِ فِي الْعِبَادَاتِ لَا يَقْدَحُ وَقَاعِدَةِ الْجَهْلِ يَقْدَحُ] الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّسْيَانِ فِي الْعِبَادَاتِ لَا يَقْدَحُ وَقَاعِدَةِ الْجَهْلِ يَقْدَحُ وَكِلَاهُمَا غَيْرُ عَالِمٍ بِمَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ) الْجَهْلُ وَالنِّسْيَانُ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي أَنَّ الْمُتَّصِفَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ عَالِمٍ بِمَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَتَيْنِ الْجِهَةُ الْأُولَى أَنَّ النِّسْيَانَ يَهْجُمُ عَلَى الْعَبْدِ قَهْرًا بِحَيْثُ لَا تَكُونُ لَهُ حِيلَةٌ فِي دَفْعِهِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْجَهْلِ فَإِنَّ لَهُ حِيلَةً فِي دَفْعِهِ بِالتَّعَلُّمِ الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ الْأُمَّةَ قَدْ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ النِّسْيَانَ لَا إثْمَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَدَلَّ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» عَلَى أَنَّ النَّاسِيَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ. وَأَمَّا الْجَهْلُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مِنْ الْقَاعِدَةِ الَّتِي حَكَى الْغَزَالِيُّ فِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ وَالشَّافِعِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهَا مِنْ أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى فِعْلٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهَا مِنْ جِهَةِ الْقُرْآنِ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} [هود: 47] إذْ مَعْنَاهُ مَا لَيْسَ لِي بِجَوَازِ سُؤَالِهِ عِلْمٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا عُوتِبَ عَلَى سُؤَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِابْنِهِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ لِكَوْنِهِ سَأَلَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِحَالِ الْوَلَدِ، وَأَنَّهُ مِمَّا يَنْبَغِي طَلَبُهُ أَمْ لَا. وَأَجَابَ بِمَا ذُكِرَ كَانَ كِلَا الْعَتْبِ وَالْجَوَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْعِلْمِ بِمَا يُرِيدُ الْإِنْسَانُ أَنْ يَشْرَعَ فِيهِ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] حَيْثُ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ اتِّبَاعِ غَيْرِ الْمَعْلُومِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الشُّرُوعُ فِي شَيْءٍ حَتَّى يَعْلَمَ، وَكَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ» يُعْلَمُ أَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ وَاجِبٌ عَيْنًا فِي كُلِّ حَالَةٍ يُقْدِمُ عَلَيْهَا الْإِنْسَانُ فَمَنْ بَاعَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا عَيَّنَهُ اللَّهُ وَشَرَعَهُ فِي الْبَيْعِ، وَمَنْ آجَرَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِجَارَةِ، وَمَنْ قَارَضَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقِرَاضِ وَمَنْ صَلَّى يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ، وَهَكَذَا الطَّهَارَةُ وَجَمِيعُ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ فَمَنْ تَعَلَّمَ وَعَمِلَ بِمُقْتَضَى مَا عَلِمَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى طَاعَتَيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ مَعْصِيَتَيْنِ، وَمَنْ عَلِمَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمُقْتَضَى عِلْمِهِ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى طَاعَةً وَعَصَاهُ مَعْصِيَةً فَمِنْ هُنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - طَلَبُ الْعِلْمِ قِسْمَانِ فَرْضُ عَيْنٍ وَفَرْضُ كِفَايَةٍ، فَفَرْضُ الْعَيْنِ عِلْمُك بِحَالَتِك الَّتِي أَنْتَ فِيهَا وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ مَا عَدَا ذَلِكَ. وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ الْجَهْلَ فِي الصَّلَاةِ كَالْعَمْدِ، وَالْجَاهِلُ كَالْمُتَعَمِّدِ لَا كَالنَّاسِي بَلْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي شَرْحِهِ عَلَى نَظْمِ بَهْرَامَ فِيمَا لَا يُعْذَرُ فِيهَا بِالْجَهْلِ لِلْقَاعِدَةِ أَنَّ الْجَاهِلَ فِي

[الفرق بين قاعدة ما لا يكون الجهل عذرا فيه وبين قاعدة ما يكون الجهل عذرا فيه]

وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ الْمُحَرَّمُ لَا يَنْفُذُ فِي الشَّرِيعَةِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدْخَلَ فِي دِينِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» فَقَدْ تَحَرَّرَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ يَصِحُّ تَقْدِيمُهُ وَبَيْنَ مَنْ يَصِحُّ تَأْخِيرُهُ، وَذَلِكَ عَامٌّ فِي الصَّلَاةِ وَالْقَضَاءِ وَالْأَوْصِيَاءِ وَالْكُفَلَاءِ فِي الْحَضَانَةِ وَفِي غَيْرِهَا، وَوِلَايَةُ النِّكَاحِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى مَعْرِفَةِ هَذَا الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَتَحْرِيرِ ضَابِطِهِمَا وَبِاَللَّهِ الْعِصْمَةُ. (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الشَّكِّ فِي طَرَيَانِ الْإِحْدَاثِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ يُعْتَبَرُ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الشَّكِّ فِي طَرَيَان غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ وَالرَّوَافِعِ لِلْأَسْبَابِ لَا تُعْتَبَرُ) اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَتَاوَى ظَاهِرُهَا التَّنَاقُضُ وَفِي التَّحْقِيقِ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَهَا؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ إذَا شَكَّ فِي الْحَدَثِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ يَجِبُ الْوُضُوءُ فَاعْتُبِرَ الشَّكُّ، وَإِنْ شَكَّ فِي الطَّهَارَةِ بَعْدَ الْحَدَثِ فَلَا عِبْرَةَ بِالطَّهَارَةِ فَأُلْغِيَ الشَّكُّ، وَإِنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً لَزِمَهُ الثَّلَاثُ فَاعْتُبِرَ الشَّكُّ، وَإِنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَأُلْغِيَ الشَّكُّ، وَإِنْ حَلَفَ يَمِينًا وَشَكَّ فِي عَيْنِهَا هَلْ هِيَ طَلَاقٌ أَوْ عَتَاقٌ أَوْ غَيْرُهُمَا لَزِمَهُ جَمِيعُ مَا شَكَّ فِيهِ فَاعْتُبِرَ الشَّكُّ، وَإِنْ شَكَّ هَلْ سَهَا أَمْ لَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَأُلْغِيَ الشَّكُّ، وَإِنْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا جَعَلَهَا ثَلَاثًا وَصَلَّى وَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــSبِالْأَهْلِيَّةِ كَمَا تَحْصُلُ مِنْ الْفَاضِلِ الْمُتَّصِفِ بِهَا فَلَا وَجْهَ لِعَزْلِهِ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الْوَصِيِّ فِيهِ وَاسْتِدْلَالُهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ أُمَّتِي شَيْئًا وَلَمْ يَجْتَهِدْ لَهُمْ وَلَمْ يَنْصَحْ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» نَقُولُ بِمُوجَبِهِ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَحِلَّ النِّزَاعِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِيمَنْ لَمْ يَجْتَهِدْ وَلَمْ يَنْصَحْ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَنْ يَجْتَهِدُ وَيَنْصَحُ وَهُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ غَيْرَهُ أَمَسُّ بِالْأَهْلِيَّةِ مِنْهُ، وَمَا قَالَهُ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْفُرُوقِ السَّبْعَةِ إلَى تَمَامِ الْفَرْقِ الثَّالِثِ وَالْمِائَةِ صَحِيح. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِبَادَاتِ كَالْعَامِدِ اهـ وَذَلِكَ أَنَّهُ بِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ مِنْ الْعِلْمِ بِمَا يُقْدِمُ عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ الصَّلَاةِ كَانَ عَاصِيًا كَالْمُتَعَمِّدِ التَّرْكَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَكُونُ الْجَهْلُ عُذْرًا فِيهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَكُونُ الْجَهْلُ عُذْرًا فِيهِ] الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَكُونُ الْجَهْلُ عُذْرًا فِيهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَكُونُ الْجَهْلُ عُذْرًا فِيهِ) . اعْلَمْ أَنَّ الْجَهْلَ نَوْعَانِ: النَّوْعُ الْأَوَّلُ جَهْلٌ تَسَامَحَ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَنْهُ فِي الشَّرِيعَةِ فَعَفَا عَنْ مُرْتَكِبِهِ، وَضَابِطُهُ أَنَّ كُلَّ مَا يُتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ عَادَةً فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَلَهُ صُوَرٌ إحْدَاهَا مَنْ وَطِئَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً بِاللَّيْلِ يَظُنُّهَا امْرَأَتَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ عُفِيَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْفَحْصَ عَنْ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ عَلَى النَّاسِ. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ الْجَهْلُ بِنَجَاسَةِ الْأَطْعِمَةِ وَالْمِيَاهِ وَالْأَشْرِبَةِ يُعْفَى عَنْهُ لِمَا فِي تَكَرُّرِ الْفَحْصِ عَنْ ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالْكُلْفَةِ فَالْجَاهِلُ الْمُسْتَعْمِلُ لِشَيْءٍ مِنْهَا لَا إثْمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ لَا إثْمَ عَلَى مَنْ شَرِبَ خَمْرًا يَظُنُّهُ جُلَّابًا فِي جَهْلِهِ بِهِ لِمَشَقَّةِ فَحْصِهِ عَنْهُ. الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ لَا إثْمَ عَلَى مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا فِي صَفِّ الْكُفَّارِ يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا فِي جَهْلِهِ بِهِ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْ ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. الصُّورَةُ الْخَامِسَةُ لَا إثْمَ عَلَى الْحَاكِمِ يَقْضِي بِشُهُودِ الزُّورِ جَاهِلًا بِحَالِهِمْ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ. الصُّورَةُ السَّادِسَةُ قَالَ الْحَطَّابُ عِنْدَ قَوْلِهِ عَاطِفًا عَلَى مَا يُبْطِلُ الشَّهَادَةَ أَوْ شَهِدَ وَحَلَفَ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ مِنْ جَهَلَةِ الْعَوَامّ فَإِنَّهُمْ يَتَسَامَحُونَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي عِنْدِي أَنْ يُعْذَرُوا بِهِ اهـ. النَّوْعُ الثَّانِي جَهْلٌ لَمْ يَتَسَامَحْ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَنْهُ فِي الشَّرِيعَةِ فَلَمْ يَعْفُ عَنْ مُرْتَكِبِهِ، وَضَابِطُهُ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يُتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَلَا يَشُقُّ لَمْ يَعْفُ عَنْهُ وَهَذَا النَّوْعُ يَطَّرِدُ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَفِي بَعْضِ أَنْوَاعٍ مِنْ الْفُرُوعِ، أَمَّا أُصُولُ الدِّينِ فَلِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ لَمَّا شَدَّدَ فِي جَمِيعِ الِاعْتِقَادَاتِ تَشْدِيدًا عَظِيمًا بِحَيْثُ إنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ بَذَلَ جَهْدَهُ، وَاسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ فِي رَفْعِ الْجَهْلِ عَنْهُ فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ أَوْ فِي شَيْءٍ يَجِبُ اعْتِقَادُهُ مِنْ أُصُولِ الدِّيَانَاتِ، وَلَمْ يَرْتَفِعْ ذَلِكَ الْجَهْلُ لَكَانَ بِتَرْكِ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ آثِمًا كَافِرًا يَخْلُدُ فِي النِّيرَانِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذَاهِبِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ أَوْصَلَ الِاجْتِهَادَ حَدَّهُ، وَصَارَ الْجَهْلُ لَهُ ضَرُورِيًّا لَا يُمْكِنُهُ رَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى صَارَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ فِيمَا يُعْتَقَدُ أَنَّهَا مِنْ بَابِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ، وَبِحَيْثُ إنَّهُ يُكَلَّفُ بِأَدِلَّةِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَدَقَائِقِ أُصُولِ الدِّينِ نَحْوِ الْمَرْأَةِ الْبَلْهَاءِ الْمَفْسُودَةِ الْمِزَاجُ النَّاشِئَةِ فِي الْأَقَالِيمِ الْمُنْحَرِفَةِ عَمَّا يُوجِبُ اسْتِقَامَةَ الْعَقْلِ كَأَقَاصِي بِلَادِ السُّودَانِ وَأَقَاصِي بِلَادِ الْأَتْرَاكِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَقَالِيمَ لَا يَكُونُ لِلْعَقْلِ فِيهَا كَبِيرُ رَوْنَقٍ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بِلَادِ الْأَتْرَاكِ عِنْدَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ {وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا} [الكهف: 93] حَتَّى صَارَ تَكْلِيفُ مَنْ لَا يَفْهَمُ الْقَوْلَ، وَبَعُدَتْ أَهْلِيَّتُهُ لِهَذِهِ الْغَايَةِ بِذَلِكَ مِنْ بَابِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ لَمَّا اخْتَصَّهُ الشَّرْعُ بِثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ عَنْ الْفِقْهِ أَحَدُهَا أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ، وَثَانِيهَا أَنَّ الْمُخْطِئَ فِيهِ آثِمٌ، وَثَالِثُهَا لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهِ. وَأَمَّا أُصُولُ الْفِقْهِ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ يُلْحَقُ بِأُصُولِ الدِّينِ قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي كِتَابِ الْمُعْتَمَدِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ إنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ اُخْتُصَّ بِثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ عَنْ الْفِقْهِ أَنَّ الْمُصِيبَ فِيهِ وَاحِدٌ وَالْمُخْطِئَ فِيهِ آثِمٌ، وَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهِ، وَأَمَّا بَعْضُ

لِأَجْلِ الشَّكِّ فَاعْتُبِرَ الشَّكُّ، فَوَقَعَتْ هَذِهِ الْفُرُوعُ مُتَنَاقِضَةً كَمَا تَرَى فِي الظَّاهِرِ، وَإِذَا حَقَقْت عَلَى الْقَوَاعِدِ لَا يَكُونُ بَيْنَهَا تَنَاقُضٌ بَلْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ مَشْكُوكٍ فِيهِ مُلْغًى فَكُلُّ سَبَبٍ شَكَكْنَا فِي طَرَيَانِهِ لَمْ نُرَتِّبْ عَلَيْهِ مُسَبَّبَهُ، وَجَعَلْنَا ذَلِكَ السَّبَبَ كَالْعَدَمِ الْمَجْزُومِ بِعَدَمِهِ فَلَا نُرَتِّبُ الْحُكْمَ، وَكُلُّ شَرْطٍ شَكَكْنَا فِي وُجُودِهِ جَعَلْنَاهُ كَالْمَجْزُومِ بِعَدَمِهِ فَلَا نُرَتِّبْ الْحُكْمَ، وَكُلُّ مَانِعٍ شَكَكْنَا فِي وُجُودِهِ جَعَلْنَاهُ مُلْغًى كَالْمَجْزُومِ بِعَدَمِهِ فَيَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ إنْ وُجِدَ سَبَبُهُ فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ تَعَذَّرَ الْوَفَاءُ بِهَا فِي الطِّهَارَاتِ، وَتَعَيَّنَ إلْغَاؤُهَا مِنْ وَجْهٍ وَاخْتَلَفَتْ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - بِأَيِّ وَجْهٍ تُلْغَى وَإِلَّا فَهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى اعْتِبَارِهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا شُكَّ فِي طَرَيَانِ الْحَدَثِ جَعَلْته كَالْمَجْزُومِ بِعَدَمِهِ. وَالْمَجْزُومُ بِعَدَمِهِ لَا يَجِبُ مَعَهُ الْوُضُوءُ فَلَا يَجِبُ عَلَى هَذَا الشَّاكِّ الْوُضُوءُ، وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ تَفْتَقِرُ إلَى سَبَبٍ مُبَرِّئٍ مَعْلُومِ الْوُجُودِ أَوْ مَظْنُونِ الْوُجُودِ، وَالشَّكُّ فِي طَرَيَان الْحَدَثِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي بَقَاءِ الطَّهَارَةِ، وَالشَّكُّ فِي بَقَاءِ الطَّهَارَةِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الصَّلَاةِ الْوَاقِعَةِ هَلْ هِيَ سَبَبٌ مُبَرِّئٌ أَمْ لَا فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصَّلَاةُ كَالْمَجْزُومِ بِعَدَمِهَا، وَالْمَجْزُومُ بِعَدَمِ الصَّلَاةِ فِي حَقِّهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فَيَجِبُ عَلَى هَذَا الشَّاكِّ أَنْ يُصَلِّيَ بِطَهَارَةٍ مَظْنُونَةٍ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَرْفًا بِحَرْفٍ، وَكِلَاهُمَا يَقُولُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ مُلْغًى لَكِنْ أَلْغَاهُ مَالِكٌ فِي السَّبَبِ الْمُبَرِّئِ وَإِلْغَاءُ الشَّافِعِيِّ فِي الْحَدَثِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَرْجَحُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ مَقْصِدٌ وَالطَّهَارَاتِ وَسَائِلٌ، وَطَرْحُ الشَّكِّ تَحْقِيقًا لِلْمَقْصِدِ أَوْلَى مِنْ طَرْحِهِ لِتَحْقِيقِ الْوَسَائِلِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّهَارَاتِ يُشَكُّ فِيهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا إذَا شُكَّ فِيهِ، وَأَمَّا إذَا شُكَّ فِي الطَّهَارَةِ بَعْدَ الْحَدَثِ فَالْمَشْكُوكُ فِيهِ مُلْغًى عَلَى الْقَاعِدَةِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الطَّهَارَةُ، وَإِنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ شَرْطُهَا الْعِصْمَةُ، وَنَحْنُ نَشُكُّ فِي بَقَائِهَا فَيَكُونُ هَذَا الشَّرْطُ مُلْغًى عَلَى هَذِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْوَاعِ الْفُرُوعِ فَأَحَدُهَا نَوْعُ الْعِبَادَاتِ لِمَا مَرَّ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ مِنْ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْجَاهِلَ فِيهَا كَالْعَامِدِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ قَوْلِ بَهْرَامَ وَذَاكَ كَثِيرٌ فِي الْوُضُوءِ وَمِثْلُهُ ... بِفَرْضِ صَلَاةٍ ثُمَّ حَجٍّ تَحَصَّلَا مَا نَصُّهُ أَطْلَقَ فِي التَّوْضِيحِ الثَّلَاثَ فَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالْفَرْضِ، وَالْمَشْهُورُ إطْلَاقُ الْعِبَادَةِ فَتَشْمَلُ الصَّوْمَ وَالْعُمْرَةَ. وَقَالَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَوَاطِئُ: رَهِينُ اعْتِكَافٍ بِالشَّرِيعَةِ جَاهِلَا مَنْ وَطِئَ فِي اعْتِكَافِهِ جَهْلًا فَسَدَ اعْتِكَافُهُ، وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ جَهِلَ الْحُرْمَةَ أَوْ جَهِلَ أَنَّهُ مُفْسِدٌ، ثُمَّ قَالَ إنَّ الِاعْتِكَافَ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْجَاهِلَ فِيهَا كَالْعَامِدِ، وَلَا مَفْهُومَ لِلْوَطْءِ بَلْ كُلُّ مَا يَفْسُدُ بِهِ الِاعْتِكَافُ كَذَلِكَ كَالْخُرُوجِ جَهْلًا وَالْفِطْرِ جَهْلًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَالَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَكُلُّ زَكَاةٍ مِنْ دَفْعِهَا لِكَافِرٍ ... وَغَيْرِ فَقِيرٍ ضَامِنٍ تِلْكَ مُسْجَلَا. مَنْ دَفَعَ الزَّكَاةَ لِغَيْرِ مُسْتَحِقٍّ جَهْلًا لَمْ يُعْذَرْ وَلَا مَفْهُومَ لِلْكَافِرِ وَغَيْرِ الْفَقِيرِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرُوحِهِ وَهَذَا فِي اجْتِهَادٍ بِهَا أَمَّا بِدَفْعِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فَتُجْزِئُ، وَيَأْتِي هُنَا مَا سَبَقَ فِي الِاعْتِكَافِ، وَهَذَا أَسْهَلُ لِشَائِبَةِ الْمُعَامَلَةِ اهـ. وَثَانِيهَا نَوْعُ الْعُقُودِ قَالَ الْأَمِيرُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُفْسَخُ بَيْعٌ فَاسِدٌ مُطْلَقًا وَلَا ... يُسَامَحُ فِيهِ مَنْ عَنْ الْحَقِّ عَوَّلَا الْبَيْعُ الْفَاسِدُ يُفْسَخُ، وَلَا يُعْذَرُ فِيهِ بِالْجَهْلِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ فِي الْبَيْعِ كَمَا يَظْهَرُ، بَلْ كَذَلِكَ غَيْرُهُ كَالنِّكَاحِ مَثَلًا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ بِمُوَافَقَةِ الشَّرْعِ فِي الْوَاقِعِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ لَا فِي ظَنِّ الْعَاقِدِ فَقَطْ كَمَا يُفِيدُهُ الْعَلَّامَةُ الْقَاسِمِيُّ عَلِيٌّ الْمَحَلِّيُّ وَغَيْرُهُ. اهـ. ثَالِثُهَا نَوْعٌ مُسْقِطٌ لِلشُّفْعَةِ قَالَ الْأَمِيرُ: عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ قَامَ بَعْدَ الْعَامِ يَشْفَعُ حَاضِرًا ... مَعَ الْعِلْمِ بِالْمُبْتَاعِ وَالْبَيْعِ أَوَّلَا . مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِشَرِيكٍ عَلِمَ الْبَيْعَ وَسَكَتَ سَنَةً لَا أَقَلَّ، وَلَوْ كَتَبَ شَهَادَتَهُ وَمَا لِابْنِ رُشْدٍ مِنْ أَنَّ الْكِتَابَةَ تُسْقِطُ الشُّفْعَةَ بِشَهْرَيْنِ ضَعِيفٌ، وَإِنْ جَنَحَ لَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ بَلْ فِي الْخَرَشِيِّ وعبق عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَهْرَيْنِ زِيَادَةً عَلَى السَّنَةِ، وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا وَلَا يُعْذَرُ بِدَعْوَاهُ الْجَهْلَ لَا بِأَنَّ ذَلِكَ مُسْقِطٌ لِلشُّفْعَةِ وَلَا بِأَنَّ الشُّفْعَةَ وَاجِبَةٌ وَفِي عبق وَالْخَرَشِيِّ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ وَالْحَطَّابَ عَنْ ابْنِ كَوْثَرٍ وَالتَّتَّائِيِّ عَنْ الذَّخِيرَةِ عَنْ ابْنِ عَتَّابٍ ذَكَرُوا أَنَّ شِرَاءَ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ مِنْ الْمُشْتَرِي يُسْقِطُ الشُّفْعَةَ، وَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً بَلْ مُقْتَضَى أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا يُعْذَرُ فِيهَا بِالْجَهْلِ جَرَيَانُ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الْمُسْقِطَاتِ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ وَالْمُقَاسَمَةِ وَبَيْعِ حِصَّةِ نَفْسِهِ، ثُمَّ فَائِدَةُ سُقُوطِ الشُّفْعَةِ بِالشِّرَاءِ يُظْهِرُهَا اخْتِلَافُ الثَّمَنَيْنِ اهـ. وَرَابِعُهَا نَوْعُ الْعَيْبِ الْمَانِعِ مِنْ إجْزَاءِ عِتْقِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَاتِ قَالَ الْأَمِيرُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ يُعْتِقُ الشَّخْصَ الْكَفُورَ لِجَهْلِهِ ... فَلَا يَجْزِي فِي كَفَّارَةٍ وَتَبَتُّلَا فِي التَّوْضِيحِ قَالَ أَصْبَغُ فِيمَنْ اشْتَرَى نَصْرَانِيَّةً فَأَعْتَقَهَا فِي الْكَفَّارَةِ أَنَّهَا لَا تَجْزِيهِ، وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ. اهـ وَظَاهِرُهُ جَهِلَ الْحُكْمَ أَوْ أَنَّهَا كَافِرَةٌ ثُمَّ لَا مَفْهُومَ لِلْكُفْرِ بَلْ كَذَلِكَ لِلْعُيُوبِ الْمَانِعَةِ مِنْ الْإِجْزَاءِ وَلَا يُعْذَرُ فِيهَا بِجَهْلٍ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْخَرَشِيِّ فِي الظِّهَارِ إذَا اطَّلَعَ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى عَيْبٍ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ اسْتَعَانَ بِأَرْشِهِ فِي رَقَبَةٍ أُخْرَى، وَقَوْلُهُ وَتَبَتُّلَا أَيْ ثُمَّ عَتَقَهُ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ اهـ. وَخَامِسُهَا نَوْعُ بَيْعِ الْخِيَارِ قَالَ الْأَمِيرُ عِنْدَ قَوْلِهِ

الْقَاعِدَةِ. وَإِنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَشْكُوكَ فِيهِ مُلْغًى عَلَى الْقَاعِدَةِ وَإِذَا شَكَّ فِي عَيْنِ الْيَمِينِ لَزِمَهُ الْجَمِيعُ لِأَنَّا نَشُكُّ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهَا فِي السَّبَبِ الْمُبَرِّئِ فَلَعَلَّهُ غَيْرُ مَا وَقَعَ فَوَجَبَ اسْتِيعَابُهَا حَتَّى يُعْلَمَ السَّبَبُ الْمُبَرِّئُ كَمَا قُلْنَا فِي الصَّلَاةِ إذَا شَكَّ فِي طَرَيَان الْحَدَثِ عَلَى طَهَارَتِهَا، وَإِنْ شَكَّ هَلْ سَهَا أَمْ لَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَشْكُوكَ فِيهِ مُلْغًى عَلَى الْقَاعِدَةِ، وَإِنْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا سَجَدَ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ نَصَبَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ سَبَبًا لِلسُّجُودِ لَا لِلزِّيَادَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ فِي الْفَرْقِ الرَّابِعِ وَالْأَرْبَعِينَ بَيْنَ الشَّكِّ فِي السَّبَبِ وَبَيْنَ السَّبَبِ فِي الشَّكِّ فَلْيُطَالَعْ مِنْ هُنَاكَ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هَاهُنَا الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَاتِ وَبَيْنَ الشَّكِّ فِي غَيْرِهَا، وَقَدْ أَشَرْت إلَيْهِ هَاهُنَا وَتَكْمِيلُهُ هُنَاكَ. (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْبِقَاعِ جُعِلَتْ الْمَظَانُّ مِنْهَا مُعْتَبَرَةً فِي أَدَاءِ الْجُمُعَاتِ وَقَصْرِ الصَّلَوَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَزْمَانِ لَمْ تُجْعَلْ الْمَظَانُّ مِنْهَا مُعْتَبَرَةً فِي رُؤْيَةِ الْأَهِلَّةِ وَلَا دُخُولِ أَوْقَاتِ الْعِبَادَاتِ وَتَرْتِيبِ أَحْكَامِهَا) . اعْلَمْ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي الْحُكْمِ إنْ أَمْكَنَ انْضِبَاطُهُ لَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ كَتَعْلِيلِ التَّحْرِيمِ فِي الْخَمْرِ بِالسُّكْرِ وَالرِّبَا بِالْقُوتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْصَافِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْأَحْكَامِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ أُقِيمَتْ مَظِنَّتُهُ مَقَامَهُ وَعَدَمُ الِانْضِبَاطِ إمَّا لِاخْتِلَافِ مَقَادِيرِهِ فِي رُتَبِهِ كَالْمَشَقَّةِ لَمَّا كَانَتْ سَبَبًا لِلْقَصْرِ وَهِيَ غَيْرُ مُنْضَبِطَةِ الْمَقَادِيرِ فَلَيْسَ مَشَاقُّ النَّاسِ سَوَاءً فِي ذَلِكَ، وَقَدْ يُدْرَكُ ظَاهِرًا وَقَدْ يُدْرَكُ خَفِيًّا. وَمِثْلُ هَذَا يَعْسُرُ ضَبْطُهُ فِي مَحَالِّهِ حَتَّى تُضَافَ إلَيْهِ الْأَحْكَامُ فَأُقِيمَتْ مَظِنَّتُهُ مَقَامَهُ، وَهِيَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ فَإِنَّهَا تُظَنُّ عِنْدَهَا الْمَشَقَّةُ وَكَالْإِنْزَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَائِعُ عَبْدٍ بِالْخِيَارِ يَرُومُ أَنْ ... يَرِدَ وَقَدْ وَلَّى الزَّمَانُ بِهِ وَلَا بَيْعُ الْخِيَارِ يَلْزَمُ وَاضِعَ الْيَدِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ وَلَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِ الْعَبْدِ بِذَلِكَ، بَلْ كُلُّ بَيْعٍ بِالْخِيَارِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُخْتَصَرُ وَشُرُوحُهُ اهـ. وَلَا يَطَّرِدُ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْجَهْلِ فِيمَا عَدَا هَذِهِ الْأَنْوَاعَ الْخَمْسَ مِنْ الْفُرُوعِ بَلْ هُوَ فِي مَسَائِلَ ذَكَرَهَا الْعُمْدَةُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ، وَنَظَمَهَا الشَّيْخُ بَهْرَامُ فِي أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ بَيْتًا، وَشَرَحَهَا الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ وَنَقَّحَهَا فِي. ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى صَمْتُ الْبِكْرِ وَضَحِكُهَا رِضًا بِالنِّسْبَةِ لِلْإِذْنِ فِي الْعَقْدِ وَفِي تَعْيِينِ الصَّدَاقِ وَالزَّوْجِ وَلَا تُعْذَرُ بِدَعْوَاهَا الْجَهْلَ بِأَنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ رِضًا، وَلَوْ عُرِفَتْ بِالْبَلَهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِعَبْدِ الْحَمِيدِ الصَّائِغِ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ وَجِيهًا، وَلِذَلِكَ رُوعِيَ حَقُّهَا ابْتِدَاءً بِنَدْبِ إعْلَامِهَا بِأَنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ رِضًا، وَيَكْفِي فِي النَّدْبِ مَرَّةٌ وَلِابْنِ شَعْبَانَ ثَلَاثًا وَقَالَ: الْأَقَلُّ تُعْذَرُ بِالْجَهْلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْإِعْلَامِ. قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَالْبُكَاءُ أَيْضًا رِضًا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ بَكَتْ عَلَى فَقْدِ أَبِيهَا، وَتَقُولُ فِي نَفْسِهَا لَوْ كَانَ أَبِي حَيًّا لَمَا احْتَجْت لِذَلِكَ، وَانْظُرْ أَيْضًا لَوْ جَهِلَتْ حُكْمَ أَنَّ ذَلِكَ رِضًا اهـ وَأَمَّا الثَّيِّبُ وَكَذَا السَّبْعَةُ الْأَبْكَارُ فَفِي قَوْلِ خَلِيلٍ وَالثَّيِّبُ تُعْرِبُ كَبِكْرٍ رَشَدَتْ أَوْ عَضَلَتْ أَوْ زُوِّجَتْ بِعَرَضٍ أَيْ مِمَّنْ لَا يُزَوَّجُ بِهِ أَوْ بِرِقٍّ أَوْ بِذِي عَيْبٍ أَوْ يَتِيمَةٍ أَوْ أُفْتِيتَ عَلَيْهَا اهـ. يَعْنِي أَنَّهُنَّ فِي تَعْيِينِ الزَّوْجِ وَالصَّدَاقِ لَا بُدَّ مِنْ نُطْقِهِنَّ، وَأَمَّا الْإِذْنُ لِلْوَلِيِّ فِي الْعَقْدِ فَهَلْ كَذَلِكَ إذَا غِبْنَ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَوْ يَكْفِي فِيهِ الصَّمْتُ وَلَوْ غِبْنَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْأَمِيرُ حَيْثُ قَالَ الثَّيِّبُ تُسَاوِي الْبِكْرَ فِي أَنَّ الصَّمْتَ رِضًا بِالنِّسْبَةِ لِلْإِذْنِ فِي الْعَقْدِ لَا فِي تَعْيِينِ الصَّدَاقِ وَالزَّوْجِ فَتُعْرِبُ الثَّيِّبُ، وَانْظُرْ لَوْ جَهِلَتْ حُكْمَ الصَّمْتِ هَلْ يَجْرِي فِيهَا مَا جَرَى فِي الْبِكْرِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ اهـ اُنْظُرْ الْمُخْتَصَرَ وَشُرُوحَهُ. 2 - . الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مَنْ عُقِدَ لَهَا غَيْرَ مُجْبَرَةٍ بِلَا إذْنِهَا فَلَهَا إمْضَاؤُهُ بِالْقَوْلِ حَيْثُ قَرُبَ وَالْيَوْمُ بَعُدَ، وَكَانَ بِالْبَلَدِ وَلَمْ تَرَهُ قَبْلُ، وَلَمْ يُجْبَرْ الْوَلِيُّ بِتَعَدِّيهِ حَالَ الْعَقْدِ وَلَمْ يَفْتَتْ عَلَى الزَّوْجِ أَيْضًا، وَلَهَا رَدُّ الْعَقْدِ مَا لَمْ تُمَكِّنْ مِنْ الْجِمَاعِ، وَإِلَّا كَانَ رِضًا وَلَا يَنْفَعُهَا دَعْوَى الْجَهْلِ بِكَوْنِ الْجِمَاعِ رِضًا فَقَوْلُهُمْ الْمُفْتَاتُ عَلَيْهَا لَا بُدَّ مِنْ إذْنِهَا بِصَرِيحِ الْقَوْلِ حَصْرٌ إضَافِيٌّ بِالنِّسْبَةِ لِنَحْوِ الصَّمْتِ، وَأَمَّا التَّمْكِينُ فَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْقَوْلِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ بِكْرٍ وَثَيِّبٍ فَافْهَمْ. 2 - . الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: مَنْ أَكَلَ مَالِ يَتِيمٍ جَهْلًا ضَمِنَهُ وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ كَذَا فِي التَّوْضِيحِ قَالَ الْأَمِيرُ وَانْظُرْ مَا مَعْنَى تَخْصِيصِ الْيَتِيمِ فَإِنَّ مَنْ أَكَلَ مَالَ شَخْصٍ مُطْلَقًا جَاهِلًا ضَمِنَهُ، وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ الْخَطَأِ الَّذِي هُوَ وَالْعَمْدُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ إلَّا أَنْ يُفْرَضَ فِي الْغَلَّةِ فَإِنَّهَا لِذِي الشُّبْهَةِ فَيُسْتَثْنَى مِنْهُ غَلَّةُ مَالِ الْيَتِيمِ، لَكِنَّ الَّذِي رَأَيْنَاهُ اسْتِثْنَاءُ غَلَّةِ الْوَقْفِ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ فَقَطْ فَيُحَرَّرُ ذَلِكَ. 2 - الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ مَنْ قَذَفَ حُرًّا جَاهِلًا بِحُرِّيَّتِهِ حُدَّ وَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَذْفُ فِي زِنًا أَوْ نَسَبٍ قَالَ الْأَمِيرُ وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الْفَرْعِ فِي التَّوْضِيحِ وَلَمْ يَذْكُرْ جَهْلَهُ بِإِسْلَامِهِ أَوْ بُلُوغِهِ أَوْ عِتْقِهِ أَوْ عَقْلِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ اهـ. 2 - الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ إذَا أَطْلَقَ الزَّوْجُ تَمْلِيكَ الزَّوْجَةِ أَوْ تَخْيِيرَهَا وَانْقَضَى مَجْلِسٌ يُتَرَوَّى فِي مِثْلِهِ فَقَوْلُ مَالِكٍ الْأَوَّلُ أَنَّهُ يَسْقُطُ مَا بِيَدِهَا وَلَا تُعْذَرُ بِجَهْلٍ، وَقَوْلُهُ الْآخِرُ بِبَقَاءِ مَا بِيَدِهَا مَا لَمْ تُوقِفْ أَوْ تُوطَأْ، وَذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ مَالِكًا رَجَعَ

لَمَّا كَانَ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ فِي النَّاسِ بِسَبَبِ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يُنْزِلُ إلَّا بِالدَّفْقِ وَالْإِحْسَاسِ بِاللَّذَّةِ الْكُبْرَى، وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْزِلُ تَقْطِيرًا مِنْ غَيْرِ انْدِفَاقٍ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ يَنْدَفِقُ بَعْدَ ذَلِكَ كَثِيرًا، وَلِذَلِكَ يَحْصُلُ الْوَلَدُ مَعَ الْعَزْلِ، وَالْإِنْسَانُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مَا أَنْزَلَ وَهُوَ قَدْ أَنْزَلَ عَلَى سَبِيلِ السَّيَلَانِ مِنْ غَيْرِ دَفْقٍ فَيَحْصُلُ الْوَلَدُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، وَلَمَّا كَانَ الْإِنْزَالُ مُخْتَلِفًا فِي النَّاسِ أُقِيمَتْ مَظِنَّتُهُ مَقَامَهُ وَهُوَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ فَإِنْ قُلْت مُجَرَّدُ الِالْتِقَاءِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِنْزَالُ فَكَيْفَ جُعِلَ مَظِنَّةَ الْإِنْزَالِ، وَهُوَ لَا يُظَنُّ عِنْدَهُ وَمِنْ شَرْطِ الْمَظِنَّةِ أَنْ يُظَنَّ عِنْدَهَا الْوَصْفُ الْمَطْلُوبُ لِتَعْلِيقِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ. قُلْت: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يُظَنُّ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُنْزِلُ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْزِلُ بِالْفِكْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْزِلُ بِالنَّظَرِ فَقَطْ فَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ فَجُعِلَ مَظِنَّةً وَمِنْ ذَلِكَ الْعَقْلُ الَّذِي هُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ يَخْتَلِفُ فِي النَّاسِ بِسَبَبِ اعْتِدَالِ الْمِزَاجِ وَانْحِرَافِهِ فَرُبَّ صَبِيٍّ لِاعْتِدَالِ مِزَاجِهِ أَعْقَلُ مِنْ رَجُلٍ بَالِغٍ لِانْحِرَافِ مِزَاجِهِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ فِي الرِّجَالِ وَالصِّبْيَانِ جِدًّا فَجُعِلَ الْبُلُوغُ مَظِنَّتَهُ؛ لِأَنَّ الْبُلُوغَ مُنْضَبِطٌ وَهُوَ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ هَذَا فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ لِاخْتِلَافِ رُتَبِهِ فِي مَقَادِيرِهِ. أَمَّا مَا يَنْضَبِطُ فِي مَقَادِيرِهِ لَكِنَّهُ خَفِيٌّ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ فَذَلِكَ كَالرِّضَا فِي انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» وَالرِّضَا أَمْرٌ خَفِيٌّ فَجُعِلَتْ الصِّيَغُ وَالْأَفْعَالُ فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ قَائِمَةً مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهُ يُظَنُّ عِنْدَهَا وَأُلْغِيَ الرِّضَا إذَا انْفَرَدَ حَتَّى لَوْ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ رَضِيَ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ صَدَرَ مِنْهُ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ لَمْ يَلْزَمْهُ انْتِقَالُ الْمِلْكِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَصَلَتْ مَشَقَّةُ السَّفَرِ بِدُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ تُرَتَّبْ عَلَيْهَا رُخَصُ الْمَشَقَّةِ مِنْ الْقَصْرِ وَالْإِفْطَارِ، فَإِذَا أَقَامَ الشَّرْعُ مَظِنَّةَ الْوَصْفِ مَقَامَهُ أَعْرَضَ عَنْ اعْتِبَارِهِ فِي نَفْسِهِ نَعَمْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَوَقَّعًا مَعَ الْمَظِنَّةِ فَلَوْ قَطَعْنَا بِعَدَمِهِ عِنْدَ الْمَظِنَّةِ فَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَظِنَّةِ حُكْمٌ كَمَا لَوْ قَطَعْنَا بِعَدَمِ الرِّضَا مَعَ الْإِكْرَاهِ عَلَى صُدُورِ الصِّيغَةِ أَوْ الْفِعْلِ غَيْرَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْأَوَّلِ وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَبِهِ الْعَمَلُ فَإِنَّ عَيَّنَ الزَّوْجُ شَيْئًا عُمِلَ بِهِ أَوْ قَالَ مَتَى شِئْت لَمْ يَسْقُطْ بِالْمَجْلِسِ أَمِيرٌ. 2 - الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ الطَّبِيبُ بِحَسَبِ زَعْمِهِ لَا يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ لَكِنَّهُ إنْ تَعَمَّدَ الضَّرَرَ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَإِنْ قَصَدَ النَّفْعَ فَضَرَّ ضَمِنَ فِي مَالِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا فِي عبق. 2 - . الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ الْمُفْتِي لَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ فِي فَتْوَاهُ وَيَضْمَنُ مَا أَفْسَدَ بِهَا 2 - الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ مَنْ أَثْبَتَتْ أَنَّ زَوْجَهَا يَضْرِبُهَا فَتَلَوَّمَ لَهَا الْحَاكِمُ، ثُمَّ أَحْضَرَهُ لِيُطَلِّقَ عَلَيْهِ فَادَّعَى أَنَّهُ وَطِئَهَا سَقَطَ حَقُّهَا وَلَوْ ادَّعَتْ الْجَهْلَ أَيْ صَدَّقَتْ عَلَى الْوَطْءِ، وَجَهِلَتْ أَنَّهُ مُسْقِطٌ 2 - . الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ إذَا زَنَى الْعَبْدُ أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ أَوْ قَذَفَ جَاهِلًا بِالْعِتْقِ حُدَّ كَالْحُرِّ. الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَالْفَصْلُ وَقَرِيبُ الْحَوَاشِي جَاهِلًا فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ جَهِلَ الْقَرَابَةَ أَوْ الْحُكْمَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ إنْ قَالَ لَهُ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ جَاهِلًا بِأَنَّهُ هُوَ حَيْثُ أَطْلَقَ فِي يَمِينِهِ. 2 - الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ مَنْ تَوَجَّهَ لَهُ عَلَى أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ دَنِيَّةً حَدٌّ أَوْ يَمِينٌ فَاسْتَوْفَى مَا ذُكِرَ جَاهِلًا بِأَنَّ ذَلِكَ مُفَسِّقٌ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ، وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ أَمَّا لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ جَهِلَ الْأُبُوَّةَ فَيُعْذَرُ. 2 - . الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ فِي التَّوْضِيحِ مَنْ يَقْطَعُ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَوْ كَانَ جَاهِلًا اهـ وَقَدْ صَرَّحُوا فِي بَابِ الزَّكَاةِ بِحُرْمَةِ كَسْرِ الْمَسْكُوكِ لِغَيْرِ سَبْكٍ أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ مَغْشُوشًا فَيُكْسَرُ. 2 - . الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ فِي الْمُخْتَصَرِ فِي مَحْضِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ أَيْ بِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَرَفْعِهَا لِلْحَاكِمِ بِالْإِمْكَانِ إنْ اُسْتُدِيمَ تَحْرِيمٌ كَعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَوَقْفٍ وَرَضَاعٍ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا وَلَا عُذْرَ بِجَهْلٍ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الشَّهَادَةُ بِمَا يُسْتَدَامُ تَحْرِيمُهُ تَبْطُلُ بِتَرْكِ رَفْعِهِ إلَى السُّلْطَانِ الْأَعْلَى ظَاهِرُ قَوْلِ أَشْهَبَ اهـ وَضَابِطُ حَقِّ اللَّهِ كَمَا فِي شُرُوحِ الْمُخْتَصَرِ، وَقَدْ مَرَّ كُلُّ مَا لَيْسَ لِلْمَخْلُوقِ إسْقَاطُهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنْ كَانَ هُنَاكَ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَتِمُّ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْمُبَادَرَةُ تَحْصِيلًا لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ فَإِنْ أَبَى غَيْرُهُ أَوْ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَفِي التَّوْضِيحِ قَيَّدَ ابْنُ شَاسٍ الْوَقْفَ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ، أَيْ وَيَأْكُلُهُ غَيْرُ الْوَاقِفِ وَأَطْلَقَ الْقَوْلَ فِيهِ الْبَاجِيَّ وَابْنُ رُشْدٍ اهـ. قَالَ الْبُنَانِيُّ وَعَلَى مَا لِابْنِ شَاسٍ اقْتَصَرَ عبق وَفَصَّلَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ فِي الْوَقْتِ لِمُعَيَّنٍ قَائِلًا إنْ كَانَ الْوَاقِفُ بَذَلَهُ أَوَّلًا، وَلَكِنْ جَعَلَهُ لِمُعَيَّنٍ فَالْحَقُّ فِي هَذَا حَقُّ اللَّهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُعَيَّنَ إذَا لَمْ يَقْبَلْهُ رَجَعَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَا لِلْوَاقِفِ أَوْ وَرَثَتِهِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْ غَيْرِ تَبْتِيلٍ لَهُ أَوَّلًا كَأَنْ يَجْعَلَهُ حَبْسًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ حَقٌّ آدَمِيٌّ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْبَلْهُ هُنَا رُدَّ لِمَالِكِهِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ اهـ. قَالَ الْخَطَّابُ وَفِي كَوْنِ الْعِتْقِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِنْ مَحْضِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدِي نَظَرٌ اهـ قَالَ عبق أَمَّا عَدَمُ تَمَحُّضِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَهُ حَقٌّ فِي الْعِتْقِ بِتَخْلِيصِ رَقَبَتِهِ مِنْ الرِّقِّ وَالْمَرْأَةَ فِي تَخْلِيصِ عِصْمَتِهَا مِنْ الزَّوْجِ وَالْمَوْقُوفَ عَلَيْهِمْ فِي اسْتِحْقَاقِهِمْ فِيهِ تَتَمَحَّضُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ عَنْ حَقِّ الْآدَمِيِّ كَرِضَا الْعَبْدِ بِخِدْمَتِهِ كَخِدْمَةِ مَنْ يُعْتِقُ وَالْمَرْأَةِ بِبَقَائِهَا تَحْتَهُ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْوَقْفِ، أَيْ فَيَحْرُمُ وَيَجِبُ الرَّفْعُ، وَأَمَّا الرَّضَاعُ فَظَاهِرٌ تَمَحُّضُهُ لِلَّهِ قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ. 2 - الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ مَنْ سَرَقَ ثَوْبًا لَا يُسَاوِي رُبْعَ دِينَارٍ وَفِيهِ رُبْعُ دِينَارٍ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ قَالَ

أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مَعَ أَنَّهُ الْأَصْلُ خُولِفَ فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَإِنَّا لَوْ قَطَعْنَا بِعَدَمِ الْإِنْزَالِ وَجَبَ الْغُسْلُ، وَخُولِفَ أَيْضًا فِي قَوْلِهِمْ فِي شَارِبِ الْخَمْرِ إنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى فَيَكُونُ عَلَيْهِ حَدُّ الْمُفْتَرِي فَأُقِيمَ الشُّرْبُ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْقَذْفِ مَقَامَهُ، وَنَحْنُ مَعَ ذَلِكَ نُقِيمُ الْحَدَّ فِي الشُّرْبِ عَلَى مَنْ نَقْطَعُ بِأَنَّهُ لَمْ يَقْذِفْ. وَكَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَسْتَشْكِلُ الْأَثَرَ الْوَارِدَ فِي الشُّرْبِ فِي هَذَا الْمَعْنَى بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَيَقُولُ كَيْفَ تُقَامُ الْمَظِنَّةُ مَقَامَ الْقَذْفِ وَنَحْنُ نَقْطَعُ بِعَدَمِ الْقَذْفِ فِي حَقِّ بَعْضِ النَّاسِ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْأَثَرِ بِمَا شَهِدَ لَهُ بِالِاعْتِبَارِ مِنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَإِنَّهُ وَرَدَ فِيهِ الْحَدِيثُ النَّبَوِيُّ. وَهَذَا قَدْ نَقْطَعُ فِيهِ بِعَدَمِ الْمَظْنُونِ عِنْدَ وُجُودِ مَظِنَّتِهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَظِنَّةِ وَالْحِكْمَةِ الَّتِي اُخْتُلِفَ فِي التَّعْلِيلِ بِهَا وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ الْوَصْفِ وَالْمَظِنَّةِ وَالْحِكْمَةِ؟ قُلْت: الْحِكْمَةُ هِيَ الَّتِي تُوجِبُ كَوْنَ الْوَصْفِ عِلَّةً مُعْتَبَرَةً فِي الْحُكْمِ فَإِذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ مُعْتَبَرًا فِي الْحُكْمِ إنْ كَانَ مُنْضَبِطًا اُعْتُمِدَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مَظِنَّةٍ تُقَامُ مَقَامَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْضَبِطًا أُقِيمَتْ مَظِنَّتُهُ مَقَامَهُ فَالْحِكْمَةُ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى، وَالْوَصْفُ فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ وَالْمَظِنَّةُ فِي الرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ وَمِثَالُ الثَّلَاثَةِ فِي الْمَبِيعِ أَنَّ حَاجَةَ الْمُكَلَّفِ إلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ هُوَ الْمَصْلَحَةُ الْمُوجِبَةُ لِاعْتِبَارِ الرِّضَا، وَهِيَ الْمُصَيِّرَةُ لَهُ سَبَبًا لِلِانْتِقَالِ وَمَظِنَّةَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَالْحَاجَةُ هِيَ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُوجِبَةُ لِاعْتِبَارِ الرِّضَا فَاعْتِبَارُ الرِّضَا فَرْعُهَا. وَاعْتِبَارُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَرْعُ اعْتِبَارِ الرِّضَا وَمِثَالُ الثَّلَاثَةِ أَيْضًا فِي السَّفَرِ أَنَّ مَصْلَحَةَ الْمُكَلَّفِ فِي رَاحَتِهِ، وَصَلَاحُ جِسْمِهِ يُوجِبُ أَنَّ الْمَشَقَّةَ إذَا عَرَضَتْ تُوجِبُ عَنْهُ تَخْفِيفَ الْعِبَادَةِ لِئَلَّا تَعْظُمَ الْمَشَقَّةُ فَتَضِيعَ مَصَالِحُهُ بِإِضْعَافِ جِسْمِهِ وَإِهْلَاكِ قُوَّتِهِ فَحِفْظُ صِحَّةِ الْجِسْمِ وَتَوْفِيرُ قُوَّتِهِ هُوَ الْمَصْلَحَةُ وَالْحِكْمَةُ الْمُوجِبَةُ لِاعْتِبَارِ وَصْفِ الْمَشَقَّةِ بِسَبَبِ التَّرَخُّصِ، فَالْمَشَقَّةُ فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ فَرْعُ الْمُؤَثِّرِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَمِيرُ وَهَذَا فَرْضٌ. مِثَالٌ: قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ ظَنَّ أَيْ: رُبُعَ الدِّينَارِ أَوْ ثَلَاثَةَ الدَّرَاهِمِ فُلُوسًا أَوْ الثَّوْبَ فَارِغًا، وَقَيَّدَهُ بِمَا إذَا كَانَ مِثْلُهُ يُرْفَعُ فِيهِ نِصَابٌ لَا إنْ كَانَ خَلَقًا، وَلَا إنْ سَرَقَ خَشَبَةً أَوْ حَجَرًا يَظُنُّهُ فَارِغًا فَإِذَا فِيهِ نِصَابٌ فَلَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْعَلُ فِيهِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ تِلْكَ الْخَشَبَةِ تُسَاوِي نِصَابًا فَيُقْطَعُ فِي قِيمَتِهَا دُونَ مَا فِيهَا. قَالَ وَالْعَصَا الْمُفَضَّضَةُ لَا تُسَاوِي ذَاتُهَا نِصَابًا إنْ سُرِقَتْ لَيْلًا أَوْ مِنْ مَحِلٍّ مُظْلِمٍ فَلَا قَطْعَ اهـ. . 2 - الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ إذَا وَطِئَ الْمُرْتَهِنُ الْأَمَةَ الْمُرْتَهَنَةَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَلَا يُعْذَرُ بِجَهَالَةٍ قَالَ الْأَمِيرُ أَيْ؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ الِارْتِهَانِ ضَعِيفَةٌ فَلَا تَمْنَعُ الْحَدَّ. قَالَ عبق أَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ الرَّاهِنُ فَلَا حَدَّ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ حِينَئِذٍ أَمَةً مُحَلَّلَةً وَفِي وَطْئِهَا الْأَدَبُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِيهِ أَيْضًا اهـ. 2 - الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْمُرْتَهِنُ يَرُدُّ الرَّهْنَ فَتَبْطُلُ الْحِيَازَةُ وَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ اهـ. قَالَ الْأَمِيرُ أَيْ إذَا رَدَّهُ اخْتِيَارًا، وَإِلَّا فَلَهُ أَخْذُهُ مَتَى قَدَرَ وَمَعْنَى بُطْلَانِ الْحِيَازَةِ أَنَّ الرَّهْنَ يَبْطُلُ بِمُفَوِّتٍ كَعِتْقٍ أَوْ قِيَامِ غُرَمَاءَ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مُفَوِّتٌ فَلَهُ رَدُّهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ جَهِلَ إبْطَالَ الْجَوَازِ بِذَلِكَ حَيْثُ أَشْبَهَ كَمَا نَقَلَهُ شُرَّاحُ الْمُخْتَصَرِ عَنْ اللَّخْمِيِّ اهـ. 2 - الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْبَدْوِيُّ يُقِرُّ بِالزِّنَا وَالشُّرْبِ، وَيَقُولُ فَعَلْت ذَلِكَ جَهْلًا اهـ قَالَ الْأَمِيرُ وَالْبَدْوِيُّ نَصٌّ عَلَى الْمُتَوَهِّمِ؛ لِأَنَّ شَأْنَهُ الْجَهْلُ، وَمِثْلُهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ جَهْلِ الْحَدِّ وَالْحُرْمَةِ، وَأَمَّا جَهْلُ الْعَيْنِ بِأَنْ يَظُنَّهَا امْرَأَتَهُ وَالْخَمْرَ عَسَلًا فَعُذْرٌ حَيْثُ أَشْبَهَ ذَلِكَ وَفِي الْمُخْتَصَرِ عُذْرُهُ بِجَهْلِ الْحُكْمِ فِي الزِّنَا غَيْرِ الْوَاضِحِ إنْ جَهِلَ مِثْلَهُ، وَفَرَّقَ عبق بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشُّرْبِ أَوَّلًا بِأَنَّ الشُّرْبَ أَكْثَرُ وُقُوعًا مِنْ غَيْرِهِ، وَثَانِيًا بِأَنَّ مَفَاسِدَهُ أَشَدُّ مِنْ مَفَاسِدِ الزِّنَا إذْ رُبَّمَا حَصَلَ بِالشُّرْبِ زِنًا وَسَرِقَةٌ وَقَتْلٌ وَلِذَا وَرَدَ أَنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ، وَثَالِثًا بِأَنَّ حُرْمَةَ الزِّنَا وَوُجُوبَ الْحَدِّ فِيهِ مِنْ الْوَاضِحِ الَّذِي لَا يُجْهَلُ بِخِلَافِ الزِّنَا فَإِنَّ فِيهِ وَاضِحًا وَغَيْرَهُ. قَالَ لَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ قَوْلِ مَالِكٍ، وَقَدْ ظَهَرَ الْإِسْلَامُ وَفَشَا فَلَا يُعْذَرُ جَاهِلٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ اهـ وَتَنَاوَلَ قَوْلُ مَالِكٍ هَذَا الْقَذْفَ وَالسَّرِقَةَ اهـ. 2 - الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ قَالَ الْأَمِيرُ الْأَمَةُ الْمُعْتَقَةُ إذَا وَطِئَهَا بَعْدَ عِتْقِهَا أَوْ مَكَّنَتْهُ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ وَأَوْلَى إنْ حَاوَلَتْ هِيَ مِنْهُ ذَلِكَ سَقَطَ خِيَارُهَا، وَلَا تُعْذَرُ بِدَعْوَاهَا الْجَهْلَ بِأَصْلِ التَّخْيِيرِ أَوْ بِأَنَّ ذَلِكَ مُسْقِطٌ، وَمِثْلُ الْجَهْلِ النِّسْيَانُ وَالْمَشْهُورُ وَلَوْ لَمْ يَشْتَهِرْ الْحُكْمُ عِنْدَ النَّاسِ، وَعَذَرَ الْبَغْدَادِيُّونَ حَدِيثَةَ الْعَهْدِ بِالْجَهْلِ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ، وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ مَالِكٌ عَلَى مَنْ اُشْتُهِرَ عِنْدَهُمْ الْحُكْمُ، وَلَمْ يَخْفَ عَلَى أَحَدٍ كَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمِمَّا لَمْ تُعْذَرْ فِيهِ بِالْجَهْلِ أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ رَوَى مُحَمَّدٌ أَنَّ بَيْعَ زَوْجِهَا قَبْلَ عِتْقِهَا بِأَرْضِ غُرْبَةٍ فَظَنَّتْ أَنَّ ذَلِكَ طَلَاقٌ، ثُمَّ عَتَقَتْ وَلَمْ تَخْتَرْ نَفْسَهَا حَتَّى عَتَقَ زَوْجُهَا فَلَا خِيَارَ لَهَا، وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ فِي مُسْقِطَاتِ الْخِيَارِ أَوْ عَتَقَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ وَتُعْذَرُ بِجَهْلِ الْعِتْقِ وَلَهَا عَلَى الزَّوْجِ الْأَكْثَرُ مِنْ الْمُسَمَّى وَصَدَاقِ الْمِثْلِ حَيْثُ كَانَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيُؤَدَّبُ إنْ وَطِئَهَا عَالِمًا بِالْعِتْقِ وَالْحُكْمِ وَلَا تُعْذَرُ بِنِسْيَانِ الْعِتْقِ. قَالَ عبق لِمَا عِنْدَ النَّاسِ مِنْ زِيَادَةِ التَّفْرِيطِ عَلَى الْجَاهِلِ اهـ بِتَصَرُّفٍ لِلْإِصْلَاحِ. 2 - الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْمَرْأَةُ يَغِيبُ عَنْهَا زَوْجُهَا فَتُنْفِقُ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ يَأْتِي نَعْيُهُ فَتَرُدُّ مَا أَنْفَقَتْ مِنْ يَوْمِ الْوَفَاةِ. 2 - الْمَسْأَلَةُ الْعِشْرُونَ قَالَ الْأَمِيرُ مَنْ رَأَى حَمْلَ زَوْجَتِهِ فَأَخَّرَ اللِّعَانَ بِلَا

وَالْمَظِنَّةُ الْمَشَقَّةُ وَاعْتِبَارُهَا فَرْعُ اعْتِبَارِ الْمَشَقَّةِ فَهِيَ فِي الرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ، وَمِثَالُ الْحِكْمَةِ وَالْوَصْفِ مِنْ غَيْرِ مَظِنَّةٍ فِيمَا هُوَ مُنْضَبِطٌ الرَّضَاعُ وَصْفٌ مُوجِبٌ لِلتَّحْرِيمِ وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ يُصَيِّرُ جُزْءَ الْمَرْأَةِ الَّذِي هُوَ اللَّبَنُ جُزْءَ الصَّبِيِّ الرَّضَاعُ فَنَاسَبَ التَّحْرِيمُ بِذَلِكَ لِمُشَابِهَتِهِ لِلنَّسَبِ؛ لِأَنَّ مَنِيَّهَا وَطَمْثَهَا جُزْءُ الصَّبِيِّ فَلَمَّا كَانَ الرَّضَاعُ كَذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الرَّضَاعُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» فَالْجُزْئِيَّةُ هِيَ الْحِكْمَةُ وَهِيَ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى وَالرَّضَاعُ الَّذِي هُوَ الْوَصْفُ فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ، وَوَصْفُ الزِّنَا مُوجِبٌ لِلْحَدِّ وَحِكْمَتُهُ الْمُوجِبَةُ لِكَوْنِهِ كَذَلِكَ اخْتِلَاطُ الْأَنْسَابِ فَاخْتِلَاطُ الْأَنْسَابِ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْحِكْمَةُ وَوَصْفُ الزِّنَا فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ، وَكَذَلِكَ ضَيَاعُ الْمَالِ هُوَ الْمُوجِبُ لِكَوْنِ وَصْفِ السَّرِقَةِ سَبَبَ الْقَطْعِ فَضَيَاعُ الْمَالِ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى، وَوَصْفُ السَّرِقَةِ فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَمَّا كَانَ وَصْفُ الرَّضَاعِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ مُنْضَبِطًا لَمْ يُحْتَجْ إلَى مَظِنَّةٍ تَقُومُ مَقَامَ هَذِهِ الْأَوْصَافِ فَلَمْ يُحْتَجْ لِلْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ، وَيَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ أَنْ يَلْزَمَ أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ صَبِيٌّ مِنْ لَحْمِ امْرَأَةٍ قِطْعَةً أَنْ تَحْرُمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ جُزْأَهَا صَارَ جُزْأَهُ. وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَلَوْ وُجِدَ إنْسَانٌ يَأْخُذُ الصِّبْيَانَ مِنْ أُمَّهَاتِهِمْ صِغَارًا وَيَأْتِي بِهِمْ كِبَارًا بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُونَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا بِسَبَبِ أَنَّهُ أَوْجَبَ اخْتِلَاطَ الْأَنْسَابِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَأَنَّ مَنْ ضَيَّعَ الْمَالَ بِالْغَصْبِ وَالْعُدْوَانِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ حَدُّ السَّرِقَةِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَلِأَجْلِ هَذِهِ الْمَعَانِي خَالَفَ الْجُمْهُورُ بِالتَّعْلِيلِ بِالْمَظِنَّةِ، فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَظِنَّةِ وَالْوَصْفِ وَالْحِكْمَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَبَيْنَ الْحِكْمَةِ وَالْمَظِنَّةِ فَرْقٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحِكْمَةَ إذَا قَطَعْنَا بِعَدَمِهَا لَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي تَرَتُّبِ الْحُكْمِ كَمَا إذَا قَطَعْنَا بِعَدَمِ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ مِنْ الزِّنَا بِأَنْ تَحِيضَ الْمَرْأَةُ، وَيَظْهَرَ عَدَمُ حَمْلِهَا وَمَعَ ذَلِكَ نُقِيمُ الْحَدَّ وَنَأْخُذُ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ مِنْ السَّارِقِ، وَنَجْزِمُ بِعَدَمِ ضَيَاعِ الْمَالِ، وَمَعَ ذَلِكَ نُقِيمُ حَدَّ السَّرِقَةِ. وَأَمَّا الْمَظِنَّةُ فِيهَا بِعَدَمِ الْمَظْنُونِ فَالْغَالِبُ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعُذْرٍ فَلَيْسَ لَهُ نَفْيُهُ وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ، وَلَيْسَ مِنْ الْعُذْرِ تَأْخِيرُهُ خِيفَةَ أَنْ يَكُونَ انْتِفَاخًا فَيَنْفَشُّ، وَأَمَّا اللِّعَانُ لِرُؤْيَتِهَا تَزْنِي فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ نَعَمْ يَسْقُطَانِ بِالْوَطْءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِيهِ بِجَهْلٍ، وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُقَدِّمَاتِ لَا تُسْقِطُ. 2 - الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْمُطَلَّقَةُ يُرَاجِعُهَا زَوْجُهَا فَتَسْكُتُ حَتَّى يَطَأَهَا زَوْجُهَا ثُمَّ تَدَّعِي أَنَّ عِدَّتَهَا كَانَتْ انْقَضَتْ، وَتَدَّعِي الْجَهْلَ فِي سُكُوتِهَا اهـ. وَلَيْسَ الْوَطْءُ شَرْطًا لِمَا فِي الْمُخْتَصَرِ إذَا أَشْهَدَ بِرَجْعَتِهَا فَصَمَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ بَعْضِهِ كَمَا فِي عبق عَنْ الْمُدَوَّنَةِ كَانَتْ انْقَضَتْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ سُكُوتَهَا دَلِيلُ كَذِبِهَا اهـ أَمِيرٌ. 2 - الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الرَّجُلُ يُبَاعُ عَلَيْهِ مَالُهُ وَيَقْبِضُهُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ حَاضِرٌ لَا يُغَيِّرُ وَلَا يُنْكِرُ، ثُمَّ يَقُومُ وَيَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ وَيَدَّعِي الْجَهْلَ اهـ. قَالَ الْأَمِيرُ أَيْ فَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ وَلَهُ الثَّمَنُ مَا لَمْ تَمْضِ سَنَةٌ، وَالْغَائِبُ لَهُ الرَّدُّ مَا لَمْ تَمْضِ سَنَةٌ فَالثَّمَنُ مَا لَمْ تَمْضِ ثَلَاثٌ هَذَا حَاصِلُ مَا قَرَّرَهُ لَنَا شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْعَدَوِيُّ قَالَ عبق وَالْمُعْتَمَدُ حُرْمَةُ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَشِرَائِهِ كَمَا قَالَ الْقَرَافِيُّ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ لَا جَوَازُهُ وَلَا نَدْبُهُ. قَالَ الْحَطَّابُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْمَقَاصِدِ، وَمَا يُعْلَمُ مِنْ حَالِ الْمَالِكِ أَنَّهُ الْأَصْلَحُ اهـ كَلَامُ عبق. 2 - الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ مَنْ حَازَ مَالَ رَجُلٍ مُدَّةَ الْحِيَازَةِ الَّتِي تَكُونُ عَامِلَةً وَادَّعَى أَنَّهُ ابْتَاعَهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا يُعْذَرُ صَاحِبُ الْمَالِ إنْ ادَّعَى الْجَهْلَ اهـ قَالَ الْأَمِيرُ: وَتَفْصِيلُ مُدَّةِ الْحَوْزِ مَذْكُورَةٌ فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرُوحِهِ، وَلَيْسَ التَّطْوِيلُ لَهُ مِنْ مُهِمِّنَا الْآنَ. 2 - الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْمُظَاهِرُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فِي الصِّيَامِ فَيَلْزَمُهُ الِابْتِدَاءُ وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ. اهـ. قَالَ الْأَمِيرُ أَيْ إذَا وَطِئَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَكَذَلِكَ النِّسْيَانُ وَالْغَلَطُ لَا عُذْرَ بِهِمَا، وَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي الْإِطْعَامِ فَكَالصَّوْمِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ: الْوَطْءُ لَا يُبْطِلُ الْإِطْعَامَ الْمُتَقَدِّمَ مُطْلَقًا، وَالِاسْتِئْنَافُ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمَفْهُومُ وَطِئَ أَنَّ الْقُبْلَةَ وَالْمُبَاشَرَةَ لَا يَقْطَعَانِهِ وَشَهَرَهُ يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَقِيلَ يَقْطَعَانِهِ وَشَهَرَهُ الزَّنَاتِيُّ اهـ عبق وَاقْتَصَرَ الْخَرَشِيُّ عَلَى الثَّانِي اهـ أَمِيرٌ. 2 - الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الرَّجُلُ يَجْعَلُ امْرَأَتَهُ بِيَدِ غَيْرِهَا فَلَا يَقْضِي الْمُمَلَّكُ حَتَّى يَطَأَ ثُمَّ تُرِيدُ أَنْ يَقْضِيَ وَتَقُولُ جَهِلْت وَظَنَنْت أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْطَعُ مَا كَانَ اهـ قَالَ الْأَمِيرُ وَالْمُقَدِّمَاتُ كَالْوَطْءِ فَالْمَدَارُ عَلَى التَّمْكِينِ طَوْعًا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ عِلْمِ ذَلِكَ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّامِلِ اُنْظُرْ التَّتَّائِيَّ وَنَحْوُهُ لِلشَّيْخِ سَالِمٍ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهَا وَابْنُ عَرَفَةَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ إلَّا بِعِلْمِهِ وَرِضَاهُ اهـ عبق، وَكَذَلِكَ إنْ مَلَكَهَا هُوَ أَوْ خُيِّرَ اهـ 2 - . الْمَسْأَلَة السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الَّذِي يُمَلِّكُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَتَقُولُ قَدْ قَبِلْت ثُمَّ تُصَالِحُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَ مَا قَبِلَتْ ثُمَّ تَقُولُ كُنْت أَرَدْت ثَلَاثًا لِتَرْجِعَ فِيمَا صَالَحَتْ أَنَّهَا لَمْ تَرْجِعْ عَلَى الزَّوْجِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهَا حِينَ صَالَحَتْ عَلِمَتْ أَنَّهَا لَمْ تَطْلُقْ ثَلَاثًا وَلَا تُعْذَرُ بِالْجَهْلِ اهـ. 2 - . الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ قَالَ الْأَمِيرُ مَنْ مَلَّكَ زَوْجَتَهُ فَقَضَتْ بِالْبَتَّةِ وَادَّعَى الْجَهْلَ بِحُكْمِ التَّمْلِيكِ فَقِيلَ يَلْزَمُك مَا أَوْقَعْت فَقَالَ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً، هَكَذَا فِي التَّوْضِيحِ فَجَعَلَ ادِّعَاءَهُ الْجَهْلَ مُكَذِّبًا لَهُ، وَإِلَّا فَلَهُ مُنَاكَرَةُ الْمُمَلَّكَةِ إنْ نَوَى دُونَ الثَّلَاثِ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرُوحِهِ اهـ. 2 - الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ

[الفرق بين قاعدة استقبال الجهة في الصلاة وبين قاعدة استقبال السمت]

فِي مَوَارِدِ الشَّرِيعَةِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْمَظِنَّةِ، وَذَلِكَ فِيمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ أَوْ الْعُقُودِ النَّاقِلَةِ لِلْأَمْلَاكِ أَوْ الْمُوجِبَةِ لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ تِلْكَ الْمَظَانَّ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهَا بِالْإِكْرَاهِ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ فَهَذَا فَرْقٌ آخَرُ بَيْنَ الْمَظِنَّةِ وَالْحِكْمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَطْعَ بِعَدَمِ الْحِكْمَةِ لَا يَقْدَحُ، وَالْقَطْعَ بِعَدَمِ مَظْنُونِ الْمَظِنَّةِ يَقْدَحُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَفَطَّنَ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَهَذِهِ التَّفَاصِيلِ فَهِيَ وَإِنْ انْبَنَى عَلَيْهَا بَيَانُ هَذَا الْفَرْقِ فَهِيَ يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْفُقَهَاءُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - كَثِيرًا فِي مَوَارِدِ الْفِقْهِ وَالتَّرْجِيحِ وَالتَّعْلِيلِ إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ. فَنَقُولُ إنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْبِقَاعُ فِي الْجُمُعَاتِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ فِي الْإِتْيَانِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ أَذَانِهَا وَسَمَاعِهِ مِنْ تِلْكَ الْمَسَافَةِ إذَا هَدَأَتْ الْأَصْوَاتُ وَانْتَفَتْ الْمَوَانِعُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ» فَجَعَلَ مَظِنَّةَ السَّمَاعِ مَقَامَ السَّمَاعِ، وَلِذَلِكَ جُعِلَتْ الْبِقَاعُ الَّتِي فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ مُعْتَبَرَةً فِي قَصْرِ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّرْخِيصِ. وَأَمَّا أَهِلَّةُ شُهُورِ الْعِبَادَاتِ كَرَمَضَانَ وَشَوَّالٍ وَذِي الْحِجَّةِ وَنَحْوِهَا فَلَا حَاجَةَ فِيهَا إلَى مَظِنَّةٍ مِنْ جِهَةِ الزَّمَانِ بِسَبَبِ أَنَّ الْقَطْعَ بِحُصُولِهَا مَوْجُودٌ مِنْ جِهَةِ الرُّؤْيَةِ أَوْ إكْمَالِ الْعِدَّةِ، فَيَحْصُلُ الْقَطْعُ بِالْمَعْنَى الْمَقْصُودِ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَظِنَّةٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الزَّمَانَ يَقُومُ مَقَامَهُ فَإِنَّ الْمَظِنَّةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ عَدَمِ الِانْضِبَاطِ، أَمَّا مَعَهُ فَلَا فَإِذَا ظَنَنَّا أَنَّ الْهِلَالَ يَطْلُعُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ بِسَبَبِ قَرَائِنَ تَقَدَّمَتْ إمَّا مِنْ تَوَالِي تَمَامِ الشُّهُورِ فَنَظُنُّ نَقْصَ هَذَا الشَّهْرِ أَوْ مِنْ جِهَةِ تَوَالِي النَّقْصِ فَنَظُنُّ تَمَامَ هَذَا الشَّهْرِ أَوْ مِنْ جِهَةِ طُلُوعِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَنَظُنُّ تَمَامَ هَذَا الشَّهْرِ أَوْ مِنْ جِهَةِ تَأَخُّرِهِ فِي الطُّلُوعِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَنَظُنُّ نُقْصَانَ هَذَا الشَّهْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَمَارَاتِ الدَّالَّةِ عِنْدَ أَرْبَابِ الْمَوَاقِيتِ عَلَى رُؤْيَةِ الْأَهِلَّةِ، وَيُوجِبُ أَنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ هِيَ مَظِنَّةُ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَإِنَّا لَا نَعْتَبِرُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا نُقِيمُ الْمَظِنَّةَ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّ لَنَا طَرِيقًا لِلْوُصُولِ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْعِشْرُونَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْوَاضِحَةِ فِيمَنْ بَاعَ جَارِيَتَهُ، وَقَالَ كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَطَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا، وَقَالَتْ ذَلِكَ الْجَارِيَةُ لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَطَأَ وَلَا يُزَوِّجَ حَتَّى تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْوَفَاةِ وَإِنْ أَرَادَ رَدَّهَا، وَادَّعَى أَنَّ قَوْلَ الْبَائِعِ وَالْجَارِيَةِ يَقْتَضِي ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَجْهَلُ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ اهـ. 2 - الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ أَصْبَغُ: فِي الْمُظَاهِرِ يَطَأُ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ أَنَّهُ يُعَاقَبُ وَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلٍ اهـ وَمِثْلُ الْوَطْءِ مُقَدِّمَاتُهُ كَمَا فِي شُرُوحِ الْمُخْتَصَرِ. 2 - . الْمَسْأَلَةُ الثَّلَاثُونَ إذَا أَطْلَقَ الزَّوْجُ فِي تَخْيِيرِ امْرَأَتِهِ بَعْدَ الْبِنَاءِ فَقَضَتْ بِوَاحِدَةٍ بَطَلَ مَا بِيَدِهَا، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَقُولَ جَهِلْت وَظَنَنْت أَنَّ لِي أَنْ أَخْتَارَ وَاحِدَةً، وَمِثْلُ الْوَاحِدَةِ الِاثْنَانِ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ ثَلَاثٌ قَالَ عبق فَإِنْ رَضِيَ الزَّوْجُ بِمَا أَوْقَعَتْ لَزِمَ أَفَادَهُ الْأَمِيرُ. 2 - الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ فِي التَّوْضِيحِ الَّتِي يَقُولُ لَهَا زَوْجُهَا إنْ غِبْت عَنْك أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَمْرُك بِيَدِك فَيَغِيبُ عَنْهَا، وَتُقِيمُ بَعْدَ السِّتَّةِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُشْهِدَ أَنَّهَا عَلَى حَقِّهَا ثُمَّ تُرِيدُ أَنْ تَقْضِيَ وَتَقُولُ جَهِلْت وَظَنَنْت أَنَّ الْأَمْرَ بِيَدِي مَتَى شِئْت اهـ. 2 - الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ قَالَ الْأَمِيرُ عُدَّ فِي التَّوْضِيحِ مِنْهَا الشَّاهِدُ يُخْطِئُ فِي الْأَمْوَالِ وَالْحُدُودِ. 2 - الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ قَالَ الْأَمِيرُ عُدَّ فِي التَّوْضِيحِ مِنْهَا الْغَرِيمُ يُعْتِقُ بِحَضْرَةِ غُرَمَائِهِ فَيَسْكُتُونَ وَلَا يُنْكِرُونَ ثُمَّ يُرِيدُونَ الْقِيَامَ، وَبَقِيَ مَسْأَلَةٌ ذَكَرَهَا الْأَصْلُ وَهِيَ مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا فِي حَالَةِ السَّعَةِ يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا مِنْ غَيْرِ كَشْفٍ عَنْ ذَلِكَ أَثِمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ الْجِهَةِ فِي الصَّلَاةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ السَّمْتِ] . (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ الْجِهَةِ فِي الصَّلَاةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِقْبَالِ السَّمْتِ) لَا خِلَافَ فِي أَنَّ فَرْضَ مَنْ قَرُبَ مِنْ الْكَعْبَةِ وَعَايَنَهَا اسْتِقْبَالُ السَّمْتِ أَيْ عَيْنِهَا فَإِذَا صَفَّ صَفٌّ مَعَ حَائِطِ الْكَعْبَةِ فَصَلَاةُ الْخَارِجِ عَنْهَا بِبَدَنِهِ أَوْ بِبَعْضِهِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَسْتَقْبِلَ بِجُمْلَتِهِ الْكَعْبَةَ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ اسْتَدَارَ، وَكَذَلِكَ الصَّفُّ الطَّوِيلُ بِقُرْبِ الْكَعْبَةِ يُصَلُّونَ دَائِرَةً وَقَوْسًا إنْ قَصَرُوا عَنْ الدَّائِرَةِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَمَّا لَوْ خَرَجَ عَنْ السَّمْتِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَمْ يَصِحَّ أَيْ لِكَوْنِهِ خَالَفَ مَا أُمِرَ بِهِ، وَكَذَا مَنْ بِمَكَّةَ أَيْ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْمُسَامَتَةُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَطْلُعَ عَلَى سَطْحٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَعْرِفَ سَمْتَ الْكَعْبَةِ بِالْمَحِلِّ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ اسْتَدَلَّ أَيْ إنَّ مَنْ كَانَ فِي بَيْتِهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْخُرُوجِ أَوْ كَانَ بِلَيْلٍ مُظْلِمٍ فَإِنَّهُ يَسْتَدِلُّ بِأَعْلَامِ الْبَيْتِ مِثْلِ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ يَسْتَدِلُّ بِالْمَطَالِعِ أَوْ الْمَغَارِبِ إنْ كَانَ لَهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ فَإِنْ قَدَرَ بِمَشَقَّةٍ أَيْ عَلَى الْمُسَامَتَةِ كَمَا لَوْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى صُعُودِ السَّطْحِ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ أَوْ مَرِيضٌ فَفِي الِاجْتِهَادِ نَظَرٌ أَيْ تَرَدُّدٌ حَكَاهُ ابْنُ شَاسٍ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الصَّوَابُ الْمَنْعُ اهـ بِتَوْضِيحٍ مِنْ شَرْحَيْ خَلِيلٍ وَابْنِ فَرْحُونٍ قَالَ الْحَطَّابُ هَذَا مَا نَعْرِفُهُ لِأَصْحَابِنَا، وَمَا حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ الْكَعْبَةُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ وَالْمَسْجِدُ قِبْلَةُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْحَرَمُ قِبْلَةُ أَهْلِ الدُّنْيَا فَهَذَا النَّقْلُ عَنْهُ غَرِيبٌ، وَمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الْمَكِّيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْبَيْتُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْمَسْجِدِ، وَالْمَسْجِدُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْحَرَمِ، وَالْحَرَمُ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ» فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ

الْوَصْفِ الْمَطْلُوبِ إمَّا بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِكَمَالِ الْعِدَّةِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ لَا يُعْدَلُ إلَى الْمَظِنَّةِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ انْضِبَاطِ الْوَصْفِ دَائِمًا أَوْ فِي الْأَغْلَبِ، وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَلِذَلِكَ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْمَظَانِّ مِنْ الْأَزْمِنَةِ، وَكَذَلِكَ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ لَمَّا كَانَتْ مُنْضَبِطَةً فِي نَفْسِهَا لِحُصُولِ الْقَطْعِ بِهَا فِي أَكْثَرِ صُوَرِهَا لَمْ تَقُمْ مَظَانُّهَا فِي الصُّوَرِ مَقَامَهَا، وَبِهَذَا ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْبِقَاعِ أُقِيمَتْ مَظَانُّهَا مَقَامَهَا وَبَيْنَ الْأَزْمِنَةِ لَمْ يَقُمْ مَظَانُّهَا فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ، وَسِرُّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهَا قَبْلُ. (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْبِقَاعِ الْمُعَظَّمَةِ مِنْ الْمَسَاجِدِ تُعَظَّمُ بِالصَّلَاةِ، وَيَتَأَكَّدُ طَلَبُ الصَّلَاةِ عِنْدَ مُلَابَسَتِهَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَزْمِنَةِ الْمُعَظَّمَةِ كَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَغَيْرِهَا لَا تُعَظَّمُ بِتَأَكُّدِ الصَّوْمِ فِيهَا) مَعَ أَنَّ نِسْبَةَ الصَّلَوَاتِ إلَى الْبِقَاعِ كَنِسْبَةِ الصَّوْمِ إلَى الْأَزْمَانِ فَالْمَكَانُ يُصَلَّى فِيهِ، وَالزَّمَانُ يُصَامُ فِيهِ وَلَيْسَ لَنَا مَكَانٌ يُصَامُ فِيهِ إلَّا بِطَرِيقِ الْغَرَضِ كَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ بِمَكَّةَ جَبْرًا لِمَا عَرَضَ مِنْ النُّسُكِ وَصَوْمِ أَيَّامِ الِاعْتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ لِمَا عَرَضَ مِنْ الِاعْتِكَافِ، وَيُصَامُ رَمَضَانُ وَغَيْرُهُ لِعَيْنِ ذَلِكَ الزَّمَانِ لَا لِمَا عَرَضَ فِيهِ فَالصَّوْمُ بِوَصْفِهِ خَاصٌّ بِالزَّمَانِ، وَالصَّلَاةُ تَكُونُ لِلْمَكَانِ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَتَكُونُ لِلزَّمَانِ كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَالْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالضُّحَى وَنَحْوِهَا، وَالْفَرْقُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فِي كَوْنِ الْمَسَاجِدِ تُعَظَّمُ بِالتَّحِيَّاتِ إذَا دُخِلَ إلَيْهَا وَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَنَحْوِهَا لَا تُعَظَّمُ بِالصَّوْمِ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ الْخَلْقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا تَزِيدُهُ طَاعَتُهُمْ وَلَا تُنْقِصُهُ مَعْصِيَتُهُمْ وَالْأَدَبُ مَعَهُ تَعَالَى اللَّائِقُ بِجَلَالِهِ مُتَعَذِّرٌ مِنَّا فَأَمَرَنَا تَعَالَى أَنْ نَتَأَدَّبَ مَعَهُ كَمَا نَتَأَدَّبُ مَعَ أَكَابِرِنَا؛ لِأَنَّهُ وَسِعَنَا، وَلِذَلِكَ أَمَرَنَا تَعَالَى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْمَدْحِ لَهُ وَإِكْرَامِ خَاصَّتِهِ وَعَبِيدِهِ، وَلَمَّا كَانَ الْوَاحِدُ مِنَّا إذَا أَرَادَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَالْحَمْلُ فِيهِ عَلَيْهِ اهـ. وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَنْ بَعُدَ عَنْ الْكَعْبَةِ بِأَنْ كَانَ بِغَيْرِ مَكَّةَ هَلْ فَرْضُهُ اسْتِقْبَالُ السَّمْتِ كَالْمُعَايِنِ أَوْ فَرْضُهُ اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ وَخَارِجِهِ، وَيَرْجِعُ لِلثَّانِي أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ الْمَنْقُولِ عَنْ الْقَائِلِينَ بِهِ أَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَقْبِلَ لِلْكَعْبَةِ فَرْضُهُ اسْتِقْبَالُ عَيْنِهَا وَمُعَايَنَتُهَا حَتَّى يُقَالُ إنَّهُ مِنْ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنَّ فَرْضَهُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ قُدِّرَ خُرُوجُ خَطٍّ مُسْتَقِيمٍ عَلَى زَوَايَا قَائِمَةٍ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْهِ نَافِذًا إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ لَمَرَّ بِالْكَعْبَةِ قَاطِعًا لَهَا إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مُرَادُهُمْ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ إذْ فِيهِ تَكْلِيفُ السَّمْتِ وَالْمُعَايَنَةِ مَعَ عَدَمِهَا بِخِلَافِ الْقَوْلِ بِالْجِهَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا فِيهِ التَّكْلِيفُ بِتَحْقِيقِ الْجِهَةِ، وَالتَّوَصُّلُ إلَيْهِ مُتَيَسِّرٌ عَلَى جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ أَوْ أَكْثَرِهِمْ. وَثَانِيهِمَا إجْمَاعُ النَّاسِ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الصَّفِّ الْمُسْتَقِيمِ الطَّوِيلِ الَّذِي طُولُهُ مِائَةُ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرُ، وَصِحَّةِ صَلَاةِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ الْمُتَحَاذِيَيْنِ أَوْ الْمَوَاضِعِ مَعَ أَنَّ بَعْضَ الصَّفِّ وَأَحَدَ الْمَوْضِعَيْنِ أَوْ الْمَوَاضِعِ خَارِجٌ عَنْ السَّمْتِ قَطْعًا فَإِنَّ الْكَعْبَةَ عَلَى مَا قِيلَ عَرْضُهَا عِشْرُونَ ذِرَاعًا وَطُولُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَمْرِ الثَّانِي بِأَنَّ الْقَوْلَ بِالسَّمْتِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةِ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ الِاسْتِقْبَالَ الْعَادِيَّ لَا الْحَقِيقِيَّ، وَالْعَادَةُ أَنَّ الصَّفَّ الطَّوِيلَ إذَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ الْقَصِيرِ الَّذِي يُسْتَقْبَلُ يَكُونُ أَطْوَلَ مِنْهُ، وَيَجِدُ بَعْضُهُمْ نَفْسَهُ خَارِجَةً عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُسْتَقْبَلِ الَّذِي هُوَ قَصِيرٌ مِنْ الصَّفِّ الطَّوِيلِ. وَإِذَا بَعُدَ ذَلِكَ الصَّفُّ الطَّوِيلُ بُعْدًا كَثِيرًا عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْقَصِيرِ بِأَنْ كَانَ بِمِصْرَ أَوْ خُرَاسَانَ يَجِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ فِي ذَلِكَ الصَّفِّ الطَّوِيلِ نَفْسَهُ مُسْتَقْبِلًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ الْقَصِيرِ فِي نَظَرِ الْعَيْنِ بِسَبَبِ الْبُعْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّخْلَةَ الْبَعِيدَةَ أَوْ الشَّجَرَةَ إذَا اسْتَقْبَلَهُمَا الرَّكْبُ الْعَظِيمُ الْكَثِيرُ الْعَدَدِ مِنْ الْبُعْدِ يَجِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الرَّكْبِ نَفْسَهُ قُبَالَةَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ أَوْ النَّخْلَةِ، وَيَقُولُ الرَّاكِبُ بِجُمْلَتِهِ نَحْنُ قُبَالَةَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ أَوْ النَّخْلَةِ وَنَحْنُ سَايِرُونِ إلَيْهَا. وَإِذَا قَرُبُوا مِنْهَا جِدًّا لَمْ يَبْقَ قُبَالَتَهَا إلَّا النَّفَرُ الْيَسِيرُ مِنْ ذَلِكَ الرَّكْبِ، وَكَذَلِكَ الْبَلَدَانِ الْمُتَقَارِبَانِ لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ بَيْنَ مَنْ فِيهِمَا وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ لَرَأَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَفْسَهُ قُبَالَةَ الْكَعْبَةِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالسَّمْتِ الْعَادِيِّ دُونَ الْحَقِيقِيِّ مَآلُهُ إلَى الْقَوْلِ بِالْجِهَةِ فَهُوَ عَلَى التَّحْقِيقِ تَسْلِيمٌ لِقَوْلِ الْمُخَالِفِ وَتَحْرِيرُ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ: إنَّ اسْتِقْبَالَ الْجِهَةِ يَكْفِي عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ: إنَّ اسْتِقْبَالَ السَّمْتِ لَا بُدَّ مِنْهُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا هُوَ مَا كَانَ يَذْكُرُهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَوَابًا عَنْ اسْتِشْكَالِهِ أَنَّ مَنْ بَعُدَ عَنْ مَكَّةَ لَا يَقُولُ أَحَدٌ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالَ عَيْنِ الْكَعْبَةِ وَمُقَابَلَتَهَا وَمُعَايَنَتَهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَبْذُلَ جَهْدَهُ فِي تَعْيِينِ جِهَةٍ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْكَعْبَةَ وَرَاءَهَا، وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا وَرَاءَ الْجِهَةِ الَّتِي عَيَّنَتْهَا أَدِلَّتُهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُهَا إجْمَاعًا فَصَارَتْ الْجِهَةُ مُجْمَعًا عَلَيْهَا وَالسَّمْتُ الَّذِي هُوَ الْعَيْنُ وَالْمُعَايَنَةُ مُجْمَعٌ عَلَى عَدَمِ التَّكْلِيفِ بِهِ، وَإِذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ فِي الصُّورَتَيْنِ فَأَيْنَ يَكُونُ الْخِلَافُ بِقَوْلِهِ الشَّيْءُ قَدْ يَجِبُ إيجَابَ الْوَسَائِلِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ كَالنَّظَرِ

[الفرق بين قاعدة من يتعين تقديمه ومن يتعين تأخيره في الولايات والمناصب]

تَعْظِيمَ عَظِيمٍ مِنَّا فَعَلَ مَعَهُ ذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ تَعْظِيمًا لَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَحَدَنَا إذَا مَرَّ بِبُيُوتِ الْأَكَابِرِ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ وَيُحَيِّهِمْ بِالتَّحِيَّةِ اللَّائِقَةِ بِهِمْ، وَالسَّلَامُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِالسَّلَامَةِ وَهُوَ سَالِمٌ لِذَاتِهِ عَنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ أَوْ هُوَ مِنْ الْمُسَالَمَةِ، وَهِيَ التَّأْمِينُ مِنْ الضَّرَرِ، وَهُوَ تَعَالَى يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ فَاسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ مَعَانِيهِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى بَلْ وَرَدَ أَنْ نَقُولَ لَهُ تَعَالَى أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ وَإِلَيْك يَعُودُ السَّلَامُ حَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ أَيْ أَنْتَ السَّالِمُ لِذَاتِك وَمِنْك يَصْدُرُ السَّلَامُ لِعِبَادِك. وَإِلَيْك يَرْجِعُ طَلَبُهَا فَاعْطِنَا إيَّاهَا، وَلَمَّا اسْتَحَالَ السَّلَامُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ مُقَامَهُ لِيَتَمَيَّزَ بَيْتُ الرَّبِّ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوتِ بِصُورَةِ التَّعْظِيمِ بِمَا يَلِيقُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَلِذَلِكَ نَابَتْ الْفَرِيضَةُ عَنْ النَّافِلَةِ فِي ذَلِكَ لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِهَا، وَلَمَّا كَانَ سَبَبُ التَّحِيَّاتِ فِي هَذِهِ الْبِقَاعِ الْمُعَظَّمَةِ تَمْيِيزَهَا اُخْتُصَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَاشْتُهِرَ بِاسْمِ اخْتِصَاصِهِ بِهِ، وَهُوَ لَفْظُ الْبُيُوتِ فَإِنَّ شَأْنَ الرَّئِيسِ وَالْمَلِكِ الْعَظِيمِ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ وَيَحُلَّ فِي بَيْتِهِ وَيَخْتَصَّ بِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْأَزْمِنَةِ مَا اُشْتُهِرَ بِاَللَّهِ تَعَالَى هَذِهِ الشُّهْرَةَ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى تَمْيِيزٍ يَخْتَصُّ بِهِ يُنَاسِبُ الرُّبُوبِيَّةَ، فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَزْمِنَةِ وَالْبِقَاعِ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَإِنْ قُلْت فَقَدْ وَرَدَ «أَنَّ الثُّلُثَ الْأَخِيرَ مِنْ اللَّيْلِ يَنْزِلُ الرَّبُّ تَعَالَى فِيهِ سَمَاءَ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأَسْتَجِيبَ لَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ» فَقَدْ اخْتَصَّ هَذَا الْوَقْتُ مِنْ الزَّمَانِ بِهِ تَعَالَى كَمَا اخْتَصَّتْ الْمَسَاجِدُ بِأَنَّهَا بُيُوتُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُشْرَعَ فِيهِ مَا يُوجِبُ التَّمْيِيزَ كَمَا شُرِعَ فِي الْمَسْجِدِ. قُلْت: الْأَزْمِنَةُ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ الْمُلُوكِ بِالْقُدُومِ فِيهَا عَلَى الرَّعَايَا شَأْنُهَا أَنْ تُعَظَّمَ بِالزِّينَةِ فِي الْمَدَائِنِ وَغَيْرِ الزِّينَةِ مِنْ أَسْبَابِ الِاحْتِفَالِ، وَكَانَ يَلْزَمُنَا مِثْلُ ذَلِكَ فِي هَذَا الزَّمَانِ غَيْرَ أَنَّ اللَّيْلَ لَا يُلَازِمُ الصَّوْمَ شَرْعًا فَشُرِعَ فِيهِ مَا يُنَاسِبُهُ مِنْ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَإِنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي أَوْصَافِ الْمِيَاهِ الْمُتَوَسَّلِ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ الطُّهُورِيَّةِ، وَفِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ الْمُتَوَسَّلِ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ قِيمَةِ الْمُتْلَفِ وَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ الْمُتَوَسَّلِ بِهِ إلَى إيقَاعِهَا فِي الْجَامِعِ، وَالسَّفَرِ إلَى الْحَجِّ الْمُتَوَسَّلِ بِهِ إلَى إيقَاعِهِ بِعَرَفَةَ وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ. وَقَدْ يَجِبُ إيجَابَ الْمَقَاصِدِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ أَيْضًا كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ مَقْصِدٌ لِنَفْسِهِ لَا لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِغَيْرِهِ فَعَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ اسْتِقْبَالَ الْجِهَةِ يَكْفِي يَكُونُ النَّظَرُ فِي الْجِهَةِ وَاجِبًا وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَعْبَةَ لَمَّا بَعُدَتْ عَنْ الْإِبْصَارِ جِدًّا وَتَعَذَّرَ الْجَزْمُ بِحُصُولِهَا جَعَلَ الشَّرْعُ الِاجْتِهَادَ فِي الْجِهَةِ هُوَ الْوَاجِبُ نَفْسُهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ دُونَ عَيْنِ الْكَعْبَةِ، فَلَا يَجِبُ أَلْبَتَّةَ فَإِذَا اجْتَهَدَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ عَيْنَ الْكَعْبَةِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ أَمَّا إذَا أَخْطَأَ الْجِهَةَ فَقَدْ أَخْطَأَ الْمَقْصُودَ فَيَلْزَمُ الْإِعَادَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ اسْتِقْبَالَ السَّمْتِ لَا بُدَّ مِنْهُ يَكُونُ النَّظَرُ فِي الْجِهَةِ وَاجِبًا وُجُوبَ الْوَسَائِلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ لِتَحْصِيلِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ الَّذِي هُوَ الْوَاجِبُ الْمَقْصُودُ لِنَفْسِهِ فَإِذَا أَخْطَأَ الْعَيْنَ فِي اجْتِهَادِهِ فِي الْجِهَةِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْوَسِيلَةَ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصِدُهَا سَقَطَ اعْتِبَارُهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبِالْجُمْلَةِ فَالْخِلَافُ فِي كُلٍّ مِنْ السَّمْتِ وَالْجِهَةِ أَمَّا فِي السَّمْتِ فَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ أَوْ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا لَا وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ وَلَا وُجُوبَ الْوَسَائِلِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَسِيلَةً لِغَيْرِهِ؟ قَوْلَانِ، وَأَمَّا فِي الْجِهَةِ فَهُوَ أَنَّهَا هَلْ تَجِبُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ أَوْ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ؟ قَوْلَانِ فَالْجِهَةُ وَاجِبَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي صُورَةِ وُجُوبِهَا هَلْ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ أَوْ الْمَقَاصِدِ وَفِي السَّمْتِ هَلْ يَجِبُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ أَوْ لَا مُطْلَقًا. فَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ: هَلْ الْوَاجِبُ الْجِهَةُ أَوْ السَّمْتُ؟ قَوْلَانِ فِيهِ قَيْدٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ هَلْ الْوَاجِبُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ السَّمْتُ أَوْ الْجِهَةُ؟ قَوْلَانِ وَبِهَذَا الْقَيْدِ يَتَّضِحُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ تَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَى مَنْ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ أَمْ لَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْجِهَةَ هَلْ تَجِبُ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ، فَإِذَا حَصَلَ الِاجْتِهَادُ فِيهَا فَلَا إعَادَةَ، وَإِنْ أَخْطَأَ الْعَيْنَ لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَوْ تَجِبُ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ فَإِذَا حَصَلَ الِاجْتِهَادُ فِيهَا وَأَخْطَأَ الْعَيْنَ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّ الْوَسِيلَةَ إذَا لَمْ تُفْضِ إلَى مَقْصُودِهَا سَقَطَ اعْتِبَارُهَا، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْأَقْوَالِ أَنَّ الْجِهَةَ وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ، وَأَنَّ الْإِعَادَةَ لَازِمَةٌ عِنْدَ تَبَيُّنِ الْخَطَأِ فِيهَا لَا فِي الْعَيْنِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يَتَعَيَّنُ تَقْدِيمُهُ وَمَنْ يَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُهُ فِي الْوِلَايَاتِ وَالْمَنَاصِبِ] الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يَتَعَيَّنُ تَقْدِيمُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُهُ فِي الْوِلَايَاتِ وَالْمَنَاصِبِ وَالِاسْتِحْقَاقَات الشَّرْعِيَّةِ) لَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ مَنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِالْأَهْلِيَّةِ لِأَيِّ وِلَايَةٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ اسْتِحْقَاقٍ مِنْ الْوِلَايَةِ وَالْمَنَاصِبِ وَالِاسْتِحْقَاقَات الشَّرْعِيَّةِ وَتَأْخِيرُ مَنْ لَيْسَ مُتَّصِفًا بِالْأَهْلِيَّةِ لِذَلِكَ ضَرُورَةَ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا تَحْصُلُ مِمَّنْ اتَّصَفَ بِالْأَهْلِيَّةِ لَا مِمَّنْ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَيُقَدَّمُ فِي أَمَانَةِ الْأَيْتَامِ مَنْ اتَّصَفَ بِأَهْلِيَّةِ تَنْمِيَةِ أَمْوَالِهِمْ وَتَقْدِيرِ أَمْوَالِ النَّفَقَاتِ وَأَحْوَالِ الْكَوَافِلِ وَالْمُنَاظَرَاتِ عِنْدَ الْحُكَّامِ عَنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِتِلْكَ الْأَهْلِيَّةِ، وَيُقَدَّمُ فِي جِبَايَةِ الصَّدَقَاتِ مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ مَعْرِفَةِ مَقَادِيرِ النُّصُبِ وَأَحْكَامِ الزَّكَاةِ مِنْ الْخُلْطَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى مَنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ تِلْكَ

(الْفَرْقُ الْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النُّوَاحُ حَرَامٌ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَرَاثِي مُبَاحَةٌ) اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اُشْتُهِرَ بَيْنَ النَّاسِ تَحْرِيمُ النُّوَاحِ وَتَفْسِيقُ النَّائِحَةِ دُونَ تَفْسِيقِ الشُّعَرَاءِ الَّذِينَ يَرْثُونَ الْمَوْتَى مِنْ الْمُلُوكِ وَالْأَعْيَانِ، وَكَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إنَّ بَعْضَ الْمَرَاثِي حَرَامٌ كَالنُّوَاحِ وَتَحْرِيرُ الْقَوْلِ فِيهِمَا وَضَبْطُهُمَا أَنَّ النُّوحَ إنَّمَا حَرُمَ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي نِسْبَةَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلَى الْجَوْرِ فِي قَضَائِهِ وَالتَّبَرُّمَ بِقَدَرِهِ، وَأَنَّ الْوَاقِعَ مِنْ مَوْتِ هَذَا الْمَيِّتِ لَمْ يَكُنْ مَصْلَحَةً بَلْ مَفْسَدَةً عَظِيمَةً، وَتَكُونُ النَّائِحَةُ تَذْكُرُ كَلَامًا يُقَرِّرُ ذَلِكَ فِي النُّفُوسِ، وَتُوَضِّحُهُ لِلْأَفْهَامِ وَتَحْمِلُ السَّامِعِينَ عَلَى اعْتِقَادِ ذَلِكَ فَكُلُّ لَفْظٍ تَضَمَّنَ ذَلِكَ كَانَ حَرَامًا نَظْمًا كَانَ أَوْ نَثْرًا مَرْثِيَّةً أَوْ نُوَاحًا، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّصْرِيحُ بِتَحْرِيمِ النُّوَاحِ، وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّ النَّائِحَةَ تُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَمِيصَيْنِ قَمِيصٌ مِنْ جَرَبٍ وَقَمِيصٌ مِنْ قَطِرَانٍ» وَسِرُّهُ أَنَّ الْأَجْرَبَ سَرِيعُ الْأَلَمِ لِتَقَرُّحِ جِلْدِهِ. وَالْقَطِرَانُ يُقَوِّي شُعْلَةَ النَّارِ فَيَكُونُ عَذَابُهَا بِالنَّارِ بِسَبَبِ هَذَيْنِ الْقَمِيصَيْنِ أَشَدَّ الْعَذَابِ وَفِي أَبِي دَاوُد «لَعَنَ اللَّهُ النَّائِحَةَ وَالْمُسْتَمِعَةَ» قَالَ سَنَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا هِيَ الَّتِي تَتَّخِذُ النُّوَاحَ صَنْعَةً، قَالَ وَإِلَّا فَالْمَرَّةُ مَكْرُوهَةٌ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ نِسَاءَ جَعْفَرٍ لَمْ يُسْكِتْهُنَّ» وَفِيهِ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جِيءَ بِأَبِي يَوْمَ أُحُدٍ وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ فَسَمِعَ صَوْتَ نَائِحَةٍ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ؟ فَقَالُوا ابْنَةُ عُمَرَ فَقَالَ فَلْتَبْكِي مَا زَالَتْ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ وَفِيهِ «عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَخَذَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا نَنُوحَ فَمَا وَفَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ غَيْرُ خَمْسِ نِسْوَةٍ سَمَّتْهُنَّ» ، وَالنُّوَاحُ مِنْ الْكَبَائِرِ. وَصُورَتُهُ أَنْ تَقُولَ النَّائِحَةُ لَفْظًا يَقْتَضِي فَرْطَ جَمَالِ الْمَيِّتِ وَحُسْنِهِ وَكَمَالِهِ وَشُجَاعَتِهِ وَبَرَاعَتِهِ وَأُبَّهَتِهِ وَرِئَاسَتِهِ، وَتُبَالِغَ فِيمَا كَانَ يَفْعَلُ مِنْ إكْرَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَهْلِيَّةُ، وَيُقَدَّمُ فِي الصَّلَاةِ مَنْ كَانَ أَهْلًا فِي مَعْرِفَةِ أَحْكَامِهَا وَعَوَارِضِ سَهْوِهَا وَاسْتِخْلَافِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عَوَارِضِهَا وَمَصَالِحِهَا عَلَى مَنْ لَيْسَ أَهْلًا فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَهْلًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْأَتَمُّ قِيَامًا بِذَلِكَ فَلَا يَجِبُ حَتْمُ تَقْدِيمِهِ عَلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ مِمَّنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْقِيَامِ بِذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُ غَيْرِ الْأَتَمِّ عَلَى الْأَتَمِّ ضَرُورَةَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تِلْكَ الْمَصَالِحِ حَاصِلٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِالْأَهْلِيَّةِ لِذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِتَعْيِينِ الْأَتَمِّ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْأَوْلَوِيَّةِ خَاصَّةً وَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ إنَّ الْإِمَامَ إذَا وَجَدَ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ لِلْقَضَاءِ مِمَّنْ هُوَ مُتَوَلٍّ الْآنَ وَجَبَ عَلَيْهِ عَزْلُ الْأَوَّلِ وَتَوْلِيَةُ الْأَصْلَحِ لِئَلَّا يُفَوِّتَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَصْلَحَةَ الْأَفْضَلِ مِنْهُمَا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْزِلَ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى لِئَلَّا يُفَوِّتَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَصْلَحَةَ الْأَعْلَى وَلَا يَنْفُذُ عَزْلُ الْأَعْلَى؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ الَّذِي عَزَلَهُ مَعْزُولٌ عَنْ عَزْلِهِ، وَإِنَّمَا وَلَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ اهـ. يَتَعَيَّنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ قَاصِرٌ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ لَا عَلَى أَنَّهُ أَهْلٌ، وَلَكِنَّ غَيْرَهُ أَمَسُّ مِنْهُ بِالْأَهْلِيَّةِ إذْ لَا وَجْهَ لِعَزْلِهِ حِينَئِذٍ، وَالْحَالُ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ الْقَضَاءِ كَمَا تَحْصُلُ مِنْ الْفَاضِلِ الْمُتَّصِفِ بِالْأَهْلِيَّةِ كَذَلِكَ تَحْصُلُ مِنْ الْمَفْضُولِ الْمُتَّصِفِ بِهَا، وَتَعْيِينُ تَقْدِيمِ النِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ فِي بَابِ الْحَضَانَةِ إنَّمَا هُوَ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ لَيْسُوا كَالنِّسَاءِ فِي أَهْلِيَّةِ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ أُمُورِ الْحَضَانَةِ فَإِنَّ النِّسَاءَ أَصْبَرُ عَلَى أَخْلَاقِ الصِّبْيَانِ وَأَشَدُّ شَفَقَةً وَرَأْفَةً وَأَقَلُّ أَنَفَةً عَنْ قَاذُورَاتِ الْأَطْفَالِ وَأَكْثَرُ إقَامَةً بِالْمَنْزِلِ، وَالرِّجَالُ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ فَتَعْيِينُ تَقْدِيمِ النِّسَاءِ عَلَيْهِمْ لِذَلِكَ لَا لِكَوْنِهِنَّ أَمَسَّ مِنْهُمْ بِالْأَهْلِيَّةِ، كَمَا إنَّ تَقْدِيمَ الرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ فِي الْإِمَامَةِ وَالْحُرُوبِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَنَاصِبِ لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ كَالرِّجَالِ فِي أَهْلِيَّةِ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ تِلْكَ الْمَنَاصِبِ وَالْوِلَايَاتِ، بَلْ الْأَهْلِيَّةُ فِيهَا لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ لِجَمِيعِ الرِّجَالِ أَلَا تَرَى قَوْلَهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَضَاكُمْ عَلِيٌّ» مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا عَلِمَ أَنَّ الْقَضَاءَ تَبَعُ الْحِجَاجِ وَأَحْوَالِهَا، وَأَنَّ مَنْ كَانَ لَهَا أَشَدُّ تَفَطُّنًا كَانَ أَقْضَى مِنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ تِلْكَ الْأَهْلِيَّةُ فَيُقَدَّمُ فِي الْقَضَاءِ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ شَدِيدَ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ إذْ هُوَ يُخْدَعُ بِأَيْسَرِ الشُّبُهَاتِ، وَلِكَوْنِ الْقَضَاءِ عِبَارَةً عَنْ التَّفَطُّنِ لِلْحِجَاجِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ يَكُونُ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ» فَظَهَرَ الْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثَيْ عَلِيٍّ وَمُعَاذٍ، وَأَنَّ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْقِيَامِ بِالْفُتْيَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ شَدِيدُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْقِيَامِ بِالْقَضَاءِ كَمَا إنَّ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْقِيَامِ بِإِمَامَةِ الصَّلَاةِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْقِيَامِ بِإِمَامَةِ الْخِلَافَةِ ضَرُورَةَ أَنَّ إمَامَةَ الْخِلَافَةِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى سِيَاسَةِ الْأُمَّةِ وَمَعْرِفَةِ الشَّرِيعَةِ وَضَبْطِ الْجُيُوشِ وَوِلَايَةِ الْأَكْفَاءِ وَعَزْلِ الضُّعَفَاءِ وَمُكَافَحَةِ الْأَضْدَادِ وَالْأَعْدَاءِ وَتَصْرِيفِ الْأَمْوَالِ وَأَخْذِهَا مِنْ مَظَانِّهَا وَصَرْفِهَا فِي مُسْتَحَقَّاتِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْإِمَامَةِ الْكُبْرَى، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّقْدِيمِ فِي الصَّلَاةِ التَّقْدِيمُ فِي الْخِلَافَةِ كَانَتْ إشَارَةُ عُمَرَ بِقَوْلِهِ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي أَمْرِ الْإِمَامَةِ رَضِيَك رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِدِينِنَا أَفَلَا نَرْضَاك لِدُنْيَانَا إلَى أَنَّ تَقْدِيمَهُ فِي الصَّلَاةِ دَلِيلٌ عَلَى تَقْدِيمِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلْإِمَامَةِ لَا تَسْتَقِيمُ فِي ظَاهِرِ الْحَالِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَيْسَ مُرَادُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّك

[الفرق بين قاعدة الشك في طريان الإحداث بعد الطهارة وبين قاعدة الشك في طريان غيره من الأسباب]

الضَّيْفِ وَالضَّرْبِ بِالسَّيْفِ وَالذَّبِّ عَنْ الْحَرِيمِ وَالْجَارِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْمَيِّتِ الَّتِي يَقْتَضِي مِثْلُهَا أَنْ لَا يَمُوتَ فَإِنَّ بِمَوْتِهِ هَذِهِ تَنْقَطِعُ هَذِهِ الْمَصَالِحُ وَيَعِزُّ وُجُودُ مِثْلِ الْمَوْصُوفِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ وَيَعْظُمُ التَّفَجُّعُ عَلَى فَقْدِ مِثْلِهِ وَأَنَّ الْحِكْمَةَ كَانَتْ تَقْتَضِي بَقَاءَهُ وَتَطْوِيلَ عُمْرِهِ لِتَكْثِيرِ تِلْكَ الْمَصَالِحِ فِي الْعِلْمِ فَمَتَى كَانَ لَفْظُهَا مُشْتَمِلًا عَلَى هَذَا كَانَ حَرَامًا، وَهَذَا أَشَرُّ النُّوَاحِ وَتَارَةً لَا تَصِلُ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ غَيْرَ أَنَّهُ تَبْعُدُ السَّلْوَةُ عَنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ، وَتَهِيجُ الْأَسَفَ عَلَيْهِمْ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى تَعْذِيبِ نُفُوسِهِمْ وَقِلَّةِ صَبْرِهِمْ وَضَجَرِهِمْ، وَرُبَّمَا بَعَثَهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْقُنُوطِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ وَضَرْبِ الْخُدُودِ فَهَذَا أَيْضًا حَرَامٌ، وَمَتَى كَانَ لَفْظُ النَّائِحَةِ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَلْ ذِكْرُ دِينِ الْمَيِّتِ، وَأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى جَزَاءِ أَعْمَالِهِ الْحَسَنَةِ وَمُجَاوَرَةِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَنَّهُ أَتَى عَلَيْهِ مَا قَضَى عَلَى عَامَّةِ النَّاسِ، وَأَنَّ هَذَا سَبِيلٌ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَأَنَّهُ مَوْطِنٌ اشْتَرَكَ فِيهِ جَمِيعُ الْخَلَائِقِ، وَبَابٌ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِ فَهَذَا لَيْسَ بِحَرَامٍ فَإِنْ زَادَتْ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ تَأْمُرَ أَهْلَ الْمَيِّتِ بِالصَّبْرِ، وَتَحُثَّهُمْ عَلَى طَلَبِ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ، وَأَنَّهُمْ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَحْتَسِبُوا مَيِّتَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَيَعْتَمِدُونَ فِي حُسْنِ الْخَلَفِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوَ ذَلِكَ فَهَذَا مَنْدُوبٌ إلَيْهِ مَأْمُورٌ بِهِ وَعَلَى هَذِهِ الْقَوَانِينِ تَتَخَرَّجُ الْمَرَاثِي فَتَنْقَسِمُ أَيْضًا إلَى الْمُحَرَّمَةِ الْكَبِيرَةِ وَإِلَى الْمُحَرَّمَةِ الصَّغِيرَةِ وَإِلَى الْمُبَاحِ وَإِلَى الْمَنْدُوبِ عَلَى قَدْرِ مَا يَتَضَمَّنُهُ لَفْظُ الْمَرْثِيَّةِ فَمِنْ الْمَرَاثِي الْمُبَاحَةِ الْخَالِيَةِ عَنْ التَّحْرِيمِ مَا رَثَى بِهِ ابْنُ عُمَرَ أَخَاهُ عَاصِمًا لَمَّا مَاتَ فَقَالَ: فَإِنْ تَكُ أَحْزَانٌ وَفَائِضُ دَمْعَةٍ ... جَرَيْنَ دَمًا مِنْ دَاخِلِ الْجَوْفِ مُنْقَعَا تَجَرَّعْتهَا فِي عَاصِمٍ وَاحْتَسَبْتهَا ... فَأَعْظَمُ مِنْهَا مَا احْتَسَى وَتَجَرَّعَا فَلَيْتَ الْمَنَايَا كُنَّ خَلَّفْنَ عَاصِمًا ... فَعِشْنَا جَمِيعًا أَوْ ذَهَبْنَ بِنَا مَعَا دَفَعْنَا بِك الْأَيَّامَ حَتَّى إذَا أَتَتْ ... تُرِيدُك لَمْ نَسْطِعْ لَهَا عَنْك مِدْفَعَا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQرَضِيَك النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِدِينِنَا مُطْلَقَ الرِّضَا بِحَيْثُ يَقْتَصِرُ عَلَى أَهْلِيَّتِهِ لِلْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ خَاصَّةً بَلْ الرِّضَا الْخَاصُّ الْمُفَسَّرُ بِاخْتِصَاصِهِ بِأَنْوَاعِ التَّكْرِيمِ مِنْ نَحْوِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِمَحَاسِنِهِ الَّتِي تُوجِبُ تَقْدِيمَهُ وَمِنْ تَقْدِيمِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الصَّلَاةِ وَمِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي مَرَضِ مَوْتِهِ «يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُسْلِمُونَ إلَّا أَبَا بَكْرٍ» فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْنَا أَنْ نَرْضَاكَ لِلْخِلَافَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُشِيرُ بِاخْتِصَاصِهِ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ مَنْ كَانَ مُتَعَيِّنًا لِلْخِلَافَةِ كَيْفَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لِلصَّلَاةِ فَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ الْمُتَعَيَّنُ لِلْخِلَافَةِ. وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَتَّبِعُ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ، وَحَيْثُ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ وُكِّلَ الْأَمْرُ فِيهِ إلَى الِاجْتِهَادِ وَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُشِيرُ وَيُومِئُ بِاخْتِصَاصِهِ بِأَنْوَاعِ التَّكْرِيمِ إلَى خِلَافَتِهِ، أَوْ يُقَالُ قَصَدَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِذَلِكَ تَسْكِينَ الثَّائِرَةِ وَالْفِتْنَةِ وَرَدْعَ الْأَهْوَاءِ بِذِكْرِ حُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ لِيَسْكُنَ لَهَا أَكْثَرُ النَّاسِ فَيَنْدَفِعَ الْفَسَادُ أَوْ يُقَالُ إنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهِمَ مِنْ إشَارَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ الصِّدِّيقَ مَرْضِيٌّ لِجَمِيعِ حُرُمَاتِ الدِّينِ وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَحْوَالُ الْأُمَّةِ وَالنَّظَرُ فِي مَصَالِحِ الْمِلَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ أَهَمِّ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَهُوَ مِنْ الدِّينِ بِنَاءً عَلَى جَعْلِ الْإِضَافَةِ فِي قَوْلِهِ لِدِينِنَا عَلَى بَابِهَا مُوجِبٌ لِلْعُمُومِ لِكَوْنِ الْأُصُولِيِّينَ جَعَلُوهَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ لُغَةً فِي نَحْوِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» فَكَانَ ذَلِكَ عَامًّا فِي جَمِيعِ مَاءِ الْبَحْرِ وَمَيْتَتِهِ بِسَبَبِ الْإِضَافَةِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ أَفَلَا نَرْضَاكَ لِدُنْيَانَا أَيْ مِنْ الْعُلُوِّ وَالرِّئَاسَةِ فَلَا نُقَدِّمُ عَلَيْك مِنْ الْأَنْصَارِ مَنْ يَطْلُبُ التَّقَدُّمَ عَلَيْك فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ مِنْ تَحْصِيلِ الْأُجُورِ الْحَاصِلَةِ لِمُتَوَلِّي أَمْرِ الْأُمَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَلَا نُشْرِكُ مَعَك مَنْ يَطْلُبُ مِنْهُمْ الشَّرِكَةَ فِيهِ طَمَعًا لِتَحْصِيلِ بَعْضِ تِلْكَ الْأُجُورِ كَمَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِأَحْوَالِ الْأَنْصَارِ فِي بَذْلِهِمْ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَإِنَّ الْمَرْضِيَّ لِمَعَالِي الْأُمُورِ لَا يَقْصُرُ دُونَ خَسِيسِهَا. وَلِأَنَّ الْمُشَارَكَةَ فِي الْإِمَامَةِ لَيْسَتْ مِنْ مَصَالِحِ الدِّينِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى الْمُخَالَفَةِ وَالْمُشَاقَقَةِ، وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44] إنَّهُ الْخِلَافَةُ وَإِنَّهُ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَطُوفُ عَلَى الْقَبَائِلِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ لِيَنْصُرُوهُ، فَيَقُولُونَ لَهُ وَيَكُونُ لَنَا الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِك فَيَقُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي قَدْ مُنِعَتْ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّهُ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيَّ {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف: 44] » فَلَمْ يَكُنْ لِلْأَنْصَارِ فِي هَذَا الشَّأْنِ شَيْءٌ كَمَا هُوَ مُسْتَوْعَبٌ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ، وَقَدْ سُئِلَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْقَيْرَوَانِ مَنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْخِلَافَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ إنَّا بِالْقَيْرَوَانِ وَإِنَّا نَعْلَمُ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ مِنَّا بِالْقَضَاءِ، وَمَنْ هُوَ أَصْلَحُ مِنَّا لِلْفُتْيَا، وَمَنْ هُوَ أَصْلَحُ مِنَّا لِلْإِمَامَةِ أَيَخْفَى ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا يَسْأَلُ عَنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الشَّكِّ فِي طَرَيَان الْإِحْدَاثِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الشَّكِّ فِي طَرَيَان غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ] (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الشَّكِّ فِي طَرَيَانِ الْإِحْدَاثِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ يُعْتَبَرُ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الشَّكِّ فِي طَرَيَان غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ وَالرَّوَافِعُ لِلْأَسْبَابِ لَا تُعْتَبَرُ) الْقَاعِدَةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ هِيَ أَنَّ كُلَّ مَشْكُوكٍ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ سَبَبًا أَوْ شَرْطًا أَوْ مَانِعًا مُلْغًى فَكُلُّ سَبَبٍ شَكَكْنَا فِي طَرَيَانِهِ لَمْ نُرَتِّبْ عَلَيْهِ مُسَبِّبَهُ، وَجَعَلْنَا ذَلِكَ السَّبَبَ كَالْمَعْدُومِ وَالْمَجْزُومِ بِعَدَمِهِ فَلَا نُرَتِّبُ

فَهَذَا رِثَاءٌ مُبَاحٌ لَا يَحْرُمُ مِثْلُهُ. وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُشِيرُ إلَى التَّجْوِيرِ وَلَا تَسْفِيهِ الْقَضَاء بَلْ إنَّهُ حَزِينٌ مُتَأَلِّمٌ لِمَيِّتِهِ، وَكَانَ يَشْتَهِي لَوْ مَاتَ مَعَهُ فَهَذَا أَمْرٌ قَرِيبٌ لَا غَرْوَ فِيهِ، وَمِثَالُ الرِّثَاءِ الْمَنْدُوبِ مَا رُوِيَ أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا مَاتَ عَظُمَ مُصَابُهُ عَلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّه بْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَظِيمًا عِنْدَ النَّاسِ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ تُرْجُمَان الْقُرْآنِ وَافِرَ الْعَقْلِ جَمِيلَ الْمَحَاسِنِ وَالْجَلَالَةِ وَالْأَوْصَافِ الْحَمِيدَة فَأَعْظَمَهُ النَّاسُ عَلَى التَّعْزِيَةِ إجْلَالًا لَهُ وَمَهَابَةً بِسَبَبِ عَظَمَتِهِ فِي نَفْسِهِ وَعَظَمَةِ مَنْ أُصِيبَ بِهِ، فَإِنَّ الْعَبَّاسَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَقِيَ بَعْدَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ وَالِدِهِ وَكَانَ يُقَالُ مَنْ أَشْجَعُ النَّاسِ فَيُقَالُ الْعَبَّاسُ وَمَنْ أَعْلَمُ النَّاسِ فَيُقَالُ الْعَبَّاسُ. وَمَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ فَيُقَالُ الْعَبَّاسُ فَلَمَّا مَاتَ عَظُمَ خَطْبُهُ وَجَلَّتْ رَزِيَّتُهُ فِي صُدُورِ النَّاسِ وَفِي صَدْرِ وَلَدِهِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَأَحْجَمَ النَّاسُ عَنْ تَعْزِيَتِهِ فَأَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ شَهْرًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَرِّخُونَ فَبَعْدَ الشَّهْرِ قَدِمَ أَعْرَابِيٌّ مِنْ الْبَادِيَةِ فَسَأَلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ النَّاسُ مَا تُرِيدُ فَقَالَ أُرِيدُ أَنْ أُعَزِّيَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ عَسَاهُ أَنْ يَفْتَحَ لَهُمْ بَابَ التَّعْزِيَةِ فَلَمَّا رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ سَلَامٌ عَلَيْك يَا أَبَا الْفَضْلِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَعَلَيْك السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَأَنْشَدَهُ: اصْبِرْ نَكُنْ بِك صَابِرِينَ ... فَإِنَّمَا صَبْرُ الرَّعِيَّةِ عِنْدَ صَبْرِ الرَّاسِ خَيْرٌ مِنْ الْعَبَّاسِ أَجْرُك بَعْدَهُ ... وَاَللَّهُ خَيْر مِنْك لِلْعَبَّاسِ فَلَمَّا سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رِثَاءَهُ وَاسْتَوْعَبَ شِعْرَهُ سُرِّيَ عَنْهُ عَظِيمُ مَا كَانَ بِهِ. وَاسْتَرْسَلَ النَّاسُ فِي تَعْزِيَتِهِ وَهَذَا كَلَامٌ فِي غَايَةِ الْجَوْدَةِ مِنْ الرِّثَاء مُسَهِّلٌ لِلْمُصِيبَةِ مُذْهِبٌ لِلْحُزْنِ مُحْسِنٌ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحُكْمَ وَكُلُّ شَرْطٍ شَكَكْنَا فِي وُجُودِهِ جَعَلْنَاهُ كَالْمَجْزُومِ بِعَدَمِهِ فَلَا نُرَتِّبُ الْحُكْمَ، وَكُلُّ مَانِعٍ شَكَكْنَا فِي وُجُودِهِ جَعَلْنَاهُ كَالْمَجْزُومِ بِعَدَمِهِ فَيَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ إنْ وُجِدَ سَبَبُهُ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوَفَاءُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي الطَّهَارَاتِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ جَعَلَ الْعُلَمَاءَ - وَإِنْ أَجْمَعُوا عَلَى اعْتِبَارِهَا فِيهَا أَيْضًا - يَخْتَلِفُونَ فِي الْوَجْهِ الَّذِي تُلْغَى بِهِ وَالْوَجْهِ الَّذِي تُعْتَبَرُ بِهِ فِيهَا. فَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا شُكَّ فِي طَرَيَان الْحَدَثِ جَعَلْته كَالْمَجْزُومِ بِعَدَمِهِ لَا يَجِبُ مَعَهُ الْوُضُوءُ فَلَا يَجِبُ عَلَى هَذَا الشَّاكِّ الْوُضُوءُ، وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الشَّكُّ فِي طَرَيَانِ الْحَدَثِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي بَقَاءِ الطَّهَارَةِ، وَالشَّكُّ فِي بَقَاءِ الطَّهَارَةِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الصَّلَاةِ الْوَاقِعَةِ هَلْ هِيَ سَبَبٌ مُبَرِّئٌ أَمْ لَا. وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ تَفْتَقِرُ إلَى سَبَبٍ مُبَرِّئٍ مَعْلُومِ الْوُجُودِ أَوْ مَظْنُونِ الْوُجُودِ لَا مَشْكُوكِ الْوُجُودِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ هَذَا الصَّلَاةُ كَالْمَجْزُومِ بِعَدَمِهَا، وَالْمَجْزُومُ بِعَدَمِ الصَّلَاةِ فِي حَقِّهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فَيَجِبُ عَلَى هَذَا الشَّاكِّ أَنْ يُصَلِّيَ بِصَلَاةٍ مَظْنُونَةٍ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَرْفًا بِحَرْفٍ فَكِلَاهُمَا يَقُولُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ مُلْغًى لَكِنَّ إلْغَاءَ مَالِكٍ فِي السَّبَبِ الْمُبَرِّئِ وَإِلْغَاءَ الشَّافِعِيِّ فِي الْحَدَثِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَرْجَحُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ مَقْصِدٌ وَالطَّهَارَاتِ وَسَائِلٌ وَطَرْحُ الشَّكِّ تَحْقِيقًا لِلْمَقْصِدِ أَوْلَى مِنْ طَرْحِهِ لِتَحْقِيقِ الْوَسَائِلِ، فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ إلْغَاءِ الشَّكِّ فِي طَرَيَان الْإِحْدَاثِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَدَمِ إلْغَائِهِ فِي طَرَيَان غَيْرِهَا مِنْ الْأَسْبَابِ وَرَوَافِعِهَا كَالشَّكِّ فِي طَرَيَان الطَّهَارَةِ بَعْدَ الْحَدَثِ فَيُلْغَى الْمَشْكُوكُ فِيهِ عَلَى الْقَاعِدَةِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الطَّهَارَةُ أَوْ فِي أَنَّهُ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي سَبَبِ حِلِّ الْعِصْمَةِ فَيُلْغَى عَلَى الْقَاعِدَةِ، أَوْ فِي أَنَّهُ هَلْ سَهَا أَمْ لَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي سَبَبِ سُجُودِ السَّهْوِ فَيُلْغَى عَلَى الْقَاعِدَةِ، أَمَّا إذَا شَكَّ فِي عَيْنِ الْيَمِينِ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْأَيْمَانِ إذْ لَا يَعْلَمُ السَّبَبَ الْمُبَرِّئَ إلَّا بِاسْتِيعَابِهَا كَمَا قُلْنَا فِي الصَّلَاةِ إذَا شَكَّ فِي طَرَيَان الْحَدَثِ عَلَى طَهَارَتِهَا أَوْ شَكَّ فِي كَوْنِ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا وَاحِدَةً فَيَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ لَمْ يَقَعْ فِي الطَّلَاقِ بَلْ فِي بَقَاءِ الْعِصْمَةِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الرَّجْعَةِ فَيُلْغَى عَلَى الْقَاعِدَةِ أَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَيَأْتِي بِرَابِعَةٍ، وَيَسْجُدُ إذْ لَيْسَ هُنَا شَكٌّ فِي السَّبَبِ حَتَّى يُلْغَى عَلَى الْقَاعِدَةِ بَلْ سَبَبٌ فِي الشَّكِّ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ نَصَبَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ سَبَبًا لِلسُّجُودِ لَا لِلزِّيَادَةِ. وَهُوَ مُحَقَّقٌ وَلَا شَكَّ فِيهِ تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ الرَّابِعِ وَالْأَرْبَعِينَ بَيْنَ الشَّكِّ فِي السَّبَبِ وَبَيْنَ السَّبَبِ فِي الشَّكِّ بَسْطُ مَسَائِلِ الشَّكِّ فِي السَّبَبِ وَالسَّبَبِ فِي الشَّكِّ فَلْتُطَالِعْ ثَمَّةَ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ اعْتِبَارِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الشَّكَّ فِي الْحَدَثِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ، وَفِي أَنَّهُ هَلْ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً وَفِي أَنَّهُ هَلْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ إعْتَاقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَفِي أَنَّهُ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا حَيْثُ قَالَ فِي الْأَوَّلِ يَجِبُ الْوُضُوءُ، وَفِي الثَّانِي يَلْزَمُهُ، وَفِي الثَّالِثِ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْأَيْمَانِ، وَفِي الرَّابِعِ يَجْعَلُهَا ثَلَاثًا، وَيُصَلِّي الرَّابِعَةَ وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ لِأَجْلِ الشَّكِّ فَاعْتَبَرَهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْفُرُوعِ وَنَحْوِهَا وَبَيْنَ عَدَمِ اعْتِبَارِهِ الشَّكَّ فِي الطَّهَارَةِ بَعْدَ الْحَدَثِ وَفِي أَنَّهُ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا، وَفِي أَنَّهُ هَلْ سَهَا أَمْ لَا حَيْثُ قَالَ فِي الْأَوَّلِ لَا عِبْرَةَ بِالطَّهَارَةِ، وَفِي الثَّانِي وَفِي الثَّالِثِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِإِلْغَاءِ الشَّكِّ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْفُرُوعِ وَنَحْوِهَا فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَصْلٌ) حَدَّ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ السَّبَبَ وَالْعِلَّةَ بِالْوَصْفِ الظَّاهِرِ الْمُنْضَبِطِ الْمُعَرِّفِ

لِتَصَرُّفِ الْقَضَاءِ مُثْنٍ عَلَى الرَّبِّ تَعَالَى بِإِحْسَانٍ وَجَمِيلِ الْعَوَارِفِ، فَهَذَا حَسَنٌ جَمِيلٌ وَمِثْلُهُ مَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تُوُفِّيَ سَمِعَ أَهْلُ بَيْتِهِ قَائِلًا يَقُولُ يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ وَلَا يَرَوْنَ شَخْصَهُ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إنَّ فِي اللَّه خَلَفًا مِنْ كُلِّ فَائِتٍ وَعِوَضًا مِنْ كُلِّ ذَاهِبٍ فَإِيَّاهُ فَارْجَوْا وَبِهِ فَثِقُوا فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ فَكَانُوا يَرَوْنَهُ الْخَضِرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهَذَا أَيْضًا كَلَامٌ مِنْ الْقُرُبَاتِ وَمُنْدَرِجٌ فِي سِلْكِ الْمَنْدُوبَات وَمِنْ الرِّثَاءِ الْمُحَرَّمِ الْفَظِيعِ مَا وَقَعَ فِي عَصْرِنَا فِي رِثَاء الْخَلِيفَةِ بِبَغْدَادَ فِي أَيَّامِ الصَّالِحِ رَحِمَ اللَّهُ الْجَمِيعَ فَعَمِلَ لَهُ الْمَلِكُ الصَّالِحُ عَزَاءً جَمَعَ فِيهِ الْأَكَابِرَ وَالْأَعْيَانَ وَالْقُرَّاءَ وَالشُّعَرَاءَ فَأَنْشَدَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فِي مَرْثِيَتِهِ: مَاتَ مَنْ كَانَ بَعْضُ أَجْنَادِهِ الْمَوْتَ ... وَمَنْ كَانَ يَخْتَشِيهِ الْقَضَاءُ فَسَمِعَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَام - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَحْفِلِ فَأَمَرَ بِتَأْدِيبِهِ وَحَبْسِهِ. وَأَغْلَظ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ وَبَالَغَ فِي تَقْبِيحِ رِثَائِهِ، وَأَقَامَ بَعْدَ التَّعْزِير فِي الْحَبْسِ زَمَانًا طَوِيلًا ثُمَّ اسْتَتَابَهُ بَعْدَ شَفَاعَةِ الْأُمَرَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ فِيهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَنْظِمَ قَصِيدَةً يُثْنِي فِيهَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَكُونُ مُكَفِّرَةً لِمَا تَضَمَّنَهُ شِعْرُهُ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلْقَضَاءِ بِقَوْلِهِ مَنْ كَانَ بَعْضُ أَجْنَادِهِ الْمَوْتَ تَعْظِيمًا لِشَأْنِ هَذَا الْمَيِّتِ، وَأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْمَيِّتِ مَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْلُوَ مِنْهُ مَنْصِبُ الْخِلَافَةِ وَمَتَى تَأْتِي الْأَيَّامُ بِمِثْلِ هَذَا وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: يَخْتَشِيهِ الْقَضَاءُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ يَخَافُ مِنْهُ وَهَذَا إمَّا كُفْرٌ صَرِيحٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِهِ أَوْ قَرِيبٌ مِنْ الْكُفْرِ فَالشُّعَرَاءُ فِي مَرَاثِيهِمْ يَهْجُمُونَ عَلَى أُمُورٍ صَعْبَةٍ رَغْبَةً فِي الْإِغْرَابِ وَالتَّمَدُّحِ بِأَنَّهُ طَرَقَ مَعْنًى لَمْ يُطْرَقْ قَبْلَهُ فَيَقَعُونَ فِي هَذَا وَمِثْلِهِ، وَلِذَلِكَ وَصَفَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} [الشعراء: 225] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هَذِهِ الْأَوْدِيَةُ هِيَ أَوْدِيَةُ الْهِجَاءِ الْمُحَرَّمِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَحِلُّ قَوْلُهُ، فَظَهَرَ لَك بِهَذَا الْبَسْطِ وَالتَّقْرِيرِ الْفَرْقُ بَيْنَ النُّوَاحِ الْمُحَرَّمِ وَالرِّثَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْحُكْمِ فَخَرَجَ بِالظَّاهِرِ الْخَفِيُّ كَاللَّذَّةِ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ وَالْعُلُوقِ فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ فَإِنَّهُمَا لِخَفَائِهِمَا تُرِكَا، وَجُعِلَ السَّبَبُ فِي النَّقْضِ اللَّمْسَ وَفِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ الطَّلَاقُ، وَخَرَجَ بِالْمُنْضَبِطِ نَحْوُ الْمَشَقَّةِ فِي السَّفَرِ لَمْ يُنَطْ بِهَا الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ قَصْرُ الصَّلَاةِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا لِاخْتِلَافِهَا بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ، وَإِنَّمَا أُنِيطَ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ وَدَخَلَ بِالْمُعَرِّفِ لِلْحُكْمِ بِمَعْنَى النِّسْبَةِ التَّامَّةِ لَا خُصُوصِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ السَّبَبُ الْمُعَرِّفُ لِحُكْمٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ كَحِلِّ الشَّعْرِ بِالنِّكَاحِ وَحُرْمَتِهِ بِالطَّلَاقِ جُعِلَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عِلَّةً لِثُبُوتِ حَيَاتِهِ كَالْيَدِ، وَحَدُّ الْمَانِعِ الْمُرَادِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مَانِعُ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ الْوُجُودِيِّ الظَّاهِرِ الْمُنْضَبِطِ الْمُعَرِّفِ نَقِيضَ حُكْمِ السَّبَبِ فَقَيَّدَ الْوَصْفَ فِي حَدِّ الْمَانِعِ بِالْوُجُودِيِّ لِإِخْرَاجِ عَدَمِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى مَانِعًا لَا تَسَمُّحًا كَمَا وَقَعَ ذَلِكَ لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ، وَأَطْلَقَهُ فِي حَدِّ السَّبَبِ وَالْعِلَّةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إمَّا عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْحِكْمَةِ فِي السَّبَبِ وَالْعِلَّةِ فَهُوَ أَنَّ الْمَانِعَ مَانِعٌ لِوُجُودِ حُكْمِ السَّبَبِ بِأَنْ يَتَحَقَّقَ كُلُّ مُعْتَبَرٍ فِي الْحُكْمِ مِنْ السَّبَبِ وَالشَّرْطِ، وَإِلَّا لَمَا احْتَاجَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِلْمَانِعِ وَإِذَا كَانَ الْمَانِعُ عَدَمَ شَيْءٍ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَاتُ الشَّيْءِ سَبَبًا فِي الْوُجُودِ أَوْ بَعْضَ سَبَبٍ وَشَرْطٍ فِيهِ، وَقَدْ فُرِضَ أَنَّ الْمَانِعَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ وَالشَّرْطِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّيْءُ سَبَبًا إلَخْ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الْمُعَرِّفُ لِلنَّقِيضِ أَيْ الْعَلَامَةُ عَلَيْهِ وَنَقِيضُ الشَّيْءِ رَفْعُهُ فَالْأُبُوَّةُ مَثَلًا نَفَتْ وُجُوبَ الْقِصَاصِ مِمَّنْ قَتَلَ ابْنَهُ لَا غَيْرُ. وَأَمَّا ثُبُوتُ حُرْمَةِ الْقِصَاصِ مِنْهُ فَبِالدَّلِيلِ الْمُثْبِتِ لَهَا كَمَا قَالَهُ سم وَهُوَ الْحَقُّ، وَإِذَا كَانَ عَدَمُ الشَّيْءِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ رَفْعُ الشَّيْءِ بِأَنْ يُقَالَ انْتَفَى كَذَا لِعَدَمِ كَذَا كَانَ وُجُودُهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وُجُودُهُ، وَأَمَّا السَّبَبُ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ رَفْعُ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّلَ بِهِ لَيْسَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَى السَّبَبِ، بَلْ الْمُعَلَّلُ بِهِ حُكْمٌ مُبْتَدَأٌ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ عَدَمِيًّا كَمَا يُعَلَّلُ عَدَمُ نَفَاذِ التَّصَرُّفِ بِعَدَمِ الْعَقْلِ فَإِنَّ عَدَمَ نَفَاذِ التَّصَرُّفِ لَيْسَ مَأْخُوذًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ انْتِفَاءٌ لِحُكْمِ السَّبَبِ حَتَّى يَكُونُ عَدَمُ الْعَقْلِ مَانِعًا فَلَا يَصِحُّ بَلْ مَأْخُوذٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حُكْمٌ مُبْتَدَأٌ هُوَ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ التَّصَرُّفُ فَيَصِحُّ تَعْلِيلُهُ بِانْتِفَاءِ عِلَّةِ نَفَاذِ التَّصَرُّفِ، جَوَّزُوا كَوْنَ السَّبَبِ وَالْعِلَّةِ عَدَمًا مُضَافًا بِخِلَافِ الْمَانِعِ نَعَمْ فِي كَوْنِ الْعِلَّةِ عَدَمِيَّةً مَعَ وُجُودِ الْحُكْمِ نِزَاعٌ كَبِيرٌ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْعَضُدُ وَالْمُخْتَارُ مَنْعُهُ وَأَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ الْحِكْمَةِ فِي السَّبَبِ وَالْعِلَّةِ فَأَمْرُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمَانِعَ لِلْحُكْمِ هُوَ مَا اسْتَلْزَمَ حِكْمَةً تَقْتَضِي نَقِيضَ الْحُكْمِ كَالْأُبُوَّةِ فِي الْقِصَاصِ فَإِنَّ كَوْنَ الْأَبِ سَبَبًا لِوُجُودِ الِابْنِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِيرَ الِابْنُ أَيْ مِنْ حَيْثُ قَتْلِهِ سَبَبًا لِعَدَمِهِ، وَأَمَّا الْعِلَّةُ فَهِيَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حِكْمَةٌ تَقْتَضِي الْحُكْمَ لَا نَقِيضَهُ نَعَمْ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ اعْتِبَارَ الْمَانِعِ بَعْدَ تَحَقُّقِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَانِعِ الِاصْطِلَاحِيِّ، وَقَدْ يُطْلَقُ الْمَانِعُ عَلَى مَا يَتَحَقَّقُهُ يَنْتَفِي الْحُكْمُ فَيَشْمَلُ عَدَمَ الشَّرْطِ فَلِذَا قَالَ الْعَضُدُ: حَقِيقَةُ الشَّرْطِ أَنَّ عَدَمَهُ مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ الْحُكْمِ، كَمَا أَنَّ الْمَانِعَ وُجُودُهُ مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ الْحُكْمِ فَبِالْحَقِيقَةِ عَدَمُهُ مَانِعٌ، وَذَلِكَ لِحِكْمَةٍ فِي عَدَمِهِ تُنَافِي حِكْمَةَ الْحُكْمِ أَوْ السَّبَبِ إلَى آخِرِ مَا بَيَّنَهُ، وَكَمَا لَا يَصِحُّ فِي مَانِعِ الْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ عَدَمَ شَيْءٍ لِمَا عَلِمْت كَذَلِكَ لَا يَصِحُّ فِي مَانِعِ السَّبَبِ أَنْ يَكُونَ عَدَمَ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ مَا اسْتَلْزَمَ حِكْمَةً تُخِلُّ بِحِكْمَةِ السَّبَبِ كَالدَّيْنِ فِي الزَّكَاةِ إنْ قُلْنَا إنَّهُ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِهَا، فَإِنَّ حِكْمَةَ السَّبَبِ وَهُوَ مِلْكُ النِّصَابِ اسْتِغْنَاءُ الْمَالِكِ، وَلَيْسَ مَعَ الدَّيْنِ اسْتِغْنَاءٌ

[الفرق بين قاعدة البقاع جعلت المظان منها معتبرة في أداء الجمعات وبين قاعدة الأزمان لم تجعل المظان منها معتبرة في رؤية الأهلة]

الْمُحَرَّمِ مِنْ غَيْرِهِ بِتَقْرِيرِ الْقَوَاعِدِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَقِسْ عَلَيْهِ مَا يَرِدُ عَلَيْك مِنْ ذَلِكَ فِي الْبَابَيْنِ. (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ فِعْلِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ لَا يُعَذَّبُ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّت يُعَذَّبُ بِهِ الْمَيِّتُ) وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ عَلَيْهِ» خَرَّجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي الصِّحَاحِ فَأَشْكَلَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُؤَاخَذُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَهِيَ قَاعِدَةٌ صَحِيحَةٌ تُعَارِضُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ وَحَصَل الْفَرْقُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَوْصَى بِالنِّيَاحَةِ كَمَا قَالَ طَرَفَةُ: إذَا مِتَّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ ... وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدِ وَثَانِيهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَذْكُرُونَ فِي نَوَائِحِهِمْ مَفَاخِرَ هِيَ مَخَازٍ عِنْدَ الشَّرْعِ كَالْغَصْبِ وَالْفُسُوقِ فَيُعَذَّبُ بِهَا فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِمَدْلُولِ مَا يَقَعُ فِي الْبُكَاءِ مِنْ الْأَلْفَاظِ، وَلَمَّا كَانَ بَيْنَ الْبُكَاءِ وَبَيْن تِلْكَ الْأُمُورِ مُلَازَمَةٌ قَدْ حَصَلَتْ فِي الْوَاقِعِ عَبَّرَ بِالْبُكَاءِ عَنْهُ مَجَازًا، وَالْعِلَاقَةُ هِيَ هَذِهِ الْمُلَازَمَةُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يُلَازِمُ مَدْلُولَهُ، وَالْبُكَاءَ يُلَازِمُ هَذَا اللَّفْظَ فَهَذِهِ الْمُلَازَمَةُ هِيَ الْعِلَاقَةُ. وَثَالِثُهَا مَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأ إنَّمَا «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَهُودِيَّةٍ يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّكُمْ لَتَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا» وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْوُجُوهَ الثَّلَاثَةَ تَكُونُ أَجْوِبَةً عَنْ الْحَدِيثِ، وَلَا تُوجِبُ فَرْقًا بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ، وَإِنَّمَا هِيَ تَرُدُّ الْبُكَاءَ إلَى فِعْلِ الْمَيِّتِ بِالْوَصِيَّةِ كَمَا قَالَهُ أَوَّلًا أَوْ بِالْمُبَاشَرَةِ كَمَا قَالَهُ ثَانِيًا، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْيَهُودِيَّةَ إنَّمَا عُذِّبَتْ فِي قَبْرِهَا بِكُفْرِهَا لَا بِبُكَاءِ أَهْلِهَا. وَالْفَرْقُ فِي التَّحْقِيقِ إنْ مَشَيْنَا اللَّفْظَ عَلَى ظَاهِرِهِ مَا وَقَعَ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ مَاتَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالْفَرْضُ تَحَقُّقُ السَّبَبِ، وَاَلَّذِي جَعَلَ عَدَمَهُ مَانِعًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حِينَئِذٍ إلَّا شَرْطًا لِلسَّبَبِ بِأَنْ يُخِلَّ عَدَمُهُ بِحِكْمَةِ السَّبَبِ، وَعَدَمُ حِكْمَةِ السَّبَبِ عَدَمٌ لَهُ، وَالْفَرْضُ تَحَقُّقُهُ وَأَنَّ هُنَاكَ حِكْمَةٌ تُخِلُّ بِحِكْمَتِهِ، وَبِهَذَا عُلِمَ الْفَرْقُ أَيْضًا بَيْنَ مَانِعِ السَّبَبِ وَعَدَمِ شَرْطِ السَّبَبِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ الْفَرْقُ أَيْضًا بَيْنَ مَانِعِ الْحُكْمِ وَعَدَمِ شَرْطِ الْحُكْمِ، وَتَحَصَّلَ أَنَّ لَنَا سَبَبًا وَمَانِعًا لِلْحُكْمِ وَمَانِعًا لِلسَّبَبِ وَشَرْطًا لِلْحُكْمِ وَشَرْطًا لِلسَّبَبِ وَعَدَمَ شَرْطٍ لِلْحُكْمِ وَعَدَمَ شَرْطٍ لِلسَّبَبِ، وَأَنَّ مَانِعَ الْحُكْمِ مَا أَخَلَّ بِالْحُكْمِ مَعَ بَقَاءِ حِكْمَةِ السَّبَبِ فَيَكُونُ عَدَمُهُ كَعَدَمِ الْحَيْضِ شَرْطًا لِتَأْثِيرِ السَّبَبِ فِي الْحُكْمِ إمَّا بِمُجَرَّدِ التَّرَتُّبِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الزَّوَالِ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ، أَوْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ كَمَا فِي الزِّنَا لِوُجُوبِ الْجَلْدِ وَالْإِسْكَارِ لِحُرْمَةِ الْخَمْرِ لَا شَرْطًا لِوُجُودِ الْحُكْمِ حَتَّى يُنَافِي كَوْنَ تَحَقُّقِ الْمَانِعِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الشُّرُوطِ، وَمَانِعُ السَّبَبِ مَا اسْتَلْزَمَ حِكْمَةً تُخِلُّ بِحِكْمَةِ السَّبَبِ مَعَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ، وَإِنَّهُ لَا يُقَالُ مَانِعٌ إلَّا بَعْدَ تَحَقُّقِ الْحُكْمِ أَوْ السَّبَبِ فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ وُجُودِيًّا لِمَا عَرَفْت، وَشَرْطُ الْحُكْمِ مَا يَقْتَضِي عَدَمُهُ نَقِيضَ حُكْمِ السَّبَبِ مَعَ بَقَاءِ حِكْمَةِ السَّبَبِ مَا أَخَلَّ عَدَمُهُ بِحِكْمَةِ السَّبَبِ فَيَنْتَفِي السَّبَبُ بِعَدَمِ حِكْمَتِهِ فَتَأَمَّلْ بِدِقَّةِ إمْعَانٍ اهـ بِتَوْضِيحٍ مِنْ الشِّرْبِينِيِّ وَالْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّيْ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْبِقَاعِ جُعِلَتْ الْمَظَانُّ مِنْهَا مُعْتَبَرَةً فِي أَدَاءِ الْجُمُعَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَزْمَانِ لَمْ تُجْعَلْ الْمَظَانُّ مِنْهَا مُعْتَبَرَةً فِي رُؤْيَةِ الْأَهِلَّةِ] الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْبِقَاعِ جُعِلَتْ الْمَظَانُّ مِنْهَا مُعْتَبَرَةً فِي أَدَاءِ الْجُمُعَاتِ وَقَصْرِ الصَّلَوَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَزْمَانِ لَمْ تُجْعَلْ الْمَظَانُّ مِنْهَا مُعْتَبَرَةً فِي رُؤْيَةِ الْأَهِلَّةِ وَلَا دُخُولِ أَوْقَاتِ الْعِبَادَاتِ وَتَرْتِيبِ أَحْكَامِهَا) ، وَذَلِكَ أَنَّ شُهُورَ الْعِبَادَاتِ كَرَمَضَانَ وَشَوَّالٍ وَذِي الْحِجَّةِ وَنَحْوِهَا لَمَّا وُجِدَ الْقَطْعُ بِحُصُولِهَا وَحُصُولِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ مِنْهَا شَرْعًا مِنْ جِهَةِ الرُّؤْيَةِ لِأَهْلِهَا وَكَمَالِ الْعِدَّةِ كَانَتْ وَصْفًا ظَاهِرًا مُنْضَبِطًا دَائِمًا، أَوْ فِي الْأَغْلَبِ غَيْرَ مُحْتَاجٍ فِي تَعْرِيفِهِ لِلْحُكْمِ إلَى اعْتِبَارِ مَظِنَّتِهِ مَعَهُ كَظَنِّنَا أَنَّ الْهِلَالَ يَطْلُعُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ بِسَبَبِ قَرَائِنَ تَقَدَّمَتْ إمَّا مِنْ جِهَةِ تَوَالِي تَمَامِ الشَّهْرِ فَنَظُنُّ نَقْصَ هَذَا الشَّهْرِ، أَوْ مِنْ جِهَةِ تَوَالِي النَّقْصِ فَنَظُنُّ تَمَامَ هَذَا الشَّهْرِ أَوْ مِنْ جِهَةِ طُلُوعِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَنَظُنُّ تَمَامَ هَذَا الشَّهْرِ أَوْ مِنْ جِهَةِ تَأَخُّرِهِ فِي الطُّلُوعِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَنَظُنُّ نُقْصَانَ هَذَا الشَّهْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَمَارَاتِ الدَّالَّةِ عِنْدَ أَرْبَابِ الْمَوَاقِيتِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ هِيَ مَظِنَّةُ رُؤْيَةِ الْأَهِلَّةِ، إذْ مَعَ تَيَسُّرِ الْوُصُولِ إلَى الْوَصْفِ الْمَطْلُوبِ إمَّا بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِكَمَالِ الْعِدَّةِ لَا نَعْتَبِرُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْمَظَانِّ، وَكَذَلِكَ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ لَمَّا كَانَتْ مُنْضَبِطَةً فِي نَفْسِهَا لِحُصُولِ الْقَطْعِ بِهَا فِي أَكْثَرِ صُوَرِهَا لَمْ تَقُمْ مَظَانُّهَا فِي الصُّوَرِ مَقَامَهَا. وَأَمَّا سَمَاعُ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ الْمُوجِبَةِ لِأَدَاءِ الْجُمُعَةِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ» وَمَشَقَّةُ السَّفَرِ الْمُوجِبَةُ لِتَرْخِيصِ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصْفًا غَيْرَ مُنْضَبِطٍ أُنِيطَ الْحُكْمُ بِمَظِنَّتِهِ فَاعْتُبِرَتْ فِي الْجُمُعَاتِ الْبِقَاعُ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ فِي الْإِتْيَانِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ تِلْكَ الْمَسَافَةِ يَظُنُّ سَمَاعَ أَذَانِهَا إذَا هَدَأَتْ الْأَصْوَاتُ وَانْتَفَتْ الْمَوَانِعُ، وَاعْتُبِرَتْ فِي تَرْخِيصِ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ الْبِقَاعُ الَّتِي عَلَى أَرْبَعَةِ بُرُدٍ؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّرْخِيصِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالسَّمَاعُ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ جُعِلَتْ مَظِنَّتُهُ مِنْ الْبِقَاعِ مَقَامَهُ وَالْمَشَقَّةُ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا جُعِلَتْ مَظِنَّتُهَا مِنْ الْبِقَاعِ مَقَامَهَا، وَأَوْقَاتُ الْعِبَادَاتِ لَمَّا كَانَتْ مُنْضَبِطَةً لَمْ تُجْعَلْ مَظَانُّهَا

لَهَا وَلَدٌ فَرَحَلَتْ فِي بَعْضِ مَقَاصِدِهَا إلَى الْمَغْرِبِ فَحَضَرَ يَوْمُ الْعِيدِ وَعَادَتُهَا فِيهِ فِي بَلَدِهَا تَخْرُجُ إلَى الْمَقَابِر فَتَبْكِي عَلَى وَلَدِهَا، فَلَمَّا لَمْ تَكُنْ فِي بَلَدِهَا خَطَرَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَقَابِرِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ الَّتِي حَلَّتْ بِهَا فَتَفْعَلُ فِيهَا مَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ فِي بَلَدِهَا فَخَرَجَتْ إلَيْهَا، وَفَعَلَتْ ذَلِكَ وَأَكْثَرَتْ الْبُكَاءَ وَالْعَوِيلَ وَالتَّفْجِيعَ عَلَى وَلَدِهَا، ثُمَّ نَامَتْ فَرَأَتْ أَهْلَ الْمَقْبَرَةِ قَدْ هَاجُوا يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا هَلْ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ عِنْدَنَا وَلَدٌ؟ فَقَالُوا لَا فَقَالَ السَّائِلُ مِنْهُمْ لِلْمَسْئُولِ فَكَيْفَ جَاءَتْ عِنْدَنَا تُؤْذِينَا بِبُكَائِهَا وَعَوِيلِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهَا عِنْدَنَا وَلَدٌ، ثُمَّ ذَهَبُوا إلَيْهَا فَضَرَبُوهَا ضَرْبًا وَجِيعًا فَاسْتَيْقَظَتْ فَوَجَدَتْ أَلَمًا عَظِيمًا مِنْ ذَلِكَ الضَّرْبِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَرْوَاحَ تَتَأَلَّمُ مِنْ الْمُؤْلِمَاتِ وَتَفْرَحُ بِاللَّذَّاتِ فِي الْبَرْزَخِ كَمَا كَانَتْ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ تُعَذَّبُ الْكُفَّارُ فِي قُبُورِهَا كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ الْيَهُودَ لَتُعَذَّبُ فِي قُبُورِهَا» فَالْأَوْضَاعُ الْبَشَرِيَّةُ فِي الْأَرْوَاحِ لَمْ تَتَغَيَّرْ، وَإِنَّمَا كَانَتْ فِي مَسْكَنٍ فَارَقَتْهُ وَبَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا فِي أَوْضَاعِهَا، وَلَمَّا كَانَ الْبُكَاءُ وَالْعَوِيلُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ تَتَأَذَّى بِهِ الْأَرْوَاحُ وَتَنْقَبِضُ كَانَتْ بَعْدَ الْمَوْتِ تَتَأَذَّى بِهِ كَذَلِكَ كَانَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى غَيْرِهَا، وَهُوَ عَلَيْهَا أَشَدُّ نِكَايَة؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُصَابَةُ حِينَئِذٍ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْمَوْتَى يَعْلَمُونَ أَحْوَالَ الْأَحْيَاءِ، وَمَا نَزَلَ بِهِمْ مِنْ شِدَّةٍ وَرَخَاءٍ وَفَقْرٍ وَاسْتِغْنَاءٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَجَدَّدُ لِأَهْلِيهِمْ، وَيَتَأَلَّمُونَ لِلْمُؤْلِمَاتِ وَيُسَرُّونَ بِاللَّذَّاتِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُمْ يَفْتَخِرُونَ بِالزِّيَارَاتِ، وَيَتَأَلَّمُونَ بِانْقِطَاعِهَا. وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَانُوا يَتَأَلَّمُونَ بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِيهِمْ وَغَيْرِ أَهْلِيهِمْ، وَالْأَلَمُ عَذَابٌ فَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ عَلَيْهِ» ، وَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُعَذَّبُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ أَيْ عَذَابُ الْآخِرَةِ الَّذِي هُوَ عَذَابُ الذُّنُوبِ وَالْبُكَاءُ عَذَابٌ لَيْسَ عَذَابَ الْآخِرَةِ الَّذِي هُوَ عَذَابُ الذُّنُوبِ الْمُتَوَعَّدِ بِهِ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ بَلْ مَعْنَاهُ الْأَلَمُ الْجِبِلِّيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَقَامَهَا، فَالْبِقَاعُ اُعْتُبِرَتْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا سَبَبٌ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ، وَالْأَوْقَاتُ اُعْتُبِرَتْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا سَبَبٌ مُنْضَبِطٌ فَلَمْ تُعْتَبَرْ مَظَانُّهَا فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْبِقَاعِ وَالْأَزْمَانِ (وَصْلٌ) مَبْنَى هَذَا الْفَرْقِ وَسِرُّهُ قَاعِدَةُ أَنَّ الْوَصْفَ الْمُعَرِّفَ لِلْحُكْمِ إنْ كَانَ وَصْفًا ظَاهِرًا مُنْضَبِطًا لَمْ يُعْدَلْ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ كَالسُّكْرِ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالْقُوتِ فِي الرِّبَا، وَإِنْ كَانَ وَصْفًا خَفِيًّا أَوْ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ أُقِيمَتْ مَظِنَّتُهُ مَقَامَهُ، أَمَّا الْخَفِيُّ الَّذِي لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ فَكَالرِّضَا فِي انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» فَإِنَّ الرِّضَا لَمَّا كَانَ أَمْرًا خَفِيًّا جُعِلَتْ الصِّيَغُ وَالْأَفْعَالُ فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ قَائِمَةً مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهُ يُظَنُّ عِنْدَهَا وَأُلْغِيَ الرِّضَا إذَا انْفَرَدَ عَنْهَا حَتَّى لَوْ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ رَضِيَ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ صَدَرَ مِنْهُ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ لَمْ يَلْزَمْهُ انْتِقَالُ الْمِلْكِ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُنْضَبِطِ لِاخْتِلَافِ مَقَادِيرِهِ فِي رُتَبِهِ فَكَمَشَقَّةِ السَّفَرِ فِي تَرْخِيصِ الْقَصْرِ وَالْإِفْطَارِ فَإِنَّهَا لَمَّا كَانَتْ سَبَبًا لِذَلِكَ التَّرْخِيصِ، وَهِيَ غَيْرُ مُنْضَبِطَةِ الْمَقَادِيرِ إذْ لَيْسَ مَشَاقُّ النَّاسِ سَوَاءً فِي ذَلِكَ أُقِيمَتْ مَظِنَّتُهُ مَقَامَهُ وَهِيَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ فَإِنَّ الْمَشَقَّةَ تُظَنُّ عِنْدَهَا وَكَالْإِنْزَالِ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ وَحُصُولِ نِسْبَةِ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ فِي النَّاسِ بِسَبَبِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا يُنْزِلُ إلَّا بِالدَّفْقِ وَالْإِحْسَاسِ بِاللَّذَّةِ الْكُبْرَى، وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْزِلُ تَقْطِيرًا عَلَى سَبِيلِ السَّيَلَانِ مِنْ غَيْرِ انْدِفَاقٍ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ، ثُمَّ يَنْدَفِقُ بَعْدَ ذَلِكَ كَثِيرًا، وَلِذَلِكَ يَحْصُلُ الْوَلَدُ مَعَ الْعَزْلِ، وَالْإِنْسَانُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مَا أَنْزَلَ أُقِيمَتْ مَظِنَّتُهُ مَقَامَهُ وَهِيَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُنْزِلُ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْزِلُ بِالْفِكْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْزِلُ بِالنَّظَرِ فَقَطْ، وَكَانَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ جُعِلَ مَظِنَّةً وَكَالْعَقْلِ فِي التَّكْلِيفِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ بِسَبَبِ اخْتِلَافِهِ فِي الرِّجَالِ وَالصِّبْيَانِ جِدًّا بِحَسَبِ اعْتِدَالِ الْمِزَاجِ وَانْحِرَافِهِ فَرُبَّ صَبِيٍّ لِاعْتِدَالِ مِزَاجِهِ أَعْقَلُ مِنْ رَجُلٍ بَالِغٍ لِانْحِرَافِ مِزَاجِهِ جُعِلَ الْبُلُوغُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّتُهُ وَهُوَ مُنْضَبِطٌ، إذَا أَقَامَ الشَّرْعُ مَظِنَّةَ الْوَصْفِ مَقَامَهُ أُعْرِضَ عَنْ اعْتِبَارِهِ فِي نَفْسِهِ نَعَمْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَوَقَّعًا مَعَ الْمَظِنَّةِ فَلَوْ قَطَعْنَا بِعَدَمِهِ عِنْدَ الْمَظِنَّةِ. فَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَظِنَّةِ حُكْمٌ كَمَا لَوْ قَطَعْنَا بِعَدَمِ الرِّضَا مَعَ الْإِكْرَاهِ عَلَى صُدُورِ الصِّيغَةِ أَوْ الْفِعْلِ غَيْرَ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَصْلُ قَدْ خُولِفَ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ فَإِنَّا لَوْ قَطَعْنَا بِعَدَمِ الْإِنْزَالِ وَجَبَ الْغُسْلُ، وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ فِي شَارِبِ الْخَمْرِ إنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى فَيَكُونُ عَلَيْهِ حَدُّ الْمُفْتَرِي فَأُقِيمَ الشُّرْبُ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْقَذْفِ مَقَامَهُ، وَنَحْنُ مَعَ ذَلِكَ نُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مَنْ نَقْطَعُ أَنَّهُ لَمْ يَقْذِفْ حَتَّى إنَّ الشَّيْخَ عِزَّ الدِّينِ بْنَ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ يَقُولُ كَيْفَ تُقَامُ الْمَظِنَّةُ مَقَامَ الْقَذْفِ وَنَحْنُ نَقْطَعُ بِعَدَمِ الْقَذْفِ فِي بَعْضِ النَّاسِ، لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْأَثَرِ بِمَا شَهِدَ لَهُ بِالِاعْتِبَارِ مِنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَإِنَّهُ وَرَدَ فِيهِ الْحَدِيثُ النَّبَوِيُّ مَعَ أَنَّا قَدْ نَقْطَعُ فِيهِ بِعَدَمِ الْمَظْنُونِ عِنْدَ وُجُودِ مَظِنَّتِهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصْفِ وَالْمَظِنَّةِ وَالْحِكْمَةِ هُوَ أَنَّ الْحِكْمَةَ هِيَ الَّتِي تُوجِبُ كَوْنَ الْوَصْفِ عِلَّةً مُعْتَبَرَةً فِي الْحُكْمِ فَإِذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ مُعْتَبَرًا فِي الْحُكْمِ فَإِنْ كَانَ خَفِيًّا أَوْ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ أُقِيمَتْ مَظِنَّتُهُ مَقَامَهُ، وَحِينَئِذٍ تَجْتَمِعُ الثَّلَاثَةُ، وَلِذَلِكَ مَثَّلَ مِنْهَا الْبَيْعَ فَإِنَّ حَاجَةَ الْمُكَلَّفِ إلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ

الَّذِي إذَا وَقَعَ فِي الْوُجُودِ قَدْ يَكُونُ رَحْمَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى كَمَنْ يَبْتَلِيهِ اللَّهُ تَعَالَى بِالْأَلَمِ لِرَفْعِ دَرَجَاتِهِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْنُ الْأَنْبِيَاءَ أَشَدُّ بَلَاءً ثُمَّ الصَّالِحُونَ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى قَدْرِ دِينِهِ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالصَّالِحِينَ يَتَأَلَّمُونَ بِالْبَلَايَا وَالرَّزَايَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَذَابًا بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ بَلْ رَحْمَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ عَلَى الْقَرْنِ الْمَاضِي أَنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيَفْرَحُ بِالْبَلَايَا كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالرَّخَاءِ، وَالْعَذَابُ يُسْتَعَاذُ مِنْهُ وَلَا يُفْرَحُ بِهِ فَهَذَا الْوَجْهُ عِنْدِي هُوَ الْفَرْقُ الصَّحِيحُ، وَيَبْقَ اللَّفْظُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَيُسْتَغْنَى عَنْ التَّأْوِيلِ وَتَخْطِئَةِ الرَّاوِي وَمَا سَاعَدَهُ الظَّاهِرُ مِنْ الْأَجْوِبَةِ كَانَ أَسْعَدَهَا وَأَوْلَاهَا وَهَذَا كَذَلِكَ، فَيُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الْفَرْقِ. (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالْحِسَابِ وَالْآلَاتِ وَكُلِّ مَا دَلَّ عَلَيْهَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَهِلَّةُ فِي الرَّمَضَانَاتِ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالْحِسَابِ) وَفِيهِ قَوْلَانِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبَيْنِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْحِسَابِ فَإِذَا دَلَّ حِسَابُ تَسْيِيرِ الْكَوَاكِبِ عَلَى خُرُوجِ الْهِلَالِ مِنْ الشُّعَاعِ مِنْ جِهَةِ عِلْمِ الْهَيْئَةِ لَا يَجِبُ الصَّوْمُ قَالَ سَنَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى الْحِسَابَ فَأَثْبَتَ الْهِلَالَ بِهِ لَمْ يُتَّبَعْ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى خِلَافِهِ مَعَ أَنَّ حِسَابَ الْأَهِلَّةِ وَالْكُسُوفَاتِ وَالْخُسُوفَاتِ قَطْعِيٌّ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ بِأَنَّ حَرَكَاتِ الْأَفْلَاكِ وَانْتِقَالَاتِ الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ السَّيَّارَةِ عَلَى نِظَامٍ وَاحِدٍ طُولَ الدَّهْرِ بِتَقْدِيرِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: 39] وَقَالَ تَعَالَى {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5] أَيْ هُمَا ذَوَا حِسَابٍ فَلَا يَنْخَرِم ذَلِكَ أَبَدًا، وَكَذَلِكَ الْفُصُولُ الْأَرْبَعَةُ لَا يَنْخَرِمُ حِسَابُهَا، وَالْعَوَائِدُ إذَا اسْتَمَرَّتْ أَفَادَتْ الْقَطْعَ كَمَا إذَا رَأَيْنَا شَيْخًا نَجْزِمُ بِأَنَّهُ لَمْ يُولَدْ كَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ هُوَ الْمَصْلَحَةُ وَالْحِكْمَةُ الْمُوجِبَةُ لِاعْتِبَارِ الرِّضَا، وَجَعَلَهُ سَبَبًا لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ، وَمَظِنَّةُ الرِّضَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ فَالْحَاجَةُ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى لِكَوْنِهَا الْمُوجِبَةَ لِاعْتِبَارِ الرِّضَا وَاعْتِبَارُ الرِّضَا فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُهَا وَاعْتِبَارُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ اعْتِبَارِ الرِّضَا وَفَرْعُهُ وَمِنْهَا السَّفَرُ فَإِنَّ رَاحَةَ الْمُكَلَّفِ وَصَلَاحَ جِسْمِهِ مَصْلَحَةٌ وَحِكْمَةٌ تُوجِبُ أَنَّ الْمَشَقَّةَ إذَا عَرَضَتْ أَوْجَبَتْ تَخْفِيفَ الْعِبَادَةِ عَنْهُ لِئَلَّا تَعْظُمَ الْمَشَقَّةُ فَتَضِيعَ مَصَالِحُهُ بِإِضْعَافِ جِسْمِهِ وَإِهْلَاكِ قُوَّتِهِ. وَمَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ أَرْبَعَةُ الْبُرُدِ فَحِفْظُ صِحَّةِ الْجِسْمِ وَتَوْفِيرُ قُوَّتِهِ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى لِكَوْنِهِ هُوَ الْمُوجِبُ لِاعْتِبَارِ وَصْفِ الْمَشَقَّةِ، وَالْمَشَقَّةُ فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا أَثَرُهُ وَالْأَثَرُ فَرْعُ الْمُؤَثِّرِ، وَأَرْبَعَةُ الْبُرُدِ فِي الرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا فَرْعُ اعْتِبَارِ الْمَشَقَّةِ وَإِنْ كَانَ الْوَصْفُ ظَاهِرًا مُنْضَبِطًا اُعْتُمِدَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُقَامَ مَظِنَّتُهُ مَقَامَهُ تَتَحَقَّقُ الْحِكْمَةُ وَالْوَصْفُ مِنْ غَيْرِ مَظِنَّةٍ وَلَهُ مُثُلٌ مِنْهَا أَنَّ الرَّضَاعَ وَصْفٌ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ لِلتَّحْرِيمِ، وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ يَصِيرُ جُزْءُ الْمَرْأَةِ الَّذِي هُوَ اللَّبَنُ جُزْءَ الصَّبِيِّ الرَّضِيعِ فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ إيجَابُ التَّحْرِيمِ بِالرَّضَاعِ نَظِيرَ إيجَابِ صَيْرُورَةِ مَنِيِّ الْمَرْأَةِ وَطَمْثِهَا جُزْءَ الصَّبِيِّ لِلتَّحْرِيمِ بِالنَّسَبِ. فَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الرَّضَاعُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» فَالْجُزْئِيَّةُ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْحِكْمَةُ، وَوَصْفُ الرَّضَاعِ فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ فَرْعُهَا، وَمِنْهَا أَنَّ الزِّنَا وَصْفٌ كَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ وَاخْتِلَاطُ الْأَنْسَابِ حِكْمَتُهُ الْمُوجِبَةُ لِكَوْنِهِ كَذَلِكَ فَالِاخْتِلَاطُ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى، وَوَصْفُ الزِّنَا الرُّتْبَةُ الثَّانِيَةُ، وَمِنْهَا أَنَّ السَّرِقَةَ وَصْفٌ كَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْقَطْعِ وَضَيَاعُ الْمَالِ حِكْمَتُهُ الْمُوجِبَةُ لِكَوْنِهِ كَذَلِكَ فَضَيَاعُ الْمَالِ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى، وَوَصْفُ السَّرِقَةِ فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ فَوَصْفُ كُلٍّ مِنْ الرَّضَاعِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ لَمَّا كَانَ ظَاهِرًا مُنْضَبِطًا لَمْ يَحْتَجْ لِقِيَامِ مَظِنَّتِهِ مَقَامَهُ فَلَمْ يَحْتَجْ لِلرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ أَنْ يَتَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَى كُلِّ مَنْ تَحَقَّقَتْ فِيهِ تِلْكَ الْحِكْمَةُ، وَإِلَّا لَحُرِّمَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى صَبِيٍّ أَكَلَ مِنْهَا قِطْعَةَ لَحْمٍ لِتَحَقُّقِ صَيْرُورَةِ جُزْئِهَا جُزْءًا مِنْهُ، وَلَوَجَبَ حَدُّ الزِّنَا عَلَى مَنْ يَأْخُذُ الصِّبْيَانَ مِنْ أُمَّهَاتِهِمْ صِغَارًا. وَيَأْتِي بِهِمْ كِبَارًا بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُونَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَبَبِ أَنَّهُ أَوْجَبَ اخْتِلَاطَ الْأَنْسَابِ، وَلَوَجَبَ حَدُّ السَّرِقَةِ عَلَى مَنْ ضَيَّعَ الْمَالَ بِالْغَصْبِ وَالْعُدْوَانِ وَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ كُلِّهِ أَحَدٌ، وَيَلْزَمُ ذَلِكَ جَوَازُ التَّعْلِيلِ بِالْمَظِنَّةِ فَلِذَا قَالَ الْجُمْهُورُ بِالتَّعْلِيلِ بِهَا، وَلَمْ يَقُولُوا بِالتَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ فَافْهَمْ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْحِكْمَةِ وَالْمَظِنَّةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِي تَرَتُّبِ الْحُكْمِ الْقَطْعُ بِعَدَمِ الْحِكْمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّا نُقِيمُ حَدَّ الزِّنَا وَحَدَّ السَّرِقَةِ وَإِنْ قَطَعْنَا بِعَدَمِ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ مِنْ الزِّنَا بِأَنْ تَحِيضَ الْمَرْأَةُ وَيَظْهَرَ عَدَمُ حَمْلِهَا أَوْ جَزَمْنَا بِعَدَمِ ضَيَاعِ الْمَالِ بِسَبَبِ أَخْذِ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ، وَالْغَالِبُ فِي مَوَارِدِ الشَّرِيعَةِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْمَظِنَّةِ إذَا قَطَعْنَا فِيهَا بِعَدَمِ الْمَظْنُونِ أَلَا تَرَى أَنَّ نَحْوَ الْكُفْرِ وَالْعُقُودِ النَّاقِلَةِ لِلْأَمْلَاكِ أَوْ الْمُوجِبَةِ لِلطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مِنْ الْمَظَانِّ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهَا بِالْإِكْرَاهِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا عِنْدَ عَدَمِ الْإِكْرَاهِ فَلْيُتَفَطَّنْ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَهَذِهِ التَّفَاصِيلِ فَإِنَّهَا وَإِنْ ذُكِرَتْ هُنَا لِبِنَاءِ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ عَلَيْهَا، وَكَوْنِهَا سِرَّهُ إلَّا أَنَّهَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْفُقَهَاءُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - كَثِيرًا فِي مَوَارِدِ الْفِقْهِ وَالتَّرْجِيحِ وَالتَّعْلِيلِ

[الفرق بين قاعدة البقاع المعظمة من المساجد تعظم بالصلاة وبين قاعدة الأزمنة المعظمة]

بَلْ طِفْلًا لِأَجْلِ عَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ وَإِلَّا فَالْعَقْلُ يُجَوِّزُ وِلَادَتَهُ كَذَلِكَ، وَالْقَطْعُ الْحَاصِلُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الْعَادَةِ، وَإِذَا حَصَلَ الْقَطْعُ بِالْحِسَابِ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهُ لَا غَايَةَ بَعْدَ حُصُولِ الْقَطْعِ وَالْفَرْقُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ هَاهُنَا وَهُوَ عُمْدَةُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَبَ زَوَالَ الشَّمْسِ سَبَبَ وُجُوبِ الظُّهْرِ. وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأَوْقَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] أَيْ لِأَجْلِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هَذَا خَبَرٌ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ حِينَ تُمْسُونَ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَحِينَ تُصْبِحُونَ الصُّبْحُ وَعَشِيًّا الْعَصْرُ وَحِينَ تُظْهِرُونَ الظُّهْرُ وَالصَّلَاةُ تُسَمَّى سُبْحَةً، وَمِنْهُ سُبْحَةُ الضُّحَى أَيْ صَلَاتُهَا فَالْآيَةُ أَمْرٌ بِإِيقَاعِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ نَفْسَ الْوَقْتِ سَبَبٌ فَمَنْ عَلِمَ السَّبَبَ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ لَزِمَهُ حُكْمُهُ، فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ الْحِسَابُ الْمُفِيدُ لِلْقَطْعِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ،. وَأَمَّا الْأَهِلَّةُ فَلَمْ يَنْصِبْ صَاحِبُ الشَّرْعِ خُرُوجَهَا مِنْ الشُّعَاعِ سَبَبًا لِلصَّوْمِ بَلْ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ خَارِجًا مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ هُوَ السَّبَبُ، فَإِذَا لَمْ تَحْصُلْ الرُّؤْيَةُ لَمْ يَحْصُلْ السَّبَبُ الشَّرْعِيُّ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ لَمْ يَنْصِبْ نَفْسَ خُرُوجِ الْهِلَالِ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ سَبَبًا لِلصَّوْمِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَلَمْ يَقُلْ لِخُرُوجِهِ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] ثُمَّ قَالَ «فَإِنَّ غُمَّ عَلَيْكُمْ» أَيْ خَفِيَتْ عَلَيْكُمْ رُؤْيَتُهُ «فَاقْدِرُوا لَهُ» فِي رِوَايَةٍ «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ» فَنَصَبَ رُؤْيَةَ الْهِلَالَ أَوْ إكْمَالَ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِخُرُوجِ الْهِلَالِ عَنْ الشُّعَاعِ،. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ؛ لِأَنَّ شَهِدَ لَهَا ثَلَاثُ مَعَانٍ شَهِدَ بِمَعْنَى حَضَرَ وَمِنْهُ شَهِدْنَا صَلَاةَ الْعِيدِ، وَشَهِدَ بَدْرًا، وَشَهِدَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْبِقَاعِ الْمُعَظَّمَةِ مِنْ الْمَسَاجِدِ تُعَظَّمُ بِالصَّلَاةِ وَبَيْن قَاعِدَة الْأَزْمِنَةِ الْمُعَظَّمَةِ] (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالتِّسْعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْبِقَاعِ الْمُعَظَّمَةِ مِنْ الْمَسَاجِدِ تُعَظَّمُ بِالصَّلَاةِ، وَيَتَأَكَّدُ طَلَبُ الصَّلَاةِ عِنْدَ مُلَابَسَتِهَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَزْمِنَةِ الْمُعَظَّمَةِ كَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ لَا تُعَظَّمُ بِتَأَكُّدِ الصَّوْمِ فِيهَا) الْبِقَاعُ الْمُعَظَّمَةُ وَالْأَزْمِنَةُ وَإِنْ اشْتَرَكَتَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ نِسْبَةَ الصَّلَوَاتِ إلَى مُطْلَقِ الْبِقَاعِ كَمَا أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ وُقُوعُهَا فِيهَا كَذَلِكَ نِسْبَةُ الصَّوْمِ إلَى مُطْلَقِ الْأَزْمِنَةِ مِنْ حَيْثُ وُقُوعُهُ فِيهَا، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ بَعْضَ الْبِقَاعِ وَهِيَ الْمَسَاجِدُ كَمَا اُخْتُصَّتْ بِأَنَّهَا بُيُوتُ اللَّهِ تَعَالَى، وَطَلَبَ الشَّارِعُ تَعْظِيمَهَا بِالتَّحِيَّاتِ مِمَّنْ دَخَلَهَا كَذَلِكَ اخْتَصَّ بَعْضَ الْأَزْمِنَةِ، وَهُوَ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ بِهِ تَعَالَى وَطَلَبَ الشَّارِعُ تَعْظِيمَهُ بِمَا يُنَاسِبُهُ مِنْ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالِاسْتِغْفَارِ فَقَدْ وَرَدَ «أَنَّ الثُّلُثَ الْأَخِيرَ مِنْ اللَّيْلِ يَنْزِلُ الرَّبُّ تَعَالَى فِيهِ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأَسْتَجِيبَ لَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ» إلَّا أَنَّهُمَا افْتَرَقَتَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ مُطْلَقَ الْبِقَاعِ لَمْ يَقَعْ مِنْهَا مَا يُصَامُ فِيهِ إلَّا بِطَرِيقِ الْعَرْضِ كَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِمَكَّةَ جَبْرًا لِمَا عَرَضَ مِنْ النُّسُكِ وَصَوْمِ أَيَّامِ الِاعْتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ لِمَا عَرَضَ مِنْ الِاعْتِكَافِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ مِنْهَا مَا يُصَلَّى فِيهِ لِعَيْنِهِ كَالْمَسَاجِدِ تُصَلَّى فِيهَا النَّجِيَّةُ، وَأَمَّا مُطْلَقُ الْأَزْمِنَةِ فَوَقَعَ مِنْهَا مَا يُصَامُ فِيهِ لِعَيْنِهِ لَا لِمَا عَرَضَ فِيهِ كَرَمَضَانَ وَغَيْرِهِ، وَوَقَعَ مِنْهَا مَا يُصَلَّى فِيهِ لِعَيْنِهِ لَا لِمَا عَرَضَ فِيهِ كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَنَحْوِ الْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالضُّحَى، فَالصَّوْمُ بِوَصْفِهِ خَاصٌّ بِالزَّمَانِ، وَالصَّلَاةُ كَمَا تَكُونُ لِلْمَكَانِ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ تَكُونُ لِلزَّمَانِ كَالصَّلَوَاتِ وَنَحْوِ الْوِتْرِ وَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالضُّحَى فِي أَوْقَاتِهَا. وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْبِقَاعَ الْمُعَظَّمَةَ وَهِيَ الْمَسَاجِدُ لَمَّا اُخْتُصَّتْ بِاَللَّهِ وَاشْتُهِرَتْ بِاسْمٍ يُنَاسِبُ اخْتِصَاصَهَا بِهِ تَعَالَى وَهُوَ لَفْظُ الْبُيُوتِ فَإِنَّ شَأْنَ الرَّئِيسِ وَالْمَلِكِ الْعَظِيمِ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ وَيَخْتَصُّ بِهِ احْتَاجَتْ إلَى تَمْيِيزٍ يَخْتَصُّ بِهِ تَعَالَى يُنَاسِبُ رُبُوبِيَّتَهُ عَلَى قَدْرِ مَا فِي وُسْعِنَا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا كَانَ غَنِيًّا عَنْ الْخَلْقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا تَزِيدُهُ طَاعَتُهُمْ وَلَا تُنْقِصُهُ مَعْصِيَتُهُمْ، وَكَانَ الْأَدَبُ مَعَهُ اللَّائِقُ بِجَلَالِهِ مُتَعَذِّرًا مِنَّا، وَقَدْ أَمَرَنَا تَعَالَى أَنْ نَتَأَدَّبَ مَعَهُ كَمَا نَتَأَدَّبُ مَعَ أَكَابِرِنَا؛ لِأَنَّهُ وَسِعَنَا وَكَانَ أَحَدُنَا إذَا مَرَّ بِبُيُوتِ الْأَكَابِرِ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ وَيُحَيِّيهِمْ بِالتَّحِيَّةِ اللَّائِقَةِ بِهِمْ. وَالسَّلَامُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى مُحَالٌ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ إمَّا بِالسَّلَامَةِ وَهُوَ تَعَالَى سَالِمٌ لِذَاتِهِ عَنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ، وَإِمَّا بِالْمُسَالَمَةِ وَهِيَ التَّأْمِينُ مِنْ الضَّرَرِ وَهُوَ تَعَالَى يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ أَمَرَنَا تَعَالَى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْمَدْحِ لَهُ وَإِكْرَامِ خَاصَّتِهِ وَعَبِيدِهِ وَأَنْ نَقُولَ لَهُ تَعَالَى أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ وَإِلَيْك يَعُودُ السَّلَامُ حَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ، أَيْ أَنْتَ السَّالِمُ لِذَاتِك وَمِنْك يَصْدُرُ السَّلَامُ لِعِبَادِك وَإِلَيْك يَرْجِعُ طَلَبُهَا فَاعْطِنَا إيَّاهَا فَلَمَّا اسْتَحَالَ السَّلَامُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فِي الْمَسَاجِدِ مَقَامَهُ لِيَتَمَيَّزَ بَيْتُ الرَّبِّ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوتِ بِصُورَةِ التَّعْظِيمِ بِمَا يَلِيقُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَلِذَلِكَ نَابَتْ الْفَرِيضَةُ عَنْ النَّافِلَةِ فِي ذَلِكَ لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِهَا. وَأَمَّا الْأَزْمِنَةُ الْمُعَظَّمَةُ وَهِيَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ وَنَحْوُهَا فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهَا مَا اُشْتُهِرَ بِاَللَّهِ تَعَالَى شُهْرَةَ الْبِقَاعِ الْمُعَظَّمَةِ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى تَمْيِيزٍ يَخْتَصُّ بِهِ يُنَاسِبُ الرُّبُوبِيَّةَ كَمَا احْتَاجَتْ الْمَسَاجِدُ لِذَلِكَ بِسَبَبِ اشْتِهَارِهَا بِاَللَّهِ تَعَالَى الشُّهْرَةَ

[الفرق بين قاعدة النواح حرام وبين قاعدة المراثي مباحة]

بِمَعْنَى أَخْبَرَ وَمِنْهُ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَيْ أَخْبَرَهُ بِمَا يَعْلَمُهُ، وَشَهِدَ بِمَعْنَى عَلِمَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة: 6] أَيْ عَلِيمٌ وَهُوَ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى حَضَرَ قَالَ وَتَقْدِيرُ الْآيَةِ فَمَنْ حَضَرَ مِنْكُمْ الْمِصْرَ فِي الشَّهْرِ فَلْيَصُمْهُ أَيْ حَاضِرًا مُقِيمًا احْتِرَازًا مِنْ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ، وَإِذَا كَانَ شَهِدَ بِمَعْنَى حَضَرَ لَا بِمَعْنَى شَاهَدَ وَرَأَى لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اعْتِبَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا عَلَى اعْتِبَارِ الْحِسَابِ أَيْضًا فَإِنَّ الْحُضُور فِي الشَّهْرِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ ثَبَتَ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِالْحِسَابِ فَلِأَجْلِ هَذَا الْفَرْقِ قَالَ الْفُقَهَاءُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إنْ كَانَ هَذَا الْحِسَابُ غَيْرَ مُنْضَبِطٍ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُنْضَبِطًا لَكِنَّهُ لَمْ يَنْصِبْهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ سَبَبًا فَلَمْ يَجِبْ بِهِ صَوْمٌ وَالْحَقُّ مِنْ تَرْدِيدِ الْفُقَهَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ غَيْرَ أَنَّ هَاهُنَا إشْكَالَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَالْآخَرُ فِي رُؤْيَةِ الْأَهِلَّةِ. الْإِشْكَالُ الْأَوَّلُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَذَلِكَ أَنَّهُ جَرَتْ عَادَةُ الْمُؤَذِّنِينَ وَأَرْبَابِ الْمَوَاقِيتِ بِتَيْسِيرِ دَرَجِ الْفَلَكِ فَإِذَا شَاهَدُوا الْمُتَوَسِّطَ مِنْ دَرَجِ الْفَلَكِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ دَرَجِ الْفَلَكِ الَّذِي يَقْتَضِي أَنَّ دَرَجَةَ الشَّمْسِ قَرُبَتْ مِنْ الْأُفُقِ قُرْبًا يَقْتَضِي أَنَّ الْفَجْرَ طَلَعَ أَمَرُوا النَّاسَ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ مَعَ أَنَّ الْأُفُقَ يَكُونُ صَاحِيًا لَا يَخْفَى فِيهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ لَوْ طَلَعَ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَجِدُ الْإِنْسَانُ لِلْفَجْرِ أَثَرًا أَلْبَتَّةَ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا نَصَبَ سَبَبَ وُجُوبٍ لِلصَّلَاةِ ظُهُورَ الْفَجْرِ فَوْقَ الْأُفُقِ، وَلَمْ يَظْهَرْ فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ حِينَئِذٍ فَإِنَّهُ إيقَاعٌ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا وَبِدُونِ سَبَبِهَا، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي بَقِيَّةِ إثْبَاتِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ (فَإِنْ قُلْت) هَذَا جُنُوحٌ مِنْك إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الرُّؤْيَةِ، وَأَنْتَ قَدْ فَرَّقْت بَيْنَ الْبَابَيْنِ، وَمَيَّزْت بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ بِالرُّؤْيَةِ وَعَدَمِهَا، وَقُلْت السَّبَبُ فِي الْأَهِلَّةِ الرُّؤْيَةُ وَفِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ تَحْقِيقُ الْوَقْتِ دُونَ رُؤْيَتِهِ فَحَيْثُ اشْتَرَطْت الرُّؤْيَةَ فَقَدْ أَبْطَلْت مَا ذَكَرْته مِنْ الْفَرْقِ. قُلْت سُؤَالٌ حَسَنٌ (وَالْجَوَابُ عَنْهُ) أَنِّي لَمْ أَشْتَرِطْ الرُّؤْيَةَ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ لَكِنِّي جَعَلَتْ عَدَمَ اطِّلَاعِ الْحِسِّ عَلَى عَدَمِ الْفَجْرِ دَلِيلًا عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَذْكُورَةَ، وَالثُّلُثُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ وَإِنْ اُشْتُهِرَ بِهِ تَعَالَى اشْتِهَارَ الْمَسَاجِدِ، وَشُرِعَ فِيهِ مَا يُنَاسِبُهُ مِنْ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالِاسْتِغْفَارِ كَمَا عَلِمْت لِمَا أَنَّهُ يَلْزَمُنَا ذَلِكَ فِيهِ تَعْظِيمُهُ كَمَا إنَّ شَأْنَ الْأَزْمِنَةِ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ الْمُلُوكِ بِالْقُدُومِ فِيهَا عَلَى الرَّعَايَا أَنْ تُعَظَّمَ فِي الْمَدَائِنِ بِالزِّينَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَسْبَابِ الِاحْتِفَالِ، إلَّا أَنَّ تَعْظِيمَهُ لَمْ يَكُنْ بِالصَّوْمِ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَا يُلَائِمُ الصَّوْمَ، وَالْفَرْقُ إنَّمَا هُوَ بَيْنَ تَعْظِيمِ الْبِقَاعِ الْمُعَظَّمَةِ بِالصَّلَاةِ وَالْأَزْمِنَةِ الْمُعَظَّمَةِ بِالصَّوْمِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النُّوَاحُ حَرَامٌ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَرَاثِي مُبَاحَةٌ] (الْفَرْقُ الْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النُّوَاحُ حَرَامٌ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَرَاثِي مُبَاحَةٌ) لَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى تَحْرِيمِ النُّوَاحِ وَتَفْسِيقِ النَّائِحَةِ مُطْلَقًا وَلَا عَلَى إبَاحَةِ الْمَرَاثِي وَعَدَمِ تَفْسِيقِ الشُّعَرَاءِ الَّذِينَ يَرْثُونَ الْمَوْتَى مِنْ الْمُلُوكِ وَالْأَعْيَانِ مُطْلَقًا، وَإِنْ اُشْتُهِرَ ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ بَلْ الْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْ النُّوَاحِ وَالْمَرَاثِي عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ حَرَامٌ كَبِيرَةٌ وَحَرَامٌ صَغِيرَةٌ وَمُبَاحٌ وَمَنْدُوبٌ، أَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ حَرَامٌ كَبِيرَةٌ مِنْ النُّوَاحِ وَالْمَرَاثِي، فَكُلُّ كَلَامٍ يُقَرِّرُ فِي النُّفُوسِ وَيُوضِحُ لِلْأَفْهَامِ نِسْبَةَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلَى الْجَوْرِ فِي قَضَائِهِ وَالتَّبَرُّمِ بِقَدَرِهِ، وَأَنَّ الْوَاقِعَ مِنْ مَوْتِ هَذَا الْمَيِّتِ لَمْ يَكُنْ مَصْلَحَةً بَلْ مَفْسَدَةً عَظِيمَةً فَيَحْمِلُ السَّامِعِينَ عَلَى اعْتِقَادِ ذَلِكَ يَكُونُ حَرَامًا كَبِيرَةً نَظْمًا كَانَ أَوْ نَثْرًا مَرْثِيَةً أَوْ نُوَاحًا، وَذَلِكَ كَأَنْ تَقُولَ النَّائِحَةُ لَفْظًا يَقْتَضِي فَرْطَ جَمَالِ الْمَيِّتِ وَحُسْنِهِ وَكَمَالِهِ وَشُجَاعَتِهِ وَبَرَاعَتِهِ وَأُبَّهَتِهِ وَرِئَاسَتِهِ، وَتُبَالِغَ فِيمَا كَانَ يَفْعَلُ مِنْ إكْرَامِ الضَّيْفِ وَالضَّرْبِ بِالسَّيْفِ وَالذَّبِّ عَنْ الْحَرِيمِ وَالْجَارِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْمَيِّتِ الَّتِي يَقْتَضِي مِثْلُهَا أَنْ لَا يَمُوتَ، فَإِنَّ بِمَوْتِهِ تَنْقَطِعُ هَذِهِ الْمَصَالِحُ، وَيَعِزُّ وُجُودُ مِثْلِ الْمَوْصُوفِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، وَيَعْظُمُ التَّفَجُّعُ عَلَى فَقْدِ مِثْلِهِ، وَأَنَّ الْحِكْمَةَ كَانَتْ تَقْتَضِي بَقَاءَهُ وَتَطْوِيلَ عُمْرِهِ لِتَكْثُرَ تِلْكَ الْمَصَالِحُ فِي الْعَالَمِ، وَكَأَنْ يَقُولَ الشَّاعِرُ فِي رِثَائِهِ: مَاتَ مَنْ كَانَ بَعْضُ أَجْنَادِهِ الْمَوْتَ ... وَمَنْ كَانَ يَخْتَشِيهِ الْقَضَاءُ فَيَتَضَمَّنُ شِعْرُهُ مِنْ التَّعْرِيضِ لِلْقَضَاءِ بِقَوْلِهِ: مَنْ كَانَ بَعْضُ أَجْنَادِهِ الْمَوْتَ تَعْظِيمًا لِشَأْنِ هَذَا الْمَيِّتِ، وَأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْمَيِّتِ مَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْلُوَ مِنْهُ مَنْصِبُ الْخِلَافَةِ، وَمَتَى تَأْتِي الْأَيَّامُ بِمِثْلِ هَذَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيُشِيرُ قَوْلُهُ يَخْتَشِيهِ الْقَضَاءُ إلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ يَخَافُ مِنْهُ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ كُفْرًا صَرِيحًا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِهِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ، فَلِذَا لَمَّا حَضَرَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْمَحْفِلِ الَّذِي جَمَعَ فِيهِ الْمَلِكُ الصَّالِحُ الْأَكَابِرَ وَالْأَعْيَانَ وَالْقُرَّاءَ وَالشُّعَرَاءَ لِعَزَاءِ الْخَلِيفَةِ بِبَغْدَادَ، وَأَنْشَدَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فِي مَرْثِيَّتِهِ: مَاتَ مَنْ كَانَ بَعْضُ أَجْنَادِهِ الْمَوْتَ وَسَمِعَهُ الشَّيْخُ أَمَرَ بِتَأْدِيبِهِ وَحَبْسِهِ وَأَغْلَظَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ، وَبَالَغَ فِي تَقْبِيحِ رِثَائِهِ، وَأَقَامَ بَعْدَ التَّعْزِيرِ فِي الْحَبْسِ زَمَانًا طَوِيلًا، ثُمَّ اسْتَتَابَهُ بَعْدَ شَفَاعَةِ الْأُمَرَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ فِيهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَنْظِمَ قَصِيدَةً يُثْنِي فِيهَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَكُونُ مُكَفِّرَةً لِمَا تَضَمَّنَهُ شِعْرُهُ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلْقَضَاءِ وَالْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ يَخَافُ مِنْ الْمَيِّتِ، وَالشُّعَرَاءُ كَثِيرًا مَا يَهْجُمُونَ عَلَى أُمُورٍ صَعْبَةٍ مِثْلِ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي الْإِغْرَابِ وَالتَّمَدُّحِ بِأَنَّهُ طَرَقَ مَعْنًى لَمْ يُطْرَقْ قَبْلَهُ فَيَقَعُونَ فِي هَذَا وَمِثْلِهِ، وَلِذَلِكَ وَصَفَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} [الشعراء: 225] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هَذِهِ الْأَوْدِيَةُ هِيَ أَوْدِيَةُ الْهِجَاءِ الْمُحَرَّمِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَحِلُّ قَوْلُهُ وَهَذَا الْقِسْمُ شَرُّ النُّوَاحِ وَالْمَرَاثِي وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ حَدِيثُ إنَّ النَّائِحَةَ تُكْسَى يَوْمَ

عَدَمِهِ وَأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ لَمْ يَتَحَقَّقْ؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ هِيَ السَّبَبُ وَنَظِيرُهُ فِي الْأَهِلَّةِ لَوْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَالْجَمْعُ ثير وَلَمْ يُرَ الْهِلَالَ جَعَلْت ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ خُلُوصِ الْهِلَالِ مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ. وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَيْت الظِّلَّ عِنْدَ الزَّوَالِ مَائِلً لِجِهَةِ الْمَغْرِبِ، وَلَمْ أَرَهُ مَائِلًا إلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ بَلْ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ جَعَلْت ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ دُخُولِ الْوَقْتِ وَعَدَم السَّبَبِ فَفَرْقٌ بَيْنَ كَوْنِ الْحِسِّ سَبَبًا وَبَيْنَ كَوْنِهِ دَالًّا عَلَى عَدَمِ السَّبَبِ فَإِنِّي فِي الْفَجْرِ جَعَلْته دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ السَّبَبِ لَا أَنِّي اشْتَرَطْت الرُّؤْيَةَ، وَلِذَلِكَ أَنِّي لَمْ أَسْتَشْكِلْ ذَلِكَ إلَّا وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ وَالْحِسُّ لَا يَجِدُ شَيْئَانِ مِنْ الْفَجْرِ، أَمَّا لَوْ كَانَ حِسَابُهُمْ يَظْهَرُ مَعَهُ الْفَجْرُ مَعَ الصَّحْوِ طَالِعًا مِنْ الْأُفُقِ وَيَخْفَى مَعَ الْغَيْمِ لَمْ أَسْتَشْكِلْهُ، وَقُلْت: إنَّمَا يَخْفَى لِأَجْلِ الْغَيْم لَا لِأَجْلِ عَدَمِهِ فِي نَفْسِهِ لَكِنْ لَمَّا رَأَيْت حِسَابَهُمْ فِي الصَّحْوِ لَا يَظْهَرُ مَعَهُ الْفَجْرُ عَلِمْت أَنَّ حِسَابَهُمْ يُقَارِنُ عَدَمَ السَّبَبِ فَإِنَّ الْحِسَّ كَمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْفَجْرِ يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى عَدَمِهِ بِاتِّسَاقِ الظُّلْمَةِ وَعَدَمِ الضِّيَاءِ، فَهَذَا جَوَابُ هَذَا السُّؤَالِ لَا أَنِّي سَوَّيْت بَيْنَ الْأَهِلَّةِ وَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ الْإِشْكَالَ الثَّانِيَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ جَعَلُوا رُؤْيَةَ الْهِلَالِ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبِلَادِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَوَافَقَتْهُمْ الْحَنَابِلَةُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لِكُلِّ قَوْمٍ رُؤْيَتُهُمْ وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ فَجْرَهُمْ وَزَوَالَهُمْ وَعَصْرَهُمْ وَمَغْرِبَهُمْ وَعِشَاءَهُمْ فَإِنَّ الْفَجْرَ إذَا طَلَعَ عَلَى قَوْمٍ يَكُونُ عِنْدَ آخَرِينَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَعِنْدَ آخَرِينَ نِصْفَ النَّهَارِ وَعِنْدَ آخَرِينَ غُرُوبَ الشَّمْسِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَمَا مِنْ دَرَجَةٍ تَطْلُعُ مِنْ الْفَلَكِ أَوْ تَتَوَسَّطُ أَوْ تَغْرُبُ إلَّا فِيهَا جَمِيعُ الْأَوْقَاتِ بِحَسَبِ آفَاقٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَقْطَارٍ مُتَبَايِنَةٍ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي أَقْصَى الْمَشْرِقِ كَانَ نِصْفَ اللَّيْلِ عِنْدَ الْبِلَادِ الْمَغْرِبِيَّةِ مِنْهُمْ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ عَلَى حَسَبِ الْبُعْدِ عَنْ ذَلِكَ الْأُفُقِ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فِي أَقْصَى الْمَغْرِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقِيَامَةِ قَمِيصَيْنِ قَمِيصٌ مِنْ جَرَبٍ وَقَمِيصٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَسِرُّهُ أَنَّ الْأَجْرَبَ سَرِيعُ الْأَلَمِ لِتَقَرُّحِ جِلْدِهِ وَالْقَطِرَانُ يُقَوِّي شُعْلَةَ النَّارِ فَيَكُونُ عَذَابُ النَّائِحَةِ بِالنَّارِ بِسَبَبِ هَذَيْنِ الْقَمِيصَيْنِ أَشَدَّ الْعَذَابِ. وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُد «لَعَنَ اللَّهُ النَّائِحَةَ وَالْمُسْتَمِعَةَ» . وَأَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ حَرَامٌ صَغِيرَةٌ فَكُلُّ كَلَامٍ نَظْمًا أَوْ نَثْرًا مَرْثِيَّةً أَوْ نُوَاحًا لَمْ يَصِلْ إلَى الْغَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّهُ يُبْعِدُ السَّلْوَةَ عَنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ، وَيُهِيجُ الْأَسَفَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَى تَعْذِيبِ نُفُوسِهِمْ وَقِلَّةِ صَبْرِهِمْ وَضَجِرِهِمْ، وَرُبَّمَا بَعَثَهُمْ عَلَى الْقُنُوطِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ وَضَرْبِ الْخُدُودِ يَكُونُ حَرَامًا صَغِيرَةً وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ التَّصْرِيحِ بِتَحْرِيمِ النُّوَاحِ نَعَمْ قَالَ سَنَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّمَا يَحْرُمُ النُّوَاحُ مِنْ النَّائِحَةِ الَّتِي تَتَّخِذُهُ صَنْعَةً قَالَ وَإِلَّا فَالْمَرَّةُ مَكْرُوهَةٌ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ نِسَاءَ جَعْفَرٍ لَمْ يُسْكِتْهُنَّ» ، وَفِيهِ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جِيءَ بِأَبِي يَوْمَ أُحُدٍ وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ «فَسَمِعَ صَوْتَ نَائِحَةٍ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقَالُوا ابْنَةُ عُمَرَ فَقَالَ فَلْتَبْكِي أَوْ لَا تَبْكِي مَا زَالَتْ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ وَفِيهِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَخَذَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا نَنُوحَ فَمَا وَفَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ غَيْرُ خَمْسِ نِسْوَةٍ سَمَّتْهُنَّ» وَأَمَّا ضَابِطُ مَا هُوَ مُبَاحٌ مِنْ النُّوَاحِ وَالْمَرَاثِي فَكُلُّ كَلَامٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا فِي الْقِسْمَيْنِ قَبْلَهُ بَلْ ذُكِرَ فِيهِ دِينُ الْمَيِّتِ، وَأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى جَزَاءِ أَعْمَالِهِ الْحَسَنَةِ وَمُجَاوَرَةِ أَهْلِ السَّعَادَةِ. وَأَنَّهُ أَتَى عَلَيْهِ مَا قَضَى عَلَى عَامَّةِ النَّاسِ، وَأَنَّ هَذَا سَبِيلٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَأَنَّهُ مَوْطِنٌ اشْتَرَكَ فِيهِ جَمِيعُ الْخَلَائِقِ وَبَابٌ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِ يَكُونُ مُبَاحًا خَالِيًا عَنْ التَّحْرِيمِ، وَمِنْهُ مَا رَثَى بِهِ ابْنُ عُمَرَ أَخَاهُ عَاصِمًا لَمَّا مَاتَ فَقَالَ: فَإِنْ تَكُ أَحْزَانٌ وَفَائِضُ دَمْعَةٍ ... جَرَيْنَ دَمًا مِنْ دَاخِلِ الْجَوْفِ مُنْقَعَا تَجَرَّعْتهَا فِي عَاصِمٍ وَاحْتَسَيْتهَا ... فَأَعْظَمُ مِنْهَا مَا احْتَسَى وَتَجَرَّعَا فَلَيْتَ الْمَنَايَا كُنَّ خَلَّفْنَ عَاصِمًا ... فَعِشْنَا جَمِيعًا أَوْ ذَهَبْنَ بِنَا مَعَا دَفَعْنَا بِك الْأَيَّامَ حَتَّى إذَا أَتَتْ ... تُرِيدُك لَمْ نَسْطِعْ لَهَا عَنْك مِدْفَعَا فَهَذَا رِثَاءٌ مُبَاحٌ لَا يَحْرُمُ مِثْلُهُ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُشِيرُ إلَى التَّجْوِيرِ وَلَا تَسْفِيهِ الْقَضَاءِ بَلْ إنَّهُ حَزِينٌ مُتَأَلِّمٌ لِمَيْتِهِ، وَكَانَ يَشْتَهِي لَوْ مَاتَ مَعَهُ فَهَذَا أَمْرٌ قَرِيبٌ لَا غَرْوَ فِيهِ، وَأَمَّا ضَابِطُ الْمَنْدُوبِ مِنْ النُّوَاحِ وَالْمَرَاثِي فَكُلُّ كَلَامٍ زَادَ عَلَى مَا فِي قِسْمِ الْمُبَاحِ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الْمَيِّتِ بِالصَّبْرِ وَحَثِّهِمْ عَلَى طَلَبِ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ، وَأَنَّهُمْ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَحْتَسِبُوا مَيِّتَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَعْتَمِدُونَ فِي حُسْنِ الْخَلَفِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوُ ذَلِكَ يَكُونُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ مَأْمُورًا بِهِ. وَمِنْهُ مَا رُوِيَ أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا مَاتَ عَظُمَ مُصَابُهُ عَلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَظُمَ خَطْبُهُ وَجَلَّتْ رَزِيَّتُهُ فِي صُدُورِ النَّاسِ فَإِنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَقِيَ بَعْدَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ وَالِدِهِ وَكَانَ يُقَالُ مَنْ أَشْجَعُ النَّاسِ فَيُقَالُ الْعَبَّاسُ وَمَنْ أَعْلَمُ النَّاسِ فَيُقَالُ الْعَبَّاسُ وَمَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ فَيُقَالُ الْعَبَّاسُ وَكَانَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَظِيمًا عِنْدَ النَّاسِ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ تُرْجُمَانَ الْقُرْآنِ وَافِرَ الْعَقْلِ جَمِيلَ الْمَحَاسِنِ وَالْجَلَالَةِ وَالْأَوْصَافِ الْحَمِيدَةِ فَأَحْجَمُوا عَنْ تَعْزِيَتِهِ إجْلَالًا لَهُ وَمَهَابَةً بِسَبَبِ عَظَمَتِهِ فِي نَفْسِهِ، وَأَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ شَهْرًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَرِّخُونَ فَبَعْدَ الشَّهْرِ قَدِمَ أَعْرَابِيٌّ مِنْ الْبَادِيَةِ فَسَأَلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ النَّاسُ مَا تُرِيدُ

[الفرق بين قاعدة فعل غير المكلف لا يعذب به وبين قاعدة البكاء على الميت يعذب به الميت]

كَانَ نِصْفَ اللَّيْلِ عِنْدَ الْبِلَادِ الْمَشْرِقِيَّةِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ قُرْبِ ذَلِكَ الْقُطْرِ مِنْ الْقُطْرِ الَّذِي غَرَبَتْ فِيهِ الشَّمْسُ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأَوْقَاتِ تَخْتَلِفُ هَذَا الِاخْتِلَافَ. وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي الْفَتَاوَى الْفِقْهِيَّةِ مَسْأَلَةٌ أَشْكَلَتْ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي أَخَوَيْنِ مَاتَا عِنْدَ الزَّوَالِ أَحَدُهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَالْآخَرُ بِالْمَغْرِبِ أَيُّهُمَا يَرِثُ صَاحِبَهُ فَأَفْتَى الْفُضَلَاءُ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّ الْمَغْرِبِيَّ يَرِثُ الْمَشْرِقِيَّ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْمَشْرِقِ قَبْلَ زَوَال الْمَغْرِبِ فَالْمَشْرِقِيُّ مَاتَ أَوَّلًا فَيَرِثُهُ الْمُتَأَخِّرُ لِبَقَائِهِ بَعْدَهُ حَيًّا مُتَأَخِّرَ الْحَيَاةِ فَيَرِثُ الْمَغْرِبِيُّ الْمَشْرِقِيَّ إذَا تَقَرَّرَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآفَاقِ، وَأَنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ فَجْرَهُمْ وَزَوَالَهُمْ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْقَاتِ فَيَلْزَمُ ذَلِكَ فِي الْأَهِلَّةِ بِسَبَبِ أَنَّ الْبِلَادَ الْمَشْرِقِيَّةَ إذَا كَانَ الْهِلَالُ فِيهَا فِي الشُّعَاعِ وَبَقِيَتْ الشَّمْسُ تَتَحَرَّكُ مَعَ الْقَمَرِ إلَى الْجِهَةِ الْغَرْبِيَّةِ فَمَا تَصِلُ الشَّمْسُ إلَى أُفُقِ الْمَغْرِبِ إلَّا وَقَدْ خَرَجَ الْهِلَالُ مِنْ الشُّعَاعِ فَيَرَاهُ أَهْلُ الْمَغْرِبِ وَلَا يَرَاهُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ هَذَا أَحَدُ أَسْبَابِ اخْتِلَافِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَلَهُ أَسْبَابٌ أُخَرُ مَذْكُورَةٌ فِي عِلْمِ الْهَيْئَةِ لَا يَلِيقُ ذِكْرُهَا هَاهُنَا إنَّمَا ذَكَرْت مَا يَقْرُبُ فَهْمُهُ، وَإِذَا كَانَ الْهِلَالُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآفَاقِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ قَوْمٍ رُؤْيَتُهُمْ فِي الْأَهِلَّةِ كَمَا أَنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ فَجْرَهُمْ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ، وَهَذَا حَقٌّ ظَاهِرٌ وَصَوَابٌ مُتَعَيِّنٌ أَمَّا وُجُوبُ الصَّوْمِ عَلَى جَمِيعِ الْأَقَالِيمِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ بِقُطْرٍ مِنْهَا فَبَعِيدٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ، وَالْأَدِلَّةُ لَمْ تَقْتَضِ ذَلِكَ فَاعْلَمْهُ. (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّلَوَاتُ فِي الدُّورِ الْمَغْصُوبَةِ تَنْعَقِدُ قُرْبَةً بِخِلَافِ الصِّيَامِ فِي أَيَّامِ الْأَعْيَادِ وَالْجُمَعِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ) أَمَّا الصَّلَوَاتُ فَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا تَنْعَقِدُ قُرْبَةً، وَيَجِبُ الْقَضَاءُ فَسَوَّى بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَلَا فَرْقَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَالَ أُرِيدُ أَنْ أُعَزِّيَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ عَسَاهُ أَنْ يَفْتَحَ لَهُمْ بَابَ التَّعْزِيَةِ فَلَمَّا رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ سَلَامٌ عَلَيْك يَا أَبَا الْفَضْلِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَعَلَيْك السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَأَنْشَدَهُ: اصْبِرْ نَكُنْ بِك صَابِرِينَ فَإِنَّمَا ... صَبْرُ الرَّعِيَّةِ عِنْدَ صَبْرِ الرَّاسِ خَيْرٌ مِنْ الْعَبَّاسِ أَجْرُك بَعْدَهُ ... وَاَللَّهُ خَيْرٌ مِنْك لِلْعَبَّاسِ فَلَمَّا سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ رِثَاءَهُ وَاسْتَوْعَبَ شِعْرَهُ سَرَّى عَنْهُ عَظِيمَ مَا كَانَ بِهِ، وَاسْتَرْسَلَ النَّاسُ فِي تَعْزِيَتِهِ وَهَذَا كَلَامٌ فِي غَايَةِ الْجَوْدَةِ مِنْ الرِّثَاءِ مُسَهِّلٌ لِلْمُصِيبَةِ مُذْهِبٌ لِلْحُزْنِ مُحْسِنٌ لِتَصَرُّفِ الْقَضَاءِ مُثْنٍ عَلَى الرَّبِّ بِإِحْسَانٍ وَجَمِيلِ الْعَوَارِفِ، فَهَذَا حَسَنٌ جَمِيلٌ وَمِثْلُهُ مَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا تُوُفِّيَ سَمِعَ أَهْلُ بَيْتِهِ قَائِلًا يَقُولُ يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ وَلَا يَرَوْنَ شَخْصَهُ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إنَّ فِي اللَّهِ خَلَفًا مِنْ كُلِّ فَائِتٍ وَعِوَضًا مِنْ كُلِّ ذَاهِبٍ فَإِيَّاهُ فَارْجُوَا وَبِهِ فَثِقُوا فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ فَكَانُوا يَرَوْنَهُ الْخَضِرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهَذَا أَيْضًا كَلَامٌ مِنْ الْقُرُبَاتِ وَمُنْدَرِجٌ فِي سِلْكِ الْمَنْدُوبَاتِ، وَعَلَى هَذِهِ الْقَوَانِينِ يَتَخَرَّجُ جَمِيعُ مَا يَرِدُ عَلَيْك مِنْ النُّوَاحَاتِ وَالْمَرَاثِي وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ فِعْلِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ لَا يُعَذَّبُ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّت يُعَذَّبُ بِهِ الْمَيِّتُ] الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ فِعْلِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ لَا يُعَذَّبُ بِهِ، وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ يُعَذَّبُ بِهِ الْمَيِّتُ) لَمَّا أَشْكَلَ عَلَى الْقَاعِدَةِ الصَّحِيحَةِ وَهِيَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُؤَاخَذُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَعَارَضَهَا ظَاهِرُ مَا أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي الصِّحَاحِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ عَلَيْهِ» ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى رَدِّ الْبُكَاءِ فِيهِ إلَى فِعْلِ الْمَيِّتِ إمَّا بِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا أَوْصَى الْمَيِّتُ بِالنِّيَاحَةِ كَمَا قَالَ طَرَفَةُ: إذَا مِتَّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ ... وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدِ وَإِمَّا بِحَمْلِهِ عَلَى مَا كَانَ يُبَاشِرُهُ الْمَيِّتُ حَالَ حَيَاتِهِ مِنْ الْكُفْرِ وَنَحْوِ الْغَضَبِ وَالْفُسُوقِ مِنْ الْمَفَاخِرِ الَّتِي كَانُوا يَذْكُرُونَهَا فِي نَوَائِحِهِمْ، وَهِيَ مَجَازٌ عِنْدَ الشَّرْعِ فَيُعَذَّبُ بِهَا فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِمَدْلُولِ مَا يَقَعُ فِي الْبُكَاءِ مِنْ الْأَلْفَاظِ مَجَازُ الْعِلَاقَةِ الْمَلْزُومِيَّةِ بِوَاسِطَةٍ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يُلَازِمُ مَدْلُولَهُ وَالْبُكَاءَ يُلَازِمُ هَذَا اللَّفْظَ «فَقَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ إنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَهُودِيَّةٍ يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّكُمْ لَتَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا» مَعْنَاهُ أَنَّ الْيَهُودِيَّةَ إنَّمَا عُذِّبَتْ فِي قَبْرِهَا بِكُفْرِهَا لَا بِبُكَاءِ أَهْلِهَا، وَذَهَبَ الْأَصْلُ إلَى أَنَّهُمَا قَاعِدَتَانِ، وَأَنَّ الْحَدِيثَ بَاقٍ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِمَا وَقَعَ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ مَاتَ لَهَا وَلَدٌ فَرَحَلَتْ فِي بَعْضِ مَقَاصِدِهَا إلَى الْمَغْرِبِ فَحَضَرَ يَوْمُ الْعِيدِ وَعَادَتُهَا فِيهِ فِي بَلَدِهَا تَخْرُجُ إلَى الْمَقَابِرِ فَتَبْكِي عَلَى وَلَدِهَا فَلَمَّا لَمْ تَكُنْ فِي بَلَدِهَا خَطَرَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَقَابِرِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ الَّتِي حَلَّتْ بِهَا فَتَفْعَلُ فِيهَا مَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ فِي بَلَدِهَا فَخَرَجَتْ إلَيْهَا، وَفَعَلَتْ ذَلِكَ وَأَكْثَرَتْ الْبُكَاءَ وَالْعَوِيلَ وَالتَّفَجُّعَ عَلَى وَلَدِهَا، ثُمَّ نَامَتْ فَرَأَتْ أَهْلَ الْمَقْبَرَةِ قَدْ هَاجُوا يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا هَلْ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ عِنْدَنَا وَلَدٌ فَقَالُوا لَا فَقَالَ السَّائِلُ مِنْهُمْ لِلْمَسْئُولِ فَكَيْفَ جَاءَتْ عِنْدَنَا تُؤْذِينَا بِبُكَائِهَا وَعَوِيلِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهَا عِنْدَنَا وَلَدٌ، ثُمَّ ذَهَبُوا إلَيْهَا فَضَرَبُوهَا ضَرْبًا وَجِيعًا فَاسْتَيْقَظَتْ

[الفرق بين قاعدة أوقات الصلوات يجوز إثباتها بالحساب والآلات وبين قاعدة الأهلة في الرمضانات لا يجوز إثباتها بالحساب]

عَلَى مَذْهَبِهِ لِتَسْوِيَتِهِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ إنَّمَا الْفَرْقُ عَلَى مَذْهَبِ الْجَمَاعَةِ، وَقَالَ جَمَاعَةُ أَحْمَدَ وَمَنْ وَافَقَهُ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي الصِّحَّةِ فِي الصَّلَوَاتِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، وَقَدْ أَجْمَعَ السَّلَفُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى عَدَمِ أَمْرِ الظَّلَمَةِ بِالْقَضَاءِ إذْ صَلَّوْا بِالدُّورِ الْمَغْصُوبَةِ. وَأَمَّا الصَّوْمُ أَيَّامَ الْعِيدَيْنِ النَّحْرِ وَالْفِطْرِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ» فَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ قَالَ أَصُومُ هَذِهِ السَّنَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ أَيَّامِ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ وَرَمَضَانَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْقَضَاءَ وَرُوِيَ أَنَّ نَاذِرَ ذِي الْحِجَّةِ يَقْضِي أَيَّامَ النَّحْرِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ عَدَمَ الْقَضَاءِ، وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ قُدُومِ فُلَانٍ فَقَدِمَ فِي الْأَيَّامِ الْمُحَرَّمِ صَوْمُهَا فَالْمَنْصُوصُ نَفْيُ الْقَضَاءِ لِتَعَذُّرِهِ شَرْعًا، وَنَاذِرُ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ الْفِطْرِ أَوْ الشَّكِّ مُلْغًى كَنَذْرِ الصَّلَوَاتِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَظَاهِرُ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَنْعَقِدُ قُرْبَةً فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ. وَالصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ عِبَادَتَانِ وَالنَّهْيُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ الظُّرُوفِ الَّتِي هِيَ الزَّمَانُ فِي الصَّوْمِ وَالْمَكَانُ فِي الصَّلَاةِ وَالْحُكْمُ مُخْتَلِفٌ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ كَمَا تَرَى وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ تَارَةً يَكُونُ الْعِبَادَةَ الْمَوْصُوفَةَ بِكَوْنِهَا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ الْحَالَةِ الْمُعَيَّنَةِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَزْمِنَةِ أَوْ الْبِقَاعِ أَوْ الْحَالَاتِ فَتَفْسُدُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ عَلَى قَوَاعِدِنَا وَقَوَاعِدِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَتَارَةً يَكُونُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ الصِّفَةُ الْعَارِضَةُ لِلْعِبَادَةِ فَلَا تَفْسُدُ الْعِبَادَةُ لِتَعَلُّقِ النَّهْيِ حِينَئِذٍ بِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ الْعِبَادَةِ، وَالْمُبَاشَرُ بِالنَّهْيِ فِي الصَّوْمِ إنَّمَا هُوَ الْمَوْصُوفُ بِكَوْنِهِ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ أَوْ النَّحْرِ كَمَا تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ وَالْمُبَاشَرُ بِالنَّهْيِ فِي الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ إنَّمَا هُوَ الْغَصْبُ وَلَمْ يَرِدْ نَهْيٌ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْغَصْبِ دُونَ الصَّلَاةِ الْمُقَارِنَةِ لِلْغَصْبِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الصِّفَةِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَتَعَدَّى إلَى الْمَوْصُوفِ وَبِالْعَكْسِ فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ شُرْبُ الْخَمْرِ مَفْسَدَةٌ وَلَا يَصِحُّ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَوَجَدَتْ أَلَمًا عَظِيمًا مِنْ ذَلِكَ الضَّرْبِ، وَتَوْضِيحُ الْفَرْقِ أَنَّ هَذَا يَدُلُّ أَنَّ الْبُكَاءَ وَالْعَوِيلَ كَمَا كَانَتْ الْأَرْوَاحُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ تَتَأَذَّى بِهِ، وَتَنْقَبِضُ كَذَلِكَ تَتَأَذَّى بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَانَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى غَيْرِهَا إلَّا أَنَّهُ عَلَيْهَا أَشَدُّ نِكَايَةً؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُصَابَةُ حِينَئِذٍ. وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الْمَوْتَى يَعْلَمُونَ أَحْوَالَ الْأَحْيَاءِ وَمَا نَزَلَ بِهِمْ مِنْ شِدَّةٍ وَرَخَاءٍ وَفَقْرٍ وَاسْتِغْنَاءٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَجَدَّدُ لِأَهْلَيْهِمْ وَيَتَأَلَّمُونَ لِلْمُؤْلِمَاتِ وَيُسَرُّونَ بِاللَّذَّاتِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُمْ يَفْتَخِرُونَ بِالزِّيَارَاتِ وَيَتَأَلَّمُونَ بِانْقِطَاعِهَا فَالْأَوْضَاعُ الْبَشَرِيَّةُ لِلْأَرْوَاحِ فِي الْبَرْزَخِ كَمَا كَانَتْ لَهَا فِي الدُّنْيَا لَمْ تَتَغَيَّرْ، وَإِنَّمَا كَانَتْ فِي مَسْكَنٍ فَارَقَتْهُ فَقَطْ، وَبَقِيَتْ عَلَى حَالِهَا فِي أَوْضَاعِهَا فَالْعَذَابُ فِي الْقَاعِدَةِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا حَدِيثُ إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ عَلَيْهِ بِمَعْنَى الْأَلَمِ الْجِبِلِّيِّ الَّذِي إذَا وَقَعَ فِي الْوُجُودِ قَدْ يَكُونُ رَحْمَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى كَمَنْ يَبْتَلِيهِ اللَّهُ تَعَالَى بِالْأَلَمِ لِرَفْعِ دَرَجَاتِهِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَحْنُ الْأَنْبِيَاءَ أَشَدُّهُمْ بَلَاءً ثُمَّ الصَّالِحُونَ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى قَدْرِ دِينِهِ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالصَّالِحِينَ يَتَأَلَّمُونَ بِالْبَلَايَا وَالرَّزَايَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَذَابًا بِمَعْنَى عَذَابِ الْآخِرَةِ الَّذِي هُوَ عَذَابُ الذُّنُوبِ الْمُتَوَعَّدِ بِهِ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ كَمَا هُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي قَاعِدَةِ إنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُعَذَّبُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا تَأَلُّمُهُمْ بِالْبَلَايَا وَالرَّزَايَا رَحْمَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ عَلَى الْقَرْنِ الْمَاضِي أَنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيَفْرَحُ بِالْبَلَايَا كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالرَّخَاءِ، وَالْعَذَابُ يُسْتَعَاذُ مِنْهُ وَلَا يُفْرَحُ بِهِ قَالَ الْأَصْلُ فَهَذَا الْوَجْهُ عِنْدِي هُوَ الْفَرْقُ الصَّحِيحُ، وَيَبْقَى لَفْظُ الْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَيُسْتَغْنَى عَنْ التَّأْوِيلِ وَتَخْطِئَةِ الرَّاوِي، وَمَا سَاعَدَهُ الظَّاهِرُ مِنْ الْأَجْوِبَةِ كَانَ أَسْعَدَهَا وَأَوْلَاهَا، وَهَذَا كَذَلِكَ فَيُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الْفَرْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالْحِسَابِ وَالْآلَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَهِلَّةُ فِي الرَّمَضَانَاتِ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالْحِسَابِ] (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالْحِسَابِ وَالْآلَاتِ وَكُلِّ مَا دَلَّ عَلَيْهَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَهِلَّةِ فِي الرَّمَضَانَاتِ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالْحِسَابِ) ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَبَ زَوَالَ الشَّمْسِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الظُّهْرِ وَبَقِيَّةَ الْأَوْقَاتِ سَبَبًا لِوُجُوبِ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ كَمَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ أَدِلَّةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] أَيْ لِأَجْلِهِ وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هَذَا خَبَرٌ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ حِينَ تُمْسُونَ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَحِينَ تُصْبِحُونَ الصُّبْحُ وَعَشِيًّا الْعَصْرُ وَحِينَ تُظْهِرُونَ الظُّهْرُ، وَالصَّلَاةُ تُسَمَّى سُبْحَةً وَمِنْهُ سُبْحَةُ الضُّحَى أَيْ صَلَاتُهَا فَالْآيَةُ أَمْرٌ بِإِيقَاعِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، فَمَنْ عَلِمَ السَّبَبَ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ لَزِمَهُ حُكْمُهُ فَلِذَلِكَ اُعْتُبِرَ الْحِسَابُ الْمُفِيدُ لِلْقَطْعِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ. وَأَمَّا الْأَهِلَّةُ فَقَالَ الْفُقَهَاءُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى حِسَابُ تَسْيِيرِ الْكَوَاكِبِ عَلَى خُرُوجِ الْهِلَالِ مِنْ الشُّعَاعِ مِنْ جِهَةِ عِلْمِ الْهَيْئَةِ وَإِنْ كَانَ قَطْعِيًّا مُنْضَبِطًا بِسَبَبِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ بِأَنَّ حَرَكَاتِ الْأَفْلَاكِ وَانْتِقَالَاتِ الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ السَّيَّارَةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ: زُحَلٌ شَرَى مِرِّيخَهُ مِنْ شَمْسِهِ ... فَتَزَاهَرَتْ لِعُطَارِدِ الْأَقْمَارُ

يُقَالَ شَارِبُ الْخَمْرِ مَفْسَدَةٌ، وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ شَارِبُ الْخَمْرِ سَاقِطُ الْعَدَالَةِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ شُرْبُ الْخَمْرِ سَاقِطُ الْعَدَالَةِ فَظَهَرَ أَنَّ أَحْكَامَ الصِّفَاتِ لَا تَنْتَقِلُ لِلْمَوْصُوفَاتِ وَأَحْكَامَ الْمَوْصُوفَاتِ لَا تَنْتَقِلُ لِلصِّفَاتِ، وَظَهَرَ أَنَّ النَّهْيَ فِي الصَّوْمِ عَنْ الْمَوْصُوفِ وَفِي الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ عَنْ الصِّفَةِ، وَأَنَّ الْأَحْكَامَ عَلَى إحْدَى الْجِهَتَيْنِ لَا تَنْتَقِلُ لِلْأُخْرَى فَإِنْ قُلْت لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ كَمَا فِي صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ فَهُمَا سَوَاءٌ قُلْت لَا لِأَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ الصَّلَاةَ إذْ وَقَعَتْ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ تُبْرِئُ الذِّمَّةَ. وَقَالُوا إذَا وَقَعَ الصَّوْمُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَيَوْمِ الْفِطْرِ لَا يَنْعَقِدُ قُرْبَةً وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ بِالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ يَقْتَضِي أَنَّهَا انْعَقَدَتْ قُرْبَةً؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَا تَبْرَأُ مِنْ الْوَاجِبِ بِمَا لَيْسَ وَاجِبًا فَضْلًا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ فَتَكُونُ الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ قُرْبَةً وَاجِبَةً مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا صَلَاةٌ لَا مِنْ جِهَةِ اشْتِمَالِهَا عَلَى الْغَصْبِ فَإِنْ قُلْت الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ كِلَاهُمَا قُرْبَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَالنَّهْيُ وَالْمَفْسَدَةُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ أَمْرٍ خَارِجِيٍّ وَهُوَ الزَّمَانُ فِي الصَّوْمِ وَالْمَكَانُ فِي الصَّلَاةِ فَأَنْتَ إذَنْ فَرَّعْت عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْوَصْفِ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْأَصْلِ لَزِمَ ذَلِكَ فِيمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي عُقُودِ الرِّبَا أَنَّ الْوَصْفَ يَبْطُلُ وَيَصِحُّ الْأَصْلُ لِسَلَامَتِهِ عَنْ النَّهْيِ وَالْمَفْسَدَةِ فَيَلْزَمُكَ أَنْ تَلْتَزِمَ مَذْهَبَهُ وَإِنْ فَرَّعْت عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ فَيَلْزَمُك أَنْ تَلْتَزِمَ مَا قَالَهُ فِي إبْطَالِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَبِالثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ وَإِبْطَالِ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ فُرُوعِ الْحَنَابِلَةِ وَأَنْتَ لَمْ تَقُلْ بِهَذَا الْمَذْهَبِ وَلَا بِذَاكَ فَكَانَ مَذْهَبُنَا مُشْكِلًا فَتَحْتَاجُ الْجَوَابَ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ وَإِنْ تُبْطِلْ الْفَرْقَ الَّذِي ذَكَرْته بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَإِنَّك إنْ اعْتَبَرْت الْأَصْلَ وَالْوَصْفَ وَفَرَّقْت بَيْنَهُمَا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَزِمَك الصِّحَّةُ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ وَهُوَ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ وَإِنْ سَوَّيْت كَمَا قَالَهُ أَحْمَد لَزِمَك الْبُطْلَانُ فِيهِمَا، وَعَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى نِظَامٍ وَاحِدٍ طُولَ الدَّهْرِ بِتَقْدِيرِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: 39] . وَقَالَ تَعَالَى {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5] أَيْ هُمَا ذُو حِسَابٍ فَلَا يَنْخَرِمُ ذَلِكَ أَبَدًا كَمَا لَا يَنْخَرِمُ حِسَابُ الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ الصَّيْفُ وَالشِّتَاءُ وَالرَّبِيعُ وَالْخَرِيفُ، وَالْعَوَائِدُ إذَا اسْتَمَرَّتْ أَفَادَتْ الْقَطْعَ كَمَا إذَا رَأَيْنَا شَيْخًا نَجْزِمُ بِأَنَّهُ لَمْ يُولَدْ كَذَلِكَ بَلْ طِفْلًا لِأَجْلِ عَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ جَوَّزَ الْعَقْلُ وِلَادَتَهُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يُعْتَمَدُ فِي خُرُوجِ الْأَهِلَّةِ مِنْ الشُّعَاعِ عَلَى حُصُولِ الْقَطْعِ بِالْحِسَابِ كَمَا اُعْتُمِدَ عَلَيْهِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ بَعْدَ حُصُولِ الْقَطْعِ بِسَبَبِ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ لَمْ يَنْصِبْ خُرُوجَ الْأَهِلَّةِ مِنْ الشُّعَاعِ سَبَبًا لِلصَّوْمِ كَمَا نَصَبَ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ سَبَبًا لِوُجُوبِهَا نَصَبَ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ خَارِجًا مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ أَوْ إكْمَالَ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِخُرُوجِ الْهِلَالِ عَنْ الشُّعَاعِ فَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَلَمْ يَقُلْ لِخُرُوجِهِ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] ثُمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ أَيْ خَفِيَتْ عَلَيْكُمْ رُؤْيَتُهُ فَاقْدِرُوا لَهُ وَفِي رِوَايَةٍ «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ» . قَالَ الْبُنَانِيُّ عَلَى عبق وَفِي الْحَدِيثَيْنِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ أَنَّ الثَّانِيَ تَفْسِيرٌ لِلْأَوَّلِ. وَالثَّانِي لِلطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ نَاسِخٌ، وَأَنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى الْهِلَالِ لَيْلَةَ الْوَاحِدِ وَالثَّلَاثِينَ فَإِنْ سَقَطَ لِسِتَّةِ أَسْبَاعِ سَاعَةٍ فَهُوَ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَإِنْ سَقَطَ لِضِعْفِهَا فَمَا قَبْلَهَا، وَالثَّالِثُ لِابْنِ رُشْدٍ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْأَوَّلِ أَنْ يُنْظَرَ فِي الشُّهُورِ الَّتِي قَبْلَ شَعْبَانَ فَإِنْ تَوَالَى ثَلَاثَةٌ عَلَى الْكَمَالِ حُمِلَ عَلَى النَّقْضِ، وَإِلَّا حُمِلَ عَلَى الْكَمَالِ وَهُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ الثَّانِي قَالَ الْحَطَّابُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا غُبَارَ عَلَيْهِ اهـ. وَقَدْ تَبِعَ عج فِي قَوْلِهِ لَا يَتَوَالَى النَّقْصُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ الشُّهُورِ يَا فَطِنُ كَذَا تَوَالِي خَمْسَةٍ مُكَمِّلَةٍ هَذَا الصَّوَابُ وَسِوَاهُ أَبْطِلْهُ لِابْنِ رُشْدٍ إلَّا أَنَّ فِيهِ بَعْضَ مُخَالَفَةٍ لَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ هَذَا الصَّوَابُ إلَخْ لِكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَالطَّحَاوِيِّ لَا كَمَا فَهِمَ عبق وَمَحِلُّ ثُبُوتِ رَمَضَانَ بِكَمَالِ شَعْبَانَ إذَا لَمْ تَكُنْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً لَيْلَةَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، وَقَدْ كَانَ هِلَالُ شَعْبَانَ ثَبَتَ بِرُؤْيَةِ عَدْلَيْنِ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ مِنْ رَجَبٍ وَإِلَّا فَلَا يَثْبُتُ بِكَمَالِ شَعْبَانَ لِتَكْذِيبِ الشَّاهِدَيْنِ أَوَّلًا كَمَا فِي خش، وَهُوَ صَحِيحٌ اهـ بِتَصَرُّفٍ وَلَا دَلَالَةَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ لِمَا مَرَّ أَوَّلَ الْكِتَابِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ مِنْ أَنَّ شَهِدَ فِيهِ بِمَعْنَى حَضَرَ. قَالَ وَالتَّقْدِيرُ فَمَنْ حَضَرَ مِنْكُمْ الْمِصْرَ فِي الشَّهْرِ فَلْيَصُمْهُ أَيْ حَاضِرًا مُقِيمًا احْتِرَازًا مِنْ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ، وَإِذَا كَانَ شَهِدَ بِمَعْنَى حَضَرَ لَا بِمَعْنَى شَاهَدَ وَرَأَى لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اعْتِبَارِ الرُّؤْيَةِ وَلَا عَلَى اعْتِبَارِ الْحِسَابِ أَيْضًا فَإِنَّ الْحُضُورَ فِي الشَّهْرِ أَيْضًا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ ثَبَتَ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِالْحِسَابِ فَالْحَقُّ مِنْ تَرْدِيدِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي اعْتِبَارِ دَلَالَةِ الْحِسَابِ عَلَى خُرُوجِ الْهِلَالِ مِنْ الشُّعَاعِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهِ مَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبَيْنِ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِهِ حَتَّى قَالَ سَنَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى الْحِسَابَ فَأَثْبَتَ الْهِلَالَ بِهِ لَمْ يَتَّبِعْ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى خِلَافِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَصَاحِبُ الشَّرْعِ نَصَبَ تَحْقِيقَ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ سَبَبًا لِوُجُوبِهَا بِحَيْثُ لَا يَكُونُ الْحِسُّ دَالًّا عَلَى

[الفرق بين قاعدة الصلوات في الدور المغصوبة تنعقد قربة]

التَّقْدِيرَيْنِ بَطَلَ مَا حَاوَلْته مِنْ الْفَرْقِ قُلْت سُؤَالَاتٌ حَسَنَةٌ وَالْجَوَابُ عَنْهَا أَنِّي أَلْتَزِمُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ وَلَا أُسَوِّي كَمَا قَالَتْهُ الْحَنَابِلَةُ. وَلَا يَلْزَمُنِي عُقُودُ الرِّبَ بِسَبَبِ أَنَّ انْتِقَالَ الْإِمْلَاكِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ يَعْتَمِدُ الرِّضَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» ، وَصَاحِبُ الدِّرْهَمِ أَوْ الصَّاعِ مِنْ الْبُرِّ مَا رَضِيَ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ مِلْكِهِ إلَّا مُقَابَلًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ صَاعَيْنِ فَإِذَا أَسْقَطْنَا أَحَدَ الدِّرْهَمَيْنِ أَوْ أَحَدَ الصَّاعَيْنِ بَطَلَ مَا حَصَلَ بِهِ الرِّضَا، وَنَقْلُ الْمِلْكِ بِغَيْرِ رِضًا لَا يَجُوزُ وَيَلْزَمُ أَيْضًا نَقْلُ الْمِلْكِ بِغَيْرِ عَقْدٍ فَإِنَّ مُتَعَلِّقَ الْعَقْدِ وَمُقْتَضَاهُ إنَّمَا هُوَ هَذَا الْمَجْمُوعُ إمَّا دِرْهَمٌ بِدِرْهَمٍ فَلَمْ يَقْتَضِهِ الْعَقْدُ بَلْ اقْتَضَى عَدَمَهُ فَإِنَّ مَفْهُومَ قَوْلِ الْقَائِلِ بِعْتُك دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الْعَقْدُ يَكُونُ نَقْلُ الْمِلْكِ بِغَيْرِ رِضًا وَلَا عَقْدٍ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ مُوجَبُ الْأَمْرِ بِجُمْلَتِهِ وُجِدَ فِي الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنَّ الْآمِرَ بِالصَّلَاةِ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا عَدَمَ الْغَصْبِ بَلْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْغَصْبَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ عَدَمَ الصَّلَاةِ، وَأَوْجَبَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ عَدَمَ الْغَصْبِ فَقَدْ وُجِدَ مُقْتَضَى الْأَمْرِ بِجُمْلَتِهِ وَمُقْتَضَى النَّهْي بِجُمْلَتِهِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُمَا وَأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُقْتَضَاهُ كَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ السَّرِقَةَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ عَدَمَ الصَّلَاةِ، وَأَوْجَبَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا عَدَمَ السَّرِقَة فَإِذَا سَرَقَ فِي صَلَاتِهِ فَقَدْ وُجِدَ مُوجَبُ الْأَمْرِ بِجُمْلَتِهِ وَمُوجَبُ النَّهْيِ بِجُمْلَتِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقْتَضَاهُ فَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِالصَّلَاةِ، وَنَقْطَعُهُ لِلسَّرِقَةِ عَمَلًا بِتَحَقُّقِ السَّبَبَيْنِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعُقُودِ وَمُقْتَضَيَاتِهَا وَبَيْنَ الْأَوَامِرِ وَمُوجَبَاتِهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ النَّظَرِ الْجَمِيلِ وَالْبَحْثِ الدَّقِيقِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرْته مِنْ سُقُوطِ الْفَرْقِ بِسَبَبِ أَنَّهُمَا قُرْبَتَانِ فِي أَنْفُسِهِمَا، وَالنَّهْيُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ أَمْرٍ خَارِجِيٍّ فَأَقُولُ وُرُودُ النَّهْيِ عَنْ الْعِبَادَةِ الْمَوْصُوفَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِبَادَةَ الْمَوْصُوفَةَ عَرِيَّةٌ عَنْ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي فِي الْعِبَادَةِ الَّتِي لَيْسَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَدَمِ دُخُولِ الْوَقْتِ بِأَنْ يَرَى الْإِنْسَانُ الظِّلَّ عِنْدَ الزَّوَالِ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ جِهَتَيْ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا مَائِلًا لِجِهَةِ الْمَشْرِقِ، أَوْ لَا يَجِدُ الْإِنْسَانُ لِلْفَجْرِ أَثَرًا أَلْبَتَّةَ مَعَ كَوْنِ الْأُفُقِ صَاحِيًا لَا يَخْفَى فِيهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ لَوْ طَلَعَ فَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْمُؤَذِّنِينَ وَأَرْبَابِ الْمَوَاقِيتِ مِنْ تَسْيِيرِ دَرَجِ الْفَلَكِ فَإِذَا شَاهَدُوا مَا يَقْتَضِي مِنْ دَرَجِ الْفَلَكِ الْمُتَوَسِّطِ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّ الْفَجْرَ طَلَعَ أَمَرُوا النَّاسَ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ. وَإِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ لَا يَجِدُ لِلْفَجْرِ أَثَرًا أَلْبَتَّةَ وَالْأُفُقُ صَاحٍ لَا يَخْفَى فِيهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ لَوْ طَلَعَ مُشْكِلٌ، وَنَصَبَ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ خَارِجًا مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ أَوْ إكْمَالَ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ سَبَبًا لِوُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ، وَلَمْ يَنْصِبْ تَحْقِيقَ الْخُرُوجِ بِدُونِ رُؤْيَتِهِ كَمَا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ سَبَبًا لِذَلِكَ فَاشْتَرَطَ فِي سَبَبِيَّةِ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ التَّحْقِيقَ دُونَ الرُّؤْيَةِ وَفِي سَبَبِيَّةِ الْهِلَالِ الرُّؤْيَةَ دُونَ مُجَرَّدِ التَّحْقِيقِ إلَّا أَنَّ جَعْلَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْأَحْنَافِ وَالْحَنَابِلَةِ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ فِي جَعْلِهِمْ لِكُلِّ قَوْمٍ رُؤْيَتَهُمْ مَعَ اتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ فَجْرَهُمْ وَزَوَالَهُمْ وَعَصْرَهُمْ وَمَغْرِبَهُمْ وَعِشَاءَهُمْ نَظَرًا لِسُكُونِ الْفَجْرِ إذَا طَلَعَ عَلَى قَوْمٍ يَكُونُ عِنْدَ آخَرِينَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَعِنْدَ آخَرِينَ نِصْفَ النَّهَارِ وَعِنْدَ آخَرِينَ غُرُوبَ الشَّمْسِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْقَاتِ مُشْكِلٌ إذْ لَا فَارِقَ بَيْنَ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ ضَرُورَةَ أَنَّ مَا مِنْ دَرَجَةٍ تَطْلُعُ مِنْ الْفَلَكِ أَوْ تَتَوَسَّطُ أَوْ تَغْرُبُ إلَّا وَفِيهَا جَمِيعُ الْأَوْقَاتِ بِحَسَبِ آفَاقٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَقْطَارٍ مُتَبَايِنَةٍ حَتَّى إنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْفُقَهَاءِ أَشْكَلَتْ عَلَيْهِمْ مَسْأَلَةُ أَخَوَيْنِ مَاتَا عِنْدَ الزَّوَالِ أَحَدُهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَالْآخَرُ بِالْمَغْرِبِ أَيُّهُمَا يَرِثُ صَاحِبَهُ فَأَفْتَى الْفُضَلَاءُ مِنْهُمْ بِنَاءً عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ بِأَنَّ الْمَغْرِبِيَّ يَرِثُ الْمَشْرِقِيَّ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْمَشْرِقِ قَبْلَ زَوَالِ الْمَغْرِبِ فَالْمَشْرِقِيُّ مَاتَ أَوَّلًا فَيَرِثُهُ الْمَغْرِبِيُّ الْمُتَأَخِّرُ لِبَقَائِهِ بَعْدَهُ حَيًّا مُتَأَخِّرَ الْحَيَاةِ نَعَمْ قُدِّمَ هَذَا الْإِشْكَالُ فِي الْفَرْقِ الْأَوَّلِ مُوَضَّحًا، وَمَرَّ جَوَابُهُ بِهِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَمَنْقَعٌ لِمَنْ لَهُ قَلْبٌ وَمَسْمَعٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّلَوَاتُ فِي الدُّورِ الْمَغْصُوبَةِ تَنْعَقِدُ قُرْبَةً] (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّلَوَاتِ فِي الدُّورِ الْمَغْصُوبَةِ تَنْعَقِدُ قُرْبَةً بِخِلَافِ الصِّيَامِ فِي أَيَّامِ الْأَعْيَادِ وَالْجَمِيعُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ) اعْلَمْ رَحِمَك اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الشَّارِعَ وَضَعَ بَعْضَ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِ لِأَحْكَامٍ مَقْصُودَةٍ كَالصَّوْمِ لِلثَّوَابِ وَالْبَيْعِ لِلْمِلْكِ، وَقَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَعَنْ بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ فَاخْتَلَفَ الْمُجْتَهِدُونَ فِي بَقَاءِ ذَلِكَ الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ فِي الْمَوَاضِعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فَيَكُونُ الصَّوْمُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ مَنَاطًا لِلثَّوَابِ وَفِي ارْتِفَاعِهِ فِيهَا فَلَا يَكُونُ الصَّوْمُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ مَنَاطًا لِلثَّوَابِ، فَحَكَمَ بِالِارْتِفَاعِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى نَظَرًا لِكَوْنِ النَّهْيِ عَنْ الْعِبَادَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِكَوْنِهَا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْحَالَةِ الْمُعَيَّنَةِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَزْمِنَةِ أَوْ الْحَالَاتِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ عَلَى قَوَاعِدِهِمَا أَنْ يَكُونَ عَدَمُ ذَلِكَ الْوَصْفِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ فَحَيْثُ وَقَعَتْ مَوْصُوفَةً بِهِ وَقَعَتْ فَاسِدَةً لِعَيْنِهَا أَيْ لِذَاتِهَا وَمَاهِيَّتِهَا؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ فُقِدَ شَرْطُهَا، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مَا فَقَدَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَاتِيًّا كَالرُّكْنِ أَوْ عَرَضِيًّا كَالشَّرْطِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَفَاسِدٌ وَحَكَمَ بِعَدَمِ الِارْتِفَاعِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَظَرًا لِكَوْنِ النَّهْيِ

مَوْصُوفَةً بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَالْأَوَامِرُ تَتْبَعُ الْمَصَالِحَ فَإِذَا ذَهَبَتْ الْمَصْلَحَةُ ذَهَبَ الطَّلَبُ وَالْأَمْرُ، وَإِذَا ذَهَبَ الطَّلَبُ لَمْ يَبْقَ لِلصَّوْمِ قُرْبَةٌ وَفِي الصَّلَاةِ لَمْ يُنْهَ عَنْهَا أَصْلًا إنَّمَا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الصِّفَةِ خَاصَّةً الَّتِي هِيَ الْغَصْبُ فَبَقِيَتْ الصَّلَاةُ عَلَى حَالِهَا مُشْتَمِلَةً عَلَى مَصْلَحَةِ الْأَمْرِ فَكَانَ الْأَمْرُ ثَابِتً فَكَانَتْ قُرْبَةً فَظَهَرَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ وَالْفِطْرِ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَالصَّلَاةَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ قُرْبَةٌ، وَبِذَلِكَ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَانْدَفَعَتْ الْإِشْكَالَاتُ كُلُّهَا. (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَنَّ الْفِعْلَ مَتَى دَارَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ فُعِلَ وَمَتَى دَارَ بَيْنَ النَّدْبِ وَالتَّحْرِيمِ تُرِكَ تَقْدِيمًا لِلرَّاجِحِ عَلَى الْمَرْجُوحِ، وَبَيْنَ قَاعِدَةِ يَوْمُ الشَّكِّ هَلْ هُوَ مِنْ رَمَضَانَ أَمْ لَا) فَإِنَّهُ يَحْرُمُ صَوْمُهُ مَعَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَهُوَ مَنْدُوبٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ وَاجِبٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ صَوْمُهُ، وَبِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَمَسَّكَ الْحَنَابِلَةُ فِي صَوْمِهِ عَلَى وَجْهِ الِاحْتِيَاطِ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَصُومُهُ احْتِيَاطًا لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ ثُمَّ إنَّا نَاقَضْنَا قَاعِدَتَنَا فَقُلْنَا مَنْ شَكَّ فِي الْفَجْرِ لَا يَأْكُلُ وَيَصُومُ مَعَ أَنَّهُ شَاكٌّ فِي طَرَيَان الصَّوْمِ كَمَا شَكَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ فِي طَرَيَان الصَّوْمِ فِيهِمَا سَوَاءٌ فَإِنْ قُلْنَا بِالصَّوْمِ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَهُوَ إشْكَالٌ آخَرُ، وَيَحْتَاجُ إلَى الْفُرُوقِ الْقَادِحَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَنَّ الْفِعْلَ مَتَى دَارَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ فُعِلَ، وَمَتَى دَارَ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالنَّدْبِ تُرِكَ تَقْدِيمًا لِلرَّاجِحِ عَلَى الْمَرْجُوحِ، وَبَيْنَ قَاعِدَةِ يَوْمِ الشَّكِّ هَلْ هُوَ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ لَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ صَوْمُهُ مَعَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَهُوَ مَنْدُوبٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ وَاجِبٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ صَوْمُهُ إلَى قَوْلِهِ: وَيُحْتَاجُ إلَى الْفُرُوقِ الْقَادِحَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ) . قُلْت ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْعِبَادَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى قَوَاعِدِهِ عَلَى اخْتِلَالِ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ ذَلِكَ الْوَصْفِ شَرْطًا حَتَّى يَكُونَ النَّهْيُ عَنْهُ لِعَيْنِهِ. وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ الْفِعْلَ الشَّرْعِيَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ إنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قُبْحَهُ لِعَيْنِهِ أَيْ لِفَقْدِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ عَيْنُهُ وَذَاتُهُ وَمَاهِيَّتُهُ ذَاتِيًّا كَالرُّكْنِ أَوْ عَرَضِيًّا كَالشَّرْطِ فَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا فِي الصَّلَاةِ بِدُونِ بَعْضِ الشُّرُوطِ أَوْ الْأَرْكَانِ وَكَمَا فِي بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ، وَهِيَ مَا فِي الْبُطُونِ مِنْ الْأَجِنَّةِ لِانْعِدَامِ رُكْنِ الْمَبِيعِ مِنْ الْبَيْعِ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَكَمَا فِي صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْوُقُوعِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلنَّاسِ فِيهِ، وَكَمَا فِي بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى كَمَا عَلِمْت، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ النَّهْيُ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَى النَّفْيِ مَجَازًا؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَصَوَّرَ الْوُجُودِ بِحَيْثُ لَوْ قُدِّمَ عَلَيْهِ لَوُجِدَ حَتَّى يَكُونَ الْعَبْدُ مُبْتَلًى بَيْنَ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى الْفِعْلِ فَيُعَاقَبَ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُفَّ عَنْ الْفِعْلِ فَيُثَابَ بِامْتِنَاعِهِ وَإِنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قُبْحَهُ لِغَيْرِهِ فَذَلِكَ الْغَيْرُ إنْ كَانَ مُجَاوِرًا كَالصَّلَوَاتِ فِي الدُّورِ الْمَغْصُوبَةِ فَهُوَ صَحِيحٌ مَكْرُوهٌ فَيَنْعَقِدُ قُرْبَةً عَلَى مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَنْعَقِدُ قُرْبَةً، وَيَجِبُ الْقَضَاءُ وَإِنْ كَانَ وَصْفًا كَمَا فِي صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ نُهِيَ عَنْ إيقَاعِهِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ لِلْإِعْرَاضِ بِصَوْمِهِ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِلنَّاسِ بِلُحُومِ الْأَضَاحِيِّ الَّتِي شَرَعَهَا فِيهِ وَكَمَا فِي بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الزِّيَادَةِ فَيَأْثَمُ بِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ فَقْدَ الْوَصْفِ شَرْطًا كَمَا عَلِمْت فَمَنْ نَذَرَ عِنْدَهُ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ بِأَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ نَذَرَ صَوْمَ غَدٍ فَوَافَقَ يَوْمَ النَّحْرِ صَحَّ نَذْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ فِي فِعْلِهِ دُونَ نَذْرِهِ وَيُؤْمَرُ بِفِطْرِهِ وَقَضَائِهِ لِيَتَخَلَّصَ عَنْ الْمَعْصِيَةِ وَيَفِيَ بِالنَّذْرِ، وَلَوْ صَامَهُ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ نَذْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الصَّوْمَ كَمَا الْتَزَمَهُ وَمَنْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ فَإِنْ كَانَ بِالْمَجْلِسِ وَجَبَ عَلَيْهِ إمَّا الْفَسْخُ أَوْ رَدُّ الزِّيَادَةِ، وَعَادَ صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَقَرُّرِ الْفَسَادِ بِالْقَبْضِ فَلَا يَعُودُ صَحِيحًا بِرَدِّ الزِّيَادَةِ فَقَدْ اُعْتُدَّ بِالصَّوْمِ وَالْبَيْعِ الْمَذْكُورَيْنِ لِكَوْنِهِمَا فَاسِدَيْنِ بَاطِلَيْنِ إذْ الْبَاطِلُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ اتِّفَاقًا وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لِإِرْجَاعِهِمَا ذَلِكَ إلَى النَّهْيِ عَنْ الذَّاتِ بِأَنْ يَجْعَلَا فَقْدَ الْوَصْفِ شَرْطًا كَمَا عَلِمْت. قَالَ صَاحِبُ الطَّرِيقَةِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ عَنْ الصَّوْمِ فَإِرْجَاعُهُ إلَى غَيْرِهِ عُدُولٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ أَنَّ قُبْحَهُ لِعَيْنِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَبَاطِلٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ حَتَّى لَا يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّهْيِ اقْتِضَاءُ الْفَسَادِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِحُّ بِأَصْلِهِ إذْ لَا قَرِينَةَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي النَّفْيِ مَجَازًا، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ وَلَا يَفْسُدُ بِوَصْفِهِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْقُبْحَ لِوَصْفِهِ أَفَادَهُ الشِّرْبِينِيُّ عَنْ التَّفْتَازَانِيِّ مَعَ تَوْضِيحٍ وَزِيَادَةٍ مِنْ الْأَصْلِ وَمُحَلَّيْ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَالْعَطَّارِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ بِكَوْنِ النَّهْيِ عَنْ الْعِبَادَةِ لِمُجَاوِرِهَا لَا يُوجِبُ الْبُطْلَانَ عَلَى مَشْهُورِ مَالِكٍ وَقَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى خِلَافًا لِابْنِ حَنْبَلٍ وَابْنِ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَالنَّهْيُ عَنْهَا لِعَيْنِهَا يُوجِبُ الْبُطْلَانَ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لِوَصْفِهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِرُجُوعِهِ إلَى النَّهْيِ عَنْ الذَّاتِ بِجَعْلِ فَقْدِ الْوَصْفِ شَرْطًا

[الفرق بين قاعدة أن الفعل متى دار بين الوجوب والندب فعل وبين قاعدة يوم الشك هل هو من رمضان]

أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْجَوَابُ عَنْهُ وَهُوَ الْفَرْقُ الْمَقْصُودُ هَاهُنَا أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ عِنْدَنَا دَائِرٌ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالنَّدْبِ فَتَعَيَّنَ التَّرْكُ إجْمَاعًا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالنَّدْبِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ الْجَازِمَةَ شَرْطٌ وَهِيَ هَاهُنَا مُتَعَذِّرَةٌ، وَكُلُّ قُرْبَةٍ بِدُونِ شَرْطِهَا حَرَامٌ فَصَوْمُ هَذَا الْيَوْمِ حَرَامٌ فَإِنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ حَرَامٌ لِعَدَمِ شَرْطِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَهُوَ مَنْدُوبٌ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالنَّدْبِ لَا بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ، وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» . وَأَمَّا الثَّانِي فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ رَمَضَانَ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنَّمَا الْأَكْلُ بِاللَّيْلِ رُخْصَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ فِي صَوْمِ جَمِيعِ الشَّهْرِ فَالْأَصْلُ فِي اللَّيْلِ الصَّوْمُ، وَكَذَلِكَ كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ رُخِّصَ فِيهِ فَكَانَ مَنْ نَامَ لَا يَحِلُّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَطْءُ امْرَأَتِهِ حَتَّى نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] ، ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَهُوَ مَنْدُوبٌ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ بَلْ هُوَ مِنْ شَعْبَانَ لَا عَلَى الْقَطْعِ بَلْ عَلَى الشَّكِّ، وَهُوَ مَمْنُوعُ الصَّوْمِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ، وَعَلَى هَذَا الْإِشْكَالُ فِي قَوْلِنَا بِالْمَنْعِ مِنْ صَوْمِهِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْحَنَابِلَةِ فَصَوْمُهُ عَلَى وَجْهِ الِاحْتِيَاطِ فَجَارٍ عَلَى قَاعِدَةِ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ، وَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْحَدِيثِ عِنْدَهُمْ. قَالَ: (أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْجَوَابُ عَنْهُ وَهُوَ الْفَرْقُ الْمَقْصُودُ هَاهُنَا إلَى قَوْلِهِ «فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» ) قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ التَّحْرِيمِ لِتَعَذُّرِ النِّيَّةِ الْجَازِمَةِ وَبَيْنَ النَّدْبِ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَتْ النِّيَّةُ الْجَازِمَةُ شَرْطًا إلَّا مَعَ عَدَمِ تَعَذُّرِهَا، وَمَا ذَكَرَهُ لَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ بِحُجَّةٍ فَلَا يَبْقَى إلَّا الْحَدِيثُ إنْ صَحَّ. قَالَ: (وَأَمَّا الثَّانِي فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ رَمَضَانَ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنَّمَا الْأَكْلُ بِاللَّيْلِ رُخْصَةٌ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQخِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَابْنِ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَإِنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَشْهُورِ مَالِكٍ وَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَعِنْدَهُمَا نَذْرُ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ لَا يَنْعَقِدُ وَنَذْرُ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ الصَّلَاةَ إذَا وَقَعَتْ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ تُبْرِئُ الذِّمَّةَ وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ بِهَا يَقْتَضِي أَنَّهَا انْعَقَدَتْ قُرْبَةً؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَا تَبْرَأُ مِنْ الْوَاجِبِ بِمَا لَيْسَ وَاجِبًا فَضْلًا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ فَتَكُونُ الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ قُرْبَةً وَاجِبَةً مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا صَلَاةٌ لَا مِنْ جِهَةِ اشْتِمَالِهَا عَلَى الْغَصْبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا الْتَزَمَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْوَصْفِ وَالْمُجَاوِرِ بِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ لِمُجَاوِرِهِ يُوجَدُ بِفِعْلِهِ مُوجَبُ الْأَمْرِ بِجُمْلَتِهِ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالصَّلَاةِ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا عَدَمُ الْغَصْبِ بَلْ أَوْجَبَهَا، وَلَمْ يُشْتَرَطْ عَدَمُهُ فِيهَا وَالنَّاهِي عَنْ الْغَصْبِ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ عَدَمَ الصَّلَاةِ بَلْ حَرَّمَهُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَدَمَهَا فِيهِ فَكُلٌّ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وُجِدَ مُقْتَضَاهُ بِجُمْلَتِهِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُمَا، وَأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُقْتَضَاهُ، وَأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ لِوَصْفِهِ لَا يُوجَدُ بِفِعْلِهِ مُوجَبُ الْأَمْرِ بِجُمْلَتِهِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، وَهُوَ عَدَمُ الْوَصْفِ فَصَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ مَأْمُورٌ بِهِ وَمَنْهِيٌّ عَنْ إيقَاعِهِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ فَيَكُونُ عَدَمُ إيقَاعِهِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ شَرْطًا فِيهِ لَا يُوجَدُ بِفِعْلِهِ مُوجَبُ الْأَمْرِ إلَّا بِتَحَقُّقِهِ وَالْتُزِمَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْوَصْفِ كَمَا عَلِمْت. وَالْتَزَمَ أَحْمَدُ وَابْنُ حَبِيبٍ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْوَصْفِ وَالْمُجَاوِرِ وَأَبُو حَنِيفَةَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْوَصْفِ فَاتَّضَحَ الْفَرْقُ، وَظَهَرَ انْدِفَاعُ مَا أُورِدَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ الْأَصْلُ وَالْوَصْفُ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لَزِمَ الصِّحَّةُ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ وَهُوَ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ وَإِنْ اُعْتُبِرَ الْأَصْلُ وَالْوَصْفُ وَسُوِّيَ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَهُ أَحْمَدُ لَزِمَ الْبُطْلَانُ فِيهِمَا وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَبْطُلُ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَنَّ الْفِعْلَ مَتَى دَارَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ فُعِلَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ يَوْمُ الشَّكِّ هَلْ هُوَ مِنْ رَمَضَانَ] (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَنَّ الْفِعْلَ مَتَى دَارَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ فُعِلَ وَمَتَى دَارَ بَيْنَ النَّدْبِ وَالتَّحْرِيمِ تُرِكَ تَقْدِيمًا لِلرَّاجِحِ عَلَى الْمَرْجُوحِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ يَوْمُ الشَّكِّ هَلْ هُوَ مِنْ رَمَضَانَ أَمْ لَا) اعْتَبَرَ الْمُجْتَهِدُونَ كُلًّا مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ الْفِعْلَ مَتَى دَارَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ فُعِلَ وَقَاعِدَةِ أَنَّ الْفِعْلَ مَتَى دَارَ بَيْنَ النَّدْبِ وَالتَّحْرِيمِ تُرِكَ تَقْدِيمًا لِلرَّاجِحِ، وَهُوَ دَرْءُ الْمَفَاسِدِ عَلَى الْمَرْجُوحِ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْمَصَالِحِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ وَالْوُجُوبَ يَعْتَمِدُ الْمَصَالِحَ، وَعِنَايَةُ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَالْعُقَلَاءِ بِدَرْءِ الْمَفَاسِدِ أَشَدُّ مِنْ عِنَايَتِهِمْ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ، وَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ حَدِيثُ «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» لِقَوْلِ ابْنِ عَابِدِينَ لَا أَصْلَ لِرَفْعِهِ، وَإِنَّمَا يُرْوَى مَوْقُوفًا عَلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. وَأَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلِّقًا بِقَوْلِهِ وَقَالَ صِلَةُ عَنْ عَمَّارٍ مَنْ صَامَ إلَخْ تَمَسَّكُوا فِي وُجُوبِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ احْتِيَاطًا بِأَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ هَلْ صُمْت مَنْ سِرَرِ شَعْبَانَ قَالَ لَا قَالَ إذَا أَفْطَرْت فَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ» وَسِرَرُ الشَّهْرِ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا آخِرُهُ كَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَجُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ لِاسْتِمْرَارِ الْقَمَرِ فِيهِ أَيْ إخْفَائِهِ، وَرُبَّمَا كَانَ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ كَذَا أَفَادَهُ فِي حَاشِيَةِ الدُّرَرِ اهـ مِنْ حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ. الْأَمْرُ الثَّانِي الْقَاعِدَةُ الْأُولَى لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ

فَأَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُفْطِرَاتِ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ رُخْصَةً، وَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ فِي اللَّيْلِ الصَّوْمَ ثُمَّ اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ اللَّيْلُ الْمُتَيَقَّنُ بَقِيَ الْمَشْكُوكُ فِيهِ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ فَلِذَلِكَ قُلْنَا بِوُجُوبِ صَوْمِهِ، وَشَعْبَانُ الْأَصْلُ فِيهِ الْفِطْرُ عَلَى عَكْسِ لَيْلِ رَمَضَانَ فَنُفْطِرُهُ حَتَّى نَتَيَقَّنَ مُوجِبَ الصَّوْمِ فَهُوَ عَكْسُ لَيْلِ الصَّوْمِ فَظَهَرَ الْجَوَابُ وَالْفَرْقُ وَمِنْ هَذَا الْمَنْزَعِ إذَا شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا مَعَ أَنَّهَا دَائِرَةٌ بَيْنَ الرَّابِعَةِ الْوَاجِبَةِ وَالْخَامِسَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَإِذَا تَعَارَضَ الْوَاجِبُ وَالْمُحَرَّمُ قُدِّمَ الْمُحَرَّمُ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ. وَالْوُجُوبَ يَعْتَمِدَ الْمَصَالِحَ وَعِنَايَةُ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَالْعُقَلَاءِ بِدَرْءِ الْمَفَاسِدِ أَشَدُّ مِنْ عِنَايَتِهِمْ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ، وَكَذَلِكَ إذَا شَكَّ فِي وُضُوئِهِ هَلْ هِيَ ثَانِيَةٌ أَوْ ثَالِثَةٌ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ ثَالِثَةً مَعَ دَوَرَانِهَا بَيْنَ الثَّالِثَةِ الْمَنْدُوبَةِ وَالرَّابِعَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَهَاهُنَا التَّرْكُ أَظْهَرُ مِنْ الشَّكّ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْمَنْدُوبَ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْ الْوَاجِبِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَوْضِعُ اتِّفَاقٍ فِيمَا عَلِمْت بِخِلَافِ الْوُضُوءِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ فِي الْخَامِسَةِ مَشْرُوطٌ بِتَيَقُّنِ الرَّابِعَةِ أَوْ ظَنِّهَا، وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْصُلْ التَّحْرِيمُ بَلْ اُسْتُصْحِبَ الْوُجُوبُ مِنْ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى وُجُوبِ الْأَرْبَعِ ـــــــــــــــــــــــــــــSفَظَهَرَ الْجَوَابُ وَالْفَرْقُ) . قُلْت: لَيْسَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي اللَّيْلِ الصَّوْمُ بِصَحِيحٍ، وَإِنَّمَا كَانَ الْمَمْنُوعُ بِاللَّيْلِ الْأَكْلَ وَالْوَطْءَ بَعْدَ النَّوْمِ خَاصَّةً، أَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ مَا قَبْلُ فَلَا، ثُمَّ إنَّ جَوَابَهُ مُعَارِضٌ لِلنَّصِّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] فَنَصَّ عَلَى أَنَّ الْغَايَةَ تَبَيُّنُ الْفَجْرِ، وَمَا رَأَى الْمَالِكِيَّةُ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ فِي وُجُوبِ إمْسَاكِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ ذَهَبُوا إلَى مُخَالَفَةِ الْآيَةِ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ، بَلْ حَمَلُوا الْآيَةَ عَلَى الْمُرَاقِبِ لِلْفَجْرِ وَهُوَ قَلِيلٌ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ فَأَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ، وَهُوَ عَدَمُ الْمُرَاقَبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَا قَالَهُ فِي الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ بَعْدَ هَذَا صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَمَضَانَ فَهُوَ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَهُوَ مَنْدُوبٌ وَلَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ الْجَازِمَةُ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ تَعَذُّرِهَا قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ وَشَرْحِهِ كَشَّافِ الْقِنَاعِ وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ أَيْ مَطْلَعِ الْهِلَالِ غَيْمٌ أَوْ قَتَرٌ أَوْ غَيْرُهُمَا كَالدُّخَانِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ لَمْ يَجِبْ صَوْمُهُ قَبْلَ رُؤْيَةِ هِلَالِهِ أَوْ إكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا نَصًّا وَلَا يَثْبُتُ بَقِيَّةُ تَوَابِعِهِ كَصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَوُجُوبِ الْإِمْسَاكِ عَلَى مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَأَصْحَابُهُ وَجَمَعَ مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ، وَذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ وَصَاحِبُ التَّبْصِرَةِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْمَذْهَبُ يَجِبُ صَوْمُهُ أَيْ صَوْمُ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إنْ حَالَ دُونَ مَطْلَعِهِ غَيْمٌ أَوْ قَتَرٌ وَنَحْوُهُمَا بِنِيَّةِ رَمَضَانَ حُكْمًا ظَنِّيًّا بِوُجُوبِهِ احْتِيَاطًا لَا يَقِينًا. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيِّ وَأَكْثَرُ شُيُوخِ أَصْحَابِنَا وَنُصُوصُ أَحْمَدَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَابْنِهِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَمُعَاوِيَةَ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ بِنْتَيْ أَبِي بَكْرٍ وَقَالَهُ جَمْعٌ مِنْ التَّابِعِينَ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا قَالَ «إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» مُتَّفَقٌ وَمَعْنَى «فَاقْدُرُوا لَهُ» أَيْ ضَيِّقُوا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7] أَيْ ضُيِّقَ وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ شَعْبَانُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ اُقْدُرُوا زَمَانًا يَطْلُعُ فِي مِثْلِهِ الْهِلَالُ وَهَذَا الزَّمَانُ يَصِحُّ وُجُودُهُ فِيهِ أَوْ يَكُونَ مَعْنَاهُ فَاعْلَمُوا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ أَنَّهُ تَحْتَ الْغَيْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} [النمل: 57] أَيْ عَلِمْنَاهَا مَعَ أَنَّ بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ قَالُوا الشَّهْرُ أَصْلُهُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إذَا مَضَى مِنْ شَعْبَانَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا بَعَثَ مَنْ يَنْظُرُ لَهُ فَإِنْ رَآهُ فَذَاكَ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلَا قَتَرٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرٌ أَصْبَحَ صَائِمًا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ رَاوِي الْخَبَرِ وَأَعْلَمُ بِمَعْنَاهُ فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ كَمَا رَجَعَ إلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ يُؤَكِّدُهُ قَوْلُ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ لَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، وَلِأَنَّهُ يُحْتَاطُ لَهُ وَيَجِبُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَيَجْزِيهِ صَوْمُ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ حِينَئِذٍ إنْ بَانَ مِنْهُ أَيْ مِنْ رَمَضَانَ بِأَنْ تَثْبُتَ رُؤْيَتُهُ بِمَكَانٍ آخَرَ لِأَنَّ صِيَامَهُ وَقَعَ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ قِيلَ لِلْقَاضِي لَا يَصِحُّ إلَّا بِنِيَّةٍ وَمَعَ الشَّكِّ فِيهَا لَا يُجْزَمُ بِهَا فَقَالَ لَا يُمْنَعُ التَّرَدُّدُ فِيهَا لِلْحَاجَةِ كَالْأَسِيرِ وَصَلَاةٍ مِنْ خَمْسٍ وَتُصَلَّى التَّرَاوِيحُ لَيْلَتئِذٍ احْتِيَاطًا لِلسُّنَّةِ. قَالَ أَحْمَدُ الْقِيَامُ قَبْلَ الصِّيَامِ وَتَثْبُتُ بَقِيَّةُ تَوَابِعِهِ أَيْ الصَّوْمِ مِنْ وُجُوبِ كَفَّارَةٍ بِوَطْءٍ فِيهِ وَنَحْوِهِ كَوُجُوبِ الْإِمْسَاكِ عَلَى مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ النِّيَّةَ لِتَبَعِيَّتِهَا لِلصَّوْمِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ بِأَنْ لَمْ يَرَ مَعَ الصَّحْوِ هِلَالَ شَوَّالٍ بَعْدَ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي غُمَّ فِيهَا هِلَالُ رَمَضَانَ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ بِالْوَطْءِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَا تَثْبُتُ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ مِنْ حُلُولِ الْآجَالِ وَوُقُوعِ الْمُعَلَّقَاتِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ وَغَيْرِهَا كَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَمُدَّةِ الْإِيلَاءِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ خُولِفَ لِلنَّصِّ وَاحْتِيَاطًا لِعِبَادَةٍ عَامَّةٍ اهـ. وَلِمَا صَحَّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْأَحْنَافِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَمَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ» وَحَدِيثِ «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ» إلَخْ تَمَسَّكُوا بِذَلِكَ فِي مَنْعِ صَوْمِهِ مِنْ رَمَضَانَ. قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ عَابِدِينَ الْحَنَفِيُّ

وَهُوَ الْإِجْمَاعُ وَالنُّصُوصُ. وَأَمَّا التَّحْرِيمُ فِي الْوُضُوءِ فِي الرَّابِعَةِ فَمَشْرُوطٌ أَيْضًا بِتَيَقُّنِ الثَّالِثَةِ أَوْ ظَنِّهَا وَلَمْ يَحْصُلْ فَاسْتُصْحِبَ النَّدْبُ النَّاشِئُ عَنْ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى الثَّلَاثِ وَهُوَ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ فَهَذِهِ قَوَاعِدُ فِي الْعِبَادَاتِ يَنْبَغِي الْإِحَاطَةُ بِهَا لِئَلَّا تَضْطَرِبَ الْقَوَاعِدُ وَتُظْلِمَ عَلَى طَالِبِ الْعِلْم. (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ صَوْمِهِ وَصَوْمِ خَمْسٍ، أَوْ سَبْعٍ مِنْ شَوَّالٍ) اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ» فَوَرَدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَبَاحِثُ لِلْفُضَلَاءِ، وَإِشْكَالَاتٌ لِلنُّبَهَاءِ وَقَوَاعِدُ فِقْهِيَّةٌ وَمَعَانٍ شَرِيفَةٌ عَرَبِيَّةٌ. الْأَوَّلُ: لِمَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسِتٍّ وَلَمْ يَقُلْ بِسِتَّةٍ، وَالْأَصْلُ فِي الصَّوْمِ إنَّمَا هُوَ الْأَيَّامُ دُونَ اللَّيَالِي وَالْيَوْمُ مُذَكَّرٌ وَالْعَرَبُ إذَا عَدَّتْ الْمُذَكَّرَ أَنَّثَتْ عَدَدَهُ فَكَانَ اللَّازِمُ فِي هَذَا اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ مُؤَنَّثًا؛ لِأَنَّهُ عَدَدٌ مُذَكَّرٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة: 7] أَنَّثَ مَعَ الْمُذَكَّرِ وَذَكَّرَ مَعَ الْمُؤَنَّثِ. الثَّانِي: لِمَ قَالَ مِنْ شَوَّالٍ وَهَلْ لِشَوَّالٍ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الشُّهُورِ أَمْ لَا. الثَّالِثُ: لِمَ قَالَ بِسِتٍّ، وَهَلْ لِلسِّتِّ مَزِيَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ صَوْمِهِ وَصَوْمِ خَمْسٍ، أَوْ سَبْعٍ مِنْ شَوَّالٍ) . قُلْت: جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِيهِ صَحِيحٌ إلَّا مَا قَالَهُ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ الثَّانِي مِنْ أَنَّ تَخْصِيصَ شَوَّالٍ رِفْقٌ بِالْمُكَلَّفِ وَسَدٌّ لِلذَّرِيعَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَإِلَّا مَا قَالَهُ فِي تَأْوِيلِ ذِكْرِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ أَنَّهُ لِكَوْنِ السِّتَّةِ عَدَدًا تَامًّا فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقَيْنِ بَعْدَ هَذَا صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُرَادُ مِنْ حَدِيثِ التَّقَدُّمِ هُوَ التَّقَدُّمُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ حَتَّى لَا يُزَادُ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ كَمَا زَادَ أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى صَوْمِهِمْ، وَإِنَّمَا كُرِهَ تَحْرِيمًا لِصُورَةِ النَّهْيِ فِي حَدِيثِ الْعِصْيَانِ وَهُوَ وَإِنْ رُوِيَ فِي الْبُخَارِيِّ مَوْقُوفًا عَلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ إلَّا أَنَّهُ فِي مِثْلِهِ كَالْمَرْفُوعِ كَمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَفِي الْفَتْحِ، وَأَخْرُجهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَأَتَى بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ فَقَالَ عَمَّارٌ مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَكَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ الرَّجُلِ الْمُتَنَحِّي أَنَّهُ قَصَدَ صَوْمَهُ عَنْ رَمَضَانَ اهـ. وَحَدِيثُ السِّرَارِ مَحْمُولٌ عَلَى صَوْمِهِ اسْتِحْبَابًا لَا عَنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ التَّقَدُّمِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ مَا أَمْكَنَ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْفَتْحِ اهـ وَفِي الْمُخْتَصَرِ، وَإِنْ غَيَّمَتْ وَلَمْ يُرَ فَصَبِيحَتُهُ يَوْمُ شَكٍّ وَصِيمَ عَادَةً وَتَطَوُّعًا وَقَضَاءً وَلِنَذْرٍ صَادَفَ لَا احْتِيَاطًا قَالَ الْحَطَّابُ يَعْنِي أَنَّ يَوْمَ الشَّكِّ لَا يُصَامُ لِأَجْلِ الِاحْتِيَاطِ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ مَنْ صَامَ إلَخْ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ كَابْنِ الْحَاجِبِ هَلْ النَّهْيُ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَوْ التَّحْرِيمِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ التَّحْرِيمُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَسَبَهُ اللَّخْمِيُّ لِمَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَنْبَغِي صِيَامُ يَوْمِ الشَّكِّ، وَحَمَلَهَا أَبُو الْحَسَنِ عَلَى الْمَنْعِ وَفِي الْجَلَّابِ يُكْرَهُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ. وَقَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ الْكَافَّةُ مُجْمِعُونَ عَلَى كَرَاهَةِ صَوْمِهِ احْتِيَاطًا اهـ وَنَحْوُهُ فِي ابْنِ فَرْحُونٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الظَّاهِرُ أَنَّ النَّهْيَ عَلَى التَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ اهـ، وَزَادَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ مِنْ الْوَاضِحَةِ وَمَنْ صَامَهُ حَوْطَةً ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَلْيُفْطِرْ مَتَى مَا عَلِمَ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الشَّيْخِ بِلَفْظِ آخِرِ النَّهَارِ، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ وَحَمَلَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى الْمَنْعِ اهـ وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي الرِّسَالَةِ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ فِي الْحِيَاطَةِ مِنْ رَمَضَانَ مَكْرُوهٌ وَلَا يُكْرَهُ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا، وَقَالَ بَعْدَهُ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ يُرِيدُ عَلَى الْكَرَاهَةِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ اهـ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ يُصَامُ احْتِيَاطًا وَلَا أَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ اهـ. وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ وُجُوبَ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ مِنْ مَسْأَلَةِ الشَّاكِّ فِي الْفَجْرِ وَمِنْ الْحَائِضِ إذَا جَاوَزَتْ عَادَتَهَا، وَرَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ ابْنُ بَشِيرٍ وَغَيْرُهُ، وَبَحَثَ فِي ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ فَلْيَنْظُرْهُ مَنْ أَرَادَهُ، ثُمَّ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: وَإِنَّمَا هَذَا الْخِلَافُ إذَا كَانَ الْغَيْمُ أَمَّا إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً فَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى كَرَاهَةِ صَوْمِهِ احْتِيَاطًا إذْ لَا وَجْهَ لِلِاحْتِيَاطِ فِي الصَّحْوِ اهـ بِحَذْفٍ وَتَصَرُّفٍ مَا. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ مَا مَعْنَاهُ فَتَحْرِيمُ الْمَالِكِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ صَوْمَهُ جَارٍ عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ كُلَّ يَوْمِ شَكٍّ مَنْهِيٌّ عَنْ صِيَامِهِ عَنْ رَمَضَانَ نَهْيَ تَحْرِيمٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الشَّهْرِ فَلَا يُنْتَقَلُ عَنْهُ بِالشَّكِّ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ جَارٍ عَلَى قَاعِدَةِ تَعَارُضِ النَّدْبِ وَالتَّحْرِيمِ نَظَرًا لِنَدْبِهِ عَلَى احْتِمَالِ كَوْنِهِ مِنْ شَعْبَانَ وَتَحْرِيمِهِ عَلَى احْتِمَالِ كَوْنِهِ مِنْ رَمَضَانَ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ قُرْبَةٍ بِدُونِ شَرْطِهَا حَرَامٌ وَالنِّيَّةُ الْجَازِمَةُ شَرْطٌ لِصَوْمِهِ مِنْ رَمَضَانَ وَهِيَ هَاهُنَا مُتَعَذِّرَةٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ شَعْبَانَ لَا عَلَى الْقَطْعِ لَا يَقْتَضِي نَدْبَهُ بَلْ تَحْرِيمَهُ

[الفرق بين قاعدة صوم رمضان وست من شوال وبين قاعدة صومه وصوم خمس أو سبع من شوال.]

عَلَى الْخَمْسِ أَوْ السَّبْعِ أَمْ لَا. الرَّابِعُ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ» شَبَّهَ صَوْمَ شَهْرٍ وَسِتَّةِ أَيَّامٍ بِصَوْمِ الدَّهْرِ مَعَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْعَرَبِيَّةَ أَنَّ التَّشْبِيهَ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ أَوْ لِلتَّقْرِيبِ، وَأَيْنَ شَهْرٌ وَسِتَّةُ أَيَّامٍ مِنْ صَوْمِ الدَّهْرِ بَلْ أَيْنَ هُوَ مِنْ صَوْمِ سَنَةٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى السُّدُسِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الشَّرِيعَةِ أَنَّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا، وَعَمِلَ الْآخَرُ قَدْرَهُ مَرَّتَيْنِ لَا يَحْسُنُ التَّشْبِيهُ بَيْنَهُمَا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَهُ سِتَّ مَرَّاتٍ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ مَنْ صَامَ يَوْمًا يُشْبِهُ مَنْ صَامَ يَوْمَيْنِ فِي الْأَجْرِ وَلَا مَنْ تَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ يُشْبِهُ مَنْ تَصَدَّقَ بِدِرْهَمَيْنِ فِي الْأَجْرِ فَضْلًا عَمَّنْ تَصَدَّقَ بِسِتَّةِ دَرَاهِمَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُوهِمُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ سِتَّةِ دَرَاهِمَ وَدِرْهَمٍ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا فَيَبْعُدُ التَّشْبِيهُ. الْخَامِسُ: هَلْ لَنَا فَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ» وَبَيْنَ قَوْلِهِ فَكَأَنَّهُ صَامَ الدَّهْرَ فَإِنَّ " مَا " هُنَا كَافَّةٌ لِكَأَنَّ عَنْ الْعَمَلِ فَدَخَلَتْ لِذَلِكَ عَلَى الْفِعْلِ وَلَوْ لَمْ تَدْخُلْ مَا لَدَخَلَ كَأَنَّ عَلَى الِاسْمِ فَهَلْ بَيْنَ ذَلِكَ فَرْقٌ أَمْ لَا. السَّادِسُ: أَنَّ التَّشْبِيهَ بَيْنَ هَذَا الصَّوْمِ وَصَوْمِ الدَّهْرِ: كَيْفَ كَانَ صَوْمُ الدَّهْرِ أَوْ عَلَى حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَوَضْعٍ مَخْصُوصٍ،. السَّابِعُ: هَلْ بَيْنَ هَذِهِ السِّتَّةِ الْأَيَّامِ الْوَاقِعَةِ فِي الْحَدِيثِ وَبَيْنَ السِّتَّةِ الْأَيَّامِ الْوَاقِعَةِ فِي الْآيَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: 54] فَرْقٌ أَمْ لَا فَرْقَ، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ وَاحِدَةٌ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَالَ بِسِتٍّ وَلَمْ يَقُلْ بِسِتَّةٍ؛ لِأَنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ تَغْلِيبَ اللَّيَالِي عَلَى الْأَيَّامِ فَمَتَى أَرَادُوا عَدَّ الْأَيَّامِ عَدُّوا اللَّيَالِيَ وَتَكُونُ الْأَيَّامُ هِيَ الْمُرَادَةَ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وَلَمْ يَقُلْ وَعَشَرَةً مَعَ أَنَّهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَذَكَرَهَا بِغَيْرِ هَاءِ التَّأْنِيثِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَلَوْ قِيلَ عَشَرَةً لَكَانَ لَحْنًا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا عَشْرًا} [طه: 103] {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا يَوْمًا} [طه: 104] قَالَ الْعُلَمَاءُ يَدُلُّ الْكَلَامُ الْأَخِيرُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى إلَّا يَوْمًا عَلَى أَنَّ الْمَعْدُودَ الْأَوَّلَ أَيَّامٌ فَكَذَلِكَ هَهُنَا أَتَتْ الْعِبَارَةُ بِصِيغَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْحَدِيثِ كَمَا عَلِمْت، وَالنِّيَّةُ الْجَازِمَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا إلَّا مَعَ عَدَمِ تَعَذُّرِهَا اهـ بِزِيَادَةٍ. وَأَطْلَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ إمْسَاكِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ، وَأَنَّ مَنْ شَكَّ فِي الْفَجْرِ لَا يَأْكُلُ وَيَصُومُ مَعَ أَنَّ الشَّكَّ فِي الْفَجْرِ مُسَاوٍ لِلشَّكِّ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ بِوَجْهَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَكٌّ فِي طَرَيَان الصَّوْمِ، وَأَنَّ الْأَصْلَ كَمَا أَنَّهُ هُنَاكَ بَقَاءُ الشَّهْرِ فَلَا يُنْتَقَلُ عَنْهُ بِالشَّكِّ كَذَلِكَ هُوَ هُنَا بَقَاءُ اللَّيْلِ فَلَا يُنْتَقَلُ عَنْهُ بِالشَّكِّ. وَأَمَّا مَنْعُ الْأَكْلِ وَالْوَطْءِ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّمَا كَانَ بَعْدَ النَّوْمِ خَاصَّةً، أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُخِّصَ فِيهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] فَأَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُفْطِرَاتِ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ كَمَا أَبَاحَهَا إلَى غَايَةِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَوْ إكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا حَتَّى إنَّ اللَّخْمِيَّ خَرَّجَ وُجُوبَ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ مِنْ مَسْأَلَةِ الشَّاكِّ فِي الْفَجْرِ وَمِنْ الْحَائِضِ إذَا جَاوَزَتْ عَادَتَهَا كَمَا فِي كَلَامِ الْحَطَّابِ الْمُتَقَدِّمِ، إلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَذْهَبُوا فِي مَسْأَلَةِ الشَّاكِّ فِي الْفَجْرِ إلَى مُخَالَفَةِ الْآيَةِ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ حَتَّى يَصِحَّ تَخْرِيجُ اللَّخْمِيِّ مَسْأَلَةَ وُجُوبِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ مِنْهَا بَلْ إنَّمَا ذَهَبُوا إلَى حَمْلِ الْآيَةِ عَلَى الْمُرَاقِبِ لِلْفَجْرِ، وَهُوَ قَلِيلٌ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ فَبَنَوْا قَوْلَهُمْ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ بِجُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ عَلَى الشَّاكِّ فِي الْفَجْرِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ، وَهُوَ عَدَمُ الْمُرَاقَبَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ ثُمَّ إنَّ الْمَالِكِيَّةَ وَإِنْ قَالُوا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَنَّهُ يُصَلِّيهَا مَعَ أَنَّهَا دَائِرَةٌ بَيْنَ الرَّابِعَةِ الْوَاجِبَةِ وَالْخَامِسَةِ الْمُحَرَّمَةِ. وَالْمُحَرَّمُ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا كَمَا يُقَدَّمُ عَلَى الْمَنْدُوبِ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا لِاتِّحَادِ عِلَّةِ تَقْدِيمِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ضَرُورَةَ أَنَّ اعْتِمَادَ الْمَصَالِحِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمَنْدُوبِ وَالْوَاجِبِ نَعَمْ التَّرْكُ لِلْمَنْدُوبِ أَظْهَرُ لِكَوْنِهِ أَخْفَضَ رُتْبَةً مِنْ الْوَاجِبِ، وَقَالُوا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا شَكَّ فِي وُضُوئِهِ هَلْ هِيَ ثَانِيَةٌ أَوْ ثَالِثَةٌ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ ثَالِثَةً مَعَ دَوَرَانِهَا بَيْنَ الثَّالِثَةِ الْمَنْدُوبَةِ وَالرَّابِعَةِ الْمُحَرَّمَةِ إلَّا أَنَّهُمْ إنَّمَا قَالُوا بِذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ فِي الْخَامِسَةِ مَشْرُوطٌ فِي الصَّلَاةِ بِتَيَقُّنِ الرَّابِعَةِ أَوْ ظَنِّهَا، وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْصُلْ التَّحْرِيمُ بَلْ اُسْتُصْحِبَ الْوُجُوبُ مِنْ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى وُجُوبِ الْأَرْبَعِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ وَالنُّصُوصُ، وَالتَّحْرِيمُ فِي الرَّابِعَةِ مَشْرُوطٌ فِي الْوُضُوءِ أَيْضًا بِتَيَقُّنِ الثَّالِثَةِ أَوْ ظَنِّهَا وَلَمْ يَحْصُلْ فَاسْتُصْحِبَ النَّدْبُ النَّاشِئُ عَنْ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى الثَّلَاثِ وَهُوَ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِمْ بِذَلِكَ فِيهِمَا مُخَالَفَةٌ لِقَاعِدَةِ تَعَارُضُ الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ مَعَ التَّحْرِيمِ فَافْهَمْ. فَهَذِهِ قَوَاعِدُ فِي الْعِبَادَاتِ يَنْبَغِي الْإِحَاطَةُ بِهَا لِئَلَّا تَضْطَرِبَ الْقَوَاعِدُ وَتُظْلِمَ عَلَى طَالِبِ الْعِلْمِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ صَوْمِهِ وَصَوْمِ خَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ مِنْ شَوَّالٍ.] الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ صَوْمِهِ وَصَوْمِ خَمْسٍ، أَوْ سَبْعٍ مِنْ شَوَّالٍ) وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ» هُوَ أَنَّ مَنْ صَامَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ رَمَضَانَ وَسِتَّةَ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ يُشْبِهُ مَنْ صَامَ سَنَةً مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، خَمْسَةُ أَسْدَاسِهَا فَرْضٌ وَسُدُسُهَا نَفْلٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِحَسَنَةٍ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِ الْمَثُوبَةِ الَّتِي كَانَتْ تَحْصُلُ لِمَنْ كَانَ قَبْلَهَا مِنْ الْأُمَمِ فَإِنَّ

التَّذْكِيرِ الَّذِي هُوَ شَأْنُ اللَّيَالِي، وَالْمُرَادُ الْأَيَّامُ مِثْلُ هَذِهِ الْآيَاتِ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَالَ مِنْ شَوَّالٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ رِفْقًا بِالْمُكَلَّفِ؛ لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِالصَّوْمِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ أَسْهَلَ، وَتَأْخِيرُهَا عَنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ عِنْدَهُمْ لِئَلَّا يَتَطَاوَلَ الزَّمَانُ فَيُلْحَقَ بِرَمَضَانَ عِنْدَ الْجُهَّالِ قَالَ لِي الشَّيْخُ زَكِيُّ الدِّينِ عَبْدُ الْعَظِيمِ الْمُحَدِّثُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ الَّذِي خَشِيَ مِنْهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَدْ وَقَعَ بِالْعَجَمِ فَصَارُوا يَتْرُكُونَ الْمُسَحِّرِينَ عَلَى عَادَتِهِمْ، وَالْقَوَانِينَ، وَشَعَائِرَ رَمَضَانَ إلَى آخِرِ السِّتَّةِ الْأَيَّامِ فَحِينَئِذٍ يُظْهِرُونَ شَعَائِرَ الْعِيدِ وَيُؤَيِّدُ سَدَّ هَذِهِ الذَّرِيعَةِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ إلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى الْفَرْضَ وَقَامَ لِيَتَنَفَّلَ عَقِبَ فَرْضِهِ، وَهُنَالِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَامَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ لَهُ اجْلِسْ حَتَّى تَفْصِلَ بَيْنَ فَرْضِكَ وَنَفْلِكَ فَبِهَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَابَ اللَّهُ بِكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ» وَمَقْصُودُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ اتِّصَالَ النَّفْلِ بِالْفَرْضِ إذَا حَصَلَ مَعَهُ التَّمَادِي اعْتَقَدَ الْجُهَّالُ أَنَّ ذَلِكَ النَّفَلَ مِنْ ذَلِكَ الْفَرْضِ وَلِذَلِكَ شَاعَ عِنْدَ عَوَامِّ مِصْرَ أَنَّ الصُّبْحَ رَكْعَتَانِ إلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ؛ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْإِمَامَ يُوَاظِبُ عَلَى قِرَاءَةِ السَّجْدَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَسْجُدُ فَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ تِلْكَ رَكْعَةٌ أُخْرَى وَاجِبَةٌ، وَسَدُّ هَذِهِ الذَّرَائِعِ مُتَعَيَّنٌ فِي الدِّينِ وَكَانَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَدِيدَ الْمُبَالَغَةِ فِيهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: خُصُوصُ شَوَّالٍ مُرَادٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُبَادَرَةِ لِلْعِبَادَةِ وَالِاسْتِبَاقِ إلَيْهَا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148] وَ {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] وَلِظَاهِرِ لَفْظِ الْحَدِيثِ وَمَنْ سَاعَدَهُ الظَّاهِرُ فَهُوَ أَوْلَى وَجَوَابُهُمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ سَدِّ الذَّرِيعَةِ وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ مَزِيَّةٌ السِّتِّ عَلَى السَّبْعِ، أَوْ الْخَمْسِ تَظْهَرُ بِتَقْرِيرِ مَعْنَى السِّتَّةِ وَذَلِكَ أَنَّ شَهْرًا بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَسِتَّةَ أَيَّامٍ بِسِتِّينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشَرَةٍ وَالسِّتُّونَ يَوْمًا بِشَهْرَيْنِ، وَشَهْرَانِ مَعَ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ سَنَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَضْعِيفَ الْحَسَنَاتِ إلَى عَشَرَةٍ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَحِينَئِذٍ فَيَصِيرُ صَائِمُ رَمَضَانَ مِنْهُمْ كَصَائِمِ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَصَائِمُ سِتَّةٍ بَعْدَهُ مِنْهُمْ كَصَائِمِ شَهْرَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَكُونُ صَائِمُ الْمَجْمُوعِ مِنْهُمْ كَصَائِمِ سَنَةٍ مِنْ غَيْرِهِمْ سُدُسُهَا فَقَطْ نَفْلٌ وَبَاقِي أَسْدَاسِهَا فَرْضٌ فَإِذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْ صَائِمِهِ مِنْهُمْ كَانَ كَصَائِمِ جَمِيعِ الْعُمُرِ مِنْ غَيْرِهِمْ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ فَرْضٌ وَسُدُسُهُ نَفْلٌ فَالْمُرَادُ بِالدَّهْرِ عُمُرُهُ، فَبِإِتْبَاعِ رَمَضَانَ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ مَعَ التَّضْعِيفِ فِي هَذِهِ الْمِلَّةِ حَسَنُ التَّشْبِيهِ بِصِيَامِ الدَّهْرِ مِنْ غَيْرِهَا لَكِنْ بِنِسْبَةِ أَنَّ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ فَرْضٌ وَسُدُسَهُ نَفْلٌ فَلَا يَحْصُلُ التَّشْبِيهُ الْحَقِيقِيُّ بِالْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ إلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ بِالسِّتِّ لَا بِالسَّبْعِ لِأَنَّ السَّبْعَ بِالتَّضْعِيفِ سَبْعُونَ يَوْمًا وَهِيَ زَائِدَةٌ عَنْ الشَّهْرَيْنِ وَتَشْبِيهُ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى بَاطِلٌ، وَلَوْ زَادَ عَلَى السَّبْعِ لَكَانَ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ وَلَا بِالْخَمْسِ لِأَنَّ الْخَمْسَ بِالتَّضْعِيفِ خَمْسُونَ وَهِيَ نَاقِصَةٌ عَنْ الشَّهْرَيْنِ وَكَذَلِكَ مَا دُونَ الْخَمْسِ، وَتَشْبِيهُ الْأَدْنَى بِالْأَعْلَى، وَإِنْ كَانَ جَائِزًا إجْمَاعًا إلَّا أَنَّهُ مَعَ الْمُسَاوَاةِ أَحْسَنُ مِنْهُ مَعَ عَدَمِهَا فَقَاعِدَةُ السِّتِّ مُبَايِنَةٌ لِقَاعِدَةِ السَّبْعِ فَمَا فَوْقَهَا وَالْخَمْسِ فَمَا دُونَهَا. الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ صَوْمُ الدَّهْرِ عَلَى حَالٍ مَخْصُوصَةٍ بِأَنْ يَكُونَ نِسْبَةُ السِّتَّةِ الْمُقَدَّرَةِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمِلَّةِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهَا فَرْضٌ وَسُدُسُهَا وَهُوَ الشَّهْرَانِ النَّاشِئَانِ عَنْ السِّتَّةِ أَيَّامٍ نَفْلٌ، وَمِنْ التَّشْبِيهِ مَعَ الْمُسَاوَاةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا آلَمَتْهُ رِجْلُهُ فَمَدَّهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ تُشْبِهُ هَذِهِ فَأَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أَيَّ شَيْءٍ يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَدَّ رِجْلَهُ الْأُخْرَى وَقَالَ هَذِهِ» فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ بَسْطِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَأْنِيسِهِ مَعَ أَصْحَابِهِ وَكَرَاهَةِ أَنْ يَمُدَّ رِجْلَهُ بَيْنَهُمْ إلَّا لِعُذْرٍ فَأَظْهَرَ هَذَا السُّؤَالُ عُذْرًا وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الرِّجْلَيْنِ بَعِيدٌ جِدًّا، فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَبَانَتْ مَزِيَّةُ السِّتِّ عَلَى الْخَمْسِ، أَوْ السَّبْعِ وَأَنَّ التَّشْبِيهَ فِي الْحَدِيثِ جَارٍ عَلَى قَاعِدَةِ الْعَرَبِ فِي كَوْنِ التَّشْبِيهِ يَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ، أَوْ التَّقْرِيبَ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسِتٍّ وَلَمْ يَقُلْ بِسِتَّةٍ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّوْمِ إنَّمَا هُوَ الْأَيَّامُ دُونَ اللَّيَالِي، وَالْيَوْمُ مُذَكَّرٌ وَقَاعِدَةُ الْعَرَبِ مَا فِي قَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ: ثَلَاثَةٌ بِالتَّاءِ قُلْ لِلْعَشَرَهْ ... فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ مُذَكَّرَهْ لِأَنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ تَغْلِيبُ اللَّيَالِي عَلَى الْأَيَّامِ فَمَتَى أَرَادُوا عَدَّ الْأَيَّامِ عَدُّوا اللَّيَالِيَ وَمُرَادُهُمْ الْأَيَّامُ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وَلَمْ يَقُلْ وَعَشَرَةً، مَعَ أَنَّهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَلَوْ قِيلَ عَشَرَةً لَكَانَ لَحْنًا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا عَشْرًا} [طه: 103] {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا يَوْمًا} [طه: 104] قَالَ الْعُلَمَاءُ يَدُلُّ الْكَلَامُ الْأَخِيرُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى إلَّا يَوْمًا عَلَى أَنَّ الْمَعْدُودَ الْأَوَّلَ أَيَّامٌ وَلِلْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ شَوَّالٍ أَقْوَالٌ: الْأَوَّلُ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ أَنَّهُ عَلَى جِهَةِ التَّمْثِيلِ وَالْمُرَادُ أَنَّ صِيَامَ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَصِيَامَ سِتَّةِ أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ وَذَلِكَ الْمَذْهَبُ فَلَوْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ شَوَّالٍ لَكَانَ الْحُكْمُ فِيهَا كَذَلِكَ قَالَ وَهَذَا مِنْ بَدِيعِ النَّظَرِ فَاعْلَمُوهُ اهـ الْقَوْلُ الثَّانِي لِابْنِ الْمُبَارَكِ وَاللَّخْمِيِّ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ عَلَى جِهَةِ التَّعْيِينِ مِنْ أَوَّلِهِ وَأَنَّ خُصُوصَ شَوَّالٍ مُرَادٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُبَادَرَةِ لِلْعِبَادَةِ وَالِاسْتِبَاقِ إلَيْهَا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148] ، {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133]

كَامِلَةٌ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي سَنَةٍ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَامَ تِلْكَ السَّنَةَ لِتَحْصِيلِهِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فَإِذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي جَمِيعِ عُمُرِهِ كَانَ كَمَنْ صَامَ الدَّهْرَ وَالْمُرَادُ بِالدَّهْرِ عُمُرُهُ إلَى آخِرِهِ فَلَوْ قَالَ سَبْعًا لَكَانَ ذَلِكَ سَبْعِينَ يَوْمًا، وَكَانَ أَزْيَدَ مِنْ شَهْرَيْنِ فَيَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِ الدَّهْرِ وَأَعْلَى، وَالْأَعْلَى لَا يُشَبَّهُ بِالْأَدْنَى فَكَانَ يَبْطُلُ التَّشْبِيهُ وَلَوْ زَادَ عَلَى السَّبْعِ لَكَانَ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ وَلَوْ قَالَ خَمْسًا لَكَانَتْ بِخَمْسِينَ يَوْمًا فَيَنْقُصُ عَنْ الشَّهْرَيْنِ فَلَا يَحْصُلُ التَّشْبِيهُ الْحَقِيقِيُّ وَكَذَلِكَ لَوْ نَقَصَ أَكْثَرَ مِنْ الْخَمْسِ فَظَهَرَ أَنَّ قَاعِدَةَ السِّتِّ مُبَايِنَةٌ لِلسَّبْعِ فَمَا فَوْقَهَا وَقَاعِدَةِ الْخَمْسِ فَمَا دُونَهَا وَهُوَ كَانَ الْمَقْصُودَ بِهَذَا الْفَرْقِ، وَبَقِيَّةُ الْأَسْئِلَةِ تَبَعٌ وَزِيَادَةٌ فِي الْفَائِدَةِ، وَالْمُنَافَاةُ فِي السَّبْعِ فَمَا فَوْقَهَا أَشَدُّ مِنْ الْمُنَافَاةِ فِي الْخَمْسِ فَمَا دُونَهَا؛ لِأَنَّ تَشْبِيهَ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى مُنْكَرٌ مُطْلَقًا وَأَمَّا الْأَدْنَى بِالْأَعْلَى فَجَائِزٌ إجْمَاعًا. غَيْرَ أَنَّهُ مَعَ الْمُسَاوَاةِ أَحْسَنُ كَمَا «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا آلَمَتْهُ رِجْلُهُ فَمَدَّهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ تُشْبِهُ هَذِهِ فَأَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أَيَّ شَيْءٍ يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَدَّ رِجْلَهُ الْأُخْرَى وَقَالَ هَذِهِ» فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ بَسْطِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَأْنِيسِهِ مَعَ أَصْحَابِهِ وَكَرَاهَةِ أَنْ يَمُدَّ رِجْلَهُ بَيْنَهُمْ إلَّا لِعُذْرٍ فَأَظْهَرَ هَذَا السُّؤَالَ عُذْرًا، وَذَكَرَ التَّشْبِيهَ مَعَ الْمُسَاوَاةِ فَإِنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الرِّجْلَيْنِ بَعِيدٌ جِدًّا. وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّ صَائِمَ سَنَةٍ لَا يُشْبِهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ صَامَ شَهْرًا وَسِتَّةَ أَيَّامٍ، وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَسِتَّةَ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ يُشْبِهُ مَنْ صَامَ سَنَةً مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمِلَّةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] أَيْ لَهُ عَشْرُ مَثُوبَاتٍ أَمْثَالِ الْمَثُوبَةِ الَّتِي كَانَتْ تَحْصُلُ لِعَامِلٍ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِنَّ تَضْعِيفَ الْحَسَنَاتِ إلَى عَشْرٍ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَإِذَا كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ " عَشْرُ أَمْثَالِهَا " أَمْثَالَ الْمَثُوبَةِ الَّتِي كَانَتْ تَحْصُلُ لِمَنْ كَانَ قَبْلَنَا فَيَصِيرُ صَائِمُ رَمَضَانَ كَصَائِمِ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمِلَّةِ، وَصَائِمُ سِتَّةٍ بَعْدَهُ كَصَائِمِ شَهْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمِلَّةِ فَصَائِمُ الْمَجْمُوعِ كَصَائِمِ سَنَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِظَاهِرِ لَفْظِ الْحَدِيثِ وَمَنْ سَاعَدَهُ الظَّاهِرُ فَهُوَ أَوْلَى قَالَ فِي الْعَارِضَةِ وَلَسْت أَرَاهُ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ سَدِّ الذَّرِيعَةِ وَلَوْ عَلِمْتُ مَنْ يَصُومُهَا أَوَّلَ الشَّهْرِ وَمَلَكْتُ الْأَمْرَ آذَيْته وَشَدَدْتُ عَلَيْهِ لِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ غَيَّرُوا دِينَهُمْ اهـ الْقَوْلُ الثَّالِثُ لِجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ عَلَى جِهَةِ التَّعْيِينِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ صَوْمَهَا بِأَوَّلِ شَوَّالٍ مُتَّصِلَةً مُتَتَابِعَةً مَكْرُوهٌ جِدًّا لِأَنَّ النَّاسَ صَارُوا يَقُولُونَ تَشْيِيعُ رَمَضَانَ وَكَمَا لَا يُتَقَدَّمُ لَا يُشَيَّعُ فَصَوْمُهَا مِنْ غَيْرِهِ أَفْضَلُ مِنْ أَوْسَطِهِ وَمِنْ أَوْسَطِهِ أَفْضَلُ مِنْ أَوَّلِهِ وَهَذَا بَيِّنٌ وَهُوَ أَحْوَطُ لِلشَّرِيعَةِ وَأَذْهَبُ لِلْبِدْعَةِ كَمَا فِي الْعَارِضَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ اسْتَحَبَّ مَالِكٌ صِيَامَ السِّتِّ فِي غَيْرِ شَوَّالٍ خَوْفًا مِنْ إلْحَاقِهَا بِرَمَضَانَ عِنْدَ الْجُهَّالِ، وَإِنَّمَا عَيَّنَهُ الشَّرْعُ مِنْ شَوَّالٍ لِلتَّخْفِيفِ عَلَى الْمُكَلَّفِ لِقُرْبِهِ مِنْ الصَّوْمِ، وَإِلَّا فَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ فِي غَيْرِهِ فَيُشْرَعُ لِلتَّأْخِيرِ جَمْعًا بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ اهـ. وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْجَوَاهِرِ لَوْ صَامَهَا فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَ حِيَازَةِ فَضْلِ الْأَيَّامِ الْمَذْكُورَةِ وَالسَّلَامَةِ مِمَّا اتَّقَاهُ مَالِكٌ اهـ وَمِثْلُهُ للشبيني وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُ الْأَصْلِ إنَّمَا قَالَ مِنْ شَوَّالٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ رِفْقًا بِالْمُكَلَّفِ لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِالصَّوْمِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ أَسْهَلَ، وَتَأْخِيرُهَا عَنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ عِنْدَهُمْ لِئَلَّا يَتَطَاوَلَ الزَّمَانُ فَيُلْحَقَ بِرَمَضَانَ عِنْدَ الْجُهَّالِ قَالَ لِي الشَّيْخُ زَكِيُّ الدِّينِ عَبْدُ الْعَظِيمِ الْمُحَدِّثُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ الَّذِي خَشِيَ مِنْهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَدْ وَقَعَ بِالْعَجَمِ فَصَارُوا يَتْرُكُونَ الْمُسَحِّرِينَ عَلَى عَادَتِهِمْ، وَالْقَوَانِينَ، وَشَعَائِرَ رَمَضَانَ إلَى آخِرِ السِّتَّةِ أَيَّامٍ فَحِينَئِذٍ يُظْهِرُونَ شَعَائِرَ الْعِيدِ وَيُؤَيِّدُ سَدَّ هَذِهِ الذَّرِيعَةِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَنَّ «رَجُلًا دَخَلَ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى الْفَرْضَ وَقَامَ لِيَتَنَفَّلَ عَقِبَ فَرْضِهِ وَهُنَاكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَامَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ لَهُ اجْلِسْ حَتَّى تَفْصِلَ بَيْنَ فَرْضِكَ وَنَفْلِكَ فَبِهَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصَابَ اللَّهُ بِكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ» وَمَقْصُودُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ اتِّصَالَ التَّنَفُّلِ بِالْفَرْضِ إذَا حَصَلَ مَعَهُ التَّمَادِي اعْتَقَدَ الْجُهَّالُ أَنَّ ذَلِكَ النَّفَلَ مِنْ ذَلِكَ الْفَرْضِ وَلِذَلِكَ شَاعَ عِنْدَ عَوَامِّ مِصْرَ أَنَّ الصُّبْحَ رَكْعَتَانِ إلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْإِمَامَ يُوَاظِبُ عَلَى قِرَاءَةِ السَّجْدَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَسْجُدُ فَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ تِلْكَ رَكْعَةٌ أُخْرَى وَاجِبَةٌ وَسَدُّ هَذِهِ الذَّرَائِعِ مُتَعَيَّنٌ فِي الدِّينِ وَكَانَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَدِيدَ الْمُبَالَغَةِ فِيهَا اهـ وَخُلَاصَةُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ تَخْصِيصَ شَوَّالٍ رِفْقٌ بِالْمُكَلَّفِ فَيُشْرَعُ التَّأْخِيرُ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَهَذَا لَيْسَ بِالْقَوِيِّ اهـ. الْقَوْلُ الرَّابِعُ لِلْمَازِرِيِّ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ أَنَّ خُصُوصَ شَوَّالٍ، وَإِنْ كَانَ مُرَادًا لِلْمُبَادَرَةِ لِلْعِبَادَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّ الْحَدِيثَ لَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَكَرِهَ صِيَامَهَا مِنْ شَوَّالٍ وَلَمَّا كَانَ مَقْصُودُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَشْبِيهَ الصِّيَامِ فِي هَذِهِ الْمِلَّةِ إذَا وَقَعَ عَلَى الْوَضْعِ الْمَخْصُوصِ بِالصِّيَامِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمِلَّةِ لَا تَشْبِيهَ الصَّائِمِ بِغَيْرِهِ قَالَ فَكَأَنَّمَا وَلَمْ يَقُلْ فَكَأَنَّهُ، فَأَدْخَلَ كَأَنَّ الدَّالَّةَ عَلَى التَّشْبِيهِ مَكْفُوفَةً بِمَا عَلَى الْفِعْلِ نَفْسِهِ وَأَوْقَعَ التَّشْبِيهَ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْفِعْلِ بِاعْتِبَارِ الْمِلَّتَيْنِ لِتَنْبِيهِ السَّامِعِ لِقَدْرِ الْفِعْلِ وَعَظَمَتِهِ فَتَتَوَفَّرُ رَغْبَتُهُ فِيهِ قِيلَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ السِّتَّةِ أَيَّامٍ الْوَاقِعَةِ فِي الْحَدِيثِ

[الفرق بين قاعدة العروض تحمل على القنية حتى ينوي التجارة وقاعدة ما كان أصله منها للتجارة]

مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمِلَّةِ فَإِذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ كَانَ كَصَائِمِ جَمِيعِ الْعُمُرِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمِلَّةِ فَهَذَا تَشْبِيهٌ حَسَنٌ، وَمَا شَبَّهَ إلَّا الْمِثْلَ بِالْمِثْلِ لَا الْمُخَالِفَ بِالْمُخَالِفِ بَلْ الْمِثْلَ الْمُحَقَّقَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ. وَعَنْ الْخَامِسِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَأَنَّهُ صَامَ الدَّهْرَ لَكَانَ بَعِيدًا عَنْ الْمَقْصُودِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ تَشْبِيهُ الصِّيَامِ فِي هَذِهِ الْمِلَّةِ إذَا وَقَعَ عَلَى الْوَضْعِ الْمَخْصُوصِ بِالصِّيَامِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمِلَّةِ لَا تَشْبِيهُ الصَّائِمِ بِغَيْرِهِ فَلَوْ قَالَ فَكَأَنَّهُ لَكَانَتْ أَدَاةُ التَّشْبِيهِ دَاخِلَةً عَلَى الصَّائِمِ وَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مَحَلَّ التَّشْبِيهِ لَا الصَّوْمُ. وَالْمَقْصُودُ تَشْبِيهُ الْفِعْلِ بِالْفِعْلِ لَا الْفَاعِلِ بِالْفَاعِلِ، وَإِذَا قَالَ فَكَأَنَّمَا، وَكُفَّتْ " مَا " دَخَلَتْ أَدَاةُ التَّشْبِيهِ عَلَى الْفِعْلِ نَفْسِهِ وَوَقَعَ التَّشْبِيهُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْفِعْلِ بِاعْتِبَارِ الْمِلَّتَيْنِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالتَّشْبِيهِ لِتَنْبِيهِ السَّامِعِ لِقَدْرِ الْفِعْلِ وَعَظَمَتِهِ فَتَتَوَفَّرُ رَغْبَتُهُ فِيهِ فَهَذَا هُوَ الْمُرَجِّحُ لِقَوْلِهِ " فَكَأَنَّمَا " عَلَى " فَكَأَنَّهُ ". وَعَنْ السَّادِسِ أَنَّ الْمُرَادَ صَوْمُ الدَّهْرِ عَلَى حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ لَا الدَّهْرُ كَيْفَ كَانَ وَذَلِكَ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ وَاجِبٌ، وَصَوْمَ السِّتِّ مَنْدُوبٌ فَيَكُونُ نِسْبَةُ السِّتَّةِ الْمُقَدَّرَةِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمِلَّةِ، خَمْسَةُ أَسْدَاسِهَا فَرْضٌ وَسُدُسُهَا وَهُوَ الشَّهْرَانِ النَّاشِئَانِ عَنْ السِّتَّةِ الْأَيَّامِ مَنْدُوبَةٌ وَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ، خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ فَرْضٌ وَسُدُسُهُ نَفْلٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ فَرْضٌ وَلَا كُلِّهِ نَفْلٌ وَلَا الْبَعْضِ فَرْضٌ وَالْبَعْضِ نَفْلٌ عَلَى غَيْرِ النِّسْبَةِ الَّتِي ذَكَرْتهَا بَلْ يَتَعَيَّنُ مَا ذَكَرْته تَحْقِيقًا لِلتَّشْبِيهِ وَلِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ مِنْ فَرْضِيَّةِ رَمَضَانَ وَنَدْبِيَّةِ السِّتِّ فَلَوْ كَانَ الْجَمِيعُ مَنْدُوبًا لَقُلْنَا الْمُرَادُ بِالدَّهْرِ صَوْمُهُ مَنْدُوبًا وَلَوْ كَانَ الْجَمِيعُ فَرْضًا لَقُلْنَا الْمُرَادُ بِالدَّهْرِ جَمِيعُهُ فَرْضًا وَلَوْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ رَمَضَانَ فَكَأَنَّمَا صَامَ شَهْرَيْنِ لَقُلْنَا هُمَا شَهْرَانِ مَنْدُوبَانِ وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي قَوْله تَعَالَى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] أَيْ مَنْ جَاءَ بِالْمَنْدُوبَاتِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِ هَذَا الْمَنْدُوبِ أَنْ لَوْ فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمِلَّةِ وَمَنْ جَاءَ بِالْفَرْضِ مِنْ هَذِهِ الْمِلَّةِ فَلَهُ مَثُوبَاتٌ عَشْرٌ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالسِّتَّةِ أَيَّامٍ الْوَاقِعَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: 54] هِيَ كَوْنُ الْحِكْمَةِ فِيهَا فِي الْحَدِيثِ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا كَوْنُهَا شَهْرَيْنِ فَتَكْمُلُ السِّتَّةُ بِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ بِخِلَافِ مَا فَوْقَهَا وَمَا تَحْتَهَا، وَثَانِيهِمَا كَوْنُهَا أَوَّلَ الْأَعْدَادِ التَّامَّةِ فَهُوَ لِتَمَامِهِ، وَلِأَنَّهُ أَوَّلُهَا عِنْدَهُمْ أَفْضَلُ الْأَعْدَادِ كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ السَّوِيَّ الَّذِي لَا زِيَادَةَ فِي أَعْضَائِهِ وَلَا نَقْصَ أَفْضَلُ الْآدَمِيِّينَ خَلْقًا وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَالَ: الْأَعْدَادُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: عَدَدٌ تَامٌّ وَهُوَ الَّذِي إذَا جُمِعَتْ أَجْزَاؤُهُ الْمُنْطَقَةُ انْقَامَ مِنْهَا ذَلِكَ الْعَدَدُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ كَالسِّتَّةِ أَجْزَاؤُهَا: النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ، وَالثُّلُثُ اثْنَانِ، وَالسُّدُسُ وَاحِدٌ وَلَا جُزْءَ لَهَا غَيْرُ هَذِهِ وَمَجْمُوعُهَا سِتٌّ. وَعَدَدٌ نَاقِصٌ وَهُوَ الَّذِي إذَا جُمِعَتْ أَجْزَاؤُهُ الْمُنْطَقَةُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا ذَلِكَ الْعَدَدُ بَلْ أَنْقَصُ مِنْهُ كَالْأَرْبَعَةِ أَجْزَاؤُهَا: النِّصْفُ اثْنَانِ، وَالرُّبُعُ وَاحِدٌ وَلَا جُزْءَ لَهَا غَيْرُهُمَا وَمَجْمُوعُهُمَا ثَلَاثَةٌ أَقَلُّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ. وَعَدَدٌ زَائِدٌ وَهُوَ الَّذِي إذَا جُمِعَتْ أَجْزَاؤُهُ الْمُنْطَقَةُ حَصَلَ عَدَدٌ زَائِدٌ عَنْهُ كَالِاثْنَيْ عَشَرَ أَجْزَاؤُهَا: النِّصْفُ سِتَّةٌ، وَالثُّلُثُ أَرْبَعَةٌ، وَالسُّدُسُ اثْنَانِ، وَنِصْفُ السُّدُسِ وَاحِدٌ وَمَجْمُوعُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَهُوَ زَائِدٌ عَلَى الِاثْنَيْ عَشَرَ بِوَاحِدٍ، وَالتَّامُّ عِنْدَهُمْ أَفْضَلُ الْأَعْدَادِ كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ السَّوِيَّ أَفْضَلُ الْآدَمِيِّينَ خَلْقًا، وَالنَّاقِصُ مَعِيبٌ لِأَنَّهُ كَآدَمِيٍّ خُلِقَ بِغَيْرِ يَدٍ، أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ، وَالزَّائِدُ مَعِيبٌ لِأَنَّهُ كَآدَمِيٍّ خُلِقَ بِأُصْبُعٍ زَائِدَةٍ وَلَيْسَ لِلسِّتَّةِ فِي الْآيَةِ إلَّا الْأَمْرُ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهَا أَوَّلُ الْأَعْدَادِ التَّامَّةِ. وَأَمَّا كَوْنُ الْمَقْصُودِ بِذِكْرِهَا التَّنْبِيهَ لِلْعِبَادِ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّعْجِيلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ أَنَاةٌ فَمَا دَخَلَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إلَّا زَانَهُ وَلَا فُقِدَ مِنْ شَيْءٍ إلَّا شَانَهُ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ إنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ» فَهَذَا الْمَعْنَى يَحْصُلُ بِذِكْرِ الْعَدَدِ كَيْفَ كَانَ اهـ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَهُوَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرُوضِ تُحْمَلُ عَلَى الْقِنْيَةِ حَتَّى يَنْوِيَ التِّجَارَةَ وَقَاعِدَةِ مَا كَانَ أَصْلُهُ مِنْهَا لِلتِّجَارَةِ] (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ " الْعُرُوض تُحْمَلُ عَلَى الْقِنْيَةِ حَتَّى يَنْوِيَ التِّجَارَةَ " وَقَاعِدَةِ " مَا كَانَ أَصْلُهُ مِنْهَا لِلتِّجَارَةِ ") يَتَخَرَّجُ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ عُرُوضِ الْقِنْيَةِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ عَلَى الْقَاعِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَامَّةِ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ وَغَيْرِهِ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَا لَهُ ظَاهِرٌ فَهُوَ يَنْصَرِفُ إلَى ظَاهِرِهِ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ لِذَلِكَ الظَّاهِرِ وَكُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ ظَاهِرٌ لَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُ مُحْتَمَلَاتِهِ إلَّا بِمُرَجِّحٍ شَرْعِيٍّ وَذَلِكَ أَنَّ الْعُرُوضَ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِيهَا وَالْغَالِبُ أَنْ تَكُونَ لِلْقِنْيَةِ كَانَتْ ظَاهِرَةً فِي الْقِنْيَةِ فَتُصْرَفُ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَقُمْ مُعَارِضٌ رَاجِحٌ لِذَلِكَ الظَّاهِرِ كَمَا إذَا اشْتَرَى عُرُوضًا كَعَبْدٍ، أَوْ دَارٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهِيَ لِلْقِنْيَةِ إذْ لَا مُعَارِضَ، وَتُصْرَفُ إلَى مُعَارِضِهِ الرَّاجِحِ عِنْدَ قِيَامِهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا ابْتَاعَ عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ فَكَاتَبَهُ فَعَجَزَ أَوْ ارْتَجَعَ مِنْ مُفْلِسٍ سِلْعَةً، أَوْ أَخَذَ مِنْ غَرِيمِهِ عَبْدًا فِي دَيْنِهِ

مَثُوبَةُ هَذَا الْفَرْضِ أَنْ لَوْ فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْمِلَّةِ وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي جَمِيعِ رُتَبِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ، وَإِنْ عَلَتْ فَظَهَرَ أَنَّ التَّشْبِيهَ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ. وَعَنْ السَّابِعِ أَنَّ السِّتَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَدْ تَقَدَّمَتْ حِكْمَتُهَا وَهِيَ كَوْنُهَا شَهْرَيْنِ فَتَكْمُلُ السَّنَةُ بِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَحْصُلُ بِمَا فَوْقَهَا مِنْ الْعَدَدِ وَلَا بِمَا دُونَهَا مِنْ الْعَدَدِ. وَأَمَّا السِّتَّةُ فِي الْآيَةِ فَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الْأَعْدَادُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ عَدَدٌ تَامٌّ وَعَدَدٌ زَائِدٌ وَعَدَدٌ نَاقِصٌ فَالْعَدَدُ التَّامُّ هُوَ الَّذِي إذَا جُمِعَتْ أَجْزَاؤُهُ انْقَامَ مِنْهَا ذَلِكَ الْعَدَدُ كَالسِّتَّةِ فَإِنَّ أَجْزَاءَهَا النِّصْفُ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَالثُّلُثُ اثْنَانِ وَالسُّدُسُ وَاحِدٌ فَلَا جُزْءَ لَهَا غَيْرُ هَذِهِ وَمَجْمُوعُهَا سِتٌّ وَهُوَ أَصْلُ الْعَدَدِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ، وَالْأَرْبَعَةُ لَهَا نِصْفٌ وَرُبُعٌ خَاصَّةً وَمَجْمُوعُهَا ثَلَاثَةٌ فَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ الْعَدَدُ فَالْأَرْبَعَةُ عَدَدٌ نَاقِصٌ وَالْعَشَرَةُ لَهَا نِصْفٌ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَخُمُسٌ وَهُوَ اثْنَانِ وَعُشْرٌ وَهُوَ وَاحِدٌ، وَمَجْمُوعُهَا ثَمَانِيَةٌ فَهُوَ عَدَدٌ نَاقِصٌ وَالِاثْنَا عَشَرَ لَهَا نِصْفٌ وَهُوَ سِتَّةٌ وَثُلُثٌ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَسُدُسٌ وَهُوَ اثْنَانِ وَنِصْفُ سُدُسٍ وَهُوَ وَاحِدٌ وَمَجْمُوعُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَهُوَ عَدَدٌ زَائِدٌ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْأَجْزَاءِ أَنْ تَكُونَ بِغَيْرِ كَسْرٍ فِي هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَالْعَدَدُ النَّاقِصُ عِنْدَهُمْ كَآدَمِيٍّ خُلِقَ بِغَيْرِ يَدٍ، أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ فَهُوَ مَعِيبٌ، وَالْعَدَدُ الزَّائِدُ أَيْضًا مَعِيبٌ؛ لِأَنَّهُ كَإِنْسَانٍ خُلِقَ بِإِصْبَعٍ زَائِدَةٍ، وَالْعَدَدُ التَّامُّ كَإِنْسَانٍ خُلِقَ خَلْقًا سَوِيًّا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ وَهُوَ عِنْدَهُمْ أَفْضَلُ الْأَعْدَادِ كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ السَّوِيَّ أَفْضَلُ الْآدَمِيِّينَ خَلْقًا، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ السِّتَّةَ عَدَدٌ تَامٌّ مَحْمُودٌ فَهُوَ أَوَّلُ الْأَعْدَادِ التَّامَّةِ فَلِذَلِكَ ذُكِرَ لِتَمَامِهِ وَلِأَنَّهُ أَوَّلُهَا وَذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: 54] وَكَانَ الْمَقْصُودُ تَنْبِيهَ الْعِبَادِ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّعْجِيلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ أَنَاةٌ فَمَا دَخَلَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إلَّا زَانَهُ وَلَا فُقِدَ مِنْ شَيْءٍ إلَّا شَانَهُ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَشَجِّ عَبْد الْقِيس إنَّ فِيكَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ دَارًا فَأَجَرَهَا سِنِينَ رَجَعَ جَمِيعُ ذَلِكَ لِحُكْمِ أَصْلِهِ مِنْ التِّجَارَةِ فَإِنَّ مَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِنِيَّةِ الْقِنْيَةِ فَالْعَبْدُ الْمَأْخُوذُ وَنَحْوُهُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ أَصْلِهِ قَالَ سَنَدٌ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فَلَوْ ابْتَاعَ الدَّارَ بِقَصْدِ الْغَلَّةِ فَفِي اسْتِئْنَافِ الْحَوْلِ بَعْدَ الْبَيْعِ رِوَايَتَانِ لِمَالِكٍ وَلَوْ ابْتَاعَهَا لِلتِّجَارَةِ وَالسُّكْنَى فَلِمَالِكٍ أَيْضًا قَوْلَانِ أَيْ بِالِاسْتِئْنَافِ لِلْحَوْلِ بَعْدَ الْبَيْعِ مُرَاعَاةً لِقَصْدِ التَّنْمِيَةِ بِالْغَلَّةِ وَالتِّجَارَةِ، وَعَدَمِ الِاسْتِئْنَافِ لَهُ بَعْدَهُ تَغْلِيبًا لِلنِّيَّةِ فِي الْقِنْيَةِ عَلَى نِيَّةِ التَّنْمِيَةِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْعُرُوضِ، وَفِي شَرْحِ الْمُنْتَقَى لِلْبَاجِيِّ عَلَى الْمُوَطَّإِ: وَالْأَمْوَالُ عَلَى ضَرْبَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا مَالٌ أَصْلُهُ التِّجَارَةُ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَهَذَا عَلَى حُكْمِ التِّجَارَةِ حَتَّى يَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى الْقِنْيَةِ، وَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَيْهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْعَمَلِ وَالْعَمَلُ الْمُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ الصِّيَاغَةُ. وَثَانِيهِمَا مَالٌ أَصْلُهُ الْقِنْيَةُ كَالْعُرُوضِ وَالثِّيَابِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ وَالْأَطْعِمَةِ فَهَذَا عَلَى حُكْمِ الْقِنْيَةِ حَتَّى يَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى التِّجَارَةِ، وَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَيْهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَالْعَمَلِ، وَالْعَمَلُ الْمُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ الِابْتِيَاعُ اهـ بِتَصَرُّفٍ، ثُمَّ قَالَ مَا مَعْنَاهُ وَالِابْتِيَاعُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا التَّقْلِيبُ عَلَى وَجْهِ الِادِّخَارِ وَانْتِظَارِ الْأَسْوَاقِ فَهَذَا لَا زَكَاةَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِيهِ، وَإِنْ أَقَامَ أَعْوَامًا حَتَّى يَبِيعَ فَيُزَكِّيَ لِعَامٍ وَاحِدٍ. الثَّانِي التَّقْلِيبُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ غَيْرِ انْتِظَارِ سُوقٍ كَفِعْلِ أَرْبَابِ الْحَوَانِيتِ الْمُدِيرِينَ فَهَذَا فِيهِ الزَّكَاةُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي كُلِّ عَامٍ عَلَى شُرُوطٍ: أَحَدُهَا أَنْ يُقَوِّمَ الْعَرَضَ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ مِنْ يَوْمِ كَانَ زَكَّى الْمَالَ قَبْلَ أَنْ يُدِيرَهُ، أَوْ مِنْ يَوْمِ أَفَادَهُ. وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ التَّقْوِيمُ قِيمَةَ عَدْلٍ بِمَا تُسَاوِي الْعَرَضَ حِينَ تَقْوِيمِهَا. وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْبَيْعِ الْمَعْرُوفِ دُونَ بَيْعِ الضَّرُورَةِ. وَالرَّابِعُ أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ مَعَ مَا يَحْسُبُهُ مِنْ عَيْنِهِ وَنَقْدِهِ حَيْثُ كَانَ بَيْعُهُ فِي أَكْثَرِ مِنْ عَامِهِ بِالْعَيْنِ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَيُزَكِّيَهُ بِأَنْ يُخْرِجَ فِي الْعِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفَ دِينَارٍ وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْجَمِيعُ عِشْرِينَ دِينَارًا بِأَنْ نَقَصَ وَلَوْ قَلَّ مِنْ ثُلُثِ دِينَارٍ فَلَا زَكَاةَ اهـ. وَفِي عبق مَعَ الْمَتْنِ مَا خُلَاصَتُهُ: وَإِنَّمَا يُزَكِّي عِوَضَ عَرَضٍ أَيْ قِيمَتَهُ فِي الْمُدِيرِ حَيْثُ قُوِّمَ وَثَمَنُهُ حَيْثُ بَاعَ كَالْمُحْتَكِرِ بِسِتَّةِ شُرُوطٍ أَشَارَ. لِأَوَّلِهَا بِقَوْلِهِ: لَا زَكَاةَ فِي عَيْنِهِ فَخَرَجَ مَا فِي عَيْنِهِ زَكَاةٌ كَمَاشِيَةٍ وَحَرْثٍ وَحُلِيٍّ. وَلِثَانِيهَا بِقَوْلِهِ: مُلِّكَ بِمُعَاوَضَةٍ عَلَيْهِ مَالِيَّةٍ فَخَرَجَ نَحْوُ الْمَوْهُوبِ وَنَحْوُ الْمَمْلُوكِ بِخُلْعٍ. وَلِثَالِثِهَا بِقَوْلِهِ: وَكَانَ مَصْحُوبًا بِنِيَّةِ تَجْرٍ مُنْفَرِدَةٍ، أَوْ مَعَ نِيَّةِ غَلَّةٍ كَنِيَّةِ كِرَائِهِ عِنْدَ شِرَائِهِ، وَإِنْ وَجَدَ رِبْحًا بَاعَ، أَوْ مَعَ نِيَّةِ قِنْيَةٍ كَنِيَّةِ انْتِفَاعٍ بِوَطْءٍ، أَوْ خِدْمَةٍ عِنْدَ نِيَّةِ بَيْعِهِ إنْ وَجَدَ رِبْحًا وَأَوْ لِمَنْعِ الْخُلُوِّ لِأَنَّ انْضِمَامَهُمَا لِنِيَّةِ التَّجْرِ كَانْضِمَامِ أَحَدِهِمَا لَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ وَالْمُرَجَّحُ بِلَا نِيَّةٍ فَلَا زَكَاةَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَرَضِ الْقِنْيَةُ، أَوْ مَعَ نِيَّةِ قِنْيَةٍ فَقَطْ فَلَا زَكَاةَ اتِّفَاقًا، أَوْ نِيَّةِ غَلَّةٍ فَقَطْ كَشِرَائِهِ بِنِيَّةِ كِرَائِهِ فَلَا زَكَاةَ كَمَا رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ خِلَافًا لِاخْتِيَارِ اللَّخْمِيِّ الزَّكَاةَ فِيهِ - قَائِلًا - لَا فَرْقَ بَيْنَ الْتِمَاسِ الرِّبْحِ مِنْ رِقَابٍ، أَوْ مَنَافِعَ، أَوْ نِيَّتِهِمَا - أَيْ الْقِنْيَةِ وَالْغَلَّةِ - فَلَا زَكَاةَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ مِنْ الْمُغْتَلِّ أَمَّا عِنْدَ مَنْ يُوجِبُهَا فِي الْمُغْتَلِّ فَيَجْتَمِعُ هَهُنَا مُوجِبٌ وَمُسْقِطٌ فَقَدْ يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُرَاعَى الْخِلَافُ. وَلِرَابِعِهَا بِقَوْلِهِ: وَكَانَ أَصْلُهُ عَيْنًا، وَإِنْ قَلَّ، أَوْ كَهُوَ أَيْ كَأَصْلِهِ عَرَضًا مُلِّكَ بِمُعَاوَضَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ عَرَضَ تِجَارَةٍ أَوْ قِنْيَةٍ فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ عَرَضُ تَجْرٍ فَبَاعَهُ بِعَرَضٍ

لِخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ» وَهَذَا الْمَعْنَى يَحْصُلُ بِذِكْرِ الْعَدَدِ كَيْفَ كَانَ لَكِنْ يُرَجَّحُ هَذَا بِأَنَّهُ أَوَّلُ عَدَدٍ يَكُونُ تَامًّا وَوَقَعَ فِي الْحَدِيثِ لِغَيْرِ هَذَا الْغَرَضِ كَمَا تَقَدَّمَ فَالْبَابَانِ مُخْتَلِفَانِ. (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُرُوضِ تُحْمَلُ عَلَى الْقِنْيَةِ حَتَّى يَنْوِيَ التِّجَارَةَ وَقَاعِدَةِ مَا كَانَ أَصْلُهُ مِنْهَا لِلتِّجَارَةِ) هَاتَانِ قَاعِدَتَانِ فِي الْمَذْهَبِ مُخْتَلِفَتَانِ يَنْبَغِي بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَالسِّرِّ فِيهِمَا فَوَقَعَ لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا ابْتَاعَ عَبْدًا لِلتِّجَارَةِ فَكَاتَبَهُ فَعَجَزَ، أَوْ ارْتَجَعَ مِنْ مُفْلِسٍ سِلْعَةً، أَوْ أَخَذَ مِنْ غَرِيمِهِ عَبْدًا فِي دَيْنِهِ، أَوْ دَارًا فَأَجَّرَهَا سِنِينَ رَجَعَ جَمِيعُ ذَلِكَ لِحُكْمِ أَصْلِهِ مِنْ التِّجَارَةِ فَإِنْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِنِيَّةِ الْقِنْيَةِ، وَالْعَبْدُ الْمَأْخُوذُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ أَصْلِهِ قَالَ سَنَدٌ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فَلَوْ ابْتَاعَ الدَّارَ بِقَصْدِ الْغَلَّةِ فَفِي اسْتِئْنَافِ الْحَوْلِ بَعْدَ الْبَيْعِ لِمَالِكٍ رِوَايَتَانِ وَلَوْ ابْتَاعَهَا لِلتِّجَارَةِ وَالسُّكْنَى فَلِمَالِكٍ أَيْضًا قَوْلَانِ مُرَاعَاةً لِقَصْدِ التَّنْمِيَةِ بِالْغَلَّةِ وَالتِّجَارَةِ، أَوْ التَّغْلِيبِ لِلنِّيَّةِ فِي الْقِنْيَةِ عَلَى نِيَّةِ التَّنْمِيَةِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْعُرُوضِ فَإِنْ اشْتَرَى وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهِيَ لِلْقِنْيَةِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِيهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ يَقَعُ بِبَيَانِ قَاعِدَةٍ ثَالِثَةٍ شَرْعِيَّةٍ عَامَّةٍ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ وَغَيْرِهِ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَا لَهُ ظَاهِرٌ فَهُوَ يَنْصَرِفُ إلَى ظَاهِرِهِ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الْمُعَارِضِ أَوْ الرَّاجِحِ لِذَلِكَ الظَّاهِرِ وَكُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ ظَاهِرٌ لَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُ مُحْتَمَلَاتِهِ إلَّا بِمُرَجِّحٍ شَرْعِيٍّ وَلِذَلِكَ انْصَرَفَتْ الْعُقُودُ الْمُطْلَقَةُ إلَى النُّقُودِ الْغَالِبَةِ فِي زَمَانِ ذَلِكَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ فِيهَا، وَإِذَا وَكَّلَ إنْسَانٌ إنْسَانًا فَتَصَرَّفَ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فِي تَخْصِيصِ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ بِالْمُوَكِّلِ فَإِنَّ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ يَنْصَرِفُ لِلْمُتَصَرِّفِ الْوَكِيلِ دُونَ مُوَكِّلِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى تَصَرُّفَاتِهِ أَنَّهَا لِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ تَصَرُّفَاتُ الْمُسْلِمِينَ إذَا أُطْلِقَتْ وَلَمْ تُقَيَّدْ بِمَا يَقْتَضِي حِلَّهَا وَلَا تَحْرِيمَهَا فَإِنَّهَا تَنْصَرِفُ لِلتَّصَرُّفَاتِ الْمُبَاحَةِ دُونَ الْمُحَرَّمَةِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQنَوَى بِهِ التِّجَارَةَ، ثُمَّ بَاعَهُ فَإِنَّهُ يُزَكِّي ثَمَنَهُ لِحَوْلِ أَصْلِهِ اتِّفَاقًا، أَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَرَضُ قِنْيَةٍ مُلِّكَ بِمُعَاوَضَةٍ فَبَاعَهُ بِعَرَضٍ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ ثُمَّ بَاعَهُ فَإِنَّهُ يُزَكِّي ثَمَنَهُ لِحَوْلِ أَصْلِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِإِعْطَاءِ الثَّمَنَ حُكْمَ أَصْلِهِ الثَّانِي لَا أَصْلِهِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ عِنْدَهُ عَرَضُ قِنْيَةٍ مُفَادٌ فَبَاعَهُ بِعَرَضٍ نَوَى بِهِ التِّجَارَةَ، ثُمَّ بَاعَهُ فَفِي ذَلِكَ طَرِيقَتَانِ الْأُولَى طَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ فِي زَكَاتِهِ وَعَدَمِهَا قَوْلَانِ، وَالثَّانِيَةُ طَرِيقَةُ ابْنِ الْحَارِثِ إنْ كَانَ أَصْلُ عَرَضِ الْقِنْيَةِ مِنْ شِرَاءٍ فَالْقَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ أَحَدِ قَوْلَيْ أَشْهَبَ، وَقَوْلُهُ الْآخَرُ: وَإِنْ كَانَ بِإِرْثٍ فَقِنْيَةٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْحَطَّابِ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ. وَلِخَامِسِهَا بِقَوْلِهِ: وَبِيعَ بِعَيْنٍ لَكِنْ لَا بُدَّ فِي الْمُحْتَكِرِ أَنْ يَكُونَ مَا بَاعَ بِهِ مِنْ الْعَيْنِ نِصَابًا وَلَوْ فِي مَرَّاتٍ وَبَعْدَ كَمَالِ النِّصَابِ يُزَكِّي مَا بِيعَ بِهِ وَلَوْ قَلَّ وَالْمُدِيرُ لَا يُقَوَّمُ إلَّا إنْ نَضَّ لَهُ شَيْءٌ مَا وَلَوْ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ، وَيُخْرِجُ عَمَّا قَوَّمَهُ مِنْ الْعَرَضِ ثَمَنًا عَلَى الْمَشْهُورِ لَا عَرَضًا بِقِيمَتِهِ، سَوَاءٌ نَضَّ لَهُ أَوَّلَ الْحَوْلِ، أَوْ وَسَطَهُ أَوْ آخِرَهُ بَقِيَ مَا نَضَّ، أَوْ ذَهَبَ، وَإِذَا لَمْ يَنِضَّ لَهُ شَيْءٌ آخِرَ الْحَوْلِ لَمْ يُزَكِّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْمُعَاوَضَةُ اخْتِيَارِيَّةً، أَوْ جَبْرِيَّةً كَأَنْ يَسْتَهْلِكَ شَخْصٌ لِآخَرَ سِلْعَةً فَيَأْخُذَ فِي قِيمَتِهَا عَرَضًا يَنْوِي بِهِ التِّجَارَةَ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ اخْتِيَارِيًّا، أَوْ اضْطِرَارًا كَمَنْ اسْتَهْلَكَ عَرَضَ تِجَارَةٍ وَأَخَذَ مِنْهُ قِيمَتَهُ. وَلِسَادِسِ الشُّرُوطِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ رَصَدَ بِهِ الْأَسْوَاقَ أَيْ انْتَظَرَ بِهِ رِبْحًا خَاصًّا فَكَالدَّيْنِ أَيْ زَكَاةً وَحَوْلًا وَقَبْضًا وَاقْتِضَاءً وَضَمًّا وَاخْتِلَاطًا وَتَلَفًا وَاتِّفَاقًا وَفِرَارًا وَبَقَاءً اُنْظُرْ الْحَطَّابَ، وَإِلَّا زَكَّى عَنْهُ وَلَوْ حُلِيًّا وَيُزَكِّي وَزْنَهُ تَحْقِيقًا، أَوْ تَحَرِّيًا كَمَا إذَا كَانَ عَرَضَ تِجَارَةٍ مُرَصَّعًا بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، وَدَيْنُهُ أَيْ عَدَدُهُ النَّقْدُ الْحَالُّ الْمَرْجُوُّ الْمُعَدُّ لِلنَّمَاءِ، وَإِلَّا يَكُنْ كَذَلِكَ بِأَنْ كَانَ عَرَضًا أَوْ مُؤَجَّلًا مَرْجُوَّيْنِ قَوَّمَهُ وَلَوْ طَعَامَ سَلَمٍ كَسِلْعَةٍ - أَيْ الْمُدِيرِ - وَلَوْ بِإِرْثٍ لَا إنْ لَمْ يَرْجُهُ، أَوْ كَانَ قَرْضًا اهـ. الْمُرَادُ بِإِصْلَاحٍ مِنْ بْن وَبِالْجُمْلَةِ فَمَسْأَلَةُ الْعُرُوضِ وَكَذَا مَسْأَلَةُ النَّقْدَيْنِ مِنْ مَسَائِلِ مَا لَهُ ظَاهِرٌ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ قِيَامِ مُعَارِضٍ رَاجِحٍ لَهُ وَمِنْهَا الْعُقُودُ الْمُطْلَقَةُ تُصْرَفُ إلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ فِيهَا مِنْ الْعُقُودِ الْغَالِبَةِ فِي زَمَانِ ذَلِكَ الْعَقْدِ فَإِذَا وَكَّلَ إنْسَانٌ إنْسَانًا فَتَصَرَّفَ الْوَكِيلُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فِي تَخْصِيصِ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ مِنْ بَيْعٍ، أَوْ غَيْرِهِ بِالْوَكِيلِ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ يَنْصَرِفُ لِنَفْسِهِ دُونَ مُوَكِّلِهِ إذْ غَالِبُ تَصَرُّفَاتِهِ أَنْ يَكُونَ لِنَفْسِهِ، وَإِذَا أُطْلِقَتْ تَصَرُّفَاتُ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ تُقَيَّدْ بِمَا يَقْتَضِي حِلَّهَا وَلَا تَحْرِيمَهَا انْصَرَفَتْ لِلتَّصَرُّفَاتِ الْمُبَاحَةِ دُونَ الْمُحَرَّمَةِ لِأَنَّ الْحِلَّ ظَاهِرُ حَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا أُطْلِقَ الْعَقْدُ عَلَى الْعَيْنِ وَلَمْ يُصَرَّحْ فِيهِ بِمَنْفَعَةٍ خَاصَّةٍ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ عُرْفًا مِنْهُ فَمَنْ اسْتَأْجَرَ قَادَ وَمَا انْصَرَفَ إلَى النَّجْرِ دُونَ الْعِزَاقِ وَعَجْنِ الطِّينِ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عِمَامَةً انْصَرَفَ إلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي الرُّءُوسِ دُونَ الْأَوْسَاطِ، أَوْ قَمِيصًا انْصَرَفَ إلَى اللُّبْسِ وَكَذَا كُلُّ عَقْدٍ عَلَى أَيِّ آلَةٍ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهَا وَلَا يَحْتَاجُ الْمُتَعَاقِدَانِ إلَى التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ بَلْ يَكْفِي ظَاهِرُ الْحَالِ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً فَإِنْ كَانَتْ مِنْ دَوَابِّ الْحَمْلِ انْصَرَفَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ فِيهَا لِلْحَمْلِ دُونَ الرُّكُوبِ، أَوْ مِنْ دَوَابِّ الرُّكُوبِ انْصَرَفَ لِرُكُوبٍ دُونَ الْحَمْلِ فَيُكْتَفَى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِظَاهِرِ حَالِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَمِنْهَا صَرِيحُ بَابِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالظِّهَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ وَيَنْصَرِفُ لِذَلِكَ الْبَابِ بِظَاهِرِهِ وَمِنْ مَسَائِلِ مَا لَيْسَ لِمُحْتَمَلَاتِهِ ظَاهِرٌ فَيُحْمَلُ عَلَى أَحَدِهَا

[الفرق بين قاعدة العمال في القراض وقاعدة الشركاء]

حَالِ الْمُسْلِمِينَ وَلِذَلِكَ تَنْصَرِفُ الْعُقُودُ وَالْأَعْوَاضُ إلَى الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ الْعَيْنِ عُرْفًا؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُهَا وَلَا يُحْتَاجُ إلَى التَّصْرِيحِ بِهَا كَمَنْ اسْتَأْجَرَ قَدُومًا فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى النَّجْرِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ حَالِهِ دُونَ الْعِزَاقِ وَعَجْنِ الطِّينِ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ عِمَامَةً فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الِاسْتِعْمَالِ فِي الرُّءُوسِ دُونَ الْأَوْسَاطِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ حَالِهَا وَكَذَلِكَ الْقَمِيصُ يَنْصَرِفُ إلَى اللُّبْسِ، وَكُلُّ آلَةٍ تَنْصَرِفُ إلَى ظَاهِرِ حَالِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَلَا يَحْتَاجُ الْمُتَعَاقِدَانِ إلَى التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ بَلْ يَكْفِي ظَاهِرُ الْحَالِ وَكَذَلِكَ اسْتِئْجَارُ دَوَابِّ الْحَمْلِ يَنْصَرِفُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ فِيهَا لِلْحَمْلِ دُونَ الرُّكُوبِ، وَعَكْسُهُ دَوَابُّ الرُّكُوبِ، وَيُكْتَفَى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِظَاهِرِ حَالِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَاحْتَاجَتْ الْعِبَادَاتُ لِلنِّيَّاتِ لِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ الْعِبَادَاتِ وَالْعَادَاتِ وَتَرَدُّدِهَا أَيْضًا بَيْنَ رُتَبِهَا الْخَاصَّةِ بِهَا كَالْفَرِيضَةِ وَالتَّطَوُّعِ وَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا احْتَاجَتْ الْكِنَايَاتُ فِي بَابِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالظِّهَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَى النِّيَّاتِ لِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ تِلْكَ الْمَقَاصِدِ وَغَيْرِهَا بِخِلَافِ صَرِيحِ كُلِّ بَابٍ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ لِذَلِكَ الْبَابِ بِظَاهِرِهِ وَاسْتُغْنِيَ عَنْ النِّيَّةِ بِظَاهِرِهِ فَخَرَجَتْ قَاعِدَةُ عُرُوضِ الْقِنْيَةِ وَقَاعِدَةُ عُرُوضِ التِّجَارَةِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَهِيَ قَاعِدَةٌ حَسَنَةٌ يَتَخَرَّجُ عَلَيْهَا كَثِيرٌ مِنْ فُرُوعِ الشَّرِيعَةِ. (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُمَّالِ فِي الْقِرَاضِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ مَتَى سَقَطَتْ عَنْ رَبِّ الْمَالِ سَقَطَتْ عَنْ الْعَامِلِ وَقَاعِدَةِ الشُّرَكَاءِ لَا يَلْزَمُ أَنَّهُ مَتَى سَقَطَتْ عَنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ سَقَطَتْ عَنْ الْآخَرِ) بَلْ قَدْ تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ لِاجْتِمَاعِ شَرَائِطِ الزَّكَاةِ فِي حَقِّهِ دُونَ الْآخَرِ لِاخْتِلَالِ بَعْضِ الشُّرُوطِ فِي حَقِّهِ. وَعُمَّالُ الْقِرَاضِ لَيْسُوا كَذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِمْ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَفِي الْمَذْهَبِ أَيْضًا الْخِلَافُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ يَنْبَنِي عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّهُ مَتَى كَانَ الْفَرْعُ مُخْتَصًّا بِأَصْلٍ وَاحِدٍ أُجْرِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمُرَجِّحٍ شَرْعِيٍّ الْعِبَادَاتُ احْتَاجَتْ لِلنِّيَّاتِ لِتَرَدُّدِهَا إمَّا بَيْنَ الْعِبَادَاتِ وَالْعَادَاتِ، وَإِمَّا بَيْنَ رُتَبِهَا الْخَاصَّةِ بِهَا كَالْفَرِيضَةِ وَالتَّطَوُّعِ وَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْهَا الْكِنَايَاتُ فِي بَابِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالظِّهَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ احْتَاجَتْ إلَى النِّيَّاتِ لِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ تِلْكَ الْمَقَاصِدِ وَغَيْرِهَا فَالْقَاعِدَةُ الْمَذْكُورَةُ عَامَّةٌ حَسَنَةٌ يَتَخَرَّجُ عَلَيْهَا كَثِيرٌ مِنْ فُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُمَّالِ فِي الْقِرَاضِ وَقَاعِدَةِ الشُّرَكَاءِ] (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعُمَّالِ فِي الْقِرَاضِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ مَتَى سَقَطَتْ عَنْ رَبِّ الْمَالِ سَقَطَتْ عَنْ الْعَامِلِ وَقَاعِدَةِ الشُّرَكَاءِ لَا يَلْزَمُ أَنَّهُ مَتَى سَقَطَتْ عَنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ سَقَطَتْ عَنْ الْآخَرِ) يَنْبَنِي الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّهُ مَتَى كَانَ الْفَرْعُ مُخْتَصًّا بِأَصْلٍ وَاحِدٍ أُجْرِيَ عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَمَتَى دَارَ بَيْنَ أَصْلَيْنِ، أَوْ أُصُولٍ وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي تَغْلِيبِ أَحَدِ الْأَصْلَيْنِ، أَوْ الْأُصُولِ عَلَى الْآخَرِ فَقَاعِدَةُ الْعُمَّالِ فِي الْقِرَاضِ لَمَّا كَانَتْ دَائِرَةً بَيْنَ أَنْ يَكُونُوا شُرَكَاءَ لِرَبِّ الْمَالِ بِأَعْمَالِهِمْ، وَأَرْبَابُ الْأَمْوَالِ شُرَكَاءَ بِأَمْوَالِهِمْ وَيُعَضِّدُهُ أُمُورٌ مِنْهَا تَسَاوِي الْفَرِيقَيْنِ فِي زِيَادَةِ الرِّبْحِ وَنُقْصَانِهِ كَمَا هُوَ حَالُ الشُّرَكَاءِ وَمِنْهَا أَنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْعَامِلُ لَيْسَ فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الشَّرِيكِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونُوا أُجَرَاءَ وَيُعَضِّدُهُ أُمُورٌ مِنْهَا اخْتِصَاصُ رَبِّ الْمَالِ بِضَيَاعِ الْمَالِ وَغَرَامَتِهِ فَلَا يَكُونُ عَلَى الْعَامِلِ مِنْهُ شَيْءٌ وَمِنْهَا أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ مُعَاوَضَةٌ عَلَى عَمَلِهِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْأُجَرَاءِ وَكَانَ مِنْ مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ أَنْ تُمْلَكَ بِالظُّهُورِ وَمِنْ مُقْتَضَى الْإِجَارَةِ أَنْ لَا تُمْلَكَ إلَّا بِالْقِسْمَةِ وَالْقَبْضِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَذْهَبِ، وَخَارِجَهُ فِي تَغْلِيبِ الشَّرِكَةِ فَتَكْمُلُ الشُّرُوطُ لِلزَّكَاةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ تَغْلِيبِ الْإِجَارَةِ فَيُجْعَلُ الْمَالُ وَرِبْحُهُ لِرَبِّهِ. فَلَا يُعْتَبَرُ الْعَامِلُ أَصْلًا وَابْنُ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - صَعُبَ عَلَيْهِ إطْرَاحُ أَحَدِهِمَا بِالْكُلِّيَّةِ فَرَأَى أَنَّ الْعَمَلَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى وَهِيَ الْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَاعْتُبِرَ وَجْهًا مِنْ الْإِجَارَةِ وَوَجْهًا مِنْ الشَّرِكَةِ فَوَقَعَ التَّفْرِيعُ هَكَذَا مَتَى كَانَ الْعَامِلُ وَرَبُّ الْمَالِ كُلُّ وَاحِدٍ فِيهِمَا مُخَاطَبٌ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ مُنْفَرِدًا فِيمَا يَنُوبُهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا وَمَتَى لَمْ يَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ فِيهِمَا مُخَاطَبًا بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ لِكَوْنِهِمَا عَبْدَيْنِ، أَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَوْ لِقُصُورِ الْمَالِ وَرِبْحِهِ عَنْ النِّصَابُ وَلَيْسَ لِرَبِّهِ غَيْرُهُ سَقَطَتْ عَنْهُمَا وَمَتَى كَانَ أَحَدُهُمَا مُخَاطَبًا بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَحْدَهُ دُونَ الْآخَرِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَتَى سَقَطَتْ عَنْ أَحَدِهِمَا إمَّا الْعَامِلِ، أَوْ رَبِّ الْمَالِ سَقَطَتْ عَنْ الْعَامِلِ فِي الرِّبْحِ أَمَّا إنْ سَقَطَتْ عَنْهُ فَتَغْلِيبًا لِحَالِ نَفْسِهِ وَتَغْلِيبًا لِحَالِ الشَّرِكَةِ وَشَائِبَتِهَا. وَأَمَّا إنْ سَقَطَتْ عَنْ رَبِّ الْمَالِ فَتَسْقُطُ أَيْضًا عَنْ الْعَامِلِ فِي حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ تَغْلِيبًا لِشَائِبَةِ الْإِجَارَةِ وَهُوَ كَوْنُهُ إذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَقَبَضَ أُجْرَتَهُ اسْتَأْنَفَ بِهَا الْحَوْلَ فَكَذَلِكَ هَذَا الْعَامِلُ، وَرَأَى أَشْهَبُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتِبَارَ رَبِّ الْمَالِ فَتَجِبُ فِي حِصَّةِ الرِّبْحِ تَبَعًا لِوُجُوبِهَا فِي الْأَصْلِ لِأَنَّهُ يُزَكِّي مِلْكَهُ، وَأَنَّ رِبْحَ الْمَالِ مَضْمُومٌ إلَى أَصْلِهِ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ اتَّجَرَ بِدِينَارٍ فَصَارَ فِي آخِرِ الْحَوْلِ نِصَابًا فَإِنَّهُ يُزَكِّي، وَيُقَدِّرُ الرِّبْحَ كَامِنًا مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ إلَى آخِرِهِ وَفِيمَا إذَا كَمَلَ بِأَوْلَادِ الْمَوَاشِي نِصَابُهَا فَمَتَى خُوطِبَ رَبُّ الْمَالِ وَجَبَتْ عَلَى

عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَمَتَى دَارَ بَيْنَ أَصْلَيْنِ، أَوْ أُصُولٍ يَقَعُ الْخِلَافُ فِيهِ لِتَغْلِيبِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ بَعْضَ تِلْكَ الْأُصُولِ وَتَغْلِيبِ الْبَعْضِ الْآخَرِ أَصْلًا آخَرَ فَيَقَعُ الْخِلَافُ لِذَلِكَ وَلِذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا قُتِلَتْ هَلْ تَجِبُ فِيهَا قِيمَةُ أَمْ لَا لِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ الْأَرِقَّاءِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تُوطَأُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَبَيْنَ الْأَحْرَارِ لِتَحْرِيمِ بَيْعِهَا، وَإِحْرَازِهَا لِنَفْسِهَا وَمَالِهَا، وَتَرَدُّدِ إثْبَاتِ هِلَالِ رَمَضَانَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ وَكَذَلِكَ التَّرْجُمَانُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالنَّائِبِ وَالْمُقَوِّمِ وَغَيْرِهِمْ جَرَى الْخِلَافُ فِيهِمْ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِمْ الْعَدَدُ تَغْلِيبًا لِلشَّهَادَةِ، أَوْ لَا يُشْتَرَطُ تَغْلِيبًا لِلرِّوَايَةِ وَكَتَرَدُّدِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ مِنْ الْأَبْوَابِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ كَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ هَلْ تُرَدُّ إلَى أَصْلِهَا فَيَجِبَ قِرَاضُ الْمِثْلِ، أَوْ إلَى أَصْلِ أَصْلِهَا فَيَجِبَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَذَلِكَ الْمُسَاقَاةُ لِتَرَدُّدِ هَذِهِ الْفَاسِدَةِ بَيْنَ أَصْلِهَا وَأَصْلِ أَصْلِهَا فَإِنَّ أَصْلَ أَصْلِهَا أَصْلُهَا أَيْضًا فَلِذَلِكَ كُلُّ مَا تَوَسَّطَ غَرَرُهُ أَوْ الْجَهَالَةُ فِيهِ مِنْ الْعُقُودِ تَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِيهِ لِتَوَسُّطِهِ بَيْنَ الْغَرَرِ الْأَعْلَى فَيَبْطُلُ، أَوْ الْغَرَرِ الْأَدْنَى الْمُجْمَعِ عَلَى جَوَازِهِ وَاغْتِفَارِهِ فِي الْعُقُودِ فَيَجُوزُ وَالْمُتَوَسِّطُ أَخَذَ شَبَهًا مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَمَنْ قَرَّبَهُ مِنْ هَذَا مَنَعَ. أَوْ مِنْ الْآخَرِ أَجَازَ وَكَذَلِكَ الْمَشَاقُّ الْمُتَوَسِّطَةُ فِي الْعِبَادَاتِ دَائِرٌ بَيْنَ أَدْنَى الْمَشَاقِّ فَلَا تُوجِبُ تَرَخُّصًا وَبَيْنَ أَعْلَاهَا فَتُوجِبُ التَّرَخُّصَ فَتَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْثِيرِهَا فِي الْإِسْقَاطِ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ التُّهَمُ فِي رَدِّ الشَّهَادَاتِ إذَا تَوَسَّطَتْ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُوجَبُ الرَّدِّ كَشَهَادَةِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ قَادِحٍ فِي الشَّهَادَةِ كَشَهَادَةِ الرَّجُلِ الْآخَرِ مِنْ قَبِيلَتِهِ فَيَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ؛ أَيُّ التَّغْلِيبَيْنِ يُعْتَبَرُ وَذَلِكَ كَشَهَادَةِ الْأَخِ لِأَخِيهِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ تُقْبَلُ، أَوْ تُرَدُّ وَكَذَلِكَ الثُّلُثُ يَتَرَدَّدُ فِي مَسَائِلَ بَيْنَ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ فَيَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِي إلْحَاقِهِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْ الْمُتَرَدِّدَاتِ بَيْنَ أَصْلَيْنِ فَأَكْثَرَ وَالْعُمَّالُ فِي الْقِرَاضِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَامِلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصْلًا تَغْلِيبًا لِهَذَا الْأَصْلِ وَهُوَ ضَمُّ الرِّبْحِ إلَى الْأَصْلِ فِي الزَّكَاةِ وَوَقَعَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يُعْتَبَرُ حَالُ الْعَامِلِ فِي نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ أَهْلًا بِالنِّصَابِ وَغَيْرِهِ زَكَّى، وَإِلَّا فَلَا تَغْلِيبًا لِشَائِبَةِ الشَّرِكَةِ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَمُحَصَّلُهُ أَرْبَعَةُ أُمُورٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعَامِلَ يُزَكِّي حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَإِنْ قَصَرَتْ عَنْ النِّصَابِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَجِيرٌ خِلَافًا لِمَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيمَا قَلَّ وَقَصُرَ عَنْ النِّصَابِ وَخِلَافًا لِقَوْلِ أَشْهَبَ إنَّ زَكَاتَهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لَا عَلَى الْعَامِلِ قَالَ الْحَطَّابُ: الْعَامِلُ يُزَكِّي رِبْحَهُ وَلَوْ كَانَ دُونَ النِّصَابِ هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ زَكَاتَهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ اهـ. الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ شُرُوطَ زَكَاةِ الْعَامِلِ حِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ سَنَةً فَفِي الْمَوَّاقِ ابْنِ يُونُسَ: إنَّمَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْعَامِلِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِاجْتِمَاعِ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ وَهِيَ أَنْ يَكُونَا حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ بِلَا دَيْنٍ عَلَيْهِمَا وَأَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ وَحِصَّةُ رَبِّهِ مِنْ الرِّبْحِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ وَأَنْ يَعْمَلَ الْعَامِلُ بِالْمَالِ حَوْلًا فَمَتَى سَقَطَ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُزَكِّ الْعَامِلُ اهـ. قَالَ عبق: وَبَقِيَ لِزَكَاةِ الْعَامِلِ رِبْحَهُ شَرْطٌ سَادِسٌ وَهُوَ أَنْ يَنِضَّ وَيَقْبِضَهُ قَالَ: وَاشْتِرَاطُ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فِي رَبِّ الْمَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ أَجِيرٌ، وَفِي الْعَامِلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ شَرِيكٌ كَاشْتِرَاطِ الْخَامِسِ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الرَّابِعِ فَبِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَجِيرٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ نَقَصَ مَنَابُ رَبِّ الْمَالِ عَنْ النِّصَابِ لَمْ يُزَكِّ الْعَامِلُ، وَإِنْ نَابَهُ نِصَابٌ فَأَكْثَرُ بَلْ يَسْتَقْبِلُ حَوْلًا كَالْفَائِدَةِ وَأُجْرَةِ الْأَجِيرِ فَإِذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَدَفَعَهُ لِلْعَامِلِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِرَبِّهِ جُزْءٌ مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ مِنْ الرِّبْحِ وَرَبِحَ الْمَالُ مِائَةً فَإِنَّ رَبَّهُ لَا يُزَكِّي وَكَذَا الْعَامِلُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا يَضُمُّ الْعَامِلُ مَا رَبِحَ إلَى مَالٍ لَهُ آخَرَ فَيُزَكِّي بِخِلَافِ رَبِّ الْمَالِ اهـ أَيْ فَيَضُمُّ فَإِذَا كَانَتْ حِصَّةُ رَبِّهِ بِرِبْحِهِ دُونَ نِصَابٍ وَعِنْدَهُ مَا لَوْ ضَمَّهُ لَهُ لَصَارَ نِصَابًا وَقَدْ حَالَ حَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُزَكِّي وَيُزَكِّي الْعَامِلُ رِبْحَهُ، وَإِنْ قَلَّ فِي هَذِهِ أَيْضًا فَفِي مَفْهُومِ الشَّرْطِ الرَّابِعِ تَفْصِيلٌ اهـ. الْأَمْرُ الثَّالِثُ قَالَ عبق: وَمُفَادُ نَصِّ الْمَوَّاقِ أَنَّ الْعَامِلَ يُزَكِّي رِبْحَهُ مُطْلَقًا لِعَامٍ وَاحِدٍ عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ وَلَوْ مُدِيرًا أَقَامَ بِيَدِهِ أَعْوَامًا وَهُوَ مُدِيرٌ، وَفِي ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَامِلَ زَكَاةُ حِصَّتِهِ كُلَّ عَامٍ إذَا كَانَ هُوَ وَرَبُّ الْمَالِ مُدِيرَيْنِ لَكِنْ إنَّمَا يُزَكِّيهَا لِكُلِّ عَامٍ عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ اهـ قَالَ الْبُنَانِيُّ وَمَا لِابْنِ عَرَفَةَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّهُ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ رُشْدٍ اهـ وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونٌ. الْأَمْرُ الرَّابِعُ: قَالَ الْمَوَّاقُ ابْنُ يُونُسَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا اسْتِحْسَانٌ رَآهُ - أَيْ الْعَامِلَ - مَرَّةً أَنَّ لَهُ حُكْمَ الشَّرِيكِ فِي وُجُوهٍ يَضْمَنُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ، وَإِنْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ عَتَقَ وَرَآهُ مَرَّةً أَنَّهُ لَيْسَ كَالشَّرِيكِ إذْ لَيْسَ فِي أَصْلِ الْمَالِ شِرْكٌ، وَإِنْ رَبِحَ الْمَالُ مِنْهُ وَحَوْلُهُ حَوْلُ أَصْلِهِ فَلَمَّا تَرَجَّحَ ذَلِكَ عِنْدَهُ تَوَسَّطَ أَمْرُهُ اهـ. فَمِنْ هُنَا بَحَثَ النَّاصِرُ فِي قَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ وَالْمَشْهُورُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ أَجِيرٌ وَمُقَابِلُهُ عَلَى أَنَّهُ شَرِيكٌ اهـ بِأَنَّ كَوْنَهُ أَجِيرًا يَقْتَضِي اسْتِقْبَالَهُ لَا زَكَاتَهُ، وَكَوْنَهُ شَرِيكًا يَقْتَضِي سُقُوطَ الزَّكَاةِ أَصْلًا عَنْهُ وَعَنْ رَبِّ الْمَالِ فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ إذْ لَا زَكَاةَ عَلَى شَرِيكٍ حَتَّى تَبْلُغَ حِصَّتُهُ نِصَابًا اهـ. نَعَمْ قَالَ الْبُنَانِيُّ: الَّذِي عَنَاهُ فِي التَّوْضِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ أَصْلَ الزَّكَاةِ فِي رِبْحِ الْعَامِلِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قِلَّتِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ شَرِيكٌ، وَوُجُوبَهَا فِي الْقَابِلِ - أَيْ بَعْدَ اسْتِقْبَالِ عَامٍ - مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهَا عَلَى الْعَامِلِ مَبْنِيٌّ عَلَى

[الفرق بين قاعدة الأرباح تضم إلى أصولها في الزكاة وبين قاعدة الفوائد التي لم يتقدم لها أصل]

دَائِرُونَ بَيْنَ أَنْ يَكُونُوا شُرَكَاءَ بِأَعْمَالِهِمْ، وَيَكُونَ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ شُرَكَاءَ بِأَمْوَالِهِمْ، وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ تَسَاوِي الْفَرِيقَيْنِ فِي زِيَادَةِ الرِّبْحِ وَنُقْصَانِهِ وَهَذَا هُوَ حَالُ الشُّرَكَاءِ وَيُعَضِّدُهُ أَيْضًا أَنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْعَامِلُ لَيْسَ فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ وَهَذَا هُوَ شَأْنُ الشَّرِيكِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونُوا أُجَرَاءَ، وَيُعَضِّدُهُ اخْتِصَاصُ رَبِّ الْمَالِ بِضَيَاعِ الْمَالِ وَغَرَامَتِهِ فَلَا يَكُونُ عَلَى الْعَامِلِ مِنْهُ شَيْءٌ وَلِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ مُعَاوَضَةٌ عَلَى عَمَلِهِ وَهَذَا هُوَ شَأْنُ الْأُجَرَاءِ وَمُقْتَضَى الشَّرِكَةِ أَنْ تُمْلَكَ بِالظُّهُورِ وَمُقْتَضَى الْإِجَارَةِ أَنْ لَا تُمْلَكَ إلَّا بِالْقِسْمَةِ وَالْقَبْضِ فَاجْتِمَاعُ هَذِهِ الشَّوَائِبِ سَبَبُ الْخِلَافِ فَمَنْ غَلَّبَ الشَّرِكَةَ كَمَّلَ الشُّرُوطَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمَنْ غَلَّبَ الْإِجَارَةَ جَعَلَ الْمَالَ وَرِبْحَهُ لِرَبِّهِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْعَامِلُ أَصْلًا وَابْنُ الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَعُبَ عَلَيْهِ إطْرَاحُ أَحَدِهِمَا بِالْكُلِّيَّةِ فَرَأَى أَنَّ الْعَمَلَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى. وَهِيَ الْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَاعْتَبَرَ وَجْهًا مِنْ الْإِجَارَةِ وَوَجْهًا مِنْ الشَّرِكَةِ فَوَقَعَ التَّفْرِيعُ هَكَذَا مَتَى كَانَ الْعَامِلُ وَرَبُّ الْمَالِ كُلُّ وَاحِدٍ فِيهِمَا مُخَاطَبٌ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ مُنْفَرِدًا فِيمَا يَنُوبُهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا مُخَاطَبٌ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ لِكَوْنِهِمَا عَبْدَيْنِ أَوْ ذِمِّيَّيْنِ، أَوْ لِقُصُورِ الْمَالِ وَرِبْحِهِ عَنْ النِّصَابِ وَلَيْسَ لِرَبِّهِ غَيْرُهُ سَقَطَتْ عَنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُخَاطَبًا بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَحْدَهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَتَى سَقَطَتْ عَنْ أَحَدِهِمَا إمَّا الْعَامِلِ، أَوْ رَبِّ الْمَالِ سَقَطَتْ عَنْ الْعَامِلِ فِي الرِّبْحِ أَمَّا إنْ سَقَطْت عَنْهُ فَتَغْلِيبًا لِحَالِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ وَتَغْلِيبًا لِحَالِ الشَّرِكَةِ وَشَائِبَتِهَا. وَأَمَّا إنْ سَقَطَتْ عَنْ رَبِّ الْمَالِ فَتَسْقُطُ أَيْضًا عَنْ الْعَامِلِ فِي حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ تَغْلِيبًا لِشَائِبَةِ الْإِجَارَةِ وَهُوَ كَوْنُهُ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَقَبَضَ أُجْرَتَهُ اسْتَأْنَفَ بِهَا الْحَوْلَ فَكَذَلِكَ هَذَا الْعَامِلُ وَرَأَى أَشْهَبُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتِبَارَ رَبِّ الْمَالِ فَتَجِبُ فِي حِصَّةِ الرِّبْحِ تَبَعًا لِوُجُوبِهَا فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ يُزَكِّي مِلْكَهُ، وَأَنَّ رِبْحَ الْمَالِ مَضْمُومٌ إلَى أَصْلِهِ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَنْ اتَّجَرَ بِدِينَارٍ فَصَارَ فِي آخِرِ الْحَوْلِ نِصَابًا فَإِنَّهُ يُزَكِّي وَيُقَدِّرُ الرِّبْحَ كَامِنًا مِنْ أَوَّلِ الْحَوْلِ إلَى آخِرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ أَجِيرٌ فَلَا بَحْثَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الزَّكَاةَ كَمَا عُلِمَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ شَرِيكٌ، وَبَعْضَ شُرُوطِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ أَجِيرٌ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهَا عَلَى الْعَامِلِ تَأَمَّلْ اهـ. وَقَاعِدَةُ الشَّرِيكِ لَمَّا اُخْتُصَّتْ بِأَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ كَوْنُهُ شَرِيكًا لَيْسَ إلَّا، اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى إجْرَائِهِ عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ وَأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ لِاجْتِمَاعِ شَرَائِطِ الزَّكَاةِ فِي حَقِّهِ دُونَ الْآخَرِ لِاخْتِلَالِ بَعْضِ الشُّرُوطِ فِي حَقِّهِ، هَذَا وَلِقَاعِدَةِ الْعَامِلِ فِي التَّرَدُّدِ بَيْنَ أَصْلَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْهَا أُمُّ الْوَلَدِ إذَا قُتِلَتْ اُخْتُلِفَ فِي أَنَّهَا هَلْ تَجِبُ فِيهَا قِيمَةٌ أَمْ لَا لِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ الْأَرِقَّاءِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تُوطَأُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَبَيْنَ الْأَحْرَارِ لِتَحْرِيمِ بَيْعِهَا، وَإِحْرَازِهَا لِنَفْسِهَا وَمَالِهَا، وَمِنْهَا الْمُخْبِرُ عَنْ رُؤْيَةِ هِلَالِ نَحْوِ رَمَضَانَ، وَالتَّرْجُمَانُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالنَّائِبِ وَالْمُقَوِّمِ وَغَيْرِهِمْ لَمَّا تَرَدَّدُوا بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ اُخْتُلِفَ فِيهِمْ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِمْ الْعَدَدُ تَغْلِيبًا لِلشَّهَادَةِ، أَوْ لَا يُشْتَرَطُ تَغْلِيبًا لِلرِّوَايَةِ وَمِنْهَا الْعُقُودُ الْفَاسِدَةُ مِنْ الْأَبْوَابِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ كَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ لَمَّا تَرَدَّدَتْ بَيْنَ أَصْلِهَا وَأَصْلِ أَصْلِهَا فَإِنَّ أَصْلَ أَصْلِهَا أَصْلُهَا أَيْضًا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّهَا هَلْ تُرَدُّ إلَى أَصْلِهَا فَيَجِبَ قِرَاضُ الْمِثْلِ، أَوْ إلَى أَصْلِ أَصْلِهَا فَيَجِبَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؟ وَمِنْهَا كُلُّ مَا تَوَسَّطَ غَرَرُهُ أَوْ الْجَهَالَةُ فِيهِ مِنْ الْعُقُودِ لَمَّا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْغَرَرِ الْأَعْلَى الْمُجْمَعِ عَلَى بُطْلَانِهِ وَالْأَدْنَى الْمُجْمَعِ عَلَى جَوَازِهِ وَاغْتِفَارِهِ فِي الْعُقُودِ لِأَنَّهُ بِتَوَسُّطِهِ أَخَذَ شَبَهًا مِنْ الطَّرَفَيْنِ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَمَنْ قَرَّبَهُ مِنْ الْأَعْلَى مَنَعَ وَمِنْ قَرَّبَهُ مِنْ الْأَدْنَى أَجَازَ وَمِنْهَا الْمَشَاقُّ الْمُتَوَسِّطَةُ فِي الْعِبَادَاتِ لَمَّا دَارَتْ بَيْنَ أَدْنَى الْمَشَاقِّ فَلَا تُوجِبُ تَرَخُّصًا وَبَيْنَ أَعْلَاهَا فَتُوجِبُ التَّرَخُّصَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْثِيرِهَا فِي الْإِسْقَاطِ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَمِنْهَا نَحْوُ شَهَادَةِ الْأَخِ لِأَخِيهِ مِنْ التُّهَمِ الْمُتَوَسِّطَةِ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا أُجْمِعَ عَلَى أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ كَشَهَادَةِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا أُجْمِعَ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ قَادِحٍ فِي الشَّهَادَةِ كَشَهَادَةِ الرَّجُلِ لِآخَرَ مِنْ قَبِيلَتِهِ لَمَّا أَخَذَ شَبَهًا مِنْهُمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيُّ التَّغْلِيبَيْنِ يُعْتَبَرُ فَتُقْبَلُ أَوْ تُرَدُّ وَمِنْهَا الثُّلُثُ لَمَّا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ فِي مَسَائِلَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إلْحَاقِهِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ يَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَرْبَاحِ تُضَمُّ إلَى أُصُولِهَا فِي الزَّكَاةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْفَوَائِدِ الَّتِي لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا أَصْلٌ] (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَرْبَاحِ تُضَمُّ إلَى أُصُولِهَا فِي الزَّكَاةِ فَيَكُونُ حَوْلُ الْأَصْلِ حَوْلَ الرِّبْحِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الرِّبْحِ حَوْلٌ يَخُصُّهُ كَانَ الْأَصْلُ نِصَابًا أَمْ لَا عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَافَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إذَا كَانَ الْأَصْلُ نِصَابًا، وَإِلَّا فَحَوْلُهُ مِنْ حِينِ كَمُلَ النِّصَابُ وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُطْلَقًا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْفَوَائِدِ الَّتِي لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا أَصْلٌ عِنْدَ الْمُكَلَّفِ كَالْمِيرَاثِ وَالْهِبَةِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَصَدَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ بَعْدَ حَوْزِهِ وَقَبْضِهِ) . لَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّبْحِ وَالْفَائِدَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَا عَلَى مُقَابِلِ مَشْهُورِ مَالِكٍ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَإِنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَشْهُورِ مَالِكٍ وَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةِ التَّقَادِيرِ وَهِيَ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ، وَإِعْطَاءُ

وَكَذَلِكَ أَوْلَادُ الْمَوَاشِي إذَا كَمُلَ بِهَا نِصَابُهَا فَمَتَى خُوطِبَ رَبُّ الْمَالِ وَجَبَتْ عَلَى الْعَامِلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصْلًا تَغْلِيبًا لِهَذَا الْأَصْلِ وَهُوَ ضَمُّ الرِّبْحِ إلَى الْأَصْلِ فِي الزَّكَاةِ وَوَقَعَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: يُعْتَبَرُ حَالُ الْعَامِلِ فِي نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ أَهْلًا بِالنِّصَابِ وَغَيْرِهِ زَكَّى، وَإِلَّا فَلَا تَغْلِيبًا لِشَائِبَةِ الشَّرِكَةِ فَالْفَرْقُ يَتَخَرَّجُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ. (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَرْبَاحِ تُضَمُّ إلَى أُصُولِهَا فِي الزَّكَاةِ فَيَكُونُ حَوْلُ الْأَصْلِ حَوْلَ الرِّبْحِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الرِّبْحِ حَوْلٌ يَخُصُّهُ كَانَ الْأَصْلُ نِصَابًا أَمْ لَا عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَافَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا كَانَ الْأَصْلُ نِصَابًا وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُطْلَقًا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْفَوَائِدِ الَّتِي لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا أَصْلٌ عِنْدَ الْمُكَلَّفِ كَالْمِيرَاثِ وَالْهِبَةِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَصَدَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ بَعْدَ حَوْزِهِ وَقَبْضِهِ) وَالْفَرْقُ عِنْدَنَا عَضَّدَهُ قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلسَّاعِي عُدَّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَةَ يَحْمِلُهَا الرَّاعِي وَلَا تَأْخُذْهَا وَالسَّخْلَةُ عَيْنٌ مُتَمَوَّلَةٌ نَشَأَتْ عَنْ عَيْنٍ مُتَمَوَّلَةٍ زَكَوِيَّةٍ كَمَا نَشَأَ الرِّبْحُ وَهُوَ عَيْنٌ زَكَوِيَّةٌ عَنْ عَيْنٍ زَكَوِيَّةٍ وَهُوَ أَصْلُهُ فَكَمَا ضُمَّ أَحَدُهُمَا إلَى أَصْلِهِ وَجُعِلَ حَوْلُهُ حَوْلًا لَهُ كَذَلِكَ الْآخَرُ الَّذِي هُوَ الرِّبْحُ، وَقَوْلُنَا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ " الْأَرْبَاحُ تُضَمُّ إلَى أُصُولِهَا فِي الزَّكَاةِ فَيَكُونُ حَوْلُ الْأَصْلِ حَوْلَ الرِّبْحِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الرِّبْحِ حَوْلٌ يَخُصُّهُ كَانَ الْأَصْلُ نِصَابًا أَمْ لَا عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَوَافَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا كَانَ الْأَصْلُ نِصَابًا وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مُطْلَقًا " وَبَيْنَ قَاعِدَةِ " الْفَوَائِدِ الَّتِي لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا أَصْلٌ عِنْدَ الْمُكَلَّفِ كَالْمِيرَاثِ وَالْهِبَةِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَصَدَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ بَعْدَ حَوْزِهِ وَقَبْضِهِ إلَى قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهَا فِي قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ نَعَمْ التَّقْدِيرُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ بِأَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ مَعَ عَدَمِ سَبَبِهِ أَوْ شَرْطِهِ، أَوْ قِيَامِ مَانِعِهِ وَهَهُنَا قَدْ دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ فَإِنَّ قَوْلَ عُمَرَ اعْتَدَّ عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ وَلَا تَأْخُذْهَا مِنْهُمْ كَمَا فِي الْمُوَطَّإِ وَقَوْلَ عَلِيٍّ عُدَّ عَلَيْهِمْ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ كَمَا فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ وَالْمُنْتَقَى لِلْبَاجِيِّ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْأَرْبَاحِ ضَرُورَةَ أَنَّ رِبْحَ التِّجَارَةِ كَذَلِكَ مَعْنًى إذْ السَّخْلَةُ كَمَا أَنَّهَا عَيْنٌ مُتَمَوَّلَةٌ نَشَأَتْ عَنْ عَيْنٍ مُتَمَوَّلَةٍ زَكَوِيَّةٍ كَذَلِكَ الرِّبْحُ عَيْنٌ زَكَوِيَّةٌ نَشَأَتْ عَنْ عَيْنٍ زَكَوِيَّةٍ وَهُوَ أَصْلُهُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ حُكْمًا فَكَمَا تُضَمُّ السِّخَالُ إلَى أَصْلِهَا وَيُجْعَلُ حَوْلُهُ حَوْلًا لَهَا كَذَلِكَ يُضَمُّ الرِّبْحُ إلَى أَصْلِهِ وَيُجْعَلُ حَوْلُهُ حَوْلًا لَهُ وَشَرْطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ دَوَرَانُ الْحَوْلِ وَهُوَ لَمْ يَدُرْ عَلَى الرِّبْحِ وَالسِّخَالِ فَتَعَيَّنَ تَقْدِيرُ الرِّبْحِ فِي التِّجَارَةِ وَالسِّخَالِ فِي الْمَاشِيَةِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ تَحْقِيقًا لِلشَّرْطِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَمُحَافَظَةً عَلَى الشَّرْطِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَلَيْسَتْ الْفَائِدَةُ كَذَلِكَ إذْ لَا أَصْلَ لَهَا يُقَدَّرُ حَوْلُهُ حَوْلًا لَهَا. نَعَمْ فِي كَوْنِ هَذَيْنِ التَّقْدِيرَيْنِ فِي يَوْمِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الرِّبْحِ. وَالسَّبَبُ يُلَازِمُ مُسَبَّبَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، أَوْ فِي يَوْمِ الْحُصُولِ لِئَلَّا يَجْمَعَ بَيْنَ تَقْدِيرَيْنِ: تَقْدِيرِ الشِّرَاءِ وَالْأَعْيَانِ الَّتِي حَصَلَتْ فِي الرِّبْحِ. وَالتَّقْدِيرُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَيُقْتَصَرُ مِنْهُ عَلَى مَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَشْهَبَ، أَوْ فِي يَوْمِ مِلْكِ أَصْلِ الْمَالِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُغِيرَةِ خِلَافٌ تَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ إذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى عَشَرَةٍ فَأَنْفَقَ مِنْهَا خَمْسَةً وَاشْتَرَى سِلْعَةً بِخَمْسَةٍ فَبَاعَهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ تَقَدَّمَ الشِّرَاءُ عَلَى الْإِنْفَاقِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فَإِنَّ التَّقْدِيرَ حِينَئِذٍ وَالْمَالُ عَشَرَةٌ وَهَذِهِ عَشَرَةٌ رِبْحٌ فَيَكْمُلُ النِّصَابُ حِينَئِذٍ، وَإِلَّا فَلَا تَجِبُ وَأَسْقَطَهَا أَشْهَبُ مُطْلَقًا لِأَنَّ التَّقْدِيرَ عِنْدَهُ يَوْمَ الْحُصُولِ وَيَوْمَ الْحُصُولِ لَمْ تَكُنْ إلَّا خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَوْجَبَهَا الْمُغِيرَةُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ يَقْدِرُ يَوْمَ مِلْكِهِ الْعَشَرَةَ وَلَا عِبْرَةَ بِتَقْدِيمِ الْإِنْفَاقِ عَلَى الشِّرَاءِ وَعَدَمِهِ، وَفِي الْمُوَطَّإِ قَالَ مَالِكٌ إذَا بَلَغَتْ الْغَنَمُ بِأَوْلَادِهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ فَعَلَيْهِ فِيهَا الصَّدَقَةُ وَذَلِكَ أَنَّ أَوْلَادَ الْغَنَمِ مِنْهَا وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا أُفِيدَ مِنْهَا بِاشْتِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ. وَمِثْلُ ذَلِكَ الْعَرْضِ لَا يَبْلُغُ ثَمَنُهُ مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ فَيَصْدُقُ رِبْحُهُ مَعَ رَأْسِ الْمَالِ وَلَوْ كَانَ رِبْحُهُ فَائِدَةً، أَوْ مِيرَاثًا لَمْ تَجِبْ فِيهِ الصَّدَقَةُ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَفَادَهُ أَوْ وَرِثَهُ قَالَ مَالِكٌ فَغِذَاءُ الْغَنَمِ أَيْ سِخَالِهَا مِنْهَا كَمَا أَنَّ رِبْحَ الْمَالِ مِنْهُ قَالَ مَالِكٌ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ فِي وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ مِنْ الذَّهَبِ، أَوْ الْوَرِقِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ثُمَّ أَفَادَ إلَيْهِ مَالًا، تَرَكَ مَالَهُ الَّذِي أَفَادَ فَلَمْ يُزَكِّهِ مَعَ مَالِهِ الْأَوَّلِ حِينَ يُزَكِّيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَى الْفَائِدَةِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ أَفَادَهَا، وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ غَنَمٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ إبِلٌ تَجِبُ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا الصَّدَقَةُ، ثُمَّ أَفَادَ إلَيْهَا بَعِيرًا أَوْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً صَدَّقَهَا مَعَ صِنْفِ مَا أَفَادَ مِنْ ذَلِكَ حِينَ يُصَدِّقُهُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ الصِّنْفِ الَّذِي أَفَادَ نِصَابَ مَاشِيَةٍ قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي هَذَا كُلِّهِ اهـ. قَالَ الْبَاجِيَّ: يُرِيدُ أَنَّ الْفَائِدَةَ لَا يَكْمُلُ بِهَا النِّصَابُ وَيَكْمُلُ بِالنَّسْلِ، وَقَاسَهُ مَالِكٌ عَلَى نَمَاءِ الْعَيْنِ مِنْهُ فَإِذَا بَلَغَ الرِّبْحُ مَعَ الْأَصْلِ النِّصَابَ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ إلَّا بِفَائِدَةٍ لَمْ يَزْكُ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَى

[الفرق بين قاعدة الواجبات والحقوق التي تقدم على الحج وبين قاعدة ما لا يقدم عليه]

زَكَوِيَّةٌ احْتِرَازًا مِنْ أَجْرِ الْعَقَارِ فَإِنَّهُ لَا يُزَكَّى، وَإِنْ كَانَ مُتَمَوَّلًا نَشَأَ عَنْ مُتَمَوَّلٍ، غَيْرَ أَنَّهُ غَيْرُ زَكَوِيٍّ - أَعْنِي الْأَصْلَ - وَهَهُنَا قَاعِدَةٌ وَهِيَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَرْبَاحِ وَالْفَوَائِدِ يُحْتَاجُ إلَيْهَا بَعْدَ تَقَرُّرِ الْأَحْكَامِ فِيهَا وَهِيَ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ مَتَى أَثْبَتَ حُكْمًا حَالَةَ عَدَمِ سَبَبِهِ، أَوْ شَرْطِهِ فَإِنْ أَمْكَنَ تَقْدِيرُهُمَا مَعَهُ فَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ إثْبَاتِهِ دُونَهُمَا فَإِنَّ إثْبَاتَ الْمُسَبَّبِ دُونَ سَبَبِهِ وَالْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ فَإِنْ أَلْجَأَتْ الضَّرُورَةُ إلَى ذَلِكَ وَامْتَنَعَ التَّقْدِيرُ عُدَّ ذَلِكَ الْحُكْمُ مُسْتَثْنًى مِنْ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ كَمَا أَثْبَتَ الشَّارِعُ الْمِيرَاثَ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ. وَالْمِيرَاثُ فِي الشَّرِيعَةِ مَشْرُوطٌ بِتَقَدُّمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ عَلَى الْمَالِ الْمَوْرُوثِ، قَدَّرَ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - الْمِلْكَ فِي الدِّيَةِ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْمَوْتِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ حَتَّى يَصِحَّ حُكْمُ التَّوْرِيثِ فِيهَا وَكَذَلِكَ إذَا صَحَّحْنَا عِتْقَ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ فِي كَفَّارَةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ بِإِذْنِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي اشْتِرَاطِ الْإِذْنِ قَدَّرْنَا ثُبُوتَ الْمِلْكِ قَبْلَ صُدُورِ صِيغَةِ الْعِتْقِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّةُ الْمُعْتَقِ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــSغَيْرَ أَنَّهُ غَيْرُ ذَكَوِيٍّ أَعْنِي الْأَصْلَ ") قُلْت: مَسْأَلَةُ الْمَالِكِيَّةِ الْقِيَاسُ عَلَى السِّخَالِ كَمَا ذُكِرَ وَلِلشَّافِعِيَّةِ فُرُوقٌ فِيهَا نَظَرٌ قَالَ (وَهَهُنَا قَاعِدَةٌ وَهِيَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَرْبَاحِ وَالْفَوَائِدِ يُحْتَاجُ إلَيْهَا بَعْدَ تَقَرُّرِ الْأَحْكَامِ فِيهَا إلَى قَوْلِهِ عُدَّ مُسْتَثْنًى مِنْ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ) . قُلْت: فِيمَا قَالَهُ مِنْ ذَلِكَ نَظَرٌ قَالَ (كَمَا أَثْبَتَ الشَّارِعُ الْمِيرَاثَ فِي دِيَةِ الْخَطَأِ، وَالْمِيرَاثُ فِي الشَّرِيعَةِ مَشْرُوطٌ بِتَقَدُّمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ عَلَى الْمَالِ الْمَوْرُوثِ قَدَّرَ الْعُلَمَاءُ الْمِلْكَ فِي الدِّيَةِ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْمَوْتِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ حَتَّى يَصِحَّ حُكْمُ التَّوْرِيثِ فِيهَا) قُلْت لَيْسَ مِلْكُ الْمَقْتُولِ خَطَأً لِلدِّيَةِ مُقَدَّرًا عِنْدِي بَلْ هُوَ مُحَقَّقٌ، وَإِنَّمَا الْمُقَدَّرُ مِلْكُ الْمَقْتُولِ عَمْدًا لِلدِّيَةِ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: (وَكَذَلِكَ إذَا صَحَّحْنَا عِتْقَ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ فِي كَفَّارَةٍ أَوْ تَطَوُّعٍ بِإِذْنِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي اشْتِرَاطِ الْإِذْنِ قَدَّرْنَا ثُبُوتَ الْمِلْكِ قَبْلَ صُدُورِ صِيغَةِ الْعِتْقِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ حَتَّى تَبْرَأَ ذِمَّةُ الْمُعْتَقِ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَائِدَةِ وَهَذَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ أَنَّ نِصَابَ الْحَوْلَيْنِ يَتِمُّ بِرِبْحِهِ، وَإِنَّمَا سَلَّمَهُ الشَّافِعِيُّ فِيمَنْ اشْتَرَى بِمِائَةِ دِرْهَمٍ سِلْعَةً قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ، ثُمَّ بَاعَهَا بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ بَعْدَ أَنْ حَالَ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ اشْتَرَاهَا فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِيهَا وَهَذَا أَصْلٌ يَصِحُّ قِيَاسُنَا عَلَيْهِ وَلَا يُخِلُّ بِالْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ اخْتِلَافُ حُكْمِ الْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ فِي الْفَوَائِدِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَاشِيَةَ إذَا أَفَادَ مِنْهَا شَيْئًا وَعِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ جِنْسِهَا كَانَ حُكْمُ الْفَائِدَةِ فِي الْحَوْلِ حُكْمَ أَصْلِ النِّصَابِ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ يُزَكِّي الْفَائِدَةَ لِحَوْلِهَا وَالنِّصَابَ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ لِحَوْلِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْفَرْعِ إذَا قِيسَ عَلَى الْأَصْلِ لِعِلَّةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَهُمَا فِي حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي جَمَعَتْ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ لَهَا اخْتِصَاصٌ بِذَلِكَ الْحُكْمِ دُونَ غَيْرِهِ، وَإِنْ فَارَقَ الْأَصْلُ الْفَرْعَ فِي أَحْكَامٍ غَيْرِهَا لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِتِلْكَ الْعِلَّةِ لِأَنَّ مَا مِنْ فَرْعٍ إلَّا وَهُوَ يُخَالِفُ الْأَصْلَ الَّذِي قِيسَ عَلَيْهِ فِي عِدَّةِ أَحْكَامٍ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا قَاسَ إتْمَامَ نِصَابِ الْمَاشِيَةِ بِنَمَائِهَا الَّذِي هُوَ أَوْلَادُهَا عَلَى إتْمَامِ نِصَابِ الْعَيْنِ بِنَمَائِهِ لِعِلَّةٍ صَحِيحَةٍ وَهِيَ أَنَّ هَذَا أَيْ الْأَوْلَادُ نَمَاءٌ حَادِثٌ مِنْ الْعَيْنِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَهِيَ الْمَاشِيَةُ وَهُوَ مِنْ جِنْسِهَا فَوَجَبَ أَنْ يَكْمُلَ بِهَا نِصَابُهَا كَالْعَيْنِ وَهَذِهِ عِلَّةٌ تَخْتَصُّ بِالنَّمَاءِ دُونَ الْفَوَائِدِ فَاخْتِلَافُ الْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ فِي الْفَوَائِدِ لَا فِي النَّمَاءِ لَا يَمْنَعُ اجْتِمَاعَهُمَا فِي النَّمَاءِ الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِ الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي الْفَوَائِدِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأَصْلِ وَزَكَاةُ الْمَاشِيَةِ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالسَّاعِي فَإِذَا لَمْ تَجِبْ زَكَاتُهَا لِزَكَاةِ الْأَصْلِ لَمْ يُمْكِنْ تَكَرُّرُ السَّاعِي وَنِعْمَتْ الْمَعْدِلَةُ بَيْنَ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَالْمَسَاكِينِ فَإِنَّ الْفَائِدَةَ إذَا أُضِيفَتْ إلَى أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ زُكِّيَتْ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ حَوْلِ الْفَائِدَةِ، وَإِذَا أُضِيفَتْ إلَى النِّصَابِ زُكِّيَتْ لِحَوْلِ النِّصَابِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعَيْنُ فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ يُخْرِجُ زَكَاتَهُ فَيُمْكِنُ إخْرَاجُهُ عِنْدَ حُلُولِ حَوْلِهِ الْمُخْتَصِّ بِهِ فَلَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى اعْتِبَارِهِ لِحَوْلِ النِّصَابِ فَتُعَجَّلُ قَبْلَ حُلُولِهِ، وَلَا أَنْ يُضَافَ إلَى أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ فَيُزَكَّى إلَى أَكْثَرَ مِنْ حَوْلِهِ فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ اهـ بِتَصَرُّفٍ مَا. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبَاتِ وَالْحُقُوقِ الَّتِي تُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ] (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبَاتِ وَالْحُقُوقِ الَّتِي تُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ) . الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يُقَدَّمُ وَمَا لَا يُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالْحُقُوقِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَتْ الْحُقُوقُ قُدِّمَ مِنْهَا أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ عَلَى مَا يُقَابِلُهُ: النَّوْعُ الْأَوَّلُ: مَا جَعَلَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ مُضَيَّقًا مِنْ حَيْثُ إنَّ التَّضْيِيقَ يُشْعِرُ بِكَثْرَةِ اهْتِمَامِهِ بِهِ يُقَدَّمُ عَلَى مَا جُوِّزَ لِلْمُكَلَّفِ تَأْخِيرُهُ، وَجَعْلُهُ مُوَسَّعًا عَلَيْهِ وَمِنْ ذَلِكَ تَقْدِيمُ مَا يُخْشَى فَوَاتُهُ عَلَى مَا لَا يُخْشَى فَوَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْهُ وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْهَا تَقْدِيمُ حِكَايَةِ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ لَا تَفُوتُ وَحِكَايَةَ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ تَفُوتُ بِالْفَرَاغِ مِنْ الْأَذَانِ وَمِنْهَا تَقْدِيمُ صَوْنِ الْأَمْوَالِ إذَا خَرَجَتْ عَنْ الْعَادَةِ عَلَى الْعِبَادَاتِ فَيُنْتَقَلُ لِلتَّيَمُّمِ عَنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ إذَا خَرَجَ ثَمَنُ الْمَاءِ فِي شِرَائِهِ لَهُمَا عَنْ الْعَادَةِ بِأَنْ كَانَ لَهُ بَالٌ لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ فِي شِرَائِهِ إنْ ظَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ كَمَا فِي ابْنِ حَمْدُونٍ عَلَى صَغِيرِ مَيَّارَةَ عَلَى ابْنِ عَاشِرٍ لَا إنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَقَطْ لِأَنَّ الثُّلُثَ لَا يَكُونُ

مِنْ الْكَفَّارَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ مِنْ الْكَفَّارَاتِ لَا يَبْرَأُ مِنْهُ بِعِتْقِ غَيْرِ مَمْلُوكِهِ حَتَّى يَثْبُتَ لَهُ الْوَلَاءُ أَيْضًا فَإِنَّ الْوَلَاءَ لَا يَثْبُتُ أَصْلُهُ عَنْ غَيْرِ مَمْلُوكٍ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ، أَمَّا غَيْرُ أَصَالَةٍ بِطَرِيقِ الْإِذْنِ فَيَحْصُلُ بِغَيْرِ تَمَلُّكٍ، هَهُنَا هُوَ أَصَالَةٌ فَتَعَيَّنَ تَقْدِيرُ الْمَالِكِ لِلْعِتْقِ عَنْهُ قُبَيْلَ صُدُورِ صِيغَةِ الْعِتْقِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ ثُبُوتِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ، فَإِذَا قَالَ لَهُ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي، نُقَدِّرُ هَذِهِ الصِّيغَةَ مُشْتَمِلَةً عَلَى التَّوْكِيلِ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ، وَمُشْتَمِلَةً أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ عَنْهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ لَهُ فَهِيَ صِيغَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى وَكَالَتَيْنِ وَكَالَةِ الْمُعَاوَضَةِ وَوَكَالَةِ الْعِتْقِ، فَضَرُورَةُ ثُبُوتِ حُكْمِ الْعِتْقِ عَنْ الْغَيْرِ يُحْوِجُ إلَى هَذِهِ التَّقَادِيرِ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تُعْرَفُ بِقَاعِدَةِ التَّقْدِيرَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــSمِنْ الْكَفَّارَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ إلَى قَوْلِهِ لِضَرُورَةِ ثُبُوتِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ) قُلْت: لَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ الْمِلْكِ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الْمَالِيَّةِ تَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ اتِّفَاقًا وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا. قَالَ: (فَإِذَا قَالَ لَهُ: أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي نُقَدِّرُ هَذِهِ الصِّيغَةَ مُشْتَمِلَةً عَلَى التَّوْكِيلِ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَأَنَّهُ يَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ) . قُلْت: لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ هُنَا بِوَجْهٍ فَإِنَّهُ لَا عِوَضَ فَلَا وَجْهَ لِتَوْكِيلِهِ عَلَى الشِّرَاءِ قَالَ (وَمُشْتَمِلَةً أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ وَكَّلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ عَنْهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ لَهُ فَهِيَ صِيغَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى وَكَالَتَيْنِ وَكَالَةِ الْمُعَاوَضَةِ وَوَكَالَةِ الْعِتْقِ) . قُلْت: وَلَا تَصِحُّ أَيْضًا وَكَالَتُهُ عَلَى الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ مِلْكٌ قَالَ (فَضَرُورَةُ ثُبُوتِ حُكْمِ الْعِتْقِ عَنْ الْغَيْرِ يُحْوِجُ إلَى هَذِهِ التَّقَادِيرِ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ) . قُلْت: لَا حَاجَةَ إلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ مِنْ التَّقَادِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَمَّا فِي غَيْرِهَا فَرُبَّمَا اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ، وَكَيْفَ يَقُولُ: إنَّ الصِّيغَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى التَّوْكِيلِ، وَأَيُّ صِيغَةٍ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؟ هَذَا كُلُّهُ لَا يَصِحُّ. قَالَ (وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تُعْرَفُ بِقَاعِدَةِ التَّقْدِيرَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَثِيرًا إلَّا إذَا كَانَ لِلْمَاءِ كَبِيرُ ثَمَنٍ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ بِدِرْهَمٍ فَهَذَا وَإِنْ زَادَ بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهِ وَأَضْعَافِهِ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْحَطَّابِ عَلَى مَنْسَكِ خَلِيلٍ فِي شِرَاءِ نَعْلِ الْإِحْرَامِ فَتَنَبَّهْ، وَلَا يَجِبُ الْحَجُّ إذَا أَفْرَطَتْ الْغَرَامَاتُ فِي الطُّرُقَاتِ قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَى الْخَرَشِيِّ وَلَا يَسْقُطُ الْحَجُّ إذَا أَخَذَ ظَالِمٌ شَيْئًا لَا يُجْحَفُ بِهِ، وَإِذَا أَخَذَ لَا يَرْجِعُ بَلْ يَقِفُ عِنْدَ قَوْلِهِ آخُذُ هَذَا الْقَدْرَ، وَعُلِمَ مِنْهُ ذَلِكَ عَادَةً كَعَشَّارٍ فَإِنْ كَانَ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَأْخُذُ مَا يُجْحِفُ، أَوْ يَنْكُثُ وَلَوْ قَلَّ الْمَجْمُوعُ وَمِثْلُ النُّكُوثِ تَعَدُّدُ الظَّالِمِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَجُّ اهـ. قَالَ الْخَرَشِيُّ وَكَذَا يَسْقُطُ إنْ شَكَّ أَنَّهُ يَنْكُثُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ اهـ أَفَادَهُ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ تَوْضِيحِ الْمَنَاسِكِ وَمِنْهَا تَقْدِيمُ صَوْنِ النُّفُوسِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْمَنَافِعِ عَلَى الْعِبَادَاتِ فَيُقَدَّمُ إنْقَاذُ الْغَرِيقِ وَالْحَرِيقِ وَنَحْوِهِمَا إذَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّلَاةِ وَلَوْ كَانَ فِيهَا، أَوْ خَشِيَ فَوَاتَ وَقْتِهَا وَمِنْهَا تَقْدِيمُ صَوْنِ مَالِ الْغَيْرِ إذَا خُشِيَ فَوَاتُهُ عَلَى الصَّلَاةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ حَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ بِدَلِيلِ تَرْكِ الطَّهَارَاتِ وَالْعِبَادَاتِ إذَا عَارَضَهَا ضَرَرُ الْعَبْدِ لَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ حَقُّ اللَّهِ يُقَدَّمُ لِأَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ بِالْمُحَالَلَةِ وَالْمُسَامَحَةِ دُونَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. (النَّوْعُ الثَّانِي) الْوَاجِبُ عَلَى الْفَوْرِ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ عَلَى التَّرَاخِي لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّعْجِيلِ يَقْتَضِي الْأَرْجَحِيَّةَ عَلَى مَا جُعِلَ لَهُ تَأْخِيرُهُ، مَثَلًا حَقُّ الْوَالِدَيْنِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ إجْمَاعًا فَيُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ إذَا قُلْنَا إنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَحَقُّ السَّيِّدِ وَاجِبٌ فَوْرِيٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ إذَا قُلْنَا بِذَلِكَ وَحَقُّ الزَّوْجِ فَوْرِيٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ إذَا قُلْنَا بِذَلِكَ، وَالدَّيْنُ الْحَالُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فَوْرِيٌّ يَمْنَعُ الْخُرُوجَ إلَى الْحَجِّ إذَا قُلْنَا بِذَلِكَ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ. (النَّوْعُ الثَّالِثُ) فَرْضُ الْأَعْيَانِ يُقَدَّمُ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ لِأَنَّ طَلَبَ الْفِعْلِ مِنْ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ يَقْتَضِي أَرْجَحِيَّةَ مَا طُلِبَ مِنْ الْبَعْضِ فَقَطْ وَلِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَعْتَمِدُ عَدَمَ تَكَرُّرِ الْمَصْلَحَةِ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ وَفَرْضَ الْأَعْيَانِ يَعْتَمِدُ تَكَرُّرَ الْمَصْلَحَةِ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ، وَالْفِعْلُ الَّذِي تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ أَقْوَى فِي اسْتِلْزَامِ الْمَصْلَحَةِ مِنْ الَّذِي لَا تُوجَدُ الْمَصْلَحَةُ مَعَهُ إلَّا فِي بَعْضِ صُوَرِهِ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْحَجُّ أَفْضَلُ مِنْ الْغَزْوِ لِأَنَّ الْغَزْوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالْحَجَّ فَرْضُ عَيْنٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يُكْثِرُ الْحَجَّ وَلَا يَحْضُرُ الْغَزْوَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ أَتَى مُرَاهَقًا وَعَلَيْهِ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَلَمْ يَبْقَ قَبْلَ الْفَجْرِ إلَّا مِقْدَارُ رَكْعَةٍ لِلْعِشَاءِ وَالْوُقُوفِ فَخَافَ بِاشْتِغَالِهِ بِأَحَدِهِمَا فَوَاتَ الْآخَرِ هَلْ يُصَلِّي مُطْلَقًا، أَوْ يُدْرِكُ الْوُقُوفَ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ حِجَازِيًّا صَلَّى، وَإِلَّا أَدْرَكَ الْوُقُوفَ، أَوْ يُصَلِّي وَهُوَ مَاشٍ، أَوْ رَاكِبٌ كَصَلَاةِ الْمُسَايَفَةِ فَيُدْرِكَهُمَا مَعًا؟ أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ رَجَّحَ الْأَوَّلَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ حَيْثُ قَالَ وَصَلَّى وَلَوْ فَاتَ وَجَعَلَهُ الْأَصْلُ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَمَا عَدَاهُ أَقْوَالًا لِلشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ إنَّهُ الْحَقُّ لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ وَهِيَ فَوْرِيَّةٌ إجْمَاعًا اهـ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ وَذَكَرَهَا عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ، وَقَالَ: وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، وَرَجَّحَ الرَّابِعَ اهـ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ وَلَا يُنَافِي أَفْضَلِيَّةَ الصَّلَاةِ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ كَجَمْعٍ مِنْ غَيْرِهِمْ بِتَقْدِيمِ الْوُقُوفِ عَلَى الصَّلَاةِ حَيْثُ.

[الفرق بين قاعدة ما تصح النيابة فيه وقاعدة ما لا تصح النيابة]

وَهُوَ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ، وَإِعْطَاءُ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهَا فِي قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَهِيَ يُحْتَاجُ إلَيْهَا إذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ مَعَ عَدَمِ سَبَبِهِ، أَوْ شَرْطِهِ، أَوْ قِيَامِ مَانِعِهِ. وَإِذَا لَمْ تَدْعُ الضَّرُورَةُ إلَيْهَا لَا يَجُوزُ التَّقْدِيرُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ وَهَهُنَا لَمَّا دَلَّ الْأَثَرُ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْأَرْبَاحِ تَعَيَّنَ تَقْدِيرُ الرِّبْحِ وَالسِّخَالِ فِي الْمَاشِيَةِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ تَحْقِيقًا لِلشَّرْطِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَهُوَ دَوَرَانُ الْحَوْلِ فَإِنَّ الْحَوْلَ لَمْ يَدُرْ عَلَيْهِمَا فَيُفْعَلُ ذَلِكَ مُحَافَظَةً عَلَى الشَّرْطِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَاخْتَلَفَ فِي هَذَيْنِ التَّقْدِيرَيْنِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَابْنُ الْقَاسِمِ يُقَدِّرُ حَالَةَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الرِّبْحِ فَقَدَّرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عِنْدَهُ لِمُلَازَمَةِ السَّبَبِ لِمُسَبَّبِهِ وَعِنْدَ أَشْهَبَ يُقَدِّرُ يَوْمَ الْحُصُولِ لِئَلَّا يَجْمَعَ بَيْنَ تَقْدِيرَيْنِ تَقْدِيرِ الشِّرَاءِ وَالْأَعْيَانِ الَّتِي حَصَلَتْ فِي الرِّبْحِ، وَالتَّقْدِيرُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَيُقْتَصَرُ مِنْهُ عَلَى مَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ، وَعِنْدَ الْمُغِيرَةِ التَّقْدِيرُ يَوْمَ مِلْكِ أَصْلِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ. وَعَلَى هَذِهِ التَّقَادِيرِ تَتَخَرَّجُ مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ إذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى عَشَرَةٍ فَأَنْفَقَ مِنْهَا خَمْسَةً وَاشْتَرَى سِلْعَةً بِخَمْسَةٍ فَبَاعَهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تَجِبُ الزَّكَاةُ إنْ تَقَدَّمَ الشِّرَاءُ عَلَى الْإِنْفَاقِ فَإِنَّ التَّقْدِيرَ حِينَئِذٍ كَانَ الْمَالُ عَشَرَةً وَهَذِهِ عَشَرَةٌ رِبْحٌ فَكَمَلَ النِّصَابُ حِينَئِذٍ، وَإِلَّا فَلَا تَجِبُ وَأَسْقَطَهَا أَشْهَبُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ عِنْدَهُ يَوْمَ الْحُصُولِ وَيَوْمَ الْحُصُولِ لَمْ تَكُنْ إلَّا خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَوْجَبَهَا الْمُغِيرَةُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ يُقَدِّرُ يَوْمَ مِلْكِهِ الْعَشَرَةَ وَلَا عِبْرَةَ بِتَقْدِيمِ الْإِنْفَاقِ وَعَدَمِهِ وَعَنْ مَالِكٍ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَلَا يُحْتَاجُ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَهُوَ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ، وَإِعْطَاءُ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ إلَى قَوْلِهِ مُحَافَظَةً عَلَى الشَّرْطِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ) . قُلْت: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَلَيْسَتْ مَسْأَلَةُ عِتْقِ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا لَمْ تَدْعُ فِيهَا إلَى ذَلِكَ ضَرُورَةٌ وَمَا قَالَهُ بَعْدَ حِكَايَةِ أَقْوَالٍ وَتَوْجِيهِهَا، وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQخَافَ فَوَاتَهُ، وَتَضْعِيفُهُمْ لِقَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ وَصَلَّى وَلَوْ فَاتَ فَإِنَّ ذَلِكَ لِمَزِيدِ مَشَقَّةِ الْحَجِّ وَعَدَمِ إمْكَانِهِ كُلَّ وَقْتٍ، وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ كَلَامِهِمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِهِمْ بِمَنْ أَحْرَمَ قَبْلُ، وَإِلَّا صَلَّى وَلَوْ فَاتَ وَقَدْ قَالُوا بِعَدَمِ وُجُوبِ الْحَجِّ فِي الْبَحْرِ حَيْثُ حَصَلَ لَهُ دَوْخَةٌ تَمْنَعُهُ الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيُحَرَّرْ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ] (الْفَرْقُ الْعَاشِرُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ) . عَنْ الْمُكَلَّفِ تَصِحُّ النِّيَابَةُ عَقْلًا فِي جَمِيعِ الْأَفْعَالِ قَلْبِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا، وَأَمَّا الشَّرْعُ فَحَكَمَ بِصِحَّةِ النِّيَابَةِ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَعْمَالَ الْقَلْبِيَّةَ كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِيهَا إلَّا مَا كَانَ مِنْ النِّيَّةِ كَإِحْجَاجِ الصَّبِيِّ وَسَائِرِ نِيَّاتِ الْأَعْمَالِ الَّتِي تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا عَلَى حَسَبِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، وَغَيْرَ الْقَلْبِيَّةِ إنْ كَانَتْ مَالِيَّةً مَحْضَةً كَرَدِّ الْعَوَارِيِّ وَالْوَدَائِعِ وَالْغُصُوبَاتِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ وَتَفْرِيقِ الزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَلُحُومِ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا وَذَبْحِ النُّسُكِ فَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَالِيَّةٍ مَحْضَةٍ فَبَعْضُهُمْ حَكَى الْإِجْمَاعَ فِي عَدَمِ صِحَّتِهَا فِي الصَّلَاةِ وَالْخِلَافَ فِيمَا عَدَاهَا، وَبَعْضُهُمْ حَكَى الْخِلَافَ فِي الصَّلَاةِ أَيْضًا. وَجَعَلَ الْأَصْلَ ضَابِطًا لِلْوِفَاقِ وَالْخِلَافِ كَوْنُ الْفِعْلِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا إنْ اشْتَمَلَ عَلَى مَصْلَحَةٍ مَنْظُورٍ فِيهَا لِذَاتِ الْفَاعِلِ بِحَيْثُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِمُبَاشَرَتِهِ مُنِعَتْ فِيهِ النِّيَابَةُ قَطْعًا وَذَلِكَ كَالْيَمِينِ مَصْلَحَتُهُ الدَّلَالَةُ عَلَى صِدْقِ الْمُدَّعِي فَلَا تَحْصُلُ بِحَلِفِ غَيْرِهِ عَنْهُ وَلِذَا يُقَالُ لَيْسَ فِي السُّنَّةِ أَنْ يَحْلِفَ أَحَدٌ وَيَسْتَحِقَّ غَيْرُهُ وَكَالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ مَصْلَحَتُهُ إجْلَالُ اللَّهِ وَتَعْظِيمُهُ، وَإِظْهَارُ الْعُبُودِيَّةِ فَلَا تَحْصُلُ إلَّا بِمُبَاشَرَةِ الشَّخْصِ نَفْسِهِ وَكَوَطْءِ الزَّوْجَةِ مَصْلَحَتُهُ الْإِعْفَافُ وَتَحْصِيلُ وَلَدٍ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَى مَصْلَحَةٍ مَنْظُورٍ فِيهَا لِذَاتِ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ بِحَيْثُ لَا يَتَوَقَّفُ حُصُولُ مَصْلَحَتِهِ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ صَحَّتْ فِيهِ النِّيَابَةُ قَطْعًا وَذَلِكَ كَرَدِّ الْعَوَارِيِّ وَالْوَدَائِعِ وَالْمَغْصُوبَاتِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ وَتَفْرِيقِ الزَّكَوَاتِ مِمَّا مَصْلَحَتُهُ إيصَالُ الْحُقُوقِ لِأَهْلِهَا، سَوَاءٌ كَانَ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِغَيْرِهِ فَيَبْرَأُ مَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ بِالْوَفَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ، وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَى مَصْلَحَةٍ مَنْظُورٍ فِيهَا لِجِهَةِ الْفِعْلِ وَلِجِهَةِ الْفَاعِلِ وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَيِّ الشَّائِبَتَيْنِ تُغَلَّبُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ كَالْحَجِّ فَإِنَّ مَصْلَحَتَهُ كَمَا أَنَّهَا تَأْدِيبُ النَّفْسِ بِمُفَارَقَةِ الْأَوْطَانِ، وَتَهْذِيبُهَا بِالْخُرُوجِ عَنْ الْمُعْتَادِ مِنْ الْمَخِيطِ وَغَيْرِهِ لِتَذَكُّرِ الْمَعَادِ وَالِانْدِرَاجِ فِي الْأَكْفَانِ، وَتَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللَّهِ فِي تِلْكَ الْبِقَاعِ، وَإِظْهَارِ الِانْقِيَادِ مِنْ الْعَبْدِ لِمَا لَمْ يُعْلَمْ حَقِيقَتُهُ كَمَرْمَى الْجِمَارِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالْوُقُوفِ عَلَى بُقْعَةٍ خَاصَّةٍ دُونَ سَائِرِ الْبِقَاعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ الَّتِي لَا تُحْصَى وَلَا تَحْصُلُ إلَّا لِلْمُبَاشِرِ كَالصَّلَاةِ. كَذَلِكَ مَصْلَحَتُهُ الْقُرْبَةُ الْمَالِيَّةُ غَالِبًا إذْ لَا يُعَرَّى عَنْ الْإِنْفَاقِ فِي سَفَرِهِ غَالِبًا فَلَمَّا لَاحَظَ غَيْرُ مَالِكٍ وَمُوَافِقِيهِ مَصْلَحَتَهُ الثَّانِيَةَ قَالُوا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ وَلَمَّا لَاحَظَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَمَنْ وَافَقَهُ مَصْلَحَتَهُ الْأُولَى قَالُوا لَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ

[الفرق بين قاعدة ما يضمن وما لا يضمن وبين قاعدة ما لا يضمن]

إلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مُطْلَقًا فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ - وَهِيَ قَاعِدَةُ التَّقَادِيرِ - يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَرْبَاحِ وَقَاعِدَةِ الْفَوَائِدِ إنْ قُلْنَا بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَاجِبَاتِ وَالْحُقُوقِ الَّتِي تُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَعْرِفَةِ قَاعِدَةٍ فِي التَّرْجِيحَاتِ - وَضَابِطُ مَا قَدَّمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَطْلُوبَاتِ وَهِيَ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَتْ الْحُقُوقُ قُدِّمَ مِنْهَا الْمُضَيَّقُ عَلَى الْمُوَسَّعِ؛ لِأَنَّ التَّضْيِيقَ يُشْعِرُ بِكَثْرَةِ اهْتِمَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ بِمَا جَعَلَهُ مُضَيَّقًا، وَأَنَّ مَا جَوَّزَ لَهُ تَأْخِيرَهُ وَجَعَلَهُ مُوَسَّعًا عَلَيْهِ دُونَ ذَلِكَ. وَيُقَدَّمُ الْفَوْرِيُّ عَلَى الْمُتَرَاخِي؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّعْجِيلِ يَقْتَضِي الْأَرْجَحِيَّةَ عَلَى مَا جُعِلَ لَهُ تَأْخِيرُهُ، وَيُقَدَّمُ فَرْضُ الْأَعْيَانِ عَلَى الْكِفَايَةِ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْفِعْلِ مِنْ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ يَقْتَضِي أَرْجَحِيَّةَ مَا طُلِبَ مِنْ الْبَعْضِ فَقَطْ وَلِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَعْتَمِدُ عَدَمَ تَكَرُّرِ الْمَصْلَحَةِ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ، وَالْأَعْيَانِ يَعْتَمِدُ تَكَرُّرَ الْمَصْلَحَةِ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ، وَالْفِعْلُ الَّذِي تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ أَقْوَى فِي اسْتِلْزَامِ الْمَصْلَحَةِ مِنْ الَّذِي لَا تُوجَدُ الْمَصْلَحَةُ مَعَهُ إلَّا فِي بَعْضِ صُوَرِهِ وَلِذَلِكَ يُقَدَّمُ مَا يُخْشَى فَوَاتُهُ عَلَى مَا لَا يُخْشَى فَوَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ حِكَايَةُ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ لَا تَفُوتُ. وَحِكَايَةُ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ تَفُوتُ بِالْفَرَاغِ مِنْ الْأَذَانِ وَكَذَلِكَ يُقَدَّمُ صَوْنُ الْأَمْوَالِ عَلَى الْعِبَادَاتِ إذَا خَرَجَتْ عَنْ الْعَادَةِ كَتَقْدِيمِ صَوْنِ الْمَالِ فِي شِرَاءِ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ عَلَى الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَيُنْتَقَلُ لِلتَّيَمُّمِ، وَكَتَقْدِيمِهِ عَلَى الْحَجِّ إذَا أَفْرَطَتْ الْغَرَامَاتُ فِي الطُّرُقَاتِ وَيُقَدَّمُ صَوْنُ النُّفُوسِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْمَنَافِعِ عَلَى الْعِبَادَاتِ فَيُقَدَّمُ إنْقَاذُ الْغَرِيقِ وَالْحَرِيقِ وَنَحْوِهِمَا عَلَى الصَّلَاةِ إذَا كَانَ فِيهَا، أَوْ خَارِجًا عَنْهَا وَخَشِيَ فَوَاتَ وَقْتِهَا فَيُفَوِّتُهَا وَيَصُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ أَقْوَى ضَرُورَةَ أَنَّ الَّتِي تَحْصُلُ فِي الْحَجِّ بِالذَّاتِ. وَأَمَّا الْمَالِيَّةُ فَإِنَّمَا حَصَلَتْ فِيهِ بِطَرِيقِ الْعَرَضِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَكِّيَّ يَحُجُّ بِلَا مَالٍ فَكَمَا أَنَّ الْمَالِيَّةَ قَدْ تَعْرِضُ فِي الْجُمُعَاتِ فِيمَنْ احْتَاجَ لِلرُّكُوبِ إلَيْهَا فَاكْتَرَى لِذَلِكَ وَلَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا إجْمَاعًا كَذَلِكَ يَنْبَغِي فِي الْحَجِّ نَعَمْ لِغَيْرِ مَالِكٍ أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ عُرُوضَ الْمَالِ فِي الْحَجِّ أَكْثَرُ مَعَ مَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ الْحَجِّ عَنْ الصِّبْيَانِ وَالْمَرْضَى يُحْرِمُ عَنْهُمْ غَيْرُهُمْ وَيَفْعَلُ أَفْعَالَ الْحَجِّ وَالْعِبَادَاتِ أَمْرٌ مُتَّبَعٌ اهـ كَلَامُ الْأَصْلِ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِأَنَّ هَذَا الضَّابِطَ يَنْتَقِضُ بِالصَّوْمِ فَقَدْ صَحَّ الْحَدِيثُ بِجَوَازِ النِّيَابَةِ فِيهِ اهـ وَمُرَادُهُ بِالْحَدِيثِ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» . وَأَمَّا حَدِيثُهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَتَتْ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ فَقَالَ أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتِ تَقْضِيهِ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ» فَقَالَ الزَّرْقَانِيُّ عَلَى الْمُوَطَّإِ قَدْ أُعِلَّ بِالِاضْطِرَابِ فَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ السَّائِلَ امْرَأَةٌ أَنَّ أُمَّهَا مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ. وَفِي أُخْرَى وَعَلَيْهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَأُخْرَى أَنَّ أُخْتِي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَأُخْرَى قَالَ رَجُلٌ مَاتَتْ أُمِّي وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ نَعَمْ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ اضْطِرَابًا، وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِلَافٌ يُحْمَلُ عَلَى اخْتِلَافِ الْوَقَائِعِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ لِاتِّحَادِ الْمُخَرِّجِ فَالرِّوَايَاتُ كُلُّهَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ اهـ فَتَأَمَّلْ وَسَيَأْتِي فِي الْفَرْقِ الْحَادِي وَالسَّبْعِينَ وَالْمِائَةِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ الْغَيْرِ عَنْ ابْنِ الشَّاطِّ أَنَّهُ مُكَرَّرٌ مَعَ هَذَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِيهِ مَسَائِلَ لِتَوْضِيحِ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَذْكُرْهَا هُنَا فَتَرَقَّبْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُضْمَنُ وَمَا لَا يُضْمَنُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُضْمَنُ] (الْفَرْقُ الْحَادِيَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُضْمَنُ) وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُضْمَنُ، لِلضَّمَانِ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ: الْأَوَّلُ مَا يَجِبُ فِيهِ الضَّمَانُ، وَالثَّانِي الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ، وَالثَّالِثُ الْوَاجِبُ فِي الضَّمَانِ فَأَمَّا مَا يَجِبُ فِيهِ الضَّمَانُ فَقَالَ فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ: كُلُّ مَالٍ أُتْلِفَتْ عَيْنُهُ، أَوْ تَلِفَ عِنْدَ الْغَاصِبِ أَيْ، أَوْ غَيْرِهِ عَيْنُهُ بِأَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ، أَوْ سُلِّطَتْ الْيَدُ عَلَيْهِ وَتُمُلِّكَ وَذَلِكَ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ بِاتِّفَاقٍ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ مِثْلِ الْعَقَارِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ: إنَّهَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ أَعْنِي أَنَّهَا إنْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ ضَمِنَ مِنْ قِيمَتِهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَضْمَنُ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هَلْ كَوْنُ يَدِ الْغَاصِبِ عَلَى الْعَقَارِ مِثْلُ كَوْنِ يَدِهِ عَلَى مَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ فَمَنْ جَعَلَ حُكْمَ ذَلِكَ وَاحِدًا قَالَ بِالضَّمَانِ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ حُكْمَ ذَلِكَ وَاحِدًا قَالَ لَا ضَمَانَ اهـ. وَأَمَّا الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ فِي الشَّرِيعَةِ فَثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ لَا رَابِعَ لَهَا فَمَتَى وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا وَجَبَ الضَّمَانُ وَمَتَى لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهَا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ: أَحَدُهَا الْعُدْوَانُ كَالْقَتْلِ وَالطَّرْقِ، وَهَدْمِ الدُّورِ وَأَكْلِ الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ إتْلَافِ الْمُتَمَوَّلَاتِ قَالَ فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْمُبَاشَرَةِ أَيْ مُبَاشَرَةِ الْإِتْلَافِ الْعَمْدُ، أَوْ لَا يُشْتَرَطُ فَالْأَشْهَرُ أَنَّ الْأَمْوَالَ تُضْمَنُ عَمْدًا وَخَطَأً، وَإِنْ كَانُوا قَدْ اخْتَلَفُوا فِي مَسَائِلَ جُزْئِيَّةٍ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا فَالْمَعْلُومُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا وَلِذَلِكَ رَأَى عَلَى الْمُكْرَهِ الضَّمَانَ، أَعْنِي الْمُكْرَهَ عَلَى الْإِتْلَافِ اهـ وَثَانِيهَا التَّسَبُّبُ لِلْإِتْلَافِ قَالَ الْأَصْلُ: وَلِلسَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمِنْهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ لَكِنْ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ

مَا تَعَيَّنَ صَوْنُهُ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ يُقَدَّمُ صَوْنُ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى الصَّلَاةِ إذَا خُشِيَ فَوَاتُهُ وَهُوَ مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ حَقِّ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ حَقُّ اللَّهِ يُقَدَّمُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ بِالْمُحَالَلَةِ وَالْمُسَامَحَةِ دُونَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ حَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ بِدَلِيلِ تَرْكِ الطَّهَارَاتِ وَالْعِبَادَاتِ إذَا عَارَضَهَا ضَرَرُ الْعَبْدِ، وَنَظَائِرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ فَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَتَّضِحُ لَك مَا يُقَدَّمُ عَلَى الْحَجِّ مِمَّا لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ فَيُقَدَّمُ حَقُّ الْوَالِدَيْنِ عَلَى الْحَجِّ، إذَا قُلْنَا: إنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّ حَقَّ الْوَالِدَيْنِ عَلَى الْفَوْرِ إجْمَاعًا وَالْفَوْرِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُتَرَاخِي وَكَذَلِكَ يُقَدَّمُ حَقُّ السَّيِّدِ عَلَى الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَلْزَمُ الْعَبْدَ وَحَقُّ السَّيِّدِ وَاجِبٌ فَوْرِيٌّ وَكَذَلِكَ يُقَدَّمُ حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى الْحَجِّ الْفَرْضِ إنْ قُلْنَا إنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ فَوْرِيٌّ وَكَذَلِكَ يَمْنَعُ الدَّيْنُ الْحَالُّ الْخُرُوجَ إلَى الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ فَوْرِيٌّ وَلَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ. قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْحَجُّ أَفْضَلُ مِنْ الْغَزْوِ؛ لِأَنَّ الْغَزْوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالْحَجَّ فَرْضُ عَيْنٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يُكْثِرُ الْحَجَّ وَلَا يَحْضُرُ الْغَزْوَ وَكَذَلِكَ تُقَدَّمُ رَكْعَةٌ مِنْ الْعِشَاءِ عَلَى الْحَجِّ إذَا لَمْ يَبْقَ قَبْلَ الْفَجْرِ إلَّا مِقْدَارُ رَكْعَةٍ لِلْعِشَاءِ وَالْوُقُوفِ قَالَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يُفَوِّتُ الْحَجَّ وَيُصَلِّي وَلِلشَّافِعِيَّةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَقْوَالٌ: يُفَوِّتُهَا، وَيُقَدِّمُ الْحَجَّ لِعِظَمِ مَشَقَّتِهِ يُصَلِّي وَهُوَ يَمْشِي كَصَلَاةِ الْمُسَايَفَةِ، وَالْحَقُّ مَذْهَبُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ وَهِيَ فَوْرِيَّةٌ إجْمَاعًا وَبِاَللَّهِ الْإِعَانَةُ. (الْفَرْقُ الْعَاشِرُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ عَنْ الْمُكَلَّفِ) ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْفَرْقُ الْعَاشِرُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ عَنْ الْمُكَلَّفِ) . قُلْت: صِحَّةُ النِّيَابَةِ فِي الْأَفْعَالِ كُلِّهَا الْقَلْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا جَائِزَةٌ عَقْلًا لَكِنَّ الشَّرْعَ حَكَمَ بِصِحَّةِ النِّيَابَةِ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى أَنَّ التَّسَبُّبَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَقَالَ فِيمَا يَأْتِي لَهُ فِي الْفَرْقِ السَّابِعَ عَشَرَ وَالْمِائَتَيْنِ: وَالسَّبَبُ مَا يُقَالُ عَادَةً حَصَلَ الْهَلَاكُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَسُّطٍ، وَالتَّسَبُّبُ مَا يَحْصُلُ الْهَلَاكُ عِنْدَهُ بِعِلَّةٍ أُخْرَى إذَا كَانَ السَّبَبُ هُوَ الْمُقْتَضِيَ لِوُقُوعِ الْفِعْلِ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ اهـ. وَقَالَ فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ وَاخْتَلَفُوا فِي السَّبَبِ الَّذِي يَحْصُلُ بِمُبَاشَرَتِهِ الضَّمَانُ إذَا تَنَاوَلَ التَّلَفَ بِوَاسِطَةِ سَبَبٍ آخَرَ هَلْ يَحْصُلُ بِهِ ضَمَانٌ أَمْ لَا وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ مِنْهَا أَنْ يَفْتَحَ قَفَصًا فِيهِ طَائِرٌ فَيَطِيرَ بَعْدَ الْفَتْحِ فَقَالَ مَالِكٌ يَضْمَنُهُ هَاجَهُ عَلَى الطَّيَرَانِ، أَوْ لَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ إنْ هَاجَهُ وَلَا يَضْمَنُ إنْ لَمْ يَهِجْهُ يَعْنِي إنْ طَارَ عَقِيبَ الْفَتْحِ ضَمِنَ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَضْمَنُ عَلَى حَالٍ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِأَنَّ فَتْحَ الْقَفَصِ سَبَبُ الْإِتْلَافِ عَادَةً فَيُوجِبُ الضَّمَانَ كَسَائِرِ صُوَرِ التَّسَبُّبِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا كَمَا إذَا فَتَحَ مُرَاحَهُ فَخَرَجَتْ مَاشِيَتُهُ فَأَفْسَدَتْ الزَّرْعَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَقَدْ أُسْقِطَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] خُصُوصُ التَّسَبُّبِ فَبَقِيَ الْغُرْمُ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ التَّسَبُّبُ وَالْمُبَاشَرَةُ اُعْتُبِرَتْ الْمُبَاشَرَةُ دُونَهُ وَالطَّيْرُ مُبَاشِرٌ بِاخْتِيَارِهِ لِحَرَكَةِ نَفْسِهِ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا فِي مَحَلٍّ فَأَرْدَى فِيهَا غَيْرُهُ إنْسَانًا فَإِنَّ الْمُرْدِيَ يَضْمَنُ دُونَ الْحَافِرِ وَالْحَيَوَانُ قَصْدُهُ مُعْتَبَرٌ بِدَلِيلِ جَوَارِحِ الصَّيْدِ إنْ أَمْسَكَتْ لِأَنْفُسِهَا لَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ أَوْ لِلصَّائِدِ أُكِلَ وَالْجَوَابُ بِوُجُوهٍ: الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الطَّائِرَ كَانَ مُخْتَارًا لِلطَّيَرَانِ وَلَعَلَّهُ كَانَ مُخْتَارًا لِلْإِقَامَةِ لِانْتِظَارِ الْعَلَفِ، أَوْ خَوْفِ الْجَوَارِحِ الْكَوَاسِرِ، وَإِنَّمَا طَارَ خَوْفًا مِنْ الْفَاتِحِ، وَإِذَا احْتَمَلَ - وَاحْتَمَلَ، وَالسَّبَبُ مَعْلُومٌ - فَيُضَافُ الضَّمَانُ إلَيْهِ كَحَافِرِ الْبِئْرِ يَقَعُ فِيهَا حَيَوَانٌ مَعَ إمْكَانِ اخْتِيَارِهِ لِنُزُولِهَا لِفَزَعٍ خَلْفَهُ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الصَّيْدَ لَا يُؤْكَلُ إذَا أَكَلَ مِنْهُ الْجَارِحُ، سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّ الضَّمَانَ مُتَعَلِّقٌ بِالسَّبَبِ الَّذِي تَوَصَّلَ بِهِ الطَّائِرُ لِمَقْصِدِهِ كَمَنْ أَرْسَلَ بَازِيًا عَلَى طَائِرِ غَيْرِهِ فَقَتَلَهُ الْبَازِي بِاخْتِيَارِهِ فَإِنَّ الْمُرْسِلَ يَضْمَنُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقْتَضِي اخْتِيَارَ الْحَيَوَانِ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْفَتْحَ سَبَبٌ مُجَرَّدٌ بَلْ هُوَ فِي مَعْنَى الْمُبَاشَرَةِ لِمَا فِي طَبْعِ الطَّائِرِ مِنْ النُّفُورِ مِنْ الْآدَمِيِّ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنَّا نُفَرِّقُ بَيْنَ حَافِرِ الْبِئْرِ يَضْمَنُ مَنْ أَرْدَى إنْسَانًا فِيهَا دُونَهُ وَبَيْنَ فَاتِحِ الْقَفَصِ فَيَطِيرُ الطَّائِرُ مِنْهُ يَضْمَنُ الْفَاتِحُ وَلَمْ يُعْتَبَرْ قَصْدُ الطَّائِرِ بِأَنَّ قَصْدَ الطَّائِرِ وَنَحْوِهِ ضَعِيفٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ، وَالْآدَمِيُّ يَضْمَنُ قَصَدَ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ» فَافْهَمْ وَمِنْهَا مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَسَقَطَ فِيهِ شَيْءٌ فَهَلَكَ فَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَقُولَانِ إنْ حَفَرَهُ بِحَيْثُ أَنْ يَكُونَ حَفَرَهُ تَعَدِّيًا ضَمِنَ مَا تَلِفَ فِيهِ، وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ وَيَجِيءُ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ كَمَسْأَلَةِ الطَّائِرِ وَمِنْهَا وَقِيدُ النَّارِ قَرِيبًا مِنْ الزَّرْعِ، أَوْ الْأَنْدَرِ فَتَعْدُو فَتُحْرِقُ مَا جَاوَرَهَا وَمِنْهَا رَمْيُ مَا يُزْلِقُ النَّاسَ فِي الطُّرُقَاتِ فَيَعْطَبُ بِسَبَبِ ذَلِكَ حَيَوَانٌ، أَوْ غَيْرُهُ وَمِنْهَا الْكَلِمَةُ الْبَاطِلَةُ عِنْدَ ظَالِمٍ إغْرَاءً عَلَى مَالِ إنْسَانٍ فَيَأْخُذُهُ الظَّالِمُ فَإِنَّ الْمُتَسَبِّبَ فِي جَمِيعِهَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِسَبَبِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَيَجِيءُ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ كَمَسْأَلَةِ الطَّائِرِ وَمِنْهَا مَنْ قَطَعَ الْوَثِيقَةَ الْمُتَضَمِّنَةَ لِلْحَقِّ وَالشَّهَادَةِ بِهِ يَضْمَنُ عِنْدَ مَالِكٍ ذَلِكَ الْحَقَّ لِتَسَبُّبٍ فِيهِ كَثَمَنِ الْوَثِيقَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَضْمَنُ ثَمَنَ الْوَثِيقَةِ خَاصَّةً فَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ الْإِتْلَافَ دُونَ السَّبَبِ وَمَالِكٌ اعْتَبَرَهُمَا مَعًا وَرَأَى أَنَّهُ أَتْلَفَ الْوَرَقَةَ

هَذَا الْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْأَفْعَالَ قِسْمَانِ مِنْهَا مَا يَشْتَمِلُ فِعْلُهُ عَلَى مَصْلَحَةٍ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ فَاعِلِهِ كَرَدِّ الْوَدَائِعِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ وَرَدِّ الْغُصُوبَاتِ وَتَفْرِيقِ الزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَلُحُومِ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا وَذَبْحِ النُّسُكِ وَنَحْوِهَا فَيَصِحُّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ النِّيَابَةُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ انْتِفَاعُ أَهْلِهَا بِهَا وَذَلِكَ حَاصِلٌ مِمَّنْ هِيَ عَلَيْهِ لِحُصُولِهَا مِنْ نَائِبِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ تُشْتَرَطُ النِّيَّاتُ فِي أَكْثَرِهَا وَمِنْهَا مَا لَا يَتَضَمَّنُ مَصْلَحَةً فِي نَفْسِهِ بَلْ بِالنَّظَرِ إلَى فَاعِلِهِ كَالصَّلَاةِ فَإِنَّ مَصْلَحَتَهَا الْخُشُوعُ وَالْخُضُوعُ، وَإِجْلَالُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتَعْظِيمُهُ وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ فِيهَا مِنْ جِهَةِ فَاعِلِهَا فَإِذَا فَعَلَهَا غَيْرُ الْإِنْسَانِ فَاتَتْ الْمَصْلَحَةُ الَّتِي طَلَبَهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ وَلَا تُوصَفُ حِينَئِذٍ بِكَوْنِهَا مَشْرُوعَةً فِي حَقِّهِ فَلَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهَا إجْمَاعًا وَمِنْهَا قِسْمٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ فَتَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي أَيِّ الشَّائِبَتَيْنِ تُغَلَّبُ عَلَيْهِ كَالْحَجِّ فَإِنَّ مَصَالِحَهُ تَأْدِيبُ النَّفْسِ بِمُفَارَقَةِ الْأَوْطَانِ. وَتَهْذِيبُهَا بِالْخُرُوجِ عَنْ الْمُعْتَادِ مِنْ الْمَخِيطِ وَغَيْرِهِ لِتَذَكُّرِ الْمَعَادِ وَالِانْدِرَاجِ فِي الْأَكْفَانِ وَتَعْظِيمِ شَعَائِرِ اللَّهِ فِي تِلْكَ الْبِقَاعِ، وَإِظْهَارِ الِانْقِيَادِ مِنْ الْعَبْدِ لِمَا لَمْ يَعْلَمْ حَقِيقَتَهُ كَرَمْيِ الْجِمَارِ وَالسَّعْيِ ـــــــــــــــــــــــــــــSبَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ فَأَمَّا الْأَعْمَالُ الْقَلْبِيَّةُ فَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي عَدَمِ صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِيهَا إلَّا مَا كَانَ مِنْ النِّيَّةِ كَإِحْجَاجِ الصَّبِيِّ، وَفِي سَائِرِ نِيَّاتِ الْأَعْمَالِ الَّتِي تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا عَلَى حَسَبِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، وَغَيْرُ الْقَلْبِيَّةِ: فَالْمَالِيَّةُ الْمَحْضَةُ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِيهَا. وَأَمَّا غَيْرُ الْمَالِيَّةِ الْمَحْضَةِ فَقَدْ حَكَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ فِي عَدَمِ صِحَّتِهَا فِي الصَّلَاةِ، وَالْخِلَافَ فِيمَا عَدَاهَا وَحَكَى بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ فِي الصَّلَاةِ أَيْضًا، وَمَا قَالَهُ شِهَابُ الدِّينِ وَجَعَلَهُ ضَابِطًا لِلْوِفَاقِ وَالْخِلَافِ - مِنْ مُرَاعَاةِ كَوْنِ مَصْلَحَةِ ذَلِكَ الْأَمْرِ يُشْتَرَطُ فِيهَا حُصُولُهَا مِنْ النَّائِبِ كَحُصُولِهَا مِنْ الْمَنُوبِ عَنْهُ وَحِينَئِذٍ تَصِحُّ - يَنْتَقِضُ بِالصَّوْمِ، فَقَدْ صَحَّ الْحَدِيثُ بِجَوَازِ النِّيَابَةِ فِيهِ، وَمَا رُجِّحَ بِهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْحَجِّ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقَيْنِ بَعْدَ هَذَا صَحِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْمُبَاشَرَةِ بِالْإِتْلَافِ وَأَتْلَفَ الْحَقَّ بِالتَّسَبُّبِ فَرَتَّبَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مُقْتَضَاهُمَا وَمِنْهَا مَنْ مَرَّ عَلَى حِبَالَةٍ فَوَجَدَ فِيهَا صَيْدًا يُمْكِنُهُ تَخْلِيصُهُ وَحَوْزُهُ لِصَاحِبِهِ فَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ يَضْمَنُهُ لِصَاحِبِهِ عِنْدَ مَالِكٍ لِأَنَّ صَوْنَ مَالِ الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ وَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا فِي الصَّوْنِ ضَمِنَ وَمِنْهَا مَنْ مَرَّ بِلُقَطَةٍ وَعَلِمَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَهَا أَخَذَهَا مَنْ يَجْحَدُهَا يَضْمَنُهَا عِنْدَ مَالِكٍ إذَا تَرَكَهَا حَتَّى تَلِفَتْ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَخْذِهَا لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَخْذُهَا اهـ. كَلَامُ الْبِدَايَةِ بِتَصَرُّفٍ وَزِيَادَةٍ مِمَّا يَأْتِي لِلْأَصْلِ فِي الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ وَمِنْ غَيْرِهِ. وَثَالِثُهَا وَضْعُ الْيَدِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُؤْتَمَنَةٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ عَادِيَةً كَيَدِ السُّرَّاقِ وَالْغُصَّابِ وَنَحْوِهِمْ أَوْ لَيْسَتْ بِعَادِيَةٍ كَمَا فِي الْمَبِيعِ بَيْعًا صَحِيحًا يَبْقَى بِيَدِ الْبَائِعِ فَيَضْمَنُهُ، أَوْ يَقْبِضُهُ الْمُشْتَرِي فَيَضْمَنُهُ أَوْ بَيْعًا فَاسِدًا يَقْبِضُهُ الْمُشْتَرِي فَيَضْمَنُهُ عِنْدَنَا فَقَطْ إذَا تَغَيَّرَ سُوقُهُ، أَوْ فِي ذَاتِهِ، أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، أَوْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا إذَا أَتْلَفَهُ الْمُشْتَرِي، وَكَمَا فِي قَبْضِ الْعَوَارِيِّ وَالرُّهُونِ الَّتِي يُغَابُ عَلَيْهَا كَالْحُلِيِّ وَالسِّلَاحِ وَأَنْوَاعِ الْعُرُوضِ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَكَمَا فِي قَبْضِ الْمُقْتَرِضِ الْأَعْيَانَ الَّتِي يَقْتَرِضُهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا اتِّفَاقًا وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُؤْتَمَنَةٍ الْيَدُ الْمُؤْتَمَنَةُ كَوَضْعِ الْيَدِ فِي الْوَدَائِعِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ، وَكَأَيْدِي الْأَوْصِيَاءِ عَلَى أَمْوَالِ الْيَتَامَى، وَالْحُكَّامِ عَلَى ذَلِكَ وَأَمْوَالِ الْغَائِبِينَ وَالْمَجَانِينِ وَكَذَا أَيْدِي الْأُجَرَاءِ فِي الْإِجَارَةِ مُطْلَقًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَلَوْ كَانَ الْأَجِيرُ صَانِعًا يُؤَثِّرُ بِصَنْعَتِهِ فِي الْأَعْيَانِ، أَوْ عَلَى حَمْلِ الطَّعَامِ الَّذِي تَتُوقُ النَّفْسُ إلَى تَنَاوُلِهِ كَالْفَوَاكِهِ وَالْأَشْرِبَةِ وَالْأَطْعِمَةِ الْمَطْبُوخَةِ طَرْدًا لِقَاعِدَةِ الْأَمَانَةُ فِي الْإِجَارَةِ وَاسْتَثْنَى مَالِكٌ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ صُورَتَيْنِ: الْأُولَى الْأَجِيرُ الَّذِي يُؤَثِّرُ فِي الْأَعْيَانِ بِصَنْعَتِهِ كَالْخَيَّاطِ وَالْقَصَّارِ اسْتَحْسَنَ فِيهَا أَنَّ الْأَصْلَحَ لِلنَّاسِ تَضْمِينُ الْأُجَرَاءِ لِأَنَّ السِّلْعَةَ إذَا تَغَيَّرَتْ بِالصَّنْعَةِ لَا يَعْرِفُهَا رَبُّهَا إذَا وَجَدَهَا قَدْ بِيعَتْ فِي الْأَسْوَاقِ. وَالثَّانِيَةُ الْأَجِيرُ عَلَى حَمْلِ الطَّعَامِ الَّذِي تَتُوقُ النَّفْسُ إلَى تَنَاوُلِهِ فَإِنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَضْمَنُ الْأَجِيرُ فِيهَا سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، إذَا عَلِمْت هَذَا عَلِمْت أَنَّ جَمِيعَ مَا وَضْعُ الْأَيْدِي فِيهِ مُؤْتَمَنَةٌ مِنْ النَّظَائِرِ لَا ضَمَانَ فِيهِ وَهِيَ قَاعِدَةُ مَا لَا يُضْمَنُ وَأَنَّ جَمِيعَ مَا وَضْعُ الْأَيْدِي فِيهِ غَيْرُ مُؤْتَمَنَةٍ مِنْ النَّظَائِرِ فِيهِ الضَّمَانُ كَمَا فِي مُبَاشَرَةِ إتْلَافِ الْمُتَمَوَّلَاتِ وَالتَّسَبُّبِ لِلْإِتْلَافِ وَأَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ الثَّلَاثَةَ هِيَ أَسْبَابُ الضَّمَانِ وَهِيَ قَاعِدَةُ مَا يُضْمَنُ فَهَذَا هُوَ تَقْرِيرُ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُهُ. وَأَمَّا الْوَاجِبُ فِي الضَّمَانِ فَهُوَ إمَّا رَدُّ الْمَالِ بِعَيْنِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا عِنْدَهُ بِعَيْنِهِ لَمْ تَدْخُلْهُ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ، وَإِمَّا رَدُّ مِثْلِهِ إنْ اُسْتُهْلِكَ وَكَانَ مِثْلِيًّا، أَمَّا إنْ كَانَ عُرُوضًا مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ فَقَالَ مَالِكٌ لَا يُقْضَى فِيهِ إلَّا بِالْقِيمَةِ يَوْمَ اُسْتُهْلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد: الْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ الْمِثْلُ وَلَا تَلْزَمُ الْقِيمَةُ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمِثْلِ وَعُمْدَةُ مَالِكٍ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَشْهُورُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ الْبَاقِي قِيمَةَ الْعَدْلِ» الْحَدِيثَ. وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُلْزِمْهُ الْمِثْلَ وَأَلْزَمَهُ الْقِيمَةَ وَعُمْدَةُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الشَّيْءِ قَدْ تَكُونُ هِيَ الْمَقْصُودَةَ عِنْدَ الْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ وَمَنْ الْحُجَّةِ لَهُمْ مَا خَرَّجَ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عِنْدَهُ بَعْضُ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ جَارِيَةً بِقَصْعَةٍ لَهَا فِيهَا طَعَامٌ قَالَ

[الفرق بين قاعدة تداخل الجوابر في الحج وقاعدة ما لا يتداخل الجوابر فيه في الحج]

بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالْوُقُوفِ عَلَى بُقْعَةٍ خَاصَّةٍ دُونَ سَائِرِ الْبِقَاعِ وَهَذِهِ مَصَالِحُ لَا تُحْصَى وَلَا تَصْلُحُ إلَّا لِلْمُبَاشِرِ كَالصَّلَاةِ فِي حُكْمِهَا وَمَصَالِحِهَا فَمَنْ لَاحَظَ هَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَنْ وَافَقَهُ قَالُوا: لَا تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ وَمَنْ لَاحَظَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ وَمُشَابَهَةَ النُّسُكِ فِي الْمَالِيَّةِ فَإِنَّ الْحَجَّ لَا يَعْرَى عَنْ الْقُرْبَةِ الْمَالِيَّةِ غَالِبًا فِي الْإِنْفَاقِ فِي الْأَسْفَارِ قَالَ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ، وَالشَّائِبَةُ الْأُولَى أَقْوَى وَأَظْهَرُ وَهِيَ الَّتِي تَحْصُلُ فِي الْحَجِّ بِالذَّاتِ، وَالْمَالِيَّةُ إنَّمَا حَصَلَتْ بِطَرِيقِ الْعَرَضِ كَمَا تَحْصُلُ فِيمَنْ احْتَاجَ لِلرُّكُوبِ إلَى الْجُمُعَاتِ فَاكْتَرَى لِذَلِكَ فَإِنَّ الْمَالِيَّةَ عَارِضَةٌ فِي الْجُمُعَاتِ وَلَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي فِي الْحَجِّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَبِهِ يَظْهَرُ رُجْحَانُ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى غَيْرِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (الْفَرْقُ الْحَادِيَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُضْمَنُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُضْمَنُ) اعْلَمْ أَنَّ أَسْبَابَ الضَّمَانِ فِي الشَّرِيعَةِ ثَلَاثَةٌ لَا رَابِعَ لَهَا أَحَدُهَا الْعُدْوَانُ كَالْقَتْلِ وَالْإِحْرَاقِ وَهَدْمِ الدُّورِ وَأَكْلِ الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ إتْلَافِ الْمُتَمَوَّلَاتِ فَمَنْ تَعَدَّى فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إمَّا الْمِثْلُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، أَوْ الْقِيمَةُ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْجَوَابِرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الزَّوَاجِرِ وَالْجَوَابِرِ، وَثَانِيهَا التَّسَبُّبُ لِلْإِتْلَافِ كَحَفْرِ الْآبَارِ فِي طُرُقِ الْحَيَوَانِ فِي غَيْرِ الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ لِلْحَافِرِ، أَوْ فِي أَرْضِهِ لَكِنْ حَفَرَهَا لِهَذَا الْغَرَضِ وَكَوَقِيدِ النَّارِ قَرِيبًا مِنْ الزَّرْعِ، أَوْ الْأَنْدَرِ فَتَعْدُو فَتُحْرِقُ مَا جَاوَرَهَا وَكَرَمْيِ مَا يُزْلِقُ النَّاسَ فِي الطُّرُقَاتِ فَيَعْطَبُ بِسَبَبِ ذَلِكَ حَيَوَانٌ، أَوْ غَيْرُهُ وَكَالْكَلِمَةِ الْبَاطِلَةِ عِنْدَ ظَالِمٍ إغْرَاءً عَلَى مَالِ إنْسَانٍ فَإِنَّ الظَّالِمَ إذَا أَخَذَ الْمَالَ بِذَلِكَ السَّبَبِ مِنْ الْكَلَامِ ضَمِنَهُ الْمُتَكَلِّمُ وَكَتَقْطِيعِ الْوَثِيقَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْحَقِّ وَلِلشَّهَادَةِ بِهِ فَيَضِيعُ الْحَقُّ بِسَبَبِ تَقْطِيعِهَا فَيَضْمَنُ عِنْدَ مَالِكٍ ذَلِكَ الْحَقَّ لِتَسَبُّبِهِ فِيهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَضْمَنُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَضَرَبَتْ بِيَدِهَا فَكَسَرَتْ الْقَصْعَةَ فَأَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكِسْرَتَيْنِ فَضَمَّ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى وَجَعَلَ فِيهَا جَمِيعَ الطَّعَامِ وَيَقُولُ غَارَتْ أُمُّكُمْ كُلُوا كُلُوا حَتَّى جَاءَتْ قَصْعَتُهَا الَّتِي فِي بَيْتِهَا وَحَبَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَصْعَةَ حَتَّى فَرَغُوا فَدَفَعَ الصَّفْحَةَ الصَّحِيحَةَ إلَى الرَّسُولِ وَحَبَسَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِهِ» ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ هِيَ الَّتِي غَارَتْ وَكَسَرَتْ الْإِنَاءَ وَأَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْتُ قَالَ: إنَاءٌ مِثْلُ إنَاءٍ وَطَعَامٌ مِثْلُ طَعَامٍ» كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْجَوَابِرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالثَّلَاثِينَ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الزَّوَاجِرِ وَالْجَوَابِرِ. (وَصْلٌ) إذَا اجْتَمَعَ مِنْ أَسْبَابِ الضَّمَانِ الثَّلَاثَةِ سَبَبَانِ كَالْمُبَاشَرَةِ وَالتَّسَبُّبِ مِنْ جِهَتَيْنِ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا لِإِنْسَانٍ لِيَقَعَ فِيهِ فَجَاءَهُ آخَرُ فَأَلْقَاهُ فِيهِ فَهَذَا مُبَاشِرٌ وَالْأَوَّلُ مُتَسَبِّبٌ فَالْغَالِبُ تَقْدِيمُ الْمُبَاشَرَةِ عَلَى التَّسَبُّبِ لِأَنَّ شَأْنَ الشَّرِيعَةِ تَقْدِيمُ الرَّاجِحِ عِنْدَ التَّعَارُضِ فَيُقَدَّمُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ الْمُلْقِي فَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ دُونَ الْحَافِرِ وَقَدْ لَا تُقَدَّمُ الْمُبَاشَرَةُ عَلَى التَّسَبُّبِ لِضَعْفِهَا عَنْهُ بَلْ إمَّا أَنْ يُجْعَلَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُبَاشِرِ وَالْمُتَسَبِّبِ مَعًا إذَا كَانَتْ الْمُبَاشَرَةُ مَغْمُورَةً كَقَتْلِ الْمُكْرَهِ فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عَلَيْهَا وَلَا تُغَلَّبُ الْمُبَاشَرَةُ لِقُوَّةِ التَّسَبُّبِ، وَإِمَّا أَنْ يُجْعَلَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ وَحْدَهُ إذَا وَقَعَتْ الْمُبَاشَرَةُ مِنْ نَفْسِ الْمَقْتُولِ جَهْلًا كَتَقْدِيمِ السُّمِّ لِإِنْسَانٍ فِي طَعَامِهِ فَيَأْكُلُهُ جَاهِلًا بِهِ فَإِنَّهُ مُبَاشِرٌ لِقَتْلِ نَفْسِهِ، وَوَاضِعُ السُّمِّ مُتَسَبِّبٌ فَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ وَحْدَهُ أَوْ وَقَعَتْ الْمُبَاشَرَةُ مِنْ الْحُكَّامِ كَمَا إذَا شَهِدَ شُهُودُ الزُّورِ، أَوْ الْجَهَلَةُ بِمَا يُوجِبُ ضَيَاعَ الْمَالِ عَلَى الْإِنْسَانِ، ثُمَّ يَعْتَرِفُونَ بِالْكَذِبِ، أَوْ الْجَهَالَةِ فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ بِشَهَادَتِهِمْ لِأَنَّهُمْ مُتَسَبِّبُونَ كَالْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ بِجَامِعِ مُطْلَقِ التَّسَبُّبِ وَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ وَلَا يَضْمَنُ الْحَاكِمُ شَيْئًا مَعَ أَنَّهُ الْمُبَاشِرُ، وَالشَّاهِدَ مُتَسَبِّبٌ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ الْعَامَّةَ قَدْ اقْتَضَتْ عَدَمَ تَضْمِينِ الْحُكَّامِ مَا أَخْطَئُوا فِيهِ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَوْ تَطَرَّقَ إلَيْهِمْ مَعَ كَثْرَةِ الْحُكُومَاتِ وَتَرَدُّدِ الْخُصُومَاتِ لَزَهِدَ الْأَخْيَارُ فِي الْوِلَايَاتِ وَاشْتَدَّ امْتِنَاعُهُمْ فَيَفْسُدُ حَالُ النَّاسِ بِعَدَمِ الْحُكَّامِ فَكَانَ الشَّاهِدُ بِالضَّمَانِ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ لِلْحَاكِمِ فِي الْإِلْزَامِ وَالتَّنْفِيذِ وَكَمَا قِيلَ الْحَاكِمُ أَسِيرُ الشَّاهِدِ وَيَقَعُ فِي هَذَا الْبَابِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، وَلَكِنَّ الْأَصْلَ هُوَ مَا تَقَدَّمَ فِي أَسْبَابِ الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَدَاخُلِ الْجَوَابِرِ فِي الْحَجِّ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَتَدَاخَلُ الْجَوَابِرُ فِيهِ فِي الْحَجِّ] (الْفَرْقُ الثَّانِيَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَدَاخُلِ الْجَوَابِرِ فِي الْحَجِّ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَتَدَاخَلُ الْجَوَابِرُ فِيهِ فِي الْحَجِّ) تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْجَوَابِرِ وَالزَّوَاجِرِ مُطْلَقًا وَأَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي بَعْضِ الْكَفَّارَاتِ هَلْ هِيَ زَوَاجِرُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَشَاقِّ تَحَمُّلِ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا، أَوْ هِيَ جَوَابِرُ لِأَنَّهَا عِبَادَاتٌ لَا تَصِحُّ إلَّا بِنِيَّاتٍ وَلَيْسَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى زَاجِرًا بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَاتِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ قُرُبَاتٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِعْلًا لِلْمَزْجُورِينَ وَذَكَرَ الشَّيْخُ مُنْلَا عَلِيٌّ قَارِي فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَنْسَكِ الْمُتَوَسِّطِ فِي كَفَّارَاتِ الْحَجِّ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا كَالْحُدُودِ زَوَاجِرُ لَا جَوَابِرُ قَالَ فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَمَاعَةَ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ إذَا ارْتَكَبَ مَحْظُورَ الْإِحْرَامِ عَامِدًا يَأْثَمُ وَلَا يُخْرِجُهُ الْفِدْيَةُ وَالْعَزْمُ عَلَيْهَا عَنْ كَوْنِهِ عَاصِيًا قَالَ النَّوَوِيُّ وَرُبَّمَا ارْتَكَبَ بَعْضُ الْعَامَّةِ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ

ثَمَنَ الْوَرَقَةِ خَاصَّةً فَاعْتَبَرَ الْإِتْلَافَ دُونَ السَّبَبِ وَمَالِكٌ اعْتَبَرَهُمَا مَعًا وَرَأَى أَنَّهُ أَتْلَفَ الْحَقَّ بِالْمُبَاشَرَةِ بِالْإِتْلَافِ وَأَتْلَفَ الْحَقَّ بِالتَّسَبُّبِ فَرَتَّبَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مُقْتَضَاهُمَا وَكَمَنْ مَرَّ عَلَى حِبَالَةٍ فَوَجَدَ فِيهَا صَيْدًا يُمْكِنُهُ تَخْلِيصُهُ وَحَوْزُهُ لِصَاحِبِهِ فَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ يَضْمَنُهُ عِنْدَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ صَوْنَ مَالِ الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ وَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا فِي الصَّوْنِ ضَمِنَ وَكَذَلِكَ إذَا مَرَّ بِلُقَطَةٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا تَرَكَهَا أَخَذَهَا مَنْ يَجْحَدُهَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَخْذُهَا. وَإِنْ تَرَكَهَا حَتَّى تَلِفَتْ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَخْذِهَا ضَمِنَهَا وَلِلسَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمِنْهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ لَكِنْ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ عَلَى أَنَّ التَّسَبُّبَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ. وَثَالِثُهَا وَضْعُ الْيَدِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُؤْتَمَنَةٍ وَقَوْلِي " لَيْسَتْ بِمُؤْتَمَنَةٍ " خَيْرٌ مِنْ قَوْلِي الْيَدُ الْعَادِيَةُ فَإِنَّ الْيَدَ الْعَادِيَةَ تَخْتَصُّ بِالسُّرَّاقِ وَالْغُصَّابِ وَنَحْوِهِمْ، وَتَبْقَى مِنْ الْأَيْدِي الْمُوجِبَةِ لِلضَّمَانِ قَبْضٌ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ بَلْ بِإِذْنِ الْمَالِكِ كَقَبْضِ الْمَبِيعِ، أَوْ بَقَاءِ يَدِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَمِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ مَعَ عَدَمِ الْعُدْوَانِ وَكَقَبْضِ الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا فَإِنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي عِنْدَنَا بِالْقِيمَةِ إذَا تَغَيَّرَ سُوقُهُ، أَوْ تَغَيَّرَ فِي ذَاتِهِ أَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، أَوْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، أَوْ أَتْلَفَهُ الْمُشْتَرِي وَهَذَا السَّبَبُ الْأَخِيرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ دُونَ مَا قَبْلَهُ مِنْ حَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ وَنَحْوِهَا وَكَقَبْضِ الْعَوَارِيِّ وَالرُّهُونِ الَّتِي يُغَابُ عَلَيْهَا كَالْحُلِيِّ وَالسِّلَاحِ وَأَنْوَاعِ الْعُرُوضِ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيُّ وَكَقَبْضِ الْأَعْيَانِ الَّتِي تُقْتَرَضُ فَإِنَّ الْمُقْتَرِضَ يَضْمَنُهَا اتِّفَاقًا مَعَ عَدَمِ الْعُدْوَانِ وَنَظَائِرُهَا كَثِيرَةٌ وَخَرَجَ بِقَوْلِي " الَّتِي لَيْسَتْ بِمُؤْتَمَنَةٍ " الْيَدُ الْمُؤْتَمَنَةُ كَوَضْعِ الْيَدِ فِي الْوَدَائِعِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَأَيْدِي الْأُجَرَاءِ. وَوَضْعُ الْأَيْدِي عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْإِجَارَةِ تَخْتَلِفُ فَاسْتَثْنَى مِنْهَا صُورَتَيْنِ: الْأَجِيرَ الَّذِي يُؤَثِّرُ فِي الْأَعْيَانِ بِصَنْعَتِهِ كَالْخَيَّاطِ وَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ؛ لِأَنَّ السِّلْعَةَ إذَا تَغَيَّرَتْ بِالصَّنْعَةِ لَا يَعْرِفُهَا رَبُّهَا إذَا وَجَدَهَا قَدْ بِيعَتْ فِي الْأَسْوَاقِ فَكَانَ الْأَصْلَحُ لِلنَّاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ أَنَا أَفْتَدِي مُتَوَهِّمًا أَنَّهُ بِالْتِزَامِ الْفِدْيَةِ يَتَخَلَّصُ مِنْ وَبَالِ الْمَعْصِيَةِ وَذَلِكَ خَطَأٌ صَرِيحٌ وَجَهْلٌ قَبِيحٌ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْفِعْلُ فَإِذَا خَالَفَ أَثِمَ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَلَيْسَتْ الْفِدْيَةُ مُبِيحَةً لِلْإِقْدَامِ عَلَى فِعْلِ الْمُحَرَّمِ، وَجَهَالَةُ هَذَا الْفِعْلِ كَجَهَالَةِ مَنْ يَقُولُ أَنَا أَشْرَبُ الْخَمْرَ وَأَزْنِي وَالْحَدُّ يُطَهِّرُنِي وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا يُحْكَمُ بِتَحْرِيمِهِ فَقَدْ أَخْرَجَ حَجَّهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَبْرُورًا اهـ. الثَّانِي وَالثَّالِثُ لِأَصْحَابِهِ الْأَحْنَافِ أَنَّهَا وَسَائِرَ الْكَفَّارَاتِ لَيْسَتْ كَالْحُدُودِ فِي كَوْنِهَا زَوَاجِرَ بَلْ هِيَ جَوَابِرُ إمَّا مُطْلَقًا، أَوْ لِغَيْرِ الْمُصِرِّ قَالَ وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَكُونُ طُهْرَةً مِنْ الذَّنْبِ وَلَا يَعْمَلُ فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّوْبَةِ فَإِنْ تَابَ كَانَ الْحَدُّ طُهْرَةً لَهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْعُقُوبَةُ الْأُخْرَوِيَّةُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِلَّا فَلَا. وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَفِيهَا قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ لِصَاحِبِ الْمُلْتَقَطِ قَالَ فِي بَابِ الْإِيمَانِ: إنَّ الْكَفَّارَةَ تَرْفَعُ الْإِثْمَ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ التَّوْبَةُ مِنْ تِلْكَ الْجِنَايَةِ اهـ. وَالثَّانِي لِلشَّيْخِ نَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ فَقَدْ ذَكَرَ فِي تَفْسِيرِ التَّيْسِيرِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178] أَيْ اصْطَادَ بَعْدَ هَذَا الِابْتِدَاءِ قِيلَ هُوَ الْعَذَابُ فِي الْآخِرَةِ مَعَ الْكَفَّارَةِ فِي الدُّنْيَا إذَا لَمْ يَتُبْ مِنْهُ فَإِنَّهَا لَا تَرْفَعُ الذَّنْبَ عَنْ الْمُصِرِّ اهـ، وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ وَتَقْيِيدٌ مُسْتَحْسَنٌ يُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَالرِّوَايَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقَائِقِ الْحَالَاتِ اهـ بِتَوْضِيحٍ لِلْمُرَادِ. وَكَفَّارَاتُ الْحَجِّ ثَلَاثٌ: (الْكَفَّارَةُ الْأُولَى) جَزَاءُ الصَّيْدِ وَهُوَ دَمُ تَخْيِيرٍ بَيْنَ مَا يَعْدِلُهُ الْحُكْمَانِ يَجِبُ لِقَتْلِ صَيْدٍ بَرِّيٍّ فِي الْإِحْرَامِ، أَوْ الْحَرَمِ مَأْكُولًا، أَوْ غَيْرَهُ وَحْشِيًّا، أَوْ مُتَأَنِّسًا مَمْلُوكًا، أَوْ مُبَاحًا فَيُحَكِّمُ قَاتِلُهُ حَكَمَيْنِ عَدْلَيْنِ عَدَالَةَ شَهَادَةٍ فَقِيهَيْنِ بِأَحْكَامِ الصَّيْدِ وَلَمَّا أَشْبَهَ جَزَاءُ الصَّيْدِ إتْلَافَ أَمْوَالِ النَّاسِ وَكَانَ الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدًا عَلَى تَعَدُّدِ الضَّمَانِ فِيمَا يَتَعَدَّدُ الْإِتْلَافُ فِيهِ وَأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بِتَعَدُّدِ الصَّيْدِ وَلَوْ خَطَأً عَلَى قَاعِدَةِ الْإِتْلَافِ بَلْ الْجَاهِلُ هَهُنَا كَالْجَاهِلِ فِي الصَّلَاةِ يَجْرِي مَجْرَى الْعَامِدِ لَا مَجْرَى النَّاسِي لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعِصْيَانِ هَذَا بِعَمْدِهِ وَهَذَا بِتَرْكِ تَعَلُّمِهِ وَبِهَذَا أَيْضًا قَالَ الْحَنَابِلَةُ فَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ عَلَى الْإِقْنَاعِ مَعَ الْمَتْنِ وَتَتَعَدَّدُ كَفَّارَةُ الصَّيْدِ أَيْ جَزَاؤُهُ بِتَعَدُّدِهِ أَيْ الصَّيْدِ وَلَوْ قُتِلَتْ الصَّيُودُ مَعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] قَالَ. وَقَالَ أَحْمَدُ إذَا جَامَعَ أَهْلَهُ بَطَلَ حَجُّهُ لِأَنَّهُ شَيْءٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ وَالصَّيْدُ إذَا قَتَلَهُ فَقَدْ ذَهَبَ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ وَالشَّعْرُ إذَا حَلَقَهُ فَقَدْ ذَهَبَ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ فِيهَا سَوَاءٌ قَالَ وَيُلْحَقُ بِالْحَلْقِ التَّقْلِيمُ بِجَامِعِ الْإِتْلَافِ اهـ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَّحِدُ الْجَزَاءُ بِالتَّأْوِيلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعْذَرُ بِالتَّأْوِيلِ وَالنِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَالْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَأُلْحِقَ الْجَاهِلُ بِالنَّاسِي لَا بِالْعَامِدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَهْلِ الَّذِي هُوَ عُذْرٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَالْجَهْلِ الَّذِي لَيْسَ عُذْرًا فِي الشَّرِيعَةِ وَبَيْنَ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ وَالْعِلْمِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَمُقْتَضَى تِلْكَ الْقَوَاعِدِ أَنْ يَضْمَنَ الْجَاهِلُ هَهُنَا فَإِنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ تَحْصِيلِ الْعِلْمِ، وَأَنَّ تَارِكَ التَّعَلُّمِ عَاصٍ وَلَيْسَ الْجَهْلُ هَهُنَا مِمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ عَلَى الْمُكَلَّفِ حَتَّى يَعْذُرَهُ الشَّرْعُ بِهِ كَمَنْ أَكَلَ طَعَامًا نَجِسًا لَا يَعْلَمُ أَوْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً يَظُنُّهَا امْرَأَتَهُ أَوْ شَرِبَ خَمْرًا يَظُنُّهَا جُلَّابًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ أَجْرَى مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْجَاهِلَ فِي الصَّلَاةِ مَجْرَى الْعَامِدِ لَا مَجْرَى النَّاسِي لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعِصْيَانِ

تَضْمِينَ الْأُجَرَاءِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْسَانِ وَلَمْ يَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَلْ طَرَدَ قَاعِدَةَ الْأَمَانَةِ فِي الْإِجَارَةِ، وَالْأَجِيرَ عَلَى حَمْلِ الطَّعَامِ الَّذِي تَتُوقُ النَّفْسُ إلَى تَنَاوُلِهِ كَالْفَوَاكِهِ وَالْأَشْرِبَةِ وَالْأَطْعِمَةِ الْمَطْبُوخَةِ فَإِنَّ الْأَجِيرَ يَضْمَنُ سَدًّا لِذَرِيعَةِ التَّنَاوُلِ مِنْهَا وَطَرَدَ الشَّافِعِيُّ الْقَاعِدَةَ أَيْضًا هَهُنَا فَلَمْ يَضْمَنْ أَيْضًا وَكَأَيْدِي الْأَوْصِيَاءِ عَلَى أَمْوَالِ الْيَتَامَى، وَالْحُكَّامِ عَلَى ذَلِكَ وَأَمْوَالِ الْغَائِبِينَ وَالْمَجَانِينِ فَجَمِيعُ ذَلِكَ لَا ضَمَانَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَيْدِيَ فِيهِ مُؤْتَمَنَةٌ فَهَذِهِ الْأَسْبَابُ الثَّلَاثَةُ هِيَ أَسْبَابُ الضَّمَانِ فَهِيَ قَاعِدَةُ مَا يُضْمَنُ وَمَا عَدَاهَا فَهُوَ قَاعِدَةُ مَا لَا يُضْمَنُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّظَائِرِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ مِنْهَا سَبَبَانِ كَالْمُبَاشَرَةِ وَالتَّسَبُّبِ مِنْ جِهَتَيْنِ غُلِّبَتْ الْمُبَاشَرَةُ عَلَى التَّسَبُّبِ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا لِإِنْسَانٍ لِيَقَعَ فِيهِ فَجَاءَهُ آخَرُ فَأَلْقَاهُ فِيهِ فَهَذَا مُبَاشِرٌ وَالْأَوَّلُ مُتَسَبِّبٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشَرَةِ عَلَى التَّسَبُّبِ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الشَّرِيعَةِ تَقْدِيمُ الرَّاجِحِ عِنْدَ التَّعَارُضِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمُبَاشَرَةُ مَغْمُورَةً كَقَتْلِ الْمُكْرَهِ فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا وَلَا تُغَلَّبُ الْمُبَاشَرَةُ لِقُوَّةِ التَّسَبُّبِ وَكَتَقْدِيمِ السُّمِّ لِإِنْسَانٍ فِي طَعَامِهِ فَيَأْكُلُهُ جَاهِلًا بِهِ فَإِنَّهُ مُبَاشِرٌ لِقَتْلِ نَفْسِهِ. وَوَاضِعُ السُّمِّ مُتَسَبِّبٌ، وَالْقِصَاصُ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ وَحْدَهُ وَكَشُهُودِ الزُّورِ، أَوْ الْجَهَلَةِ يَشْهَدُونَ بِمَا يُوجِبُ ضَيَاعَ الْمَالِ عَلَى إنْسَانٍ، ثُمَّ يَعْتَرِضُونَ بِالْكَذِبِ، أَوْ الْجَهَالَةِ فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوهُ بِشَهَادَتِهِمْ وَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ وَلَا يَضْمَنُ الْحَاكِمُ شَيْئًا مَعَ أَنَّهُ الْمُبَاشِرُ، وَالشَّاهِدَ مُتَسَبِّبٌ، غَيْرَ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ الْعَامَّةَ قَدْ اقْتَضَتْ عَدَمَ تَضْمِينِ الْحُكَّامِ مَا اخْطَئُوا فِيهِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لَوْ تَطَرَّقَ إلَيْهِمْ مَعَ كَثْرَةِ الْحُكُومَاتِ وَتَرَدُّدِ الْخُصُومَاتِ لَزَهِدَ الْأَخْيَارُ فِي الْوِلَايَاتِ وَاشْتَدَّ امْتِنَاعُهُمْ فَيَفْسُدُ حَالُ النَّاسِ بِعَدَمِ الْحُكَّامِ فَكَانَ الشَّاهِدُ بِالضَّمَانِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ لِلْحَاكِمِ فِي الْإِلْزَامِ وَالتَّنْفِيذِ وَكَمَا قِيلَ الْحَاكِمُ أَسِيرُ الشَّاهِدِ وَيَقَعُ فِي هَذَا الْبَابِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَلَكِنَّ الْأَصْلَ هُوَ مَا قَدَّمْته فِي أَسْبَابِ الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا بِعَمْدِهِ وَهَذَا بِتَرْكِ تَعَلُّمِهِ. (الْكَفَّارَةُ الثَّانِيَةُ) الْفِدْيَةُ وَهِيَ دَمُ تَخْيِيرٍ بَيْنَ مُقَدَّرٍ شَرْعًا فِي قَوْله تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] يَجِبُ بِفِعْلِ الْمُتَلَبِّسِ بِالْإِحْرَامِ مَا فِيهِ تَرَفُّهٌ، أَوْ إزَالَةُ أَذًى مِنْ الْمَمْنُوعَاتِ كَأَنْ يَلْبَسَ مَخِيطًا مَعْمُولًا عَلَى قَدْرِ الْبَدَنِ، أَوْ بَعْضِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ، أَوْ يَسْتَعْمِلَ طِيبًا مُؤَنَّثًا، أَوْ يَدْهُنَ شَعْرَ رَأْسِهِ، أَوْ لِحْيَتَهُ، أَوْ سَائِرَ جَسَدِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّهْنِ طِيبٌ مَا لَمْ يَدْهُنْ بَاطِنَ كَفِّهِ وَقَدَمَيْهِ لِشُقُوقٍ وَنَحْوِهَا بِمَا لَا طِيبَ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا فِدْيَةَ، أَوْ يُزِيلَ وَسَخًا عَنْ ظَاهِرِ بَدَنِهِ، أَوْ يُزِيلَ ظُفُرًا وَاحِدًا لِإِمَاطَةِ أَذًى عَنْهُ، أَوْ ظُفُرَيْنِ فَأَكْثَرَ لِلتَّرَفُّهِ لَا ظُفُرًا وَاحِدًا لِكَسْرٍ بِقَدْرِهِ، أَوْ يُزِيلَ شَعْرًا كَثِيرًا زَائِدًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ مُطْلَقًا أَوْ شَعْرَةً وَاحِدَةً لِإِمَاطَةِ أَذًى عَنْهُ أَوْ يَقْتُلَ قَمْلًا كَثِيرًا زَائِدًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ وَلَا يُوجِبُهَا اللُّبْسُ إلَّا إذَا انْتَفَعَ بِهِ مِنْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ، أَوْ دَامَ عَلَيْهِ كَالْيَوْمِ كَمَا فِي ابْنِ شَاسٍ فَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ كَالْيَوْمِ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ مِنْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ فِي الْجُمْلَةِ وَيُوجِبُهَا مَا عَدَا اللُّبْسَ بِلَا تَفْصِيلٍ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا مُنْتَفَعًا بِهِ كَمَا فِي عبق وَقَاعِدَةُ الْفِدْيَةِ أَنَّ النِّسْيَانَ وَالْعُذْرَ فِي ارْتِكَابِ مُوجِبِهَا لَا يُسْقِطُهَا، وَإِنَّمَا يُسْقِطُ الْإِثْمَ كَمَا فِي الْأَصْلِ وَالْمُخْتَصَرِ وَضَابِطُ قَاعِدَةِ مَا تَتَّحِدُ فِيهِ وَمَا تَتَعَدَّدُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ مَتَى اُرْتُكِبَتْ مُوجِبَاتُهَا لِمُسْتَنَدٍ مُحَقَّقٍ أَوْ اتَّحَدَتْ النِّيَّةُ، أَوْ الزَّمَانُ بِأَنْ يَكُونَ الْكُلُّ عَلَى الْفَوْرِ، أَوْ السَّبَبُ بِأَنْ يُقَدِّمَ مَا نَفْعُهُ أَعَمُّ عَلَى مَا نَفْعُهُ أَخَصُّ عِنْدَنَا، أَوْ يَتَّحِدَ الْمَرَضُ، أَوْ غَيْرُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اتَّحَدَتْ الْفِدْيَةُ وَيُزَادُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ قَالَ فِي الْمَنْسَكِ الْمُتَوَسِّطِ الْمُسَمَّى بِلُبَابِ الْمَنَاسِكِ. وَمَا ذُكِرَ مِنْ اتِّحَادِ الْجَزَاءِ فِي تَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا اتَّحَدَ جِنْسُ الْجِنَايَةِ فَاللُّبْسُ جِنْسٌ وَالطِّيبُ جِنْسٌ وَالْحَلْقُ جِنْسٌ وَقَلْمُ الْأَظْفَارِ جِنْسٌ اهـ أَيْ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ وَمَتَى اُرْتُكِبَتْ مُوجِبَاتُهَا جَهْلًا مَحْضًا، أَوْ تَعَدَّدَتْ النِّيَّةُ أَوْ الزَّمَانُ، أَوْ السَّبَبُ بِأَنْ يُقَدِّمَ مَا نَفْعُهُ أَخَصُّ عَلَى مَا نَفْعُهُ أَعَمُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنْ يَلْبَسَ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا لِعُذْرٍ وَالْآخَرُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، أَوْ لِعُذْرٍ آخَرَ سَوَاءٌ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِمْرَارِ أَوْ الِانْفِصَالِ بَيْنَهُمَا بِالْخُلْعِ وَالِاسْتِرْجَاعِ كَمَا فِي شَرْحِ الْقَارِيّ عَلَى الْمَنْسَكِ الْمُتَوَسِّطِ، أَوْ كَفَّرَ لِلْمُوجِبِ الْأَوَّلِ قَبْلَ فِعْلِ الثَّانِي كَأَنْ لَبِسَ، ثُمَّ كَفَّرَ وَدَامَ عَلَى لُبْسِهِ، أَوْ نَزَعَ، ثُمَّ كَفَّرَ، ثُمَّ لَبِسَ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ وَيُزَادُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ قَالَ فِي الْمَنْسَكِ الْمُتَوَسِّطِ فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَمْ يَتَّحِدْ الْجَزَاءُ بَلْ يَتَعَدَّدُ لِكُلِّ جِنْسٍ مُوجَبُهُ - بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ الَّذِي أَوْجَبَهُ الشَّارِعُ - بِحَسَبِ اخْتِلَافِ مُوجِبِهِ فَمَوَاضِعُ اتِّحَادِهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَرْبَعَةٌ وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَمْسَةٌ: الْمَوْضِعُ الْأَوَّلُ ظَنُّ إبَاحَةِ أَسْبَابِهَا لِمُسْتَنَدٍ وَصُورَةٍ عِنْدَنَا قَالَ الْحَطَّابُ: ثَلَاثَةٌ؛ الْأُولَى قَالَ سَنَدٌ مَنْ يَطُوفُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فِي عُمْرَتِهِ، ثُمَّ يَسْعَى وَيُحِلُّ أَيْ فَيَنْعَقِدُ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ إحْرَامِهِ فَيَفْعَلُ سَائِرَ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ الثَّانِيَةُ مَنْ يَرْفُضُ إحْرَامَهُ فَيَعْتَقِدُ اسْتِبَاحَةَ مَوَانِعِهِ. الثَّالِثَةُ مَنْ أَفْسَدَ إحْرَامَهُ بِالْوَطْءِ، ثُمَّ فَعَلَ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ مُتَأَوِّلًا بِأَنَّ الْإِحْرَامَ

(الْفَرْقُ الثَّانِيَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَدَاخُلِ الْجَوَابِرِ فِي الْحَجِّ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَتَدَاخَلُ الْجَوَابِرُ فِيهِ فِي الْحَجِّ) تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْجَوَابِرِ وَالزَّوَاجِرِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَالْمَقْصُودُ هَهُنَا بَيَانُ قَاعِدَةِ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ خَاصَّةً، أَمَّا الصَّيْدُ فَيَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ عَلَى قَاعِدَةِ الْإِتْلَافِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى الْإِثْمِ بَلْ يُضْمَنُ الصَّيْدُ عَمْدًا وَخَطَأً فَأَشْبَهَ إتْلَافَ أَمْوَالِ النَّاسِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى تَعَدُّدِ الضَّمَانِ فِيمَا يَتَعَدَّدُ الْإِتْلَافُ فِيهِ وَأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ هَهُنَا وَيَتَّحِدُ الْجَزَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالتَّأْوِيلِ وَعَذَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالتَّأْوِيلِ وَالنِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ فَلَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ شَيْئًا كَالْوَاطِئِ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا، وَأَلْحَقَ الْجَاهِلَ بِالنَّاسِي. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَهْلِ الَّذِي هُوَ عُذْرٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَالْجَهْلِ الَّذِي لَيْسَ عُذْرًا فِي الشَّرِيعَةِ وَبَيْنَ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ وَالْعِلْمِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَمُقْتَضَى تِلْكَ الْقَوَاعِدِ أَنْ يَضْمَنَ الْجَاهِلُ هَهُنَا فَإِنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ تَحْصِيلِ الْعِلْمِ، وَأَنَّ تَارِكَ التَّعَلُّمِ عَاصٍ إلَّا مَا يَشُقُّ مِنْ ذَلِكَ فَيُعْذَرُ فِيهِ بِالْجَهْلِ كَمَنْ أَكَلَ طَعَامًا نَجِسًا لَا يَعْلَمُ، أَوْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً يَظُنُّهَا امْرَأَتَهُ، أَوْ شَرِبَ خَمْرًا يَظُنُّهُ جُلَّابًا وَنَحْوَهُ فَإِنَّ الِاحْتِرَازَ مِنْ الْجَهْلِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ يَشُقُّ عَلَى الْمُكَلَّفِ، فَعَذَرَهُ الشَّرْعُ بِهَذَا الْجَهْلِ دُونَ مَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ هَذَا فَالْحَقُّ حِينَئِذٍ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْجَاهِلِ وَغَيْرِهِ وَلِذَلِكَ أَجْرَى مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْجَاهِلَ فِي الصَّلَاةِ مَجْرَى الْعَامِدِ لَا مَجْرَى النَّاسِي لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعِصْيَانِ هَذَا بِعَمْدِهِ وَهَذَا بِتَرْكِ تَعَلُّمِهِ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ فَأَصَابَ صَيْدًا، أَوْ حَلَقَ، أَوْ تَطَيَّبَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ إنْ أَصَابَهُ وَاتَّحَدَ هَذَا الْوَطْءُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَسْقُطُ حُرْمَتُهُ بِالْفَسَادِ، أَوْ جَاهِلًا بِوُجُوبِ إتْمَامِهِ اهـ بِتَوْضِيحٍ لِلْمُرَادِ. وَفِي الْأَصْلِ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ فَأَصَابَ صَيْدًا، أَوْ حَلَقَ، أَوْ تَطَيَّبَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ وَجَزَاءُ الصَّيْدِ إنْ أَصَابَهُ وَاتَّحَدَ الْهَدْيُ وَلَوْ تَعَدَّدَ الْوَطْءُ لِأَنَّهُ لِلْإِفْسَادِ، وَإِفْسَادُ الْفَاسِدِ مُحَالٌ فَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا بِسُقُوطِ جَزَائِهِ، أَوْ جَاهِلًا بِمُوجِبِ إتْمَامِهِ اتَّحَدَتْ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْجُرْأَةُ عَلَى مُحَرَّمٍ فَعُذْرُهُ بِالْجَهْلِ، وَإِنْ كَانَتْ الْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي عَدَمَ عُذْرِهِ بِهِ لِأَنَّهُ جَهْلٌ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالتَّعَلُّمِ كَمَا قَالَ فِي الصَّلَاةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَاحَظَ هَهُنَا مَعْنًى مَفْقُودًا فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ كَثْرَةُ مَشَاقِّ الْحَجِّ فَنَاسَبَ التَّخْفِيفُ، غَيْرَ أَنَّ هَهُنَا إشْكَالًا وَهُوَ أَنَّ النِّسْيَانَ فِي الْحَجِّ لَا يَمْنَعُ الْفِدْيَةَ وَهُوَ مُسْقِطٌ لِلْإِثْمِ إجْمَاعًا وَأَسْقَطَ مَالِكٌ - أَيْ الْجَابِرَ - بِالْجَهْلِ وَالتَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ الَّذِي يَثْبُتُ الْإِثْمُ مَعَهُمَا وَالْإِثْمُ أَنْسَبُ لِلُزُومِ الْجَابِرِ مِنْ عَدَمِ الْإِثْمِ قَالَهُ الْأَصْلُ وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ بِهِمَا الْجَابِرُ رَأْسًا بَلْ إنَّمَا أُسْقِطَ تَعَدُّدُهُ بِتَعَدُّدِ مُوجِبِهِ نَظَرًا لِكَثْرَةِ مَشَاقِّ الْحَجِّ فَتَأَمَّلْ بِدِقَّةٍ وَعِنْدَ الْأَحْنَافِ قَالَ فِي رَدِّ الْمُحْتَارِ نَقْلًا عَنْ اللُّبَابِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا نَوَى رَفْضَ الْإِحْرَامِ فَجَعَلَ يَصْنَعُ مَا يَصْنَعُهُ الْحَلَالُ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ وَالتَّطَيُّبِ وَالْحَلْقِ وَالْجِمَاعِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ الْإِحْرَامِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ كَمَا كَانَ مُحْرِمًا وَيَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِ مَا ارْتَكَبَ وَلَوْ كُلَّ الْمَحْظُورَاتِ، وَإِنَّمَا يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَاتِ إذَا لَمْ يَنْوِ الرَّفْضَ ثُمَّ نِيَّةُ الرَّفْضِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ بِهَذَا الْقَصْدِ لِجَهْلِهِ مَسْأَلَةَ عَدَمِ الْخُرُوجِ، وَأَمَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِهَذَا الْقَصْدِ فَإِنَّهَا لَا تُعْتَبَرُ مِنْهُ اهـ. قُلْت: وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّ هَذَا تَدَاخُلٌ لِجَمِيعِ الْمَحْظُورَاتِ لَا لِخُصُوصِ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ وَهُوَ فُسْحَةٌ فِي الدِّينِ فَاحْفَظْهُ. 2 - (الْمَوْضِعُ الثَّانِي) عِنْدَنَا أَنْ يَتَعَدَّدَ مُوجَبُهَا بِفَوْرٍ وَاحِدٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ بِأَنْ يَلْبَسَ وَيَتَطَيَّبَ وَيَحْلِقَ وَيُقَلِّمَ، سَوَاءٌ كَانَ السَّبَبُ وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا بِأَنْ يَلْبَسَ لِعُذْرٍ وَيَفْعَلَ الْبَاقِيَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخْرُجَ لِلْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ مَا بَعْدَهُ، وَإِلَّا تَعَدَّدَتْ، وَفِي كَوْنِ الْمُرَادِ بِالْفَوْرِ حَقِيقَتَهُ - أَيْ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بِأَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْأَفْعَالُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَأَقَرَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ -، أَوْ مَجَازَهُ، وَأَنَّ الْيَوْمَ فَوْرٌ وَالتَّرَاخِيَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لَا أَقَلُّ - وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ التَّتَّائِيُّ - خِلَافٌ اعْتَمَدَ عبق الْأَوَّلَ وَسَلَّمَ الْبُنَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَعِنْدَ الْأَحْنَافِ أَنْ يَتَعَدَّدَ مُوجَبُهَا بِفَوْرٍ وَاحِدٍ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَا مِنْ أَجْنَاسٍ، وَإِلَّا تَعَدَّدَتْ كَمَا عَلِمْت، الثَّانِي: أَنْ لَا يُكَفِّرَ لِلْأَوَّلِ، وَإِلَّا فَكَفَّارَتَانِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ، الثَّالِثُ أَنْ يَتَّحِدَ السَّبَبُ فِي تَعَدُّدِ ذَلِكَ الْمُوجَبِ قَالَ فِي لُبَابِ الْمَنَاسِكِ مَعَ بَعْضٍ مِنْ شَرْحِ الْقَارِيّ وَهَذَا إذَا اتَّحَدَ سَبَبُ اللُّبْسِ فَإِنْ تَعَدَّدَ السَّبَبُ كَمَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ ثَوْبٍ فَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ فَإِنْ لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ، نَحْوُ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى قَمِيصٍ فَلَبِسَ قَمِيصَيْنِ، أَوْ قَمِيصًا وَجَبَتْ، أَوْ يَحْتَاجَ إلَى قَلَنْسُوَةٍ فَلَبِسَهَا مَعَ الْعِمَامَةِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ مَحَلَّ الْجِنَايَةِ مُتَّحِدٌ فَلَا نَظَرَ إلَى الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّدِ يَتَخَيَّرُ فِيهَا لِوُقُوعِ أَصْلِ الْجِنَايَةِ لِضَرُورَةِ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ، وَكَذَا إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعَيْنِ لِضَرُورَةٍ بِهِمَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ بِأَنْ لَبِسَ عِمَامَةً وَخُفًّا بِعُذْرٍ فِيهِمَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ يَتَخَيَّرُ فِيهَا لِأَنَّ اللُّبْسَ

لِأَنَّهُ لِلْإِفْسَادِ، وَإِفْسَادُ الْفَاسِدِ مُحَالٌ فَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا بِسُقُوطِ إجْزَائِهِ، أَوْ جَاهِلًا بِمُوجَبِ إتْمَامِهِ اتَّحَدَتْ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْجُرْأَةُ عَلَى مُحَرَّمٍ فَعُذْرُهُ بِالْجَهْلِ، وَإِنْ كَانَتْ الْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي عَدَمَ عُذْرِهِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ جَهْلٌ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالتَّعَلُّمِ كَمَا قَالَ فِي الصَّلَاةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَاحَظَ هَهُنَا مَعْنًى مَفْقُودًا فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ كَثْرَةُ مَشَاقِّ الْحَجِّ فَنَاسَبَ التَّخْفِيفُ، غَيْرَ أَنَّ هَهُنَا إشْكَالًا وَهُوَ أَنَّ النِّسْيَانَ فِي الْحَجِّ لَا يَمْنَعُ الْفِدْيَةَ وَهُوَ مُسْقِطٌ لِلْإِثْمِ إجْمَاعًا وَأَسْقَطَ مَالِكٌ بِالْجَهْلِ وَالتَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ الَّذِي يَثْبُتُ الْإِثْمُ مَعَهُمَا، وَالْإِثْمُ أَنْسَبُ لِلُّزُومِ الْجَابِرِ مِنْ عَدَمِ الْإِثْمِ. وَضَابِطُ قَاعِدَةِ مَا تَتَّحِدُ الْفِدْيَةُ فِيهِ وَمَا تَتَعَدَّدُ أَنَّهُ مَتَى اتَّحَدَتْ النِّيَّةُ، أَوْ الْمَرَضُ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ، أَوْ الزَّمَانُ بِأَنْ يَكُونَ الْكُلُّ عَلَى الْفَوْرِ اتَّحَدَتْ الْفِدْيَةُ وَمَتَى وَقَعَ التَّعَدُّدُ فِي النِّيَّةِ، أَوْ السَّبَبِ، أَوْ الزَّمَانِ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِالْفُرُوعِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا لَبِسَ قَلَنْسُوَةً لِوَجَعٍ، ثُمَّ نَزَعَهَا وَعَادَ إلَيْهِ الْوَجَعُ فَلَبِسَهَا إنْ نَزَعَهَا مُعْرِضًا عَنْهَا فَعَلَيْهِ فِي اللُّبْسِ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ فِدْيَتَانِ، وَإِنْ كَانَ نَزَعَهَا نَاوِيًا رَدَّهَا عِنْدَ مُرَاجَعَةِ الْمَرَضِ فَفِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَجْلِ اتِّحَادِ النِّيَّةِ وَالسَّبَبِ، وَلَوْ لَبِسَ الثِّيَابَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ نَاوِيًا لُبْسَهَا إلَى بُرْئِهِ مِنْ مَرَضِهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ وَهُوَ يَنْوِي لُبْسَهَا مَرَّةً جَهْلًا، أَوْ نِسْيَانًا، أَوْ جُرْأَةً فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِاتِّحَادِ النِّيَّةِ وَكَذَلِكَ الطِّيبُ مَعَ اتِّحَادِ النِّيَّةِ وَتَعَدُّدِهَا فَإِنْ دَاوَى قُرْحَةً بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ فَفِدْيَتَانِ لِتَعَدُّدِ السَّبَبِ وَالنِّيَّةِ، وَإِنْ احْتَاجَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ لِأَصْنَافٍ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ فَلَبِسَ خُفَّيْنِ وَقَمِيصًا وَقَلَنْسُوَةً وَسَرَاوِيلَ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى خُفَّيْنِ فَلَبِسَهُمَا ثُمَّ احْتَاجَ إلَى قَمِيصٍ فَلَبِسَهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ لِتَعَدُّدِ السَّبَبِ، وَإِنْ قَلَّمَ الْيَوْمَ ظُفُرَ يَدِهِ وَفِي غَدٍ ظُفُرَ يَدِهِ الْأُخْرَى فَفِدْيَتَانِ لِتَعَدُّدِ الزَّمَانِ، وَإِنْ لَبِسَ وَتَطَيَّبَ وَحَلَقَ وَقَلَّمَ ظُفُرَهُ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ فَفِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الْمَحَالُّ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذِهِ أَجْنَاسٌ لَا تَتَدَاخَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ لَبِسَهُمَا عَلَى مَوْضِعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَغَيْرِ الضَّرُورَةِ كَمَا إذَا اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ الْعِمَامَةِ فَلَبِسَهَا مَعَ الْقَمِيصِ مَثَلًا، أَوْ لَبِسَ قَمِيصًا لِلضَّرُورَةِ وَخُفَّيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ كَفَّارَةُ الضَّرُورَةِ يَتَخَيَّرُ فِيهَا وَكَفَّارَةُ الِاخْتِيَارِ لَا يَتَخَيَّرُ فِيهَا أَيْ بَلْ يَتَحَتَّمُ الْكَفَّارَةُ عَنْهَا وَهَذَا الْحُكْمُ فِي الْحَلْقِ بِأَنْ حَلَقَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ لِعُذْرٍ وَبَعْضَهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ وَلَوْ فِي مَجْلِسٍ يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ وَهَذَا فِي الطِّيبِ اهـ. وَاعْتَمَدُوا أَنَّ الْيَوْمَ - أَيْ مِقْدَارَهُ - فِي اللِّبَاسِ كَالْمَجْلِسِ فِي غَيْرِهِ قَالَ الْقَارِيّ عَلَى اللُّبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ عَطْفًا عَلَى مَا يَتَّحِدُ فِيهِ الْجَزَاءُ مَعَ تَعَدُّدِ اللُّبْسِ وَجَمَعَ اللِّبَاسَ كُلَّهُ فِي مَجْلِسٍ، أَوْ يَوْمٍ مَا نَصُّهُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْيَوْمَ فِي اتِّحَادِ الْجَزَاءِ فِي حُكْمِ اللُّبْسِ كَالْمَجْلِسِ فِي غَيْرِهِ مِنْ الطِّيبِ وَالْحَلْقِ وَالْقَصِّ وَالْجِمَاعِ كَمَا سَيَأْتِي لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْفَارِسِيُّ وَالطَّرَابُلُسِيُّ أَنَّهُ إنْ لَبِسَ الثِّيَابَ كُلَّهَا مَعًا وَلَبِسَ خُفَّيْنِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ لَبِسَ قَمِيصًا بَعْضَ يَوْمِهِ، ثُمَّ لَبِسَ فِي يَوْمِهِ سَرَاوِيلَ، ثُمَّ لَبِسَ خُفَّيْنِ وَقَلَنْسُوَةً فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَيَّدَ بِالْيَوْمِ لَا بِالْمَجْلِسِ، وَفِي الْكَرْمَانِيِّ وَلَوْ جَمَعَ اللِّبَاسَ كُلَّهُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ لِوُقُوعِهِ عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَسَبَبٍ وَاحِدٍ فَصَارَ لِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ إذَا حَلَقَ فِي أَرْبَعِ مَجَالِسَ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ وَقِيلَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ دِمَاءٍ وَقَدْ صَرَّحَ فِي مُنْيَةِ الْمَنَاسِكِ بِتَعَدُّدِ الْجَزَاءِ فِي تَعَدُّدِ الْأَيَّامِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ لَبِسَ الْعِمَامَةَ يَوْمًا، ثُمَّ لَبِسَ الْقَمِيصَ يَوْمًا آخَرَ ثُمَّ الْخُفَّيْنِ يَوْمًا آخَرَ، ثُمَّ السَّرَاوِيلَ يَوْمًا آخَرَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ لُبْسٍ دَمٌ، ثُمَّ قَالَ وَالْمُعْتَبَرُ مِقْدَارُ الْيَوْمِ لَا عَيْنُهُ وَبِهَذَا صَحَّ قَوْلُهُ وَحُكْمُ اللَّيْلِ كَالْيَوْمِ أَيْ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ اهـ. (الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ) عِنْدَنَا أَنْ يَنْوِيَ التَّكْرَارَ، وَلَوْ بَعُدَ مَا بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بِشَرْطِ أَنْ يَفْعَلَ الثَّانِيَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ لِلْأَوَّلِ قَالَ عبق وَصُوَرُ نِيَّةِ التَّكْرَارِ ثَلَاثٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يَنْوِيَ فِعْلَ كُلِّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ. الثَّانِيَةُ أَنْ يَنْوِيَ فِعْلَ مُوجِبٍ مِنْ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ وَيَفْعَلَ ذَلِكَ أَوْ مُتَعَدِّدًا مِنْهُ قَالَ الْحَطَّابُ بِأَنْ يَلْبَسَ لِعُذْرٍ وَيَنْوِيَ أَنَّهُ إذَا زَالَ الْعُذْرُ تَجَرَّدَ فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ الْعُذْرُ عَادَ إلَى اللُّبْسِ، أَوْ يَتَدَاوَى بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ وَيَنْوِيَ أَنَّهُ كُلَّمَا احْتَاجَ إلَى الدَّوَاءِ فَعَلَ، وَمَحَلُّ النِّيَّةِ مِنْ حِينِ لُبْسِهِ الْأَوَّلِ قَالَهُ سَنَدٌ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا، ثُمَّ نَزَعَهُ لِيَلْبَسَ غَيْرَهُ، أَوْ نَزَعَهُ عِنْدَ النَّوْمِ لِيَلْبَسَهُ إذَا اسْتَيْقَظَ فَقَالَ هَذَا فِعْلٌ وَاحِدٌ مُتَّصِلٌ فِي الْعُرْفِ وَلَا يَضُرُّ تَفْرِقَتُهُ فِي الْحِسِّ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ فِدْيَةً وَاحِدَةً اهـ. الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يَنْوِيَ مُتَعَدِّدًا مِنْ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ مُعَيَّنًا فَلَا تَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ بِفِعْلِ مَا نَوَاهُ، أَوْ بِفِعْلِ بَعْضِهِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ نِيَّتُهُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ عِنْدَ فِعْلِ مُوجِبٍ مِنْ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ أَوْ عِنْدَ إرَادَةِ فِعْلِهِ، أَوْ قَبْلَهُمَا وَقَوْلُ تت عَقِبَ قَوْلِ خَلِيلٍ التَّكْرَارُ عِنْدَ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ اهـ مِثْلُهُ نِيَّةُ التَّكْرَارِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ كَمَا يُفِيدُهُ الْحَطَّابُ وَالْمَوَّاقُ وَغَيْرُهُمَا فَإِنَّمَا احْتَرَزَا بِهِ عَنْ نِيَّةِ التَّكْرَارِ بَعْدَ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ اهـ كَلَامُ عبق بِتَصَرُّفٍ وَزِيَادَةٍ. وَمُرَادُهُ قَوْلُ الْحَطَّابِ فَرْعٌ مِمَّا تَتَّحِدُ فِيهِ الْفِدْيَةُ: إذَا كَانَتْ نِيَّةُ فِعْلِ جَمِيعِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَنَقَلَهُ خَلِيلٌ فِي الْمَنَاسِكِ اهـ، وَفِي الْمَوَّاقِ وَاللَّخْمِيِّ إنْ لَبِسَ وَتَطَيَّبَ وَحَلَقَ وَقَلَّمَ فَإِنْ كَانَتْ بِنِيَّةِ فِعْلِ جَمِيعِهَا فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ بَعُدَ

كَالْحُدُودِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَحُجَّةُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ التَّرَفُّهُ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَالْمُوجِبُ وَاحِدٌ. وَمُوجَبُ الْجَمِيعِ وَاحِدٌ وَهُوَ الْفِدْيَةُ فَتَتَدَاخَلُ كَحُدُودِ شُرْبِ الْخَمْرِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَنْوَاعِ وَفِي الْجَلَّابِ إنْ احْتَاجَ إلَى قَمِيصٍ فَلَبِسَهُ، ثُمَّ احْتَاجَ إلَى سَرَاوِيلَ فَلَبِسَهُ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِحُصُولِ السَّتْرِ مِنْ الْقَمِيصِ لِجَمِيعِ الْجَسَدِ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى سَرَاوِيلَ، ثُمَّ إلَى قَمِيصٍ فَفِدْيَتَانِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ بِالْقَمِيصِ مِنْ السَّتْرِ مَا لَمْ يَسْتَفِدْهُ مِنْ السَّرَاوِيلِ فَهَذَا تَحْقِيقُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَتَدَاخَلُ فِي الْحَجِّ وَمَا لَا يَتَدَاخَلُ (الْفَرْقُ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْمَعْلُومَاتِ) وَهِيَ عِشْرُونَ قَاعِدَةً (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) تَفْضِيلُ الْمَعْلُومِ عَلَى غَيْرِهِ بِذَاتِهِ دُونَ سَبَبٍ يَعْرِضُ لَهُ يُوجِبُ التَّفْضِيلَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَهُ مُثُلٌ: أَحَدُهَا الْوَاجِبُ لِذَاتِهِ الْمُسْتَغْنِي فِي وُجُودِهِ عَنْ غَيْرِهِ كَذَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَصِفَاتِهِ الْمَعْنَوِيَّةِ السَّبْعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْفَرْقُ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْمَعْلُومَاتِ وَهِيَ عِشْرُونَ قَاعِدَةً) . قُلْت: الْفَضْلُ كَوْنُ مَعْلُومٍ مَا مُنْفَرِدًا بِصِفَةِ مَدْحٍ، أَوْ بِمَزِيَّةٍ فِي صِفَةِ مَدْحٍ، وَالتَّفْضِيلُ عَلَى ضَرْبَيْنِ عَقْلِيٍّ وَوَضْعِيٍّ، وَمَعْنَى الْعَقْلِيِّ أَنَّ فَضْلَ الْمُتَّصِفِ بِالْفَضْلِ لِمَعْقُولِهِ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَعْنَى الْوَضْعِيِّ أَنَّ فَضْلَ الْمُتَّصِفِ بِهِ لَيْسَ لِمَعْقُولِهِ بَلْ لِمُوجِبٍ غَيْرِهِ أَوْجَبَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى: تَفْضِيلُ الْمَعْلُومِ عَلَى غَيْرِهِ بِذَاتِهِ دُونَ سَبَبٍ يَعْرِضُ لَهُ يُوجِبُ التَّفْضِيلَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَهُ مُثُلٌ؛ أَحَدُهَا الْوَاجِبُ لِذَاتِهِ الْمُسْتَغْنِي فِي وُجُودِهِ عَنْ غَيْرِهِ كَذَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَصِفَاتِهِ الْمَعْنَوِيَّةِ السَّبْعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا بَيْنَ تِلْكَ الْأَفْعَالِ فَذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ أَحَدَهَا، ثُمَّ حَدَثَتْ نِيَّةٌ فَفَعَلَ أَيْضًا كَانَ لِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِدْيَةٌ إلَّا إنْ فَعَلَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ اهـ نَعَمْ قَدْ مَرَّ عَنْ الْحَطَّابِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ مَحَلَّ النِّيَّةِ مِنْ حِينِ لُبْسِهِ الْأَوَّلِ قَالَهُ سَنَدٌ وَهُوَ يُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ اهـ وَسَيَأْتِي لَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْهُ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا احْتَرَزَ بِهِ عَنْ نِيَّةِ التَّكْرَارِ بَعْدَ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ فَعُلِمَ مَا فِي تَنْظِيرِ الْبُنَانِيِّ عَلَى قَوْلِهِ مِثْلُهُ نِيَّةُ التَّكْرَارِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ وَلَا تَنْظُرْ لِمَنْ قَالَ وَسَوَاءٌ كَانَتْ نِيَّةُ التَّكْرَارِ لِلْمُوجِبِ الْوَاحِدِ، أَوْ الْمُتَعَدِّدِ لِعُذْرٍ وَاحِدٍ، أَوْ مُتَعَدِّدٍ، أَوْ جَهْلًا، أَوْ نِسْيَانًا، أَوْ جُرْأَةً فَفِي عبق أَنَّ قَوْلَ تت أَمَّا لَوْ تَدَاوَى لِقُرْحَةٍ أُخْرَى لَتَعَدَّدَتْ اهـ. يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْوِ مُدَاوَاةَ الثَّانِيَةِ عِنْدَ الْأُولَى اهـ وَسَلَّمَهُ الْبُنَانِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا لَبِسَ قَلَنْسُوَةً لِوَجَعٍ، ثُمَّ نَزَعَهَا وَعَادَ إلَيْهِ الْوَجَعُ فَلَبِسَهَا إنْ نَزَعَهَا مُعْرِضًا عَنْهَا فَعَلَيْهِ فِي اللُّبْسِ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ فِدْيَتَانِ، وَإِنْ كَانَ نَزَعَهَا نَاوِيًا رَدَّهَا عِنْدَ مُرَاجَعَةِ الْمَرَضِ فَفِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَجْلِ اتِّحَادِ النِّيَّةِ وَالسَّبَبِ وَلَوْ لَبِسَ الثِّيَابَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ نَاوِيًا لُبْسَهَا إلَى بُرْئِهِ مِنْ مَرَضِهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ وَهُوَ يَنْوِي لُبْسَهَا مَرَّةً جَهْلًا، أَوْ نِسْيَانًا، أَوْ جُرْأَةً فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِاتِّحَادِ النِّيَّةِ اهـ نَقَلَهُ الْأَصْلُ وَعِنْدَ الْأَحْنَافِ عَدَمُ الْعَزْمِ عَلَى التَّرْكِ عِنْدَ النَّزْعِ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ تُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ: أَحَدُهَا أَنْ لَا يُكَفِّرَ عَنْ الْأَوَّلِ. الثَّانِي اتِّحَادُ جِنْسِ الْمُوجِبِ. الثَّالِثُ اتِّحَادُ السَّبَبِ قَالَ الْقَارِيّ عَلَى اللُّبَابِ مَعَ الْمَتْنِ وَلَوْ كَانَ بِهِ حُمَّى غِبٍّ بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ أَوْ بِأَنْ تَأْتِيَ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَجَعَلَ يَلْبَسُ الْمَخِيطَ يَوْمًا أَيْ لِلِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ وَيَنْزِعُهُ يَوْمًا لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ فَمَا دَامَتْ الْحُمَّى تَأْخُذُهُ فَاللُّبْسُ مُتَّحِدٌ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ زَالَتْ هَذِهِ وَحَدَثَتْ أُخْرَى اخْتَلَفَ حُكْمُ اللِّبَاسِ فَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ، أَوْ لَا وَعِنْدَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يُكَفِّرْ، وَإِنْ كَفَّرَ فَكَفَّارَةٌ أُخْرَى عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ، أَوْ حَصَرَهُ عَدُوٌّ أَيْ فِي حِصْنٍ وَنَحْوِهِ فَاحْتَاجَ إلَى اللُّبْسِ لِلْقِتَالِ أَيَّامًا أَيْ مَثَلًا يَلْبَسُهَا إذَا خَرَجَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْعَدُوِّ، أَوْ بِعَكْسِهِ وَيَنْزِعُهَا إذَا رَجَعَ أَيْ هُوَ أَوْ عَدُوُّهُ، أَوْ لَمْ يَنْزِعْ أَصْلًا أَيْ وَلَوْ رَجَعَ الْعَدُوُّ، أَوْ لَمْ يَرْجِعْ أَيْ لِلْعَدُوِّ وَلَكِنْ يَلْبَسُ فِي وَقْتٍ وَيَنْزِعُ فِي وَقْتٍ أَيْ وَالْعِلَّةُ قَائِمَةٌ بِأَنْ لَمْ يَذْهَبْ هَذَا الْعَدُوُّ فَإِنْ ذَهَبَ وَجَاءَ عَدُوٌّ غَيْرُهُ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ أُخْرَى، أَوْ كَانَ بِهِ أَيْ وَقَعَ بِالْمُحْرِمِ ضَرُورَةٌ أُخْرَى أَيْ غَيْرُ ضَرُورَةِ الْإِحْصَارِ لِأَجْلِهَا يَلْبَسُ فِي النَّهَارِ أَيْ لِلِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ وَيَنْزِعُ فِي اللَّيْلِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ، أَوْ فَعَلَ بِالْعَكْسِ أَيْ بِأَنْ لَبِسَ فِي اللَّيْلِ وَنَزَعَ فِي النَّهَارِ لِبَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الضَّرُورَاتِ، أَوْ لَمْ يَنْزِعْ وَلَوْ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ وَالْعِلَّةُ لَازِمَةٌ لِأَنَّ لُزُومَهَا يَقُومُ مَقَامَ دَوَامِهَا فَمَا دَامَ الْعُذْرُ أَيْ مَوْجُودًا حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَاللُّبْسُ مُتَّحِدٌ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الصُّوَرِ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ أَيْ لِلتَّدَاخُلِ يَتَخَيَّرُ فِيهَا أَيْ لِارْتِكَابِهِ مَعْذُورًا فَإِنْ زَالَ الْعُذْرُ الَّذِي لِأَجْلِهِ لَبِسَ أَيْ بِالْكُلِّيَّةِ بِيَقِينٍ فَنَزَعَ، أَوْ لَمْ يَنْزِعْ وَحَدَثَ عُذْرٌ آخَرُ أَيْ فَلَبِسَ، أَوْ لَمْ يَحْدُثْ عُذْرٌ وَلَكِنْ دَامَ عَلَى اللُّبْسِ أَيْ بِلَا عُذْرٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ أُخْرَى فَإِذَا كَانَ عَلَى شَكٍّ مِنْ زَوَالِ الْعُذْرِ فَاسْتَمَرَّ أَيْ عَلَى لُبْسِهِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ زَوَالَهُ وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى اتِّحَادِ الْجِهَةِ وَاخْتِلَافِهَا لَا إلَى صُورَةِ اللُّبْسِ، لَكِنْ هُنَا دَقِيقَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَقَاءُ

وَهِيَ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ وَالْحَيَاةُ وَالْكَلَامُ النَّفْسَانِيُّ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ. وَثَانِيهِمَا الْعِلْمُ حَسَنٌ لِذَاتِهِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الظَّنِّ لِلْقَطْعِ بِعَدَمِ الْجَهْلِ مَعَهُ وَتَجْوِيزِ الْجَهْلِ مَعَ الظَّنِّ وَذَلِكَ لِذَاتِ الْعِلْمِ لَا لِصِفَةٍ قَامَتْ بِهِ كَمَا أَنَّ الْجَهْلَ نَقِيصَةٌ لِذَاتِهِ لَا لِصِفَةٍ قَامَتْ بِهِ أَوْجَبَتْ نَقْصَهُ بِخِلَافِ الْجَاهِلِ وَالْعَالِمِ، نَقْصُ الْجَاهِلِ لِصِفَةٍ قَامَتْ بِهِ وَهِيَ الْجَهْلُ وَفَضْلُ الْعَالِمِ لِصِفَةٍ قَامَتْ بِهِ وَهِيَ الْعِلْمُ. وَثَالِثُهَا الْحَيَاةُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَوْتِ لِذَاتِهَا لَا لِمَعْنًى أَوْجَبَ لَهَا ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَهِيَ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ وَالْحَيَاةُ وَالْكَلَامُ النَّفْسَانِيُّ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ) قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ التَّفْضِيلَ بِالذَّاتِ لَهُ مُثُلٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ لَا مِثَالَ لَهُ إلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ ذَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتُهُ وَلَا يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا مُثُلٌ بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا غَيْرُهُ. قَالَ: (وَثَانِيهَا الْعِلْمُ حَسَنٌ لِذَاتِهِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِجَارٍ عَلَى مَذْهَبِ الْأَشْعَرِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ لَيْسَا بِذَاتِيَّيْنِ، وَإِنَّمَا يَجْرِي ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ فَقَوْلُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، قَالَ: (وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الظَّنِّ لِلْقَطْعِ بِعَدَمِ الْجَهْلِ مَعَهُ وَتَجْوِيزِ الْجَهْلِ مَعَ الظَّنِّ) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا كَلَامٌ سَاقِطٌ عَدِيمُ التَّحْصِيلِ، كَيْفَ يَكُونُ الْعِلْمُ أَفْضَلَ مِنْ الظَّنِّ بِسَبَبِ الْقَطْعِ بِعَدَمِ الْجَهْلِ مَعَهُ وَتَجْوِيزِ الْجَهْلِ مَعَ الظَّنِّ؟ وَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ حَسَنٌ لِذَاتِهِ وَالذَّاتِيُّ لَا يُعَلَّلُ، وَكَيْفَ يَجُوزُ الْجَهْلُ مَعَ الظَّنِّ، وَالْجَهْلُ وَالظَّنُّ ضِدَّانِ فَكَيْفَ يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمَا هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ مَنْ لَمْ يُحَصِّلْ شَيْئًا مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ أَلْبَتَّةَ. قَالَ (وَذَلِكَ لِذَاتِ الْعِلْمِ لَا لِصِفَةٍ قَامَتْ بِهِ كَمَا أَنَّ الْجَهْلَ نَقِيصَةٌ لِذَاتِهِ لَا لِصِفَةٍ قَامَتْ بِهِ أَوْجَبَتْ نَقْصَهُ) . قُلْت: قَوْلُهُ لَا لِصِفَةٍ قَامَتْ بِهِ يُشْعِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ قِيَامُ الصِّفَةِ بِالصِّفَةِ وَذَلِكَ مُحَالٌ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الْعِلْمِ. قَالَ (بِخِلَافِ الْجَاهِلِ وَالْعَالِمِ؛ نَقْصُ الْجَاهِلُ لِصِفَةٍ قَامَتْ بِهِ وَهِيَ الْجَهْلُ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ لِصِفَةٍ قَامَتْ بِهِ وَهِيَ الْعِلْمُ) قُلْت: مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ. قَالَ: (وَثَالِثُهَا الْحَيَاةُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَوْتِ لِذَاتِهَا لَا لِمَعْنًى أَوْجَبَ لَهَا ذَلِكَ) . قُلْت: مَا قَالَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعُذْرِ حُكْمِيًّا، أَوْ زَوَالُهُ حَقِيقِيًّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَزْعُهُ لِئَلَّا يَكُونَ عَاصِيًا، وَإِنْ سَقَطَ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَلِبَقَاءِ الْعِلَّةِ فِي الْجُمْلَةِ اهـ بِتَغَيُّرٍ مَا. (الْمَوْضِعُ الرَّابِعُ) أَنْ يَتَّحِدَ السَّبَبُ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ صُورَتَهُ عِنْدَ الْأَحْنَافِ أَنْ يَلْبَسَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْجَسَدِ كِلَيْهِمَا بِعُذْرٍ، أَوْ كِلَيْهِمَا بِغَيْرِ عُذْرٍ وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنْ يُقَدِّمَ مَا نَفْعُهُ أَعَمُّ عَلَى مَا نَفْعُهُ أَخَصُّ كَأَنْ يَلْبَسَ أَوَّلًا الثَّوْبَ ثُمَّ السَّرَاوِيلَ، أَوْ يُقَدِّمَ الْقَلَنْسُوَةَ عَلَى الْعِمَامَةِ، أَوْ الْقَمِيصَ عَلَى الْجُبَّةِ إذَا كَانَ الْقَمِيصُ أَطْوَلَ مِنْ الْجُبَّةِ وَالسَّرَاوِيلِ أَمَّا إذَا طَالَتْ السَّرَاوِيلُ، أَوْ الْجُبَّةُ طُولًا لَهُ بَالٌ يَحْصُلُ بِهِ انْتِفَاعٌ، أَوْ دَفْعُ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ فَيَتَعَدَّدُ كَمَا إذَا عَكَسَ فَقَدَّمَ السَّرَاوِيلَ عَلَى الْقَمِيصِ فَفِي الْجَلَّابِ إنْ احْتَاجَ إلَى قَمِيصٍ فَلَبِسَهُ، ثُمَّ احْتَاجَ إلَى سَرَاوِيلَ فَلَبِسَهَا فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِحُصُولِ السَّتْرِ مِنْ الْقَمِيصِ لِجَمِيعِ الْجَسَدِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى سَرَاوِيلَ، ثُمَّ إلَى قَمِيصٍ فَفِدْيَتَانِ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ بِالْقَمِيصِ مِنْ السَّتْرِ مَا لَمْ يَسْتَفِدْهُ مِنْ السَّرَاوِيلِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ. (فَرْعٌ) إذَا تَعَدَّدَ مُوجِبُ الْحَفْنَةِ بِأَنْ قَتَلَ قَمْلًا قَلِيلًا وَأَزَالَ شَعْرًا قَلِيلًا لَا لِإِمَاطَةِ أَذًى وَقَلَّمَ ظُفُرًا وَاحِدًا لَا لِإِمَاطَةِ أَذًى أَيْضًا وَأَلْقَى قُرَادًا كَثِيرًا، أَوْ قَلِيلًا عَنْ بَعِيرِهِ جَرَى فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا فَتَتَّحِدُ إنْ ظَنَّ الْإِبَاحَةَ لِمُسْتَنَدٍ، أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي فَوْرٍ إذَا لَمْ يَخْرُجُ لِلْأَوَّلِ قَتْلُ الثَّانِي، وَإِلَّا تَعَدَّدَتْ الْجَفْنَةُ كَمَا إذَا تَرَاخَى مَا بَيْنَهُمَا كَذَا فِي عبق وَحَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى تَوْضِيحِ الْمَنَاسِكِ. (الْمَوْضِعُ الْخَامِسُ) عِنْدَ الْأَحْنَافِ خَاصَّةً أَنْ يَتَّحِدَ الْجِنْسُ كَمَا مَرَّ تَوْضِيحُهُ عَنْ اللُّبَابِ هَذَا وَقَوْلُ الْأَصْلِ وَضَابِطُ قَاعِدَةِ مَا تَتَّحِدُ الْفِدْيَةُ فِيهِ وَمَا تَتَعَدَّدُ أَنَّهُ مَتَى اتَّحَدَتْ النِّيَّةُ أَوْ الْمَرَضُ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ، أَوْ الزَّمَانُ بِأَنْ يَكُونَ الْكُلُّ عَلَى الْفَوْرِ اتَّحَدَتْ الْفِدْيَةُ وَمَتَى وَقَعَ التَّعَدُّدُ فِي النِّيَّةِ، أَوْ السَّبَبِ أَوْ الزَّمَانِ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ اهـ فِيهِ نَظَرٌ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ فِيهِ قُصُورًا لَا يَخْفَى مِنْ الضَّابِطِ الْمَارِّ. ثَانِيهِمَا أَنَّ السَّبَبَ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْمَرَضِ لَا عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَنَا فَلِأَنَّهُ مُطْلَقُ الِانْتِفَاعِ وَلَوْ لِغَيْرِ مَرَضٍ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُ - كَمَا عَلِمْت - الْمَرَضُ، أَوْ غَيْرُهُ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ وَلَا تَنْظُرْ لِمَنْ قَالَ: وَأَمَّا ضَابِطُ التَّدَاخُلِ وَعَدَمِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَهُوَ أَنَّهُ مَتَى اتَّحَدَ السَّبَبُ، أَوْ الْجِنْسُ وَلَوْ تَعَدَّدَ الزَّمَانُ اتَّحَدَتْ الْفِدْيَةُ وَقِيلَ: إنَّهُ مَتَى اتَّحَدَ السَّبَبُ فَقَطْ اتَّحَدَتْ وَمَتَى تَعَدَّدَ السَّبَبُ أَوْ الْجِنْسُ، أَوْ تَعَدَّدَ السَّبَبُ فَقَطْ تَعَدَّدَتْ قَالَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ عَلَى الْإِقْنَاعِ مَعَ الْمَتْنِ (وَإِنْ كَرَّرَ مَحْظُورًا مِنْ جِنْسٍ غَيْرِ) قَتْلِ (صَيْدٍ، مِثْلُ أَنْ حَلَقَ) ثُمَّ أَعَادَ (أَوْ قَلَّمَ) ثُمَّ أَعَادَ (أَوْ لَبِسَ) مَخِيطًا، ثُمَّ أَعَادَ (أَوْ تَطَيَّبَ) ثُمَّ أَعَادَ (أَوْ وَطِئَ) ثُمَّ أَعَادَ (أَوْ فَعَلَ غَيْرَهَا مِنْ الْمَحْظُورَاتِ) كَأَنْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ (ثُمَّ أَعَادَ) ذَلِكَ (ثَانِيًا وَلَوْ غَيْرَ الْمَوْطُوءِ) أَوَّلًا (أَوْ) كَانَ تَكْرِيرُهُ لِلْمَحْظُورِ (يَلْبَسُ مَخِيطًا فِي رَأْسِهِ) فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ فِي الشَّرْحِ بِأَنْ لَبِسَ قَمِيصًا وَسَرَاوِيلَ وَعِمَامَةً وَخُفَّيْنِ كَفَاهُ فِدْيَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الْجَمِيعَ يُلْبَسُ فَأَشْبَهَ الطِّيبَ فِي رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ (أَوْ بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ) ذَكَرَهُ فِي الْإِنْصَافِ الْمَذْهَبُ وَأَنَّ عَلَيْهِ الْأَصْحَابَ وَبَنَاهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ لَا بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَجْنَاسِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ الطِّيبُ وَتَغْطِيَةُ الرَّأْسِ جِنْسَانِ كَمَا تَقَدَّمَ

وَسَبَبُ تَفْضِيلِهَا كَوْنُهَا يَتَأَتَّى مَعَهَا الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَصِفَاتِ الْكَمَالِ كَالنُّبُوءَةِ وَالرِّسَالَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَتَعَذَّرَ جَمِيعُ ذَلِكَ مَعَ الْمَوْتِ. وَتِلْكَ الْحَيَاةُ لِذَاتِهَا لَا لِمَعْنًى أَوْجَبَ لَهَا ذَلِكَ. (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) التَّفْضِيلُ بِالصِّفَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِالْمُفَضَّلِ وَلَهُ مُثُلٌ أَحَدُهَا تَفْضِيلُ الْعَالِمِ عَلَى الْجَاهِلِ بِالْعِلْمِ. وَثَانِيهَا تَفْضِيلُ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ عَلَى الْمُوجَبِ بِالذَّاتِ بِسَبَبِ الْإِرَادَةِ وَالِاخْتِيَارِ الْقَائِمِ بِهِ. وَثَالِثُهَا تَفْضِيلُ الْقَادِرِ عَلَى الْعَاجِزِ بِسَبَبِ الْقُدْرَةِ الْوُجُودِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِهِ، فَهَذَا كُلُّهُ تَفْضِيلٌ بِالصِّفَاتِ الْقَائِمَةِ بِالْمُفَضَّلِ لَا لِذَاتِهِ وَبِهِ خَالَفَ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى ـــــــــــــــــــــــــــــSفِي ذَلِكَ دَعْوَى بِغَيْرِ حُجَّةٍ. قَالَ (وَسَبَبُ تَفْضِيلِهَا كَوْنُهَا يَتَأَتَّى مَعَهَا الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، وَصِفَاتُ الْكَمَالِ كَالنُّبُوءَةِ وَالرِّسَالَةِ وَغَيْرِهِمَا وَتَعَذَّرَ جَمِيعُ ذَلِكَ مَعَ الْمَوْتِ وَتِلْكَ لِلْحَيَاةِ لِذَاتِهَا لَا لِمَعْنًى أَوْجَبَ لَهَا ذَلِكَ) . قُلْت: عَادَ إلَى تَعْلِيلِ الذَّاتِيِّ ثُمَّ كَرَّ إلَى عَدَمِ التَّعْلِيلِ وَذَلِكَ كُلُّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ. قَالَ: (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ التَّفْضِيلُ بِالصِّفَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِالْمُفَضَّلِ وَلَهُ مُثُلٌ أَحَدُهَا تَفْضِيلُ الْعَالِمِ عَلَى الْجَاهِلِ بِالْعِلْمِ) . قُلْت: أَطْلَقَ الْقَوْلَ فِي التَّفْضِيلِ بِالْعِلْمِ وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ رُبَّمَا كَانَ الْجَهْلُ بِبَعْضِ الْعُلُومِ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ الْعِلْمِ وَقَدْ اسْتَعَاذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ. قَالَ: (وَثَانِيهَا تَفْضِيلُ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ عَلَى الْمُوجِبِ بِالذَّاتِ بِسَبَبِ الْإِرَادَةِ وَالِاخْتِيَارِ الْقَائِمِ بِهِ) . قُلْت: مَا قَالَهُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى تَصْحِيحِ الْإِيجَابِ الذَّاتِيِّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ. قَالَ: (وَثَالِثُهَا تَفْضِيلُ الْقَادِرِ عَلَى الْعَاجِزِ بِسَبَبِ الْقُدْرَةِ الْوُجُودِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِهِ فَهَذَا كُلُّهُ تَفْضِيلٌ بِالصِّفَاتِ الْقَائِمَةِ بِالْمُفَضَّلِ لَا لِذَاتِهِ وَبِهِ خَالَفَ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى) . قُلْت: أَطْلَقَ الْقَوْلَ فِي الْقُدْرَةِ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُفَصِّلَ الْقُدْرَةَ الْقَدِيمَةَ مِنْ الْحَادِثَةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى تَكْرَارِ الطِّيبِ فَقَطْ بِأَنْ تَطَيَّبَ أَوَّلًا، ثُمَّ أَعَادَهُ بِدَوَاءٍ مُطَيَّبٍ فَهَذَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا لُبْسَ مَعَهُ وَلَا تَغْطِيَةَ رَأْسٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ غَطَّى رَأْسَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ بِدَوَاءٍ مُطَيَّبٍ فَإِنَّهُ عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِهِ يَلْزَمُهُ فِدْيَتَانِ لِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ فِدْيَةٌ وَلِلطِّيبِ فِدْيَةٌ وَقَوْلُهُ (قَبْلَ التَّكْفِيرِ عَنْ الْأَوَّلِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَعَادَ (فَ) عَلَيْهِ (كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ تَابَعَ الْفِعْلَ، أَوْ فَرَّقَهُ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ فِدْيَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا وَقَعَ فِي دَفْعَةٍ، أَوْ دَفْعَتَانِ (فَلَوْ قَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَظْفَارٍ، أَوْ قَطَعَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فِي أَوْقَاتٍ قَبْلَ التَّكْفِيرِ لَزِمَهُ دَمٌ) أَوْ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ إطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ وَلَمْ تَلْزَمْهُ ثَانِيَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ كَفَّرَ عَنْ) الْفِعْلِ (الْأَوَّلِ لَزِمَهُ عَنْ الثَّانِي كَفَّارَةٌ) ثَانِيَةٌ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ الثَّانِيَةِ غَيْرُ عَيْنِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ الْأُولَى أَشْبَهَ مَا لَوْ حَلَفَ، ثُمَّ حَنِثَ وَكَفَّرَ، ثُمَّ حَلَفَ وَحَنِثَ اهـ بِحُرُوفِهِ. قَالَ الْأَصْلُ: وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ مُوجِبَاتِ الْفِدْيَةِ أَجْنَاسٌ لَا تَتَدَاخَلُ كَالْحُدُودِ الْمُخْتَلِفَةِ وَحُجَّةُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ التَّرَفُّهُ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَالْمُوجِبُ بِالْكَسْرِ وَاحِدٌ وَمُوجَبُ الْجَمِيعِ بِالْفَتْحِ وَاحِدٌ وَهُوَ الْفِدْيَةُ فَتَتَدَاخَلُ كَحُدُودِ شُرْبِ الْخَمْرِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَنْوَاعِ. (الْكَفَّارَةُ الثَّالِثَةُ الْهَدْيُ) وَهُوَ دَمٌ مُرَتَّبٌ بَيْنَ مُقَدَّرٍ شَرْعًا فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] يَجِبُ لِفَسَادِ إحْرَامٍ أَوْ تَمَتُّعٍ، أَوْ قِرَانٍ، أَوْ نَقْصٍ فِي إحْرَامٍ كَتَرْكِ نَحْوِ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِهِ أَوْ فَوَاتِ حَجٍّ وَكَمَذْيٍ، أَوْ مُقَدِّمَاتِ جِمَاعٍ بِلَا إنْزَالٍ، أَوْ إنْزَالٍ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ، أَوْ لِنَذْرِ عَيْنٍ لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ أَطْلَقَ، أَوْ يَكُونُ تَطَوُّعًا وَلَا يَتَّحِدُ الْهَدْيُ مَعَ تَعَدُّدِ سَبَبِهِ إلَّا فِي خَمْسِ مَسَائِلَ تَصَيَّدْتهَا مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا الْآنَ {وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 8] الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: تَكَرُّرُ الْوَطْءِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: تَرْكُ النُّزُولِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَمَبِيتِ لَيَالِي مِنًى وَرَمْيُ جَمِيعِ الْجَمَرَاتِ وَلَوْ عَمْدًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَيَدْخُلُ بِالْأَوْلَى تَرْكُ مَبِيتِ لَيَالِي مِنًى فَقَطْ وَتَرْكُ رَمْيِ جَمِيعِ الْجَمَرَاتِ فَقَطْ كَمَا لَا يَخْفَى. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: تَرْكُ ذِي النَّفْسِ طَوَافَ الْقُدُومِ مَعَ تَأْخِيرِ السَّعْيِ لِلْإِفَاضَةِ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: تَرْكُ الْإِتْيَانِ بِالتَّلْبِيَةِ عَقِبَ الْإِحْرَامِ وَعَقِبَ السَّعْيِ مَعًا. الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: تَرْكُ الْقَادِرِ الْمَشْيَ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ مَعًا وَبِالْجُمْلَةِ فَدِمَاءُ الْحَجِّ عِنْدَنَا ثَلَاثَةٌ مَجْمُوعَةٌ فِي قَوْلِي: ثَلَاثَةٌ دِمَاءُ حَجٍّ حُصِرُوا ... أَحَدُهَا الْمُرَتَّبُ الْمُقَدَّرُ وَذَا هُوَ الْهَدْيُ لِنَقْصٍ أَوْ فَسَادْ ... فَوَاتِ حَجٍّ أَوْ تَمَتُّعٍ يُرَادْ قِرَانٍ أَوْ نَذْرٍ لِمِسْكِينٍ بَدَا ... أَوْ مُطْلَقًا أَوْ ذَا تَطَوُّعٍ غَدَا وَالثَّانِ جَا مُخَيَّرًا مُقَدَّرَا ... وَذَا هُوَ الْفِدْيَةُ حَيْثُمَا تَرَى وَالثَّالِثُ الْمُخَيَّرُ الْمُعَدَّلُ ... وَذَا جَزَاءُ الصَّيْدِ حَيْثُ يَحْصُلُ وَجَعَلَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْوَطْءِ الْمُفْسِدِ وَالْحَصْرِ عَنْ إتْمَامِ الشَّكِّ دَمًا مُرَتَّبًا مُعَدَّلًا لَا مُقَدَّرًا فَأَوْجَبُوا ذَبْحَ الشَّاةِ عَلَى الْقَادِرِ الْمَحْصُورِ لِلتَّحَلُّلِ وَعَلَى الْعَاجِزِ الْعُدُولُ إلَى الْإِطْعَامِ فِي مَحَلِّ الْإِحْصَارِ بِقَدْرِ قِيمَةِ الشَّاةِ بِتَقْوِيمِ عَدْلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى الْعَاجِزِ عَنْهُ أَيْضًا الْعُدُولُ إلَى الصَّوْمِ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا حَيْثُ شَاءَ وَأَوْجَبُوا فِي الْوَطْءِ الْمُفْسِدِ ذَبْحَ بَدَنَةٍ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا فَبَقَرَةٌ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا فَسَبْعُ شِيَاهٍ مِنْ الْغَنَمِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا قَوَّمَ

[الفرق بين قاعدة التفضيل بين المعلومات]

(الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) التَّفْضِيلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَهُ مُثُلٌ؛ أَحَدُهَا تَفْضِيلُ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْكَافِرِ. (وَثَانِيهَا) تَفْضِيلُ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ فَأَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ طَعَامَهُمْ وَأَبَاحَ تَزْوِيجَنَا نِسَاءَهُمْ دُونَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ فَإِنَّهُ جَعَلَ مَا ذَكَّوْهُ كَالْمَيْتَةِ، وَتَصَرُّفَهُمْ فِيهِ بِالذَّكَاةِ كَتَصَرُّفِ الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ مِنْ السِّبَاعِ وَالْكَوَاسِرِ فِي الْأَنْعَامِ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ وَجَعَلَ نِسَاءَهُمْ كَإِنَاثِ الْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ مُحَرَّمَاتِ الْوَطْءِ، كُلُّ ذَلِكَ اهْتِضَامٌ لَهُمْ لِجَحْدِهِمْ الرَّسَائِلَ وَالرُّسُلَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ عَظَّمُوا الرُّسُلَ وَالرَّسَائِلَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَقَالُوا بِصِحَّةِ نُبُوَّةِ مُوسَى وَعِيسَى وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - وَبِصِحَّةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكُتُبِ فَحَصَلَ لَهُمْ هَذَا النَّوْعُ مِنْ التَّعْظِيمِ وَالتَّمْيِيزِ بِحِلِّ طَعَامِهِمْ وَنِسَائِهِمْ فَجَعَلَ ذَكَاتَهُمْ كَذَكَاتِنَا وَنِسَاءَهُمْ كَنِسَائِنَا وَلَمْ يُلْحِقْهُمْ بِالْبَهَائِمِ بِخِلَافِ الْمَجُوسِ وَنَحْوِهِمْ لِمَا حَصَلَ لِأَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الطَّاعَةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُفِيدُ فِي الْآخِرَةِ إلَّا تَخْفِيفَ الْعَذَابِ أَمَّا فِي تَرْكِ الْخُلُودِ فَلَا. (وَثَالِثُهَا) تَفْضِيلُ الْوَلِيِّ عَلَى آحَادِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُقْتَصِرِينَ عَلَى أَصْلِ الدِّينِ بِسَبَبِ مَا اُخْتُصَّ بِهِ الْوَلِيُّ مِنْ كَثْرَةِ طَاعَتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَبِذَلِكَ سُمِّيَ وَلِيًّا أَيْ تَوَلَّى اللَّهَ بِطَاعَتِهِ وَقِيلَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّاهُ بِلُطْفِهِ وَكَذَلِكَ أَيْضًا تَفَاضُلُ الْأَوْلِيَاءِ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِكَثْرَةِ الطَّاعَةِ فَمَنْ كَانَ أَكْثَرَ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَانَتْ رُتْبَتُهُ فِي الْوِلَايَةِ أَعْظَمَ (وَرَابِعُهَا) تَفْضِيلُ الشَّهِيدِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ؛ لِأَنَّهُ أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى بِبَذْلِ نَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي نُصْرَةِ دِينِهِ وَأَعْظِمْ بِذَلِكَ مِنْ طَاعَةٍ. (وَخَامِسُهَا) تَفْضِيلُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الشُّهَدَاءِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «مَا جَمِيعُ الْأَعْمَالِ فِي الْجِهَادِ إلَّا كَنُقْطَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ التَّفْضِيلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَهُ مُثُلٌ أَحَدُهَا تَفْضِيلُ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْكَافِرِ إلَى آخِرِ الْقَاعِدَةِ) . قُلْت: مَا قَالَهُ فِيهَا، وَفِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ صَحِيحٌ وَعَلَى الْإِطْلَاقِ إلَّا مَا قَالَهُ فِي صَلَاةِ الْقَصْرِ فَإِنَّ فَضِيلَتَهَا مُخْتَصَّةٌ بِالْمَذْهَبِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَدَنَةَ عَدْلَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَخْرَجَ بِقِيمَتِهَا طَعَامًا فَإِنْ عَجَزَ صَامَ بِعَدَدِ الْأَمْدَادِ أَيَّامًا فَدِمَاءُ الْحَجِّ عِنْدَهُمْ أَرْبَعَةٌ الْمُرَتَّبُ إمَّا مُقَدَّرٌ، أَوْ مُعَدَّلٌ، وَالْمُخَيَّرُ إمَّا مُقَدَّرٌ، أَوْ مُعَدَّلٌ وَاَلَّذِي يَتَدَاخَلُ مِنْهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الْفِدْيَةُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ وَالْهَدْيُ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ وَقَدْ جَمَعْتُهَا فِي قَوْلِي: تَتَّحِدُ الْفِدْيَةُ مَعَ تَعَدُّدٍ ... لِسَبَبٍ بِأَرْبَعٍ لَمْ تَزِدْ أَحَدُهَا أَنْ تَفْعَلَ الْأَسْبَابَ فِي ... وَقْتٍ وَنَحْوِهِ وَثَانِيهَا قِفِي نِيَّةَ تَكْرَارٍ لِفِعْلٍ مَا إلَيْهِ ... أَدَّاهُ عُذْرُهُ الَّذِي يَطْرَا عَلَيْهِ ثَالِثُهَا تَقْدِيمُ مَا نَفْعًا أَعَمَّ ... عَلَى أَخَصَّ لَمْ يَزِدْ عَلَى الْأَعَمِّ رَابِعُهَا ظَنُّ إبَاحَةِ السَّبَبْ ... لِمُقْتَضٍ مِنْ نَحْوِ رَفْضِ مَا ارْتَكَبْ وَاتَّحَدَ الْهَدْيُ كَذَا بِخَمْسَةٍ ... فَأَوَّلٌ تَكْرَارُ وَطْءٍ فَاثْبِتْ وَالثَّانِ تَرْكٌ لِنُزُولِ جَمْعِ ... وَالرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ رَأْسًا فَاوْعِ وَثَالِثٌ تَأْخِيرُهُ لِلسَّعْيِ مَعَ ... تَرْكِ قُدُومٍ لَا لِعُذْرٍ قَدْ وَقَعْ وَرَابِعٌ يَا صَاحِ تَرْكُ التَّلْبِيَهْ ... مِنْ بَعْدِ إحْرَامٍ وَسَعْيٍ فَادْرِيَهْ وَالْخَامِسُ الرُّكُوبُ فِي الطَّوَافِ ... وَالسَّعْيُ لَا لِحَاجَةٍ تُوَافِي وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْمَعْلُومَاتِ] (الْفَرْقُ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْمَعْلُومَاتِ) الْفَضْلُ كَوْنُ مَعْلُومٍ مَا مُنْفَرِدًا بِصِفَةِ مَدْحٍ، أَوْ بِمَزِيَّةٍ فِي صِفَةِ مَدْحٍ وَالتَّفْضِيلُ عَلَى ضَرْبَيْنِ الْأَوَّلُ عَقْلِيٌّ بِأَنْ يَكُونَ الْفَضْلُ لِمَعْقُولِ الْمُتَّصِفِ بِهِ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ. وَالثَّانِي وَضْعِيٌّ بِأَنْ يَكُونَ الْفَضْلُ لَا لِمَعْقُولِ الْمُتَّصِفِ بِهِ بَلْ لِمُوجِبِ غَيْرِهِ أَوْجَبَ لَهُ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّ التَّفْضِيلَ بَيْنَ الْمَعْلُومَاتِ إنْ كَانَ بِحَسَبِ الذَّاتِ، أَوْ بِحَسَبِ الصِّفَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَهُوَ عَقْلِيٌّ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَأَنْ يَكُونَ بِالطَّاعَةِ أَوْ بِكَثْرَةِ الثَّوَابِ، أَوْ بِشَرَفِ الْمَوْصُوفِ، أَوْ الصُّدُورِ، أَوْ لِمَدْلُولٍ أَوْ الدَّلَالَةِ، أَوْ التَّعَلُّقِ أَوْ الْمُتَعَلَّقِ، أَوْ بِكَثْرَةِ التَّعَلُّقِ أَوْ بِالْمُجَاوَرَةِ، أَوْ بِالْحُلُولِ أَوْ بِالْإِضَافَةِ، أَوْ بِالْأَنْسَابِ وَالْأَسْبَابِ، أَوْ بِالثَّمَرَةِ وَالْجَدْوَى أَوْ بِأَكْثَرِيَّةِ الثَّمَرَةِ، أَوْ بِالتَّأْثِيرِ، أَوْ بِجُودَةِ النِّيَّةِ وَالتَّرْكِيبِ أَوْ بِاخْتِيَارِ الرَّبِّ لِمَنْ يَشَاءُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَلِمَا يَشَاءُ عَلَى مَا يَشَاءُ فَهُوَ وَضْعِيٌّ فَقَاعِدَةُ التَّفْضِيلِ تَرْجِعُ إلَى عِشْرِينَ قَاعِدَةً بَلْ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: لَا أَعْرِفُ الْآنَ دَلِيلَ صِحَّةِ حَصْرِ وُجُوهِ التَّفْضِيلِ فِي عِشْرِينَ قَاعِدَةً اهـ. أَيْ بَلْ إنَّهَا تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ الْأَصْلُ وَأَسْبَابُ التَّفْضِيلِ كَثِيرَةٌ لَا أَقْدِرُ عَلَى إحْصَائِهَا خَشْيَةَ الْإِسْهَابِ، وَإِنَّمَا بَعَثَنِي عَلَى الْوُصُولِ فِيهَا إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ مَا أَنْكَرَهُ بَعْضُ فُضَلَاءِ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى الْقَاضِي عِيَاضٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَوْلِهِ إنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ الْبُقْعَةَ الَّتِي ضَمَّتْ أَعْضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ الْبِقَاعِ فَقَالَ الثَّوَابُ عَلَى الْعَمَلِ هُوَ سَبَبُ التَّفْضِيلِ وَالْعَمَلُ هَهُنَا مُتَعَذَّرٌ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحَرَّمٌ فِيهِ عِقَابٌ شَدِيدٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ أَفْضَلُ الْمَثُوبَاتِ فَكَيْفَ مَعَ عَدَمِ الثَّوَابِ يَصِحُّ هَذَا الْإِجْمَاعُ وَشَنَّعَ عَلَيْهِ كَثِيرًا وَمَا بَلَغَنِي أَيْضًا عَنْ الْمَأْمُونِ بْنِ الرَّشِيدِ الْخَلِيفَةِ أَنَّهُ قَالَ: أَسْبَابُ التَّفْضِيلِ أَرْبَعَةٌ وَكُلُّهَا كَمَلَتْ فِي عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهُوَ أَفْضَلُ الصَّحَابَةِ وَأَخَذَ يَرُدُّ بِذَلِكَ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَأَرَدْت بِبَيَانِ تَعَدُّدِ الْأَسْبَابِ وَالْوُصُولِ فِيهَا إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ أَنْ أُبْطِلَ مَا ادَّعَيَاهُ مِنْ الْحَصْرِ مِنْ حَيْثُ إنَّ أَسْبَابَهُ أَعَمُّ مِنْ الثَّوَابِ بَلْ وَمِنْ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي زَعَمَ الْمَأْمُونُ الْحَصْرَ فِيهَا، وَإِلَّا لَمَا كَانَ جِلْدُ الْمُصْحَفِ بَلْ وَلَا الْمُصْحَفُ نَفْسُهُ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ فِيهِ وَلِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْأَسْبَابِ الْأَرْبَعَةِ فِيهِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ اهـ بِتَصَرُّفٍ

مِنْ بَحْرٍ وَمَا الْجِهَادُ وَجَمِيعُ الْأَعْمَالِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ إلَّا كَنُقْطَةٍ مِنْ بَحْرٍ» وَفِي حَدِيثٍ «لَوْ وُزِنَ مِدَادُ الْعُلَمَاءِ بِدَمِ الشُّهَدَاءِ لَرَجَحَ بِسَبَبِ طَاعَةِ الْعُلَمَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى» بِضَبْطِ شَرَائِعِهِ وَتَعْظِيمِ شَعَائِرِهِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْجِهَادُ وَهِدَايَةُ الْخَلْقِ إلَى الْحَقِّ وَتَوْصِيلُ مَعَالِمِ الْأَدْيَانِ إلَى يَوْمِ الدِّينِ وَلَوْلَا سَعْيُهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَانْقَطَعَ أَمْرُ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَنْ يَقُولُ: اللَّهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ. (الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ) التَّفْضِيلُ بِكَثْرَةِ الثَّوَابِ الْوَاقِعِ فِي الْعَمَلِ الْمُفَضَّلِ وَلَهُ مُثُلٌ: (أَحَدُهَا) الْإِيمَانُ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ بِكَثْرَةِ ثَوَابِهِ فَإِنَّ ثَوَابَهُ الْخُلُودُ فِي الْجِنَانِ وَالْخُلُوصُ مِنْ النِّيرَانِ وَغَضَبِ الْمَلِكِ الدَّيَّانِ. (وَثَانِيهَا) صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً. (وَثَالِثُهَا) الصَّلَاةُ فِي أَحَدِ الْحَرَمَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا بِأَلْفِ مَرَّةٍ مِنْ الْمَثُوبَاتِ. (وَرَابِعُهَا) صَلَاةُ الْقَصْرِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْإِتْمَامِ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ عَمَلًا (الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ) التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الْمَوْصُوفِ وَلَهُ مُثُلٌ: (الْأَوَّلُ) الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ الْقَدِيمُ أَشْرَفُ مِنْ سَائِرِ الْكَلَامِ لِوُجُوهٍ مِنْهَا شَرَفُ مَوْصُوفِهِ عَلَى كُلِّ مَوْصُوفٍ. (وَثَانِيهَا) إرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتُهُ وَجَمِيعُ الصِّفَاتِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَفْضَلُ لِوُجُوهٍ مِنْهُ شَرَفُ الْمَوْصُوفِ. (وَثَالِثُهَا) صِفَاتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَشَجَاعَتِهِ وَكَرَمِهِ وَجَمِيعِ مَا هُوَ صِفَةٌ لِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ لَهُ الشَّرَفُ عَلَى جَمِيعِ صِفَاتِنَا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الْمَوْصُوفِ وَلَهُ مُثُلٌ: الْأَوَّلُ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ الْقَدِيمُ أَشْرَفُ مِنْ سَائِرِ الْكَلَامِ إلَى آخِرِ الْقَاعِدَةِ) قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ شَرَفِ الصِّفَةِ بِشَرَفِ مَوْصُوفِهَا صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ شَرَفَ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ وُجُوهٍ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ تِلْكَ الْوُجُوهِ إلَّا شَرَفَ الْمَوْصُوفِ، وَمِنْهَا - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - قِدَمُهَا وَبَقَاؤُهَا وَذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا صِفَاتُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِمُصَاحَبَتِهَا النُّبُوَّةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَزِيَادَةٍ. (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) تَفْضِيلُ الْمَعْلُومِ عَلَى غَيْرِهِ بِذَاتِهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا مِثَالٌ وَاحِدٌ وَهُوَ ذَاتُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَصِفَاتُهُ الْمَعَانِي السَّبْعَةُ وَهِيَ الْعِلْمُ وَالْإِرَادَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالْحَيَاةُ وَالْكَلَامُ النَّفْسَانِيُّ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ، إذْ لَا يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ فِي صِفَاتِ الْمَعَانِي: إنَّهَا غَيْرُ الذَّاتِ كَمَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا عَيْنُ الذَّاتِ لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا هِيَ هُوَ لَأَدَّى إلَى اتِّحَادِ الصِّفَاتِ وَالْمَوْصُوفِ وَهُوَ لَا يُعْقَلُ وَلَوْ قُلْنَا: غَيْرُهُ لَكَانَتْ إمَّا مُحْدَثَةً فَيَكُونُ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِمَّا قَدِيمَةً فَيَلْزَمُ تَعَدُّدُ الْقُدَمَاءِ الْمُتَغَايِرَةِ وَهُوَ مُحَالٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْغَيْرِ هُنَا مَا قَابَلَ الْعَيْنَ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْمُنْفَكُّ فَحَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مُنْفَكَّةً وَلَا عَيْنًا بَلْ شَيْءٌ مُلَازِمٌ بِخِلَافِ الْوُجُودِ فَقَدْ قِيلَ إنَّهُ عَيْنُ الذَّاتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ وَجْهٌ وَاعْتِبَارٌ، وَإِنَّهُ غَيْرُهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَالٌّ وَهُوَ مَا لَهُ ثُبُوتٌ فِي نَفْسِهِ. وَفِي مَحَلِّهِ نَعَمْ قَالَ السُّكْتَانِيُّ قَوْلُنَا: اللَّهُ مَوْجُودٌ حُكْمٌ مَعْنَوِيٌّ يُعْتَقَدُ وَيُبَرْهَنُ عَلَيْهِ لَا مُجَرَّدُ إخْبَارٍ لَفْظِيٍّ فَالْحَقُّ أَنَّ الصِّفَةَ يَكْفِي فِيهَا مُغَايَرَةُ الْمَفْهُومِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ زَائِدَةً فِي الْخَارِجِ كَيْفَ وَقَدْ عَدُّوا السُّلُوبَ يَعْنِي الْقِدَمَ وَالْبَقَاءَ وَمُخَالَفَتَهُ تَعَالَى لِلْحَوَادِثِ وَقِيَامَهُ تَعَالَى بِنَفْسِهِ وَالْوَحْدَانِيَّةَ صِفَاتٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَصِفَاتُ الْبَارِي الَّتِي عَدَّهَا الْمُتَكَلِّمُونَ وَأَوْجَبُوا مَعْرِفَتَهَا تَفْصِيلًا إمَّا أَنْ تَدُلَّ عَلَى مَعْنًى زَائِدٍ عَلَى الذَّاتِ وَهِيَ الْمَعَانِي السَّبْعَةُ الْمَذْكُورَةُ وَهَذِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ عَيْنَ الذَّاتِ إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ مُنْفَكَّةً عَنْهَا بَلْ مُلَازِمَةً لَهَا. وَإِمَّا أَنْ لَا تَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ إمَّا أَنْ تَكُونَ عَدَمِيَّةً عِبَارَةً عَنْ سَلْبِهَا نَقْصًا عَنْ الذَّاتِ وَهِيَ صِفَاتُ السُّلُوبِ الْخَمْسُ الْمَذْكُورَةُ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ وَجْهًا وَاعْتِبَارًا لَا حَالًّا لِأَنَّ الْحَقَّ نَفْيُهُ وَهِيَ الصِّفَةُ النَّفْسِيَّةُ أَعْنِي الْوُجُودَ وَالصِّفَاتِ الْمَعْنَوِيَّةَ وَهِيَ الْكَوْنُ عَالِمًا وَمُرِيدًا وَقَادِرًا وَمُتَكَلِّمًا وَحَيًّا وَسَمِيعًا وَبَصِيرًا وَالِاعْتِبَارُ قَدْ اخْتَارَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ لَهُ مِنْ اسْمِهِ نَصِيبًا فَلَا ثُبُوتَ لَهُ إلَّا فِي ذِهْنِ الْمُعْتَبِرِ وَإِنَّهُ أَمْرٌ وَاحِدٌ فَقَطْ إنْ اُنْتُزِعَ مِنْ خَارِجٍ مَوْجُودٍ مُشَاهَدٍ كَالْكَوْنُ أَبْيَضُ كَانَ صَادِقًا لِتَأْيِيدِ الْخَارِجِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مُجَرَّدَ اعْتِبَارٍ كَاعْتِبَارِ الْكَرِيمِ بَخِيلًا كَانَ كَاذِبًا لِمُعَارَضَةِ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ لَهُ لَا أَمْرَانِ بَحْتٌ لَا ثُبُوتَ لَهُ إلَّا فِي الذِّهْنِ وَمَا لَهُ ثُبُوتٌ فِي نَفْسِهِ دُونَ الْمَحَلِّ بِخِلَافِ الْحَالِّ وَبَيْنَ وَجْهِهِ فَانْظُرْهُ فَالْوُجُودُ وَالْمَعْنَوِيَّةُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ زَائِدَةً فِي الْخَارِجِ عَلَى الذَّاتِ كَصِفَاتِ السُّلُوبِ لِأَنَّهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا صِفَاتٌ يُحْكَمُ بِهَا عَلَى الذَّاتِ حُكْمًا مَعْنَوِيًّا يُعْتَقَدُ وَيُبَرْهَنُ عَلَيْهِ كَصِفَاتِ السُّلُوبِ يَكْفِي فِي كَوْنِهَا غَيْرَ الذَّاتِ مُغَايَرَةُ مَفْهُومِهَا لِمَفْهُومِ الذَّاتِ بِالْأَوْلَى مِنْ صِفَاتِ السُّلُوبِ فَافْهَمْ. (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) التَّفْضِيلُ بِالصِّفَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِالْمُفَضَّلِ وَلَهُ مُثُلٌ: أَحَدُهَا تَفْضِيلُ الْعَالِمِ بِعِلْمٍ نَافِعٍ عَلَى الْجَاهِلِ بِهِ أَمَّا الَّذِي لَا يَنْفَعُ فَقَدْ اسْتَعَاذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ فَيَكُونُ الْجَاهِلُ بِهِ أَفْضَلَ مِنْ الْعَالِمِ بِهِ. وَثَانِيهَا تَفْضِيلُ الْقَادِرِ بِالْقُدْرَةِ الْقَدِيمَةِ الْوُجُودِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِهِ تَعَالَى عَلَى الْعَاجِزِ الَّذِي قُدْرَتُهُ حَادِثَةٌ. وَثَالِثُهَا قِيلَ تَفْضِيلُ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ بِسَبَبِ الْإِرَادَةِ وَالِاخْتِيَارِ الْقَائِمِ بِهِ عَلَى الْمُوجِبِ بِالذَّاتِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ كَمَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ عَلَى الْقَوْلِ بِتَصْحِيحِ الْإِيجَابِ الذَّاتِيِّ لَكِنَّ أَهْلَ الْحَقِّ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ مُرِيدٌ قَادِرٌ، ثُمَّ

مِنْ وُجُوهٍ؛ أَحَدُهَا شَرَفُ الْمَوْصُوفِ (الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ) التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الصُّدُورِ كَشَرَفِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ لِكَوْنِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمُتَوَلِّيَ لِرَصْفِهِ وَنِظَامِهِ فِي نَفْسِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَبِهَذَا نُجِيبُ عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ إنَّ اللَّهَ خَالِقٌ لِجَمِيعِ أَلْفَاظِ الْخَلَائِقِ وَالْمَرِيدُ لِتَرْتِيبِ وَصْفِهَا، فَمَنْ قَالَ زَيْدٌ قَائِمٌ فِي الدَّارِ فَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ لِأَصْوَاتِهِ هَذِهِ وَالْمَرِيدُ لِتَرْتِيبِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ، وَتَقْدِيمِ " قَائِمٌ " عَلَى الْمَجْرُورِ وَكَوْنِ الْمَجْرُورِ بِفِي دُونَ غَيْرِهَا مِنْ حُرُوفِ الْجَرِّ، وَإِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُتَوَلِّيَ لِرَصْفِ جَمِيعِ كَلَامِ النَّاسِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ، وَهُوَ الْمُتَوَلِّيَ لِرَصْفِ الْقُرْآنِ فِي نَفْسِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِإِرَادَتِهِ وَهَذِهِ الْحُرُوفُ وَالْأَلْفَاظُ عِنْدَكُمْ مَخْلُوقَةٌ مِثْلُ أَلْفَاظِ الْخَالِقِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ فَلِمَ لَا تَقُولُونَ لِلْجَمِيعِ كَلَامُ اللَّهِ، وَمَا الْمَزِيَّةُ لِلَفْظِ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِهِ.؟ ، فَنَقُولُ: اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُتَوَلِّي لِرَصْفِ الْقُرْآنِ فِي نَفْسِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى وَفْقِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ إرَادَةِ جِبْرِيلَ وَالْمُتَوَلِّي لِرَصْفِ كَلَامِ الْخَلَائِقِ فِي أَنْفُسِهِمْ عَلَى إرَادَتِهِمْ تَبَعًا لِإِرَادَتِهِ تَعَالَى فَتَفَرُّدُهُ فِي هَذَا الْوَصْفِ بِالْإِرَادَةِ هُوَ الْفَرْقُ وَامْتَازَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ بِوُجُوهٍ أُخَرَ مِنْ الْإِعْجَازِ وَغَيْرِهِ عَلَى جَمِيعِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ الَّتِي هِيَ كَلَامُ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الصُّدُورِ كَشَرَفِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ لِكَوْنِ الرَّبِّ تَعَالَى هُوَ الْمُتَوَلِّيَ لِرَصْفِهِ وَنِظَامِهِ فِي نَفْسِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى آخِرِ الْقَاعِدَةِ) . قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمَزِيَّةَ لِلَفْظِ الْقُرْآنِ انْفِرَادُ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِوَضْعِهِ دُونَ إرَادَةِ جِبْرِيلَ دَعْوَى لَا أَرَاهَا تَقُومُ عَلَيْهَا حُجَّةٌ وَلَعَلَّ جِبْرِيلَ أَرَادَ ذَلِكَ فَلَيْسَ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ بِصَحِيحٍ، بَلْ الْمَزِيَّةُ الَّتِي امْتَازَ بِهَا لَفْظُ الْقُرْآنِ عَلَى كَلَامِ النَّاسِ كَوْنُهُ دَالًّا عَلَى كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَارَةً عَنْهُ، وَامْتِيَازُهُ عَنْ لَفْظِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الرُّسُلِ بِالْإِعْجَازِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْصَافِ الَّتِي امْتَازَ بِهَا كَمَا قَالَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَمَا قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّامِنَةِ وَالتَّاسِعَةِ كُلُّهُ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ بِذَاتِهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَعَدُّدُ الْقُدَمَاءِ. وَقَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ بِصِفَاتٍ وُجُودِيَّةٍ زَائِدَةٍ عَلَى الذَّاتِ قَائِمَةٍ بِهَا يَصِحُّ أَنْ تُرَى وَفَسَّقُوا مَنْ نَفَاهَا قَالُوا وَلُزُومُ تَعَدُّدِ الْقُدَمَاءِ إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَتْ مُنْفَكَّةً وَأَلْزَمُوا أَنْ تَكُونَ الذَّاتُ غَيْرَ مُسْتَقِلَّةٍ لِأَنَّهَا الصِّفَاتُ وَأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ الْقُدْرَةُ إلَخْ لِأَنَّ الْكُلَّ الذَّاتُ الْوَاحِدَةُ وَحَيْثُ جَازَ عَالِمٌ بِلَا عِلْمٍ لَزِمَ عِلْمٌ بِلَا عَالِمٍ إذْ لَا فَرْقَ فِي التَّلَازُمِ عَلَى أَنَّهُ نَظِيرُ " أَسْوَدُ بِلَا سَوَادٍ " وَهُوَ بَدِيهِيُّ الْفَسَادِ وَكُلُّهَا تَقْبَلُ الدَّفْعَ فَإِنَّهُمْ مُقِرُّونَ بِتَغَايُرِ الْمَفَاهِيمِ الْإِضَافِيَّةِ، وَإِنْ قَالَ أليوسي إذَا أَرَادُوهَا لِلِاعْتِبَارَاتِ لَزِمَ نَفْيُهَا إذْ لَا ثُبُوتَ لِلِاعْتِبَارِ إلَّا فِي الذِّهْنِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ هَلْ وُجُوبُهَا وَقِدَمُهَا ذَاتِيٌّ؛ لِأَنَّ الْإِلَهَ الْوَاحِدَ الذَّاتُ الْمُتَّصِفَةُ بِالصِّفَاتِ أَوْ مُمْكِنَةٌ فِي ذَاتِهَا - عَلَى مَا لِلْفَخْرِ وَمَنْ تَبِعَهُ - وَاجِبَةٌ لِمَا لَيْسَ عَيْنَهَا وَلَا غَيْرَهَا، وَإِنْ لَمْ نَفْهَمْ لَهُ الْآنَ مَحْصُولًا فَإِنَّ الصِّفَةَ مُجَرَّدَةٌ عَنْ الْمَوْصُوفِ مُسْتَحِيلَةٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ هَذَا الْمَوْصُوفِ بِخُصُوصِهِ فَلَا يُنَافِي مَوْصُوفًا مَا لَكِنْ فِيهِ مَا فِيهِ وَمِمَّا رُدَّ بِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعِلْمُ مَثَلًا مُمْكِنًا لَكَانَ الْجَهْلُ مُمْكِنًا لِأَنَّهُ مُقَابِلُهُ وَلَا يَخْفَاك أَنَّ الْإِمْكَانَ الذَّاتِيَّ لَا يَضُرُّهُ إنَّمَا يَضُرُّهُ لَوْ كَانَ إمْكَانُهُ لِلَّهِ وَهُوَ يَقُولُ بِاسْتِحَالَتِهِ عَلَيْهِ ضَرُورَةَ وُجُوبِ الْعِلْمِ لَهُ فَتَدَبَّرْ وَقَالَ قَبْلُ وَعَلَى كَلَامِ غَيْرِ الْفَخْرِ لَا نُثْبِتُ إلَّا الْقِدَمَ الذَّاتِيَّ لِلْوَاجِبِ وَحْدَهُ أَيْ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْمُؤَثِّرِ وَعَلَى كَلَامِ الْفَخْرِ نُثْبِتُ الْقِدَمَ الْعَرَضِيَّ أَيْضًا لِلْمُمْكِنِ الذَّاتِيِّ وَلَا يَكُونُ الْإِمْكَانُ إلَّا ذَاتِيًّا نَعَمْ يَجُوزُ الْبَقَاءُ فِي الْمُمْكِنَاتِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يَرْجِعُ لِعَدَمِ وُقُوفِ مَقْدُورَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْقَادِرِ الْمُطْلَقِ عِنْدَ حَدٍّ بِخِلَافِ الْقِدَمِ لِلْمُمْكِنَاتِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِوُجُودِ الْمُمْكِنِ أَزَلًا وَهُوَ مُحَالٌ بِالطَّبْعِ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ، ثُمَّ قَالَ بَعْدُ قَالَ الشَّعْرَانِيُّ وَاَلَّذِي يَتَلَخَّصُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ ابْنِ عَرَبِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَحِمَهُ أَنَّهُ قَائِلٌ بِأَنَّ الصِّفَاتِ عَيْنٌ لَا غَيْرُ كَشْفًا وَيَقِينًا وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَوْلَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ اهـ وَأَقُولُ كَمَا قَالَ مَنْ قَالَ: اعْتِصَامُ الْوَرَى بِمَغْفِرَتِكْ ... عَجَزَ الْوَاصِفُونَ عَنْ صِفَتِكْ تُبْ عَلَيْنَا فَإِنَّنَا بَشَرٌ ... مَا عَرَفْنَاكَ حَقَّ مَعْرِفَتِكْ اهـ كَلَامُ الْأَمِيرِ بِتَصَرُّفٍ وَحَذْفٍ. الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) التَّفْضِيلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَهُ مُثُلٌ: أَحَدُهَا تَفْضِيلُ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْكَافِرِ وَثَانِيهَا تَفْضِيلُ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَذَلِكَ بِسَبَبِ مَا حَصَلَ لَهُمْ مِنْ الطَّاعَةِ بِتَعْظِيمِهِمْ الرُّسُلَ وَالرَّسَائِلَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَقَالُوا بِصِحَّةِ نُبُوَّةِ مُوسَى وَعِيسَى وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - وَبِصِحَّةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكُتُبِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُفِيدُهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَدَمَ الْخُلُودِ، وَإِنَّمَا تُفِيدُ تَخْفِيفَ الْعَذَابِ، وَجَحْدِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ الرَّسَائِلَ فَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ فَضَّلَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ طَعَامَهُمْ وَأَبَاحَ تَزْوِيجَنَا نِسَاءَهُمْ وَجَعَلَ ذَكَاتَهُمْ كَذَكَاتِنَا وَنِسَاءَهُمْ كَنِسَائِنَا وَلَمْ يُلْحِقْهُمْ بِالْبَهَائِمِ تَعْظِيمًا وَتَمْيِيزًا بِخِلَافِ الْمَجُوسِ وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّهُ جَعَلَ مَا ذَكَّوْهُ كَالْمَيْتَةِ وَتَصَرُّفَهُمْ فِيهِ بِالذَّكَاةِ كَتَصَرُّفِ الْحَيَوَانِ الْبَهِيمِيِّ مِنْ السِّبَاعِ وَالْكَوَاسِرِ فِي الْأَنْعَامِ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ وَجَعَلَ نِسَاءَهُمْ كَإِنَاثِ الْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ مُحَرَّمَاتِ الْوَطْءِ اهْتِضَامًا لَهُمْ. وَثَالِثُهَا تَفْضِيلُ الْوَلِيِّ بِسَبَبِ مَا اُخْتُصَّ بِهِ مِنْ كَثْرَةِ طَاعَتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى حَتَّى تَوَلَّى اللَّهَ بِطَاعَتِهِ

تَعَالَى كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَيُقَالُ إنَّهَا مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ كِتَابًا صُحُفًا وَكُتُبًا أُنْزِلَتْ عَلَى آدَمَ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ إلَى مُحَمَّدٍ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ -. (الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ) التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الْمَدْلُولِ وَلَهُ مُثُلٌ: أَحَدُهَا تَفْضِيلُ الْأَذْكَارِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى. وَثَانِيهَا تَفْضِيلُ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِاَللَّهِ عَلَى الْآيَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَبِي لَهَبٍ وَفِرْعَوْنَ وَنَحْوِهِمَا. وَثَالِثُهَا الْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ أَفْضَلُ مِنْ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالْكَرَاهَةِ وَالنَّدْبِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْحَثِّ عَلَى أَعْلَى رُتَبِ الْمَصَالِحِ، وَالزَّجْرِ عَنْ أَعْظَمِ الْمَفَاسِدِ. (الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ) التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الدَّلَالَةِ لَا بِشَرَفِ الْمَدْلُولِ كَشَرَفِ الْحُرُوفِ الدَّالَّةِ عَلَى الْأَوْصَافِ الدَّالَّةِ عَلَى كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ ذَلِكَ أَوْجَبَ شَرَفَهَا عَلَى جَمِيعِ الْحُرُوفِ لِهَذِهِ الدَّلَالَةِ. وَأَمَرَ الشَّرْعُ بِتَعْظِيمِهَا فَلَا تُمْسَكُ إلَّا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَيُكَفَّرُ مَنْ أَصَابَهَا بِالْقَاذُورَاتِ وَلَهُ وَقْعٌ عَظِيمٌ فِي الدِّينِ فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ إلَى بِلَادِ الْكَافِرِينَ خَشْيَةَ أَنْ تَنَالَهَا أَيْدِيهِمْ (الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةُ) التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ التَّعَلُّقِ كَتَفْضِيلِ الْعِلْمِ عَلَى الْحَيَاةِ فَإِنَّ الْحَيَاةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ بَلْ لَهَا مَوْصُوفٌ فَقَطْ وَالْعِلْمُ لَهُ مَوْصُوفٌ وَمُتَعَلَّقٌ فَلَهُ مَزِيَّةُ شَرَفٍ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْإِرَادَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُمْكِنَاتِ، وَالْقُدْرَةُ بِالْمُحْدَثَاتِ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ، وَالسَّمْعُ بِالْأَصْوَاتِ، وَالْكَلَامُ النَّفْسِيُّ وَالْبَصَرُ بِجَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُمْكِنَاتِ وَلَيْسَ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى السَّبْعَةِ صِفَةٌ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ إلَّا الْحَيَاةَ (الْقَاعِدَةُ الْعَاشِرَةُ) التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الْمُتَعَلَّقِ كَتَفْضِيلِ الْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ صِفَاتِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ وَكَتَفْضِيلِ عِلْمِ الْفِقْهِ عَلَى الطِّبِّ لِتَعَلُّقِهِ بِرَسَائِلِ اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْقَاعِدَةُ الْعَاشِرَةُ التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الْمُتَعَلِّقِ كَتَفْضِيلِ الْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ) قُلْت: مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ - مِنْ أَنَّ كُلَّ مَدْلُولٍ مُتَعَلِّقٌ - لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْمَدْلُولَ غَيْرُ الْمُتَعَلِّقِ فِي الِاصْطِلَاحِ الْمَعْهُودِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ كُلَّ مَدْلُولٍ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِوَجْهٍ مَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفَعِبَادَتُهُ تَجْرِي عَلَى التَّوَالِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا عِصْيَانٌ فَسُمِّيَ وَلِيًّا وَقِيلَ لِأَنَّ اللَّهَ تَوَلَّاهُ بِلُطْفِهِ فَلَمْ يَكِلْهُ إلَى نَفْسِهِ وَلَا إلَى غَيْرِهِ لَحْظَةً عَلَى آحَادِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُقْتَصَرِينَ عَلَى أَصْلِ الدِّينِ وَكَذَلِكَ أَيْضًا تَفَاضُلُ الْأَوْلِيَاءِ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِكَثْرَةِ الطَّاعَةِ فَمَنْ كَانَ أَكْثَرَ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَانَتْ رُتْبَتُهُ فِي الْوِلَايَةِ أَعْظَمَ. وَرَابِعُهَا تَفْضِيلُ الشَّهِيدِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لِأَنَّهُ أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى بِبَذْلِ نَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي نُصْرَةِ دِينِهِ وَأَعْظِمْ بِذَلِكَ مِنْ طَاعَةٍ. وَخَامِسُهَا تَفْضِيلُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الشُّهَدَاءِ بِسَبَبِ طَاعَةِ الْعُلَمَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى بِضَبْطِ شَرَائِعِهِ وَتَعْظِيمِ شَعَائِرِهِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْجِهَادُ وَهِدَايَةُ الْخَلْقِ إلَى الْحَقِّ وَتَوْصِيلُ مَعَالِمِ الْأَدْيَانِ إلَى يَوْمِ الدِّينِ وَلَوْلَا سَعْيُهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَانْقَطَعَ أَمْرُ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَنْ يَقُولُ اللَّهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا جَمِيعُ الْأَعْمَالِ فِي الْجِهَادِ إلَّا كَنُقْطَةٍ مِنْ بَحْرٍ وَمَا الْجِهَادُ وَجَمِيعُ الْأَعْمَالِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ إلَّا كَنُقْطَةٍ مِنْ بَحْرٍ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ وُزِنَ مِدَادُ الْعُلَمَاءِ بِدَمِ الشُّهَدَاءِ لَرَجَحَ» . (الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ) التَّفْضِيلُ بِكَثْرَةِ الثَّوَابِ الْوَاقِعِ فِي الْعَمَلِ الْمُفَضَّلِ وَلَهُ مُثُلٌ: أَحَدُهَا الْإِيمَانُ بِكَثْرَةِ ثَوَابِهِ مِنْ الْخُلُودِ فِي الْجِنَانِ وَالْخُلُوصِ مِنْ النِّيرَانِ وَمِنْ غَضَبِ الْمَلِكِ الدَّيَّانِ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ. وَثَانِيهَا صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً. وَثَالِثُهَا الصَّلَاةُ فِي أَحَدِ الْحَرَمَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا بِأَلْفِ مَرَّةٍ مِنْ الْمَثُوبَاتِ قَالَ الْبَاجِيَّ وَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي فَضْلِ الْمَسْجِدَيْنِ مُخَالَفَةُ حُكْمِ مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لِسَائِرِ الْمَسَاجِدِ وَلَا يُعْلَمُ مِنْهَا حُكْمُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فِي التَّفَاضُلِ إلَّا أَنَّ حَدِيثَ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ بِمِائَةِ أَلْفٍ إذَا ثَبَتَتْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ نَفْسَ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ نَفْسِ الْمَدِينَةِ اهـ. نَقَلَهُ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَةِ تَوْضِيحِ الْمَنَاسِكِ لَكِنْ فِي الرَّهُونِيِّ عَنْ سَيِّدِي أَحْمَدَ بَابَا وَاسْتُدِلَّ أَيْ لِتَفْضِيلِ مَسْجِدِ مَكَّةَ بِحَدِيثِ «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِي هَذَا بِمِائَةِ صَلَاةٍ» حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ صَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ وَهُوَ الْحُجَّةُ عِنْدَ التَّنَازُعِ وَهُوَ صَرِيحٌ بِدَفْعِ مَا قِيلَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ بِدُونِ أَلْفٍ، أَوْ بِتَسَاوِيهِمَا وَسَيَأْتِي تَوْضِيحُ ذَلِكَ فَتَرَقَّبْ. وَرَابِعُهَا صَلَاةُ الْقَصْرِ أَفْضَلُ فِي مَذْهَبِنَا خَاصَّةً مِنْ صَلَاةِ الْإِتْمَامِ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ عَمَلًا. (الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ) التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الْمَوْصُوفِ وَلَهُ مُثُلٌ: أَحَدُهَا الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ الْقَدِيمُ أَشْرَفُ مِنْ سَائِرِ الْكَلَامِ لِوُجُوهٍ مِنْهَا شَرَفُ مَوْصُوفِهِ عَلَى كُلِّ مَوْصُوفٍ وَمِنْهَا قِدَمُهُ وَبَقَاؤُهُ. وَثَانِيهَا إرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتُهُ وَسَائِرُ الصِّفَاتِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَفْضَلُ لِوُجُوهٍ مِنْهَا شَرَفُ الْمَوْصُوفِ وَمِنْهَا قِدَمُهَا وَبَقَاؤُهَا وَثَالِثُهَا صِفَاتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ شَجَاعَتِهِ وَكَرَمِهِ وَجَمِيعِ مَا هُوَ صِفَةٌ لِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ صِفَاتِنَا لِوُجُوهٍ مِنْهَا شَرَفُ الْمَوْصُوفِ وَمِنْهَا مُصَاحَبَتُهَا النُّبُوَّةَ. (الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ) التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الصُّدُورِ قِيلَ كَشَرَفِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُتَوَلِّيَ لِوَصْفِ جَمِيعِ كَلَامِ النَّاسِ فِي أَنْفُسِهِمْ

تَعَالَى وَأَحْكَامِهِ، وَهَذَا الْقِسْمُ عَيْنُ الْمَدْلُولِ فَكُلُّ مَدْلُولٍ مُتَعَلِّقٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُتَعَلِّقٍ مَدْلُولًا؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ وَالْمَدْلُولَ مِنْ بَابِ الْأَلْفَاظِ وَالْحَقَائِقِ الدَّالَّةِ كَالصَّنْعَةِ عَلَى الصَّانِعِ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْعِلْمُ وَنَحْوُهُ فَلَا يُقَالُ لَهُ دَالٌّ بَلْ هُوَ مَدْلُولٌ فِي نَفْسِهِ وَلَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى غَيْرِهِ بَلْ لَهُ مُتَعَلَّقٌ خَاصٌّ وَهُوَ مَعْلُومُهُ وَكَذَلِكَ الْإِرَادَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْخُيُورِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِرَادَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالشُّرُورِ. وَالنِّيَّةُ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ النِّيَّةِ فِي الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَقَاصِدِ، وَالثَّانِيَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْوَسَائِلِ، وَالْمَقَاصِدُ أَفْضَلُ مِنْ الْوَسَائِلِ وَالْمُتَعَلِّقُ بِالْأَفْضَلِ أَفْضَلُ. (الْقَاعِدَةُ الْحَادِيَةَ عَشَرَ) التَّفْضِيلُ بِكَثْرَةِ التَّعَلُّقِ كَتَفْضِيلِ عِلْمِ اللَّهِ عَلَى قُدْرَتِهِ، وَإِرَادَتِهِ، وَسَمْعِهِ، وَبَصَرِهِ لِكَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِجَمِيعِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُمْكِنَاتِ وَالْمُسْتَحِيلَاتِ، وَاخْتِصَاصِ الْإِرَادَةِ بِالْمُمْكِنَاتِ وُجُودِهَا أَوْ عَدَمِهَا، وَاخْتِصَاصِ الْقُدْرَةِ بِوُجُودِ الْمُمْكِنَاتِ خَاصَّةً، وَاخْتِصَاصِ السَّمْعِ بِبَعْضِ الْمَوْجُودَاتِ - وَهِيَ الْأَصْوَاتُ وَالْكَلَامُ النَّفْسِيُّ -، وَاخْتِصَاصِ الْبَصَرِ بِبَعْضِ الْمَوْجُودَاتِ الْمُمْكِنَاتِ وَالْوَاجِبَاتِ دُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــSفَذَلِكَ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلِاصْطِلَاحِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْإِرَادَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْخُيُورِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِرَادَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالشُّرُورِ إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ إرَادَتَنَا فَصَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَادَ الْإِرَادَةَ مُطْلَقًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ إرَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَصِحُّ تَنَوُّعُهَا إلَى نَوْعَيْنِ لِاتِّحَادِهَا وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي ذَلِكَ مِنْ الشَّرْعِ مَا يَقْتَضِيهِ وَمَا قَالَهُ فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ وَمَا بَنَى ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمَقَاصِدَ أَفْضَلُ مِنْ الْوَسَائِلِ إنْ أَرَادَ بِالْأَفْضَلِيَّةِ زِيَادَةً فِي الْأُجُورِ فَذَلِكَ دَعْوَى لَمْ يَأْتِ عَلَيْهَا بِحُجَّةٍ، وَإِنْ أَرَادَ بِالْأَفْضَلِيَّةِ كَوْنَ الْمَقَاصِدِ مُفَضَّلَةً بِكَوْنِهَا مَقَاصِدَ فَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَمَا قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةَ عَشَرَ وَالثَّانِيَةَ عَشَرَ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ فِي الثَّالِثَةَ عَشَرَ إلَّا حَصْرَهُ لِوُجُودِ التَّفْضِيلِ فِي عِشْرِينَ قَاعِدَةً فَإِنِّي لَا أَعْرِفُ الْآنَ دَلِيلَ صِحَّةِ ذَلِكَ الْحَصْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَنَّ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ زَيْدٌ قَائِمٌ فِي الدَّارِ فَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ لِأَصْوَاتِهِ هَذِهِ وَالْمُرِيدُ لِتَرْتِيبِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ وَتَقْدِيمِ " قَائِمٌ " عَلَى الْمَجْرُورِ وَكَوْنِ الْمَجْرُورِ بِفِي دُونَ غَيْرِهَا مِنْ حُرُوفِ الْجَرِّ كَمَا أَنَّهُ الْمُتَوَلِّي لِرَصْفِ الْقُرْآنِ فِي نَفْسِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِإِرَادَتِهِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَلْفَاظِ النَّاسِ وَأَلْفَاظِ الْخَالِقِ فِي كَوْنِهَا مَخْلُوقَةً إلَّا أَنَّ الْمَزِيَّةَ لِلَفْظِ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِهِ فِي أَنَّنَا نَقُولُ لِلَفْظِ الْقُرْآنِ كَلَامُ اللَّهِ دُونَ غَيْرِهِ هِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْمُتَوَلِّي لِرَصْفِ الْقُرْآنِ فِي نَفْسِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى وَفْقِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ إرَادَةِ جِبْرِيلَ - وَالْمُتَوَلِّي لِرَصْفِ كَلَامِ الْخَلَائِقِ فِي أَنْفُسِهِمْ عَلَى إرَادَتِهِمْ تَبَعًا لِإِرَادَتِهِ تَعَالَى فَتَفَرُّدُهُ فِي رَصْفِ الْقُرْآنِ بِالْإِرَادَةِ هُوَ الْفَرْقُ اهـ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَدَعْوَى انْفِرَادِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِوَضْعِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ دُونَ إرَادَةِ جِبْرِيلَ لَا أَرَاهَا تَقُومُ عَلَيْهَا حُجَّةٌ وَلَعَلَّ جِبْرِيلَ أَرَادَ ذَلِكَ بَلْ الْمَزِيَّةُ الَّتِي امْتَازَ بِهَا لَفْظُ الْقُرْآنِ عَلَى كَلَامِ النَّاسِ كَوْنُهُ دَالًّا عَلَى كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَارَةً عَنْهُ وَامْتِيَازُهُ عَنْ لَفْظِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الرُّسُلِ وَيُقَالُ إنَّهَا مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ كِتَابًا صُحُفًا وَكُتُبًا أُنْزِلَتْ عَلَى آدَمَ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ إلَى مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ بِالْإِعْجَازِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْصَافِ الَّتِي امْتَازَ بِهَا كَمَا قَالَ الشِّهَابُ. اهـ. قُلْت وَعَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ التَّمْثِيلُ بِهِ لِلتَّفْضِيلِ بِشَرَفِ الصُّدُورِ بَلْ مِثَالُهُ بِشَرَفِ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ مِنْ الْأُمَّةِ فَافْهَمْ. (الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ) التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الْمَدْلُولِ وَلَهُ مُثُلٌ: أَحَدُهَا تَفْضِيلُ الْأَذْكَارِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى. وَثَانِيهَا تَفْضِيلُ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِاَللَّهِ عَلَى الْآيَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَبِي لَهَبٍ وَفِرْعَوْنَ وَنَحْوِهِمَا. وَثَالِثُهَا الْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَالتَّحْرِيمِ أَفْضَلُ مِنْ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالْكَرَاهَةِ وَالنَّدْبِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْحَثِّ عَلَى أَعْلَى رُتَبِ الْمَصَالِحِ وَالزَّجْرِ عَنْ أَعْظَمِ الْمَفَاسِدِ. (الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ) التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الدَّلَالَةِ لَا الْمَدْلُولِ كَشَرَفِ الْحُرُوفِ الدَّالَّةِ عَلَى الْأَوْصَافِ الدَّالَّةِ عَلَى كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى جَمِيعِ الْحُرُوفِ الَّتِي لَمْ تَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ عَلَى غَيْرِهِ فَلِذَا أَمَرَ الشَّرْعُ بِتَعْظِيمِ حُرُوفِ الْقُرْآنِ فَلَا تُمْسَكُ إلَّا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَيُكَفَّرُ مَنْ أَصَابَهَا بِالْقَاذُورَاتِ وَصَارَ لَهَا وَقْعٌ عَظِيمٌ فِي الدِّينِ فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ إلَى بِلَادِ الْكَافِرِينَ خَشْيَةَ أَنْ تَنَالَهَا أَيْدِيهِمْ. (الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةُ) التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ التَّعَلُّقِ كَتَفْضِيلِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ لِتَعَلُّقِهِ بِالْمُخْبَرِ عَنْهُ وَاخْتِصَاصِهِ بِأَنَّ لَهُ تَعَلُّقَ الِاقْتِضَاءِ وَالْإِبَاحَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَالْعِلْمِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْوَاجِبَاتِ وَالْمُمْكِنَاتِ وَالْمُسْتَحِيلَاتِ، وَالْإِرَادَةِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْمُمْكِنَاتِ وَالْقُدْرَةِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْمُحْدَثَاتِ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ، وَالسَّمْعِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْأَصْوَاتِ وَالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ، وَالْبَصَرِ لِتَعَلُّقِهِ بِجَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُمْكِنَاتِ عَلَى الْحَيَاةِ فَإِنَّهَا لَا تَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ بَلْ لَهَا مَوْصُوفٌ فَقَطْ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِي السَّبْعَةِ فَإِنَّ لَهُ مَوْصُوفًا وَمُتَعَلَّقًا كَمَا عَلِمْت. (الْقَاعِدَةُ الْعَاشِرَةُ) التَّفْضِيلُ بِشَرَفِ الْمُتَعَلَّقِ كَتَفْضِيلِ الْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ صِفَاتِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ وَكَتَفْضِيلِ عِلْمِ الْفِقْهِ عَلَى الطِّبِّ لِتَعَلُّقِهِ بِرَسَائِلِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَحْكَامِهِ وَكَتَفْضِيلِ إرَادَتِنَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْخُيُورِ عَلَى إرَادَتِنَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِالشُّرُورِ، وَإِرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِاتِّحَادِهَا لَا يَصِحُّ تَنَوُّعُهَا وَلَا أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهَا ذَلِكَ بِاعْتِبَارَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي ذَلِكَ مِنْ الشَّرْعِ

الْمُسْتَحِيلَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ الْمُمْكِنَاتِ. وَأَمَّا الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ فَالْخَبَرُ فِيهِ مَسْبُوقٌ لِلْعِلْمِ فِي التَّعَلُّقِ وَكُلُّ مَعْلُومٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُخْبَرٌ عَنْهُ وَيَخْتَصُّ الْكَلَامُ بِأَنَّ لَهُ تَعَلُّقَ الِاقْتِضَاءِ وَالْإِبَاحَةِ وَغَيْرِهَا فَهُوَ أَكْثَرُ تَعَلُّقًا مِنْ الْعِلْمِ فَيَكُونُ لَهُ الشَّرَفُ عَلَى الْعِلْمِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَكَتَفْضِيلِ الْبَصَرِ عَلَى السَّمْعِ لِاخْتِصَاصِ السَّمْعِ بِالْكَلَامِ، وَالْبَصَرُ يَعُمُّ جَمِيعَ الْمَوْجُودَاتِ كَانَتْ كَلَامًا، أَوْ غَيْرَهُ. (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشَرَ) التَّفْضِيلُ بِالْمُجَاوَرَةِ كَتَفْضِيلِ جِلْدِ الْمُصْحَفِ عَلَى سَائِرِ الْجُلُودِ فَلَا يَمَسُّهُ مُحْدِثٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلَابَسَ بِقَاذُورَةٍ وَلَا بِمَا يُوجِبُ الْإِهَانَةَ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مَكْتُوبٌ بَلْ لِمُجَاوَرَتِهِ الْوَرَقَ الْمَكْتُوبَ فِيهِ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ. (الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشَرَ) التَّفْضِيلُ بِالْحُلُولِ كَتَفْضِيلِ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَمِيعِ بِقَاعِ الْأَرْضِ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ الْإِجْمَاعَ فِي كِتَابِ الشِّفَاءِ وَلَمَّا خَفِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى بَعْضِ الْفُضَلَاءِ أَنْكَرَ الْإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ وَقَالَ التَّفْضِيلُ إنَّمَا هُوَ بِكَثْرَةِ الثَّوَابِ عَلَى الْأَعْمَالِ، وَالْعَمَلُ عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحَرَّمٌ فِيهِ عِقَابٌ شَدِيدٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ أَفْضَلُ الْمَثُوبَاتِ فَإِذَا تَعَذَّرَ الثَّوَابُ هُنَالِكَ عَلَى عَمَلِ الْعَامِلِ مَعَ أَنَّ التَّفْضِيلَ إنَّمَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِهِ كَيْفَ يَحْكِي الْإِجْمَاعَ فِي أَنَّ تِلْكَ الْبُقْعَةَ أَفْضَلُ الْبِقَاعِ أَوَمَا عَلِمَ أَنَّ أَسْبَابَ التَّفْضِيلِ أَعَمُّ مِنْ الثَّوَابِ وَأَنَّهَا مُنْتَهِيَةٌ إلَى عِشْرِينَ قَاعِدَةً أَنَا ذَاكِرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى التَّفْضِيلِ بِهَذَا الْوَجْهِ لَا بِكَثْرَةِ الثَّوَابِ عَلَى الْأَعْمَالِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ لَا يَكُونَ جِلْدُ الْمُصْحَفِ بَلْ وَلَا الْمُصْحَفُ نَفْسُهُ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ فِيهِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ بَلْ هَذَا مَعْنَى مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَتَأَمَّلْهُ (الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشَرَ) التَّفْضِيلُ بِسَبَبِ الْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ} [المجادلة: 22] أَضَافَهُمْ إلَيْهِ تَعَالَى لِيُشَرِّفَهُمْ بِالْإِضَافَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشَرَ التَّفْضِيلُ بِسَبَبِ الْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ} [المجادلة: 22] إلَى آخِرِ الْقَاعِدَةِ) . قُلْت: قَوْلُهُ " فَهَذَا كُلُّهُ تَفْضِيلٌ بِالْإِضَافَةِ اللَّفْظِيَّةِ " إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ تَشْرِيفُ مَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يَقْتَضِيهِ، وَكَتَفْضِيلِ النِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النِّيَّةِ فِي الطَّهَارَةِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَقْصِدٌ وَالطَّهَارَةَ وَسِيلَةٌ، وَالْمَقَاصِدُ بِكَوْنِهَا مَقَاصِدَ لَا بِزِيَادَةٍ فِي الْأُجُورِ إذْ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ الْوَسَائِلِ، وَبِالْأَفْضَلِ أَفْضَلُ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَالْمَدْلُولُ غَيْرُ الْمُتَعَلِّقِ فِي الِاصْطِلَاحِ الْمَعْهُودِ، وَإِنْ صَحَّ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَدْلُولٍ مُتَعَلِّقًا بِوَجْهٍ مَا اهـ فَافْهَمْ. (الْقَاعِدَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) التَّفْضِيلُ بِكَثْرَةِ التَّعَلُّقِ كَتَفْضِيلِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ الْقَدِيمِ عَلَى عِلْمِهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْخَبَرَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا لِلْعِلْمِ فِي التَّعَلُّقِ وَكُلُّ مَعْلُومٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُخْبَرٌ عَنْهُ إلَّا أَنَّ لِلْكَلَامِ اخْتِصَاصًا بِتَعَلُّقِ الِاقْتِضَاءِ وَالْإِبَاحَةِ وَغَيْرِهِمَا فَهُوَ أَكْثَرُ تَعَلُّقًا مِنْ الْعِلْمِ وَكَتَفْضِيلِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى قُدْرَتِهِ، وَإِرَادَتِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ لِكَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِجَمِيعِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُمْكِنَاتِ وَالْمُسْتَحِيلَاتِ، وَاخْتِصَاصِ الْإِرَادَةِ بِالْمُمْكِنَاتِ وُجُودِهَا أَوْ عَدَمِهَا، وَاخْتِصَاصِ الْقُدْرَةِ بِوُجُودِ الْمُمْكِنَاتِ خَاصَّةً، وَاخْتِصَاصِ السَّمْعِ بِبَعْضِ الْمَوْجُودَاتِ - وَهِيَ الْأَصْوَاتُ وَالْكَلَامُ النَّفْسِيُّ -، وَاخْتِصَاصِ الْبَصَرِ بِبَعْضِ الْمَوْجُودَاتِ الْمُمْكِنَاتِ وَالْوَاجِبَاتِ دُونَ الْمُسْتَحِيلَاتِ وَالْمَعْدُومَاتِ الْمُمْكِنَاتِ وَكَتَفْضِيلِ الْبَصَرِ عَلَى السَّمْعِ لِاخْتِصَاصِ السَّمْعِ بِالْكَلَامِ، وَالْبَصَرُ يَعُمُّ جَمِيعَ الْمَوْجُودَاتِ كَانَتْ كَلَامًا، أَوْ غَيْرَهُ. (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) التَّفْضِيلُ بِالْمُجَاوَرَةِ كَتَفْضِيلِ جِلْدِ الْمُصْحَفِ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مَكْتُوبٌ عَلَى سَائِرِ الْجُلُودِ فَلَا يَمَسُّهُ مُحْدِثٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلَابَسَ بِقَاذُورَةٍ وَلَا بِمَا يُوجِبُ الْإِهَانَةَ لِمُجَاوَرَتِهِ الْوَرَقَ الْمَكْتُوبَ فِيهِ الْقُرْآنُ. (الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) التَّفْضِيلُ بِالْحُلُولِ كَتَفْضِيلِ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَمِيعِ بِقَاعِ الْأَرْضِ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ الْإِجْمَاعَ فِي كِتَابِهِ الشِّفَاءِ. وَقَالَ الْبَكْرِيُّ: جَزَمَ الْجَمِيعُ بِأَنَّ خَيْرَ الْأَرْضِ مَا ... قَدْ حَاطَ ذَاتَ الْمُصْطَفَى وَحَوَاهَا نَعَمْ لَقَدْ صَدَقُوا بِسَاكِنِهَا عَلَتْ ... كَالنَّفْسِ حِينَ زَكَتْ زَكَى مَأْوَاهَا وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إنْكَارُ بَعْضِ فُضَلَاءِ الشَّافِعِيَّةِ انْعِقَادَ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى انْحِصَارِ التَّفْضِيلِ فِي الثَّوَابِ عَلَى الْعَمَلِ، وَالْعَمَلُ مُتَعَذَّرٌ هُنَا. الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) التَّفْضِيلُ اللَّفْظِيُّ بِسَبَبٍ فِي الْإِضَافَةِ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ} [المجادلة: 22] أَضَافَهُمْ إلَيْهِ تَعَالَى لِيُشَرِّفَهُمْ بِهَا كَمَا أَضَافَ الْعُصَاةَ إلَى الشَّيْطَانِ فِي قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ} [المجادلة: 19] لِيُهِينَهُمْ بِهَا وَيُحَقِّرَهُمْ وقَوْله تَعَالَى {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج: 26] الْآيَةَ أَضَافَ الْبَيْتَ إلَيْهِ تَعَالَى لِيُشَرِّفَهُ بِهَا وقَوْله تَعَالَى {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ} [الأنفال: 41] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» شَرَّفَ الصَّوْمَ بِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ نَعَمْ لَا بُدَّ لِلتَّشْرِيفِ، أَوْ التَّحْقِيرِ بِالْإِضَافَةِ مِنْ أَسْبَابٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يُضِفْ حِزْبَهُ تَعَالَى إلَيْهِ إلَّا لِطَاعَتِهِمْ وَلَا حِزْبَ الشَّيْطَانِ إلَيْهِ إلَّا لِمَعْصِيَتِهِمْ وَلَا الْبَيْتَ إلَيْهِ تَعَالَى إلَّا لِكَوْنِهِ جَعَلَهُ مَحَلًّا لِمَا قُرِنَ بِهِ مِنْ الطَّاعَاتِ فِي الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَلَا الْعَبْدَ إلَيْهِ تَعَالَى إلَّا لِأَنَّهُ جَعَلَهُ صَفْوَةَ رُسُلِهِ وَخَاتَمَهُمْ وَلَا الصَّوْمَ لَهُ تَعَالَى إلَّا لِأَنَّهُ خَصَّهُ بِجَزَاءٍ لَمْ يُطْلِعْنَا عَلَى قَدْرِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ بَسْطُ الْخِلَافِ فِيهِ فَلَا تَغْفُلْ. (الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) التَّفْضِيلُ بِالْأَنْسَابِ وَالْأَسْبَابِ كَتَفْضِيلِ ذُرِّيَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى جَمِيعِ الذَّرَارِيِّ بِسَبَبِ نَسَبِهِمْ الْمُتَّصِلِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَتَفْضِيلِ نِسَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَمِيعِ النِّسَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: 32]

إلَيْهِ كَمَا أَضَافَ الْعُصَاةَ إلَى الشَّيْطَانِ لِيُهِينَهُمْ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَيُحَقِّرَهُمْ فِي قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ} [المجادلة: 19] وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج: 26] الْآيَةَ أَضَافَ الْبَيْتَ إلَيْهِ تَعَالَى لِيُشَرِّفَهُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ} [الأنفال: 41] وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» شَرَّفَ الصَّوْمَ بِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ. وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ هَذَا التَّشْرِيفِ الْمُوجِبِ لِهَذِهِ الْإِضَافَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهُ وَنَقْلُ الْمَذَاهِبِ فِيهِ فَهَذَا كُلُّهُ تَفْضِيلٌ بِالْإِضَافَةِ اللَّفْظِيَّةِ. (الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةَ عَشَرَ) التَّفْضِيلُ بِالْأَنْسَابِ وَالْأَسْبَابِ كَتَفْضِيلِ ذُرِّيَّتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى جَمِيعِ الذَّرَارِيِّ بِسَبَبِ نَسَبِهِمْ الْمُتَّصِلِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَتَفْضِيلِ نِسَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى جَمِيعِ النِّسَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} [الأحزاب: 32] وَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالِاخْتِصَاصِ بِهِ، وَإِنْ كُنَّ فِي هَذِهِ النِّسْبَةِ مُتَفَاوِتَاتٍ. (الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــSإهَانَتُهُ إلَّا بِمُجَرَّدِ الْإِضَافَةِ اللَّفْظِيَّةِ فَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَكَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ وَلَمْ يُضِفْ حِزْبَهُ تَعَالَى إلَيْهِ إلَّا لِطَاعَتِهِمْ وَلَمْ يُضِفْ حِزْبَ الشَّيْطَانِ إلَيْهِ إلَّا لِمَعْصِيَتِهِمْ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} [الحج: 26] لَيْسَتْ إضَافَةُ الْبَيْتِ إلَيْهِ تَعَالَى إلَّا لِكَوْنِهِ جَعَلَهُ مَحَلًّا لِمَا قُرِنَ بِهِ مِنْ الطَّاعَاتِ فِي الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [الأنفال: 41] لَيْسَتْ إضَافَةُ الْعَبْدِ إلَيْهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّهُ جَعَلَهُ صَفْوَةَ رُسُلِهِ وَخَاتَمَهُمْ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي الصَّوْمِ لَيْسَتْ الْإِضَافَةُ إلَّا لِأَنَّهُ خَصَّهُ بِجَزَاءٍ لَمْ يُطْلِعْنَا عَلَى قَدْرِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْإِضَافَةَ نَفْسَهَا هِيَ التَّشْرِيفُ، وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْأُمُورُ أَسْبَابًا لَهَا فَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَمَا قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةَ عَشَرَ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ فِي السَّادِسَةَ عَشَرَ إلَّا مَا حَكَاهُ عَنْ شَيْخِهِ عِزِّ الدِّينِ مِنْ مُلَاحَظَتِهِ فِي النُّبُوَّةِ جِهَةً أُخْرَى نُفَضِّلُهَا بِهِ عَلَى الرِّسَالَةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَصِحُّ مَا قَالَهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الرَّسُولُ نَبِيًّا وَأَمَّا وَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إذْ لَا اخْتِصَاصَ لِلنَّبِيِّ عَلَى الرَّسُولِ بِمَزِيَّةٍ يَقَعُ بِهَا التَّفْضِيلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةَ عَشَرَ صَحِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالِاخْتِصَاصِ بِهِ. وَإِنْ كُنَّ فِي هَذِهِ النِّسْبَةِ مُتَفَاوِتَاتٍ وَذَلِكَ أَنَّ نِسْبَةَ مَنْ دَخَلَ بِهِنَّ أَقْوَى مِنْ نِسْبَةِ مَنْ عَقَدَ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ، وَنِسْبَةَ مَنْ دَخَلَ وَلَمْ يُطَلِّقْهُنَّ أَقْوَى مِمَّنْ دَخَلَ وَطَلَّقَهُنَّ وَنِسْبَةَ مَنْ دَخَلَ وَطَلَّقَهُنَّ أَقْوَى مِمَّنْ فَارَقَهُنَّ قَبْلَ الدُّخُولِ وَنِسْبَةَ مَنْ فَارَقَهُنَّ قَبْلَهُ، أَوْ بَعْدَهُ عَلَى الْخِلَافِ أَقْوَى مِمَّنْ فَارَقَهُنَّ قَبْلَهُ بِاتِّفَاقٍ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْجَمَلِ عَنْ الْمَوَاهِبِ جُمْلَةُ مَنْ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ امْرَأَةً مَاتَ عَنْ عَشْرٍ، وَاحِدَةٍ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَهِيَ قَتِيلَةُ بِنْتُ قَيْسٍ وَتِسْعٍ دَخَلَ بِهِنَّ، جَمَعَهُنَّ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ تِسْعِ نِسْوَةٍ ... إلَيْهِنَّ تُعْزَى الْمَكْرُمَاتُ وَتُنْسَبُ فَعَائِشَةٌ مَيْمُونَةُ وَصَفِيَّةُ ... وَحَفْصَةُ تَتْلُوهُنَّ هِنْدٌ وَزَيْنَبُ جُوَيْرِيَةٌ مَعَ رَمْلَةٍ. ثُمَّ سَوْدَةٌ ... ثَلَاثٌ وَسِتٌّ نَظَمَهُنَّ مُهَذَّبُ وَمَاتَ فِي حَيَاتِهِ بِاتِّفَاقٍ أَرْبَعٌ ثِنْتَانِ بَعْدَ الدُّخُولِ وَهُمَا خَدِيجَةُ وَزَيْنَبُ أُمُّ الْمَسَاكِينِ وَثِنْتَانِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُمَا شُرَافُ بِنْتُ خَلِيفَةَ أُخْتُ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وَخَوْلَةُ بِنْتُ الْهُذَيْلِ وَفَارَقَ عَلَى خُلْفٍ فِي كَوْنِهِ بِطَلَاقٍ، أَوْ مَوْتٍ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ ثِنْتَيْنِ مُلَيْكَةَ بِنْتَ كَعْبٍ وَسَبَا بِنْتَ أَسْمَاءَ وَطَلَّقَ سَبْعًا بِاتِّفَاقٍ: بَعْدَ الدُّخُولِ بِاتِّفَاقٍ ثِنْتَيْنِ فَاطِمَةَ بِنْتَ الضَّحَّاكِ وَعَالِيَةَ بِنْتَ ظَبْيَانَ، وَقَبْلَهُ بِاتِّفَاقٍ ثَلَاثًا وَهُنَّ عَمْرَةُ بِنْتُ يَزِيدَ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ النُّعْمَانِ وَاَلَّتِي مِنْ غِفَارٍ، وَعَلَى خُلْفٍ فِي كَوْنِهِ بَعْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ ثِنْتَيْنِ وَهُمَا أُمُّ شَرِيكٍ الْقُرَشِيَّةُ وَالْمُسْتَقِيلَةُ الَّتِي جُهِلَ حَالُهَا وَهِيَ لَيْلَى بِنْتُ الْخَطِيمِ فَجُمْلَةُ الْمُتَّفَقِ عَلَى دُخُولِهِ بِهِنَّ وَلَمْ يُطَلِّقْهُنَّ إحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً سِتٌّ مِنْ قُرَيْشٍ خَدِيجَةُ وَعَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَأُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَأُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ وَسَوْدَةُ بِنْتُ زِمْعَةَ وَأَرْبَعُ عَرَبِيَّاتٍ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةُ وَزَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ الْهِلَالِيَّةُ أُمُّ الْمَسَاكِينِ وَجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْخُزَاعِيَّةُ الْمُصْطَلِقِيَّةُ وَوَاحِدَةٌ غَيْرُ عَرَبِيَّةٍ وَهِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ مَاتَ فِي حَيَاتِهِ مِنْهُنَّ ثِنْتَانِ خَدِيجَةُ وَزَيْنَبُ أُمُّ الْمَسَاكِينِ وَتُوُفِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبَاقِي وَالْمُتَّفَقُ عَلَى مَنْ دَخَلَ وَطَلَّقَ بَعْدَهُ ثِنْتَانِ فَاطِمَةُ بِنْتُ الضِّحَاكِ وَعَالِيَةُ بِنْتُ ظَبْيَانَ اهـ بِتَلْخِيصٍ وَتَصَرُّفٍ وَزِيَادَةٍ. وَأَمَّا تَفْضِيلُ خَدِيجَةَ وَعَائِشَةَ عَلَى بَاقِيهِنَّ وَالْخِلَافُ فِي أَفْضَلِهِمَا فَلَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ بَلْ إمَّا مِنْ جِهَةِ الْأَحْوَالِ وَكَثْرَةِ الْخِصَالِ الْجَمِيلَةِ فَيُسْتَحْسَنُ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ الَّذِي أَخْتَارُهُ الْآنَ أَنَّ الْأَفْضَلِيَّةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَحْوَالٍ فَعَائِشَةُ أَفْضَلُهُنَّ مِنْ حَيْثُ الْعِلْمُ وَخَدِيجَةُ مِنْ حَيْثُ تَقَدُّمُهَا، وَإِعَانَتُهَا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ الثَّوَابِ فَيَكُونُ الْأَقْرَبُ الْوَقْفَ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ كَمَا فِي عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ قَالَ: وَفِي كَلَامِ الْبُرْهَانِ الْحَلَبِيِّ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ تَلِي عَائِشَةَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا - وَلَمْ يَقِفْ أُسْتَاذُنَا عَلَى نَصٍّ فِي بَاقِيهِنَّ وَلَا فِي مُفَاضَلَةِ بَعْضِ أَبْنَائِهِ الذُّكُورِ عَلَى بَعْضٍ وَلَا فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبَنَاتِ الشَّرِيفَاتِ سِوَى مَا شَرَّفَ اللَّهُ بِهِ الذُّكُورَ عَلَى الْإِنَاثِ مُطْلَقًا وَلَا بَيْنَهُنَّ سِوَى فَاطِمَةَ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ بَنَاتِهِ الْكَرِيمَاتِ وَلَا بَيْنَ بَاقِي الْبَنَاتِ سِوَى فَاطِمَةَ مَعَ الزَّوْجَاتِ الطَّاهِرَاتِ، وَإِنْ جَرَتْ عِلَّةُ فَاطِمَةَ بِالْبِضْعِيَّةِ فِي الْجَمِيعِ فَالْوَقْفُ أَسْلَمُ اهـ. قَالَ الْأَمِيرُ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَلَوِيُّ أَوْلَادُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذُّكُورُ ثَلَاثَةٌ عَبْدُ اللَّهِ وَيُلَقَّبُ بِالطَّيِّبِ وَبِالطَّاهِرِ فَلَهُ

عَشَرَ) التَّفْضِيلُ بِالثَّمَرَةِ وَالْجَدْوَى كَتَفْضِيلِ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُثْمِرُ صَلَاحَ الْخَلْقِ وَهِدَايَتَهُمْ إلَى الْحَقِّ بِالتَّعْلِيمِ وَالْإِرْشَادِ، وَالْعِبَادَةُ قَاصِرَةٌ عَلَى مَحَلِّهَا وَاجْتَمَعَ يَوْمًا عَالِمَانِ عَظِيمَانِ أَحَدُهُمَا يَعْلَمُ الْمَعْقُولَاتِ وَالْهَنْدَسِيَّاتِ وَالْآخَرُ عَالِمٌ بِالسَّمْعِيَّاتِ وَالشَّرْعِيَّاتِ فَقَالَ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي: الْهَنْدَسَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّهَا قَطْعِيَّةٌ، وَالْفِقْهُ مَظْنُونٌ وَالْقَطْعُ أَفْضَلُ مِنْ الظَّنِّ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: صَدَقْتَ، مِنْ هَذَا الْوَجْهِ هِيَ أَفْضَلُ، غَيْرَ أَنَّ الْفِقْهَ أَفْضَلُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يُثْمِرُ سَعَادَةَ الْآخِرَةِ. وَنَعِيمَ الْجِنَانِ، وَرِضْوَانَ الرَّحْمَنِ، وَالْهَنْدَسَةُ لَا تُفِيدُ ذَلِكَ فَوَافَقَهُ الْآخَرُ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَا مُتَنَاصِفَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْعِلْمِ مَوْضُوعَاتُهُ أَيْ تَآلِيفُهُ فَيَنْتَفِعُ الْأَبْنَاءُ بَعْدَ الْآبَاءِ وَالْأَخْلَافُ بَعْدَ الْأَسْلَافِ وَالْعِبَادَةُ تَنْقَطِعُ مِنْ حِينِهَا وَثَمَرَةُ الْعِلْمِ وَهِدَايَتُهُ تَبْقَى إلَى يَوْمِ الدِّينِ وَجَاءَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الرِّسَالَةُ أَفْضَلُ مِنْ النُّبُوَّةِ فَإِنَّ الرِّسَالَةَ مُثْمِرَةٌ الْهِدَايَةَ لِلْأُمَّةِ الْمُرْسَلِ إلَيْهَا وَالنُّبُوَّةَ قَاصِرَةٌ عَلَى النَّبِيِّ فَنِسْبَتُهَا إلَى النُّبُوَّةِ كَنِسْبَةِ الْعَالِمِ لِلْعَابِدِ وَكَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُلَاحِظُ فِي النُّبُوَّةِ جِهَةً أُخْرَى يُفَضِّلُهَا بِهَا عَلَى الرِّسَالَةِ فَكَانَ يَقُولُ: النُّبُوَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى نَبِيَّهُ بِإِنْشَاءِ حُكْمٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] فَهَذَا وُجُوبٌ مُتَعَلِّقٌ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالرِّسَالَةُ خِطَابٌ يَتَعَلَّقُ بِالْأُمَّةِ، وَالرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ الْأُمَّةِ، وَالْخِطَابُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ فَيَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ جِهَةِ شَرَفِ الْمُتَعَلَّقِ فَإِنَّ النُّبُوَّةَ هُوَ مُتَعَلَّقُهَا وَالرِّسَالَةُ مُتَعَلَّقُهَا الْأُمَّةُ، وَإِنَّمَا حَظُّهُ مِنْهَا التَّبْلِيغُ فَهَذَانِ وَجْهَانِ مُتَعَارِضَانِ كَمَا يُقَالُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى: إنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْحَيَاةِ لِأَجْلِ التَّعَلُّقِ الَّذِي لَهُ وَالْحَيَاةُ لَا مُتَعَلَّقَ لَهَا وَيُلَاحَظُ فِي الْحَيَاةِ جِهَةٌ أُخْرَى هِيَ بِهَا أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ لِلْعِلْمِ، وَالْعِلْمُ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهَا وَهِيَ لَيْسَتْ مُتَوَقِّفَةً عَلَى الْعِلْمِ فِي ذَاتِهَا، وَالْعِلْمُ لَيْسَ شَرْطًا فِيهَا فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْحَقِيقَةِ الْوَاحِدَةِ شَرَفٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ. (الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةَ عَشَرَ) التَّفْضِيلُ بِأَكْثَرِيَّةِ الثَّمَرَةِ بِأَنْ تَكُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَقَبَانِ زِيَادَةً عَلَى الِاسْمِ وَالْقَاسِمُ، وَإِبْرَاهِيمُ وَالْإِنَاثُ أَرْبَعَةٌ زَيْنَبُ وَرُقَيَّةُ وَأُمُّ كُلْثُومٍ وَفَاطِمَةُ وَيَنْبَغِي حِفْظُهُمْ وَمَعْرِفَتُهُمْ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدُنَا وَيَقْبُحُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ لَا يَعْرِفَ أَوْلَادَ سَيِّدِهِ اهـ وَكُلُّهُمْ مِنْ خَدِيجَةَ إلَّا إبْرَاهِيمَ فَمِنْ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقَسُ مِنْ مِصْرَ اهـ. وَقَدْ جَمَعْتُ أَوْلَادَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِي لِيَسْهُلَ حِفْظُهُمْ: أَوْلَادُ طَه سَبْعَةٌ أَطْهَارٌ ... ذُكُورُهُمْ ثَلَاثَةٌ أَبْرَارُ الْقَاسِمُ إبْرَاهِيمُ عَبْدُ اللَّهِ ذَا ... بِالطَّيِّبِ الطَّاهِرِ تَلْقِيبًا خُذَا وَأَرْبَعٌ إنَاثُهُمْ فَاطِمَةُ ... فَأُمُّ كُلْثُومٍ كَذَا رُقَيَّةُ فَزَيْنَبٌ وَأُمُّهُمْ خَدِيجَةُ ... لَكِنْ لِإِبْرَاهِيمَ مَارِيَةُ ، وَفِي الْجُمَلِ عَنْ الْمَوَاهِبِ وَخَطَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَمَانِيَ نِسْوَةٍ وَلَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهِنَّ بِاتِّفَاقٍ، وَسَرَارِيُّهُ الَّتِي دَخَلَ عَلَيْهِنَّ بِالْمِلْكِ أَرْبَعٌ مَارِيَةُ الْقِبْطِيَّةُ وَرَيْحَانَةُ بِنْتُ شَمْعُونَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَقِيلَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ وَالثَّالِثَةُ وَهَبَتْهَا لَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ وَاسْمُهَا نَفِيسَةُ وَالرَّابِعَةُ أَصَابَهَا فِي بَعْضِ السَّبْيِ وَلَمْ يُعْرَفْ اسْمُهَا اهـ. (الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) التَّفْضِيلُ بِالثَّمَرَةِ وَالْجَدْوَى كَتَفْضِيلِ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُثْمِرُ صَلَاحَ الْخَلْقِ وَهِدَايَتَهُمْ إلَى الْحَقِّ بِالتَّعْلِيمِ وَالْإِرْشَادِ وَالْعِبَادَةُ قَاصِرَةٌ عَلَى مَحَلِّهَا وَلِأَنَّ ثَمَرَاتِ الْعِلْمِ مِنْ مَوْضُوعَاتِهِ أَيْ تَآلِيفِهِ، وَهِدَايَتُهُ مُتَعَلِّمِيهِ تَبْقَى إلَى يَوْمِ الدِّينِ فَيَنْتَفِعُ بِهَا الْأَبْنَاءُ بَعْدَ الْآبَاءِ وَالْأَخْلَافُ بَعْدَ الْأَسْلَافِ وَالْعِبَادَةُ تَنْقَطِعُ مِنْ حِينِهَا وَكَتَفْضِيلِ الرِّسَالَةِ عَلَى النُّبُوَّةِ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ تُثْمِرُ الْهِدَايَةَ لِلْأُمَّةِ الْمُرْسَلِ إلَيْهَا، وَالنُّبُوَّةَ قَاصِرَةٌ عَلَى النَّبِيِّ فَنِسْبَتُهَا إلَى النُّبُوَّةِ كَنِسْبَةِ الْعَالِمِ لِلْعَابِدِ وَلَيْسَ لِلنُّبُوَّةِ جِهَةٌ أُخْرَى نُفَضِّلُهَا بِهَا عَلَى الرِّسَالَةِ وَتَكُونُ مُعَارِضَةً لِجِهَةِ تَفْضِيلِ الرِّسَالَةِ عَلَيْهَا حَتَّى يُحْتَاجَ أَنْ يُقَالَ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْحَقِيقَةِ الْوَاحِدَةِ شَرَفٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ. وَأَمَّا مُلَاحَظَةُ الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي النُّبُوَّةِ جِهَةً أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى نَبِيَّهُ بِإِنْشَاءِ حُكْمٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] فَهَذَا وُجُوبٌ مُتَعَلِّقٌ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالرِّسَالَةُ عِبَارَةٌ عَنْ خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقِ بِالْأُمَّةِ، وَإِنَّمَا حَظُّ الرَّسُولِ مِنْهَا التَّبْلِيغُ فَتَكُونُ أَفْضَلَ بِجِهَةِ شَرَفِ الْمُتَعَلِّقِ مِنْ الرِّسَالَةِ فَإِنَّمَا تَصِحُّ لَوْ لَمْ يَكُنْ الرَّسُولُ نَبِيًّا، وَأَمَّا وَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ فَلَا يَصِحُّ مُلَاحَظَةُ ذَلِكَ إذْ لَا اخْتِصَاصَ لِلنَّبِيِّ عَلَى الرَّسُولِ بِمَزِيَّةٍ يَقَعُ بِهَا التَّفْضِيلُ قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ نَعَمْ وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ جِهَتَيْنِ مِنْ جِهَاتِ التَّفْضِيلِ فِي صِفَتَيْ عِلْمِهِ تَعَالَى وَحَيَاتِهِ وَفِي عِلْمَيْ الْفِقْهِ وَالْهَنْدَسَةِ أَمَّا فِي الْعِلْمَيْنِ فَقَدْ حَكَى الْأَصْلُ أَنَّهُ اجْتَمَعَ يَوْمًا عَالِمَانِ عَظِيمَانِ أَحَدُهُمَا يَعْلَمُ الْمَعْقُولَاتِ وَالْهَنْدَسِيَّاتِ وَالْآخَرُ عَالِمٌ بِالسَّمْعِيَّاتِ وَالشَّرْعِيَّاتِ فَقَالَ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي: الْهَنْدَسَةُ أَفْضَلُ مِنْ الْفِقْهِ لِأَنَّهَا قَطْعِيَّةٌ وَالْفِقْهُ مَظْنُونٌ وَالْقَطْعُ أَفْضَلُ مِنْ الظَّنِّ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ صَدَقْت مِنْ هَذَا الْوَجْهِ هِيَ أَفْضَلُ، غَيْرَ أَنَّ الْفِقْهَ أَفْضَلُ مِنْهَا لِأَنَّهُ يُثْمِرُ سَعَادَةَ الْآخِرَةِ وَنَعِيمَ الْجِنَانِ وَرِضْوَانَ الرَّحْمَنِ، وَالْهَنْدَسَةُ لَا تُفِيدُ ذَلِكَ فَوَافَقَهُ الْآخَرُ عَلَى ذَلِكَ وَكَانَا مُتَنَاصِفَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا فِي الْوَصْفَيْنِ فَقَالَ الْأَصْلُ: عِلْمُهُ تَعَالَى أَفْضَلُ مِنْ الْحَيَاةِ مِنْ جِهَةِ التَّعَلُّقِ الَّذِي لَهُ وَالْحَيَاةُ لَا تَعَلُّقَ لَهَا وَحَيَاتُهُ تَعَالَى أَفْضَلُ مِنْ الْعِلْمِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا شَرْطٌ فِيهِ وَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهَا وَهِيَ فِي ذَاتِهَا لَيْسَتْ مُتَوَقِّفَةً عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا فِيهَا وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْحَقِيقَةِ الْوَاحِدَةِ شَرَفٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ. (الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) التَّفْضِيلُ بِأَكْثَرِيَّةِ الثَّمَرَةِ بِأَنْ تَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْحَقِيقَتَيْنِ ثَمَرَةٌ إلَّا أَنَّ ثَمَرَةَ إحْدَاهُمَا أَعْظَمُ وَجَدْوَاهَا أَكْثَرُ فَتَكُونُ، وَلَهُ أَمْثِلَةٌ أَحَدُهَا

الْحَقِيقَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لَهَا ثَمَرَةٌ وَهِيَ مُثْمِرَةٌ، غَيْرَ أَنَّ إحْدَى الْحَقِيقَتَيْنِ ثَمَرَتُهَا أَعْظَمُ وَجَدْوَاهَا أَكْثَرُ فَتَكُونُ أَفْضَلَ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ أَحَدُهَا الْفِقْهُ وَالْهَنْدَسَةُ كِلَاهُمَا مُثْمِرٌ أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً؛ لِأَنَّ الْهَنْدَسَةَ يُسْتَعَانُ بِهَا فِي الْحِسَابِ وَالْمِسَاحَاتِ وَالْحِسَابُ يَدْخُلُ فِي الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا، وَالْمِسَاحَاتُ تَدْخُلُ فِي الْإِجَارَاتِ وَنَحْوِهَا وَمِنْ نَوَادِرِ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا الْحِسَابُ الْمَسْأَلَةُ الْمَحْكِيَّةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا خَمْسَةُ أَرْغِفَةٍ وَمَعَ الْآخَرِ ثَلَاثَةٌ فَجَلَسَا يَأْكُلَانِ فَجَلَسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ يَأْكُلُ مَعَهُمَا. ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَكْلِ دَفَعَ لَهُمَا الَّذِي أَكَلَ مَعَهُمَا ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ وَقَالَ: اقْسِمَا هَذِهِ الدَّرَاهِمَ عَلَى قَدْرِ مَا أَكَلْته لَكُمَا فَقَالَ صَاحِبُ الثَّلَاثَةِ: إنَّهُ أَكَلَ نِصْفَ أَكْلِهِ مِنْ أَرْغِفَتِي وَنِصْفَ أَكْلِهِ مِنْ أَرْغِفَتِك فَأَعْطِنِي النِّصْفَ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ لَا أُعْطِيك إلَّا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ لِي خَمْسَةَ أَرْغِفَةٍ فَآخُذُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَلَك ثَلَاثَةُ أَرْغِفَةٍ تَأْخُذُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَحَلَفَ صَاحِبُ الثَّلَاثَةِ لَا يَأْخُذُ إلَّا مَا حَكَمَ بِهِ الشَّرْعُ فَتَرَافَعَا إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَحَكَمَ لِصَاحِبِ الثَّلَاثَةِ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ وَلِصَاحِبِ الْخَمْسَةِ بِسَبْعَةِ دَرَاهِمَ فَشَكَا مِنْ ذَلِكَ صَاحِبُ الثَّلَاثَةِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الْأَرْغِفَةُ ثَمَانِيَةٌ وَأَنْتُمْ ثَلَاثَةٌ أَكَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ ثَلَاثَةَ أَرْغِفَةٍ إلَّا ثُلُثًا بَقِيَ لَك ثُلُثٌ مِنْ أَرْغِفَتِك أَكَلَهُ صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ وَأَكَلَ صَاحِبُك مِنْ أَرْغِفَتِهِ ثَلَاثَةً إلَّا ثُلُثًا وَهِيَ خَمْسَةٌ يَبْقَى لَهُ رَغِيفَانِ وَثُلُثٌ وَذَلِكَ سَبْعَةُ أَثْلَاثٍ أَكَلَهَا صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ فَأَكَلَ لَك ثُلُثًا وَلَهُ سَبْعَةَ أَثْلَاثٍ فَيَكُونُ لَك دِرْهَمٌ وَلَهُ سَبْعَةُ دَرَاهِمَ فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ فِقْهِيَّةٌ يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْفَقِيهُ الْمُفْتِي وَالْقَاضِي الْمُلْزِمُ وَهِيَ لَا تُعْلَمُ إلَّا بِدَقِيقِ الْحِسَابِ كَمَا تَرَى وَمِنْ مَسَائِلِ الْمِسَاحَةِ الْغَرِيبَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْفِقْهِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَحْفِرُ لَهُ بِئْرًا عَشَرَةً فِي عَشَرَةٍ طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا، جَمِيعُ ذَلِكَ عَشَرَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَحَفَرَ لَهُ بِئْرًا خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ فَاخْتُلِفَ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْأُجْرَةِ فَقَالَ ضُعَفَاءُ الْفُقَهَاءِ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ النِّصْفَ. وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ يَسْتَحِقُّ الثُّمُنَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفِقْهُ وَالْهَنْدَسَةُ كِلَاهُمَا مُثْمِرٌ أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً أَمَّا الْفِقْهُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْهَنْدَسَةُ فَلِأَنَّهَا يُسْتَعَانُ بِهَا فِي الْحِسَابِ وَالْمِسَاحَاتِ. وَالْحِسَابُ يَدْخُلُ فِي الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا، وَالْمِسَاحَاتُ تَدْخُلُ فِي الْإِجَارَاتِ وَنَحْوِهَا وَمِنْ نَوَادِرِ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْفَقِيهُ الْمُفْتِي وَالْقَاضِي الْمُلْزِمُ وَهِيَ لَا تُعْلَمُ إلَّا بِدَقِيقِ الْحِسَابِ الْمَسْأَلَةُ الْمَحْكِيَّةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَهِيَ أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا خَمْسَةُ أَرْغِفَةٍ وَمَعَ الْآخَرِ ثَلَاثَةٌ فَجَلَسَا يَأْكُلَانِ فَجَلَسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ يَأْكُلُ مَعَهُمَا، ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَكْلِ دَفَعَ الثَّالِثُ لَهُمَا ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ وَقَالَ اقْسِمَا هَذِهِ الدَّرَاهِمَ عَلَى قَدْرِ مَا أَكَلْته لَكُمَا فَقَالَ صَاحِبُ الثَّلَاثَةِ إنَّهُ أَكَلَ نِصْفَ أَكْلِهِ مِنْ أَرْغِفَتِي وَنِصْفَ أَكْلِهِ مِنْ أَرْغِفَتِك فَأَعْطِنِي النِّصْفَ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ لَا أُعْطِيك إلَّا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ لِأَنَّ لِي خَمْسَةَ أَرْغِفَةٍ فَآخُذُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَلَك ثَلَاثَةُ أَرْغِفَةٍ تَأْخُذُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَحَلَفَ صَاحِبُ الثَّلَاثَةِ لَا يَأْخُذُ إلَّا مَا حَكَمَ بِهِ الشَّرْعُ فَتَرَافَعَا إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَحَكَمَ لِصَاحِبِ الثَّلَاثَةِ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ وَلِصَاحِبِ الْخَمْسَةِ بِسَبْعَةِ دَرَاهِمَ فَشَكَا مِنْ ذَلِكَ صَاحِبُ الثَّلَاثَةِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْأَرْغِفَةُ ثَمَانِيَةٌ وَأَنْتُمْ ثَلَاثَةٌ أَكَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ ثَلَاثَةً إلَّا ثُلُثًا فَبَقِيَ مِنْ أَرْغِفَتِك بَعْدَ أَكْلِك ثُلُثُ رَغِيفٍ أَكَلَهُ صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ وَبَقِيَ بَعْدَ أَكْلِ صَاحِبِ الْخَمْسَةِ رَغِيفَانِ وَثُلُثٌ وَذَلِكَ سَبْعَةُ أَثْلَاثٍ أَكَلَهَا صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ فَيَكُونُ لَك دِرْهَمٌ وَاحِدٌ فِي مُقَابَلَةِ الثُّلُثِ الَّذِي أَكَلَهُ لَك وَلِصَاحِبِ الْخَمْسَةِ سَبْعَةُ دَرَاهِمَ فِي مُقَابَلَةِ سَبْعَةٍ إلَّا ثَلَاثٍ الَّتِي أَكَلَهَا لَهُ وَمِنْ غَرَائِبِ الْمَسَائِلِ الْمِسَاحِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْفِقْهِ وَيَحْتَاجُ إلَيْهَا الْفَقِيهُ الْمُفْتِي وَالْقَاضِي الْمُلْزِمُ مَسْأَلَةُ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَحْفِرُ لَهُ بِئْرًا عَشَرَةَ أَذْرُعٍ طُولًا فِي عَشَرَةٍ عَرْضًا فِي عَشَرَةٍ عُمْقًا بِأُجْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَحَفَرَ لَهُ بِئْرًا خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ فَاخْتُلِفَ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْأُجْرَةِ فَقَالَ ضُعَفَاءُ الْفُقَهَاءِ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ لِأَنَّهُ عَمِلَ النِّصْفَ. وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ يَسْتَحِقُّ الثُّمُنَ لِأَنَّهُ عَمِلَ الثُّمُنَ وَذَلِكَ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَلْفِ ذِرَاعٍ بِسَبَبِ أَنَّ الذِّرَاعَ الْأَوَّلَ مِنْ الْعَشَرَةِ لَوْ عُمِلَ وَبُسِطَ عَلَى الْأَرْضِ وَمُسِحَ كَانَ حَصِيرًا طُولُهُ عَشَرَةٌ وَعَرْضُهُ عَشَرَةٌ وَمِسَاحَتُهُ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ بِمِائَةٍ فَالذِّرَاعُ الْأَوَّلُ تَحَصُّلُ مِسَاحَتِهِ مِائَةٌ وَهِيَ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فِي عَشَرَةٍ، وَمِائَةٌ فِي عَشَرَةٍ بِأَلْفٍ وَلَمْ يَعْمَلْ إلَّا مِائَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ بِسَبَبِ أَنَّ الذِّرَاعَ الْأَوَّلَ مِنْ الْخَمْسَةِ مِسَاحَتُهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَهِيَ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فِي خَمْسَةٍ بِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، وَنِسْبَةُ مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى الْأَلْفِ نِسْبَةُ الثُّمُنِ فَيَسْتَحِقُّ الثُّمُنَ مِنْ الْأُجْرَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَمِلَ ثُمُنَ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ، وَأَمْثَالُ هَذِهِ الدَّقَائِقِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا تَحْصُلُ إلَّا مِنْ الْهَنْدَسَةِ فَإِنَّ عِلْمَ الْهَنْدَسَةِ يَشْمَلُ الْحِسَابَ وَالْمِسَاحَةَ وَغَيْرَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً، غَيْرَ أَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَسَائِلِ الْفِقْهِ قَلِيلَةٌ فَثَمَرَةُ الْفِقْهِ أَعْظَمُ مِنْ ثَمَرَةِ الْهَنْدَسَةِ فَيَكُونُ أَفْضَلَ مِنْهَا. وَثَانِيهَا عِلْمُ النَّحْوِ وَعِلْمُ الْمَنْطِقِ كِلَاهُمَا لَهُ ثَمَرَةٌ جَلِيلَةٌ غَيْرَ أَنَّ ثَمَرَةَ النَّحْوِ أَعْظَمُ بِسَبَبِ أَنَّهُ يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَلَامِ الْعَرَبِ فِي نُطْقِ اللِّسَانِ وَكِتَابَةِ الْيَدِ فَإِنَّ اللَّحْنَ كَمَا يَقَعُ فِي اللَّفْظِ يَقَعُ فِي الْكِتَابَةِ وَيُسْتَعَانُ بِهِ فِي الْفِقْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا عُلِمَ فِي مَوَاضِعِهِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْمَنْطِقِ إلَّا فِي ضَبْطِ الْمَعَانِي الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَرَاهِينِ وَالْحُدُودِ خَاصَّةً وَأَيْضًا الْعَقْلُ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَهْتَدِي لِتَقْوِيمِ اللِّسَانِ

لِأَنَّهُ عَمِلَ الثُّمُنَ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى عَشَرَةٍ فِي عَشَرَةٍ وَذَلِكَ أَلْفُ ذِرَاعٍ بِسَبَبِ أَنَّ الذِّرَاعَ الْأَوَّلَ مِنْ الْعَشَرَةِ لَوْ عُمِلَ وَبُسِطَ عَلَى الْأَرْضِ وَمُسِحَ كَانَ حَصِيرًا طُولُهُ عَشَرَةٌ وَعَرْضُهُ عَشَرَةٌ وَمَسَّاحَتُهُ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ بِمِائَةٍ، فَالذِّرَاعُ الْأَوَّلُ تَحْصُلُ مِسَاحَتُهُ مِائَةٌ وَهِيَ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فِي عَشَرَةٍ وَمِائَةٌ فِي عَشَرَةٍ بِأَلْفٍ وَعَمِلَ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ فَالذِّرَاعُ الْأَوَّلُ لَوْ بُسِطَ عَلَى الْأَرْضِ تُرَابًا عَلَى وَجْهِهِ لَكَانَ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ، وَخَمْسَةٌ فِي خَمْسَةٍ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَالذِّرَاعُ مِسَاحَتُهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَهِيَ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ، وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فِي خَمْسَةٍ بِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، وَنِسْبَةُ مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى الْأَلْفِ نِسْبَةُ الثُّمُنِ فَيَسْتَحِقُّ الثُّمُنَ مِنْ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَمِلَ ثُمُنَ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ وَهَذِهِ الدَّقَائِقُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إنَّمَا تَحْصُلُ مِنْ الْهَنْدَسَةِ فَإِنَّ عِلْمَ الْهَنْدَسَةِ يَشْمَلُ الْحِسَابَ وَالْمِسَاحَةَ وَغَيْرَهُمَا وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ. وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً، غَيْرَ أَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَسَائِلِ الْفِقْهِ قَلِيلَةٌ فَثَمَرَةُ الْفِقْهِ أَعْظَمُ مِنْ ثَمَرَةِ الْهَنْدَسَةِ فَيَكُونُ أَفْضَلَ مِنْهَا. وَثَانِيهَا عِلْمُ النَّحْوِ وَعِلْمُ الْمَنْطِقِ كِلَاهُمَا لَهُ ثَمَرَةٌ جَلِيلَةٌ، غَيْرَ أَنَّ ثَمَرَةَ النَّحْوِ أَعْظَمُ بِسَبَبِ أَنَّهُ يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَلَامِ الْعَرَبِ فِي نُطْقِ اللِّسَانِ وَكِتَابَةِ الْيَدِ فَإِنَّ اللَّحْنَ يَقَعُ فِي الْكِتَابَةِ وَفِي اللَّفْظِ وَيُسْتَعَانُ بِهِ فِي الْفِقْهِ وَفِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا عُلِمَ فِي مَوَاضِعِهِ. وَأَمَّا الْمَنْطِقُ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي ضَبْطِ الْمَعَانِي الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَرَاهِينِ وَالْحُدُودِ خَاصَّةً وَقَدْ يَكْفِي فِيهَا الطَّبْعُ السَّلِيمُ وَالْعَقْلُ الْمُسْتَقِيمُ وَلَا يَهْتَدِي الْعَقْلُ بِمُجَرَّدِهِ لِتَقْوِيمِ اللِّسَانِ وَسَلَامَتِهِ مِنْ اللَّحْنِ فَإِنَّهَا أُمُورٌ سَمْعِيَّةٌ وَلَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِيهَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّحْوِ بِالضَّرُورَةِ فِيهَا، وَالْمَنْطِقُ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِصَفَاءِ الْعَقْلِ فَصَارَتْ الْحَاجَةُ لِلنَّحْوِ أَعْظَمَ، وَثَمَرَتُهُ أَكْثَرَ فَيَكُونُ أَفْضَلَ. وَثَالِثُهَا عِلْمُ النَّحْوِ مَعَ عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ كِلَاهُمَا مُثْمِرٌ غَيْرَ أَنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ يُثْمِرُ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ فَإِنَّهَا مِنْهُ تُؤْخَذُ فَالشَّرِيعَةُ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أُصُولِ الْفِقْهِ، وَالنَّحْوُ إنَّمَا أَثَرُهُ فِي تَصْحِيحِ الْأَلْفَاظِ وَبَعْضِ الْمَعَانِي ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَسَلَامَتِهِ مِنْ اللَّحْنِ لِأَنَّهَا أُمُورٌ سَمْعِيَّةٌ وَلَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِيهَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّحْوِ بِالضَّرُورَةِ فِيهَا وَالْمَنْطِقُ يَكْفِي فِي مَعْرِفَةِ قَوَاعِدِهِ الطَّبْعُ السَّلِيمُ وَالْعَقْلُ الْمُسْتَقِيمُ فَيُسْتَغْنَى عَنْهُ بِصَفَاءِ الْعَقْلِ فَصَارَتْ الْحَاجَةُ لِلنَّحْوِ أَعْظَمَ وَثَمَرَتُهُ أَكْثَرَ فَيَكُونُ أَفْضَلَ وَثَالِثُهَا عِلْمُ النَّحْوِ مَعَ عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ كِلَاهُمَا مُثْمِرٌ غَيْرَ أَنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الشَّرِيعَةَ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهِ فَلَا تُؤْخَذُ أَحْكَامُهَا إلَّا مِنْهُ فَهِيَ ثَمَرَتُهُ وَالنَّحْوُ إنَّمَا أَثَرُهُ فِي تَصْحِيحِ الْأَلْفَاظِ، وَبَعْضُ الْمَعَانِي وَالْأَلْفَاظِ إنَّمَا هِيَ وَسَائِلُ وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ مَقَاصِدُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَلْفَاظِ وَالْمَقَاصِدُ أَفْضَلُ مِنْ الْوَسَائِلِ (الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) التَّفْضِيلُ بِالتَّأْثِيرِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: أَحَدُهَا تَفْضِيلُ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ فِي تَحْصِيلِ وُجُودِ الْمُمْكِنَاتِ، وَإِرَادَتِهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ لِلتَّخْصِيصِ فِي الْمُمْكِنَاتِ بِزَمَانِهَا وَصِفَاتِهَا الْجَائِزَةِ عَلَيْهَا عَلَى سَائِرِ صِفَاتِ الْمَعَانِي السَّبْعَةِ إذْ لَا تَأْثِيرَ فِي غَيْرِهِمَا مِنْهَا. وَثَانِيهَا تَفْضِيلُ صَاحِبِ الشَّرْعِ الْحَيَاءَ عَلَى ضِدِّهِ وَهُوَ الْقِحَةُ فَقَالَ الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إلَّا بِخَيْرٍ الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ بِسَبَبِ أَنَّ الْحَيَاءَ يُؤَثِّرُ الْحَثَّ عَلَى الْخَيْرَاتِ وَالزَّجْرَ عَنْ الْمُنْكَرَاتِ، وَالِقْحَةَ لَا يَنْزَجِرُ صَاحِبُهَا عَنْ مَكْرُوهٍ وَلَا تَحُثُّهُ عَلَى مَعْرُوفٍ. وَثَالِثُهَا تَفْضِيلُ صَاحِبِ الشَّرْعِ الشَّجَاعَةَ عَلَى الْجُبْنِ بِسَبَبِ أَنَّ الشَّجَاعَةَ تَحُثُّ عَلَى رَدْءِ الْأَعْدَاءِ وَنُصْرَةِ الْجَارِ وَدَفْعِ الْعَارِ، وَالْجُبْنَ لَا يَأْتِي مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. وَرَابِعُهَا تَفْضِيلُ صَاحِبِ الشَّرْعِ السَّخَاءَ عَلَى الْبُخْلِ كَمَا وَرَدَ «الْكَرِيمُ حَبِيبُ اللَّهِ» لِأَنَّ السَّخَاءَ يُؤَثِّرُ الْحَنَانَةَ، وَالشَّفَقَةَ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَهُوَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَجَلْبِ الْقُلُوبِ بِخِلَافِ الْبُخْلِ فَإِنَّهُ مِنْ طِبَاعِ اللِّئَامِ كَذَا قَالَ الْأَصْلُ وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَفِيمَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ نَظَرٌ اهـ. قُلْت: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ نَسَبَ التَّأْثِيرَ لِلْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَهُوَ لَا يُنْسَبُ حَقِيقَةً إلَّا لِلذَّاتِ وَقَوْلُهُمْ الْقُدْرَةُ فَعَّالَةٌ مَجَازٌ لَا كُفْرٌ مَا لَمْ يُرِدْ الِانْفِكَاكَ وَالِاسْتِقْلَالَ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ قَالَ وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ لِذَلِكَ كَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ بِهَا فِي تَعْرِيفِ الْقُدْرَةِ عُرْفًا بِأَنَّهَا صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ يَتَأَتَّى بِهَا إيجَادُ كُلِّ مُمْكِنٍ، وَإِعْدَامُهُ عَلَى وَفْقِ الْإِرَادَةِ اهـ. لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلِقَ لَفْظَ وَاسِطَةٍ، أَوْ يُمَثِّلَ بِالْآلَةِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَسُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَيُقْتَصَرُ لِلْقَاصِرِينَ عَلَى قَوْلِنَا اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، وَإِلَّا جَاءَ قَوْلُ الشَّاعِرِ: وَكَانَ مُضِلِّي مَنْ هُدِيتُ بِرُشْدِهِ قَالَ وَفِي الْيَوَاقِيتِ عَنْ ابْنِ عَرَبِيٍّ فِي شَرْحِ تَرْجُمَانِ الْأَشْوَاقِ أَنَّ تَعَلُّقَ الْقُدْرَةِ بِالْمَقْدُورِ مِنْ سِرِّ الْقَدَرِ، وَسِرُّ الْقَدَرِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا أَفْرَادٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ طَوَى عِلْمَهُ عَنْ سَائِرِ الْخَلْقِ مَا عَدَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ وَرِثَهُ فِيهِ «كَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُ يَوْمًا أَتَدْرِي يَوْمَ لَا يَوْمَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَعَمْ ذَلِكَ يَوْمُ الْمَقَادِيرِ» ، أَوْ كَمَا قَالَ قَالَ ابْنُ عَرَبِيٍّ وَقَدْ أَطْلَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْوِرَاثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَلَكِنْ لَا يَسَعُنَا الْإِفْصَاحُ عَنْهُ لِغَلَبَةِ مُنَازَعَةِ الْمَحْجُوبِينَ فِيهِ قَالَ تَعَالَى وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلَّا بِمَا شَاءَ اهـ بِتَصَرُّفٍ. وَفِي بَقِيَّةِ الْأَمْثِلَةِ نُسِبُ التَّأْثِيرُ لِلْأَسْبَابِ وَهُوَ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِ الْحُكَمَاءِ الْقَائِلِينَ بِالْإِيجَابِ وَالتَّعْلِيلِ وَالْمَذْهَبُ

وَالْأَلْفَاظُ إنَّمَا هِيَ وَسَائِلُ وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ مَقَاصِدُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَلْفَاظِ، وَالْمَقَاصِدُ أَفْضَلُ مِنْ الْوَسَائِلِ (الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةَ عَشَرَ) التَّفْضِيلُ بِالتَّأْثِيرِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: أَحَدُهَا تَفْضِيلُ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعِلْمِ وَالْكَلَامِ فَإِنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ فِي تَحْصِيلِ وُجُودِ الْمُمْكِنَاتِ وَالْعِلْمُ وَالْخَبَرُ تَابِعَانِ لَيْسَا بِمُؤَثِّرَيْنِ وَكَذَلِكَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ مِنْ قَبِيلِ الْعِلْمِ وَمَا لَهُ التَّأْثِيرُ أَفْضَلُ مِمَّا لَا تَأْثِيرَ لَهُ. وَثَانِيهَا تَفْضِيلُ الْإِرَادَةِ عَلَى الْحَيَاةِ فَإِنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ لِلتَّخْصِيصِ فِي الْمُمْكِنَاتِ بِزَمَانِهَا وَصِفَاتِهَا الْجَائِزَةِ عَلَيْهَا، وَالْحَيَاةُ لَا تُؤَثِّرُ إيجَادًا وَلَا تَخْصِيصًا وَلَيْسَ فِي صِفَاتِ اللَّهِ السَّبْعَةِ مُؤَثِّرٌ إلَّا الْقُدْرَةَ وَالْإِرَادَةَ فَقَطْ. وَثَالِثُهَا تَفْضِيلُ صَاحِبِ الشَّرْعِ الْحَيَاءَ عَلَى ضِدِّهِ وَهُوَ الْقِحَةُ فَقَالَ الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إلَّا بِخَيْرٍ الْحَيَاءُ مِنْ الْإِيمَانِ بِسَبَبِ أَنَّ الْحَيَاءَ يُؤَثِّرُ الْحَثَّ عَلَى الْخَيْرَاتِ وَالزَّجْرَ عَنْ الْمُنْكَرَاتِ، وَالِقْحَةَ لَا يَنْزَجِرُ صَاحِبُهَا عَنْ مَكْرُوهٍ وَلَا تَحُثُّهُ عَلَى مَعْرُوفٍ وَلِذَلِكَ فَضَّلَ صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ الشَّجَاعَةَ عَلَى الْجُبْنِ بِسَبَبِ أَنَّ الشَّجَاعَةَ تَحُثُّ عَلَى دَرْءِ الْأَعْدَاءِ وَنَصْرِ الْجَارِ وَدَفْعِ الْعَارِ، وَالْجُبْنَ لَا يَأْتِي مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ فَضَّلَ صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ السَّخَاءَ عَلَى الْبُخْلِ لِكَوْنِهِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَجَلْبِ الْقُلُوبِ كَمَا وَرَدَ الْكَرِيمُ حَبِيبُ اللَّهِ؛ لِأَنَّ السَّخَاءَ يُؤَثِّرُ الْحَنَانَةَ، وَالشَّفَقَةَ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَالْبُخْلُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طِبَاعِ اللِّئَامِ (الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةَ عَشَرَ) التَّفْضِيلُ بِجَوْدَةِ الْبِنْيَةِ وَالتَّرْكِيبِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: أَحَدُهَا تَفْضِيلُ الْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - عَلَى الْجَانِّ بِسَبَبِ جَوْدَةِ أَبْنِيَتِهِمْ وَحُسْنِ تَرْكِيبِهِمْ فَإِنَّهُمْ خُلِقُوا مِنْ نُورٍ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةَ عَشَرَ التَّفْضِيلُ بِالتَّأْثِيرِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ أَحَدُهَا تَفْضِيلُ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعِلْمِ وَالْكَلَامِ) . قُلْت: فِيمَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ نَظَرٌ. قَالَ: (الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةَ عَشَرَ التَّفْضِيلُ بِجَوْدَةِ الْبِنْيَةِ وَالتَّرْكِيبِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ أَحَدُهَا تَفْضِيلُ الْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - عَلَى الْجَانِّ بِسَبَبِ جَوْدَةِ أَبْنِيَتِهِمْ وَحُسْنِ تَرْكِيبِهِمْ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ بَنَى جَمِيعَ قَوْلِهِ فِيهَا عَلَى نِسْبَةِ تِلْكَ الْآثَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَقُّ أَنْ لَا تَأْثِيرَ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ الرَّبْطَ بَيْنَ السَّبَبِ كَالنَّظَرِ الصَّحِيحِ وَمُسَبَّبِهِ كَالنَّتِيجَةِ إمَّا بِطَرِيقِ اللُّزُومِ الْعَقْلِيِّ كَالتَّلَازُمِ بَيْنَ الْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ فَوُجُودُ أَحَدِهِمَا بِدُونِ الْآخَرِ مُسْتَحِيلٌ عَقْلِيٌّ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ بَلْ أَنْ يُوجَدَا مَعًا، أَوْ يُعْدَمَا مَعًا وَقِيلَ: عَادِيٌّ يَقْبَلُ التَّخَلُّفَ كَالْإِحْرَاقِ عِنْدَ مَسِّ النَّارِ فَقَدْ تَخَلَّفَ فِي نَحْوِ إبْرَاهِيمَ وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ بِالتَّوَلُّدِ عَلَى أَصْلِهِمْ فِي الضَّرْبِ النَّاشِئِ عَنْهُ الْقَطْعُ، وَالتَّوَلُّدُ أَنْ يُوجِبَ الْفِعْلُ لِفَاعِلِهِ شَيْئًا آخَرَ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) التَّفْضِيلُ بِجَوْدَةِ الْبِنْيَةِ وَالتَّرْكِيبِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ. أَحَدُهَا تَفْضِيلُ الْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - عَلَى الْجَانِّ بِسَبَبِ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ مِنْ جَوْدَةِ الْبِنْيَةِ وَحُسْنِ التَّرْكِيبِ فَإِنَّهُمْ خُلِقُوا مِنْ نُورٍ وَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِمْ سُرْعَةَ السَّيْرِ وَوُفُورَ الْقُوَّةِ بِحَيْثُ إنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَسِيرُ مِنْ الْعَرْشِ إلَى الْفَرْشِ سَبْعَةَ آلَافِ سَنَةٍ فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَحْمِلُ مَدَائِنَ لُوطٍ الْخَمْسَةَ مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ عَلَى جَنَاحِهِ لَا يَضْطَرِبُ مِنْهَا شَيْءٌ بَلْ يَقْلَعُهَا مِنْ تَحْتِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَيَصْعَدُ بِهَا إلَى الْجَوِّ، ثُمَّ يَقْلِبُهَا وَبِحَيْثُ إنَّ الْمَلَكَ الْوَاحِدَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ يَقْهَرُ الْجَمْعَ الْعَظِيمَ مِنْ الْجَانِّ وَلِذَلِكَ سَأَلَ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَبَّهُ تَعَالَى أَنْ يُوَلِّيَ عَلَى الْجَانِّ الْمَلَائِكَةَ فَفَعَلَ لَهُ ذَلِكَ فَهُمْ الزَّاجِرُونَ لَهُمْ الْيَوْمَ عِنْدَ الْعَزَائِمِ وَغَيْرِهَا الَّتِي يَتَعَاطَاهَا أَهْلُ الْعِلْمِ فَيُقْسِمُونَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ بِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي تُعَظِّمُهَا الْمَلَائِكَةُ فَتَفْعَلُ فِي الْجَانِّ مَا يُرِيدُهُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ ذَلِكَ الْإِقْسَامِ بِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ الْمُعَظَّمَةِ وَكَانُوا قَبْلَ زَمَنِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُخَالِطُونَ النَّاسَ فِي الْأَسْوَاقِ وَيَعْبَثُونَ بِهِمْ عَبَثًا شَدِيدًا فَلَمَّا رَتَّبَ سُلَيْمَانُ هَذَا التَّرْتِيبَ وَسَأَلَهُ مِنْ رَبِّهِ انْحَازُوا إلَى الْفَلَوَاتِ وَالْخَرَابِ مِنْ الْأَرْضِ فَقَلَّتْ أَذِيَّتُهُمْ وَالْمَلَائِكَةُ تُرَاقِبُهُمْ فِي ذَلِكَ فَمَنْ عَبِثَ مِنْهُمْ وَعَثَا رَدُّوهُ، أَوْ قَتَلُوهُ كَمَا يَفْعَلُ وُلَاةُ بَنِي آدَمَ مَعَ سُفَهَائِهِمْ، وَتَفْضِيلُهُمْ عَلَى الْجَانِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُضَافُ لِبَقِيَّةِ الْوُجُوهِ وَعَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ مِنْ التَّفْضِيلِ تُحْمَلُ النُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْبَشَرِ إذَا احْتَمَلَ النَّصُّ ذَلِكَ؛ إذْ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ أَبْنِيَةَ بَنِي آدَمَ خَسِيسَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَبْنِيَةِ الْمَلَائِكَةِ فَلَا تُعَارِضُ مَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ أَنَّ الْبَشَرَ أَفْضَلُ عَلَى تَفْصِيلٍ يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ لِأُمُورٍ. أَحَدُهَا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ عَقْلٌ مَحْضٌ وَالْبَهَائِمَ شَهْوَةٌ مَحْضَةٌ وَالْإِنْسَانَ مُرَكَّبٌ مِنْهُمَا فَكَمَا أَنَّ غَلَبَةَ الشَّهْوَةِ تُنَزِّلُ الْإِنْسَانَ عَنْ الْبَهَائِمِ بِعُذْرِهَا بِالْعَدَمِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف: 179] كَذَلِكَ غَلَبَةُ الْعَقْلِ تَرْفَعُهُ عَنْ الْمَلَائِكَةِ؛ إذْ وُجُودُ الشَّهَوَاتِ مَعَ قَمْعِهَا أَتَمُّ مِنْ بَابِ " أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ أَحْمَزُهَا بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ فَزَايٍ أَيْ أَشَقُّهَا ". الْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مَعَ قُدْرَتِهِمْ عَلَى التَّشَكُّلِ بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ لِلَطَافَةِ أَجْسَامِهِمْ النُّورَانِيَّةِ لَا يَتَشَكَّلُونَ فِي صُوَرِ بَعْضِهِمْ فَلَا يَتَشَكَّلُ جِبْرِيلُ بِصُورَةِ مِيكَائِيلَ وَلَا الْعَكْسُ بِخِلَافِ أَوْلِيَاءِ الْبَشَرِ فَيُمْكِنُهُمْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْيَوَاقِيتِ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ. الْأَمْرُ الثَّالِثُ أَنَّ فِي الْيَوَاقِيتِ عَنْ الشَّيْخِ الْأَكْبَرِ أَنَّ مَقَامَ «لَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ» الْحَدِيثَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْبَشَرِ، وَأَمَّا الْمَلَائِكَةُ فَكُلُّ طَاعَاتِهِمْ مُحَتَّمَةٌ عَلَيْهِمْ فَلَا يَفْرُغُونَ مِنْ تَوْظِيفٍ حَتَّى يُمْكِنَهُمْ التَّطَوُّعُ نَعَمْ قَالَ السَّعْدُ لَا قَاطِعَ فِي هَذِهِ الْمَقَامَاتِ كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ وَثَانِيهَا تَفْضِيلُ

وَيَسِيرُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ الْعَرْشِ إلَى الْفَرْشِ سَبْعَةَ آلَافِ سَنَةٍ فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَحْمِلُ مَدَائِنَ لُوطٍ الْخَمْسَةَ مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ عَلَى جَنَاحِهِ لَا يَضْطَرِبُ مِنْهَا شَيْءٌ بَلْ يَقْتَلِعُهَا مِنْ تَحْتِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَيَصْعَدُ بِهَا إلَى الْجَوِّ ثُمَّ يَقْلِبُهَا وَهَذَا عَظِيمٌ. وَالْمَلَكُ الْوَاحِدُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ يَقْهَرُ الْجَمْعَ الْعَظِيمَ مِنْ الْجَانِّ وَلِذَلِكَ سَأَلَ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَبَّهُ تَعَالَى أَنْ يُوَلِّيَ عَلَى الْجَانِّ الْمَلَائِكَةَ فَفَعَلَ لَهُ ذَلِكَ فَهُمْ الزَّاجِرُونَ لَهُمْ الْيَوْمَ عِنْدَ الْعَزَائِمِ وَغَيْرِهَا الَّتِي يَتَعَاطَاهَا أَهْلُ هَذَا الْعِلْمِ فَيُقْسِمُونَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ بِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي تُعَظِّمُهَا الْمَلَائِكَةُ فَتَفْعَلُ فِي الْجَانِّ مَا يُرِيدُهُ الْمُقْسِمُ عَلَيْهِمْ بِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ الْمُعَظَّمَةِ وَكَانُوا قَبْلَ زَمَنِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُخَالِطُونَ النَّاسَ فِي الْأَسْوَاقِ وَيَعْبَثُونَ بِهِمْ عَبَثًا شَدِيدًا فَلَمَّا رَتَّبَ سُلَيْمَانُ هَذَا التَّرْتِيبَ وَسَأَلَهُ مِنْ رَبِّهِ انْحَازُوا إلَى الْفَلَوَاتِ وَالْخَرَابِ مِنْ الْأَرْضِ فَقَلَّتْ أَذِيَّتُهُمْ وَالْمَلَائِكَةُ تُرَاقِبُهُمْ فِي ذَلِكَ فَمَنْ عَبِثَ مِنْهُمْ وَعَثَا رَدُّوهُ، أَوْ قَتَلُوهُ كَمَا يَفْعَلُ وُلَاةُ بَنِي آدَمَ مَعَ سُفَهَائِهِمْ وَمَا سَبَبُ اقْتِدَارِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْجَانِّ إلَّا فَضْلُ أَبْنِيَتِهِمْ وَوُفُورُ قُوَّتِهِمْ فَهُمْ مُفَضَّلُونَ عَلَى الْجَانِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُضَافًا لِبَقِيَّةِ الْوُجُوهِ، وَهَذِهِ النُّكْتَةُ يُنْتَفَعُ بِهَا كَثِيرًا فِي النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْبَشَرِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْبَشَرَ أَفْضَلُ عَلَى تَفْصِيلٍ يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ فَإِذَا قُصِدَ الْجَوَابُ عَنْ تِلْكَ النُّصُوصِ حُمِلَ ذَلِكَ التَّفْضِيلُ وَالثَّنَاءُ عَلَى الْأَبْنِيَةِ وَجَوْدَةِ التَّرْكِيبِ إذَا كَانَ النَّصُّ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ فَيَنْدَفِعُ أَكْثَرُ الْأَسْئِلَةِ وَالنُّقُوضِ عَنْ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَلَا نِزَاعَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَفْضَلُ فِي أَبْنِيَتِهِمْ وَأَنَّ أَبْنِيَةَ بَنِي آدَمَ خَسِيسَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSالَّتِي ذَكَرَهَا إلَى تَأْثِيرِ غَيْرِ الْقُدْرَةِ الْقَدِيمَةِ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ مَسَاقِ كَلَامِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْقَاعِدَةِ الْعِشْرِينَ وَمَا بَعْدَهُ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ فَهِيَ مِنْ الْمُفَضَّلَاتِ الَّتِي عُلِمَ تَفْضِيلُهَا صَحِيحٌ كُلُّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَانِّ عَلَى بَنِي آدَمَ فِي الْأَبْنِيَةِ وَجَوْدَةِ التَّرْكِيبِ مِنْ جِهَةِ تَقْدِيرِهِ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَعِيشُونَ الْآلَافَ مِنْ السِّنِينَ فَلَا يَعْرِضُ لَهُمْ الْمَوْتُ وَكَذَلِكَ لَا تَعْرِضُ لَهُمْ الْأَمْرَاضُ وَالْأَسْقَامُ الَّتِي تَعْرِضُ لِبَنِي آدَمَ بِسَبَبِ أَنَّ أَجْسَادَهُمْ لَمْ يَجْعَلْهَا تَعَالَى مُشْتَمِلَةً عَلَى الرُّطُوبَاتِ وَأَجْرَامِ الْأَغْذِيَةِ كَمَا جَعَلَ أَجْسَادَ بَنِي آدَمَ مُشْتَمِلَةً عَلَى ذَلِكَ فَصَارَ يَعْرِضُ لَهَا الْعَفَنُ وَآفَاتُ الرُّطُوبَاتِ دُونَ أَجْسَادِ الْجَانِّ فَلِذَلِكَ كَثُرَ بَقَاؤُهُمْ وَطَالَ وَأَسْرَعَ لِبَنِي آدَمَ الْمَوْتُ عَلَى حَسَبِ تَقْدِيرِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَمِمَّا وَرَدَ قَوْلُ الشَّاعِرِ فِي الْجَانِّ لَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُقِيدُ النَّارَ: أَتَوْا نَارِي فَقُلْت مَنُونُ أَنْتُمْ ... فَقَالُوا الْجِنُّ قُلْت عِمُوا ظَلَامَا فَقُلْت إلَى الطَّعَامِ فَقَالَ مِنْهُمْ ... زَعِيمٌ يَحْسُدُ الْإِنْسَ الطَّعَامَا لَقَدْ فُضِّلْتُمْ بِالْأَكْلِ عَنَّا ... وَلَكِنْ ذَاكَ يُعْقِبُكُمْ سِقَامَا فَصَرَّحُوا فِي شِعْرِهِمْ بِمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْإِحْيَاءِ إنَّهُمْ يَتَغَذَّوْنَ مِنْ الْأَعْيَانِ بِرَوَائِحِهَا وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْ أُمَّتَك لَا يَسْتَجْمِرُوا بِرَوْثٍ وَلَا عَظْمٍ فَإِنَّهَا طَعَامُنَا وَطَعَامُ دَوَابِّنَا» مَعَ أَنَّا نَجِدُ الْعَظْمَ يَمُرُّ عَلَيْهِ الدَّهْرُ الطَّوِيلُ لَا يَتَغَيَّرُ مِنْهُ شَيْءٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ يَتَغَذَّوْنَ بِالرَّائِحَةِ. قَالَ الْأَصْلُ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ الْكُتُبِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُمْ طَوَائِفُ مِنْهُمْ مَنْ يَتَغَذَّى بِالرَّائِحَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَغَذَّى بِجِرْمِ الْغِذَاءِ وَمِنْهُمْ طَائِرٌ لَا يَأْوِي فِي الْأَرْضِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْوِي فِي الْأَرْضِ يَرْحَلُونَ وَيَنْزِلُونَ فِي الْبَرَارِي كَالْأَعْرَابِ، وَإِنَّ أَحْوَالَهُمْ مُخْتَلِفَةٌ فِي ذَلِكَ وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَتَرَاكِيبُهُمْ أَعْظَمُ وَسَيْرُهُمْ فِي الْأَرْضِ أَيْسَرُ فَيَسِيرُونَ الْمَسَافَةَ الطَّوِيلَةَ فِي الزَّمَنِ الْقَصِيرِ وَلِذَلِكَ تُؤْخَذُ عَنْهُمْ أَخْبَارُ الْوَقَائِعِ وَالْحَوَادِثِ فِي الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ عَنَّا بِسَبَبِ سُرْعَةِ حَرَكَتِهِمْ وَتَنَقُّلِهِمْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَاِتَّخَذَهُمْ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَعْمَالٍ تَعْجِزُ عَنْهَا الْبَشَرُ بِسَبَبِ فَرْطِ قُوَّتِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} [سبأ: 13] وَلَهُمْ قُوَّةُ التَّنَقُّلِ عَلَى التَّصَوُّرِ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ أَرَادُوا فَتَقْبَلُ بِنْيَتُهُمْ التَّنَقُّلَ إلَى الْحَيَّاتِ وَالْكِلَابِ وَالْبَهَائِمِ وَصُوَرِ بَنِي آدَمَ وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى إلَّا مَعَ جَوْدَةِ الْبِنْيَةِ وَلَطَافَةِ التَّرْكِيبِ وَبِنْيَتُنَا نَحْنُ لَا تَقْبَلُ شَيْئًا مِنْ هَذَا لِأَنَّا خُلِقْنَا مِنْ تُرَابٍ شَأْنُهُ الثُّبُوتُ وَالرَّصَافَةُ وَالدَّوَامُ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَخُلِقُوا مِنْ نَارٍ شَأْنُهَا التَّحَرُّكُ وَسُرْعَةُ الِانْتِقَالِ وَاللَّطَافَةُ وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي غَرَّ إبْلِيسَ فَأَوْجَبَ لَهُ الْكِبْرَ عَلَى آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه وَتَرَكَ أَنَّ اللَّهَ يُفَضِّلُ مَنْ يَشَاءُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَيَحْكُمْ مَا يُرِيدُ فَجَاءَ بِالِاعْتِرَاضِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَهَلَكَ اهـ. وَفِي كِتَابِ مُسَامَرَةِ الْأَخْيَارِ لِلشَّيْخِ الْأَكْبَرِ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ عَرَبِيٍّ - قُدِّسَ سِرُّهُ - خَبَرُ الْحَيَّةِ الطَّائِفَةِ بِالْبَيْتِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ كَانَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْجِنِّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَسْكُنُ ذَا طُوًى وَكَانَ لَهَا ابْنٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ غَيْرُهُ وَكَانَتْ تُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا وَكَانَ شَرِيفًا فِي قَوْمِهِ فَتَزَوَّجَ وَأَتَى زَوْجَتَهُ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ سَابِعِهِ قَالَ لِأُمِّهِ يَا أُمَّهْ إنِّي أُحِبُّ أَنْ أَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ سَبْعًا نَهَارًا قَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: أَيْ بُنَيَّ إنِّي أَخَافُ عَلَيْك سُفَهَاءَ قُرَيْشٍ فَقَالَ أَرْجُو السَّلَامَةَ فَأَذِنَتْ لَهُ فَوَلَّى فِي صُورَةِ جَانٍّ فَلَمَّا أَدْبَرَ جَعَلَتْ تُعَوِّذُهُ وَتَقُولُ

بِالنِّسْبَةِ إلَى أَبْنِيَةِ الْمَلَائِكَةِ فَتُحْمَلُ آيَةُ التَّفْضِيلِ عَلَى ذَلِكَ. وَثَانِيهَا تَفْضِيلُ الْجَانِّ عَلَى بَنِي آدَمَ فِي الْأَبْنِيَةِ وَجَوْدَةِ التَّرْكِيبِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ يَعِيشُونَ الْآلَافَ مِنْ السِّنِينَ فَلَا يَعْرِضُ لَهُمْ الْمَوْتُ وَكَذَلِكَ لَا تَعْرِضُ لَهُمْ الْأَمْرَاضُ وَالْأَسْقَامُ الَّتِي تَعْرِضُ لِبَنِي آدَمَ بِسَبَبِ أَنَّ أَجْسَادَهُمْ لَيْسَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى الرُّطُوبَاتِ وَأَجْرَامِ الْأَغْذِيَةِ فَلَا يَحْصُلُ الْعَفَنُ وَلَا آفَاتُ الرُّطُوبَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِبَنِي آدَمَ فَلِذَلِكَ كَثُرَ بَقَاؤُهُمْ وَطَالَ، وَأَسْرَعَ لِبَنِي آدَمَ الْمَوْتُ وَمِمَّا وَرَدَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ فِي الْجَانِّ لَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ وَهُوَ يُقِيدُ النَّارَ: أَتَوْا نَارِي فَقُلْت مَنُونُ أَنْتُمْ ... فَقَالُوا الْجِنُّ قُلْت عِمُوا ظَلَامَا فَقُلْت إلَى الطَّعَامِ فَقَالَ مِنْهُمْ ... زَعِيمٌ يَحْسُدُ الْإِنْسَ الطَّعَامَا لَقَدْ فُضِّلْتُمْ بِالْأَكْلِ عَنَّا ... وَلَكِنْ ذَاكَ يُعْقِبُكُمْ سِقَامَا فَصَرَّحُوا فِي شِعْرِهِمْ بِمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْإِحْيَاءِ وَغَيْرُهُ: إنَّهُمْ يَتَغَذَّوْنَ مِنْ الْأَعْيَانِ بِرَوَائِحِهَا وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْ أُمَّتَكَ لَا يَسْتَجْمِرُوا بِرَوْثٍ وَلَا عَظْمٍ فَإِنَّهَا طَعَامُنَا وَطَعَامُ دَوَابِّنَا» مَعَ أَنَّا نَجِدُ الْعَظْمَ يَمُرُّ عَلَيْهِ الدَّهْرُ الطَّوِيلُ لَا يَتَغَيَّرُ مِنْهُ شَيْءٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ يَتَغَذَّوْنَ بِالرَّائِحَةِ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ الْكُتُبِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُمْ طَوَائِفُ مِنْهُمْ مَنْ يَتَغَذَّى بِالرَّائِحَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَغَذَّى بِجِرْمِ الْغِذَاءِ وَمِنْهُمْ طَائِرٌ لَا يَأْوِي فِي الْأَرْضِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْوِي فِي الْأَرْضِ يَرْحَلُونَ وَيَنْزِلُونَ فِي الْبَرَارِيِّ كَالْأَعْرَابِ، وَإِنَّ أَحْوَالَهُمْ مُخْتَلِفَةٌ فِي ذَلِكَ وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَتَرَاكِيبُهُمْ أَعْظَمُ وَسَيْرُهُمْ فِي الْأَرْضِ أَيْسَرُ فَيَسِيرُونَ الْمَسَافَةَ الطَّوِيلَةَ فِي الزَّمَنِ الْقَصِيرِ وَلِذَلِكَ تُؤْخَذُ عَنْهُمْ أَخْبَارُ الْوَقَائِعِ وَالْحَوَادِثِ فِي الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ عَنَّا بِسَبَبِ سُرْعَةِ حَرَكَتِهِمْ وَتَنَقُّلِهِمْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَاِتَّخَذَهُمْ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَعْمَالٍ تَعْجِزُ عَنْهَا الْبَشَرُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأُعِيذُهُ بِالْكَعْبَةِ الْمَسْتُورَهْ ... وَدَعَوَاتِ ابْنِ أَبِي مَحْذُورَهْ وَمَا تَلَا مُحَمَّدٌ مِنْ سُورَهْ ... إنِّي إلَى حَيَاتِهِ فَقِيرَهْ وَإِنَّنِي بِعَيْشِهِ مَسْرُورَهْ فَمَضَى الْجَانُّ أَيْ وَهُوَ فِي صُورَةِ حَيَّةٍ نَحْوَ الطَّوَافِ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ مُنْقَلِبًا حَتَّى إذَا كَانَ بِبَعْضِ دُورِ بَنِي سَهْمٍ عَرَضَ لَهُ شَابٌّ مِنْ بَنِي سَهْمٍ أَحْمَرُ أَكْثَفُ أَزْرَقُ أَحُولُ أَعْسَرُ فَقَتَلَهُ فَثَارَتْ بِمَكَّةَ غَبَرَةٌ حَتَّى لَمْ تُبْصَرْ لَهَا الْجِبَالُ قَالَ أَبُو الطُّفَيْلِ وَبَلَغَنَا أَنَّهُ إنَّمَا تَثُورُ تِلْكَ الْغَبَرَةُ عِنْدَ مَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ الْجِنِّ قَالَ فَأَصْبَحَ مِنْ بَنِي سَهْمٍ عَلَى فِرَاشِهِمْ مَوْتَى كَثِيرٌ مِنْ قِبَلِ الْجِنِّ فَكَانَ فِيهِمْ سَبْعُونَ شَيْخًا أَصْلَعَ سِوَى الشَّبَابِ قَالَ فَنَهَضَتْ بَنُو سَهْمٍ وَحُلَفَاؤُهَا وَمَوَالِيهَا وَعَبِيدُهَا فَرَكِبُوا الْجِبَالَ وَالشِّعَابَ بِالثَّنِيَّةِ فَمَا تَرَكُوا حَيَّةً وَلَا عَقْرَبًا وَخُنْفُسَاءَ وَلَا شَيْئًا مِنْ الْهَوَامِّ يَدِبُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إلَّا قَتَلُوهُ فَأَقَامُوا بِذَلِكَ ثَلَاثًا فَسَمِعُوا فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ هَاتِفًا يَهْتِفُ بِصَوْتٍ لَهُ جَهْوَرِيٍّ يُسْمَعُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اللَّهَ اللَّهَ فَإِنَّ لَكُمْ أَحْلَامًا وَعُقُولًا أَعْذِرُونَا أَعْذِرُونَا مِنْ بَنِي سَهْمٍ فَقَدْ قَتَلُوا مِنَّا أَضْعَافَ مَا قَتَلْنَا مِنْهُمْ اُدْخُلُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِصُلْحٍ نُعْطِهِمْ وَيُعْطُونَا الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لَا يَعُودَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ بِسُوءٍ أَبَدًا فَفَعَلَتْ ذَلِكَ قُرَيْشٌ وَاسْتَوْثَقُوا لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ فَسُمِّيَتْ بَنُو سَهْمٍ الْعَيَاطِلَةَ قَتَلَةَ الْجِنِّ اهـ. الْمُرَادُ مِنْهُ فَانْظُرْهُ. وَثَالِثُهَا: تَفْضِيلُ الذَّهَبِ عَلَى الْفِضَّةِ بِجَوْدَةِ الْبِنْيَةِ فَإِنَّ بِنْيَةَ الذَّهَبِ مُلْتَزِزَةٌ مُتَدَاخِلَةٌ وَبِنْيَةَ الْفِضَّةِ مُتَفَشْفِشَةٌ رَخْوَةٌ، وَسَبَبُ ذَلِكَ كَمَا قِيلَ إنَّ طَبْخَ الذَّهَبِ طَالَ تَحْتَ الْأَرْضِ بِحَرِّ الشَّمْسِ أَرْبَعَةَ آلَافِ سَنَةٍ، وَالْفِضَّةُ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا ذَلِكَ فَكَانَتْ بِنْيَةُ الذَّهَبِ أَفْضَلَ مِنْ بِنْيَةِ الْفِضَّةِ. الْقَاعِدَةُ الْعِشْرُونَ: التَّفْضِيلُ بِاخْتِيَارِ الرَّبِّ تَعَالَى لِمَنْ يَشَاءُ عَلَى مِنْ يَشَاءُ وَلِمَا يَشَاءُ عَلَى مَا يَشَاءُ؛ بِأَنْ يُفَضِّلَ أَحَدَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى الْآخَرِ كَتَفْضِيلِ شَاةِ الزَّكَاةِ عَلَى شَاةِ التَّطَوُّعِ، وَتَفْضِيلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ دَاخِلَ صَلَاةِ الْفَرْضِ عَلَى الْفَاتِحَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَحَجِّ الْفَرْضِ عَلَى تَطَوُّعِهِ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ أَفْضَلُ مِمَّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَكَتَفْضِيلِ الْأَذْكَارِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مِثْلِهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ (خَاتِمَةٌ) نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَهَا. فِي مُهِمَّاتٍ: (الْمُهِمُّ الْأَوَّلُ) أَنَّ تَفْضِيلَ الْأَزْمَانِ وَالْبِقَاعِ قِسْمَانِ: الْأَوَّلُ: دُنْيَوِيٌّ، كَتَفْضِيلِ الرَّبِيعِ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَتَفْضِيلِ بَعْضِ الْبُلْدَانِ بِالثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ وَطِيبِ الْهَوَاءِ وَمُوَافَقَةِ الْأَهْوَاءِ. وَالثَّانِي: دِينِيٌّ، كَتَفْضِيلِ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَزْمِنَةِ بِإِجَابَةِ الدَّعَوَاتِ وَمَغْفِرَةِ الزَّلَّاتِ وَإِعْطَاءِ السُّؤَالِ وَنَيْلِ الْآمَالِ، وَرَمَضَانَ عَلَى الشُّهُورِ، وَعَاشُورَاءَ وَيَوْمِ عَرَفَةَ وَأَيَّامِ الْبِيضِ وَالْجُمُعَةِ وَالْخَمِيسِ وَالِاثْنَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَفْضِيلِهِ وَتَعْظِيمِهِ عَلَى مَا عَدَاهُ مِنْ الْأَزْمِنَةِ وَكَتَفْضِيلِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَعَرَفَةَ وَالْمَطَافِ وَالْمَسْعَى وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَمَرْمَى الْجِمَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْبِقَاعِ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَفْضِيلِهَا عَلَى غَيْرِهَا وَمِنْ الْأَقَالِيمِ الْمُفَضَّلَةِ شَرْعًا الْيَمَنُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْإِيمَانُ يَمَانِيٌّ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ» وَالْمَغْرِبُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ قَائِمِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» . (الْمُهِمُّ الثَّانِي) الْمُفَضَّلَاتُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ

بِسَبَبِ فَرْطِ قُوَّتِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} [سبأ: 13] وَلَهُمْ قُوَّةُ التَّنَقُّلِ عَلَى التَّصَوُّرِ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ أَرَادُوا فَتَقْبَلُ بِنْيَتُهُمْ التَّنَقُّلَ إلَى الْحَيَّاتِ وَالْكِلَابِ وَالْبَهَائِمِ وَصُوَرِ بَنِي آدَمَ وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى إلَّا مَعَ جَوْدَةِ الْبِنْيَةِ وَلَطَافَةِ التَّرْكِيبِ وَبِنْيَتُنَا نَحْنُ لَا تَقْبَلُ شَيْئًا مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّا خُلِقْنَا مِنْ تُرَابٍ شَأْنُهُ الثُّبُوتُ وَالرَّصَافَةُ وَالدَّوَامُ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَخُلِقُوا مِنْ نَارٍ شَأْنُهَا التَّحَرُّكُ وَسُرْعَةُ الِانْتِقَالِ وَاللَّطَافَةُ وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي غَرَّ إبْلِيسَ فَأَوْجَبَ لَهُ الْكِبْرَ عَلَى آدَمَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه - وَتَرْكَ أَنَّ اللَّهَ يُفَضِّلُ مَنْ يَشَاءُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ فَجَاءَ بِالِاعْتِرَاضِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَهَلَكَ. وَثَالِثُهَا تَفْضِيلُ الذَّهَبِ عَلَى الْفِضَّةِ بِجَوْدَةِ الْبِنْيَةِ فَإِنَّ بِنْيَةَ الذَّهَبِ مُلْتَزَّةٌ مُتَدَاخِلَةٌ، وَبِنْيَةَ الْفِضَّةِ مُتَفَشْفِشَةٌ رَخْوَةٌ وَسَبَبُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْعَادَةُ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَحَدِّثُونَ عَنْ الْمَعَادِنِ أَنَّ طَبْخَ الذَّهَبِ طَالَ تَحْتَ الْأَرْضِ بِحَرِّ الشَّمْسِ أَرْبَعَةَ آلَافِ سَنَةٍ، وَالْفِضَّةُ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا ذَلِكَ فَكَانَ بِنْيَةُ الذَّهَبِ أَفْضَلَ مِنْ بِنْيَةِ الْفِضَّةِ. (الْقَاعِدَةُ الْعِشْرُونَ) التَّفْضِيلُ بِاخْتِيَارِ الرَّبِّ تَعَالَى لِمَنْ يَشَاءُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَلِمَا يَشَاءُ عَلَى مَا يَشَاءُ فَيُفَضِّلُ أَحَدَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى الْآخَرِ كَتَفْضِيلِ شَاةِ الزَّكَاةِ عَلَى شَاةِ التَّطَوُّعِ وَتَفْضِيلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ دَاخِلَ صَلَاةِ الْفَرْضِ عَلَى الْفَاتِحَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ أَفْضَلُ مِمَّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَكَذَلِكَ تَفْضِيلُ حَجِّ الْفَرْضِ عَلَى تَطَوُّعِهِ وَالْأَذْكَارِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مِثْلِهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ فِي أَسْبَابِ التَّفْضِيلِ. فَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ الْمُوجِبَةَ لِلتَّفْضِيلِ قَدْ تَتَعَارَضُ فَيَكُونُ الْأَفْضَلُ مَنْ حَازَ أَكْثَرَهَا وَأَفْضَلَهَا وَالتَّفْضِيلُ إنَّمَا يَقَعُ بَيْنَ الْمَجْمُوعَاتِ وَقَدْ يَخْتَصُّ الْمَفْضُولُ بِبَعْضِ الصِّفَاتِ الْفَاضِلَةِ وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي التَّفْضِيلِ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ وَأَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ وَأَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ وَأَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَعَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَفْضَلُ الْجَمِيعِ وَكَاخْتِصَاصِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْمُلْكِ الْعَظِيمِ وَنُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يُطَّلَعُ عَلَى سَبَبِ تَفْضِيلِهِ كَتَفْضِيلِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْإِيمَانِ عَلَى سَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ مَرَّ أَنَّ أَقْسَامَ تَصَرُّفِ الْعِبَادَةِ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ كَالْمَعَارِفِ وَالْإِيمَانِ بِمَا يَجِبُ وَيَسْتَحِيلُ وَيَجُوزُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَثَانِيهَا حَقُّ الْعِبَادِ فَقَطْ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ مُتَمَكِّنُونَ مِنْ إسْقَاطِهِ، وَإِلَّا فَكُلُّ حَقٍّ لِلْعَبْدِ فَفِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَمْرُهُ عَزَّ وَجَلَّ بِإِيصَالِهِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ كَأَدَاءِ الدُّيُونِ وَرَدِّ الْغُصُوبِ وَالْوَدَائِعِ. وَثَالِثُهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقٌّ لِلْعِبَادِ وَالْغَالِبُ مَصْلَحَةُ الْعِبَادِ كَالزَّكَوَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْأَمْوَالِ الْمَنْذُورَاتِ وَالضَّحَايَا وَالْهَدَايَا وَالْوَصَايَا وَالْأَوْقَافِ. وَرَابِعُهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقٌّ لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلْعِبَادِ كَالْأَذَانِ فَحَقُّهُ تَعَالَى التَّكْبِيرَاتُ وَالشَّهَادَةُ بِالتَّوْحِيدِ وَحَقُّ رَسُولِهِ الشَّهَادَةُ لَهُ بِالرِّسَالَةِ، وَحَقُّ الْعِبَادِ الْإِرْشَادُ لِلْأَوْقَاتِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَالْمُنْفَرِدِينَ، وَالدُّعَاءُ لِلْجَمَاعَاتِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِينَ، وَالصَّلَاةُ مَعَ كَوْنِهَا مِنْ الْمَقَاصِدِ قَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالنِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّشَهُّدِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَمَا يَصْحَبُهَا مِنْ الْحَرَكَاتِ وَالتُّرُوكِ وَالْكَفِّ عَنْ الْكَلَامِ وَكَثِيرِ الْأَفْعَالِ وَعَلَى حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِ وَالشَّهَادَةِ لَهُ بِالرِّسَالَةِ وَعَلَى حَقِّ الْمُكَلَّفِ وَهُوَ دُعَاؤُهُ لِنَفْسِهِ فِي الْقِيَامِ بِالْهِدَايَةِ وَالِاسْتِقَامَةِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْقُنُوتُ، وَفِي السُّجُودِ وَالْجُلُوسِ لِنَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّسْلِيمُ آخِرَ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَاضِرِينَ فَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» . الْقِسْمُ الثَّانِي مَا لَا يُعْلَمُ تَفْضِيلُهُ إلَّا بِالسَّمْعِ الْمَنْقُولِ عَنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ كَتَفْضِيلِ مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ، وَفِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ، وَفِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ فَإِنَّ هَذِهِ أُمُورٌ لَا تُعْلَمُ إلَّا بِالسَّمْعِيَّاتِ. الْقِسْمُ الثَّالِثُ مَا تَفْضِيلُهُ بِأُمُورٍ نَعْلَمُهَا وَأُمُورٍ لَا نَعْلَمُهَا إلَّا بِالسَّمْعِ الْمَنْقُولِ عَنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ كَتَفْضِيلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ فِي مَشْهُورِ مَذْهَبِنَا فَمِنْ جِهَةِ الْمَعْلُومِ بِوُجُوهٍ كَكَوْنِهَا مُهَاجَرَ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَمَوْطِنَ اسْتِقْرَارِ الدِّينِ وَظُهُورِ دَعْوَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَدْفِنَ سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَبِهَا كَمَلَ الدِّينُ وَاتَّضَحَ الْيَقِينُ وَحَصَلَ الْعِزُّ وَالتَّمْكِينُ وَكَانَ النَّقْلُ عَنْ أَهْلِهَا أَفْضَلَ النُّقُولِ وَأَصَحَّ الْمُعْتَمَدَاتِ لِأَنَّ الْأَبْنَاءَ فِيهِ يَنْقُلُونَ عَنْ الْآبَاءِ وَالْأَخْلَافُ عَنْ الْأَسْلَافِ فَيَخْرُجُ النَّقْلُ عَنْ حَيِّزِ الظَّنِّ وَالتَّخْمِينِ إلَى حَيِّزِ الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ وَمِنْ جِهَةِ النُّصُوصِ بِوُجُوهٍ. أَحَدُهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةُ خَيْرٌ مِنْ مَكَّةَ. وَثَانِيهَا دُعَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ مَا دَعَا بِهِ إبْرَاهِيمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَكَّةَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ وَثَالِثُهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ إنَّهُمْ أَخْرَجُونِي مِنْ أَحَبِّ الْبِقَاعِ إلَيَّ فَأَسْكِنِّي أَحَبَّ الْبِقَاعِ إلَيْك» وَمَا هُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ يَكُونُ أَفْضَلَ وَالظَّاهِرُ اسْتِجَابَةُ دُعَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ أَسْكَنَهُ الْمَدِينَةَ فَتَكُونُ أَفْضَلَ الْبِقَاعِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَرَابِعُهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَصْبِرُ عَلَى لَأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ إلَّا كُنْت لَهُ شَفِيعًا وَشَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَخَامِسُهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إلَى

بِإِنْذَارِ الْمِئِينَ مِنْ السِّنِينَ وَآدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَوْنِهِ أَبَا الْبَشَرِ مَعَ تَفْضِيلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْجَمِيعِ فَلَوْلَا هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَهِيَ تَجْوِيزُ اخْتِصَاصِ الْمَفْضُولِ بِمَا لَيْسَ لِلْفَاضِلِ لَلَزِمَ التَّنَاقُضُ وَاعْلَمْ أَنَّ تَفْضِيلَ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ إنَّمَا هُوَ بِالطَّاعَاتِ وَكَثْرَةِ الْمَثُوبَاتِ وَالْأَحْوَالِ السُّنِّيَّاتِ وَشَرَفِ الرِّسَالَاتِ وَالدَّرَجَاتِ الْعَلِيَّاتِ فَمَنْ كَانَ فِيهَا أَتَمَّ فَهُوَ أَفْضَلُ وَكَذَلِكَ التَّفْضِيلُ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ إنَّمَا هُوَ بِمَجْمُوعِ مَا فِيهَا فَقَدْ يَخْتَصُّ الْمَفْضُولُ بِمَا لَيْسَ لِلْفَاضِلِ كَاخْتِصَاصِ الْجِهَادِ بِثَوَابِ الشَّهَادَةِ وَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ وَالْحَجُّ أَفْضَلُ مِنْ الْغَزْوِ، وَكَذَلِكَ الْحَجُّ فِيهِ تَكْفِيرُ الذُّنُوبِ كَبِيرِهَا وَصَغِيرِهَا وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» وَهُوَ يَقْتَضِي الذُّنُوبَ كُلَّهَا وَالتَّبِعَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ كَانَ كَذَلِكَ. وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَجَاوَزَ لَهُمْ عَنْ الْخَطِيئَاتِ وَضَمِنَ عَنْهُمْ التَّبِعَاتِ» وَالصَّلَاةُ لَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ مَعَ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ، وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُخْتَصَّ الْمَفْضُولُ بِمَا لَيْسَ لِلْفَاضِلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَفِرُّ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا يَفِرُّ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْضِيلُهُ وَأَنَّهُ يَخْرُجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَفْضُولَاتِ مِنْهَا مَا يُطَّلَعُ عَلَى سَبَبِ تَفْضِيلِهِ وَمِنْهَا لَا يُعْلَمُ إلَّا بِالسَّمْعِ الْمَنْقُولِ عَنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ كَتَفْضِيلِ مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ وَفِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ وَفِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ وَهَذِهِ أُمُورٌ لَا تُعْلَمُ إلَّا بِالسَّمْعِيَّاتِ وَمِنْ تَفْضِيلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِالنُّصُوصِ وَقَدْ ذُكِرَتْ فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ الْفِقْهِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هَهُنَا تَحْرِيرُ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ وَالتَّنْبِيهُ عَلَيْهَا أَمَّا جُزْئِيَّاتُ الْمَسَائِلِ فَفِي مَوَاضِعِهَا تَنْبِيهٌ يُطَّلَعُ مِنْهُ عَلَى تَفْضِيلِ الصَّلَاةِ عَلَى سَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَنَقُولُ تَقَرَّرَ أَنَّ تَصَرُّفَ الْعِبَادِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQجُحْرِهَا» أَيْ تَأْوِي. وَسَادِسُهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْمَدِينَةَ تَنْفِي خَبَثَهَا كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» . وَسَابِعُهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» وَكَتَفْضِيلِ مَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي مُقَابِلِ مَشْهُورِ مَذْهَبِنَا فَمِنْ جِهَةِ الْمَعْلُومِ بِوُجُوهٍ أَحَدُهَا وُجُوبُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْعُمْرَةِ، وَالْإِتْيَانُ لِلْمَدِينَةِ لَا يَجِبُ وَثَانِيهَا إقَامَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا وَثَالِثُهَا مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا حَجَّهَا آدَم فَمَنْ سِوَاهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَإِنَّمَا كَثْرَةُ الطَّارِئِينَ لِلْمَدِينَةِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ لَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ. وَرَابِعُهَا وُجُوبُ اسْتِقْبَالِهَا وَخَامِسُهَا تَحْرِيمُ اسْتِقْبَالِهَا وَاسْتِدْبَارِهَا عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَسَادِسُهَا تَحْرِيمُهَا يَوْمَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ تُحَرَّمْ الْمَدِينَةُ إلَّا فِي زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَابِعُهَا كَوْنُهَا مَثْوَى إبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -. وَثَامِنُهَا كَوْنُهَا مَوْلِدَ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَتَاسِعُهَا كَوْنُهَا لَا تُدْخَلُ إلَّا بِإِحْرَامٍ وَعَاشِرُهَا الِاغْتِسَالُ لِدُخُولِهَا دُونَ الْمَدِينَةِ وَمِنْ جِهَةِ النُّصُوصِ بِوُجُوهٍ. أَحَدُهَا قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] وَثَانِيهَا ثَنَاءُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران: 96] وَثَالِثُهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ، ثُمَّ وَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ وَبَكَى طَوِيلًا، ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَبْكِي فَقَالَ يَا عُمَرُ هَهُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَاءَ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ قَالَ إنِّي أَعْلَمُ أَنَّك حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ» وَرُوِيَ أَنَّ أُبَيًّا قَالَ لَهُ إنَّهُ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ لِسَانٌ ذَلِقٌ يَشْهَدُ لِمَنْ قَبَّلَهُ وَاسْتَلَمَهُ وَهَذِهِ مَنْفَعَةٌ وَقِيلَ إنَّ عَلِيًّا قَالَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بَلْ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ قَالَ لَهُ وَكَيْفَ ذَلِكَ قَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى الذُّرِّيَّةِ كَتَبَ كِتَابًا وَأَلْقَمَهُ هَذَا الْحَجَرَ فَهُوَ يَشْهَدُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالْوَفَاءِ وَعَلَى الْكَافِرِينَ بِالْجُحُودِ قَالَ الْأَمِيرُ فِي مَنَاسِكِهِ، وَإِنَّمَا طُلِبَ التَّكْبِيرُ عِنْدَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّ تَقْبِيلَهُ إنَّمَا هُوَ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمًا لِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِتَعْظِيمِهِ وَاقْتِدَاءً بِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا كَمَا يَصْنَعُ الْمُشْرِكُونَ بِأَصْنَامِهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَهَهُنَا لَطِيفَةٌ وَهِيَ أَنَّ هَذَا الْحَجَرَ مَسَّهُ فَمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ قَبَّلَهُ وَعَلَى التَّبَرُّكِ بِذَلِكَ تُبْذَلُ النُّفُوسُ وَأَيْضًا وَرَدَ أَنَّهُ يَمِينُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مِنْ الْيُمْنِ وَهُوَ الْبَرَكَةُ وَالنَّاسُ تَتَعَبَّدُ بِتَقْبِيلِهِ كَمَا تُقَبَّلُ أَيْدِي الْمُلُوكِ اهـ. وَرَابِعُهَا مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» وَهُوَ يَقْتَضِي الذُّنُوبَ كُلَّهَا وَالتَّبِعَاتِ لِأَنَّهُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ كَانَ كَذَلِكَ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَجَاوَزَ لَهُمْ عَنْ الْخَطِيئَاتِ وَضَمِنَ عَنْهُمْ التَّبِعَاتِ» وَلَوْ كَانَ لِمَلِكٍ دَارَانِ فَأَوْجَبَ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَأْتُوا إحْدَاهُمَا وَوَعَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مَغْفِرَةَ سَيِّئَاتِهِمْ وَرَفْعَ دَرَجَاتِهِمْ دُونَ الْأُخْرَى لَعُلِمَ أَنَّهَا أَفْضَلُ. وَخَامِسُهَا قَدْ مَرَّ عَنْ الْبَاجِيَّ أَنَّ حَدِيثَ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ بِمِائَةِ أَلْفٍ إذَا ثَبَتَ صَرِيحًا فِي أَنَّ نَفْسَ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ نَفْسِ الْمَدِينَةِ، وَفِي الرَّهُونِيِّ عَنْ سَيِّدِي أَحْمَدَ بَابَا وَقَدْ كَثُرَ الِاحْتِجَاجُ فِي كُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ بِمَا أَكْثَرُهُ خَصَائِصُ وَهِيَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْفَضِيلَةِ لَا الْأَفْضَلِيَّةِ لِأَنَّ

فَقَطْ كَالْمَعَارِفِ وَكَالْإِيمَانِ بِمَا يَجِبُ وَيَسْتَحِيلُ وَيَجُوزُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَثَانِيهَا حَقُّ الْعِبَادِ فَقَطْ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ مُتَمَكِّنُونَ مِنْ إسْقَاطِهِ، وَإِلَّا فَكُلُّ حَقٍّ لِلْعَبْدِ فَفِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَمْرُهُ عَزَّ وَجَلَّ بِإِيصَالِهِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ كَأَدَاءِ الدُّيُونِ وَرَدِّ الْغُصُوبِ وَالْوَدَائِعِ. وَثَالِثُهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقٌّ لِلْعِبَادِ وَالْغَالِبُ مَصْلَحَةُ الْعِبَادِ كَالزَّكَوَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَكَالْأَمْوَالِ الْمَنْذُورَاتِ وَالضَّحَايَا وَالْهَدَايَا وَالْوَصَايَا وَالْأَوْقَافِ. وَرَابِعُهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقٌّ لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلْعِبَادِ كَالْأَذَانِ فَحَقُّهُ تَعَالَى التَّكْبِيرَاتُ وَالشَّهَادَةُ بِالتَّوْحِيدِ وَحَقُّ رَسُولِهِ الشَّهَادَةُ لَهُ بِالرِّسَالَةِ وَحَقُّ الْعِبَادِ الْإِرْشَادُ لِلْأَوْقَاتِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَالْمُنْفَرِدِينَ وَالدُّعَاءُ لِلْجَمَاعَاتِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِينَ وَالصَّلَاةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالنِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّشَهُّدِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَمَا يَصْحَبُهَا مِنْ الْحَرَكَاتِ وَالتُّرُوكِ وَالْكَفِّ عَنْ الْكَلَامِ وَكَثِيرِ الْأَفْعَالِ وَعَلَى حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِ وَالشَّهَادَةِ لَهُ بِالرِّسَالَةِ وَعَلَى حَقِّ الْمُكَلَّفِ وَهُوَ دُعَاؤُهُ لِنَفْسِهِ بِالْهِدَايَةِ وَالِاسْتِقَامَةِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْقُنُوتُ وَدُعَاؤُهُ فِي السُّجُودِ وَالْجُلُوسِ لِنَفْسِهِ وَقَوْلُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّسْلِيمُ آخِرَ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَاضِرِينَ وَلِهَذِهِ الْوُجُوهِ وَنَحْوِهَا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» فَهِيَ مِنْ الْمُفَضَّلَاتِ الَّتِي عُلِمَ سَبَبُ تَفْضِيلِهَا وَأَمَّا تَفْضِيلُ مَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ، أَوْ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ فَبِأُمُورٍ نَعْلَمُهَا وَأُمُورٍ لَا نَعْلَمُهَا فَمِنْ الْمَعْلُومِ كَوْنُ الْمَدِينَةِ مُهَاجَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَأَمَّا تَفْضِيلُ مَكَّةَ عَلَى الْمَدِينَةِ، أَوْ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ فَبِأُمُورٍ نَعْلَمُهَا وَأُمُورٍ لَا نَعْلَمُهَا وَذَكَرَ أُمُورًا مِمَّا تُفَضَّلُ بِهَا الْمَدِينَةُ) قُلْت: لَمْ يَزِدْ عَلَى حِكَايَةِ الْمَذْهَبَيْنِ، وَإِيرَادِ الْحُجَجِ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يُعَيِّنْ الرَّاجِحَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ أَسْبَابَ التَّفْضِيلِ كَثِيرَةٌ هُوَ كَمَا قَالَ، وَقَوْلُ مَنْ ادَّعَى حَصْرَ التَّفْضِيلِ فِي الثَّوَابِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا ذُكِرَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَمَا قَالَهُ مِنْ قَصْدِهِ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ إنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَفْضُولَ قَدْ يَخْتَصُّ بِشَيْءٍ عَنْ الْفَاضِلِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَفْضِيلُهُ بِهِ فَالْأَذَانُ يَفِرُّ مِنْهُ الشَّيْطَانُ دُونَ الصَّلَاةِ تَأَمَّلْ نَعَمْ حَدِيثُ الْمَدِينَةُ خَيْرٌ مِنْ مَكَّةَ نَصٌّ فِي تَفْضِيلِهَا إلَّا أَنَّهُ ضَعِيفٌ اهـ بِتَصَرُّفٍ. (الْمُهِمُّ الثَّالِثُ) أَنَّ الْأَسْبَابَ الْمُوجِبَةَ لِلتَّفْضِيلِ قَدْ تَتَعَارَضُ فَيَكُونُ الْأَفْضَلُ مَنْ حَازَ أَكْثَرَهَا وَأَفْضَلَهَا وَالتَّفْضِيلُ إنَّمَا يَقَعُ بَيْنَ الْمَجْمُوعَاتِ وَقَدْ يَخْتَصُّ الْمَفْضُولُ بِبَعْضِ الصِّفَاتِ الْفَاضِلَةِ وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي التَّفْضِيلِ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ وَأَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ وَأَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ وَأَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَعَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَفْضَلُ الْجَمِيعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَأَنَّ الشَّيْطَانَ يَفِرُّ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَلَا يَفِرُّ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْهُمَا وَكَاخْتِصَاصِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْمُلْكِ الْعَظِيمِ وَنُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِإِنْذَارِ الْمِئِينَ مِنْ السِّنِينَ وَآدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَوْنِهِ أَبَا الْبَشَرِ مَعَ تَفْضِيلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْجَمِيعِ وَكَاخْتِصَاصِ الْجِهَادِ بِثَوَابِ الشَّهَادَةِ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ وَالْحَجَّ أَفْضَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ فِيهِمَا ذَلِكَ وَكَاخْتِصَاصِ الْحَجِّ بِتَكْفِيرِ الذُّنُوبِ كَبِيرِهَا وَصَغِيرِهَا بَلْ وَالتَّبِعَاتِ كَمَا عَلِمْت مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ وَكَاخْتِصَاصِ مَكَّةَ بِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ الْعَمَلِ فِي الْمَدِينَةِ مَعَ أَنَّ الْمَدِينَةَ فِي مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَفْضَلُ لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي» فَيُحْمَلُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» عَلَى ظَاهِرِهِ لِلزِّيَادَةِ وَأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ لِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ الزُّبَيْرِ مَنْطُوقٌ وَقَعَ صَرِيحًا فَلَا يُعَارِضُهُ مَفْهُومُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ كَمَا قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَأَشْهَبُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِدُونِ الْأَلْفِ أَيْ بِتِسْعِ مِائَةٍ وَعَلَى غَيْرِهِ بِأَلْفٍ مُحْتَجِّينَ بِمَا رُوِيَ فِي مُسْنَدِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتِمُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اسْتِثْنَاءٍ فِي مَبْنَاهُ وَعَلَيْهِ جَرَى الْأَصْلُ فِيمَا مَرَّ عَنْهُ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ، وَفِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ بَلْ قَدْ مَرَّ عَنْ الرَّهُونِيِّ عَنْ سَيِّدِي أَحْمَدَ بَابَا أَنَّ حَدِيثَ «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِي هَذَا بِمِائَةِ صَلَاةٍ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَهُوَ الْحُجَّةُ عِنْدَ التَّنَازُعِ وَهُوَ صَرِيحٌ أَيْ فِي: تَفْضِيلُ مَسْجِدِ مَكَّةَ يَدْفَعُ مَا قِيلَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ بِدُونِ أَلْفٍ، أَوْ بِتَأَوُّلِهِمَا فَلِذَا قَالَ مَالِكٌ إنَّ أَسْبَابَ التَّفْضِيلِ لَا تَنْحَصِرُ فِي مَزِيدِ الْمُضَاعَفَةِ

سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَمَوْطِنَ اسْتِقْرَارِ الدِّينِ وَظُهُورِ دَعْوَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَدْفِنِ سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَبِهَا كَمَلَ الدَّيْنُ وَاتَّضَحَ الْيَقِينُ وَحَصَلَ الْعِزُّ وَالتَّمْكِينُ وَكَانَ النَّقْلُ مِنْ أَهْلِهَا أَفْضَلَ النُّقُولِ وَأَصَحَّ الْمُعْتَمَدَاتِ؛ لِأَنَّ الْأَبْنَاءَ فِيهِ يَنْقُلُونَ عَنْ الْآبَاءِ وَالْأَخْلَافُ عَنْ الْأَسْلَافِ فَيَخْرُجُ النَّقْلُ عَنْ حَيِّزِ الظَّنِّ وَالتَّخْمِينِ إلَى حَيِّزِ الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ وَمِنْ جِهَةِ النُّصُوصِ بِوُجُوهٍ. أَحَدُهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَدِينَةُ خَيْرٌ مِنْ مَكَّةَ» وَهُوَ نَصٌّ فِي الْبَابِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ نَصًّا فِي التَّفْضِيلِ غَيْرَ أَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي الْمُتَعَلَّقِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا خَيْرٌ مِنْ جِهَةِ سَعَةِ الرِّزْقِ وَالْمَتَاجِرِ فَمَا تَعَيَّنَ مَحَلُّ النِّزَاعِ. وَثَانِيهَا دُعَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ مَا دَعَا بِهِ إبْرَاهِيمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَكَّةَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي الْمَدْعُوِّ بِهِ فَيُحْمَلُ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ الصَّاعُ وَالْمُدُّ. وَثَالِثُهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ إنَّهُمْ أَخْرَجُونِي مِنْ أَحَبِّ الْبِقَاعِ إلَيَّ فَأَسْكِنِّي أَحَبَّ الْبِقَاعِ إلَيْك» وَمَا هُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ يَكُونُ أَفْضَلَ وَالظَّاهِرُ اسْتِجَابَةُ دُعَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ أَسْكَنَهُ الْمَدِينَةَ فَتَكُونُ أَفْضَلَ الْبِقَاعِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ السِّيَاقَ لَا يَأْبَى دُخُولَ مَكَّةَ فِي الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ لِإِيَاسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى فَأَسْكِنِّي أَحَبَّ الْبِقَاعِ إلَيْك مِمَّا عَدَاهَا، وَإِذَا لَمْ تَدْخُلْ مَكَّةُ فِي الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ الْمَدِينَةِ فَتَسْقُطُ الْحُجَّةُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَلَوْ صَحَّ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ وَصْفِ الْمَكَانِ بِصِفَةِ مَا يَقَعُ فِيهِ كَمَا يُقَالُ بَلَدٌ طَيِّبٌ أَيْ هَوَاهَا وَالْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ أَيْ قُدِّسَ مَنْ فِيهَا، أَوْ مَنْ دَخَلَهَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُقَدَّسُونَ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا وَكَذَلِكَ الْوَادِي الْمُقَدَّسُ أَيْ قُدِّسَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهِ وَالْمَلَائِكَةُ الْحَالُّونَ فِيهِ وَكَذَلِكَ وَصْفُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْبُقْعَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــSأَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا مَا هُوَ مِنْ الْفِقْهِ فَلَيْسَ مَا ذَكَرَهُ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ ذَكَرَ مَا هُوَ مِنْ الْفِقْهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ بِوَجْهٍ مَا فَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِمِنًى عِنْدَ التَّوَجُّهِ لِعَرَفَةَ أَفْضَلُ مِنْهَا بِمَسْجِدِ مَكَّةَ، وَإِنْ انْتَفَتْ عَنْهَا الْمُضَاعَفَةُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِنَا عَلَى تَوْضِيحِ الْمَنَاسِكِ عَلَى أَنَّ فِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ عَلَى عبق عَنْ سَيِّدِي أَحْمَدَ بَابَا أَنَّ هَذَا تَضْعِيفُ نَوْعٍ مِنْ الْعِبَادَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ طَرْدُهُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِهَا مَعَ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَ مَا بِمَكَّةَ مِنْ الْبَرَكَةِ» قَالَ: وَأَمَّا احْتِجَاجُ أَبِي الْوَلِيدِ بْنِ رُشْدٍ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ فِي مَكَّةَ قِبْلَةَ وَكَعْبَةَ الْحَجِّ وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لَهَا مَزِيَّةً بِتَحْرِيمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إيَّاهَا بِقَوْلِهِ إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، وَإِنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ الْجَزَاءِ عَلَى مَنْ صَادَ بِحَرَمِهَا وَلَمْ يُجْمِعُوا عَلَى وُجُوبِهِ عَلَى مَنْ صَادَ بِحَرَمِ الْمَدِينَةِ وَبِأَنَّ جَمَاعَةً رَأَوْا أَنْ تُغَلَّظَ الْحُدُودُ فِي حَرَمِ مَكَّةَ لِحُرْمَتِهِ وَلَا تُقَامَ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97] وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِذَلِكَ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَدِينَةَ مَوْطِنُ إقَامَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُهَاجَرِهِ وَمَوْطِنُ وَمُهَاجَرُ أَصْحَابِهِ الْمُجْمَعِ عَلَى أَنَّهُمْ أَفْضَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَمَدْفِنُ جَسَدِهِ الشَّرِيفِ بَعْدَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَشْرَفُ مِنْ الْكَعْبَةِ وَمِنْ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ. وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الرَّوْضَةَ الْمُشَرَّفَةَ أَفْضَلُ بِقَاعِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ فَيَكُونُ مَا قَارَبَهَا وَجَاوَرَهَا أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ: بِجِيرَانِهَا تَغْلُو الدِّيَارُ وَتَرْخُصُ فَتَأَمَّلْهُ بِإِنْصَافٍ اهـ. قُلْت: وَفِي الْحَطَّابِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ عَنْ الشَّيْخِ السَّمْهُودِيِّ فِي تَارِيخِ الْمَدِينَةِ نَقَلَ عِيَاضٌ وَقَبْلَهُ أَبُو الْوَلِيدِ وَالْبَاجِيِّ وَغَيْرُهُمَا الْإِجْمَاعَ عَلَى تَفْضِيلِ مَا ضَمَّ الْأَعْضَاءَ الشَّرِيفَةَ عَلَى الْكَعْبَةِ بَلْ نَقَلَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ الْحَنْبَلِيِّ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الْعَرْشِ وَصَرَّحَ التَّاجُ الْفَاكِهِيُّ بِتَفْضِيلِهَا عَلَى السَّمَوَاتِ قَالَ بَلْ الظَّاهِرُ الْمُتَعَيَّنُ جَمِيعُ الْأَرْضِ عَلَى السَّمَوَاتِ لِحُلُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْأَكْثَرِ بِخَلْقِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْهَا وَدَفْنِهِمْ فِيهَا لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَفْضِيلِ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ أَيْ مَا عَدَا مَا ضَمَّ الْأَعْضَاءَ الشَّرِيفَةَ اهـ. فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْأَصْلِ إنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لَا الْمَدِينَةِ اهـ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ اللَّهِ مَكَّةَ وَالْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ جَزَاءِ صَيْدِهَا وَرُؤْيَةِ تَغَلُّظِ الْحُدُودِ فِي حَرَمِهَا وَأَنَّهَا لَا تُقَامُ فِيهِ مَزَايَا تَقْتَضِي الْفَضِيلَةَ لَا الْأَفْضَلِيَّةَ،. وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا فَجَوَابُهُ كَمَا قَالَ الْأَصْلُ أَنَّ تِلْكَ الْعَشَرَةَ كَانَ كَمَالُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَمَالُ الدِّينِ فِيهَا أَتَمَّ وَأَوْفَرَ فَلَعَلَّ سَاعَةً بِالْمَدِينَةِ كَانَتْ أَفْضَلَ مِنْ سَنَةٍ بِمَكَّةَ، أَوْ مِنْ جُمْلَةِ الْإِقَامَةِ بِهَا قَالَ الرَّهُونِيُّ. وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ مَرْفُوعًا «وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ» فَجَوَابُهُ كَمَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ إمَّا إنَّهُ قَالَهُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِتَفْضِيلِ الْمَدِينَةِ، أَوْ خَيْرِهَا مَا عَدَاهَا اهـ. قُلْت: عَلَى أَنَّهُ قَدْ مَرَّ فِي وُجُوهِ تَفْضِيلِ الْمَدِينَةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ إنَّهُمْ أَخْرَجُونِي مِنْ أَحَبِّ الْبِقَاعِ إلَيَّ فَأَسْكِنِّي أَحَبَّ الْبِقَاعِ إلَيْك» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَدِينَةُ خَيْرٌ مِنْ مَكَّةَ» وَهُوَ نَصٌّ فِي الْبَابِ، وَإِنْ قَالَ: الْأَصْلُ إنَّ الثَّانِيَ مُطْلَقٌ فِي الْمُتَعَلِّقِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا خَيْرٌ مِنْ جِهَةِ سَعَةِ الرِّزْقِ وَالْمَتَاجِرِ وَأَنَّ سِيَاقَ الْأَوَّلِ يَقْتَضِي عَدَمَ دُخُولِ مَكَّةَ فِي الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ لِإِيَاسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى فَأَسْكِنِّي أَحَبَّ الْبِقَاعِ إلَيْك مِمَّا عَدَاهَا

بِالْمَحَبَّةِ وَهُوَ وَصْفٌ لَهَا بِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا مِمَّا يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ وَهِيَ إقَامَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا، وَإِرْشَادُ الْخَلْقِ إلَى الْحَقِّ وَقَدْ اقْتَضَى ذَلِكَ التَّبْلِيغَ وَتِلْكَ الْقُرُبَاتِ فَبَطَلَ الْوَصْفُ الْمُوجِبُ لِلتَّفْضِيلِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، وَرَابِعُهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَصْبِرُ عَلَى لَأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ إلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا وَشَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَيَرِدُ عَلَيْهِ سُؤَالَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْأَفْضَلِ لَا عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ وَثَانِيهَا أَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي الزَّمَانِ فَيُحْمَلُ عَلَى زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْكَوْنِ مَعَهُ لِنُصْرَةِ الدِّينِ وَيُعَضِّدُهُ خُرُوجُ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - بَعْدَ وَفَاتِهِ إلَى الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالشَّامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبِلَادِ وَخَامِسُهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إلَى جُحْرِهَا» أَيْ تَأْوِي وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ إتْيَانِ الْمُؤْمِنِينَ لَهَا بِسَبَبِ وُجُودِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا حَالَ حَيَاتِهِ فَلَا عُمُومَ لَهُ فِي الْأَزْمَانِ وَلَا بَقَاءَ لِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ بَعْدَهُ لِخُرُوجِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلَى الْعِرَاقِ وَغَيْرِهِ وَهُمْ أَهْلُ الْإِيمَانِ وَخَبَرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقٌّ فَيُحْمَلُ عَلَى زَمَانٍ يَكُونُ الْوَاقِعُ فِيهِ ذَلِكَ تَحْقِيقًا لِصِدْقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَسَادِسُهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْمَدِينَةَ تَنْفِي خَبَثَهَا كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي الْأَزْمَانِ فَيُحْمَلُ عَلَى زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخُرُوجِ الصَّحَابَةِ بَعْدَهُ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونُوا خَبَثًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَسَابِعُهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لَا الْمَدِينَةِ وَأَمَّا مَكَّةُ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَفُضِّلَتْ بِوُجُوهٍ. أَحَدُهَا وُجُوبُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْعُمْرَةِ وَالْمَدِينَةُ يُنْدَبُ لِإِتْيَانِهَا وَلَا يَجِبُ. وَثَانِيهَا أَنَّ إقَامَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ أَكْثَرَ مِنْ الْمَدِينَةِ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ (ثَلَاثَ عَشْرَةَ) سَنَةً وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا غَيْرَ أَنَّهُ يَرِدُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ تِلْكَ الْعَشَرَةَ كَانَ كَمَالُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَمَالُ الدِّينِ فِيهَا أَتَمَّ وَأَوْفَرَ فَلَعَلَّ سَاعَةً بِالْمَدِينَةِ كَانَتْ أَفْضَلَ مِنْ سَنَةٍ بِمَكَّةَ، أَوْ مِنْ جُمْلَةِ الْإِقَامَةِ بِهَا وَثَالِثُهَا فُضِّلَتْ الْمَدِينَةُ بِكَثْرَةِ الطَّارِئِينَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَفَضَلَتْ مَكَّةُ بِالطَّائِفِينَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ مِنْ جِهَةِ الْفِعْلِ وَلَوْ صَحَّ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ وَصْفِ الْمَكَانِ بِصِفَةِ مَا يَقَعُ فِيهِ وَالْمَعْنَى فَأَسْكِنِّي أَحَبَّ الْبِقَاعِ إلَيْك بِمَا جَعَلْته فِيهَا مِمَّا يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ مِنْ إقَامَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا، وَإِرْشَادِ الْخَلْقِ إلَى الْحَقِّ كَمَا يُقَالُ بَلَدٌ طَيِّبٌ أَيْ هَوَاهَا وَالْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ أَيْ قُدِّسَ مَنْ فِيهَا، أَوْ مَنْ دَخَلَهَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ مُقَدَّسُونَ مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا وَالْوَادِي الْمُقَدَّسُ أَيْ قُدِّسَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهِ وَالْمَلَائِكَةُ الْحَالُّونَ فِيهِ اهـ. إذْ يَكْفِي كَوْنُهُمَا ظَاهِرَيْنِ فِي الْمَطْلُوبِ لِأَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِمَجْمُوعِ أَسْبَابِ التَّفْضِيلِ لَا بِهِمَا فَقَطْ حَتَّى يَسْقُطَا بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ فَافْهَمْ، وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي الْوَلِيدِ بْنِ رُشْدٍ وَلَا حُجَّةَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُرَغِّبَةِ فِي سُكْنَى الْمَدِينَةِ عَلَى تَفْضِيلِهَا أَمَّا دُعَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ مَا دَعَا بِهِ إبْرَاهِيمُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَكَّةَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ فَلِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي الْمَدْعُوِّ بِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا خُرِّجَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ مِنْ الصَّاعِ وَالْمُدِّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَنْ يُبَارَكَ لَهُمْ فِي مَدِينَتِهِمْ وَصَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ أَنْ تَكُونَ بِذَلِكَ أَفْضَلَ مِنْ مَكَّةَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى» فَلِأَنَّهُ إنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ إلَى قَرْيَةٍ تُفْتَحُ مِنْهَا الْبِلَادُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إلَى جُحْرِهَا» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْمَدِينَةَ تَنْفِي خَبَثَهَا كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَصْبِرُ عَلَى لَأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ إلَّا كُنْت لَهُ شَفِيعًا وَشَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَلِحَمْلِهَا عَلَى زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْكَوْنُ مَعَهُ لِنُصْرَةِ الدِّينِ قَالَ الْأَصْلُ وَيُعَضِّدُهُ خُرُوجُ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - بَعْدَ وَفَاتِهِ إلَى الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالشَّامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبِلَادِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَصْبِرُ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى الْفَضْلِ لَا عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ اهـ فَلَا يَتِمُّ فِي جَمِيعِهَا كَمَا. قَالَ الرَّهُونِيُّ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ التَّرْغِيبَ فِي سُكْنَى الْمَدِينَةِ خَاصٌّ بِحَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّ سُكْنَاهَا خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَابِتَةٌ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ قَالَ وَقَوْلُهُ إنَّ مَعْنَى حَدِيثِ «إنَّ الْإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إلَى الْمَدِينَةِ» أَنَّ النَّاسَ يَنْتَابُونَ إلَيْهَا فِي حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ لَيْسَ نَصًّا فِي الْحَدِيثِ وَلَا ظَاهِرًا مِنْهُ وَقَدْ فُهِمَ غَيْرُهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ قَالَ عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ قَوْلُهُ «إنَّ الْإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إلَى جُحْرِهَا» كَذَا لِأَكْثَرِهِمْ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَكَذَا قَيَّدْنَاهُ مِنْ شُيُوخِنَا فِي هَذِهِ الْكُتُبِ وَغَيْرِهَا وَكَذَا قَيَّدَهُ الْأَصِيلِيُّ بِخَطِّهِ وَزَادَ فِي ابْنِ سِرَاجٍ يَأْرُزُ بِالضَّمِّ وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ كِتَابِ الْقَابِسِيِّ يَأْرُزُ بِالْفَتْحِ وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ هَكَذَا سَمِعَهُ مِنْ الْمَرْوَزِيِّ وَمَعْنَاهُ يَنْضَمُّ وَيَجْتَمِعُ وَقِيلَ يَرْجِعُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «لَيَعُودَنَّ كُلُّ إيمَانٍ إلَى الْمَدِينَةِ» اهـ مِنْهَا بِلَفْظِهَا، وَفِي الصِّحَاحِ مَا نَصُّهُ وَأَرَزَ فُلَانٌ يَأْرِزُ أَرْزًا وَأُرُوزًا إذَا تَضَامَّ وَتَقَبَّضَ مِنْ بُخْلِهِ فَهُوَ أَرُوزٌ. ثُمَّ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ «إنَّ الْإِسْلَامَ لَيَأْرِزُ إلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إلَى جُحْرِهَا» أَيْ يَنْضَمُّ إلَيْهَا فَيَجْتَمِعُ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ فِيهَا اهـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ اهـ. قُلْت: وَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ مِنْ التَّعْضِيدِ مَدْفُوعٌ بِمَا فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «يُفْتَحُ الْيَمَنُ فَتَأْتِي قَوْمٌ يَبِسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وَيُفْتَحُ الشَّامُ إلَخْ وَيُفْتَحُ الْعِرَاقُ إلَخْ» قَالَ الْبَاجِيَّ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ إلَخْ لَهُمْ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَا يَفُوتُهُمْ مِنْ الْأَجْرِ بِالِانْتِقَالِ عَنْهَا أَعْظَمُ وَأَفْضَلُ مِمَّا يَنَالُونَهُ مِنْ الْخِصْبِ وَسَعَةِ الْعَيْشِ حَيْثُ يَنْتَقِلُونَ إلَيْهِ مِنْ الْيَمَنِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ اهـ. وَمَا فِي الْمُوَطَّإِ أَيْضًا.

الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ فَمَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا حَجَّهَا آدَم فَمَنْ سِوَاهُ وَلَوْ كَانَ لِمَلِكٍ دَارَانِ فَأَوْجَبَ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَأْتُوا إحْدَاهُمَا وَوَعَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِمَغْفِرَةِ سَيِّئَاتِهِمْ وَرَفْعِ دَرَجَاتِهِمْ دُونَ الْأُخْرَى لَعُلِمَ أَنَّهَا عِنْدَهُ أَفْضَلُ. وَرَابِعُهَا أَنَّ التَّعْظِيمَ وَالِاسْتِلَامَ نَوْعٌ مِنْ الِاحْتِرَامِ وَهُمَا خَاصَّانِ بِالْكَعْبَةِ وَخَامِسُهَا وُجُوبُ اسْتِقْبَالِهَا يَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِهَا وَسَادِسُهَا تَحْرِيمُ اسْتِقْبَالِهَا وَاسْتِدْبَارِهَا عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ يَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِهَا وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ لِغَيْرِهَا وَسَابِعُهَا تَحْرِيمُهَا يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ تُحَرَّمْ الْمَدِينَةُ إلَّا فِي زَمَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ دَلِيلُ فَضْلِهَا وَثَامِنُهَا كَوْنُهَا مَثْوَى إبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَتَاسِعُهَا كَوْنُهَا مَوْلِدَ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَاشِرُهَا كَوْنُهَا لَا تُدْخَلُ إلَّا بِإِحْرَامٍ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِهَا وَحَادِيَ عَشَرَهَا قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] وَثَانِيَ عَشَرَهَا الِاغْتِسَالُ لِدُخُولِهَا دُونَ الْمَدِينَةِ وَثَالِثَ عَشَرَهَا ثَنَاءُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران: 96] وَاعْلَمْ أَنَّ تَفْضِيلَ الْأَزْمَانِ وَالْبِقَاعِ قِسْمَانِ: تَفْضِيلٌ دُنْيَوِيٌّ كَتَفْضِيلِ الرَّبِيعِ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَتَفْضِيلِ بَعْضِ الْبُلْدَانِ بِالثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ وَطِيبِ الْهَوَاءِ وَمُوَافَقَةِ الْأَهْوَاءِ، وَدِينِيٌّ كَتَفْضِيلِ رَمَضَانَ عَلَى الشُّهُورِ وَعَاشُورَاءَ عَلَى الْأَيَّامِ وَكَذَلِكَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَيَّامُ الْبِيضِ وَعَشْرُ الْمُحَرَّمِ وَالْخَمِيسُ وَالِاثْنَيْنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَفْضِيلِهِ وَتَعْظِيمِهِ مِنْ الْأَزْمِنَةِ وَالْبِقَاعِ نَحْوِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَعَرَفَةَ وَالْمَطَافِ وَالْمَسْعَى وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَمَرْمَى الْجِمَارِ، وَمِنْ الْأَقَالِيمِ الْيَمَنُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ» وَالْمَغْرِبُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ قَائِمِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» وَمِنْ الْأَزْمِنَةِ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ فَضَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِإِجَابَةِ الدَّعَوَاتِ وَمَغْفِرَةِ الزَّلَّاتِ، وَإِعْطَاءِ السُّؤَالِ وَنَيْلِ الْآمَالِ، وَأَسْبَابُ التَّفْضِيلِ كَثِيرَةٌ لَا أَقْدِرُ عَلَى إحْصَائِهَا خَشْيَةَ الْإِسْهَابِ، وَإِنَّمَا بَعَثَنِي عَلَى الْوُصُولِ فِيهَا إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ مَا أَنْكَرَهُ بَعْضُ فُضَلَاءِ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى الْقَاضِي عِيَاضٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَوْلِهِ إنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ الْبُقْعَةَ الَّتِي ضَمَّتْ أَعْضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ الْبِقَاعِ فَقَالَ الثَّوَابُ هُوَ سَبَبُ التَّفْضِيلِ وَالْعَمَلُ هَهُنَا مُتَعَذَّرٌ فَلَا ثَوَابَ فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الْإِجْمَاعُ وَشَنَّعَ عَلَيْهِ كَثِيرًا فَأَرَدْت أَنْ أُبَيِّنَ تَعَدُّدَ الْأَسْبَابِ فِي ذَلِكَ فَبَطَلَ مَا قَالَهُ مِنْ الرَّدِّ عَلَى الْقَاضِي وَبَلَغَنِي أَيْضًا عَنْ الْمَأْمُونِ بْنِ الرَّشِيدِ الْخَلِيفَةِ أَنَّهُ قَالَ أَسْبَابُ التَّفْضِيلِ أَرْبَعَةٌ وَكُلُّهَا كَمَلَتْ فِي عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهُوَ أَفْضَلُ الصَّحَابَةِ وَأَخَذَ يَرُدُّ بِذَلِكَ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَأَرَدْت أَيْضًا أَنْ أُبْطِلَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْحَصْرِ، وَمَسَائِلُ التَّفْضِيلِ كَثِيرَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَبَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَهِيَ أَشْبَهُ بِأُصُولِ الدِّينِ وَهَذَا الْكِتَابُ إنَّمَا قَصَدْت فِيهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ خَاصَّةً فَلِذَلِكَ اقْتَصَرْت عَلَى تَفْضِيلِ الصَّلَاةِ وَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ وَأَحَلْتُ مَا عَدَاهَا عَلَى مَوْضِعِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. (الْفَرْقُ الرَّابِعَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَدَّثَنِي مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ حِينَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ الْتَفَتَ إلَيْهَا فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ يَا مُزَاحِمُ نَخْشَى أَنْ نَكُونَ مِمَّا نَفَتْ الْمَدِينَةُ قَالَ الْبَاجِيَّ يُرِيدُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا تَنْفِي خَبَثَهَا فَخَافَ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ نَفَتْهُ الْمَدِينَةُ لِكَوْنِهِ مِنْ الْخَبَثِ لِمُخَالَفَةِ سُنَّةٍ، أَوْ ضَلَالٍ عَنْ هُدًى وَمِثْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالدِّينِ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ اهـ فَافْهَمْ. (الْمُهِمُّ الرَّابِعُ) مَسَائِلُ التَّفْضِيلِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَةً إلَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى التَّفْضِيلِ بِالطَّاعَاتِ وَكَثْرَةِ الْمَثُوبَاتِ وَالْأَحْوَالِ السُّنِّيَّاتِ وَشَرَفِ الرِّسَالَاتِ وَالدَّرَجَاتِ الْعَلِيَّاتِ فَمَنْ كَانَ فِيهَا أَتَمَّ فَهُوَ أَفْضَلُ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ: وَتَلْخِيصُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ النَّاظِمُ أَوَّلًا وَآخِرًا أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى الْعُمُومِ وَيَلِيهِ إبْرَاهِيمُ، ثُمَّ مُوسَى، ثُمَّ عِيسَى، ثُمَّ نُوحٌ، ثُمَّ بَقِيَّةُ الرُّسُلِ، ثُمَّ الْأَنْبِيَاءُ غَيْرُ الرُّسُلِ، ثُمَّ هُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ مُتَفَاضِلُونَ أَيْضًا عِنْدَ اللَّهِ، ثُمَّ أَرْأَسُ رُسُلِ الْمَلَائِكَةِ، ثُمَّ مَنْ يَلِيهِ مِنْهُمْ ثُمَّ بَقِيَّةُ رُسُلِهِمْ، ثُمَّ بَقِيَّتُهُمْ غَيْرُ الرُّسُلِ، ثُمَّ هُمْ مُتَفَاضِلُونَ أَيْضًا فِيمَا بَيْنَهُمْ، ثُمَّ قَالَ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ النَّظْمِ أَنَّ التَّفْضِيلَ إمَّا بِاعْتِبَارِ أَفْرَادِ الصَّحَابَةِ فَأَبُو بَكْرٍ هُوَ الْأَفْضَلُ، ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عَلِيٌّ، وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ الْأَصْنَافِ فَأَفْضَلُهُمْ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، ثُمَّ السِّتَّةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ الْعَشَرَةِ، ثُمَّ بَقِيَّةُ الْبَدْرِيِّينَ، ثُمَّ بَقِيَّةُ أَصْحَابِ أُحُدٍ، ثُمَّ بَقِيَّةُ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهُوَ فِي كَلَامِ الشَّمْسِ الْبِرْمَاوِيِّ اهـ وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ، وَإِنْ كَانَتْ أَشْبَهَ بِأُصُولِ الدِّينِ إلَّا أَنَّ لَهَا تَعَلُّقًا بِالْفِقْهِ بِوَجْهٍ مَا، سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ مَا أُخِذَ مِنْ الْكِتَابِ، أَوْ السُّنَّةِ، أَوْ الْإِجْمَاعِ وَلَا عَلَى طَرِيقِ الِاعْتِدَادِ لَا الِاسْتِقْلَالِ كَأَغْلَبِ مَسَائِلِ التَّوْحِيدِ الَّتِي يَسْتَقِلُّ بِهَا الْعَقْلُ وَهَذَا الْكِتَابُ الْمَقْصُودُ الِاقْتِصَارُ فِيهِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ خَاصَّةً وَلَوْ بِوَجْهٍ مَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

[الفرق بين قاعدة ما يصح اجتماع العوضين فيه لشخص واحد وبين قاعدة ما لا يصح أن يجتمع فيه العوضان لشخص واحد]

مَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُ الْعِوَضَيْنِ فِيهِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَجْتَمِعَ فِيهِ الْعِوَضَانِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ) اعْلَمْ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ الْأَكْثَرِيَّةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ الْعِوَضَانِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَإِنَّمَا يَأْكُلُهُ بِالسَّبَبِ الْحَقِّ إذَا خَرَجَ مِنْ يَدِهِ مَا أَخَذَ الْعِوَضَ بِإِزَائِهِ فَيَرْتَفِعُ الْغَبْنُ وَالضَّرَرُ عَلَى الْمُتَعَاوَضَيْنِ فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْبَائِعِ الثَّمَرُ وَالسِّلْعَةُ مَعًا وَلَا لِلْمُؤَجِّرِ الْأُجْرَةُ وَالْمَنْفَعَةُ مَعًا وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الصُّوَرِ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ اُسْتُثْنِيَتْ مَسَائِلُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ لِلضَّرُورَةِ وَأَنْوَاعٌ مِنْ الْمَصَالِحِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْإِجَارَةُ عَلَى الصَّلَاةِ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْجَوَازُ وَالْمَنْعُ وَالثَّالِثُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يُضَمَّ إلَيْهَا الْأَذَانُ فَتَصِحَّ أَوْ لَا يُضَمَّ إلَيْهَا فَلَا تَصِحَّ وَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّ ثَوَابَ صَلَاتِهِ لَهُ فَلَوْ حَصَلَتْ لَهُ الْأُجْرَةُ أَيْضًا لَحَصَلَ الْعِوَضُ وَالْمُعَوَّضُ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَحُجَّةُ الْجَوَازِ أَنَّ الْأُجْرَةَ بِإِزَاءِ الْمُلَازَمَةِ فِي الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ غَيْرُ الصَّلَاةِ وَوَجْهُ التَّفْرِقَةِ أَنَّ الْأَذَانَ لَا يَلْزَمُهُ فَيَصِحُّ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ فَإِذَا ضُمَّ إلَى الصَّلَاةِ قَرُبَ الْعَقْدُ مِنْ الصِّحَّةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ: الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ أَخْذُ الْخَارِجِ فِي الْجِهَادِ مِنْ الْقَاعِدِ مِنْ أَهْلِ دِيوَانِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الرَّابِعَ عَشَرَ وَالْمِائَةَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُ الْعِوَضَيْنِ فِيهِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَجْتَمِعَ فِيهِ الْعِوَضَانِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ) قُلْت فِي هَذَا الْفَرْقِ نَظَرٌ يَفْتَقِرُ إلَى بَسْطٍ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ الْمَبْذُولُ فِيهَا عِوَضًا عَنْ الثَّوَابِ بَلْ هُوَ مَعُونَةٌ عَلَى الْقِيَامِ بِتِلْكَ الْأُمُورِ فَلِلْقَائِمِ بِهَا ثَوَابُهُ وَلِمَنْ تَوَلَّى الْمَعُونَةَ ثَوَابُهُ فَلَمْ يَجْتَمِعْ الْعِوَضَانِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ بِوَجْهٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ فِي الْفُرُوقِ الْخَمْسَةِ الَّتِي بَعْدَهُ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ مَا عَدَا قَوْلِهِ كَمَا أَنَّ الْمُشْتَرَكَ الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ فَإِنَّ الْمُشْتَرَكَ لَيْسَ هُوَ مَفْهُومُ أَحَدِهَا وَلَا هُوَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ كَمَا سَلَفَ التَّنْبِيهُ عَلَى مِثْلِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُ الْعِوَضَيْنِ فِيهِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَجْتَمِعَ فِيهِ الْعِوَضَانِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَبِهِ نَسْتَعِينُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُلْهِمِ لِلصَّوَابِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَالْأَصْحَابِ (الْفَرْقُ الرَّابِعَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُ الْعِوَضَيْنِ فِيهِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَجْتَمِعَ فِيهِ الْعِوَضَانِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ) إنَّمَا يَتِمُّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى تَسْلِيمِ مَا قَالَهُ الْأَصْلُ مِنْ أَنَّ قَاعِدَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ الْعِوَضَانِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَإِنَّمَا يَأْكُلُهُ بِالسَّبَبِ الْحَقِّ إذَا خَرَجَ مِنْ يَدِهِ مَا أَخَذَ الْعِوَضَ بِإِزَائِهِ فَيَرْتَفِعُ الْغَبْنُ وَالضَّرَرُ عَلَى الْمُتَعَاوِضَيْنِ فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْبَائِعِ الثَّمَنُ وَالسِّلْعَةُ مَعًا وَلَا لِلْمُؤَجِّرِ الْأُجْرَةُ وَالْمَنْفَعَةُ مَعًا أَكْثَرِيَّةً لَا كُلِّيَّةً فَيُسْتَثْنَى مِنْهَا مَسَائِلُ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الْإِجَارَةُ عَلَى الصَّلَاةِ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ الْجَوَازُ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ

جُعْلًا عَلَى ذَلِكَ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَجَازَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجْعَلُ لِغَيْرِ مَنْ فِي دِيوَانِهِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ لِذَلِكَ وَثَوَابُ الْجِهَادِ حَاصِلٌ لِلْخَارِجِ فَلَا يَجْتَمِعُ لَهُ الْعِوَضُ وَالْمُعَوَّضُ لِأَنَّ حِكْمَةَ الْمُعَاوَضَةِ انْتِفَاعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاوِضَيْنِ بِمَا بُذِلَ لَهُ حُجَّةُ مَالِكٍ عَمَلُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ بَابُ ضَرُورَةٍ أَنْ يَنُوبَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ إذَا كَانُوا أَهْلَ دِيوَانٍ وَاحِدٍ فَإِنْ تَعَدَّدَتْ الدَّوَاوِينُ فَلَا ضَرُورَةَ تُخَالَفُ لِأَجْلِهَا الْقَاعِدَةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا: الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ مَسْأَلَةُ الْمُسَابَقَةِ بَيْنَ الْخَيْلِ فَقُلْنَا السَّابِقُ لَا يَأْخُذُ مَا جُعِلَ لِلسَّابِقِ لِأَنَّ السَّابِقَ لَهُ أَجْرُ التَّسَبُّبِ لِلْجِهَادِ فَلَا يَأْخُذُ الَّذِي جُعِلَ فِي الْمُسَابَقَةِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ لَهُ الْعِوَضُ وَالْمُعَوَّضُ فَلِهَذِهِ الْحِكْمَةِ وَبِسَبَبِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ اشْتَرَطَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الثَّالِثَ الْمُحَلِّلَ لَأَخْذِ الْعِوَضِ (الْفَرْقُ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالْمِائَةَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَرْزَاقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِجَارَاتِ) كِلَاهُمَا بَذْلُ مَالٍ بِإِزَاءِ الْمَنَافِعِ مِنْ الْغَيْرِ غَيْرَ أَنَّ بَابَ الْأَرْزَاقِ أَدْخَلُ فِي بَابِ الْإِحْسَانِ وَأَبْعَدُ عَنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ وَبَابُ الْإِجَارَةِ أَبْعَدُ مِنْ بَابِ الْمُسَامَحَةِ وَأَدْخَلُ فِي بَابِ الْمُكَايَسَةِ وَيَظْهَرُ تَحْقِيقُ ذَلِكَ بِسِتِّ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْقُضَاةُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ أَرْزَاقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الْقَضَاءِ إجْمَاعًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَأْجَرُوا عَلَى الْقَضَاءِ إجْمَاعًا بِسَبَبِ أَنَّ الْأَرْزَاقَ إعَانَةٌ مِنْ الْإِمَامِ لَهُمْ عَلَى الْقِيَامِ بِالْمَصَالِحِ لَا أَنَّهُ عِوَضٌ وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ عِنْدَ قِيَامِ الْحِجَاجِ وَنُهُوضِهَا وَلَوْ اُسْتُؤْجِرُوا عَلَى ذَلِكَ لَدَخَلَتْ التُّهْمَةُ فِي الْحُكْمِ بِمُعَاوَضَةِ صَاحِبِ الْعِوَضِ وَلِذَلِكَ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِعِوَضٍ وَيَكُونُ الْوَكِيلُ عَاضِدًا وَنَاصِرًا لِمَنْ بَذَلَ لَهُ الْعِوَضَ وَيَجُوزُ فِي الْأَرْزَاقِ الَّتِي تُطْلَقُ لِلْقَاضِي الدَّفْعُ وَالْقَطْعُ وَالتَّقْلِيلُ وَالتَّكْثِيرُ وَالتَّغْيِيرُ وَلَوْ كَانَ إجَارَةً لَوَجَبَ تَسْلِيمُهُ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ وَالْوَفَاءُ بِالْعُقُودِ وَاجِبٌ وَالْأَرْزَاقُ مَعْرُوفٌ وَصَرَفَ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ وَقَدْ تَعْرِضُ مَصْلَحَةٌ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْقَضَاءِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْإِمَامِ الصَّرْفُ فِيهَا وَالْأُجْرَةُ فِي الْإِجَارَاتِ تُورَثُ وَيَسْتَحِقُّهَا الْوَارِثُ وَيُطَالِبُ بِهَا وَالْأَرْزَاقُ لَا يَسْتَحِقُّهَا الْوَارِثُ وَلَا يُطَالِبُ بِهَا لِأَنَّهَا مَعْرُوفٌ غَيْرُ لَازِمٍ لِجِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ : الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ أَرْزَاقُ الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ يَجُوزُ أَنْ تُنْقَلَ عَنْ جِهَاتِهَا إذَا تَعَطَّلَتْ أَوْ وُجِدَتْ جِهَةٌ هِيَ أَوْلَى بِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْجِهَةِ الْأُولَى وَلَوْ كَانَتْ وَقْفًا أَوْ إجَارَةً لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ فِيهَا لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ وَالْوَفَاءَ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَاجِبٌ وَهُوَ عَقْدٌ لَازِمٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْإِمَامُ لِمُتَوَلِّي الْمَسْجِدِ أَنْ يَسْتَنِيبَ دَائِمًا وَيَكُونَ لَهُ تِلْكَ الْأَرْزَاقِ وَتِلْكَ الرَّزْقَةُ مِنْ الْخَرَاجِ وَالطِّينِ عَلَى النَّظَرِ لَا عَلَى الْقِيَامِ بِالْوَظِيفَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِمَنْ تَقَدَّمَهُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِإِزَاءِ الْمُلَازَمَةِ فِي الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ غَيْرُ الصَّلَاةِ وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّ ثَوَابَ صَلَاتِهِ لَهُ فَلَوْ حَصَلَتْ لَهُ الْأُجْرَةُ أَيْضًا لَحَصَلَ لَهُ اجْتِمَاعُ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ الثَّالِثُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يُضَمَّ إلَيْهَا الْأَذَانُ فَتَصِحَّ أَوْ لَا يُضَمَّ إلَيْهَا فَلَا تَصِحَّ لِأَنَّ الْأَذَانَ لَا يَلْزَمُهُ فَيَصِحُّ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ فَإِذَا ضُمَّ إلَى الصَّلَاةِ قَرُبَ الْعَقْدُ مِنْ الصِّحَّةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِابْنِ رُشْدٍ وَأَمَّا إجَارَةُ الْمُؤَذِّنِ فَإِنْ قَوْمًا لَمْ يَرَوْا فِي ذَلِكَ بَأْسًا قِيَاسًا عَلَى الْأَفْعَالِ غَيْرِ الْوَاجِبَةِ وَقَوْمًا كَرِهُوا ذَلِكَ وَحَرَّمُوهُ مُحْتَجِّينَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ قَالَ «رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أُجْرَةً» وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. اهـ بِتَصَرُّفِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَخَذَ الْخَارِجُ فِي الْجِهَادِ مِنْ الْقَاعِدِ مِنْ أَهْلِ دِيوَانِهِ جُعْلًا عَلَى ذَلِكَ أَجَازَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِعَمَلِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ بَابُ ضَرُورَةٍ أَنْ يَنُوبَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ إذَا كَانُوا أَهْلَ دِيوَانٍ وَاحِدٍ وَإِلَّا فَلَا ضَرُورَةَ تُخَالَفُ لِأَجْلِهَا الْقَاعِدَةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا فَيُقَالُ بِالْجَوَازِ مَعَ اجْتِمَاعِ ثَوَابِ الْجِهَادِ وَالْجُعْلُ لِلْخَارِجِ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كَانَ الْخَارِجُ مِنْ أَهْلِ دِيوَانِهِ لَا مِنْ أَهْلِ دِيوَانٍ آخَرَ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْمُسَابَقَةُ بِجَعْلِ أَيِّ مَالٍ يُجْعَلُ بَيْنَ الْمُتَسَابِقَيْنِ لِيَأْخُذَهُ السَّابِقُ أَوْ مَنْ حَضَرَ فِي الْخَيْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَالْإِبِلُ كَذَلِكَ وَالْخَيْلُ مِنْ جَانِبٍ وَالْإِبِلُ مِنْ جَانِبٍ جَائِزَةٌ بِمَعْنَى الْإِذْنِ الصَّادِقِ بِالْوُجُوبِ إنْ تَوَقَّفَ أَصْلُ الْجِهَادِ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْوَسَائِلَ تُعْطَى حُكْمَ الْمَقَاصِدِ وَلِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَبِالنَّدْبِ إنْ تَوَقَّفَتْ الْبَرَاعَةُ فِيهِ عَلَيْهَا وَبِالْإِبَاحَةِ إنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَيْهَا شَيْءٌ أَنْ يَصِحَّ تَبَعُ الْجُعْلِ وَإِخْرَاجُهُ غَيْرَ الْمُتَسَابِقَيْنِ لِيَأْخُذَهُ مَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا أَوْ أَخْرَجَهُ أَحَدُهُمَا فَإِنْ سَبَقَ غَيْرُهُ أَخَذَهُ السَّابِقُ وَإِنْ سَبَقَ هُوَ فَلِمَنْ حَضَرَ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ وَشُرَّاحِهِ فَاشْتَرَطُوا الثَّالِثَ الْمُحَلِّلَ لِأَخْذِ الْعِوَضِ وَفِي الْمِنَحِ عَنْ الْأَصْلِ وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ ثَلَاثِ قَوَاعِدَ لِلْمَنْعِ الْقِمَارُ وَتَعْذِيبُ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ أَكْلِهِ وَحُصُولِ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ

[الفرق بين قاعدة الأرزاق وبين قاعدة الإجارات]

الْقِيَامِ بِالْوَظِيفَةِ بِسَبَبِ أَنَّ الْأَرْزَاقَ مَعْرُوفٌ يَتْبَعُ الْمَصَالِحَ فَكَيْفَمَا دَارَتْ دَارَ مَعَهَا وَيَتَعَذَّرُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْأَوْقَافِ مِنْ الْحَوَانِيتِ وَالدُّورِ وَغَيْرِهَا بِسَبَبِ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَجُوزُ تَغْيِيرُهُ وَلَا تَغْيِيرُ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ فَإِذَا وَقَفَ الْوَاقِفُ عَلَى مَنْ يَقُومُ بِوَظِيفَةِ الْإِمَامَةِ أَوْ الْأَذَانِ أَوْ الْخَطَابَةِ أَوْ التَّدْرِيسِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ رِيعِ ذَلِكَ الْوَقْفِ شَيْئًا إلَّا إذَا قَامَ بِذَلِكَ الشَّرْطِ عَلَى مُقْتَضَى شَرْطِ الْوَاقِفِ فَإِنْ اسْتَنَابَ عَنْهُ غَيْرَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دَائِمًا فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الْأَعْذَارِ لَا يَسْتَحِقُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ رِيعِ ذَلِكَ الْوَقْفِ أَمَّا النَّائِبُ فَلِأَنَّهُ مِنْ شَرْطِ اسْتِحْقَاقِهِ صِحَّةُ وِلَايَتِهِ وَصِحَّةُ وِلَايَتِهِ مَشْرُوطَةٌ بِأَنْ تَكُونَ مِمَّنْ لَهُ النَّظَرُ وَهَذَا الْمُسْتَنِيبُ لَيْسَ لَهُ نَظَرٌ إنَّمَا هُوَ إمَامٌ أَوْ مُؤَذِّنٌ أَوْ مُؤَذِّنٌ أَوْ مُدَرِّسٌ فَلَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ الصَّادِرَةُ عَنْهُ وَأَمَّا الْمُسْتَنِيبُ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا أَيْضًا بِسَبَبِ أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فَإِنْ اسْتَنَابَ فِي أَيَّامِ الْأَعْذَارِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ رِيعَ الْوَقْفِ وَأَنْ يُطْلِقَ لِنَائِبِهِ مَا أَحَبَّ مِنْ ذَلِكَ الرِّيعِ. وَإِنْ كَانَ الْمُطْلَقُ لَهُ أَرْزَاقًا عَلَى وَظِيفَةٍ مِنْ تَدْرِيسٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْإِمَامَةِ أَوْ الْأَذَانِ أَوْ الْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَوْ الْحِسْبَةِ وَلَمْ يَقُمْ بِتِلْكَ الْوَظِيفَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ ذَلِكَ الْقَدْرَ لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا أَطْلَقَهُ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى وَظِيفَةٍ وَلَمْ يَقُمْ بِهَا وَاسْتِبَاحَةُ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ وَأَخْذُ هَذَا الْمُطْلَقِ بِغَيْرِ هَذَا الشَّرْطِ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْإِمَامُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُطْلِقَهُ لَهُ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى عَدَمِ قِيَامِهِ بِالْوَظِيفَةِ لِمَصْلَحَةٍ أُخْرَى غَيْرِ تِلْكَ الْوَظِيفَةِ فَيَسْتَحِقُّهُ بِالْإِطْلَاقِ الثَّانِي لَا بِالتَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ وَلَوْ كَانَ وَقْفًا وَلَمْ يَقُمْ بِشَرْطِهِ لَمْ يَجُزْ لِلْإِمَامِ إطْلَاقُهُ لِمَنْ لَمْ يَقُمْ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فِي اسْتِحْقَاقِهِ فَهَذَا أَيْضًا يُمَيِّزُ لَك الْأَرْزَاقَ مِنْ بَابِ الْأَوْقَافِ وَالْإِجَارَاتِ وَيَجُوزُ فِي الْمَدَارِسِ الْأَرْزَاقُ وَالْوَقْفُ وَالْإِجَارَةُ وَلَا يَجُوزُ فِي إمَامَةِ الصَّلَاةِ الْإِجَارَةُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَجُوزُ الْأَرْزَاقُ وَالْوَقْفُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ يُغَلِّظُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيَقُولُ إنَّمَا يَجُوزُ تَنَاوُلُ الرِّزْقِ عَلَى الْإِمَامَةِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْإِجَارَةِ عَلَى الْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ وَيَتَوَرَّعُ عَنْ تَنَاوُلِ الرِّزْقِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ الْإِجَارَةِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَّهُ بَلْ الْأَرْزَاقُ مُجْمَعٌ عَلَى جَوَازِهَا لِأَنَّهَا إحْسَانٌ وَمَعْرُوفٌ وَإِعَانَةٌ لَا إجَارَةٌ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُكَايَسَةٍ وَمُغَابَنَةٍ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ الْعِوَضَانِ فِيهَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْمُعَاوَضَةَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِيَنْتَفِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاوِضَيْنِ بِمَا بُذِلَ لَهُ وَأَجْرَا الصَّلَاةِ لَهُ فَلَوْ أَخَذَ الْعِوَضَ عَنْهَا لَاجْتَمَعَ لَهُ الْعِوَضَانِ وَالْأَرْزَاقُ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ أَلْبَتَّةَ لِجَوَازِهِ فِي أَضْيَقِ الْمَوَاضِعِ الْمَانِعَةِ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ وَهُوَ الْقَضَاءُ وَالْحُكْمُ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا وَرَعَ حِينَئِذٍ فِي تَنَاوُلِ الرِّزْقِ وَالْأَرْزَاقِ عَلَى الْإِمَامَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهِيَ مَا إذَا أَخْرَجَ الْجُعْلَ غَيْرُ الْمُتَسَابِقَيْنِ لِيَأْخُذَهُ السَّابِقُ مَعَ أَنَّ لَهُ أَجْرَ التَّسَبُّبِ لِلْجِهَادِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ لَا يُسَلَّمُ أَنَّ الْمَبْذُولَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ عِوَضٌ عَنْ الثَّوَابِ بَلْ هُوَ مَعُونَةٌ عَلَى الْقِيَامِ بِتِلْكَ الْأُمُورِ فَلِلْقَائِمِ بِهَا ثَوَابٌ وَلِمَنْ يُؤْتِي الْمَعُونَةَ ثَوَابٌ فَلَمْ يَجْتَمِعْ الْعِوَضَانِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ بِوَجْهٍ عَلَى أَنَّ فِي هَذَا الْفَرْقِ نَظَرًا يَفْتَقِرُ إلَى بَسْطٍ. اهـ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ النَّظَرِ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَرْزَاقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِجَارَاتِ] [الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى أَرْزَاق الْقُضَاةُ] (الْفَرْقُ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَرْزَاقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِجَارَاتِ) الْأَرْزَاقُ وَالْإِجَارَاتُ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي أَنَّ كِلَيْهِمَا بَذْلُ مَالٍ بِإِزَاءِ الْمَنَافِعِ مِنْ الْغَيْرِ إلَّا أَنَّهُمَا افْتَرَقَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ بَابَ الْأَرْزَاقِ دَخَلَ فِي بَابِ الْإِحْسَانِ وَأَبْعَدُ عَنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ وَبَابُ الْإِجَارَةِ أَبْعَدُ عَنْ بَابِ الْإِحْسَانِ وَالْمُسَامَحَةِ وَأَدْخَلُ فِي بَابِ الْمُعَاوَضَةِ وَالْمُكَايَسَةِ وَالْمُغَابَنَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ وَالْوَفَاءَ بِالْعُقُودِ وَاجِبٌ وَالْأَرْزَاقُ مَعْرُوفٌ وَصَرْفٌ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ فَإِذَا عَرَضَتْ مَصْلَحَةٌ أُخْرَى أَعْظَمُ مِنْ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ تَعَيَّنَ عَلَى الْإِمَامِ الصَّرْفُ فِيهَا وَتَرْكُ الْأَوْلَى فَلِذَلِكَ اخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَحْكَامٍ لَا تَثْبُتُ لِلْآخَرِ يَظْهَرُ لَك تَحْقِيقُهَا بِسِتِّ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الْقِيَامُ بِالْقَضَاءِ مِنْ تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ عِنْدَ قِيَامِ الْحِجَاجِ وَنُهُوضِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقُضَاةِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ عَلَيْهِ أَرْزَاقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إجْمَاعًا إعَانَةً لَهُمْ عَلَى الْقِيَامِ بِالْوَاجِبِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ الْأَرْزَاقَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَعْرُوفٌ لَا مُعَاوَضَةَ كَمَا عَلِمْت بِجَوَازِ دَفْعِهَا وَقَطْعِهَا وَتَقْلِيلِهَا وَتَكْثِيرِهَا وَتَغْيِيرِهَا بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْإِمَامِ إذَا عَرَضَتْ مَصْلَحَةٌ أَعْظَمُ أَنْ يَصْرِفَ الْأَرْزَاقَ فِيهَا وَيُقَدِّمَهَا عَلَى مَصْلَحَةِ الْقَضَاءِ وَوَرَثَتُهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَهَا وَلَا يُطَالِبُونَ بِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا مِقْدَارٌ مِنْ الْعَمَلِ وَلَا أَجَلٌ تَنْتَهِي إلَيْهِ وَالْإِجَارَةُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مُعَاوَضَةٌ لَا مَعْرُوفٌ كَمَا عَلِمْت تُخَالِفُ ذَلِكَ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا الْأَجَلُ وَمِقْدَارُ الْمَنْفَعَةِ وَنَوْعُهَا وَيَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ فِيهَا الْوَارِثُ وَيَتَعَيَّنُ نَفْعُهَا لِلْأَخْذِ بِعَيْنِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ وَلَا تَجُوزُ فِي الْقِيَامِ بِالْقَضَاءِ إجْمَاعًا بَلْ وَلَا فِي كُلِّ مَا يَجِبُ عَلَى الْأَجِيرِ الْقِيَامُ بِهِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ لِلْأَجِيرِ الْعِوَضُ وَالْمُعَوَّضُ

[المسألة الثانية أرزاق المساجد والجوامع]

وَإِنَّمَا يَقَعُ الْوَرَعُ مِنْ جِهَةِ قِيَامِهِ بِالْوَظِيفَةِ خَاصَّةً فَإِنَّ الْأَرْزَاقَ لَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهَا إلَّا لِمَنْ قَامَ بِذَلِكَ الْوَجْهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ فِي إطْلَاقِهِ لِتِلْكَ الْأَرْزَاقِ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الْإِقْطَاعَاتُ الَّتِي تُجْعَلُ لِلْأُمَرَاءِ وَالْأَجْنَادِ مِنْ الْأَرَاضِيِ الْخَرَاجِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الرِّبَاعِ وَالْعَقَارِ وَهِيَ أَرْزَاقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلَيْسَتْ إجَارَةً لَهُمْ وَلِذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا مِقْدَارٌ مِنْ الْعَمَلِ وَلَا أَجَلٌ تَنْتَهِي إلَيْهِ الْإِجَارَةُ وَلَيْسَ الْإِقْطَاعُ مُقَدَّرًا كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا وَكُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا حَتَّى تَكُونَ إجَارَةً بَلْ هُوَ إعَانَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ نَعَمْ لَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهُ إلَّا بِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ مِنْ الشَّرْطِ مِنْ التَّهَيُّؤِ لِلْحَرْبِ وَلِقَاءِ الْأَعْدَاءِ وَالْمُنَاضَلَةِ عَلَى الدِّينِ وَنُصْرَةِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالِاسْتِعْدَادِ بِالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ وَالْأَعْوَانِ عَلَى ذَلِكَ. وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا شَرَطَهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّنَاوُلُ لِأَنَّ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِإِطْلَاقِ الْإِمَامِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ الَّذِي أَطْلَقَهُ وَهُوَ لَوْ أَطْلَقَ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَى تِلْكَ الْوَظِيفَةِ إمَّا غَلَطًا مِنْ الْإِمَامِ وَإِمَّا جَوْرًا مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ الزَّائِدَ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُطْلَقُ لَهُ بَلْ يَبْقَى فِي يَدِهِ أَمَانَةً شَرْعِيَّةً يَجِبُ رَدُّهَا لِبَيْتِ الْمَالِ وَلِلْإِمَامِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْهُ وَلِمَنْ ظَفَرَ بِهِ مِمَّنْ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ حَقٌّ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ إنْ كَانَ عَدْلًا أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ إنْ كَانَ جَائِرًا وَلَوْ كَانَ إجَارَةً لَمْ يَزُلْ مِلْكُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَبِأَكْثَرَ مِنْهَا وَإِذَا عُقِدَتْ بِأَكْثَرَ مِنْهَا اسْتَحَقَّهَا الْمَعْقُودُ لَهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ انْتِزَاعُ الزَّائِدِ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ إذَا كَانَ الْحَالُ وَالِاجْتِهَادُ اقْتَضَى ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِمَّنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَنْ يَتَنَاوَلَ ذَلِكَ الزَّائِدَ مِنْ الْأُجْرَةِ لِكَوْنِهِ مُسْتَحَقًّا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ لِمَنْ عُقِدَ لَهُ وَكَأَنْ يُشْتَرَطَ فِيهَا الْأَجَلُ وَمِقْدَارُ الْمَنْفَعَةِ وَنَوْعُهَا عَلَى قَوَاعِدِ الْإِجَارَةِ فَهَذَا أَيْضًا يُوَضِّحُ لَك الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَرْزَاقِ وَالْإِجَارَاتِ. وَإِذَا قَطَعَ الْأَمِيرُ أَوْ الْجُنْدِيُّ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً أَوْ غَيْرَ خَرَاجِيَّةٍ فَآجَرَهَا ثُمَّ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْعَقْدِ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يُقِرّ وَرَثَتَهُ عَلَى تِلْكَ الْأُجْرَةِ وَيُمْضِيَ لَهُمْ تِلْكَ الْإِجَارَةَ إلَى حَلِّ أَجَلِهَا وَلَهُ دَفْعُ جَمِيعِ تِلْكَ الْأُجْرَةِ لِلْمُقْطِعِ الثَّانِي إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ وَلَا تَسْتَقِرُّ الْأُجْرَةُ الْأُولَى لِلْأَوَّلِ إلَّا بِمُضِيِّ الْعَقْدِ وَانْقِضَاءِ أَجَلِ الْإِجَارَةِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى ذَلِكَ الْإِقْطَاعِ وَلَوْ كَانَتْ إجَارَةً مِنْ الْإِمَامِ لَهُ بِذَلِكَ الْإِقْطَاعِ لَاسْتَحَقَّهَا وَرَثَتُهُ وَلَتَعَذَّرَ عَلَى الْإِمَامِ انْتِزَاعُهَا مِنْهُمْ فِي مُدَّةِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُ هَذِهِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْمُقْطَعِ عَلَى قَاعِدَةِ الْوَقْفِ إذَا آجَرَ الْبَطْنَ الْأَوَّلَ زَمَانَ اسْتِحْقَاقِهِ وَغَيْرَ زَمَانِ اسْتِحْقَاقِهِ فَإِنَّهُ هَلْ يَبْطُلُ فِي غَيْرِ زَمَانِ اسْتِحْقَاقِهِ أَمْ لَا خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَهَذَا الْمُقْطِعُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الزَّمَانَ الَّذِي هُوَ فِيهِ مُقْطِعٌ لِتِلْكَ الْأَرْضِ فَإِذَا مَاتَ أَوْ حُوِّلَ عَنْهَا لِغَيْرِهَا فَقَدْ آلَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلِئَلَّا تَدْخُلَ التُّهْمَةُ فِي الْحُكْمِ بِمُعَاوَضَةِ صَاحِبِ الْعِوَضِ فَيَكُونَ الْقَاضِي كَالْوَكِيلِ يَأْخُذُ عَلَى الْوَكَالَةِ عِوَضًا لِيَكُونَ عَاضِدًا وَنَاصِرًا لِمَنْ بَذَلَ لَهُ الْعِوَضَ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ أَرْزَاقُ الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مَا يَدْفَعُهُ الْإِمَامُ مِنْ الْخَرَاجِ وَالطِّينِ لِمَنْ يَتَوَلَّى الْمَسَاجِدَ وَالْجَوَامِعَ بِالْقِيَامِ فِيهَا بِوَظِيفَةِ إمَامَةٍ أَوْ أَذَانٍ أَوْ خَطَابَةٍ أَوْ تَدْرِيسٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَإِنْ شَارَكَ مَا يُدْفَعُ لَهُمْ أُجْرَةٌ أَوْ وَقْفًا لِلْقِيَامِ بِتِلْكَ الْوَظَائِفِ فِي حُكْمَيْنِ أَحَدُهُمَا عَدَمُ جَوَازِ التَّنَاوُلِ إذَا لَمْ يَقُومُوا بِتِلْكَ الْوَظَائِفِ بِأَنْفُسِهِمْ عَلَى مُقْتَضَى شَرْطِ الْإِمَامِ وَالْوَاقِفِ وَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَجُوزُ عَدَمُ الْوَفَاءِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَشَرْطِ الْوَاقِفِ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ اسْتِبَاحَةُ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ بِدُونِ أَذَانِ الْإِمَامِ فَافْهَمْ، ثَامِنُهُمَا جَوَازُ كُلٍّ مِنْ الْأَرْزَاقِ وَالْوَقْفِ فِي الْمَدَارِسِ إلَّا أَنَّهُ يُخَالِفُهُمَا فِي أَحْكَامٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْقُلَ مَا يَدْفَعُهُ لَهُمْ إذَا تَعَطَّلَتْ الْمَسَاجِدُ أَوْ وُجِدَتْ جِهَةٌ هِيَ أَوْلَى بِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ جِهَتِهَا بِخِلَافِ الْمَجْعُولِ لَهُمْ أُجْرَةً أَوْ وَقْفًا فَإِنَّهُ لَا يُنْقَلُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى غَيْرِ جِهَةِ الْمَسَاجِدِ وَإِنْ كَانَتْ أَوْلَى مِنْ جِهَتِهَا لِوُجُوبِ الْوَفَاءِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَشَرْطِ الْوَاقِفِ فَإِذَا وَقَفَ الْوَاقِفُ حَوَانِيتَ أَوْ دُورًا أَوْ غَيْرَهَا عَلَى مَنْ يَقُومُ بِوَظِيفَةٍ مِنْ الْوَظَائِفِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ لَمْ يَجُزْ لِلْإِمَامِ وَلَا غَيْرِهِ إطْلَاقُهُ لِمَنْ لَمْ يَقُمْ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فِي اسْتِحْقَاقِهِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ رِيعِ ذَلِكَ الْوَقْفِ شَيْئًا إلَّا إذَا قَامَ بِذَلِكَ الشَّرْطِ عَلَى مُقْتَضَاهُ بِنَفْسِهِ فَإِنْ اسْتَنَابَ عَنْهُ غَيْرَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِلَا عُذْرٍ يَمْنَعُهُ مِنْ الْقِيَامِ بِهِ بِنَفْسِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ هُوَ وَلَا نَائِبُهُ شَيْئًا مِنْ رِيعِ ذَلِكَ الْوَقْفِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ أَمَّا النَّائِبُ فَلِأَنَّ صِحَّةَ وِلَايَتِهِ مَشْرُوطَةٌ بِأَنْ تَكُونَ مِمَّنْ لَهُ النَّظَرُ وَهَذَا الْمُسْتَنِيبُ لَيْسَ لَهُ نَظَرٌ إنَّمَا هُوَ إمَامٌ أَوْ مُؤَذِّنٌ أَوْ مُدَرِّسٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَلَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ الصَّادِرَةُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَتْ بِإِذْنٍ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَأَمَّا الْمُسْتَنِيبُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَإِنْ اسْتَنَابَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِعُذْرِ أَيَّامِهِ فَقَطْ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ رِيعَ الْوَقْفِ وَأَنْ يُطْلِقَ لِنَائِبِهِ مَا أَحَبَّ مِنْ ذَلِكَ الرِّيعِ نَعَمْ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ مَنْصُورِ بْنِ إدْرِيسَ الْحَنْبَلِيِّ كَشَّافَ الْقِنَاعِ عَلَى مَتْنِ الْإِقَنَاعِ

الِاسْتِحْقَاقُ لِغَيْرِهِ كَالْبَطْنِ الثَّانِي إذَا طَرَأَ بَعْدَ الْأَوَّلِ وَهَذَا أَيْضًا يُوَضِّحُ لَك الْفَرْقَ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالْوَقْفِ وَالْأَرْزَاقِ وَالْإِقْطَاعِ وَمِمَّا يُوَضِّحُ لَك الْفَرْقَ أَيْضًا أَنَّ الْإِمَامَ إذَا قَطَعَ أَمِيرًا أَوْ جُنْدِيًّا إقْطَاعًا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحَوِّلَهُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقْتَضِيه الْمَصْلَحَةُ وَلَوْ كَانَ عَقْدَ إجَارَةٍ لَامْتَنَعَ نَقْلُهُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَقَعَ فِي كِتَابِ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ لِأَبِي الْوَلِيدِ بْنِ رُشْدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا ظَاهِرُهُ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُوقِفَ وَقْفًا عَلَى جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ وَوَقَعَ لِلشَّافِعِيَّةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مِثْلُ ذَلِكَ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ أَوْقَافَهُمْ أَعْنِي الْمُلُوكَ وَالْخُلَفَاءَ إذَا وَقَعَتْ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ وَالْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهَا تَنْفُذُ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهَا شَيْئًا إلَّا إذَا قَامَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُطْلِقَ ذَلِكَ الْوَقْفَ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَقُمْ بِذَلِكَ الْوَقْفِ فَقَدْ صَارَ ذَلِكَ الشَّرْطُ لَازِمًا لِلنَّاسِ وَلِلْإِمَامِ كَسَائِرِ الْأَوْقَافِ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ تَحْوِيلُهُ عَنْ تِلْكَ الْجِهَةِ وَإِطْلَاقُهُ لِمَنْ لَمْ يَقُمْ بِتِلْكَ الْوَظِيفَةِ فَإِنْ وَقَفُوا عَلَى أَوْلَادِهِمْ أَوْ جِهَاتِ أَقَارِبِهِمْ لِهَوَاهُمْ وَحِرْصِهِمْ عَلَى حَوْزِ الدُّنْيَا لَهُمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَاتِّبَاعًا لِغَيْرِ الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ لَمْ يَنْفُذْ هَذَا الْوَقْفُ وَحَرُمَ عَلَى مَنْ وُقِفَ عَلَيْهِ تَنَاوُلُهُ بِهَذَا الْوَقْفِ وَلِلْإِمَامِ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ وَصَرْفُهُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقْتَضِيه مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا الْوَقْفُ الْأَوَّلُ فَهُوَ بَاطِلٌ وَمَنْ تَنَاوَلَ مِنْهُ شَيْئًا بِهَذَا الْوَقْفِ كَانَ لِلْإِمَامِ أَخْذُهُ مِنْهُ وَلَهُ وَقْفُ هَذِهِ الْجِهَةِ عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى عَلَى الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَوْ صَحَّ الْوَقْفُ الْأَوَّلُ لِمُصَادَفَتِهِ لِلْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ تَحْوِيلُهُ. فَإِنْ قُلْت فَإِنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدٍ، بِنَصٍّ أَرَاضِيِ الْمُسْلِمِينَ وَقُرَاهُمْ أَوْ أَحَدٍ مِنْ أَقَارِبِهِ وَاشْتَرَى ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ الَّذِي اكْتَسَبَهُ فِي زَمَنِ مَمْلَكَتِهِ هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ الْوَقْفُ أَمْ لَا قُلْت الْمُلُوكُ فُقَرَاءُ مَدِينُونَ بِسَبَبِ مَا جَنَوْهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ فِي أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ بِالْهَوَاءِ فِي أَبْنِيَةِ الدُّورِ الْعَالِيَةِ الْمُزَخْرَفَةِ وَالْمَرَاكِبِ النَّفِيسَةِ وَالْأَطْعِمَةِ الطَّيِّبَةِ وَإِعْطَاءِ الْأَصْدِقَاءِ وَالْمُزَاحِ بِالْبَاطِلِ مِنْ أَمْوَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا شَرْعًا فَهَذِهِ كُلُّهَا دُيُونٌ عَلَيْهِمْ فَتَكْثُرُ مِنْ تَطَاوُلِ الْأَيَّامِ فَيَتَعَذَّرُ بِسَبَبِهَا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا الْأَوْقَافُ وَالتَّبَرُّعَاتُ وَالْبُيُوعَاتُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ وَافَقَهُ فَإِنَّ تَبَرُّعَاتِ الْمَدْيُونِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ تَقَرُّرِ الدَّيْنِ بَاطِلَةٌ فَيَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَثَانِيهمَا الْإِرْثُ لِأَنَّهُ لَا مِيرَاثَ مَعَ الدَّيْنِ إجْمَاعًا فَلَا يُورَثُ عَنْهُمْ شَيْءٌ وَمَا تَرَكُوهُ مِنْ الْمَمَالِيكِ لَا يَنْفُذُ عِتْقُ الْوَارِثِ فِيهِمْ بَلْ هُمْ أَمْوَالُ بَيْتِ الْمَالِ مُسْتَحَقُّونَ بِسَبَبِ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الدَّيْنِ فَلَا يَنْفُذُ فِيهِمْ إلَّا عِتْقُ مُتَوَلِّي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَإِعْتَاقُهُمْ لِغَيْرِ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَجُوزُ فَإِنْ وَقَفُوا وَقْفًا عَلَى جِهَاتِ الْبِرِّ وَالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَنَسَبُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي بَيْتِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي مَذْهَبِ ابْنِ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا نَصُّهُ مَعَ الْمَتْنِ قَالَ الشَّيْخُ وَالنِّيَابَةُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ مِنْ تَدْرِيسٍ وَإِمَامَةٍ وَخَطَابَةٍ وَأَذَانٍ وَغَلْقِ بَابٍ وَنَحْوِهَا جَائِزَةٌ وَلَوْ عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ وَفِي عِبَارَةٍ أُخْرَى لَهُ وَلَوْ نَهَى الْوَاقِفُ عَنْهُ إذَا كَانَ النَّائِبُ مِثْلُ مُسْتَنِيبِهِ فِي كَوْنِهِ أَهْلًا لِمَنْ اُسْتُنِيبَ فِيهِ وَقَدْ يَكُونُ هَكَذَا فِي الْفُرُوعِ وَالِاخْتِيَارَاتِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ صَوَابُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ هَكَذَا هُوَ فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ اهـ وَكَذَا ذَكَرَ مَعْنَاهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَجَوَازُ النِّيَابَةِ بِهِ فِي هَذِهِ الْأَعْمَالِ كَالْأَعْمَالِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ كَخِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَبِنَاءِ الْحَائِطِ. اهـ بِلَفْظِهِ وَهُوَ فُسْحَةٌ فِي الدِّينِ وَسَيَأْتِي فِي الْفَرْقِ السَّادِسَ عَشَرَ وَالْمِائَتَيْنِ بِزِيَادَةِ بَيَانٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالنِّسْبَةِ لِمَذْهَبِنَا فَتَرَقَّبْ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ فِيمَا يَدْفَعُهُ لِمُتَوَلِّيهَا مِنْ الْخَرَاجِ وَالطِّينِ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ دَائِمًا وَيَكُونَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى النَّظَرِ لَا عَلَى الْقِيَامِ بِالْوَظِيفَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِمَنْ تَقَدَّمَهُ عَلَى الْقِيَامِ بِالْوَظِيفَةِ لِمَصْلَحَةٍ أُخْرَى رَآهَا. (وَمِنْهَا) أَنَّ تَنَاوُلَ الْأُجْرَةِ عَلَى إمَامَةِ الصَّلَاةِ قَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي جَوَازِهِ وَمَنْعِهِ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدُ مُكَايَسَةٍ وَمُغَابَنَةٍ وَمِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ الْعِوَضَانِ فِيهَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِيَنْتَفِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاوِضَيْنِ بِمَا بُذِلَ لَهُ وَأَجْرُ الصَّلَاةِ لِلْإِمَامِ فَلَوْ أَخَذَ الْعِوَضَ عَنْهَا لَاجْتَمَعَ لَهُ الْعِوَضَانِ وَتَنَاوُلُ الْأَرْزَاقِ عَلَى الْإِمَامَةِ مُجْمَعٌ عَلَى جَوَازِهِ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ كَمَا مَرَّ لَا مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ كَمَا ظَنَّهُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَقَالَ إنَّمَا يَجُوزُ تَنَاوُلُ الرِّزْقِ عَلَى الْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا وَتَوَرَّعَ عَنْ تَنَاوُلِهِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي جَوَازِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا وَلَمْ يَفْهَمْ أَنَّ جَوَازَ الْأَرْزَاقِ عَلَيْهَا كَجَوَازِ الْوَقْفِ عَلَيْهَا بِدُونِ أَدْنَى خِلَافٍ إذْ الرِّزْقُ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ أَلْبَتَّةَ وَكَيْفَ يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ أَجَازُوا تَنَاوُلَهُ فِي أَضْيَقِ الْمَوَاضِعِ الَّذِي تَمْتَنِعُ فِيهِ الْمُعَاوَضَةُ قَطْعًا وَهُوَ الْقَضَاءُ وَالْحُكْمُ بَيْنَ النَّاسِ فَحِينَئِذٍ لَا وَرَعَ فِي تَنَاوُلِ الْأَرْزَاقِ عَلَى الْإِمَامَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِنَّمَا الْوَرَعُ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَ

[المسألة الثالثة الإقطاعات التي تجعل للأمراء والأجناد]

الْمَالِ لَهُمْ كَمَا يَعْتَقِدُهُ جَهَلَةُ الْمُلُوكِ بَطَلَ الْوَقْفُ بَلْ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُوقِفُوا مُعْتَقِدِينَ أَنَّ الْمَالَ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْوَقْفُ لِلْمُسْلِمِينَ أَمَّا إنَّ الْمَالَ لَهُمْ وَالْوَقْفَ لَهُمْ فَلَا كَمَنْ وَقَفَ مَالَ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ لَهُ فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ الْمَصْرُوفُ مِنْ الزَّكَاةِ لِلْمُجَاهِدِينَ لَيْسَ أُجْرَةً وَإِجَارَةً بَلْ أَرْزَاقٌ خَاصٌّ مِنْ مَالٍ خَاصٍّ وَهَلْ يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ لِهَذِهِ الْجِهَةِ فَيَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - هَلْ اللَّامُ لِلْمِلْكِ أَمْ لَا وَلَيْسَ هُوَ إجَارَةٌ وَإِلَّا لَاشْتُرِطَ فِيهِ مِقْدَارُ الْعَمَلِ وَالْمُدَّةِ الْمُوجِبَةِ لِتَعْيِينِ الْعَمَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ شُرُوطِ الْإِجَارَةِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ أَرْزَاقًا خَاصًّا مِنْ جِهَةٍ خَاصَّةٍ وَيَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْلِ الْأَرْزَاقِ بِأَنَّ أَصْلَ الْأَرْزَاقِ يَصِحُّ أَنْ يَبْقَى فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يُصْرَفُ فِي الْوَقْفِ وَهَذَا يَجِبُ صَرْفُهُ إمَّا فِي جِهَةِ الْمُجَاهِدِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْجِهَاتِ الثَّمَانِيَةِ لِأَنَّ جِهَةَ هَذَا الْمَالِ عَيَّنَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ إخْرَاجُهَا فِيهَا إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ جِهَةٍ عَيَّنَهَا اللَّهُ تَعَالَى كَالْخُمُسِ يَتَعَيَّنُ الْمُبَادَرَةُ إلَى صَرْفِهِ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ وَأَمَّا مَا يُورَثُ عَنْ الْمَوْتَى مِنْ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ يُحَازُ عَنْ الْغَائِبِ الْمُنْقَطِعِ خَبَرُهُ فَهَذَا لَا جِهَةَ لَهُ إلَّا مَا يَعْرِضُ مِنْ الْمَصَالِحِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَرْزَاقِ الْخَاصَّةِ وَبَقِيَّةِ الْأَرْزَاقَاتِ الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ مَا يُصْرَفُ لِلْقَسَّامِ لِلْعَقَارِ بَيْنَ الْخُصُومِ مِنْ جِهَةِ الْحُكَّامِ وَالتُّرْجُمَانِ الَّذِي يُتَرْجِمُ الْكُتُبَ عِنْدَ الْحُكَّامِ وَكَاتِبِ الْحَاكِمِ وَأُمَنَاءِ الْحُكَّامِ عَلَى الْأَيْتَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَذَلِكَ كُلُّهُ أَرْزَاقٌ لَا إجَارَةٌ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْأَرْزَاقِ دُونَ أَحْكَامِ الْإِجَارَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَكَذَلِكَ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْخَرَّاصُ عَلَى خَرْصِ الْأَمْوَالِ الزَّكَوِيَّةِ مِنْ الدَّوَالِي وَالنَّخْلِ وَسُعَاةِ الْمَوَاشِي وَالْعُمَّالِ عَلَى الزَّكَاةِ كُلُّ ذَلِكَ أَرْزَاقٌ لَا إجَارَةٌ وَنَحْوُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِمَّا هُوَ فِي سِلْكِهَا يَتَخَرَّجُ عَلَيْهَا فَقَدْ اتَّضَحَ لَك بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَرْزَاقِ وَقَاعِدَةِ الْإِجَارَةِ وَقَاعِدَةِ وَقْفِ الْمُلُوكِ وَأَحْكَامُ ذَلِكَ الْمُخْتَلِفَةُ الْأَوْضَاعِ (الْفَرْقُ السَّادِسَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِحْقَاقِ السَّلَبِ فِي الْجِهَادِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِقْطَاعِ وَغَيْرِهِ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْأَئِمَّةِ وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْإِمَامِ وَلَيْسَ بِإِجَارَةٍ) وَاعْلَمْ أَنَّ السَّلَبَ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِقَوْلِ الْإِمَامِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ وَأَنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ بِمُجَرَّدِ الْقَتْلِ وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يُسْتَحَقُّ بِمُجَرَّدِ الْقَتْلِ وَأَنَّهُ يُسْتَحَقُّ بِفُتْيَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ لَا بِتَصَرُّفِهِ بِطَرِيقِ الْإِمَامَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ تَصَرُّفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْهَا عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالرِّزْقَ أَوْ الْوَقْفَ إلَّا إذَا قَامَ بِذَلِكَ الْوَجْهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ فِي إطْلَاقِهِ لِتِلْكَ الْأَرْزَاقِ أَوْ الْوَاقِفُ فِي شَرْطِهِ قُلْت وَمِنْهَا إلَى آخِرِ مَا مَرَّ فِي الْأَرْزَاقِ عَلَى الْقَضَاءِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فَانْظُرْ ذَلِكَ وَحَرِّرْ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الْإِقْطَاعَاتُ الَّتِي تُجْعَلُ لِلْأُمَرَاءِ وَالْأَجْنَادِ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْإِقْطَاعَاتُ الَّتِي يَجْعَلُهَا الْإِمَامُ لِلْأُمَرَاءِ وَالْأَجْنَادِ مِنْ الْأَرَاضِيِ الْخَرَاجِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الرِّبَاعِ وَالْعَقَارِ أَرْزَاقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَإِعَانَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَهِيَ وَإِنْ شَارَكَتْ الْإِجَارَةَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهَا بِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّهَيُّؤِ لِلْحَرْبِ وَلِقَاءِ الْأَعْدَاءِ وَالْمُنَاضَلَةِ عَلَى الدِّينِ وَنُصْرَةِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالِاسْتِعْدَادِ بِالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ وَالْأَعْوَانِ عَلَى ذَلِكَ فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا شَرَطَهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّنَاوُلُ كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَنَاوُلُ الْأُجْرَةِ لِمَنْ لَمْ يَقُمْ بِمَا تَضَمَّنَهُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ إذْ كَمَا أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُسْتَحَقُّ إلَّا بِالْوَفَاءِ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ لِوُجُوبِهِ، كَذَلِكَ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِالْوَفَاءِ بِمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ فِي إطْلَاقِهِ لِتِلْكَ الْأَرْزَاقِ إلَّا أَنَّهَا تُخَالِفُ الْإِجَارَةَ فِي أَحْكَامٍ. (أَحَدُهَا) أَنَّهَا إذَا كَانَتْ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُقْتَطَعُ لَهُ عَلَى تِلْكَ الْوَظِيفَةِ غَلَطًا أَوْ جَوْرًا مِنْ الْإِمَامِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُقْتَطَعُ لَهُ ذَلِكَ الزَّائِدَ بَلْ يَبْقَى فِي يَدِهِ أَمَانَةً شَرْعِيَّةً يَجِبُ رَدُّهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلِلْإِمَامِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْهُ وَلِمَنْ ظَفَرَ بِهِ مِمَّنْ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ حَقٌّ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ إنْ كَانَ عَدْلًا أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ إنْ كَانَ جَائِرًا وَالْإِجَارَةُ تَنْعَقِدُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَبِأَكْثَرَ مِنْهَا وَيَسْتَحِقُّ الْمَعْقُودُ لَهُ الزَّائِدَ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ إذَا كَانَ الْحَالُ وَالِاجْتِهَادُ اقْتَضَى ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِمَّنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَنْ يَتَنَاوَلَ ذَلِكَ الزَّائِدَ مِنْ الْأُجْرَةِ لِكَوْنِهِ مُسْتَحِقًّا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ لِمَنْ عَقَدَ لَهُ. (الثَّانِي) أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْإِقْطَاعَاتِ مِقْدَارٌ مِنْ الْعَمَلِ وَلَا أَجَلٌ تَنْتَهِي إلَيْهِ وَقَوَاعِدُ الْإِجَارَةِ اشْتِرَاطُ الْأَجَلِ وَمِقْدَارُ الْمَنْفَعَةِ وَنَوْعِهَا (الثَّالِثُ) أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ هَذِهِ الْإِقْطَاعَاتِ عَمَّنْ اقْتَطَعَهَا لَهُ إلَى غَيْرِهِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقْتَضِيه الْمَصْلَحَةُ وَلَوْ كَانَتْ عَقْدَ إجَارَةٍ لَامْتَنَعَ نَقْلُهَا مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ. (الرَّابِعُ) أَنَّ الْأَمِيرَ أَوْ الْجُنْدِيَّ إذَا آجَرَ مَا جَعَلَهُ الْإِمَامُ لَهُ مِنْ الْإِقْطَاعَاتِ ثُمَّ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْعَقْدِ قَبْلَ انْقِضَاءِ

[المسألة الرابعة للإمام أن يوقف وقفا على جهة من الجهات]

أَنَّهُ بِالْإِمَامَةِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إذْنِ الْإِمَامِ وَمَا وَقَعَ مِنْهَا بِتَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَرِيقِ الْقَضَاءِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَضَاءِ الْقَاضِي وَمَا وَقَعَ مِنْهَا بِطَرِيقِ الْفُتْيَا وَالتَّبْلِيغِ يُسْتَحَقُّ بِدُونِ قَضَاءِ قَاضٍ وَإِذْنِ إمَامٍ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُدَوَّنَةِ لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ السَّلَبَ كَانَ لِلْقَاتِلِ إلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ وَهُوَ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مِنْ بَابِ التَّبْلِيغِ وَالْفُتْيَا فَقَدْ حَصَلَ السَّلَبُ مِنْ بَابٍ آخَرَ غَيْرِ تَصَرُّفَاتِ الْأَئِمَّةِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ نَزْعُهُ مِمَّنْ وُجِدَ فِي حَوْزِهِ بِشَرْطِهِ لِأَنَّ الْقَتْلَ حِينَئِذٍ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ مَا هُوَ مُسْتَحِقٌّ بِسَبَبِهِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مِنْ بَابِ تَصَرُّفَاتِ الْأَئِمَّةِ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلِلْإِمَامِ نَزْعُهُ مِمَّنْ وُجِدَ مَعَهُ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِهِ تَصَرُّفُ الْإِمَامِ وَلَمْ يُوجَدْ فَبَقِيَ مِنْ الْغَنِيمَةِ. وَأَمَّا الْإِقْطَاعُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ سَبَبٍ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَهُ وَتَمْلِيكَهُ وَإِنَّمَا هُوَ إعَانَةٌ عَلَى أَحْوَالٍ تَقَعُ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ وَلَيْسَ تَمْلِيكًا حَقِيقِيًّا فَلِذَلِكَ كَانَ لِلْإِمَامِ نَزْعُهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ وَتَبْدِيلُهُ بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ السَّلَبِ وَإِنَّمَا سَاوَى السَّلَبَ مَا حَازَهُ الْأَجْنَادُ وَالْأُمَرَاءُ مِنْ إقْطَاعَاتِهِمْ مِنْ خَرَاجٍ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ نَزْعُهُ مِنْهُمْ لِتَقَرُّرِ مِلْكِهِمْ عَلَيْهِ. وَأَمَّا السَّلَبُ فَقَبْلَ حُصُولِ سَبَبِهِ لَا يَكُونُ لِلْقَاتِلِ بِهِ تَعَلُّقٌ أَلْبَتَّةَ وَبَعْدَ حُصُولِ سَبَبِهِ يَصِيرُ مَمْلُوكًا بِالْكُلِّيَّةِ فَالْحَالَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ الْقَابِلَةُ لِلِانْتِزَاعِ لَا تَحْصُلُ لِلسَّلَبِ أَلْبَتَّةَ وَالْإِقْطَاعُ يَحْصُلُ لَهَا هَذِهِ الْحَالَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ الْقَابِلَةُ لِلِانْتِزَاعِ وَإِبْدَالِهِ بِغَيْرِهِ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْفُتْيَا وَالتَّبْلِيغِ أَنَّهُ الْغَالِبُ عَلَى تَصَرُّفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولٌ وَهَذَا شَأْنُ الرِّسَالَةِ أَعْنِي التَّبْلِيغَ، وَحَمْلُ تَصَرُّفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْغَالِبِ طَرِيقٌ حَسَنٌ وَهُوَ مُسْتَنَدُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي حَمْلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» وَقَالَ إذْنُ الْإِمَامِ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْمِلْكِ بِالْإِحْيَاءِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَشَى عَلَى قَاعِدَتِهِ فِيهِمَا وَجَعَلَهُمَا مِنْ بَابِ التَّصَرُّفِ بِالْإِمَامَةِ. وَأَمَّا مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَدْ نَقَضَ أَصْلَهُ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَشَى عَلَى أَصْلِهِ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْغَالِبِ فِي الْفُتْيَا دُونَ الْإِمَامَةِ وَسَبَبُ نَقْضِ مَالِكٍ لِأَصْلِهِ أُمُورٌ أَحَدُهَا أَنَّ أَصْلَ الْغَنِيمَةِ مُسْتَحَقٌّ لِلْغَانِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ لِلْغَانِمِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] مَعْنَاهُ وَالثُّلُثَانِ لِلْأَبِ وَلَمَّا كَانَ ذِكْرُ الضِّدِّ الْمُقَابِلِ يَدُلُّ عَلَى مُقَابِلِهِ اكْتَفَى بِذِكْرِهِ عَنْ ذِكْرِهِ فِي الْآيَتَيْنِ وَلَمَّا كَانَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسُ مُسْتَحَقَّةً لِلْغَانِمِينَ فَلَوْ جَعَلْنَا قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» فُتْيَا لَكَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي مُنَافَاةِ الظَّاهِرِ الْمُتَقَدِّمِ مِمَّا إذَا جَعَلْنَاهُ مِنْ بَابِ التَّصَرُّفِ بِالْإِمَامَةِ وَأَنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ حَتَّى ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يُقِرَّ وَرَثَتَهُ عَلَى تِلْكَ الْأُجْرَةِ وَيُمْضِيَ لَهُمْ تِلْكَ الْإِجَارَةِ إلَى حُلُولِ أَجَلِهَا وَلَهُ دَفْعُ جَمِيعِ تِلْكَ الْأُجْرَةِ لِلْمُقْطَعِ الثَّانِي إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ وَلَا تَسْتَقِرُّ الْأُجْرَةُ الْأُولَى لِلْأَوَّلِ إلَّا بِمُضِيِّ الْعَقْدِ وَانْقِضَاءِ أَجَلِ الْإِجَارَةِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى ذَلِكَ الْإِقْطَاعِ وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُ هَذِهِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْمُقْطَعِ لَهُ عَلَى قَاعِدَةِ الْوَقْفِ إذَا آجَرَهُ الْبَطْنَ الْأَوَّلَ زَمَانَ اسْتِحْقَاقِهِ وَغَيْرَ زَمَانِ اسْتِحْقَاقِهِ فَفِي بُطْلَانِهِ فِي غَيْرِ زَمَانِ اسْتِحْقَاقِهِ وَعَدَمِ بُطْلَانِهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّ هَذَا الْمُقْطَعَ لَهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الزَّمَانَ الَّذِي هُوَ فِيهِ مُقْطِعٌ لِتِلْكَ الْأَرْضِ فَإِذَا مَاتَ أَوْ حُوِّلَ عَنْهَا لِغَيْرِهَا فَقَدْ آلَ الِاسْتِحْقَاقُ لِغَيْرِهِ كَالْبَطْنِ الثَّانِي إذَا طَرَأَ بَعْدَ الْأَوَّلِ وَلَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ لَهُ مِنْ الْإِمَامِ بِذَلِكَ الْإِقْطَاعِ لَاسْتَحَقَّهَا وَرَثَتُهُ وَلَتَعَذَّرَ عَلَى الْإِمَامِ انْتِزَاعُهَا مِنْهُمْ فِي مُدَّةِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ. [الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُوقِفَ وَقْفًا عَلَى جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ] (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ الْأَصْلُ وَقَعَ فِي كِتَابِ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ لِأَبِي الْوَلِيدِ بْنِ رُشْدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا ظَاهِرُهُ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُوقِفَ وَقْفًا عَلَى جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ وَوَقَعَ لِلشَّافِعِيَّةِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلُ ذَلِكَ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ أَوْقَافَ الْمُلُوكِ إذَا وَقَعَتْ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ وَالْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَأَنْ يَقِفُوا وَقْفًا عَلَى جِهَاتِ الْبِرِّ وَالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ مُعْتَقِدِينَ أَنَّ الْمَالَ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْوَقْفَ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهَا تَنْفُذُ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهَا شَيْئًا إلَّا إذَا قَامَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُطْلِقَ ذَلِكَ الْوَقْفَ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَقُمْ بِتِلْكَ الْوَظِيفَةِ وَإِذَا لَمْ تَقَعْ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ وَالْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَأَنْ وَقَفُوا عَلَى أَوْلَادِهِمْ أَوْ جِهَاتِ أَقَارِبِهِمْ لِهَوَاهُمْ وَحِرْصِهِمْ عَلَى حَوْزِ الدُّنْيَا لَهُمْ وَلِذَرَارِيِّهِمْ وَاتِّبَاعًا لِغَيْرِ الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ وَقَفُوا عَلَى جِهَاتِ الْبِرِّ وَالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ مُعْتَقِدِينَ أَنَّ الْمَالَ لَهُمْ وَأَنَّ الْوَقْفَ لَهُمْ بِنَاءً عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ جَهَلَةُ الْمُلُوكِ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي بَيْتِ الْمَالِ لَهُمْ فَكَانَ مِنْ قَبِيلِ مَنْ وَقَفَ مَالَ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ لَهُ لَمْ يَنْفُذْ هَذَا الْوَقْفُ بَلْ هُوَ بَاطِلٌ يَحْرُمُ عَلَى مَنْ وُقِفَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهُ شَيْئًا بِهَذَا الْوَقْفِ فَإِذَا تَنَاوَلَهُ كَانَ لِلْإِمَامِ أَخْذُهُ مِنْهُ وَصَرْفُهُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَلَى حَسَبِ مَا تَقْتَضِيه

يَقُولَ الْإِمَامُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ فَإِنَّ التَّوَقُّفَ عَلَى شَرْطٍ أَبْعَدُ عَنْ التَّخْصِيصِ مِنْ الْإِخْرَاجِ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَكَانَ تَقْلِيلُ التَّخْصِيصِ وَإِبْعَادُهُ أَوْلَى وَثَانِيهَا أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إفْسَادِ النِّيَّاتِ وَأَنْ يُقَاتِلَ الْإِنْسَانُ مَنْ عَلَيْهِ سَلَبٌ طَمَعًا فِي سَلَبِهِ لَا نُصْرَةً لِدِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَرُبَّمَا أَوْقَعَ ذَلِكَ خَلَلًا عَظِيمًا فِي الْجَيْشِ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْهَزِيمَةِ وَاسْتِئْصَالِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَكُونَ الشُّجْعَانُ قَلِيلِينَ فِي التَّزَيُّنِ وَاللِّبَاسِ وَالْعَجَزَةُ وَالْجُبَنَاءُ هُمْ الْمُتَحَصَّنُونَ بِأَنْوَاعِ الْأَسْلِحَةِ فَيَشْتَغِلُ النَّاسُ بِهِمْ عَنْ الشُّجْعَانِ رَغْبَةً فِي لِبَاسِهِمْ فَيَسْتَوْلِي شُجْعَانُ الْأَعْدَاءِ عَلَى أَبْطَالِ الْمُسْلِمِينَ وَجَيْشِهِمْ فَيَهْلِكُونَ ثُمَّ إنَّهُ يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَهُوَ أَعْظَمُ الْمَفَاسِدِ بَلْ الْعِقَابُ الْأَلِيمُ بِسَبَبِ الْمَقَاصِدِ الرَّدِيَّةِ. وَهَذَا بَعِيدٌ عَنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ فَلَا يُسْتَكْثَرُ مِنْهُ فَإِذَا جُعِلَ ذَلِكَ مَوْقُوفًا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ انْدَفَعَتْ هَذِهِ الْمَفَاسِدُ بِسَبَبِ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ فَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ الَّذِينَ فِي الْجَيْشِ بَعِيدِينَ عَنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَإِلَّا لَمْ يَقُلْ فَتُدْفَعُ الْمَفَاسِدُ وَإِنَّمَا يَأْتِي إذَا جَعَلْنَاهُ فُتْيَا عَامَّةً فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَثَالِثُهَا أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ مُتَوَاتِرٌ مَقْطُوعٌ بِهِ وَالْحَدِيثُ خَبَرٌ وَاحِدٌ وَلَيْسَ أَخَصَّ مِنْ الْآيَةِ حَتَّى يُخَصِّصَهَا لِتَنَاوُلِ لَفْظِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى مَا غَنِمْتُمْ الْغَنِيمَةَ فِي الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ لُغَةً الْغَنِيمَةُ صَادِقَةٌ لُغَةً عَنْ الْغَارَاتِ الْمُحَرَّمَةِ وَنَحْوِهَا وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» يَتَنَاوَلُ لُغَةً الْغَنِيمَةَ وَغَيْرَهَا حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ غِيلَةً فِي بَيْتِهِ تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ غَيْرَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى تَخْصِيصِهِ بِالْجِهَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَحِينَئِذٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمُّ مِنْ الْآخَرِ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ وَالتَّخْصِيصُ وَالْعُمُومُ إنَّمَا يَكُونُ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيه اللَّفْظُ لُغَةً وَالْعَامُّ وَالْخَاصُّ مِنْ وَجْهٍ لَا يَخُصُّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لِحُصُولِ التَّعَارُضِ فَيُصَارُ لِلتَّرْجِيحِ وَلَفْظُ الْقُرْآنِ مُتَوَاتِرٌ فَيَكُونُ أَرْجَحَ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْخَبَرِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إذَا قَالَ ذَلِكَ يُسْتَحَقُّ فَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ وَرَابِعُهَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تَرَكَا ذَلِكَ فِي خِلَافَتِهِمَا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فُتْيَا لَمَا تَرَكَاهَا بَلْ عَلِمَا أَنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ بِطَرِيقِ الْإِمَامَةِ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ. وَلَمْ يَرَيَا أَنَّ الْمَصْلَحَةَ حِينَئِذٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ فَلَمْ يَقُولَا بِهِ فَهَذِهِ وُجُوهٌ ظَاهِرَةٌ فِيمَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَنَّهَا مُوجِبَةٌ لَأَنْ يُخَالِفَ أَصْلَهُ لَهَا (الْفَرْقُ السَّابِعَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ عَلَى التَّمَادِي عَلَى الْكُفْرِ فَيَجُوزُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَخْذِ الْأَعْوَاضِ عَلَى التَّمَادِي عَلَى الزِّنَا وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا) وَقَدْ أَوْرَدَهُ بَعْضُ الطَّاعِنِينَ فِي الدِّينِ سُؤَالًا فِي الْجِزْيَةِ فَقَالَ شَأْنُ الشَّرَائِعِ دَفْعُ أَعْظَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ وَلِلْإِمَامِ وَقْفُ هَذِهِ الْجِهَةِ عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى عَلَى الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ. وَأَمَّا إذَا اشْتَرَوْا بَعْضَ أَرَاضِيِ الْمُسْلِمِينَ وَقُرَاهُمْ مِنْ مَالِهِمْ الَّذِي يَكْتَسِبُونَهُ فِي زَمَنِ مَمْلَكَتِهِمْ وَوَقَفُوا ذَلِكَ عَلَى أَوْلَادِهِمْ أَوْ أَحَدٍ مِنْ أَقَارِبِهِمْ فَإِنَّهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي بُطْلَانِ تَبَرُّعَاتِ الْمَدْيُونِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ تَقَرُّرِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ وَعَدَمُ بُطْلَانِهَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ غَيْرِهِمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُلُوكَ بِسَبَبِ اسْتِغْرَاقِ ذِمَمِهِمْ بِالدُّيُونِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ مَا يَجْنُونَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ فِي أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ بِالْهَوَى فِي أَبْنِيَةِ الدُّورِ الْعَالِيَةِ الْمُزَخْرَفَةِ وَالْمَرَاكِبِ النَّفِيسَةِ وَالْأَطْعِمَةِ الطَّيِّبَةِ وَإِعْطَاءِ الْأَصْدِقَاءِ وَالْمُزَاحِ بِالْبَاطِلِ مِنْ أَمْوَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا شَرْعًا فَتَكُونُ دُيُونًا عَلَيْهِمْ وَتَكْثُرُ بِتَطَاوُلِ الْأَيَّامِ يَتَعَذَّرُ فِي حَقِّهِمْ أَمْرَانِ (أَحَدُهُمَا) الْأَوْقَافُ وَالتَّبَرُّعَاتُ وَالْبُيُوعَاتُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمَنْ وَافَقَهُ فَإِنَّ تَبَرُّعَاتِ الْمَدْيُونِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ تَقَرُّرِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ بَاطِلَةٌ (وَثَانِيهِمَا) الْإِرْثُ لِأَنَّهُ لَا مِيرَاثَ مَعَ الدَّيْنِ إجْمَاعًا فَلَا يُورَثُ عَنْهُ شَيْءٌ وَمَا تَرَكُوهُ مِنْ الْمَمَالِيكِ لَا يَنْفُذُ عِتْقُ الْوَارِثِ فِيهِمْ بَلْ هُمْ أَمْوَالُ بَيْتِ الْمَالِ مُسْتَحَقُّونَ بِسَبَبِ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الدَّيْنِ فَلَا يَنْفُذُ فِيهِمْ إلَّا عِتْقُ مُتَوَلِّي بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ اهـ بِتَصَرُّفٍ لِلْإِصْلَاحِ. وَفِي حَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ عَابِدِينَ الْحَنَفِيِّ عَلَى الدُّرِّ أَنَّ أَوْقَافَ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ إنْ عُلِمَ مِلْكُهُمْ لَهَا بِالشِّرَاءِ صَحَّ وَقْفُهُمْ لَهَا وَرُوعِيَ فِيهِ شَرْطُ الْوَقْفِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ شِرَاؤُهُمْ لَهَا وَلَا عَدَمُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِصِحَّةِ وَقْفِهَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وَقْفِهِمْ لَهَا مِلْكُهُمْ لَهَا بَلْ يَحْكُمُ بِأَنَّ ذَلِكَ السُّلْطَانَ الَّذِي وَقَفَهَا أَخْرَجَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَعَيَّنَهَا لِمُسْتَحِقِّيهَا مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالطَّلَبَةِ وَنَحْوِهِمْ عَوْنًا لَهُمْ عَلَى وُصُولِهِمْ إلَى بَعْضِ حَقِّهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَهُوَ إرْصَادٌ لَا وَقْفٌ حَقِيقَةً فَلِهَذَا أَفْتَى عَلَّامَةُ الْوُجُودِ الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ مُفْتِي السَّلْطَنَةِ السُّلَيْمَانِيَّةِ بِأَنَّ أَوْقَافَ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ لَا يُرَاعَى شَرْطُهَا لِأَنَّهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ تَرْجِعُ إلَيْهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْإِحْدَاثُ إذَا كَانَ الْمُقَرَّرُ فِي الْوَظِيفَةِ أَوْ الْمُرَتَّبِ مِنْ

الْمَفْسَدَتَيْنِ بِإِيقَاعِ أَدْنَاهُمَا وَتَفْوِيتُ الْمَصْلَحَةِ الدُّنْيَا بِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ الْعُلْيَا وَمَفْسَدَةُ الْكُفْرِ تَرْبَى عَلَى مَصْلَحَةِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْجِزْيَةِ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ بَلْ عَلَى جُمْلَةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا فَضْلًا عَنْ هَذَا النَّزْرِ الْيَسِيرِ فَلِمَ وَرَدَتْ الشَّرِيعَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ بِذَلِكَ وَلِمَ لَا حَتَّمَ الْقَتْلَ دَرْءًا لِمَفْسَدَةِ الْكُفْرِ؟ وَجَوَابُ هَذَا السُّؤَالِ هُوَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ قَاعِدَةَ الْجِزْيَةِ مِنْ بَابِ الْتِزَامِ الْمَفْسَدَةِ الدُّنْيَا لِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ الْعُلْيَا وَتَوَقُّعِ الْمَصْلَحَةِ الْعُلْيَا وَذَلِكَ هُوَ شَأْنُ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ بَيَانُهُ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا قُتِلَ انْسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ الْإِيمَانِ وَبَابُ مَقَامِ سَعَادَةِ الْجِنَانِ وَتَحَتَّمَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ وَالْخُلُودُ فِي النِّيرَانِ وَغَضَبُ الدَّيَّانِ فَشَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى الْجِزْيَةَ رَجَاءَ أَنْ يُسْلِمَ فِي مُسْتَقْبَلِ الْأَزْمَانِ لَا سِيَّمَا مَعَ اطِّلَاعِهِ عَلَى مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ وَالْإِلْجَاءِ إلَيْهِ بِالذُّلِّ وَالصَّغَارِ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ. فَإِذَا أَسْلَمَ لَزِمَ مِنْ إسْلَامِهِ إسْلَامُ ذُرِّيَّتِهِ فَاتَّصَلَتْ سِلْسِلَةُ الْإِسْلَامِ مِنْ قِبَلِهِ بَدَلًا عَنْ ذَلِكَ الْكُفْرِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ وَلَمْ يُسْلِمْ فَنَحْنُ نَتَوَقَّعُ إسْلَامَ ذُرِّيَّتِهِ الْمُخَلَّفِينَ مِنْ بَعْدِهِ وَكَذَلِكَ يَحْصُلُ التَّوَقُّعُ مِنْ ذُرِّيَّةِ ذُرِّيَّتِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَاعَةً مِنْ إيمَانٍ تَعْدِلُ دَهْرًا مِنْ كُفْرٍ وَكَذَلِكَ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ عَلَى وَفْقِ الْحِكْمَةِ وَأَكْثَرُ ذُرِّيَّتِهِ كُفَّارٌ وَعَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْقَهُ مِنْ جُمْلَةِ الْبَرَكَاتِ الْمُوجِبَةِ لِتَعْظِيمِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ فِي تَعْظِيمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لَمَّا سَاقَ تَعْظِيمَهُ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَفْضَلُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَم وَفِيهِ تَابَ عَلَيْهِ وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ» فَجَعَلَ خَلْقَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ جُمْلَةِ فَضَائِلِهِ لِأَنَّ خَلْقَهُ سَبَبُ وُجُودِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَالصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الطَّاعَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ. وَإِنْ كَانَ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مُسْلِمٍ الْمِئُونَ مِنْ الْكُفَّارِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِمْ لِأَجْلِ ذَلِكَ الْمُسْلِمِ الْوَاحِدِ وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ فَيَخْرُجُ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ فَيَبْقَى مِنْ كُلِّ أَلْفٍ وَاحِدٌ وَالْبَقِيَّةُ كُفَّارٌ» فَجَازَ أَهْلُ النَّارِ وَالْمَعَاصِي وَالْفُجُورِ وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ تَرْبَى مَصْلَحَةُ إسْلَامِهِ عَلَى مَفْسَدَةِ أُولَئِكَ وَأَنَّهُمْ كَالْعَدَمِ الصِّرْفِ بِالنِّسْبَةِ إلَى نُورِ الْإِيمَانِ وَعِبَادَةِ الرَّحْمَنِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا إيمَانٌ يُتَوَقَّعُ مِنْ الْأَصْلِ أَوْ مِنْ آحَادِ الذَّرَارِيِّ لَا يُعَادِلُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْكُفْرِ الْوَاقِعِ مِنْ غَيْرِهِ فَعَقْدُ الْجِزْيَةِ مِنْ آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ الشَّرَائِعِ الْوَاقِعَةِ عَلَى وَفْقِ الْحِكْمَةِ. وَلَمْ تُؤْخَذْ الْجِزْيَةُ مِنْ الْكُفَّارِ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْهُ بَلْ لِتَوَقُّعِ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ أَوْ الْمَصَالِحِ الْعَظِيمَةِ بِالْتِزَامِ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ الْحَقِيرَةِ بِخِلَافِ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى مُدَاوَمَةِ الزِّنَا أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ فَإِنَّ ذَلِكَ تَرْجِيحٌ لِلْمَصْلَحَةِ الْحَقِيرَةِ الَّتِي هِيَ الدَّرَاهِمُ عَلَى الْمَفْسَدَةِ الْعَظِيمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَصَارِيفِ بَيْتِ الْمَالِ. اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَوْلَى أَبَا السُّعُودِ أَدْرَى بِحَالِ أَوْقَافِ الْمُلُوكِ وَمِثْلُهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَلِذَا لَمَّا أَرَادَ السُّلْطَانُ نِظَامُ الْمَمْلَكَةِ بُرْقُوقٌ فِي عَامِ نَيِّفٍ وَثَمَانِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ أَنْ يَنْقُضَ هَذِهِ الْأَوْقَافَ لِكَوْنِهَا أُخِذَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَعَقَدَ لِذَلِكَ مَجْلِسًا حَافِلًا حَضَرَهُ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ وَالْبُرْهَانُ بْنُ جَمَاعَةَ وَشَيْخُ الْحَنَفِيَّةِ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ شَارِحُ الْهِدَايَةِ فَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَا وُقِفَ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَالطَّلَبَةِ لَا سَبِيلَ إلَى نَقْضِهِ لِأَنَّ لَهُمْ فِي الْخُمُسِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا وُقِفَ عَلَى فَاطِمَةَ وَخَدِيجَةَ وَعَائِشَةَ يُنْقَضُ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الْحَاضِرُونَ كَمَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ فِي النَّقْلِ الْمَسْتُورِ فِي جَوَازِ قَبْضِ مَعْلُومِ الْوَظَائِفِ بِلَا حُضُورٍ وَرَأَيْت نَحْوَهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى فَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ أَوْقَافَ السَّلَاطِينِ مِنْ بَيْتِ الْمَال إرْصَادَاتٌ لَا أَوْقَافٌ حَقِيقَةً وَأَنَّ مَا كَانَ مِنْهَا عَلَى مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ لَا يُنْقَضُ بِخِلَافِ مَا وَقَفَهُ السُّلْطَانُ عَلَى أَوْلَادِهِ أَوْ عُتَقَائِهِ مَثَلًا وَأَنَّهُ حَيْثُ كَانَتْ إرْصَادًا لَا يَلْزَمُ مُرَاعَاةُ شُرُوطِهَا لِعَدَمِ كَوْنِهَا وَقْفًا صَحِيحًا فَإِنَّ شَرْطَ صِحَّتِهِ مِلْكُ الْوَاقِفِ وَالسُّلْطَانُ بِدُونِ الشِّرَاءِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَا يَمْلِكُهُ وَمَا فِي التُّحْفَةِ الْمَرْضِيَّةِ عَنْ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ مِنْ أَنَّ وَقْفَ السُّلْطَانِ لِأَرْضِ بَيْتِ الْمَالِ صَحِيحٌ لَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ لَازِمٌ لَا يُغَيَّرُ إذَا كَانَ عَلَى مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ كَمَا نَقَلَ الطَّرَسُوسِيُّ عَنْ قَاضِي خَانْ مِنْ أَنَّ السُّلْطَانَ لَوْ وَقَفَ أَرْضًا مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ لِلْمُسْلِمِينَ جَازَ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ لِأَنَّهُ إذَا أَبَّدَهُ عَلَى مَصْرِفِهِ الشَّرْعِيِّ فَقَدْ مَنَعَ مَنْ يَصْرِفُهُ مِنْ أُمَرَاءِ الْجَوْرِ فِي غَيْرِ مَصْرِفِهِ. اهـ فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْوَقْفِ تَأْبِيدُ صَرْفِهِ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا السُّلْطَانُ مِمَّا هُوَ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ وَهُوَ مَعْنَى الْإِرْصَادِ السَّابِقِ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ بِتَصَرُّفٍ قُلْت وَهُوَ يُخَالِفُ مَا لِلْأَصْلِ مِنْ جِهَتَيْنِ جِهَةٌ أَنَّ كَلَامَ الْأَصْلِ يُفِيدُ أَنَّ مُقْتَضَى ظَاهِرِ مَا وَقَعَ فِي كِتَابِ ابْنِ رُشْدٍ وَمَا لِلشَّافِعِيَّةِ مِنْ جَوَازِ وَقْفٍ مِنْ الْإِمَامِ عَلَى جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ صِحَّةُ وَقْفِهِ وَمُرَاعَاةُ شَرْطِهِ وَكَلَامُ ابْنِ عَابِدِينَ يُفِيدُ أَنَّ صَرِيحَ مَا لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْأَحْنَافِ عَدَمُ صِحَّةِ الْوَقْفِ وَأَنَّهُ لَا

الَّتِي هِيَ مَعْصِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى نَعَمْ لَوْ عَجَزْنَا عَنْ إزَالَةِ مُنْكِرٍ مِنْ هَذِهِ الْمُنْكَرَاتِ إلَّا بِدَفْعِ دَرَاهِمَ دَفَعْنَاهَا لِمَنْ يَأْكُلُهَا حَرَامًا حَتَّى يَتْرُكَ ذَلِكَ الْمُنْكَرَ الْعَظِيمَ كَمَا يُدْفَعُ الْمَالُ فِي فِدَاءِ الْأُسَارَى، وَالْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ أَكْلُ ذَلِكَ الْمَالِ لِيُتَوَصَّلَ بِذَلِكَ الْمُحَرَّمِ لِتَخْلِيصِ الْأَسِيرِ مِنْ أَيْدِي الْعَدُوِّ وَلِذَلِكَ يُعْطَى الْمُحَارِبُ الْمَالَ الْيَسِيرَ كَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِ لِيُسَلِّمَ صَاحِبَهُ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ مَعَهُ فَيَمُوتَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا أَوْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ وَالْمَعْصِيَةِ أَكْثَرَ. وَأَمَّا دَفْعُ الْمَالِ لِغَرَضِ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ لَيْسَ إلَّا فَهَذَا لَمْ يَقَعْ فِي الشَّرِيعَةِ بَلْ الشَّرِيعَةُ تُحَرِّمُهُ وَلَا تُبِيحُهُ فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَفْسَدَةٌ صِرْفَةٌ فَلَمْ تُشْرَعْ وَقَاعِدَةُ الْجِزْيَةِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْتِزَامِ الْمَفْسَدَةِ الْقَلِيلَةِ لِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ الْعَظِيمَةِ وَتَوَقُّعُ الْمَصْلَحَةِ الْعَظِيمَةِ فَشُرِعَتْ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ (الْفَرْقُ الثَّامِنَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ نَقْضَ الْجِزْيَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ نَقْضَهَا) اعْلَمْ أَنَّ عَقْدَ الْجِزْيَةِ مُوجِبٌ لِعِصْمَةِ الدِّمَاءِ وَصِيَانَةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَحَقِيقَةُ عَقْدِ الْجِزْيَةِ هُوَ الْتِزَامُنَا لَهُمْ ذَلِكَ بِشُرُوطٍ نَشْتَرِطُهَا عَلَيْهِمْ مَضَتْ سُنَّةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بِهَا وَهِيَ أَيْضًا مُسْتَفَادَةٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ الشُّرُوطُ الْمُشْتَرَطَةُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعْطُوا أَرْبَعَةَ مَثَاقِيلَ ذَهَبًا فِي انْقِضَاءِ كُلِّ عَامٍ قَمَرِيٍّ صَرْفُ كُلِّ دِينَارٍ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَأَنْ لَا يُحْدِثُوا كَنِيسَةً وَلَا بِيعَةً وَلَا دِيرًا وَلَا صَوْمَعَةً وَلَا يُجَدِّدُوا مَا خَرِبَ مِنْهَا وَلَا يَمْنَعُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْ النُّزُولِ فِي كَنَائِسِهِمْ وَبِيَعِهِمْ لَيْلًا وَنَهَارًا وَيُوَسِّعُوا أَبْوَابَهَا لِلنَّازِلِينَ وَيُضَيِّفُوا مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةً وَأَنْ لَا يَأْوُوا جَاسُوسًا وَلَا يَكْتُمُوا غِشًّا لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يُعَلِّمُوا أَوْلَادَهُمْ الْقُرْآنَ وَلَا يَمْنَعُوا أَحَدًا مِنْهُمْ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ وَيُوَقِّرُوا الْمُسْلِمِينَ وَيَقُومُوا لَهُمْ مِنْ الْمَجَالِسِ وَلَا يَتَشَبَّهُوا بِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ لِبَاسِهِمْ وَلَا فَرْقِ شَعْرِهِمْ وَلَا يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامِهِمْ وَلَا يَتَكَنَّوْا بِكُنَاهُمْ وَلَا يَرْكَبُوا عَلَى السُّرُوجِ وَلَا يَتَقَلَّدُوا شَيْئًا مِنْ السِّلَاحِ وَلَا يَحْمِلُوهُ مَعَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا يَتَّخِذُوهُ وَلَا يَنْقُشُوا خَوَاتِيمَهُمْ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا يَبِيعُوا الْخَمْرَ مِنْ مُسْلِمٍ وَيَجُزُّوا مَقَادِمَ رُءُوسِهِمْ وَيَشُدُّوا الزَّنَانِيرَ وَلَا يُظْهِرُوا الصَّلِيبَ وَلَا يُجَاوِرُوا الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَاهُمْ وَلَا يَطْرَحُوا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ نَجَاسَةً وَيُخْفُوا النَّوَاقِيسَ وَأَصْوَاتَهُمْ وَلَا يُظْهِرُوا شَيْئًا مِنْ شَعَائِرِهِمْ وَلَا يَتَّخِذُوا مِنْ الرَّقِيقِ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ سِهَامُ الْمُسْلِمِينَ وَيُرْشِدُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُطْلِعُوا عَلَيْهِمْ عَدُوًّا وَلَا يَضْرِبُوا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُرَاعَى شَرْطُهُ وَكَلَامُ الْأَصْلِ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَذْهَبِنَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ السُّلْطَانَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا مَا وَقَفَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إلَّا أَنَّهُ وَكِيلٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ كَوَكِيلِ الْوَاقِفِ يَصِحُّ وَقْفُهُ كَمَا فِي الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق فَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمِسْنَاوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْقَوْلِ الْكَاشِفِ وَحَاصِلُ مَا لِأَئِمَّتِنَا فِي أَوْقَافِ مُسْتَغْرِقِي الذِّمَّةِ مِنْ الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ كَالْقَرَافِيِّ فِي الْفُرُوقِ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ عَلَى بَعْضِ وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ كَالْمَسَاجِدِ وَالْمَسَاكِينِ وَاعْتَقَدُوا أَنَّ الْمَالَ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْوَقْفَ لَهُمْ وَأَيْدِيهِمْ فِي ذَلِكَ أَيْدِي نِيَابَةٍ فَقَطْ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَتُعْتَبَرُ شُرُوطُهُمْ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَتْ عَلَى وَفْقِ ضَيَاعِ الشَّرْعِيَّةِ وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ أَوْقَافِ غَيْرِهِمْ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْهَا إلَّا مَنْ قَامَ بِشَرْطِ الْوَقْفِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ إنْ كَانَ هُوَ الْوَاقِفُ أَنْ يُطْلِقَ ذَلِكَ الْوَقْفَ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَقُمْ بِذَلِكَ الشَّرْطِ وَلَا أَنْ يُحَوِّلَهُ عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى لِلُزُومِ ذَلِكَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ كَسَائِرِ الْأَوْقَافِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْمَذْكُورِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَسَلَّمَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَأَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ يَصِحُّ الْحُبْسُ مِنْ الْإِمَامِ لِسَمَاعِ ابْنِ خَالِدٍ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ صِحَّةَ تَحْبِيسِهِ الْخَيْلَ فِي الْجِهَادِ وَأَنْكَرَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ بِبَلَدِنَا حِينَ إشْهَادِ إمَامِهَا بِتَحْبِيسِ بَعْضِ رِبَاعِهَا عَلَى بِنَاءِ سُوَرِهَا فَأَوْقَفْته عَلَى السَّمَاعِ أَيْ سَمَاعِ ابْنِ خَالِدٍ مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَذْكُورِ فَشَهِدَ فِيهِ مَعَنَا. اهـ أَيْ فَشَهِدَ ذَلِكَ الْبَعْضُ فِي إشْهَادِ ذَلِكَ وَالْإِمَامُ بِالتَّحْبِيسِ لِلرُّبَاعِ الْمَذْكُورَةِ مَعَنَا قَالَ كنون وَانْظُرْ كِتَابَ الْحَبْسِ مِنْ تَكْمِيلِ غ وَلَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَ أَيْ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ أَعْنِي كَوْنَ أَوْقَافِهِمْ عَلَى مَا يَرْجِعُ إلَى مَصَالِحِهِمْ الْخَاصَّةِ أَوْ عَلَى وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ مُعْتَقِدِينَ أَنَّ أَمْوَالَ بَيْتِ الْمَالِ وَمَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْهَا لَهُمْ وَأَنَّ الْوَقْفَ لَهُمْ أَوْ عَلَى وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ مُعْتَقِدِينَ أَنَّ الْمَالَ وَالْوَقْفَ لِلْمُسْلِمِينَ لَا لَهُمْ بَلْ أَيْدِيهُمْ فِي ذَلِكَ أَيْدِي نِيَابَةٍ فَقَطْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَا وَقَفُوهُ مُشْتَرًى مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِنْ مَالِهِمْ الَّذِي اكْتَسَبُوهُ فِي زَمَنِ الْإِمَارَةِ إذْ هُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ حُكْمًا لِعِمَارَةِ

مُسْلِمًا وَلَا يَسُبُّوهُ وَلَا يَسْتَخْدِمُوهُ وَلَا يُسْمِعُوا مُسْلِمًا شَيْئًا مِنْ كُفْرِهِمْ وَلَا يَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَلَا يُظْهِرُوا خَمْرًا وَلَا نِكَاحَ ذَاتِ مَحْرَمٍ وَأَنْ يُسْكِنُوا الْمُسْلِمِينَ بَيْنَهُمْ فَمَتَى أَخَلُّوا بِوَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ اُخْتُلِفَ فِي نَقْضِ عَهْدِهِمْ وَقَتْلِهِمْ وَسَبْيِهِمْ وَأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَادَّةَ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يَرَوْا النَّقْضَ بِالْإِخْلَالِ بِأَحَدِ هَذِهِ الشُّرُوطِ كَيْفَ كَانَ بَلْ بَعْضُهَا يُوجِبُ النَّقْضَ وَبَعْضُهَا لَا يُوجِبُ وَقَدْ سَبَقَ إلَى خَاطِرِ الْفَقِيهِ أَنَّ الْمَشْرُوطَ شَأْنُهُ الِانْتِفَاءُ عِنْدَ انْتِفَاءِ أَحَدِ الشُّرُوطِ وَلَوْ كَانَ أَلْفَ شَرْطٍ إذَا عُدِمَ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا يُفِيدُ حُضُورُ مَا عَدَاهُ كَمَا يَجِدُهُ فِي شَرَائِطِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمَا إنْ عُدِمَ شَرْطٌ وَاحِدٌ عُدِمَ جَمِيعُ الشُّرُوطِ فَلِذَلِكَ يَخْطِرُ لِضَعْفِهِ الْفُقَهَاءُ أَنَّ شُرُوطَ الْجِزْيَةِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ هُوَ الصَّوَابُ وَأَنَّ قَاعِدَةَ مَا يُوجِبُ النَّقْضَ مُخَالِفَةٌ لِقَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُهُ فَإِنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ عَاصِمٌ لِلدِّمَاءِ كَالْإِسْلَامِ. وَقَدْ أَلْزَمَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمَ جَمِيعَ التَّكَالِيفِ فِي عَقْدِ إسْلَامِهِ كَمَا أَلْزَمَ الذِّمِّيَّ جُمْلَةَ هَذِهِ الشُّرُوطِ فِي عَقْدِ أَمَانَةٍ فَكَمَا انْقَسَمَ رَفْضُ التَّكَالِيفِ فِي الْإِسْلَامِ إلَى مَا يُنَافِي الْإِسْلَامَ وَيُبِيحُ الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ كَرَمْيِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ وَانْتِهَاكِ حُرْمَةِ النُّبُوَّاتِ وَإِلَى مَا لَيْسَ مُنَافِيًا لِلْإِسْلَامِ وَهُوَ ضَرْبَانِ كَبَائِرُ تُوجِبُ التَّغْلِيظَ بِالْعُقُوبَةِ وَرَدِّ الشَّهَادَاتِ وَسَلْبِ أَهْلِيَّةِ الْوِلَايَةِ وَصَغَائِرُ تُوجِبُ التَّأْدِيبَ دُونَ التَّغْلِيظِ. فَكَذَلِكَ عَقْدُ الْجِزْيَةِ تَنْقَسِمُ شُرُوطُهُ إلَى مَا يُنَافِيه كَالْقَتْلِ وَالْخُرُوجِ عَنْ أَحْكَامِ السُّلْطَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُنَافٍ لِلْأَمَانِ وَالتَّأْمِينِ وَهُمَا مَقْصُودُ الْعَقْدِ وَإِلَى مَا لَيْسَ بِمُنَافٍ لِلْأَمَانِ وَالتَّأْمِينِ وَهُوَ عَظِيمُ الْمَفْسَدَةِ فَهُوَ كَالْكَبِيرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِسْلَامِ كَالْحِرَابَةِ وَالسَّرِقَةِ وَإِلَى مَا هُوَ كَالصَّغِيرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِسْلَامِ كَسَبِّ الْمُسْلِمِ وَإِظْهَارِ التَّرَفُّعِ عَلَيْهِ فَكَمَا أَنَّ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ لَا يُنَافِيَانِ الْإِسْلَامَ وَلَا يُبْطِلَانِ عِصْمَةَ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ فَكَذَلِكَ لَا يُبْطِلَانِ عَقْدَ الْجِزْيَةِ لِعَدَمِ مُنَافَاتِهِمَا لَهُ مِنْ جِهَةِ الْأَمْنِ وَالْأَمَانِ الْمَقْصُودَيْنِ مِنْ عَقْدِ الْجِزْيَةِ وَالْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ الْمَشْهُورَةُ فِي أَبْوَابِ الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّهَا لَا تُبْطِلُ عَقْدًا مِنْ الْعُقُودِ إلَّا بِمَا يُنَافِي مَقْصُودَ ذَلِكَ الْعَقْدِ دُونَ مَا لَا يُنَافِي مَقْصُودَهُ وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْ مُقَارَنَتِهِ مَعَهُ فَكَذَلِكَ هُنَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ عَقْدُ الْجِزْيَةِ إلَّا بِمَا تَقَدَّمَ وَنَحْوِهِ وَانْقَسَمَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الَّتِي هِيَ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مُوجِبٌ لِمُنَافَاةِ عَقْدِ الذِّمَّةِ كَالْخُرُوجِ عَلَى السُّلْطَانِ وَنَبْذِ الْعَهْدِ وَالْقَتْلِ وَالْقِتَالِ بِمُفْرَدِهِمْ أَوْ مَعَ الْأَعْدَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِنْهَا مَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُنَافِيه كَتَرْكِ الزِّنَادِ وَرُكُوبِ الْخَيْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQذِمَّتِهِمْ بِمَا جَنَوْهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ تَصَرُّفِهِمْ فِي أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ فَيَسْتَغْرِقُ مَا بِأَيْدِهِمْ مِمَّا اكْتَسَبُوهُ بَعْدَ الْوِلَايَةِ بَلْ وَقَبْلَهَا فَيَبْطُلُ وَقْفُ الْمُشْتَرِي بِالْقِبْلِيِّ أَيْضًا فِي الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ إذَا تَأَخَّرَ إلَى اسْتِغْرَاقِ الذِّمَّةِ وَمِمَّا تُفَارِقُ بِهِ أَيْضًا أَوْقَافُ الْمُلُوكِ وَنَحْوِهِمْ غَيْرَهَا مِنْ الْأَوْقَافِ إنْ وَفَّرَهَا أَيْ مَا فَضَلَ مِنْهَا عَمَّا سَمَّوْهُ مِنْ الْمَصْرِفِ فَضْلًا بَيِّنًا لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ صَرْفِهِ فِي مَصْلَحَةِ غَيْرِ مَا عَيَّنُوهُ وَلَا يَدْخُلُهُ الْخِلَافُ الْمَعْرُوفُ فِي أَوْقَافِ الْأَحْبَاسِ كَمَا فِي جَوَابَيْ الْعَلَّامَةِ أَبِي عُثْمَانَ الْعُقْبَانِيِّ وَالْمُحَصِّلِ الْمُفْتِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْقُورِيِّ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْمِعْيَارِ. اهـ وَقَالَ عبق وَفِي تت عِنْدَ قَوْلِهِ إنْ كَانَ عَلَى مَحْجُورِهِ عِنْدَ الذَّخِيرَةِ إنْ وَقَفُوا عَلَى مَدْرَسَةٍ أَكْثَرَ مِمَّا تَحْتَاجُ إلَيْهِ بَطَلَ فِيمَا زَادَ فَقَطْ لِأَنَّهُمْ مَعْزُولُونَ عَنْ التَّصَرُّفِ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ وَالزَّائِدُ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ فَهُوَ مِنْ غَيْرِ مُتَوَلٍّ وَلَا يَنْفُذُ. اهـ وَلِابْنِ وَهْبَانَ فِي مَنْظُومَتِهِ وَلَوْ وَقَفَ السُّلْطَانُ مِنْ بَيْتِ مَالِنَا بِالْمَصْلَحَةِ عَمَّتْ يَجُوزُ وَيُؤْجَرُ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ عبق عَلَى مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ مَعَ الْبُنَانِيِّ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ صَحَّ وَقْفُ مَمْلُوكٍ وَإِنْ بِأُجْرَةٍ. الْفَرْقُ بَيْنَ أَرْصَادِ الْإِمَامِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ فِي كُتُبِنَا بِالْخُلُوِّ وَبَيْنَ وَقْفِهِ نِيَابَةً عَنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى جِهَةٍ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْفَعَةَ الْخُلُوِّ مَمْلُوكَةٌ لَمْ يَتَعَلَّقْ الْحُبْسُ بِهَا وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ الْحُبْسُ بِأَصْلِهَا فَمَالِكُهَا كَمَالِكِ الْمَنْفَعَةِ لِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ بِأُجْرَةٍ فَكَمَا يَجُوزُ تَحْبِيسُ مَالِك الْمَنْفَعَةِ بِأُجْرَةٍ لِلْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْإِجَارَاتِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُكْرِيَ أَرْضَهُ عَلَى أَنْ تُتَّخَذَ مَسْجِدًا عَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا انْقَضَتْ كَانَ النَّقْضُ لِلَّذِي بَنَاهُ. اهـ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْبِيدُ عِنْدَنَا كَذَلِكَ يَجُوزُ بِالْأَحْرَى لِمَالِكِ مَنْفَعَةِ الْخُلُوِّ تَحْبِيسُهَا لِكَوْنِهِ يَمْلِكُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ عَلَى مَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ بِمِصْرَ فَلِذَا أَفْتَى بِصِحَّتِهِ جَمْعٌ مِنْهُمْ شَيْخُ عج وَالشَّيْخُ أَحْمَدُ السَّنْهُورِيُّ وَأَفْتَى النَّاصِرُ بِجَوَازِ بَيْعِ الْخُلُوِّ فِي الدَّيْنِ وَارِثُهُ وَرُجُوعُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ حَيْثُ لَا وَارِثَ وَمَا أَبْدَاهُ عج مِنْ الْفُرُوقِ بَيْنَ مَنْفَعَةِ الْخُلُوِّ وَمَنْفَعَةِ الْإِجَارَةِ بِمَسَائِلَ فَجَمِيعُهَا لَا يَصِحُّ

وَتَرْكِ ضِيَافَةِ الْمُسْلِمِينَ وَنَقْشِ خَوَاتِمِهِمْ بِالْعَرَبِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تَخِفُّ مَفْسَدَتُهُ وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يُلْحَقُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَيُنْتَقَضُ عَقْدُ الْجِزْيَةِ أَوْ بِالْقِسْمِ الثَّانِي فَلَا يُنْتَقَضُ وَهَا أَنَا أَسْرُدُ لَك مَسَائِلَ تُوَضِّحُ لَك هَذِهِ الْأَقْسَامَ قَالَ الْأَصْحَابُ إذَا أَظْهَرُوا مُعْتَقَدَهُمْ فِي الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ غَيْرِهِ أَدَّبْنَاهُمْ وَلَا يُنْقَضُ بِهِ الْعَهْدُ وَإِنَّمَا يُنْقَضُ بِالْقِتَالِ وَمَنْعِ الْجِزْيَةِ وَالتَّمَرُّدِ عَلَى الْأَحْكَامِ وَإِكْرَاهِ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الزِّنَا فَإِنْ أَسْلَمَ لَمْ يُقْتَلْ لِأَنَّ قَتْلَهُ لِنَقْضِ الْعَهْدِ وَكَذَلِكَ التَّطَلُّعُ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا قَطْعُ الطَّرِيقِ وَالْقَتْلُ الْمُوجِبُ لِلْقِصَاصِ فَحُكْمُهُمْ فِيهِ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ وَتَعَرُّضُهُمْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ إلَّا أَنْ يُسْلِمُوا وَرُوِيَ يَوْجَعُ أَدَبًا وَيُشَدَّدُ بِهِ. فَإِنْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ قُبِلَ مِنْهُ قَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ زَنَى بِالْمُسْلِمَةِ طَوْعًا لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ عِنْدَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَانْتُقِضَ عِنْدَ رَبِيعَةَ وَابْنِ وَهْبٍ. وَإِنْ غَرَّهَا بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ فَتَزَوَّجَهَا فَهُوَ نَقْضٌ عِنْدَ ابْنِ نَافِعٍ وَإِنْ عَلِمَتْ بِهِ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا وَإِنْ طَاوَعَتْهُ الْأَمَةُ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا وَإِنْ اغْتَصَبَهَا قَالَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ بِنَقْضٍ وَقِيلَ نَقْضٌ. قَالَ فَإِنْ عُوهِدَ عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ نَقْضٌ انْتَقَضَ عَهْدُهُ بِذَلِكَ قُلْت وَهَذِهِ الْفُرُوعُ بَعْضُهَا أَقْرَبُ مِنْ بَعْضٍ لِلْقَاعِدَةِ فِي النَّقْضِ فَإِكْرَاهُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الزِّنَا وَجَعْلُهُ نَاقِضًا دُونَ الْحِرَابَةِ مُشْكِلٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالْحِرَابَةِ فَلَا يُنْتَقَضُ أَوْ تُلْحَقُ الْحِرَابَةُ بِهِ فَيُنْتَقَضُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِعُمُومِ مَفْسَدَةِ الْحِرَابَةِ فِي النُّفُوسِ وَالْأَبْضَاعِ وَالْأَمْوَالِ وَعَدَمِ اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ قَالَ فِي الْكِتَابِ فَإِنْ خَرَجُوا نَقْضًا لِلْعَهْدِ وَالْإِمَامُ عَادِلٌ فَهُمْ فَيْءٌ كَمَا فَعَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ لَمَّا عَصَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَتْحِ قَالَ التُّونُسِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا لَمْ يَجْعَلْ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَتْلَ فِي الْحِرَابَةِ نَقْضًا وَهُوَ يَقُولُ غَصْبُ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الْوَطْءِ نَقْضٌ قَالَ وَهُوَ مُشْكِلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَهْدُ اقْتَضَاهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ خُرُوجُهُمْ وَامْتِنَاعُهُمْ مِنْ الْجِزْيَةِ لِظُلْمٍ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ رُدُّوا إلَى ذِمَّتِهِمْ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ حِرَابَةُ الذِّمِّيِّ نَقْضٌ لِلْعَهْدِ وَلَا يُؤْخَذُ وَلَدُهُ لِبَقَاءِ الْعَهْدِ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ مَالِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْحِرَابَةِ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ إنْ كَانَ خُرُوجُهُمْ مِنْ ظُلْمٍ فَهُوَ نَقْضٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعَاهَدُوا عَلَى أَنْ يَظْلِمُوا مَنْ ظَلَمَهُمْ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أُخْبِرَ أَنَّ ذِمِّيًّا نَخَسَ بَغْلًا عَلَيْهِ مُسْلِمَةٌ فَوَقَعَتْ فَانْكَشَفَتْ عَوْرَتُهَا فَأَمَرَ بِصَلْبِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَقَالَ إنَّمَا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَقْضُ الْعَهْدِ بِغَصْبِ الْمُسْلِمَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا حَارَبَ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَظُفِرَ بِهِمْ وَالْإِمَامُ عَدْلٌ قُتِلُوا وَتُسْبَى نِسَاؤُهُمْ وَلَا تَعَرُّضَ لِمَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ مَغْلُوبٌ مَعَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَا وَقَفَهُ الْإِمَامُ عَلَى جِهَةٍ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِتِلْكَ الْجِهَةِ بَلْ تَعَلَّقَ الْحُبْسُ بِهَا كَأَصْلِهَا فَتُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ أَوْقَافِ غَيْرِ الْإِمَامِ لَا تُرَاعَى شُرُوطُهُ الَّتِي عَلَى وَفْقِ الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا عَلِمْت وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُوقِفَ وَقْفًا عَلَى جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ لَا يَقْتَضِي صِحَّتَهُ فَقَطْ بَلْ كَمَا يَحْتَمِلُهَا كَذَلِكَ يَحْتَمِلُ عَدَمَهَا وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الزُّرْعَةُ الْمَكِّيُّ فِي رِسَالَتِهِ بِسَاطِ الْكَرْمِ فِي الْقَوْلِ عَلَى أَوْقَافِ الْحَرَمِ عَنْ الْعَلَّامَةِ السُّيُوطِيّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْيَنْبُوعِ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا الْفُقَهَاءُ يَعْنِي الشَّافِعِيَّةَ أَنَّ الْوَظَائِفَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْأَوْقَافِ أَوْقَافِ الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ كُلِّهَا إنْ كَانَ لَهَا أَصْلٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ تَرْجِعُ إلَيْهِ فَيَجُوزُ لِمَنْ كَانَ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ عَالِمٍ بِالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَطَالِبِ عِلْمٍ كَذَلِكَ وَصُوفِيٍّ عَلَى طَرِيقَةِ الصُّوفِيَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا وَقَفُوهُ غَيْرَ مُتَقَيِّدٍ بِمَا شَرَطُوهُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ بَعْدُ وَإِذَا وَقَفَ السُّلْطَانُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَرْضًا لِمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ فَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ جَوَازَهُ وَلَا يُرَاعِي مَا شَرَطَهُ دَائِمًا اهـ أَيْ بَلْ يُرَاعِي فِي الْجُمْلَةِ وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ أَنَّ شُرُوطَ السَّلَاطِينِ فِي أَوْقَافِهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَا يُعْمَلُ بِشَيْءٍ مِنْهَا كَمَا قَالَهُ أَجِلَّاءُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ مُرَاعَاةُ شُرُوطِهِمْ فِيهَا لِبَقَائِهَا عَلَى مِلْكِ بَيْتِ الْمَالِ. اهـ فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ مَعَ قَوْلِهِمْ بِجَوَازِ أَوْقَافِهِمْ الْجَارِيَةِ عَلَى الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ قَالُوا بِعَدَمِ صِحَّتِهَا وَعَدَمِ مُرَاعَاةِ شُرُوطِهَا فَمَذْهَبُهُمْ كَمَذْهَبِ الْأَحْنَافِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَئِمَّةَ لَا يَمْلِكُونَ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْئًا وَشَرْطُ صِحَّةِ الْوَقْفِ مِلْكُ الْوَاقِفِ فَمَا وَقَفُوهُ لَيْسَ بِوَقْفٍ حَقِيقَةً بَلْ صُورَةً مِنْ قَبِيلِ الْأَرْصَادِ عَيَّنَهُ وَاقِفُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَالْأُمَرَاءِ وَأَبَّدَهُ عَلَى مَصْرِفِهِ وَمُسْتَحِقِّهِ الشَّرْعِيِّ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالطَّلَبَةِ وَنَحْوِهِمْ عَوْنًا عَلَى وُصُولِهِمْ إلَى بَعْضِ حَقِّهِمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَمَنْعًا لِمَنْ يَصْرِفُهُ مِنْ أُمَرَاءِ الْجَوْرِ فِي غَيْرِ مَصْرِفِهِ قَالَ فِي بِسَاطِ الْكَرْمِ جَوَّزَ الْعُلَمَاءُ وَالْحُكَّامُ لِضَرُورَاتِ النَّاسِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ فِي الْأَوْقَافِ السُّلْطَانِيَّةِ مِنْ الْفَرَاغِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ

كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالضَّعِيفِ وَلَوْ ذَهَبُوا لِبَلَدِ الْحَرْبِ وَتَرَكُوا أَوْلَادَهُمْ نَقْضًا لِلْعَهْدِ لَمْ يُسْبَوْا بِخِلَافِ إذَا ذَهَبُوا بِهِمْ وَإِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِظُلْمٍ أَصَابَهُمْ إلَّا أَنْ يُعِينُوا عَلَيْنَا الْمُشْرِكِينَ فَهُمْ كَالْمُحَارِبِينَ وَقَالَ أَيْضًا إذَا حَارَبُوا وَالْإِمَامُ عَدْلٌ اسْتَحَلَّ سَبْيَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ إلَّا مَنْ يَظُنُّ بِهِ أَنَّهُ مَغْلُوبٌ كَالضُّعَفَاءِ. وَلَمْ يَسْتَثْنِ أَصْبَغُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَحَدًا وَأَلْحَقَ الضُّعَفَاءَ بِالْأَقْوِيَاءِ فِي النَّقْضِ كَمَا أَنْدَرَجُوا مَعَهُمْ فِي الْعَقْدِ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَبَى ذَرَارِيَّ قُرَيْظَةَ وَنِسَاءَهُمْ بَعْدَ نَقْضِ الْعَهْدِ» قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا اسْتَوْلَى الْعَدُوُّ عَلَى مَدِينَةِ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا ذِمَّةٌ فَغَزَوْا مَعَهُمْ ثُمَّ اعْتَذَرُوا لَنَا بِالْقَهْرِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ إلَّا بِقَوْلِهِمْ فَمَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا قُتِلَ وَإِلَّا أُطِيلَ سَجْنُهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ إذَا صَارُوا عَيْنًا لِلْحَرْبِيِّينَ عَلَيْنَا فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ تُوَضِّحُ لَك الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ فِي نَقْضِ الْعَهْدِ وَمَا اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ نَاقِضًا وَمَا لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ وَمَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْ النَّقْضِ وَمَا هُوَ بَعِيدٌ وَتَحَرَّرَ لَك بِذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ النَّقْضَ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ النَّقْضَ فَتَعْتَبِرُ مَا يَقَعُ لَك مِنْ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ بِالْمَنْصُوصِ . (الْفَرْقُ التَّاسِعَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ بِرِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّوَدُّدِ لَهُمْ) اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَ مِنْ التَّوَدُّدِ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} [الممتحنة: 1] الْآيَةَ فَمَنَعَ الْمُوَالَاةَ وَالتَّوَدُّدَ وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ} [الممتحنة: 8] الْآيَةَ وَقَالَ فِي حَقِّ الْفَرِيقِ الْآخَرِ {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] الْآيَةَ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَوْصُوا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ خَيْرًا» وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «اسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا» فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ النُّصُوصِ وَإِنَّ الْإِحْسَانَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ مَطْلُوبٌ وَأَنَّ التَّوَدُّدَ وَالْمُوَالَاةَ مَنْهِيٌّ عَنْهُمَا وَالْبَابَانِ مُلْتَبِسَانِ فَيَحْتَاجَانِ إلَى الْفَرْقِ وَسِرُّ الْفَرْقِ أَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ يُوجِبُ حُقُوقًا عَلَيْنَا لَهُمْ لِأَنَّهُمْ فِي جِوَارِنَا وَفِي خَفَارَتِنَا وَذِمَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَذِمَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِينِ الْإِسْلَامِ فَمِنْ اعْتَدَى عَلَيْهِمْ وَلَوْ بِكَلِمَةِ سُوءٍ أَوْ غِيبَةٍ فِي عِرْضِ أَحَدِهِمْ أَوْ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَذِيَّةِ أَوْ أَعَانَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ ضَيَّعَ ذِمَّةَ اللَّهِ تَعَالَى وَذِمَّةَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذِمَّةَ دِينِ الْإِسْلَامِ. وَكَذَلِكَ حَكَى ابْنُ حَزْمٍ فِي مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ لَهُ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ وَجَاءَ أَهْلُ الْحَرْبِ إلَى بِلَادِنَا يَقْصِدُونَهُ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَخْرُجَ لِقِتَالِهِمْ بِالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَنَمُوتَ دُونَ ذَلِكَ صَوْنًا لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَذِمَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ تَسْلِيمَهُ دُونَ ذَلِكَ إهْمَالٌ لِعَقْدِ الذِّمَّةِ وَحَكَى فِي ذَلِكَ إجْمَاعَ الْأَمَةِ فَقَدْ يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَيْفَ وَلَهُ أَصْلٌ فِي الْجُمْلَةِ عَنْ عُلَمَائِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَالْعَادَةُ مُحْكَمَةٌ أَيْ هِيَ الْمُرَجِّعُ عِنْدَ النِّزَاعِ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ يُبْتَنَى عَلَيْهِ الْحُكْمُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ وَأَصْلُهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ قَبِيحًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ قَبِيحٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ وَهُوَ مَوْقُوفٌ حَسَنٌ أَفَادَهُ الْعَلَّامَةُ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ وَقَدْ أَجَابَ مُفْتِي مَكَّةَ الْعَلَّامَةُ السَّيِّدُ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الْمَرْحُومِ السَّيِّدِ مُحَمَّدٍ مِيرْغَنِيّ لَمَّا سَأَلَهُ قَاضِيهَا يَوْمئِذٍ بِمَا صُورَتُهُ مَا قَوْلُكُمْ فِي خَلَوَاتِ الْمَدَارِسِ الَّتِي بَنَاهَا وَاقِفُهَا لِطَلَبَةِ الْعِلْمِ ثُمَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا وَسَكَنَهَا غَيْرُ الْمَشْرُوطَةِ لَهُمْ وَيُفَرِّغُونَ سُكْنَاهَا بِعِوَضٍ دَرَاهِمَ بَيْنَهُمْ فَهَلْ هَذَا الْفَرَاغُ صَحِيحٌ وَيَسْتَحِقُّ سُكْنَاهَا غَيْرُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ أَمْ تُنْزَعُ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَتُعْطَى لِمَنْ شَرَطَ لَهُمْ أَمْ كَيْفَ الْحُكْمُ بِمَا نَصُّهُ نَعَمْ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ جَوَازِ فَرَاغِ مَا ذُكِرَ مِمَّا الْفَرَاغُ جَازَ فِيهِ وَقَدْ جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ حَيْثُ كَانَ الِاسْتِيلَاءُ بِالطَّرِيقِ الْمُعْتَبَرِ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فَلَا يُنْزَعُ مِنْ يَدِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ بَلْ وَلَا يَتَكَلَّفُ بِإِثْبَاتِ مَا بِيَدِهِ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ فَلْيُرَاجَعْ مَظَانُّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَقَدْ أَفَادَ سَلَّمَهُ اللَّهُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ الْعُرْفُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ وَأَخَذَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ يَسُوقُ فِي رِسَالَتِهِ بِسَاطِ الْكَرْمِ نُصُوصَ عُلَمَاءِ مَذْهَبِهِ وَمَذْهَبَ الشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ فَانْظُرْهَا إنْ شِئْت وَفِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ مَنْصُورِ بْنِ إدْرِيسَ الْحَنْبَلِيِّ كَشَّافِ الْقِنَاعِ عَلَى مَتْنِ الْإِقَنَاعِ فِي مَذْهَبِ ابْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا نَصُّهُ فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَأَوْقَافِ السَّلَاطِينِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَيْسَ بِوَقْفٍ حَقِيقِيٍّ بَلْ كُلُّ مَنْ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى مُوَافَقَةً لِلشَّيْخِ الرَّمْلِيِّ وَغَيْرِهِ فِي وَقْفِ جَامِعِ طُولُونَ وَنَحْوِهِ. اهـ فَتَحَصَّلَ أَنَّ أَوْقَافَ السَّلَاطِينِ عِنْدَنَا أَوْقَافٌ حَقِيقَةً لَا أَرْصَادٌ فَمَنْفَعَتُهَا لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِمَنْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا وَيُرَاعَى فِيهَا شَرْطُ الْوَاقِفِ بِخِلَافِ الْأَرْصَادِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْخُلُوِّ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَرْصَادٌ لَا أَوْقَافٌ حَقِيقَةً فَمَنْفَعَتُهَا مَمْلُوكَةٌ لِمَنْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا وَلَا يُرَاعَى فِيهَا شَرْطُ

[المسألة الخامسة المصروف من الزكاة للمجاهدين]

صَوْنًا لِمُقْتَضَاهُ عَنْ الضَّيَاعِ إنَّهُ لَعَظِيمٌ وَإِذَا كَانَ عَقْدُ الذِّمَّةِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَتَعَيَّنَ عَلَيْنَا أَنْ نَبَرَّهُمْ بِكُلِّ أَمْرٍ لَا يَكُونُ ظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى مَوَدَّاتِ الْقُلُوبِ وَلَا تَعْظِيمِ شَعَائِرِ الْكُفْرِ فَمَتَى أَدَّى إلَى أَحَدِ هَذَيْنِ امْتَنَعَ وَصَارَ مِنْ قِبَلِ مَا نُهِيَ عَنْهُ فِي الْآيَةِ وَغَيْرِهَا وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِالْمَثَلِ فَإِخْلَاءُ الْمَجَالِسِ لَهُمْ عِنْدَ قُدُومِهِمْ عَلَيْنَا وَالْقِيَامُ لَهُمْ حِينَئِذٍ وَنِدَاؤُهُمْ بِالْأَسْمَاءِ الْعَظِيمَةِ الْمُوجِبَةِ لِرَفْعِ شَأْنِ الْمُنَادَى بِهَا هَذَا كُلُّهُ حَرَامٌ وَكَذَلِكَ إذَا تَلَاقَيْنَا مَعَهُمْ فِي الطَّرِيقِ وَأَخْلَيْنَا لَهُمْ وَاسِعَهَا وَرَحْبَهَا وَالسَّهْلَ مِنْهَا وَتَرَكْنَا أَنْفُسَنَا فِي خَسِيسِهَا وَحَزَنِهَا وَضَيِّقِهَا كَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ الْمَرْءُ مَعَ الرَّئِيسِ وَالْوَلَدُ مَعَ الْوَالِدِ وَالْحَقِيرُ مَعَ الشَّرِيفِ فَإِنَّ هَذَا مَمْنُوعٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ شَعَائِرِ الْكُفْرِ وَتَحْقِيرِ شَعَائِرِ اللَّهِ تَعَالَى وَشَعَائِرِ دِينِهِ وَاحْتِقَارِ أَهْلِهِ. وَمِنْ ذَلِكَ تَمْكِينُهُمْ مِنْ الْوِلَايَاتِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْأُمُورِ الْمُوجِبَةِ لِقَهْرِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ أَوْ ظُهُورِ الْعُلُوِّ وَسُلْطَانِ الْمُطَالَبَةِ فَذَلِكَ كُلُّهُ مَمْنُوعٌ وَإِنْ كَانَ فِي غَايَةِ الرِّفْقِ وَالْأَنَاةِ أَيْضًا لِأَنَّ الرِّفْقَ وَالْأَنَاةَ فِي هَذَا الْبَابِ نَوْعٌ مِنْ الرِّئَاسَةِ وَالسِّيَادَةِ وَعُلُوِّ الْمَنْزِلَةِ فِي الْمَكَارِمِ فَهِيَ دَرَجَةٌ رَفِيعَةٌ أَوْصَلْنَاهُمْ إلَيْهَا وَعَظَّمْنَاهُمْ بِسَبَبِهَا وَرَفَعْنَا قَدْرَهُمْ بِإِيثَارِهَا وَذَلِكَ كُلُّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ الْمُسْلِمُ عِنْدَهُمْ خَادِمًا وَلَا أَجِيرًا يُؤْمَرُ عَلَيْهِ وَيُنْهَى وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَكِيلًا فِي الْمُحَاكَمَاتِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ وُلَاةِ الْأُمُورِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْضًا إثْبَاتٌ لِسُلْطَانِهِمْ عَلَى ذَلِكَ الْمُسْلِمِ. وَأَمَّا مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ بِرِّهِمْ وَمِنْ غَيْرِ مَوَدَّةٍ بَاطِنِيَّةٍ فَالرِّفْقُ بِضَعِيفِهِمْ وَسَدُّ خُلَّةِ فَقِيرِهِمْ وَإِطْعَامُ جَائِعِهِمْ وَإِكْسَاءُ عَارِيهِمْ وَلِينُ الْقَوْلِ لَهُمْ عَلَى سَبِيلِ اللُّطْفِ لَهُمْ وَالرَّحْمَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْخَوْفِ وَالذِّلَّةِ وَاحْتِمَالِ إذَايَتِهِمْ فِي الْجِوَارِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إزَالَتِهِ لُطْفًا مِنَّا بِهِمْ لَا خَوْفًا وَتَعْظِيمًا وَالدُّعَاءُ لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَأَنْ يُجْعَلُوا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَنَصِيحَتُهُمْ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَحِفْظُ غَيْبَتِهِمْ إذَا تَعَرَّضَ أَحَدٌ لِأَذِيَّتِهِمْ وَصَوْنُ أَمْوَالِهِمْ وَعِيَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ وَجَمِيعِ حُقُوقِهِمْ وَمَصَالِحِهِمْ وَأَنْ يُعَانُوا عَلَى دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُمْ وَإِيصَالُهُمْ لِجَمِيعِ حُقُوقِهِمْ وَكُلُّ خَيْرٍ يَحْسُنُ مِنْ الْأَعْلَى مَعَ الْأَسْفَلِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَمِنْ الْعَدُوِّ أَنْ يَفْعَلَهُ مَعَ عَدُوِّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فَجَمِيعُ مَا نَفْعَلُهُ مَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لَا عَلَى وَجْهِ الْعِزَّةِ وَالْجَلَالَةِ مِنَّا وَلَا عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ لَهُمْ وَتَحْقِيرِ أَنْفُسِنَا بِذَلِكَ الصَّنِيعِ لَهُمْ وَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَسْتَحْضِرَ فِي قُلُوبِنَا مَا جُبِلُوا عَلَيْهِ مِنْ بُغْضِنَا وَتَكْذِيبِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُمْ لَوْ قَدَرُوا عَلَيْنَا لَاسْتَأْصَلُوا شَأْفَتَنَا وَاسْتَوْلَوْا عَلَى دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا وَأَنَّهُمْ مِنْ أَشَدِّ الْعُصَاةِ لِرَبِّنَا وَمَالِكِنَا عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ نُعَامِلُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ امْتِثَالًا لِأَمْرِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ وَأَمْرِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا مَحَبَّةً فِيهِمْ وَلَا تَعْظِيمًا لَهُمْ وَلَا نُظْهِرُ آثَارَ تِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَاقِفِ فَاحْفَظْ ذَلِكَ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ كَلَامَ الْأَصْلِ يُفِيدُ عَدَمَ صِحَّةِ وَقْفِ الْأَئِمَّةِ وَالْأُمَرَاءِ مَا مَلَكُوهُ بِالشِّرَاءِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ غَيْرِهِ لِاسْتِغْرَاقِ ذِمَمِهِمْ بِالدُّيُونِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمْ بِتَعَدِّيهِمْ عَلَى أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَكَلَامُ ابْنِ عَابِدِينَ يُفِيدُ صِحَّتَهُ وَالظَّاهِرُ التَّفْصِيلُ بِتَقْيِيدِ الصِّحَّةِ بِمَنْ لَمْ يَتَعَدَّ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ أَوْ عَلَى مَنْ وُقِفَ قَبْلَ تَقَرُّرِ الدُّيُونِ عَلَيْهِ أَوْ بَعْدَ تَقَرُّرِهَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ بُطْلَانِ تَبَرُّعَاتِهِ وَتَقْيِيدِ عَدَمِ صِحَّةٍ بِمَنْ سِوَى ذَلِكَ كَمَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُ خَلِيلٍ فِي جَامِعِهِ وَلَا تَجُوزُ وَصَايَا الْمُتَسَلِّطِينَ بِالظُّلْمِ الْمُسْتَغْرِقِي الذِّمَّة وَلَا عِتْقُهُمْ وَلَا تُورَثُ أَمْوَالُهُمْ وَيُسْلَكُ بِهَا سَبِيلُ مَا أَفَاءَ اللَّهُ. اهـ قَالَ كنون وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ شَاسٍ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَصِيَّةُ السَّلَاطِينِ الظَّلَمَةِ غَيْرُ جَائِزَةٍ وَعِتْقُهُمْ مَرْدُودٌ اهـ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ. [الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ الْمَصْرُوفُ مِنْ الزَّكَاةِ لِلْمُجَاهِدِينَ] (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) الْمَصْرُوفُ مِنْ الزَّكَاةِ لِلْمُجَاهِدِينَ رِزْقٌ خَاصٌّ مِنْ مَالٍ خَاصٍّ لَا أُجْرَةَ وَلَا إجَارَةَ وَفِي تَعَيُّنِ صَرْفِهِ لِهَذِهِ الْجِهَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَصَّ غَيْرُهَا مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ بِالصَّرْفِ لِأَنَّ الْأَصْنَافَ الثَّمَانِيَةَ شَرِكَةٌ فِي الصَّدَقَةِ أَوْ لَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ لَهَا بَلْ يَجُوزُ أَنْ تُصْرَفَ جَمِيعُ الصَّدَقَةِ إلَى وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ خِلَافٌ بَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ وَبَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْأَحْنَافِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ فِي اللَّامِ فِي {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ هَلْ هِيَ لَامُ التَّمْلِيكِ كَقَوْلِك هَذَا الْمَالُ لِزَيْدٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَوْ لَامُ الْأَصْلِ كَقَوْلِك هَذَا السَّرْجُ لِلدَّابَّةِ وَالْبَابُ لِلدَّارِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْطَى جَمِيعُهَا لِلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَاعْتَمَدَ هَذَا أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَضَافَ الصَّدَقَةَ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ إلَى مُسْتَحِقٍّ حَتَّى يَصِحَّ مِنْهُ الْمِلْكُ عَلَى وَجْهِ التَّشْرِيكِ فَكَانَ ذَلِكَ بَيَانًا لِلْمُسْتَحِقِّينَ وَهَذَا كَمَا لَوْ أَوْصَى لِأَصْنَافٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ وَتَعَلَّقَ عُلَمَاؤُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 271] الْآيَةَ وَالصَّدَقَةُ مَتَى أُطْلِقَتْ فِي الْقُرْآنِ فَهِيَ صَدَقَةُ الْفَرْضِ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت أَنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ وَأَرُدَّهَا عَلَى فُقَرَائِكُمْ» وَهَذَا نَصٌّ فِي ذِكْرِ أَحَدِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ قُرْآنًا وَسُنَّةً وَحَقَّقَ عُلَمَاؤُنَا الْمَعْنَى فَقَالُوا إنَّ الْمُسْتَحِقَّ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَكِنَّهُ أَحَالَ بِحَقِّهِ لِمَنْ ضَمِنَ لَهُمْ رِزْقَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى

نَسْتَحْضِرُهَا فِي قُلُوبِنَا مِنْ صِفَاتِهِمْ الذَّمِيمَةِ لِأَنَّ عَقْدَ الْعَهْدِ يَمْنَعُنَا مِنْ ذَلِكَ فَنَسْتَحْضِرُهَا حَتَّى يَمْنَعَنَا مِنْ الْوُدِّ الْبَاطِنِ لَهُمْ وَالْمُحَرَّمِ عَلَيْنَا خَاصَّةً وَلَمَّا أَتَى الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ الطُّرْطُوشِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْخَلِيفَةَ بِمِصْرَ وَجَدَ عِنْدَهُ وَزِيرًا رَاهِبًا وَسَلَّمَ إلَيْهِ قِيَادَهُ وَأَخَذَ يَسْمَعُ رَأْيَهُ وَيُنَفِّذُ كَلِمَاتِهِ الْمَسْمُومَةَ فِي الْمُسْلِمِينَ. وَكَانَ هُوَ مِمَّنْ يَسْمَعُ قَوْلَهُ فِيهِ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ فِي صُورَةِ الْمُغْضَبِ وَالْوَزِيرُ الرَّاهِبُ بِإِزَائِهِ جَالِسٌ أَنْشَدَهُ: يَا أَيَّهَا الْمَلِكُ الَّذِي جُودُهُ ... يَطْلُبُهُ الْقَاصِدُ وَالرَّاغِبُ إنَّ الَّذِي شُرِّفْت مِنْ أَجْلِهِ ... يَزْعُمُ هَذَا أَنَّهُ كَاذِبٌ فَاشْتَدَّ غَضَبُ الْخَلِيفَةِ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَبْيَاتِ وَأَمَرَ بِالرَّاهِبِ فَسُحِبَ وَضُرِبَ وَقُتِلَ وَأَقْبَلَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي الْوَلِيدِ فَأَكْرَمَهُ وَعَظَّمَهُ بَعْدَ عَزْمِهِ عَلَى إيذَائِهِ فَلَمَّا اسْتَحْضَرَ الْخَلِيفَةُ تَكْذِيبَ الرَّاهِبِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ سَبَبُ شَرَفِهِ وَشَرَفِ آبَائِهِ وَأَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِينَ بَعَثَهُ ذَلِكَ عَلَى الْبُعْدِ عَنْ السُّكُونِ إلَيْهِ وَالْمَوَدَّةِ لَهُ وَأَبْعَدَهُ عَنْ مَنَازِلِ الْعِزِّ إلَى مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ الذُّلِّ وَالصَّغَارِ وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ أَهِينُوهُمْ وَلَا تَظْلِمُوهُمْ وَكَتَبَ إلَيْهِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا بِالْبَصْرَةِ لَا يُحْسِنُ ضَبْطَ خَرَاجِهَا إلَّا هُوَ وَقَصَدَ وِلَايَتَهُ عَلَى جِبَايَةِ الْخَرَاجِ لِضَرُورَةِ تَعَذُّرِ غَيْرِهِ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ لَهُ فِي الْكِتَابِ مَاتَ النَّصْرَانِيُّ وَالسَّلَامُ أَيْ افْرِضْهُ مَاتَ مَاذَا كُنْت تَصْنَعُ حِينَئِذٍ فَاصْنَعْهُ الْآنَ وَبِالْجُمْلَةِ فَبِرُّهُمْ وَالْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ مَأْمُورٌ بِهِ وَوُدُّهُمْ وَتَوَلِّيهِمْ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَهُمَا قَاعِدَتَانِ إحْدَاهُمَا مُحَرَّمَةٌ وَالْأُخْرَى مَأْمُورٌ بِهَا وَقَدْ أَوْضَحْت لَك الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بِالْبَيَانِ وَالْمَثَلِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. (الْفَرْقُ الْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَخْيِيرِ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْكَفَّارَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَخْيِيرِ الْأَئِمَّةِ فِي الْأُسَارَى وَالتَّعْزِيرِ وَحَدِّ الْمُحَارِبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) اعْلَمْ أَنَّ إطْلَاقَ الْفُقَهَاءِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى شَائِعٌ فِي كُتُبِهِمْ بِأَنَّ الْأُسَارَى أَمْرُهُمْ مَوْكُولٌ إلَى خِيرَةِ الْإِمَامِ، وَتَوْلِيَةُ الْقَضَاءِ مَوْكُولٌ إلَى خِيرَةِ الْإِمَامِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ تَعْيِينُ خَصْلَةٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ مَوْكُولٌ إلَى خِيرَةِ الْحَانِثِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُمَا قَاعِدَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ فَالتَّخْيِيرُ فِي الْكَفَّارَةِ فِي خِصَالِهَا مَعْنَاهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ أَيِّ خَصْلَةٍ شَاءَ إلَى الْخَصْلَةِ الْأُخْرَى بِشَهْوَتِهِ وَمَا يَجِدُهُ يَمِيلُ إلَيْهِ طَبْعُهُ أَوْ مَا هُوَ أَسْهَلُ عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا خَيَّرَهُ بَيْنَهَا إلَّا لُطْفًا بِهِ وَلْيَفْعَلْ ذَلِكَ وَلَوْ شَاءَ لَحَتَّمَ عَلَيْهِ خُصُوصَ كُلِّ خَصْلَةٍ كَمَا فَعَلَهُ فِي خِصَالِ الظِّهَارِ الْمُرَتَّبَةِ بَلْ لَهُ الْخِيرَةُ بِهَوَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] فَكَانَ كَمَا لَوْ قَالَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو إنَّ لِي حَقًّا عَلَى خَالِدٍ يُمَاثِلُ حَقَّك يَا عَمْرُو أَوْ يُخَالِفُهُ فَخُذْهُ مِنْهُ مَكَانَ حَقِّك فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيَانًا لِمَصْرِفِ حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ لَا لِلْمُسْتَحِقِّ وَالصِّنْفُ الْوَاحِدُ فِي جِهَةِ الْمَصْرِفِ وَالْحَلِيَّةِ كَالْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وَقَدْ كُنَّا نَقُولُ إنَّ الزَّكَاةَ تُصْرَفُ إلَى الذِّمِّيِّ فَخَصَّصْنَا هَذَا الْعُمُومَ بِمَا خَصَّصَهُ صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ الْمُبَيِّنِ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت أَنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ وَأَرُدَّهَا عَلَى فُقَرَائِكُمْ» وَمَا فَهِمَ الْمَقْصُودَ أَحَدٌ فَهْمَ الطَّبَرِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ الصَّدَقَةُ لِسَدِّ خُلَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ لِسَدِّ خُلَّةِ الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ مَفْهُومٌ مِنْ مَأْخَذِ الْقُرْآنِ فِي بَيَانِ الْأَصْنَافِ وَتَعْدِيدِهِمْ وَاَلَّذِي جَعَلْنَاهُ فَصْلًا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَنَّ الْأُمَّةَ اتَّفَقَتْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أُعْطِي كُلُّ صِنْفٍ حَظَّهُ لَمْ يَجِبْ تَعْمِيمُهُ فَكَذَلِكَ تَعْمِيمُ الْأَصْنَافِ مِثْلُهُ. اهـ بِتَصَرُّفٍ مَا وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِابْنِ رُشْدٍ فَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ مُعَارَضَةُ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى فَإِنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي الْقِسْمَةَ بَيْنَ جَمِيعِهِمْ وَالْمَعْنَى يَقْتَضِي أَنْ يُؤْثِرَ بِهَا أَهْلَ الْحَاجَةِ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بِهِ سَدَّ الْخُلَّةِ فَكَانَ تَعْدِيدُهُمْ فِي الْآيَةِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ إنَّمَا وَرَدَ لِتَمْيِيزِ الْجِنْسِ أَعْنِي أَهْلَ الصَّدَقَاتِ لَا تَشْرِيكِهِمْ فِي الصَّدَقَةِ فَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَمِنْ الْحُجَّةِ لِلشَّافِعِيِّ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ الصُّدَائِيِّ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ حَتَّى حَكَمَ هُوَ فِيهَا فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ فَإِنْ كُنْت مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُك حَقَّك» . اهـ وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّ النَّخَعِيّ قَالَ إنْ كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا قَسَمَهُ عَلَى الْأَصْنَافِ وَإِلَّا وَضَعَهُ فِي صِنْفٍ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ إنْ أَخْرَجَهُ صَاحِبُهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَضَعَهُ فِي قِسْمٍ وَإِنْ قَسَّمَ الْإِمَامُ اسْتَوْعَبَ الْأَصْنَافَ وَذَلِكَ فِيمَا قَالُوا إنَّهُ إنْ كَانَ كَثِيرًا فَلْيَعُمَّهُمْ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا كَانَ قَسْمُهُ ضَرَرًا عَلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ إنْ قَسَمَهُ صَاحِبُهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّظَرِ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ فَأَمَّا الْإِمَامُ فَحَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَلْقِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ فَيَبْحَثُ عَنْ

بَيْنَ الْخُصُوصِيَّاتِ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ وَلَا تَخْيِيرَ فِيهِ فَلَا جَرَمَ لَيْسَ لَهُ الْعُدُولُ عَنْهُ بِهَوَاهُ وَشَهْوَتِهِ بَلْ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ. وَأَمَّا الْخُصُوصِيَّاتُ فَلَهُ ذَلِكَ فِيهَا فَهَذَا هُوَ مَعْنَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فِي حَقِّ الْحَانِثِ وَأَمَّا التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْخِصَالِ الْخَمْسِ فِي حَقِّ الْأُسَارَى عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ وَافَقَهُ وَهِيَ الْقَتْلُ وَالِاسْتِرْقَاقُ وَالْمَنُّ وَالْفِدَاءُ وَالْجِزْيَةُ فَهَذِهِ الْخِصَالُ الْخَمْسُ لَيْسَ لَهُ فِعْلُ أَحَدِهَا بِهَوَاهُ وَلَا لِأَنَّهَا أَخَفُّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ الْجَهْدِ فِيمَا هُوَ أَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِذَا فَكَّرَ وَاسْتَوْعَبَ فِكْرَهُ فِي وُجُوهِ الْمَصَالِحِ وَوَجَدَ بَعْدَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً هِيَ أَرْجَحُ لِلْمُسْلِمِينَ وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُهَا وَتَحَتَّمَتْ عَلَيْهِ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهَا فَهُوَ لَا يُوجَدُ فِي حَقِّهِ الْإِبَاحَةُ وَالتَّخْيِيرُ الْمُقَرَّرُ فِي خِصَالِ كَفَّارَةِ الْحِنْثِ أَبَدًا لَا قَبْلَ الِاجْتِهَادِ وَلَا بَعْدَ الِاجْتِهَادِ أَمَّا قَبْلَ الِاجْتِهَادِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ وَبَذْلُ الْجَهْدِ فِي وُجُوهِ الْمَصَالِحِ وَلَا تَخْيِيرَ هَاهُنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ وَلَا إبَاحَةَ بَلْ الْوُجُوبُ الصِّرْفُ. وَأَمَّا بَعْدَ الِاجْتِهَادِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ مِنْ الْمَصَالِحِ وَلَا خِيرَةَ لَهُ فِيهِ وَمَتَى تَرَكَهُ أَثِمَ فَالْوُجُوبُ قَبْلُ وَالْوُجُوبُ بَعْدُ وَالْوُجُوبُ حَالَةَ الْفِكْرَةِ فَلَا تَخْيِيرَ أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا هُوَ وُجُوبٌ صِرْفٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَتَسْمِيَةُ الْفُقَهَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - ذَلِكَ خِيرَةً إنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْفِكْرِ فِعْلُ خَصْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ الْخَمْسِ بَلْ يَجْتَهِدُ حَتَّى يَتَحَصَّلَ لَهُ الْأَصْلَحُ فَيَفْعَلُهُ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ رَدِّ الْغُصُوبِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ فَإِنَّهَا تَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ فِي ذَلِكَ اجْتِهَادٌ وَلَا خِيرَةَ لَهُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ فَهَذَا هُوَ وَجْهُ تَسْمِيَةِ الْفُقَهَاءِ ذَلِكَ خِيرَةً وَإِنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ مَوْكُولَةٌ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَخِيرَتِهِ وَوَجْهُ مَا يَعْتَمِدُهُ فِي الْأُسَارَى أَنْ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ شَدِيدَ الدَّهَاءِ كَثِيرَ التَّأْلِيبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِرَأْيِهِ وَدَهَائِهِ فَالْوَاجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فِيهِ الْقَتْلُ إذَا ظَهَرَ لَهُ ذَلِكَ مِنْهُ فِي اجْتِهَادِهِ بِالسُّؤَالِ عَنْ أَخْبَارِهِ وَأَحْوَالِهِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ سِيرَتِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَسِيرُ قَدْ ظَهَرَ لَهُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَلْ هُوَ مَأْمُونُ الْغَائِلَةِ وَتَتَأَلَّفُ بِإِطْلَاقِهِ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ إطْلَاقُ خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ إذَا مَنَّ عَلَيْهِ قُوبِلَ عَلَى ذَلِكَ بِمِثْلِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ الَّتِي تَعْرِضُ فِي النَّظَرِ وَالْفِكْرِ الْمُسْتَقِيمِ بَعْدَ بَذْلِ الْجَهْدِ فَإِنَّهُ يَمُنُّ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ لَا يُرْتَجَى مِنْهُ ذَلِكَ وَالْإِمَامُ مُحْتَاجٌ لِلْمَالِ لِمَصَالِحِ الْغَزْوِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَفْدِيه بِالْمَالِ. وَإِنْ رَأَى الْمُسْلِمِينَ مُحْتَاجِينَ إلَى مَنْ يَخْدُمُهُمْ وَاسْتَرَقَّهُمْ إنْ انْتَفَتْ هَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا وَلَمْ يَجِدْ فِي اجْتِهَادِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مَصْلَحَةً وَرَأَى أَنَّ ضَرْبَ الْجِزْيَةِ مَصْلَحَةٌ لِمَا يَتَوَقَّعُ مِنْ إسْلَامِهِمْ وَأَنَّهُمْ قَرِيبُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ إذَا اطَّلَعُوا عَلَى مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ بِمُخَالَطَةِ أَهْلِهِ وَرُؤْيَتِهِمْ لِشَعَائِرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّاسِ وَيُمْكِنُهُ تَحْصِيلُهُمْ وَالنَّظَرُ فِي أَمْرِهِمْ وَاَلَّذِي صَارَ إلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ أَنَّهُ يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ وَيَتَحَرَّى مَوْضِعَ الْحَاجَةِ هُوَ الْأَقْوَى ثُمَّ قَالَ مَا مَعْنَاهُ وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي اللَّامِ أَيْضًا أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ بِعَدَمِ بَقَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ إلَى الْيَوْمِ إمَّا أَنْ يَعُودَ سَهْمُهُمْ إلَى سَائِرِ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا أَوْ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي أَهْلِ الْخِلَافِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ يُعْطَى نِصْفَ سَهْمِهِمْ لِعُمَّارِ الْمَسَاجِدِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ أَيْ عَوْدُهُ لِلْأَصْنَافِ عَلَى الْخِلَافِ هُوَ الْأَصَحُّ وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ الْأَصْنَافَ الثَّمَانِيَةَ مَحَلٌّ لَا مُسْتَحِقُّونَ إذْ لَوْ كَانُوا مُسْتَحَقِّينَ لَسَقَطَ سَهْمُهُمْ بِسُقُوطِهِ عَنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَى غَيْرِهِمْ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَرْجِعْ نَصِيبُهُ إلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ بَلْ حَقُّ الْمُؤَلَّفَةِ بَاقٍ إلَى الْيَوْمِ لِأَنَّ الْإِمَامَ رُبَّمَا احْتَاجَ أَنْ يَسْتَأْلِفَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَقَدْ قَطَعَهُمْ عُمَرُ لَمَّا رَأَى مِنْ إعْزَازِ الدِّينِ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ إنْ قَوِيَ الْإِسْلَامُ زَالُوا وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِمْ أُعْطُوا سَهْمَهُمْ كَمَا كَانَ يُعْطِيه رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ الصَّحِيحَ قَدْ رُوِيَ فِيهِ «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ» اهـ. وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ الْمَصْرُوفُ مِنْهَا لِلْمُجَاهِدِينَ إجَارَةً مَعَ أَنَّ الْمَصْرُوفَ مِنْهَا لِلْقَائِلِينَ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ يَدُلُّ قَوْله تَعَالَى {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60] وَهُمْ الَّذِينَ يَقُومُونَ لِتَحْصِيلِهَا وَيُوَكَّلُونَ عَلَى جَمْعِهَا عَلَى مَسْأَلَةٍ بَدِيعَةٍ وَهِيَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَالْقَائِمُ بِهِ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ وَمِنْ ذَلِكَ الْإِمَامَةُ فَإِنَّ الصَّلَاةَ وَإِنْ كَانَتْ مُتَوَجِّهَةً عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ فَإِنَّ تَقَدُّمَ بَعْضِهِمْ بِهِمْ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَلَا جَرَمَ يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا وَهَذَا أَصْلُ الْبَابِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَا تَرَكْت بَعْدَ نَفَقَةِ عِيَالِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ» قَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ مَلَّكَهَا لَهُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا وَلَيْسَ لَهُ وَصْفٌ يَأْخُذُ بِهِ مِنْهَا سِوَى الْخِدْمَةِ فِي جَمْعِهَا. اهـ قَالَ الْأَصِيلُ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يُصْرَفُ مِنْهَا لِلْمُجَاهِدِينَ شُرُوطُ الْإِجَارَةِ مِنْ مِقْدَارِ الْعَمَلِ وَالْمُدَّةِ الْمُوجِبَةِ لِتَعَيُّنِ الْعَمَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ نَعَمْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْلِ الْأَرْزَاقِ

[المسألة السادسة ما يصرف للقسام للعقار بين الخصوم من جهة الحكام]

فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا فَهُوَ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ إنَّمَا يَفْعَلُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إبَاحَةٍ وَلَا خِيرَةٍ فِي ذَلِكَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ وَكَذَلِكَ تَخْيِيرُهُ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ الْجَهْدِ فِيمَا هُوَ الْأَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِذَا تَعَيَّنَ لَهُ الْأَصْلَحُ وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُحَارِبُ صَاحِبَ رَأْيٍ وَجَبَ عَلَيْهِ قَتْلُهُ. وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ فِي اجْتِهَادِهِ أَنَّهُ لَا رَأْيَ لَهُ بَلْ لَهُ قُوَّةٌ وَبَطْشٌ قَطَعَهُ مِنْ خِلَافٍ فَتَزُولُ مَفْسَدَتُهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ مِنْ حَالِهِ الْعَفَافَ وَإِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْفَلْتَةِ وَالْمُوَافَقَةِ لِغَيْرِهِ مَعَ تَوَقُّعِ النَّدَمِ مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ فَهَذَا يَجِبُ نَفْيُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ وَلَا قَطْعُهُ بَلْ يَفْعَلُ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ فَهُوَ أَبَدًا يَنْتَقِلُ مِنْ وَاجِبٍ إلَى وَاجِبٍ وَالْوُجُوبُ دَائِمًا عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ وَحَالَةُ الِاجْتِهَادِ هُوَ سَاعٍ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ فَفِعْلُهُ حِينَئِذٍ وَاجِبٌ وَبَعْدَ الِاجْتِهَادِ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ فَلَا يَنْفَكُّ عَنْ الْوُجُوبِ أَبَدًا وَذَلِكَ هُوَ ضِدُّ التَّخْيِيرِ وَالْإِبَاحَةِ وَإِنَّمَا خِيرَتُهُ مُفَسَّرَةٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَتَّمْ عَلَيْهِ ذَلِكَ ابْتِدَاءً وَلَهُ النَّظَرُ وَفِعْلُ مَا ظَهَرَ رُجْحَانُهُ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا مِمَّا عَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِيهِ اجْتِهَادًا كَالصَّلَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَأَخْذِ الزَّكَاةِ وَتَعْيِينِ مَصْرِفِهَا فِي الْوُجُوهِ الثَّمَانِيَةِ وَرَجْمِ الزَّانِي وَقَطْعِ السَّارِقِ وَأَنْ لَا يَحُدَّ فِي الزِّنَا إلَّا بِأَرْبَعَةٍ وَفِي الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ بِشَاهِدَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُتَحَتِّمَاتِ فَهَذَا مَعْنَى التَّخْيِيرِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ إنَّ تَفْرِقَةَ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ مَوْكُولَةٌ إلَى خِيرَتِهِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ فِي مَصَالِحِ الصَّرْفِ يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ أَهَمِّهَا فَأَهَمِّهَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْعُدُولُ عَنْ ذَلِكَ وَلَا خِيرَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ بِهَوَاهُ وَشَهْوَتِهِ بَلْ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ وَالْخَالِصَةِ بِخِلَافِ تَخْيِيرِ الْمُكَلَّفِ بَيْنَ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَخْيِيرِهِ فِي إخْرَاجِ شَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ أَوْ دِينَارٍ مِنْ أَرْبَعِينَ فَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ شَاةً بِشَهْوَتِهِ وَكَذَلِكَ دِينَارٌ مِنْ الْأَرْبَعِينَ بِهَوَاهُ وَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ مِقْدَارًا مِنْ مِيَاهِ الدُّنْيَا لِلْوُضُوءِ وَلَمْ يَتَحَتَّمْ عَلَيْهِ مَاءٌ دُونَ مَاءٍ وَكَذَلِكَ خِيرَتُهُ فِي ثِيَابِ السُّتْرَةِ لِلصَّلَاةِ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ ثِيَابٌ فَلَهُ تَعْيِينُ وَاحِدٍ مِنْهَا لِسُتْرَتِهِ بِهَوَاهُ وَشَهْوَتِهِ. وَكَذَلِكَ خَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بُقْعَةٍ مِنْ بِقَاعِ الدُّنْيَا يُصَلِّي فِيهَا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ بُقْعَةً مِنْهَا إذَا اسْتَوَتْ بِهَوَاهُ وَشَهْوَتِهِ وَكَذَلِكَ خَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فِي أَيِّ بُقْعَةٍ شَاءَ مِنْ وَلَدِهِ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ فِي أَيِّ دَارٍ شَاءَ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ بِهَوَاهُ وَهَذَا جَمِيعُهُ تَخْيِيرٌ صِرْفٌ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا بِخِلَافِ تَخْيِيرِ الْأَئِمَّةِ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَأَكْثَرُ تَصَرُّفَاتِ الْأَئِمَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ فِي الْأُسَارَى وَغَيْرِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنَّ أَصْلَ الْأَرْزَاقِ يَصِحُّ أَنْ يَبْقَى فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا يُصْرَفُ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ وَنَحْوِهَا وَإِنَّمَا يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ الَّتِي تَعْرِضُ لَهُ وَهَذَا يَجِبُ صَرْفُهُ أَمَّا فِي جِهَةِ الْمُجَاهِدِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْجِهَاتِ الثَّمَانِ لِأَنَّ جِهَةَ هَذَا الْمَالِ عَيَّنَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ إخْرَاجُهَا فِيهَا إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ جِهَةٍ عَيَّنَهَا اللَّهُ تَعَالَى كَالْخُمُسِ يَتَعَيَّنُ الْمُبَادَرَةُ إلَى صَرْفِهِ فِي جِهَةٍ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ. اهـ وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْأَصْلِ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَجُوزُ عَلَى الْقَضَاءِ وَإِمَامَةِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهِمَا وَأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ رِزْقٌ لَا أُجْرَةٌ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلُ فِي الصَّدَقَةِ يَسْتَحِقُّ يَعْنِي مِنْهَا كِفَايَتَهُ بِالْمَعْرُوفِ بِسَبَبِ الْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَدَلًا عَنْ الْعَمَلِ حَتَّى لَمْ يَحِلَّ لِلْهَاشِمِيِّ وَالْأُجْرَةُ تَحِلُّ لَهُ وَسَيَأْتِي مِثْلُهُ لِلْأَصْلِ نَعَمْ أَجَابَ عَنْهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ بِأَنَّ الْهَاشِمِيَّ إنَّمَا لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا مَعَ أَنَّهَا أُجْرَةٌ صَحِيحَةٌ تَحَرِّيًا لِكَرَامَتِهِ وَتَبَاعُدًا عَنْ الزَّرِيعَةِ وَذَلِكَ مُبَيَّنٌ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ. اهـ فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ [الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ مَا يُصْرَفُ لِلْقَسَّامِ لِلْعَقَارِ بَيْنَ الْخُصُومِ مِنْ جِهَةِ الْحُكَّامِ] (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) مَا يُصْرَفُ مِنْ جِهَةِ الْحُكَّامِ لِقَسَّامِ الْعَقَارِ بَيْنَ الْخُصُومِ وَلِمُتَرْجِمِ الْكُتُبِ عِنْدَ الْحُكَّامِ وَلِكَاتِبِ الْحَاكِمِ وَلِأُمَنَاءِ الْحُكَّامِ عَلَى الْأَيْتَامِ وَلِلْخَرَّاصِ عَلَى خَرْصِ الْأَمْوَالِ الزَّكَوِيَّةِ مِنْ الدَّوَالِي أَوْ النَّخْلِ وَلِسُعَاةِ الْمَوَاشِي وَالْعُمَّالِ عَلَى الزَّكَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ رِزْقٌ يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْأَرْزَاقِ دُونَ أَحْكَامِ الْإِجَارَاتِ أَيْ عَلَى خِلَافِ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ أَنَّ مَا يَدْفَعُ لِلْعَامِلِينَ مِنْهَا أُجْرَةٌ صَحِيحَةٌ لَا رِزْقٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِحْقَاقِ السَّلَبِ فِي الْجِهَادِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِقْطَاعِ] (الْفَرْقُ السَّادِسَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِحْقَاقِ السَّلَبِ فِي الْجِهَادِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِقْطَاعِ وَغَيْرِهِ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْأَئِمَّةِ وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْإِمَامِ وَلَيْسَ بِإِجَارَةٍ) وَهُوَ أَنَّ الْإِقْطَاعَ يَجُوزُ بِغَيْرِ سَبَبٍ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَهُ وَتَمْلِيكَهُ فَلَهُ فِي التَّمْلِيكِ حَالَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ هِيَ الْإِعَانَةُ عَلَى أَحْوَالٍ تَقَعُ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ لَا تَمْلِيكٌ حَقِيقِيٌّ فَلِذَلِكَ كَانَ لِلْإِمَامِ نَزْعُهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ وَلَهُ تَبْدِيلُهُ بِغَيْرِهِ. وَأَمَّا السَّلَبُ فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ سَبَبٍ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَهُ وَتَمْلِيكَهُ فَقَبْلَ حُصُولِ سَبَبِهِ لَا يَكُونُ لِلْقَائِلِ بِهِ تَعَلُّقٌ

غَيْرَ أُمُورٍ قَلِيلَةٍ جِدًّا أُطْلِقَ فِيهَا التَّخْيِيرُ وَمُرَادُهُمْ التَّخْيِيرُ عَلَى بَابِهِ كَمَا هُوَ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي أَرْبَعِ حَقَائِقَ وَخَمْسٍ بَنَاتِ لَبُونٍ يَأْخُذُ أَيَّهَا شَاءَ مِنْ صَاحِبِ الْمَاشِيَةِ إذَا وَجَدَ إبِلَهُ مِائَتَيْنِ فَإِنَّ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَقَدْ وُجِدَ الْأَمْرَانِ فَإِنَّ الْمِائَتَيْنِ أَرْبَعُ خَمْسِينَاتٍ وَخَمْسُ أَرْبَعِينَاتِ فَيُخَيَّرُ هَاهُنَا إذَا اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَرْجَحَ لِلْفُقَرَاءِ فَمُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا هُوَ الْأَرْجَحُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَلَمْ يَجْتَهِدْ لَهُمْ وَلَمْ يَنْصَحْ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» فَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْأَرْجَحِ لِلْفُقَرَاءِ وَكَذَلِكَ بَيْعُ مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ أَحَدِ مُشْتَرِيَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ أَوْ تَزْوِيجُ الْيَتِيمَةِ مِنْ كُفُوَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ أَوْ تَوْلِيَةُ الْقَضَاءِ لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ وَنَحْوُ هَذَا فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مُسَاوُونَ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْخِيرَةِ الْمُخْتَصَّةِ وَلَا وُجُوبَ هَاهُنَا أَلْبَتَّةَ بَلْ لَهُمْ التَّرْجِيحُ بِمُجَرَّدِ إرَادَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ ضَمِيمَةٍ إلَيْهَا كَالْمُكَلَّفِ فِي إخْرَاجِ شَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَإِطْلَاقُ الْخِيرَةِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ حَقِيقَةٌ وَفِي تِلْكَ الصُّوَرِ فَهِيَ وُجُوبٌ مَحْضٌ بَلْ بِمَعْنَى عَدَمِ التَّحَتُّمِ ابْتِدَاءً وَكَوْنُ الِاجْتِهَادِ لَهُ مَدْخَلٌ فِي ذَلِكَ الْقِسْمِ الْمُحَتَّمِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ التَّخْيِيرَاتِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَخْيِيرِ الْأَئِمَّةِ وَقَاعِدَةِ تَخْيِيرِ آحَادِ الْمُكَلَّفِينَ وَأَنَّ الثَّانِيَ خِيرَةٌ حَقِيقَةً وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُهُ مَجَازٌ وَوُجُوبُ صَرْفٍ كَمَا تَقَدَّمَ مُفَصَّلًا مُمَثَّلًا. (فَائِدَةٌ) يُطْلَقُ التَّخْيِيرُ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مُخْتَلِفَةٍ فَيُطْلَقُ التَّخَيُّرُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاجِبٌ بِخُصُوصِهِ وَعُمُومِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَخْيِيرِ الْأَئِمَّةِ فِي الْأُسَارَى وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ مِنْ ذَلِكَ يَقَعُ وَاجِبًا بِخُصُوصِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ قَتْلًا أَوْ فِدَاءً مَثَلًا وَبِعُمُومِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَحَدُ الْخِصَالِ الْخَمْسَةِ وَيَكُونُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ وَاجِبٍ بِخُصُوصِهِ وَلَا بِعُمُومِهِ كَالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْمُبَاحَاتِ مِنْ الْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ وَنَحْوِهِمَا فَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ مَثَلًا فَالتَّمْرُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لَا بِخُصُوصِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ تَمْرٌ وَلَا بِعُمُومِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَحَدُ الْمُتَنَاوَلَاتِ وَيَكُونُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَكِلَاهُمَا وَاجِبٌ مِنْ جِهَةِ عُمُومِهِ دُونَ خُصُوصِهِ كَالتَّخْيِيرِ فِي كَفَّارَةِ الْحِنْثِ فَإِنَّ الْعِتْقَ مَثَلًا وَاجِبٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَحَدُ الْخِصَالِ وَغَيْرُ وَاجِبٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ عِتْقٌ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْخَصْلَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ الْمُخَيَّرَ بَيْنَهُمَا قَدْ يَتَّصِفَانِ بِالْوُجُوبِ مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِمَا وَعُمُومِهِمَا وَقَدْ لَا يَتَّصِفَانِ بِهِ لَا مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِمَا وَلَا عُمُومِهِمَا وَقَدْ يَتَّصِفَانِ بِهِ مِنْ جِهَةِ عُمُومِهَا دُونَ خُصُوصِهِمَا وَأَمَّا الِاتِّصَافُ بِالْوُجُوبِ مِنْ جِهَةِ الْخُصُوصِ دُونَ الْعُمُومِ فَمُحَالٌ شَرْعًا وَعَقْلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخُصُوصَ يَتَوَقَّفُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَلْبَتَّةَ وَبَعْدَ حُصُولِ سَبَبِهِ يَصِيرُ مَمْلُوكًا فَلَا تَحْصُلُ لَهُ فِي التَّمْلِيكِ الْحَالَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ الْقَابِلَةُ لِلِانْتِزَاعِ وَالْإِبْدَالِ بِغَيْرِهِ أَلْبَتَّةَ فَهُوَ نَظِيرُ مَا حَازَهُ الْأَجْنَادُ وَالْأُمَرَاءُ مِنْ إقْطَاعَاتِهِمْ مِنْ خَرَاجٍ أَوْ غَيْرِهِ لِتَقَرُّرِ مِلْكِهِمْ عَلَيْهِ نَعَمْ وَقَعَ فِي سَبَبِهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِقَوْلِ الْإِمَامِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ لَا بِمُجَرَّدِ الْقَتْلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يُسْتَحَقُّ بِمُجَرَّدِ الْقَتْلِ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ مَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ تَصَرُّفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْهَا عَلَى أَنَّهُ بِالْأَمَانَةِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إذْنِ الْإِمَامِ وَمَا وَقَعَ مِنْهَا بِتَصَرُّفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَرِيقِ الْقَضَاءِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَضَاءِ الْقَاضِي وَمَا وَقَعَ مِنْهَا بِطَرِيقِ الْفُتْيَا وَالتَّبْلِيغِ يُسْتَحَقُّ بِدُونِ قَضَاءِ قَاضٍ وَإِذْنِ إمَامٍ، فَمُسْتَنَدُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ يُسْتَحَقُّ بِفُتْيَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ لَا بِتَصَرُّفِهِ بِطَرِيقِ الْإِمَامَةِ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّبْلِيغِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ عَلَى تَصَرُّفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولٌ وَالتَّبْلِيغُ شَأْنُ الرِّسَالَةِ وَحَمْلُ تَصَرُّفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْغَالِبِ طَرِيقٌ حَسَنٌ وَبِذَلِكَ اسْتَنَدَا كَمَالِكٍ فِي حَمْلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» وَقَالُوا إذْنُ الْإِمَامِ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْمِلْكِ بِالْإِحْيَاءِ وَمَشَى أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي السَّلَبِ وَالْإِحْيَاءِ عَلَى قَاعِدَتِهِ فَجَعَلَهُمَا مِنْ بَابِ التَّصَرُّفِ بِالْإِمَامَةِ وَأَمَّا مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَهُوَ وَإِنْ مَشَى فِي الْإِحْيَاءِ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْغَالِبِ فِي الْفُتْيَا وَالتَّبْلِيغِ دُونَ الْإِمَامَةِ إلَّا أَنَّهُ خَالَفَ فِي السَّلَبِ أَصْلَهُ الْمَذْكُورَ فَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ التَّصَرُّفِ بِالْإِمَامَةِ بِسَبَبِ أُمُورٍ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ حَمْلَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» عَلَى التَّصَرُّفِ بِالْإِمَامَةِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ حَتَّى يَقُولَ الْإِمَامُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ أَبْلَغُ وَأَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْفُتْيَا وَالتَّبْلِيغِ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِمُجَرَّدِ الْقَتْلِ فِي مُنَافَاتِهِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ لِلْغَانِمِينَ كَمَا أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11]

الْعُمُومِ وَأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ بِخِلَافِ الْعَكْسِ فَإِنَّ الْعُمُومَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْخُصُوصِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَبَاحِثَ وَالْفُرُوقَ فَإِنَّهَا كُلُّهَا وَاقِعَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ وُقُوعًا كَثِيرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ بِالْمِلْكِ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا) اعْلَمْ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَطْلَقُوا عِبَارَتَهُمْ بِقَوْلِهِمْ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ وَيُخَرِّجُونَ عَلَى ذَلِكَ فُرُوعًا كَثِيرَةً فِي الْمَذْهَبِ مِنْهَا إذَا وُهِبَ لَهُ الْمَاءُ فِي التَّيَمُّمِ هَلْ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا يَبْطُلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالِكًا وَمَنْ عِنْدَهُ ثَمَنُ رَقَبَةٍ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِقَالُ لِلصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْمُدَاوَاةِ فِي السَّلَسِ أَوْ التَّزْوِيجِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا وَكَثِيرٌ مِنْ هَذِهِ الْفُرُوعِ زَعَمُوا أَنَّهَا مُخَرَّجَةٌ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ بَاطِلَةٌ وَتِلْكَ الْفُرُوعُ لَهَا مَدَارِكُ غَيْرُ مَا ذَكَرُوهُ. وَبَيَانُ بُطْلَانِهَا أَنَّ الْإِنْسَانَ يَمْلِكُ أَنْ يَمْلِكَ أَرْبَعِينَ شَاةً فَهَلْ يَتَخَيَّلُ أَحَدٌ أَنَّهُ يُعَدُّ مَالِكًا الْآنَ قَبْلَ شِرَائِهَا حَتَّى تَجِبَ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. وَإِذَا كَانَ الْآنَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ فَهَلْ يَجْرِي فِي وُجُوبِ الصَّدَاقِ وَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ؟ قَوْلَانِ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ الْمَرْأَةَ لِأَنَّهُ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ عِصْمَتَهَا وَالْإِنْسَانُ مَالِكٌ أَنْ يَمْلِكَ خَادِمًا أَوْ دَابَّةً فَهَلْ يَقُولُ أَحَدٌ إنَّهُ يُعَدُّ الْآنَ مَالِكًا لَهُمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ كُلْفَتُهُمَا وَمَئُونَتُهُمَا عَلَى قَوْلٍ مِنْ الْأَقْوَالِ الشَّاذَّةِ أَوْ الْجَادَّةِ بَلْ هَذَا لَا يَتَخَيَّلُهُ مَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى مِسْكَةٍ مِنْ الْعَقْلِ وَالْفِقْهِ وَكَذَلِكَ الْإِنْسَانُ يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَ أَقَارِبَهُ فَهَلْ يُعَدُّهُ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَالِكًا لِقَرِيبِهِ فَيَعْتِقُهُ عَلَيْهِ قَبْلَ شِرَائِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ عَلَى زَعْمِ مَنْ اعْتَقَدَهَا بَلْ هَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ وَنَظَائِرُ هَذِهِ الْفُرُوعِ كَثِيرَةٌ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى وَلَا يُمْكِنُ أَنْ نَجْعَلَ هَذِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ بِالْمِلْكِ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا) قُلْت مَا نَسَبَهُ إلَى مَشَايِخَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَاعْتَقَدَهُ فِيهِمْ مِنْ أَنَّهُمْ أَرَادُوا مُقْتَضَى عِبَارَتِهِمْ الْمُطْلَقَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَمَا اخْتَارَهُ مِنْ عَدَمِ إرَادَةِ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ هُوَ الصَّحِيحُ وَالظَّنُّ بِهِمْ أَنَّهُمْ إنَّمَا أَرَادُوا ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقَيْنِ بَعْدَ هَذَا صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الثُّلُثَيْنِ لِلْأَبِ فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الضِّدِّ الْمُقَابِلِ عَنْ ذِكْرِهِ فِي الْآيَتَيْنِ بِسَبَبِ أَنَّ ذِكْرَ الضِّدِّ الْمُقَابِلِ يَدُلُّ عَلَى مُقَابَلَةٍ وَوَجْهُ الْأَبْلَغِيَّةِ أَنَّ التَّوَقُّفَ عَلَى شَرْطٍ كَمَا فِي الْحَمْلِ عَلَى بَابِ التَّصَرُّفِ بِالْإِمَامَةِ أَبْعَدُ عَنْ التَّخْصِيصِ مِنْ الْإِخْرَاجِ بِغَيْرِ شَرْطٍ كَمَا فِي الْحَمْلِ عَلَى بَابِ الْفُتْيَا وَالتَّبْلِيغِ وَمَا كَانَ أَبْعَدَ عَنْ التَّخْصِيصِ فَهُوَ أَبْلَغُ وَأَوْلَى (وَثَانِيهِمَا) أَنَّ حَمْلَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْفُتْيَا وَالتَّبْلِيغِ وَإِنْ كَانَ حَمْلًا عَلَى الْغَالِبِ عَلَى تَصَرُّفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا عَلِمْت إلَّا أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مَفْسَدَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ يَكُونُ بَعِيدًا عَنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ أَحَدُهُمَا إفْسَادُ النِّيَّاتِ وَأَنْ يُقَاتِلَ الْإِنْسَانُ مَنْ عَلَيْهِ سَلَبٌ طَمَعًا فِي سَلَبِهِ لَا نُصْرَةً لِدِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَرُبَّمَا أَوْقَعَ ذَلِكَ خَلَلًا عَظِيمًا فِي الْجَيْشِ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَجَزَةُ وَالْجُبَنَاءُ هُمْ الْمُتَزَيِّنُونَ بِاللِّبَاسِ وَالْمُتَحَصِّنُونَ بِأَنْوَاعِ الْأَسْلِحَةِ دُونَ الشُّجْعَانِ فَيَشْتَغِلُ النَّاسُ بِالْجُبَنَاءِ عَنْ الشُّجْعَانِ رَغْبَةً فِي لِبَاسِهِمْ وَأَسْلِحَتِهِمْ فَيَسْتَوْلِي شُجْعَانُ الْأَعْدَاءِ عَلَى أَبْطَالِ الْمُسْلِمِينَ وَجَيْشِهِمْ فَيَهْلِكُونَ (وَالْمَفْسَدَةُ الثَّانِيَةُ) ضَيَاعُ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاكْتِسَابِ الْعِقَابِ الْأَلِيمِ بِسَبَبِ الْمَقَاصِدِ الرَّدِيئَةِ وَأَمَّا إذَا حُمِلَ عَلَى التَّصَرُّفِ بِالْإِمَامَةِ وَصَارَ مَوْقُوفًا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَلَا مَفْسَدَةَ لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا يَقُولُ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ وَثَالِثُهَا إنَّ بَيْنَ لَفْظِ حَدِيثِ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» وَلَفْظِ مَا غَنِمْتُمْ فِي الْآيَةِ عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ بِسَبَبِ أَنَّ الْأَوَّلَ يَتَنَاوَلُ لُغَةً الْغَنِيمَةَ وَغَيْرَهَا كَمَا لَوْ قَتَلَهُ غِيلَةً فِي بَيْتِهِ وَالثَّانِي يَتَنَاوَلُ الْغَنِيمَةَ الصَّادِقَةَ لُغَةً حَتَّى عَلَى الْغَارَاتِ الْمُحَرَّمَةِ وَنَحْوِهَا غَيْرَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى تَخْصِيصِهَا بِالْجِهَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْخُصُوصُ وَالْعُمُومُ إنَّمَا يَكُونُ بِحَسَبِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ لُغَةً وَالْعَامُّ وَالْخَاصُّ مِنْ وَجْهٍ لَا يُخَصِّصُ أَحَدَهُمَا الْآخَرُ لِحُصُولِ التَّعَارُضِ فَيُصَارُ لِلتَّرْجِيحِ وَلَفْظُ الْقُرْآنِ مُتَوَاتِرٌ فَيَكُونُ أَرْجَحَ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْخَبَرِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إذَا قَالَ ذَلِكَ يَسْتَحِقُّ فَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ (وَرَابِعُهَا) أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ لَوْ كَانَ فُتْيَا لَانْصَرَفَا بِطَرِيقِ الْإِمَامَةِ لَمَا تَرَكَهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ

[الفرق بين قاعدة أخذ الجزية على التمادي على الكفر فيجوز وبين قاعدة أخذ الأعواض على التمادي على الزنا]

مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ أَلْبَتَّةَ بَلْ الْقَاعِدَةُ الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ قَاعِدَةً شَرْعِيَّةً وَيَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ فِي بَعْضِ فُرُوعِهَا لَا فِي كُلِّهَا أَنَّ مَنْ جَرَى لَهُ سَبَبٌ يَقْتَضِي الْمُطَالَبَةَ بِالتَّمْلِيكِ هَلْ يُعْطَى حُكْمَ مَنْ مَلَكَ، وَمَلَكَ قَدْ يُخْتَلَفُ فِي هَذَا الْأَصْلِ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ وَلِذَلِكَ مَسَائِلُ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إذَا حِيزَتْ الْغَنِيمَةُ فَقَدْ انْعَقَدَ لِلْمُجَاهِدِينَ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ بِالْقِسْمَةِ وَالتَّمْلِيكِ فَهَلْ يُعَدُّونَ مَالِكِينَ لِذَلِكَ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ فَقِيلَ يَمْلِكُونَ بِالْحَوْزِ وَالْأَخْذِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقِيلَ لَا يَمْلِكُونَ إلَّا بِالْقِسْمَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الْعَامِلُ فِي الْقِرَاضِ وُجِدَ فِي حَقِّهِ سَبَبٌ يَقْتَضِي الْمُطَالَبَةَ بِالْقِيمَةِ وَإِعْطَاءِ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ فَهَلْ يُعَدُّ مَالِكًا بِالظُّهُورِ أَوْ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ: الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الْعَامِلُ فِي الْمُسَاقَاةِ وُجِدَ فِي حَقِّهِ مِنْ الْعَمَلِ مَا يَقْتَضِي الْمُطَالَبَةَ بِالْقِسْمَةِ وَتَمْلِيكِ نَصِيبِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَهَلْ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ أَوْ يَمْلِكُ بِالظُّهُورِ. وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَلَى عَكْسِ الْقِرَاضِ؟ قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ: الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الشَّرِيكُ فِي الشُّفْعَةِ إذَا بَاعَ شَرِيكَهُ تَحَقَّقَ لَهُ سَبَبٌ يَقْتَضِي الْمُطَالَبَةَ بِأَنْ يَمْلِكَ الشِّقْصَ الْمَبِيعَ بِالشُّفْعَةِ. وَلَمْ أَرَ خِلَافًا فِي أَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ: الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ الْفَقِيرُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَهُ سَبَبٌ يَقْتَضِي أَنْ يَمْلِكَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِصِفَةِ فَقْرِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلِاسْتِحْقَاقِ كَالْجِهَادِ وَالْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا وَالْقِسْمَةِ بَيْنَ النَّاسِ أَمْلَاكَهُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا شَأْنُ الْإِنْسَانِ أَنْ يُعْطَى لِأَجْلِهِ فَإِذَا سَرَقَ هَلْ يُعَدُّ كَالْمَالِكِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِوُجُودِ سَبَبِ الْمُطَالَبَةِ بِالتَّمْلِيكِ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالِكًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ؟ قَوْلَانِ فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ الْقُوَّةِ مِنْ جِهَةِ قَوْلِنَا جَرَى لَهُ سَبَبُ التَّمْلِيكِ فِي تَمْشِيَتِهَا عُسْرٌ لِأَجْلِ كَثْرَةِ النُّقُوضِ عَلَيْهَا أَمَّا هَذَا الْمَفْهُومُ وَهُوَ قَوْلُنَا مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ جَرَيَانِ سَبَبٍ يَقْتَضِي مُطَالَبَتَهُ بِالتَّمْلِيكِ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْقُيُودِ فَهَذَا جَعْلُهُ قَاعِدَةً شَرْعِيَّةً ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ لِضَعْفِ الْمُنَاسَبَةِ جِدًّا أَوْ لِعَدَمِهَا أَلْبَتَّةَ. أَمَّا إذَا قُلْنَا انْعَقَدَ لَهُ سَبَبٌ يَقْتَضِي الْمُطَالَبَةَ بِالتَّمْلِيكِ فَهُوَ مُنَاسِبٌ لَأَنْ يُعَدَّ مَالِكًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ تَنْزِيلًا لِسَبَبِ السَّبَبِ مَنْزِلَةَ السَّبَبِ وَإِقَامَةً لِلسَّبَبِ الْبَعِيدِ مَقَامَ السَّبَبِ الْقَرِيبِ فَهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَخَيَّلَ وُقُوعُهُ قَاعِدَةً فِي الشَّرِيعَةِ أَمَّا مُجَرَّدُ مَا ذَكَرُوهُ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ الْإِمْكَانِ وَالْقَبُولِ لِلْمُلْكِ وَذَلِكَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَنْ الْمُنَاسَبَةِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ قَاعِدَةً وَتَتَخَرَّجُ تِلْكَ الْفُرُوعُ بِغَيْرِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَفِي الثَّوْبِ لِلسُّتْرَةِ يُلَاحَظُ فِيهَا قُوَّةُ الْمَالِيَّةِ فَلَا يَلْزَمُهُ أَوْ أَنَّهُ أَعَانَهُ عَلَى دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ مِنْ بَابِ تَحْصِيلِ الْأَمْوَالِ فَيَلْزَمُهُ وَيُكَافِئُ عَنْهُ إنْ شَاءَ. وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْمَاءِ يُوهَبُ لَهُ هَلْ يَنْظُرُ إلَى يَسَارَتِهِ فَلَا مِنَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي خِلَافَتِهِمَا لَكِنَّهُمَا تَرَكَاهَا عِلْمًا مِنْهُمَا أَنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ بِطَرِيقِ الْإِمَامَةِ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ وَلَمْ يَرَيَا أَنَّ الْمَصْلَحَةَ حِينَئِذٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ فَلَمْ يَقُولَا بِهِ فَهَذِهِ وُجُوهٌ ظَاهِرَةٌ فِيمَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمُوجِبَةٌ لَأَنْ يُخَالِفَ أَصْلَهُ لَهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ عَلَى التَّمَادِي عَلَى الْكُفْرِ فَيَجُوزُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَخْذِ الْأَعْوَاضِ عَلَى التَّمَادِي عَلَى الزِّنَا] (الْفَرْقُ السَّابِعَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ إنَّ أَخْذِ الْجِزْيَةِ عَلَى التَّمَادِي عَلَى الْكُفْرِ يَجُوزُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إنَّ أَخْذَ الْأَعْوَاضِ عَلَى التَّمَادِي عَلَى الزِّنَا وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا) . وَهُوَ أَنَّ قَاعِدَةَ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى مُدَاوَمَةِ الزِّنَا أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ مَفْسَدَةٌ صِرْفَةٌ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَرْجِيحِ الْمَصْلَحَةِ الْحَقِيرَةِ الَّتِي هِيَ أَخْذُ الدَّرَاهِمِ عَلَى الْمَفْسَدَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي هِيَ مَعْصِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ لَمْ يَقَعْ فِي الشَّرِيعَةِ بَلْ الشَّرِيعَةُ تُحَرِّمُهُ وَلَا تُبِيحُهُ وَإِنَّمَا الَّذِي مِنْ الشَّرَائِعِ الْوَاقِعَةِ وَتُبِيحُهُ الْقَوَاعِدُ الشَّرْعِيَّةُ هُوَ عَكْسُ ذَلِكَ وَهُوَ تَرْجِيحُ الْمَصْلَحَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي هِيَ إزَالَةُ مُنْكِرٍ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الْعَظِيمَةِ عَلَى الْمَفْسَدَةِ الْحَقِيرَةِ الَّتِي هِيَ دَفْعُ الدَّرَاهِمِ لِمَنْ يَأْكُلُهَا حَرَامًا كَمَا فِي دَفْعِ الْمَالِ فِي فِدَاءِ الْأُسَارَى الْكُفَّارِ وَهُمْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُمْ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ أَكْلُ ذَلِكَ الْمَالِ لِيُتَوَصَّلَ بِذَلِكَ الْمُحَرَّمِ لِتَخْلِيصِ الْأَسِيرِ مِنْ أَيْدِي الْعَدُوِّ. وَكَمَا فِي دَفْعِ الْمَالِ الْيَسِيرِ كَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِ لِلْمُحَارِبِ لِيُسَلِّمَ دَفْعَ ذَلِكَ الْمَالِ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ مَعَهُ فَيَمُوتُ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا وَمِنْ ذَلِكَ أَخْذُ الْجِزْيَةِ فَهُوَ مَصْلَحَةٌ صِرْفَةٌ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْتِزَامِ الْمَفْسَدَةِ الدُّنْيَا الَّتِي هِيَ الْإِقْرَارُ عَلَى الْكُفْرِ بِأَخْذِهَا لِدَفْعِ مَفْسَدَةِ الْعُلْيَا الَّتِي هِيَ انْسِدَادُ بَابِ الْإِيمَانِ وَبَابِ مَقَامِ سَعَادَةِ الْجِنَانِ عَلَى الْكَافِرِ إذَا قُتِلَ لِيَتَحَتَّمَ الْكُفْرُ عَلَيْهِ وَالْخُلُودُ فِي النِّيرَانِ وَغَضَبُ الدَّيَّانِ حِينَئِذٍ وَلِتَوَقُّعِ الْمَصْلَحَةِ الْعُلْيَا الَّتِي هِيَ إمَّا رَجَاءُ الْإِسْلَامِ فِي مُسْتَقْبَلِ الْأَزْمَانِ مِنْ الْمُقِرِّ عَلَى الْكُفْرِ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُ سِيَّمَا مَعَ اطِّلَاعِهِ عَلَى مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ وَالْإِلْجَاءِ إلَيْهِ بِالذُّلِّ وَالصَّغَارِ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ فَيَلْزَمُ مِنْ إسْلَامِهِ إسْلَامُ ذُرِّيَّتِهِ فَتَتَّصِلُ سِلْسِلَةُ الْإِسْلَامِ مِنْ قِبَلِهِ بَدَلًا عَنْ ذَلِكَ الْكُفْرِ الْمُقَرِّ عَلَيْهِ وَإِمَّا رَجَاءُ إسْلَامِ ذُرِّيَّتِهِ الْمُخَلَّفِينَ مِنْ بَعْدِهِ أَوْ مِنْ ذُرِّيَّةِ

[الفرق بين قاعدة ما يوجب نقض الجزية وبين قاعدة ما لا يوجب نقضها]

أَوْ يُلَاحِظُ الْمَالِيَّةَ. وَهِيَ ضَرَرٌ وَالضَّرَرُ مَنْفِيٌّ عَنْ الْمُكَلَّفِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَلِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَوَاجِدُ الثَّمَنِ يَخْرُجُ عَلَى تَنْزِيلِ وَسِيلَتِهِ مَنْزِلَتَهُ أَمْ لَا وَكَذَلِكَ الْقَادِرُ عَلَى التَّدَاوِي إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ وَالْأَقْيِسَةِ وَالْمُنَاسِبَاتِ الَّتِي اُشْتُهِرَتْ فِي الشَّرْعِ اعْتِبَارُهَا وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مُوجِبِ الِاعْتِبَارِ أَمَّا مَا لَا يَشْتَمِلُ عَلَى مُوجِبِ الِاعْتِبَارِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ قَاعِدَةً شَرْعِيَّةً بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ مِنْ الْقُيُودِ الْمُوجِبَةِ لِلْمُنَاسِبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ مَا يُوجِبُ اشْتِمَالَهُ عَلَى مُوجِبِ الِاعْتِبَارِ وَنَقْلِ النُّقُوضِ عَلَيْهِ وَتَظْهَرُ مُنَاسَبَتُهُ أَمَّا عَدَمُ الْمُنَاسَبَةِ وَكَثْرَةُ النُّقُوضِ فَاعْتِبَارُ مِثْلِ هَذَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ خِلَافُ الْمَعْلُومِ مِنْ نَمَطِ الشَّرِيعَةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ كَثُرَ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ خُصُوصًا الشَّيْخَ أَبَا الطَّاهِرِ بْنِ بَشِيرٍ فَإِنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ بِالتَّنْبِيهِ كَثِيرًا. (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرِّيَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْرِيكِ فِي الْعِبَادَاتِ) اعْلَمْ أَنَّ الرِّيَاءَ فِي الْعِبَادَاتِ شِرْكٌ وَتَشْرِيكٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِي طَاعَتِهِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلْمَعْصِيَةِ وَالْإِثْمِ وَالْبُطْلَانِ فِي تِلْكَ الْعِبَادَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الْمُحَاسِبِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُعَضِّدُهُ مَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ فَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي تَرَكْتُهُ لَهُ أَوْ تَرَكْتُهُ لِشَرِيكِي» فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِذَلِكَ الْعَمَلِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُخْلِصِينَ لِلَّهِ تَعَالَى لَيْسُوا مَأْمُورِينَ بِهِ وَمَا هُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ لَا يُجْزَى عَنْ الْمَأْمُورِ بِهِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَتَحْقِيقُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَسِرُّهَا وَضَابِطُهَا أَنْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ وَالْمُتَقَرَّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَقْصِدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْ يُعَظِّمَهُ النَّاسُ أَوْ يُعَظَّمَ فِي قُلُوبِهِمْ فَيَصِلَ إلَيْهِ نَفْعُهُمْ أَوْ يَنْدَفِعَ عَنْهُ ضَرَرُهُمْ فَهَذَا هُوَ قَاعِدَةُ أَحَدِ قِسْمَيْ الرِّيَاءِ وَالْقِسْمُ الْآخَرُ أَنْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ لَا يُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى أَلْبَتَّةَ بَلْ النَّاسَ فَقَطْ وَيُسَمَّى هَذَا الْقِسْمُ رِيَاءَ الْإِخْلَاصِ وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ رِيَاءَ الشِّرْكِ لِأَنَّ هَذَا لَا تَشْرِيَك فِيهِ بَلْ خَالِصٌ لِلْخَلْقِ وَالْأَوَّلُ لِلْخَلْقِ وَلِلَّهِ تَعَالَى وَأَغْرَاضُ الرِّيَاءِ ثَلَاثَةٌ التَّعْظِيمُ وَجَلْبُ الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَدَفْعُ الْمَضَارِّ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأَخِيرَانِ يَتَفَرَّعَانِ عَنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ إذَا عَظُمَ انْجَلَبَتْ إلَيْهِ الْمَصَالِحُ وَانْدَفَعَتْ عَنْهُ الْمَفَاسِدُ فَهُوَ الْغَرَضُ الْكُلِّيُّ فِي الْحَقِيقَةِ فَهَذِهِ قَاعِدَةُ الرِّيَاءِ الْمُبْطِلَةُ لِلْأَعْمَالِ الْمُحَرَّمَةُ بِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا مُطْلَقُ التَّشْرِيكِ كَمَنْ جَاهَدَ لِيُحَصِّلَ طَاعَةَ اللَّهِ بِالْجِهَادِ وَلِيُحَصِّلَ الْمَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQذُرِّيَّتِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَاعَةً مِنْ إيمَانٍ تَعْدِلُ دَهْرًا مِنْ كُفْرٍ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ عَلَى وَفْقِ الْحِكْمَةِ وَعَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلْقَهُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ جُمْلَةِ الْبَرَكَاتِ الْمُوجِبَةِ لِتَعْظِيمِهِ فَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَفْضَلُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَم وَفِيهِ تَابَ عَلَيْهِ وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ» لِأَنَّ خَلْقَهُ سَبَبُ وُجُودِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَالصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الطَّاعَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ. وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ ذُرِّيَّتِهِ كُفَّارًا فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ فَيُخْرَجُ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٌ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ فَيَبْقَى مِنْ كُلِّ أَلْفٍ وَاحِدٌ وَالْبَقِيَّةُ كُفَّارٌ فُجَّارٌ أَهْلُ النَّارِ وَالْمَعَاصِي وَالْفُجُورِ» إذْ لَا عِبْرَةَ بِكَثْرَةِ الْكُفَّارِ لِأَجْلِ ذَلِكَ الْمُسْلِمِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَاحِدَ تَرْبُو مَصْلَحَةُ إسْلَامِهِ عَلَى مَفْسَدَةِ أُولَئِكَ الْكُفَّارِ وَأَنَّهُمْ كَالْعَدَمِ الصِّرْفِ بِالنِّسْبَةِ إلَى نُورِ الْإِيمَانِ وَعِبَادَةِ الرَّحْمَنِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ فَعَقْدُ الْجِزْيَةِ لَمَّا كَانَتْ ثَمَرَتُهُ تُوقِعُ الْإِيمَانَ مِنْ الْأَصْلِ أَوْ مِنْ أَحَدِ الذَّرَارِيّ الَّذِي لَا يُعَادِلُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْكُفْرِ الْوَاقِعِ مِنْ غَيْرِهِ لَا مُجَرَّدُ تَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْهُ كَانَ مِنْ آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ الشَّرَائِعِ الْوَاقِعَةِ عَلَى وَفْقِ الْحِكْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ فَلِذَا أَبَاحَتْهُ الْقَوَاعِدُ الشَّرْعِيَّةُ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِ بَعْضِ الطَّاعِنِينَ فِي الدِّينِ فِي إيرَادِهِ سُؤَالًا فِي الْجِزْيَةِ إنَّ شَأْنَ الشَّرَائِعِ دَفْعُ أَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْنِ بِإِيقَاعِ أَدْنَاهَا وَتَفْوِيتُ الْمَصْلَحَةِ الدُّنْيَا بِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ الْعُلْيَا وَمَفْسَدَةُ الْكُفْرِ تَرْبُوا عَلَى مَصْلَحَةِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْجِزْيَةِ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ بَلْ عَلَى جُمْلَةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا فَضْلًا عَنْ هَذَا النَّزْرِ الْيَسِيرِ فَلِمَ وَرَدَتْ الشَّرِيعَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ بِذَلِكَ وَلِمَ لَمْ تُحَتِّمْ الْقَتْلَ دَرْءًا لِمَفْسَدَةِ الْكُفْرِ اهـ. وَلِمَ كَانَ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى مُدَاوَمَةِ الزِّنَا أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ ثَمَرَتُهُ مُجَرَّدُ أَخْذِ الدَّرَاهِمِ الَّذِي هُوَ مَصْلَحَةٌ حَقِيرَةٌ لَا تُعَادِلُ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى الْمَفْسَدَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي هِيَ مَعْصِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَقَعْ فِي الشَّرِيعَةِ بَلْ مَنَعَتْهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَفْسَدَةٌ صِرْفَةٌ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ نَقْضَ الْجِزْيَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ نَقْضَهَا] (الْفَرْقُ الثَّامِنَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ نَقْضَ الْجِزْيَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ

مِنْ الْغَنِيمَةِ فَهَذَا لَا يَضُرُّهُ وَلَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَهُ هَذَا فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ فَفَرْقٌ بَيْنَ جِهَادِهِ لِيَقُولَ النَّاسُ إنَّهُ شُجَاعٌ أَوْ لِيُعَظِّمَهُ الْإِمَامُ فَيُكْثِرَ إعْطَاءَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَهَذَا وَنَحْوُهُ رِيَاءٌ حَرَامٌ وَبَيْنَ أَنْ يُجَاهِدَ لِيُحَصِّلَ السَّبَايَا وَالْكُرَاعَ وَالسِّلَاحَ مِنْ جِهَةِ أَمْوَالِ الْعَدُوِّ فَهَذَا لَا يَضُرُّهُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ أَشْرَكَ وَلَا يُقَالُ لِهَذَا رِيَاءٌ بِسَبَبِ أَنَّ الرِّيَاءَ لِيَعْمَلَ أَنْ يَرَاهُ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ خَلْقِهِ وَالرُّؤْيَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ الْخَلْقِ فَمَنْ لَا يَرَى وَلَا يُبْصِرُ لَا يُقَالُ فِي الْعَمَلِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ رِيَاءٌ وَالْمَالُ الْمَأْخُوذُ فِي الْغَنِيمَةِ وَنَحْوُهُ لَا يُقَالُ إنَّهُ يَرَى أَوْ يُبْصِرُ فَلَا يَصْدُقُ عَلَى هَذِهِ الْأَغْرَاضِ لَفْظُ الرِّيَاءِ لِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ فِيهَا وَكَذَلِكَ مَنْ حَجَّ وَشَرَّك فِي حَجِّهِ غَرَضَ الْمَتْجَرِ بِأَنْ يَكُونَ جُلُّ مَقْصُودِهِ أَوْ كُلُّهُ السَّفَرَ لِلتِّجَارَةِ خَاصَّةً وَيَكُونَ الْحَجُّ إمَّا مَقْصُودًا مَعَ ذَلِكَ أَوْ غَيْرَ مَقْصُودٍ وَيَقَعُ تَابِعًا اتِّفَاقًا فَهَذَا أَيْضًا لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْحَجِّ وَلَا يُوجِبُ إثْمًا وَلَا مَعْصِيَةً وَكَذَلِكَ مَنْ صَامَ لِيَصِحَّ جَسَدُهُ أَوْ لِيَحْصُلَ لَهُ زَوَالُ مَرَضٍ مِنْ الْأَمْرَاضِ الَّتِي يُنَافِيهَا الصِّيَامُ وَيَكُونُ التَّدَاوِي هُوَ مَقْصُودُهُ أَوْ بَعْضُ مَقْصُودِهِ وَالصَّوْمُ مَقْصُودُهُ مَعَ ذَلِكَ وَأَوْقَعَ الصَّوْمَ مَعَ هَذِهِ الْمَقَاصِدِ لَا تَقْدَحُ هَذِهِ الْمَقَاصِدُ فِي صَوْمِهِ بَلْ أَمَرَ بِهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» أَيْ قَاطِعٌ فَأَمَرَ بِالصَّوْمِ لِهَذَا الْغَرَضِ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قَادِحًا لَمْ يَأْمُرْ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْعِبَادَاتِ وَمَا مَعَهَا وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُجَدِّدَ وُضُوءَهُ وَيَنْوِيَ التَّبَرُّدَ أَوْ التَّنْظِيفَ وَجَمِيعُ هَذِهِ الْأَغْرَاضِ لَا يَدْخُلُ فِيهَا تَعْظِيمُ الْخَلْقِ بَلْ هِيَ تَشْرِيك أُمُورٍ مِنْ الْمَصَالِحِ لَيْسَ لَهَا إدْرَاكٌ وَلَا تَصْلُحُ لِلْإِدْرَاكِ وَلَا لِلتَّعْظِيمِ فَلَا تَقْدَحُ فِي الْعِبَادَاتِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرِّيَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْرِيكِ فِي الْعِبَادَاتِ غَرَضًا آخَرَ غَيْرَ الْخَلْقِ مَعَ أَنَّ الْجَمِيعَ تَشْرِيكٌ نَعَمْ لَا يَمْنَعُ أَنَّ هَذِهِ الْأَغْرَاضَ الْمُخَالِطَةَ لِلْعِبَادَةِ قَدْ تُنْقِصُ الْأَجْرَ وَأَنَّ الْعِبَادَةَ إذَا تَجَرَّدَتْ عَنْهَا زَادَ الْأَجْرُ وَعَظُمَ الثَّوَابُ أَمَّا الْإِثْمُ وَالْبُطْلَانُ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ وَمِنْ جِهَتِهِ حَصَلَ الْفَرْقُ لَا مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَقِلَّتِهِ. (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ عَقْدِ الْجِزْيَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ غَيْرِهَا مِمَّا يُوجِبُ التَّأْمِينَ) وَهُوَ إمَّا الْمَصْلَحَةُ أَوْ الْأَمَانُ وَالْجَمِيعُ يُوجِبُ الْأَمَانَ وَالتَّأْمِينَ غَيْرَ أَنَّ عَقْدَ الْجِزْيَةِ يَكُونُ لِضَرُورَةٍ وَلِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَ الْقِتَالَ عِنْدَ عَدَمِ مُوَافَقَتِهِمْ عَلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ بِقَوْلِهِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ فَجَعَلَ الْقِتَالَ مُغَيًّا إلَى وَقْتِ مُوَافَقَتِهِمْ عَلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ وَلَا يَعْقِدُهُ إلَّا الْإِمَامُ وَيَدُومُ لِلْمَعْقُودِ لَهُمْ وَلِذَرَارِيِّهِمْ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إلَّا أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQنَقْضَهَا) عَقْدُ الْجِزْيَةِ هُوَ الْتِزَامُنَا لِلْكُفَّارِ صِيَانَةَ أَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ بِشُرُوطٍ نَشْتَرِطُهَا عَلَيْهِمْ بِهَا سُنَّةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَاسْتُفِيدَتْ مِنْ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ وَهِيَ أَنْ يُعْطُوا أَرْبَعَةَ مَثَاقِيلَ ذَهَبًا فِي انْقِضَاءِ كُلِّ عَامٍ قَمَرِيٍّ صَرْفُ كُلِّ دِينَارٍ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا وَأَنْ لَا يُحْدِثُوا كَنِيسَةً وَلَا بِيعَةً وَلَا دِيرًا وَلَا صَوْمَعَةً وَلَا يُجَدِّدُوا مَا خَرِبَ مِنْهَا وَلَا يَمْنَعُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْ النُّزُولِ فِي كَنَائِسِهِمْ وَبِيَعِهِمْ لَيْلًا وَنَهَارًا وَيُوَسِّعُوا أَبْوَابَهَا لِلنَّازِلِينَ وَيُضَيِّفُوا مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثًا وَأَنْ لَا يَأْوُوا جَاسُوسًا وَلَا يَكْتُمُوا غِشًّا لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يُعَلِّمُوا أَوْلَادَهُمْ الْقُرْآنَ وَلَا يَمْنَعُوا أَحَدًا مِنْهُمْ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ وَيُوَقِّرُوا الْمُسْلِمِينَ وَيَقُومُوا لَهُمْ مِنْ الْمَجَالِسِ وَلَا يَتَشَبَّهُوا بِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ لِبَاسِهِمْ وَلَا فَرْقِ شَعْرِهِمْ وَلَا يَتَكَلَّمُوا بِكَلَامِهِمْ وَلَا يَتَكَنَّوْا بِكُنَاهُمْ وَلَا يَرْكَبُوا عَلَى السُّرُوجِ وَلَا يَتَقَلَّدُوا شَيْئًا مِنْ السِّلَاحِ وَلَا يَحْمِلُوهُ مَعَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا يَتَّخِذُوهُ وَلَا يَنْقُشُوا خَوَاتِيمَهُمْ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا يَبِيعُوا الْخَمْرَ مِنْ مُسْلِمٍ وَيَجِزُّوا مَقَادِمَ رُءُوسِهِمْ وَيَشُدُّوا الزَّنَانِيرَ وَلَا يُظْهِرُوا الصَّلِيبَ وَلَا يُجَاوِرُوا الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَاهُمْ وَلَا يَطْرَحُوا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ نَجَاسَةً وَيُخْفُوا النَّوَاقِيسَ وَأَصْوَاتَهُمْ وَلَا يُظْهِرُوا شَيْئًا مِنْ شَعَائِرِهِمْ وَلَا يَتَّخِذُوا مِنْ الرَّقِيقِ مَا جَرَتْ عَلَيْهِمْ سِهَامُ الْمُسْلِمِينَ وَيُرْشِدُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُطْلِعُوا عَلَيْهِمْ عَدُوًّا وَلَا يَضْرِبُوا مُسْلِمًا وَلَا يَسُبُّوهُ وَلَا يَسْتَخْدِمُوهُ وَلَا يُسْمِعُوا مُسْلِمًا شَيْئًا مِنْ كُفْرِهِمْ وَلَا يَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَلَا يُظْهِرُوا خَمْرًا وَلَا نِكَاحَ ذَاتِ مَحْرَمٍ وَأَنْ يُسْكِنُوا الْمُسْلِمِينَ بَيْنَهُمْ. اهـ وَقَدْ ذَهَبَ عُلَمَاءُ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ فِي إخْلَالِ الذِّمِّيِّ بِشَرْطٍ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ إلَى طَرِيقَتَيْنِ الطَّرِيقَةُ الْأُولَى لِبَعْضِهِمْ نَقْضُ الْعَهْدِ بِإِخْلَالِهِ بِأَيِّ شَرْطٍ مِنْهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُنَافِيًا لِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ عَقْدِ الذِّمَّةِ مِنْ الْأَمَانِ وَالتَّأْمِينِ وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ لِجُمْهُورِهِمْ نَقْضُ الْعَهْدِ بِإِخْلَالِهِ بِمَا يُنَافِي الْأَمَانَ وَالتَّأْمِينَ فَقَطْ وَهَذِهِ هِيَ الصَّوَابُ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ عَقْدَ الْجِزْيَةِ كَعَقْدِ الْإِسْلَامِ فَكَمَا أَنَّ عَقْدَ الْإِسْلَامِ عَاصِمٌ لِلدِّمَاءِ وَنَحْوِهَا كَذَلِكَ عَقْدُ الذِّمَّةِ عَاصِمٌ لِلدِّمَاءِ وَكَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْزَمَ الْمُسْلِمَ جَمِيعَ التَّكَالِيفِ

يَحْصُلَ لِلْعَقْدِ نَاقِضٌ كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ النَّوَاقِضِ وَأَنَّهُ لَيْسَ رُخْصَةً عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ بَلْ عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ وَأَمَّا التَّأْمِينُ فَيَصِحُّ مِنْ آحَادِ النَّاسِ بِخِلَافِ عَقْدِ الْجِزْيَةِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي عَدَدٍ مَحْصُورٍ كَالْوَاحِدِ وَنَحْوِهِ. وَأَمَّا الْجَيْشُ الْكَثِيرُ فَالْعَقْدُ فِي تَأْمِينِهِ لِلْأَمِيرِ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ وَلَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ عَقْدُ الْمُصَالَحَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَا يَعْقِدُهُ إلَّا الْإِمَامُ وَيَكُونُ إلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ وَيَجُوزُ بِغَيْرِ مَالٍ يُعْطُونَهُ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْمَالِ وَهُوَ رُخْصَةٌ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ الْقِتَالِ وَطَلَبُ الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ وَلِذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ قِتَالِهِمْ أَوْ إلْجَائِهِمْ إلَى الْإِسْلَامِ أَوْ الْجِزْيَةِ وَشُرُوطُ الْجِزْيَةِ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ مُتَقَرِّرَةٌ فِي الشَّرْعِ وَشُرُوطُ الْمُصَالَحَةِ بِحَسَبِ مَا يَحْصُلُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا مَا لَمْ يَكُنْ فِي الشُّرُوطِ فَسَادُ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ التَّأْمِينُ لَيْسَ لَهُ شُرُوطٌ بَلْ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ وَاللَّازِمُ فِيهِ مُطْلَقُ الْأَمَانِ وَالتَّأْمِينِ وَعَقْدُ الْجِزْيَةِ يُوجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حُقُوقًا مُتَأَكِّدَةً مِنْ الصَّوْنِ لَهُمْ وَالذَّبِّ عَنْهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَالْمُصَالَحَةُ لَا تُوجِبُ مِثْلَ تِلْكَ الْحُقُوقِ بَلْ يَكُونُونَ أَجَانِبَ مِنَّا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْنَا بِرُّهُمْ وَلَا الْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا فِي ذِمَّتِنَا غَيْرَ أَنَّا لَا نَغْدِرُ بِهِمْ وَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ فَقَطْ وَنَقُومُ بِمَا الْتَزَمْنَا لَهُمْ فِي الْعَقْدِ وَمِنْ الشُّرُوطِ وَاتَّفَقْنَا عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ نُوَاسِيَ فَقِيرَهُمْ وَنَنْصُرَ مَظْلُومَهُمْ بَلْ نَتْرُكُهُمْ يَنْفَصِلُونَ بِأَنْفُسِهِمْ بِخِلَافِ عَقْدِ الْجِزْيَةِ يَجِبُ عَلَيْنَا فِيهِ دَفْعُ التَّظَالُمِ بَيْنَهُمْ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْفِقْهِ مَبْسُوطًا هُنَالِكَ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ. (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجِبُ تَوْحِيدُهُ بِهِ) اعْلَمْ أَنَّ تَوْحِيدَ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّعْظِيمِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ وَاجِبٌ إجْمَاعًا وَغَيْرُ وَاجِبٍ إجْمَاعًا وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ يَجِبُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ أَمْ لَا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ الَّذِي يَجِبُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ بِالْإِجْمَاعِ فَذَلِكَ كَالصَّلَوَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا وَالصَّوْمِ عَلَى اخْتِلَافِ رُتَبِهِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالنَّذْرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَلِكَ الْحَجُّ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْخَلْقُ وَالرِّزْقُ وَالْأَمَانَةُ وَالْإِحْيَاءُ وَالْبَعْثُ وَالنَّشْرُ وَالسَّعَادَةُ وَالشَّقَاءُ وَالْهِدَايَةُ وَالْإِضْلَالُ وَالطَّاعَةُ وَالْمَعْصِيَةُ وَالْقَبْضُ وَالْبَسْطُ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَعْتَقِدَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجِبُ تَوْحِيدُهُ تَعَالَى بِهِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي عَقْدِ إسْلَامِهِ كَذَلِكَ أَلْزَمَ الذِّمِّيَّ جُمْلَةَ هَذِهِ الشُّرُوطِ فِي عَقْدِ أَمَانِهِ وَكَمَا أَنَّ رَفْضَ التَّكَالِيفِ فِي الْإِسْلَامِ يَنْقَسِمُ إلَى مَا يُنَافِي الْإِسْلَامَ وَيُبِيحُ الدِّمَاءَ وَالْأَمْوَالَ كَرَمْيِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ وَانْتِهَاكِ حُرْمَةِ النُّبُوَّاتِ وَإِلَى مَا لَيْسَ مُنَافِيًا لِلْإِسْلَامِ وَهُوَ ضَرْبَانِ كَبَائِرُ تُوجِبُ التَّغْلِيظَ بِالْعُقُوبَةِ وَرَدَّ الشَّهَادَاتِ وَسَلْبَ أَهْلِيَّةِ الْوِلَايَةِ وَصَغَائِرُ تُوجِبُ التَّأْدِيبَ دُونَ التَّغْلِيظِ فَكَذَلِكَ رَفْضُ هَذِهِ الشُّرُوطِ فِي الذِّمَّةِ يَنْقَسِمُ إلَى مَا يُنَافِي مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ عَقْدِ الذِّمَّةِ مِنْ الْأَمَانِ وَالتَّأْمِينِ كَالْقَتْلِ وَالْخُرُوجِ عَنْ أَحْكَامِ السُّلْطَانِ وَإِلَى مَا لَيْسَ بِمُنَافٍ لِلْأَمَانِ وَالتَّأْمِينِ وَهُوَ ضَرْبَانِ مَا هُوَ عَظِيمُ الْمَفْسَدَةِ كَالْكَبِيرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِسْلَامِ كَالْحِرَابَةِ وَالسَّرِقَةِ وَمَا هُوَ خَفِيفُ الْمَفْسَدَةِ كَالصَّغِيرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِسْلَامِ كَسَبِّ الْمُسْلِمِ وَإِظْهَارِ التَّرَفُّعِ عَلَيْهِ فَكَمَا أَنَّ ضَرْبَيْ مَا لَيْسَ بِمُنَافٍ لِعَقْدِ الْإِسْلَامِ مِنْ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ لَا يُبْطِلَانِ عِصْمَةَ دَمِ وَمَالِ الْمُسْلِمِ الْمُرْتَكِبِ لِأَحَدِهِمَا كَذَلِكَ ضَرْبَا مَا لَيْسَ بِمُنَافٍ لِلْأَمْنِ وَالْأَمَانِ الْمَقْصُودَيْنِ مِنْ عَقْدِ الْجِزْيَةِ مِمَّا يُشْبِهُ وَاحِدًا مِنْ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ لَا يُبْطِلَانِ عِصْمَةَ دَمِ وَمَالِ الذِّمِّيِّ النَّاقِضِ لِأَحَدِهِمَا (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ الْمَشْهُورَةَ فِي أَبْوَابِ الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّنَا لَا نُبْطِلُ عَقْدًا مِنْ الْعُقُودِ إلَّا بِمَا يُنَافِي مَقْصُودَ ذَلِكَ الْعَقْدِ دُونَ مَا لَا يُنَافِي مَقْصُودَهُ وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْ مُقَارَنَتِهِ مَعَهُ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الشُّرُوطُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الَّتِي هِيَ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ تَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مُوجِبٌ لِمُنَافَاةِ عَقْدِ الذِّمَّةِ كَالْخُرُوجِ عَلَى السُّلْطَانِ وَنَبْذِ الْعَهْدِ وَالْقَتْلِ وَالْقِتَالِ بِمُفْرَدِهِمْ أَوْ مَعَ الْأَعْدَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ خَرَجُوا نَقْضًا لِلْعَهْدِ وَالْإِمَامُ عَادِلٌ فَهُمْ فَيْءٌ كَمَا فَعَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ لَمَّا عَصَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَتْحِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ خُرُوجُهُمْ وَامْتِنَاعُهُمْ مِنْ الْجِزْيَةِ الظُّلْمَ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ رُدُّوا إلَى ذِمَّتِهِمْ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ إنْ كَانَ خُرُوجُهُمْ مِنْ ظُلْمٍ فَهُوَ نَقْضٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعَاهَدُوا عَلَى أَنْ يَظْلِمُوا مَنْ ظَلَمَهُمْ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ ذِمِّيًّا نَخَسَ بَغْلًا عَلَيْهِ مُسْلِمَةٌ فَوَقَعَتْ فَانْكَشَفَتْ عَوْرَتُهَا فَأَمَرَ بِصَلْبِهِ فِي

تَوْحِيدَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوَحُّدَهُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ وَإِنْ أُضِيفَ شَيْءٌ مِنْهَا لِغَيْرِهِ تَعَالَى فَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الرَّبْطِ الْعَادِيِّ لَا أَنَّ ذَلِكَ الْمُشَارَ إلَيْهِ فَعَلَ شَيْئًا حَقِيقَةً كَقَوْلِنَا قَتَلَهُ السُّمُّ وَأَحْرَقَتْهُ النَّارُ وَرَوَاهُ الْمَاءُ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يَفْعَلُ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ حَقِيقَةً بَلْ اللَّهُ تَعَالَى رَبَطَ هَذِهِ الْمُسَبَّبَاتِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ كَمَا شَاءَ وَأَرَادَ وَلَوْ شَاءَ لَمْ يَرْبِطْهَا وَهُوَ الْخَالِقُ لِمُسَبِّبَاتِهَا عِنْدَ وُجُودِهَا لَا أَنَّ تِلْكَ الْأَسْبَابَ هَذِهِ الْمُوجِدَةُ. وَكَذَلِكَ إخْبَارُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَيُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَيُبْرِئُ عِنْدَ إرَادَةِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِذَلِكَ لَا أَنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُوَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ حَقِيقَةً بَلْ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ لِذَلِكَ وَمُعْجِزَةُ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي ذَلِكَ رَبْطُ وُقُوعِ ذَلِكَ الْإِحْيَاءِ وَذَلِكَ الْإِبْرَاءِ بِإِرَادَتِهِ فَإِنَّ غَيْرَهُ يُرِيدُ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ إرَادَتُهُ ذَلِكَ فَاللُّزُومُ بِإِرَادَتِهِ هُوَ مُعْجِزَتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا يَظْهَرُ عَلَى أَيْدِي الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ وَالْكَرَامَاتِ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ خَالِقُهَا وَكَذَلِكَ يَجِبُ تَوْحِيدُهُ تَعَالَى بِاسْتِحْقَاقِ الْعِبَادَةِ وَالْإِلَهِيَّةِ وَعُمُومُ تَعَلُّقِ صِفَاتِهِ تَعَالَى فَيَتَعَلَّقُ عِلْمُهُ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ وَإِرَادَتُهُ بِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ وَبَصَرُهُ بِجَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ الْبَاقِيَاتِ وَالْفَانِيَاتِ وَسَمْعُهُ بِجَمِيعِ الْأَصْوَاتِ وَخَبَرُهُ بِجَمِيعِ الْمُخْبَرَاتِ فَهَذَا وَنَحْوُهُ تَوْحِيدٌ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ لَا مُشَارَكَةَ لِأَحَدٍ فِيهِ. الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَى عَدَمِ التَّوْحِيدِ فِيهِ وَالتَّوَحُّدِ، كَتَوْحِيدِهِ بِالْوُجُودِ وَالْعِلْمِ وَنَحْوِهِمَا فَمَفْهُومُ الْوُجُودِ مُشْتَرَكٌ فِيهِ سَوَاءٌ قُلْنَا هُوَ عَيْنُ الْمَوْجُودِ أَوْ غَيْرُهُ فَإِنْ قُلْنَا الْوُجُودُ زَائِدٌ عَلَى الْمَوْجُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَى عَدَمِ التَّوْحِيدِ فِيهِ وَالتَّوَحُّدُ كَتَوْحِيدِهِ تَعَالَى بِالْوُجُودِ وَالْعِلْمِ وَنَحْوِهِمَا إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْقِسْمِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ تَقُولَ إنَّ الْوُجُودَ هُوَ عَيْنُ الْمَوْجُودِ أَوْ غَيْرُهُ فَإِنْ قُلْت بِالْأَوَّلِ لَمْ يَصِحَّ الْقَوْلُ بِعَدَمِ التَّوْحِيدِ وَالتَّوَحُّدِ مِنْ حَيْثُ إنَّ وُجُودَ الْبَارِي تَعَالَى عَيْنُ ذَاتِهِ وَوُجُودُ غَيْرِهِ عَيْنُ ذَاتِهِ وَالْغَيْرَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ بِذَاتِهِ غَيْرُ مُشَارَكٍ فِيهَا فَلَا يَصِحُّ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ التَّوْحِيدِ وَالتَّوَحُّدِ عَلَى هَذَا بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ الْخَارِجِ عَنْ الذِّهْنِ. وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ الْأَمْرِ الذِّهْنِيِّ فَلَا يَصِحُّ عَلَى ذَلِكَ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّوْحِيدِ وَالتَّوَحُّدِ لِلْخِلَافِ فِي الْأَمْرِ الذِّهْنِيِّ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَمْرِ الثَّانِي فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا الْقَوْلُ بِعَدَمِ التَّوْحِيدِ وَالتَّوَحُّدِ مِنْ حَيْثُ إنَّ وُجُودَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَيْرَيْنِ يَخْتَصُّ بِهِ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِإِنْكَارِ الْحَالِ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْحَالِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحَالَ هِيَ الْأَمْرُ الذِّهْنِيُّ أَوْ لَا فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ لَمْ يَصِحَّ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ التَّوْحِيدِ وَالتَّوَحُّدِ لِلْخِلَافِ فِي الْأَمْرِ الذِّهْنِيِّ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي لَمْ يَصِحَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَقَالَ إنَّمَا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا حَارَبَ أَهْلَ الذِّمَّةِ وَظُفِرَ بِهِمْ وَالْإِمَامُ عَدْلٌ قُتِلُوا وَتُسْبَى نِسَاؤُهُمْ وَلَا نَتَعَرَّضُ لِمَنْ يُظَنُّ أَنَّهُ مَغْلُوبٌ مَعَهُمْ كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالضَّعِيفِ وَلَوْ ذَهَبُوا لِبَلَدِ الْحَرْبِ وَتَرَكُوا أَوْلَادَهُمْ نَقْضًا لِلْعَهْدِ لَمْ يُسْبَوْا بِخِلَافِ مَا إذَا ذَهَبُوا بِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِظُلْمٍ أَصَابَهُمْ إلَّا أَنْ يُعِينُوا عَلَيْنَا الْمُشْرِكِينَ فَهُمْ كَالْمُحَارِبِينَ وَقَالَ أَيْضًا إذَا حَارَبُوا وَالْإِمَامُ عَدْلٌ اسْتَحَلَّ سَبْيَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ إلَّا مَنْ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ مَغْلُوبٌ كَالضُّعَفَاءِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ أَصْبَغُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَحَدًا وَأَلْحَقَ الضُّعَفَاءَ بِالْأَقْوِيَاءِ فِي النَّقْضِ كَمَا انْدَرَجُوا مَعَهُمْ فِي النَّقْدِ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَبَى ذَرَارِيَّ قُرَيْظَةَ وَنِسَاءَهُمْ بَعْدَ نَقْضِ الْعَهْدِ» قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا اسْتَوْلَى الْعَدُوُّ عَلَى مَدِينَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهَا ذِمَّةٌ فَغَزَوْا مَعَهُمْ ثُمَّ اعْتَذَرُوا لَنَا بِالْقَهْرِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ إلَّا بِقَوْلِهِمْ فَمَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا قُتِلَ وَإِلَّا أُطِيلَ سَجْنُهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ إذَا صَارُوا عَوْنًا لِلْحَرْبِيِّينَ عَلَيْنَا (الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُنَافِي عَقْدَ الذِّمَّةِ كَتَرْكِ الزِّنَا وَرُكُوبِ الْخَيْلِ وَتَرْكِ ضِيَافَةِ الْمُسْلِمِينَ وَنَقْشِ خَوَاتِيمِهِمْ بِالْعَرَبِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تَخِفُّ مَفْسَدَتُهُ فَفِي الْأَصْلِ عَنْ الْأَصْحَابِ إذَا أَظْهَرُوا مُعْتَقَدَهُمْ فِي الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ غَيْرِهِ أَدَّبْنَاهُمْ وَلَا يُنْقَضُ بِهِ الْعَهْدُ وَإِنَّ حُكْمَهُمْ فِي الْقَتْلِ الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهِ هَلْ يُلْحَقُ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَيُنْتَقَضُ بِهِ عَقْدُ الْجِزْيَةِ أَوْ بِالْقِسْمِ الثَّانِي فَلَا يُنْتَقَضُ بِهِ عَقْدُ الْجِزْيَةِ كَإِكْرَاهِ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الزِّنَا وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَتَعَرُّضِهِمْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا عَظُمَتْ مَفْسَدَتُهُ فَفِي الْأَصْلِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَإِنَّمَا يُنْقَضُ بِالْقِتَالِ وَمَنْعِ الْجِزْيَةِ وَالتَّمَرُّدِ عَلَى الْأَحْكَامِ وَالتَّطَلُّعِ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَإِكْرَاهِ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الزِّنَا. وَأَمَّا قَطْعُ الطَّرِيقِ فَحُكْمُهُمْ فِيهِ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ، وَتَعَرُّضُهُمْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ إلَّا أَنْ يُسْلِمُوا وَرُوِيَ يُوجَعُ أَدَبًا وَيُشَدُّ ذَنَبُهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ قُبِلَ مِنْهُ

[الفرق بين قاعدة بر أهل الذمة وبين قاعدة التودد لهم]

فَهُوَ مُشْتَرِكٌ فِيهِ فِي الْخَارِجِ وَإِنْ قُلْنَا وُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ نَفْسُ مَاهِيَّتِه فَنُرِيدُ نَفْسَ مَاهِيَّتِه فِي الْخَارِجِ وَأَمَّا فِي الذِّهْنِ فَنَحْنُ نَتَصَوَّرُ مِنْ مَعْنَى الْوُجُودِ مَعْنًى عَامًّا يَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمُمْكِنَ فَتِلْكَ الصُّورَةُ الذِّهْنِيَّةُ وَقَعَتْ الشَّرِكَةُ فِيهَا فَعَلِمْنَا أَنَّ التَّوْحِيدَ فِي أَصْلِ الْوُجُودِ غَيْرُ وَاقِعٍ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَكَذَلِكَ مَفْهُومُ الْعِلْمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ عِلْمٌ وَقَعَتْ الشَّرِكَةُ فِيهِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمُمْكِنِ وَكَذَلِكَ مَفْهُومُ الْحَيَاةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْإِرَادَةِ وَالْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ وَأَنْوَاعُهُ مِنْ الطَّلَبِ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ وَلَوْلَا الشَّرِكَةُ فِي أُصُولِ هَذِهِ الْمَفْهُومَاتِ لَتَعَذَّرَ عَلَيْنَا قِيَاسُ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ بِغَيْرِ مُشْتَرِكٍ مُتَعَذِّرٌ وَقِيَاسُ الْمُبَايِنِ عَلَى مُبَايِنِهِ لَا يَصِحُّ. وَقَدْ أَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ هَذَا السُّؤَالَ فَقَالَ إنْ كَانَ الْقِيَاسُ صَحِيحًا لِمَعْنًى مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْغَائِبِ فَقَدْ وَقَعَتْ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِ الْبَشَرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا تُشْبِهُ ذَاتُهُ ذَاتًا وَلَا صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ صِفَةً مِنْ صِفَاتِ غَيْرِهِ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] وَالسَّلْبُ الَّذِي فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَامٌّ فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقِيَاسُ صَحِيحًا تَعَذَّرَ إثْبَاتُ الصِّفَاتِ فَإِنَّ مُسْتَنَدَهَا قِيَاسُ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ. وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ أَنَّ السَّلْبَ لِلْمِثْلِيَّةِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْآيَةِ صَحِيحٌ وَالْقِيَاسُ أَيْضًا صَحِيحٌ وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَعَانِيَ لَهَا صِفَاتٌ نَفْسِيَّةٌ تَقَعُ الشَّرِكَةُ فِيهَا فَبِهَا يَقَعُ الْقِيَاسُ وَتِلْكَ الصِّفَاتُ النَّفِيسَةُ حُكْمٌ لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَحَالٌ مِنْ أَحْوَالِهِ النَّفْسِيَّةِ وَهِيَ حَالَةٌ غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ وَذَلِكَ كَمَا نَقُولُ كَوْنُ السَّوَادِ سَوَادًا وَكَوْنُ الْبَيَاضِ بَيَاضًا حَالَةٌ لِلسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَهِيَ حَالَةٌ غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ وَهَذِهِ الْحَالُ لَا مَوْجُودَةٌ وَلَا مَعْدُومَةٌ فَلَيْسَ خُصُوصُ السَّوَادِ الَّذِي امْتَازَ بِهِ عَلَى جَمِيعِ الْأَعْرَاضِ صِفَةً وُجُودِيَّةً قَائِمَةً بِالسَّوَادِ وَكَذَلِكَ كَوْنُهُ عَرَضًا لَيْسَ بِصِفَةٍ وُجُودِيَّةٍ قَائِمَةٍ بِالسَّوَادِ بَلْ السَّوَادُ فِي نَفْسِهِ بَسِيطٌ لَا تَرْكِيبَ فِيهِ وَحَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْخَارِجِ لَيْسَ لَهَا صِفَةٌ بَلْ يُوصَفُ بِهَا وَلَا تُوصَفُ بِصِفَةٍ وُجُودِيَّةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــSالْقَوْلُ بِعَدَمِ التَّوْحِيدِ وَالتَّوَحُّدِ لِاخْتِصَاصِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَيْرَيْنِ بِحَالِهِ كَمَا سَبَقَ فِي الْوُجُودِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْلَا الشَّرِكَةُ فِي أُصُولِ هَذِهِ الْمَفْهُومَاتِ لَتَعَذَّرَ عَلَيْنَا قِيَاسُ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ الشَّرِكَةَ فِي أُصُولِ هَذِهِ الْمَفْهُومَاتِ لَمْ تَثْبُتْ فَيَتَعَذَّرُ قِيَاسُ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ أَوْرَدَهُ وَارِدٌ وَجَوَابُهُ بِالْتِزَامِ بُطْلَانِ قِيَاسِ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ وَعَدَمِ تَعَذُّرِ إثْبَاتِ الصِّفَاتِ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِإِثْبَاتِهَا قِيَاسُ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ وَمَا أَجَابَ هُوَ بِهِ عَنْ ذَلِكَ السُّؤَالِ لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْأَحْوَالِ وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ قِيَاسِ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الصِّفَاتِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ فِي الْقِسْمِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَالَ اللَّخْمِيُّ إنْ زَنَى بِالْمُسْلِمَةِ طَوْعًا لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُ عِنْدَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَانْتَقَضَ عِنْدَ رَبِيعَةَ وَابْنِ وَهْبٍ وَإِنْ غَرَّهَا بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ فَتَزَوَّجَهَا فَهُوَ نَقْضٌ عِنْدَ ابْنِ نَافِعٍ وَإِنْ عَلِمَتْ بِهِ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا وَإِنْ طَاوَعَتْهُ الْأَمَةُ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا وَإِنْ اغْتَصَبَهَا قَالَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ بِنَقْضٍ وَقِيلَ نَقْضٌ قَالَ فَإِنْ عُوهِدَ عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ نَقْضٌ انْتَقَضَ عَهْدُهُ بِذَلِكَ قَالَ الْأَصْلُ وَهَذِهِ الْفُرُوعُ بَعْضُهَا أَقْرَبُ مِنْ بَعْضٍ لِلْقَاعِدَةِ فِي النَّقْضِ فَإِكْرَاهُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الزِّنَا وَجَعْلُهُ نَاقِضًا دُونَ الْحِرَابَةِ مُشْكِلٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالْحِرَابَةِ فَلَا يُنْتَقَضُ أَوْ تُلْحَقُ الْحِرَابَةُ فِيهِ فَيُنْتَقَضُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِعُمُومِ مُفْسِدَةِ الْحِرَابَةِ فِي النُّفُوسِ وَالْأَبْضَاعِ وَالْأَمْوَالِ وَعَدَمُ اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ. اهـ فَإِذَا عَلِمْت هَذِهِ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ وَتَوَضَّحَتْ عِنْدَك مَسَائِلُهَا ظَهَرَ لَك تَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ النَّقْضَ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُهُ فَتَعْتَبِرُ مَا يَقَعُ لَك مِنْ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ بِالْمَنْصُوصِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ بِرِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّوَدُّدِ لَهُمْ] (الْفَرْقُ التَّاسِعَ عَشَرَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ بِرِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّوَدُّدِ لَهُمْ) مِنْ حَيْثُ إنَّ بِرَّهُمْ وَالْإِحْسَانَ إلَيْهِمْ مَأْمُورٌ بِهِ {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ} [الممتحنة: 8] الْآيَةَ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَوْصُوا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ خَيْرًا» وَقَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «اسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا» وَوُدُّهُمْ وَتُوَلِّيهِمْ مَنْهِيٌّ عَنْهُ قَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} [الممتحنة: 1] الْآيَةَ. وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] الْآيَةَ حَتَّى اُحْتِيجَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ النُّصُوصِ بِمَا هُوَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ بِرِّهِمْ وَالتَّوَدُّدِ لَهُمْ مِنْ أَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ لَمَّا كَانَ عَقْدًا عَظِيمًا فَيُوجِبُ عَلَيْنَا حُقُوقًا لَهُمْ مِنْهَا مَا حَكَى ابْنُ حَزْمٍ فِي مَرَاتِبِ الْإِجْمَاعِ وَنَجْعَلُهُمْ فِي جِوَارِنَا وَفِي حَقِّ رَبِّنَا وَفِي ذِمَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَذِمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذِمَّةِ دِينِ الْإِسْلَامِ اهـ. وَاَلَّذِي إجْمَاعُ الْأَمَةِ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ وَجَاءَ أَهْلُ الْحَرْبِ إلَى بِلَادِنَا يَقْصِدُونَهُ وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نَخْرُجَ لِقِتَالِهِمْ بِالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَنَمُوتَ دُونَ ذَلِكَ صَوْنًا لِمَنْ هُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ

حَقِيقَةٍ تَقُومُ بِهَا وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي بَقِيَّةِ الْمَعَانِي. فَكَذَلِكَ كَوْنُ الْعِلْمِ عِلْمًا صِفَةٌ نَفْسِيَّةٌ وَحَالَةٌ لَهُ لَيْسَتْ صِفَةً مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ قَائِمَةً بِالْعِلْمِ فَالْقِيَاسُ وَقَعَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ النَّفْسِيَّةِ وَالْحُكْمُ النَّفْسِيُّ لَا بِصِفَةٍ وُجُودِيَّةٍ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْإِرَادَةِ وَالْحَيَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ وَإِذَا كَانَ الْقِيَاسُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْغَائِبِ وَهُوَ حُكْمٌ نَفْسِيٌّ وَحَالَةٌ ذَاتِيَّةٌ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فِي الْخَارِجِ فَالسَّلْبُ الَّذِي فِي الْآيَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ مَنْفِيَّةٌ بَيْنَ الذَّاتِ وَجَمِيعِ الذَّوَاتِ. وَكُلُّ صِفَةٍ لَهُ تَعَالَى وَبَيْنَ جَمِيعِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ فِي أَمْرٍ وُجُودِيٍّ فَإِنَّهُ لَا صِفَةَ وُجُودِيَّةً مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اللَّهِ وَخَلْقِهِ أَلْبَتَّةَ بَلْ الشَّرِكَةُ إنَّمَا وَقَعَتْ فِي أُمُورٍ لَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ كَالْأَحْوَالِ وَالْأَحْكَامِ وَالنِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ كَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَالْقَبْلِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ وَالْمَعِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ أَمَّا فِي صِفَةٍ وُجُودِيَّةٍ فَلَا فَهَذَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ قِيَاسِ الشَّاهِدِ عَلَى الْغَائِبِ وَبَيْنَ نَفْيِ الْمُشَابَهَةِ وَبُسِطَ هَذَا فِي كُتُبِ أُصُولِ الدِّينِ وَقَدْ بَسَطْته فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ وَأَوْرَدْت هَذَا السُّؤَالَ وَأَجَبْت عَنْهُ هُنَالِكَ مَبْسُوطًا فَهَذَا الْقِسْمُ وَنَحْوُهُ لَا يَجِبُ التَّوْحِيدُ فِيهِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ إجْمَاعًا فَيَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ الْمَخْلُوقُ بِأَنَّهُ عَالِمٌ وَمُرِيدٌ وَحَيٌّ وَمَوْجُودٌ وَمُخْبِرٌ وَسَمِيعٌ وَبَصِيرٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاكٍ فِي اللَّفْظِ بَلْ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى عَامٍّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ. الْقِسْمُ الثَّالِثُ الَّذِي اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَجِبُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ أَمْ لَا فَهَذَا هُوَ التَّعْظِيمُ بِالْقَسَمِ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقْسِمَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ مِنْ التَّعْظِيمِ الَّذِي وَجَبَ التَّوْحِيدُ فِيهِ أَوْ لَا يَجُوزُ فَيَكُونُ مِنْ التَّعْظِيمِ الَّذِي وَجَبَ التَّوْحِيدُ فِيهِ وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الَّذِي سِيقَ الْفَرْقُ لِأَجْلِهِ لِأَنَّهُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَقَالَ الشَّيْخُ الْفَقِيهُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ هُوَ مُبَاحٌ كَالْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَبِصِفَاتِهِ الْعُلَا وَمُحَرَّمٌ كَالْحَلِفِ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْحَلِفَ تَعْظِيمٌ وَتَعْظِيمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَدْ يَكُونُ كُفْرًا وَأَقَلُّهُ التَّحْرِيمُ وَمَكْرُوهٌ وَهُوَ الْحَلِفُ بِمَا عَدَا ذَلِكَ. وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِمَا فِي مُسْلِمٍ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» وَمِنْ الْمَكْرُوهِ الْحَلِفُ بِالرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بِالْكَعْبَةِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ بِالْمَخْلُوقَاتِ كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَمْنُوعٌ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الْحَلِفِ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالْعِلْمِ وَنَحْوِهَا مِنْ الصِّفَاتِ السَّبْعَةِ فَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ فِي ذَلِكَ إذَا حَنِثَ وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكَرَاهَةُ فِي لَعَمْرُ اللَّهِ وَأَمَانَةِ اللَّهِ وَإِنْ حَلَفَ بِالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ. وَقَالَ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ فِي الْجَوَاهِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعَالَى وَذِمَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ تَسْلِيمَهُ دُونَ ذَلِكَ إهْمَالٌ لِعَقْدِ الذِّمَّةِ وَمِنْهَا أَنَّ مَنْ اعْتَدَى عَلَيْهِمْ وَلَوْ بِكَلِمَةِ سُوءٍ أَوْ غِيبَةٍ فِي عِرْضِ أَحَدِهِمْ أَوْ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَذِيَّةِ أَوْ أَعَانَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ ضَيَّعَ ذِمَّةَ اللَّهِ تَعَالَى وَذِمَّةَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذِمَّةَ دِينِ الْإِسْلَامِ تَعَيَّنَ عَلَيْنَا أَنْ نَبَرَّهُمْ بِكُلِّ أَمْرٍ لَا يُؤَدِّي إلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَدُلُّ ظَاهِرُهُ عَلَى مَوَدَّاتِ الْقُلُوبِ وَثَانِيهِمَا مَا يَدُلُّ ظَاهِرُهُ عَلَى تَعْظِيمِ شَعَائِرِ الْكُفْرِ وَذَلِكَ كَالرِّفْقِ بِضَعِيفِهِمْ وَسَدِّ خُلَّةِ فَقِيرِهِمْ وَإِطْعَامِ جَائِعِهِمْ وَإِكْسَاءِ عَارِيهِمْ وَلِينِ الْقَوْلِ لَهُمْ عَلَى سَبِيلِ اللُّطْفِ لَهُمْ وَالرَّحْمَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْخَوْفِ وَالذِّلَّةِ وَاحْتِمَالِ أَذِيَّتِهِمْ فِي الْجِوَارِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إزَالَتِهِ لُطْفًا مِنَّا بِهِمْ لَا خَوْفًا وَتَعْظِيمًا وَالدُّعَاءِ لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَأَنْ يُجْعَلُوا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَنَصِيحَتِهِمْ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَحِفْظِ غَيْبَتِهِمْ إذَا تَعَرَّضَ أَحَدٌ لِأَذِيَّتِهِمْ وَصَوْنِ أَمْوَالِهِمْ وَعِيَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ وَجَمِيعِ حُقُوقِهِمْ وَمَصَالِحِهِمْ وَأَنْ يُعَانُوا عَلَى دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُمْ وَإِيصَالِهِمْ لِجَمِيعِ حُقُوقِهِمْ وَكُلِّ خَيْرٍ يَحْسُنُ مِنْ الْأَعْلَى مَعَ الْأَسْفَلِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَمِنْ الْعَدُوِّ أَنْ يَفْعَلَهُ مَعَ عَدُوِّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَا عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ لَهُمْ وَتَحْقِيرِ أَنْفُسِنَا بِذَلِكَ الصَّنِيعِ لَهُمْ بَلْ امْتِثَالًا مِنَّا لِأَمْرِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ وَأَمْرِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ كَوْنِنَا نَسْتَحْضِرُ فِي قُلُوبِنَا مَا جُبِلُوا عَلَيْهِ مِنْ بُغْضِنَا وَتَكْذِيبِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُمْ لَوْ قَدَرُوا عَلَيْنَا لَاسْتَأْصَلُوا شَأْفَتَنَا وَاسْتَوْلَوْا عَلَى دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا وَأَنَّهُمْ مِنْ أَشَدِّ الْعُصَاةِ لِرَبِّنَا وَمَالِكِنَا عَزَّ وَجَلَّ لِيَمْنَعَنَا ذَلِكَ الِاسْتِحْضَارُ مِنْ الْوُدِّ الْبَاطِنِ لَهُمْ الْمُحَرَّمِ عَلَيْنَا خَاصَّةً لَا لَأَنْ نُظْهِرَ آثَارَ تِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي نَسْتَحْضِرُهَا فِي قُلُوبِنَا مِنْ صِفَاتِهِمْ الذَّمِيمَةِ لِأَنَّ عَقْدَ الْعَهْدِ يَمْنَعُنَا مِنْ ذَلِكَ كَمَا هُوَ مَحْمَلُ الْآيَةِ الْأُولَى وَالْحَدِيثَيْنِ. أَمَّا بِرُّنَا لَهُمْ بِمَا يُؤَدِّي إلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ كَإِخْلَاءِ الْمَجَالِسِ لَهُمْ عِنْدَ قُدُومِهِمْ عَلَيْنَا وَالْقِيَامِ لَهُمْ حِينَئِذٍ وَنِدَائِهِمْ بِالْأَسْمَاءِ الْعَظِيمَةِ الْمُوجِبَةِ لِرَفْعِ شَأْنِ الْمُنَادَى بِهَا وَكَإِخْلَائِنَا لَهُمْ أَوْسَعَ الطُّرُقِ إذَا تَلَاقَيْنَا مَعَهُمْ وَرَحْبَهَا وَالسَّهْلَ مِنْهَا وَتَرْكِنَا أَنْفُسَنَا فِي خَسِيسِهَا وَحَزَنِهَا وَضَيِّقِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ

لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِصِفَاتِ اللَّهِ الْفِعْلِيَّةِ كَالرِّزْقِ وَالْخَلْقِ وَلَا يَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةٌ وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْحَلِفِ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْقَدِيمَةِ مَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ بَلَى وَعِزَّتِك لَا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِك فَإِنْ قُلْت فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ السَّائِلِ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إنْ صَدَقَ» فَقَدْ حَلَفَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَبِي الْأَعْرَابِيِّ وَهُوَ مَخْلُوقٌ قُلْت قَدْ اُخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْمُوَطَّإِ بَلْ أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ فَلَنَا مَنْعُهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي زِيَادَةِ الْعَدْلِ فِي رِوَايَتِهِ أَوْ نُجِيبُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ قَالَهُ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَوْ نَقُولُ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ تَوْطِئَةِ الْكَلَامِ لَا الْحَلِفَ نَحْوُ قَوْلِهِمْ قَاتَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا أَشْجَعَهُ وَلَا يُرِيدُونَ الدُّعَاءَ عَلَيْهِ بَلْ تَوْطِئَةَ الْكَلَامِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «تَرِبَتْ يَدَاك وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ» وَلَمْ يُرِدْ الدُّعَاءَ عَلَيْهَا بِالْفَقْرِ الَّذِي يُكَنَّى بِالْإِلْصَاقِ بِالتُّرَابِ تَقُولُ الْعَرَبُ الْتَصَقَتْ يَدُهُ بِالْأَرْضِ وَبِالتُّرَابِ إذَا افْتَقَرَ بَلْ أَرَادَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَوْطِئَةَ الْكَلَامِ. فَإِذَا تَقَرَّرَ الْقَسَمُ الْمُخْتَلِفُ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ فِي الْحَلِفِ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُشْرِكَ مَعَهُ غَيْرَهُ بِأَنْ يُقْسِمَ عَلَيْهِ بِبَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ بِأَنْ يَقُولَ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْك أَوْ بِحُرْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ إلَّا غَفَرْت لَنَا أَوْ بِحَقِّ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ إلَّا سَتَرْت عَلَيْنَا أَوْ بِحُرْمَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَالطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ إلَّا هَدَيْتنَا هَدْيَهُمْ وَسَلَكْت بِنَا سَبِيلَهُمْ فَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَوْ يَمْتَنِعُ لِأَنَّهُ قَسَمٌ وَتَعْظِيمُ الْقَسَمِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَوَقَّفَ فِي هَذَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَرُجِّحَ عِنْدَهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ وَبَيْنَ الْحَلِفِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِهِ وَقَالَ الْكُلُّ قَسَمٌ وَتَعْظِيمٌ فَإِنْ قُلْت قَدْ حَلَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ فَكَيْفَ يُخْتَلَفُ فِي الْجَوَازِ مَعَ وُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ مُتَكَرِّرًا. قُلْت: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْوَاقِعِ فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فِيهِ كُلُّهُ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَقْسِمُ بِرَبِّ الشَّمْسِ أُقْسِمُ بِرَبِّ التِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَكَذَا الْبَوَاقِي فَمَا وَقَعَ الْحَلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى دُونَ خَلْقِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّمَا أَقَسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا تَنْبِيهًا لِعِبَادِهِ عَلَى عَظَمَتِهَا عِنْدَهُ فَيُعَظِّمُونَهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْحَجْرِ عَلَى الْخَلْقِ فِي شَيْءٍ أَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ الْحَجْرُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ الْمَلِكُ الْمَالِكُ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَأْمُرُ بِمَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ بِمَا يُرِيدُ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ وَلَا نَكِيرٍ فَيُحَرِّمُ عَلَى عِبَادِهِ مَا يَشَاءُ وَلَا يَحْرُمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت إذَا قُلْنَا بِالْحَلِفِ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَعْنَوِيَّةِ كَالْعِلْمِ وَالْكَلَامِ وَنَحْوِهِمَا فَهَلْ الْقُرْآنُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَكَذَلِكَ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ وَسَائِرُ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ؟ أَمْ لَيْسَ كَذَلِكَ قُلْت قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَيْسَتْ مِنْهَا وَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَفْعَلَهُ الْمَرْءُ مَعَ الرَّئِيسِ وَالْوَلَدُ مَعَ الْوَالِدِ وَالْحَقِيرُ مَعَ الشَّرِيفِ وَكَتَمْكِينِهِمْ مِنْ الْوِلَايَاتِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْأُمُورِ الْمُوجِبَةِ لِقَهْرِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ أَوْ ظُهُورِ الْعُلُوِّ وَسُلْطَانِ الْمُطَالَبَةِ وَإِنْ كَانُوا فِي غَايَةِ الْأَنَاةِ وَالرِّفْقِ لِأَنَّ الرِّفْقَ وَالْأَنَاةَ فِي هَذَا الْبَابِ نَوْعٌ مِنْ الرِّئَاسَةِ وَالسِّيَادَةِ وَعُلُوِّ الْمَنْزِلَةِ مِنْ الْمَكَارِمِ فَهِيَ دَرَجَةٌ رَفِيعَةٌ أَوْصَلْنَاهُمْ إلَيْهَا وَعَظَّمْنَاهُمْ بِسَبَبِهَا وَرَفَعْنَا قَدْرَهُمْ بِإِيثَارِهِمْ بِهَا وَكَأَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ خَادِمًا عِنْدَهُمْ أَوْ أَجِيرًا يُؤْمَرُ عَلَيْهِ وَيُنْهَى أَوْ يَكُونَ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَكِيلًا فِي الْمُحَاكَمَاتِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ وُلَاةِ الْأُمُورِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْضًا إثْبَاتٌ لِسُلْطَانِهِمْ عَلَى ذَلِكَ الْمُسْلِمِ فَهَذَا كُلُّهُ حَرَامٌ وَهُوَ مَحْمَلُ النَّهْيِ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَغَيْرِهِمَا. فَلِذَا لَمَّا أَتَى الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْخَلِيفَةَ بِمِصْرَ وَوَجَدَ عِنْدَهُ وَزِيرًا رَاهِبًا قَدْ سَلَّمَ إلَيْهِ قِيَادَهُ وَأَخَذَ يَسْمَعُ رَأْيَهُ وَيُنَفِّذُ كَلِمَاتِهِ الْمَسْمُومَةَ فِي الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ الشَّيْخُ مِمَّنْ يَسْمَعُ الْخَلِيفَةُ قَوْلَهُ فِي مِثْلِ هَذَا دَخَلَ عَلَيْهِ فِي صُورَةِ الْمُغْضَبِ وَالْوَزِيرُ الرَّاهِبُ جَالِسٌ بِإِزَائِهِ وَأَنْشَدَهُ: يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ الَّذِي جُودُهُ ... يَطْلُبُهُ الْقَاصِدُ وَالرَّاغِبُ إنَّ الَّذِي شُرِّفْت مِنْ أَجْلِهِ ... يَزْعُمُ هَذَا أَنَّهُ كَاذِبٌ فَاشْتَدَّ غَضَبُ الْخَلِيفَةِ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَبْيَاتِ وَأَمَرَ بِالرَّاهِبِ فَسُحِبَ وَضُرِبَ وَقُتِلَ وَأَقْبَلَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ فَأَكْرَمَهُ وَعَظَّمَهُ بَعْدَ عَزْمِهِ عَلَى إيذَائِهِ لَكِنَّهُ لَمَّا اسْتَحْضَرَ تَكْذِيبَ الرَّاهِبِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي هُوَ سَبَبُ شَرَفِهِ وَشَرَفِ آبَائِهِ وَأَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِينَ بَعَثَهُ ذَلِكَ عَلَى الْبُعْدِ عَنْ السُّكُونِ إلَيْهِ وَالْمَوَدَّةِ لَهُ وَأَبْعَدَهُ عَنْ مَنَازِلِ الْعِزِّ إلَى مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ الذُّلِّ وَالصَّغَارِ وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ أَهِينُوهُمْ وَلَا تَظْلِمُوهُمْ وَكَتَبَ إلَيْهِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا بِالْبَصْرَةِ لَا يُحْسِنُ ضَبْطَ خَرَاجِهَا إلَّا هُوَ وَقَصَدَ وِلَايَتَهُ عَلَى جِبَايَةِ الْخَرَاجِ لِضَرُورَةِ تَعَذُّرِ غَيْرِهِ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ لَهُ فِي الْكِتَابِ مَاتَ النَّصْرَانِيُّ وَالسَّلَامُ قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ يَعْنِي هَبْ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ فَمَا كُنْت صَانِعًا فَأَصْنَعْهُ السَّاعَةَ وَاسْتَغْنِ عَنْهُ وَاصْرِفْ اهـ. قِيلَ يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

كَانَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى النَّفْسِيِّ مِنْهَا لِاشْتِهَارِ لَفْظِ الْقُرْآنِ فِي الْأَصْوَاتِ الْمَسْمُوعَةِ عُرْفًا وَأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ الْقُرْآنِ إلَّا هَذِهِ الْأَصْوَاتِ وَالْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتُ وَالْحُرُوفُ مَخْلُوقَةٌ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ اللَّفْظُ إلَيْهَا وَالْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً فَلَا يَجِبُ بِالْحَلِفِ بِالْقُرْآنِ كَفَّارَةٌ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْكُتُبِ وَقَالَ مَالِكٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا حَلَفَ بِالْقُرْآنِ لِانْصِرَافِهِ عِنْدَهُ لِلْكَلَامِ الْقَدِيمِ النَّفْسِيِّ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّا لَا نَفْهَمُ مِنْ قَبُولِ الْقَائِلِ: الْقُرْآنَ وَهُوَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ، وَكَتَبَ الْقُرْآنَ إلَّا هَذِهِ الْأَصْوَاتِ وَالرُّقُومَ الْمَكْتُوبَةَ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ فَإِنَّ الْمُسَافَرَةَ مُتَعَذِّرَةٌ بِالْقَدِيمِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا لَفْظُ اللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُمَا عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يُسَمَّى بِهِمَا غَيْرُهُ وَمِنْ ذَلِكَ لَفْظُ تَبَارَكَ فَتَقُولُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ وَلَا تَقُولُ تَبَارَكَ زَيْدٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ لَفْظٍ اُشْتُهِرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَهَذِهِ الْأُمُورُ مِنْ الْقُرْآنِ وَتَبَارَكَ وَنَحْوُهَا مِمَّا يَقْبَلُ الْحُكْمُ فِيهَا التَّغَيُّرَ إذَا تَغَيَّرَ الْعُرْفُ فَإِذَا جَاءَ عُرْفٌ بِكَوْنِ أَهْلِهِ لَا يُرِيدُونَ بِلَفْظِ الْقُرْآنِ إلَّا الْكَلَامَ الْقَدِيمَ تَعَيَّنَ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ بِهِ وَجُوِّزَ الْحَلِفُ بِهِ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الْمُرَتَّبَةَ عَلَى الْعَوَائِدِ تَتْبَعُ الْعَوَائِدَ وَتَتَغَيَّرُ عِنْدَ تُغَيِّرُهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهَذَا تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ وَتَوَحُّدُهُ وَبَيْنَ مَا لَا يَجِبُ (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَدْلُولُهُ قَدِيمٌ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَدْلُولُهُ حَادِثٌ فَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَلْفَاظَ انْقَسَمَتْ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَطْلَبِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ قِسْمٌ عُلِمَ أَنَّ مَدْلُولَهُ قَدِيمٌ كَلَفْظِ اللَّهِ وَنَحْوِهِ وَقِسْمٌ عُلِمَ أَنَّ مَدْلُولَهُ حَادِثٌ كَلَفْظِ الْكَعْبَةِ وَنَحْوِهَا فَهَذَانِ الْقِسْمَانِ لَا يُقْصَدَانِ بِهَذَا الْفَرْقِ لِوُضُوحِهِمَا وَقِسْمٌ مُشْكِلٌ عَلَى أَكْثَرِ الطَّلَبَةِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا الْفَرْقِ وَهُوَ سَبْعَةُ أَلْفَاظٍ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ أَمَانَةُ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ حَلَفَ بِهَا جَازَ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِهَا إذَا حَنِثَ لِأَنَّ أَمَانَتَهُ تَعَالَى تَكْلِيفُهُ وَهُوَ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَهُوَ قَدِيمٌ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ} [الأحزاب: 72] ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَدْلُولُهُ قَدِيمٌ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَدْلُولُهُ حَادِثٌ فَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَانِ الْقِسْمَانِ لَا يُقْصَدَانِ بِهَذَا الْفَرْقِ لِوُضُوحِهِمْ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ (وَقِسْمٌ مُشْكِلٌ عَلَى أَكْثَرِ الطَّلَبَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ وَتَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ صَحِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَاتَ خَبَرٌ اُسْتُعْمِلَ فِي إنْشَاءٍ فَيَكُونُ مِنْ الْمَجَازِ الْمُرَكَّبِ وَقَالَ الشِّهَابُ الْخَفَاجِيُّ يُفِيدُ إنَّ فِي قَوْلِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَاتَ اسْتِعَارَةٌ فِي الْفِعْلِ غَيْرُ مَا عُرِفَ فِيهَا بِتَشْبِيهِ الْحَدَثِ الْمَفْرُوضِ فِي الْمَاضِي بِالْحَدَثِ الْمُحَقَّقِ فِيهِ فَاتَّحَدَا حَدَثًا وَزَمَانًا وَنِسْبَةً وَاخْتَلَفَا تَحَقُّقًا وَتَقْدِيرًا فَاسْتُعِيرَ الْحَدَثُ الْمُحَقَّقُ لِلْحَدَثِ الْمَفْرُوضِ وَاشْتُقَّ مِنْهُ مَاتَ بِمَعْنَى فُرِضَ مَوْتُهُ ، أَوْ فَسَرَى التَّشْبِيهُ لِمَا فِي ضِمْنَيْ الْفِعْلَيْنِ وَاسْتُعِيرَ الْفِعْلُ الدَّالُّ عَلَى الْحَدَثِ الْمُحَقَّقِ لِلْمَفْرُوضِ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى أَحَدِهِمَا مَا يُرَتَّبُ عَلَى الْآخَرِ فَيَعْزِلَ الْكَاتِبَ الْمَفْرُوضَ مَوْتُهُ وَيَسْتَغْنِي عَنْهُ كَمَا يَفْعَلُ فِيمَنْ تَحَقَّقَ مَوْتُهُ وَهَذَا مِنْ قَضَايَا عُمَرَ الْعَجِيبَةِ كَمَا فِي بَيَانِهِ الصَّبَّانِ وَالْأُنْبَابِيِّ عَلَيْهَا قَالَ الْأُنْبَابِيُّ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْأَلْفَاظِ فِي مَعَانِيهَا الْفَرْضِيَّةِ مَجَازِيٌّ وَهُوَ إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ الْأُمُورُ الْخَارِجِيَّةُ إمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَدْلُولَهَا الْأُمُورُ الذِّهْنِيَّةُ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا إنْ قُلْنَا إنَّ مُرَادَهُ أَنَّ اسْتِعْمَالَ مَاتَ فِي الْمَوْتِ الْفَرْضِيِّ مَجَازٌ بِالِاسْتِعَارَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ مُلَاحَظَةُ عَلَاقَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْتِ الْمُحَقَّقِ لِيُرَتَّبَ عَلَى الْأَوَّلِ مَا يُرَتَّبَ عَلَى الثَّانِي فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ لَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَوْتِ الْفَرْضِيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ لِتَحَقُّقِ الْمَاهِيَّةِ الذِّهْنِيَّةِ فِيهِ فَيَكُونُ اسْتِعْمَالًا حَقِيقِيًّا نَظِيرُ مَا قَالَهُ حَفِيدُ السَّعْدِ فِي اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ فِي أَحَدِ مَعَانِيهِ وَإِنْ كَانَ مَا هُنَا مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ لِوَضْعِهِ لِلْحَقِيقَةِ الذِّهْنِيَّةِ الْمُتَحَقِّقَةِ فِي الْأَفْرَادِ الْحَاصِلَةِ بِالْفِعْلِ فِي الْخَارِجِ وَفِي الْأَفْرَادِ الْفَرْضِيَّةِ اهـ بِتَصَرُّفٍ. قُلْت: وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَدْلُولَ الْأَلْفَاظِ الْأُمُورُ الذِّهْنِيَّةُ لَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ فِي الْمَوْتِ الْفَرْضِيِّ مَجَازًا بِالِاسْتِعَارَةِ نَظِيرُ مَا لِحَفِيدِ السَّعْدِ فِي الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ الْمَعْنَوِيَّ فِي أَفْرَادِهِ حَقِيقَةً مُطْلَقًا أَمَّا عَلَى مَا قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ إنَّهُ مَذْهَبُ الْأُصُولِيِّينَ الَّذِي لَا يَعْرِفُونَ خِلَافَهُ مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ الْمَعْنَوِيَّ فِي أَفْرَادِهِ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهَا مَجَازٌ وَمِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا أَفْرَادٌ حَقِيقَةً فَلَا يَظْهَرُ إلَّا أَنَّ كَوْنَهُ فِي الْمَوْتِ الْفَرْضِيِّ مَجَازٌ مُرْسَلٌ عَلَاقَتُهُ الْإِطْلَاقُ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ هَذَا وَبِالْجُمْلَةِ فَبِرُّ الْكُفَّارِ

[الفرق بين قاعدة تخيير المكلفين في الكفارة وبين قاعدة تخيير الأئمة في الأسارى والتعزير وحد المحارب]

إلَى قَوْلِهِ ظَلُومًا جَهُولًا قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَرَضَ التَّكَالِيفَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ وَقَالَ لَهُنَّ إنْ حَمَلْتُنَّ التَّكَالِيفَ وَأَطَعْتُنَّ فَلَكُنَّ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ وَإِنْ عَصَيْتُنَّ فَعَلَيْكُنَّ الْعَذَابُ الْوَبِيلُ فَقُلْنَ لَا نَعْدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا ثُمَّ عُرِضَتْ عَلَى الْإِنْسَانِ فَالْتَزَمَ ذَلِكَ فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ كَانَ ظَلُومًا لِنَفْسِهِ جَهُولًا بِالْعَوَاقِبِ فَلَا جَرَمَ هَلَكَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَسَلِمَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ وَاحِدٌ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَالْكَلَامُ الْقَدِيمُ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا أَيْضًا يَتْبَعُ الْعُرْفَ وَالْعَادَةَ فَإِذَا جَاءَ عُرْفٌ آخَرُ يُشْتَهَرُ فِيهِ هَذَا اللَّفْظُ فِي الْأَمَانَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا الَّتِي هِيَ فِعْلُنَا فِي حِفْظِ الْوَدَائِعِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَمَانَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَيَكُونُ ذَلِكَ عُرْفُ قُطْرٍ مِنْ الْأَقْطَارِ الْآنَ فَإِنَّ الْحَلِفَ حِينَئِذٍ بِهَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ تَصْرِفُ اللَّفْظَ لِلْأَمَانَةِ الْقَدِيمَةِ لَا يَجُوزُ أَوْ يُكْرَهُ عَلَى الْخِلَافِ. وَإِذَا كَانَتْ مُشْتَهِرَةً فِي الْقَدِيمِ وَصَرَفَهَا الْحَالِفُ بِالنِّيَّةِ إلَى الْحَادِثِ امْتَنَعَ الْحَلِفُ وَسَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ فَهَذَا مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ وَضَابِطُهُ اللَّفْظُ الثَّانِي قَوْلُنَا عَمْرُ اللَّهِ وَلَعَمْرُ اللَّهِ مَعْنَى هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ الْبَقَاءُ فَبَقَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اسْتِمْرَارُ وُجُودِهِ مَعَ الْأَزْمَانِ فَوُجُودُهُ ذَاتُهُ تَعَالَى فَهُوَ قَدِيمٌ يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَتَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ فَإِنْ قُلْت الْبَقَاءُ وَالْعَمْرُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ الْأَلْفَاظِ لِاسْتِمْرَارِ الْوُجُودِ مَعَ الْأَزْمِنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاسْتِمْرَارُ وُجُودِ الشَّيْءِ مَعَ الْأَزْمِنَةِ نِسْبَةٌ بَيْنَ وُجُودِ الشَّيْءِ وَالزَّمَانِ وَالنِّسْبَةُ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ فَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ الْحَلِفِ بِعَمْرِ اللَّهِ وَهُوَ بَقَاؤُهُ وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ بِهِ لَزِمَنَا أَنْ نَقُولَ بِجَوَازِ الْحَلِفِ بِقِبْلِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَبُعْدِيَّتِهِ وَمَعِيَّتِه فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَبْلَ كُلِّ حَادِثٍ وَمَعَ كُلِّ حَادِثٍ وَبَعْدَ كُلِّ حَادِثٍ إذَا فَنِيَ ذَلِكَ الْحَادِثُ وَمَا هُوَ قَابِلٌ لِلتَّجَدُّدِ كَالْبَعْدِيَّةِ وَالْمَعِيَّةِ أَوْ الْفِنَاءِ كَالْقَبْلِيَّةِ كَيْفَ يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَكَيْفَ تَلْزَمُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (فَإِنْ قُلْت الْبَقَاءُ وَالْعُمُرُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ الْأَلْفَاظِ لِاسْتِمْرَارِ الْوُجُودِ مَعَ الْأَزْمِنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ إلَى آخِرِ مَا أَجَابَ بِهِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ) قُلْت كَيْفَ يَقُولُ مَتَى أَرَادَ الْحَالِفُ تِلْكَ النِّسْبَةَ الَّتِي هِيَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ امْتَنَعَ وَسَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ بِنَاءً عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ اللَّفْظِ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ لِأَنَّهُ نِسْبَةٌ وَالنِّسْبَةُ عَدَمِيَّةٌ وَقَدْ قَالَ بَعْدَ هَذَا فِي الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ وَفِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ الصِّفَاتِ إنَّ الْوَحْدَانِيَّةَ سَلْبُ الشَّرِيكِ وَاخْتَارَ انْعِقَادَ الْيَمِينِ بِهَا وَكَذَلِكَ اخْتَارَهُ فِي تَسْبِيحِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقْدِيسِهِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِكَوْنِهَا سُلُوبًا قَدِيمَةً فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَلْتَزِمَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْقَبْلِيَّةِ وَالْمَعِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ لِكَوْنِهَا أَيْضًا سُلُوبًا قَدِيمَةً لِأَنَّهَا نِسَبٌ وَالنِّسَبُ سُلُوبٌ فَمَا قَالَهُ هُنَا لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدِي وَلَا بِالصَّحِيحِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الْمُضَافَةَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مَتَى عُنِيَ بِهَا أَمْرٌ قَدِيمٌ سَوَاءٌ كَانَتْ إثْبَاتًا أَوْ سَلْبًا فَالْيَمِينُ بِهَا مُنْعَقِدَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَتَى عُنِيَ بِهَا أَمْرٌ حَادِثٌ فَالْيَمِينُ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ بِهَا وَقَصْدُ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ بِهَا هُوَ عُرْفُ الشَّرْعِ وَلَمْ يَحْدُثْ عُرْفٌ يُنَاقِضُهُ فَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ لِذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ مَأْمُورٌ بِهِ وَوُدُّهُمْ وَتَوَلِّيهِمْ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَهُمَا قَاعِدَتَانِ إحْدَاهُمَا مُحَرَّمَةٌ وَالْأُخْرَى مَأْمُورٌ بِهَا وَقَدْ اتَّضَحَ لَك الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِالْبَيَانِ وَالْمَثَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَخْيِيرِ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْكَفَّارَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَخْيِيرِ الْأَئِمَّةِ فِي الْأُسَارَى وَالتَّعْزِيرِ وَحَدِّ الْمُحَارِبِ] (الْفَرْقُ الْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَخْيِيرِ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْكَفَّارَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَخْيِيرِ الْأَئِمَّةِ فِي الْأُسَارَى وَالتَّعْزِيرِ وَحَدِّ الْمُحَارِبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) اعْلَمْ رَحِمَك اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ التَّخْيِيرَ فِي الشَّرِيعَةِ يُطْلَقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ (الْأَوَّلُ) تَخْيِيرٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يَتَّصِفَانِ بِالْوُجُوبِ مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِمَا وَعُمُومِهِمَا مَعًا وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ فِي تَخْيِيرِ الْأَئِمَّةِ وَلَهُ مُثُلٌ (مِنْهَا) تَخْيِيرُ الْإِمَامِ بَيْنَ الْخِصَالِ الْخَمْسِ فِي حَقِّ الْأُسَارَى عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ وَافَقَهُ وَهِيَ الْقَتْلُ وَالِاسْتِرْقَاقُ وَالْمَنُّ وَالْفِدَاءُ وَالْجِزْيَةُ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَفْعَلُهُ مِنْهَا يَقَعُ وَاجِبًا بِخُصُوصِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ قَتْلًا أَوْ فِدَاءً مَثَلًا وَبِعُمُومِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَحَدُ الْخِصَالِ الْخَمْسَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ لَهُ فِعْلُ أَحَدِهَا بِهَوَاهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ الْجَهْدِ فِيمَا هُوَ أَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِذَا فَكَّرَ وَاسْتَوْعَبَ فِكْرَهُ فِي وُجُوهِ الْمَصَالِحِ وَوَجَدَ بَعْدَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً هِيَ أَرْجَحُ لِلْمُسْلِمِينَ وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُهَا فَمَنْ كَانَ مِنْ الْأُسَارَى شَدِيدَ الدَّهَاءِ كَثِيرَ التَّأْلِيبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِرَأْيِهِ وَدَهَائِهِ فَالْوَاجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فِيهِ الْقَتْلُ إذَا ظَهَرَ لَهُ ذَلِكَ مِنْهُ فِي اجْتِهَادِهِ بِالسُّؤَالِ عَنْ أَخْبَارِهِ وَأَحْوَالِهِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ سِيرَتِهِ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَلْ هُوَ مَأْمُونُ الْغَائِلَةِ فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مِنْهُ أَنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ تَتَأَلَّفُ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ يَحْصُلُ إطْلَاقُ خَلْقٍ كَثِيرٍ مِنْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فِيهِ الْمَنُّ وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُرْتَجَى مِنْ إطْلَاقِهِ ذَلِكَ وَالْإِمَامُ مُحْتَاجٌ لِلْمَالِ لِمَصَالِحِ الْغَزْوِ وَغَيْرِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْفِدَاءُ بِالْمَالِ أَوْ الْمُسْلِمُونَ مُحْتَاجُونَ إلَى مَنْ يَخْدُمُهُمْ وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِرْقَاقُهُمْ. وَإِنْ رَأَى انْتِفَاءَ هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا وَلَمْ يَجِدْ فِي اجْتِهَادِهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مَصْلَحَةً بَلْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ضَرْبِ الْجِزْيَةِ لِمَا يَتَوَقَّعُ مِنْ إسْلَامِهِمْ وَأَنَّهُمْ قَرِيبُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ إذَا اطَّلَعُوا عَلَى مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ وَشَعَائِرِهِ بِمُخَالَطَةِ أَهْلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ ضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ وَلَا يَجُوزُ لَهُ

كَفَّارَةٌ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي بَقِيَّةِ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَزُولُ كَالتَّعَلُّقَاتِ فِي الصِّفَاتِ وَغَيْرِهَا قُلْت سُؤَالٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَنَا أَقُولُ مَتَى أَرَادَ الْحَالِفُ تِلْكَ النِّسْبَةَ الَّتِي هِيَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ لُغَةً امْتَنَعَ وَسَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ وَمَتَى نَقَلَهَا الْعُرْفُ إلَى أَمْرٍ وُجُودِيٍّ قَدِيمٍ جَازَ وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ. وَعَلَيْهِ الْعُرْفُ الْيَوْمَ وَهُوَ الَّذِي أَفْتَى بِهِ مَالِكٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمْرِ وَالْبَقَاءِ الْبَاقِي فَهُوَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فَإِنْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ كَمَا تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا. اللَّفْظُ الثَّالِثُ عَهْدُ اللَّهِ قَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَتَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَأَصْلُ هَذَا اللَّفْظِ فِي اللُّغَةِ الِالْتِزَامُ وَالْإِلْزَامُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40] مَعْنَاهُ أَوْفُوا بِتَكَالِيفِي أُوفِ لَكُمْ بِثَوَابِي الْمَوْعُودِ بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ وَمِنْهُ الْعُهْدَةُ فِي الْبَيْعِ أَيْ مَا يَلْزَمُ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَرَدِّ الثَّمَنِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} [البقرة: 177] أَيْ بِمَا الْتَزَمُوا وَمِنْهُ عُهْدَةُ الرَّقِيقِ أَيْ مَا يَلْزَمُ فِيهِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي مَوَادِّ الِاسْتِعْمَالِ فَعَهْدُ اللَّهِ تَعَالَى إلْزَامُهُ لِخَلْقِهِ تَكَالِيفَهُ وَإِلْزَامُهُ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَأَمْرُهُ وَنَهْيُهُ كَلَامُهُ الْقَدِيمُ وَكَلَامُهُ الْقَدِيمُ صِفَتُهُ وَصِفَتُهُ الْقَدِيمَةُ يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ أُرِيدَ بِعَهْدِ اللَّهِ تَعَالَى الْعَهْدُ الْحَادِثُ الَّذِي شَرَعَهُ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 4] وَنَحْوِهِ مِنْ الْعُهُودِ الَّتِي بَيْنَ خَلْقِهِ انْدَرَجَ فِي الْحَلِفِ الْمَمْنُوعِ وَسَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ. وَكَذَلِكَ إذَا اشْتَهَرَ اللَّفْظُ فِيهِ عَادَةً وَعُرْفًا امْتَنَعَ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ حِينَئِذٍ فَإِنْ قُلْت الْإِضَافَةُ تَكْفِي فِيهَا أَدْنَى مُلَابَسَةٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهَا النُّحَاةُ وَيَكُونُ اللَّفْظُ حَقِيقَةً وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِ أَحَدِ حَامِلِي الْخَشَبَةِ شِلْ طَرَفَك فَجَعَلَ طَرَفَ الْخَشَبَةِ طَرَفًا لِلْحَامِلِ بِسَبَبِ الْمُلَابَسَةِ زَمَنَ الْحَمْلِ وَتَقُولُ حِجُّ الْبَيْتَ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَتَكُونُ الْإِضَافَةُ حَقِيقَةَ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَتْ الْإِضَافَةُ حَقِيقِيَّةً وَالْعَهْدُ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ صَدَقَتْ فِي قَوْلِنَا عَلَى عَهْدِ اللَّهِ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَذَلِكَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ إضَافَةِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ وَالْعَهْدِ الْحَادِثِ وَالدَّالُّ عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ فَلَا يَدُلُّ قَوْلُنَا عَهْدُ اللَّهِ عَلَى خُصُوصِ الْقَدِيمِ فَلَا يَتَعَيَّنُ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلْجَوَازِ وَلِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ فَلِمَ قَضَيْتُمْ بِالْجَوَازِ وَلُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِمُجَرَّدِ الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ قُلْت سُؤَالٌ حَسَنٌ قَوِيٌّ غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ الْخَاصَّةَ لَمْ نَسْتَفِدْهَا مِنْ مُجَرَّدِ اللُّغَةِ بَلْ بِاشْتِهَارٍ عُرْفِيٍّ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ الْعُرْفُ فِي كُلِّ وَقْتٍ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ. وَيَتَحَقَّقُ الْجَوَازُ أَوْ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْجَوَازُ وَلَا الْكَفَّارَةُ وَلِأَجْلِ هَذَا التَّرَدُّدِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ الْعَهْدُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ فِي وَاحِدٍ وَتَسْقُطُ فِي اثْنَيْنِ وَيُخْتَلَفُ فِي الرَّابِعِ فَالْأَوَّلُ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَالِاثْنَانِ لَك عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَأُعْطِيك عَهْدَ اللَّهِ وَالرَّابِعُ أُعَاهِدُك اللَّهَ اعْتَبَرَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (اللَّفْظُ الثَّالِثُ عَهْدُ اللَّهِ تَعَالَى إلَى قَوْلِهِ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ حِينَئِذٍ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ (فَإِنْ قُلْت إلَى قَوْلِهِ وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعُدُولُ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا فَهُوَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ إنَّمَا يَفْعَلُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إبَاحَةٍ وَلَا خِيرَةٍ فِي ذَلِكَ لَا قَبْلَ الِاجْتِهَادِ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا حَالَةَ الِاجْتِهَادِ فَهُوَ أَبَدًا يَنْتَقِلُ مِنْ وَاجِبٍ إلَى وَاجِبٍ وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُ فَقَبْلَ الِاجْتِهَادِ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ وَبَذْلُ الْجَهْدِ فِي وُجُوهِ الْمَصَالِحِ وَحَالَةُ الِاجْتِهَادِ هُوَ سَاعٍ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ فَفِعْلُهُ حِينَئِذٍ وَاجِبٌ وَبَعْدَ الِاجْتِهَادِ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ فَلَا تَخْيِيرَ أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا هُوَ وُجُوبُ صَرْفٍ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَتَسْمِيَةُ الْفُقَهَاءِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ خِيرَةً إنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ يُرِيدُونَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْفِكْرِ قَبْلَ خَصْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ الْخَمْسِ بَلْ يَجْتَهِدُ حَتَّى يَتَحَصَّلَ لَهُ الْأَصْلَحُ فَيَفْعَلُهُ حِينَئِذٍ وَمِنْهَا تَخْيِيرُ الْإِمَامِ فِي حَدِّ الْمُحَارِبِينَ بَيْنَ الْخِصَالِ الْأَرْبَعِ وَهِيَ الْقَتْلُ وَالصَّلْبُ وَالْقَطْعُ مِنْ خِلَافِ وَالنَّفْيُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ الْجَهْدِ فِيمَا هُوَ الْأَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِذَا تَعَيَّنَ لَهُ الْأَصْلَحُ وَجَبَ عَلَيْهِ. وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْمُحَارِبُ صَاحِبَ رَأْيٍ وَجَبَ عَلَيْهِ قَتْلُهُ وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ فِي اجْتِهَادِهِ أَنَّهُ لَا رَأْيَ لَهُ بَلْ لَهُ قُوَّةٌ وَبَطْشٌ قَطَعَهُ مِنْ خِلَافٍ لِتَزُولَ مَفْسَدَتُهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ وَإِنْ عَرَفَ مِنْ حَالِهِ الْعَفَافَ وَأَنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْفَلْتَةِ وَالْمُوَافَقَةِ لِغَيْرِهِ مَعَ تَوَقُّعِ النَّدَمِ مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ نَفْيُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ وَلَا قَطْعُهُ فَهُوَ أَبَدًا يَنْتَقِلُ مِنْ وَاجِبٍ إلَى وَاجِبٍ فَلَا يَنْفَكُّ فِعْلُهُ عَنْ الْوُجُوبِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَإِنَّمَا تَخْيِيرُهُ مُفَسَّرٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَتَّمْ عَلَيْهِ ذَلِكَ ابْتِدَاءً وَلَهُ النَّظَرُ وَفِعْلُ مَا ظَهَرَ رُجْحَانُهُ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ مَا عَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَحَتَّمَهُ وَلَمْ يَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِيهِ اجْتِهَادًا مِنْ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا كَالصَّلَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَأَخْذِ الزَّكَاةِ وَتَعْيِينِ مَصْرِفِهَا فِي الْوُجُوهِ الثَّمَانِيَةِ وَرَجْمِ الزَّانِي وَقَطْعِ السَّارِقِ وَأَنْ لَا يَحُدَّ فِي الزِّنَا إلَّا بِأَرْبَعَةٍ وَفِي الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ بِشَاهِدَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ إنَّ تَفْرِقَةَ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ مَوْكُولَةٌ إلَى خِيرَتِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ فِي مَصَالِحِ الصَّرْفِ وَيَجِبَ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ أَهَمِّهَا فَأَهَمِّهَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْعُدُولُ عَنْ ذَلِكَ وَلَا خِيرَةَ لَهُ إلَّا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ ابْتِدَاءً بَلْ لَهُ النَّظَرُ فِي الْمَصْلَحَةِ

ابْنُ حَبِيبٍ وَأَسْقَطَهُ ابْنُ شَعْبَانَ قَالَ وَهُوَ أَحْسَنُ وَسَبَبُ هَذَا التَّقْسِيمِ اخْتِلَافُ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَالْأَوَّلُ لَمَّا قَالَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ فَأَشْعَرَتْ لَفْظَةُ عَلَيَّ بِتَكْلِيفِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِلْزَامِهِ وَأَنَّ تَكْلِيفَ اللَّهِ تَعَالَى وَاقِعٌ عَلَيْهِ أَوْ مُوَظَّفٌ عَلَيْهِ فَنَاسَبَ اللُّزُومَ كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَيْ يَلْزَمُنِي تَحْرِيمُ الطَّلَاقِ فَإِنَّ عَلَيَّ مَعْنَاهَا اللُّزُومُ لِمَا فِيهَا مِنْ الْإِشْعَارِ بِالضَّرَرِ وَلِذَلِكَ تَقُولُ شَهِدَ عَلَيْهِ إذَا أَضَرَّ بِهِ وَشَهِدَ لَهُ إذَا نَفَعَهُ وَهَذَا الْقَسَمُ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَمَّا لَك عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ فَلَمْ يَلْتَزِمْهُ لِلَّهِ وَلَكِنْ لِلْمَحْلُوفِ لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَأُعْطِيك عَهْدَ اللَّهِ فَهُوَ وَعْدٌ مِنْهُ لِلْمُخَاطَبِ بِأَنَّهُ يُعَاهِدُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَهَذَا الْقَسَمُ أَبْعَدُ عَنْ اللُّزُومِ. وَأَمَّا الرَّابِعُ وَهُوَ أُعَاهِدُك اللَّهَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا مَعْنَاهُ إنْشَاءُ الْمُعَاهَدَةِ وَالْإِلْزَامِ كَإِنْشَاءِ الشَّهَادَةِ بِلَفْظِ الْمُضَارَعَةِ نَحْوُ أَشْهَدُ عِنْدَك بِكَذَا وَإِنْشَاءُ الْقَسَمِ بِالْمُضَارِعِ أَيْضًا نَحْوُ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا وَعَدَا عَلَى بَابِهِ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ كَمَا لَوْ أَخْبَرَ عَنْ الطَّلَاقِ بِغَيْرِ إنْشَاءٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ فَمَنْ لَاحَظَ الْإِنْشَاءَ أَلْزَمَ وَمَنْ لَاحَظَ الْخَبَرَ لَمْ يُلْزِمْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ وَهُوَ أَحْسَنُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّقْلِ وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ. وَبَقِيَ قِسْمٌ خَامِسٌ لَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا وَهُوَ أَنْ يَقُولَ وَعَهْدِ اللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا بِوَاوِ الْقَسَمِ فَهَذَا قَسَمٌ صَرِيحٌ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَ بِهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ قَالَ وَأَمَانَةِ اللَّهِ وَكَفَالَتِهِ وَبَقِيَ فِيهِ إشْكَالُ الْإِضَافَةِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهَلْ الْمُضَافُ الْعَهْدُ الْقَدِيمُ أَوْ الْحَادِثُ فَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ عُرْفِيٍّ وَهَذَا الْقِسْمُ عِنْدِي أَصْرَحُ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ فَإِنَّ أَدَاةَ الْقَسَمِ مَفْقُودَةٌ فِيهِ وَإِنَّمَا فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ الْتَزَمَ عَهْدَ اللَّهِ وَلَيْسَ هُوَ مِمَّا يُنْذَرُ حَتَّى يَلْتَزِمَ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ كَذَا وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي هَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ بِسَبَبِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَلْزَمُ أَحَدًا فَالْإِخْبَارُ عَنْ لُزُومِهِ كَذِبٌ فَلَا يَصِيرُ مُوجِبًا لِلُّزُومِ إلَّا بِإِنْشَاءٍ عُرْفِيٍّ وَنَقْلٍ عَادِيٍّ وَأَمَّا حَرْفُ الْقَسَمِ فَحَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ صَرِيحَةٌ فِي الْقَسَمِ بِقَدِيمٍ أَوْ حَادِثٍ وَإِشْكَالُ الْإِضَافَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ وَامْتَازَ هَذَا بِصَرَاحَةِ الْقَسَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَأَمَّا لَك عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّقْلِ وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ) قُلْت فِيمَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ لَك عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَأُعْطِيك عَهْدُ اللَّهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَجْرِيَ هَذَانِ اللَّفْظَانِ مَجْرَى عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ لِقَرِينَةِ الْحَالِ الْمُشْعِرَةِ بِتَأْكِيدِ الِالْتِزَامِ بِالْيَمِينِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجْرِيَ مَجْرَى أُعَاهِدُ اللَّهَ فَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ وَتَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الْحِنْثِ وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي يَقَعُ التَّرَدُّدُ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِعَدَمِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِذَيْنِك اللَّفْظَيْنِ فَذَلِكَ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ (وَبَقِيَ قِسْمٌ خَامِسٌ لَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا إلَى مُنْتَهَى مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْقِسْمِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّاجِحَةِ وَالْخَالِصَةِ وَفِعْلُ مَا ظَهَرَ رُجْحَانُهُ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ بِهَوَاهُ وَشَهْوَتِهِ وَمِنْهَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ أَكْثَرُ تَصَرُّفَاتِ الْأَئِمَّةِ الْقِسْمُ الثَّانِي تَخْيِيرٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ لَا يَتَّصِفَانِ بِالْوُجُوبِ لَا مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِمَا وَلَا عُمُومِهِمَا كَالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْمُبَاحَاتِ مِنْ الْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ وَنَحْوِهِمَا مَثَلًا التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لَا بِخُصُوصِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ تَمْرٌ أَوْ زَبِيبٌ وَلَا بِعُمُومِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ أَحَدُ الْمُتَنَاوَلَاتِ وَالتَّخْيِيرُ فِي هَذَا صُرِفَ حَقِيقَةً بِخِلَافِهِ فِي الْأَوَّلِ فَمَجَازٌ كَمَا عَلِمْت (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) تَخْيِيرٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يَتَّصِفَانِ بِالْوُجُوبِ مِنْ جِهَةِ عُمُومِهِمَا لَا مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهِمَا وَهَذَا نَوْعَانِ (الْأَوَّلُ) تَخْيِيرُ الْمُكَلَّفِينَ فِي خُصُوصِ أَنْوَاعِ الْمُطْلَقِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ وَلَهُ مُثُلٌ مِنْهَا التَّخْيِيرُ بَيْنَ خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِي حَقِّ الْحَانِثِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ أَيِّ خَصْلَةٍ شَاءَ إلَى الْخَصْلَةِ الْأُخْرَى بِشَهْوَتِهِ مِمَّا يَمِيلُ طَبْعُهُ إلَيْهِ أَوْ مَا هُوَ أَسْهَلُ عَلَيْهِ فَإِنَّ كُلَّ خَصْلَةٍ كَالْعِتْقِ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً مِنْ جِهَةِ عُمُومِهَا وَأَنَّهَا أَحَدُ الْخِصَالِ إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ مِنْ جِهَةِ خُصُوصِهَا وَأَنَّهَا خُصُوصُ الْعِتْقِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا خَيَّرَ الْحَانِثَ بَيْنَ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ إلَّا لُطْفًا بِهِ وَلِيَفْعَلَ ذَلِكَ وَلَوْ شَاءَ لَحَتَّمَ عَلَيْهِ خُصُوصَ كُلِّ خَصْلَةٍ كَمَا حَتَّمَ خُصُوصَ كُلِّ خَصْلَةٍ فِي خِصَالِ الظِّهَارِ الْمُرَتَّبَةِ لَكِنَّهُ لَمْ يُحَتِّمْ عَلَيْهِ هُنَا إلَّا وَاحِدًا مُبْهَمًا مِنْ الْخِصَالِ وَخَيَّرَهُ فِي خُصُوصِهَا وَمِنْهَا التَّخْيِيرُ فِي إخْرَاجِ شَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ أَوْ دِينَارٍ مِنْ أَرْبَعِينَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ بِهَوَاهُ وَشَهْوَتِهِ شَاةً أَوْ دِينَارًا مِنْ الْأَرْبَعِينَ وَمِنْهَا التَّخْيِيرُ فِي مِيَاهِ الدُّنْيَا لِلْوُضُوءِ وَفِي ثِيَابِ السُّتْرَةِ لِلصَّلَاةِ فَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ بِهَوَاهُ وَشَهْوَتِهِ مِقْدَارًا مِنْ مِيَاهِ الدُّنْيَا وَلَا يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ مَاءٌ دُونَ مَاءٍ وَأَنْ يُعَيِّنَ وَاحِدًا مِنْ الثِّيَابِ الْمُجْتَمِعَةِ عِنْدَهُ وَلَا يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ ثَوْبٌ بِخُصُوصِهِ دُونَ ثَوْبٍ وَمِنْهَا التَّخْيِيرُ فِي أَيِّ بُقْعَةٍ مِنْ بِقَاعِ الدُّنْيَا يُصَلِّي فِيهَا الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَيَصُومُ فِيهَا رَمَضَانَ فَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ بُقْعَةً مِنْهَا إذَا اسْتَوَتْ بِهَوَاهُ وَشَهْوَتِهِ (وَالنَّوْعُ الثَّانِي) أُمُورٌ قَلِيلَةٌ جِدًّا مِنْ تَخْيِيرِ الْأَئِمَّةِ فِي أَنْوَاعِ الْمُطْلَقِ الْوَاجِبِ إذَا اسْتَوَتْ وَلَهُ مِثْلٌ مِنْهَا قَوْلُ الْفُقَهَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَرْبَعِ

[الفرق بين قاعدة من ملك أن يملك هل يعد مالكا أم لا وبين قاعدة من انعقد له سبب المطالبة بالملك هل يعد مالكا أم لا]

اللَّفْظُ الرَّابِعُ قَوْلُنَا عَلَيَّ ذِمَّةُ اللَّهِ قَالَ مَالِكٌ تَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَمَعْنَى ذِمَّةِ اللَّهِ تَعَالَى الْتِزَامُهُ لِأَنَّ مَعْنَى الذِّمَّةِ فِي اللُّغَةِ هُوَ هَذَا وَمِنْهُ عَقْدُ الذِّمَّةِ لِلْكُفَّارِ أَيْ الْتِزَامُنَا لَهُمْ عِصْمَةَ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ وَمَا مَعَهَا وَمِنْهُ الذِّمَامُ إذَا وَعَدَهُ وَالْتَزَمَ لَهُ أَنْ لَا يَخْذُلَهُ وَأَنْ يَنْصُرَهُ عَلَى مَنْ يَقْصِدُهُ بِسُوءٍ وَمِنْهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ دِينَارٌ وَالْعَقْدُ وَارِدٌ عَلَى الذِّمَّةِ فَإِنَّ الذِّمَّةَ فِي الشَّرِيعَةِ مَعْنًى مُقَدَّرٌ فِي الْمُكَلَّفِ يَقْبَلُ الْإِلْزَامَ وَالِالْتِزَامَ وَلِذَلِكَ إذَا اتَّصَفَ بَعْدَ الرُّشْدِ بِالسَّفَهِ يُقَالُ خَرِبَتْ ذِمَّتُهُ وَذَهَبَتْ ذِمَّتُهُ وَإِذَا مَاتَ خَرِبَتْ ذِمَّتُهُ أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ يُقَدَّرُ لَمْ يَبْقَ مُقَدَّرًا وَتَقُولُ الْعَرَبُ فُلَانٌ يَفِي بِذِمَّتِهِ أَيْ بِمَا الْتَزَمَهُ وَخَفَرَ ذِمَّةَ فُلَانٍ إذَا خَانَهَا وَهَذَا كُلُّهُ رَاجِعٌ لِلْإِخْبَارِ عَنْ الِالْتِزَامِ أَوْ مَعْنَاهُ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ كَذَا وَكَذَا كَانَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ أَيْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى الْتَزَمَ لَهُ عِنْدَ هَذَا الْقَوْلِ حِفْظَهُ مِنْ الْمَكَارِهِ وَالْتِزَامُ اللَّهِ تَعَالَى رَاجِعٌ إلَى خَبَرِهِ فَهُوَ نَوْعٌ آخَرُ مِنْ الْكَلَامِ غَيْرُ نَوْعِ الْعَهْدِ فَإِنَّ الْعَهْدَ يَرْجِعُ إلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالذِّمَّةُ إلَى الْخَبَرِ وَالْكُلُّ كَلَامٌ نَفْسِيٌّ فَهُمَا نَوْعَانِ مِنْهُ فَافْهَمْ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْقَسَمُ بِهِ وَذِمَّةِ اللَّهِ بِوَاوِ الْقَسَمِ فَيَكُونُ صَرِيحًا فِي الْقَسَمِ لُغَةً. وَيَبْقَى إشْكَالُ الْإِضَافَةِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ ذِمَّةَ اللَّهِ تَعَالَى تَصْدُقُ الْمَعْنَى الْقَدِيمَ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَصْدُقُ أَيْضًا بِإِضَافَةِ الْمَعْنَى الْمُحْدَثِ إلَيْهِ تَعَالَى بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ شَرَعَهُ لِأَنَّ الذِّمَّةَ تَارَةً تَكُونُ مَأْمُورًا بِهَا وُجُوبًا كَعَقْدِ الْجِزْيَةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَتَارَةً لَا يُؤْمَرُ بِهَا وُجُوبًا بَلْ نَدْبًا كَالْتِزَامِ أَنْوَاعِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ وَقَدْ يُخْبِرُنَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ وَلَا نَدْبٍ مِنْ قِبَلِهِ كَالْتِزَامِ الْأَثْمَانِ فِي الْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَةِ فِي الْإِجَارَاتِ وَعَلَى التَّقَادِيرِ الثَّلَاثَةِ فَهِيَ مَشْرُوعَةٌ مِنْ قِبَلِهِ تَعَالَى فَتُضَافُ إلَيْهِ إضَافَةَ الْمَشْرُوعِيَّةِ كَقَوْلِنَا عِبَادَةُ اللَّهِ وَطَاعَةُ اللَّهِ وَإِذَا احْتَمَلَتْ الْإِضَافَةُ الْمَعْنَيَيْنِ لَمْ يُقْضَ بِأَحَدِهِمَا إلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ وَهَذَا الْإِشْكَالُ قَائِمٌ فِيمَا قَالَهُ مَالِكٌ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ عَلَيَّ ذِمَّةُ اللَّهِ مُضَافًا لِعَدَمِ وُجُودِ أَدَاةِ الْقَسَمِ. وَأَمَّا عَلَيَّ فَإِيجَابُهَا لِلْكَفَّارَةِ مُشْكِلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ نَقْلٌ عُرْفِيٌّ مِنْ الْإِخْبَارِ إلَى الْقَسَمِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ عِلْمُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ إرَادَةُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ بَصَرُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ سَمْعُ اللَّهِ لَمْ يُتَّجَهْ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ لَيْسَتْ قَسَمًا وَإِنَّمَا هِيَ خَبَرٌ وَالْخَبَرُ لَيْسَ بِقَسَمٍ إجْمَاعًا وَالْإِنْشَاءُ الْعُرْفِيُّ بِغَيْرِ الْقَسَمِ لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً فَلَا بُدَّ مِنْ النَّقْلِ عَنْ الْخَبَرِ إلَى إنْشَاءِ الْقَسَمِ وَإِلَّا فَلَا يُتَّجَهُ إلْزَامُ الْكَفَّارَةِ وَاعْتِقَادُ أَنَّ هَذَا يَمِينٌ أَلْبَتَّةَ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ التَّنْبِيهَاتِ فَالْفَقِيهُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا حَاجَةً شَدِيدَةً فِي الْفِقْهِ وَالْفَتَاوَى وَالْفُرُوقِ وَتَحْرِيرِ مَعَانِي الْأَلْفَاظِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (اللَّفْظُ الرَّابِعُ عَلَيَّ ذِمَّةُ اللَّهِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ) قُلْت وَالْأَظْهَرُ فِي هَذَا اللَّفْظِ وَشَبَهِهِ أَنَّهُ إنْشَاءٌ لِلْقَسَمِ عُرْفًا وَلِذَلِكَ رَأَى مَالِكٌ فِيهِ الْكَفَّارَةَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقَائِقَ وَخَمْسٍ بَنَاتِ لَبُونٍ يَأْخُذُ أَيَّهَا شَاءَ مِنْ صَاحِبِ الْمَاشِيَةِ إذَا وَجَدَ إبِلَهُ مِائَتَيْنِ فَإِنَّ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةً وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتَ لَبُونٍ وَقَدْ وُجِدَ الْأَمْرَانِ فَإِنَّ الْمِائَتَيْنِ أَرْبَعُ خَمْسِينَاتٍ وَخَمْسُ أَرْبَعِينَاتِ فَيُخَيَّرُ هَاهُنَا إذَا اسْتَوَى الْأَمْرَانِ أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا أَرْجَحَ لِلْفُقَرَاءِ فَمُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا هُوَ الْأَرْجَحُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَلَمْ يَجْتَهِدْ لَهُمْ وَلَمْ يَنْصَحْ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» فَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْأَرْجَحِ لِلْفُقَرَاءِ وَمِنْهَا بَيْعُ مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ أَحَدِ مُشْتَرِيَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ أَوْ تَزْوِيجُ الْيَتِيمَةِ مِنْ كُفُوَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ أَوْ تَوْلِيَةُ الْقَضَاءِ لِأَحَدِ مُسْتَوِيَيْنِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مُسَاوُونَ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْخِيرَةِ الْمُخْتَصَّةِ وَلَا وُجُوبَ هَاهُنَا أَلْبَتَّةَ بَلْ لَهُمْ التَّرْجِيحُ بِمُجَرَّدِ إرَادَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ ضَمِيمَةٍ إلَيْهَا كَالْمُكَلَّفِ فِي إخْرَاجِ شَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ وَالتَّخْيِيرُ فِي هَذَا الْقِسْمِ بِنَوْعَيْهِ صِرْفُ حَقِيقَةٍ لَا مَجَازٍ كَهُوَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي بِخِلَافِهِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ بَلْ هُوَ وُجُوبٌ مَحْضٌ أُطْلِقَ عَلَيْهِ التَّخْيِيرُ بِمَعْنَى عَدَمِ التَّحَتُّمِ ابْتِدَاءً وَكَوْنُ الِاجْتِهَادِ لَهُ مَدْخَلٌ فِي ذَلِكَ الْقِسْمِ الْمُحَتَّمِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَخْيِيرِ الْأَئِمَّةِ وَقَاعِدَةِ تَخْيِيرِ آحَادِ الْمُكَلَّفِينَ وَأَنَّ الثَّانِيَ خِيرَةٌ حَقِيقَةً وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُهُ مَجَازٌ وَوُجُوبٌ صِرْفٌ كَمَا عَلِمْته مُفَصَّلًا مُمَثَّلًا وَبَقِيَ مِنْ أَقْسَامِ التَّخْيِيرِ. (قِسْمٌ رَابِعٌ) وَهُوَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يَتَّصِفَانِ بِالْوُجُوبِ مِنْ جِهَةِ الْخُصُوصِ دُونَ الْعُمُومِ لَكِنَّ هَذَا مُحَالٌ شَرْعًا وَعَقْلًا بِخِلَافِ الثَّالِثِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخُصُوصَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعُمُومِ وَأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ بِخِلَافِ الْعَكْسِ فَإِنَّ الْعُمُومَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْخُصُوصِ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَبَاحِثَ وَالْفُرُوقَ فَإِنَّهَا كُلَّهَا وَاقِعَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ وُقُوعًا كَثِيرًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ بِالْمِلْكِ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا] الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ بِالْمِلْكِ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا) الْقَاعِدَةُ الْأُولَى وَإِنْ أَطْلَقَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِقَوْلِهِمْ مَنْ مَلَكَ أَنْ

اللَّفْظُ الْخَامِسُ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ مَالِكٌ إذَا قَالَ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَحَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَمَعْنَى الْكَفَالَةِ لُغَةً الْخَبَرُ الدَّالُّ عَلَى الضَّمَانِ وَهِيَ الْقَبَالَةُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا} [الإسراء: 92] أَيْ ضَامِنًا وَالْحَمَالَةُ وَالْأَذَانَةُ وَالزَّعَامَةُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى عَنْ مُنَادِي يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] أَيْ ضَامِنٌ وَالصَّبِيرُ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ هِيَ سَبْعَةُ أَلْفَاظٍ مُتَرَادِفَةٍ الْحَمِيلُ وَالزَّعِيمُ وَالْكَفِيلُ وَالْقَبِيلُ وَالْأَذِينُ وَالصَّبِيرُ وَالضَّامِنُ حَمَلَ يَحْمِلُ حَمَالَةً فَهُوَ حَمِيلٌ وَزَعَمَ يَزْعُمُ زَعَامَةً فَهُوَ زَعِيمٌ وَكَفَلَ يَكْفُلُ كَفَالَةً فَهُوَ كَفِيلٌ وَقَبِلَ يَقْبَلُ قَبَالَةً فَهُوَ قَبِيلٌ وَأَذِنَ يَأْذَنُ أَذَانَةً فَهُوَ أَذِينٌ وَصَبَرَ يَصْبِرُ صَبْرًا فَهُوَ صَبِيرٌ وَضَمِنَ يَضْمَنُ ضَمَانَةً فَهُوَ ضَامِنٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا} [النحل: 91] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إلَّا الْجِهَادُ وَابْتِغَاءُ مَرْضَاتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ إلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ» وَالْأَذَانَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [الأعراف: 167] أَيْ الْتَزَمَ ذَلِكَ {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ} [إبراهيم: 7] وَأَصْلُ الْأَذَانَةِ وَالْإِذْنِ وَالْأَذِينِ وَالْإِذْنِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْإِعْلَامُ وَالتَّكْفِيلُ مُعْلِمٌ بِأَنَّ الْحَقَّ فِي جِهَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَمَالَةِ {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} [فاطر: 18] . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَمِثْلُ حَمِيلٍ عَذِيرٌ وكدين قَالَ وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الْحِفْظِ وَالْحِيَاطَةِ قَالَ وَالْكَفَالَةُ اشْتِقَاقُهَا مِنْ الْكِفْلِ وَهُوَ الْكِسَاءُ الَّذِي يُحَزَّمُ حَوْلَ سَنَامِ الْبَعِيرِ لِيُحْفَظَ بِهِ الرَّاكِبُ وَالْكَفِيلُ حَافِظًا الْتَزَمَهُ وَالضَّامِنُ مِنْ الضِّمْنِ وَهُوَ الْحِرْزُ وَكُلُّ شَيْءٍ أَحْرَزْته فِي شَيْءٍ فَقَدْ ضَمَّنْته إيَّاهُ وَالْقَبَالَةُ الْقُوَّةُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَا لِي بِهَذَا الْأَمْرِ قِبَلٌ وَلَا طَاقَةٌ وَالْقَبِيلُ قُوَّةٌ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ وَالزَّعَامَةُ السِّيَادَةُ فَكَأَنَّهُ لَمَّا تَكَفَّلَ بِهِ صَارَ لَهُ عَلَيْهِ سِيَادَةٌ وَحُكْمٌ عَلَيْهِ وَالصَّبِيرُ مِنْ الصَّبْرِ وَهُوَ الثَّبَاتُ. وَالْحَبْسُ وَمِنْهُ الْمَصْبُورَةُ وَهِيَ الْمَحْبُوسَةُ الْمَرْمَى بِالسِّهَامِ وَمِنْهُ قَتَلَهُ صَبْرًا أَيْ حَبَسَهُ حَتَّى مَاتَ جُوعًا وَعَطَشًا وَالضَّامِنُ حَبَسَ نَفْسَهُ لِأَدَاءِ الْحَقِّ وَالْكَدِينُ مِنْ كَدَنْت لَك بِكَذَا وَكَذَا وَقَالُوا عَذِيرُك أَيْ كَفِيلُك وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الْكَفَالَةُ أَصْلُهَا الضَّمُّ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْخَشَبَةُ الَّتِي تُعْمَلُ فِي الْحَائِطِ كِفْلًا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] أَيْ ضَمَّهَا لِنَفْسِهِ وَالْكَفَالَةُ هِيَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى فَصَدَقَ الْمَعْنَى فَتَحَرَّرَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمُتَرَادِفَةَ فِي هَذَا الْبَابِ تِسْعَةٌ وَتَكُونُ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَعْدُهُ بِمَا الْتَزَمَهُ وَوَعْدُهُ خَبَرُهُ وَخَبَرُهُ كَلَامُهُ النَّفْسِيُّ فَيَكُونُ الْحَالِفُ قَدْ حَلَفَ بِكَلَامِهِ النَّفْسَانِيِّ فَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (اللَّفْظُ الْخَامِسُ كَفَالَةُ اللَّهِ) قُلْت وَهَذَا اللَّفْظُ أَيْضًا كَلَفْظِ الذِّمَّةِ وَمَا اشْتَغَلَ بِهِ مِنْ ذِكْرِ مُرَادِفَاتِهِ وَاشْتِقَاقِهَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي الْفِقْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا قَوْلَانِ وَخَرَّجُوا عَلَيْهَا فُرُوعًا كَثِيرَةً فِي الْمَذْهَبِ. (مِنْهَا) إذَا وُهِبَ لَهُ الْمَاءُ فِي التَّيَمُّمِ هَلْ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا يَبْطُلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالِكًا وَمِنْهَا مَنْ عِنْدَهُ ثَمَنُ رَقَبَةٍ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِقَالُ لِلصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا يَجُوزُ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعَدُّ مَالِكًا وَمِنْهَا مَنْ قَدَرَ عَلَى الْمُدَاوَاةِ فِي السَّلَسِ أَوْ التَّزْوِيجِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالِكًا إلَّا أَنَّهَا بَاطِلَةٌ إذْ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ مُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ وَالْقَبُولِ لِلْمِلْكِ بِدُونِ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى مُوجِبِ الِاعْتِبَارِ قَاعِدَةً شَرْعِيَّةً أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدًا لَا يَتَخَيَّلُ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَمْلِكَ أَرْبَعِينَ شَاةً هَلْ يُعَدُّ قَبْلَ شِرَائِهَا مَالِكًا لَهَا فَتَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَوْ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ هَلْ يُعَدُّ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ الْمَرْأَةَ مَالِكًا عِصْمَتَهَا أَمْ لَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ وَالنَّفَقَةُ أَمْ لَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَوْ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَمْلِكَ خَادِمًا أَوْ دَابَّةً هَلْ يُعَدُّ قَبْلَ شِرَائِهِمَا مَالِكًا لَهُمَا أَمْ لَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ كُلْفَتُهُمَا وَمُؤْنَتُهَا أَمْ لَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَوْ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ أَقَارِبَهُ هَلْ يَعُدُّهُ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَالِكًا لِقَرِيبِهِ فَيُعْتِقَهُ عَلَيْهِ قَبْلَ شِرَائِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ عَلَى زَعْمِ مَنْ اعْتَقَدَهَا بَلْ هَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ بِالضَّرُورَةِ لَا يَتَخَيَّلُهُ مَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى مِسْكَةٍ مِنْ الْعَقْلِ وَالْفِقْهِ وَالظَّنُّ بِالْمَشَايِخِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا مُقْتَضَى عِبَارَتِهِمْ الْمُطْلَقَةِ وَأَنَّ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ جَرَيَانِ سَبَبٍ يَقْتَضِي مُطَالَبَتَهُ بِالتَّمْلِيكِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقُيُودِ لِأَنَّ جَعْلَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ شَرْعِيَّةً ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ لِضَعْفِ الْمُنَاسَبَةِ جِدًّا أَوْ لِعَدَمِهَا أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا أَرَادُوا أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ مَعَ جَرَيَانِ سَبَبٍ يَقْتَضِي مُطَالَبَتَهُ بِالتَّمْلِيكِ أَيْ مَنْ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ بِالْمِلْكِ فَيَرْجِعُ بِذَلِكَ إلَى الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى يَكُونَ مُنَاسِبًا لَأَنْ يُعَدَّ مَالِكًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ تَنْزِيلًا لِسَبَبِ السَّبَبِ مَنْزِلَةَ السَّبَبِ وَإِقَامَةً لِلسَّبَبِ الْبَعِيدِ مَقَامَ السَّبَبِ الْقَرِيبِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُتَخَيَّلَ وُقُوعُهُ قَاعِدَةً مِنْ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَنَّ فِي تَمْشِيَةِ الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ مَا فِيهَا

وَهُنَا أَرْبَعُ تَنْبِيهَاتٍ الْأَوَّلُ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ يُشْعِرُ بِالِالْتِزَامِ وَخَبَرُ اللَّهِ تَعَالَى كَيْفَ يَصِحُّ الْتِزَامُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَتُهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ بَعُدَ فِي الْفِقْهِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ بِهَذَا كَفَّارَةٌ وَوَجَبَ أَيْضًا أَنْ يُفْهَمَ لِهَذَا الْكَلَامِ مَعْنًى صَحِيحٌ فَإِنَّ الْتِزَامَ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ وَاجِبُ الْوُجُودِ كَيْفَ يَصِحُّ وَإِنَّمَا يَلْتَزِمُ الْإِنْسَانُ فِعْلًا مِنْ كَسْبِهِ وَقُدْرَتِهِ فَإِنْ قُلْت الِالْتِزَامُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْحَانِثَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَالْكَفَّارَةُ مَقْدُورَةٌ يُمْكِنُ الْتِزَامُهَا وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَالَ عَلَى عَشْرُ كَفَّارَاتٍ أَوْ مَوَاثِيقَ أَوْ نُذُورٌ لَزِمَهُ عَدَدُ مَا ذَكَرَ كَفَّارَاتٍ وَهَذَا الْتِزَامٌ صَحِيحٌ. قُلْت كَفَّارَةُ الْيَمِينِ غَيْرُ يَمِينٍ وَلَا حِنْثٍ لَا تَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ لِأَنَّ لُزُومَ الْمُسَبَّبِ بِدُونِ سَبَبِهِ غَيْرُ وَاقِعٍ شَرْعًا وَحِينَئِذٍ لَا تَكُونُ هَذِهِ الْكَفَّارَاتُ لَازِمَةً لَهُ مِنْ حَيْثُ هِيَ كَفَّارَاتٌ بَلْ مِنْ حَيْثُ هِيَ نُذُورٌ وَكَأَنَّهُ نَذْرٌ وَالْتَزَمَ بِطَرِيقِ النَّذْرِ عَشْرَ كَفَّارَاتٍ فَهَذَا صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ الْحَلِفِ وَالْأَيْمَانِ فِي شَيْءٍ وَلَا يَكُونُ اللَّفْظُ يُعْطِي ذَلِكَ حَقِيقَةً بَلْ مَجَازًا فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ لَفْظِ الْكَفَالَةِ فِيمَا يَلْزَمُ عَنْهَا إذَا حَلَفَ بِهَا وَحَنِثَ مَجَازٌ وَالْمَجَازُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا نِيَّةُ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ عُرْفٌ اقْتَضَى نَقْلًا لِهَذَا الْمَجَازِ فَأَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ فَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَ شَيْءٌ بِهَذِهِ الصِّيَغِ وَبِهَذَا اللَّفْظِ وَمَا تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ قَبْلَ هَذَا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَلَا يَتَحَرَّرُ الَّذِي يَلْزَمُ الْمُتَكَلِّمَ بِهَا فِي الْكَفَّارَةِ بَلْ يَحْسِبُ مَا يَنْوِيه مِنْ كَفَّارَةٍ أَوْ كَفَّارَاتٍ أَوْ بَعْضِ كَفَّارَةٍ أَوْ شَيْءٍ آخَرَ مِنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ شَرْعًا مِمَّا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ الْكَفَالَةِ فِيهِ مَجَازًا فَالْقَوْلُ بِأَنَّ اللَّازِمَ الْكَفَّارَةُ وَتَعْيِينُ ذَلِكَ اللُّزُومِ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ الْقِسْمَ الثَّانِيَ وَهُوَ النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَلْزَمَ بِهِ فِي زَمَانِنَا شَيْءٌ فَإِنَّا لَا نَجِدُ هَذَا النَّقْلَ فِيهِ فَإِنَّ النَّقْلَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ عَلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ اللَّفْظُ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ. وَنَحْنُ لَا نَجِدُ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا وَيَلْزَمُ أَيْضًا إذَا وُجِدَ هَذَا الْعُرْفُ وَهَذَا النَّقْلُ أَنْ يُرَاقِبَ فِيهِ اخْتِلَافَ الْأَزْمِنَةِ وَاخْتِلَافَ الْأَقَالِيمِ وَالْبُلْدَانِ فَكُلُّ زَمَانٍ تَغَيَّرَ فِيهِ هَذَا الْعُرْفُ بَطَلَ فِيهِ هَذَا الْحُكْمُ وَكُلُّ بَلَدٍ لَا يَكُونُ فِيهِ هَذَا الْعُرْفُ لَا يَلْزَمُ فِيهِ هَذَا الْحُكْمُ فَتَأَمَّلْ هَذَا فَهُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ فِي قَوَاعِدِ الْفِقْهِ أَمَّا الْفُتْيَا بِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَغَيْرُ مُتَّجَهٍ أَصْلًا وَلَعَلَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَفْتَى بِذَلِكَ لِمَنْ سَأَلَ أَنَّهُ كَانَ نَوَاهُ أَوْ كَانَ عُرْفُ زَمَانِهِ يَتَقَاضَى ذَلِكَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ فَإِنَّ الْفُتْيَا. لَوْ كَانَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى نِيَّةٍ لَذُكِرَتْ مَعَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَهُنَا أَرْبَعُ تَنْبِيهَاتٍ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِيهَا) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَانَ يَرَى ذَلِكَ عُرْفًا فِي زَمَانِهِ أَوْ عَرْفًا شَرْعِيًّا فَأَمَّا إنْ كَانَ عُرْفًا زَمَانِيًّا فَإِنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ وَأَمَّا إنْ كَانَ عُرْفًا شَرْعِيًّا فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْقُوَّةِ عُسْرًا مِنْ جِهَةِ قَوْلِنَا جَرَى لَهُ سَبَبُ التَّمْلِيكِ لِأَجْلِ كَثْرَةِ النُّقُوضِ عَلَيْهَا فَلِذَا لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا فِي بَعْضِ فُرُوعِهَا كَمَا يَتَّضِحُ لَك ذَلِكَ بِمَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا حِيزَتْ الْغَنِيمَةُ وَانْعَقَدَ لِلْمُجَاهِدِينَ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ بِالْقِسْمَةِ وَالتَّمْلِيكِ فَقِيلَ يَمْلِكُونَ بِمُجَرَّدِ الْحَوْزِ وَالْأَخْذِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقِيلَ لَا يَمْلِكُونَ إلَّا بِالْقِسْمَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا وَجَدَ الظُّهُورَ بِالْعَمَلِ فِي حَقِّ عَامِلِ الْقِرَاضِ وَانْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ بِالْقِسْمَةِ وَإِعْطَاءِ نَصِيبِهِ مِنْ الرِّبْحِ فَهَلْ يُعَدُّ مَالِكًا بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ أَمْ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ؟ قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمَشْهُورُ الثَّانِي (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا وُجِدَ ظُهُورُ عَامِلِ الْمُسَاقَاةِ بِالْعَمَلِ وَانْعَقَدَ لَهُ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ بِالْقِسْمَةِ وَتَمْلِيكِ نَصِيبِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَهَلْ يُعَدُّ مَالِكًا بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ أَوْ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ قَوْلَانِ فِي الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ عَلَى عَكْسِ الْقِرَاضِ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ الْأَصْلُ لَمْ أَرَ خِلَافًا فِي أَنَّ الشَّرِيكَ إذَا بَاعَ شَرِيكَهُ شِقْصَهُ عَلَى الْغَيْرِ وَتَحَقَّقَ لَهُ مَا يَقْتَضِي سَبَبَ الْمُطَالَبَةِ بِأَنْ يَمْلِكَ الشِّقْصَ الْمَبِيعَ بِالشُّفْعَةِ لَا يَكُونُ مَالِكًا إلَّا بِأَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ بِالْفِعْلِ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) مَنْ لَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَبَبٌ يَقْتَضِي أَنْ يَمْلِكَ بِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِأَنْ يَتَّصِفَ بِصِفَةٍ مِنْ الصِّفَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلِاسْتِحْقَاقِ مِنْهُ كَالْفَقْرِ وَالْجِهَادِ وَالْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا وَالْقِسْمَةِ بَيْنَ النَّاسِ أَمْلَاكَهُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا شَأْنُ الْإِنْسَانِ أَنْ يُعْطَى لِأَجْلِهِ فَإِذَا سَرَقَ هَلْ يُعَدُّ كَالْمَالِكِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِوُجُودِ سَبَبِ الْمُطَالَبَةِ بِالتَّمْلِيكِ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالِكًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَوْلَانِ. وَأَمَّا الْفُرُوعُ الْمُخَرَّجَةُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُولَى فَلَهَا مَدَارِكُ غَيْرُ ذَلِكَ التَّخْرِيجِ بِأَنْ يُلَاحِظَ فِي الثَّوْبِ لِلسُّتْرَةِ قُوَّةَ الْمَالِيَّةِ فَلَا يَلْزَمُهُ أَوْ أَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ مِنْ بَابِ تَحْصِيلِ الْأَمْوَالِ فَيَلْزَمُهُ وَيُكَافِئُ عَنْهُ إنْ شَاءَ وَفِي الْمَاءِ يُوهَبُ لَهُ إمَّا يَسَارَتُهُ فَلَا مِنَّةَ وَإِمَّا الْمَالِيَّةُ الْمُؤَدِّيَةُ لِلْمِنَّةِ وَهِيَ ضَرَرٌ وَالضَّرَرُ مَنْفِيٌّ عَنْ الْمُكَلَّفِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَلِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]

[الفرق بين قاعدة الرياء في العبادات وبين قاعدة التشريك في العبادات]

الْحُكْمِ فِي الْفُتْيَا. التَّنْبِيهُ الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى كَفَالَةٌ مُضَافَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِضَافَةَ يَكْفِي فِيهَا أَدْنَى مُلَابَسَةِ حَقِيقَةٍ لُغَوِيَّةٍ كَقَوْلِ أَحَدِ حَامِلِي الْخَشَبَةِ شِلْ طَرَفَك وَقَوْلِنَا حِجُّ الْبَيْتِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَهَذِهِ الْكَفَالَةُ الْمُضَافَةُ تَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ مِنْ الْكَفَالَةِ أَحَدُهَا الْكَلَامُ الْقَدِيمُ وَالْوَعْدُ الَّذِي هُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ وَثَانِيهَا كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي هِيَ الْتِزَامُهُ اللَّفْظِيُّ الْمُنَزَّلُ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ الدَّالُّ عَلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ فَهُوَ كَفَالَةٌ حَادِثَةٌ دَالَّةٌ عَلَى تِلْكَ الْكَفَالَةِ الْقَدِيمَةِ كَمَا أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّفْظِيَّ الَّذِي هُوَ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ دَلِيلُ أَمْرِهِ النَّفْسِيِّ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ وَالْأَخْبَارِ وَهَذِهِ الْكَفَالَةُ الْحَادِثَةُ لَا يُوجِبُ الْحَلِفُ بِهَا كَفَّارَةً وَثَالِثُهَا كَفَالَةُ خَلْقِهِ الَّتِي هِيَ ضَمَانُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ الَّتِي هِيَ مِنْ فِعْلِنَا وَقَوْلِنَا وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَهِيَ تُضَافُ إلَيْهِ تَعَالَى إضَافَةَ الْمَشْرُوعِيَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} [المائدة: 106] تَعَالَى أَيْ الَّتِي شَرَعَهَا وَأَوْجَبَ عَلَيْنَا أَدَاءَهَا فَأَضَافَهَا إلَيْهِ تَعَالَى إضَافَةَ الْمَشْرُوعِيَّةِ لِأَنَّهُ تَعَالَى شَاهِدٌ وَلَا شُهُودَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْكَفَالَةُ الْمَنْدُوبُ إلَيْهَا تَصِحُّ إضَافَتُهَا إلَيْهِ تَعَالَى إضَافَةَ الْمَشْرُوعِيَّةِ إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ الَّتِي يُمْكِنُ إضَافَتُهَا إلَيْهِ تَعَالَى ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مُتَبَايِنَةٍ قَدِيمَةٍ وَحَادِثَتَانِ. وَمُطْلَقُ الْإِضَافَةِ هُوَ الْمَوْجُودُ وَهُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَالدَّالُّ عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ فَلَا يَكُونُ لِقَوْلِ الْقَائِلِ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ إشْعَارٌ بِالْكَفَالَةِ الْقَدِيمَةِ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ نَوْعَهَا أَخَصُّ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ مُطْلَقُ الْإِضَافَةِ فَلَا يَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ حَلَفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَلْبَتَّةَ بَلْ إمَّا بِجِهَةِ النَّذْرِ أَوْ بِجِهَةٍ أُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إذَا لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ، وَكَفَالَةِ اللَّهِ أَوْ أُقْسِمُ بِكَفَالَةِ اللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْقَسَمِ اللُّغَوِيِّ الَّذِي هُوَ الْقَسَمُ بِوَضْعِهِ مُسْتَغْنٍ عَنْ النِّيَّةِ وَالْعُرْفِ وَالنَّقْلِ يَلْزَمُهُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَيَكُونُ أَصْرَحَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَسَمٌ مُسْتَغْنٍ عَنْ نِيَّةِ الْمَجَازِ وَالنَّقْلِ الْعُرْفِيِّ وَإِنْ كَانَ احْتِمَالُ الْإِضَافَةِ لِلْحَادِثِ وَالْقَدِيمِ مَوْجُودًا فِيهِ غَيْرَ أَنَّهُ احْتِمَالٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ وَأُقْسِمُ بِكَفَالَةِ اللَّهِ التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ أَنَّ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ السَّبْعِ يَنْبَغِي أَنْ تَسْتَوِيَ فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِ لُزُومِهَا لِأَنَّهَا مُتَرَادِفَةٌ وَشَأْنُ أَحَدِ الْأَلْفَاظِ الْمُتَرَادِفَةِ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ الْآخَرِ فِي لُزُومِ الْحُكْمِ وَسُقُوطِهِ فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ أَذَانَتِهِ وَزَعَامَتِهِ وَضَمَانِهِ وَقَبَالَتِهِ وَجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ إذَا أَتَى بِصِيغَةِ الْقَسَمِ تَشْمَلُ جَمِيعَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي الْجَمِيعِ وَاحِدًا لِأَنَّهَا مُتَرَادِفَةٌ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ التَّنْبِيهَاتِ فَهِيَ يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي وَاجِدِ ثَمَنِ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ إمَّا تَنْزِيلُ وُجُودِ الثَّمَنِ الَّذِي هُوَ وَسِيلَةُ مِلْكِهَا مَنْزِلَتَهُ وَإِمَّا عَدَمُ تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَتَهُ وَفِي الْقَادِرِ عَلَى التَّدَاوِي مِنْ السَّلَسِ أَوْ التَّزْوِيجِ إمَّا أَنْ تُنَزَّلَ قُدْرَتُهُ عَلَى ذَلِكَ الَّتِي هِيَ وَسِيلَةُ التَّدَاوِي بِالْفِعْلِ مَنْزِلَتَهُ أَمْ لَا أَوْ يُلَاحِظُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ وَإِلَّا فِيهِ وَالْمُنَاسَبَاتُ الَّتِي اُشْتُهِرَ فِي الشَّرْعِ اعْتِبَارُهَا مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهَا عَلَى مُوجِبِ الِاعْتِبَارِ لَا مَا لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ شَرْعًا مِمَّا لَا يَشْتَمِلُ عَلَى مُوجِبِ الِاعْتِبَارِ فَتُقَدَّمُ مُنَاسَبَتُهُ وَتَكْثُرُ النُّقُوضُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ اعْتِبَارُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ خِلَافَ الْمَعْلُومِ مِنْ نَمَطِ الشَّرِيعَةِ إلَّا أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ مَا يُوجِبُ اشْتِمَالَهُ عَلَى مُوجِبِ الِاعْتِبَارِ مِنْ الْقُيُودِ الْمُوجِبَةِ لِلْمُنَاسَبَةِ فَتَظْهَرُ مُنَاسَبَتُهُ وَتَقِلُّ النُّقُوضُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ اعْتِبَارُ مِثْلِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَهُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ نَمَطِ الشَّرِيعَةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ كَثُرَ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ خُصُوصًا الشَّيْخَ الطَّاهِرَ بْنَ بُشَيْرٍ فَإِنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ بِالتَّنْبِيهِ كَثِيرًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرِّيَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْرِيكِ فِي الْعِبَادَاتِ] (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرِّيَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّشْرِيكِ فِي الْعِبَادَاتِ) مِنْ حَيْثُ إنَّ التَّشْرِيكَ فِيهَا لَا يَحْرُمُ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ الرِّيَاءِ فِيهَا فَيَحْرُمُ هُوَ أَنَّ التَّشْرِيكَ فِيهَا لَمَّا كَانَ بِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُكَلَّفِ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ مِمَّا لَا يَرَى وَلَا يُبْصِرُ كَمَنْ جَاهَدَ لِيُحَصِّلَ طَاعَةَ اللَّهِ بِالْجِهَادِ وَلِيُحَصِّلَ السَّبَايَا وَالْكُرَاعَ وَالسِّلَاحَ مِنْ جِهَةِ أَمْوَالِ الْعَدُوِّ وَكَمَنْ حَجَّ وَشَرَّكَ فِي حَجِّهِ غَرَضَ الْمَتْجَرِ بِأَنْ يَكُونَ جُلُّ مَقْصُودِهِ أَوْ كُلُّهُ السَّفَرَ لِلتِّجَارَةِ خَاصَّةً وَيَكُونَ الْحَجُّ إمَّا مَقْصُودًا مَعَ ذَلِكَ أَوْ غَيْرَ مَقْصُودٍ وَإِنَّمَا يَقَعُ تَابِعًا اتِّفَاقًا وَكَمَنْ صَامَ لِيَصِحَّ جَسَدُهُ أَوْ لِيَحْصُلَ زَوَالُ مَرَضٍ مِنْ الْأَمْرَاضِ الَّتِي تُدَاوَى بِالصَّوْمِ بِحَيْثُ يَكُونُ التَّدَاوِي هُوَ مَقْصُودُهُ أَوْ بَعْضُ مَقْصُودِهِ وَالصَّوْمُ مَقْصُودٌ مَعَ ذَلِكَ وَكَمَنْ يَتَوَضَّأُ بِقَصْدِ التَّبَرُّدِ أَوْ التَّنْظِيفِ لَمْ يَضُرَّهُ فِي عِبَادَتِهِ وَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَغْرَاضِ لَا يَدْخُلُ فِيهَا تَعْظِيمُ الْخَالِقِ بَلْ هِيَ تَشْرِيكُ أُمُورٍ مِنْ الْمَصَالِحِ لَيْسَ لَهَا إدْرَاكٌ وَلَا تَصْلُحُ لِلْإِدْرَاكِ وَلَا لِلتَّعْظِيمِ فَلَا تَقْدَحُ فِي الْعِبَادَاتِ إذْ كَيْفَ تَقْدَحُ وَصَاحِبُ الشَّرْعِ

اللَّفْظُ السَّادِسُ الْمِيثَاقُ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا قَالَ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ تَعَالَى وَحَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَالْمِيثَاقُ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّوَثُّقِ وَهُوَ التَّقْوِيَةُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَهْدِ وَالْيَمِينِ أَمَّا الْيَمِينُ فَهُوَ الْقَسَمُ وَأَمَّا الْعَهْدُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ الِالْتِزَامُ وَالْمِيثَاقُ هُوَ الْعَهْدُ الْمُوَثَّقُ بِالْيَمِينِ فَيَكُونُ الْمِيثَاقُ مُرَكَّبًا مِنْ الْعَهْدِ وَالْيَمِينِ مَعًا كَذَا كَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْقُلُهُ عَنْ اللُّغَةِ وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْنَى الْمِيثَاقِ وَالْعَهْدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَالْقَسَمُ أَيْضًا يَرْجِعُ إلَى الْكَلَامِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُقْسَمِ بِهِ وَإِذَا كَانَا مَعًا يَرْجِعَانِ إلَى مَعْنَى الْكَلَامِ فَالْمُرَكَّبُ مِنْهُمَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الْكَلَامِ قَطْعًا لِأَنَّ الْمَرْكَبَاتِ تَابِعَةٌ لِلْمُفْرَدَاتِ إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَعْنَى الْمِيثَاقِ يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الْكَلَامِ وَرَدَ عَلَيْهِ الْإِشْكَالُ الْوَارِدُ مِنْ لَفْظِ عَلَيَّ وَكَيْفَ يَصِحُّ الْتِزَامُ مِيثَاقِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعَهْدِ وَالْكَفَالَةِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ بِهِ لَيْسَ مِنْ بَابِ صَرِيحِ اللُّغَةِ بَلْ ذَلِكَ إمَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ الْعُرْفِ أَوْ النَّقْلِ وَأَنَّ الْإِضَافَةَ مُحْتَمِلَةٌ لِمِيثَاقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ كَلَامٌ نَفْسِيٌّ وَمِيثَاقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ كَلَامٌ لَفْظِيٌّ لِسَانِيٌّ حَادِثٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن: 7] فَإِنَّ هَذَا الْتِزَامٌ لَفْظِيٌّ مُؤَكَّدٌ بِالْقَسَمِ بِقَوْلِهِ وَرَبِّي فَيَكُونُ مِيثَاقًا وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] إلَى قَوْلِهِ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9] {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 10] الْتَزَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ فَإِنَّهُ يَجِدُ عِنْدَهُ تَعَالَى فَلَاحًا وَأَنَّ مَنْ دَسَّاهَا أَيْ دَسَّهَا بِالْمَعَاصِي فَأُبْدِلَتْ إحْدَى السِّينَيْنِ أَلِفًا فَإِنَّهُ يَجِدُ عِنْدَهُ تَعَالَى خَيْبَةً. وَأَكَّدَ هَذَا الِالْتِزَامَ بِالْقَسَمِ السَّابِقِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] إلَى قَوْلِهِ {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس: 7] فَهَذَا كُلُّهُ قَسَمٌ مُؤَكِّدٌ لِذَلِكَ الِالْتِزَامِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ كَثِيرٌ مِنْ الِالْتِزَامَاتِ لِتَوَكُّدَةِ بِالْحَلِفِ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا مِيثَاقُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي شَرَعَهُ لَنَا فَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَلْتَزِمَ الْحُقُوقَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْنَا لِلْعِبَادِ وَأَنْ نُزِيلَ الرِّيبَةَ مِنْ صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ أَصْحَابُ تِلْكَ الْحُقُوقِ بِالْأَيْمَانِ وَالتَّأْكِيدِ فِي ذَلِكَ النَّافِي لِتِلْكَ الرِّيبَةِ فَهَذَا الْمِيثَاقُ يُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إضَافَةَ الْمَشْرُوعِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَفَالَةِ وَالشَّهَادَةِ فِي {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} [المائدة: 106] . وَإِذَا احْتَمَلَ الْمِيثَاقُ الْمُضَافُ إلَيْهِ تَعَالَى هَذِهِ الْمَوَاثِيقَ الثَّلَاثَةَ وَيَكُونُ اللَّفْظُ حَقِيقَةً فِي أَيْ ذَلِكَ وَقَعَ أَوْ كَانَ مُرَادًا صَارَ اللَّفْظُ دَائِرًا بَيْنَ مَا هُوَ مُوجِبٌ وَبَيْنَ مَا هُوَ لَيْسَ بِمُوجِبٍ وَهُمَا الْقِسْمَانِ الْآخَرَانِ الْحَادِثَانِ الْمِيثَاقُ اللَّفْظِيُّ الدَّالُّ عَلَى كَلَامِ اللَّهِ الْقَدِيمِ وَالْمِيثَاقُ الْمَشْرُوعُ فِي حَقِّنَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا حِينَئِذٍ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (اللَّفْظُ السَّادِسُ الْمِيثَاقُ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِيهِ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ غَيْرُ قَوْلِهِ وَالْقَسَمُ أَيْضًا يَرْجِعُ إلَى الْكَلَامِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُقْسَمِ بِهِ فَإِنَّ الْمُقْسِمَ لَيْسَ خَبَرًا عَنْ تَعْظِيمِ الْمُقْسَمِ بِهِ بَلْ هُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِنْشَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدْ أَمَرَ بِهَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» أَيْ قَاطِعٌ نَعَمْ إذَا تَجَرَّدَتْ الْعِبَادَةُ عَنْ هَذِهِ الْأَغْرَاضِ زَادَ الْأَجْرُ وَعَظُمَ الثَّوَابُ وَإِذَا لَمْ تُجَرَّدْ الْعِبَادَةُ عَنْهَا نَقَصَ الْأَجْرُ وَإِنْ كَانَ لَا سَبِيلَ إلَى الْإِثْمِ وَالْبُطْلَانِ. وَأَمَّا الرِّيَاءُ فِيهَا فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ شِرْكًا وَتَشْرِيكًا مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِي طَاعَتِهِ لِمَنْ يَرَى وَيُبْصِرُ مِنْ الْخَلْقِ لِأَحَدِ أَغْرَاضٍ ثَلَاثَةٍ التَّعْظِيمُ وَجَلْبُ الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَدَفْعُ الْمَضَارِّ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأَخِيرَانِ يَتَفَرَّعَانِ عَنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ إذَا عُظِّمَ انْجَلَبَتْ إلَيْهِ الْمَصَالِحُ وَانْدَفَعَتْ عَنْهُ الْمَفَاسِدُ فَهُوَ الْغَرَضُ الْكُلِّيُّ فِي الْحَقِيقَةِ فَيَقْتَضِي رُؤْيَةَ النَّفْعِ أَوْ الضُّرِّ لِغَيْرِهِ تَعَالَى فَيُنَافِي مَا أَشَارَ لَهُ سَيِّدِي عَلِيُّ وفا بِقَوْلِهِ (وَعِلْمُك أَنَّ كُلَّ الْأَمْرِ أَمْرِي هُوَ الْمَعْنَى الْمُسَمَّى بِاتِّحَادِي) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ وَلَا بُدَّ عِنْدَ كُلِّ مُسْلِمٍ مِنْ حَظٍّ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَإِنْ تَفَاوَتُوا أَهُوَ ذَلِكَ إمَّا بِأَنْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ وَالْمُتَقَرَّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَقْصِدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْ يُعَظِّمَهُ النَّاسُ أَوْ يُعَظَّمَ فِي قُلُوبِهِمْ فَيَصِلَ إلَيْهِ نَفْعُهُمْ أَوْ يَنْدَفِعَ عَنْهُ ضَرَرُهُمْ فَيُسَمَّى رِيَاءَ الشِّرْكِ لِأَنَّهُ لِلْخَلْقِ وَلِلَّهِ تَعَالَى وَإِمَّا بِأَنْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ لَا يُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى أَلْبَتَّةَ بَلْ النَّاسَ فَقَطْ فَيُسَمَّى رِيَاءَ الْإِخْلَاصِ لِأَنَّهُ لَا تَشْرِيَك فِيهِ بَلْ خَالِصٌ لِلْخَلْقِ كَانَ مُضِرًّا بِالْعِبَادَةِ وَمُحَرَّمًا عَلَى الْمُكَلَّفِ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْمَعْصِيَةِ وَالْإِثْمِ وَالْبُطْلَانِ فِي تِلْكَ الْعِبَادَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الْمُحَاسِبِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُعَضِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ فَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي تَرَكْتُهُ لَهُ أَوْ تَرَكْتُهُ لِشَرِيكِي» وقَوْله تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] فَإِنَّ الْحَدِيثَ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِذَلِكَ الْعَمَلِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُخْلِصِينَ لِلَّهِ تَعَالَى لَيْسُوا مَأْمُورِينَ بِهِ وَمَا هُوَ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْمَأْمُورِ بِهِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَبِالْجُمْلَةِ فَفَرْقُ بَيْنَ مَنْ يُجَاهِدُ لِيَقُولَ النَّاسُ إنَّهُ شُجَاعٌ أَوْ لِيُعَظِّمَهُ الْإِمَامُ فَيُكْثِرَ عَطَاءَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَيَكُونَ رِيَاءً حَرَامًا وَبَيْنَ مَنْ يُجَاهِدُ لِيُحَصِّلَ السَّبَايَا وَالْكُرَاعَ وَالسِّلَاحَ مِنْ جِهَةِ أَمْوَالِ الْعَدُوِّ فَلَا يَضُرُّهُ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ إجْمَاعًا

[الفرق بين قاعدة عقد الجزية وبين قاعدة غيرها مما يوجب التأمين]

الْمُحْتَمَلَ الْمُوجِبَ وَغَيْرَ الْمُوجِبِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمُوجِبُ هَذَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَسْئِلَةُ وَارِدَةً عَلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ حَالَةَ كَوْنِهَا مُفْرَدَةً فَإِذَا جُمِعَتْ وَقِيلَ كَفَالَاتُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مَوَاثِيقُهُ فَالْأَسْئِلَةُ بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا. وَيَرِدُ عَلَى الْجَمْعِ مَا يَرِدُ عَلَى الْمُفْرَدَاتِ وَوَافَقَ مَالِكًا أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْعَهْدُ وَالْكَفَالَةُ وَالْمِيثَاقُ وَقَوْلُنَا وَحَقِّ اللَّهِ الرَّحْمَنِ وَحَقِّ الرَّحِيمِ وَحَقِّ الْعَلِيمِ وَالْجَبَّارِ كِنَايَاتٌ لَا صَرَائِحُ لِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ الْمَعَانِي الْقَدِيمَةِ وَبَيْنَ الْمُحْدَثَاتِ فَإِنْ نَوَى الْقَدِيمَةَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ لَفْظَ الْحَقِّ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ مِنْ الطَّاعَةِ وَالْأَفْعَالِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُمْ وَهِيَ حَادِثَةٌ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَلَا يَجِبُ بِهَا كَفَّارَةٌ حَتَّى يَنْوِيَ الْقَدِيمَ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ النَّفْسَانِيُّ الْمُوَظَّفُ عَلَى عِبَادَهِ وَكَذَلِكَ الْعَهْدُ وَالْكَفَالَةُ وَالْمِيثَاقُ قَدْ يُرَادُ بِهَا الْحَوَادِثُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَاَلَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُتَّجَهٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَسْئِلَةِ وَالتَّقَارِيرِ. اللَّفْظُ السَّابِعُ ايْمُنُ اللَّهِ قَالَ سِيبَوَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ مِنْ الْيُمْنِ وَالْبَرَكَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ كِنَايَةٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْمُحْدَثِ مِنْ تَنْمِيَةِ الْأَرْزَاقِ وَالْأَخْلَاقِ وَبَيْنَ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14] وَ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] أَيْ كَثُرَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (اللَّفْظُ السَّابِعُ أَيْمُنُ اللَّهِ) قُلْت مَا حَكَاهُ مِنْ الِاشْتِقَاقِ وَغَيْرِهِ لَا كَلَامَ فِيهِ لِأَنَّهُ نَقْلٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُنِي أَنَّهُ حَالِفٌ بِمُحْدَثٍ لِأَنَّ أَيْمَانَ الْمُسْلِمِينَ حَلِفُهُمْ وَهُوَ مُحْدَثٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْقَائِلَ ذَلِكَ إنَّمَا يَقُولُهُ فِي حَالٍ يَقْتَضِي تَأْكِيدَ خَبَرِهِ الَّذِي يَحْلِفُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ قَرِينَةٌ تَصْرِفُ قَوْلَهُ ذَلِكَ إلَى قَصْدِهِ إلَى مَا يُؤَكِّدُ بِهِ الْخَبَرَ شَرْعًا أَوْ إلَى مَا يَلْزَمُ مُقْتَضَاهُ شَرْعًا فَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ جَمْعُ يَمِينٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذْ هُوَ الْيَمِينُ الشَّرْعِيُّ وَأَقَلُّ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ فَإِذَا حَنِثَ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَقَدْ قِيلَ بِذَلِكَ وَعَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي يَلْزَمُهُ كُلُّ مَا يَلْزَمُهُ شَرْعًا مِنْ يَمِينٍ وَنَذْرٍ وَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَقَدْ قِيلَ بِذَلِكَ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ لُزُومِ الْأَحْكَامِ بِدُونِ أَسْبَابِهَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ لُزُومِ الْأَحْكَامِ بِأَسْبَابِهَا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِلُزُومِ الْكَفَّارَاتِ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ أَوْ الْقَائِلِينَ بِلُزُومِ جَمِيعِ مَا يَلْزَمُ شَرْعًا بِالْتِزَامِهِ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي وَغَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ أَنَّ قَائِلَ: أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُنِي لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِلَفْظِ الْيَمِينِ الشَّرْعِيِّ وَلَا بِالْمُلْتَزَمِ الشَّرْعِيِّ وَلَكِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ الْقَرَائِنِ أَنَّهُ عَنِيَ الْيَمِينَ الشَّرْعِيَّ أَوْ الْمُلْتَزَمَ الشَّرْعِيَّ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ عَدَمُ اشْتِرَاطِ مُعَيَّنَاتِ الْأَلْفَاظِ فَلُزُومٌ بِمُقْتَضَى الْيَمِينِ الشَّرْعِيِّ أَوْ الْمُلْتَزَمَاتِ الشَّرْعِيَّةِ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يُقَالُ لِفِعْلِهِ رِيَاءً مَعَ أَنَّهُ قَدْ شَرَّك فِيهِ بِسَبَبِ أَنَّ الرِّيَاءَ الْعَمَلُ لِيَرَاهُ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ خَلْقِهِ وَالرُّؤْيَةُ لَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ الْخَلْقِ وَأَمَّا الْعَمَلُ لِمَنْ يَرَى وَلَا يُبْصِرُ كَالْمَالِ الْمَأْخُوذِ فِي الْغَنِيمَةِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُقَالُ فِيهِ رِيَاءٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ عَقْدِ الْجِزْيَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ غَيْرِهَا مِمَّا يُوجِبُ التَّأْمِينَ] (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ عَقْدِ الْجِزْيَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ غَيْرِهَا مِمَّا يُوجِبُ التَّأْمِينَ مِنْ عَقْدَيْ الْمُصَالَحَةِ وَالتَّأْمِينِ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَاعِدَتَيْنِ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي وُجُوبِ الْأَمَانِ وَالتَّأْمِينِ إلَّا أَنَّهُمَا افْتَرَقَا مِنْ وُجُوهٍ) (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ عَقْدَ الْجِزْيَةِ يَكُونُ لِضَرُورَةٍ وَلِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَ الْقِتَالَ عِنْدَ عَدَمِ مُوَافَقَتِهِمْ عَلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] فَجَعَلَ الْقَتْلَ مُغَيَّا إلَى وَقْتِ مُوَافَقَتِهِمْ عَلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ وَعَقْدُ الْمُصَالَحَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَكَذَلِكَ عَقْدُ الْأَمِيرِ تَأْمِينَ الْجَيْشِ الْكَبِيرِ لَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ تَقْتَضِيه. (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ عَقْدَ الْجِزْيَةِ لَا يَعْقِدُهُ إلَّا الْإِمَامُ كَعَقْدِ الْمُصَالَحَةِ. وَأَمَّا التَّأْمِينُ فَيَصِحُّ مِنْ آحَادِ النَّاسِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِي عَدَدٍ مَحْصُورٍ كَالْوَاحِدِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا الْجَيْشُ الْكَبِيرُ فَعَقْدُ تَأْمِينِهِ لِلْأَمِيرِ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ عَقْدَ الْجِزْيَةِ يَدُومُ لِلْمَعْقُودِ لَهُمْ وَلِذَرَارِيِّهِمْ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ لِلْعَقْدِ نَاقِضٌ مِنْ النَّوَاقِضِ الْمُتَقَدِّمِ تَفْصِيلُهَا وَعَقْدُ الْمُصَالَحَةِ إنَّمَا يَكُونُ إلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ. (وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ عَقْدَ الْجِزْيَةِ لَيْسَ رُخْصَةً عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ بَلْ عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ وَعَقْدُ الْمُصَالَحَةِ رُخْصَةٌ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ الْقِتَالِ وَطَلَبِ الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ وَلِذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ وَقِتَالِهِمْ أَوْ إلْجَائِهِمْ إلَى الْإِسْلَامِ أَوْ الْجِزْيَةِ (وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ شُرُوطَ عَقْدِ الْجِزْيَةِ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ مُقَرَّرَةٌ فِي الشَّرْعِ وَشُرُوطَ عَقْدِ الْمُصَالَحَةِ بِحَسَبِ مَا يَحْصُلُ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهَا مَا لَمْ يَكُنْ فِي الشُّرُوطِ فَسَادٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَكَذَلِكَ التَّأْمِينُ لَيْسَ لَهُ شُرُوطٌ بَلْ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ (وَالْوَجْهُ السَّادِسُ) أَنَّ عَقْدَ الْجِزْيَةِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمَالِ وَعَقْدَ الْمُصَالَحَةِ يَجُوزُ بِغَيْرِ مَالٍ يُعْطُونَهُ (وَالْوَجْهُ السَّابِعُ) أَنَّ عَقْدَ الْجِزْيَةِ يُوجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ زِيَادَةً عَلَى الْأَمْنِ وَالتَّأْمِينِ حُقُوقًا مُتَأَكِّدَةً مِنْ الصَّوْنِ وَالذَّبِّ

[الفرق بين قاعدة ما يجب توحيد الله تعالى به من التعظيم وبين قاعدة ما لا يجب توحيده به]

جَلَالُهُ وَعُلَاهُ وَصِفَاتُهُ الْعُلَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ فَيَكُونُ الْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ وَيُقَالُ ايْمُنُ اللَّهِ وَأَيْمُ اللَّهِ وَمَنْ اللَّهِ وَمُ اللَّهِ ثُمَّ عَلَيْهِ إذَا قُلْنَا إنَّهُ جَمْعُ يَمِينٍ إشْكَالٌ أَيْضًا بِسَبَبِ أَنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ وَأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ فَحَلَفَ بِالْحَلِفِ يَكُونُ قَدْ حَلَفَ بِمُحْدَثٍ أَيْضًا فَإِنَّ حَلِفَ الْخَلْقِ مُحْدَثٌ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ كَفَّارَةٌ وَكَذَلِكَ يَرِدُ الْإِشْكَالُ عَلَى مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِلُزُومِ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْ قَالَ وَأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُنِي أَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْقَسَمَ فَقَدْ حَلَفَ بِمُحْدَثٍ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ مُوجِبَاتِ الْأَيْمَانِ فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ أَنَّهَا تَلْزَمُهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مُسَبِّبَاتٌ لِأَسْبَابِهَا وَأَسْبَابُهَا لَمْ تُوجَدْ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ لُزُومَ الْأَحْكَامِ بِدُونِ أَسْبَابِهَا غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي الشَّرِيعَةِ بَلْ الشَّرِيعَةُ تُنْكِرُهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا تَلْزَمُهُ عَلَى سَبِيلِ النَّذْرِ فَيَفْتَقِرُ ذَلِكَ إلَى نِيَّةِ النَّذْرِ وَالْقَصْدِ إلَيْهِ فَإِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَيْسَتْ مَوْضُوعَةً فِي الْفِقْهِ الْمَنْذُورِ بَلْ هِيَ أَخْبَارٌ وَقَسَمٌ وَهَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ بِلُزُومِ هَذِهِ الْأُمُورِ لَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّهَا مِنْ بَابِ النُّذُورِ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا مِنْ بَابِ الْقَسَمِ وَالْحَلِفِ. (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِالْحَلِفِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا حَنِثَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً إذَا حَلَفَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ) صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى خَمْسَةُ أَقْسَامٍ مَعْنَوِيَّةٌ وَذَاتِيَّةٌ وَسَلْبِيَّةٌ وَفِعْلِيَّةٌ وَمَا يَشْمَلُ الْجَمِيعَ فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهِيَ الصِّفَاتُ الْمَعْنَوِيَّةُ فَهِيَ سَبْعَةٌ الْعِلْمُ وَالْكَلَامُ الْقَدِيمُ وَالْإِرَادَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْحَيَاةُ فَهَذِهِ كُلُّهَا يُوجِبُ الْحَلِفُ بِهَا مَعَ الْحِنْثِ الْكَفَّارَةَ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهَا ابْتِدَاءً هَذَا هُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا تُوجِبُ كَفَّارَةً لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» وَلَفْظُ اللَّهِ مَخْصُوصٌ بِالذَّاتِ فَانْدَرَجَتْ الصِّفَاتُ فِي الْمَأْمُورِ بِالصَّمْتِ بِهِ وَمُسْتَنَدُ الْمَشْهُورِ مَا تَقَدَّمَ مِمَّا حَكَاهُ «رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ بَلَى وَعِزَّتِك وَلَكِنْ لَا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِك» وَفِي هَذَا الْقَسَمِ مَسَائِلُ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْحَلِفُ بِالْقُرْآنِ إذَا حَلَفَ بِهِ قُلْنَا نَحْنُ تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ مُنْصَرِفٌ لِلْكَلَامِ الْقَدِيمِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِالْحَلِفِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا حَنِثَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً إذَا حَلَفَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ) إلَى قَوْلِهِ وَفِي هَذَا الْقِسْمِ مَسَائِلُ قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْحَلِفُ بِالْقُرْآنِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ خِلَافَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا هُوَ فِي تَحْقِيقِ مَنَاطٍ وَهُوَ هَلْ فِي لَفْظِ الْقُرْآنِ عُرْفٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الصِّفَةُ الْقَدِيمَةُ أَمْ لَا لَيْسَ الْأَمْرُ عِنْدِي ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُمْ وَدَفْعِ التَّظَالُمِ بَيْنَهُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُقَرَّرٌ وَمَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَالْمُصَالَحَةُ لَا تُوجِبُ مِثْلَ تِلْكَ الْحُقُوقِ بَلْ يَكُونُونَ أَجَانِبَ مِنَّا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْنَا بِرُّهُمْ وَلَا الْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا فِي ذِمَّتِنَا غَيْرَ أَنَّا لَا نَغْدِرُ بِهِمْ وَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُمْ فَقَطْ بَلْ نَقُومُ بِمَا الْتَزَمْنَا لَهُمْ فِي الْعَقْدِ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي اتَّفَقْنَا عَلَيْهَا وَنَتْرُكُهُمْ يَنْفَصِلُونَ بِأَنْفُسِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَنْصُرَ مَظْلُومَهُمْ وَلَا أَنْ نُوَاسِيَ فَقِيرَهُمْ وَاللَّازِمُ فِي عَقْدِ التَّأْمِينِ مُطْلَقُ الْأَمَانِ وَالتَّأْمِينِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجِبُ تَوْحِيدُهُ بِهِ] (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجِبُ تَوْحِيدُهُ بِهِ) تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّعْظِيمِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) وَاجِبٌ إجْمَاعًا وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ النَّوْعُ الْأَوَّلُ عِبَادَةٌ كَالصَّلَوَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا وَالصَّوْمِ عَلَى اخْتِلَافِ رُتَبِهِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالنَّذْرِ وَالْحَجِّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى (وَالنَّوْعُ الثَّانِي) صِفَاتُ الْأَفْعَالِ كَالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ وَالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاءِ وَالْهِدَايَةِ وَالْإِضْلَالِ وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْقَبْضِ وَالْبَسْطِ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَعْتَقِدَ تَوْحِيدَ اللَّهِ وَتَوَحُّدَهُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ وَأَنَّ مَا أُضِيفَ مِنْهَا لِغَيْرِهِ تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَ فِي كَلَامِهِ تَعَالَى كَإِخْبَارِهِ تَعَالَى عَنْ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَيُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ أَوْ فِي كَلَامِنَا كَقَوْلِنَا قَتَلَهُ السُّمُّ وَأَحْرَقَتْهُ النَّارُ وَأَرْوَاهُ الْمَاءُ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ غَيْرَهُ تَعَالَى فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَقِيقَةً بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَبَطَ الْمُسَبَّبَاتِ بِأَسْبَابِهَا كَمَا شَاءَ وَأَرَادَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَسْبَابُ أَسْبَابًا عَادِيَّةً لِمُسَبِّبَاتِهَا كَمَا فِي سَبَبِيَّةِ السُّمِّ لِلْقَتْلِ وَالنَّارِ لِلْإِحْرَاقِ وَالْمَاءِ لِلْإِرْوَاءِ أَوْ أَسْبَابًا غَيْرَ عَادِيَّةٍ لِمُسَبِّبَاتِهَا كَمَا فِي إرَادَةِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِإِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ. وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا يَظْهَرُ عَلَى أَيْدِي الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ وَالْكَرَامَاتِ عِنْدَ إرَادَةِ ذَلِكَ النَّبِيِّ أَوْ الْوَلِيِّ وَلَوْ شَاءَ تَعَالَى لَمْ يَرْبِطْهَا وَهُوَ الْخَالِقُ حَقِيقَةً لِمُسَبِّبَاتِهَا عِنْدَ وُجُودِهَا لَا أَنَّ تِلْكَ الْأَسْبَابَ هِيَ الْمُوجِدَةُ حَقِيقَةً قُلْت وَذَكَرَ شَيْخُ شُيُوخِنَا خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ السَّيِّدُ أَحْمَدُ دَخْلَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رِسَالَةٍ

بِهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْكَلَامِ الْمَخْلُوقِ الَّذِي هُوَ الْأَصْوَاتُ فَالْكَلَامُ فِي تَحْقِيقِ مَنَاطٍ هَلْ فِيهِ عُرْفٌ أَمْ لَا وَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ» لَمْ يَفْهَمْ أَحَدٌ إلَّا الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ الْأَصْوَاتُ وَإِذَا قِيلَ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ الْقُرْآنُ إنَّمَا يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ الْكَلَامُ الْعَرَبِيُّ الْمُعْجِزُ وَالْعَرَبِيُّ الْمُعْجِزُ مُحْدَثٌ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَوَّلُ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ حَمْلًا لِلْقُرْآنِ عَلَى الْقَدِيمِ قَالَ صَاحِبُ الْخِصَالِ ابْنُ زَرْبٍ الْأَنْدَلُسِيُّ وَيُلْحَقُ بِالْقُرْآنِ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا حَلَفَ بِالْمُصْحَفِ أَوْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ أَوْ بِالتَّوْرَاةِ أَوْ بِالْإِنْجِيلِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ أَيْضًا ظَاهِرَةٌ فِي الْعُرْفِ الْمُحْدَثِ فَإِنَّ النَّاسَ لَا يَفْهَمُونَ مِنْ الْمُصْحَفِ إلَّا الْأَوْرَاقَ الْمَرْقُومَةَ الْمُجَلَّدَةَ بِالْجِلْدِ وَهَذِهِ مُحْدَثَةٌ وَكَذَلِكَ التَّنْزِيلُ وَالْإِنْزَالُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْحَادِثِ فَإِنَّ الصِّفَاتِ الْقَدِيمَةَ لَا تُفَارِقُ مَوْصُوفَهَا وَمَا يَسْتَحِيلُ مُفَارَقَتُهُ يَسْتَحِيلُ نُزُولُهُ وَطُلُوعُهُ وَمُطْلَقُ الْحَرَكَةِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ فَهُمَا كَلَفْظِ الْقُرْآنِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُمَا إلَّا الْكَلِمَاتُ الْخَاصَّةُ الَّتِي نَزَلَتْ بِاللُّغَةِ الْعِبْرَانِيَّةِ وَمَا يُوصَفُ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَوْ الْعِبْرَانِيَّةِ فَهُوَ مُحْدَثٌ بِالصُّورَةِ وَكَذَلِكَ قُلْنَا الْقُرْآنُ لِكَوْنِهِ مَوْصُوفًا بِكَوْنِهِ عَرَبِيًّا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2] مُحْدَثٌ فَإِنَّ الْعَرَبِيَّةَ وَالْعَجَمِيَّةَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ وَالْكَلَامُ النَّفْسِيُّ كَانَ قَدِيمًا أَوْ مُحْدَثًا لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ عَرَبِيًّا وَلَا عَجَمِيًّا: الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ إذَا قَالَ عَلِمَ اللَّهُ لَا فَعَلَتْ اسْتَحَبَّ لَهُ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ احْتِيَاطًا تَنْزِيلًا لِلَفْظِ عَلِمَ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ مَاضٍ مَنْزِلَةَ عِلْمِ اللَّهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَعِلْمِ اللَّهِ لَا فَعَلَتْ. وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ أَرَادَ الْحَلِفَ وَحَنِثَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ حُرُوفَ الْقَسَمِ قَدْ تُحْذَفُ فَهُوَ كِنَايَةٌ تَحْتَمِلُ الْقَسَمَ بِعِلْمِ اللَّهِ مَعَ حَذْفِ أَدَاةِ الْقَسَمِ وَالتَّعْبِيرِ عَنْ الصِّفَةِ الْقَدِيمَةِ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ فَإِنْ أَرَادَهُ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِعَدَمِ فِعْلِهِ فَلَيْسَ بِحَلِفٍ تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــSكَمَا زَعَمَ بَلْ الْعُرْفُ فِي الِاسْتِعْمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَادِثُ وَذَلِكَ مُسْتَنَدُ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَكِنْ قَرِينَةُ الْقَسَمِ صَرَفَتْ اللَّفْظَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَمْرُ الْقَدِيمُ وَذَلِكَ مُسْتَنَدُ مَالِكٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. فَخِلَافُهُمَا فِي تَحْقِيقِ مَنَاطٍ لَكِنْ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذُكِرَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَسْوِيَةُ مَالِكٍ بَيْنَ لَفْظِ الْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ وَالتَّنْزِيلِ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مَعَ أَنَّ الْعُرْفَ فِيهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمُحْدَثُ قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ إذَا قَالَ عَلِمَ اللَّهُ لَا فَعَلْت اسْتَحَبَّ لَهُ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ احْتِيَاطًا إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت الْأَظْهَرُ نَظَرًا قَوْلُ سَحْنُونٍ وَلِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اسْتَحَبَّ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ وَلَمْ يُوجِبْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 21] الْآيَةَ أَنَّ لِرَبْطِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُسَبَّبَاتِ بِأَسْبَابِهَا حِكَمًا وَمَصَالِحَ كَثِيرَةً مِنْهَا أَنَّ الْمُكَلَّفِينَ إذَا تَحَمَّلُوا الْمَشَقَّةَ فِي الْحَرْثِ وَالْغَرْسِ طَلَبًا لِلثَّمَرَاتِ وَكَدُّوا أَنْفُسَهُمْ فِي ذَلِكَ حَالًا بَعْدَ حَالٍ عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَمَّا احْتَاجُوا إلَى تَحَمُّلِ هَذِهِ الْمَشَاقِّ لِطَلَبِ هَذِهِ الْمَنَافِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَلَأَنْ يَحْتَاجُوا إلَى تَحَمُّلِ مَشَاقِّ الطَّاعَةِ الَّتِي هِيَ أَقَلُّ مِنْ مَشَاقِّ الْمَنَافِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى لِأَنَّ مَشَاقَّ الطَّاعَةِ تُثْمِرُ الْمَنَافِعَ الْأُخْرَوِيَّةَ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ مِنْ الدُّنْيَوِيَّةِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ بِتَوَقُّفِ الشِّفَاءِ عَلَى الدَّوَاءِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لِيَعْلَمَ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ إذَا تَحَمَّلَ مَرَارَةَ الْأَدْوِيَةِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمَرَضِ فَلَأَنْ يَتَحَمَّلَ مَشَاقَّ التَّكْلِيفِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْعِقَابِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَمِنْهَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَوْ خَلَقَ الْمُسَبَّبَاتِ دَفْعَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ وَسَائِطِ أَسْبَابِهَا لَحَصَلَ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ بِاسْتِنَادِهَا إلَى الْقَادِرِ الْحَكِيمِ وَذَلِكَ كَالْمُنَافِي لِلتَّكْلِيفِ وَالِابْتِلَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى كَافِرٌ وَلَا جَاحِدٌ حِينَئِذٍ فَلَمَّا خَلَقَهَا بِهَذِهِ الْوَسَائِطِ ظَهَرَتْ حِكْمَةُ التَّكْلِيفِ وَالِابْتِلَاءِ وَتَمَيَّزَتْ الْفُرْقَةُ الْمَوْصُوفَةُ بِالشَّقَاءِ عَنْ الْفُرْقَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِالشَّقَاءِ لِأَنَّ الْمُهْتَدِيَ يَفْتَقِرُ فِي اسْتِنَادِهَا إلَى الْقَادِرِ الْمُخْتَارِ إلَى نَظَرٍ دَقِيقٍ وَفِكْرٍ غَامِضٍ فَيَسْتَوْجِبُ الثَّوَابَ وَلِهَذَا قِيلَ لَوْلَا الْأَسْبَابُ لَمَا ارْتَابَ مُرْتَابٌ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَظْهَرُ لِلْمَلَائِكَةِ وَأُولِي الِاسْتِبْصَارِ عِبَرٌ فِي ذَلِكَ وَأَفْكَارٌ صَائِبَةٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحِكَمِ الَّتِي لَا يُحِيطُ بِهَا إلَّا الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ. وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَاتِّصَافِهِ بِالْكَمَالَاتِ وَاسْتِحْقَاقِهِ لِأَنْوَاعٍ إنَّمَا هُوَ الْعِلْمُ وَكَانَ عِلْمُ الْإِنْسَانِ بِأَحْوَالِ نَفْسِهِ أَظْهَرَ مِنْ عِلْمِهِ بِأَحْوَالِ غَيْرِهِ قَدَّمَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِيهَا دَلَائِلَ الْأَنْفُسِ عَلَى دَلَائِلِ الْآفَاقِ وَمِنْ دَلَائِلِ الْأَنْفُسِ نَفْسُ الْإِنْسَانِ ثُمَّ ذِكْرُ آبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ بِقَوْلِهِ وَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ. وَمِنْ دَلَائِلِ الْآفَاقِ الْأَرْضُ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الْإِنْسَانِ مِنْ السَّمَاءِ وَمَعْرِفَتُهُ بِحَالِهَا أَكْثَرُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِحَالِ السَّمَاءِ وَقَدَّمَ ذِكْرَ السَّمَاءِ عَلَى ذِكْرِ الْمَاءِ وَخُرُوجِ الثَّمَرَاتِ بِسَبَبِ الْمَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ كَالْأَثَرِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ

مُتَّجَهٌ فِي قَوَاعِدِ الْفِقْهِ وَقَدْ وَقَعَ لِبَعْضِ النُّحَاةِ جَوَازُ فَتْحِ إنَّ بَعْدَ الْقَسَمِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَسَمَ قَدْ يَقَعُ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي فَتَكُونُ أَنَّ مَعْمُولَةً لِذَلِكَ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي نَحْوُ عَلِمَ اللَّهُ وَشَهِدَ اللَّهُ أَنَّ زَيْدًا لَمُنْطَلِقٌ فَلَمَّا كَانَتْ مَظِنَّةَ وُجُودِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي فُتِحَتْ تَنْزِيلًا لِلْمَظْنُونِ مَنْزِلَةَ الْمُحَقَّقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَقَلَهَا لُغَةً عَنْ الْعَرَبِ فِي فَتْحِ أَنَّ بَعْدَ الْقَسَمِ وَالْجَادَّةُ عَلَى كَسْرِهَا بَعْدَ الْقَسَمِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي اللُّغَةِ أَصْلُهَا لِلْعُمُومِ عَلَى مَذْهَبِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ تَكُونُ لِلْعَهْدِ مَجَازًا عِنْدَهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا} [المزمل: 15] {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16] فَهَذِهِ اللَّامُ لِلْعَهْدِ أَيْ عَصَى الرَّسُولَ الْمَعْهُودَ ذِكْرُهُ الْآنَ فَهَذَا مَجَازٌ لِأَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهَا لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْعُمُومِ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ فِي الْخُصُوصِ الَّذِي هُوَ الْعَهْدُ فَيَكُونُ مَجَازًا فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَقَالَ الْقَائِلُ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ فَأَصْلُهَا فِي الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ أَنَّهَا لِلْعُمُومِ فَتَشْمَلُ كُلَّ عِلْمٍ كَانَ قَدِيمًا أَوْ حَادِثًا فَيَجْتَمِعُ فِي أَفْرَادِ هَذَا الْعُمُومِ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ وَهُوَ مُوجِبٌ وَالْعِلْمُ الْمُحْدَثُ وَهُوَ غَيْرُ مُوجِبٍ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْمُوجِبُ وَغَيْرُ الْمُوجِبِ تَرَتَّبَ الْإِيجَابُ عَلَى الْمُوجِبِ وَوُجُودُ غَيْرِ الْمُوجِبِ لَا يَقْدَحُ وَلَا يُعَارِضُ الْمُوجِبَ كَمَنْ وُجِدَ مِنْهُ شُرْبُ الْخَمْرِ وَشُرْبُ الْمَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَجْلِ الْمُوجِبِ. وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْمُوجِبِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَيُعْتَبَرُ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ نَعَمْ يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ حِينَئِذٍ انْدَرَجَ فِي كَلَامِهِ مَا يُسَوِّغُ الْحَلِفَ بِهِ وَهُوَ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ وَمَا يُنْهَى عَنْ الْحَلِفِ بِهِ تَحْرِيمًا أَوْ كَرَاهَةً وَهُوَ الْعِلْمُ الْمُحْدَثُ وَالْمُرَكَّبُ مِنْ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَتَكُونُ يَمِينُهُ هَذِهِ مَنْهِيًّا عَنْهَا وَإِنْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْكَفَّارَةِ هَذَا إذَا اسْتَعْمَلْنَا الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْعُمُومِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا لِلْعَهْدِ أَوْ قَرِينَةُ الْحَلِفِ تَصْرِفُهَا لِلْعَهْدِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ الْمُرَادُ مَا عُهِدَ الْحَلِفُ بِهِ وَهُوَ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ مِنْ غَيْرِ نَهْيٍ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ أَحْوَالِ الْحَالِفِينَ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِتَلْخِيصِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الصِّفَةِ إذَا حَلَفَ بِهَا فَإِنْ أُضِيفَتْ وَقَالَ الْحَالِفُ وَعِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَةِ اللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْدَرَجَ فِي الْمُضَافِ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ وَالْمُحْدَثُ وَكَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي اللُّغَةِ أَصْلُهَا الْعُمُومُ عَلَى مَذْهَبِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ بِالْعُمُومِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) . قُلْت الصَّحِيحُ عِنْدِي فِي قَوْلِ الْقَائِلِ وَالْعِلْمِ وَقَوْلُهُ وَعِلْمِ اللَّهِ وَمَا أَشْبَهَهُ ذَلِكَ أَنَّ قَرِينَةَ الْقَسَمِ عَيَّنَتْ أَنَّ الْمُرَادَ الْقَدِيمُ دُونَ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْعِلْمِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ أَمْ مُضَافًا لَيْسَ اشْتِمَالُهُ فِي الْقَوْلِ الصَّحِيحِ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ مِنْ بَابِ الْعُمُومِ الَّذِي يَقُولُ بِهِ الْمُعَمِّمُونَ بَلْ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ مِنْ بَابِ تَعْمِيمِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ وَالْقَوْلُ بِهِ مَرْدُودٌ وَكُلُّ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اشْتِمَالَ اللَّفْظِ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ مِنْ بَابِ الْعُمُومِ فَمَا قَالَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَثَرُ مُتَأَثِّرٌ عَنْ الْمُؤَثِّرِ وَرُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الزَّنَادِقَةِ أَنْكَرَ الصَّانِعَ عِنْدَ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ هَلْ رَكِبْت الْبَحْرَ قَالَ نَعَمْ قَالَ هَلْ رَأَيْت أَهْوَالَهُ قَالَ نَعَمْ هَاجَتْ يَوْمًا رِيَاحٌ هَائِلَةٌ فَكَسَّرَتْ السُّفُنَ وَأَغْرَقَتْ الْمَلَّاحِينَ فَتَعَلَّقْت بِبَعْضِ أَلْوَاحِهَا ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي ذَلِكَ اللَّوْحُ فَإِذَا أَنَا مَدْفُوعٌ فِي تَلَاطُمِ الْأَمْوَاجِ حَتَّى دُفِعْت إلَى السَّاحِلِ فَقَالَ جَعْفَرٌ قَدْ كَانَ اعْتِمَادُك مَنْ قَبْلُ عَلَى السَّفِينَةِ وَالْمَلَّاحِ وَاللَّوْحِ بِأَنَّهُ يُنْجِيَك فَلَمَّا ذَهَبَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَنْك هَلْ أَسْلَمْت نَفْسَك لِلْهَلَاكِ أَمْ كُنْت تَرْجُو السَّلَامَةَ بَعْدَهُ قَالَ بَلْ رَجَوْت السَّلَامَةَ قَالَ مِمَّنْ تَرْجُوهَا فَسَكَتَ الرَّجُلُ فَقَالَ جَعْفَرٌ إنَّ الصَّانِعَ هُوَ الَّذِي تَرْجُوهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَهُوَ الَّذِي أَنْجَاك مِنْ الْغَرَقِ فَأَسْلَمَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِهِ وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَمْ لَك مِنْ آلَةٍ قَالَ عَشَرَةٌ قَالَ فَمَنْ نَعَّمَك وَكَرَّمَك وَرَفَعَ الْأَمْرَ الْعَظِيمَ إذَا نَزَلَ بِك مِنْ جُمْلَتِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا لَك مِنْ إلَهٍ إلَّا اللَّهُ» . وَكَانَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَيْفًا عَلَى الدَّهْرِيَّةِ وَكَانُوا يَنْتَهِزُونَ الْفُرْصَةَ لِيَقْتُلُوهُ فَبَيْنَمَا هُوَ قَاعِدٌ فِي مَسْجِدِهِ إذْ هَجَمَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بِأَيْدِيهِمْ سُيُوفٌ مَسْلُولَةٌ وَهَمُّوا بِقَتْلِهِ فَقَالَ لَهُمْ أَجِيبُونِي عَلَى مَسْأَلَةٍ ثُمَّ افْعَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَالُوا لَهُ هَاتِ فَقَالَ مَا تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ يَقُولُ لَكُمْ إنِّي رَأَيْت سَفِينَةً مَشْحُونَةً بِالْأَحْمَالِ مَمْلُوءَةً بِالْأَثْقَالِ قَدْ احْتَوَشَتْهَا فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ أَمْوَاجٌ مُتَلَاطِمَةٌ وَرِيَاحٌ مُخْتَلِفَةٌ وَهِيَ مِنْ بَيْنِهَا تَجْرِي مُسْتَوِيَةً لَيْسَ لَهَا مَلَّاحٌ يُجْرِيهَا وَلَا مُدَبِّرٌ يُدَبِّرُ أَمْرَهَا هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْعَقْلِ قَالُوا لَا هَذَا شَيْءٌ لَا يَقْبَلُهُ الْعَقْلُ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَا سُبْحَانَ اللَّهِ إذَا لَمْ يُجَوِّزْ الْعَقْلُ سَفِينَةً تَجْرِي مِنْ غَيْرِ مَلَّاحٍ يُدِيرُهَا فِي جَرَيَانِهَا فَكَيْفَ يُجَوِّزُ قِيَامَ هَذِهِ الدُّنْيَا عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا وَتَغَيُّرِ أَعْمَالِهَا وَسَعَةِ أَطْرَافِهَا مِنْ غَيْرِ صَانِعٍ وَحَافِظٍ فَبَكَوْا جَمِيعًا وَقَالُوا صَدَقْت وَأَغْمَدُوا سُيُوفَهُمْ وَتَابُوا. وَرُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الدَّهْرِيَّةِ سَأَلَ الْإِمَامَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا الدَّلِيلُ عَلَى الصَّانِعِ فَقَالَ وَرَقَةُ الْفِرْصَادِ أَيْ التُّوتِ طَعْمُهَا وَاحِدٌ وَلَوْنُهَا وَاحِدٌ وَرِيحُهَا وَاحِدٌ وَطَبْعُهَا وَاحِدٌ عِنْدَكُمْ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَتَأْكُلُهَا دُودَةُ الْقَزِّ

كُلُّ صِفَةٍ تُضَافُ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ إذَا أُضِيفَ عَمَّ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» فَعَمَّ جَمِيعَ مِيَاهِ الْبَحْرِ وَمَيْتَاتِهِ وَلِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْ الْأُصُولِيِّينَ وَالْإِضَافَةُ يَكْفِي فِيهَا أَدْنَى مُلَابَسَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَالْمُحْدَثَاتُ مِنْ الصِّفَاتِ وَالْمَوْصُوفَاتِ تُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ خَلَقَهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ الَّتِي بَيْنَ الْمَخْلُوقِ وَالْخَالِقِ. وَلِذَلِكَ قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} [التحريم: 12] إنَّهُ تَعَالَى نَفَخَ فِيهِ رُوحًا مِنْ أَرْوَاحِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ أَرْوَاحَ الْخَلَائِقِ كُلَّهَا مَخْلُوقَةٌ وَأَنَّ رُوحَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ جُمْلَتِهَا فَأَضَافَهَا اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ إضَافَةَ الْخَلْقِ إلَى الْخَالِقِ فَإِذَا وَضَحَ أَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ تَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ فَإِنْ أَبْقَيْنَاهَا عَلَى عُمُومِهَا شَمِلَتْ الْمُوجِبَ وَغَيْرَ الْمُوجِبِ وَالْمَأْذُونَ فِيهِ وَالْمَنْهِيَّ عَنْهُ فَيَكُونُ الْكَلَامُ حِينَئِذٍ فِي الْإِضَافَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي عُمُومِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَإِنْ لَمْ نَحْمِلْهَا عَلَى عُمُومِهَا وَقُلْنَا بِالْعَهْدِ فَهُوَ فِي الْإِضَافَةِ قَلِيلٌ وَإِنَّمَا هُوَ مَسْطُورٌ لِلنُّحَاةِ فِي الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَيَنْبَغِي أَنْ نَقُولَ هَاهُنَا إنَّ قَرِينَةَ حَالِ الْحَالِفِ وَالْحَلِفِ أَنَّ هَذَا الْعَامَّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ وَهُوَ الصِّفَةُ الْقَدِيمَةُ خَاصَّةً فَيَقُومُ هَذَا التَّخْصِيصُ مَقَامَ الْعَهْدِ فِي لَامِ التَّعْرِيفِ وَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَتَكُونُ الْيَمِينُ مُلْزِمَةً لِلْكَفَّارَةِ مِنْ غَيْرِ نَهْيٍ وَقَدْ نَقَلَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ قَالَ إنْ أَرَادَ الْحَالِفُ بِقَوْلِهِ وَعِزَّةِ اللَّهِ وَأَمَانَتِهِ الْمَعْنَى الْقَدِيمَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ أَوْ الْمُحْدَثَ لَمْ تَجِبْ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ} [الصافات: 180] وَ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وَالْقَدِيمُ لَا يَكُونُ مَرْبُوبًا وَلَا مَأْمُورًا بِهِ إشَارَةٌ مِنْهُ إلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ يَكْفِي فِيهَا أَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَيَكُونُ اللَّفْظُ حَقِيقَةً وَأَنَّ الْعِزَّةَ الْحَادِثَةَ لِلْعِبَادِ يُمْكِنُ أَنْ تُضَافَ إلَيْهِ إضَافَةَ الْخَلْقِ لِلْخَالِقِ وَلِأَجْلِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ وَالتَّرَدُّدَاتِ خَالَفْنَا جُمْهُورَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الصِّفَاتِ فَقَالُوا إنْ تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهَا كَانَتْ يَمِينًا وَإِنْ لَمْ تَتَعَارَفْ النَّاسُ بِهَا لَمْ تَكُنْ يَمِينًا وَسَوَاءٌ كَانَتْ الصِّفَاتُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ أَوْ صِفَاتِ الْفِعْلِ فَاشْتَرَطُوا الشُّهْرَةَ دُونَنَا وَسَوَّوْا بَيْنَ الصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ وَالذَّاتِيَّةِ وَسَبَبُ اشْتِرَاطِهِمْ الشُّهْرَةَ أَنَّ الشُّهْرَةَ تُصَيِّرُ ذَلِكَ اللَّفْظَ الْمَشْهُورَ مَوْضُوعًا لِخُصُوصِ الْقَدِيمِ الَّذِي يَحْلِفُ بِهِ فَتَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَقَبْلَ النَّقْلِ وَالشُّهْرَةِ يَكُونُ اللَّفْظُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَمِمَّا يُعَضِّدُ هَذَا التَّرَدُّدَ أَنَّ النَّكِرَاتِ قِسْمَانِ مِنْهُمَا مَا يَصْدُقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ كَقَوْلِنَا مَاءٌ وَمَالٌ وَذَهَبٌ وَفِضَّةٌ فَيُقَالُ لِلْكَثِيرِ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ مَاءٌ وَذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَكَذَلِكَ الْقَلِيلُ وَمِنْ النَّكِرَاتِ مَا لَا يَصْدُقُ إلَّا عَلَى الْوَاحِدِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَلَا يَصْدُقُ عَلَى الْكَثِيرِ مِنْهُ كَقَوْلِنَا رَجُلٌ وَعَبْدٌ وَدِرْهَمٌ وَدِينَارٌ فَلَا يُقَالُ لِلرِّجَالِ الْكَثِيرَةِ رَجُلٌ وَلِلْعَبِيدِ عَبْدٌ وَلَا لِلْفِضَّةِ وَالدَّرَاهِمِ الْكَثِيرَةِ دِرْهَمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَخْرُجُ مِنْهَا الْإِبْرَيْسَمُ وَتَأْكُلُهَا النَّحْلُ فَيَخْرُجُ مِنْهَا الْعَسَلُ وَتَأْكُلُهَا الشَّاةُ فَيَخْرُجُ مِنْهَا الْبَعْرُ وَتَأْكُلُهَا الظَّبْيَةُ فَيَنْعَقِدُ فِي نَوَافِجِهَا الْمِسْكُ فَمَنْ الَّذِي جَعَلَهَا كَذَلِكَ مَعَ أَنَّ الطَّبْعَ وَاحِدٌ فَاسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ وَآمَنُوا عَلَى يَدِهِ وَكَانُوا سَبْعَةَ عَشَرَ اهـ. الْمُرَادُ فَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ لِلْمُمْكِنَاتِ وَلِلْعِبَادِ وَأَفْعَالِهِمْ جَمِيعًا قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ عَلِيٌّ عَبْدُ السَّلَامِ عَلَى جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ وَلَيْسَ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ إلَّا مُجَرَّدُ الْمُقَارَنَةِ كَالْأَسْبَابِ الْعَادِيَّةِ مَعَهَا لَا بِهَا وَلَيْسَ خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى بِآلَةٍ خِلَافًا لِقَوْلِ ابْنِ عَرَبِيٍّ لِلْعَبْدِ آلَةٌ وَالْعَبْدُ آلَةٌ لِفِعْلِ الرَّبِّ ذَكَرَهُ فِي وَمَا رَمَيْت أَيْ إيجَابًا إذْ رَمَيْت كَسْبًا فَلَا تَنَاقُضَ وَمَعَ أَنَّ الْفِعْلَ لَهُ تَعَالَى فَالْأَدَبُ أَنْ لَا يُنْسَبَ لَهُ إلَّا الْحَسَنُ بِإِشَارَةِ {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79] وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ كَسْبًا بِدَلِيلِ الْأُخْرَى قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَيْ خَلْقًا وَانْظُرْ لِقَوْلِ الْخَضِرِ {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف: 79] مَعَ قَوْلِهِ {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} [الكهف: 82] . (وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ) اسْتِحْقَاقُ الْعِبَادَةِ وَالْآلِهِيَّةِ وَعُمُومُ تَعَلُّقِ صِفَاتِهِ تَعَالَى فَيَتَعَلَّقُ عِلْمُهُ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ وَإِرَادَتُهُ بِجَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ وَبَصَرُهُ بِجَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ الْبَاقِيَاتِ وَالْفَانِيَاتِ وَسَمْعُهُ بِجَمِيعِ الْأَصْوَاتِ وَخَبَرُهُ بِجَمِيعِ الْمُخْبَرَاتِ (فَتَوْحِيدُهُ تَعَالَى) فِي هَذَا وَنَحْوِهِ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ لَا مُشَارَكَةَ لِأَحَدٍ فِيهِ (وَالنَّوْعُ الرَّابِعُ) كُلُّ لَفْظٍ أُشْهِرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً كَلَفْظِ اللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَلَفْظِ تَبَارَكَ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى فَلَا يُسَمَّى بِاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ غَيْرُهُ تَعَالَى وَتَقُولُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ وَلَا تَقُولُ تَبَارَكَ زَيْدٌ قُلْت وَإِطْلَاقُ بَنِي حَنِيفَةَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ رَحْمَنَ الْيَمَامَةِ وَقَالَ شَاعِرُهُمْ: عَلَوْت بِالْمَجْدِ يَا ابْنَ الْأَكْرَمَيْنِ أَبًا ... وَأَنْتَ غَيْثُ الْوَرَى لَا زِلْت رَحْمَانَا قَالَ الصَّبَّانُ فِي رِسَالَتِهِ الْبَيَانِيَّةِ أَجَابَ الزَّمَخْشَرِيُّ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ تَفَنُّنِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ قَالَ الْمُحَقِّقُ الْمَحَلِّيُّ إلَّا أَنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ غَيْرُ صَحِيحٍ دَعَاهُمْ إلَيْهِ لَجَاجُهُمْ فِي كُفْرِهِمْ بِزَعْمِهِمْ نُبُوَّةَ مُسَيْلِمَةَ دُونَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَ كَافِرٌ لَفْظَةَ اللَّهِ فِي

وَلَا لِلذَّهَبِ الْكَثِيرِ وَالدَّنَانِيرِ دِينَارٌ. وَإِنْ قِيلَ لَهُ الذَّهَبُ بَلْ لَا تَصْدُقُ هَذِهِ النَّكِرَاتُ إلَّا عَلَى هَذَا الْجِنْسِ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ فَصَارَتْ أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ مِنْهَا مَا يَصْلُحُ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَمِنْهَا مَا لَا يَصْلُحُ فَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إنَّا وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَقْتَضِي التَّعْمِيمَ إنَّمَا نَقُولُهُ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ الَّتِي تَصْدُقُ عَلَى الْكَثِيرِ أَمَّا الَّتِي لَا تَصْدُقُ إلَّا عَلَى الْجِنْسِ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ فَإِنَّ إضَافَتَهَا لَا تُوجِبُ تَعْمِيمًا وَلِذَلِكَ يُفْهَمُ الْعُمُومُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ مَالِي صَدَقَةٌ وَلَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ عَبْدِي حُرٌّ وَلَا امْرَأَتِي طَالِقٌ بَلْ لَا يُفْهَمُ مَعَ الْإِضَافَةِ إلَّا فَرْدٌ وَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَهُوَ عَبْدٌ وَاحِدٌ وَامْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ فَيُحْمَلُ قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ إنَّ اسْمَ الْجِنْسِ إذَا أُضِيفَ عَمَّ عَلَى اسْمِ الْجِنْسِ إذَا كَانَ يَصْدُقُ عَلَى الْكَثِيرِ بِدَلِيلِ مَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ غَايَةَ الِاتِّجَاهِ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَقَدْ نَبَّهْت عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْنًى صَحِيحًا يُمْكِنُ مُرَاعَاتُهُ فَقَوْلُنَا وَعِزَّةِ اللَّهِ وَأَمَانَةِ اللَّهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا تَصْدُقُ عَلَى الْكَثِيرِ أَمَانَةٌ بَلْ أَمَانَاتٌ وَلَا أَنْوَاعُ الْعِزَّةِ الْمُخْتَلِفَةِ أَنَّهَا عِزَّةٌ بَلْ عِزَّاتٌ وَكَذَلِكَ الْقُدْرَةُ الْكَثِيرَةُ وَلَا يُقَالُ لَهَا قُدْرَةٌ بَلْ قُدُرَاتٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا هُوَ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ أَنْ يَكُونَ لِلْوَاحِدِ نَحْوُ تَمْرَةٌ وَبُرْمَةٌ وَضَرْبَةٌ وَجُرْحَةٌ وَإِقَامَةٌ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ حَالَةُ الْإِضَافَةِ تَتَنَاوَلُ إلَّا الْوَاحِدَ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْإِضَافَةِ وَذَلِكَ الْوَاحِدُ لَا عُمُومَ فِيهِ حَتَّى يَشْمَلَ الْقَدِيمَ وَالْمُحْدَثَ فَيَبْقَى مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْمُوجِبِ الَّذِي هُوَ الْقَدِيمُ وَبَيْنَ غَيْرِ الْمُوجِبِ الَّذِي هُوَ الْمُحْدَثُ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ حَتَّى تَحْصُلَ شُهْرَةٌ وَنَقْلٌ عُرْفِيٌّ فِي الْقَدِيمِ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ حِينَئِذٍ وَهَذَا حَسَنٌ مُتَّجَهٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا قَالَ وَعِلْمِ اللَّهِ فَإِنَّ الْعِلْمَ الْكَثِيرَ يُسَمَّى عِلْمًا بِخِلَافِ الْإِرَادَةِ وَكَذَلِكَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ بِخِلَافِ الْحَيَاةِ وَهَذِهِ كُلُّهَا مَبَاحِثُ حَسَنَةٌ يُمْكِنُ الْجُنُوحُ إلَيْهَا فِي مَجَالِ النَّظَرِ وَتَحْقِيقِ الْفِقْهِ. (الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ الصِّفَاتِ الصِّفَاتُ الذَّاتِيَّةُ وَهِيَ كَوْنُهُ تَعَالَى أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا وَاجِبَ الْوُجُودِ فَهَذِهِ الصِّفَاتُ لَيْسَتْ مَعَانِيهَا مَوْجُودَةً قَائِمَةً بِالذَّاتِ وَلَا هِيَ سَلْبُ نَقِيصَةٍ كَقَوْلِنَا لَيْسَ بِجِسْمٍ بَلْ صِفَاتُ ذَاتِ وَاجِبِ الْوُجُودِ بِمَعْنَى أَنَّهَا أَحْكَامٌ لِتِلْكَ الذَّاتِ كَمَا نَقُولُ فِي السَّوَادِ إنَّهُ جَامِعٌ لِلْبَصَرِ وَالْبَيَاضِ إنَّهُ مُفَرِّقٌ لِلْبَصَرِ وَتَصِفُهُ بِذَلِكَ لَا بِمَعْنَى أَنَّ جَمْعَ الْبَصَرِ فِي السَّوَادِ وَتَفْرِيقَهُ فِي الْبَيَاضِ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهَا أَحْكَامٌ ثَابِتَةٌ لِتِلْكَ الْحَقَائِقِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مَا تَقَدَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الصِّفَاتِ الصِّفَاتُ الذَّاتِيَّةُ وَهِيَ كَوْنُهُ تَعَالَى أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا وَاجِبَ الْوُجُودِ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُهَا) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْأَزَلِيَّةَ إنَّمَا مَعْنَاهَا أَنَّ وُجُودَهُ لَمْ يَسْبِقْهُ عَدَمٌ وَالْأَبَدِيَّةُ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ عَدَمٌ وَوُجُودُ الْوُجُودِ نَفْيُ تَبَدُّلِهِ فَهَذِهِ الصِّفَاتُ بِجُمْلَتِهَا سَلْبِيَّةٌ لَا ثُبُوتِيَّةٌ هَذَا عَلَى إنْكَارِ الْأَحْوَالِ أَوْ إمَّا عَلَى إثْبَاتِهَا فَذَلِكَ مُتَّجَهٌ عَلَى أَنَّهَا أَحْوَالٌ نَفْسِيَّةٌ لَا مَعْنَوِيَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي غَيْرِ الْبَارِي مِنْ آلِهَتِهِمْ. اهـ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَيْ فَخَرَجُوا بِمُبَالَغَتِهِمْ فِي كُفْرِهِمْ عَنْ مَنْهَجِ اللُّغَةِ حَيْثُ اسْتَعْمَلُوا الْمُخْتَصَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي غَيْرِهِ. اهـ قَالَ الْأُنْبَابِيُّ وَقَدْ عَارَضَ شَاعِرَهُمْ ابْنُ جَمَاعَةَ بِقَوْلِهِ: عَلَوْت بِالْكِذْبِ يَا ابْنَ الْأَخْبَثَيْنِ أَبًا ... وَأَنْتَ مُغْوِي الْوَرَى لَا زِلْت شَيْطَانَا قَالَ وَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الْأَعْلَامُ لَمْ يَقُولُوا مَا ذُكِرَ كَمَا لَا يَخْفَى إلَّا بِالْوُقُوفِ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ لُغَةً وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاشْتِرَاطِ الْوَضْعِ عَدَمَ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ اخْتِصَاصَ الْمُشْتَقِّ بِشَيْءٍ بِحَيْثُ يَكُونُ إطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِهِ فَاسِدًا لُغَةً وَإِنْ قَامَ مَبْدَأُ الِاشْتِقَاقِ بِذَلِكَ الْغَيْرِ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِاشْتِرَاطِ الْوَاضِعِ أَنَّ هَذَا الْمُشْتَقَّ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فِي ذَاتِهِ لَكِنْ حَيْثُ نَقَلَ الْأَئِمَّةُ الْمَوْثُوقُ بِهِمْ اخْتِصَاصَهُ وَجَبَ قَبُولُ قَوْلِهِمْ وَلَا عِبْرَةَ بِالْبُعْدِ كَمَا لَا يَخْفَى وَدَعْوَى سَمِّ عَدَمَ الدَّلِيلِ عَلَى الِاشْتِرَاطِ لَا تُسْمَعُ وَأَيُّ مَانِعٍ مِنْ كَوْنِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ أَخَذُوا عَنْ الْعَرَبِ مُشَافَهَةً أَوْ بِوَاسِطَةٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُ الرَّحْمَنِ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى وَهُوَ دَلِيلُ اشْتِرَاطِ الْوَضْعِ فَإِنَّ مَا يَحْكُمُ بِهِ الْعَرَبِيُّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِاللُّغَةِ بِمُقْتَضَى مَا يَعْلَمُهُ إنَّمَا يَكُونُ بِسَبَبِ حُكْمِ الْوَاضِعِ كَمَا لَا يَخْفَى وَكَوْنُ الْعَرَبِيِّ يَخْرُجُ بِتَعَنُّتِهِ عَنْ اللُّغَةِ وَيُكَابِرُ فِيهَا مِمَّا لَا يُشَكُّ فِيهِ. فَالْحَقُّ هُوَ الْجَزْمُ بِخَطَأِ بَنِي حَنِيفَةَ فِي إطْلَاقِ الرَّحْمَنِ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى وَمَا أَفَادَهُ قَوْلُ الْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَ كَافِرٌ لَفْظَةَ اللَّهِ إلَخْ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالِ لُغَةً لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا مُسَلَّمٌ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ التَّجَوُّزِ فِي الْأَعْلَامِ لِأَنَّ سَبِيلَ هَذَا أَيْضًا نَقْلُ الْأَئِمَّةِ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ فَلَفْظُ الْجَلَالَةِ مُسْتَثْنًى بِلَا شُبْهَةٍ فَلَا مَحَلَّ لِهَذَا الْإِشْكَالِ وَلَا لِدَعْوَى عَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَاضِعِ أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى وَلَا لِدَعْوَى أَنَّهُ يَصِحُّ جَوَازُ إطْلَاقِهِ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى مَجَازًا بِعِلَّةِ أَنَّ الصَّحِيحَ جَوَازُ التَّجَوُّزِ فِي الْأَعْلَامِ. وَكَذَا لَا مَحَلَّ لِدَعْوَى أَنَّ الْمُخْتَصَّ بِهِ تَعَالَى الْمُعَرَّفَ بِأَلْ دُونَ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو «لَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

ذِكْرُهُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ صِفَةً مَعْنَوِيَّةً زَائِدَةً عَلَى الذَّاتِ سَمَّاهَا الْعُلَمَاءُ صِفَاتٍ ذَاتِيَّةً فَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُهَا. وَأَمَّا حُكْمُهَا فِي الشَّرِيعَةِ إذَا حَلَفَ بِهَا فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا قَالَ: عَمْرُ اللَّهِ يَمِينِي يُكَفِّرُ مَعَ أَنَّ الْعَمْرَ هُوَ الْبَقَاءُ وَالْبَقَاءُ يَرْجِعُ إلَى مُقَارَنَةِ الْوُجُودِ فِي الْأَزْمِنَةِ وَالْمُقَارَنَةُ نِسْبَةٌ لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْأَعْيَانِ فَقَدْ اعْتَبَرَ النِّسْبَةَ وَجَعَلَ حُكْمَهَا حُكْمَ الصِّفَةِ الْوُجُودِيَّةِ فَلَعَلَّهُ يَقُولُ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ كَذَلِكَ وَيُوجِبُ بِهَا الْكَفَّارَةَ إذَا قَالَ الْحَالِفُ: وَأَزَلِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَوُجُوبِ وُجُودِهِ وَأَبَدِيَّتِهِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا غَيْرَ مَا ذَكَرْته لَك مِنْ التَّخْرِيجِ فَإِنْ قُلْت الْأَبَدِيَّةُ لَا تَكُونُ فِي الْأَزَلِ كَمَا أَنَّ الْأَزَلِيَّةَ لَا تَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَلْ الْأَبَدِيَّةُ اقْتِرَانُ الْوُجُودِ بِجَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَالْأَزَلِيَّةُ اقْتِرَانُ الْوُجُودِ بِجَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ مِنْ جِهَةِ الْأَزَلِ فَالْأَزَلُ وَالْأَبَدُ مُتَنَافِيَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ. وَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْآخَرُ فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ الْأَبَدُ إلَّا مُتَجَدِّدًا بَعْدَ الْأَزَلِ فَإِنْ جَعَلْتُمْ الْحَلِفَ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَدِيمٍ لَمْ يَنْعَقِدْ الْحَلِفُ بِأَبَدِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لِتَجَدُّدِهَا بَعْدَ الْأَزَلِ ثُمَّ إنْ جَعَلْتُمْ الْحَلِفَ بِالْقَدِيمِ كَيْفَ كَانَ وُجُودًا أَوْ عَدَمًا يَلْزَمُكُمْ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِعَدَمِ الْعَامِّ أَنْ يَكُونَ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قُلْت مُسَلَّمٌ أَنَّ الْأَبَدِيَّةَ لَا تَكُونُ أَزَلِيَّةً وَهِيَ مُتَجَدِّدَةٌ بَعْدَ الْأَزَلِيَّةِ غَيْرَ أَنَّ أَبَدِيَّةَ اللَّهِ تَعَالَى تَرْجِعُ إلَى وُجُودِهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ كَالْبَقَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَأَمَّا حُكْمُهَا فِي الشَّرِيعَةِ إذَا حَلَفَ بِهَا فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا قَالَ عَمْرُ اللَّهِ يَمِينِي يُكَفِّرُ مَعَ أَنَّ الْعَمْرَ هُوَ الْبَقَاءُ وَالْبَقَاءُ يَرْجِعُ إلَى مُقَارَنَةِ الْوُجُودِ فِي الْأَزْمِنَةِ إلَى قَوْلِهِ مِنْ التَّخْرِيجِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا قَالَهُ فِي الْبَقَاءِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مُقَارَنَةِ الْوُجُودِ فِي الْأَزْمِنَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ تَعَالَى مُتَّصِفٌ بِالْبَقَاءِ سَوَاءٌ وُجِدَ زَمَانٌ أَوْ لَمْ يُوجَدْ فَإِنَّ الزَّمَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْحَوَادِثِ قَالَ فَإِنْ قُلْت الْأَبَدِيَّةُ لَا تَكُونُ فِي الْأَزَلِ كَمَا أَنَّ الْأَزَلِيَّةَ لَا تَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَى قَوْلِهِ فَمَعَ الْفَرْقِ لَا يَصِحُّ التَّخْرِيجُ قُلْت السُّؤَالُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَجَوَابُهُ كَذَلِكَ أَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ السُّؤَالِ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّ وُجُودَ الْبَارِي تَعَالَى وَجَمِيعَ صِفَاتِهِ لَا يَلْحَقُهَا الزَّمَانُ وَالْأَزَلِيَّةُ وَالْأَبَدِيَّةُ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُمَا بِالسَّلْبِ فَكَيْفَ يَقُولُ السَّائِلُ إنَّهُمَا لَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْآخَرُ وَهَلْ الْكَوْنُ إلَّا مِنْ لَوَاحِقِ الْوُجُودِ أَوْ هُوَ هُوَ فَمَا أَلْزَمُ مِنْ أَنَّ الْأَبَدَ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَجَدِّدًا لَا يَلْزَمُ وَمَا قَالَهُ هُوَ فِي الْجَوَابِ مِنْ أَنَّ الْبَقَاءَ فِي الْمُحْدَثَاتِ لَا يُعْقَلُ إلَّا بَعْدَ الْحُدُوثِ مُسَلَّمٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مَا بُنِيَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ مَالِكًا اعْتَبَرَ الْبَقَاءَ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ ثَانِيًا عَنْ الْحُدُوثِ وَمَتَى يَصِحُّ فِي حَقِّهِ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ بَقَاؤُهُ بِتِلْكَ الْمَثَابَةِ حَتَّى يَلْزَمَ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ فَيَخْرُجُ عَلَى قَوْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَبَدِيَّةِ مَعَ تَسْلِيمِ تَجَدُّدِهَا هَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ فَاحِشٌ لَا يُفَوَّهُ بِمِثْلِهِ مَنْ حَصَّلَ شَيْئًا مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ وَمَا قَالَهُ بَعْدَ ذَلِكَ صَحِيحٌ أَوْ حِكَايَةُ خِلَافٍ وَلَا كَلَامَ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ بِكِتَابَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ لَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ إلَّا صَاحِبَ الْيَمَامَةِ» وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ كَانُوا يُطْلِقُونَهُ مُعَرَّفًا وَمُنَكَّرًا فَلَا تَنْفَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى وَكَذَا لَا مَحَلَّ لِدَعْوَى أَنَّ الِاخْتِصَاصَ شَرْعِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ وَدَعْوَى أَنَّهُ لَا إشْكَالَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ شَرْعِيٌّ دُونَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لُغَوِيٌّ عَلِمْت مَا فِيهَا وَأَنَّ الْوَاقِعَ عَكْسُ ذَلِكَ وَعَلِمْت أَنَّ دَعْوَى أَنَّ عِلَّةَ اخْتِصَاصِهِ هِيَ كَوْنُ مَعْنَاهُ الْمُنْعِمَ الْحَقِيقِيَّ الْبَالِغَ مِنْ الْإِنْعَامِ غَايَتَهُ أَوْ الْمُنْعِمَ بِجَلَائِلِ النِّعَمِ وَذَلِكَ لَا يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى الْمُقْتَضِي أَنَّ الِاخْتِصَاصَ شَرْعِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ لَا تَصِحُّ إذْ لَا وَجْهَ لِرَدِّ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ بِمُجَرَّدِ عَدَمِ الِاطِّلَاع عَلَى دَلِيلِهِمْ فَالْحَقُّ أَنَّ مَنْعَ إطْلَاقِ الرَّحْمَنِ عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى لُغَوِيٌّ وَشَرْعِيٌّ وَأَنَّهُ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ لَهُ اهـ. أَيْ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الرَّحْمَةِ وَهِيَ وَرِقَّةُ الْقَلْبِ مُسْتَحِيلَةٌ فِي حَقِّهِ تَعَالَى فَالْمُرَادُ مِنْهَا لَازِمُهَا وَهُوَ إرَادَةُ الْإِحْسَانِ أَوْ الْإِحْسَانُ (الْقِسْمُ الثَّانِي) قَالَ الْأَصْلُ مَا لَا يَجِبُ التَّوْحِيدُ وَالتَّوَحُّدُ بِهِ كَتَوْحِيدِهِ بِالْوُجُودِ لِأَنَّهُ إمَّا عَيْنُ الْمَوْجُودِ أَوْ غَيْرُهُ وَمَفْهُومُهُ عَلَى الثَّانِي مُشْتَرَكٌ فِيهِ خَارِجًا وَعَلَى الْأَوَّلِ مُشْتَرَكٌ فِيهِ ذِهْنًا لَا خَارِجًا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِنَا وُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ نَفْسُ مَاهِيَّتِه أَنَّهُ نَفْسُهَا فِي الْخَارِجِ وَأَمَّا فِي الذِّهْنِ فَنَتَصَوَّرُ مِنْ مَعْنَاهُ مَعْنًى عَامًّا يَشْمَلُ الْوُجُودَ الْوَاجِبَ وَالْوُجُودَ الْمُمْكِنَ فَوَقَعَتْ الشَّرِكَةُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ الذِّهْنِيَّةِ فَلَمْ يَقَعْ التَّوْحِيدُ فِي أَصْلِ الْوُجُودِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَكَتَوْحِيدِهِ بِالْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْإِرَادَةِ وَالْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ وَأَنْوَاعِهِ مِنْ الطَّلَبِ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِثُبُوتِ الشَّرِكَةِ فِي أُصُولِ هَذِهِ الْمَفْهُومَاتِ وَإِلَّا فَقِيَاسُ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ بِغَيْرِ مُشْتَرَكٍ مُتَعَذِّرٌ إذْ لَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْمُبَايِنِ عَلَى مُبَايِنِهِ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ قِيَاسٌ لِلْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ تَعَذَّرَ إثْبَاتُ الصِّفَاتِ فَإِنَّهُ مُسْتَنَدُهَا وَكَوْنُ السَّلْبِ فِي قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] عَامًّا فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَإِنْ أَوْرَدَهُ الْفُضَلَاءُ لَا يُرَدُّ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ صِحَّةِ سَلْبِ الْمِثْلِيَّةِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْآيَةِ وَبَيْنَ صِحَّةِ الْقِيَاسِ بِكَوْنِ السَّلْبِ بِاعْتِبَارِ مَعَانِي تِلْكَ الصِّفَاتِ وَالْقِيَاسُ بِاعْتِبَارِ

وَعَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَعَ أَنَّ الْبَقَاءَ لَا يُعْقَلُ فِي الْمُحْدَثَاتِ إلَّا بَعْدَ الْحُدُوثِ فَهُوَ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي التَّأْخِيرَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ عَنْ أَصْلِ الْوُجُودِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ اعْتَبَرَهُ وَلَمْ يُلَاحِظْ هَذَا الْمَعْنَى وَمُقْتَضَى ذَلِكَ اعْتِبَارُ الْأَبَدِيَّةِ وَالْمَقْصُودُ التَّخْرِيجُ عَلَى الْمَذْهَبِ لَا إقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّتِهِ وَهَذَا التَّخْرِيجُ صَحِيحٌ فِي ظَاهِرِ الْحَالِ وَلَك أَنْ تَقُولَ الْأَبَدِيَّةُ لَا تَكُونُ فِي الْأَزَلِ وَمَا لَا يَكُونُ فِي الْأَزَلِ يَكُونُ حَادِثًا قَطْعًا وَأَمَّا الْبَقَاءُ فَوَاقِعٌ فِي الْأَزَلِ لِأَنَّ اقْتِرَانَ الْوُجُودِ كَمَا حَصَلَ بِالْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ حَصَلَ بِالْأَزَلِ وَفِيهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ حُدُوثٌ فَمَعَ الْفَرْقِ لَا يَصِحُّ التَّخْرِيجُ وَأَمَّا عَدَمُ الْعَالَمِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ لَا نَعْتَبِرَ الْقَدِيمَ كَيْفَ كَانَ فَإِنْ عُدِمَ الْعَالَمُ بَلْ عُدِمَ كُلُّ حَادِثٍ قَدِيمٍ. وَلَا يَصِحُّ الْحَلِفُ بِهِ بَلْ يُعْتَبَرُ الْقِدَمُ الْمُتَعَلِّقُ بِذَاتِ اللَّهِ وَوُجُودِهِ وَصِفَاتِهِ الْعُلَا وَعَدَمُ الْعَالَمِ وَالْحَوَادِثِ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِوُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَلْزَمْ بِهِ كَفَّارَةٌ وَلَمْ تُشْرَعْ بِهِ يَمِينٌ (فَائِدَةٌ) اُخْتُلِفَ فِي الْقِدَمِ هَلْ هُوَ صِفَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ وَأَنَّهُ تَعَالَى قَدِيمٌ بِقِدَمٍ كَالْعِلْمِ وَغَيْرِهِ أَوْ هُوَ صِفَةٌ نِسْبِيَّةٌ لَا زَائِدَةٌ عَلَى ذَاتِهِ تَعَالَى بَلْ قِدَمُهُ اسْتِمْرَارُ وُجُودِهِ مَعَ جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ الْمُحَقَّقَةِ وَالْمُتَوَهَّمَةِ الِاسْتِمْرَارِ نِسْبَةً بَيْنَ الْوُجُودِ وَالذَّاتِ وَكَذَلِكَ جَرَى الْخِلَافُ فِي الْبَقَاءِ هَلْ هُوَ وُجُودِيٌّ أَمْ لَا. (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الصِّفَاتُ السَّلْبِيَّةُ وَهِيَ كَقَوْلِنَا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا جَوْهَرٍ وَلَا عَرَضٍ وَلَا فِي حَيِّزٍ وَلَا فِي جِهَةٍ وَلَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] فَهَذِهِ الصِّفَاتُ هِيَ نِسْبَةٌ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَأُمُورٍ مُسْتَحِيلَةٍ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ وَسَلْبُ الشَّرِيكِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ وَسَلْبُ الْجِهَةِ وَالْمَكَانِ وَالْجِسْمِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ السُّلُوبِ نَحْوُ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَفْوِهِ وَحِلْمِهِ وَتَسْبِيحِهِ وَتَقْدِيسِهِ فَلَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا فَالْوَحْدَانِيَّةُ سَلْبُ الشَّرِيكِ وَالْعَفْوُ إسْقَاطُ الْعُقُوبَةِ وَالْحِلْمُ تَأْخِيرُهَا فَهَذِهِ السُّلُوبُ مِنْهَا قَدِيمٌ نَحْوُ سَلْبِ الشَّرِيكِ وَهُوَ الْوَحْدَانِيَّةُ وَسَلْبِ الْجِسْمِيَّةِ وَالْعَرَضِيَّةِ وَالْجَوْهَرِيَّةِ وَالْأَيْنِيَّةِ وَسَلْبِ جَمِيعِ الْمُسْتَحِيلَاتِ عَلَيْهِ تَعَالَى فَهَذِهِ السُّلُوبُ قَدِيمَةٌ هِيَ أَقْرَبُ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ بِهَا لِأَنَّهَا قَدِيمَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ الْإِضَافَةُ فِي اللَّفْظِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى نَحْوُ قَوْلِنَا وَوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَسْبِيحِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقْدِيسِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ أَنْ يَقُولَ وَسَلْبِ الْجِسْمِ وَسَلْبِ الشَّرِيكِ فَإِنَّ الْإِضَافَةَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى تُبْعِدُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ وَمِنْهَا سُلُوبٌ مُحْدَثَةٌ نَحْوُ عَفْوِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ تَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ. وَكَذَلِكَ حِلْمُهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ تَأْخِيرُ الْعُقُوبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الصِّفَاتُ السَّلْبِيَّةُ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْقِسْمِ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا قَالَهُ فِي الْحِلْمِ إنَّهُ تَأْخِيرُ الْعُقُوبَةِ فَإِنَّ هَذَا عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْحِلْمَ تَرْكُ الْمُحَاسَبَةِ وَالْمُعَاقَبَةِ وَالْعَفْوُ تَرْكُ الْمُعَاقَبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَحْوَالِ مَعَانِيهَا النَّفْسَانِيَّةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ وَلَا مَوْجُودَةٍ وَلَا مَعْدُومَةٍ. فَكَمَا نَقُولُ كَوْنُ السَّوَادِ سَوَادًا وَكَوْنُ الْبَيَاضِ بَيَاضًا حَالَةٌ لِلسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ وَلَا مَوْجُودَةٍ وَلَا مَعْدُومَةٍ فَلَيْسَ خُصُوصُ السَّوَادِ بِاَلَّذِي امْتَازَ بِهِ عَلَى جَمِيعِ الْأَعْرَاضِ صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِالسَّوَادِ بَلْ السَّوَادُ فِي نَفْسِهِ بَسِيطٌ لَا تَرْكِيبَ فِيهِ وَحَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْخَارِجِ لَيْسَ لَهَا صِفَةٌ بَلْ يُوصَفُ بِهَا وَلَا تُوصَفُ بِصِفَةٍ وُجُودِيَّةٍ حَقِيقَةً تَقُومُ بِهَا وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي بَقِيَّةِ الْمَعَانِي كَذَلِكَ تَقُولُ كَوْنُ الْعِلْمِ عِلْمًا صِفَةٌ نَفْسِيَّةٌ وَحَالَةٌ لَهُ لَيْسَتْ صِفَةً مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ قَائِمَةً بِالْعِلْمِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْإِرَادَةِ وَالْحَيَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ فَالْقِيَاسُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْغَائِبِ هُوَ حُكْمٌ نَفْسِيٌّ وَحَالَةٌ ذَاتِيَّةٌ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فِي الْخَارِجِ وَمَعْنَى السَّلْبِ فِي الْآيَةِ أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ مَنْفِيَّةٌ بَيْنَ الذَّاتِ وَجَمِيعِ الذَّوَاتِ وَبَيْنَ كُلِّ صِفَةٍ لَهُ تَعَالَى وَجَمِيعِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ فِي أَمْرٍ وُجُودِيٍّ إذْ لَا صِفَةَ وُجُودِيَّةً مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَخَلْقِهِ أَلْبَتَّةَ بَلْ الشِّرْكَةُ إنَّمَا وَقَعَتْ فِي أُمُورٍ لَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ كَالْأَحْوَالِ وَالْأَحْكَامِ وَالنِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ كَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَالْقَبْلِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ وَالْمَعِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ اهـ مُلَخَّصًا. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ (أَوَّلًا) بِأَنَّ عَدَمَ التَّوْحِيدِ وَالتَّوَحُّدِ إجْمَاعًا لَا يَصِحُّ لَا عَلَى أَنَّ الْوُجُودَ عَيْنُ الْمَوْجُودِ لِأَنَّهُ إمَّا بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ فَيَخْتَصُّ كُلٌّ مِنْ الْبَارِي تَعَالَى وَغَيْرِهِ بِوُجُودٍ مُنْفَرِدٍ بِذَاتِهِ غَيْرَ مُشَارَكٍ فِيهِ وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ فَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي وُجُودِهِ ضِمْنَ أَفْرَادِهِ كَمَا مَرَّ وَلَا عَلَى أَنَّ الْوُجُودَ غَيْرُ الْمَوْجُودِ لِأَنَّهُ إمَّا عَلَى إنْكَارِ الْحَالِ فَيَخْتَصُّ كُلٌّ مِنْ الْبَارِي تَعَالَى وَغَيْرِهِ بِوُجُودِهِ وَإِمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْحَالِ فَإِمَّا عَلَى أَنَّ الْحَالَ هُوَ الْأَمْرُ الذِّهْنِيُّ فَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي وُجُودِهِ ضِمْنَ إفْرَادِهِ كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا عَلَى أَنَّ الْحَالَ هُوَ الْأَمْرُ الَّذِي لَهُ ثُبُوتٌ فِي نَفْسِهِ وَفِي مَحَلِّهِ فَيَخْتَصُّ كُلٌّ مِنْ الْبَارِي تَعَالَى وَغَيْرِهِ بِحَالِهِ كَمَا سَبَقَ فِي الْوُجُودِ (وَثَانِيًا) بِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي أُصُولِ مَفْهُومَاتِ الْعِلْمِ وَمَا مَعَهُ مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِي كَنُطْقِ الْعِلْمِ مَثَلًا بَيْنَ

بَعْدَ تَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ وَالْجِنَايَةُ مِنْ الْعِبَادِ حَادِثَةٌ فَالْمُتَأَخِّرُ عَنْ الْحَادِثِ حَادِثٌ فَهِيَ سُلُوبٌ حَادِثَةٌ فَهِيَ أَبْعَدُ عَنْ انْعِقَادِ الْيَمِينِ مِنْ السُّلُوبِ الْقَدِيمَةِ لِاجْتِمَاعِ السَّلْبِ وَالْحُدُوثِ فِيهَا فَبَعُدَتْ مِنْ وَجْهَيْنِ بِخِلَافِ السُّلُوبِ الْقَدِيمَةِ إنَّمَا بَعُدَتْ مِنْ حَيْثُ السَّلْبُ فَاَلَّذِي يَقُولُ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِالصِّفَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ الثُّبُوتِيَّةِ يَقُولُ هَاهُنَا بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَاَلَّذِي يَقُولُ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِالصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ أَمْكَنَ أَنْ يَقُولَ بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ هَاهُنَا لِأَجْلِ السَّلْبِ فَهَذَا مَوْضِعٌ يَحْتَمِلُ الْإِطْلَاقَ بِانْعِقَادِ الْيَمِينِ وَبِعَدَمِ انْعِقَادِهَا وَيَحْتَمِلُ التَّفْصِيلَ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ وَلَمْ أَجِدْ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ نَقْلًا أَعْتَمِدُ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنِّي حَرَّكْت مِنْ وُجُوهِ النَّظَرِ وَالتَّخْرِيجِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْتَمِدَ الْفَقِيهُ عَلَيْهِ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا (فَائِدَةٌ) السَّلْبُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى سَلَبَانِ سَلْبُ نَقِيصَةٍ نَحْوُ سَلْبِ الْجِهَةِ وَالْجِسْمِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا وَسَلْبُ الْمُشَارِكِ فِي الْكَمَالِ وَهُوَ سَلْبُ الشَّرِيكِ وَهُوَ الْوَحْدَانِيَّةُ فَاعْلَمْ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا. (الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الصِّفَاتُ الْفِعْلِيَّةُ كَقَوْلِهِ وَخَلْقِ اللَّهِ وَرِزْقِ اللَّهِ وَعَطَاءِ اللَّهِ وَإِحْسَانِ اللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَصْدُرُ عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْحَلِفُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَا يُوجِبُ كَفَّارَةً إذَا حَنِثَ وَهَاهُنَا خَمْسُ مَسَائِلُ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ أَصْحَابُنَا: " مَعَادَ اللَّهِ لَيْسَتْ يَمِينًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْيَمِينَ " وَقِيلَ: مَعَادَ اللَّهِ وَحَاشَا اللَّهِ لَيْسَتَا بِيَمِينٍ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمَعَادَ مِنْ الْعَوْدِ وَمُحَاشَاةُ اللَّهِ تَعَالَى التَّبْرِئَةُ إلَيْهِ فَهُمَا فِعْلَانِ مُحْدَثَانِ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْيَمِينَ وَقِيلَ إنَّ لَفْظَ مَعَادَ اللَّهِ كِنَايَةٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا ذَاتَ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى فَإِنَّ مَعَادًا مِنْ الْعَوْدِ وَهُوَ اسْمُ مَكَانِ الْعَوْدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعُودُ إلَيْهِ الْأَمْرُ كُلُّهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ} [هود: 123] فَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمَكَانِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْمَعَادِ وَالْمَرْجِعِ مَجَازٌ وَالْمَجَازُ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ فَهِيَ كِنَايَةٌ إذَا أُرِيدَ بِهَا الْمَجَازُ كَانَ حَلِفًا بِقَدِيمٍ وَهُوَ وُجُودُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ كَانَ مُنْصَرِفًا لِحَقِيقَتِهِ وَهُوَ الْمَعَادُ الْحَقِيقِيُّ فَيَكُونُ حَلِفًا بِمُحْدَثٍ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ ثُمَّ إذَا أَرَادَ بِهِ الْحَلِفَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَنْصِبَهُ أَوْ يَرْفَعَهُ أَوْ يَخْفِضَهُ. فَإِنْ نَصَبَهُ كَانَ التَّقْدِيرُ أُلْزِمُ نَفْسِي مَعَادَ اللَّهِ وَيَكُونُ الْإِلْزَامُ هَاهُنَا إلْزَامًا حَقِيقِيًّا لِمُوجِبِ الْيَمِينِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ نِيَّةٍ أَوْ عُرْفٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الصِّفَاتُ الْفِعْلِيَّةُ كَقَوْلِهِ وَخَلْقِ اللَّهِ وَرِزْقِ اللَّهِ وَعَطَاءِ اللَّهِ وَإِحْسَانِ اللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ وَهَاهُنَا خَمْسُ مَسَائِلُ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ أَصْحَابُنَا مَعَادَ اللَّهِ لَيْسَتْ يَمِينًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْيَمِينَ وَقِيلَ مَعَادَ اللَّهِ وَحَاشَا اللَّهِ لَيْسَتَا بِيَمِينٍ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمَعَادَ مِنْ الْعَوْدِ وَمُحَاشَاةُ اللَّهِ التَّبْرِئَةُ إلَيْهِ فَهُمَا فِعْلَانِ مُحْدَثَانِ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْيَمِينَ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ قُلْت مَا قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQعِلْمِهِ تَعَالَى وَعِلْمِ غَيْرِهِ لَمْ يَثْبُتْ فَيَتَعَذَّرُ قِيَاسُ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ بَلْ عَلَى فَرْضِ ثُبُوتِهَا وَعَدَمِ التَّعَذُّرِ نَلْتَزِمُ بُطْلَانَ قِيَاسِ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ بِمَنْعِ اللُّزُومِ فِي نَحْوِ قَوْلِنَا لَوْ لَمْ يَتَّصِفْ بِالْكَلَامِ مَثَلًا لَزِمَ النَّقْصُ لِإِمْكَانِ أَنَّهُ نَقْصٌ فِي الشَّاهِدِ عِنْدَنَا فَقَطْ كَعَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْوَلَدِ فَيَنْدَفِعُ مَا أَوْرَدَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِنَاءً عَلَى تَسْلِيمِ صِحَّةِ الْقِيَاسِ وَلَا نُسَلِّمُ تَعَذُّرَ إثْبَاتِ الصِّفَاتِ بِبُطْلَانِهِ إذْ لَا يَتَعَيَّنُ مُسْتَنَدًا لِإِثْبَاتِهَا فَلَا حَاجَةَ لِلْجَوَابِ عَنْ الْإِيرَادِ الْمَذْكُورِ بِمَا لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالْأَحْوَالِ وَالْحَقُّ خِلَافُهُ اهـ بِتَلْخِيصٍ وَتَوْضِيحٍ لِلْمُرَادِ. قُلْت وَقَوْلُهُ إذْ لَا يَتَعَيَّنُ مُسْتَنَدًا لِإِثْبَاتِهَا أَيْ فَإِنَّهَا قَدْ تَثْبُتُ بِوُرُودِ إطْلَاقِ مُشْتَقَّاتِهَا عَلَيْهِ تَعَالَى وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ مَعَ إجْمَاعِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَالْأَدْيَانِ وَجَمِيعُ الْعُقَلَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ الْمَذْكُورِ نَعَمْ فِي الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ وَفِي الْخَيَالِيِّ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْمُشْتَقِّ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْمَأْخَذِ فِي السَّعْدِ إنْ أَرَادُوا اقْتِضَاءَ ثُبُوتِ الْمَأْخَذِ فِي نَفْسِهِ بِحَسَبِ الْخَارِجِ فَمَنْقُوضٌ بِمِثْلِ الْوَاجِبِ وَالْمَوْجُودِ أَيْ مِمَّا لَا يَقْتَضِي الْغَيْرِيَّةَ وَإِنْ أَرَادُوا ثُبُوتَهُ لِمَوْصُوفِهِ بِمَعْنَى إنْصَافِهِ بِهِ فَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ غَرَضُهُمْ. قَالَ الْأَمِيرُ وَقَوْلُ عَبْدِ الْحَكِيمِ فِي دَفْعِ النَّقْضِ قِيلَ فَرَّقَ لِأَنَّ الْمَأْخَذَ أَيْ فِي صِفَاتِ الْمَعَانِي تُثْبِتُ غَيْرِيَّتَهُ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْغَيْرِيَّةَ لَمْ تَثْبُتْ فِي حَقِّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْخَصْمِ وَفِي الْخَيَالِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْمَوَاقِفِ لَا تَثْبُتُ فِي غَيْرِ الْإِضَافَةِ وَفِي عَبْدِ الْحَكَمِ عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ بِالْحَرْفِ قَالَ صَاحِبُ الْمَوَاقِفِ إلَّا حُجَّةً عَلَى ثُبُوتِ أَمْرٍ سِوَى الْإِضَافَةِ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا الْعَالِمُ عَالِمًا وَالْمَعْلُومُ مَعْلُومًا قَالَ الْمُحَقِّقُ الدَّوَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ الْعَضُدِيَّةِ اعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ زِيَادَةِ الصِّفَاتِ وَعَدَمِ زِيَادَتِهَا لَيْسَتْ مِنْ الْأُصُولِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا تَكْفِيرُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَقَدْ سَمِعْت بَعْضَ الْأَصْفِيَاءِ أَنَّهُ قَالَ عِنْدِي إنَّ زِيَادَةَ الصِّفَاتِ وَعَدَمَهَا وَأَمْثَالَهُمَا لَا يُدْرَكُ إلَّا بِكَشْفٍ حَقِيقِيٍّ لِلْعَارِفِينَ وَأَمَّا مَنْ تَمَرَّنَ فِي الِاسْتِدْلَالِ فَإِنْ اتَّفَقَ لَهُ كَشْفٌ فَإِنَّمَا يَرَى مَا كَانَ غَالِبًا عَلَى اعْتِقَادِهِ بِحَسَبِ النَّظَرِ الْفِكْرِيِّ وَلَا أَرَى بَأْسًا فِي اعْتِقَادِ أَحَدِ طَرَفَيْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اهـ. قَالَ الْأَمِيرُ وَلَوْ اُخْتِيرَ الْوَقْفُ لَكَانَ أَنْسَبَ وَأَسْلَمَ مِنْ

عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَكَفَالَةُ اللَّهِ وَنَحْوُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ هَاتَيْنِ النِّيَّتَيْنِ وَأَمَّا إنْ رَفَعَ فَتَقْدِيرُهُ مَعَادُ اللَّهِ قَسَمِي فَيَكُونُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً خَبَرِيَّةً اُسْتُعْمِلَتْ فِي الْإِنْشَاءِ لِلْقَسَمِ بِهَا إمَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ بِالْعُرْفِ الْمُوجِبِ لِنَقْلِ الْخَبَرِ مِنْ أَصْلِهِ اللُّغَوِيِّ إلَى الْإِنْشَاءِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يَلْزَمْ بِهِ شَيْءٌ فَإِنَّ كُلَّ قَسَمٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْإِنْشَاءِ فَمَتَى عُدِمَ الْإِنْشَاءُ لَمْ يَكُنْ قَسَمًا لِأَنَّ الْخَبَرَ بِمَا هُوَ خَبَرٌ لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً وَلَا هُوَ قَسَمٌ وَكَذَلِكَ إذَا قُلْت أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ هُوَ جُمْلَةٌ إنْشَائِيَّةٌ وَلِذَلِكَ لَا تَحْتَمِلُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ وَإِنْ خَفَضَ كَانَ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ مِنْ الْقَسَمِ كَقَوْلِهِمْ اللَّهِ بِالْخَفْضِ وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ نِيَّةِ الْإِنْشَاءِ أَوْ عُرْفٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ. وَأَمَّا حَاشَا لِلَّهِ فَمَعْنَاهُ بَرَاءَةٌ لِلَّهِ أَيْ بَرَاءَةٌ مِنَّا لِلَّهِ وَيُحْتَمَلُ هَذَا أَيْضًا أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً وَأَنْ يُرَادَ بِهِ الْكَلَامُ الْقَدِيمُ وَتَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ تَعَالَى بِاللَّامِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَزِّهُ نَفْسَهُ بِكَلَامِهِ النَّفْسَانِيِّ وَذَلِكَ التَّبَرُّؤ قَدِيمٌ وَهُوَ لِلَّهِ تَعَالَى فَتُمْكِنُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ تَعَالَى بِاللَّامِ فَإِنْ وُجِدَتْ نِيَّةٌ لِذَلِكَ رُتْبَةٌ أُخْرَى فِي الْقَسَمِ بِهِ أَوْ عُرْفٌ يَقُومُ مَقَامَهَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ لَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ فَهُوَ كِنَايَةٌ كَمَا مَرَّ فِي مِثْلِ مَعَادَ اللَّهِ مَعَ أَنَّ أَبِي يُونُسَ لَمْ يَنْقُلْ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ مَعَ النِّيَّةِ إلَّا فِي مَعَادَ اللَّهِ خَاصَّةً: الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ هَاهُنَا أَلْفَاظٌ اُخْتُلِفَ فِي مَدْلُولِهَا هَلْ هُوَ قَدِيمٌ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَتَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ أَوْ هُوَ مُحْدَثٌ فَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا تَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ تَخْرِيجًا عَلَى قَوَاعِدِهِمْ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ هِيَ غَضَبُ اللَّهِ وَرَحْمَتُهُ وَرِضَاهُ وَمَحَبَّتُهُ وَمَقْتُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] وَكَذَلِكَ بُغْضُهُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَبْغَضُ الْمُبَاحِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْحَبْرَ السَّمِينَ» وَكَذَلِكَ رَأْفَتُهُ فِي قَوْله تَعَالَى {لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحديد: 9] وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي حَقَائِقُهَا لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْبَشَرِ وَالْأَمْزِجَةِ وَالْمَخْلُوقَاتِ وَلَمَّا اسْتَحَالَتْ حَقَائِقُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتَعَيَّنَ حَمْلُهَا عَلَى الْمَجَازِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَجَازِ الْمُرَادِ بِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) هَاهُنَا أَلْفَاظٌ اُخْتُلِفَ فِي مَدْلُولِهَا هَلْ هُوَ قَدِيمٌ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَتَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ أَوْ هُوَ مُحْدَثٌ فَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا تَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ تَخْرِيجًا عَلَى قَوَاعِدِهِمْ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ هِيَ غَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتُهُ وَرِضَاهُ وَمَحَبَّتُهُ وَمَقْتُهُ إلَى قَوْلِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَمْتَنِعُ حَقَائِقُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهَا عَلَى الْمَجَازِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَجَازِ الْمُرَادِ بِهَا قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ امْتِنَاعِ حَقَائِقِهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِهَا بِمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ كَتَفْسِيرِهِمْ الرَّحْمَةَ بِالرِّقَّةِ وَالْمَحَبَّةَ بِالْمَيْلِ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ لِلْكَلَامِ فِيهِ مَجَالٌ لَكِنْ عَلَى تَسْلِيمِ امْتِنَاعِ تِلْكَ الْحَقَائِقِ لَا بُدَّ مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْمَجَازِ كَمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQافْتِرَاءِ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمَاذَا عَلَى الشَّخْصِ إذَا لَقِيَ رَبَّهُ جَازِمًا بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ مُفَوِّضًا عِلْمَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ إلَيْهِ لَكِنْ اشْتَهَرَ عِنْدَ النَّاسِ كَلَامُ الْجَمَاعَةِ عَلَى حَدِّ قَوْلِ الشَّاعِرِ: وَهَلْ أَنَا إلَّا مِنْ غَزِيَّةَ إنْ غَوَتْ ... . غَوَيْت وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدْ قَالَ وَقَالَ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْيَوَاقِيتِ يَتَلَخَّصُ مِنْ جَمِيعِ كَلَامِ الشَّيْخِ الْأَكْبَرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَائِلٌ بِأَنَّ الصِّفَاتِ عَيْنٌ لَا غَيْنٌ كَشْفًا وَيَقِينًا وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَوْلَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ اهـ. ثُمَّ قَالَ الْأَمِيرُ بَعْدَ أَوْرَاقٍ قَالَ الشَّمْسُ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي الصَّحَائِفِ وَالْخِلَافُ فِي كَوْنِ صِفَاتِ الْمَعَانِي لَيْسَتْ بِغَيْرِ الذَّاتِ كَمَا لِلْجُمْهُورِ أَوْ غَيْرِهَا نَظَرًا لِلْمَفْهُومِ وَزِيَادَةِ الْوُجُودِ وَإِنْ لَمْ تَنْفَكَّ كَمَا لِبَعْضِهِمْ خِلَافٌ لَفْظِيٌّ وَلِكَوْنِ الصِّفَاتِ لَيْسَتْ غَيْرَ أَوْقَعَ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ التَّسَمُّحُ بِإِضَافَةِ مَا لِلذَّاتِ لَهَا نَحْوُ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِقُدْرَتِهِ وَفِي الْحَقِيقَةِ اللَّامُ لِلْأَجْلِ أَيْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِذَاتِهِ لِأَجْلِ قُدْرَتِهِ وَإِلَّا فَعِبَادَةُ مُجَرَّدِ الصِّفَاتِ مِنْ الْإِشْرَاكِ كَمَا أَنَّ عِبَادَةَ مُجَرَّدِ الذَّاتِ فِسْقٌ وَتَعْطِيلٌ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ وَإِنَّمَا الذَّاتُ الْمُتَّصِفَةُ بِالصِّفَاتِ وَفِي الْحَقِيقَةِ الذَّاتُ مِنْ حَيْثُ هِيَ ذَاتٌ لَا سَبِيلَ لَهَا وَإِنَّمَا حَضْرَتُهَا وَحْدَةٌ مَحْضَةٌ حَتَّى قَالُوا إنَّ فِي قَوْلِهِمْ فِي الذَّاتِ تَسَمُّحًا لِأَنَّ بِتَجَلِّيهَا يَتَلَاشَى مَا سِوَاهَا وَإِنَّمَا الْآثَارُ مَمْسُوكَةٌ بِالصِّفَاتِ فَكَيْفَ تُنْفَى وَإِذَا وَصَلَ الْعَارِفُ لِوَحْدَةِ الْوُجُودِ فِي الْكَوْنِ فَلَا يُتَوَقَّفُ فِي التَّوْحِيدِ مَعَ ثُبُوتِ الصِّفَاتِ وَلَا يُعْقَلُ افْتِقَارٌ فِي ذَاتٍ اتَّصَفَتْ بِالْكَمَالَاتِ فَلَا تَغْتَرَّ بِمَا سَبَقَ عَنْ الشَّيْخِ الْأَكْبَرِ يَعْنِي قَوْلَهُ فِي بَابِ الْأَسْرَارِ بِنَاءً عَلَى مَيْلِهِ لِنَفْيِ زِيَادَةِ الصِّفَاتِ مِنْ الْأَدَبِ أَنْ تُسَمَّى الصِّفَاتُ أَسْمَاءً لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] وَمَا قَالَ فَصِفُوهُ بِهَا فَمَنْ عَرَفَهُ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ الْمُمْكِنَةِ لِلْعَالِمِ سَمَّاهُ وَلَمْ يَصِفْهُ قَالَ وَلَمْ يَرِدْ لَنَا خَبَرٌ فِي الصِّفَاتِ إلَى أَنْ قَالَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180] فَنَزَّهَ نَفْسَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ الصِّفَةِ لَا عَنْ الِاسْمِ فَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِالِاسْمِ لَا بِالصِّفَةِ كَمَا فِي يَوَاقِيتِ الشَّعْرَانِيِّ أَوَاخِرَ الْمَبْحَثِ الْحَادِي عَشَرَ فَتَأَمَّلْ بِتَدْقِيقٍ فَهُوَ غَايَةُ التَّحْقِيقِ. (الْقِسْمُ الثَّالِثُ)

فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ إرَادَةُ الْإِحْسَانِ لِمَنْ وُصِفَ بِذَلِكَ مِنْ الْخَلْقِ فِي صِفَةِ الرَّحْمَةِ وَنَحْوِهَا وَإِرَادَةُ الْعُقُوبَةِ لِمَنْ وُصِفَ بِذَلِكَ مِنْ الْخَلْقِ فِي لَفْظِ الْغَضَبِ وَنَحْوِهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الرَّاحِمِ وَالْغَضْبَانِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ فِي الْأَوَّلِ الْإِحْسَانُ نَفْسُهُ وَفِي الثَّانِي الْعِقَابُ نَفْسُهُ فَغَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الشَّيْخِ إرَادَتُهُ الْعِقَابَ وَعِنْدَ الْقَاضِي الْعِقَابُ وَكَذَلِكَ الرَّحْمَةُ هَلْ هِيَ إرَادَةُ الْإِحْسَانِ أَوْ الْإِحْسَانُ نَفْسُهُ وَرِضَاهُ تَعَالَى إرَادَةُ الْإِحْسَانِ أَوْ يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الرَّاضِي فَيُحْسِنُ إلَيْهِمْ أَيْ يَفْعَلُ بِهِمْ ذَلِكَ وَمَحَبَّتُهُ إرَادَةُ الْإِحْسَانِ فِي قَوْله تَعَالَى {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] وَالْإِحْسَانُ نَفْسُهُ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ وَقَدْ وَرَدَ الرِّضَى بِمَعْنًى ثَالِثٍ يَرْجِعُ إلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7] أَيْ لَا يَشْرَعُهُ دِينًا لِلْعِبَادِ وَشَرْعُهُ تَعَالَى كَلَامُهُ الْقَدِيمُ وَفِي الْقُرْآنِ مَوَاضِعُ يَتَعَيَّنُ فِيهَا مَذْهَبُ الشَّيْخِ وَمَوَاضِعُ يَتَعَيَّنُ فِيهَا مَذْهَبُ الْقَاضِي وَمَوَاضِعُ تَحْتَمِلُ الْمَذْهَبَيْنِ فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} [غافر: 7] فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْإِرَادَةِ لِأَنَّ الْوُسْعَ عِبَارَةٌ عَنْ عُمُومِ التَّعَلُّقِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا اقْتِرَانُهَا بِالْعِلْمِ وَإِنَّ وُسْعَ الرَّحْمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ إرَادَةُ الْإِحْسَانِ لِمَنْ وُصِفَ بِذَلِكَ مِنْ الْخَلْقِ فِي صِفَةِ الرَّحْمَةِ وَنَحْوِهَا إلَى قَوْلِهِ وَبَقِيَّةُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ) قُلْت مَا قَالَهُ وَحَكَاهُ صَحِيحٌ قَالَ (وَقَدْ رَدَّ الْقَاضِي بِمَعْنًى ثَالِثٍ يَرْجِعُ إلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7] أَيْ لَا يَشْرَعُهُ تَعَالَى دِينًا لِلْعِبَادِ وَشَرْعُهُ تَعَالَى كَلَامُهُ) قُلْت لَيْسَ شَرْعُ اللَّهِ تَعَالَى كَلَامَهُ بَلْ شَرْعُهُ مُقْتَضَى كَلَامِهِ وَهُوَ الْأَحْكَامُ وَهِيَ الَّتِي يَلْحَقُهَا النَّسْخُ إلَى بَدَلٍ وَإِلَى غَيْرِ بَدَلٍ وَكَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ صِفَةُ ذَاتِهِ لَا يَصِحُّ نَسْخُهُ لَا لِبَدَلٍ وَلَا لِغَيْرِ بَدَلٍ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7] لَيْسَ رَاجِعًا إلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَفِي الْقُرْآنِ مَوَاضِعُ يَتَعَيَّنُ فِيهَا مَذْهَبُ الشَّيْخِ وَمَوَاضِعُ يَتَعَيَّنُ فِيهَا مَذْهَبُ الْقَاضِي وَمَوَاضِعُ تَحْتَمِلُ الْمَذْهَبَيْنِ فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى رَبَّنَا وَسِعْت كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَهَذَا ظَاهِرُهُ فِي الْإِرَادَةِ لِأَنَّ الْوُسْعَ عِبَارَةٌ عَنْ عُمُومِ التَّعَلُّقِ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ اقْتِرَانُهَا بِالْعِلْمِ وَإِنَّ وُسْعَ الرَّحْمَةِ كَوُسْعِ الْعِلْمِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْإِرَادَةِ) قُلْت لَيْسَ كَلَامُهُ هُنَا بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ قَالَ هَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَتَعَيَّنُ فِيهَا مَذْهَبُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْإِرَادَةِ وَالظَّاهِرُ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا حَيْثُ يَسُوغُ اسْتِعْمَالُ الظَّوَاهِرِ وَذَلِكَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا وَقَالَ إنَّ وُسْعَ الرَّحْمَةِ كَوُسْعِ الْعِلْمِ بَعْدَ تَفْسِيرِ الْوُسْعِ بِعُمُومِ التَّعَلُّقِ وَلَيْسَ تَعَلُّقُ الْإِرَادَةِ كَتَعَلُّقِ الْعِلْمِ فَإِنَّ الْعِلْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْوَاجِبِ وَالْجَائِزِ وَالْمُحَالِ وَالْإِرَادَةُ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْجَائِزِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا اخْتَلَفَ فِي وُجُوبِ تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ وَعَدَمِ وُجُوبِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ بِالْقَسَمِ أَوْ الْإِقْسَامِ (وَهَذَا الْقِسْمُ) هُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فَلِأَجْلِهِ سِيقَ الْفَرْقُ أَمَّا الْقَسَمُ فَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ بْنِ رُشْدٍ مَعَ زِيَادَتِهِ مِنْ الْأَصْلِ اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْأَشْيَاءَ مِنْهَا مَا يَجُوزُ فِي الشَّرْعِ أَنْ يُقْسَمَ بِهِ وَمِنْهَا مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْسَمَ بِهِ وَاخْتَلَفُوا أَيُّ الْأَشْيَاءِ هِيَ الْمُتَّصِفَةِ بِالْجَوَازِ وَالْمُتَّصِفَةُ بِعَدَمِهِ فَقَالَ قَوْمٌ إنَّ الْحَلِفَ الْمُبَاحَ فِي الشَّرْعِ هُوَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ وَأَنَّ الْحَالِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ عَاصٍ وَعَلَيْهِ قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ اللَّخْمِيِّ الْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقَاتِ كَالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَمْنُوعٌ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى اهـ. وَقَالَ قَوْمٌ بَلْ يَجُوزُ الْحَلِفُ بِكُلِّ مُعَظَّمٍ بِالشَّرْعِ وَعَلَيْهِ قَوْلُ أَبِي الْوَلِيدِ بْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ الْحَلِفُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى مُحَرَّمٌ لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ وَتَعْظِيمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَدْ يَكُونُ كُفْرًا وَأَقَلُّهُ التَّحْرِيمُ وَبِمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ كَالرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْكَعْبَةِ وَالْآبَاءِ مَكْرُوهٌ اهـ. وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِينَ قَالُوا إنَّ الْأَيْمَانَ الْمُبَاحَةَ هِيَ الْأَيْمَانُ بِاَللَّهِ تَعَالَى اتَّفَقُوا عَلَى إبَاحَةِ الْأَيْمَانِ بِأَسْمَائِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَيْمَانِ الَّتِي بِصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُعَظَّمَةِ بِالشَّرْعِ أَنَّ ظَاهِرَ الْكِتَابِ حَيْثُ حَلَفَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكِتَابِ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ السَّائِلِ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ «أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إنْ صَدَقَ» فَقَدْ حَلَفَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَبِي الْأَعْرَابِيِّ وَهُوَ مَخْلُوقٌ مُعَارِضَانِ لِمَا فِي مُسْلِمٍ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُت» فَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حَدِيثِ مُسْلِمٍ وَبَيْنَ الْكِتَابِ وَحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ بِقَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ إمَّا مُضَافٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ وَرَبِّ النَّجْمِ وَرَبِّ السَّمَاءِ وَالطَّارِقِ. وَكَذَا الْبَوَاقِي فَمَا وَقَعَ الْحَلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى دُونَ خَلْقِهِ وَإِمَّا أَنَّ إقْسَامَهُ تَعَالَى بِهَا تَنْبِيهٌ لِعِبَادِهِ عَلَى عَظَمَتِهَا عِنْدَهُ فَيُعَظِّمُونَهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْحَجْرِ عَلَى الْخَلْقِ فِي شَيْءٍ أَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ الْحَجْرُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ الْمَلِكُ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَأْمُرُ بِمَا يَشَاءُ

كَوُسْعِ الْعِلْمِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْإِرَادَةِ. وَأَمَّا مَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ مَذْهَبُ الْقَاضِي فَقَوْلُهُ تَعَالَى {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} [الكهف: 98] إشَارَةٌ إلَى السَّدِّ وَهُوَ إحْسَانٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا إرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى الْقَدِيمَةُ وَأَمَّا مَا يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 3] يَحْتَمِلُ فِي الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَنَّهُ يُرِيدُ الْإِحْسَانَ أَوْ الْإِحْسَانَ نَفْسَهُ يَحْتَمِلُ الْمَذْهَبَيْنِ لِعَدَمِ الْقَرِينَةِ وَمَذْهَبُ الشَّيْخِ أَقْرَبُ مِنْ مَذْهَبِ الْقَاضِي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّحْمَةَ الَّتِي وُضِعَ اللَّفْظُ بِإِزَائِهَا وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهَا هِيَ رِقَّةُ الطَّبْعِ. وَإِذَا رَقَّ طَبْعُك عَلَى إنْسَانٍ فَإِنْ هَذِهِ الرِّقَّةَ فِي الْقَلْبِ يَلْزَمُهَا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا إرَادَةُ الْإِحْسَانِ إلَيْهِ وَالثَّانِي الْإِحْسَانُ نَفْسُهُ فَهُمَا لَازِمَانِ لِلرِّقَّةِ الَّتِي هِيَ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَالتَّعْبِيرُ بِلَفْظِ اللُّزُومِ عَنْ اللَّازِمِ مَجَازٌ عُرْفِيٌّ شَائِعٌ فَلِذَلِكَ تَجَوَّزَ الْعُلَمَاءُ إلَيْهَا غَيْرَ أَنَّ إرَادَةَ الْإِحْسَانِ أَلْزَمُ لِلرِّقَّةِ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ رَحِمْته وَأَحْسَنْت إلَيْهِ فَقَدْ أَرَدْت الْإِحْسَانَ إلَيْهِ وَقَدْ تُرِيدُ الْإِحْسَانَ وَتَقْصُرُ قُدْرَتُك عَنْ الْإِحْسَانِ إلَيْهِ فَالْإِرَادَةُ أَكْثَرُ لُزُومًا لِلرِّقَّةِ وَإِذَا قَوِيَتْ الْعَلَاقَةُ كَانَ مَجَازُهَا أَرْجَحَ فَمَجَازُ الشَّيْخِ أَرْجَحُ لِأَنَّهُ الْإِرَادَةُ فَإِنْ قُلْنَا بِمَذْهَبِ الشَّيْخِ كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ قَدِيمَةً يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهَا وَيَلْزَمُ بِهَا الْكَفَّارَةُ أَوْ عَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي كَانَتْ مُحْدَثَةً لَا يَلْزَمُ بِهَا كَفَّارَةٌ وَيُنْهَى عَنْ الْحَلِفِ بِهَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ الْحَالِفُ بِرِضَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ وَسَخَطِهِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ يَعْنِي لِأَنَّهُ كَرَّرَ الْحَلِفَ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْإِرَادَةُ فَتَجِبُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفُتْيَا بِطَرِيقَةِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ فِي حَمْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى الْإِرَادَةِ وَأَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَشَرَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ لَا تَجِبُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَعِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَةِ اللَّهِ وَإِرَادَةِ اللَّهِ وَعِزَّةِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ فِيهِ هَلْ تَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِتَغَايُرِ الصِّفَاتِ الْمَحْلُوفِ بِهَا أَوْ تَتَّحِدُ الْكَفَّارَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَاعِدَةَ الْأَيْمَانِ التَّأْكِيدُ حَتَّى يُرِيدَ الْإِنْشَاءَ بِخِلَافِ تَكْرِيرِ الطَّلَاقِ الْأَصْلُ فِيهِ الْإِنْشَاءُ حَتَّى يُرِيدَ التَّأْكِيدَ أَوْ قَاعِدَةُ الْجَمِيعِ الْإِنْشَاءُ حَتَّى يُرِيدَ التَّأْكِيدَ وَهَذَا هُوَ الْأَنْظَرُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَأَمَّا مَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ مَذْهَبُ الْقَاضِي فَقَوْلُهُ تَعَالَى {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي} [الكهف: 98] إشَارَةٌ إلَى السَّدِّ وَهُوَ الْإِحْسَانُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا إرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى الْقَدِيمَةُ) قُلْت وَكَلَامُهُ هُنَا أَيْضًا لَيْسَ بِالْجَيِّدِ فَإِنَّ الْمَوْضِعَ مُحْتَمِلٌ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِيمَا قَالَهُ فَأَيْنَ تَعَيُّنُ مَذْهَبِ الْقَاضِي مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ. قَالَ (وَأَمَّا مَا يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 3] إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَمَا رَجَّحَ بِهِ مَذْهَبَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَمَا قَالَهُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ إلَى قَوْلِهِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ ظَاهِرٌ أَيْضًا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيَحْكُمُ بِمَا يُرِيدُ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ وَلَا نَكِيرٍ فَيُحَرِّمُ عَلَى عِبَادِهِ مَا يَشَاءُ دُونَ أَنْ يُحَرِّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَحَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ إمَّا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ وَإِمَّا أَنَّ لَفْظَةَ وَأَبِيهِ فِيهِ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا الْحَلِفُ بَلْ التَّوْطِئَةُ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِمْ قَاتَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا أَشْجَعَهُ وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «تَرِبَتْ يَدَاك وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ» فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْعَرَبَ لَمْ يُرِيدُوا الدُّعَاءَ بِالْقَتْلِ وَلَا بِالْفَقْرِ الَّذِي يَكُنِّي عَنْهُ بِالْإِلْصَاقِ بِالتُّرَابِ تَقُولُ الْعَرَبُ الْتَصَقَتْ يَدُهُ بِالْأَرْضِ وَبِالتُّرَابِ إذَا افْتَقَرَ وَإِنَّمَا أَرَادُوا تَوْطِئَةَ الْكَلَامِ أَوْ إنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْمُوَطَّإِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ فِي رِوَايَتِهِ اُخْتُلِفَ فِي قَبُولِهَا قَالَ الْأَيْمَانُ الْمُبَاحَةُ هِيَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ الْمَقْصُودُ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ إنَّمَا هُوَ أَنْ لَا يُعَظِّمَ مَنْ لَمْ يُعَظِّمْ الشَّرْعُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِيهِ «أَلَا إنَّ اللَّهَ نَهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» وَأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ أَجَازَ الْحَلِفَ بِكُلِّ مُعَظَّمٍ فِي الشَّرْعِ فِي سَبَبِ اخْتِلَافِهِمْ هُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي بِنَاءِ الْآيَةِ وَحَدِيثِ مُسْلِمٍ اهـ. وَعَلَى الْجَمْعِ الْأَوَّلِ اقْتَصَرَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ حَيْثُ قَالَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَحَرُمَ حَلِفٌ بِغَيْرِ اللَّهِ مَا نَصُّهُ وَإِقْسَامُ اللَّهِ تَعَالَى بِالنَّجْمِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُقْسِمَ بِمَا شَاءَ وَبِأَسْرَارِهِ الَّتِي يَعْلَمُهَا فِي أَفْعَالِهِ تَنْبِيهًا عَلَى عَظَمَتِهَا وَلِسَرَيَانِ سِرِّ الْحَقِّ فِيهَا مِنْ غَيْرِ حُلُولٍ وَلَا اتِّحَادٍ فَإِنَّهَا مَظَاهِرُهُ مَعَ تَنَزُّهِهِ كَمَا يُعْلَمُ وَنَحْنُ لِوُقُوفِنَا عَلَى ظَاهِرِهَا وَحَبْسِنَا مَعَ غَيْرِيَّتِهَا نُهِينَا وَلَمَّا ذَاقَ مَنْ ذَاقَ شَيْئًا مِنْ وَحْدَةِ الْوُجُودِ فَأَطْلَقَ لِسَانَهُ حَصَلَ لَهُ مَا حَصَلَ وَلِذَلِكَ يُشِيرُ {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة: 75] {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة: 76] أَيْ لَوْ تَعْلَمُونَ سَرَيَانَ سِرِّ الْحَقِّ فِيهَا وَأَنَّهَا مَظَاهِرُهُ وَلَمَّا كَانَ هُوَ الْعَالِمُ بِذَلِكَ أَقْسَمَ تَارَةً بِهَا وَتَارَةً بِفَاعِلِيَّتِهِ لَهَا فَقَالَ {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل: 2] {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [الليل: 3] وَتَارَةً جَمَعَ الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5] {وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا} [الشمس: 6] {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس: 7] {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 8] . وَلِلَّهِ دَرُّ الْجُزُولِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي الْأَقْسَامِ الاستعطافية فِي دَلَائِلِ الْخَيْرَاتِ وَبِالِاسْمِ الَّذِي وَضَعْته عَلَى اللَّيْلِ فَأَظْلَمَ وَعَلَى النَّهَارِ فَاسْتَنَارَ إلَى مَا آخِرِ مَا قَالَ فَالْوَضْعُ مَعْنَوِيٌّ أَيْ إنَّ هَذِهِ

وَاعْلَمْ أَنَّ الْفُتْيَا بِإِلْزَامِ الْكَفَّارَةِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَا يَقُلْهُ ابْنُ يُونُسَ إنْ لَمْ يُقَيَّدْ بِأَنَّهُ نَوَى إرَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ فِي أُمُورٍ مُحْدَثَةٍ لَا تُوجِبُ كَفَّارَةً. وَإِنَّمَا حُمِلَتْ عَلَى هَذِهِ الْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ مَجَازًا وَلَمْ تَشْتَهِرْ فِي الْإِرَادَةِ حَتَّى صَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي الْإِرَادَةِ بَلْ مَجَازٌ خَفِيٌّ دَلَّ الدَّلِيلُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ بِاللَّفْظِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَلْفَاظَ لَا تَنْصَرِفُ لِمَجَازَاتِهَا الْخَفِيَّةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَزَالُ مُنْصَرِفًا إلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ دُونَ مَجَازِهِ الْمَرْجُوحِ حَتَّى تَصْرِفَهُ نِيَّةُ الْمَجَازِ الْمَرْجُوحِ فَإِلْزَامُ الْكَفَّارَةِ بِمُجَرَّدِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ أَرَادَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ صِفَةً قَدِيمَةً لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا قِيلَ لَك رَحْمَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ قَائِمَانِ بِذَاتِهِ أَمْ لَا وَهَلْ هُمَا وَاجِبَا الْوُجُودِ أَمْ لَا وَهَلْ كَانَا فِي الْأَزَلِ أَمْ لَا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْئِلَةِ فَخَرِّجْ جَوَابَكَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَعَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ تَقُولُ قَائِمَانِ بِذَاتِهِ وَاجِبَا الْوُجُودِ أَزَلِيَّانِ صِفَتَانِ لِلَّهِ تَعَالَى وَعَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي تَقُولُ لَيْسَا قَائِمَيْنِ بِذَاتِهِ بَلْ مُمْكِنَانِ مَخْلُوقَانِ حَادِثَانِ لَيْسَا بِأَزَلِيَّيْنِ. وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا يَرِدُ مِنْ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) مُقْتَضَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ وَكَفَالَتُهُ أَنَّهُ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ أَنَّهُ إذَا قَالَ هَاهُنَا عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ أَوْ خَلْقُهُ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَاعْلَمْ أَنَّ الْفُتْيَا بِإِلْزَامِ الْكَفَّارَةِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ إنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِأَنَّهُ نَوَى إرَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ فِي أُمُورٍ مُحْدَثَةٍ لَا تُوجِبُ كَفَّارَةً إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت لَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّفْظَ وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي أُمُورٍ مُحْدَثَةٍ مَجَازٌ غَيْرُ غَالِبٍ فِي الصِّفَةِ الْقَدِيمَةِ فَقَرِينَةُ الْحَلِفِ بِهِ كَافِيَةٌ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْمَجَازِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ إلَى آخِرِهَا) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ فِيمَا إذَا وَقَعَ التَّخْرِيجُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ بِمُسْتَقِيمٍ لِقَوْلِهِ تَقُولُ قَائِمًا بِذَاتِهِ وَاجِبًا الْوُجُودَ أَزَلِيَّانِ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ إرَادَةُ الثَّوَابِ وَالْغَضَبَ إرَادَةُ الْعِقَابِ وَالْإِرَادَةُ وَاحِدَةٌ لَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ مُتَعَلِّقِهَا كَإِرَادَتِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ. (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ مُقْتَضَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ وَكَفَالَتُهُ أَنَّهُ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ أَنَّهُ إذَا قَالَ هَاهُنَا عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ خَلْقُهُ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ عِنْدِي بِصَوَابٍ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ فَمُقْتَضَاهُ عَلَيَّ يَمِينٌ فَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَإِذَا قَالَ عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِذَلِكَ الْكَفَّارَةَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمِيثَاقَ وَنَحْوَهُ جَرَى الْعُرْفُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْيَمِينُ وَرِزْقُ اللَّهِ وَنَحْوُهُ لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِذَلِكَ وَلَيْسَ قَوْلُ الْقَائِلِ عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ لِأَنَّ رِزْقَ اللَّهِ لَيْسَ اسْمًا لِطَاعَتِهِ فَيَلْزَمُ نَذْرُهَا وَصَوْمُ يَوْمٍ اسْمٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَظَاهِرُ تَجَلِّيهِ وَنُكْتَةٌ أُخْرَى إنَّمَا نُهِينَا عَنْ الْحَلِفِ بِغَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُشَابَهَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي حَلِفِهِمْ بِأَسْمَاءِ آلِهَتِهِمْ وَهَذَا فِي إقْسَامِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَكُونُ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ يُقَدِّرُ مُضَافًا أَيْ وَرَبِّ النَّجْمِ وَلِلزَّمَخْشَرِيِ أَنَّ ذَلِكَ خَرَجَ عَنْ حَقِيقَةِ الْقَسَمِ إلَى مُجَرَّدِ تَوْكِيدِ الْكَلَامِ وَحَمَلَ الْقَرَافِيُّ عَلَى ذَلِكَ «قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَهُ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لَا أَنْقُصُ وَلَا أَزِيدُ أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ وَأَبِيهِ» نَظِيرُ قَوْلِهِ لِعَائِشَةَ تَرِبَتْ يَمِينُك وَقَوْلِهِمْ قَاتَلَهُ اللَّهُ مَا أَكْرَمَهُ اُنْظُرْ ح اهـ. وَأَمَّا سَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي مَنْعِ الْحَلِفِ بِصِفَاتِ اللَّهِ وَبِأَفْعَالِهِ فَهُوَ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ اخْتِلَافُهُمْ فِي أَنَّهُ هَلْ يُقْتَصَرُ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَلَى مَا جَاءَ مِنْ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ فِيهِ بِالِاسْمِ فَلَا يَتَعَدَّاهُ إلَى الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ أَوْ يَتَعَدَّاهُ إلَيْهِمَا لَكِنْ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ فِي الْحَدِيثِ بِالِاسْمِ فَقَطْ جُمُودٌ كَثِيرٌ وَهُوَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَإِنْ كَانَ مَرْوِيًّا فِي الْمَذْهَبِ حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ فَالْقَوْلُ بِمَنْعِ الْحَلِفِ بِصِفَاتِ اللَّهِ وَبِأَفْعَالِهِ ضَعِيفٌ وَالْقَوْلُ بِجَوَازِهِ بِصِفَاتِ الْمَعَانِي السَّبْعَةِ كَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالْعِلْمِ وَلُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِالْحِنْثِ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا مَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ بَلَى وَعِزَّتِك لَا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِك اهـ. وَأَمَّا الْحَلِفُ بِصِفَاتِ الْأَفْعَالِ فَفِي الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِهِ وَحَاشِيَتِهِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْيَمِينَ لَا يَنْعَقِدُ بِنَحْوِ الْإِمَاتَةِ وَالْإِحْيَاءِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُلَاحَظَ الْمَذْهَبُ الْمَاتُرِيدِيُّ وَهُوَ أَنَّ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ قَدِيمَةٌ تَرْجِعُ إلَى صِفَةِ التَّكْوِينِ أَوْ يُرِيدُ مَصْدَرَهَا وَمُنْشَأَهَا وَهُوَ الْقُدْرَةُ أَوْ الِاقْتِدَارُ الرَّاجِعُ لِلصِّفَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ أَيْ كَوْنُهُ قَادِرًا إذْ الْمَعْنَوِيَّةُ يَنْعَقِدُ بِهَا جَزْمًا وَلَا عِبْرَةَ بِتَنْظِيرِ ابْنِ عَرَفَةَ فِيهَا فَقَدْ رَدَّهُ تِلْمِيذُهُ الْأَبِيُّ كَمَا فِي الرَّمَاصِيِّ وَالْبَنَّانِيِّ وَلَا نَظَرَ إلَى كَوْنِهَا لَيْسَتْ مَعَانِيَ مَوْجُودَةً خِلَافًا لِلْبُنَانِيِّ تَبَعًا لِابْنِ عَاشِرٍ فِي عَدَمِ الِانْعِقَادِ بِالسُّلُوبِ لِذَلِكَ فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ بِالصِّفَةِ النَّفْسِيَّةِ وَلَيْسَتْ مَعْنًى مَوْجُودًا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّ وُجُودَ صِفَاتِ الْمَعَانِي أَعْنِي كَوْنَهَا مَعْنًى مَوْجُودًا فِيهِ خِلَافٌ طَوِيلٌ فِي كُتُبِ الْكَلَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْفَرْقِ وَإِنْ قَالَ بِهِ

فَإِنَّ الْمُدْرَكَ هُنَاكَ إنْ كَانَ هُوَ أَنَّ الْعُرْفَ نَقَلَهَا لِنَذْرِ الْكَفَّارَةِ فِي زَمَانِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَصَارَ النُّطْقُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ نَذْرًا لِلْكَفَّارَةِ فَتَلْزَمُهُ بِالنَّذْرِ لَا بِالْحَلِفِ لِأَنَّهُ هُوَ مُقْتَضَى لَفْظِ عَلَيَّ فَإِنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي النَّذْرِ وَنَحْوِهِ وَلَيْسَتْ مِنْ حُرُوفِ الْقَسَمِ إجْمَاعًا بَلْ مِنْ حُرُوفِ اللُّزُومِ وَالنَّذْرِ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ وَصَدَقَةُ دِينَارٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ هُنَا إذَا وُجِدَ عُرْفٌ فِي رِزْقِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ وَأَنَّهُ صَارَ قَوْلُهُ عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ أَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِبَعْضِ خَلْقِهِ مِنْ نَبَاتٍ أَوْ جَمَادٍ أَوْ حَيَوَانٍ مِمَّا يُسَوِّغُ التَّصَدُّقَ بِهِ كَالْبَقَرَةِ وَالْغَنَمِ وَنَحْوِهِمَا وَأَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إنْ وُجِدَ فِي الْعُرْفِ الْمُوجِبِ لِنَقْلِهِمَا لِلنَّذْرِ لَزِمَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْعُرْفُ النَّاقِلُ لِلنَّذْرِ لَمْ يَلْزَمْ وَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَ عُرْفٌ يُوجِبُ النَّقْلَ لِنَذْرِ غَيْرِ الْكَفَّارَةِ يَجِبُ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي نَقَلَ الْعُرْفُ اللَّفْظَ إلَيْهِ فَيَجِبُ وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بَلْ يَدُورُ مَعَ الْعُرْفِ كَيْفَمَا دَارَ وَإِنْ كَانَ الْمُدْرَكُ النِّيَّةَ فَتَصِحُّ أَيْضًا فِي خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَرِزْقِهِ أَنْ يَنْوِيَ بِهِمَا إرَادَةَ الْخَلْقِ وَإِرَادَةَ الرِّزْقِ الْإِرَادَةَ الْقَدِيمَةَ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ إنْ كَانَ نَوَى الْحَلِفَ أَوْ النَّذْرَ إنْ كَانَ نَوَى بَعْضَ الْمَنْدُوبَاتِ مِنْ الْأَفْعَالِ. وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالْمَسْأَلَتَانِ سَوَاءٌ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُدْرَكُ الْعُرْفَ النَّاقِلَ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّقْلِ فِي لَفْظَةِ عَلَيَّ إلَى الْقَسَمِ فَتَكُونُ بِمَعْنَى الْبَاءِ وَالْوَاوِ وَحُرُوفِ الْقَسَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (فَإِنَّ الْمُدْرِكَ هُنَالِكَ إنْ كَانَ هُوَ أَنَّ الْعُرْفَ نَقَلَهَا لِنَذْرِ الْكَفَّارَةِ فِي زَمَانٍ فَصَارَ النُّطْقُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ نَذْرًا لِلْكَفَّارَةِ فَتَلْزَمُهُ بِالنَّذْرِ لَا بِالْحَلِفِ إلَى قَوْلِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ) قُلْت مَا تَأَوَّلَهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ جَرَى فِيهِ عُرْفٌ بِنَذْرِ الْكَفَّارَةِ مُجَرَّدَ تَوَهُّمٍ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عِنْدِي كَمَا تَوَهَّمَ بَلْ قَوْلُ الْقَائِلِ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ جَرَى فِيهِ الْعُرْفُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْيَمِينُ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَجَعَلَهَا مِيثَاقًا بَيْنَ عِبَادِهِ فَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ لَيْسَ بِنَذْرِ الْكَفَّارَةِ بَلْ بِالْتِزَامِ الْيَمِينِ. قَالَ (فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ هُنَا إذَا وَجَدَ عُرْفَهُ فِي رِزْقِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ وَأَنَّهُ صَارَ قَوْلُهُ عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ أَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ إلَى قَوْلِهِ بَلْ يَدُورُ مَعَ الْعُرْفِ كَيْفَمَا دَارَ) قُلْت صَدَرَ كَلَامُهُ بِالْعُرْفِ فِي نَذْرِ الْكَفَّارَةِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْعُرْفِ فِي نَذْرِ شَيْءٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَهَذَا الَّذِي خَرَجَ إلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ عَنْ مَسْأَلَةِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ وَنَحْوُهُ وَمَا قَالَ مِنْ أَنَّهُ يَدُورُ مَعَ الْعُرْفِ كَيْفَمَا دَارَ صَحِيحٌ إذَا ثَبَتَ عُرْفٌ. قَالَ (وَإِنْ كَانَ الْمُدْرَكُ النِّيَّةَ فَتَصِحُّ أَيْضًا فِي خَلْقِ اللَّهِ وَرِزْقِهِ إلَى قَوْلِهِ إنْ كَانَ نَوَى بَعْضَ الْمَنْذُورَاتِ مِنْ الْأَفْعَالِ) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ قَالَ (وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالْمَسْأَلَتَانِ سَوَاءٌ) قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمَا لَيْسَتَا سَوَاءً قَالَ (وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُدْرَكُ الْعُرْفَ النَّاقِلَ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّقْلِ فِي لَفْظِ عَلَيَّ إلَى الْقَسَمِ فَتَكُونُ بِمَعْنَى الْبَاءِ وَالْوَاوِ وَحُرُوفِ الْقَسَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُحَقِّقُونَ نَعَمْ نَظَرَ عج فِي غَيْرِ الْقِدَمِ وَالْوَحْدَانِيَّةِ مِنْ صِفَاتِ السُّلُوبِ لَكِنْ اسْتَظْهَرَ شَيْخُنَا الِانْعِقَادَ أَيْ لِأَنَّ مَنْ أَنْكَرَهَا يَكْفُرُ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بِمُخَالَفَتِهِ لِلْحَوَادِثِ لَا بِمُخَالَفَةِ الْحَوَادِثِ لَهُ عَلَى الظَّاهِرِ وَإِنْ تَلَازَمَا لِأَنَّ الْمُلَاحَظَ فِي الْأَوَّلِ ارْتِفَاعُ مَجْدِهِ وَتَقَدُّسِهِ عَنْ مُشَابَهَتِهِمْ وَهُوَ صِفَةٌ لَهُ وَفِي الثَّانِي انْحِطَاطُهُمْ عَنْ مُشَابَهَتِهِ وَقُصُورِهِمْ عَنْهَا وَهُوَ لَيْسَ صِفَةً اهـ. وَمَا فِي الْجَوَاهِرِ لِلشَّيْخِ جَلَالِ الدِّينِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِصِفَةِ الْفِعْلِ وَلَا يَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ أُمُورٌ اعْتِبَارِيَّةٌ تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْمَقْدُورِ وَأَنَّهَا حَادِثَةٌ كَمَا يَقُولُ الْأَشَاعِرَةُ وَبِالْجُمْلَةِ فَصِفَاتُ اللَّهِ وَأَسْمَاؤُهُ نَوْعَانِ نَوْعٌ يَنْعَقِدُ الْقَسَمُ بِذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إرَادَةٍ وَنَوْعٌ لَا يَنْعَقِدُ الْقَسَمُ بِذَاتِهِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إرَادَةٍ وَسَيَأْتِي فِي الْفَرْقِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا الْفَرْقِ تَوْضِيحُ النَّوْعَيْنِ فَتَرَقَّبْ. (وَأَمَّا الْإِقْسَامُ) أَيْ الْحَلِفُ عَلَيْهِ تَعَالَى بِغَيْرِهِ مِنْ بَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ بِأَنْ يُقَالَ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْك أَوْ بِحُرْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ إلَّا غَفَرْت لَنَا أَوْ بِحَقِّ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ إلَّا سَتَرْت عَلَيْنَا أَوْ بِحُرْمَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَالطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ إلَّا هَدَيْتنَا هَدْيَهُمْ وَسَلَكْت بِنَا سَبِيلَهُمْ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ لِوُرُودِهِ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ وَمَنْعِهِ لِأَنَّهُ قَسَمٌ وَتَعْظِيمٌ بِالْقَسَمِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَوَقَّفَ فِي هَذَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَرُجِّحَ عِنْدَهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ وَبَيْنَ الْحَلِفِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِغَيْرِهِ وَقَالَ الْكُلُّ قَسَمٌ وَتَعْظِيمٌ قُلْت وَفِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ عَلَيَّ الْعَدَوِيِّ عَلَى الْخَرَشِيِّ فِي بَابِ الْيَمِينِ. وَأَمَّا التَّوَسُّلُ بِبَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ فَجَائِزَةٌ وَأَمَّا الْإِقْسَامُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّعَاءِ بِبَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ كَقَوْلِهِ يَعْنِي الدَّاعِي بِحَقِّ مُحَمَّدٍ اغْفِرْ لَنَا فَخَاصٌّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. يَعْنِي إذَا لَاحَظَ الدَّاعِي جَعْلَ الْبَاءِ لِلْقَسَمِ وَإِلَّا كَانَ تَوَسُّلًا لَا إقْسَامًا يَشْهَدُ لِذَلِكَ أَمْرَانِ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ وَأَمَّا الْإِقْسَامُ إلَى آخِرِهِ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَلَيَّ الْأُجْهُورِيِّ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ أَنَّ الْعِزَّ بْنَ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ إنْ صَحَّ مَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّمَ بَعْضَ النَّاسِ الدُّعَاءَ فَقَالَ لَهُ فِي أَوَّلِهِ قُلْ اللَّهُمَّ إنِّي

فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَتَكُونُ يَمِينًا أَوْ يَقَعُ النَّقْلُ فِي أَمَانَةِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَيَكُونُ قَدْ عَبَّرَ بِهِمَا عَمَّا يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْحِنْثِ فِيهِمَا وَهُوَ الْكَفَّارَةُ فَيَكُونُ نَذْرًا لِلْكَفَّارَةِ بِلَفْظِ الْمُوجِبِ لَهَا نَقْلًا عُرْفِيًّا وَيَكُونُ مَجَازًا رَابِحًا مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالسَّبَبِ عَنْ الْمُسَبَّبِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ مُسَبَّبَةٌ عَلَى الْحَلِفِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ النَّقْلَيْنِ فِيمَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ وَمَتَى فُقِدَ النَّقْلُ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ الصَّارِفَةِ لِلنَّذْرِ أَوْ الْحَلِفِ بِالصِّفَةِ الْقَدِيمَةِ وَاسْتِعْمَالُ عَلَيَّ مَجَازٌ وَمَتَى فُقِدَ الْعُرْفُ وَالنِّيَّةُ تَعَيَّنَ أَنْ لَا يَجِبَ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ عِلْمُ اللَّهِ وَعَلَيَّ سَمْعُ اللَّهِ وَبَصَرُهُ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تُوجِبُ شَيْئًا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَنَقْلٍ عُرْفِيٍّ وَلَعَلَّ الْإِمَامَ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ. (الْقِسْمُ الْخَامِسُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى) الصِّفَاتُ الْجَامِعَةُ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ عِزَّةُ اللَّهِ وَجَلَالُهُ وَعُلَاهُ وَعَظَمَتُهُ وَكِبْرِيَاؤُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّك تَقُولُ جَلَّ بِكَذَا أَوْ جَلَّ عَنْ كَذَا فَتَنْدَرِجُ فِي الْأُولَى الصِّفَاتُ الثُّبُوتِيَّةُ كُلُّهَا قَدِيمَةً أَوْ حَادِثَةً فَكَمَا جَلَّ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ وَصِفَاتِهِ السَّبْعَةِ الَّتِي هِيَ صِفَاتُ ذَاتِهِ تَعَالَى جَلَّ أَيْضًا بِبَدَائِعِ مَصْنُوعَاتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSفَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَتَكُونُ يَمِينًا) قُلْت وَمَا الْمَانِعُ أَنْ تَكُونَ يَمِينًا مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ فِي لَفْظِ عَلَيَّ بَلْ يَبْقَى لَفْظُ عَلَيَّ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ وَيَكُونُ قَائِلُهُ حَالِفًا فَإِنَّ الْمِيثَاقَ مَعْنَاهُ يَمِينٌ مَا فَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ فَلَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ. قَالَ (أَوْ يَقَعُ النَّقْلُ فِي أَمَانَةِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَيَكُونُ قَدْ عَبَّرَ بِهِمَا عَمَّا يَلْزَمُ بِسَبَبِ الْحِنْثِ فِيهِمَا وَهُوَ الْكَفَّارَةُ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ مُسَبَّبَةٌ عَنْ الْحَلِفِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ) قُلْت بَنَى كَلَامَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْمِيثَاقَ وَنَحْوَهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ ثُمَّ إنَّهُ هُنَا بَنَى عَلَى أَنَّهُ يَمِينٌ تَلْزَمُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَإِذَا كَانَ يَمِينًا تَلْزَمُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ فَمَا الْمُحْوِجُ إلَى النَّقْلِ فِيهِ وَادِّعَاءِ الْمَجَازِ الرَّاجِحِ فِيهِ هَذَا كَلَامٌ سَاقِطٌ لَا خَفَاءَ بِسُقُوطِهِ قَالَ (فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ النَّقْلَيْنِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ) قُلْت قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا وَاقْتَضَى كَلَامُهُ حَيْثُ قَالَ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ مُسَبَّبَةٌ عَنْ الْحَلِفِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى نَقْلٍ وَلَا نِيَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (الْقِسْمُ الْخَامِسُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الصِّفَاتُ الْجَامِعَةُ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ عِزُّ اللَّهِ وَجَلَالُهُ وَعُلَاهُ وَعَظَمَتُهُ وَكِبْرِيَاؤُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّك تَقُولُ جَلَّ بِكَذَا وَجَلَّ عَنْ كَذَا فَتَنْدَرِجُ فِي الْأَوَّلِ الصِّفَاتُ الثُّبُوتِيَّةُ كُلُّهَا قَدِيمَةً وَمُحْدَثَةً) قُلْت هَذَا لَفْظٌ مُسْتَنْكَرٌ فَإِنَّهُ يُوهِمُ اتِّصَافَهُ بِالْحَوَادِثِ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُ مِثْلِهِ فَإِنْ أَرَادَ مُقْتَضَى ظَاهِرِهِ فَهُوَ كُفْرٌ وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الصِّفَاتِ الْمُسَمَّيَاتِ بِصِفَاتِ الْأَفْعَالِ فَالْمَعْنَى صَحِيحٌ وَاللَّفْظُ قَبِيحٌ قَالَ (فَكَمَا جَلَّ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ وَصِفَاتِهِ السَّبْعَةِ الَّتِي هِيَ صِفَاتُ ذَاتِهِ تَعَالَى جَلَّ أَيْضًا بِبَدَائِعِ مُصَنَّعَاتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأُقْسِمُ عَلَيْك بِنَبِيِّك مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَقْصُورًا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَأَنْ لَا يُقْسَمَ عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا فِي دَرَجَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. وَخَالَفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَاسْتَدَلَّ بِمَا يَدُلُّ لَهُ بَلْ إنَّمَا يَدُلُّ لِجَوَازِ التَّوَسُّلِ بِبَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ وَهُوَ غَيْرُ الْإِقْسَامِ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْحَطَّابُ اهـ. كَلَامُ الْأُجْهُورِيِّ وَتَبِعَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي قَوْلِهِ بِجَوَازِ الْإِقْسَامِ بِغَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَلَّامَةَ ابْنَ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ كَمَا يُعْلَمُ بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا نُقِلَ عَنْ فُقَهَاءِ الْأَحْنَافِ مِنْ تَحْرِيمِ قَوْلِ الدَّاعِي بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَبِحَقِّ فُلَانٍ اهـ. فَمَحْمُولٌ إمَّا عَلَى مُلَاحَظَةِ الدَّاعِي الْإِقْسَامَ أَوْ قَصْدِهِ الْحَقَّ بِمَعْنَى الْوَاجِبِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ تَعْلِيلِهِمْ بِقَوْلِهِمْ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ عَلَى اللَّهِ أَمَّا إذَا لَاحَظَ بِهِ التَّوَسُّلَ أَوْ قَصْدَ الْحَقِّ بِمَعْنَى الرُّتْبَةِ وَالْمَنْزِلَةِ لَدَيْهِ تَعَالَى أَوْ الْحَقَّ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ عَلَى الْخَلْقِ وَعَلَيْهِ بِفَضْلِهِ لِلْخَلْقِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَالَ فَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْقَوْلُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ الْوَارِدَةِ فِي جَوَازِ التَّوَسُّلِ. وَمَا رَوَاهُ زَرُّوقٌ عَنْ مَالِكٍ مِنْ كَرَاهَةِ التَّوَسُّلِ فَإِنَّمَا يَصِحُّ بِحَمْلِ الْكَرَاهَةِ عَلَى التَّحْرِيمِيَّةِ وَالتَّوَسُّلِ عَلَى الْإِقْسَامِ إذْ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى ذَلِكَ لَعَارَضَهُ مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا سَأَلَهُ جَعْفَرٌ الْمَنْصُورُ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقَبْرِ حِينَ الدُّعَاءِ أَوْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ قَالَ لَهُ وَلِمَ تَصْرِفُ وَجْهَك عَنْهُ وَهُوَ وَسِيلَتُك وَوَسِيلَةُ أَبِيك آدَمَ قَبْلَك بَلْ اسْتَقْبِلْهُ وَاسْتَشْفِعْ بِهِ فَيُشَفِّعُهُ اللَّهُ فِيك قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [النساء: 64] الْآيَةَ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْجَوْهَرِ الْمُنَظَّمِ رِوَايَةُ ذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ جَاءَتْ بِالسَّنَدِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا مَطْعَنَ فِيهِ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الزَّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ وَرَوَاهَا ابْنُ فَهْدٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرَوَاهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَيْسَ فِي إسْنَادِهَا وَضَّاعٌ وَلَا كَذَّابٌ عَلَى أَنَّهَا قَدْ عُضِّدَتْ بِجَرَيَانِ الْعَمَلِ وَبِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي جَوَازِ التَّوَسُّلِ الَّتِي يُعَضِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَبِظَاهِرِ اسْتِسْقَاءِ عُمَرَ بِالْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بَلْ مِمَّا يُعَيِّنُ حَمْلَ رِوَايَةِ زَرُّوقٍ

[الفرق بين قاعدة ما مدلوله قديم من الألفاظ فيجوز الحلف به وبين قاعدة ما مدلوله حادث فلا يجوز الحلف به ولا تجب به كفارة]

وَغَرَائِبِ مُخْتَرَعَاتِهِ وَيَنْدَرِجُ فِي الثَّانِي جَمِيعُ السُّلُوبِ لِلنَّقَائِصِ فَيَصْدُقُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَلَّ عَنْ الشَّرِيكِ وَعَنْ الْحَيِّزِ وَالْجِهَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَمَّا كَانَ لَفْظُ الْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ يَحْتَمِلُ جَلَّ بِكَذَا وَجَلَّ عَنْ كَذَا وَعَظُمَ بِكَذَا وَعَظُمَ عَنْ كَذَا انْدَرَجَ الْجَمِيعُ فِي اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَكَانَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ شَامِلَةً لِجَمِيعِ الصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ وَالسَّلْبِيَّةِ وَالْقَدِيمَةِ وَالْمُحْدَثَةِ فَيَكُونُ الْحَلِفُ بِهَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ وَهُوَ الصِّفَاتُ الْقَدِيمَةُ وَغَيْرُ الْمُوجِبِ وَهُوَ الصِّفَاتُ الْمُحْدَثَةُ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْمُوجِبُ وَغَيْرُ الْمُوجِبِ كَانَ اللَّازِمُ الْإِيجَابَ عَمَلًا بِالْمُوجِبِ وَالْقِسْمُ الْآخَرُ كَمَا أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي كَفَّارَةً لَا يَمْنَعُ الْمُوجِبَ لِلْكَفَّارَةِ مِنْ إيجَابِهِ لِلْكَفَّارَةِ وَهَاهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلُ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا قَالَ الْقَائِلُ سُبْحَانَ مَنْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِعَظَمَتِهِ هَلْ يَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ أَمْ لَا فَقَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ لَا يَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ لِأَنَّ عَظَمَةَ اللَّهِ تَعَالَى صِفَتُهُ وَالتَّوَاضُعُ لِلصِّفَةِ عِبَادَةٌ لَهَا وَعِبَادَةُ الصِّفَةِ كُفْرٌ بَلْ لَا يُعْبَدُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ عَبَدَ عَابِدٌ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إرَادَتَهُ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ كَفَرَ بَلْ الْمَعْبُودُ وَاحِدٌ وَهُوَ ذَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ بِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَنُعُوتِ الْكَمَالِ وَالْمُرَادُ بِالْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدٌ. وَقَالَ قَوْمٌ يَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَغَرَائِبِ مُخْتَرَعَاتِهِ) . قُلْت هَذَا الْكَلَامُ أَقْبَحُ وَفِي الْكُفْرِ أَوْضَحُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي افْتِقَارَ الْبَارِي تَعَالَى إلَى بَدَائِعِ مَصْنُوعَاتِهِ وَغَرَائِبِ مُخْتَرَعَاتِهِ فَيَزْدَادُ كَمَالًا بِوُجُودِهَا وَذَلِكَ بَاطِلٌ قَطْعًا بَلْ هُوَ الْغَنِيُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَحَائِزُ غَايَةِ الْكَمَالِ بِالِاسْتِحْقَاقِ قَبْلَ ابْتِدَاعِ الْمُبْتَدَعَاتِ وَاخْتِرَاعِ الْمُخْتَرَعَاتِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْتَدِعْ الْمُبْتَدَعَاتِ وَلَمْ يَخْتَرِعْ الْمُخْتَرَعَاتِ لَمَا كَانَ ذَلِكَ نَقْصًا فِي كَمَالِهِ وَلَا غَضًّا مِنْ جَلَالِهِ وَلَا حَطًّا عَنْ رُتْبَةِ انْفِرَادِهِ بِالْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَاسْتِقْلَالِهِ وَمَا ذَلِكَ الْكَلَامُ إلَّا كَلَامَ مَنْ لَمْ يُحَصِّلْ عِلْمَ الْكَلَامِ بَلْ عِلْمَ الِاعْتِقَادِ عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ وَالسَّدَادِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْإِرْشَادِ قَالَ (وَيَنْدَرِجُ فِي الثَّانِي جَمِيعُ السُّلُوبِ لِلنَّقَائِصِ إلَى قَوْلِهِ وَهَاهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلُ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ إلَّا مَا فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمَةُ وَالْمُحْدَثَةُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ (إذَا قَالَ الْقَائِلُ سُبْحَانَ مَنْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِعَظَمَتِهِ هَلْ يَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ أَمْ لَا فَقَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ لَا يَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ إلَى قَوْلِهِ وَقَالَ قَوْمٌ يَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ وَهُوَ الصَّحِيحُ) قُلْت مَا صَحَّحَ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْعَظَمَةَ كَمَا سَبَقَ جَامِعَةٌ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالتَّوَاضُعُ التَّصَاغُرُ وَالتَّضَاؤُلُ وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَا عَدَا الذَّاتَ الْكَرِيمَةَ وَالصِّفَاتِ الْعَظِيمَةَ مُتَصَاغِرٌ مُتَضَائِلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى تِلْكَ الصِّفَاتِ وَقَوْلُ ذَلِكَ الْفَقِيهِ الْعَصْرِيِّ إنَّ التَّوَاضُعَ عِبَادَةٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَهُوَ دَعْوَى عَرِيَّةٌ عَنْ الْحُجَّةِ فَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِهِ قَالَ شِهَابُ الدِّينِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَذْكُورَةِ عَلَى مَا ذَكَرُوا وَبُطْلَانَهَا رَأْسًا أَنَّ زَرُّوقًا نَفْسَهُ فِي شَرْحِهِ لِحِزْبِ الْبَحْرِ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَخْيَارِ اللَّهُمَّ إنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِهِمْ فَإِنَّهُمْ أَحَبُّوك وَمَا أَحَبُّوك حَتَّى أَحْبَبْتهمْ فِيك إيَّاهُمْ وَصَلُوا إلَى حُبِّك وَنَحْنُ لَمْ نَصِلْ إلَى حُبِّهِمْ فِيك فَتَمِّمْ لَنَا ذَلِكَ مَعَ الْعَافِيَةِ الْكَامِلَةِ الشَّامِلَةِ حَتَّى نَلْقَاك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَلَهُ فِي التَّوَسُّلِ قَصِيدَةٌ مَشْهُورَةٌ فَمِنْ هُنَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الزَّرْقَانِيُّ عَلَى الْمَوَاهِبِ وَقَوْلُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ: وَمَالِكٌ مِنْ أَعْظَمِ الْأَئِمَّةِ كَرَاهِيَةً لِذَلِكَ خَطَأٌ قَبِيحٌ فَإِنَّ كُتُبَ الْمَالِكِيَّةِ طَافِحَةٌ بِاسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْقَبْرِ مُسْتَقْبِلًا لَهُ مُسْتَدْبَرًا لِلْقِبْلَةِ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ فِي مَنْسَكِهِ وَنَقَلَهُ فِي الشِّفَاءِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ إذَا سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَعَا يَقِفُ وَوَجْهُهُ إلَى الْقَبْرِ لَا إلَى الْقِبْلَةِ وَيَدْنُو وَيُسَلِّمُ وَلَا يَمَسُّ الْقَبْرَ بِيَدِهِ اهـ. فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهَذَا تَحْقِيقُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ وَتَوَحُّدُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجِبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَدْلُولُهُ قَدِيمٌ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَدْلُولُهُ حَادِثٌ فَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ] (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَدْلُولُهُ قَدِيمٌ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَدْلُولُهُ حَادِثٌ فَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ) الْأَلْفَاظُ بِاعْتِبَارِ جَوَازِ الْحَلِفِ بِهَا وَعَدَمِ جَوَازِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا عُلِمَ أَنَّ مَدْلُولَهُ قَدِيمٌ فَيَجُوزُ وَيَنْعَقِدُ الْقَسَمُ بِذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إرَادَةٍ وَتَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ كَلَفْظِ اللَّهِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى وَإِنْ قَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إنَّهَا أَلْفَاظٌ وَهِيَ حَادِثَةٌ وَقَسَّمَهَا الشَّمْسُ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي الصَّحَائِفِ إلَى قَدِيمٍ وَحَادِثٍ وَالْحَادِثُ إلَى مُشْتَقٍّ مِنْ فِعْلِهِ تَعَالَى كَالْخَلَّاقِ الرَّزَّاقِ الْمُحْيِي الْمُمِيتِ وَمُشْتَقٌّ مِنْ فِعْلِنَا كَالْمَعْبُودِ وَالْمَشْكُورِ لِأَنَّ مَعْنَى قِدَمِهَا مَا نَقَلَهُ الْعَلَّامَةُ الْمَلَوِيُّ عَنْ سَيِّدِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَغْرِبِيِّ مِنْ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى الْقَدِيمِ أَسْمَاءٌ لَهُ هِيَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهَا بِالْقِدَمِ كَمَا أَنَّ مِنْهُ أَمْرًا وَنَهْيًا إلَخْ وَالْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ الْقَدِيمَةِ دَلَالَةُ الْكَلَامِ أَزَلًا عَلَى مَعَانِي الْأَسْمَاءِ وَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَبْعِيضٍ وَلَا تَجْزِئَةٍ فِي نَفْسِ الْكَلَامِ مَعَ تَفْوِيضِ كُنْهِ ذَلِكَ لَهُ تَعَالَى وَاقْتَصَرُوا فِي أَقْسَامِ الْكَلَامِ الِاعْتِبَارِيَّةِ عَلَى الْأَهَمِّ

وَعَظَمَةُ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ الْمَجْمُوعُ مِنْ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَهَذَا الْمَجْمُوعُ هُوَ الْمَعْبُودُ وَهُوَ الْإِلَهُ وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ تَوْحِيدُهُ وَتَوَحُّدُهُ وَلَا ثَانِيَ لَهُ وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ التَّوَاضُعُ لَهُ كَمَا تَقُولُ عَظَمَةُ الْمَلِكِ جَيْشُهُ وَأَمْوَالُهُ وَأَقَالِيمُهُ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا وَسَطْوَتُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا وَقَعَتْ بِهِ الْعَظَمَةُ فِي دَوْلَتِهِ كَذَلِكَ عَظَمَةُ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ هَذِهِ الْأُمُورِ كُلِّهَا مَعَ ذَاتِهِ تَعَالَى فَهِيَ أَيْضًا مِنْ مُوجِبَاتِ عَظَمَتِهِ فَإِنْ أَرَادَ هَذَا الْمُطْلِقُ هَذَا الْمَعْنَى أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَرَادَ صِفَةً وَاحِدَةً مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهَا حَصَلَ التَّوَاضُعُ لَهَا وَهُوَ الْعِبَادَةُ امْتَنَعَ وَرُبَّمَا كَانَ كُفْرًا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ أَرَادَ بِالتَّوَاضُعِ غَيْرَ الْعِبَادَةِ وَهُوَ الْقَهْرُ وَالِانْقِيَادُ لِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ وَقُدْرَتِهِ فَهَذَا أَيْضًا مَعْنًى صَحِيحٌ فَإِنَّ جَمِيعَ الْعَالَمِ مَقْهُورٌ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ فَالتَّوَاضُعُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ أَيْضًا سَائِغٌ لَا مَحْذُورَ فِيهِ بَلْ يَجِبُ اعْتِقَادُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــS (وَعَظَمَةُ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ الْمَجْمُوعُ مِنْ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَهَذَا الْمَجْمُوعُ هُوَ الْمَعْبُودُ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ التَّوَاضُعُ لَهُ) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ هُنَا بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْعَظَمَةَ لَيْسَتْ مَجْمُوعَ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ بَلْ هِيَ مَجْمُوعُ الصِّفَاتِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ تَقْرِيرِهِ هُوَ ذَلِكَ قَبْلَ هَذَا وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنْ تَكُونَ الْعَظَمَةُ مَجْمُوعَ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ فَلَيْسَ الْمَجْمُوعُ هُوَ الْمَعْبُودُ بَلْ الْمَعْبُودُ الْمَوْصُوفُ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ لَا الصِّفَاتُ وَلَا مَجْمُوعُ الْمَوْصُوفِ وَالصِّفَاتِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمَعْبُودَ مَجْمُوعُ الْمَوْصُوفِ وَالصِّفَاتِ مُضَاهٍ لِقَوْلِ النَّصَارَى فِي الْأَقَالِيمِ وَهُوَ بَاطِلٌ لَا شَكَّ فِي بُطْلَانِهِ وَكَلَامُهُ هُنَا كَلَامُ مَنْ لَمْ يُحَقِّقْ مَبَاحِثَ هَذَا الْعِلْمِ عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ. قَالَ (كَمَا تَقُولُ عَظَمَةُ الْمَلِكِ جَيْشُهُ وَأَمْوَالُهُ إلَى قَوْلِهِ فِي دَوْلَتِهِ) قُلْت لَا يُسَوَّغُ مِثْلُ هَذَا التَّمْثِيلِ فَإِنَّ الْمَلِكَ مُفْتَقِرٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُسْتَغْنٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّمْثِيلُ. قَالَ (كَذَلِكَ عَظَمَةُ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ هَذِهِ الْأُمُورُ كُلُّهَا مَعَ ذَاتِهِ تَعَالَى فَهِيَ أَيْضًا مِنْ مُوجِبَاتِ عَظَمَتِهِ) قُلْت هَذَا كَلَامٌ غَثٌّ لَا يَصْدُرُ إلَّا عَنْ جَهْلٍ بِهَذَا الْعِلْمِ وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الذَّاتُ مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَظَمَةِ وَالْعَظَمَةُ مَجْمُوعُ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ فَالذَّاتُ عَلَى هَذَا مُوجِبَةٌ لِلذَّاتِ وَكَيْفَ يَكُونُ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ مُوجِبًا وَمُوجَبًا هَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ فَاحِشٌ. قَالَ (فَإِنْ أَرَادَ الْمُطْلِقُ هَذَا الْمَعْنَى أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) قُلْت بَلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّهُ مُخْطِئٌ فِي ذَلِكَ حَيْثُ اعْتَقَدَ أَنَّ الذَّاتَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَظَمَةِ قَالَ (وَإِنْ أَرَادَ صِفَةً وَاحِدَةً مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ) قُلْت مَا حَكَمَ بِأَنَّهُ ظَاهِرٌ هُوَ كَمَا قَالَ. قَالَ (وَإِنْ أَرَادَ بِالتَّوَاضُعِ غَيْرَ الْعِبَادَةِ إلَى قَوْلِهِ بَلْ يَجِبُ اعْتِقَادُهُ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاعْتِبَارِ مَا ظَهَرَ لَهُمْ إذْ ذَاكَ فَلَا يَرِدُ عَدَمُ ذِكْرِهِمْ أَسْمَاءَ مِنْهَا كَيْفَ وَمَدْلُولُهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُصْرِ وَلَيْسَ مَعْنَى الْقِدَمِ هُنَا عَدَمُ الْأَوَّلِيَّةِ كَمَا تَقُولُ الْمُعْتَزِلَةُ بَلْ مَعْنَاهُ إنَّهَا مَوْضُوعَةٌ قَبْلَ الْخَلْقِ أَيْ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَهَا لِنَفْسِهِ قَبْلَ إيجَادِنَا ثُمَّ أَلْهَمَهَا لِلنُّورِ الْمُحَمَّدِيِّ ثُمَّ لِلْمَلَائِكَةِ ثُمَّ لِلْخَلْقِ كَمَا فِي الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ فَافْهَمْ وَكَالْوُجُودِ وَنَحْوِ الْقُدْرَةِ وَالِاقْتِدَارِ أَيْ الْكَوْنِ قَادِرًا وَالْقِدَمُ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى النَّفِيسَةِ وَالْمَعَانِي وَالْمَعْنَوِيَّةِ وَالسَّلْبِيَّةِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ (الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا عُلِمَ أَنَّ مَدْلُولَهُ حَادِثٌ كَلَفْظِ الْكَعْبَةِ وَنَحْوِهَا فَلَا يَجُوزُ وَلَا يَنْعَقِدُ الْقَسَمُ بِهِ أَصْلًا قَالَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ. وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الْأَجْنَبِيَّةُ بِالْمَرَّةِ نَحْوُ وَالْحَيَوَانِ فَلَا يَنْعَقِدُ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَوْ نَوَى بِهِ مَعْنًى قَدِيمًا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فَلَيْسَ كَالطَّلَاقِ إنْ نَوَى بِأَيِّ لَفْظٍ لَزِمَ نَعَمْ إنْ جَعَلَهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ وَرَبِّ الْحَيَوَانِ وَلَا يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِالنِّيَّةِ وَلَا بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ بِالْأَوْلَى مِنْ الطَّلَاقِ اهـ بِلَفْظِهِ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا لَمْ يُعْلَمْ قِدَمُ مَدْلُولِهِ وَلَا حُدُوثُهُ فَلَا يَنْعَقِدُ الْحَلِفُ بِذَاتِهِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِرَادَةِ لِلْمَعْنَى الْقَدِيمِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا كَمَا فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ فَافْهَمْ وَهَذَا الْقِسْمُ لِعَدَمِ وُضُوحِهِ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا الْفَرْقِ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْلُ مِنْ أَلْفَاظِ هَذَا الْقِسْمِ تِسْعَةٌ (اللَّفْظُ الْأَوَّلُ) أَمَانَةُ اللَّهِ فَإِنَّهُ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْقَدِيمِ وَهُوَ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ الَّذِي هُوَ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ} [الأحزاب: 72] إلَى قَوْلِهِ ظَلُومًا جَهُولًا قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَرَضَ التَّكَالِيفَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ وَقَالَ لَهُنَّ إنْ حَمَلْتُنَّ التَّكَالِيفَ وَأَطَعْتُنَّ فَلَكُنَّ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ وَإِنْ عَصَيْتُنَّ فَلَكُنَّ الْعَذَابُ الْوَبِيلُ فَقُلْنَ لَا نَعْدِلُ بِالسَّلَامَةِ شَيْئًا ثُمَّ عُرِضَتْ عَلَى الْإِنْسَانِ فَالْتَزَمَ ذَلِكَ فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ كَانَ ظَلُومًا لِنَفْسِهِ جَهُولًا بِالْعَوَاقِبِ فَلَا جَرَمَ هَلَكَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَسَلِمَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ وَاحِدٌ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ كَذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَى الْحَادِثِ وَهُوَ فِعْلُنَا فِي حِفْظِ الْوَدَائِعِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَمَانَاتِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] .

فَهَذَا تَلْخِيصُ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْفُتْيَا فِيهَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ الْحَالِفُ بِعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِ اللَّهِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ. وَهُوَ مُتَّجَهٌ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ وَاتِّحَادِهَا لَا فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِ النَّهْيِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ لِعَدَمِ النَّهْيِ بَلْ لِلُزُومِ كَفَّارَةٍ أَمَّا لُزُومُ الْكَفَّارَةِ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْمُوجِبِ وَعَلَى غَيْرِ الْمُوجِبِ فَتَجِبُ وَأَمَّا اتِّحَادُهُمَا فَلِأَنَّ الْعَظَمَةَ وَالْجَلَالَ وَالْعُلَا وَنَحْوَ ذَلِكَ هُوَ الْمَجْمُوعُ وَالْمَجْمُوعُ وَاحِدٌ فَتَعَدَّدَتْ الْأَلْفَاظُ وَاتَّحَدَ الْمَعْنَى فَاتَّحَدَتْ الْكَفَّارَةُ وَأَمَّا أَنَّهُ دَخَلَ فِيهِ النَّهْيُ فَلِانْدِرَاجِ الْمُحْدَثَاتِ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَيَكُونُ قَدْ حَلَفَ بِقَدِيمٍ وَمُحْدَثٍ فَفَعَلَ مَأْمُورًا بِهِ وَمَنْهِيًّا عَنْهُ وَمَنْ فَعَلَ مَأْمُورًا بِهِ وَمَنْهِيًّا عَنْهُ فَقَدْ ارْتَكَبَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْحَالِفُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْقَدِيمَ وَحْدَهُ فَلَا نَهْيَ حِينَئِذٍ أَوْ يَكُونَ هُنَاكَ عُرْفٌ اقْتَضَى تَخْصِيصَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِالْقَدِيمِ خَاصَّةً فَلَا نَهْيَ حِينَئِذٍ أَمَّا مُجَرَّدُ اللَّفْظِ اللُّغَوِيِّ فَمُوجِبٌ لِانْدِرَاجِ الْمُحْدَثِ مَعَ الْقَدِيمِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ تَارَةً تَكُونُ بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ كَقَوْلِنَا وَجَلَالِ اللَّهِ وَعَلَاءِ اللَّهِ وَتَارَةً تَكُونُ بِلَفْظِ التَّأْنِيثِ كَقَوْلِنَا وَعِزَّةِ اللَّهِ وَعَظَمَةِ اللَّهِ فَأَمَّا لَفْظُ التَّذْكِيرِ فَلَا كَلَامَ فِيهِ هَاهُنَا وَأَمَّا لَفْظُ التَّأْنِيثِ بِالْهَاءِ فَإِنَّهُ مُشْعِرٌ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ مِمَّا يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ تُفَرِّقُ الْعَرَبُ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ عَزَّ زَيْدٌ عِزًّا وَعَزَّ عِزَّةً فَالْأَوَّلُ يَحْتَمِلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْعِزِّ مُفْرَدَةً وَمَجْمُوعَةً فَإِذَا وَجَدْتَ الْإِضَافَةَ أَوْ الْأَلِفَ وَاللَّامَ الْمُوجِبَتَيْنِ الْعُمُومَ كَانَ الْعُمُومُ فِي جَمِيعِ أَفْرَادِ ذَلِكَ النَّوْعِ وَإِنْ فُقِدَتْ الْإِضَافَةُ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ بَقِيَ مُطْلَقًا وَأَمَّا اللَّفْظُ الثَّانِي وَهُوَ عَزَّ زَيْدٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (فَهَذَا تَلْخِيصُ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْفُتْيَا فِيهَا) قُلْت قَدْ تَبَيَّنَ تَلْخِيصُ الْحَقِّ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي زَعَمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ الْحَالِفُ بِعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت لَا يَنْدَرِجُ حَادِثٌ تَحْتَ لَفْظِ الْعِزَّةِ وَنَحْوِهِ فَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُهُ بِأَنَّ عَبْدَ الْحَقِّ أَغْفَلَ التَّنْبِيهَ عَلَيْهِ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا مَحْذُورَ فِي الْيَمِينِ بِعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوِ ذَلِكَ فَبِحَقٍّ إنْ أَعْرَضَ عَنْ ذَلِكَ عَبْدُ الْحَقِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ تَارَةً تَكُونُ بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ وَتَارَةً تَكُونُ بِلَفْظِ التَّأْنِيثِ إلَى آخِرِهَا) قُلْت الصَّحِيحُ عَلَى مَا سَبَقَ أَنَّ لَفْظَ الْعِزَّةِ وَنَحْوِهَا لَا يَتَنَاوَلُ مُحْدَثًا فَلَا يَصِحُّ مَا قَالَهُ فِي لَفْظِ الْعِزَّةِ مِنْ احْتِمَالِهِ الْمُحْدَثَ وَمَا حَكَاهُ عَنْ صَاحِبِ اللُّبَابِ مِنْ نَقْلِهِ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ لِلْحَالِفِ بِذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ لَيْسَ مُدْرَكُ اخْتِلَافِ قَوْلِهِ عِنْدِي مَا ذَكَرَهُ الشِّهَابُ مِنْ احْتِمَالِ الْمُحْدَثِ بَلْ الْمُدْرَكُ عِنْدِي احْتِمَالُ لَفْظِ الْعِزَّةِ أَنْ يَكُونَ مَدْلُولُهُ أَمْرًا ثُبُوتِيًّا وَأَمْرًا سَلْبِيًّا فَإِنَّهُ عَزَّ بِصِفَاتِ كَمَالِهِ الثُّبُوتِيَّةِ كَمَا عَزَّ بِصِفَاتِ تَنْزِيهِهِ السَّلْبِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَتْبَعُ الْحَلِفُ بِهِ الْعُرْفَ وَالْعَادَةَ وَقَدْ جَرَى بِإِطْلَاقِهِ عَلَى الْقَدِيمِ الْعُرْفُ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَتَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْحَالِفُ بِهِ الْمَعْنَى الْحَادِثَ فَحِينَئِذٍ يُمْنَعُ الْحَلِفُ بِهِ وَتَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ كَمَا إذَا تَغَيَّرَ الْعُرْفُ وَجَرَى بِإِطْلَاقِهِ عَلَى الْحَادِثِ فِي قُطْرٍ مِنْ الْأَقْطَارِ فَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ أَوْ يُكْرَهُ عَلَى الْخِلَافِ وَتَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْحَالِفُ الْقَدِيمَ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ الْحَلِفُ بِهِ وَتَلْزَمُ بِالْحِنْثِ الْكَفَّارَةُ وَفِي مَجْمُوعِ الْأَمِيرِ وَشَرْحِهِ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ إنْ لَمْ يَنْوِ مَعْنًى حَادِثًا أَيْ مَا جَعَلَهُ بَيْنَ عِبَادِهِ بِأَنْ نَوَى قَدِيمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا اهـ. (اللَّفْظُ الثَّانِي) قَوْلُنَا عَمْرِ اللَّهِ أَوْ لَعَمْرُ اللَّهِ أَفْتَى مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِانْعِقَادِ الْيَمِينِ بِهِ وَلُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِالْحِنْثِ نَظَرًا لِجَرَيَانِ الْعُرْفِ بِإِطْلَاقِهِ عَلَى الْقَدِيمِ وَهُوَ بَقَاءُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ مِنْ صِفَاتِ السُّلُوبِ الْقَدِيمَةِ فَإِنْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ وَجَرَى بِإِطْلَاقِهِ عَلَى أَمْرٍ حَادِثٍ فِي قُطْرٍ مِنْ الْأَقْطَارِ لَمْ يَنْعَقِدْ الْيَمِينُ بِهِ بَلْ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي قَبْلِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعِيَّتِه وَبَعْدِيَّته فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَبْلَ كُلِّ حَادِثٍ وَمَعَ كُلِّ حَادِثٍ وَبَعْدَ كُلِّ حَادِثٍ إذَا فَنِيَ الْحَادِثُ فَهِيَ نِسَبٌ وَإِضَافَاتٌ وَالنِّسَبُ سُلُوبٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَسْرَارَ الْمُضَافَةَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مَتَى عُنِيَ بِهَا أَمْرٌ قَدِيمٌ سَوَاءٌ كَانَتْ إثْبَاتًا أَوْ سَلْبًا فَالْيَمِينُ بِهَا مُنْعَقِدَةٌ وَمَتَى عُنِيَ بِهَا أَمْرٌ حَادِثٌ فَالْيَمِينُ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ بِهَا وَقَصْدُ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ بِهَا هُوَ عُرْفُ الشَّرْعِ وَلَمْ يَحْدُثْ عُرْفٌ يُنَاقِضُهُ فَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قُلْت: وَانْظُرْ قَوْلَهُ وَقَصْدُ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ بِهِ هُوَ عُرْفُ الشَّرْعِ إلَخْ مَعَ مَا سَيَأْتِي لَهُ مِنْ أَنَّ الْعُرْفَ الشَّرْعِيَّ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ بِخِلَافِ الْعُرْفِ الزَّمَانِيِّ وَحَرِّرْ. اللَّفْظُ الثَّالِثُ) عَهْدُ اللَّهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ الْعَهْدُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ فِي وَاحِدٍ وَهُوَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَتَسْقُطُ فِي اثْنَيْنِ وَهُمَا لَك عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَأُعْطِيك عَهْدَ اللَّهِ وَيَخْتَلِفُ فِي الرَّابِعِ وَهُوَ أُعَاهِدُك اللَّهَ اعْتَبَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَسْقَطَهُ ابْنُ شَعْبَانَ قَالَ وَهُوَ أَحْسَنُ اهـ. قَالَ الْأَصْلُ وَبَقِيَ خَامِسٌ وَهُوَ قَوْلُهُ وَعَهْدِ اللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا بِوَاوِ الْقَسَمِ فَهَذَا وَإِنْ لَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا وَكَانَ مُشَارِكًا لِلْأَوَّلِ الَّذِي أَفْتَى مَالِكٌ بِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِهِ فِي أَنَّ عَهْدَ اللَّهِ فِيهَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى

عِزَّةً فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ لُغَةً إلَّا فَرْدًا وَاحِدًا مِنْ الْعِزَّةِ إمَّا بِمَالِهِ أَوْ بِجَاهِهِ أَوْ بِسَطْوَتِهِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْعِزَّةِ وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعُهُ لُغَةً فَرْدًا وَاحِدًا مِنْ الْعِزَّةِ وَأُضِيفَتْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَتَعَيَّنْ الْعُمُومُ فِيهِ فَاحْتُمِلَ الْمُحْدَثُ فَإِنَّ الْعِزَّةَ تَصْدُقُ بِالْمُحْدَثِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعَزِيزَ هُوَ الَّذِي امْتَنَعَ مِنْ نَيْلِ الْمَكَارِهِ وَالْعَزِيزُ أَيْضًا هُوَ الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ الْمَعْنَيَيْنِ فِي تَفْسِيرِ اسْمِهِ تَعَالَى الْعَزِيزِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَعَالَى لَا نَظِيرَ لَهُ فِي مُبْتَدَعَاتِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ. فَإِنْ كَانَتْ الْعِزَّةُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ كَانَ فِيهَا إشَارَةٌ إلَى الْمَخْلُوقَاتِ الْمُحْدَثَاتِ فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَلِهَذِهِ الْإِشَارَةُ، نَقَلَ صَاحِبُ اللُّبَابِ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحَلِفِ بِعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى هَلْ تُوجِبُ كَفَّارَةً أَمْ لَا فِيهِ رِوَايَتَانِ لِأَجْلِ التَّرَدُّدِ فِي لَفْظِ الْعِزَّةِ وَأَمَّا لَفْظُ الْعَظَمَةِ فَإِنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَفْظِ الْعِزَّةِ فَرْقًا فَإِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ عَظُمَ زَيْدٌ عَظَمَةً فِي غَالِبِ اسْتِعْمَالِهِمْ فَكَأَنَّهُ هُوَ الْمَصْدَرُ الْمُتَعَيِّنُ دُونَ عِظَمًا بِغَيْرِ تَاءِ التَّأْنِيثِ وَأَمَّا عَزَّ عِزًّا فَمَشْهُورٌ وَلَا يُنْطَقُ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ إلَّا إذَا قُصِدَتْ الْوَحْدَةُ نَحْوُ ضَرَبَ ضَرْبَةً فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا ضَرْبَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ عِزَّةً لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا عِزَّةً وَاحِدَةً فَإِذَا أُضِيفَ لَا يَكُونُ الْمُضَافُ عَامًّا بَلْ فَرْدًا وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى إنَّ اللَّامَ فِي هَذَا الْجِنْسِ لَا تُفِيدُ تَعْمِيمًا بَلْ إنَّمَا تُفِيدُ اللَّامُ التَّعْرِيفَ تَعْمِيمًا فِيمَا لَيْسَ مَحْدُودًا بِالتَّاءِ نَحْوُ الرَّجُلِ وَالْبَيْعِ فَكَذَلِكَ لَا تُفِيدُهُ الْإِضَافَةُ عُمُومًا اعْتِبَارًا فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُمَا أَدَاتَا تَعْرِيفٍ فَهَذَا بَحْثٌ يُمْكِنُ أَنْ يُلَاحَظَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ إذَا حَلَفَ بِهِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ) اعْلَمْ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مِائَةٌ إلَّا وَاحِدًا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَهِيَ إمَّا لِمُجَرَّدِ الذَّاتِ كَقَوْلِنَا اللَّهُ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ عَلَى الصَّحِيحِ وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَارَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ أَنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ وَهُوَ عَلَمٌ عَلَيْهَا وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِجَرَيَانِ النُّعُوتِ عَلَيْهِ فَتَقُولُ اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَقِيلَ هُوَ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ جُمْلَةِ الصِّفَاتِ فَإِذَا قُلْنَا اللَّهُ فَقَدْ ذَكَرْنَا جُمْلَةَ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُلْنَا الذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ) قُلْت جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ لَا بَأْسَ بِهِ إلَّا مَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إضَافَةَ مَخْلُوقٍ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ فِي اسْمٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الِاسْمَ الَّذِي هُوَ اللَّفْظُ أَوْ الْمُسَمَّى الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى فَلَا يَتَعَيَّنُ لِمَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ إلَّا بِعُرْفٍ أَوْ نِيَّةٍ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ نَظَرًا فَإِنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فِيهِ عُرْفٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقَيْنِ بَعْدَ هَذَا صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQخُصُوصِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ بَلْ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ وَهُوَ إلْزَامُهُ تَعَالَى لِخَلْقِهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ صِفَتُهُ تَعَالَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40] فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَوْفُوا بِتَكْلِيفِي أُوفِ لَكُمْ بِثَوَابِي الْمَوْعُودِ بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ وَبَيْنَ الْعَهْدِ الْحَادِثِ وَهُوَ الَّذِي شَرَعَهُ لِخَلْقِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} [البقرة: 177] أَيْ بِمَا الْتَزَمُوهُ وقَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 4] وَنَحْوُهُ مِنْ الْعُهُودِ الَّتِي بَيْنَ خَلْقِهِ كَالْعُهْدَةِ فِي الْبَيْعِ أَيْ مَا يَلْزَمُ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَرَدِّ الثَّمَنِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَعُهْدَةِ الرَّقِيقِ أَيْ مَا يَلْزَمُ فِيهِ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي مَوْرِدِ الِاسْتِعْمَالِ أُضِيفَ إلَيْهِ تَعَالَى لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَهِيَ مُلَابَسَةُ تَشْرِيعِهِ لِعِبَادِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ النُّحَاةُ عَلَى أَنَّهَا إضَافَةٌ حَقِيقِيَّةٌ إلَّا أَنَّهُ عِنْدِي قَسَمٌ صَرِيحٌ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَ بِهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ قَالَ وَأَمَانَةِ اللَّهِ وَكَفَالَتُهُ بَلْ هَذَا عِنْدِي بِسَبَبِ حَرْفِ الْقَسَمِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ صَرِيحَةٌ فِي إنْشَاءِ الْقَسَمِ اهـ. أَصْرَحُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْعَهْدِ الْقَدِيمِ مِنْ الْقَسَمِ الْأَوَّلِ الَّذِي نَصَّ مَالِكٌ عَلَى لُزُومِ الْكَفَّارَةِ بِهِ أَعْنِي قَوْلَهُ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِالْتِزَامِ مَا لَا يُنْذَرُ مِنْ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ وَالْإِخْبَارُ بِذَلِكَ كَذِبٌ فَلَا يَصِيرُ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ إلَّا بِإِنْشَاءٍ عُرْفِيٍّ وَنَقْلٍ عَادِيٍّ أَلَا تَرَى إلَى اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ أَوْ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي هَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ نَظَرًا لِكَوْنِ الطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُ أَحَدًا فَالْإِخْبَارُ عَنْ لُزُومِهِ كَذِبٌ فَلَا يَصِيرُ مُوجِبًا إلَّا بِإِنْشَاءٍ عُرْفِيٍّ وَنَقْلٍ عَادِيٍّ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِهِ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِعَهْدِ اللَّهِ إنْ لَمْ يَنْوِ مَعْنًى حَادِثًا أَيْ مَا عَاهَدَ بِهِ إبْرَاهِيمُ مِنْ تَطْهِيرِ الْبَيْتِ بِأَنْ نَوَى قَدِيمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ بِعَدَمِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ وَسُقُوطِ الْكَفَّارَةِ بِقَوْلِ الْقَائِلِ لَك عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَأُعْطِيك عَهْدَ اللَّهِ ضَعِيفٌ وَالرَّاجِحُ أَنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَجْرِيَا مَجْرَى عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ لِقَرِينَةِ الْحَالِ الْمُشْعِرَةِ بِتَأْكِيدِ الِالْتِزَامِ بِالْيَمِينِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجْرِيَا مَجْرَى أُعَاهِدُك اللَّهَ فَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ وَتَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الْحِنْثِ وَعَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي يَقَعُ التَّرَدُّدُ اهـ. (اللَّفْظُ الرَّابِعُ) قَوْلُهُ

بِالصِّفَاتِ الْخَاصَّةِ وَهَذَا الْمَفْهُومُ الْإِلَهُ الْمَعْبُودِ وَهُوَ الذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَنُعُوتِ الْجَلَالِ وَهَذَا الْمَعْلُومُ هُوَ الَّذِي نَدَّعِي تَوَحُّدَهُ وَتَنَزُّهَهُ عَنْ الشَّرِيكِ وَالْمُمَاثَلَةِ أَيْ هَذَا الْمَجْمُوعُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ، وَقَدْ يَكُونُ الِاسْم مَوْضُوعًا لِلذَّاتِ مَعَ مَفْهُومٍ زَائِدٍ وُجُودِيٍّ قَائِمٍ بِذَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَحْوُ قَوْلِنَا عَلِيمٌ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ الْعِلْمِ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى أَوْ وُجُودِيٍّ مُنْفَصِلٍ عَنْ الذَّاتِ نَحْوُ خَالِقٍ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ اعْتِبَارِ الْخَلْقِ فِي التَّسْمِيَةِ وَهُوَ مَفْهُومٌ وُجُودِيٌّ مُنْفَصِلٌ عَنْ الذَّاتِ، أَوْ مَوْضُوعًا لِلذَّاتِ مَعَ مَفْهُومٍ عَدَمِيٍّ نَحْوُ قُدُّوسٍ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ الْقُدُسِ الَّذِي هُوَ التَّطْهِيرُ عَنْ النَّقَائِصِ وَالْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ أَيْ طَهُرَ مَنْ فِيهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ عَنْ الْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَاتِ، أَوْ يَكُونُ مَوْضُوعًا لِلذَّاتِ مَعَ نِسْبَةٍ وَإِضَافَةٍ كَالْبَاقِي فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ وَصْفِ الْبَقَاءِ وَهُوَ نِسْبَةٌ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْأَزْمِنَةِ فَإِنَّ الْبَقَاءَ اسْتِمْرَارُ الْوُجُودِ فِي الْأَزْمِنَةِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْأَبَدِيِّ لِصِدْقِ الْبَاقِي فِي زَمَانَيْنِ فَأَكْثَرَ وَأَمَّا الْأَبَدِيُّ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِمْرَارِهِ مَعَ جُمْلَةِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ كَمَا أَنَّ الْأَزَلِيَّ هُوَ الَّذِي قَارَنَ وُجُودُهُ جَمِيعَ الْأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ مُتَوَهَّمَةً أَوْ مُحَقَّقَةً فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ ثُمَّ هِيَ تَنْقَسِمُ بِحَسَبِ مَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ وَبِحَسَبِ مَا لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ، مَا وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ وَلَا يُوهِمُ نَقْصًا نَحْوُ الْعَلِيمِ فَيَجُوزُ إطْلَاقُهُ إجْمَاعًا فِي مَوْرِدِ النَّصِّ وَفِي غَيْرِهِ، وَمَا لَمْ يُرِدْ السَّمْعُ بِهِ وَهُوَ يُوهِمُ نَقْصًا فَيَمْتَنِعُ إطْلَاقُهُ إجْمَاعًا نَحْوُ مُتَوَاضِعٍ وَدَارٍ وَعَلَّامَةٍ فَإِنَّ التَّوَاضُعَ يُوهِمُ الذِّلَّةَ وَالْمَهَانَةَ وَالدِّرَايَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ شَكٍّ كَذَا نَقَلَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْعَلَّامَةُ مَنْ كَثُرَتْ مَعْلُومَاتُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ هَاءَ التَّأْنِيثِ تُوهِمُ تَأْنِيثَ الْمُسَمَّى وَالتَّأْنِيثُ نَقْصٌ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَنَحْوِهَا أَلْبَتَّةَ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ وَهُوَ يُوهِمُ نَقْصًا فَيُقْتَصَرُ بِهِ عَلَى مَحَلِّهِ نَحْوُ مَاكِرٍ وَمُسْتَهْزِئٍ فَإِنَّ الْمَكْرَ وَالِاسْتِهْزَاءَ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ سُوءُ خَلْقٍ وَقَدْ وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: 54] {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 15] وَالْمُحَسِّنُ لِذَلِكَ الْمُقَابَلَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ - قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: 54 - 14] {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 15] فَحَصَلَتْ الْمُقَابَلَةُ بَيْنَ الْمَكْرَيْنِ والاستهزاءين نِ فَكَانَ ذَلِكَ حَسَنًا لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِفَصَاحَةِ الْقُرْآنِ وَبَلَاغَتِهِ فَيُقْتَصَرُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَوَارِدِ السَّمْعِ وَلَا يُذْكَرُ فِي غَيْرِ هَذِهِ التِّلَاوَةِ فَلَا نَقُولُ اللَّهُمَّ اُمْكُرْ بِفُلَانٍ وَلَا مَكَرَ اللَّهُ بِهِ وَلَا اللَّهُمَّ اسْتَهْزِئْ بِفُلَانٍ وَلَا اسْتَهْزَأَ اللَّهُ بِهِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ هَذَا الْبَابِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ لَمْ أَعْلَمْ فِيهَا خِلَافًا وَحُكِيَ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْإِجْمَاعُ (الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مَا لَمْ يَرِدْ السَّمْعُ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُوهِمٍ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَيَجُوزُ إطْلَاقُهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ نَحْوُ قَوْلِنَا يَا سَيِّدَنَا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُنَادَى اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا الِاسْمِ أَمْ لَا قَوْلَانِ وَمُدْرَكُ الْخِلَافِ هَلْ يُلَاحَظُ انْتِفَاءُ الْمَانِعِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيَّ ذِمَّةُ اللَّهِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ رَأَى مَالِكٌ فِيهِ الْكَفَّارَةَ نَظَرًا لِكَوْنِهِ وَشَبَهُهُ أَيْ كَعَلَيَّ عِلْمُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ إرَادَةُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ بَصَرُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ سَمْعُ اللَّهِ إنْشَاءٌ لِلْقَسَمِ عُرْفًا اهـ. قَالَ الْأَصْلُ وَكَذَا تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ بِقَوْلِهِ وَذِمَّةِ اللَّهِ بِوَاوِ الْقَسَمِ بَلْ هَذَا وَإِنْ شَارَكَ قَوْلَهُ عَلَيَّ ذِمَّةُ اللَّهِ فِي عَدَمِ دَلَالَةِ ذِمَّةِ اللَّهِ فِيهِمَا عَلَى خُصُوصِ الذِّمَّةِ الْقَدِيمَةِ بَلْ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الذِّمَّةِ الْقَدِيمَةِ وَالذِّمَّةِ الْحَادِثَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الذِّمَّةَ لُغَةً الِالْتِزَامُ. وَالِالْتِزَامُ إمَّا قَدِيمٌ وَهُوَ إخْبَارُهُ تَعَالَى بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ الْقَدِيمِ بِحِفْظِ عَبْدِهِ مِنْ الْمَكَارِهِ الَّذِي عَنَاهُ فِي حَدِيثِ مَنْ قَالَ كَذَا وَكَذَا كَانَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ أَيْ أَنَّ اللَّهَ الْتَزَمَ لَهُ عِنْدَ هَذَا الْقَوْلِ حِفْظَهُ مِنْ الْمَكَارِهِ فَإِنَّ الْتِزَامَ اللَّهِ تَعَالَى رَاجِعٌ إلَى خَبَرِهِ فَهُوَ نَوْعٌ آخَرُ مِنْ الْكَلَامِ غَيْرُ نَوْعِ الْعَهْدِ فَإِنَّ الْعَهْدَ يَرْجِعُ إلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ كَمَا عَلِمْت وَإِمَّا حَادِثٌ وَهُوَ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِخَلْقِهِ كَعَقْدِ الذِّمَّةِ لِلْكُفَّارِ أَيْ الْتِزَامِنَا لَهُمْ عِصْمَةَ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ وَمَا مَعَهَا مِمَّا أَمَرَ بِهِ وُجُوبًا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَكَالْتِزَامِ أَنْوَاعِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ مِمَّا يُؤْمَرُ بِهِ وُجُوبًا بَلْ نَدْبًا وَكَالْتِزَامِ الْإِنْسَانِ الْأَثْمَانَ فِي الْبِيَاعَاتِ وَالْأَجْرِ فِي الْإِجَارَاتِ مِمَّا يَرْجِعُ لِلْإِخْبَارِ عَنْ الِالْتِزَامِ أَوْ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ فِيهِ وَلَا نَدْبٍ وَمِنْهُ الذِّمَامُ إذَا وَعَدَهُ وَالْتَزَمَ لَهُ أَنْ لَا يَخْذُلَهُ وَأَنْ يَنْصُرَهُ عَلَى مَنْ يَقْصِدَهُ بِسُوءٍ وَمِنْهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ دِينَارٌ وَالْعَقْدُ وَارِدٌ عَلَى الذِّمَّةِ فَإِنَّ الذِّمَّةَ فِي الشَّرِيعَةِ مَعْنًى مُقَدَّرٌ فِي الْمُكَلَّفِ يَقْبَلُ الْإِلْزَامَ وَالِالْتِزَامَ وَلِذَلِكَ إذَا اتَّصَفَ بَعْدَ الرُّشْدِ بِالسَّفَهِ يُقَالُ خَرِبَتْ ذِمَّتُهُ وَذَهَبَتْ ذِمَّتُهُ وَإِذَا مَاتَ خَرِبَتْ ذِمَّتُهُ أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ يُقَدَّرُ لَمْ يَبْقَ مُقَدَّرًا أُضِيفَ إلَيْهِ تَعَالَى لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَهِيَ مُلَابَسَةُ تَشْرِيعِهِ لِعِبَادِهِ. وَقَدْ اتَّفَقَ النُّحَاةُ عَلَى أَنَّهَا إضَافَةٌ حَقِيقِيَّةٌ إلَّا أَنَّ هَذَا بِسَبَبِ أَدَاةِ الْقَسَمِ الَّتِي هِيَ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ صَرِيحَةٌ فِي إنْشَاءِ الْقَسَمِ أَصْرَحُ عِنْدِي فِي الدَّلَالَةِ عَلَى إنْشَاءِ الْقَسَمِ بِالذِّمَّةِ الْقَدِيمَةِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيَّ ذِمَّةُ اللَّهِ الَّذِي رَأَى مَالِكٌ فِيهِ الْكَفَّارَةَ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ بِالْتِزَامِ مَا لَا يُنْذَرُ مِنْ الذِّمَّةِ الْقَدِيمَةِ وَالْإِخْبَارُ بِذَلِكَ كَذِبٌ فَلَا يَصِيرُ

وَهُوَ الْإِيهَامُ وَلَمْ يُوجَدْ فَيَجُوزُ أَوْ يَقُولُ الْأَصْلُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَنْعُ إلَّا مَا وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ وَلَمْ يَرِدْ السَّمْعُ فَيَمْتَنِعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّ مُخَاطَبَةَ أَدْنَى الْمُلُوكِ تَفْتَقِرُ إلَى مَعْرِفَةِ مَا أَذِنُوا فِيهِ مِنْ تَسْمِيَتِهِمْ وَمُعَامَلَتِهِمْ حَتَّى يَعْلَمَ إذْنَهُمْ فِي ذَلِكَ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَوْلَى بِذَلِكَ وَلِأَنَّهَا قَاعِدَةُ الْأَدَبِ وَالْأَدَبُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى مُتَعَيِّنٌ لَا سِيَّمَا فِي مُخَاطَبَاتِهِ بَلْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُوقِعَ فِي صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَا عِبَادَةٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ إلَّا مَا عَلِمَ إذْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ فَمُخَاطَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَتَسْمِيَتُهُ أَوْلَى بِذَلِكَ وَقَدْ كَانَ الشَّيْخُ زَكِيُّ الدِّينِ عَبْدُ الْعَظِيمِ الْمُحَدِّثُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ قَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ فِي لَفْظِ السَّيِّدِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ إجْمَاعًا وَقِسْ عَلَى هَذَا الْمَثَلِ مَا أَشْبَهَهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الطَّاهِرِ بْنُ بَشِيرٍ فَكُلُّ مَا جَازَ إطْلَاقُهُ جَازَ الْحَلِفُ بِهِ وَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ، وَمَا لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا يُوجِبُ الْحَلِفُ بِهِ كَفَّارَةً فَتَنْزِلُ الْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى هَذِهِ الْفُتْيَا وَهَا هُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ حَلَفَ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي يَجُوزُ إطْلَاقُهَا عَلَيْهِ تَعَالَى وَحَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى قِسْمَانِ مِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْحَلِفِ كَقَوْلِنَا وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فَهَذَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَمِنْهَا مَا لَا يَخْتَصُّ بِهِ تَعَالَى كَالْحَكِيمِ وَالْعَزِيزِ وَالرَّشِيدِ وَالْقَادِرِ وَالْمُرِيدِ وَالْعَالِمِ فَهِيَ كِنَايَاتٌ لَا تَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَجْلِ التَّرَدُّدِ بَيْنَ الْمُوجِبِ وَغَيْرِ الْمُوجِبِ وَهَذَا التَّرَدُّدُ أَجْمَعْنَا عَلَيْهِ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّ التَّرَدُّدَ لَا يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ وَلَا لِمَعْنًى يَقَعُ التَّرَدُّدُ فِيهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا وَوَجْهُ التَّرَدُّدِ فِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ بَيْنَ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا وَبَيْنَ الْمَخْلُوقِ وَاضِحٌ وَأَنَّ الْبَشَرَ يُسَمَّى بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ حَقِيقَةً وَأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَوْضِعَيْنِ بِالتَّوَاطُؤِ وَلَا يَتَعَيَّنُ اللَّفْظُ الْمُتَوَاطِئُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَكَفَى بِهَذَا فِي بَيَانِ التَّرَدُّدِ وَالِاحْتِيَاجِ لِلنِّيَّةِ وَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ قَوِيٌّ مُعْتَبَرٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ كَالظِّهَارِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِمَا وَلَنَا عَنْهُ جَوَابٌ حَسَنٌ. وَهُوَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمُفْرَدَةَ تَبْقَى عَلَى مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ وَيَنْقُلُ أَهْلُ الْعُرْفِ الْمُرَكَّبَ مِنْ الْمُفْرَدَيْنِ لِبَعْضِ أَنْوَاعِ ذَلِكَ الْجِنْسِ كَمَا قُلْنَا فِي لَفْظِ الرُّءُوسِ تَصْدُقُ عَلَى رُءُوسِ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ وَلَفْظُ الْأَكْلِ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْأَكْلِ فِي أَيِّ مَأْكُولٍ كَانَ وَإِذَا رَكَّبْنَا هَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ فَقُلْنَا وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت رُءُوسًا أَوْ أَكَلْت رُءُوسًا لَا يَفْهَمُ أَحَدٌ إلَّا رُءُوسَ الْأَنْعَامِ دُونَ غَيْرِهَا بِسَبَبِ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ نَقَلُوا هَذَا الْمُرَكَّبَ لِهَذِهِ الرُّءُوسِ الْخَاصَّةِ دُونَ بَقِيَّةِ الرُّءُوسِ فَكَذَلِكَ لَفْظُ الْعَلِيمِ وَالْقَادِرِ وَالْمُرِيدِ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ عَالِمٍ وَقَادِرٍ وَمُرِيدٍ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ نَقَلَ أَهْلُ الْعُرْفِ قَوْلَنَا: وَحَقِّ الْعَلِيمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاءِ مَعَ الْحَالِفِ إلَى خُصُوصِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مِنْ الْمُرَكَّبَاتِ الْمَنْقُولَةِ فَلَا يَفْهَمُ أَحَدٌ عِنْدَ سَمَاعِهِ الْحَلِفَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ إلَّا أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً وَإِذَا صَارَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ لَوْلَا ثُبُوتُ نَقْلِهِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ نَحْوِ عَلَيَّ عِلْمُ اللَّهِ عُرْفًا مِنْ الْإِخْبَارِ بِالِالْتِزَامِ إلَى إنْشَاءِ الْقَسَمِ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ لَيْسَتْ قَسَمًا وَإِنَّمَا هِيَ خَبَرٌ وَالْخَبَرُ لَيْسَ بِقَسَمٍ إجْمَاعًا وَالْحَمْلُ عَلَى إنْشَاءِ الْقَسَمِ يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلِ الصِّيغَةِ عَنْ الْخَبَرِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا يُتَّجَهُ إلْزَامُ الْكَفَّارَةِ وَاعْتِقَادُ أَنَّ هَذَا يَمِينٌ أَلْبَتَّةَ اهـ. (اللَّفْظُ الْخَامِسُ) قَوْلُهُ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ ضَمَانَةُ اللَّهِ أَوْ حَمَالَةُ اللَّهِ أَوْ أَذَانَةُ اللَّهِ أَوْ زَعَامَةُ اللَّهِ أَوْ قَبَالَةُ اللَّهِ أَوْ صَبْرُ اللَّهِ أَوْ عَذَارَةُ اللَّهِ أَوْ كَدَانَةُ اللَّهِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ التِّسْعَةُ مُتَرَادِفَةٌ لُغَةً عَلَى الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى الضَّمَانِ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ الْحَمِيلُ وَالزَّعِيمُ وَالْكَفِيلُ وَالْقَبِيلُ وَالْأَذِينُ وَالصَّبِيرُ وَالضَّامِنُ سَبْعَةُ أَلْفَاظٍ مُتَرَادِفَةٍ يُقَالُ حَمَلَ يَحْمِلُ حَمَالَةً فَهُوَ حَمِيلٌ وَزَعَمَ يَزْعُمُ زَعَامَةً فَهُوَ زَعِيمٌ وَكَفَلَ يَكْفُلُ كَفَالَةً فَهُوَ كَفِيلٌ وَقِبَلَ يَقْبَلُ قَبَالَةً فَهُوَ قَبِيلٌ وَأَذِنَ يَأْذَنُ أَذَانَةً فَهُوَ أَذِينٌ وَصَبَرَ يَصْبِرُ صَبْرًا فَهُوَ صَبِيرٌ وَضَمِنَ يَضْمَنُ ضَمَانَةً فَهُوَ ضَامِنٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ وَابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إلَّا الْجِهَادُ وَابْتِغَاءُ مَرْضَاتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ إلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ» وَالْأَذَانَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [الأعراف: 167] أَيْ الْتَزَمَ ذَلِكَ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ وَأَصْلُ الْأَذَانَةِ وَالْأَذَانِ وَالْأَذِينِ وَالْإِذْنِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْإِعْلَامُ وَالْكَفِيلُ مُعْلِمٌ بِأَنَّ الْحَقَّ فِي جِهَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَمَالَةِ {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} [فاطر: 18] اهـ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقَبَالَةِ {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا} [الإسراء: 92] أَيْ ضَامِنًا وَقَالَ تَعَالَى فِي الزَّعَامَةِ حِكَايَةً عَنْ مُنَادِي يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَمِثْلُ حَمِيلٍ عَذِيرٌ وكدين قَالَ وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ الْحِفْظِ وَالْحِيَاطَةِ قَالَ وَالْكَفَالَةُ اشْتِقَاقُهَا مِنْ الْكِفْلِ وَهُوَ الْكِسَاءُ الَّذِي يُحَزَّمُ حَوْلَ سَنَامِ الْبَعِيرِ لِيُحْفَظَ بِهِ الرَّاكِبُ

الْكِنَايَةُ مَنْقُولَةً فِي الْعُرْفِ إلَى مَعْنًى آخَرَ صَارَتْ صَرِيحَةً فِيهِ فَلِذَلِكَ أَلْحَقْنَا كِنَايَاتٍ كَثِيرَةً فِي بَابِ الطَّلَاقِ فَكَذَلِكَ بِصَرِيحِهِ لِمَا اُشْتُهِرَتْ فِي الطَّلَاقِ بِسَبَبِ نَقْلِ الْعُرْفِ أَيَّاهَا لِلطَّلَاقِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا. وَهَذَا الْجَوَابُ حَسَنٌ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ فِي جَمِيعِ الْأَسْمَاءِ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْحَلِفِ بِهَا فَيَنْفِي النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ الِاحْتِمَالَ اللُّغَوِيَّ وَأَمَّا مَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالْحَلِفِ بِهِ كَالْحَكِيمِ وَالرَّشِيدِ وَنَحْوِهِمَا فَلَعَلَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَا يَعْلَمُهَا أَسْمَاءً لِلَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَشْتَهِرُ الْحَلِفُ بِهَا وَلَمْ أَعْلَمْ أَنِّي رَأَيْت مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الرَّشِيدَ إلَّا فِي التِّرْمِذِيِّ حَيْثُ عَدَّدَ أَسْمَاءَ اللَّهِ الْحُسْنَى مِائَةً إلَّا وَاحِدًا وَأَصْحَابُنَا عَمَّمُوا الْحُكْمَ فِي الْجَمِيعِ وَلَمْ يُفَصِّلُوا وَهُوَ مُشْكِلٌ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ عَادَةَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَحْلِفُونَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْمَائِهِ فَتَنْصَرِفُ جَمِيعُ الْأَسْمَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى بِقَرِينَةِ الْحَلِفِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّا نَجِدَهُمْ يَحْلِفُونَ بِآبَائِهِمْ وَمُلُوكِهِمْ وَيَقُولُونَ وَنِعْمَةِ السُّلْطَانِ وَحَيَاتِك يَا زَيْدُ وَلَعَمْرِي لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ فَيَحْلِفُ بِعَمْرِهِ وَحَيَاةِ مُخَاطَبِهِ طُولَ النَّهَارِ فَلَيْسَ ظَاهِرُ حَالِهِمْ الِانْضِبَاطَ وَلَا حَصَلَ فِي الْأَسْمَاءِ الْقَلِيلَةِ الِاسْتِعْمَالِ عُرْفٌ وَلَا نَقْلٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فَيُسْتَصْحَبُ فِيهَا حُكْمُ اللُّغَةِ وَأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِلْقَدِيمِ هَذَا هُوَ الْفِقْهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْخِصَالِ الْأَنْدَلُسِيِّ يَجُوزُ الْحَلِفُ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ قَوْلُك بِاسْمِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا غَوْرٌ بَعِيدٌ بِسَبَبِ أَنَّ الِاسْمَ هَا هُنَا إنْ أُرِيدَ بِهِ الْمُسَمَّى اسْتَقَامَ الْحُكْمُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْمُسَمَّى فَقَدْ حَكَى ابْنُ السَّيِّدِ الْبَطَلْيُوسِيُّ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي لَفْظِ الِاسْمِ هَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَسْمَاءِ الذَّوَاتِ فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا لَفْظًا هُوَ اسْمٌ أَوْ وُضِعَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسَمَّيَاتِ فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا مُسَمًّى قَالَ وَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى أَمْ لَا وَأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي لَفْظِ " اسْمٍ " الَّذِي هُوَ أَلْفٌ سِينٌ مِيمٌ وَأَمَّا لَفْظُ نَارٍ وَذَهَبٍ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ عَاقِلٌ إنَّ لَفْظَ نَارٍ هُوَ عَيْنُ النَّارِ حَتَّى يَحْتَرِقَ فَمُ مَنْ نَطَقَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَا لَفْظُ ذَهَبٍ هُوَ عَيْنُ الذَّهَبِ الْمَعْدِنِيِّ حَتَّى يَحْصُلَ الذَّهَبُ الْمَعْدِنِيُّ فِي فَمِ مَنْ نَطَقَ بِلَفْظِ الذَّهَبِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي لَفْظِ الِاسْمِ خَاصَّةً وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى هَذَا وَقُلْنَا الِاسْمُ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْأَسْمَاءِ وَأَنَّ مُسَمَّاهُ لَفْظٌ حِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَلْزَمَ بِهِ كَفَّارَةٌ وَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ كَمَا لَوْ قُلْنَا وَرِزْقِ اللَّهِ وَعَطَاءِ اللَّهِ فَإِنَّ إضَافَةَ الْمُحْدَثِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا تُصَيِّرُهُ مِمَّا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ كَذَلِكَ إذَا أُضِيفَ الِاسْمُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إضَافَةُ لَفْظٍ مَخْلُوقٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يُوجِبُ كَفَّارَةً. وَإِنْ قُلْنَا هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسَمَّيَاتِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ فَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الْمُسَمَّيَاتِ لَا يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْكَفِيلُ حَافِظٌ لِمَا الْتَزَمَهُ وَالضَّامِنُ مِنْ الضِّمْنِ وَهُوَ الْحِرْزُ وَكُلُّ شَيْءٍ أَحْرَزْته فِي شَيْءٍ فَقَدْ ضَمَّنْته إيَّاهُ وَالْقَبَالَةُ الْقُوَّةُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَالِي بِهَذَا الْأَمْرِ قِبَلٌ وَلَا طَاقَةٌ وَالْقَبِيلُ قُوَّةٌ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ وَالزَّعَامَةُ السِّيَادَةُ فَكَأَنَّهُ لَمَّا تَكَفَّلَ بِهِ صَارَ لَهُ عَلَيْهِ سِيَادَةٌ وَحُكْمٌ عَلَيْهِ وَالصَّبِيرُ مِنْ الصَّبْرِ وَهُوَ الثَّبَاتُ وَالْحَبْسُ وَمِنْهُ الْمَصْبُورَةُ وَهِيَ الْمَحْبُوسَةُ لِلرَّمْيِ بِالسِّهَامِ وَمِنْهُ قَتَلَهُ صَبْرًا أَيْ حَبَسَهُ حَتَّى مَاتَ جُوعًا وَعَطَشًا وَالضَّامِنُ حَبَسَ نَفْسَهُ لِأَدَاءِ الْحَقِّ وَالْكَدِينُ مِنْ كَدَنْت لَك بِكَذَا وَكَذَا وَقَالُوا عَذِيرُك أَيْ كَفِيلُك وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الْكَفَالَةُ أَصْلُهَا الضَّمُّ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْخَشَبَةُ الَّتِي تُعْمَلُ فِي الْحَائِطِ كِفْلًا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] أَيْ ضَمَّهَا لِنَفْسِهِ وَالْكَفَالَةُ هِيَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى فَصَدَقَ الْمَعْنَى اهـ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَيْثُ قَالَ إذَا قَالَ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَحَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ اهـ. أَنَّهُ كَانَ يَرَى ذَلِكَ عُرْفًا فِي زَمَانِهِ أَوْ عُرْفًا شَرْعِيًّا فَإِمَّا إنْ كَانَ عُرْفًا زَمَانِيًّا فَإِنَّهُ إذًا تَغَيَّرَ الْحُكْمُ وَإِمَّا إنْ كَانَ عُرْفًا شَرْعِيًّا فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ فَلَفْظُ الْكَفَالَةِ كَلَفْظِ الذِّمَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ فِي الْأَصْلِ خَبَرٌ بِالْتِزَامِ مَا لَا يُنْذَرُ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْكَفَالَةِ الْقَدِيمَةِ وَهِيَ وَعْدُهُ تَعَالَى بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ الْقَدِيمِ وَبَيْنَ الْحَادِثَةِ وَهِيَ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا وَعْدُهُ تَعَالَى بِالْكَلَامِ اللَّفْظِيِّ الْحَادِثِ الْمُنَزَّلِ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ الدَّالِّ عَلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ فَهُوَ كَفَالَةٌ حَادِثَةٌ دَالَّةٌ عَلَى تِلْكَ الْكِفَايَةِ الْقَدِيمَةِ كَمَا أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّفْظِيِّ الَّذِي هُوَ {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43] دَلِيلُ أَمْرِهِ النَّفْسِيِّ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ وَالْأَخْبَارِ وَثَانِيهِمَا الَّتِي نَدَبَهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ لِخَلْقِهِ مِنْ ضَمَانِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ الَّتِي هِيَ مِنْ فِعْلِهِمْ وَقَوْلِهِمْ أُضِيفَتْ إلَيْهِ تَعَالَى لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَهِيَ مُلَابَسَةٌ تَشْرِيعِيَّةٌ لِعِبَادِهِ إذْ الْإِنْسَانُ إنَّمَا يَلْتَزِمُ فِعْلًا مِنْ كَسْبِهِ وَقُدْرَتِهِ وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثَيْنِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَوْ نَوَى خُصُوصَ الْقَدِيمِ لَكَانَ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ عَلَيَّ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَبْعُدُ فِي الْفِقْهِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ بِهَذَا كَفَّارَةٌ

دَالًا عَلَى خُصُوصِ وَاجِبِ الْوُجُودِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمَا لَا يَكُونُ دَالًا عَلَيْهِ لُغَةً لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا بِنِيَّةٍ أَوْ عُرْفٍ نَاقِلٍ وَلَا وَاحِدَ مِنْهُمَا فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَلَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُ اللَّفْظِ لِلَّهِ تَعَالَى فَهَذَا تَحْرِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ هَا اللَّهِ يَمِينُ تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَاللَّهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ حَذْفُ حَرْفِ الْقَسَمِ وَإِقَامَةُ هَا التَّنْبِيهِ مَقَامَهُ وَقَدْ نَصَّ النُّحَاةُ عَلَى ذَلِكَ " فَائِدَةٌ " الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْكَمَالِ قَالَ سِيبَوَيْهِ تَكُونُ لَامُ التَّعْرِيفِ لِلْكَمَالِ تَقُولُ زَيْدٌ الرَّجُلُ تُرِيدُ الْكَامِلَ فِي الرُّجُولِيَّةِ وَكَذَلِكَ هِيَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا قُلْت الرَّحْمَنُ أَيْ الْكَامِلُ فِي مَعْنَى الرَّحْمَةِ أَوْ الْعَلِيمُ أَيْ الْكَامِلُ فِي مَعْنَى الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأَسْمَاءِ فَهِيَ لَا لِلْعُمُومِ وَلَا لِلْعَهْدِ وَلَكِنْ لِلْكَمَالِ. (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَدْخُلُهُ الْمَجَازُ فِي الْأَيْمَانِ وَالتَّخْصِيصُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَدْخُلُهُ الْمَجَازُ وَالتَّخْصِيصُ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَلْفَاظَ عَلَى قِسْمَيْنِ نُصُوصٌ وَظَوَاهِرُ فَالنُّصُوصُ هِيَ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الْمَجَازَ وَلَا التَّخْصِيصَ وَالظَّوَاهِرُ هِيَ الَّتِي تَقْبَلُهَا، فَالنُّصُوصُ الَّتِي هِيَ كَذَلِكَ قِسْمَانِ أَسْمَاءٌ لِلْأَعْدَادِ نَحْوُ الْخَمْسَةِ وَالْعَشَرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ أَوَّلُهَا الِاثْنَانِ وَآخِرَهَا الْأَلْفُ وَلَمْ تَصْنَعْ الْعَرَبُ بَعْدَ ذَلِكَ لَفْظًا آخَرَ لِلْعَدَدِ بَلْ عَادَتْ إلَى رُتَبِ الْأَعْدَادِ فَقَالَتْ أَلْفَانِ وَهَذَا هُوَ التَّثْنِيَةُ فَتُكَرَّرُ مَرَاتِبُ الْأَعْدَادِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: الْآحَادُ إلَى الْعَشَرَةِ وَالْعَشَرَاتُ إلَى الْمِائَةِ وَالْمِئَاتُ إلَى الْأَلْفِ ثُمَّ الْأُلُوفُ فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ هِيَ رُتَبُ الْأَعْدَادُ وَهِيَ آحَادٌ وَعَشَرَاتٌ وَمِئَاتٌ وَأُلُوفٌ وَتُكَرَّرُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ فِي مَرَاتِبِ الْأَعْدَادِ إلَى غَيْرِ النِّهَايَةِ مُكْتَفِيَةً بِهَا مِنْ غَيْرِ النِّهَايَةِ فَهَذِهِ عِنْدَ الْعَرَبِ نُصُوصٌ لَا يَدْخُلُهَا الْمَجَازُ وَلَا التَّخْصِيصُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُطْلِقَ الْعَشَرَةُ وَتُرِيدَ بِهَا التِّسْعَةَ وَلَا غَيْرَهَا مِنْ مَرَاتِبِ الْأَعْدَادِ فَهَذَا هُوَ الْمَجَازُ وَأَمَّا التَّخْصِيصُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ رَأَيْت عَشَرَةً ثُمَّ تُبَيِّنَ بَعْدَ ذَلِكَ مُرَادَك بِهَا وَتَقُولَ أَرَدْت خَمْسَةً فَإِنَّ التَّخْصِيصَ مَجَازٌ أَيْضًا لَكِنَّهُ يَخْتَصُّ بِبَقَاءِ بَعْضِ الْمُسَمَّى، وَالْمَجَازُ قَدْ لَا يَبْقَى مَعَهُ مِنْ الْمُسَمَّى شَيْءٌ كَمَا تَقُولُ رَأَيْت إخْوَتَك ثُمَّ تَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ أَرَدْت بِإِخْوَتِك نِصْفَهُمْ وَهُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَهَذَا تَخْصِيصٌ وَقَدْ بَقِيَ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِي بَعْضِ الْإِخْوَةِ وَالْمَجَازُ الَّذِي لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ أَنْ تَقُولَ أَرَدْت بِإِخْوَتِك مَسَاكِنَهُمْ أَوْ دَوَابَّهُمْ وَوَجْهُ الْعَلَاقَةِ مَا بَيْنَ الْإِخْوَةِ وَهَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ الْمُلَابَسَةِ وَلَيْسَ الْمَسَاكِنُ وَلَا الدَّوَابُّ بَعْضُ الْإِخْوَةِ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْمُسَمَّى شَيْءٌ فَالْمَجَازُ أَعَمُّ مِنْ التَّخْصِيصِ فَكُلُّ تَخْصِيصٍ مَجَازٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَجَازٍ تَخْصِيصًا فَالْأَعْدَادُ لَا يَدْخُلُهَا الْمَجَازُ. وَلَا التَّخْصِيصُ فَالتَّخْصِيصُ أَنْ تُرِيدَ بِالْعَشَرَةِ بَعْضَهَا وَالْمَجَازُ أَنْ تُرِيدَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإذْ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَلَا حِنْثٍ لَا تَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ لِأَنَّ لُزُومَ الْمُسَبَّبِ بِدُونِ سَبَبِهِ غَيْرُ وَاقِعٍ شَرْعًا وَجَعَلَهُ مِنْ قَبِيلِ مَا إذَا قَالَ عَلَيَّ عَشْرُ كَفَّارَاتٍ أَوْ مَوَاثِيقَ أَوْ نُذُورٍ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَالَ ذَلِكَ لَزِمَهُ عَدَدُ مَا ذَكَرَ كَفَّارَاتٍ اهـ. غَايَتُهُ تَصْحِيحُ كَوْنِهِ مِنْ بَابِ الْكَفَّارَةِ مَجَازًا لَا تَصْحِيحُ كَوْنِهِ مِنْ بَابِ الْحَلِفِ وَالْأَيْمَانِ فِي شَيْءٍ الَّذِي كَلَامُنَا فِيهِ وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مِنْ بَابِ الْحَلِفِ إلَّا إذَا جَرَى الْعُرْفُ الزَّمَانِيُّ بِنَقْلِهِ مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ إلَى إنْشَاءِ الْقَسَمِ بِالْكَفَالَةِ الْقَدِيمَةِ بِحَيْثُ يَغْلِبُ الِاسْتِعْمَالُ عَلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ اللَّفْظُ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ نَعَمْ ذَلِكَ وَإِنْ وُجِدَ فِي زَمَانِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يُوجَدْ فِي زَمَانِنَا فَحِينَئِذٍ لَا تُتَّجَهُ الْفُتْيَا فِيهِ بِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ضَرُورَةً تَغَيَّرَ الْحُكْمُ بِتَغَيُّرِ الْعُرْفِ الزَّمَانِيِّ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ كَانَ يَرَى جَرَيَانَ الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ بِنَقْلِهِ مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ إلَى الْإِنْشَاءِ الْمَذْكُورِ وَفِي الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ لَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ فَحِينَئِذٍ تُتَّجَهُ الْفُتْيَا فِيهِ بِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَيَجْرِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي عَلَيَّ ضَمَانُ اللَّهِ وَنَحْوِهِ مِنْ سَائِرِ الْمُرَادِفَاتِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ الْأَصْلُ وَيَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِقَوْلِهِ وَكَفَالَةِ اللَّهِ أَوْ أُقْسِمُ بِكَفَالَةِ اللَّهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الصِّيَغِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْقَسَمِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ النَّقْلُ إلَى إنْشَاءِ الْقَسَمِ مَجَازًا أَوْ عَلَيْهِ الِاسْتِعْمَالُ عُرْفًا فِي الْإِنْشَاءِ الْمَذْكُورِ كَمَا يُتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ كَمَا عَلِمْت فَهُوَ أَصْرَحُ مِنْهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَسَمٌ مُسْتَغْنٍ عَمَّا ذُكِرَ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي احْتِمَالِ الْكَفَالَةِ الْحَادِثَةِ وَكَوْنِ إضَافَتِهَا إلَيْهِ تَعَالَى لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ اهـ. وَفِي الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِهِ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِكَفَالَةِ اللَّهِ أَيْ الْتِزَامِهِ إنْ لَمْ يَنْوِ مَعْنًى حَادِثًا أَيْ الْتِزَامِهِ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ الثَّوَابِ بِأَنْ نَوَى قَدِيمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا اهـ. وَيَجْرِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَضَمَانِ اللَّهِ أَوْ أُقْسِمُ بِضَمَانِ اللَّهِ وَنَحْوِهِ مِنْ الصِّيَغِ الْمَوْضُوعَةِ فِي سَائِرِ الْمُتَرَادِفَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَافْهَمْ. (اللَّفْظُ السَّادِسُ) قَوْلُهُ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِهِ إذَا حَنِثَ كَعَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَعَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ وَلَا يُتَّجَهُ إلَّا إذَا جَرَى بِنَقْلِهِ مِنْ الْإِخْبَارِ بِالِالْتِزَامِ الْمُؤَكَّدِ إلَى إنْشَاءِ

بِالْعَشَرَةِ مُسَمَّى الْعُشْرِ أَوْ بِالْخَمْسَةِ مُسَمَّى الْخُمُسِ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ نِسْبَةُ الْعُشْرِ لِأَنَّهَا عُشْرُ الْمِائَةِ وَالْخَمْسَةَ نِسْبَةُ الْخُمُسِ لِأَنَّهَا خُمُسُ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ فَهَذَا أَجْنَبِيٌّ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ (الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ النُّصُوصِ الْأَلْفَاظُ الَّتِي هِيَ مُخْتَصَّةٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى نَحْوُ لَفْظِ الْجَلَالَةِ وَلَفْظِ الرَّحْمَن فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا فِي غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فَهَذَا الِامْتِنَاعُ شَرْعِيٌّ وَالِامْتِنَاعُ فِي الْإِعْدَادِ لُغَوِيٌّ وَأَمَّا الظَّوَاهِرُ فَهِيَ مَا عَدَا هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ مِنْ الْعُمُومَاتِ نَحْوُ الْمُشْرِكِينَ وَأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ نَحْوُ الْأَسَدِ وَغَيْرِهِ مِمَّا وُضِعَ لِجِنْسٍ مِنْ الْجَمَادِ أَوْ النَّبَاتِ أَوْ الْحَيَوَانِ أَوْ جِنْسٍ مِنْ قَبِيلِ الْإِعْرَاضِ نَحْوُ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ وَالْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ فَيَجُوزُ الْمَجَازُ فِيهَا كَمَا يَجُوزُ إطْلَاقُ الْعِلْمِ وَيُرَادُ بِهِ الظَّنُّ مَجَازًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10] أَيْ ظَنَنْتُمُوهُنَّ فَإِنَّ الْأَيْمَانَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُعْلَمُ وَلَكِنْ تَدُلُّ عَلَيْهِ ظَوَاهِرُ الْأَحْوَالِ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} [الكهف: 53] أَيْ قَطَعُوا وَعَلِمُوا هَذَا هُوَ الْمُقَرَّرُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَفِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فِي أَبْوَابِ الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا وَعَلَيْهِ سُؤَالٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَسْتَعْمِلُ اسْمَ الْعَدَدِ مَجَازًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80] قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ الْكَثْرَةُ كَيْفَ كَانَتْ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ سَبْعُونَ زِرَاعًا أَيْ طَوِيلَةً جِدًّا وَخُصُوصُ السَّبْعِينَ لَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ الْكَثْرَةُ جِدًّا وَهَذَا مَجَازٌ قَدْ دَخَلَ فِي السَّبْعِينَ وَهُمْ اسْمُ الْعَدَدِ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك: 4] . قَالَ الْمُفَسِّرُونَ الْمُرَادُ بِكَرَّتَيْنِ الْمُرَاجَعَةُ الْكَثِيرَةُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ وَعَبَّرَ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ عَنْ أَصْلِ الْكَثْرَةِ وَهَذَا مَجَازٌ قَدْ دَخَلَ فِي لَفْظِ كَرَّتَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ الْعَدَدِ وَاسْمُ الْعَدَدِ إنَّمَا هُوَ اثْنَانِ لَكِنَّ كَرَّتَيْنِ فِي مَعْنَاهَا وَيَقُولُ أَهْلُ الْعُرْفِ سَأَلْتُك أَلْفَ مَرَّةٍ فَمَا قَضَيْت لِي حَاجَةً وَكَذَلِكَ زُرْتُك مِائَةَ مَرَّةٍ فَلَمْ تَرْعَ لِي ذَلِكَ وَلَا يُرِيدُونَ خُصُوصَ الْأَلْفِ وَالْمِائَةِ بَلْ الْكَثْرَةَ وَهَذَا مَجَازٌ قَدْ دَخَلَ فِي الْمِائَةِ وَالْأَلْفِ وَإِذَا انْفَتَحَ الْبَابُ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي بَعْضِهَا انْخَرَمَ الْجَزْمُ فِي بَقِيَتْهَا فَلَمْ يَبْقَ لَنَا نُصُوصٌ أَلْبَتَّةَ فِي أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ غَيْرَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ مُطْبِقُونَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالْوَاقِعُ كَمَا تَرَى فَتَأَمَّلْهُ وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ صِحَّةِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا تَتَخَرَّجُ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا حَلَفَ لَيُعْتِقَنَّ ثَلَاثَةَ عَبِيدٍ الْيَوْمَ فَأَعْتَقَ عَبْدَيْنِ وَقَالَ أَرَدْت بِلَفْظِ ثَلَاثَةِ الِاثْنَيْنِ لَمْ تُفِدْهُ نِيَّتُهُ وَحَنِثَ إنْ خَرَجَ الْيَوْمُ وَلَمْ يُعْتِقْ الثَّالِثَ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ لَفْظُ الثَّلَاثَةِ فِي الِاثْنَيْنِ مَجَازٌ وَهُوَ لَا يَدْخُلُ فِي أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ لَا تُفِيدُ فِيهَا النِّيَّةُ فِي الْأَيْمَانِ وَلَا فِي الطَّلَاقِ وَلَا فِي غَيْرِهِمَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأُعْتِقَنَّ عَبِيدِي قَالَ أَرَدْت بَعْضَهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ أَوْ أَرَدْت بِعَبِيدِي دَوَابِّي وَأَرَدْت بِالْعِتْقِ بَيْعَهَا أَفَادَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْعَبِيدِ مَجَازًا فِي الدَّوَابِّ وَالْعَلَاقَةُ الْمِلْكُ فِي الْجَمِيعِ وَاسْتِعْمَالُ الْعِتْقِ مَجَازٌ فِي الْبَيْعِ وَالْعَلَاقَةُ بُطْلَانِ الْمِلْك فَهَذَا تُفِيدُهُ فِيهِ النِّيَّةُ وَالْمَجَازُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأُعْتِقَنَّ ثَلَاثَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَسَمِ إمَّا عُرْفٌ زَمَانِيٌّ وَحِينَئِذٍ فَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِتَغَيُّرِ الْعُرْفِ وَإِمَّا عُرْفٌ شَرْعِيٌّ وَحِينَئِذٍ لَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمِيثَاقَ لُغَةً الْعَهْدُ الْمُوَثَّقُ بِالْيَمِينِ الَّذِي هُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِنْشَاءِ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّوَثُّقِ وَهُوَ التَّقْوِيَةُ وَهُوَ أَنَّ الْعَهْدَ لُغَةً الِالْتِزَامُ فَمِيثَاقُ اللَّهِ بِالْإِضَافَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْتِزَامِهِ تَعَالَى الْمُقَوَّى بِالْقَسَمِ فَيَصْدُقُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَهُوَ كَلَامُهُ تَعَالَى النَّفْسِيِّ الْقَدِيمِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ أَلْفَاظُ الْمَوَاثِيقِ الْقُرْآنِيَّةِ الْأَتِيَّةِ وَبَيْنَ الْحَادِثَيْنِ أَحَدُهُمَا أَلْفَاظُ الْمَوَاثِيقِ الْقُرْآنِيَّةِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن: 7] وقَوْله تَعَالَى {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] إلَى قَوْلِهِ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9] {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 10] مِنْ الِالْتِزَامَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ الْكَثِيرَةِ الْمُؤَكَّدَةِ بِالْحَلِفِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ الْتِزَامٌ لَفْظِيٌّ مُؤَكَّدٌ بِالْحَلِفِ أَيْ قَوْلُهُ وَرَبِّي وَالثَّانِي الْتِزَامٌ لَفْظِيٌّ مُؤَكَّدٌ بِالْحَلِفِ أَيْ قَوْلِهِ السَّابِقِ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1] إلَى قَوْلِهِ {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس: 7] دَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ الْتَزَمَ الْتِزَامًا مُؤَكَّدًا بِأَنَّ مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ فَإِنَّهُ يَجِدُ عِنْدَهُ تَعَالَى فَلَاحًا وَأَنَّ مِنْ دَسَّا لَهَا أَيْ دَسَّسَهَا بِالْمَعَاصِي فَأُبْدِلَتْ إحْدَى السِّينَيْنِ أَلِفًا فَإِنَّهُ يَجِدُ عِنْدَهُ تَعَالَى خَيْبَةً (وَثَانِيهِمَا) مَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا بِأَنَّ مِنْ أَمْرِهِ لَنَا تُلْتَزَمُ الْحُقُوقُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْنَا لِلْعِبَادِ وَأَنْ نُزِيلَ الرِّيبَةَ مِنْ صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ أَصْحَابُ تِلْكَ الْحُقُوقِ بِتَأْكِيدِ ذَلِكَ بِالْإِيمَانِ النَّافِي لِتِلْكَ الرِّيبَةِ أُضِيفَ إلَيْهِ تَعَالَى لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَهِيَ مُلَابَسَةُ الْمَشْرُوعِيَّةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} [المائدة: 106] كَمَا مَرَّ فَلَفْظُ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ دَائِرٌ بَيْنَ مَا هُوَ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ وَهُوَ الْمِيثَاقُ الْقَدِيمُ وَبَيْنَ مَا هُوَ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لَهَا وَهُمَا الْمِيثَاقَانِ الْحَادِثَانِ أَعْنِي اللَّفْظِيَّ وَالْمَشْرُوعَ فِي حَقِّنَا وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَقَعَ أَوْ كَانَ مُرَادًا وَالدَّائِرُ بَيْنَ الْمُوجِبِ وَغَيْرِ الْمُوجِبِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمُوجِبُ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا فَمِنْ هُنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْعَهْدُ وَالْكَفَالَةُ وَالْمِيثَاقُ كِنَايَاتٌ لَا صَرَائِحُ لِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ الْمَعَانِي الْقَدِيمَةِ وَبَيْنَ الْمُحْدَثَاتِ فَإِنْ نَوَى الْقَدِيمَةَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِهِ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِكَفَالَةِ اللَّهِ وَعَهْدِ

عَبِيدٍ وَنَوَى أَنَّهُ يَبِيعُ ثَلَاثَ دَوَابَّ مِنْ دَوَابِّهِ صَحَّ لِأَنَّ لَفْظَ ثَلَاثَةٍ لَمْ يَدْخُلْهُ مَجَازٌ وَإِنَّمَا دَخَلَ الْمَجَازُ فِي الْمَعْدُودِ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ أَعْنِي الْعَبِيدَ فَعَبَّرَ بِجِنْسِ الْعَبِيدِ عَنْ جِنْسِ الدَّوَابِّ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِلَفْظِ الثَّلَاثِ عَنْ غَيْرِ الثَّلَاثِ فَهُوَ عَلَى بَابِهِ وَنَظِيرُهُ مِنْ الطَّلَاقِ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَيُرِيدَ بِالثَّلَاثِ اثْنَتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً لَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت أَنَّك طَلُقْت ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ الْوَلَدِ أَفَادَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ فِي الْفُتْيَا وَلَا فِي الْقَضَاءِ إنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ قَامَتْ لَكِنْ هُنَاكَ مِنْ الْقَرَائِنِ مَا يُعَضِّدُهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفُتْيَا. وَقَدْ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فَقَالَ أَثَّرَتْ النِّيَّةُ فِي الْكُلِّ وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي الْبَعْضِ وَذَلِكَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ فَإِنَّ النِّيَّةَ أَبْطَلَتْ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ كُلِّهَا إذَا نَوَى طَلْقَ الْوَلَدِ وَهَذَا هُوَ جُمْلَةُ مَدْلُولِ اللَّفْظِ فَأَوْلَى أَنْ يُبْطِلَ بَعْضَ مَدْلُولِ اللَّفْظِ وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِالثَّلَاثِ اثْنَتَيْنِ وَجَوَابُهُ أَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا أَثَّرَتْ فِي لَفْظِ الْمَعْدُودِ فَقَطْ وَهُوَ الطَّلَاقُ وَأَمَّا اسْمُ الْعَدَدِ فَبَاقٍ عَلَى حَالِهِ ثَلَاثًا غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا تَغَيَّرَ الْمَعْدُودُ وَانْتَقَلَ انْتَقَلَ الْعَدَدُ مَعَهُ عَلَى حَالِهِ وَهُوَ ثَلَاثٌ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ لِمَفْهُومِ الثَّلَاثِ فَدَخَلَ التَّغْيِيرُ وَالْمَجَازُ فِي اسْمِ الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ اسْمُ جِنْسٍ دُونَ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ اسْمُ عَدَدٍ فَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ مَجَازٌ أَلْبَتَّةَ غَيْرَ أَنَّ مَعْدُودَهُ تَغَيَّرَ مِنْ الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ إزَالَةُ الْعِصْمَةِ إلَى جِنْسٍ آخَرَ وَهُوَ طَلْقُ الْوَلَدِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَجْنَاسِ فَلَا إشْكَالَ حِينَئِذٍ فَإِنْ قُلْت لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ أَوْ وَالرَّحْمَنِ لَا فَعَلْت كَذَا وَقَالَ أَرَدْت بِلَفْظِ الْجَلَالَةِ أَوْ بِلَفْظِ الرَّحْمَنِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَبَّرْت بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ لِلَّهِ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْفَاعِلِ عَلَى أَثَرِهِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْعَلَاقَةِ وَالْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقِ لَا تَلْزَمُ بِهِ كَفَّارَةٌ فَلَا تَلْزَمُنِي كَفَّارَةٌ هَلْ تَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْمَجَازِ قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ وَأَنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُمَا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَمَا امْتَنَعَ شَرْعًا فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ حِسًّا فَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَهَذَا بِخِلَافِ لَوْ قَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي وَالْعَلِيمِ وَالْعَزِيزِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ كَفَالَةِ اللَّهِ وَعَهْدِ اللَّهِ وَعِلْمِ اللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ الَّتِي تَقَدَّمَ بَسْطُهَا بَعْضَ مَخْلُوقَاتِهِ مِمَّنْ هُوَ عَلِيمٌ أَوْ عَزِيزٌ أَوْ بَعْضَ صِفَاتِ الْبَشَرِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْكَفَالَةِ وَالْعَهْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَأَضَفْتُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إضَافَةَ الْخَلْقِ لِلْخَالِقِ فَإِنَّا نَسْمَعُ هَذِهِ النِّيَّةَ وَتُفِيدُهُ فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَيْسَتْ نُصُوصًا بَلْ أَسْمَاءَ أَجْنَاسٍ وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّهَا كِنَايَاتٌ لَا تَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِقُوَّةِ التَّرَدُّدِ عِنْدَهُمْ وَالِاحْتِمَالِ وَقَدْ حَكَيْته فِيمَا مَضَى عَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَقَالُوا ذَلِكَ أَيْضًا فِي الصِّفَاتِ وَاشْتَرَطُوا فِيهَا الشُّهْرَةَ الْعُرْفِيَّةَ وَنَحْنُ وَإِنْ لَمْ نُوَافِقهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَنَحْنُ نُلْزِمُهُ الْكَفَّارَةَ بِنَاءً عَلَى الظُّهُورِ وَالصَّرَاحَةِ لَا بِنَاءً عَلَى النُّصُوصِيَّةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الْمَجَازَ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَوَاطِنَ وَمَا تُفِيدُ فِيهِ نِيَّةُ الْمَجَازِ وَمَا لَا تُفِيدُ فَإِنَّهُ فَرْقٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ حَاجَةً شَدِيدَةً وَقَدْ اتَّضَحَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّهِ إنْ لَمْ يَنْوِ مَعْنًى حَادِثًا بِأَنْ نَوَى قَدِيمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا اهـ. وَيَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَجْمُوعَةً كَعَلَيَّ عُهُودُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ كَفَالَاتُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ مَوَاثِيقُ اللَّهِ مَا جَرَى فِيهَا مُفْرَدَةً. (اللَّفْظُ السَّابِعُ) قَوْلُنَا وَحَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الرَّحْمَنِ وَحَقِّ الرَّحِيمِ وَحَقِّ الْعَلِيمِ وَالْجَبَّارِ قَالَ الشَّافِعِيُّ مِنْ الْكِنَايَاتِ لَا الصَّرَائِحِ لِأَنَّ لَفْظَ الْحَقِّ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ مِنْ الطَّاعَةِ وَالْأَفْعَالِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُمْ وَهِيَ حَادِثَةٌ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَلَا يَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ حَتَّى يَنْوِيَ الْقَدِيمَ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ النَّفْسَانِيُّ الْمُوَظَّفُ عَلَى عِبَادِهِ وَفِي مَجْمُوعِ الْأَمِيرِ وَشَرْحِهِ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِحَقِّ اللَّهِ أَيْ اسْتِحْقَاقِهِ إنْ لَمْ يَنْوِ مَعْنًى حَادِثًا أَيْ الْحُقُوقُ الَّتِي عَلَى الْعِبَادِ مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا بِأَنْ نَوَى قَدِيمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا اهـ. وَفِي كنون عَلَى عبق وَحَقِّ اللَّهِ قُدْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ قَالَهُ فِي الْبَيَانِ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الْقَابِسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا نَصُّهُ فِي جَوَابٍ لِلْوَنْشَرِيسِيِّ لَا يَلْزَمُ الْحَالِفَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَفَّارَةٌ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ أَيْ أَنْ يُطِيعُوهُ وَلَا يُخَالِفُوهُ وَأَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْيَمِينَ فَيَجْرِيَ عَلَى الْخِلَافِ فِي انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِالنِّيَّةِ اهـ. (اللَّفْظُ الثَّامِنُ) ايْمُنُ اللَّهِ بِلُغَاتِهِ الْأَرْبَعَ عَشْرَةَ الَّتِي فِي قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ (: هَمْزَ أَيْمُ أَيْمُنُ فَافْتَحْ وَاكْسِرَا وَأُمْ قُلْ أَوْ قُلْ ... أَوْ مُنُ بِالتَّثْلِيثِ قَدْ شُكِلَا وَأَيْمَنُ اخْتِمْ بِهِ وَاَللَّهُ كُلًّا أَضِفْ ... إلَيْهِ فِي قَسَمٍ تُسَوَّفْ مَا نُقِلَا) وَايَمَنُ الْأَخِيرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ فِي الرَّهُونِيِّ عَلَى عبق وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ مَا نَصُّهُ أَمَّا اَيْمُ اللَّهِ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّهَا يَمِينٌ لِأَنَّ اَيْمُ اللَّهِ أَوْ ايْمُنُ اللَّهِ أَوْ مُنُ اللَّهِ كُلَّهَا جَاءَتْ لِلْعَرَبِ فِي الْقَسَمِ فَمِنْ النُّحَاةِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا عِنْدَهُمْ أَيْمُنُ جَمْعُ يَمِينٍ ثُمَّ حَذَفُوا عَلَى عَادَتِهِمْ فِي الْحَذْفِ لِأَكْثَرِ اسْتِعْمَالِهِمْ فَقَالُوا اَيْمُ اللَّهِ لَا فَعَلْت أَوْ لَأَفْعَلَنَّ كَمَا قَالُوا يَمِينُ اللَّهِ لَا فَعَلْت أَوْ لَأَفْعَلَنَّ قَالَ الشَّاعِرُ: فَقُلْت يَمِينُ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا ... وَلَوْ قَطَعُوا رَأْسِي لَدَيْك وَأَوْصَالِي

إيضَاحًا حَسَنًا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَقَاعِدَةِ الْمَجَازِ فِي الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا) اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هُوَ مَا كَانَ بِإِلَّا وَحَاشَا وَخَلَا وَعَدَا وَلَا يَكُونُ وَلَيْسَ وَبَقِيَّةُ أَخَوَاتِهَا وَهِيَ إحْدَى عَشَرَةَ أَدَاةً مُسْتَوْعَبَةً فِي كُتُبِ النَّحْوِ وَالْمَجَازُ هُوَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا وَإِذَا عَلِمْت حَقِيقَتَهُمَا فَاعْلَمْ أَنَّهُمَا بِحَسَبِ مَوَارِدِهِمَا الَّتِي يَرِدَانِ عَلَيْهَا كُلُّ وَاحِدٍ أَعَمُّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ وَضَابِطُ الْأَعَمِّ مِنْ وَجْهٍ وَالْأَخَصِّ مِنْ وَجْهٍ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُوجَدُ مُنْفَرِدًا وَمَعَ الْآخَرِ فَيَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصُورَةٍ وَيَجْتَمِعَانِ فِي صُورَةٍ كَالْحَيَوَانِ وَالْأَبْيَضِ يُوجَدُ الْأَبْيَضُ بِدُونِ الْحَيَوَانِ فِي الْجِيرِ وَالثَّلْجِ وَالْحَيَوَانُ بِدُونِ الْأَبْيَضِ فِي الزَّنْجِ وَالْجَامُوسِ وَيَجْتَمِعَانِ مَعًا فِي كُلِّ حَيَوَانٍ أَبْيَضَ كَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ وَالْمَجَازُ يُوجَدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي صُورَةٍ لَا يَجُوزُ وُجُودُ الْآخَرِ فِيهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَا فِي صُورَةٍ يَجُوزُ دُخُولُهُمَا فِيهَا وَتَكُونُ قَابِلَةً لَهُمَا وَأُبَيِّنُ ذَلِكَ بِالْمِثْلِ مِثَالُ الصُّورَةِ الَّتِي يَدْخُلُهَا الِاسْتِثْنَاءُ دُونَ الْمَجَازِ وَيَمْتَنِعُ اسْتِعْمَالُ الْمَجَازِ فِيهَا أَسْمَاءُ الْأَعْدَادِ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُ الْعَشَرَةِ وَيُرَادُ بِهَا تِسْعَةٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَمَا عَلَيْهِ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ لَا يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا مِنْ الْأَعْدَادِ وَإِنْ اتَّصَلَ مَا لَمْ يَبْنِ كَلَامَهُ عَلَيْهِ نَحْوُ وَاَللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمًا وَكَذَلِكَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً بِخِلَافِ الْعُمُومِ وَبِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الِاتِّصَالُ وَإِنْ لَمْ يَبْنِ الْكَلَامَ عَلَيْهِ وَمِثَالُ الصُّورَةِ الَّتِي يَدْخُلُهَا الْمَجَازُ دُونَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَعْطُوفَاتُ فَإِذَا قُلْت رَأَيْت زَيْدًا وَعَمْرًا إلَّا عَمْرًا لَمْ يَجُزْ لُغَةً لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حُكْمِ عَمْرٍو وَهُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَأَنْتَ مُسْتَثْنٍ لِجُمْلَةِ مَا نَطَقْت بِهِ فِي الْمَعْطُوفَاتِ وَاسْتِثْنَاءُ جُمْلَة كَلَامٍ مَنْطُوقٍ بِهِ مَمْنُوعٌ وَكَذَلِكَ أَعْطِ زَيْدًا دِرْهَمًا وَدِرْهَمًا إلَّا دِرْهَمًا مُمْتَنِعٌ لِاسْتِثْنَاءِ جُمْلَةٍ مَنْطُوقٍ بِهَا بِخِلَافِ أَعْطِهِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمًا وَيَجُوزُ الْمَجَازُ فِي الْمَعْطُوفَاتِ وَأَنْ يُرِيدَ بِالثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ فِي الصُّورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا الْأَسْمَاءُ الْمُتَرَادِفَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86] . وَالْحُزْنُ هُوَ الْبَثُّ وَقَدْ أُرِيدَ بِهِ الْأَوَّلُ وَلَوْ قُلْت أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلَّا حُزْنِي لَمْ يَجُزْ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ أَعْطِهِ بُرًّا وَحِنْطَةً وَتَعْطِفَ الشَّيْءَ عَلَى نَفْسِهِ إذَا اخْتَلَفَ اللَّفْظُ كَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ النُّحَاةُ وَلَوْ قُلْت رَأَيْت بُرًّا وَحِنْطَةً إلَّا حِنْطَةً لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا جُعِلَ لِإِخْرَاجِ مَا الْتَفَّ فِي الْكَلَامِ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ وَمَا قُصِدَ بِالْعَطْفِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَغَيْرَ مُرَادٍ وَهُوَ جَمَعَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ تَكُونَ الْأَلْفَاظُ مُتَبَايِنَةً غَيْرَ مُتَرَادِفَةٍ وَيُرِيدَ بِالثَّانِي الْأَوَّلَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ كَقَوْلِك ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ أَلِفَ ايْمُنُ اللَّهِ أَلِفُ وَصْلٍ وَإِنَّمَا فُتِحَتْ لِدُخُولِهَا عَلَى اسْمٍ غَيْرِ مُتَمَكِّنٍ وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْيُمْنِ وَالْبَرَكَةِ اهـ. بِلَفْظِهِ وَقَوْلُ عبق وَارِدٌ بِالْبَرَكَةِ الْمَعْنَى الْقَدِيمُ قَالَ ح هُوَ إرَادَةُ الْبَرَكَةِ اهـ. وَفِي مَجْمُوعِ الْأَمِيرِ وَشَرْحِهِ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِاَيْمِ اللَّهِ أَيْ بَرَكَتِهِ وَبَقِيَّةُ لُغَاتِهَا كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَنْوِ حَادِثًا أَيْ بَرَكَةَ الذَّرَّةِ بِأَنْ نَوَى قَدِيمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا اهـ. وَفِي الْأَصْلِ قَالَ سِيبَوَيْهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الْيُمْنِ وَالْبَرَكَةِ فَيَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْمُحْدَثِ مِنْ تَسْمِيَةِ الْأَرْزَاقِ وَالْأَخْلَاقِ وَبَيْنَ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ جَلَالُ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتُهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14] وَ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] أَيْ كَثُرَ جَلَالُهُ وَعُلَاهُ وَصِفَاتُهُ الْعُلَى وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ كِنَايَةٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْمُحْدَثِ وَبَيْنَ الْقَدِيمِ أَيْ فَإِنْ نَوَى الْقَدِيمَ وَحَنِثَ لَزِمَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ الْفَرَّاءُ هُوَ جَمْعُ يَمِينٍ فَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ اهـ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَالشَّخْصُ إنَّمَا يَقُولُ أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُنِي أَوْ عَلَيَّ أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ فِي حَالٍ يَقْتَضِي تَأْكِيدَ خَبَرِهِ الَّذِي يَحْلِفُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ قَرِينَةٌ تَصْرِفُ قَوْلَهُ ذَلِكَ إمَّا إلَى مَا يُؤَكِّدُ بِهِ الْخَبَرَ شَرْعًا فَيَلْزَمُهُ جَمْعُ يَمِينٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذْ هُوَ الْيَمِينُ الشَّرْعِيُّ وَأَقَلُّ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ فَإِذَا حَنِثَ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَقَدْ قِيلَ بِذَلِكَ. وَأَمَّا إلَى مَا يَلْزَمُ مُقْتَضَاهُ شَرْعًا فَيَلْزَمُهُ كُلُّ مَا يَلْزَمُهُ شَرْعًا مِنْ يَمِينٍ وَنَذْرٍ وَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَقَدْ قِيلَ بِذَلِكَ فَهُوَ عَلَى كُلٍّ مِنْ بَابِ لُزُومِ الْأَحْكَامِ بِأَسْبَابِهَا لَا مِنْ بَابِ لُزُومِهَا بِدُونِ أَسْبَابِهَا كَمَا قِيلَ نَعَمْ لُزُومُ مَا ذُكِرَ بِمُجَرَّدِ أَنَّ الْقَرَائِنَ تُفْهِمُ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ عَنِي الْيَمِينَ الشَّرْعِيَّ أَوْ الْمُلْتَزَمَ الشَّرْعِيَّ إنَّمَا يَجْرِي عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ مُعَيَّنَاتِ الْأَلْفَاظِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. (اللَّفْظُ التَّاسِعُ) الْمُصْحَفُ أَوْ الْقُرْآنُ أَوْ كَلِمَةٌ مِنْهُ تَخُصُّهُ كَ {الم} [البقرة: 1] لَا نَحْوُ قَالَ: قَالَ كنون حَاصِلُ مَا لعبق وَالْبَنَّانِيِّ أَنَّ الْقُرْآنَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْنَى النَّفْسِيِّ الْأَزَلِيِّ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى وَعَلَى الْعِبَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ الْمَسْمُوعَةِ لَنَا وَعَلَى نُقُوشِ الْكِتَابَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ وَبَقِيَ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَحْفُوظِ فِي الصُّدُورِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَخَيَّلَةِ كَمَا يُقَالُ حَفِظْت الْقُرْآنَ فَكَلَامُ اللَّهِ يُطْلَقُ بِالِاعْتِبَارَاتِ الْأَرْبَعَةِ وَالْقَدِيمُ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ الْأَوَّلُ قَالَ الْعَزِيزُ

رَأَيْت زَيْدًا وَالْأَسَدَ وَتُرِيدُ بِالْأَسَدِ زَيْدًا لِشَجَاعَتِهِ فَهَذَا يَجُوزُ، وَلَا يَجُوزُ دُخُولُ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ لِأَنَّك أَتَيْت بِاللَّفْظِ الثَّانِي لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ بِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فَإِنَّ قَوْلَك لِزَيْدٍ أَسَدٌ أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِك شُجَاعٌ. وَإِذَا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ فِي مُخَاطَبَاتِهِمْ لَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَهَذَانِ مِثَالَانِ لِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، وَمِثَالُ اجْتِمَاعِهِمَا فِي صِحَّةِ الدُّخُولِ فِيهِ وَالِاسْتِعْمَالِ الْعُمُومَاتُ وَالظَّوَاهِرُ كُلُّهَا يَجُوزُ دُخُولُ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهَا وَالْمَجَازُ فَتَقُولُ فِي الْعُمُومِ رَأَيْت إخْوَتَك إلَّا زَيْدًا فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ وَتَقُولُ رَأَيْت إخْوَتَك وَتُرِيدُ دَارَ إخْوَتِهِ أَوْ أَمِيرَ إخْوَتِهِ لِمَا بَيْنَ الدَّارِ وَالْأَمِيرِ مِنْ الْمُلَابَسَةِ هَذَا فِي الْعُمُومِ وَأَمَّا الظَّوَاهِرُ الَّتِي لَيْسَتْ بِعُمُومٍ نَحْوُ لَفْظِ الْأَسَدِ وَالْفَرَسِ وَجَمِيعِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ يَجُوزُ دُخُولُ الْمَجَازِ فِيهَا إذَا وُجِدَتْ الْعَلَاقَةُ وَدُخُولُ الِاسْتِثْنَاءِ فَتَقُولُ رَأَيْت أَسَدًا إلَّا يَدَهُ وَإِلَّا رَأْسَهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَسْتَوْعِبَهُ. وَكَذَلِكَ رَأَيْت فَرَسًا إلَّا رَأْسَهُ وَيَجُوزُ دُخُولُ الْمَجَازِ فَتُرِيدُ بِالْأَسَدِ زَيْدًا الشُّجَاعَ وَبِالْفَرَسِ حِمَارَهُ الْفَارِهَ لِشَبَهِهِ بِالْفَرَسِ فِي سُرْعَةِ جَرْيِهِ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ بَقِيَّةَ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ فَهَذَا الْقِسْمُ يَدْخُلُ فِيهِ الْمَجَازُ وَالِاسْتِثْنَاءُ غَيْرَ أَنَّ الْمَجَازَ لَك أَنْ تَتَجَوَّزَ بِجُمْلَةِ الِاسْمِ عَنْ جَمِيعِ الْمُسَمَّى إلَى غَيْرِهِ كَمَا عَدَلْت عَنْ الْأَسَدِ بِجُمْلَتِهِ إلَى الرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَلَيْسَ لَك اسْتِثْنَاءُ جُمْلَةِ الْأَسَدِ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَبْقَى بَعْدَهُ شَيْءٌ مِمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ فَهَذَا الْوَجْهُ يَقَعُ بِهِ الْفَرْقُ فِي هَذَا الْقِسْمِ لَا فِي جَوَازِ الدُّخُولِ، فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُوجَدُ فِي صُورَةٍ لَا يُوجَدُ فِيهَا الْمَجَازُ وَيُوجَدُ الْمَجَازُ فِي صُورَةٍ لَا يُوجَدُ فِيهَا الِاسْتِثْنَاءُ وَيَجْتَمِعَانِ فِي صُورَةٍ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصَّ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَبِهِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْهِمَا حَتَّى يُعْلَمَ فِي أَيِّ صُورَةٍ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَفِي أَيِّ صُورَةٍ يَمْتَنِعُ وَيُفِيدُ ذَلِكَ نَفْعًا عَظِيمًا فِي الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّ مَنْ اسْتَعْمَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا فِي مَكَان لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ بَطَلَ اسْتِعْمَالُهُ لَهُ وَلَزِمَهُ أَصْلُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِمُقْتَضَى وَضْعِ اللُّغَةِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ فَهِيَ قَاعِدَةُ الْفِقْهِ. (الْفَرْقُ الثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ فِي الْأَيْمَانِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ) اعْلَمْ أَنَّ النِّيَّةَ تَكْفِي فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ وَتَعْمِيمِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَعْيِينِ أَحَدِ مُسَمَّيَاتِ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرِكَاتِ وَصَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ الْحَقَائِقِ إلَى الْمَجَازَاتِ وَلَا تَكْفِي عَنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي هِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ فِي الْأَيْمَانِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تَكْتَفِي فِيهِ النِّيَّةُ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقِرَاءَةُ الْخَلْقِ صِفَاتٌ لَهُمْ ... فَوَاجِبٌ حُدُوثُهَا مِثْلَهُمْ وَقَوْلُهُ: الْمَعْدُودُ مِنْ صِفَاتِهِ ... فَوَاجِبٌ قِدَمُهُ كَذَاتِهِ وَهَذِهِ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ ... دَلَائِلٌ عَلَيْهِ مَوْضُوعَاتُ وَإِيضَاحُ قَوْلِهِ دَلَائِلٌ عَلَيْهِ بِالْمِثَالِ أَنْ يُنَزِّلَ كَلَامَهُ مَنْزِلَةَ رَجُلٍ فَيَكْتُبُ الرَّجُلُ وَيَذْكُرُ بِاللِّسَانِ وَيَسْتَحْضِرُ فِي الذِّهْنِ وَهُوَ بِنَفْسِهِ غَيْرُ حَالٍّ فِي ذَلِكَ فَكَذَلِكَ كَلَامُهُ تَعَالَى الْقَدِيمُ يُلْفَظُ وَيُسْمَعُ بِالنَّظْمِ الدَّالِّ عَلَيْهِ وَيُحْفَظُ بِالْأَلْفَاظِ الْمُتَخَيَّلَةِ فِي الذِّهْنِ وَيُكْتَبُ بِأَشْكَالِ الْحُرُوفِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ حَالٍّ فِي ذَلِكَ وَكَمَا يُقَالُ النَّارُ جَوْهَرٌ مُحْرِقٌ فَيُذْكَرُ بِاللَّفْظِ وَيُسْمَعُ بِالْآذَانِ وَيُعْرَفُ بِالْقَلْبِ وَيُكْتَبُ بِالْقَلَمِ وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُ حَقِيقَةٍ النَّارِ حَالَّةً فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ لِلشَّيْءِ وُجُودًا فِي الْأَعْيَانِ وَوُجُودًا فِي الْأَذْهَانِ وَوُجُودًا فِي الْعِبَارَةِ وَوُجُودًا فِي الْكِتَابَةِ فَالْكِتَابَةُ تَدُلُّ عَلَى الْعِبَارَةِ وَهِيَ عَلَى مَا فِي الْأَذْهَانِ وَهُوَ عَلَى مَا فِي الْأَعْيَانِ فَحَيْثُ يُوصَفُ بِمَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِ الْقَدِيمِ كَقَوْلِنَا الْقُرْآنُ أَوْ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَالْمُرَادُ حَقِيقَتُهُ الْمَوْجُودَةُ فِي الْخَارِجِ أَعْنِي الْمَعْنَى النَّفْسِيَّ الْقَائِمَ بِالذَّاتِ الْعَلِيَّةِ وَحَدِيثٌ يُوصَفُ بِمَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِ الْمَخْلُوقَاتِ وَالْمُحْدَثَاتِ يُرَادُ بِهِ الْأَلْفَاظُ الْمَنْطُوقَةُ الْمَسْمُوعَةُ كَمَا فِي حَدِيثِ «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَإِذْنِهِ لِنَبِيٍّ حَسَنِ التَّرَنُّمِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ» أَوْ الْمُخَيِّلَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49] وَكَحَدِيثِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ» أَوْ الْأَشْكَالِ الْمَنْقُوشَةِ كَحَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ «لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ» . وَقَدْ ذَكَرَ السَّعْدُ عَنْ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَلَا يُقَالُ الْقُرْآنُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ لِئَلَّا يَسْبِقَ إلَى الْفَهْمِ أَنَّ الْمُؤَلَّفَ مِنْ الْأَصْوَاتِ وَالْحُرُوفِ قَدِيمٌ وَكَانَ السَّلَفُ يَمْنَعُونَ أَنْ يُقَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ اللَّفْظُ إلَخْ دَفْعًا لِإِيهَامِ خَلْقِ الْمَعْنَى الْقَائِمِ لِلذَّاتِ الْعَلِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا فِي مَقَامِ الْبَيَانِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ وَعَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ

أَسْبَابٌ وَلَا عَنْ لَفْظٍ مَقْصُودٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا شَرْعِيًّا وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِذِكْرِ عَشْرِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) تَقْيِيدُ الْمُطْلَقَاتِ إذَا حَلَفَ لَيُكْرِمَنَّ رَجُلًا وَنَوَى بِهِ زَيْدًا فَلَا يَبْرَأُ بِإِكْرَامِ غَيْرِهِ لِأَنَّ رَجُلًا مُطْلَقٌ وَقَدْ قَيَّدَهُ بِخُصُوصِ زَيْدٍ فَصَارَ مَعْنَى الْيَمِينِ لَأُكْرِمَنَّ زَيْدًا وَكَذَلِكَ إذَا قَيَّدَهُ بِصِفَةٍ فِي نِيَّتِهِ وَلَمْ يَلْفِظْ بِهَا كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأُكْرِمَنَّ رَجُلًا وَيَنْوِي بِهِ فَقِيهًا أَوْ زَاهِدًا فَلَا يَبْرَأُ بِإِكْرَامِ غَيْرِ الْمَوْصُوفِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهَذِهِ صُورَةُ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) تَخْصِيصُ الْعُمُومَاتِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا وَيَنْوِي إخْرَاجَ الْكَتَّانِ مِنْ يَمِينِهِ فَيَصِيرُ هَذَا الْعُمُومُ مَخْصُوصًا بِهَذِهِ النِّيَّةِ وَلَا يَحْنَثُ إذَا لَبِسَ الْكَتَّانَ لِأَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَهُ بِنِيَّتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ وَالنِّيَّةِ الْمُؤَكِّدَةِ أَنَّ الْقَصْدَ لِلْكَتَّانِ دُونَ غَيْرِهِ لَا يُفِيدُ وَأَنَّ هُنَالِكَ فَرْقًا جَلِيلًا جَمِيلًا فَلْيُطَالَعْ مِنْ هُنَالِكَ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْمُحَاشَاةُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ إذَا قَالَ كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ يُحَاشِيَ زَوْجَتَهُ وَقَالَ الْأَصْحَابُ يَكْفِي فِي الْمُحَاشَاةِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا تَخْصِيصٌ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَالتَّخْصِيصُ يَكْفِي فِيهِ إرَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ فَكَفَى فِي الْمُحَاشَاةِ مُجَرَّدُ إرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ فَلَيْسَتْ الْمُحَاشَاةُ شَيْئًا غَيْرَ التَّخْصِيصِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ فَهَذِهِ هِيَ مَوَاطِنُ الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ إجْمَاعًا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ تَخْصِيصُ الْعُمُومَاتِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا وَيَنْوِي إخْرَاجَ الْكَتَّانِ مِنْ يَمِينِهِ فَيَصِيرُ هَذَا الْعُمُومُ مَخْصُوصًا بِهَذِهِ النِّيَّةِ وَلَا يَحْنَثُ إذَا لَبِسَ الْكَتَّانَ لِأَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَهُ بِنِيَّتِهِ) قُلْت لَيْسَ هَذَا تَخْصِيصَ الْعُمُومِ بَلْ هُوَ الِاسْتِثْنَاءُ بِالنِّيَّةِ وَهُوَ مَحَلُّ خِلَافٍ وَأَمَّا التَّخْصِيصُ بِالنِّيَّةِ فَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ مَا عَدَا الْكَتَّانَ خَاصَّةً وَلَا أَرَاهُ إلَّا مَحَلَّ وِفَاقٍ قَالَ (وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُخَصَّصَةِ وَالنِّيَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ إلَى آخَرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ هُنَاكَ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الْمُحَاشَاةُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا قَالَ كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ يُحَاشِيَ زَوْجَتَهُ وَقَالَ الْأَصْحَابُ يَكْفِي فِي الْمُحَاشَاةِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ) قُلْت الْمُحَاشَاةُ هِيَ الِاسْتِثْنَاءُ بِعَيْنِهِ قَالَ (وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا تَخْصِيصٌ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانَ إلَى قَوْلِهِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ) قُلْت الصَّحِيحُ أَنَّ الْمُحَاشَاةَ هِيَ الِاسْتِثْنَاءُ بِعَيْنِهِ لَا التَّخْصِيصُ وَلَكِنْ لَمَّا سَبَقَ لَهُ تَوَهُّمُ أَنَّ إخْرَاجَ بَعْضِ مُتَنَاوِلِ اللَّفْظِ الْعَامِّ هُوَ التَّخْصِيصُ قَالَ إنَّ الْمُحَاشَاةَ هِيَ التَّخْصِيصُ وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَتَوَهُّمُهُ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ غَلَطَهُ حَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّ نِيَّةَ التَّخْصِيصِ لَا تُفِيدُ مَعَ تَوَهُّمِهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي التَّخْصِيصِ فِي النِّيَّةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي التَّخْصِيصِ بِاللَّفْظِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَالْكَلَامُ مَعَهُ فِيهِ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ قَالَ (فَهَذِهِ هِيَ مَوَاطِنُ الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ إجْمَاعًا) قُلْت ذَلِكَ صَحِيحٌ إلَّا فِي الْمُحَاشَاةِ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيهَا مَعْلُومٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَكْثَرُ، أَوْ لَا؟ وَعَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَفِي حَاشِيَةِ الرِّسَالَةِ للح قَالَ فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ إنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْمُصْحَفِ وَأَرَادَ الْمُصْحَفَ نَفْسَهُ دُونَ الْمَفْهُومِ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» اهـ. وَفِي الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِهِ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِالْمُصْحَفِ وَأَوْلَى الْقُرْآنُ أَوْ كَلِمَةٌ مِنْهُ تَخُصُّهُ عُرْفًا كَ {الم} [البقرة: 1] لَا نَحْوُ قَالَ إنْ لَمْ يَنْوِ مَعْنًى حَادِثًا أَيْ الْمَكْتُوبَ أَوْ اللَّفْظَ الْمُنَزَّلَ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَعْنَى الْقَدِيمِ بِأَنْ نَوَى قَدِيمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا اهـ. وَفِي الْأَصْلِ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا حَلَفَ بِالْقُرْآنِ أَوْ التَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ أَوْ الزَّبُورِ وَسَائِرِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ وَحَنِثَ وَهُوَ لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِانْصِرَافِهِ عِنْدَهُ لِلْكَلَامِ الْقَدِيمِ النَّفْسِيِّ أَمْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا حَلَفَ بِذَلِكَ وَحَنِثَ وَهُوَ مَا لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الْحَلِفَ بِالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّا لَا نَفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ الْقُرْآنَ، وَهُوَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ أَوْ يَكْتُبُ الْقُرْآنَ إلَّا هَذِهِ الْأَصْوَاتَ وَالرُّقُومَ الْمَكْتُوبَةَ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ أَنْ يُسَافِرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ فَإِنَّ الْمُسَافَرَةَ مُتَعَذِّرَةٌ بِالْقَدِيمِ اهـ وَزَادَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ سِتَّةَ أَلْفَاظٍ (اللَّفْظُ الْعَاشِرُ) قَوْلُهُ وَالِاسْمُ الْأَعْظَمُ قَالَ الْأَمِيرُ يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْأَعْظَمَ مِنْ اسْمَيْنِ لِشَخْصٍ (اللَّفْظُ الْحَادِي عَشَرَ) قَوْلُهُ وَدِينِ الْإِسْلَامِ قَالَ الْأَمِيرُ إنْ أَرَادَ بِهِ الْأَحْكَامَ الْإِلَهِيَّةِ انْعَقَدَ لِأَنَّهَا تَرْجِعُ لِكَلَامِهِ وَخِطَابِهِ وَإِنْ أَرَادَ تَدَيُّنَ الْعِبَادِ وَطَاعَتَهُمْ لَمْ يَلْزَمْ (اللَّفْظُ الثَّانِي عَشَرَ) قَوْلُهُ وَخَاتَمِ الصَّوْمِ الَّذِي عَلَى فَمِ الْعِبَادِ قَالَ الْأَمِيرُ لَا يَلْزَمُ بِهِ الْيَمِينُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْحُكْمَ الْآلِهِيَّ بِهِ فَيَلْزَمُ كَمَا إذَا قَالَ وَاَلَّذِي خَاتَمُهُ عَلَى فَمِي وَأَرَادَ بِهِ اللَّهَ (اللَّفْظُ الثَّالِثَ عَشَرَ) قَوْلُهُ وَالْعِلْمِ الشَّرِيفِ قَالَ الْأَمِيرُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الْعُلُومُ الْمُدَوَّنَةُ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ أَحْكَامَهُ عَلَى مَا سَبَقَ (اللَّفْظُ الرَّابِعَ عَشَرَ) وَالْمَوْجُودِ وَالشَّيْءِ قَالَ الْأَمِيرُ وَيَنْعَقِدُ بِالْمَوْجُودِ وَبِالشَّيْءِ إذَا أُرِيدَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا فِي ابْنِ شَاسٍ وَفِي الْقُرْآنِ {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ} [الأنعام: 19] وَمَا فِي

[المسألة الرابعة المواطن التي اختلف العلماء في الاكتفاء فيها بالنية]

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِاكْتِفَاءِ فِيهَا بِالنِّيَّةِ وَهُوَ مَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ الْتِزَامًا قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ لَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِيهِ تَقْيِيدًا وَلَا تَخْصِيصًا وَقَالَتْ بَقِيَّةُ الْفِرَقِ تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا كَالْمُطَابَقَةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ وَمَثَّلُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِ الْقَائِلِ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت فَقَالَتْ الْفِرَقُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ يَجُوزُ أَنْ يَنْوِيَ مَأْكُولًا مُعَيَّنًا فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ غَيْرِهِ وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ لَا يَجُوزُ دُخُولُ النِّيَّةِ هَا هُنَا وَإِنْ نَوَى بَطَلَتْ نِيَّتُهُ وَحَنِثَ بِأَيِّ مَأْكُولٍ أَكَلَهُ فَإِنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا دَلَّ مُطَابَقَةً عَلَى نَفْيِ الْأَكْلِ الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ وَمِنْ لَوَازِمِ مَصْدَرِ الْأَكْلِ مَأْكُولٌ مَا وَذَلِكَ الْمَأْكُولُ لَمْ يَلْفِظْ بِهِ فَلَا يَجُوزُ دُخُولُ النِّيَّةِ فِيهِ لِأَنَّهُ مَدْلُولٌ الْتِزَامِيٌّ وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأُمُورٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ اللَّفْظِ الْمَنْطُوقِ بِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ خَالَفْنَا ذَلِكَ فِيمَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً وَبَقِيَ فِيمَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ تَحْكِيمَ النِّيَّةِ فِي اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ فَرْعُ تَنَاوُلِ ذَلِكَ اللَّفْظِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَالتَّنَاوُلُ إنَّمَا هُوَ مُحَقَّقٌ فِي الْمُطَابَقَةِ وَالتَّضَمُّنِ أَمَّا الِالْتِزَامُ فَتَبَعٌ جَاءَ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ فَتَقَرُّرُ اللَّفْظِ فِيهِ ضَعِيفٌ فَتُصْرَفُ النِّيَّةُ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــS [الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الْمَوَاطِنِ الَّتِي اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِاكْتِفَاءِ فِيهَا بِالنِّيَّةِ] قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِاكْتِفَاءِ فِيهَا بِالنِّيَّةِ وَهُوَ مَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ الْتِزَامًا) قُلْت فِي قَوْلِهِ مَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ الْتِزَامًا عِنْدِي نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَصْدَرَ هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهُ وَهُوَ الْقِيَامُ مَثَلًا وَالضَّرْبُ فَأَمَّا الْقِيَامُ فَيَدُلُّ بِالِالْتِزَامِ عَلَى فَاعِلِهِ وَأَمَّا الضَّرْبُ فَيَدُلُّ بِالِالْتِزَامِ أَيْضًا عَلَى فَاعِلِهِ وَمَفْعُولِهِ وَأَمَّا الْفِعْلُ فَهُوَ مَبْنِيٌّ لِوُقُوعِ الْمَصْدَرِ مِنْ فَاعِلِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُتَعَدٍّ أَوْ مِنْ فَاعِلِهِ بِمَفْعُولِهِ إنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا وَمَا بُنِيَ اللَّفْظُ لَهُ أَوْ مَا تَقَيَّدَ بِهِ كَيْفَ يُقَالُ دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الْتِزَامًا بَلْ الْأَقْرَبُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ تَضَمُّنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ لَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِيهِ تَقْيِيدًا وَلَا تَخْصِيصًا إلَى آخِرِ احْتِجَاجِهِمْ الْأَوَّلِ) قُلْت مَا قَالُوهُ فِي أَثْنَاءِ احْتِجَاجِهِمْ مِنْ أَنَّ تَنَاوُلَ اللَّفْظِ إنَّمَا هُوَ مُحَقَّقٌ فِي الْمُطَابَقَةِ وَالتَّضَمُّنِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْأَلْفَاظِ لَيْسَتْ عَقْلِيَّةً بَلْ هِيَ وَضْعِيَّةٌ وَلَمْ يُوضَعْ لَفْظُ الْمَسْجِدِ مَثَلًا إلَّا لِجُمْلَتِهِ لَا لِجُمْلَتِهِ وَبَعْضِهِ وَهُوَ السَّقْفُ مَثَلًا وَإِلَّا لَكَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ مُشْتَرِكًا وَلَيْسَ الْكَلَامُ الْمَفْرُوضُ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ لَفْظَ الْمَسْجِدِ لَمْ يُوضَعْ لِلسَّقْفِ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا دَلَالَةَ لِلَفْظِ الْمَسْجِدِ عَلَى السَّقْفِ أَصْلًا لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ لَا تَدُلُّ عَقْلًا وَإِنَّمَا تَدُلُّ وَضْعًا وَقَدْ عُدِمَ الْوَضْعُ فَلَا دَلَالَةَ لَهُ أَلْبَتَّةَ، نَعَمْ هُنَا أَمْرٌ وَهُوَ أَنَّ مَنْ يُذْكَرُ لَهُ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى مَجْمُوعِ أَشْيَاءَ بِالْوَضْعِ فَإِنَّهُ يَتَذَكَّرُ مَا تَرَكَّبَ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَجْمُوعُ أَوْ لَازِمَ ذَلِكَ الْمَجْمُوعَ فَمَنْ اعْتَبَرَ هَذَا الْقَدْرَ وَسَمَّى هَذَا التَّذَكُّرَ دَلَالَةً فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ يَدْخُلُ اللَّبْسُ فِي كَلَامِهِ عَلَى سَامِعِ ذَلِكَ مِنْهُ حِينَ يَذْكُرْ هَاتَيْنِ الدَّلَالَتَيْنِ اللَّتَيْنِ مَعْنَاهُمَا تَذَكُّرُ الشَّيْءِ عِنْدَ ذِكْرِ الشَّيْءِ مَعَ ذِكْرِهِ الدَّلَالَةَ الْوَضْعِيَّةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ لَفْظَ الدَّلَالَةِ لَمْ يُوقِعْهُ عَلَى الْوَضْعِيَّةِ وَالتَّذَكُّرِ بِالتَّوَاطُؤِ بَلْ بِالِاشْتِرَاكِ وَذَلِكَ مِمَّا يُوقِعُ الْغَلَطَ كَثِيرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَا كَلَامَ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعبق مِنْ عَدَمِ الِانْعِقَادِ بِالْمَوْجُودِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَنْدَرِجُ فِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي بِذَاتِهَا لِلْقَسَمِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إرَادَةٍ فَالنَّفْسِيَّةُ تَنْعَقِدُ بِهَا لَا بِالِاسْمِ الْمُشْتَقِّ مِنْهَا عَكْسُ الْفِعْلِيَّةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ وَوُجُودِ اللَّهِ كَانَ صَرِيحًا فِي الْقَدِيمِ وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْوُجُودَ عَيْنُ الْمَوْجُودِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا قِيلَ وَالْوُجُودِ مُعَرَّفًا بِأَلْ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ جَرَى فِيهِ مَا جَرَى فِي الْمَوْجُودِ بِالْمِيمِ (اللَّفْظُ الْخَامِسَ عَشَرَ) مَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا عَنْ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ فَجُمْلَةُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَلْفَاظِ هَذَا الْقِسْمِ أَعْنِي مَا لَمْ يُعْلَمْ قِدَمُ مَدْلُولِهِ وَلَا حُدُوثِهِ خَمْسَةَ عَشَرْ وَسَيَأْتِي فِي الْفَرْقِ الَّذِي عَقِبَ هَذَا الْفَرْقِ عَنْ الْأَصْلِ أَلْفَاظٌ أُخَرُ فَتَرَقَّبْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِالْحَلِفِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا حَنِثَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً إذَا حَلَفَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ] (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِالْحَلِفِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا حَنِثَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً إذَا حَلِفَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ) صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى خَمْسَةٌ لِأَنَّهَا إمَّا ذَاتِيَّةٌ لَا تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى مَوْجُودٍ قَائِمٍ بِالذَّاتِ وَلَا عَلَى سَلْبِ نَقِيصَةٍ وَلَا عَلَى فِعْلِ الذَّاتِ وَإِمَّا مَعْنَوِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى مَوْجُودٍ قَدِيمٍ قَائِمٍ بِالذَّاتِ لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا وَإِمَّا سَلْبِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى سَلْبِ نَقِيصَةٍ عَنْ الذَّاتِ وَإِمَّا فِعْلِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى فِعْلِ الذَّاتِ وَإِمَّا أَنْ تَشْمَلَ الْجَمِيعَ (فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مِنْهَا أَعْنِي الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةَ هِيَ كَوْنُهُ تَعَالَى أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا وَاجِبَ الْوُجُودِ سَمَّاهَا الْعُلَمَاءُ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا أَحْكَامٌ لِلذَّاتِ لَا مَعَانٍ قَائِمَةٌ بِالذَّاتِ نَظِيرُ جَمْعِ الْبَصَرِ فِي السَّوَادِ وَتَفْرِيقِهِ فِي الْبَيَاضِ كَذَا قَالَ الْأَصْلُ وَهُوَ إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْأَحْوَالِ وَأَنَّهَا أَحْوَالٌ نَفْسِيَّةٌ لَا مَعْنَوِيَّةٌ أَمَّا عَلَى إنْكَارِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَهِيَ بِجُمْلَتِهَا صِفَاتٌ سَلْبِيَّةٌ لَا ثُبُوتِيَّةٌ وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ لَا وُجُودَ فِي الْأَعْيَانِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ مِنْهَا. فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَ الْحِنْثِ إذَا قَالَ الْحَالِفُ عَمْرُ اللَّهِ يَمِينِي مَعَ أَنَّ الْعَمْرَ هُوَ الْبَقَاءُ وَالْبَقَاءُ كَالْقِدَمِ مِنْ صِفَاتِ السُّلُوبِ مَعْنَاهُ نَفْيُ لُحُوقِ الْعَدَمِ لِلذَّاتِ وَكَوْنُ النَّفْيِ عَلَى طَرِيقَةِ الِامْتِنَاعِ مَأْخُوذٌ مِنْ كَوْنِ بَقَاءِ الذَّاتِ وَاجِبًا كَمَا أَنَّ مَعْنَى الْقِدَمِ امْتِنَاعُ سَبْقِيَّةِ الْعَدَمِ لِلذَّاتِ فَلَا وُجُودَ لِمَعْنَى كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْأَعْيَانِ أَنَّهُ كَذَلِكَ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ مَعَ الْحِنْثِ إذَا قَالَ الْحَالِفُ وَأَزَلِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَوُجُوبِ وُجُودِهِ

كَذَلِكَ فَلَا يُتْرَكُ مَا أَجْمَعْنَا عَلَيْهِ لِهَذَا الضَّعِيفِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ (وَثَانِيهَا) أَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ دَلَّ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَدْخُلُ إلَّا فِيمَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً وَاعْتِبَارُ النِّيَّاتِ فِي الْأَلْفَاظِ أَمْرٌ يَتْبَعُ اللُّغَةَ أَلَا تَرَى أَنَّ اللُّغَةَ لَمَّا لَمْ تُجَوِّزْ النِّيَّةَ فِي صَرْفِ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ إلَى الْمَجَازَاتِ امْتَنَعَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُطْلِقَ الْعَشَرَةَ وَتُرِيدَ بِهَا التِّسْعَةَ (وَثَالِثُهَا) أَنَّهُ لَوْ صَحَّ دُخُولُ النِّيَّةِ فِي الْمَدْلُولِ الِالْتِزَامِيِّ لَصَحَّ الْمَجَازُ فِي كُلِّ لَازِمِ الْمُسَمَّى بِالنِّيَّةِ وَالْقَصْدِ إلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَسَدَ يَلْزَمُهُ أَوْصَافٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْبَخَرِ وَالْحُمَّى وَالْوَبَرِ وَكِبَرِ الرَّأْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يَصِحُّ التَّجَوُّزُ عَنْهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الشَّجَاعَةِ خَاصَّةً وَلَا يَصِحُّ دُخُولُ النِّيَّةِ فِي غَيْرِهَا حَتَّى تُصْرَفَ لِلْمَجَازِ لِأَنَّا نَشْتَرِطُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَجَازِ وَهُوَ مَجَازُ الْمُشَابَهَةِ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا الْمُشَابَهَةُ أَظْهَرَ صِفَاتِ الْمَحَلِّ الْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ وَحُجَّةُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ مِنْ وُجُوهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى مَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت أَكْلًا أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَنْوِيَ بَعْضَ الْمَآكِلِ وَيُخْرِجَ الْبَعْضَ بِنِيَّتِهِ مَعَ أَنَّ أَكْلًا مَصْدَرٌ وَأَجْمَعَ النُّحَاةُ عَلَى أَنَّ التَّصْرِيحَ بِهِ بَعْدَ الْفِعْلِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّأْكِيدِ نَحْوُ ضَرَبْت ضَرْبًا فَإِنَّ الْفِعْلَ دَلَّ عَلَيْهِ فَذِكْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ تَكْرَارًا لِذِكْرِهِ فَيَكُونُ تَأْكِيدًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَذْكُورٌ مَرَّتَيْنِ وَالتَّأْكِيدُ حَقِيقَتُهُ تَقْوِيَةُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَإِلَّا لَكَانَ إنْشَاءً لَا تَأْكِيدًا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّأْكِيدُ مُنْشِئًا كَانَتْ الْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ مَعَهُ ثَابِتَةً قَبْلَهُ لَكِنَّ الثَّابِتَ مَعَهُ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ فَالثَّابِتُ قَبْلَهُ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (وَثَانِيهَا) أَنَّ النِّيَّةَ اُعْتُبِرَتْ فِي الْمُطَابَقَةِ إجْمَاعًا مَعَ قُوَّةِ الْمُعَارِضِ فَأَوْلَى أَنْ تُعْتَبَرَ مَعَ ضَعْفِ الْمُعَارِضِ فِي دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْمُطَابَقَةَ أَقْوَى مُعَارَضَةً لِلنِّيَّةِ لِأَنَّ الْمُطَابَقَةَ هِيَ الْأَصْلُ الْمَقْصُودُ بِوَضْعِ اللُّغَةِ وَغَيْرُهَا إنَّمَا يُفِيدُهُ اللَّفْظُ تَبَعًا لَهَا وَالْأَصْلُ أَقْوَى مِنْ التَّابِعِ وَمَعَ ذَلِكَ إذَا عَارَضَتْ النِّيَّةُ الْمُطَابَقَةَ وَصَرَفَتْ اللَّفْظَ عَنْ مَدْلُولِهِ الْمُطَابِقِيِّ لِلْمَجَازِ صَحَّ إجْمَاعًا مَعَ أَنَّ اللَّفْظَ يَمْنَعُهَا مِنْ ذَلِكَ وَيَقْتَضِي مُسَمَّاهُ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ فَقَدْ قُدِّمَتْ النِّيَّةُ عَلَى اللَّفْظِ الْمُطَابِقِيِّ وَهُوَ أَقْوَى فِي الْمُعَارَضَةِ مِنْ دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ فَأَوْلَى أَنْ تُعْتَبَرَ النِّيَّةُ فِي دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ وَيُصْرَفَ عُمُومُ اللَّازِمِ إلَى خُصُوصِهِ وَتَقْيِيدِ مُطْلَقِهِ وَجَمِيعِ مَا أَجْمَعْنَا عَلَيْهِ فِي الْمَدْلُولِ الْمُطَابِقِيِّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (وَثَالِثُهَا) أَنَّا وَجَدْنَا الِاسْتِثْنَاءَاتِ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ دَخَلَتْ عَلَى الْعَوَارِضِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْمَدْلُولِ الْمُطَابِقِيِّ وَاللَّوَازِمِ وَلَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ إنَّمَا هُوَ فَرْعٌ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الَّذِي قُصِدَ لِأَجْلِهِ الِاسْتِثْنَاءُ فَإِنَّ اللَّفْظَ تَابِعٌ لِإِرَادَةِ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ إفْهَامُ السَّامِعِ مَا فِي نَفْسِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَثَانِيهَا إلَى آخِرِ احْتِجَاجِهِمْ) قُلْت ذَلِكَ نَقْلٌ وَلَا كَلَامَ فِيهِ قَالَ (وَحُجَّةُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ مِنْ وُجُوهٍ إلَى آخِرِ الْوَجْهِ الثَّالِثِ) قُلْت هَذِهِ الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ صَحِيحَةٌ جَيِّدَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَبَدِيَّتِهِ إذْ لَا فَرْقَ سِيَّمَا وَقَدْ جَعَلَ بَعْضُهُمْ الْقِدَمَ نَفْسِيًّا زَاعِمًا أَنَّهُ الْوُجُودُ الْأَزَلِيُّ وَكَذَا الْبَقَاءُ أَيْ الْوُجُودُ الْمُسْتَمِرُّ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ نَعَمْ قَدْ جَعَلَ بَعْضُهُمْ الْقِدَمَ وَالْبَقَاءَ مِنْ الْمَعَانِي وَرُدَّ بِأَنَّهُمَا ثَابِتَانِ لِصِفَاتِهِ أَيْضًا فَيَلْزَمُ قِيَامُ الْمَعْنَى بِالْمَعْنَى مِنْ الدَّوْرِ أَوْ التَّسَلْسُلِ فِيهِمَا كَمَا فِي الْأَمِيرِ أَيْضًا هَذَا تَحْقِيقُ الْمَقَامِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْهَا أَعْنِي الْمَعْنَوِيَّةَ نِسْبَةً لِلْمَعَانِي الْوُجُودِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِالذَّاتِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ وَالْوَاحِدُ اُذْكُرْ نَاسِبًا لِلْجَمْعِ مَا لَمْ يُوَافِقْ وَاحِدًا فِي الْوَضْعِ نَعَمْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ هُنَا وَافَقَ وَاحِدًا فِي الْوَضْعِ فَإِذَا عَبَّرَ عُلَمَاءُ الْكَلَامِ عَنْ هَذَا الْقِسْمِ بِصِفَاتِ الْمَعَانِي وَقَالَ السَّنُوسِيُّ فِي شَرْحِ الْوُسْطَى الْإِضَافَةُ فِي صِفَاتِ الْمَعَانِي لِلْبَيَانِ وَأَنَّ الْمُرَادَ الصِّفَاتُ الَّتِي هِيَ نَفْسُ الْمَعَانِي يَعْنُونَ بِهَا الْمَعَانِي الْوُجُودِيَّةَ كَالْعِلْمِ مَثَلًا وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ أَنَّهُ بِتَقْدِيرِ مِنْ كَثَوْبِ خَزٍّ اهـ. وَلَمْ يُعَبِّرُوا بِالصِّفَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ فَهِيَ سَبْعَةٌ الْعِلْمُ وَالْكَلَامُ الْقَدِيمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْحَيَاةُ وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ جَوَازُ الْحَلِفِ بِهَا ابْتِدَاءً وَأَنَّ الْحَلِفَ بِهَا مَعَ الْحِنْثِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ «أَنَّ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ بَلَى وَعِزَّتِك لَا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِك» كَمَا مَرَّ وَقِيلَ لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» وَلَفْظُ اللَّهِ مَخْصُوصٌ بِالذَّاتِ فَانْدَرَجَتْ الصِّفَاتُ فِي الْمَأْمُورِ بِالصَّمْتِ بِهِ لَكِنْ قَدْ مَرَّ عَنْ حَفِيدِ بْنِ رُشْدٍ قَالَ فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ فِي الْحَدِيثِ بِالِاسْمِ فَقَطْ أَيْ دُونَ أَنْ يُعَدَّى إلَى الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ جُمُودٌ كَثِيرٌ وَهُوَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَإِنْ كَانَ مَرْوِيًّا فِي الْمَذْهَبِ حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ اهـ. وَفِي هَذَا الْقِسْمِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ الْحَلِفَ بِالْقُرْآنِ تَجِبُ بِهِ مَعَ الْحِنْثِ الْكَفَّارَةُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَمُسْتَنَدُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ الْحَادِثِ وَمُسْتَنَدُ مَالِكٍ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ فِي الْعُرْفِ الْحَادِثِ إلَّا أَنَّ قَرِينَةَ

الْمُتَكَلِّمِ فَمَتَى دَخَلَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى دُخُولِ النِّيَّةِ قَبْلَهُ فِي الْمَدْلُولِ الِالْتِزَامِيِّ، وَبَيَانُ دُخُولِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا أَوْ بِطَرِيقِ الْعَرَضِ مِنْ وُجُوهٍ (أَحَدُهَا) قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: 66] هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْأَحْوَالِ الْعَارِضَةِ أَوْ اللَّازِمَةِ لِمَعْنَى الْإِتْيَانِ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ إلَّا فِي حَالِ الْإِحَاطَةِ بِكُمْ فَإِنِّي لَا أُلْزِمَكُمْ الْإِتْيَانَ بِهِ فِيهَا لِقِيَامِ الْعُذْرِ حِينَئِذٍ وَثَانِيهَا قَوْله تَعَالَى {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ} [الشعراء: 5] وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: 2] أَيْ لَا يَأْتِيهِمْ فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ لَهْوِهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ فَقَدْ قَصَدَ إلَى حَالَةِ اللَّهْوِ وَالْإِعْرَاضِ بِالْإِثْبَاتِ وَلِغَيْرِهَا مِنْ الْأَحْوَالِ بِالنَّفْيِ وَالْأَحْوَالُ أُمُورٌ خَارِجَةٌ عَنْ الْمَدْلُولِ الْمُطَابِقِيِّ وَإِذَا كَانَتْ خَارِجَةً فَإِنْ كَانَتْ الْأَحْوَالَ اللَّازِمَةَ فَقَدْ دَخَلَتْ النِّيَّةُ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا وَإِنْ كَانَتْ عَارِضَةً فَقَدْ دَخَلَتْ النِّيَّةُ فِي الْعَوَارِضِ وَإِذَا دَخَلَتْ فِي الْعَوَارِضِ دَخَلَتْ فِي اللَّوَازِمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّ الْعَارِضَ أَبْعَدُ عَنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ مُطَابَقَةً مِنْ اللَّازِمِ ضَرُورَةً فَإِذَا تَصَرَّفَتْ النِّيَّةُ فِي الْبَعِيدِ أَوْلَى أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي الْقَرِيبِ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْمُطَابَقَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا مِنْ الْعَارِضِ لِبُعْدِهِ عَنْ الْمُطَابَقَةِ (وَثَالِثُهَا) أَنَّهُ قَصْدٌ إلَى الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ بَلْ بِالنِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ وَدَلَّ الدَّلِيلُ الْخَارِجِيُّ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ عَيْنُ صُورَةِ النِّزَاعِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ (أَحَدُهَا) قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] وَالْمَدْلُولُ مُطَابَقَةً فِي هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرُ مُرَادٍ فَإِنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَحْرُمُ بَلْ الْأَفْعَالُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَا وَهِيَ الْأَكْلُ وَالتَّنَاوُلُ فَقَدْ قُصِدَتْ بِالتَّحْرِيمِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مُقَارِنٍ بَلْ الْأَدِلَّةُ الْخَارِجَةُ أَفَادَتْنَا ذَلِكَ وَهَذِهِ الْأَفْعَالُ إنْ كَانَتْ لَازِمَةً حَصَلَ الْمَقْصُودُ لِوُجُوهِ تُصْرَفُ النِّيَّةُ فِيهَا بِإِضَافَةِ التَّحْرِيمِ إلَيْهَا دُونَ غَيْرِهَا وَلَا سِيَّمَا أَنَّ النِّيَّةَ تُعَيَّنُ فِي كُلِّ عَيْنِ الْفِعْلَ الْمُنَاسِبَ لَهَا فَتُعَيِّنُ فِي الْخَمْرِ الشُّرْبَ وَفِي الْمَيْتَةِ الْأَكْلَ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَعْيَانِ الْوَارِدَةِ فِي النُّصُوصِ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ الْمَقْصُودَةُ عَارِضَةً وَقَدْ تَصَرَّفَتْ النِّيَّةُ فِيهَا فَالْأَوْلَى أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي اللَّازِمِ لِأَنَّ اللَّازِمَ أَقْرَبُ لِلْمُطَابَقَةِ مِنْ الْعَارِضِ (وَثَانِيهَا) قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] وَالْمُرَادُ الِاسْتِمْتَاعُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِنَّ دُونَ أَعْيَانِهِنَّ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ وَوَجْهُ التَّقْدِيرِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَثَالِثُهَا أَنَّهُ قَصَدَ إلَى الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا إلَى قَوْلِهِ وَوَجْهُ التَّقْدِيرِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ هُنَا مِنْ أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ فِي قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] دَلَالَةُ الْتِزَامٍ بِصَحِيحٍ بَلْ هِيَ دَلَالَةُ مُطَابَقَةٍ عُرْفًا وَكَانَتْ الدَّلَالَةُ قَبْلَ الْعُرْفِ بِلَفْظِ الْمَيْتَةِ دَلَالَةَ مُطَابَقَةٍ عَلَى الْمَيْتَةِ نَفْسِهَا ثُمَّ صَارَتْ بَعْدَ الْعُرْفِ دَلَالَةَ مُطَابَقَةٍ عَلَى أَكْلِهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ دَلَالَةٍ عُرْفِيَّةٍ إنَّمَا هِيَ دَلَالَةُ مُطَابَقَةٍ عَلَى مَا صَارَتْ فِيهِ عُرْفًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَسَمِ صَرَفَتْ اللَّفْظَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَمْرُ الْقَدِيمُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَسْوِيَةُ مَالِكٍ بَيْنَ لَفْظِ الْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ وَالتَّنْزِيلِ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مَعَ أَنَّ الْعُرْفَ فِيهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمُحْدَثُ أَفَادَهُ ابْنُ الشَّاطِّ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ إذَا قَالَ عَلِمَ اللَّهُ لَا فَعَلْت اسْتَحَبَّ لَهُ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ احْتِيَاطًا تَنْزِيلًا لِلَفْظِ عَلِمَ اللَّهُ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ مَاضٍ مَنْزِلَةَ عِلْمِ اللَّهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَعِلْمِ اللَّهِ لَا فَعَلْت وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ أَرَادَ الْحَلِفَ بِعِلْمِ اللَّهِ مَعَ حَذْفِ أَدَاةِ الْقَسَمِ وَالتَّعْبِيرِ عَنْ الصِّفَةِ الْقَدِيمَةِ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ وَحَنِثَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِعَدَمِ فِعْلِهِ فَلَيْسَ بِحَلِفٍ تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ فَلَفْظُ عِلْمِ اللَّهِ لَا فَعَلْت كِنَايَةٌ تَحْتَمِلُ الْقَسَمَ وَالْإِخْبَارَ اهـ بِتَصَرُّفٍ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ الْأَظْهَرُ نَظَرًا قَوْلُ سَحْنُونٍ وَلِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اسْتَحَبَّ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ وَلَمْ يُوجِبْهَا اهـ. وَقَالَ الْأَصْلُ وَقَوْلُ سَحْنُونٍ مُتَّجَهٌ فِي قَوَاعِدِ الْفِقْهِ وَقَدْ وَقَعَ لِبَعْضِ النُّحَاةِ جَوَازُ فَتْحِ أَنَّ بَعْدَ الْقَسَمِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَسَمَ قَدْ يَقَعُ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي فَتَكُونُ أَنَّ مَعْمُولَةً لَهُ نَحْوُ عَلِمَ اللَّهُ وَشَهِدَ اللَّهُ أَنَّ زَيْدًا لَمُنْطَلِقٌ فَلَمَّا كَانَتْ مَظِنَّةَ وُجُودِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي فَتَجِبُ تَنْزِيلًا لِلْمَظْنُونِ مَنْزِلَةَ الْمُحَقَّقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَقَلَهَا لُغَةً عَنْ الْعَرَبِ فِي فَتْحِ أَنَّ بَعْدَ الْقَسَمِ وَالْجَادَّةُ عَلَى كَسْرِهَا بَعْدَ الْقَسَمِ اهـ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الصَّحِيحُ أَنَّ قَرِينَةَ الْقَسَمِ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ وَالْعِلْمِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَقَوْلُهُ وَعِلْمِ اللَّهِ بِالْإِضَافَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ تَعَيَّنَ أَنَّ مُرَادَهُ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ دُونَ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْعِلْمِ سَوَاءٌ كَانَ مُضَافًا أَمْ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ لَيْسَ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ فِي الْقَوْلِ الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّ أَصْلَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَكَذَا الْإِضَافَةُ فِي اللُّغَةِ لِلْعُمُومِ وَقَدْ تَكُونُ لِلْعَهْدِ مَجَازًا مُرْسَلًا مِنْ إطْلَاقِ الْعَامِّ وَإِرَادَةِ الْخَاصِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولا} [المزمل: 15] {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16] أَيْ عَصَى الرَّسُولَ الْمَعْهُودَ ذِكْرُهُ الْآنَ مِنْ بَابِ الْعُمُومِ الَّذِي يَقُولُ بِهِ الْمُعَمِّمُونَ بَلْ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ فِيهِ مِنْ بَابِ تَعْمِيمِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ وَالْقَوْلُ بِهِ مَرْدُودٌ فَكُلُّ مَا قَالَهُ الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ

(وَثَالِثُهَا) قَوْله تَعَالَى «مَا تَرَدَّدْت فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي فِي قَبْضِ رُوحِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ وَلَا يَكُونُ إلَّا مَا أُرِيدَ» قَالَ الْعُلَمَاءُ التَّرَدُّدُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ كُلَّ شَخْصٍ أَنْتَ تُعَظِّمُهُ وَتَهْتَمُّ بِهِ فَإِنَّك تَتَرَدَّدُ فِي مُسَاءَتِهِ نَحْوُ وَلَدِك وَصَدِيقِك، وَمَنْ لَا تُعَظِّمُهُ كَالْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ وَعَدُوِّك فَإِنَّك إذَا خَطَرَ بِقَلْبِك إيلَامُهُ وَمُسَاءَتُهُ لَا تَتَرَدَّدُ فِي ذَلِكَ بَلْ تُبَادِرُ إلَيْهِ، فَصَارَ التَّرَدُّدُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي مَوْطِنِ التَّعْظِيمِ وَعَدَمُهُ فِي مَوْطِنِ الْحَقَارَةِ وَإِنْ كَانَ التَّرَدُّدُ فِي الْإِحْسَانِ انْعَكَسَ الْحَالُ فَيَحْصُلُ فِي حَقِّ الْحَقِيرِ دُونَ الْعَظِيمِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُتَحَدِّثُونَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: الْمُرَادِ بِذِكْرِ التَّرَدُّدِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الدَّلَالَةُ عَلَى عِظَمِ مَنْزِلَةِ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَبَّرَ بِاللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ عَمَّا يَلْزَمُهُ وَهُوَ نَفْسُهُ لَيْسَ مُرَادًا فَيَصِيرُ مَعْنَى الْحَدِيثِ: مَنْزِلَةُ الْمُؤْمِنِ عِنْدِي عَظِيمَةٌ وَجَمِيعُ مَا وَقَعَ فِي مَدْلُولِ هَذَا الْمُرَكَّبِ لَيْسَ مُرَادًا فَقَدْ قُصِدَ إلَى لَازِمِ اللَّفْظِ وَأُضِيفَ إلَيْهِ الْحُكْمُ وَهَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ تَصَرُّفُ النِّيَّةِ فَإِنَّ النِّيَّةَ هِيَ الْقَصْدُ بِعَيْنِهِ وَإِذَا صَحَّ الْقَصْدُ صَحَّتْ النِّيَّةُ فِي اللَّازِمِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ فَهَذِهِ وُجُوهٌ وَاضِحَةٌ فِي دُخُولِ النِّيَّاتِ وَالْمَقَاصِدِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا فِي مُقْتَضَى اللُّغَةِ وَبِهَا يَظْهَرُ الْجَوَابُ عَمَّا اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُهُمْ نَفَيْنَاهُ فِيمَا عَدَا الْمُطَابَقَةَ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ فَجَوَابُهُ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَالِاسْتِعْمَالَات دَلَّ عَلَى مُخَالَفَةِ الْأَصْلِ وَأَنَّ الْعَرَبَ أَجَازَتْ النِّيَّةَ فِي الِالْتِزَامِ كَمَا أَجَازَتْهَا فِي الْمُطَابَقَةِ ثُمَّ إنَّ الْأَصْلَ مُعَارَضٌ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَجْرِ عَلَيْنَا. وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُمْ إنَّ الِاسْتِقْرَاءَ دَلَّ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ النِّيَّةِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا فَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النُّصُوصِ وَالِاسْتِعْمَالَات يُبْطِلُ اسْتِقْرَاءَهُمْ وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمُ عَلَى النَّافِي. وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ قَوْلُهُمْ لَوْ صَحَّ دُخُولُ النِّيَّةِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا لَصَحَّ الْمَجَازُ فِي كُلِّ شَيْءٍ هُوَ لَازِمٌ قُلْنَا وَإِنَّهُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَنَا التَّجَوُّزُ لِكُلِّ لَازِمٍ لِأَنَّ الْعَلَاقَةَ عِنْدَنَا الْمُلَازَمَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بَلْ يَصِحُّ عِنْدَنَا الْمَجَازُ فِي غَيْرِ اللَّازِمِ كَالتَّعْبِيرِ بِلَفْظِ الْجُزْءِ عَنْ الْكُلِّ مَعَ أَنَّ الْكُلَّ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْجُزْءِ وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمُوهُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَثَالِثُهَا قَوْله تَعَالَى «مَا تَرَدَّدْت فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي فِي قَبْضِ رُوحِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ وَلَا يَكُونُ إلَّا مَا أُرِيدَ» إلَى قَوْلِهِ فِي اللَّازِمِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ (فَهَذِهِ وُجُوهٌ وَاضِحَةٌ فِي دُخُولِ النِّيَّاتِ وَالْمَقَاصِدِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا فِي مُقْتَضَى اللُّغَةِ) قُلْت هُوَ كَمَا قَالَ إلَّا مَا وَقَعَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ مِنْ مِثْلِ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] قَالَ (وَبِهَا يَظْهَرُ الْجَوَابُ عَمَّا اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ مَعَ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْأَصْلَ إنَّمَا هُوَ النِّيَّاتُ وَالْمَقَاصِدُ وَالْأَلْفَاظُ وَصْلَةٌ إلَى تَعْرِيفِهَا وَتَعَرُّفِهَا فَإِذَا صَرَفَتْ النِّيَّاتُ الْأَلْفَاظَ إلَى شَيْءٍ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ انْصَرَفَتْ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اشْتِمَالَ اللَّفْظِ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ مِنْ بَابِ الْعُمُومِ كَمَا زَعَمَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ. (وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) مِنْهَا أَعْنِي السَّلْبِيَّةَ قَالَ الْأَمِيرُ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي كَوْنِهَا مُنْحَصِرَةً أَوَّلًا لَفْظِيٌّ وَأَنَّ الْأُصُولَ الْكُلِّيَّةَ كَالْمُخَالَفَةِ لِلْحَوَادِثِ تَحْتَهُ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ جَوْهَرًا وَلَا عَرَضًا إلَخْ مُنْحَصِرَةٌ وَأَنَّ الْجُزْئِيَّاتِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ اهـ. وَهِيَ كَقَوْلِنَا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا جَوْهَرٍ وَلَا عَرَضٍ وَلَا فِي حَيِّزٍ وَلَا فِي جِهَةٍ وَلَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] فَهَذِهِ الصِّفَاتُ هِيَ نِسْبَتُهُ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَأُمُورٌ مُسْتَحِيلَةٌ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاعْلَمْ أَنَّ السَّلْبَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى سَلْبَانِ سَلْبُ نَقِيصَةٍ نَحْوُ سَلْبِ الْجِهَةِ وَالْجِسْمِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا وَسَلْبُ الْمُشَارِكِ فِي الْكَمَالِ وَهُوَ سَلْبُ الشَّرِيكِ وَهُوَ الْوَحْدَانِيَّةُ قَالَ الْأَصْلُ وَلَمْ أَجِدْ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ نَقْلًا أَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِالسَّلْبِيَّةِ وَعَدَمِ انْعِقَادِهِ غَيْرَ أَنِّي حَرَّكْت مِنْ وُجُوهِ النَّظَرِ وَالتَّخْرِيجِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْتَمِدَ الْفَقِيهُ عَلَيْهِ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ السُّلُوبَ مِنْهَا سُلُوبٌ قَدِيمَةٌ نَحْوُ سَلْبِ الشَّرِيكِ وَهُوَ الْوَحْدَانِيَّةُ وَسَلْبِ الْجِسْمِيَّةِ وَالْعَرَضِيَّةِ وَالْجَوْهَرِيَّةِ وَالْأَيْنِيَّةِ وَسَلْبِ جَمِيعِ الْمُسْتَحِيلَاتِ عَلَيْهِ تَعَالَى فَهَذِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا قَدِيمَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَقْرَبُ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ بِهَا لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ بِإِضَافَةِ اللَّفْظِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى نَحْوُ قَوْلِنَا وَوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَسْبِيحِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقْدِيسِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِإِضَافَةِ اللَّفْظِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى نَحْوُ قَوْلِنَا وَسَلْبِ الْجِسْمِ وَسَلْبِ الشَّرِيكِ فَإِنَّ انْعِقَادَ الْيَمِينِ بِهَا يَبْعُدُ حِينَئِذٍ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا سُلُوبًا وَمِنْهَا سُلُوبٌ حَادِثَةٌ نَحْوُ عَفْوِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِلْمِهِ تَعَالَى فَإِنَّ الْعَفْوَ تَرْكُ الْمُعَاقَبَةِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ وَالْحِلْمُ تَرْكُ الْمُحَاسَبَةِ وَالْمُعَاقَبَةِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ وَالْجِنَايَةُ مِنْ الْعِبَادِ حَادِثَةٌ وَالْمُتَأَخِّرُ عَنْ الْحَادِثِ حَادِثٌ فَهِيَ أَبْعَدُ عَنْ انْعِقَادِ الْيَمِينِ مِنْ انْعِقَادِهِ بِالسُّلُوبِ الْقَدِيمَةِ لِاجْتِمَاعِ الْحُدُوثِ فِيهَا مَعَ السَّلْبِ وَانْفِرَادِ السَّلْبِ فِي السُّلُوبِ الْقَدِيمَةِ فَاَلَّذِي يَقُولُ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِالصِّفَاتِ الْوُجُودِيَّةِ يَقُولُ هَا هُنَا بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَاَلَّذِي يَقُولُ تَنْعَقِدُ

مِنْ الْمِثَالِ فَذَلِكَ الْمَنْعُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ خُصُوصِ كَوْنِهِ مَجَازَ تَشْبِيهٍ لَا مِنْ عُمُومِ كَوْنِهِ مَجَازًا فَإِنَّا نَشْتَرِطُ فِي مَجَازِ التَّشْبِيهِ أَظْهَرَ صِفَاتِ الْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ وَلَا يَصِحُّ التَّشْبِيهُ بِالْمَعَانِي الْخَفِيَّةِ فَهَذَا بَحْثٌ خَاصٌّ بِالِاسْتِعَارَةِ الَّتِي هِيَ مَجَازُ تَشْبِيهٍ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ فَهَذَا الشَّرْطُ فِيهَا سَاقِطٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعِ أَمْرٍ فِي الْأَخَصِّ أَنْ يَمْتَنِعَ فِي الْأَعَمِّ مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُ إذَا حَرُمَ قَتْلُ الْإِنْسَانِ أَنْ يَحْرُمَ قَتْلُ مُطْلَقِ الْحَيَوَانِ وَلَا مِنْ تَحْرِيمِ شُرْبِ الْخَمْرِ أَنْ يَحْرُمَ مُطْلَقُ الْمَائِعِ وَلَا مِنْ تَحْرِيمِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَنْ يَحْرُمَ مُطْلَقُ اللَّحْمِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعٍ خَاصٍّ فِي مَجَازِ التَّشْبِيهِ أَنْ يَحْصُلَ الِامْتِنَاعُ فِي أَصْلِ الْمَجَازِ بَلْ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّ التَّجَوُّزَ يَصِحُّ فِي كُلِّ لَازِمٍ إلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ خَاصَّةً فَهَذَا تَلْخِيصُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْحِجَاجِ فِيهَا. (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) دُخُولُ النِّيَّةِ فِي تَعْمِيمِ الْمُطْلَقَاتِ وَصُورَتُهُ أَنْ تَقُولَ وَاَللَّهِ لَأُكْرِمَنَّ أَخَاك وَتَنْوِيَ بِذَلِكَ جَمِيعَ إخْوَتَك فَإِنَّ قَوْلَك أَخَاك مُطْلَقٌ فَإِذَا أَرَادَ جَمِيعَ إخْوَتِك فَقَدْ عَمَّمَ الْمُطْلَقَ وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا} [الحج: 5] فَإِنَّ طِفْلًا مُطْلَقٌ مُفْرَدٌ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا فَرْدًا وَاحِدًا وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَطْفَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ دُخُولُ النِّيَّةِ فِي تَعْمِيمِ الْمُطْلَقَاتِ وَصُورَتُهُ أَنْ تَقُولَ وَاَللَّهِ لَأُكْرِمَنَّ أَخَاكَ وَتَنْوِيَ بِذَلِكَ جَمِيعَ إخْوَتِك فَإِنَّ قَوْلَك أَخَاك مُطْلَقٌ فَإِذَا أَرَادَ جَمِيعَ إخْوَتِكَ فَقَدْ عَمَّمَ الْمُطْلَقَ) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ هُنَا بِصَحِيحٍ فَإِنَّ أَخَاك مَعْرِفَةٌ وَلَيْسَتْ الْمَعْرِفَةُ مُطْلَقَةً فِي عُرْفِ الْأُصُولِيِّينَ وَإِنَّمَا الْمُطْلَقُ فِي عُرْفِهِمْ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَأُكْرِمَنَّ أَخَاك وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ غَلَطُهُ فِي ذَلِكَ شُبْهَةَ الِاشْتِرَاكِ فِي لَفْظِ الْمُطْلَقِ بِاعْتِبَارِ اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ وَالْمَنْطِقِيِّينَ فَإِنَّ اصْطِلَاحَ الْأُصُولِيِّينَ فِي الْمُطْلَقِ أَنَّهُ الْوَاحِدُ الْمُبْهَمُ وَفِي اصْطِلَاحِ الْمَنْطِقِيِّينَ الْكُلِّيُّ وَقَدْ يَكُونُ نَكِرَةً كَمَا فِي قَوْلِهِمْ تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ وَمَعْرِفَةً بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ كَقَوْلِهِمْ الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ وَمَعْرِفَةً بِالْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِمْ (: أَخَاك أَخَاك إنَّ مَنْ لَا أَخَا لَهُ ... كَسَاعٍ إلَى الْهَيْجَا بِغَيْرِ سِلَاحٍ) فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَخًا مُعَيَّنًا وَلَا أَخًا وَاحِدًا مُبْهَمًا وَإِنَّمَا أَرَادَ هَذَا النَّوْعَ عَلَى الْجُمْلَةِ. قَالَ (وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا} [الحج: 5] فَإِنَّ طِفْلًا مُطْلَقٌ مُفْرَدٌ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا فَرْدًا وَاحِدًا وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْأَطْفَالِ) قُلْت هَذَا كَلَامٌ فَاسِدٌ وَقَوْلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ وَهُوَ الْكُلِّيُّ لَيْسَ فَرْدًا وَاحِدًا عِنْدَ مُثْبَتِيهِ وَإِنَّمَا الْفَرْدُ الْوَاحِدُ وَاحِدٌ مُبْهَمٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ أَشْهَرُ نَوْعَيْ النَّكِرَةِ وَأَكْثَرُهُمَا اسْتِعْمَالًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ فَإِنَّ النَّكِرَةَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ عَلَى نَوْعَيْنِ أَحَدُهُمَا يُرَادُ بِهِ الْفَرْدُ الْمُبْهَمُ فِي مِثْلِ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَكْرِمْ رَجُلًا وَثَانِيهِمَا يُرَادُ بِهِ هَذَا الْجِنْسُ لَا فَرْدٌ مِنْهُ مُبْهَمٌ فِي مِثْلِ قَوْلِ الْقَائِلِ رَجُلٌ خَيْرٌ مِنْ امْرَأَةٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْيَمِينُ بِالصِّفَاتِ الْوُجُودِيَّةِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ أَمْكَنَ أَنْ يَقُولَ بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ هَا هُنَا لِأَجْلِ السَّلْبِ فَهَذَا مَوْضِعٌ يَحْتَمِلُ الْإِطْلَاقَ بِانْعِقَادِ الْيَمِينِ وَبِعَدَمِ انْعِقَادِهَا وَيَحْتَمِلُ التَّفْصِيلَ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَالصَّحِيحُ الْأُمُورُ الْمُضَافَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَتْ إثْبَاتًا أَوْ سَلْبًا مِثْلُ قَبْلِيَّةِ اللَّهِ وَمَعِيَّتِه وَبَعْدِيَّتِهِ مَتَى عُنِيَ بِهَا أَمْرٌ قَدِيمٌ فَالْيَمِينُ بِهَا مُنْعَقِدَةٌ وَمَتَى عُنِيَ بِهَا أَمْرٌ حَادِثٌ فَالْيَمِينُ بِهَا غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ وَقَصْدُ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ بِهَا هُوَ عُرْفُ الشَّرْعِ وَلَمْ يَحْدُثْ عُرْفٌ يُنَاقِضُهُ فَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ لِذَلِكَ اهـ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِي قَوْلِهِ وَلَمْ يَحْدُثْ عُرْفٌ يُنَاقِضُهُ إلَخْ فَلَا تَغْفُلْ. (وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ) مِنْهَا أَعْنِي الصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةَ كَقَوْلِهِ وَخَلْقِ اللَّهِ وَرِزْقِ اللَّهِ وَعَطَاءِ اللَّهِ وَإِحْسَانِ اللَّهِ مِنْ كُلِّ مَا يَصْدُرُ عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْأَصْلُ فَيُنْهَى عَنْ الْحَلِفِ بِهَا وَلَا يُوجِبُ كَفَّارَةً إذَا حَنِثَ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةَ أُمُورٌ اعْتِبَارِيَّةٌ تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْمَقْدُورِ وَأَنَّهَا حَادِثَةٌ كَمَا يَقُولُ الْأَشَاعِرَةُ أَمَّا إنْ لُوحِظَ الْمَذْهَبُ الْمَاتُرِيدِيُّ مِنْ أَنَّهَا قَدِيمَةٌ تَرْجِعُ إلَى صِفَةِ التَّكْوِينِ أَوْ أُرِيدَ مَصْدَرُهَا وَمَنْشَؤُهَا وَهُوَ الْقُدْرَةُ أَوْ الِاقْتِدَارُ الرَّاجِعُ لِلصِّفَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ أَيْ كَوْنُهُ قَادِرًا فَتَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ مَعَ الْحِنْثِ فَلَا تَغْفُلْ وَهَا هُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِمَعَادِ اللَّهِ وَحَاشَا اللَّهِ هُوَ هُوَ الْمَعَادُ الْحَقِيقِيُّ لِلْعِبَادِ وَبَرَاءَةِ اللَّهِ أَيْ بَرَاءَةٌ مِنَّا لِلَّهِ وَهُمَا فِعْلَانِ مُحْدَثَانِ فَلِذَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ أَصْحَابُنَا مَعَادَ اللَّهِ لَيْسَ يَمِينًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْيَمِينَ وَقِيلَ مَعَادَ اللَّهِ وَحَاشَا اللَّهِ لَيْسَتَا بِيَمِينٍ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمَعَادَ مِنْ الْعَوْدِ وَمُحَاشَاةُ اللَّهِ تَعَالَى التَّبْرِئَةُ إلَيْهِ فَهُمَا فِعْلَانِ مُحْدَثَانِ. اهـ قَالَ الْأَصْلُ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْيَمِينَ. اهـ. أَيْ بِأَنْ يُرِيدَ بِمَعَادَ اللَّهِ ذَاتَ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ تَعَالَى مَجَازًا وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعَادًا اسْمُ مَكَان مِنْ الْعَوْدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعُودُ إلَيْهِ الْأَمْرُ كُلُّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ} [هود: 123] فَأَطْلَقَ اسْمَ الْمَكَانِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَجَازًا فَلَفْظُ مَعَادَ اللَّهِ كِنَايَةٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَعَادَ الْمَجَازِيَّ فَيَكُونَ حَلِفًا بِقَدِيمٍ وَهُوَ وُجُودُهُ تَعَالَى وَتَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَعَادَ الْحَقِيقِيَّ فَيَكُونَ حَلِفًا بِمُحْدَثٍ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ كَمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَصْلًا لِانْصِرَافِهِ لِحَقِيقَتِهِ حِينَئِذٍ وَهُوَ الْمَعَادُ الْحَقِيقِيُّ وَبِأَنْ يُرِيدَ بِحَاشَا اللَّهِ الْكَلَامَ

وَمَعَ ذَلِكَ فَالْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ الْأَطْفَالِ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ فَإِنَّ جَمِيعَنَا لَا يَخْرُجُ طِفْلًا وَاحِدًا بَلْ أَطْفَالًا فَمَعْنَى الطُّفُولِيَّةِ مُضَافَةٌ لِكُلِّ بَشَرٍ مِنَّا فَيَحْصُلُ الْعُمُومُ فِي الْأَطْفَالِ كَمَا أَنَّا نَحْنُ غَيْرُ مُتَنَاهِينَ وَتَوْزِيعُ الْحَقِيقَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ الطُّفُولِيَّةِ عَلَى مَا لَا يَتَنَاهَى يُوجِبُ أَنْ يَحْصُلَ مِنْهَا أَفْرَادٌ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ فَقَدْ وَرَدَ هَذَا الْمُطْلَقُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُرَادُ بِهِ الْعُمُومُ فَإِذَا أَرَادَ الْحَالِفُ تَعْمِيمَ حُكْمِ الْيَمِينِ بِالنِّيَّةِ كَمَا إذَا صَرَّحَ بِالْعُمُومِ فَإِنْ كَانَ فِي سِيَاقِ الثُّبُوتِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِحُصُولِ الْفِعْلِ فِي جَمِيعِ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْعُمُومِ وَإِنْ كَانَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ حَنِثَ بِوَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِأَيِّ فَرْدٍ حَنِثَ فِيهِ مَعَ أَنَّ سِيَاقَ النَّفْيِ اللَّفْظُ فِيهِ عَامٌّ فَإِنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ وَتَأْثِيرُ النِّيَّةِ فِي سِيَاقِ الثُّبُوتِ خَاصَّةً. (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) تَعْيِينُ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ بِالنِّيَّةِ فَإِنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي تَعْيِينِ ذَلِكَ الْفَرْدِ لِلْيَمِينِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَنْظُرَنَّ إلَى عَيْنٍ وَيُرِيدُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ أَحَدَ مُسَمَّيَاتِهِ وَهُوَ الْعَيْنُ الْبَاصِرَةُ مَثَلًا دُونَ عَيْنِ الْمَاءِ وَعَيْنِ الشَّمْسِ وَعَيْنِ الرُّكْبَةِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْبَاصِرَةِ بِسَبَبِ تَعْيِينِهَا بِالنِّيَّةِ فَهَذَا قِسْمٌ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ دُونَ تَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ وَتَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَالصَّرْفِ إلَى الْمَجَازَاتِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَنْطَبِقُ عَلَى مَا عَيَّنَهُ حَقِيقَةً مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَفِي بَقِيَّةِ الصُّوَرِ لَيْسَ كَذَلِكَ. (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) تُصْرَفُ النِّيَّةُ بِالصَّرْفِ إلَى الْمَجَازَاتِ وَتَرْكِ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ بِالْكُلِّيَّةِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ أَسَدًا وَيُرِيدُ رَجُلًا شُجَاعًا فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِضَرْبِ رَجُلٍ شُجَاعٍ وَلَوْ ضَرَبَ الْأَسَدَ الْحَقِيقِيَّ مَا بَرَّ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ أَنْوَاعِ الْمَجَازَاتِ مِنْ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْكُلِّ فِي الْجُزْءِ وَلَفْظِ الْجُزْءِ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَمَعَ ذَلِكَ فَالْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ الْأَطْفَالِ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ فَإِنَّ جَمِيعَنَا لَا يُخْرِجُ طِفْلًا وَاحِدًا بَلْ أَطْفَالًا إلَى قَوْلِهِ فَقَدْ وَرَدَ هَذَا الْمُطْلَقُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُرَادُ بِهِ الْعُمُومُ) قُلْت لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ فِي الْآيَةِ الْعُمُومَ فَإِنَّ الْعُمُومَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَنَاوِلًا لِجَمِيعِ الْآحَادِ الْمُمْكِنَةِ وَلَا يُتَّجَهُ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ إذْ لَوْ قَالَ وَنُخْرِجُكُمْ جَمِيعَ الْأَطْفَالِ الْمُمْكِنَةِ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا صَحِيحًا وَإِنَّمَا الْعُمُومُ فِي الْآيَةِ مُسْتَفَادٌ مِنْ ضَمِيرِ الْجَمْعِ الْمُتَّصِلِ بِنُخْرِجُ وَهُوَ عُمُومٌ فِي الْمَخْرَجَيْنِ لَا فِي كُلِّ مُمْكِنٍ ثُمَّ جَاءَ لَفْظُ طِفْلٍ مُبَيِّنًا لِلْحَالَةِ الَّتِي يَكُونُ الْإِخْرَاجُ فِيهَا وَهِيَ حَالَةُ الطُّفُولِيَّةِ إمَّا عَلَى تَقْدِيرِ وَنُخْرِجُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لِأَنَّ وَنُخْرِجُكُمْ فِي مَعْنَاهُ وَإِمَّا عَلَى أَنَّ طِفْلًا اسْمُ جِنْسٍ فَنَابَ مَنَابَ اسْمِ الْجَمْعِ كَنَاسٍ وَنَفَرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (فَإِذَا أَرَادَ الْحَالِفُ تَعْمِيمَ حُكْمِ الْيَمِينِ بِالنِّيَّةِ كَمَا إذَا صَرَّحَ بِالْعُمُومِ إلَى آخَرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. وَكَذَلِكَ مَا قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ إلَّا عِبَارَتُهُ بِفَرْدٍ عَنْ أَحَدِ مُسَمَّيَاتِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّ الْأَوْلَى كَانَ أَنْ يَقُولَ تَعَيُّنُ أَحَدِ مُسَمَّيَاتِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ لِأَنَّ الْفَرْدَ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْغَالِبِ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ الشَّخْصِيُّ لَا الْوَاحِدُ النَّوْعِيُّ وَجَمِيعُ مَا قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِعَةِ صَحِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَدِيمَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَزِّهُ نَفْسَهُ بِكَلَامِهِ النَّفْسَانِيِّ فَتَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ تَعَالَى بِاللَّامِ فَلَفْظُ حَاشَا اللَّهِ كَلَفْظِ مَعَادَ اللَّهِ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْحَادِثُ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا وَلَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ كَمَا إذَا لَمْ يُرَدْ بِهِ شَيْءٌ أَصْلًا وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْقَدِيمُ كَانَ يَمِينًا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ عِنْدَ الْحِنْثِ هَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ ابْنِ الشَّاطِّ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْفَرْقِ مَتَى عُنِيَ بِالْأُمُورِ الْمُضَافَةِ أَمْرٌ قَدِيمٌ فَالْيَمِينُ بِهَا مُنْعَقِدَةٌ أَوْ أَمْرٌ حَادِثٌ فَالْيَمِينُ بِهَا غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ إلَخْ فَمِنْ هُنَا نَظَرَ ابْنُ الشَّاطِّ هُنَا فِي قَوْلِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ نِيَّةِ الْمَعْنَى الْقَدِيمِ فِيهِمَا مِنْ نِيَّةٍ أُخْرَى لِلْقَسَمِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ عُرْفٍ يَقُومُ مَقَامَهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَ كُلٍّ مِنْهَا إنْ نُصِبَ فَعَلَى تَقْدِيرِ أُلْزِمُ نَفْسِي مَعَادَ اللَّهِ وَحَاشَا اللَّهِ فَيَكُونُ إلْزَامًا حَقِيقِيًّا لِمُوجِبِ الْيَمِينِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ نِيَّةٍ أَوْ عُرْفٍ وَإِنْ رُفِعَ فَعَلَى تَقْدِيرِ مَعَادَ اللَّهِ أَوْ حَاشَا اللَّهِ قَسَمِي فَيَكُونُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً خَبَرِيَّةً اُسْتُعْمِلَتْ فِي إنْشَاءِ الْقَسَمِ بِهَا إمَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ بِالْعُرْفِ الْمُوجِبِ لِنَقْلِ الْخَبَرِ مِنْ أَصْلِهِ اللُّغَوِيِّ إلَى الْإِنْشَاءِ وَإِنْ خُفِضَ فَعَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْقَسَمِ الْجَارِّ كَقَوْلِهِمْ اللَّهِ بِالْخَفْضِ وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ نِيَّةِ الْإِنْشَاءِ أَوْ عُرْفٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ اهـ. مُلَخَّصًا قُلْت وَوَجْهُ النَّظَرِ أَنَّ وَاوَ الْقَسَمِ وَجَمِيعَ حُرُوفِهِ وَلَفْظِهِ بِأَيِّ صِيغَةٍ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا لِإِنْشَاءِ الْقَسَمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَلِذَلِكَ " الْزَمْ " لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا لِإِنْشَاءِ الِالْتِزَامِ وَالْتِزَامُ الْقَدِيمِ الْتِزَامٌ لِلْيَمِينِ فَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةً لِإِنْشَاءِ الْقَسَمِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) رَحْمَةِ اللَّهِ وَرِضَاهُ وَمَحَبَّتِهِ وَغَضَبِهِ وَمَقْتِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] وَبُغْضِهِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَبْغَضُ الْمُبَاحِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْحَبْرَ السَّمِينَ» وَرَأْفَتِهِ فِي قَوْله تَعَالَى الرَّءُوفِ الرَّحِيمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي قِيلَ إنَّ حَقَائِقَهَا لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْبَشَرِ وَالْأَمْزِجَةِ وَالْمَخْلُوقَاتِ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِهَا بِمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ تَعَالَى كَتَفْسِيرِهِمْ الرَّحْمَةَ بِالرِّقَّةِ وَالْمَحَبَّةَ بِالْمَيْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعَلَى تَسْلِيمِ امْتِنَاعِ تِلْكَ الْحَقَائِقِ لَا بُدَّ مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْمَجَازِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَجَازِ الْمُرَادِ بِهَا فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُرَادُ فِي لَفْظِ الرَّحْمَةِ وَنَحْوِهَا إرَادَةُ الْإِحْسَانِ لِمَنْ وُصِفَ بِذَلِكَ

الْكُلِّ وَلَفْظِ السَّبَبِ فِي الْمُسَبَّبِ وَلَفْظِ الْمُسَبَّبِ فِي السَّبَبِ وَلَفْظِ الْمَلْزُومِ فِي اللَّازِمِ وَلَفْظِ اللَّازِمِ فِي الْمَلْزُومِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَجَازَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَهِيَ نَحْوُ خَمْسَةَ عَشَرَ نَوْعًا فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ السَّبْعَةُ هِيَ تَفْصِيلُ مَا يُؤَثِّرُ فِيهِ النِّيَّةُ مُسْتَوْعَبَةً بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهَا مَوْطِنٌ آخَرُ لِلنِّيَّةِ أَلْبَتَّةَ فِي الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهَا. (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) وَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا النِّيَّةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَبَبُ عَدَمِ تَأْثِيرِهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ وَاسْتَثْنَى عَادَ كَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ» يَقْتَضِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِالْمَشِيئَةِ سَبَبٌ رَافِعٌ لِحُكْمِ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنْ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَقْتَضِي عِلِّيَّةَ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ وَسَبَبِيَّتَهُ وَهَا هُنَا قَدْ رَتَّبَ صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ حُكْمَ ارْتِفَاعِ الْيَمِينِ عَلَى وَصْفِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ سَبَبَ ارْتِفَاعِ حُكْمِ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَادَ كَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى ارْتِفَاعِ حُكْمِ الْيَمِينِ فَإِذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ هُوَ سَبَبَ ارْتِفَاعِ حُكْمِ الْيَمِينِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ يَتَوَقَّفُ حُصُولُ مُسَبَّبَاتِهَا عَلَى حُصُولِهَا وَأَنَّ الْقَصْدَ إلَيْهَا لَا يَقُومُ مَقَامَهَا فَإِنَّ الْقَصْدَ إلَى الصَّلَاةِ لَا يَقُومُ مَقَامَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَكُونَ سَبَبَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْهَا، وَالْقَصْدُ إلَى السَّرِقَةِ لَا يَقُومُ مَقَامَ السَّرِقَةِ فَيَجِبُ الْقَطْعُ بِمُجَرَّدِ الْقَصْدِ بَلْ لَا يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ إلَّا عَلَى وُجُودِ سَبَبِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَقُمْ النِّيَّةُ مَقَامَ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي حِلِّ الْيَمِينِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ بِهِ عَلَى شُرُوطِهِ وَحِينَئِذٍ يَتَرَتَّبُ رَفْعُ الْيَمِينِ فَهَذَا وَجْهُ عَدَمِ تَأْثِيرِهَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَشِيئَةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَعَلَى الْقَوْلِ بِانْعِقَادِ الْيَمِينِ بِالنِّيَّةِ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ وَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا النِّيَّةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى آخِرِهَا) قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَأْثِيرَ لَهُ إلَّا إنْ كَانَ مَقْصُودًا بِهِ رَفْعُ الْيَمِينِ أَوْ حِلُّهَا فَهُوَ أَعْنِي الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى دَلِيلٌ عَلَى قَصْدِ رَفْعِ الْيَمِينِ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِقَصْدِ رَفْعِ الْيَمِينِ الَّذِي لَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى دَلِيلٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ اللَّفْظِ بِذَلِكَ دُونَ الْقَصْدِ فَقَطْ وَلَا أَعْلَمُ ذَلِكَ الْآنَ فَلْيُنْظَرْ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا يَنْبَنِي التَّحْقِيقُ فِيهَا إلَّا عَلَى ذَلِكَ وَمَا نَظَرَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْقَصْدَ إلَى الصَّلَاةِ لَا يَنُوبُ مَنَابَهَا وَكَذَلِكَ مَا عَدَاهَا مِنْ الْأَعْمَالِ إنَّمَا كَانَ فِيهَا ذَلِكَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ مُقْتَضَى الشَّرْعِ أَنَّ الْمُرَادَ أَعْيَانُ تِلْكَ الْأَعْمَالِ فَإِنْ وَرَدَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ عَيْنُ اسْتِثْنَاءِ الْمَشِيئَةِ لَفْظًا اسْتَوَى الْأَمْرُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَسَائِرِ الْأَعْمَالِ وَإِلَّا فَلَا وَمَا حَكَاهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ مُتَّجَهٌ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إذَا ثَبَتَ اشْتِرَاطُ اللَّفْظِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَإِنْ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْقَوْلِ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّاسِعَةِ وَالْعَاشِرَةِ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْخَلْقِ وَفِي لَفْظِ الْغَضَبِ وَنَحْوِهِ إرَادَةُ الْعُقُوبَةِ لِمَنْ وُصِفَ بِذَلِكَ مِنْ الْخَلْقِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الرَّاحِمِ وَالْغَضْبَانِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ فِي الْأَوَّلِ أَيْ لَفْظِ الرَّحْمَةِ وَنَحْوِهَا الْإِحْسَانَ نَفْسَهُ وَفِي الثَّانِي أَيْ لَفْظِ الْغَضَبِ وَنَحْوِهِ الْعِقَابَ نَفْسَهُ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّحْمَةَ الَّتِي وُضِعَ اللَّفْظُ بِإِزَائِهَا. وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهَا هِيَ رِقَّةُ الطَّبْعِ وَهَذِهِ الرِّقَّةُ فِي الْقَلْبِ يَلْزَمُهَا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا إرَادَةُ الْإِحْسَانِ إلَيْهِ وَالثَّانِي الْإِحْسَانُ نَفْسُهُ فَهُمَا لَازِمَانِ لِلرِّقَّةِ الَّتِي هِيَ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَالتَّعْبِيرُ بِلَفْظِ الْمَلْزُومِ عَنْ اللَّازِمِ مَجَازٌ عُرْفِيٌّ شَائِعٌ غَيْرَ أَنَّ إرَادَةَ الْإِحْسَانِ أَلْزَمُ لِلرِّقَّةِ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ رَحِمْته وَأَحْسَنْت إلَيْهِ فَقَدْ أَرَدْت الْإِحْسَانَ إلَيْهِ وَقَدْ تُرِيدُ الْإِحْسَانَ إلَيْهِ وَتَقْصُرُ قُدْرَتُك عَنْ ذَلِكَ فَالْإِرَادَةُ أَكْثَرُ لُزُومًا لِلرِّقَّةِ وَإِذَا قَوِيَتْ الْعَلَاقَةُ كَانَ مَجَازُهَا أَرْجَحَ فَمَجَازُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ أَرْجَحُ مِنْ مَجَازِ الْقَاضِي فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَيَلْزَمُ بِهَا الْكَفَّارَةُ لِكَوْنِ مَدْلُولِهَا قَدِيمًا وَعَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي لَا يَلْزَمُ بِهَا كَفَّارَةٌ وَيُنْهَى عَنْ الْحَلِفِ بِهَا لِأَنَّ مَدْلُولَهَا مُحْدَثٌ إلَّا أَنْ يُلَاحِظَ الْحَالِفُ الْمَذْهَبَ الْمَاتُرِيدِيَّ أَوْ مَصْدَرَهَا عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ فِي صِفَةِ الْفَصْلِ فَلَا تَغْفُلْ. وَإِذَا قِيلَ لَك رَحْمَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ هَلْ هُمَا قَائِمَانِ بِذَاتِهِ تَعَالَى أَمْ لَا وَهَلْ هُمَا وَاجِبَا الْوُجُودِ أَمْ لَا وَهَلْ كَانَا فِي الْأَزَلِ أَمْ لَا؟ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْئِلَةِ فَقُلْ عَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ هُمَا عِبَارَةٌ عَنْ الْإِرَادَةِ وَهِيَ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ تَعَالَى وَاجِبَةُ الْوُجُودِ أَزَلِيَّةٌ وَقُلْ عَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي لَيْسَا قَائِمَيْنِ بِذَاتِهِ بَلْ مُمْكِنَانِ مَخْلُوقَانِ لَيْسَا بِأَزَلِيَّيْنِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ وَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ إلَّا عِنْدَ التَّعَذُّرِ وَلَا تَعَذُّرَ ضَرُورَةً أَنَّ الرَّحْمَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ هِيَ الْقَائِمَةُ بِنَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقُ الرَّحْمَةِ كَذَلِكَ حَتَّى يَلْزَمَ كَوْنُ الرَّحْمَةِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى مَجَازًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِلْمَ الْقَائِمَ بِنَا مِنْ الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ وَقَدْ وُصِفَ الْحَقُّ تَعَالَى بِالْعِلْمِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى مَجَازٌ وَكَذَا الْقُدْرَةُ وَغَيْرُهَا فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الرَّحْمَةُ حَقِيقَةً وَاحِدَةً هِيَ الْعَطْفُ وَتَخْتَلِفُ أَنْوَاعُهُ بِاخْتِلَافِ الْمَوْصُوفِينَ بِهِ فَإِذَا نُسِبَتْ إلَيْنَا كَانَتْ كَيْفِيَّةً نَفْسَانِيَّةً

الْمَشِيئَةِ. (الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ) الَّتِي لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا النِّيَّةُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النُّصُوصِ نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمًا فَلَوْ نَوَى بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ طَلْقَتَيْنِ وَبِالدَّرَاهِمِ الثَّلَاثِ دِرْهَمَيْنِ فَهَذَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِالِاسْتِثْنَاءِ وَلَا تَكْفِي هَذِهِ النِّيَّةُ لِأَنَّهَا لَوْ كَفَّتْهُ لَدَخَلَ الْمَجَازُ فِي النُّصُوصِ وَهُوَ لَا يَدْخُلُ فِيهَا وَلَا مَعْنَى لِلْمَجَازِ إلَّا اسْتِعْمَالُ الثَّلَاثِ فِي الِاثْنَيْنِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْمَجَازُ فِي الظَّوَاهِرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَقُومَ النِّيَّةُ هَا هُنَا مَقَامَ الِاسْتِثْنَاءِ أَلْبَتَّةَ (الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ) الَّتِي لَا تَنُوبُ فِيهَا النِّيَّةُ وَلَا تُؤَثِّرُ قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَقِيت الْقَوْمَ وَنَوَى فِي نَفْسِهِ إلَّا فُلَانًا لَا تُجْزِئُ فِيهِ النِّيَّةُ عَنْ قَوْلِهِ إلَّا فُلَانًا وَيَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْقَهُ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ التَّخْصِيصَ وَالْمُحَاشَاةَ نَفَعَهُ لِأَنَّهُ مَجَازٌ فِي الظَّاهِرِ وَالْمَجَازُ فِي الظَّاهِرِ تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ وَلَكِنَّهُ قَصَدَ إلَى الْإِخْرَاجِ بِاللَّفْظِ وَلَمْ يَقْصِدْ الْإِخْرَاجَ بِالنِّيَّةِ وَالنِّيَّةُ شَأْنُهَا أَنْ تُؤَثِّرَ لَا أَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ مُؤَثِّرٍ آخَرَ وَيُضَافُ التَّأْثِيرُ لِذَلِكَ الْمُؤَثِّرِ الْآخَرِ وَهُوَ قَصَدَ أَنْ يَكُونَ الْإِخْرَاجُ لِلِاسْتِثْنَاءِ لَا لِلنِّيَّةِ وَنَوَى الِاسْتِثْنَاءَ فَمِنْ هَا هُنَا هُوَ سَبَبُ عَدَمِ تَأْثِيرِهَا وَعَدَمِ اعْتِبَارِهَا وَلَوْ قَصَدَ الْإِخْرَاجَ بِهَا هِيَ نَفَعَهُ لَكِنْ قَصَدَ بِهَا لَفْظًا مُخْرِجًا لَا الْإِخْرَاجَ قَالَ وَقِيلَ تَنْفَعُهُ النِّيَّةُ وَتَنُوبُ مَنَابَ الِاسْتِثْنَاءِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لَهُمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَامَهَا مَقَامَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي النُّصُوصِ نَحْوِ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْعَشَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَيْسَ قَابِلًا لِلْمَجَازِ أَلْبَتَّةَ فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِ النِّيَّةُ بِمُفْرَدِهَا فَلَا تَقُومُ مَقَامَ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَلْفَاظِ الظَّوَاهِرِ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْفُرُوقَ فَهَذِهِ عَشْرُ مَسَائِلَ اتَّضَحَ بِهَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تُؤَثِّرُ فِيهِ النِّيَّةُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ النِّيَّةُ سَبْعَةٌ مِنْهَا تُؤَثِّرُ فِيهَا النِّيَّةُ وَثَلَاثَةٌ لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا فَهَذَا بَيَانُ الْفَرْقِ تَفْصِيلًا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْفَرْقِ تَحْرِيرُهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ وَالتَّحْدِيدِ. (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْإِبَاحَةِ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَعْلَى الرُّتَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى الْحُرْمَةِ يَكْفِي فِيهَا أَيْسَرُ الْأَسْبَابِ) وَقَعَتْ فِي الشَّرِيعَةِ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ تَقْتَضِيَ الْفَرْقَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ أَحَدُهَا أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ مُبَاحٌ فَتَرْتَفِعُ هَذِهِ الْإِبَاحَةُ بِعَقْدِ الْأَبِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ وَالْمَبْتُوتَةُ لَا يَذْهَبُ تَحْرِيمُهَا إلَّا بِعَقْدِ الْمُحَلِّلِ وَوَطْئِهِ وَعَقْدِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الْعِدَّةِ وَهَذِهِ رُتْبَةٌ فَوْقَ تِلْكَ الرُّتْبَةِ النَّاقِلَةِ عَنْ الْإِبَاحَةِ بِكَثِيرٍ وَثَانِيهَا الْمُسْلِمُ مُحَرَّمُ الدَّمِ لَا تَذْهَبُ هَذِهِ الْحُرْمَةُ إلَّا بِالرِّدَّةِ أَوْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانٍ أَوْ قَتَلَ نَفْسًا عَمْدًا عُدْوَانًا وَهِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْإِبَاحَةِ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَعْلَى الرُّتَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى الْحُرْمَةِ يَكْفِي فِيهَا أَيْسَرُ الْأَسْبَابِ إلَى قَوْلِهِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِلَى اللَّهِ كَانَتْ حَقِيقَةً فِيمَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ مِنْ الْإِحْسَانِ أَوْ إرَادَتِهِ وَكَوْنُ الرَّحْمَةِ مُنْحَصِرَةً وَضْعًا فِي الْكَيْفِيَّةِ النَّفْسَانِيَّةِ دُونَهُ خَرْطُ الْقَتَادِ كَمَا قَالَهُ الْعَارِفُ الْمُحَقِّقُ الْمُلَّا إبْرَاهِيمُ الْكُورَانِيُّ فِي كِتَابِهِ قَصْدِ السَّبِيلِ أَفَادَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ عَابِدِينَ عَلَى الْمَنَارِ الْأُصُولِيِّ وَإِلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يُشِيرُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّاطِّ بِقَوْلِهِ وَمَا قَالَهُ مِنْ امْتِنَاعِ حَقَائِقِهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا ذَلِكَ بِنَاءٌ عَلَى تَفْسِيرِهَا بِمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ تَعَالَى كَتَفْسِيرِهِمْ الرَّحْمَةَ بِالرِّقَّةِ وَالْمَحَبَّةَ بِالْمَيْلِ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ لِلْكَلَامِ فِيهِ مَجَالٌ اهـ. عَلَى أَنَّ الْخَادِمِي نَقَلَ عَنْ بَعْضٍ أَنَّ مِنْ مَعَانِي الرَّحْمَةِ اللُّغَوِيَّةِ إرَادَةُ الْخَيْرِ وَعَنْ بَعْضٍ آخَرَ أَنَّ مِنْهَا الْإِحْسَانُ فَعَلَى هَذَيْنِ لَا تَجُوزُ أَصْلًا فَاحْفَظْهُ أَفَادَهُ الْعَلَّامَةُ الأنباصني عَلَى بَيَانِيَّةِ الصَّبَّانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ الْحَالِفُ بِرِضَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ وَسَخَطِهِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ اهـ. يَعْنِي لِأَنَّهُ كَرَّرَ الْحَلِفَ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْإِرَادَةُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفُتْيَا بِطَرِيقَةِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ فِي حَمْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى الْإِرَادَةِ وَأَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَشَرَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ لَا تَجِبُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَعِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَةِ اللَّهِ وَإِرَادَةِ اللَّهِ وَعِزَّةِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ فِيهِ هَلْ تَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِتَغَايُرِ الصِّفَاتِ الْمَحْلُوفِ بِهَا أَوْ تَتَّحِدُ الْكَفَّارَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَاعِدَةَ الْأَيْمَانِ التَّأْكِيدُ حَتَّى يُرِيدَ الْإِنْشَاءَ بِخِلَافِ تَكْرِيرِ الطَّلَاقِ الْأَصْلُ فِيهِ الْإِنْشَاءُ حَتَّى يُرِيدَ التَّأْكِيدَ أَوْ قَاعِدَةُ الْجَمِيعِ الْإِنْشَاءُ حَتَّى يُرِيدَ التَّأْكِيدَ وَهَذَا هُوَ الْأَنْظَرُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ الْأَصْلُ وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ مِنْ إلْزَامِ الْكَفَّارَةِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إنْ لَمْ يُقَيَّدْ بِأَنَّهُ نَوَى إرَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ حَقِيقَةٌ فِي أُمُورٍ مُحْدَثَةٍ لَا تُوجِبُ كَفَّارَةً وَإِنَّمَا دَلَّ الدَّلِيلُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْإِرَادَةُ الْقَدِيمَةُ مَجَازًا خَفِيًّا لِعَدَمِ اشْتِهَارِهَا فِي الْإِرَادَةِ حَتَّى صَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَلْفَاظَ لَا تَنْصَرِفُ لِمَجَازَاتِهَا الْخَفِيَّةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَزَالُ مُنْصَرِفًا إلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ دُونَ مَجَازِهِ الْمَرْجُوحِ حَتَّى تَصْرِفَهُ نِيَّةُ الْمَجَازِ الْمَرْجُوحِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ أَرَادَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ صِفَةً قَدِيمَةً لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ

أَسْبَابٌ عَظِيمَةٌ فَإِذَا أُبِيحَ دَمُهُ بِالرِّدَّةِ حُرِّمَ بِالتَّوْبَةِ وَفِي الْقِصَاصِ بِالْعَفْوِ وَفِي الزِّنَى بِالتَّوْبَةِ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَمَّا عِنْدَ مَالِكٍ فَلَا بُدَّ مِنْ رَجْمِهِ وَلَوْ تَابَ وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ فِيمَا عَلِمْتُ عَلَى الْمُحَارِبِ إذَا تَابَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ وَتَزُولُ إبَاحَةُ دَمِهِ وَالتَّوْبَةُ أَيْسَرُ مِنْ الرِّدَّةِ وَالْقَتْلِ وَأَقَلُّ تَحْتِيمًا عَلَى الْعَبْدِ وَثَالِثُهَا الْأَجْنَبِيَّةُ لَا يَزُولُ تَحْرِيمُ وَطْئِهَا إلَّا بِالْعَقْدِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى إذْنِهَا وَوَلِيِّهَا وَصَدَاقٍ وَشُهُودٍ، وَإِبَاحَتُهَا بَعْدَ الْعَقْدِ يَكْفِي فِيهَا الطَّلَاقُ فَتَرْتَفِعُ تِلْكَ الْإِبَاحَةُ بِالطَّلَاقِ الَّذِي يَسْتَقِلُّ الزَّوْجُ بِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَرَابِعُهَا الْحَرْبِيُّ مُبَاحُ الدَّمِ تَزُولُ إبَاحَتُهُ بِالتَّأْمِينِ وَهُوَ سَبَبٌ لَطِيفٌ وَإِذَا حَرُمَ دَمُهُ بِالتَّأْمِينِ لَا يُبَاحُ إلَّا بِسَبَبٍ قَوِيٍّ يُزِيلُ تِلْكَ الْإِبَاحَةَ مِنْ خُرُوجٍ عَلَيْنَا أَوْ قَصْدٍ لِقَتْلِنَا حِرَابَةً وَخُرُوجِنَا عَلَى الْإِمَامِ الْعَدْلِ وَكَذَلِكَ تَزُولُ إبَاحَةُ دَمِهِ بِعَقْدِ الْجِزْيَةِ فَإِذَا حَرُمَ دَمُهُ بِعَقْدِ الْجِزْيَةِ لَا يُبَاحُ دَمُهُ بِكُلِّ الْمُخَالَفَاتِ لِعَقْدِ الْجِزْيَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُخَالَفَةٍ قَوِيَّةٍ كَالتَّمَرُّدِ عَلَى الْإِمَامِ وَنَبْذِ الْعَهْدِ مُجَاهَرَةً وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُحْتَاجَةِ إلَى قُوَّةٍ شَدِيدَةٍ وَمُنَاقَشَةٍ عَظِيمَةٍ وَنَظَائِرُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي الشَّرِيعَةِ كَثِيرَةٌ وَهَذَا الْفَرْقُ وَاقِعٌ فِيهَا بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْخُرُوجُ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى التَّحْرِيمِ وَالْخُرُوجُ مِنْ التَّحْرِيمِ إلَى الْإِبَاحَةِ وَقَدْ رَامَ الْأَصْحَابُ تَخْرِيجَ الْحِنْثِ بِبَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَإِنَّ الْحِنْثَ خُرُوجٌ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى التَّحْرِيمِ فَيَكْفِي فِيهِ أَيْسَرُ سَبَبٍ فَيَحْنَثُ بِجُزْءِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَكَلَ مِنْهُ لُبَابَهُ لِأَنَّهُ عَلَى بِرٍّ وَإِبَاحَةٍ حَتَّى يَحْنَثَ وَلَا يَبْرَأُ إذَا كَانَ عَلَى حِنْثٍ إلَّا بِفِعْلِ الْجَمِيعِ إذَا حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّهُ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِأَكْلِ جَمِيعِهِ لِأَنَّهُ عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يَبَرَّ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ حُرْمَةٍ إلَى إبَاحَةٍ وَهَذَا التَّخْرِيجُ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُمْ إنْ ادَّعَوْا هَذِهِ الْقَاعِدَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ كُلِّيَّةً فِي الشَّرِيعَةِ مَنَعْنَاهَا لِانْدِرَاجِ صُورَةِ النِّزَاعِ فِيهَا فَلِلْخَصْمِ مَنْعُهَا وَهُوَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ صُورَةٌ قَلِيلَةٌ وَلَوْ كَانَتْ كَثِيرَةً وَضَمُّوا إلَيْهَا أَمْثَالَهَا فَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الدَّعْوَةَ الْعَامَّةَ الْكُلِّيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِالْمُثُلِ الْجُزْئِيَّةِ فَإِنَّهَا لَوْ انْتَهَتْ إلَى الْأَلْفِ احْتَمَلَ أَنَّهَا جُزْئِيَّةٌ لَا كُلِّيَّةٌ فَكَمْ مِنْ جُزْئِيَّةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى أَفْرَادٍ كَثِيرَةٍ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِنَا: كُلُّ عَدَدٍ زَوْجٌ كُلِّيَّةٌ بَاطِلَةٌ بَلْ إنَّمَا تَصْدُقُ جُزْئِيَّةً فِي بَعْضِ الْأَعْدَادِ وَتِلْكَ الْأَعْدَادُ الَّتِي هِيَ زَوْجٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا لَا يُحْصَى عَدَدُهَا وَمَعَ ذَلِكَ فَالْكُلِّيَّةُ كَاذِبَةٌ لَا صَادِقَةٌ. وَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّهَا جُزْئِيَّةٌ فَيَحْتَاجُونَ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ يُوجِبُ كَوْنَ صُورَةِ النِّزَاعِ كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقِيَاسَ فَأَيْنَ الْجَامِعُ الْمُنَاسِبُ لِخُصُوصِ الْحُكْمِ السَّالِمِ عَنْ الْفَوَارِقِ أَوْ الدَّلِيلُ غَيْرُ الْقِيَاسِ فَأَيْنَ هُوَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ، وَخَرَّجَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَاعِدَةِ الْأَمْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَخَرَّجَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَاعِدَةِ الْأَمْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِلَّا فَلَا اهـ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ لَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّفْظَ وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي أُمُورٍ مُحْدَثَةٍ، مَجَازٌ غَيْرُ غَالِبٍ فِي الصِّفَةِ الْقَدِيمَةِ فَقَرِينَةُ الْحَلِفِ بِهِ كَافِيَةٌ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْمَجَازِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ لَا يَقْتَضِي قَوْلُ مَالِكٍ بِوُجُوبِ كَفَّارَةٍ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ وَكَفَالَتُهُ أَنَّهُ يُوجِبُهَا إذَا قَالَ هَا هُنَا عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ أَوْ خَلْقُهُ وَإِنْ قَالَ الْأَصْلُ ذَلِكَ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمِيثَاقَ وَنَحْوَهُ جَرَى الْعُرْفُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْيَمِينُ فَإِذَا قَالَ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ فَمُقْتَضَاهُ عَلَيَّ يَمِينٌ فَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَرِزْقُ اللَّهِ وَنَحْوُهُ لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِذَلِكَ فَإِذَا قَالَ عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِذَلِكَ الْكَفَّارَةَ وَلَيْسَ قَوْلُ الْقَائِلِ عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ لِأَنَّ رِزْقَ اللَّهِ لَيْسَ اسْمًا لِطَاعَتِهِ فَيَلْزَمُ نَذْرُهَا وَصَوْمُ يَوْمٍ اسْمٌ لِطَاعَتِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ يَمِينًا وَيَكُونُ قَائِلُهُ حَالِفًا مَعَ بَقَاءِ لَفْظِ عَلَيَّ فِيهِ عَلَى مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ لَهُ إلَى الْقَسَمِ وَجَعْلِهِ مِنْ جُمْلَةِ حُرُوفِهِ كَالْبَاءِ وَالْوَاوِ فَإِنَّ الْمِيثَاقَ مَعْنَاهُ يَمِينٌ مَا فَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ فَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ كَمَا عَلِمْت أَفَادَهُ ابْنُ الشَّاطِّ. (وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ مِنْهَا) أَعْنِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْجَامِعَةَ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ عِزَّةُ اللَّهِ وَجَلَالُهُ وَعُلَاهُ وَعَظَمَتُهُ وَكِبْرِيَاؤُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّ لَفْظَ الْجَلَالَةِ وَالْعَظَمَةِ يَحْتَمِلُ جَلَّ بِكَذَا وَجَلَّ عَنْ كَذَا وَعَظُمَ بِكَذَا وَعَظُمَ عَنْ كَذَا فَتَنْدَرِجُ فِي الْأُولَى الصِّفَاتُ الثُّبُوتِيَّةُ كُلُّهَا نَفْسِيَّةً كَانَتْ أَوْ مَعْنَوِيَّةً أَوْ فِعْلِيَّةً وَتَنْدَرِجُ فِي الثَّانِيَةِ جَمِيعُ السُّلُوبِ لِلنَّقَائِصِ فَيَصْدُقُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَلَّ وَعَظُمَ عَنْ الشَّرِيكِ وَعَنْ الْحَيِّزِ وَالْجِهَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَيَنْدَرِجُ فِي اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ جَمِيعُ الصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ وَالثُّبُوتِيَّةِ نَفْسِيَّةً كَانَتْ أَوْ مَعْنَوِيَّةً أَوْ فِعْلِيَّةً فَيَكُونُ الْحَلِفُ بِهَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمُوجِبِ لَهَا وَهُوَ مَا عَدَا الْفِعْلِيَّةِ مِنْ الصِّفَاتِ الْقَدِيمَةِ وَغَيْرِ الْمُوجِبِ وَهُوَ صِفَةُ الْفِعْلِ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْمُوجِبُ وَغَيْرُ الْمُوجِبِ كَانَ اللَّازِمُ الْإِيجَابَ لَا يَمْنَعُ الْمُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ مِنْ إيجَابِهِ لِلْكَفَّارَةِ وَهَا هُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) : هَلْ يَجُوزُ قَوْلُ قَائِلٍ

وَالنَّهْيِ فَقَالَ إذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ فَهُوَ كَالْأَمْرِ أَوْ لَا يَفْعَلُ فَهُوَ كَالنَّهْيِ وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ أَجْزَائِهِ فَيَكُونُ فَاعِلُ الْجُزْءِ مُخَالِفًا وَالْمُخَالِفُ حَانِثٌ فَيَكُونُ فَاعِلُ الْجُزْءِ حَانِثًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَيْضًا ضَعِيفَةٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ الَّتِي ادَّعَاهَا هَذَا الْمُخَرِّجُ مُنْعَكِسَةٌ بَلْ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِأَجْزَائِهِ كَإِيجَابِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَإِنَّهُ إيجَابٌ لِكُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهَا وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ لَيْسَ نَهْيًا عَنْ أَجْزَائِهِ كَالنَّهْيِ عَنْ خَمْسِ رَكَعَاتٍ فِي الظُّهْرِ لَيْسَ نَهْيًا عَنْ الْأَرْبَعِ بَلْ الْأَرْبَعُ وَاجِبَةٌ نَعَمْ النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ جُزَيْئَاتِهِ فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ مَفْهُومِ الْخِنْزِيرِ نَهْيٌ عَنْ كُلِّ خِنْزِيرِ الْخِنْزِيرُ الطَّوِيلُ وَالْقَصِيرُ وَالسَّمِينُ وَالْهَزِيلُ وَجَمِيعُ جُزَيْئَاتِ الْخِنْزِيرِ وَالْأَمْرُ بِالْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ لَيْسَ أَمْرًا بِجُزَيْئَاتِهَا فَالْأَمْرُ بِإِعْتَاقِ رَقَبَةٍ لَيْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَالنَّهْيِ إلَى قَوْلِهِ بَلْ الْأَرْبَعُ وَاجِبَةٌ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِأَجْزَائِهِ لِضَرُورَةِ تَحْصِيلِهِ وَلَا يَتَأَتَّى تَحْصِيلُهُ إلَّا بِتَحْصِيلِ أَجْزَائِهِ كَذَلِكَ النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ أَجْزَائِهِ لِضَرُورَةِ تَفْوِيتِهِ وَلَا يَتَأَتَّى تَفْوِيتُهُ إلَّا بِتَفْوِيتِ أَجْزَائِهِ فَإِنَّ أَجْزَاءَ الشَّيْءِ لَا تَكُونُ أَجْزَاءً لَهُ حَقِيقَةً إلَّا بِتَقْدِيرِ اجْتِمَاعِهَا وَأَمَّا قَبْلَ اجْتِمَاعِهَا فَلَيْسَتْ بِأَجْزَاءٍ لَهُ حَقِيقَةً بَلْ بِضَرْبٍ مِنْ الْمَجَازِ وَهُوَ أَنَّهَا صَالِحَةٌ لَأَنْ تَكُونَ أَجْزَاءً لَهُ إذَا اجْتَمَعَتْ وَكَثِيرًا مَا يَجْرِي هَذَا الْوَهْمُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيَعْتَقِدُ أَنَّ جُزْءَ الشَّيْءِ لَا يَزَالُ جُزْءًا لَهُ فِي حَالِ اتِّصَالِهِ بِالْجُزْءِ الْآخَرِ وَفِي حَالِ انْفِصَالِهِ عَنْ الْجُزْءِ الْآخَرِ وَلَا يَشْعُرُ أَنَّ الْجُزْءَ فِي حَالِ الِاتِّصَالِ بِالْآخِرِ لَيْسَ عَيْنَ الْجُزْءِ فِي حَالِ الِانْفِصَالِ مِنْ الْآخَرِ فَإِذَا حَضَرَ بَيْنَ يَدَيْهِ الزَّاجُّ وَحْدَهُ مَثَلًا قَالَ هَذَا جُزْءٌ مِنْ الْمِدَادِ وَإِذَا حَضَرَ مَعَ الْعَفْصِ وَقَدْ امْتَزَجَا قَالَ هَذَا الزَّاجُّ الْمُمْتَزِجُ بِالْعَفْصِ جُزْءٌ مِنْ الْمِدَادِ وَيُخَيَّلُ لَهُ أَنَّهُ قَالَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى جُزْءٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا تَخَيَّلَ فَإِنَّ مَعْنَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ هَذَا الزَّاجُّ جُزْءٌ مِنْ الْمِدَادِ أَيْ يَصِيرُ جُزْءًا مِنْ الْمِدَادِ إذَا مُزِجَ بِالْعَفْصِ وَمَعْنَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمِدَادِ فِي الْحَالِ وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمَشْرُوطُ بِالِانْفِصَالِ عَيْنَ الْمَشْرُوطِ بِالِاتِّصَالِ وَفِي مِثْلِ هَذَا كَانَ بَعْضُ مَنْ لَقَيْنَاهُ يَقُولُ اخْتَلَطَ مَا بِالْقُوَّةِ مَعَ مَا بِالْفِعْلِ وَمَا مَثَّلَ بِهِ شِهَابُ الدَّيْنِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ خَمْسِ رَكَعَاتٍ فِي الظُّهْرِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنْ الْأَرْبَعِ وَهْمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّ الْأَرْبَعَ الْمُتَّصِلَةَ بِخَامِسَةٍ هِيَ عَيْنُ الْأَرْبَعِ غَيْرِ الْمُتَّصِلَةِ بِخَامِسَةٍ وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَقَدْ سَبَقَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَسَبَقَ الرَّدُّ عَلَيْهِ. قَالَ (نَعَمْ النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ جُزَيْئَاتِهِ إلَى قَوْلِهِ وَجَمِيعُ جُزْئِيَّاتِ الْخِنْزِيرِ) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ قَالَ (وَالْأَمْرُ بِالْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ لَيْسَ أَمْرًا بِجُزْئِيَّاتِهَا) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ بِصَحِيحٍ بَلْ الْأَمْرُ بِالْمَاهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ أَمْرٌ بِجُزْئِيَّاتِهَا لَكِنَّهُ بِمَا لَا يَصِحُّ التَّكْلِيفُ بِهِ لِتَعَذُّرِهِ فَإِنَّ الْمَاهِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ بِمَا هِيَ كُلِّيَّةٌ لَا يَصِحُّ وُجُودُهَا فِي الْأَعْيَانِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا وَإِدْخَالُ جَمِيعِ جُزْئِيَّاتهَا الْمُمْكِنَةِ فِي الْوُجُودِ حَتَّى لَا يَشِذَّ مِنْهَا شَيْءٌ لَا يَصِحُّ أَيْضًا ـــــــــــــــــــــــــــــQسُبْحَانَ مَنْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِعَظَمَتِهِ أَمْ لَا قَالَ قَوْمٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْعَظَمَةَ كَمَا سَبَقَ عِبَارَةٌ جَامِعَةٌ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالتَّوَاضُعِ التَّصَاغُرِ وَالتَّضَاؤُلِ وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَا عَدَا الذَّاتِ الْكَرِيمَةِ وَالصِّفَاتِ الْعَظِيمَةِ مُتَصَاغِرٌ مُتَضَائِلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى تِلْكَ الصِّفَاتِ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ أَنَّ التَّوَاضُعَ عِبَادَةٌ وَعَظَمَةُ اللَّهِ تَعَالَى صِفَتُهُ وَعِبَادَةُ الصِّفَةِ كُفْرٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ هُوَ دَعْوَى عَرِيَّةٌ عَنْ الْحَقِّ فَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِهِ أَفَادَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَفِي حَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ وَتَكُونُ صِفَاتُ الْمَعَانِي لَيْسَتْ غَيْرًا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ التَّسَمُّحُ بِإِضَافَةِ مَا لِلذَّاتِ بِهَا نَحْوُ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءِ لِقُدْرَتِهِ وَفِي الْحَقِيقَةِ اللَّامُ لِلْأَجْلِ أَيْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِذَاتِهِ لِأَجْلِ قُدْرَتِهِ وَإِلَّا فَعِبَادَةُ مُجَرَّدِ الصِّفَاتِ مِنْ الْإِشْرَاكِ كَمَا أَنَّ عِبَادَةَ مُجَرَّدِ الذَّاتِ فِسْقٌ وَتَعْطِيلٌ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ وَإِنَّمَا الذَّاتُ الْمُتَّصِفَةُ بِالصِّفَاتِ اهـ فَقَدْ حُمِلَ التَّوَاضُعُ عَلَى الْعِبَادَةِ مَجَازًا لَا عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَجَعَلَ اللَّامَ لِلْأَجْلِ لِتَكُونَ الْعِبَادَةُ لِلذَّاتِ الْمُتَّصِفَةِ فَاسْتَقَامَتْ الْعِبَادَةُ وَانْدَفَعَ عَنْهَا كُلُّ إشْكَالٍ فَتَأَمَّلْ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) : قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ الْحَالِفُ بِعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِ اللَّهِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ مُتَّجَهٌ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ وَاتِّحَادِهَا بَلْ وَفِي الْجَوَازِ وَعَدَمِ النَّهْيِ خِلَافًا لِلْأَصْلِ أَمَّا لُزُومُ الْكَفَّارَةِ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْمُوجِبِ وَعَلَى غَيْرِ الْمُوجِبِ فَتَجِبُ عَمَلًا بِالْمُوجِبِ وَأَمَّا اتِّحَادُهَا فَلِأَنَّ الْعِزَّةَ وَالْعَظَمَةَ وَالْجَلَالَ وَنَحْوَ ذَلِكَ هُوَ الْمَجْمُوعُ وَالْمَجْمُوعُ وَاحِدٌ فَتَعَدَّدَتْ الْأَلْفَاظُ وَاتَّحَدَ الْمَعْنَى فَاتَّحَدَتْ الْكَفَّارَةُ وَأَمَّا الْجَوَازُ وَعَدَمُ النَّهْيِ فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ انْدِرَاجَ حَادِثٍ تَحْتَ لَفْظِ الْعِزَّةِ وَنَحْوِهِ حَتَّى يَكُونَ فِي الْيَمِينِ بِذَلِكَ مَحْذُورٌ فَيَحِقُّ لِعَبْدِ الْحَقِّ أَنْ يُعْرِضَ عَنْ النَّهْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَفَادَهُ ابْنُ الشَّاطِّ فَتَأَمَّلْ بِدِقَّةٍ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) : هَذِهِ الْأَلْفَاظُ وَإِنْ كَانَتْ تَارَةً بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ كَقَوْلِنَا وَجَلَالِ اللَّهِ وَعَلَاءِ اللَّهِ وَتَارَةً بِلَفْظِ التَّأْنِيثِ كَقَوْلِنَا وَعِزَّةِ اللَّهِ وَعَظَمَةِ اللَّهِ إلَّا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا هُوَ بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ وَمَا هُوَ بِلَفْظِ التَّأْنِيثِ فِي جَوَازِ الْحَلِفِ وَانْعِقَادِ الْيَمِينِ وَلُزُومِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْحِنْثِ

[الفرق بين قاعدة ما يوجب الكفارة إذا حلف به من أسماء الله تعالى وبين قاعدة ما لا يوجب]

أَمْرًا بِإِعْتَاقِ هَذِهِ الرَّقَبَةِ وَتِلْكَ وَجَمِيعِ الرِّقَابِ بَلْ يَكْفِي فِي حُصُولِ مَاهِيَّةِ الرَّقَبَةِ شَخْصٌ مِنْهَا وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ فَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الْأَجْزَاءِ وَالْجُزَيْئَاتِ الْحُكْمُ مُنْعَكِسٌ بَيْنَهُمَا فَهَذَا التَّخْرِيجُ بَاطِلٌ قَطْعًا فَلَا يُفْتِي بِهِ فَقِيهٌ وَأَحْسَنُ مَا رَأَيْت لِلْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَةُ الْفَرْضِ وَالْبِنَاءِ وَهِيَ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ يَقُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْمَعْطُوفَاتُ نَحْوُ. وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت زَيْدًا وَعَمْرًا، وَالْجُمُوعُ وَالتَّثَنِّيَاتُ نَحْوُ لَا أَكَلْت الْأَرْغِفَةَ أَوْ الرَّغِيفَيْنِ، وَأَسْمَاءُ الْحَقِيقَةِ الْوَاحِدَةِ الْمُفْرَدَةِ كَالرَّغِيفِ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ الْخِلَافُ فِيهَا وَاحِدٌ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْجَمِيعِ وَعِنْدَنَا بِالْبَعْضِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ، فَنَقُولُ أَجْمَعْنَا عَلَى مَا إذَا قَالَ الْحَالِفُ وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت زَيْدًا وَلَا عَمْرًا بِصِيغَةِ لَا النَّافِيَةِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَحَدِهِمَا وَاتَّفَقَ النُّحَاةُ عَلَى أَنْ لَا إذَا أُعِيدَتْ فِي الْعَطْفِ أَنَّهَا مُؤَكِّدَةٌ لِلنَّفْيِ لَا مُنْشِئَةٌ نَفْيًا وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ - وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ - وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ} [فاطر: 19 - 21] ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (فَالْأَمْرُ بِإِعْتَاقِ رَقَبَةٍ لَيْسَ أَمْرًا بِإِعْتَاقِ هَذِهِ الرَّقَبَةِ وَتِلْكَ وَجَمِيعِ الرِّقَابِ إلَى قَوْلِهِ فَلَا يُفْتِي بِهِ فَقِيهٌ) قُلْت الْأَمْرُ بِإِعْتَاقِ رَقَبَةٍ لَيْسَ أَمْرًا بِكُلِّيٍّ بَلْ بِمُطْلَقٍ وَهُوَ وَاحِدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْ آحَادِ الْكُلِّيِّ وَلَمْ يَزَلْ بِهِ تَوَهُّمُ أَنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الْكُلِّيُّ يُوقِعُهُ فِي الْخَطَأِ الْفَاحِشِ وَقَدْ تَبَيَّنَ خِلَافُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْكُلِّيِّ لَيْسَ أَمْرًا بِجُزْئِيَّاتِهِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَجْزَاءِ وَالْجُزْئِيَّاتِ. قَالَ (وَأَحْسَنُ مَا رَأَيْت لِلْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَةُ الْفَرْضِ وَالْبِنَاءِ وَهِيَ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْحَاجِبِ كَانَ يَقُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ إلَى قَوْلِهِ بِصِيغَةِ لَا النَّافِيَةِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَحَدِهِمَا) قُلْت مَا حَكَاهُ لَا كَلَامَ فِيهِ. قَالَ (وَاتَّفَقَ النُّحَاةُ عَلَى أَنْ لَا إذَا أُعِيدَتْ فِي الْعَطْفِ أَنَّهَا مُؤَكِّدَةٌ لِلنَّفْيِ لَا مُنْشِئَةٌ نَفْيًا إلَى قَوْلِهِ وَإِلَّا كَانَ مُنْشِئًا لَا مُؤَكِّدًا) قُلْت لَا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذَا الْإِجْمَاعِ وَتَسْلِيمُ كَوْنِ إجْمَاعِ النُّحَاةِ حُجَّةً لَا يَلْزَمُ عَنْ كَوْنِهَا مُؤَكِّدَةً لِلنَّفْيِ لَا مُنْشِئَةً لَهُ أَنْ لَا يُفِيدَ تَكْرَارُهَا فَائِدَةً غَيْرَ النَّفْيِ بَلْ يُفِيدُ رَفْعَ احْتِمَالٍ ثَابِتٍ عِنْدَ عَدَمِ تَكْرَارِهَا وَهُوَ أَنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت زَيْدًا وَلَا عَمْرًا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الِامْتِنَاعُ مِنْ أَنْ يُكَلِّمَهُمَا لَا مِنْ أَنْ يُكَلِّمَ أَحَدَهُمَا وَثَانِيهِمَا الِامْتِنَاعُ مِنْ أَنْ يُكَلِّمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ الِامْتِنَاعُ مِنْ أَنْ يُكَلِّمَهُمَا فَإِذَا تَكَرَّرَتْ لَا يَتَعَيَّنَ الْوَجْهُ الثَّانِي وَلَا يَتَنَاوَلُ إجْمَاعُ النُّحَاةِ عَلَى أَنَّهَا مُؤَكِّدَةٌ لِلنَّفْيِ لَا مُنْشِئَةٌ لَهُ الْمَنْعَ مِنْ إفَادَتِهَا رَفْعَ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ وَتَعَيَّنَ الثَّانِي وَقَوْلُهُ وَشَأْنُ التَّوْكِيدِ أَنْ تَكُونَ الْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ مَعَهُ ثَابِتَةً قَبْلَهُ وَإِلَّا كَانَ مُنْشِئًا لَا مُؤَكِّدًا نَقُولُ بِمُوجِبِهِ وَلَا يَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ مَقْصُودُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْكِ عَنْ النُّحَاةِ أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ لَا إذَا تَكَرَّرَتْ فِي الْعَطْفِ لَا تُفِيدُ فَائِدَةً غَيْرَ تَأْكِيدِ النَّفْيِ بَلْ قَالُوا لَا تُفِيدُ إنْشَاءَ النَّفْيِ بَلْ تَأْكِيدَهُ وَلَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنُهَا لَا تُفِيدُ إنْشَاءَ النَّفْيِ بَلْ تَأْكِيدَهُ أَنْ لَا تُفِيدَ شَيْئًا غَيْرَ تَأْكِيدِ النَّفْي مَعَ تَأْكِيدِ النَّفْيِ هَذَا كُلُّهُ عَلَى تَسْلِيمِ إجْمَاعِهِمْ وَكَوْنِهِ حُجَّةً وَكُلُّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا مَا هُوَ بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا مَا هُوَ بِلَفْظِ التَّأْنِيثِ فَلِأَنَّ التَّاءَ فِي نَحْوِ عَظَمَةِ اللَّهِ لَيْسَتْ لِلْوَحْدَةِ بَلْ لِلتَّأْنِيثِ فَإِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ عَظُمَ زَيْدٌ عَظَمَةً فِي غَالِبِ اسْتِعْمَالِهِمْ فَكَأَنَّهُ هُوَ الْمَصْدَرُ الْمُتَعَيِّنُ دُونَ عِظَمًا بِغَيْرِ تَاءِ التَّأْنِيثِ فَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ مَحْدُودًا فَيُقَيَّدُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ أَوْ الْإِضَافَةِ الْعُمُومُ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالتَّاءُ فِي نَحْوِ عِزَّةِ اللَّهِ وَإِنْ أَفَادَتْ الْوَحْدَةَ نَظَرًا لِكَوْنِ الْعَرَبِ تُفَرِّقُ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ عَزَّ زَيْدٌ عِزًّا وَعَزَّ عِزَّةً فَالْأَوَّلُ يَحْتَمِلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْعِزِّ مُفْرَدَةً وَمَجْمُوعَةً فَإِذَا وُجِدَتْ الْإِضَافَةُ أَوْ الْأَلِفُ وَاللَّامُ الْمُوجِبَتَيْنِ لِلْعُمُومِ كَانَ الْعُمُومُ فِي جَمِيعِ أَفْرَادِ ذَلِكَ النَّوْعِ وَإِنْ فُقِدَتْ الْإِضَافَةُ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ بَقِيَ مُطْلَقًا وَأَمَّا اللَّفْظُ الثَّانِي وَهُوَ عَزَّ زَيْدٌ عِزَّةً فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ لُغَةً إلَّا فَرْدًا وَاحِدًا مِنْ الْعِزَّةِ وَلَا تُفِيدُهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ تَعْمِيمًا لِأَنَّهُ مَحْدُودٌ بِالتَّاءِ وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى إنَّ لَامَ التَّعْرِيفِ إنَّمَا تُفِيدُ تَعْمِيمًا فِيمَا لَيْسَ مَحْدُودًا بِالتَّاءِ نَحْوُ الرَّجُلِ وَالْبَيْعِ اهـ فَكَذَلِكَ لَا تُفِيدُهُ الْإِضَافَةُ عُمُومًا لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَأْتِي لِمَا تَأْتِي لَهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِأَنَّهُمَا أَدَاتَا تَعْرِيفٍ إلَّا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ لَفْظَ الْعِزَّةِ وَنَحْوَهُ لَا يَتَنَاوَلُ مُحْدَثًا كَمَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ صِفَةَ كَمَالٍ قَدِيمَةٍ وَشُمُولُهُ صِفَةَ الْفِعْلِ عَلَى مَا مَرَّ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ مَصْدَرِهَا الَّذِي هُوَ الْقُدْرَةُ أَوْ التَّقْدِيرُ لَا بِاعْتِبَارِ حُدُوثِهَا لِاسْتِحَالَةِ اتِّصَافِهِ تَعَالَى بِهَا فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ صِفَةَ كَمَالٍ يَتَنَاوَلُهَا لَفْظُ الْعِزَّةِ وَلَيْسَ الْمُدْرِكُ فِيمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ اللُّبَابِ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحَلِفِ بِعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى هَلْ يُوجِبُ كَفَّارَةً أَمْ لَا فِيهِ رِوَايَتَانِ اهـ هُوَ تَرَدُّدُ الْعِزَّةِ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ كَمَا زَعَمَ الْأَصْلُ بَلْ الْمُدْرِكُ كَمَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ هُوَ احْتِمَالُ لَفْظِ الْعِزَّةِ أَنْ يَكُونَ مَدْلُولُهُ أَمْرًا ثُبُوتِيًّا أَوْ أَمْرًا سَلْبِيًّا فَإِنَّهُ عَزَّ بِصِفَاتِهِ الثُّبُوتِيَّةِ كَمَا عَزَّ بِصِفَاتِ تَنْزِيهِهِ السَّلْبِيَّةِ فَافْهَمْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ إذَا حَلَفَ بِهِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ] الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ إذَا حَلَفَ بِهِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ) أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مِائَةٌ إلَّا وَاحِدًا كَمَا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَهِيَ تَنْقَسِمُ تَقْسِيمَيْنِ (التَّقْسِيمُ الْأَوَّلُ) إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ

فَذِكْرُ لَا فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ مَعَ أَنَّ الْكُلَّ مَنْفِيٌّ فَحَيْثُ تُرِكَتْ لَا كَانَ الْمَعْنَى مِثْلَ الْمَوْضِعِ الَّذِي ذُكِرَتْ فِيهِ لَا سَوَاءً بِسَوَاءٍ غَيْرَ التَّوْكِيدِ وَشَأْنُ التَّوْكِيدِ أَنْ تَكُونَ الْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ مَعَهُ ثَابِتَةً قَبْلَهُ وَإِلَّا كَانَ مُنْشِئًا لَا مُؤَكِّدًا وَلَمَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ التَّحْنِيثُ مَعَ لَا الْمُؤَكِّدَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ قَبْلَهَا التَّحْنِيثُ تَحْقِيقًا لِحَقِيقَةِ التَّأْكِيدِ. وَإِذَا اتَّضَحَ الْحِنْثُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِمُدْرَكٍ صَحِيحٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ الْحِنْثَ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ إذْ لَوْ ثَبَتَ الْحِنْثُ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ لَزِمَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ الْقَائِلَ قَائِلَانِ قَائِلٌ بِالْحِنْثِ فِي الْجَمِيعِ وَهُوَ مَالِكٌ وَأَتْبَاعُهُ وَقَائِلٌ بِعَدَمِ الْحِنْثِ فِي الْجَمِيعِ وَهُوَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَصْحَابُهُ فَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ فِي صُورَةِ الْعَطْفِ دُونَ غَيْرِهَا كَانَ قَوْلًا خَارِقًا لِلْإِجْمَاعِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْفَرْضِ وَالْبِنَاءِ عِنْدَ الْخِلَافِيَّيْنِ وَضَابِطُهَا أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ يُسَاعِدُهُ الدَّلِيلُ فِي بَعْضِ صُوَرِ النِّزَاعِ دُونَ بَعْضِهَا فَيُفْرَضُ الِاسْتِدْلَال فِي تِلْكَ الصُّورَةِ الَّتِي يُسَاعِدُهُ الدَّلِيلُ عَلَيْهَا فَإِذَا تَمَّ لَهُ فِيهَا الدَّلِيلُ بَنَى الْبَاقِيَ مِنْ الصُّوَرِ عَلَيْهَا فَسُمِّيَ ذَلِكَ طَرِيقَةَ الْفَرْضِ وَالْبِنَاءِ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ بِسَبَبِ أَنَّ الْمُنَاظِرَ قَائِمٌ مَقَامَ إمَامِهِ الْمُجْتَهِدِ وَالْمُجْتَهِدُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِنَا لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ فَإِنَّ هَذِهِ الْمُقَدَّمَةَ إنَّمَا جَاءَتْنَا بَعْدَ فُتْيَاهُ هُوَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَمُدْرَكُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى فُتْيَاهُ فِيهَا فَلَمَّا أَفْتَى خَصْمُهُ وَهُوَ الْمُجْتَهِدُ الْآخَرُ وَبَقِيَ هُوَ لَمْ يُفْتِ بَعْدُ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ مَا ظَهَرَ بِالدَّلِيلِ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ لِأَنَّهُ لَيْسَ قَبْلَ قَوْلِهِ إجْمَاعٌ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ خَصْمِهِ فَقَطْ فَلَهُ هُوَ إذَا قَالَ خَصْمُهُ لَا يَحْنَثُ عِنْدِي فِي الْجَمِيعِ لَهُ هُوَ أَنْ يَقُولَ يَحْنَثُ عِنْدِي فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَالْإِجْمَاعُ يَصُدُّهُ حِينَئِذٍ عَنْ ذَلِكَ وَلَوْ اعْتَمَدَ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُنَاظِرُ الْآنَ مِنْ قَوْلِهِ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ لَمْ يَتَأَتَّ لَهُ ذَلِكَ وَمَتَى كَانَ مُدْرَكُ الْمُنَاظِرِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُدْرَكُ الْمُجْتَهِدِ لَمْ يَصِحَّ. نَعَمْ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ تَتِمُّ فِي الْمُنَاظَرَةِ جَدَلًا بَعْدَ تَقَرُّرِ الْمَذَاهِبِ أَمَّا وَالْمُجْتَهِدُ يَجْتَهِدُ فَلَا يَصِحُّ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَسْأَلَةُ عِنْدَنَا مُشْكِلَةٌ إشْكَالًا قَوِيًّا فَتَأَمَّلْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَلَمَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ التَّحْنِيثُ مَعَ لَا الْمُؤَكِّدَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ قَبْلَهَا التَّحْنِيثَ إلَى قَوْلِهِ أَمَّا الْمُجْتَهِدُ يَجْتَهِدُ فَلَا يَصِحُّ لَهُ ذَلِكَ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ اسْتِضْعَافِ طَرِيقَةِ الْفَرْضِ وَالْبِنَاءِ وَقَرَّرَهُ مِنْ تَبَيُّنِ وَجْهِ ضَعْفِهَا صَحِيحٌ كَمَا قَالَ وَبَيَّنَ. قَالَ (وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةٌ إشْكَالًا قَوِيًّا فَتَأَمَّلْهُ) قُلْت الْإِشْكَالُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَ بِنَاءً عَلَى مَا قَرَّرَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ مُدْرَكِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الِاحْتِيَاطُ لِلْإِيمَانِ فَأَخَذَ بِالْأَشَدِّ وَمُدْرَكُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَمْلُهَا عَلَى مُقْتَضَاهَا الْمُتَيَقِّنِ فَأَخَذَ بِالْأَخَفِّ فَلَا إشْكَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ مَوْضُوعًا لِمُجَرَّدِ الذَّاتِ أَوْ لِلذَّاتِ مَعَ جُمْلَةِ صِفَاتِ الْكَمَالِ كَقَوْلِنَا اللَّهُ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ مُسْتَدِلًّا عَلَى ذَلِكَ بِجَرَيَانِ النُّعُوتِ عَلَيْهِ تَقُولُ اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَمَفْهُومُهُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الْإِلَهُ الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ أَيْ الذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَنُعُوتِ الْجَلَالِ وَهَذَا الْمَفْهُومُ هُوَ الَّذِي نَدَّعِي تَوَحُّدَهُ وَتَفَرُّدَهُ عَنْ الشَّرِيكِ وَالْمُمَاثَلَةِ أَيْ هَذَا الْمَجْمُوعُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ (الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا كَانَ مَوْضُوعًا لِلذَّاتِ مَعَ مَفْهُومٍ زَائِدٍ وُجُودِيٍّ قَائِمٍ بِذَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَحْوُ قَوْلُنَا عَلِيمٌ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ الْعِلْمِ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا كَانَ مَوْضُوعًا لِلذَّاتِ مَعَ مَفْهُومٍ وُجُودِيٍّ مُنْفَصِلٍ عَنْ الذَّاتِ نَحْوُ خَالِقٍ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ اعْتِبَارِ الْخَلْقِ فِي التَّسْمِيَةِ وَهُوَ مَفْهُومٌ وُجُودِيٌّ مُنْفَصِلٌ عَنْ الذَّاتِ (الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مَا كَانَ مَوْضُوعًا لِلذَّاتِ مَعَ مَفْهُومٍ عَدَمِيٍّ نَحْوُ قُدُّوسٍ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ الْقُدُسِ الَّذِي هُوَ التَّطْهِيرُ عَنْ النَّقَائِصِ وَالْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ أَيْ الَّذِي طَهُرَ مَنْ فِيهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ عَنْ الْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَاتِ (الْقِسْمُ الْخَامِسُ) مَا كَانَ مَوْضُوعًا لِلذَّاتِ مَعَ نِسْبَةٍ وَإِضَافَةِ كَالْبَاقِي فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ وَصْفِ الْبَقَاءِ وَهُوَ نِسْبَةٌ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْأَزْمِنَةِ فَإِنَّ الْبَقَاءَ اسْتِمْرَارُ الْوُجُودِ فِي الْأَزْمِنَةِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْأَبَدِيِّ لِصِدْقِهِ عَلَى الْبَاقِي فِي زَمَانَيْنِ فَأَكْثَرَ وَأَمَّا الْأَبَدِيُّ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِمْرَارِهِ مَعَ جُمْلَةِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ كَمَا أَنَّ الْأَزَلِيَّ هُوَ الَّذِي قَارَنَ وُجُودُهُ جَمِيعَ الْأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ مُتَوَهَّمَةً أَوْ مُحَقَّقَةَ كَذَا قَالَ الْأَصْلُ وَهُوَ إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى قَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ الْحَقُّ أَنَّ الزَّمَانَ مُتَوَهَّمٌ كَالْمَكَانِ وَيُجْعَلُ عَلَيْهِ عَلَامَاتٌ مَعْلُومَةٌ تَتَبَدَّل بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ فَتَارَةً تَقُولُ يَجِيءُ زَيْدٌ إذَا صَلَّيْنَا الْعَصْرَ وَتَارَةً يُقَالُ نُصَلِّي الْعَصْرَ إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَهُوَ مُجَرَّدُ اعْتِبَارٍ وَيُعْرَفُ بِعَلَامَةٍ تَسَمُّحًا فَيُقَالُ مُتَجَدِّدٌ مَعْلُومٌ يُقَارِنُهُ مُتَجَدِّدٌ مَوْهُومٌ إزَالَةً لِلْإِيهَامِ وَتَارَةً بِنَفْسِ الْمُقَارَنَةِ وَيُوصَفُ بِالطُّولِ وَالْقِصَرِ تَبَعًا لِمَا يَتَخَيَّلُ أَنَّهُ وَقَعَ فِيهِ أَوْ عَلَى فَرْضِ وُجُودِهِ نَظِيرَ مَا قِيلَ فِي الْمَكَانِ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ شَيْءٌ مُتَحَقِّقٌ يُقَالُ لَهُ زَمَانٌ وَإِلَى ذَلِكَ

(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مُخَالَفَةِ النَّهْيِ إذَا تَكَرَّرَتْ يَتَكَرَّرُ التَّأْثِيمُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مُخَالَفَةِ الْيَمِينِ إذَا تَكَرَّرَتْ لَا تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهَا الْكَفَّارَةُ وَالْجَمِيعُ مُخَالَفَةٌ) بَلْ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِالْمُخَالَفَةِ الْأُولَى وَيَسْقُطُ حُكْمُ الْيَمِينِ بِخِلَافِ النَّهْيِ فَإِنَّهُ يَبْقَى مُسْتَمِرًّا وَإِنْ خُولِفَ أَلْفَ مَرَّةٍ وَيَتَكَرَّرُ الْإِثْمُ بِتَكَرُّرِهِ وَهَذَا الْفَرْقُ مِنْ الْمَوَاضِعِ الصَّعْبَةِ الْمُشْكِلَةِ فَإِنَّ قَوْلَهُ وَاَللَّهِ لَا فَعَلْت نَفْيٌ لِلْفِعْلِ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَإِنَّ لَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ نَصَّ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهِ مَعَ لَنْ وَقَالَ " لَنْ " أَشَدُّ عُمُومًا وَذَلِكَ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [الأعلى: 13] أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لَا يَحْصُلُ لَهُ مَوْتٌ وَلَا حَيَاةٌ وَكَذَلِكَ النَّهْيُ إذَا قِيلَ لِلْمُكَلَّفِ لَا تَكْذِبْ أَوْ لَا تَشْرَبْ الْخَمْرَ هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَإِذَا خَالَفَ مَرَّةً وَفَعَلَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ حَصَلَ لَهُ الْإِثْمُ فَإِنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ تِلْكَ الْمُخَالَفَةُ تَكَرَّرَ الْإِثْمُ فَكَذَلِكَ يَلْزَمُ إذَا تَكَرَّرَتْ مُخَالَفَةُ الْيَمِينِ يَنْبَغِي أَنْ تُكَرَّرَ الْكَفَّارَةُ بِتَكَرُّرِ الْمُخَالَفَةِ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ عِنْدَهَا أَوْجَبَتْ الْكَفَّارَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُخَالِفْ لَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ وَإِذَا تَكَرَّرَتْ الْمُخَالَفَةُ فِي الْيَمِينِ يَكُونُ ذَلِكَ كَتَكَرُّرِ الْمُخَالَفَةِ فِي النَّهْيِ وَالْجَامِعُ الْمُخَالَفَةُ وَعُمُومُ الصِّيغَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِصِيغَةِ " لَا " فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ وَهَذَا الْإِشْكَالُ لَا يَلْزَمُ فِي مُخَالَفَةِ الشَّرْطِ إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ أَوْ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَخَالَفَ وَدَخَلَ الدَّارَ عَتَقَ عَبْدٌ وَاحِدٌ وَطَلُقَتْ امْرَأَتُهُ طَلْقَةً وَاحِدَةً فَإِنْ عَادَ وَخَالَفَ مُقْتَضَى التَّعْلِيقِ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقُ عَبْدٍ آخَرَ وَلَا طَلْقَةٌ أُخْرَى بِسَبَبِ أَنَّ صِيغَةَ الشَّرْطِ لَيْسَتْ عَامَّةً فَلَا تُوجِبُ التَّكَرُّرَ بَلْ الشَّرْطُ مُطْلَقٌ وَالْمُطْلَقُ إنَّمَا يَقْتَضِي مَرَّةً وَاحِدَةً وَقَدْ لَزِمَ مُوجَبُهَا بِخِلَافِ الْحَلِفِ فَإِنَّ الصِّيغَةَ عَامَّةٌ فَبِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْعُمُومِ تَحْصُلُ الْمُخَالَفَةُ فِي ذَلِكَ الْفَرْضِ بَعْدَمَا حَصَلَتْ فِي الَّذِي قَبْلَهُ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ جَانِيًا عَلَى الْيَمِينِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يُقْدِمُ عَلَى الْفِعْلِ كَمَا أَنَّهُ جَانٍ عَلَى النَّهْيِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يُقْدِمُ عَلَى الْفِعْلِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا قَالَهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَالْفَرْقِ مِنْ وُجُوهٍ. (أَحَدُهَا) أَنَّا نُسَلِّمُ أَنَّ الصِّيغَةَ عَامَّةٌ فِي نَفْيِ الْفِعْلِ وَلَكِنَّ الْكَفَّارَةَ مَا وَجَبَتْ إلَّا لِمُخَالَفَةِ هَذِهِ السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ الْعَامَّةِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، وَنَقِيضُ السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ الْمُوجَبَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــS (قَالَ الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مُخَالَفَةِ النَّهْيِ إذَا تَكَرَّرَتْ يَتَكَرَّرُ التَّأْثِيمُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مُخَالَفَةِ الْيَمِينِ إذَا تَكَرَّرَتْ لَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهَا الْكَفَّارَةُ وَالْجَمِيعُ مُخَالَفَةٌ) قُلْت مَا قَالَهُ إلَى آخَرِ الْفَرْقِ صَحِيحٌ غَيْرُ قَوْلِهِ بَلْ الشَّرْطُ مُطْلَقٌ وَالْمُطْلَقُ إنَّمَا يَقْتَضِي مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَوْ اقْتَضَى الْمَرَّةَ الْوَاحِدَةَ لَمَا كَانَ مُطْلَقًا بَلْ مُقَيَّدًا بِاقْتِضَاءِ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاكْتِفَاءُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ لِضَرُورَةِ لُزُومِ تَحْصِيلِ مُقْتَضَى التَّعْلِيقِ وَلَا أَقَلَّ مِنْ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ فِي التَّحْصِيلِ وَجَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي الْفَرْقَيْنِ بَعْدَ هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQيُشِيرُ صَحِيحُ الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ «يَسُبُّ ابْنُ آدَمَ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ» أَيْ لَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ يُقَالُ لَهُ الدَّهْرُ وَإِنَّمَا أَنَا خَالِقُ الْأَشْيَاءِ. وَعَلَى هَذَا إذَا قِيلَ الزَّمَنُ حَادِثٌ فَمَعْنَاهُ مُتَجَدِّدٌ بَعْدَ عَدَمٍ لَا مَوْجُودٌ لِمَا أَنَّهُ اعْتِبَارِيٌّ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا مَانِعَ مِنْ دُخُولِ الزَّمَنِ فِي وُجُودِهِ تَعَالَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَوْجُودٌ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَبَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ وَمَعَ كُلِّ شَيْءٍ وَهَذَا الْأَخِيرُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْبَقَاءُ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَلَمْ يَخْتَرْ اللَّقَانِيُّ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّ حَقِيقَةَ الْبَقَاءِ نَفْيَ لُحُوقِ الْعَدَمِ لِوُجُودِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكَوْنُ النَّفْيِ عَلَى طَرِيقَةِ الِامْتِنَاعِ مَأْخُوذٌ مِنْ أَنَّهُ بَقَاءٌ وَاجِبٌ مُحْتَرَزًا عَنْ الْبَقَاءِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ كَذَا بَقَاءٌ لَا يُشَابُ بِالْعَدَمِ إلَّا لِكَوْنِ الْبَقَاءِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ غَيْرُ كَافٍ لَا لِاسْتِحَالَتِهِ كَمَا زَعَمَ الشَّيْخُ عَبْدُ السَّلَامِ نَعَمْ يَمْتَنِعُ دُخُولُ الزَّمَانِ عَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ بِأَنْ يَكُونَ وُجُودُهُ تَعَالَى لَيْسَ إلَّا فِي زَمَانٍ وَهَذَا لَا تَقْتَضِيهِ الْمُقَارَنَةُ وَمِنْ هُنَا انْدَفَعَتْ شُبْهَةٌ ذَكَرَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْإِرْشَادِ وَنَقَلَهَا السَّنُوسِيُّ فِي شَرْحِ الْكُبْرَى وَالْكَمَالُ فِي الْمُسَامَرَةِ عَلَى الْمُسَايَرَةِ وَهُوَ أَنَّ إثْبَاتَ الْقَدَمِ لِلَّهِ تَعَالَى مُحَصِّلَةُ وُجُودِهِ فِي مُدَدٍ لَا أَوَّلَ لَهَا إذْ لَا وُجُودَ إلَّا فِي زَمَنٍ فَيَلْزَمُ إثْبَاتُ أَزْمِنَةِ قَدِيمَةٍ فَجَوَابُهَا مَنْعُ أَنَّهُ لَا وُجُودَ إلَّا فِي زَمَنٍ فَإِنَّ الزَّمَنَ عَلَى الْقَوْلِ بِتَحَقُّقِهِ يَخْرُجُ عَنْ حَادِثٍ صَاحَبَهُ غَيْرُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُودِ الشَّيْءِ مُصَاحَبَةَ غَيْرِهِ وَإِنْ اتَّفَقَا كَيْفَ وَقَدْ ظَهَرَ أَرْجَحِيَّةُ عَدَمِهِ. وَقَدْ قَالَ الشِّهْرِسْتَانِيُّ إنَّ تَقَدُّمَ الصَّانِعِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَاتِيٌّ لَا فِي زَمَنٍ وَتَقْرِيبُهُ إنْ تَقَدَّمَ أَمْسِ عَلَى الْيَوْمِ كَذَلِكَ إذْ لَيْسَ زَمَنٌ ثَالِثٌ يَقَعُ فِيهِ التَّقَدُّمُ وَإِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِقَبْلُ اكْتِفَاءً بِالِاعْتِبَارِ فَالزَّمَنُ حَادِثٌ وَوُجُودُ الصَّانِعِ وَوُجُوبُهُ ذَاتِيٌّ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ نَعَمْ كَانَ عَلَى الْأَصْلِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْمُتَوَهِّمَةِ فِي قَوْلِهِ جَمِيعُ الْأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ مُتَوَهَّمَةٌ أَوْ مُحَقَّقَةٌ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (التَّقْسِيمُ الثَّانِي) بِحَسَبِ مَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ وَمَا لَا إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ (الْقِسْم الْأَوَّلُ) مَا وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ وَلَا يُوهِمُ نَقْصًا نَحْوُ الْعَلِيمِ فَيَجُوزُ إطْلَاقُهُ إجْمَاعًا فِي مُورِدِ النَّصِّ وَفِي غَيْرِهِ (الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا لَمْ يُرِدْ السَّمْعُ بِهِ وَهُوَ يُوهِمُ نَقْصًا فَيَمْتَنِعُ إطْلَاقُهُ إجْمَاعًا

الْجُزْئِيَّةُ وَهَذِهِ الْمُوجَبَةُ الْجُزْئِيَّةُ هِيَ سَبَبُ الْكَفَّارَةِ أَوْ شَرْطُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْحِنْثِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ لِلْكَفَّارَةِ أَوْ سَبَبُهَا، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ إنَّمَا هُوَ نَقِيضُ ذَلِكَ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ أَنَّ الشَّارِعَ قَالَ {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] فَجَعَلَ الْكَفَّارَةَ لِلْيَمِينِ لَا لِلسَّلْبِ الْكُلِّيِّ الَّذِي هُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَهَا هُنَا أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ السَّلْبُ الْعَامُّ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَالْيَمِينُ الْمُؤَكِّدَةُ لَهُ وَمُخَالَفَةُ هَذَا السَّلْبِ الْعَامِّ. وَالْكَفَّارَةُ مِنْ الْأُمُورِ الْوَضْعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَصَاحِبُ الشَّرْعِ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ مُطْلَقَ الْمُلَابَسَةِ لِلْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ بِتَكَرُّرِ الْمُخَالَفَةِ وَمُلَابَسَةِ الْفَعْلِ وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بَلْ جَعَلَ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ مُخَالَفَةَ هَذَا السَّلْبِ الْعَامِّ لَا هَذَا السَّلْبِ الْعَامِّ وَمُخَالَفَةُ هَذَا السَّلْبِ الْعَامِّ إنَّمَا هُوَ مُطْلَقُ الثُّبُوتِ فَمُطْلَقُ الثُّبُوتِ هُوَ سَبَبُ الْكَفَّارَةِ فَيَصِيرُ مَعْنَى وَضْعِ الشَّرْعِ الْكَفَّارَةَ أَنَّهُ قَالَ جَعَلْت نَقِيضَ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ قَالَ صَاحِبُ الشَّرْعِ مَنْ أَتَى بِنَقِيضِ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ فِي يَمِينِهِ وَحَنِثَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ عُمُومٌ يُفْهَمُ أَلْبَتَّةَ بَلْ يَكُونُ مِثْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ فَإِذَا دَخَلَ الدَّارَ رَجُلٌ مَرَّةَ وَاحِدَةً وَأَخَذَ دِرْهَمًا ثُمَّ دَخَلَ ثَانِيًا لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِأَنَّ الْمُعَلِّقَ عَلَّقَ عَلَى مُطْلَقِ الدُّخُولِ لَا عَلَى كُلِّ مَرَّةٍ مِنْهُ حَتَّى يَتَكَرَّرَ الِاسْتِحْقَاقُ بِتَكَرُّرِ الدُّخُولِ وَكَذَلِكَ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً طَلُقَتْ طَلْقَةً ثُمَّ دَخَلَتْ مَرَّةً أُخْرَى لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ مُطْلَقَ الطَّلَاقِ إشَارَةً إلَى تَقْرِيرِ عَدَمِ لُزُومِ تَكَرُّرِ الطَّلَاقِ بِتَكَرُّرِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ بِمُطْلَقِ الدُّخُولِ وَلَمْ يَأْتِ بِعُمُومٍ يَقْتَضِي التَّكَرُّرَ وَهُوَ مِنْ بَابِ تَعْلِيقِ مُطْلَقٍ عَلَى مُطْلَقٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ هَذِهِ التَّعَالِيقِ أَوَّلَ الْكِتَابِ كَذَلِكَ صَاحِبُ الشَّرْعِ جَعَلَ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ مُطْلَقَ الثُّبُوتِ الْمُنَاقِضِ لِمُوجَبِ يَمِينِهِ مِنْ السَّلْبِ الْعَامِّ لَا كُلَّ ثُبُوتٍ وَلَا ثُبُوتَيْنِ بَلْ فَرْدًا وَاحِدًا فَقَطْ وَغَيْرُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَالدَّخْلَةِ الثَّانِيَةِ لِلدَّارِ مِنْ الْمُطَلَّقَةِ. وَنَظِيرُ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ كَفَّارَةُ الْمُفْسِدِ لِصَوْمِ رَمَضَانَ فَإِنْ عَادَ فَأَكَلَ أَوْ جَامَعَ لَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِي مَعْنَى السَّلْبِ الْعَامِّ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَالْكَفَّارَةُ مُرَتَّبَةٌ عَلَى نَقِيضِ هَذَا السَّلْبِ الْعَامِّ وَهُوَ مُطْلَقُ الثُّبُوتِ فَإِذَا حَصَلَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ فَإِذَا عَادَ فَتَكَرَّرَ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا كَدُخُولِ الدَّارِ فَإِنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ لَمْ يَجْعَلْ الثُّبُوتَ بِوَصْفِ الْعُمُومِ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ بَلْ بِوَصْفِ الْإِطْلَاقِ وَالْمُطْلَقُ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِصُورَةِ إجْمَاعًا كَإِعْتَاقِ رَقَبَةٍ وَإِخْرَاجِ شَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ وَنَظِيرُهُ أَيْضًا الْمُظَاهِرُ إذَا قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَمُقْتَضَى هَذَا التَّشْبِيهِ التَّحْرِيمُ الدَّائِمُ لِأَنَّ هَذَا هُوَ شَأْنُ تَحْرِيمِ الْأُمِّ الْمُشَبَّهِ بِهَا فَتَكُونُ هَذِهِ الزَّوْجَةُ مُحَرَّمَةً دَائِمًا تَحْقِيقًا لِلتَّشْبِيهِ فَإِنْ عَادَ وَعَزَمَ عَلَى إمْسَاكِهَا أَوْ عَلَى وَطْئِهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعَوْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQنَحْوُ مُتَوَاضِعٍ وَدَارٍ وَعَلَامَةٍ لِأَنَّ التَّوَاضُعَ يُوهِمُ الذِّلَّةَ وَالْمَهَانَةَ وَالدِّرَايَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ شَكٍّ كَمَا نَقَلَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْعَلَامَةُ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ مَنْ كَثُرَتْ مَعْلُومَاتُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ هَاءَ التَّأْنِيثِ تُوهِمُ تَأْنِيثَ الْمُسَمَّى وَالتَّأْنِيثُ نَقْصٌ كَمَا قَالَ الْأَصْلُ فَتَأَمَّلْ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ وَهُوَ يُوهِمُ نَقْصًا وَهَذَا نَوْعَانِ (الْأَوَّلُ) مَا لَمْ يُرِدْ مَعَ الْمُشَاكَلَةِ كَالصَّبُورِ وَالْحَلِيمِ وَالشَّكُورِ فَالْأَوَّلُ يُوهِمُ وُصُولَ مَشَقَّةٍ لَهُ وَفَسَّرَهُ فِي الْمَوَاقِفِ بِالْحَلِيمِ وَفَسَّرَ الْحَلِيمَ قَبْلُ بِاَلَّذِي لَا يُعَجِّلُ الْعِقَابَ وَهُوَ يُوهِمُ تَأَثُّرًا وَانْفِعَالًا بِالْغَضَبِ فَيَكْتُمُ وَالثَّالِثُ قَالَ فِي الْمَوَاقِفِ الْمُجَازِي عَلَى الشُّكْرِ وَقِيلَ يَثْبُتُ عَلَى الْقَلِيلِ الْكَثِيرُ. وَقِيلَ الْمُثْنِي عَلَى مَنْ أَطَاعَهُ وَهُوَ يُوهِمُ وُصُولَ إحْسَانٍ لَهُ وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي آخَرِ الْحُكْمِ أَنْتَ الْغَنِيُّ بِذَاتِك عَنْ أَنْ يَصِلَ إلَيْك النَّفْعُ مِنْك فَكَيْفَ لَا تَكُونُ غَنِيًّا عَنِّي وَهَذَا النَّوْعُ يُقْبَلُ وَيُؤَوَّلُ وَيُقْتَصَرُ بِهِ عَلَى مَحَلِّهِ وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَوْرِدِهِ إجْمَاعًا لِإِيهَامِ الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا وَرَدَ تَنَزُّلًا وَتَلَطُّفًا فِي خِطَابِنَا مَجَازًا قَالَ ابْنُ عَرَبِيٍّ وَنَخْجَلُ إذْ سَمِعْنَا ذَلِكَ وَأَنْشَدَ (: إنَّ الْمُلُوكَ وَإِنْ جَلَّتْ مَرَاتِبُهُمْ ... لَهُمْ مَعَ السُّوقَةِ الْأَسْرَارُ وَالسَّمَرُ) (النَّوْعُ الثَّانِي) مَا وَرَدَ مَعَ الْمُشَاكَلَةِ وَالْمُقَابَلَةِ نَحْوُ مَاكِرٍ وَمُسْتَهْزِئٍ فَإِنَّ الْمَكْرَ وَالِاسْتِهْزَاءَ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ سُوءُ خُلُقٍ وَقَدْ وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ مَعَ الْمُشَاكَلَةِ وَالْمُقَابَلَةِ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: 54] أَيْ وَجَازَاهُمْ اللَّهُ عَلَى مَكْرِهِمْ وَاَللَّهُ خَيْرُ الْمُجَازِينَ وقَوْله تَعَالَى {قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: 14] {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 15] أَيْ اللَّهُ يُجَازِيهِمْ عَلَى اسْتِهْزَائِهِمْ وَهَذَا النَّوْعُ لِكَوْنِ الْمُشَاكَلَةِ حَسَّنَتْهُ عَلَى مَا هُوَ اللَّائِقُ بِفَصَاحَةِ الْقُرْآنِ وَبَلَاغَتِهِ وَصَارَتْ قَرِينَةً عَلَى الْمَجَازِ بِحَيْثُ لَا تُتَوَهَّمُ الْحَقِيقَةُ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِهِ تَعَالَى يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَوْرِدِهِ مَعَ الْمُشَاكَلَةِ لَا بِدُونِهَا هَذَا مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْعَلَامَةُ الْأَمِيرُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ وَهُوَ الْحَقُّ لَا مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْأَصْلِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ هَذَا الْقِسْمِ فِي غَيْرِ مَوْرِدِهِ مُطْلَقًا وَلَوْ مَعَ الْمُشَاكَلَةِ فَتَأَمَّلْ (الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مَا لَمْ يُرِدْ السَّمْعُ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُوهِمٍ نَحْوُ قَوْلِنَا يَا سَيِّدَنَا فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عِنْدَ

مَا هُوَ فَقَدْ أَتَى بِنَقِيضِ ذَلِكَ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ وَهُوَ مُطْلَقُ الثُّبُوتِ الْمُنَاقِضِ لَهُ فَجَعَلَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ تَجِبُ عِنْدَهُ الْكَفَّارَةُ كَالْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ فَإِذَا كَفَّرَ ثُمَّ عَادَ فَعَزَمَ عَلَى إمْسَاكِهَا أَوْ وَطْئِهَا مَرَّةً أُخْرَى لَا تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ بِتَكَرُّرِ الْعَوْدِ إجْمَاعًا فِيمَا عَلِمْت لِأَنَّهَا مُرَتَّبَةٌ عَلَى مُطْلَقِ الثُّبُوتِ بِوَصْفِ الطَّلَاقِ لَا بِوَصْفِ الْعُمُومِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ مُرَتَّبَةٌ عَلَى مُطْلَقِ الثُّبُوتِ الْمُنَاقِضِ لِلسَّلْبِ الْكُلِّيِّ الْعَامِّ لَا عَلَى مُطْلَقِ الثُّبُوتِ بِوَصْفِ الْعُمُومِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا مُخَالَفَةُ النَّهْي فَتَقْتَضِي تَكَرُّرَ الْإِثْمِ وَالتَّعْزِيرِ بِسَبَبِ أَنَّ الْإِثْمَ رَتَّبَهُ الشَّرْعُ عَلَى تَحْقِيقِ الْمَفْسَدَةِ فِي الْوُجُودِ لِأَنَّ النَّوَاهِيَ تَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ كَمَا أَنَّ الْأَوَامِرَ تَعْتَمِدُ الْمَصَالِحَ فَكُلُّ فَرْدٍ يَتَكَرَّرُ تَتَكَرَّرُ الْمَفْسَدَةُ مَعَهُ فَيَتَكَرَّرُ الْإِثْمُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِمُطْلَقِ الْمَفْسَدَةِ فِي جَمِيعِ صُوَرِهَا بِوَصْفِ الْعُمُومِ فَعَمَّ الْإِثْمُ أَيْضًا وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِحَسْمِ مَادَّةِ الْمَفْسَدَةِ إذْ لَوْ أَثَّمْنَاهُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَبَحْنَا لَهُ مَا بَعْدَهَا أَدَّى ذَلِكَ لِوُقُوعِ مَفَاسِدَ لَا نِهَايَةَ لَهَا فَكَانَتْ الْحِكْمَةُ الشَّرْعِيَّةُ تَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْإِثْمِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْمَفَاسِدِ وَثَانِيهَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَوْ كَانَتْ تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْمُخَالَفَاتِ لِلْيَمِينِ لَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ فِي الصُّوَرِ الَّتِي يَحْتَاجُونَ لِلْمُخَالَفَةِ فِيهَا وَتَكَرُّرِهَا فَتَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِنْسَانِ كَفَّارَاتٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهَا إلَّا بِفِعْلِهَا وَذَلِكَ حَرَجٌ عَظِيمٌ تَأْبَاهُ الشَّرِيعَةُ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ السَّهْلَةُ وَأَمَّا الْآثَامُ إذَا اجْتَمَعَتْ فَيَخْرُجُ الْإِنْسَانُ عَنْ عُهْدَتِهَا بِالتَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ وَهِيَ مُتَيَسِّرَةٌ عَلَى الْمُتَّقِينَ (وَثَالِثُهَا) أَنَّ الْيَمِينَ مُبَاحَةٌ لِأَنَّهَا تَعْظِيمٌ لِلْمُقْسَمِ بِهِ وَالْحِنْثُ أَيْضًا مُبَاحٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاَللَّهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا كَفَّرْتُ وَفَعَلْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقْدِمُ عَلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَهُ وَإِذَا كَانَ الْحَلِفُ وَالْحِنْثُ مُبَاحَيْنِ نَاسَبَ ذَلِكَ التَّخْفِيفَ فِي إلْزَامِ الْكَفَّارَةِ الْمُتَكَرِّرَةِ بِخِلَافِ النَّهْيِ فَإِنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ وَالْمُقْدِمُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ عَاصٍ بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَنَاسَبَ التَّغْلِيظَ بِتَكَرُّرِ الْآثَامِ وَتَظَافُرِ أَنْوَاعِ الْوَعِيدِ وَالتَّعَازِيرِ عَلَيْهِ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْمَعْصِيَةِ (وَرَابِعُهَا) أَنَّ الْقَسَمَ وَقَعَ عَلَى جُمْلَةٍ خَبَرِيَّةٍ فَإِنَّ لَا أَفْعَلُ خَبَرٌ عَنْ عَدَمِ الْفِعْلِ فِي الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ وَإِذَا كَانَ خَبَرًا فَإِنْ صَدَقَ فِيهِ وَحَقَّقَ السَّلْبَ الْعَامَّ كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ فَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ خَالَفَ هَذَا الْخَبَرَ كَانَتْ مُخَالَفَتُهُ تَكْذِيبًا لِذَلِكَ الْخَبَرِ وَالصِّدْقُ وَالْكَذِبُ نَقِيضَانِ وَلِذَلِكَ قَالَ أَرْبَابُ الْعُقُولِ إنَّ نَقِيضَ السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ الْمُوجَبَةُ الْجُزْئِيَّةُ وَبِهِمَا يَقَعُ التَّكَاذِيبُ لِمَنْ يَقْصِدُ تَكْذِيبَ مَنْ ادَّعَى الْأُخْرَى كَمَا إنَّ نَقِيضَ الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ السَّالِبَةُ الْجُزْئِيَّةُ وَالصِّدْقُ وَالْكَذِبُ عِنْدَنَا نَقِيضَانِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّ الْخَبَرَ إنْ طَابَقَ فَصِدْقٌ وَإِنْ لَمْ يُطَابِقُ فَكَذِبٌ وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْمُطَابَقَةِ وَعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ فَالْكَذِبُ حِينَئِذٍ نَقِيضُ الصِّدْقِ فَالْكَفَّارَةُ وَجَبَتْ لِمُخَالَفَةِ الصِّدْقِ وَهُوَ الْكَذِبُ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ الْمُنَاقِضِ لِلصِّدْقِ الْمَانِعِ مِنْ تَحَقُّقِهِ وَمَتَى ارْتَفَعَ الصِّدْقُ بِصُورَةٍ وَاحِدَةٍ اسْتَحَالَ ثُبُوتُهُ فَقَدْ تَحَقَّقَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَيَجُوزُ إطْلَاقُهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَمُدْرِكُ الْخِلَافِ هَلْ يُلَاحِظُ ابْتِغَاءَ الْمَانِعِ وَهُوَ الْإِيهَامُ وَلَمْ يُوجَدْ فَيَجُوزُ أَوْ لَا يُلَاحِظُ إلَّا أَنَّ الْأَصْلَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَنْعُ إلَّا مَا وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ وَلَمْ يُرِدْ السَّمْعُ فَيَمْتَنِعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّ مُخَاطَبَةَ أَدْنَى الْمُلُوكِ تَفْتَقِرُ إلَى مَعْرِفَةِ مَا أَذِنُوا فِيهِ مِنْ تَسْمِيَتِهِمْ وَمُعَامَلَتِهِمْ حَتَّى يُعْلَمَ إذْنُهُمْ فِي ذَلِكَ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَوْلَى بِذَلِكَ وَلِأَنَّهَا قَاعِدَةُ الْأَدَبِ وَالْأَدَبُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى مُتَعَيِّنٌ لَا سِيَّمَا فِي مُخَاطَبَاتِهِ بَلْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُوقِعَ فِي صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَا فِي عِبَادَةٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ إلَّا مَا عَلِمَ إذْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ فَمُخَاطَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَتَسْمِيَتُهُ أَوْلَى بِذَلِكَ نَعَمْ قَالَ الشَّيْخُ زَكِيُّ الدِّينِ عَبْدُ الْعَظِيمِ الْمُحَدِّثُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ فِي لَفْظِ السَّيِّدِ فَعَلَيْهِ يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ إجْمَاعًا وَقِسْ عَلَى هَذِهِ الْمِثْلَ لِهَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ مَا أَشْبَهَهَا وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ تَنْزِلُ عَلَى فَتْوَى الشَّيْخِ أَبِي الطَّاهِرِ بْنِ بَشِيرٍ حَيْثُ قَالَ فَكُلُّ مَا جَازَ إطْلَاقُهُ جَازَ الْحَلِفُ بِهِ وَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ وَمَا لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا يُوجِبُ الْحَلِفَ بِهِ كَفَّارَةً اهـ. فَظَهَرَ الْفَرْقُ وَهَا هُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى قِسْمَانِ قِسْمٌ مُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى كَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فَيَكُونُ صَرِيحًا فِي الْحَلِفِ. وَيَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَقِسْمٌ لَا يَخْتَصُّ بِهِ تَعَالَى كَالْحَكِيمِ وَالْعَزِيزِ وَالرَّشِيدِ فَيَكُونُ بِسَبَبِ تَرَدُّدِهِ بَيْنَ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَةِ الْمَخْلُوقِ لِأَنَّ الْبَشَرَ يُسَمَّى بِذَلِكَ حَقِيقَةً غَيْرُ صَرِيحٍ بَلْ مِنْ الْكِنَايَاتِ لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِالنِّيَّةِ إذْ كَمَا أَنَّ اللَّفْظَ مَعَ التَّرَدُّدِ لَا يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ وَلَا لِلْمَعْنَى الَّذِي وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِيهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا. وَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ قَوِيٌّ مُعْتَبَرٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ كَالظِّهَارِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ حَلَفَ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي يَجُوزُ إطْلَاقُهَا عَلَيْهِ تَعَالَى وَحَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ قَالَ الْأَصْلُ وَوَجْهُهُ أَنَّ لَفْظَ الْعَلِيمِ وَالْقَادِرِ وَالْمُرِيدِ وَإِنْ كَانَ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ عَالِمٍ وَقَادِرٍ وَمُرِيدٍ إلَّا أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ نَقَلُوا قَوْلَنَا وَالْعَلِيمِ وَحَقِّ الْعَلِيمِ وَالْقَادِرِ وَحَقِّ الْقَادِرِ وَالْمُرِيدِ وَحَقِّ الْمُرِيدِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاءِ مَعَ الْحَلِفِ إلَى خُصُوصِ

مَفْسَدَةُ تَعَذُّرِ الصِّدْقِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَكَرَّرُ وَهُوَ تَعَذُّرُ الصِّدْقِ فَلَمْ تَتَكَرَّرْ الْكَفَّارَةُ وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْحَالِفَ لَوْ جَعَلَ يَمِينَهُ خَبَرًا عَنْ مُوجَبَةٍ كُلِّيَّةٍ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ الدَّهْرَ فَأَفْطَرَ يَوْمًا وَاحِدًا فَقَدْ كَذَبَ خَبَرُهُ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْطَارِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ الْوَاحِدَ وَلَا يُنْجِيهِ مِنْ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ صَوْمُ بَقِيَّةِ الدَّهْرِ وَتَضِيعُ بَقِيَّةِ الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ عَنْ الِاعْتِبَارِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَكَرَّرَ مِنْهُ الثُّبُوتُ أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى فِطْرِ يَوْمٍ وَاحِدٍ وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فِي جِهَةِ الثُّبُوتِ وَهُوَ الْمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ وَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ مِثْلُهُ فِي السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي هِيَ خَبَرٌ عَنْ النَّفْيِ فَيَتَحَقَّقُ الْكَذِبُ بِفَرْدٍ وَاحِدٍ مِنْ الثُّبُوتِ بِأَنْ يَفْعَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَنْفَعُهُ بَقِيَّةُ السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ثُبُوتٍ وَاحِدٍ تَقَعُ بِهِ الْمُخَالَفَةُ وَبَيْنَ ثُبُوتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ فِي الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ بَيْنَ سَلْبَيْنِ فَأَكْثَرَ تَسْوِيَةً بَيْنَ طَرَفَيْ الثُّبُوتِ وَالسَّلْبِ فِي الْخَبَرِ عَنْهُمَا وَإِثْبَاتِ نَقِيضِهِمَا. وَالِاكْتِفَاءُ بِفَرْدٍ فِي الْمُنَاقَضَةِ لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى ثَانٍ وَيَكُونُ الثَّانِي وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ تَسْوِيَةً بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فَظَهَرَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْكَفَّارَةِ إنَّمَا هُوَ إثْبَاتُ النَّقِيضِ الْمُكَذِّبِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ بِفَرْدٍ زَادَ مَعَهُ غَيْرُهُ أَمْ لَا كَانَ الْكَلَامُ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا وَالنَّهْيُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَوْ اجْتَنَبَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مِائَةَ مَرَّةٍ لِلَّهِ تَعَالَى أُثِيبَ عَلَى الْمِائَةِ ثُمَّ إنْ خَالَفَ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ بِعَدَدِ الْمَرَّاتِ الَّتِي خَالَفَ فِيهَا بِالْفِعْلِ وَالثُّبُوتِ وَتَتَكَرَّرُ الْمَثُوبَاتُ بِتَكَرُّرِ الِاجْتِنَابِ وَالْعُقُوبَاتُ بِتَكَرُّرِ الْمُخَالَفَاتِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ هُوَ اجْتِنَابُ مَفْسَدَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَأَنَّ كُلَّ زَمَانٍ مَطْلُوبٌ لِنَفْسِهِ فِي التَّرْكِ لِتِلْكَ الْمَفْسَدَةِ وَيُؤَكِّدُهُ الْأَمْرُ الْمُقْتَضِي لِلتَّكْرَارِ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ مِائَةَ مَرَّةٍ أُثِيبَ مِائَةَ مَثُوبَةٍ وَإِنْ تَرَكَهُ مِائَةَ مَرَّةٍ اسْتَحَقَّ مِائَةَ عُقُوبَةٍ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ حُصُولُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ بِعَيْنِهِ فَكُلُّ زَمَانٍ مُعَيَّنٍ حَقَّقَ فِيهِ الْمَصْلَحَةَ اسْتَحَقَّ الْمَثُوبَةَ وَكُلُّ زَمَانٍ ضَيَّعَ فِيهِ تِلْكَ الْمَصْلَحَةَ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ. وَتُعْتَبَرُ الْقِلَّةُ فِي ذَلِكَ وَالْكَثْرَةُ فَقَدْ صَارَتْ قَاعِدَةُ الْأَمْرِ تَشْهَدُ لِقَاعِدَةِ النَّهْيِ كَمَا شَهِدَتْ قَاعِدَةُ خَبَرِ الثُّبُوتِ فِي الْيَمِينِ لِقَاعِدَةِ خَبَرِ النَّفْيِ فَأَوْضَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْأُخْرَى وَاتَّضَحَ لَك الْفَرْقُ بَيْنَ مُخَالَفَةِ قَاعِدَةِ النَّهْي وَبَيْنَ مُخَالَفَةِ قَاعِدَةِ الْيَمِينِ وَنَشَأَ سِرُّ الْفَرْقِ فِي هَذَا الْوَجْهِ مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ وَالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَتَحْقِيقِ نَقِيضِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَنَّ النَّقِيضَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ دُونَ أَفْرَادِ الْفِعْلِ وَأَفْرَادُ التَّرْكِ بِشَهَادَةِ النَّفْيِ لِلْإِيجَابِ وَالْإِيجَابِ لِلنَّفْيِ وَأَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْهَدُ لِلْآخَرِ وَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِمَا إفْرَادُ الْأَفْعَال وَالتُّرُوكِ دُونَ النَّقِيضِ فَإِنْ قُلْت مَا ذَكَرْتَهُ مِنْ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ الْوَاقِعَيْنِ فِي الْخَبَرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا يُقَوِّي مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ الْحِنْثَ مُحَرَّمٌ وَإِنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ سَاتِرَةً لِذَنْبِ تَحْرِيمِ الْمُخَالَفَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْكَذِبَ مُحَرَّمٌ بِالْإِجْمَاعِ وَأَنْتَ قَدْ حَقَّقَتْهُ فِي الْيَمِينِ فَيَتَّجِهُ مَا قَالُوهُ قُلْت لَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ فِي هَذَا بِسَبَبِ أَنَّ الْكَذِبَ الْوَاقِعَ فِي الْيَمِينِ هُوَ كَذِبٌ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى نَفَى النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ الِاحْتِمَالَ اللُّغَوِيَّ وَصَارَتْ الْكِنَايَةُ مُشْتَهِرَةً بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَأُلْحِقَتْ بِالصَّرِيحِ كَمَا أَلْحَقُوا كِنَايَاتٍ كَثِيرَةً فِي بَابِ الطَّلَاقِ بِصَرِيحِهِ لِمَا اُشْتُهِرَتْ فِي الطَّلَاقِ بِسَبَبِ نَقْلِ الْعُرْفِ إيَّاهَا لِلطَّلَاقِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمُفْرَدَةَ تَبْقَى عَلَى مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ حَتَّى إذَا رُكِّبَ أَحَدُهُمَا مَعَ مُفْرَدٍ آخَرَ مِنْهَا نَقَلَ أَهْلُ الْعُرْفِ الْمُرَكَّبَ مِنْ الْمُفْرَدَيْنِ لِبَعْضِ أَنْوَاعِ ذَلِكَ الْجِنْسِ مَثَلًا لَفْظُ الرُّءُوسِ تَصْدُقُ عَلَى رُءُوسِ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ وَلَفْظُ الْأَكْلِ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْأَكْلِ فِي أَيِّ مَأْكُولٍ كَانَ وَإِذَا رَكَّبْنَا هَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ فَقُلْنَا وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت رُءُوسًا أَوْ أَكَلْت رُءُوسًا لَا يَفْهَمُ أَحَدٌ إلَّا رُءُوسَ الْأَنْعَامِ دُونَ غَيْرِهَا بِسَبَبِ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ نَقَلُوا هَذَا الْمُرَكَّبَ لِهَذِهِ الرُّءُوسِ الْخَاصَّةِ دُونَ بَقِيَّةِ الرُّءُوسِ فَكَذَلِكَ لَفْظُ الْعَلِيمِ وَنَحْوِهِ كَانَ قَبْلَ التَّرْكِيبِ مَعَ حَرْفِ الْقَسَمِ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ عَالِمٍ وَبَعْدَ التَّرْكِيبِ مَعَهُ نَقَلَهُ أَهْلُ الْعُرْفِ لِخُصُوصِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى صَارَ صَرِيحًا لَا كِنَايَةً نَعَمْ لَا يَنْفَعُ هَذَا فِيمَا لَا تَجْرِي الْعَادَةُ بِالْحَلِفِ بِهِ كَالْحَكِيمِ وَالرَّشِيدِ فَلَمْ يَشْتَهِرْ الْحَلِفُ بِهَا وَنَحْوِهِمَا إذْ لَعَلَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَا يَعْلَمُهَا أَسْمَاءً لِلَّهِ تَعَالَى بَلْ لَمْ أَعْلَمْ أَنِّي رَأَيْت مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الرَّشِيدَ إلَّا فِي التِّرْمِذِيِّ حَيْثُ عَدَّدَ أَسْمَاءَ اللَّهِ الْحُسْنَى مِائَةً إلَّا وَاحِدًا وَأَصْحَابُنَا عَمَّمُوا الْحُكْمَ فِي الْجَمِيعِ وَلَمْ يُفَصِّلُوا وَهُوَ مُشْكِلٌ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ عَادَةَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَحْلِفُونَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْمَائِهِ فَتَنْصَرِفُ جَمِيعُ الْأَسْمَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى بِقَرِينَةِ الْحَلِفِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّا نَجِدُهُمْ يَحْلِفُونَ بِآبَائِهِمْ وَمُلُوكِهِمْ وَيَقُولُونَ وَنِعْمَةِ السُّلْطَانِ وَحَيَاتِك يَا زَيْدُ وَلِعَمْرِي لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ فَيَحْلِفُ بِعُمْرِهِ وَحَيَاةِ مُخَاطَبِهِ طُولَ النَّهَارِ فَلَيْسَ ظَاهِرُ حَالِهِمْ الِانْضِبَاطَ. وَلَا حَصَلَ فِي الْأَسْمَاءِ الْقَلِيلَةِ الِاسْتِعْمَالِ عُرْفٌ وَلَا نَقْلٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فَيُسْتَصْحَبُ فِيهَا حُكْمُ اللُّغَةِ وَأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِلْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ هَذَا هُوَ الْفِقْهُ اهـ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَوْلُك بِاسْمِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ قَالَ صَاحِبُ الْخِصَالِ الْأَنْدَلُسِيُّ يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَوَجْهُهُ أَنَّ لَفْظَ اسْمٍ وَإِنْ جَرَى فِيهِ بِخُصُوصِهِ خِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ هُوَ الْمُسَمَّى أَوْ لَا فَقَدْ حَكَى ابْنُ السَّيِّدِ الْبَطَلْيُوسِيُّ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي لَفْظِ الِاسْمِ هَلْ

[الفرق بين قاعدة ما يدخله المجاز في الأيمان والتخصيص وقاعدة ما لا يدخله المجاز والتخصيص]

جِهَةِ مُسَمَّى الْكَذِبِ لُغَةً لَا مِنْ جِهَةِ الْإِثْمِ وَالنَّهْيِ الشَّرْعِيِّ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ خَبَرَ الْوَعْدِ خَبَرٌ وَلَوْ خَالَفَهُ لَمْ يَكُنْ آثِمًا فَلَوْ قَالَ لِزَيْدٍ: غَدًا أُعْطِيك دِرْهَمًا وَلَمْ يُعْطِهِ غَدًا شَيْئًا لَمْ يَكُنْ آثِمًا وَلَوْ كَانَ آثِمًا لَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِكُلِّ وَعْدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «عِدَةُ الْمُؤْمِنِ دَيْنٌ» أَيْ مِثْلُ الدَّيْنِ وَلِذَلِكَ قَيَّدَ الْحُكْمَ بِوَصْفِ الْإِيمَانِ الْحَاثِّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلَوْ كَانَ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ مُطْلَقًا وَاجِبًا لَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْوَعْدُ دَيْنٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْإِخْبَارَاتِ فِي الْوَعْدِ وَالْحَلِفِ لَيْسَ بِكَذِبٍ مُحَرَّمٍ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ» . وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْخَيْرُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ لَمَا جَازَ تَرْكُهُ لِمُجَرَّدِ الْخَيْرِيَّةِ الَّتِي يَكْفِي فِيهَا مُطْلَقُ الْمَصْلَحَةِ بَلْ إنْ كَانَتْ الْمُخَالَفَةُ تَتَوَقَّفُ عَلَى مَصْلَحَةٍ عَظِيمَةٍ تُسَاوِي مَفْسَدَةَ التَّحْرِيمِ كَفَوَاتِ أَمْرٍ وَاجِبٍ عَظِيمٍ فَإِنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يُعَارَضُ إلَّا بِالْوَاجِبِ وَلَا يُعَارَضُ بِمُطْلَقِ الْخَيْرِيَّةِ الَّتِي هِيَ تَصْدُقُ بِأَدْنَى مَرَاتِبَ النَّدْبِ فَلَيْسَ الْحِنْثُ حِينَئِذٍ بِمُحَرَّمٍ وَيُؤَكِّدُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَلَفَ لِأُولَئِكَ النَّفَرِ لَا يَحْمِلُهُمْ ثُمَّ حَمَلَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك حَلَفَتْ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا كَفَّرْت وَأَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ فَلَوْ كَانَ هَذَا كَذِبًا مُحَرَّمًا لَمَا أَقْدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَيْهِ فَإِنَّ مَنْصِبَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَأْبَى ذَلِكَ إبَاءً شَدِيدًا فَيَقْطَعُ الْفَقِيهُ حِينَئِذٍ بِأَنَّ هَذِهِ الْمُخَالَفَةَ فِي الْأَيْمَانِ لَيْسَتْ كَذِبًا مُحَرَّمًا بَلْ يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِلْكَذِبِ وَلَا يَكُونُ مُحَرَّمًا كَمَا أَنَّ الْكَذِبَ الَّذِي يَقَعُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَمَنْ أَخْبَرَ بِالشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ مُعْتَقِدًا مَا أَخْبَرَ بِهِ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَذِبٌ لُغَةً خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي اشْتِرَاطِهِمْ الْقَصْدَ فِي حَقِيقَةِ الْكَذِبِ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِ أَهْلِ السَّنَةِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا إنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» فَجَعَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذِبًا مَعَ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ صِدْقَ مَا سَمِعَهُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ قَدْ يَقَعُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْعَمْدِ فَظَهَرَ أَنَّ الْكَذِبَ قَدْ يَكُونُ لَا مَعَ الْإِثْمِ وَمُخَالَفَةُ الْأَيْمَانِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مُخَالَفَةِ النَّوَاهِي وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مُخَالَفَةِ الْأَيْمَانِ إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ قَاعِدَةَ الْإِيمَان عَدَمُ التَّكْرَارِ فَقَدْ وَقَعَتْ صُوَرٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي بَعْضِهَا أَوْ فِي كُلِّهَا وَهِيَ إذَا خَالَفَ مُقْتَضَى الْيَمِينِ حَالَةَ النِّسْيَانِ أَوْ حَالَةَ الْجَهْلِ أَوْ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ اعْتِبَارُ الْحِنْثِ حَالَةَ النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ دُونَ الْإِكْرَاهِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْحِنْثِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَلَى الْإِكْرَاهِ عَلَى الْيَمِينِ وَخَالَفَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْحِنْثِ وَوَافَقَنَا فِي النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ، وَتَلْخِيصُ مُدْرَكِ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ أَنَّ مُقْتَضَى اللُّغَةِ حُصُولُ الْحِنْثِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَسْمَاءِ الذَّوَاتِ فَلَا يَتَنَاوَل إلَّا لَفْظًا هُوَ اسْمٌ أَوْ وُضِعَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسَمَّيَاتِ فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا مُسَمَّى قَالَ وَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى أَمْ لَا وَأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي لَفْظِ اسْمٍ خَاصَّةً الَّذِي هُوَ أَلْفٌ سِينٌ مِيمٌ وَأَمَّا لَفْظُ نَارٍ وَذَهَبٍ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ عَاقِلٌ إنَّ لَفْظَ نَارٍ هُوَ عَيْنُ النَّارِ حَتَّى يَحْتَرِقَ فَمُ مَنْ نَطَقَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَا لَفْظَ ذَهَبٍ هُوَ عَيْنُ الذَّهَبِ الْمَعْدِنِيِّ حَتَّى يَحْصُلَ الذَّهَبُ الْمَعْدِنِيُّ فِي فَمِ مَنْ نَطَقَ بِلَفْظِ الذَّهَبِ اهـ إلَّا أَنَّ فِيهِ عُرْفًا بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. نَعَمْ فِي حَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا صَدَقَاتِ الِاسْمِ وَلَفْظُ اسْمٍ مِنْهَا فَإِنَّهُ اسْمٌ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَلَا يَلْزَمُ انْدِرَاجَ الشَّيْءِ تَحْتَ نَفْسِهِ وَهُوَ تَنَاقُضٌ فِي الْجُزْئِيَّةِ وَالْكُلِّيَّةِ بَلْ انْدِرَاجَ اللَّفْظِ تَحْتَ مَعْنَاهُ وَهُوَ كَثِيرٌ كَمَوْجُودِ وَشَيْءٍ وَمُفْرَدٍ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ مِنْ الِاسْمِ اللَّفْظُ فَهُوَ غَيْرُ مُسَمَّاهُ قَطْعًا أَوْ أُرِيدَ بِهِ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ فَهُوَ عَيْنُ الْمُسَمَّى وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ جَامِدٍ وَمُشْتَقٍّ فِيمَا يَقْضِي بِهِ التَّأَمُّلُ اهـ وَوُجُودُ الْمُسَمَّى فِيمَا يُفْهَمُ مِنْ الِاسْمِ ظِلِّيٌّ كَالصُّورَةِ فِي الْمِرْآةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَيْنَهُ احْتِرَاقُ فَمِ مَنْ يَقُولُ نَارًا وَلَا أَنَّ الذَّهَبَ الْمَعْدِنِيَّ يَحْصُلُ فِي فَمِ مَنْ يَنْطِقُ بِلَفْظِ ذَهَبٍ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ هَا اللَّهِ يَمِينٌ تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَاللَّهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ حَذْفُ حَرْفِ الْقَسَمِ وَإِقَامَةِ هَا التَّنْبِيهِ مَقَامَهُ وَقَدْ نَصَّ النُّحَاةُ عَلَى ذَلِكَ (فَائِدَةٌ) الْأَلْفُ وَاللَّامُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْكَمَالِ قَالَ سِيبَوَيْهِ تَكُونُ لَامُ التَّعْرِيفِ لِلْكَمَالِ تَقُولُ زَيْدٌ الرَّجُلُ تُرِيدُ الْكَامِلَ فِي الرُّجُولِيَّةِ وَكَذَلِكَ هِيَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا قُلْت الرَّحْمَنُ أَيْ الْكَامِلُ فِي مَعْنَى الرَّحْمَةِ أَوْ الْعَلِيمُ أَيْ الْكَامِلُ فِي مَعْنَى الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأَسْمَاءِ فَهِيَ لَا لِلْعُمُومِ وَلَا لِلْعَهْدِ وَلَكِنْ لِلْكَمَالِ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَدْخُلُهُ الْمَجَازُ فِي الْأَيْمَانِ وَالتَّخْصِيصُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَدْخُلُهُ الْمَجَازُ وَالتَّخْصِيصُ] (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُدْخِلُهُ الْمَجَازُ وَالتَّخْصِيصُ فِي الْأَيْمَانِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُدْخِلُهُ الْمَجَازُ وَالتَّخْصِيصُ) الْأَلْفَاظُ عَلَى قِسْمَيْنِ نُصُوصٌ وَهِيَ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الْمَجَازَ وَلَا التَّخْصِيصَ وَظَوَاهِرُ وَهِيَ الَّتِي تَقْبَلُهُمَا وَالنُّصُوصُ نَوْعَانِ (النَّوْعُ الْأَوَّلُ) مَا كَانَ الِامْتِنَاعُ فِيهِ مِنْ الْمَجَازِ

الثَّلَاثَةِ لِحُصُولِ مُسَمَّى الْمُخَالَفَةِ بِمُقْتَضَى مَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ فِي الِاسْتِقْبَالِ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْيَمِينُ إنَّمَا يَقْصِدُ بِهَا النَّاسُ حَثَّهُمْ عَلَى الْإِقْدَامِ أَوْ الْإِحْجَامِ، وَالْحَثُّ إنَّمَا يَقَعُ فِي الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَحُثُّ نَفْسَهُ عَلَى مَا هُوَ مِنْ اخْتِيَارِهِ وَصُنْعِهِ وَأَمَّا الْمَعْجُوزُ عَنْهُ فَلَا يَلِيقُ بِالْعَاقِلِ حَثُّ نَفْسِهِ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَحُثُّ نَفْسَهُ عَلَى الصُّعُودِ إلَى السَّمَاءِ وَلَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لِنَفْسِهِ يَدًا زَائِدَةً أَوْ عَيْنًا زَائِدَةً وَلَا يَحُثُّ نَفْسَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا أَوْ مُنْتَصِبَ الْقَامَةِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُتَعَذِّرٌ عَلَيْهِ وَالثَّانِي وَاقِعٌ بِغَيْرِ صُنْعِهِ وَيَحُثُّ نَفْسَهُ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لِأَنَّهُمَا مِنْ صُنْعِهِ فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَثَّ إنَّمَا يَقَعُ مِنْ الْإِنْسَانِ فِيمَا هُوَ مِنْ صُنْعِهِ وَاخْتِيَارِهِ اتَّضَحَ بِذَلِكَ خُرُوجُ حَالَةِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْحَثِّ لِأَنَّ الدَّاعِيَةَ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ لَيْسَتْ لِلْفَاعِلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ بَلْ نَشَأَتْ عَنْ أَسْبَابِ الْإِكْرَاهِ فَهِيَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ فِي الْمَعْنَى. فَلَا جَرَمَ لَمْ تَنْدَرِجْ هَذِهِ الْحَالَةُ فِي الْيَمِينِ وَأَمَّا الْجَهْلُ وَالنِّسْيَانُ فَالْإِنْسَانُ فِي الْجَهْلِ يَفْعَلُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ جَاهِلًا بِأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ كَمَنْ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَلْبَسَ ثَوْبًا فَيَلْتَبِسُ ذَلِكَ الثَّوْبُ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ فَيَلْبَسُهُ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْيَمِينِ جَاهِلٌ بِعَيْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَأَمَّا فِي النِّسْيَانِ فَهُوَ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ الْجَهْلِ يَفْعَلُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ عَالِمًا بِحَقِيقَتِهِ نَاسِيًا لِلْيَمِينِ وَفِي الْإِكْرَاهِ قَدْ يَكُونُ ذَاكِرًا لَهُمَا فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ الثَّلَاثِ فَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ إنَّ الْحَثَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْيَمِينِ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ ذِكْرِ الْيَمِينِ وَالْمَعْرِفَةَ بِعَيْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ يَقْصِدَ التَّرْكَ بِالْيَمِينِ لِأَجْلِ الْيَمِينِ وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مَعَ الْقَصْدِ إلَيْهِمَا وَالْمَعْرِفَةِ بِهِمَا أَعْنِي الْيَمِينَ وَالْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ. فَإِذَا جُهِلَ الْيَمِينُ فِي صُورَةِ النِّسْيَانِ أَوْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي صُورَةِ الْجَهْلِ فَلَمْ يُوجَدَا فِي نَفْسِهِ مَعًا فَمَا وُجِدَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْيَمِينِ وَهُوَ التَّرْكُ لِأَجْلِ الْيَمِينِ فَهَاتَانِ الْحَالَتَانِ لَا يَقْصِدُهُمَا النَّاسُ بِالْأَيْمَانِ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَخَرَجَا عَنْ الْيَمِينِ وَالْخَارِجُ عَنْ الْيَمِينِ لَا يَقَعُ فِيهِ حِنْثٌ فَخَرَجَتْ الْأَحْوَالُ الثَّلَاثَةُ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ وَالنِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ فَإِذَا خَالَفَ الْيَمِينَ فِي حَالَةٍ مِنْ هَذِهِ الْحَالَاتِ لَا يَلْزَمُ بِذَلِكَ كَفَّارَةٌ وَلَا بُدَّ مِنْ الْمُخَالَفَةِ مَرَّةً أُخْرَى فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَاسْتِحْضَارِ الْيَمِينِ وَالْعِلْمِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَاشْتَرَطَ التَّكَرُّرَ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ الْحَلِفُ وَقَعَ عَلَى الْفِعْل الْمُخْتَارِ الْمُكْتَسِبِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِكْرَاهُ وَحْدَهُ وَيَبْقَى النِّسْيَانُ وَالْجَهْلُ لِأَنَّ النَّاسِيَ لِلْيَمِينِ مُخْتَارٌ لِلْفِعْلِ غَيْرَ أَنَّهُ نَسِيَ الْيَمِينَ وَالْجَاهِلُ مُخْتَارٌ لِلْفِعْلِ غَيْرُ أَنَّهُ جَهِلَ أَنَّ هَذَا عَيْنُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَإِذَا وُجِدَ الِاخْتِيَارُ وَالْفِعْلُ الْمُكْتَسَبَ فَقَدْ وُجِدَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَوُجِدَتْ حَقِيقَةُ الْمُخَالَفَةِ فَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فَإِذَا وَقَعَ الْفِعْلُ فِي حَالَةِ النِّسْيَانِ أَوْ الْجَهْلِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَلَزِمَتْ الْكَفَّارَةُ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّكَرُّرُ مَرَّةً أُخْرَى وَالظَّاهِرُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ عِنْدَنَا بِسَبَبِ أَنَّ الْبَاعِثَ لِلْحَالِفِ عَلَى الْحَلِفِ إنَّمَا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالتَّخْصِيصِ لُغَوِيًّا وَهِيَ أَسْمَاءُ الْأَعْدَادِ الَّتِي أَوَّلُهَا الِاثْنَانِ وَآخِرُهَا الْأَلْفُ وَلَمْ تَضَعْ الْعَرَبُ بَعْدَ ذَلِكَ لَفْظًا لِلْعَدَدِ بَلْ عَادَتْ إلَى رُتَبِ الْأَعْدَادِ فَقَالَتْ أَلْفَانِ بِالتَّثْنِيَةِ وَمَرَاتِبُ الْأَعْدَادِ أَرْبَعَةٌ وَهِيَ الْآحَادُ إلَى الْعَشَرَةِ وَالْعَشَرَاتُ إلَى الْمِائَةِ وَالْمِئَاتُ إلَى الْأَلْفِ وَالْأُلُوفُ فَالْآحَادُ وَالْعَشَرَاتُ وَالْمِئَاتُ وَالْأُلُوفُ هِيَ رُتَبُ الْأَعْدَادِ الْأَرْبَعَةِ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تُكَرِّرُهَا الْعَرَبُ فِي مَرَاتِبِ الْأَعْدَادِ إلَى غَيْرِ النِّهَايَةِ مُكْتَفِيَةً بِهَا مِنْ غَيْرِ النِّهَايَةِ فَنَحْوُ الْخَمْسَةِ وَالْعَشَرَةِ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَدَدِ عِنْدَ الْعَرَبِ نُصُوصٌ لَا يَدْخُلُهَا الْمَجَازُ وَلَا التَّخْصِيصُ، وَالتَّخْصِيصُ أَنْ تُرِيدَ بِالْعَشَرَةِ بَعْضَهَا وَالْمَجَازُ أَنْ تُرِيدَ بِالْعَشَرَةِ مُسَمَّى الْعُشْرِ أَوْ بِالْخَمْسَةِ مُسَمَّى الْخُمُسِ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ نِسْبَةٌ الْعُشْرِ لِأَنَّهَا عُشْرُ الْمِائَةِ وَالْخَمْسَةُ نِسْبَةُ الْخُمُسِ لِأَنَّهَا خُمُسُ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ فَهَذَا أَجْنَبِيٌّ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنَّ التَّخْصِيصَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي بَعْضِ مَعْنَاهُ مَجَازٌ الْقَرِينَةِ وَالْمَجَازُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَعْنَاهُ لِعَلَاقَةٍ وَقَرِينَةٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ هُوَ بَعْضُ الْمَعْنَى أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْنَى مُنَاسَبَةٌ خَاصَّةٌ فَالْمَجَازُ أَعَمُّ مِنْ التَّخْصِيصِ فَكُلُّ تَخْصِيصٍ مَجَازٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَجَازٍ تَخْصِيصًا (النَّوْعُ الثَّانِي) مَا كَانَ الِامْتِنَاعُ فِيهِ مِنْ الْمَجَازِ وَالتَّخْصِيصِ شَرْعِيًّا لَا لُغَوِيًّا مِثْلُ لَفْظِ الْجَلَالَةِ اللَّهُ وَلَفْظِ الرَّحْمَنِ مِمَّا هُوَ مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُمَا فِي غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَمَا عَدَا هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنْ الْعُمُومَاتِ نَحْوُ الْمُشْرِكِينَ وَأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ مِنْ الْجَمَادِ وَالنَّبَاتِ أَوْ الْحَيَوَانِ نَحْوُ الْأَسَدِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ الْأَعْرَاضِ نَحْوُ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ وَالْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ فَهِيَ الظَّوَاهِرُ فَيَجُوزُ إطْلَاقُ الْعِلْمِ وَيُرَادُ بِهِ الظَّنُّ مَجَازًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10] أَيْ ظَنَنْتُمُوهُنَّ فَإِنَّ الْإِيمَانَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُعْلَمُ وَلَكِنْ تَدُلُّ عَلَيْهِ ظَوَاهِرُ الْأَحْوَالِ فَيُظَنُّ، وَإِطْلَاقُ الظَّنِّ وَيُرَادُ بِهِ الْعِلْمُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} [الكهف: 53] أَيْ قَطَعُوا وَعَلِمُوا هَذَا هُوَ الْمُقَرَّرُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَفِي أَبْوَابِ الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَعَلَيْهِ سُؤَالٌ وَهُوَ أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَسْتَعْمِلُ اسْمَ الْعَدَدِ مَجَازًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80] قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ الْكَثْرَةُ كَيْفَ كَانَتْ وقَوْله تَعَالَى {سَبْعُونَ ذِرَاعًا} [الحاقة: 32] أَيْ طَوِيلَةٌ جِدًّا فَالْمُرَادُ الْكَثْرَةُ جِدًّا

هُوَ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ حَاثَّةً لَهُ عَلَى التَّرْكِ وَإِلَّا كَانَ يَكْفِيهِ الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ وَكَانَ يَسْتَرِيحُ مِنْ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ وَإِنَّمَا أَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ لِيَكُونَ اسْتِحْضَارُهَا فِي نَفْسِهِ مَانِعًا لَهُ مِنْ الْإِقْدَامِ أَوْ الْإِحْجَامِ فَإِذَا نَسِيَهَا لَمْ يَقْصِدْ بِهَذِهِ الْحَالَةِ حَالَةَ الْحَلِفِ بَلْ مَقْصُودُهُ مَحْصُورٌ فِي حَالَةِ حُضُورِهَا فِي نَفْسِهِ حَتَّى تَمْنَعَهُ. وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ بِعَيْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ شَرْطٌ فِي الْحِنْثِ بِهِ فَإِذَا جَهِلَهُ اسْتَحَالَ مَعَ الْجَهْلِ الْحَثُّ عَلَى مَا لَمْ يَعْلَمْهُ فَهَذِهِ الْحَالَةُ يُعْلَمُ خُرُوجُهَا عَنْ الْيَمِينِ بِقَصْدِ الْحَالِفِينَ فَلَا يَلْزَمُ فِيهَا حِنْثٌ وَيُشْتَرَطُ التَّكْرَارُ وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ عَلَى الْيَمِينِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ» أَيْ فِي إكْرَاهٍ فَيُقَاسُ عَلَى الطَّلَاقِ غَيْرُهُ فَلَا يَلْزَمُ وَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْحِنْثِ لَا يُؤَثِّرُ كَمَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْحِنْثِ حَالَةَ النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَقَاصِدِ النَّاسِ فِي أَيْمَانِهِمْ، تَنْبِيهٌ إذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْحِنْثِ يَمْنَعُ مِنْ لُزُومِ مُوجَبِ الْيَمِينِ فَأُكْرِهَ عَلَى أَوَّلِ مَرَّةٍ مِنْ الْفِعْلِ ثُمَّ فَعَلَهُ مُخْتَارًا حَنِثَ قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَهُوَ مُقْتَضَى الْفِقْهِ بِسَبَبِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَمْ يَنْدَرِجْ فِي الْيَمِينِ فَالْوَاقِعُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالِاخْتِيَارِ هُوَ أَوَّلُ مَرَّةٍ صَدَرَتْ مُخَالِفَةً لِلْيَمِينِ وَالْأُولَى لَا عِبْرَةَ بِهَا وَتَقَعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْفَتَاوَى كَثِيرًا وَيَقَعُ الْغَلَطُ فِيهَا لِلْمُفْتِيَيْنِ فَيَقُولُ السَّائِلُ حَلَفْت بِالطَّلَاقِ لَا أَخْدُمَ الْأَمِيرَ الْفُلَانِيَّ فِي إقْطَاعِهِ وَقَدْ أُكْرِهَتْ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ عَلَى خِدْمَتِهِ فَيَقُولُ لَهُ الْمُفْتِي لَا حِنْثَ عَلَيْك مَعَ أَنَّ ذَلِكَ الْحَالِفَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى الْخِدْمَةِ مَعَ زَوَالِ سَبَبِ الْإِكْرَاهِ وَإِمْكَانِ الْهُرُوبِ مِنْهُ وَالتَّغَيُّبِ عَنْ ذَلِكَ الْأَمِيرِ وَهَذَا يَحْنَثُ بِسَبَبِ أَنَّهُ إذَا مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُهُ التَّغَيُّبُ عَنْ خِدْمَةِ ذَلِكَ الْأَمِيرِ وَلَمْ يَتَغَيَّبْ فَقَدْ خَدَمَهُ مُخْتَارًا فَيَحْنَثُ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْخِدْمَةَ السَّابِقَةَ حَصَلَ بِهَا مُخَالَفَةُ الْيَمِينِ وَالْمُخَالَفَةُ لَا تَتَكَرَّرُ فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ الْحَالَةُ السَّابِقَةُ لَمْ تَنْدَرِجْ فِي الْيَمِينِ لِأَجْلِ الْإِكْرَاهِ وَالْمَرَّةُ الْأَخِيرَةُ الَّتِي هِيَ أَوَّلُ الْفِعْلِ الِاخْتِيَارِيِّ هِيَ أَوَّلُ مُخَالَفَاتِ الْيَمِينِ فَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ مَا قَبْلَهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا فَخَالَعَ امْرَأَتَهُ وَكَلَّمَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بِهَذَا الْكَلَامِ طَلَاقٌ فَلَوْ رَدَّ امْرَأَتَهُ وَكَلَّمَهُ حَنِثَ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِسَبَبِ أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ يَحُثَّهُ الطَّلَاقُ عَلَى عَدَمِ كَلَامِهِ بِسَبَبِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ حِينَئِذٍ فَمَا حَلَفَ إلَّا عَلَى نَفْيِ كَلَامٍ يَلْزَمُهُ بِهِ الطَّلَاقُ وَالْكَلَامُ حَالَةُ الْخُلْعِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِهِ طَلَاقٌ لِعَدَمِ قَبُولِ الْمَحَلِّ لَهُ فَلَا يَكُونُ مِنْ الْكَلَامِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَأَوَّلُ كَلَامٍ يَقَعُ بَعْدَ رَدِّ امْرَأَتِهِ هُوَ أَوَّلُ مُخَالَفَةِ الْيَمِينِ فِيهِ فَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِهِ لَا بِمَا قَبْلَهُ لِمَا قُلْنَاهُ فِي الْإِكْرَاهِ حَرْفًا بِحَرْفٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهَذِهِ الصُّوَرُ الثَّلَاثَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ يَحْصُلُ فِيهَا التَّكَرُّرُ فِي صُورَةِ الْمُخَالَفَةِ لَا فِي الْمُخَالَفَةِ الْمُعْتَبَرَةِ بِسَبَبِ مَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا خُصُوصُ السَّبْعِينَ. وَقَوْلُ أَهْلِ الْعُرْفِ سَأَلْتُك أَلْفَ مَرَّةٍ فَمَا قَضَيْت لِي حَاجَةً وَقَوْلُهُمْ زُرْتُك مِائَةَ مَرَّةٍ فَلَمْ تَرْعَ لِي ذَلِكَ لَا يُرِيدُونَ خُصُوصَ الْأَلْفِ وَالْمِائَةِ بَلْ الْكَثْرَةَ فَهَذَا مَجَازٌ قَدْ دَخَلَ فِي السَّبْعِينَ وَالْمِائَةِ وَالْأَلْفِ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَدَدِ وَكَذَا دَخَلَ فِيمَا هُوَ بِمَعْنَى أَسْمَاءِ الْعَدَدِ كَلَفْظِ كَرَّتَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك: 4] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ الْمُرَادُ بِكْرَتَيْنِ الْمُرَاجَعَةُ الْكَثِيرَةُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ فَعَبَّرَ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ عَنْ أَصْلِ الْكَثْرَةِ مَجَازًا وَإِذَا انْفَتَحَ الْبَابُ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْعَدَدِ وَنَحْوِهَا انْخَرَمَ الْجَزْمُ فِي بَقِيَّتِهَا فَلَمْ يَبْقَ لَنَا نُصُوصٌ أَلْبَتَّةَ فِي أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ غَيْرَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ مُطْبِقُونَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالْوَاقِعُ كَمَا تَرَى فَتَأَمَّلْهُ وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ صِحَّةِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا تَتَخَرَّجُ أَرْبَعُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا حَلَفَ لِيُعْتِقَنَّ ثَلَاثَةَ عَبِيدٍ الْيَوْمَ فَأَعْتَقَ عَبْدَيْنِ وَقَالَ أَرَدْت بِلَفْظِ ثَلَاثَةٍ الِاثْنَيْنِ حَنِثَ إنْ خَرَجَ الْيَوْمُ وَلَمْ يُعْتِقْ الثَّالِثَ وَلَمْ تُفِدْهُ نِيَّتُهُ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ لَفْظِ الثَّلَاثَةِ فِي الِاثْنَيْنِ مَجَازٌ فِي لَفْظٍ مِنْ أَسْمَاءِ الْعَدَدِ وَهُوَ لَا يَدْخُلُ فِي أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ فَلَا تُفِيدُ فِيهَا النِّيَّةُ لَا فِي الْأَيْمَانِ وَلَا فِي الطَّلَاقِ وَلَا فِي غَيْرِهِمَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأُعْتِقَنَّ عَبِيدِي وَقَالَ أَرَدْت بَعْضَهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ أَوْ أَرَدْت بِعَبِيدِي دَوَابِّي وَبِالْعِتْقِ بَيْعَهَا أَفَادَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَ الْعَبِيدِ وَلَفْظَ الْعِتْقِ مِنْ الظَّوَاهِرِ فَيَدْخُلُهَا الْمَجَازُ وَتُفِيدُ فِيهَا النِّيَّةُ وَعَلَاقَةُ اسْتِعْمَالِ الْعَبِيدِ فِي الْبَعْضِ إطْلَاقُ الْعَامِّ وَإِرَادَةُ الْخَاصِّ وَفِي الدَّوَابِّ الْمُجَاوَرَةُ فِي الْمِلْكِ وَعَلَاقَةُ اسْتِعْمَالِ الْعِتْقِ فِي الْبَيْعِ الْمُشَابَهَةُ فِي بُطْلَانِ الْمِلْكِ بِكُلٍّ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأُعْتِقَنَّ ثَلَاثَةَ عَبِيدٍ وَنَوَى أَنَّهُ يَبِيعُ ثَلَاثَ دَوَابَّ مِنْ دَوَابِّهِ صَحَّ وَأَفَادَتْهُ نِيَّتُهُ لِأَنَّ لَفْظَ ثَلَاثَةٍ لَمْ يَدْخُلْهُ مَجَازٌ وَإِنَّمَا دَخَلَ الْمَجَازُ فِي لَفْظَيْ الْعَبِيدِ وَالْعِتْقِ لِكَوْنِهِمَا مِنْ الظَّوَاهِرِ كَمَا تَقَدَّمَ (تَنْبِيهٌ) إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ أَرَدْت اثْنَتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً لَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ وَأَمَّا إنْ قَالَ أَرَدْت أَنَّك طَلُقَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يُفِيدُهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ لَا فِي الْفُتْيَا وَلَا فِي الْقَضَاءِ حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ مِنْ الْقَرَائِنِ مَا يُعَضِّدُهُ وَلَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَإِلَّا لَزِمَهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفُتْيَا وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ وَالْمَجَازَ لَمْ يَدْخُلْ

[الفرق بين قاعدة الاستثناء وقاعدة المجاز في الأيمان والطلاق وغيرهما]

(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّقْلِ الْعُرْفِيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِعْمَالِ الْمُتَكَرِّرِ فِي الْعُرْفِ) اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ قَدْ يَتَكَرَّرُ فِي الْعُرْفِ وَلَا يَكُونُ اللَّفْظُ مَنْقُولًا أَلَا تَرَى أَنَّ لَفْظَ الْأَسَدِ قَدْ تَكَرَّرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَلَمْ يَصِرْ مَنْقُولًا وَنَعْنِي بِالْمَنْقُولِ هُوَ الَّذِي يُفْهَمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ لَهُ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَلَفْظُ الْأَسَدِ لَا يَنْصَرِفُ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ الَّذِي هُوَ الرَّجُلُ الشُّجَاعُ إلَّا بِقَرِينَةٍ صَارِفَةٍ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ تَكَرُّرُ لَفْظِ الْغَزَالِ فِي الْمَرْأَةِ الْجَمِيلَةِ وَلَفْظِ الشَّمْسِ وَالْبَدْرِ وَكَذَلِكَ تَكَرُّرِ لَفْظِ الْغَيْثِ وَالْبَحْرِ وَالْغَمَامِ فِي الرَّجُلِ السَّخِيِّ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَصِرْ اللَّفْظُ مَنْقُولًا فَظَهَرَ حِينَئِذٍ أَنَّ النَّقْلَ أَخَصُّ مِنْ التَّكَرُّرِ وَأَنَّ التَّكَرُّرَ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ النَّقْلُ لِأَنَّ الْأَعَمَّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ وَإِذَا لَمْ يَصِرْ اللَّفْظُ مَنْقُولًا بِمُجَرَّدِ التَّكَرُّرِ لَا يَجُوزُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى شَيْءٍ تَكَرَّرَ اللَّفْظُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لَهُ إلَّا بِقَرِينَةٍ وَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى مُطْلَقِ التَّكَرُّرِ وَبِهَذَا الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ يَظْهَرُ بُطْلَانُ مَا وَقَعَ فِي مَذْهَبِنَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا حِينًا أَوْ زَمَنًا أَوْ دَهْرًا فَذَلِكَ كُلُّهُ سَنَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ ذَلِكَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] أَيْ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَاهُ بَلْ النَّخْلَةُ مِنْ ابْتِدَاءِ حَمْلِهَا إلَى نِهَايَتِهِ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ وَحِينَئِذٍ تُعْطِي ثَمَرَهَا وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ الَّتِي وَقَعَتْ الْمُشَابَهَةُ فِيهَا بَيْنَ النَّخْلَةِ وَبَيْنَ بَنَاتِ آدَمَ وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَكْرِمُوا عَمَّتَكُمْ النَّخْلَةَ قَالُوا لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ فَضْلَةِ طِينَةِ آدَمَ فَهِيَ عَمَّةٌ» بِهَذَا الْمَعْنَى وَقَدْ حَصَلَتْ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَنِي آدَمَ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشْرَ وَجْهًا أَحَدُهَا هَذَا الْوَجْهُ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ تَرَدُّدًا فِي الدَّهْرِ هَلْ هُوَ سَنَةٌ أَمْ لَا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ سَنَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] إشَارَةً إلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا حَمَلَتْ فِي وَقْتٍ لَا تَحْمِلُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهَذِهِ الْإِشَارَاتُ كُلُّهَا إلَى أَصْلِ وُجُودِ الِاسْتِعْمَالِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ أَصْلِ الِاسْتِعْمَالِ أَنْ يُحْمَلَ اللَّفْظُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْمُتَوَاطِئِ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ مَرَّاتٍ أَنْ يُقَالَ لَهُ شَرْعِيٌّ وَلَا عُرْفِيٌّ بَلْ ذَلِكَ شَأْنُ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْمُتَوَاطِئِ يَنْتَقِلُ فِي أَفْرَادِهِ وَالْمَنْقُولُ فِي اللُّغَةِ أَنَّ الْحِينَ اسْمٌ لِجُزْءٍ مَا مِنْ الزَّمَانِ وَإِنْ قَلَّ فَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَالْمُتَّجَهُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ كَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَقَاعِدَةِ النَّقْلِ وَظَهَرَ بِظُهُورِهِ الْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا مَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ. (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَعَذُّرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَقْلًا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَعَذُّرِهِ عَادَةً أَوْ شَرْعًا) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا وَتَعَذَّرَ الْفِعْلُ عَقْلًا لَمْ يَحْنَثْ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْفِعْلُ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنْ أَمْكَنَهُ ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي اسْمِ الْعَدَدِ الَّذِي هُوَ الثَّلَاثُ وَإِنَّمَا دَخَلَ التَّغْيِيرُ وَالْمَجَازُ فِي مَعْدُودِهِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ لِكَوْنِهِ اسْمَ جِنْسٍ مِنْ الظَّوَاهِرِ فَتَغَيَّرَ مِنْ الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ إزَالَةُ الْعِصْمَةِ إلَى جِنْسٍ آخَرَ وَهُوَ طَلْقُ الْوَلَدِ فَسَقَطَ اسْتِشْكَالُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهُ كَيْفَ أَثَّرَتْ النِّيَّةُ فِي الْكُلِّ وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي الْبَعْضِ وَذَلِكَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ فَإِنَّ النِّيَّةَ أَبْطَلَتْ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثَ كُلَّهَا إذَا نَوَى طَلْقَ الْوَلَدِ وَهَذَا هُوَ جُمْلَةُ مَدْلُولِ اللَّفْظِ فَأَوْلَى أَنْ تُبْطِلَ بَعْضَ مَدْلُولِ اللَّفْظِ إذَا نَوَى بِالثَّلَاثِ اثْنَتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً فَتَأَمَّلْ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا قَالَ وَاَللَّهِ أَوْ وَالرَّحْمَنِ لَا فَعَلْت كَذَا وَقَالَ أَرَدْت بِلَفْظِ الْجَلَالَةِ أَوْ بِلَفْظِ الرَّحْمَنِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَبَّرْت بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ لِلَّهِ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْفَاعِلِ عَلَى أَثَرِهِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْعَلَاقَةِ وَالْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقِ لَا تَلْزَمُ بِهِ كَفَّارَةٌ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ وَأَنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُمَا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا امْتَنَعَ شَرْعًا فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ حِسًّا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي وَالْعَلِيمِ وَالْعَزِيزِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِقَوْلِي كَفَالَةُ اللَّهِ وَعَهْدُ اللَّهِ وَعِلْمُ اللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ الَّتِي تَقَدَّمَ بَسْطُهَا بَعْضَ مَخْلُوقَاتِهِ مِمَّنْ هُوَ عَلِيمٌ أَوْ عَزِيزٌ أَوْ بَعْضَ صِفَاتِ الْبَشَرِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْكَفَالَةِ وَالْعَهْدِ فَأَضَفْتُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إضَافَةَ الْخَلْقِ لِلْخَالِقِ فَإِنَّا نَسْمَعُ هَذِهِ النِّيَّةَ وَتُفِيدُهُ فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَيْسَتْ نُصُوصًا بَلْ أَسْمَاءَ أَجْنَاسٍ وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّهَا كِنَايَاتٌ لَا تَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِقُوَّةِ التَّرَدُّدِ وَالِاحْتِمَالِ عِنْدَهُمْ وَقَدْ حُكِيَ فِيمَا مَضَى عَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَقَالُوا ذَلِكَ أَيْضًا فِي الصِّفَاتِ وَاشْتَرَطُوا فِيهَا الشُّهْرَةَ الْعُرْفِيَّةَ وَنَحْنُ وَإِنْ لَمْ نُوَافِقْهُمْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنَّا أَلْزَمْنَاهُ الْكَفَّارَةَ بِنَاءً عَلَى الظُّهُورِ وَالصَّرَاحَةِ لَا بِنَاءً عَلَى النُّصُوصِيَّةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الْمَجَازَ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَوَاطِنَ وَاضْبُطْ مَا تُفِيدُ فِيهِ نِيَّةُ الْمَجَازِ وَمَا لَا تُفِيدُ فِيهِ فَإِنَّهُ فَرْقٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ حَاجَةً شَدِيدَةً وَقَدْ اتَّضَحَ أَيْضًا حَسَنًا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَقَاعِدَةِ الْمَجَازِ فِي الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا] (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَقَاعِدَةِ الْمَجَازِ فِي الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا)

تَعَذَّرَ حَنِثَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّعَذُّرِ الْعَقْلِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّاسَ إنَّمَا يَقْصِدُونَ بِأَيْمَانِهِمْ الْحِنْثَ عَلَى الْفِعْلِ الْمُمْكِنِ لَهُمْ أَمَّا الْمُتَعَذِّرُ عَقْلًا فَلَمْ يُوضَعْ اللَّفْظُ فِي الْقِسْمِ حَاثًّا عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ الْمُتَعَذِّرُ عَقْلًا لَا يُوجِبُ حِنْثًا لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الشَّيْءِ مَشْرُوطٌ بِإِمْكَانِهِ وَفَوَاتُ الشَّرْطِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْمَشْرُوطِ فَلَا يَبْقَى الْفِعْلُ مَحْلُوفًا عَلَيْهِ فَلَا يَضُرُّهُ عَدَمُ فِعْلِهِ أَمَّا التَّعَذُّرُ الْعَادِيُّ أَوْ الشَّرْعِيُّ الَّذِي يَكُونُ الْفِعْلُ مَعَهُ مُمْكِنًا عَادَةً فَهَذَا مُنْدَرِجٌ فِي الْيَمِينِ عَمَلًا بِظَاهِرِ اللَّفْظِ فَإِنَّ الْحَلِفَ اقْتَضَى الْفِعْلَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ إلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى إخْرَاجِهِ وَقِيلَ الْمُتَعَذِّرَاتُ كُلُّهَا سَوَاءٌ وَفِي الْفَرْقِ عِدَّةُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا حَلَفَ لَيَذْبَحَنَّ الْحَمَامَةَ فَقَامَ مَكَانَهُ فَوَجَدَهَا مَيِّتَةً قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالشَّافِعِيُّ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ لَوْ حَلَفَ لَيَبِيعَنَّ أَمَتَهُ فَيَجِدُهَا حَامِلًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَانِعَ شَرْعِيٌّ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا سَحْنُونٌ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ قَالَ مَالِكٌ الْحَالِفُ لَيَضْرِبَنَّ امْرَأَتَهُ إلَى سَنَةٍ فَتَمُوتُ قَبْلَ السَّنَةِ لَمْ يَحْنَثْ بِمَوْتِهَا وَهُوَ عَلَى بِرٍّ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ إنْ حَلَفَ لَيَرْكَبَنَّ الدَّابَّةَ فَتُسْرَقُ يَحْنَثُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ الْفِعْلَ مُمْكِنٌ عَادَةً وَإِنَّمَا مَنَعَهُ السَّارِقُ بِخِلَافِ مَوْتِ الْحَمَامِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ بِسَبَبِ السَّرِقَةِ فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ بَرَّ لِتَعَذُّرِ الْفِعْلِ عَقْلًا وَمَنْعُ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَحِقِّ كَالسَّارِقِ وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ فَكَاتَبَهُ أَوْ لَيَبِيعَنَّ أَمَتَهُ فَوَجَدَهَا حَامِلًا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَانِعَ شَرْعِيٌّ وَالْفِعْلُ مُمْكِنٌ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ وَإِنْ حَلَفَ لَيَطَأَهَا فَوَجَدَهَا حَائِضًا يُخَرَّجُ الْحِنْثُ عَلَى الْخِلَافِ. وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ رَمَضَانَ وَشَوَّالًا إنْ صَامَ يَوْمَ الْفِطْرِ بَرَّ وَإِلَّا حَنِثَ (تَنْبِيهٌ) وَمَعْنَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ الْفِعْلُ مُتَعَذِّرٌ عَقْلًا يُرِيدُونَ أَنَّ فِعْلَهُ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ وَإِلَّا فَيُمْكِنُ عَقْلًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْيِي الْحَمَامَ وَالْحَيَوَانَ حَتَّى يَتَأَتَّى فِيهِ أَفْعَالُ الْأَحْيَاءِ لَكِنَّ ذَلِكَ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ بِخِلَافِ السَّارِقِ وَنَحْوِهِ لَا يُقَالُ إنَّ الْفِعْلَ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً فَإِنَّ مِنْ الْمُمْكِنِ عَادَةً الْقُدْرَةُ عَلَى السَّارِقِ وَالْغَاصِبِ وَيَفْعَلُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَهَذَا تَحْرِيرُ الْقَاعِدَتَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ يَجِبُ الْمَشْيُ إلَيْهَا وَالصَّلَاةُ فِيهَا إذَا نَذَرَهَا وَقَاعِدَةِ غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ لَا يَجِبُ الْمَشْيُ إلَيْهَا إذَا نَذَرَ الصَّلَاةَ فِيهِمَا) قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَالَ عَلَيَّ أَنْ آتِيَ إلَى الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ الْمَشْيُ إلَيْهَا فَلَا يَأْتِي إلَيْهِمَا حَتَّى يَنْوِيَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدَيْهِمَا أَوْ مَا يُلَازِمُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ يَجِبُ الْمَشْيُ إلَيْهَا وَالصَّلَاةُ فِيهَا إذَا نَذَرَهَا وَقَاعِدَةِ غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ لَا يَجِبُ الْمَشْيُ إلَيْهَا إذَا نَذَرَ الصَّلَاةَ فِيهَا) قُلْت مَا حَكَاهُ لَا كَلَامَ فِيهِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي عَدَمَ لُزُومِ الْمَشْيِ إلَى غَيْرِهَا لَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ يَقْتَضِي عَدَمَ إعْمَالِ الْمُطِيِّ إلَى غَيْرِهَا. وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ لَا يَتَحَمَّلَ مَشَقَّةَ السَّفَرِ الَّذِي يُحْوِجُ إلَى إعْمَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاسْتِثْنَاءُ هُوَ إخْرَاجُ مَا دَخَلَ لُغَةً لَا قَصْدًا فِي مَفْهُومِ اللَّفْظِ الْعَامِّ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا وَهِيَ إحْدَى عَشْرَةً أَدَاةً مُسْتَوْعَبَةً فِي كُتُبِ النَّحْوِ، وَالْمَجَازُ هُوَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ فِي اصْطِلَاحٍ بِهِ التَّخَاطُبُ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا وَقَرِينَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ وَالنِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ مَوَارِدِهِمَا الَّتِي يَرِدَانِ عَلَيْهَا الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ بِحَيْثُ يَجْتَمِعَانِ فِي صُورَةٍ يَجُوزُ دُخُولُهُمَا مَعًا فِيهَا كَالْعُمُومَاتِ وَالظَّوَاهِرِ كُلِّهَا تَقُولُ فِي الْعُمُومِ رَأَيْت إخْوَتَك إلَّا زَيْدًا وَرَأَيْت إخْوَتَك تُرِيدُ دَارَ إخْوَتِهِ أَوْ أَمِيرَ إخْوَتِهِ لِمَا بَيْنَ الدَّارِ وَالْأَمِيرِ وَبَيْنَ الْإِخْوَةِ مِنْ الْمُلَابَسَةِ وَتَقُولُ فِي الظَّوَاهِرِ الَّتِي لَيْسَتْ بِعُمُومٍ كَلَفْظِ الْأَسَدِ وَالْفَرَسِ رَأَيْت أَسَدًا إلَّا يَدَهُ أَوْ فَرَسًا إلَّا رَأْسَهُ وَرَأَيْت أَسَدًا فِي الْحِمَامِ تُرِيدُ رَجُلًا شُجَاعًا وَرَكِبَتْ فَرَسَك تُرِيدُ حِمَارَهُ الْفَارِهَ الشَّبِيهَ بِالْفَرَسِ فِي سُرْعَةِ الْجَرْيِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَجَازِ وَالِاسْتِثْنَاءِ فِي هَذَا الْقِسْمِ الْحَاصِلِ فِيهِ اجْتِمَاعُهُمَا هُوَ أَنَّ الْمَجَازَ يَجُوزُ فِيهِ التَّجَوُّزُ بِجُمْلَةِ الِاسْمِ عَنْ جَمِيعِ الْمُسَمَّى إلَى غَيْرِهِ كَمَا عَدَلْت عَنْ الْأَسَدِ بِجُمْلَتِهِ إلَى الرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَالِاسْتِثْنَاءُ لَا يَجُوزُ فِيهِ اسْتِثْنَاءُ جُمْلَةِ الْأَسَدِ بَلْ بَعْضُهُ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَبْقَى بَعْدَهُ شَيْءٌ مِمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ (وَيَنْفَرِدُ) الِاسْتِثْنَاءُ عَنْ الْمَجَازِ فِي صُورَةٍ لَا يَدْخُلُهَا إلَّا هُوَ دُونَ الْمَجَازِ كَأَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا تَقْرِيرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُ الْعَشَرَةِ مُرَادًا بِهَا التِّسْعَةَ وَلَا مُرَادًا بِهَا الْعُشْرُ بِضَمِّ الْعَيْنِ مَجَازًا وَتَقْرِيرُ مَا عَلَيْهِ. وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهَا فَقَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ ابْنُ رُشْدٍ لَا يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا مِنْ الْأَعْدَادِ وَإِنْ اتَّصَلَ مَا لَمْ يَبْنِ كَلَامَهُ عَلَيْهِ نَحْوُ وَاَللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمًا وَكَذَلِكَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً بِخِلَافِ الْعُمُومِ وَبِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الِاتِّصَالُ وَإِنْ لَمْ يَبْنِ الْكَلَامَ عَلَيْهِ اهـ وَيَنْفَرِدُ الْمَجَازُ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ فِي صُورَةٍ لَا يَدْخُلُهَا إلَّا هُوَ دُونَ الِاسْتِثْنَاءِ كَالْمَعْطُوفَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهَا لُغَةً الِاسْتِثْنَاءُ بِأَنْ تَقُولَ رَأَيْت عَمْرًا وَزَيْدًا إلَّا زَيْدًا لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِثْنَاءِ جُمْلَةِ مَا نَطَقْت بِهِ

[الفرق بين قاعدة ما تكفي فيه النية في الأيمان وقاعدة ما لا تكفي فيه النية]

غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ صَلَّى بِمَوْضِعِهِ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ نَاذِرُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إذَا نَذَرَهُ قَالَ وَالْمَشْيُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْمَشْيَ فِي الْقُرَبِ أَفْضَلُ وَهُوَ قُرْبَةٌ قَالَ وَمُقْتَضَى أَصْلِ مَالِكٍ أَنْ يَأْتِيَ الْمَكِّيُّ الْمَدِينَةَ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ فَإِتْيَانُهَا مِنْ مَكَّةَ قُرْبَةٌ بِخِلَافِ الْإِتْيَانِ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ وَقَدَّمَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ يَمْشِي إلَى غَيْرِ الثَّلَاثَةِ الْمَسَاجِدِ مِنْ الْمَسَاجِدِ إنْ كَانَ قَرِيبًا كَالْأَمْيَالِ الْيَسِيرَةِ مَاشِيًا وَيُصَلِّي فِيهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا كَانَ بِمَوْضِعِهِ مَسْجِدُ جُمُعَةٍ لَزِمَهُ الْمَشْيُ إلَيْهِ وَقَالَ مَالِكٌ وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ بِمَسْجِدِ قُبَاءَ وَهُوَ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَفِي الْجَوَاهِرِ النَّاذِرُ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ وَنَذَرَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ مَوْضِعِهِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ بِالْأَقْصَى مَضَى إلَيْهِمَا وَيَمْشِي الْمَكِّيُّ إلَى الْمَدِينَةِ وَالْمَدَنِيُّ إلَى مَكَّةَ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَأَصْلُ الْبَابِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إلَّا لِثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هَذَا وَمَسْجِدِ إيلِيَاءَ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» فَاقْتَضَى ذَلِكَ عَدَمَ لُزُومِ الْمَشْيِ إلَى غَيْرِهَا فَإِنَّ كُلَّ مَا وَجَبَ الْمَشْيُ إلَيْهِ وَجَبَ إعْمَالُ الرِّكَابِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا وَسِرُّ الْفَرْقِ أَنَّ النَّذْرَ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي مَنْدُوبٍ فَمَا لَا رُجْحَانَ فِي فِعْلِهِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ النَّذْرُ وَسَائِرُ الْمَسَاجِدِ مُسْتَوِيَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا بُيُوتُ الْقُرَبِ وَالتَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ فِيهَا فَلَا يَجِبُ الْإِتْيَانُ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا لِعَدَمِ الرُّجْحَانِ فَإِنْ قُلْت إنَّ الْمَسَاجِدَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا إجْمَاعًا. وَبَعْضُهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ إمَّا لِكَثْرَةِ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا وَإِمَّا لَقِدَمِ هِجْرَتِهِ أَوْ لِكَثْرَةِ جَمَاعَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــSالْمَطِيِّ إلَّا لِهَذِهِ الْمَسَاجِدِ فَيَبْقَى السَّفَرُ الَّذِي لَا يُحْوِجُ إلَى إعْمَالِ الْمَطِيِّ وَمَا دُونَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِسَفَرٍ مَسْكُوتًا عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا وَجَبَ الْمَشْيُ إلَيْهِ وَجَبَ إعْمَالُ الرِّكَابِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا دَعْوَى لَا حُجَّةَ فِيمَا ذَكَرَ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَسِرُّ الْفَرْقِ أَنَّ النَّذْرَ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي مَنْدُوبٍ إلَى قَوْلِهِ فَلَا يَجِبُ الْإِتْيَانُ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا لِعَدَمِ الرُّجْحَانِ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ اسْتِوَاءِ الْمَسَاجِدِ وَعَدَمِ الرُّجْحَانِ فِيهَا دَعْوَى لَمْ يَأْتِ عَلَيْهَا بِحُجَّةٍ. قَالَ (فَإِنْ قُلْت إنَّ الْمَسَاجِدَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا إجْمَاعًا وَبَعْضُهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ إلَى قَوْلِهِ بَلْ وَرَدَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ بِعَدَمِ ذَلِكَ) قُلْت مَا قَرَّرَهُ مِنْ الْقَاعِدَةِ صَحِيحٌ نَقُولُ بِمُوجَبِهِ وَلَا يَلْزَمُ عَنْهُ مَقْصُودُهُ وَمَا قَالَهُ مِنْ اعْتِقَادِ رُجْحَانِ الْمَسَاجِدِ عَلَى غَيْرِهَا أَوْ رُجْحَانِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ لَا يُوجِبُ اعْتِقَادَ ضَمِّ الصَّلَاةِ إلَيْهَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَا مَعْنَى لِفَضْلِهَا عَلَى غَيْرِهَا أَوْ فَضْلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ فِيهَا لَا بِاعْتِبَارِهَا فِي أَنْفُسِهَا وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الرُّجْحَانَ الشَّرْعِيَّ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُدْرَكٍ شَرْعِيٍّ صَحِيحٌ وَالْمُدْرَكُ الشَّرْعِيُّ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاسْتِثْنَاءُ جُمْلَةِ مَا نَطَقْت بِهِ مَمْنُوعٌ وَلِأَنَّ مَا قُصِدَ بِالْعَطْفِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَالِاسْتِثْنَاءُ إنَّمَا جُعِلَ لِإِخْرَاجِ مَا الْتَفَّ فِي الْكَلَامِ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْطُوفِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَغَيْرَ مُرَادٍ وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَيَجُوزُ فِي الْمَعْطُوفَاتِ الْمَجَازُ إمَّا فِي نَفْسِ حَرْفِ الْعَطْفِ بِأَنْ تَعْطِفَ بِهِ الشَّيْءَ عَلَى نَفْسِهِ اكْتِفَاءً بِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ كَمَا فِي الْمُتَرَادِفَيْنِ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86] وَالْحُزْنُ هُوَ الْبَثُّ وَقَوْلِكَ أَعْطِهِ بُرًّا وَحِنْطَةً نَصَّ عَلَى ذَلِكَ النُّحَاةُ وَإِمَّا فِي نَفْسِ الْمَعْطُوفِ مَعَ حَرْفِ الْعَطْفِ بِأَنْ تَعْطِفَ الْأَلْفَاظَ الْمُتَبَايِنَةَ مُرِيدًا بِالثَّانِي الْأَوَّلَ مَجَازًا كَقَوْلِك رَأَيْت زَيْدًا وَالْأَسَدَ تُرِيدُ بِالْأَسَدِ زَيْدًا لِشَجَاعَتِهِ فَأَتَيْت بِاللَّفْظِ لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ بِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فَإِنَّ قَوْلَك لِزَيْدٍ: أَسَدٌ أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِك لَهُ شُجَاعٌ لِأَنَّ الْمَجَازَ أَبْلَغُ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَإِذَا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ فِي مُخَاطَبَاتِهِمْ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَإِذْ قَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُوجَدُ فِي صُورَةٍ لَا يُوجَدُ فِيهَا الْمَجَازُ وَأَنَّ الْمَجَازَ يُوجَدُ فِي صُورَةٍ لَا يُوجَدُ فِيهَا الِاسْتِثْنَاءُ وَأَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي صُورَةٍ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصَّ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَعَلِمْت فِي أَيِّ صُورَةٍ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَفِي أَيِّ صُورَةٍ يَمْتَنِعُ ظَهَرَ لَك الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْهِمَا وَأَفَادَك ذَلِكَ نَفْعًا عَظِيمًا فِي الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّ مَنْ اسْتَعْمَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا فِي مَكَان لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ بَطَلَ اسْتِعْمَالُهُ لَهُ وَلَزِمَهُ أَصْلُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِمُقْتَضَى وَضْعِ اللُّغَةِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ فَهِيَ قَاعِدَةُ الْفِقْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ فِي الْأَيْمَانِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ] [الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى تَقْيِيدُ الْمُطْلَقَاتِ إذَا حَلَفَ لَيُكْرِمَنَّ رَجُلًا وَنَوَى بِهِ زَيْدًا] الْفَرْقُ الثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ فِي الْأَيْمَانِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ) النِّيَّةُ تَكْفِي فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ وَتَعْمِيمِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَعْيِينِ أَحَدِ مُسَمَّيَاتِ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرِكَاتِ وَصَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ الْحَقَائِقِ إلَى الْمَجَازَاتِ وَلَا تَكْفِي عَنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي هِيَ أَسْبَابُ ارْتِفَاعِ حُكْمِ الْيَمِينِ شَرْعًا كَالِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا عَنْ لَفْظٍ مَقْصُودٍ لِلْحَالِفِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا شَرْعِيًّا كَلَفْظِ الِاسْتِثْنَاءِ فَتَكْفِي فِي خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ وَتُؤَثِّرُ فِيهَا وَلَا تَكْفِي

[المسألة الثانية تخصيص العمومات]

أَسْبَابِ التَّفْضِيلِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ وُجُوبُ الصَّلَاةِ فِيهَا إذَا نُذِرَتْ لِأَجْلِ الرُّجْحَانِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ قُلْت سُؤَالٌ جَلِيلٌ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ أَنَّ الْفِعْلَ قَدْ يَكُونُ رَاجِحًا فِي نَفْسِهِ وَلَا يَكُونُ ضَمُّهُ لِرَاجِحٍ آخَرَ فِي نَفْسِهِ رَاجِحًا فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَقَدْ يَكُونُ ضَمُّهُ رَاجِحًا فَمِنْ الْأَوَّلِ الصَّلَاةُ وَالْحَجُّ رَاجِحَانِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَفْسِهِ وَلَيْسَ ضَمُّهُمَا رَاجِحًا فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَالصَّوْمُ وَالزَّكَاةُ رَاجِحَانِ مُنْفَرِدَيْنِ وَلَيْسَ ضَمُّهُمَا رَاجِحًا فِي نَظَرِ الشَّرْعِ بَلْ قَدْ يَكُونُ الْفِعْلَانِ رَاجِحَيْنِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَضَمُّهُمَا مَرْجُوحٌ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ كَالصَّوْمِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالتَّنَفُّلُ فِي الْمُصَلَّى مَعَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَالرُّكُوعِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «نُهِيت أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا وَسَاجِدًا» وَالدُّعَاءُ فِي بَعْضِ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ كَمَا قَبْلَ التَّشَهُّدِ وَنَحْوِهِ وَمِمَّا رُجِّحَ مُنْفَرِدًا وَمُجْتَمِعًا الصَّوْمُ وَالِاعْتِكَافُ وَالتَّسْبِيحُ وَالرُّكُوعُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَاعْتِقَادُ رُجْحَانِ الْمَسَاجِدِ عَلَى غَيْرِهِمَا أَوْ رُجْحَانِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ لَا يُوجِبُ اعْتِقَادَ ضَمِّ الصَّلَاةِ إلَيْهَا لِأَنَّ اعْتِقَادَ الرُّجْحَانِ الشَّرْعِيِّ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُدْرَكٍ شَرْعِيٍّ وَلَمْ يَرِدْ بَلْ وَرَدَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَك أَنْ تَقُولَ إنَّ رُجْحَانَهَا إنَّمَا ثَبَتَ بِاعْتِبَارِ الصَّلَاةِ فِيهَا فَإِنِّي أَمْنَعُ ذَلِكَ بَلْ مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى رُجْحَانِهَا بِاعْتِبَارِ الصَّلَاةِ إلَّا بِاعْتِبَارِ صَلَاةِ الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ مِنْ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خَيْرُ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ» مَعَ أَنَّ الْمَسَاجِدَ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَسَاجِدُ مُسْتَوِيَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَكْتُوبَةِ أَيْضًا حَتَّى يَرِدَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ يَقْتَضِي رُجْحَانَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ بِاعْتِبَارِ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ فَإِنَّ الرُّجْحَانَ الشَّرْعِيَّ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُدْرَكٍ شَرْعِيٍّ وَالْحَدِيثُ السَّابِقُ اقْتَضَى عَكْسَ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ السَّعْيُ حِينَئِذٍ إلَى مَسْجِدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــSالْمَعْلُومِ مِنْ الدَّيْنِ ضَرُورَةٌ أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ بَلْ وَرَدَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ بِعَدَمِ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ وَرَدَ بِعَدَمِ إعْمَالِ الْمَطِيِّ لَا بِعَدَمِ الْمَشْيِ جُمْلَةً فَإِنَّ إعْمَالَ الْمَطِيِّ أَخَصُّ مِنْ الْمَشْيِ مُطْلَقًا وَنَفْيُ الْأَخَصِّ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْأَعَمِّ. قَالَ (وَلَيْسَ لَك أَنْ تَقُولَ إنَّ رُجْحَانَهَا إنَّمَا ثَبَتَ بِاعْتِبَارِ الصَّلَاةِ إلَى قَوْلِهِ فَلَا يَجِبُ السَّعْيُ حِينَئِذٍ إلَى مَسْجِدٍ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ نَذَرَهُ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمَسَاجِدَ مُسْتَوِيَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَكْتُوبَةِ مَعَ تَسْلِيمِهِ قَبْلَ هَذَا أَنَّ بَعْضَهَا أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ لَا يَتَبَيَّنُ لِي مَعْنَاهُ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْأَعْمَالُ فِي بَعْضِ الْمَسَاجِدِ أَفْضَلَ مِنْ الْأَعْمَالِ فِي غَيْرِهِ فَمَا الْمُرَادُ بِفَضْلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُدْرَكٍ شَرْعِيٍّ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ السَّابِقَ يَقْتَضِي عَكْسَ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي نَوْعَيْنِ وَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِمَا وَتَتَّضِحُ هَذِهِ السَّبْعَةُ بِذِكْرِ عَشْرِ مَسَائِلَ، لِتَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ بِلَا خِلَافٍ مَسْأَلَةٌ، وَلِتَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ بِلَا خِلَافٍ مَسْأَلَةٌ، وَلِلتَّقْيِيدِ وَالتَّخْصِيصِ عَلَى الْخِلَافِ هَلْ يُؤَثِّرُ بِالنِّيَّةِ أَمْ لَا مَسْأَلَةٌ، وَلِتَعْمِيمِ الْمُطْلَقَاتِ مَسْأَلَةٌ، وَلِتَعْيِينِ مُسَمَّيَاتِ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرِكَاتِ مَسْأَلَةٌ، وَلِصَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ الْحَقَائِقِ إلَى الْمَجَازَاتِ مَسْأَلَةٌ، وَلِعَدَمِ كِفَايَتِهَا عَنْ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ مَسْأَلَةٌ، وَلِعَدَمِ كِفَايَتِهَا عَنْ لَفْظٍ مَقْصُودٍ لِلْحَالِفِ وَلَيْسَ هُوَ بِسَبَبٍ شَرْعِيٍّ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا حَلَفَ لَيُكْرِمَنَّ رَجُلًا وَنَوَى بِهِ زَيْدًا لَمْ يَبَرَّ بِإِكْرَامِ غَيْرِهِ لِأَنَّ رَجُلًا مُطْلَقٌ وَقَدْ قَيَّدَهُ بِخُصُوصِ زَيْدٍ حَتَّى صَارَ مَعْنَى الْيَمِينِ لَأُكْرِمَنَّ زَيْدًا وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَأُكْرِمَنَّ رَجُلًا وَنَوَى بِهِ فَقِيهًا أَوْ زَاهِدًا لَمْ يَبَرَّ بِإِكْرَامِ غَيْرِ الْمَوْصُوفِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهَذَا مَوْطِنُ إجْمَاعٍ كَمَا قَالَ الْأَصْلُ وَابْنُ الشَّاطِّ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ تَخْصِيصُ الْعُمُومَاتِ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا وَنَوَى بِهِ مَا عَدَا الْكَتَّانَ خَاصَّةً لَمْ يَحْنَثْ إذَا لَبِسَ الْكَتَّانَ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا لَبِسَ غَيْرَ الْكَتَّانِ لِأَنَّ نِيَّتَهُ خَصَّصَتْ الثَّوْبَ الْمَحْلُوفَ بِعَدَمِ لُبْسِهِ بِمَا عَدَا الْكَتَّانَ وَهُوَ مَحَلُّ وِفَاقٍ كَمَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ [الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الْمُحَاشَاةُ] الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ الدَّلَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ الْمُطَابِقِيَّةِ فَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ وَلَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِي ذَلِكَ تَقْيِيدًا وَلَا تَخْصِيصًا وَقَالَتْ بَقِيَّةُ الْفِرَقِ تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا وَتَضَمُّنًا تَقْيِيدًا وَتَخْصِيصًا كَالْمُطَابَقَةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ وَمَثَّلُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِ الْقَائِلِ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت فَقَالَتْ الْفِرَقُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يَجُوزُ أَنْ يَنْوِيَ مَأْكُولًا مُعَيَّنًا فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ غَيْرِهِ وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ لَا يَجُوزُ دُخُولُ النِّيَّةِ هَا هُنَا وَإِنْ نَوَى بَطَلَتْ نِيَّتُهُ وَحَنِثَ بِأَيِّ مَأْكُولٍ أَكَلَهُ لِأَنَّ لَفْظَ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَفْعُولِ الَّذِي هُوَ الْمَأْكُولُ بَلْ وَلَا عَلَى الْفَاعِلِ بِالْمُطَابِقَةِ بَلْ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إمَّا بِالتَّضَمُّنِ وَإِمَّا بِالِالْتِزَامِ عَلَى الْخِلَافِ فِي كَوْنِ النِّسْبَةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا دَاخِلَةً فِي مَفْهُومِ الْفِعْلِ وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الشَّاطِّ وَبِهِ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ كَالْعَضُدِ وَالْعِصَامِ وَالسَّيِّدِ والفتري وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ الْهَرَوِيِّ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ

غَيْرِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ نَذَرَهُ. وَأَمَّا مَا وَقَعَ مِنْ قَوْلِهِ يَمْشِي إلَى الْقَرِيبِ فَمُرَاعَاةً لِضَرُورَةِ النَّذْرِ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ دُونَ الْإِلْزَامِ وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ يَمْشِي إلَى مَسْجِدِ الْجُمُعَةِ مُشْكِلٌ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَاعِدَةِ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ يَمْشِي إلَى الْمَسْجِدِ الْقَرِيبِ اسْتِحْسَانٌ مِنْ غَيْرِ مُدْرَكٍ ظَاهِرٍ وَالصَّوَابُ مَا تَقَدَّمَ فَإِنْ قُلْت الْقَاعِدَةُ فِي النَّذْرِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِعْلٌ الْأَعْلَى عَنْ فِعْلِ الْأَدْنَى إذَا نَذَرَهُ فَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِرَغِيفٍ لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَوْبٍ وَإِنْ كَانَ أَعْظَمَ مِنْهُ وَقْعًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا لَمْ يُجِزْهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ بَدَلًا عَنْ الصَّوْمِ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ لَمْ يُجِزْهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِآلَافٍ مِنْ الدَّنَانِيرِ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ وَالضُّعَفَاءِ وَلَا أَنْ يُصَلِّيَ السِّنِينَ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ. وَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ كَيْفَ صَحَّ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ يُصَلِّي بِالْمَدِينَةِ أَوْ بِمَكَّةَ إذَا كَانَ مُقِيمًا بِهِمَا وَلَا يَأْتِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَغَايَتُهُ أَنَّهُ تَرَكَ الْمَفْضُولَ لِفِعْلِ الْفَاضِلِ وَالْقَاعِدَةُ مَنْعُ ذَلِكَ فَكَيْفَ سَاغَ ذَلِكَ هُنَا قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُصَلِّي بِالْحَرَمَيْنِ إذَا كَانَ مُقِيمًا بِهِمَا حَالَةَ النَّذْرِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ نَذَرَ الْخُرُوجَ وَتَرْكَ الصَّلَاةِ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَأَمَّا مَا وَقَعَ مِنْ قَوْلِهِ يَمْشِي إلَى الْقَرِيبِ فَمُرَاعَاةٌ لِضَرُورَةِ النَّذْرِ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ دُونَ الْإِلْزَامِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ إلَّا بِحُجَّةٍ وَلَمْ يَأْتِ بِهَا قَالَ (وَقَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ يَمْشِي إلَى مَسْجِدِ الْجُمُعَةِ مُشْكِلٌ إلَى قَوْلِهِ مِنْ الْقَاعِدَةِ) قُلْت إنْ ثَبَتَ لَهُ دَلِيلٌ فَلَا إشْكَالَ وَإِلَّا أُشْكِلَ قَالَ (وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ يَمْشِي إلَى الْمَسْجِدِ الْقَرِيبِ اسْتِحْسَانٌ مِنْ غَيْرِ مُدْرَكٍ وَالصَّوَابُ مَا تَقَدَّمَ) قُلْت كَلَامُهُ هَذَا كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ اسْتِحْسَانًا مِنْ غَيْرِ مُدْرَكٍ وَهَلْ الِاسْتِحْسَانُ إلَّا مُدْرَكٌ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ. قَالَ (فَإِنْ قُلْت الْقَاعِدَةُ فِي النَّذْرِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِعْلٌ الْأَعْلَى عَنْ فِعْلِ الْأَدْنَى إلَى قَوْلِهِ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ) قُلْت إنَّمَا لَمْ يُجِزْهُ فِعْلٌ الْأَعْلَى عَنْ فِعْلِ الْأَدْنَى وَإِنْ كَانَ الْأَعْلَى أَعْظَمَ قَدْرًا لِأَنَّ فِي تَرْكِ الْأَدْنَى الْمَنْذُورِ مُخَالَفَةَ النَّذْرِ وَإِذَا خُولِفَ الْمَنْذُورُ حَصَلَ ارْتِكَابُ الْمَمْنُوعِ وَهُوَ عَدَمُ الْوَفَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى بِمَا الْتَزَمَ لِوَجْهِهِ. قَالَ (وَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ كَيْفَ صَحَّ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ يُصَلِّي بِالْمَدِينَةِ أَوْ بِمَكَّةَ إلَى قَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ) قُلْت نَقُول إذَا كَانَ النَّاذِرُ مُقِيمًا بِالْحَرَمَيْنِ كَانَ فِي ضِمْنِ نَذْرِهِ الصَّلَاةُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ تَرْكُ الرَّاجِحِ وَهُوَ الصَّلَاةُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَيْسَ بِالظَّاهِرِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ تَرَكَ التَّنَفُّلَ بِالْمَسْجِدَيْنِ جَائِزًا أَمَّا وَتَرْكُ التَّنَفُّلِ بِهِمَا جَائِزٌ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ وُرُودُ السُّؤَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَأْيِيدُ التَّفْتَازَانِيِّ قَوْلُ الْعَضُدِ بِاسْتِعَارَةِ الْفِعْلِ بِاعْتِبَارِ النِّسْبَةِ الْمَبْنِيِّ عَلَى دُخُولِهَا فِيهِ أَوْ غَيْرِ دَاخِلَةٍ فِيهِ وَهُوَ مُفَادُ ابْنِ مَالِكٍ فِي الْخُلَاصَةِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا الْمَصْدَرُ اسْمُ مَا سِوَى الزَّمَانِ مِنْ مَدْلُولَيْ الْفِعْلِ إلَخْ وَعَزَاهُ الْفَنَارِيُّ فِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ إلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَالصَّبَّانِ فِي حَوَاشِي الْأُشْمُونِيِّ لِلْجُمْهُورِ كَمَا فِي بَيَانِيَّةِ الصَّبَّانِ وَالْأُنْبَابِيُّ عَلَيْهَا وَقَالَ الصَّبَّانُ فِي بَيَانِيَّتِهِ فِي شَرْحِ شَيْخِنَا إنَّ الْحَقَّ عَدَمُ دُخُولِهَا فِيهِ نَعَمْ الْفِعْلُ مَلْحُوظٌ فِيهِ النِّسْبَةُ إلَى الْفَاعِلِ أَوْ نَائِبِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي مَفْهُومِهِ أَوْ خَارِجَةٌ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ اهـ الْمُرَادُ وَحَيْثُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْمَأْكُولِ إلَّا بِالتَّضَمُّنِ أَوْ الِالْتِزَامِ وَلَمْ يَلْفِظْ بِهِ فَلَا يَجُوزُ دُخُولُ النِّيَّةِ مُحْتَجِّينَ عَلَى ذَلِكَ بِأُمُورٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ اللَّفْظِ الْمَنْطُوقِ بِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَخَالَفْنَا ذَلِكَ فِيمَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً وَبَقِيَ فِيمَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَحْكِيمَ النِّيَّةِ فِي اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ فَرْعُ تَنَاوُلِ ذَلِكَ اللَّفْظِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَالتَّنَاوُلُ إنَّمَا هُوَ مُحَقَّقٌ فِي الْمُطَابِقَةِ وَأَمَّا التَّضَمُّنُ وَالِالْتِزَامُ فَتَبَعٌ جَاءَ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ وَذَلِكَ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْأَلْفَاظِ وَضْعِيَّةٌ لَا عَقْلِيَّةٌ وَلَمْ يُوضَعْ لَفْظُ الْمَسْجِدِ مَثَلًا إلَّا لِجُمْلَتِهِ لَا لِجُمْلَتِهِ وَبَعْضِهِ الَّذِي هُوَ السَّقْفُ مَثَلًا وَلَازِمِهِ الَّذِي هُوَ أَدَاءُ الْعِبَادَةِ فِيهِ مَثَلًا وَإِلَّا لَكَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ مُشْتَرِكًا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَلَا دَلَالَةَ لِلَفْظِ الْمَسْجِدِ عَلَى السَّقْفِ وَلَا عَلَى أَدَاءِ الْعِبَادَةِ أَصْلًا نَعَمْ هُنَا أَمْرٌ وَهُوَ أَنَّ مَنْ يَذْكُرُ لَهُ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى مَجْمُوعِ أَشْيَاءَ بِالْوَضْعِ فَإِنَّهُ يَتَذَكَّرُ مَا تَرَكَّبَ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَجْمُوعُ فَمَنْ اعْتَقَدَ هَذَا الْقَدْرَ وَسَمَّى هَذَا التَّذَكُّرَ دَلَالَةً فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ يَدْخُلُ اللُّبْسُ فِي كَلَامِهِ عَلَى سَامِعِ ذَلِكَ مِنْهُ حِينَ يَذْكُرُ هَاتَيْنِ الدَّلَالَتَيْنِ اللَّتَيْنِ مَعْنَاهُمَا تَذَكُّرُ الشَّيْءِ عِنْدَ ذِكْرِ الشَّيْءِ مَعَ ذِكْرِهِ الدَّلَالَةَ الْوَضْعِيَّةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ لَفْظَ الدَّلَالَةِ لَمْ يُوقِعْهُ عَلَى الْوَضْعِيَّةِ وَالتَّذَكُّرِ بِالتَّوَاطُؤِ بَلْ بِالِاشْتِرَاكِ وَذَلِكَ مِمَّا يُوقِعُ الْغَلَطَ كَثِيرًا وَإِذَا كَانَتْ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى الْجُزْءِ وَاللَّازِمِ تَبَعًا لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْكُلِّ، وَالْمَلْزُومُ جَاءَ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ لَا مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ وَالْأَلْفَاظُ إنَّمَا تَدُلُّ وَضْعًا لَا عَقْلًا كَانَ تَقْرِيرُ اللَّفْظِ فِي الْجُزْءِ وَاللَّازِمِ ضَعِيفًا فَيَكُونُ تَصَرُّفُ النِّيَّةِ فِيهِ كَذَلِكَ فَلَا يُتْرَكُ مَا أَجْمَعْنَا عَلَيْهِ لِهَذَا الضَّعِيفِ

الْحَرَمَيْنِ حَتَّى يُصَلِّيَهَا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَدْ نَذَرَ الْمَرْجُوحَ وَالنَّذْرُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَرْجُوحِ بَلْ فِي الْمَنْدُوبِ الرَّاجِحِ أَمَّا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ مِنْ أَقْطَارِ الدُّنْيَا وَنَذَرَ الْمَشْيَ إلَى الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَوْ يُقَالَ الصَّلَاةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ صَلَاةٌ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ فَالْعُدُولُ فِيهَا عَنْ الصِّفَةِ الدُّنْيَا إلَى الصِّفَةِ الْعُلْيَا لَا يَقْدَحُ فِي مُوجَبِ النَّذْرَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَوْبٍ خَلَقٍ أَوْ غَلِيظٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي لَا تَتَضَمَّنُ مَصْلَحَةً بَلْ هِيَ مَرْجُوحَةٌ فِي الثِّيَابِ فَتَصَدَّقَ بِثَوْبٍ جَدِيدٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الثِّيَابِ الْمَوْصُوفَةِ بِالصِّفَاتِ الْجَيِّدَةِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ فَإِنَّ النَّذْرَ لَمَّا وَرَدَ عَلَى الثَّوْبِ الْخَلَقِ وَرَدَ عَلَى شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَصْلُ الثَّوْبِ وَالْآخَرُ صِفَتُهُ فَأَمَّا التَّصَدُّقُ بِأَصْلِ الثَّوْبِ فَقُرْبَةٌ فَتَجِبُ. وَأَمَّا التَّصَدُّقُ بِوَصْفِ الْخَلَقِ فَلَيْسَ فِيهِ نَدْبٌ شَرْعِيٌّ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ النَّذْرُ فَيُجْزِئُ ضِدُّهُ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا لَمَّا نَذَرَ الصَّلَاةَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَدْ نَذَرَ الصَّلَاةَ مَوْصُوفَةً بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ «الصَّلَاةَ فِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ» وَهَذِهِ الْخَمْسُمِائَةِ هِيَ بِعَيْنِهَا فِي الْحَرَمَيْنِ مَعَ زِيَادَةِ خَمْسِمِائَةٍ أُخَرَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (أَوْ يُقَالُ الصَّلَاةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ صَلَاةٌ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ إلَى قَوْلِهِ فَيُجْزِئُ ضِدُّهُ) قُلْت كَأَنَّهُ فِي هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الْجَوَابِ رَامَ الْفَرْقَ فِيمَا بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ وَالصِّفَتَيْنِ فَفِي الْجِنْسَيْنِ لَا يَنُوبُ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى بِخِلَافِ الصِّفَتَيْنِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَإِنَّهُ تَنُوبُ الصِّفَةُ الْعُلْيَا عَنْ الدُّنْيَا وَهَذَا الْوَجْهُ وَإِنْ كَانَ أَظْهَرَ مِنْ الْأَوَّلِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الصِّفَةَ الدُّنْيَا لَيْسَتْ رَاجِحَةً فِي نَظَرِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ لَا يَقْوَى أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةَ النَّذْرِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ قَالَ (فَكَذَلِكَ هَا هُنَا لَمَّا نَذَرَ الصَّلَاةَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ نَذَرَ أَصْلَ الصَّلَاةِ مَوْصُوفَةً بِخَمْسِمِائَةِ صَلَاةٍ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ) قُلْت لَا يَخْفَى مَا فِي كَلَامِهِ هَذَا مِنْ الْمُسَامَحَةِ فِي قَوْلِهِ مَوْصُوفَةً بِخَمْسِمِائَةٍ صَلَاةٍ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَى مَوْصُوفَةً بِأَنَّهَا تَعْدِلُ خَمْسَمِائَةِ صَلَاةٍ لَيْسَ مِنْ أَوْصَافِ الْمَنْذُورِ حَقِيقَةً كَمَا فِي الثَّوْبَيْنِ الْجَدِيدِ وَالْخَلَقِ بَلْ هُوَ مِنْ أَوْصَافِ الْمَنْذُورِ إضَافَةً بِاعْتِبَارِ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ وَتَنْظِيرُ الْوَصْفِ الْإِضَافِيِّ بِالْحَقِيقِيِّ فِيهِ مَا فِيهِ. قَالَ (وَهَذِهِ الْخَمْسُمِائَةِ هِيَ بِعَيْنِهَا فِي الْحَرَمَيْنِ مَعَ زِيَادَةِ خَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» ) قُلْت لَيْسَ وَالْخَمْسُمِائَةِ الَّتِي فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ هِيَ بِعَيْنِهَا الَّتِي فِي الْحَرَمَيْنِ مَعَ الزِّيَادَةِ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ كَيْفَ وَالْأَفْعَالُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُوجِبَةِ لِاخْتِلَافِ كُلِّ فِعْلَيْنِ دَاخِلَيْنِ تَحْتَ جِنْسٍ وَاحِدٍ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْخَمْسَمِائَةِ لَيْسَتْ أَفْعَالًا وَاقِعَةً مِنْ الْمُكَلَّفِ بَلْ هِيَ جَزَاءٌ عَلَى فِعْلِهِ صَلَاةً وَاحِدَةً فِي الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ فَكُلُّ كَلَامِهِ هَذَا غَيْرُ مُحَقَّقٍ وَلَا مُحَصِّلَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْمُجْزَى عَلَيْهِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُجْزَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُخْتَلَفِ فِيهِ (وَثَانِيهَا) أَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَدْخُلُ إلَّا فِيمَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً وَاعْتِبَارُ النِّيَّاتِ فِي الْأَلْفَاظِ أَمْرٌ يَتْبَعُ اللُّغَةَ أَلَا تَرَى أَنَّ اللُّغَةَ لَمَّا لَمْ تُجَوِّزْ النِّيَّةُ فِي صَرْفِ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ إلَى الْمَجَازَاتِ امْتَنَعَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُطْلِقَ الْعَشَرَةَ وَتُرِيدَ بِهَا التِّسْعَةَ (وَثَالِثُهَا) أَنَّهُ لَوْ صَحَّ دُخُولُ النِّيَّةِ فِي الْمَدْلُولِ الِالْتِزَامِيِّ وَالتَّضَمُّنَ لَصَحَّ الْمَجَازُ فِي كُلِّ لَازِمٍ أَوْ جُزْءٍ الْمُسَمَّى بِالنِّيَّةِ وَالْقَصْدِ إلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَسَدَ يَلْزَمُهُ أَوْصَافٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْبَخَرِ وَالْحُمَّى وَالْوَبَرِ وَكِبَرِ الرَّأْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يَصِحُّ التَّجَوُّزُ عَنْهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الشَّجَاعَةِ خَاصَّةً وَلَا يَصِحُّ دُخُولُ النِّيَّةِ فِي غَيْرِهَا حَتَّى تُصْرَفَ لِلْمَجَازِ لِأَنَّا نَشْتَرِطُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَجَازِ وَهُوَ مَجَازُ الْمُشَابَهَةِ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا الْمُشَابَهَةُ أَظْهَرَ صِفَاتِ الْمَحَلِّ الْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ فَافْهَمْ (وَحُجَّةُ الْمَالِكِيَّةِ) وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مِنْ وُجُوهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى مَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت أَكْلًا أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَنْوِيَ بَعْضَ الْمَآكِلِ وَيُخْرِجَ الْبَعْضَ بِنِيَّتِهِ مَعَ أَنَّ أَكْلًا مَصْدَرٌ وَأَجْمَعَ النُّحَاةُ عَلَى أَنَّ التَّصْرِيحَ بِهِ بَعْدَ الْفِعْلِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّأْكِيدِ نَحْوُ ضَرَبْت ضَرْبًا فَإِنَّ الْفِعْلَ دَلَّ عَلَيْهِ فَذِكْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ تَكْرَارًا لِذِكْرِهِ فَيَكُونُ تَأْكِيدًا وَحَقِيقَةٌ التَّأْكِيدِ تَقْوِيَةُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَإِلَّا لَكَانَ إنْشَاءً لَا تَأْكِيدًا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّأْكِيدُ مُنْشَأً كَانَتْ الْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ مَعَهُ ثَابِتَةً قَبْلَهُ لَكِنَّ الثَّابِتَ مَعَهُ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ فَالثَّابِتُ قَبْلَهُ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (وَثَانِيهَا) أَنَّ النِّيَّةَ حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ مَعَ قُوَّةِ الْمُعَارِضِ لَهَا فِي الْمُطَابَقَةِ إجْمَاعًا فَلَأَنْ تُعْتَبَرَ مَعَ ضَعْفِ الْمُعَارِضِ لَهَا فِي دَلَالَتَيْ التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَكَوْنُ الْمُطَابَقَةِ أَقْوَى مُعَارِضٍ لِلنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِهَا ظَاهِرٌ مِنْ كَوْنِهَا هِيَ الْأَصْلُ الْمَقْصُودُ بِوَضْعِ اللُّغَةِ وَغَيْرُهَا إنَّمَا يُفِيدُهُ اللَّفْظُ تَبَعًا لَهَا وَالْأَصْلُ أَقْوَى مِنْ التَّابِعِ (وَثَالِثُهَا) أَنَّا وَجَدْنَا الِاسْتِثْنَاءَاتِ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ دَخَلَتْ عَلَى اللَّوَازِمِ وَالْعَوَارِضِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْمَدْلُولِ الْمُطَابِقِيِّ وَلَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ إنَّمَا هُوَ فَرْعٌ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الَّذِي قُصِدَ لِأَجَلِهِ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّ اللَّفْظَ تَابِعٌ لِإِرَادَةِ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ إفْهَامُ السَّامِعِ مَا فِي نَفْسِ الْمُتَكَلِّمِ فَمَتَى دَخَلَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى دُخُولِ النِّيَّةِ قَبْلَهُ فِي الْمَدْلُولِ الِالْتِزَامِيِّ، وَبَيَانُ

فَكُلُّ مَا هُوَ مَطْلُوبٌ لِلشَّرْعِ فِي الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَصْلِ الصَّلَاةِ وَزِيَادَةِ أَجْرِهَا وَلَمْ يَفْتَرِقَا إلَّا فِي زِيَادَةِ خَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى تَحْصُلُ لَهُ فِي الْحَرَمَيْنِ وَتَرْكُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِلشَّارِعِ فَلَا جَرَمَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا نَذْرٌ وَيَكُونُ وِزَانُ ذَلِكَ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَوْبٍ فَتَصَدَّقَ بِثَوْبَيْنِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ إجْمَاعًا وَلَا يَكُونُ وِزَانُهُ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ فَصَلَّى لِأَنَّ خُصُوصَ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ صَوْمٌ مَطْلُوبٌ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ وَلَمْ يَحْصُلُ هَذَا الْخُصُوصُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا حَصَلَ خُصُوصُ الْخَمْسِمِائَةِ فِي الْأَلْفِ مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ أَلْبَتَّةَ ـــــــــــــــــــــــــــــSعَلَيْهِ بِأَلْفٍ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الصَّلَاةُ فَلِذَلِكَ وَجْهٌ إلَّا أَنَّ عِبَارَتَهُ بَعِيدَةٌ عَنْ احْتِمَالِ ذَلِكَ جِدًّا. قَالَ (فَكُلُّ مَا هُوَ مَطْلُوبٌ لِلشَّرْعِ فِي الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَصْلِ الصَّلَاةِ وَزِيَادَةِ أَجْرِهَا وَلَمْ يَفْتَرِقَا إلَّا فِي زِيَادَةِ خَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى تَحْصُلُ لَهُ فِي الْحَرَمَيْنِ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ مَطْلُوبٌ لِلشَّرْعِ مِنْ أَصْلِ الصَّلَاةِ وَزِيَادَةِ أَجْرِهَا غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ أَجْرَ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِمَطْلُوبٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَوْهُوبٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُمَا لَمْ يَفْتَرِقَا إلَّا فِي زِيَادَةِ خَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى تَحْصُلُ لَهُ فِي الْحَرَمَيْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ قَدْرُ مَا يَفْضُلُ بِهِ مَسْجِدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسْجِدَ الْمَقْدِسِ مِثْلُ قَدْرِ مَا يَفْضُلُ بِهِ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ عَلَى حَسَبِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ. قَالَ (وَتَرْكُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِلشَّارِعِ فَلَا جَرَمَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا نَذْرٌ) قُلْت تِلْكَ الزِّيَادَةُ لَيْسَتْ فِعْلًا لِلْمُكَلَّفِ أَصْلًا فَلَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِلشَّارِعِ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ إلَيْهَا وَلَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ النَّدْبِ أَصْلًا وَإِنَّمَا هِيَ جَزَاءٌ قَالَ (وَيَكُونُ وِزَانُ ذَلِكَ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَوْبٍ فَتَصَدَّقَ بِثَوْبَيْنِ) قُلْت لَيْسَ وِزَانُهُ مَا ذَكَرَ وَكَيْفَ يُنَظَّرُ بَيْنَ جَزَاءِ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ وَبَيْنَ مُتَعَلِّقِ فِعْلِهِ هَذَا خَلَلٌ وَاضِحٌ. قَالَ (فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ إجْمَاعًا) قُلْت لَا يَخْلُوَا نَاذِرُ التَّصَدُّقِ بِثَوْبٍ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِثَوْبَيْنِ مِنْ أَنْ يَقْصِدَ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ بِأَحَدِ الثَّوْبَيْنِ أَوْ بِهِمَا مَعًا فَإِنْ قَصَدَ الْأَوَّلَ فَذَلِكَ يُجْزِئْهُ بِلَا شَكٍّ وَإِنْ قَصَدَ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ بِهِمَا مَعًا فَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَمَا أَرَى دَعْوَى الْإِجْمَاعِ تَصِحُّ فِي ذَلِكَ. قَالَ (وَلَا يَكُونُ وِزَانُهُ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ فَصَلَّى) قُلْت قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ وِزَانُهُ مَا ذَكَرَ قَبْلُ وَأَمَّا أَنَّهُ لَيْسَ هَذَا وِزَانَهُ فَظَاهِرٌ قَالَ (لِأَنَّ خُصُوصَ الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ صَوْمٌ مَطْلُوبٌ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ وَلَمْ يَحْصُلْ هَذَا الْخُصُوصُ فِي الصَّلَاةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذَا صَحِيحٌ ظَاهِرٌ. قَالَ (كَمَا حَصَلَ خُصُوصُ الْخَمْسِمِائَةِ فِي الْأَلْفِ) قُلْت لَوْ كَانَتْ الْخَمْسُمِائَةِ وَالْأَلْفُ مِنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِ لَمَا صَحَّ حُصُولُ الْخَمْسِمِائَةِ فِي الْأَلْفِ فَإِنَّ الْخَمْسَمِائَةِ مُقَيَّدَةٌ بِالِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا وَالْأَلْفُ مُقَيَّدَةٌ بِتَمَامِهَا وَالْقَيْدَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ قَالَ (مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ أَلْبَتَّةَ) قُلْت وَأَيُّ خَلَلٍ أَعْظَمُ مِنْ خَلَلٍ يُؤَدِّي إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQدُخُولِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا أَوْ بِطَرِيقِ الْعَرَضِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٌ عَنْ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف: 66] فَإِنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ إلَّا فِي حَالَةِ الْإِحَاطَةِ بِكُمْ فَإِنِّي لَا أُلْزِمُكُمْ الْإِتْيَانَ بِهِ فِيهَا لِقِيَامِ الْعُذْرِ حِينَئِذٍ فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْأَحْوَالِ الْعَارِضَةِ أَوْ اللَّازِمَةِ لِمَعْنَى الْإِتْيَانِ (وَثَانِيهَا) قَوْله تَعَالَى {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ} [الشعراء: 5] وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: 2] أَيْ لَا يَأْتِيهِمْ فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ لَهْوِهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ فَقَدْ قَصَدَ إلَى حَالَةِ اللَّهْوِ وَالْإِعْرَاضِ بِالْإِثْبَاتِ وَلِغَيْرِهَا مِنْ الْأَحْوَالِ بِالنَّفْيِ وَالْأَحْوَالُ أُمُورٌ خَارِجَةٌ عَنْ الْمَدْلُولِ الْمُطَابِقِيِّ وَإِذَا كَانَتْ الْأَحْوَالُ خَارِجَةً فَإِنْ كَانَتْ لَازِمَةً فَقَدْ دَخَلَتْ النِّيَّةُ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا وَإِنْ كَانَتْ عَارِضَةً فَقَدْ دَخَلَتْ النِّيَّةُ فِي الْعَوَارِضِ وَإِذَا دَخَلَتْ فِي الْعَوَارِضِ دَخَلَتْ فِي اللَّوَازِمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّ الْعَارِضَ أَبْعَدُ عَنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ مُطَابَقَةً مِنْ اللَّازِمِ ضَرُورَةً وَإِذَا تَصَرَّفَتْ النِّيَّةُ فِي الْبَعِيدِ فَأَوْلَى أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي الْقَرِيبِ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْمُطَابَقَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا مِنْ الْعَارِضِ لِبُعْدِهِ مِنْ الْمُطَابَقَةِ (وَرَابِعُهَا) أَنَّا وَجَدْنَا النِّيَّةَ الْمُجَرَّدَةَ تَصَرَّفَتْ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا وَهُوَ عَيْنُ صُورَةِ النِّزَاعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ «مَا تَرَدَّدْت فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي فِي قَبْضِ رُوحِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ وَلَا يَكُونُ إلَّا مَا أُرِيدُ» قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِذِكْرِ التَّرَدُّدِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الدَّلَالَةُ عَلَى عِظَمِ مَنْزِلَةِ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ أَنَّ كُلَّ شَخْصٍ أَنْتَ تُعَظِّمُهُ وَتَهْتَمُّ بِهِ كَوَلَدِك وَصَدِيقِك فَإِنَّك تَتَرَدَّدُ فِي مُسَاءَتِهِ وَأَنَّ مَنْ لَا تُعَظِّمُهُ كَالْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ وَعَدُوِّك فَإِنَّك إذَا خَطَرَ بِقَلْبِك إيلَامُهُ وَمُسَاءَتُهُ لَا تَتَرَدَّدُ فِي ذَلِكَ بَلْ تُبَادِرُ إلَيْهِ فَصَارَ التَّرَدُّدُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي مَوْطِنِ التَّعْظِيمِ وَعَدَمُهُ فِي مَوْطِنِ الْحَقَارَةِ فَإِنْ كَانَ التَّرَدُّدُ فِي الْإِحْسَانِ انْعَكَسَ الْحَالُ فَيَحْصُلُ فِي حَقِّ الْحَقِيرِ دُونَ الْعَظِيمِ فَيَصِيرُ مَعْنَى الْحَدِيثِ: مَنْزِلَةُ الْمُؤْمِنِ عِنْدِي عَظِيمَةٌ وَجَمِيعُ مَا وَقَعَ فِي مَدْلُولِ هَذَا الْمُرَكَّبِ لَيْسَ مُرَادًا فَقَدْ قَصَدَ إلَى لَازِمِ اللَّفْظِ وَأُضِيفَ إلَيْهِ الْحُكْمُ وَهَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ تَصَرُّفُ النِّيَّةِ فَإِنَّ النِّيَّةَ هِيَ الْقَصْدُ بِعَيْنِهِ فَإِذَا صَحَّ الْقَصْدُ فِي

فَهَذَا هُوَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ إجْزَاءِ خَمْسِمِائَةٍ أُخْرَى لِقَوْلِهِ الرَّاجِحِ عَنْ الْمَرْجُوحِ فِي الْعِبَادَاتِ وَقَاعِدَةِ إجْزَاءِ الصَّلَاةِ بِالْحَرَمَيْنِ عَنْ الصَّلَاةِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالصَّلَاةِ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ مِنْ مَسَاجِدِ الْأَقْطَارِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ (تَنْبِيهٌ) مُقْتَضَى مَا تَقَرَّرَ فِي النَّذْرِ لُزُومُ ثَلَاثَةِ إشْكَالَاتٍ عَلَى قَوَاعِدِ الْفُقَهَاءِ (الْإِشْكَالُ الْأَوَّلِ) عَلَى مَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ إنَّ النَّذْرَ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي مَنْدُوبٍ وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي وَاجِبٍ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَهُ قَبْلَ النَّذْرِ وَلَا فِي مُبَاحٍ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ لَا يُلْزِمُ أَحَدًا بِفِعْلِ الْمُبَاحِ نَذَرَهُ أَمْ لَا وَالْمُحَرَّمُ وَالْمَكْرُوهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَإِذَا كَانَتْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ النَّذْرَ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي رَاجِحٍ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ أَشْكَلَ عَلَى ذَلِكَ إذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَذَا الشَّعِيرِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُ قَمْحًا مَعَ أَنَّ هَذَا الشَّعِيرَ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمَالِيَّةُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْقَمْحِ وَالتَّصَدُّقِ بِهَا رَاجِحٌ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَالثَّانِي كَوْنُهُ شَعِيرًا وَكَوْنُهُ شَعِيرًا لَمْ يُؤْمَرْ بِخُصُوصِهِ فِي الصَّدَقَةِ وَلَا هُوَ رَاجِحٌ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ فَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ خُصُوصُ الشَّعِيرِ وَكَذَلِكَ إذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَذَا الثَّوْبِ فَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِينَارٍ لَا يُجْزِئُهُ أَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ لَا تَجَزُّئِهِ الصَّلَاةُ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْقُرْبَةِ وَلَيْسَ فِي خُصُوصِ الصَّوْمِ وَجْهٌ يَتَرَجَّحُ بِهِ عَلَى الصَّلَاةِ حَتَّى يُؤَثِّرَ فِيهِ النَّذْرُ وَيُمْنَعُ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ مَقَامَهُ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي جَمِيعِ الْأَجْنَاسِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (فَهَذَا هُوَ سِرُّ الْفَرْقِ إلَى قَوْلِهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ) قُلْت لَيْتَهُ لَمْ يُفَسِّرْ هَذَا السِّرَّ فَإِنَّ مِثْلَهُ مِمَّا يَجِبُ كَتْمُهُ. قَالَ (تَنْبِيهٌ مُقْتَضَى مَا تَقَرَّرَ فِي النَّذْرِ لُزُومُ ثَلَاثَةِ إشْكَالَاتٍ عَلَى قَوَاعِدِ الْفُقَهَاءِ الْإِشْكَالُ الْأَوَّلُ إلَى آخَرِ مَا قَالَهُ فِي الْإِشْكَالِ الْأَوَّلِ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ النَّذْرَ قَدْ أَثَّرَ فِيمَا لَيْسَ بِرَاجِحٍ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ أَثَّرَ فِي رَاجِحٍ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ كُلَّ مَا ذُكِرَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ عَلَى الْجُمْلَةِ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ رَاجِحٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَنُبْ الْقَمْحُ عَنْ الشَّعِيرِ وَالصَّلَاةُ عَنْ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْذُرْ الْقَمْحَ وَلَا الصَّلَاةَ فَلَوْ فَعَلَ التَّصَدُّقَ بِالْقَمْحِ بَدَلَ الشَّعِيرِ أَوْ فَعَلَ الصَّلَاةَ بَدَلَ الصَّوْمِ لَكَانَ قَدْ خَالَفَ مَا الْتَزَمَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ لِلنَّدَبِ أَثَرٌ إلَّا فِي تَصْيِيرِ الْمَنْدُوبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَنْدُوبٌ وَاجِبًا خَاصَّةً وَامْتَنَعَتْ نِيَابَةُ الْجِنْسِ الْأَعْلَى مِنْ الْعِبَادَاتِ عَنْ الْجِنْسِ الْأَدْنَى مِنْهَا وَكَذَلِكَ نِيَابَةُ الْجِنْسِ الْأَعْلَى مِنْ مُتَعَلِّقِ الْعِبَادَاتِ عَنْ الْجِنْسِ الْأَدْنَى مِنْهُ لِأَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةَ النَّذْر وَجَازَتْ نِيَابَةُ الصِّفَةِ الْعُلْيَا مِنْ صِفَاتِ مُتَعَلِّقِ الْعِبَادَةِ عَنْ الدُّنْيَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ لِلنَّذْرِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ أَنَّ الْجِنْسَ أَعْنِي جِنْسَ الْعِبَادَةِ أَوْ مُتَعَلَّقَهَا مِمَّا هُوَ جِنْسٌ مَقْصُودٌ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ وَصِفَةُ مُتَعَلَّقِهَا إنَّمَا هِيَ صِفَةٌ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لَهُ وَعَلَى الصِّفَةِ تَتَخَرَّجُ مَسْأَلَةُ نَاذِرِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فَلَا إشْكَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّازِمِ صَحَّتْ النِّيَّةُ فِيهِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ فَهَذِهِ وُجُوهٌ أَرْبَعَةٌ وَاضِحَةٌ فِي دُخُولِ النِّيَّاتِ وَالْمَقَاصِدِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا وَكَذَا تَضَمُّنًا فِي مُقْتَضَى اللُّغَةِ وَبِهَا يَظْهَرُ الْجَوَابُ عَلَى مَا اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ (أَمَّا الْأَوَّلُ) وَهُوَ قَوْلُهُمْ نَفَيْنَاهُ فِيمَا عَدَا الْمُطَابَقَةَ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ فَجَوَابُهُ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَالِاسْتِعْمَالَات دَلَّ عَلَى مُخَالَفَةِ الْأَصْلِ وَأَنَّ الْعَرَبَ أَجَازَتْ النِّيَّةَ فِي الِالْتِزَامِ كَمَا أَجَازَتْهَا فِي الْمُطَابَقَةِ ثُمَّ إنَّ الْأَصْلَ مُعَارَضٌ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَجْرِ عَلَيْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْأَصْلَ إنَّمَا هُوَ النِّيَّاتُ وَالْمَقَاصِدُ وَإِنَّمَا الْأَلْفَاظُ وُصْلَةٌ إلَى تَعْرِيفِهَا وَتَعَرُّفِهَا فَإِذَا صَرَفَتْ النِّيَّاتُ الْأَلْفَاظَ إلَى شَيْءٍ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ انْصَرَفَتْ إلَيْهِ (وَأَمَّا الثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُهُمْ إنَّ الِاسْتِقْرَاءَ دَلَّ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ النِّيَّةِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا أَوْ تَضَمُّنًا فَجَوَابُهُ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النُّصُوصِ وَالِاسْتِعْمَالَات يُبْطِلُ اسْتِقْرَاءَهُمْ إذْ الْمُثْبِتُ مُقَدَّمُ عَلَى النَّافِي (وَأَمَّا الثَّالِثُ) وَهُوَ قَوْلُهُمْ لَوْ صَحَّ دُخُولُ النِّيَّةِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا أَوْ تَضَمُّنًا لَصَحَّ الْمَجَازُ فِي كُلِّ شَيْءٍ هُوَ لَازِمٌ أَوْ جُزْءٍ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ عِنْدَنَا مِنْ صِحَّةِ الْمَجَازِ فِي كُلِّ لَازِمٍ أَوْ جُزْءٍ لِأَنَّ الْعَلَاقَةَ عِنْدَنَا الْمُلَازَمَةُ لَا خُصُوصُ الْمُشَابَهَةِ بَلْ يَصِحُّ عِنْدَنَا الْمَجَازُ فِي غَيْرِ اللَّازِمِ كَالتَّعْبِيرِ بِلَفْظِ الْجُزْءِ عَنْ الْكُلِّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 13] مَعَ أَنَّ الْجُزْءَ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْكُلِّ حَتَّى أَنَّهُمْ لِذَلِكَ اشْتَرَطُوا فِي هَذِهِ الْعَلَاقَةِ أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ مُرَكَّبًا تَرْكِيبًا حَقِيقِيًّا وَأَنْ يَسْتَلْزِمَ انْتِفَاءُ الْجُزْءِ انْتِفَاءَهُ عُرْفًا كَالرَّأْسِ وَالرَّقَبَةِ بِخِلَافِ الْأَرْضِ لِلسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالظُّفْرِ وَالْأُذُنِ لِلْإِنْسَانِ اهـ. أَيْ وَالْيَدُ كَمَا فِي الْمُطَوَّلِ قَالَ فِيهِ وَأَمَّا إطْلَاقُ الْعَيْنِ عَلَى الرَّبِيئَةِ فَلَيْسَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إنْسَانٌ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ رَقِيبٌ وَهَذَا الْمَعْنَى مِمَّا لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْعَيْنِ اهـ كَذَا فِي بَيَانِيَّةِ الصَّبَّانِ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ مَنْعِ اسْتِعْمَالِ الْأَسَدِ فِي غَيْرِ الشَّجَاعَةِ مِنْ لَوَازِمِهِ فَهُوَ إنَّمَا جَاءَ مِنْ خُصُوصِ كَوْنِهِ مَجَازَ تَشْبِيهٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَظْهَرُ صِفَاتِ الْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ فَلَا يَصِحُّ بِالْمَعَانِي الْخَفِيَّةِ لَا مِنْ عُمُومِ كَوْنِهِ مَجَازًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعِ أَمْرٍ فِي الْأَخَصِّ أَنْ يَمْتَنِعَ فِي الْأَعَمِّ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ تَحْرِيمَ قَتْلِ الْإِنْسَانِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ تَحْرِيمُ قَتْلِ مُطْلَقِ حَيَوَانٍ وَلَا مِنْ تَحْرِيمِ شُرْبِ الْخَمْرِ تَحْرِيمُ مُطْلَقِ مَائِعٍ وَلَا مِنْ تَحْرِيمِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ تَحْرِيمُ مُطْلَقِ اللَّحْمِ فَاَلَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّ الْمَجَازَ يَصِحُّ فِي كُلِّ لَازِمٍ إلَّا مَا تَقَدَّمَ

[المسألة الخامسة دخول النية في تعميم المطلقات]

تَتَعَيَّنُ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْعِبَادَاتِ يَلْزَمُ خُصُوصُهَا بِالنَّذْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْخُصُوصُ رَاجِحًا فِي نَظَرِ الشَّرْعِ بَلْ الْقُرْبَةُ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَقَدْ أَثَّرَ النَّذْرُ فِيمَا لَيْسَ بِرَاجِحٍ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ (الْإِشْكَالُ الثَّانِي) عَلَى قَاعِدَةِ مَنْ يَقُولُ النَّقْدَانِ لَا يَتَعَيَّنَانِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْقَصْدِ بِخُصُوصِيَّاتِهِمْ اشَرْعًا وَعَادَةً فَيَلْزَمُ هَذَا الْقَائِلَ أَنَّهُ إذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَذَا الدِّرْهَمِ أَنْ يَتْرُكَهُ وَيُخْرِجُ غَيْرَهُ أَوْ بِهَذَا الدِّينَارِ أَنْ يَتْرُكُهُ وَيُخْرِجُ غَيْرَهُ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ يَقْتَضِي تَعْيِينَهُ بِالْإِخْرَاجِ وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى أَنَّ الْخُصُوصَ يَتَعَلَّقُ بِهِ قَصْدٌ شَرْعِيٌّ وَعَادِيٍّ وَهُوَ خِلَافُ قَاعِدَتِهِمْ فِي عَدَمِ التَّعْيِينِ وَيَلْزَمُ إذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَذَا الدِّرْهَمِ أَوْ بِدَرَاهِمَ لَمْ يُعَيِّنَهَا أَنْ يُخْرِجَ عِوَضَهَا دَنَانِيرَ لِأَنَّ التَّقَرُّبُ فِي الْمَالِيَّةِ لَا فِي كَوْنِهَا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بَلْ قَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَنْفَعَ لِلْفَقِيرِ وَهُوَ مَا لَمْ يُنْذَرْ لِرَاحَتِهِ مِنْ الصَّرْفِ فِي دَفْعِ الدَّرَاهِمِ عَنْ الدَّنَانِيرِ الْمَنْذُورَةِ (الْإِشْكَالُ الثَّالِثُ) مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْإِشْكَالُ الثَّانِي عَلَى قَاعِدَةِ مَنْ يَقُولُ النَّقْدَانِ لَا يَتَعَيَّنَانِ إلَى آخَرِ مَا قَالَهُ فِيهِ) قُلْت مَا قَالَهُ وَأَلْزَمَهُ مَنْ يَقُولُ إنَّ النَّقْدَيْنِ لَا يَتَعَيَّنَانِ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (الْإِشْكَالُ الثَّالِثُ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَقْدِيمِ الْحَرَامِ عَلَى الْأَقْصَى لِزِيَادَةِ فَضِيلَتِهِ مَعَ تَحْصِيلِ أَصْلِ التَّقَرُّبِ أَنْ تَكُونَ أَجْنَاسُ الْمَنْذُورَاتِ كُلُّهَا كَذَلِكَ يُقَدَّمُ فَاضَلَهَا عَلَى مَفْضُولِهَا وَيَخْرُجُ الْقَمْحُ بَدَلَ الشَّعِيرِ فَيَطْلُبُ الْفَرْقَ) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ مَسْأَلَةَ الْحَرَامِ وَالْأَقْصَى لَيْسَتْ مِنْ نِيَابَةِ الْجِنْسِ عَنْ الْجِنْسِ بَلْ مِنْ نِيَابَةِ الصِّفَةِ الْعُلْيَا عَنْ الصِّفَةِ الدُّنْيَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قُلْت وَتَلْخِيصُ الْقَوْلِ فِي الْمَنْذُورَاتِ عِنْدِي أَنَّ النَّاذِرَ إذَا نَذَرَ عَمَلًا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَنْذُورُهُ ذَلِكَ مُعَيَّنَ الشَّخْصِ كَمَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقُ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ أَتَصَدَّقَ بِهَذَا الثَّوْبِ أَوْ لَا يَكُونُ مَنْذُورُهُ ذَلِكَ مُعَيَّنَ الشَّخْصِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ النَّذْرِ إلَّا ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْذُورُهُ ذَلِكَ مُعَيَّنَ الشَّخْصِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنَ النَّوْعِ كَمَا إذَا قَالَهُ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ أَوْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنَ النَّوْعِ فَلَا يَخْلُو مَعَ كَوْنِهِ مُعَيَّنَ النَّوْعِ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنَ الصِّفَةِ أَوْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنَ الصِّفَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَقْصِدٌ شَرْعِيٌّ أَوْ لَا تَكُونَ كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنَ النَّوْعِ فَقَطْ فَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا ذَلِكَ النَّوْعُ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنَ النَّوْعِ وَالصِّفَةِ مِنْ مُتَعَلِّقِ الْمَقْصِدِ الشَّرْعِيِّ فَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنَ النَّوْعِ وَالصِّفَةِ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَقْصِدٌ شَرْعِيٌّ فَلَا يُجْزِئُهُ بِأَدْنَى مِنْ تِلْكَ الصِّفَةِ وَيُجْزِئُهُ بِأَعْلَى مِنْهَا وَعَلَى هَذَا الْقِسْمِ تُخَرَّجُ مَسْأَلَةُ الْأَقْصَى وَالْحَرَامِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنِ النَّوْعِ كَمَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ خَاصَّةً هَذَا تَلْخِيصُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْحِجَاجِ فِيهَا. [الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ دُخُولُ النِّيَّةِ فِي تَعْمِيمِ الْمُطْلَقَاتِ] (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأُكْرِمَنَّ أَخًا لَك أَوْ وَاَللَّهِ لَا أُكْرِمَنَّ أَخَاك وَنَوَى بِذَلِكَ جَمِيعَ إخْوَتِك لَمْ يَبَرَّ فِي الْأَوَّلِ إلَّا بِإِكْرَامِ جَمِيعِ إخْوَةِ الْمُخَاطَبِ وَلَمْ يَحْنَثْ فِي الثَّانِي إلَّا بِإِكْرَامِ جَمِيعِ إخْوَةِ الْمُخَاطَبِ لِأَنَّ أَخًا فِي الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا لِكَوْنِهِ نَكِرَةً فِي الْإِثْبَاتِ إلَّا أَنَّ النِّيَّةَ صَرَفَتْهُ لِلْعُمُومِ وَأَخَاك فِي الثَّانِي وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا لِكَوْنِهِ مَعْرِفَةً فِي سِيَاقِ النَّفْيِ إلَّا أَنَّ النِّيَّةَ صَرَفَتْهُ لِلْعُمُومِ. [الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ تَعْيِينُ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ بِالنِّيَّةِ] (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأَنْظُرَنَّ إلَى عَيْنٍ وَنَوَى بِهَذَا اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ أَحَدَ مُسَمَّيَاتِهِ وَهُوَ الْعَيْنُ الْبَاصِرَةُ مَثَلًا دُونَ عَيْنِ الْمَاءِ وَعَيْنِ الشَّمْسِ وَعَيْنِ الرُّكْبَةِ فَلَا يَبَرَّ إلَّا أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْبَاصِرَةِ بِسَبَبِ تَأْثِيرِ النِّيَّةِ فِي تَعْيِينِ أَحَدِ مُسَمَّيَاتِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فَهَذَا قِسْمٌ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ دُونَ تَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ وَتَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَالصَّرْفِ إلَى الْمَجَازَاتِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَنْطَبِقُ عَلَى مَا عَيَّنَتْهُ النِّيَّةُ حَقِيقَةً مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الصُّوَرِ [الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ تُصْرَفُ النِّيَّةُ بِالصَّرْفِ إلَى الْمَجَازَاتِ وَتَرْكِ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ بِالْكُلِّيَّةِ] الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ أَسَدًا وَنَوَى بِهِ رَجُلًا شُجَاعًا لَا الْأَسَدَ الْحَقِيقِيَّ الَّذِي هُوَ الْحَيَوَانُ الْمُفْتَرِسُ لَمْ يَبَرَّ إلَّا بِضَرْبِ رَجُلٍ شُجَاعٍ فَلَوْ ضَرَبَ الْأَسَدَ الْحَقِيقِيَّ مَا بَرَّ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ الْعِشْرِينَ مِنْ اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْكُلِّ فِي الْجُزْءِ وَلَفْظِ الْجُزْءِ فِي الْكُلِّ وَلَفْظِ السَّبَبِ فِي الْمُسَبِّبِ وَلَفْظِ الْمُسَبَّبِ فِي السَّبَبِ وَلَفْظِ الْمَلْزُومِ فِي اللَّازِمِ وَلَفْظِ اللَّازِمِ فِي الْمَلْزُومِ إلَى آخِرِ الْعِشْرِينَ الْمَذْكُورَةِ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ وَكُتُبِ الْبَيَانِ فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ السِّتَّةُ هِيَ تَفْصِيلُ مَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِي الْأَيْمَانِ أَوْ الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِمَا. [الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْيَمِينِ] (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ غُلَامِي وَنَوَى إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ لَمْ تُؤَثِّرْ نِيَّتُهُ فِي ارْتِفَاعِ حُكْمِ الْيَمِينِ بِسَبَبِ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ وَاسْتَثْنَى عَادَ كَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ» يَقْتَضِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِالْمَشِيئَةِ سَبَبٌ رَافِعٌ لِحُكْمِ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَقْتَضِي عَلِّيَّةَ ذَلِكَ الْوَصْفَ لِذَلِكَ الْحُكْمِ وَسَبَبِيَّتَهُ وَهَا هُنَا قَدْ رَتَّبَ صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ حُكْمَ ارْتِفَاعِ الْيَمِينِ عَلَى وَصْفِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ سَبَبُ ارْتِفَاعِ حُكْمِ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَادَ كَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ

[المسألة التاسعة التي لا تؤثر فيها النية الاستثناء من النصوص]

مِنْ تَقْدِيمِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لِزِيَادَةِ فَضِيلَتِهِ مَعَ تَحْصِيلِ أَصْلِ التَّقَرُّبِ أَنْ تَكُونَ أَجْنَاسُ الْمَنْذُورَاتِ كُلِّهَا كَذَلِكَ يُقَدَّمُ فَاضِلُهَا عَلَى مَفْضُولِهَا وَيُخْرَجُ الْقَمْحُ بَدَلَ الشَّعِيرِ فَيُطْلَبُ الْفَرْقُ. (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَنْذُورَاتِ وَقَاعِدَةِ غَيْرِهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَوَامِرَ تَتْبَعُ الْمَصَالِحَ كَمَا أَنَّ النَّوَاهِيَ تَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ وَالْمَصْلَحَةُ إنْ كَانَتْ فِي أَدْنَى الرُّتَبِ كَانَ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهَا النَّدْبَ. وَإِنْ كَانَتْ فِي أَعْلَى الرُّتَبِ كَانَ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهَا الْوُجُوبَ ثُمَّ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ تَتَرَقَّى وَيَرْتَقِي النَّدْبُ بِارْتِقَائِهَا حَتَّى يَكُونَ أَعْلَى مَرَاتِبِ النَّدْبِ يَلِي أَدْنَى مَرَاتِبِ الْوُجُوبِ وَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي الْمَفْسَدَةِ التَّقْسِيمُ بِجُمْلَتِهِ وَتَرْتَقِي الْكَرَاهَةُ بِارْتِقَاءِ الْمَفْسَدَةِ حَتَّى يَكُونَ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْمَكْرُوهِ يَلِي أَدْنَى مَرَاتِبِ التَّحْرِيمِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ حِينَئِذٍ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ الَّتِي تَصْلُحُ لِلنَّدَبِ لَا تَصْلُحُ لِلْوُجُوبِ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ النَّدْبُ فِي الرُّتْبَةِ الدُّنْيَا فَإِنَّ الشَّرْعَ خَصَّصَ الْمَرْتَبَةَ الْعُلْيَا مِنْ الْمَصَالِحِ بِالْوُجُوبِ وَحَثَّ عَلَيْهَا بِالزَّوَاجِرِ صَوْنًا لِتِلْكَ الْمَصْلَحَةِ عَنْ الضَّيَاعِ كَمَا خَصَّصَ الْمَفَاسِدَ الْعَظِيمَةَ بِالزَّجْرِ وَالْوَعِيدِ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ عَنْ الدُّخُولِ فِي الْوُجُودِ تَفَضُّلًا مِنْهُ تَعَالَى عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ لَا وُجُوبًا عَقْلِيًّا كَمَا قَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يُرَتِّبْ ذَلِكَ، هَذَا فِي الْأَحْكَامِ الْمُقَرَّرَةِ فِي أَصْلِ الشَّرِيعَةِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ لَمْ يَجْعَلْ صَاحِبُ الشَّرْعِ شَيْئًا سَبَبَ وُجُوبِ فِعْلٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ إلَّا وَذَلِكَ السَّبَبُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَصْلَحَةٍ تُنَاسِبُ الْوُجُوبَ فَإِنْ قَصُرَتْ عَنْ ذَلِكَ جَعَلَهَا سَبَبَ النَّدْبِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي أَسْبَابِ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ فَبَذْلُ الرَّغِيفِ لِلْجَوْعَانِ الْمُشْرِفِ عَلَى الْهَلَاكِ وَاجِبٌ. وَسَبَبُ الْوُجُوبِ الضَّرُورَةُ وَهَذَا السَّبَبُ مُشْتَمِلٌ عَلَى حِفْظِ حَيَاتِهِ وَهِيَ مَصْلَحَةٌ عَظِيمَةٌ تَصْلُحُ لِلْوُجُوبِ وَبَذْلُ الرَّغِيفِ لِمَنْ يَتَوَسَّعُ بِهِ عَلَى عَائِلَتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَسَبَبُ هَذَا النَّدْبِ التَّوْسِعَةُ دُونَ دَفْعِ ضَرُورَةٍ فَلَمْ تَقْتَضِ التَّوْسِعَةُ الْوُجُوبَ لِقُصُورِ مَصْلَحَتِهَا وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي بَقِيَّةِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ فِي بَابِ الْأَوَامِرِ وَفِي ـــــــــــــــــــــــــــــSأَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ أَيُّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ عَمِلَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ وَهُوَ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ صَحِيحٌ إلَّا قَوْلُهُ وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يَتَأَدَّبُوا مَعَهُ كَمَا يَتَأَدَّبُوا مَعَ أَمَاثِلِهِمْ فَإِنَّهُ تَشْبِيهٌ لَا أَرْتَضِيه وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ كُلُّهُ. وَكَذَلِكَ مَا قَالَ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُمَا وَهُوَ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ مَا عَدَا قَوْلَهُ فِي انْحِصَارِ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ وَمَا عَدَا قَوْلَهُ أَنَّ قَوْلَ الْحَنَفِيَّةِ يَلْزَمُ فِيهِ التَّعَارُضُ دُونَ قَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ فِي الْفَرْقِ الثَّالِثِ وَالسِّتِّينَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا إشَارَةٌ إلَى ارْتِفَاعِ حُكْمِ الْيَمِينِ فَإِذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ هُوَ سَبَبُ ارْتِفَاعِ حُكْمِ الْيَمِينِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ يَتَوَقَّفُ حُصُولِ مُسَبِّبَاتِهَا عَلَى حُصُولِهَا وَأَنَّ الْقَصْدَ إلَيْهَا لَا يَقُومُ مَقَامَهَا بِدَلِيلِ أَنَّ الْقَصْدَ إلَى الصَّلَاةِ لَا يَقُومُ مَقَامَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَكُونَ سَبَبَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْهَا وَأَنَّ الْقَصْدَ إلَى السَّرِقَةِ لَا يَقُومُ مَقَامَ السَّرِقَةِ فَيَجِبَ الْقَطْعُ بِمُجَرَّدِ الْقَصْدِ، بَلْ لَا يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ إلَّا عَلَى وُجُودِ سَبَبِهِ بِالْفِعْلِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَقُمْ النِّيَّةُ مَقَامَ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي حِلِّ الْيَمِينِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ النُّطْقِ بِهِ عَلَى شُرُوطِهِ وَحِينَئِذٍ يَتَرَتَّبُ رَفْعُ الْيَمِينِ نَعَمْ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَعَلَى الْقَوْلِ بِانْعِقَادِ الْيَمِينِ بِالنِّيَّةِ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ الْمَشِيئَةِ قَالَهُ الْأَصْلُ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَأْثِيرَ لَهُ إلَّا إنْ كَانَ مَقْصُودًا بِهِ رَفْعُ الْيَمِينِ أَوْ حِلُّهَا فَهُوَ أَعْنِي الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى دَلِيلٌ عَلَى قَصْدِ رَفْعِ الْيَمِينِ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِقَصْدِ رَفْعِ الْيَمِينِ الَّذِي لَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى دَلِيلٌ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ اللَّفْظِ بِذَلِكَ فَقَطْ دُونَ الْقَصْدِ وَلَا أَعْلَمُ ذَلِكَ الْآنَ فَلْيُنْظَرْ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا يَنْبَنِي التَّحْقِيقُ فِيهَا إلَّا عَلَى ذَلِكَ وَمَا نَظَرَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْقَصْدَ إلَى الصَّلَاةِ لَا يَنُوبُ مَنَابَهَا وَكَذَلِكَ مَا عَدَاهَا مِنْ الْأَعْمَالِ إنَّمَا كَانَ فِيهَا ذَلِكَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ فُهِمَ مِنْ مُقْتَضَى الشَّرْعِ أَنَّ الْمُرَادَ أَعْيَانُ تِلْكَ الْأَعْمَالِ فَإِنْ وَرَدَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ عَيْنُ اسْتِثْنَاءِ الْمَشِيئَةِ لَفْظًا اسْتَوَى الْأَمْرُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَسَائِرِ الْأَعْمَالِ وَإِلَّا فَلَا وَمَا حَكَاهُ عَنْ اللَّخْمِيِّ مُتَّجَهٌ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إذَا ثَبَتَ اشْتِرَاطُ اللَّفْظِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَإِنْ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْقَوْلِ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. [الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ الَّتِي لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا النِّيَّةُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النُّصُوصِ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) إذْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمًا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا طَلْقَتَانِ فِي الْأَوَّلِ وَيَبَرَّ بِإِعْطَاءِ الْمُخَاطَبِ دِرْهَمَيْنِ فِي الثَّانِي فَلَوْ تَرَكَ التَّصْرِيحَ بِقَوْلِهِ إلَّا وَاحِدَةً فِي الْأَوَّلِ وَإِلَّا دِرْهَمًا فِي الثَّانِي وَاكْتَفَى بِنِيَّةِ ذَلِكَ لَمْ تَكْفِهِ هَذِهِ النِّيَّةُ لِأَنَّهَا لَوْ كَفَّتْهُ لَدَخَلَ الْمَجَازُ

[الفرق بين قاعدة الانتقال من الحرمة إلى الإباحة يشترط فيها أعلى الرتب وبين قاعدة الانتقال من الإباحة إلى الحرمة يكفي فيها أيسر الأسباب]

بَابِ النَّوَاهِي، إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ جَعَلَ الْأَحْكَامَ عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهَا مَا قَرَّرَهُ فِي أَصْلِ شَرْعِهِ وَلَمْ يَكِلْهُ إلَى خِيرَةِ الْخَلْقِ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْهَا مَا وَكَلَ وُجُوبَهُ إلَى خِيَرَةِ الْخَلْقِ فَإِنْ شَاءُوا أَوْجَبُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِإِنْشَاءِ سَبَبِهِ وَهُوَ النَّذْرُ وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ وَكَمَا جَعَلَ الْأَحْكَامَ عَلَى قِسْمَيْنِ جَعَلَ الْأَسْبَابَ أَيْضًا عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْهَا مَا قَرَّرَهُ فِي أَصْلِ شَرْعِهِ وَلَمْ يَكِلْهُ إلَى خِيَرَةِ الْمُكَلَّفِ كَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَمَالِكِ النِّصَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْهَا مَا وَكَلَهُ لِلْعِبَادِ فَإِنْ شَاءُوا جَعَلُوهُ سَبَبًا وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يَجْعَلُوهُ سَبَبًا وَهُوَ شَرْطُ النُّذُورِ وَالطَّلَاق وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا أَسْبَابٌ لِوُجُودِ حَقِيقَةِ السَّبَبِ فِيهَا فَإِنَّهَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهَا الْعَدَمُ وَلَمْ يَحْصُرْ ذَلِكَ فِي الْمَنْدُوبَاتِ كَمَا حَصَرَهُ فِي الْأَحْكَامِ الْمَنْذُورَاتِ فَلَا يُؤَثِّرُ النَّذْرَ إلَّا فِي نَقْلِ مَنْدُوبٍ لِوَاجِبٍ بِطَرِيقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ النَّذْرُ بَلْ عَمَّمَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمُمَكَّنَاتِ الْمُسْتَقْبَلَاتِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَيْسَ مِنْ الْمُكْتَسَبَاتِ كَهُبُوبِ الرِّيَاحِ وَنُزُولِ الْأَمْطَارِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَلَا اكْتِسَابٌ اخْتِيَارِيٌّ فَأَيُّ ذَلِكَ شَاءَ الْمُكَلَّفُ جَعَلَهُ سَبَبًا لِوُجُوبِ مَنْذُورٍ عَلَيْهِ أَوْ لُزُومِ طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ لَهُ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا حَصَلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَاجِبِ بِالنَّذْرِ وَالْوَاجِبِ الْمُتَأَصِّلِ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا قُصُورُ مَصْلَحَتِهِ عَنْ الْوُجُوبِ لِأَنَّ مَصْلَحَتَهُ مَصْلَحَةُ النَّدْبِ وَالِالْتِزَامُ لَا يُغَيِّرُ الْمَصَالِحَ ثَانِيهِمَا أَنَّ سَبَبَهُ لَا يُنَاسِبُ الْوُجُوبَ كَالْأَسْبَابِ الْمُقَرَّرَةِ فِي أَصْلِ الشَّرِيعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَكَوْنُ الْمَنْذُورَاتِ مُسْتَثْنَيَاتٍ مِنْ الْقَوَاعِدِ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَهِيَ الِاسْتِثْنَاءُ عَنْ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ أَشَدُّ بُعْدًا عَنْ الْقَوَاعِدِ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ انْتَقَلَتْ فِيهَا الْمَنْدُوبَاتُ لِلْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتُ فِيهَا أَصْلُ الْمَصْلَحَةِ وَأَمَّا فِي الْأَسْبَابِ فَقَدْ يَحْصُلُ مَا هُوَ قَدْ عَرِيَ عَنْ الْمَصْلَحَةِ أَلْبَتَّةَ كَطَيَرَانِ الْغُرَابِ وَصَرِيرِ الْبَابِ وَعُبُورِ النَّامُوسِ فَلَوْ قَالَ إنْ طَارَ الْغُرَابُ فَعَلَيَّ صَدَقَةٌ دِرْهَمٌ لَزِمَهُ ذَلِكَ أَوْ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لَزِمَهُ جَمِيعُ مَا عَلَّقَهُ إذَا وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فَصَارَتْ الْأَسْبَابُ أَبْعَدَ عَنْ الْقَوَاعِدِ مِنْ الْأَحْكَامِ مَعَ بُعْدِ الْأَحْكَامِ فِي أَنْفُسِهَا فَإِنْ قُلْت كَيْفَ اقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ اعْتِبَارَ مَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ وَإِقَامَةَ مَصْلَحَةِ النَّدْبِ لِلْوُجُوبِ مَعَ أَنَّ قَاعِدَةَ عَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الشَّرَائِعِ أَنَّ الْأَحْكَامَ تَتْبَعَ الْمَصَالِحَ عَلَى اخْتِلَافِ رُتَبِهَا قُلْت الْأَسْبَابُ يَخْلُفُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَكَمَا أَنَّ عِظَمَ الْمَصْلَحَةِ سَبَبُ الْوُجُوبِ فِي عَادَةِ الشَّارِعِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا سَبَبٌ آخَرُ إذَا فُقِدَتْ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ وَهِيَ مَصْلَحَةُ أَدَبِ الْعَبْدِ مَعَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَنَّهُ إذَا وَعَدَ رَبَّهُ بِشَيْءٍ لَا يَخْلُفُهُ إيَّاهُ لَا سِيَّمَا إذَا الْتَزَمَهُ وَصَمَّمَ عَلَيْهِ فَأَدَبُ الْعَبْدِ مَعَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِحُسْنِ الْوَفَاءِ وَتَلَقِّي هَذِهِ الِالْتِزَامَاتِ بِالْقَبُولِ خُلُقٌ كَرِيمٌ هُوَ سَبَبُ خُلْفِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي فِي نَفْسِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي النُّصُوصِ وَهُوَ لَا يَدْخُلُ فِيهَا وَلَا مَعْنَى لِلْمَجَازِ إلَّا اسْتِعْمَالُ الثَّلَاثِ فِي الِاثْنَيْنِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْمَجَازُ فِي الظَّوَاهِرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَقُومَ النِّيَّةُ هَا هُنَا مَقَامَ الِاسْتِثْنَاءِ أَلْبَتَّةَ (الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ) إذَا قَالَ كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ وَحَاشَى زَوْجَتَهُ أَيْ نَوَى إخْرَاجَهَا مِنْ مَفْهُومِ الْحَلَالِ جَرَى فِي ذَلِكَ خِلَافُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِالنِّيَّةِ هَلْ يُجْزِئُ فَلَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ أَوْ لَا فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ عَنْ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ أَنَّ مُنْشَأَ هَذَا الْخِلَافِ النَّظَرُ إلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ فَيُجْزِئُ بِالنِّيَّةِ أَوْ النَّظَرُ إلَى حَقِيقَةِ الِاسْتِثْنَاءِ فَلَا يُجْزِئُ إلَّا نُطْقًا اهـ. (الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ مُحَمَّدٌ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَقِيت الْقَوْمَ وَنَوَى فِي نَفْسِهِ إلَّا فُلَانًا لَا تُجْزِئُ فِيهِ النِّيَّةُ عَنْ قَوْلِهِ إلَّا فُلَانًا وَيَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْقَهُ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَصَدَ بِالنِّيَّةِ اللَّفْظَ الْمُخْرِجَ أَعْنِي قَوْلَهُ إلَّا فُلَانًا وَلَمْ يَقْصِدْ بِهَا الْإِخْرَاجَ وَالنِّيَّةُ شَأْنُهَا أَنْ تُؤَثِّرَ لَا أَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ مُؤَثِّرٍ آخَرَ وَيُضَافُ التَّأْثِيرُ لِذَلِكَ الْمُؤَثِّرِ الْآخَرِ وَهُوَ قَصَدَ أَنْ يَكُونَ الْإِخْرَاجُ لِلِاسْتِثْنَاءِ لَا لِلنِّيَّةِ وَنَوَى الِاسْتِثْنَاءَ فَهَذَا هُوَ سَبَبُ عَدَمِ تَأْثِيرِهَا وَعَدَمِ اعْتِبَارِهَا، أَمَّا لَوْ قَصَدَ الْإِخْرَاجَ بِهَا هِيَ فَإِنَّهُ يَنْفَعُهُ قَصْدُهُ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ قَالَ أَيْ اللَّخْمِيُّ وَقِيلَ تَنْفَعُهُ النِّيَّةُ وَتَنُوبُ مَنَابَ الِاسْتِثْنَاءِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لَهُمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَامَهَا مَقَامَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي النُّصُوصِ نَحْوُ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْعَشَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَيْسَ قَابِلًا لِلْمَجَازِ أَلْبَتَّةَ فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِ النِّيَّةُ بِمُفْرَدِهَا فَلَا تَقُومُ مَقَامَ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ فَتَأَمَّلْ فَهَذَا بَيَانُ الْفَرْقِ إجْمَالًا وَتَفْصِيلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [الفرق بَيْنَ قَاعِدَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْإِبَاحَةِ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَعَلَى الرُّتَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَة الِانْتِقَالِ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى الْحُرْمَةِ يَكْفِي فِيهَا أَيْسَرُ الْأَسْبَابِ] (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْإِبَاحَةِ يُشْتَرَطُ فِيهَا أَعْلَى الرُّتَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى الْحُرْمَةِ يَكْفِي فِيهَا أَيْسَرُ الْأَسْبَابِ) يَقْتَضِي الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ صُوَرًا كَثِيرَةً وَقَعَتْ فِي الشَّرِيعَةِ مِنْهَا أَنَّ عَقْدَك عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ مُبَاحٌ تَرْتَفِعُ إبَاحَتُهُ لَك بِمُجَرَّدِ عَقْدِ

الْفِعْلِ فَقَدْ يُسْتَفَادُ مِنْ هَيْئَةِ الْفَاعِلِ وَأَحْوَالِهِ وَأَخْلَاقِهِ مَعَ خَالِقِهِ وَمَعْبُودِهِ مَصَالِحُ عَظِيمَةٌ وَأَيُّ مَصْلَحَةٍ أَعْظَمُ مِنْ الْأَدَبِ حَتَّى قَالَ رُوَيْمٌ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ اجْعَلْ عَمَلَك مِلْحًا وَأَدَبَك دَقِيقًا. أَيْ اسْتَكْثِرْ مِنْ الْأَدَبِ حَتَّى تَكُونَ نِسْبَتُهُ فِي الْكَثْرَةِ نِسْبَةَ الدَّقِيقِ إلَى الْمِلْحِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَدَبِ مَعَ قَلِيلٍ مِنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْعَمَلِ مَعَ قِلَّةِ الْأَدَبِ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ قَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يَتَأَدَّبُوا مَعَهُ كَمَا يَتَأَدَّبُوا مَعَ أَمَاثِلِهِمْ فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُمْكِنُ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا تَنْفَعُهُ الطَّاعَةُ وَلَا تَضُرُّهُ الْمَعْصِيَةُ وَلَمَّا كَانَ الْأَدَبُ مَعَ الْمُلُوكِ أَعْظَمَ نَفْعًا لِفَاعِلِهِ وَأَجْدَى عَلَيْهِ مِنْ كَثِيرِ الْخِدْمَةِ مَعَ قِلَّةِ الْأَدَبِ كَانَ الْوَاقِعُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ صِدْقُ الْوَعْدِ وَالْوَفَاءِ بِالِالْتِزَامِ مِنْ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَفِي مُعَامَلَةِ الْمُلُوكِ وَلَمَّا عَظُمَ هَذَا الْمَعْنَى جُعِلَ هُوَ سَبَبَ الْوُجُودِ بَدَلًا مِنْ الْمَصَالِحِ فِي نَفْسِ الْأَفْعَالِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ لَك أَنَّ النُّذُورَ وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ الْقَوَاعِدِ مِنْ زَيْنِك الْوَجْهَيْنِ فَقَدْ رَجَعَتْ إلَى الْقَوَاعِدِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَصَارَتْ عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَا عَرَى الْوُجُوبُ عَنْ مَصْلَحَةٍ تُنَاسِبُهُ وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ أَيْضًا حَصَلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَنْذُورَاتِ وَالشُّرُوطِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَدَارِكَهَا غَيْرُ مَدَارِكِ الْأَسْبَابِ وَالْوَاجِبَاتِ الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ مَصَالِحُ غَيْرُ مَصَالِحِ أَنْفُسِ الْأَفْعَالِ. (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ لِصِفَتِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ لِسَبَبِهِ) اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْمُتَنَاوَلَاتِ لِلْبَشَرِ فِي هَذَا الْعَالَمِ عَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ يَحْرُمُ لِصِفَتِهِ وَهُوَ مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَفْسَدَةٍ تُنَاسِبُ التَّحْرِيمَ فَيَحْرُمُ أَوْ الْكَرَاهَةَ فَيُكْرَهُ فَالْأَوَّلُ كَالسُّمُومِ تَحْرُمُ لِعِظَمِ مَفْسَدَتِهَا وَالثَّانِي سِبَاعُ الطَّيْرِ أَوْ الضَّبُعِ مِنْ الْوَحْشِ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَقِسْمٌ يُبَاحُ لِصِفَتِهِ إمَّا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ كَالْبُرِّ وَاللَّحْمِ الطَّيِّبِ مِنْ الْأَنْعَامِ وَإِمَّا لِعَدَمِ مَفْسَدَتِهِ وَمَصْلَحَتِهِ وَهُوَ قَلِيلٌ فِي الْعَالَمِ فَلَا يَكَادُ يُوجَدُ شَيْءٌ إلَّا وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ أَوْ مَفْسَدَةٌ وَيُمْكِنُ تَنْظِيرُهُ بِأَكْلِ شَعْرَةٍ مِنْ قُطْنٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ فِي جَسَدِ ابْنِ آدَمَ وَإِذَا كَانَتْ الْمَوْجُودَاتُ فِي هَذَا الْعَالَمِ إمَّا حَرَامٌ لِصِفَتِهِ أَوْ مُبَاحٌ لِصِفَتِهِ انْبَنَى عَلَى هَذَا قَاعِدَةٌ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَا حَرُمَ لِصِفَتِهِ لَا يُبَاحُ إلَّا بِسَبَبِهِ وَمَا يُبَاحُ لِصِفَتِهِ لَا يَحْرُمُ إلَّا بِسَبَبِهِ (فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ) كَالْمَيْتَةِ حُرِّمَتْ لِصِفَتِهَا وَهِيَ اشْتِمَالُهَا عَلَى الْفَضَلَاتِ الْمُسْتَقْذَرَةِ فَلَا تُبَاحُ إلَّا بِسَبَبِهَا وَهُوَ الِاضْطِرَارُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْأَسْبَابِ وَكَذَلِكَ الْخَمْرُ حَرُمَ لِصِفَتِهِ وَهُوَ الْإِسْكَارِ فَلَا يُبَاحُ إلَّا بِسَبَبِهِ وَهُوَ الْغُصَّةُ (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) كَالْبُرِّ وَلُحُومِ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَأْكَلِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَسَاكِنِ أُبِيحَتْ لِصِفَاتِهَا مِنْ الْمَنَافِعِ وَالْمَصَالِحِ فَلَا تَحْرُمُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِيهَا نِكَاحَهَا لِغَيْرِك وَمُجَرَّدُ الْعَقْدِ مِنْ أَيْسَرِ الْأَسْبَابِ وَالْمَبْتُوتَةُ لَا يَذْهَبُ تَحْرِيمُهَا إلَّا بِعَقْدِ الْمُحَلِّلِ وَوَطْئِهِ ثُمَّ عَقْدُ الْبَاتِّ بَعْدَ الْعِدَّةِ وَهَذِهِ رُتْبَةٌ فَوْقَ تِلْكَ الرُّتْبَةِ النَّاقِلَةِ عَنْ الْإِبَاحَةِ بِكَثِيرٍ (وَمِنْهَا) الْمُسْلِمُ مُحَرَّمُ الدَّمِ وَلَا تَذْهَبُ هَذِهِ الْحُرْمَةُ إلَّا بِالرِّدَّةِ أَوْ زِنَى بَعْدَ إحْصَانٍ أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ عَمْدًا عُدْوَانًا أَوْ حِرَابَةٍ وَهِيَ أَسْبَابٌ عَظِيمَةٌ فَإِذَا أُبِيحَ دَمُهُ بِالرِّدَّةِ حَرُمَ بِالتَّوْبَةِ أَوْ أُبِيحَ بِقَتْلِ النَّفْسِ عَمْدًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ حَرُمَ بِالْعَفْوِ أَوْ أُبِيحَ بِزِنًى بَعْدَ الْإِحْصَانِ حَرُمَ بِالتَّوْبَةِ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَمَّا عِنْدَ مَالِكٍ فَلَا بُدَّ مِنْ رَجْمِهِ وَلَوْ تَابَ أَوْ أُبِيحَ بِالْحِرَابَةِ حَرُمَ بِتَوْبَتِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا لِقَوْلِ الْأَصْلِ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ فِيمَا عَلِمْت عَلَى أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْ الْمُحَارِبِ الْحَدُّ وَتَزُولُ إبَاحَةُ دَمِهِ إذَا تَابَ قَبْلَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ وَالتَّوْبَةُ أَيْسَرُ مِنْ الْقَتْلِ (وَمِنْهَا) الْأَجْنَبِيَّةُ لَا يَزُولُ تَحْرِيمُ وَطْئِهَا إلَّا بِالْعَقْدِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى إذْنِهَا وَوَلِيِّهَا وَصَدَاقٍ وَشُهُودٍ وَيَكْفِي فِي إبَاحَتِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ الطَّلَاقُ فَتَرْتَفِعُ تِلْكَ الْإِبَاحَةُ بِالطَّلَاقِ الَّذِي يَسْتَقِلُّ الزَّوْجُ بِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ (وَمِنْهَا) الْحَرْبِيُّ مُبَاحُ الدَّمِ وَتَزُولُ إبَاحَتُهُ بِالتَّأْمِينِ وَهُوَ سَبَبٌ لَطِيفٌ وَإِذَا حَرُمَ دَمُهُ بِالتَّأْمِينِ لَا يُبَاحُ إلَّا بِسَبَبٍ قَوِيٍّ يُزِيلُ تِلْكَ الْإِبَاحَةِ مِنْ خُرُوجٍ عَلَيْنَا أَوْ قَصْدٍ لِقَتْلِنَا حِرَابَةً وَخُرُوجًا عَلَى الْإِمَامِ الْعَدْلِ وَكَذَلِكَ تَزُولُ إبَاحَةُ دَمِهِ بِعَقْدِ الْجِزْيَةِ فَإِذَا حَرُمَ دَمُهُ بِعَقْدِ الْجِزْيَةِ لَا يُبَاحُ دَمُهُ بِكُلِّ الْمُخَالَفَاتِ لِعَقْدِ الْجِزْيَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُخَالَفَةٍ قَوِيَّةٍ كَالتَّمَرُّدِ عَلَى الْإِمَامِ وَنَبْذِ الْعَهْدِ مُجَاهَرَةً وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُحْتَاجَةِ إلَى قُوَّةٍ شَدِيدَةٍ وَمُنَاقَشَةٍ عَظِيمَةٍ وَنَظَائِرُ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ أَعْنِي الْخُرُوجَ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى التَّحْرِيمِ وَالْخُرُوجَ مِنْ التَّحْرِيمِ إلَى الْإِبَاحَةِ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ لَكِنْ عَدَّ الْأَصْحَابُ مِنْهَا الْحِنْثَ بِبَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي صِيغَةِ الْبِرِّ وَعَدَمِ الْبِرِّ إلَّا بِجَمِيعِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ وَتَخْرِيجِهِ عَلَى قَاعِدَتَيْهَا بِجَعْلِ الْحِنْثِ خُرُوجًا مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى التَّحْرِيمِ فَيَكْفِي فِيهِ أَيْسَرُ سَبَبٍ فَيَحْنَثُ بِجُزْءِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَكَلَ مِنْهُ لُبَابَهُ لِأَنَّهُ عَلَى بِرٍّ وَإِبَاحَةٍ حَتَّى يَحْنَثَ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ إبَاحَةٍ إلَى حُرْمَةٍ

إلَّا بِسَبَبِهَا وَهُوَ الْغَصْبُ وَالسَّرِقَةُ وَالْعُقُودُ الْفَاسِدَةُ وَنَحْوُهَا فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي هَذَا الْفَرْقِ مُطَّرِدَةٌ فِي جَمِيعِ الْمُتَنَاوَلَاتِ. (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَحْرِيمِ سِبَاعِ الْوَحْشِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَحْرِيمِ سِبَاعِ الطَّيْرِ) اعْلَمْ أَنَّ النَّوَاهِيَ تَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ فَمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى شَيْئًا إلَّا لِمَفْسَدَةٍ تَحْصُلُ مِنْ تَنَاوُلِهِ وَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ عَادَتَهُ أَنَّ الْأَغْذِيَةَ تَنْقُلُ الْأَخْلَاقَ لِخُلُقِ الْحَيَوَانِ الْمُتَغَذِّي بِهِ حَتَّى يُقَالَ إنَّ الْعَرَبَ لَمَّا أَكَلَتْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ حَصَلَ عِنْدَهَا فَرْطُ الْإِيثَارِ بِأَقْوَاتِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ الْإِبِلِ فَيَجُوعُ الْجَمْعُ مِنْ الْإِبِلِ الْأَيَّامَ ثُمَّ يُوضَعُ لَهَا مَا تَأْكُلُهُ مُجْتَمِعَةً فَيَضَعُ كُلٌّ مِنْهَا فَمَهُ فَيَتَنَاوَلُ حَاجَتَهُ مِنْ غَيْرِ مُدَافَعَةٍ عَنْ ذَلِكَ الْحَبِّ وَلَا يَطْرُدُ مَنْ يَأْكُلُ مَعَهُ وَلَا تَزَالُ الْإِبِلُ تَأْكُلُ عَلَفَهَا كَذَلِكَ بِالرِّفْقِ حَتَّى يَفْنَى جَمِيعُهُ مِنْ غَيْرِ مُدَافَعَةِ بَعْضِهَا بَعْضًا بَلْ مُعْرِضَةً عَنْ ذَلِكَ وَعَنْ مِقْدَارِ مَا أَكَلَهُ غَيْرُهَا مِمَّا يُجَاوِرُهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ تُقَاتِلُ عِنْدَ الِاغْتِذَاءِ عَلَى حَوْزِ الْغِذَاءِ وَتَمْنَعُ مَنْ يَأْكُلُ مَعَهَا أَنْ يَتَنَاوَلَ شَيْئًا وَذَلِكَ مُشَاهَدٌ فِي السِّبَاعِ وَالْكِلَابِ وَالْأَغْنَامِ وَغَيْرِهَا فَانْتَقَلَ ذَلِكَ لِخُلُقِ الْأَعْرَابِ فَحَصَلَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْإِيثَارِ لِلضَّيْفِ مَا لَمْ يَحْصُلْ عِنْدَ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأُمَمِ كَمَا أَنَّهُ حَصَلَ عِنْدَهُمْ الْحِقْدُ أَيْضًا لِأَنَّ الْجَمَلَ يَأْخُذُ ثَأْرَهُ مِمَّنْ آذَاهُ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَلَا يَزُولُ ذَلِكَ عَنْ خَاطِرِهِ حَتَّى يُقَالَ إنَّ أَرْبَعًا أَكَلَتْ أَرْبَعًا فَأَفَادَتْهَا أَرْبَعًا أَكَلَتْ الْعَرَبُ لُحُومَ الْإِبِلِ فَأَفَادَتْهَا الْحِقْدَ وَأَكَلَتْ السُّودَانُ الْقُرُودَ فَأَفَادَتْهَا الرَّقْصَ وَأَكَلَتْ الْفِرِنْجُ الْخَنَازِيرَ فَأَفَادَتْهَا عَدَمَ الْغَيْرَةِ وَأَكَلَتْ التُّرْكُ الْخَيْلَ فَأَفَادَتْهَا الْقَسَاوَةَ وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَهَذِهِ السِّبَاعُ فِي غَايَةِ الظُّلْمِ وَقِلَّةِ الرَّحْمَةِ تَأْكُلُ الْحَيَوَانَاتِ مِنْ غَيْرِ اكْتِرَاثٍ بِهَلَاكِ تِلْكَ الْحَيَوَانَاتِ وَلَا فَسَادِ أَبْنِيَتِهَا وَلَا مَا تَجِدُهُ مِنْ الْأَلَمِ فِي تَمْزِيقِ أَعْضَائِهَا وَتَثِبُ عَلَى ذَلِكَ وَثَوْبًا شَدِيدًا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ فِي ذَلِكَ لِحَاجَةٍ وَلِغَيْرِ حَاجَةٍ وَذَلِكَ لِفَرْطِ ظُلْمِهَا وَقِلَّةِ رَحْمَتِهَا وَذَلِكَ مُتَوَفِّرٌ فِي سِبَاعِ الْوَحْشِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي سِبَاعِ الطَّيْرِ فَأَيْنَ الْأَسَدُ مِنْ الْعُقَابِ وَالصَّقْرِ وَأَيْنَ النَّمِرُ وَالْفَهْدُ مِنْ الضَّبُعِ وَالنِّسْرِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْحِدَآتِ وَالْغِرْبَانِ وَنَحْوِهَا فَلَمَّا عَظُمَتْ الْمَفْسَدَةُ وَالظُّلْمُ فِي سِبَاعِ الْوَحْشِ حُرِّمَتْ لِئَلَّا يَتَنَاوَلَهَا بَنُو آدَمَ فَتَصِيرُ أَخْلَاقُهُمْ كَذَلِكَ وَلَمَّا قَصُرَتْ مَفْسَدَةُ سِبَاعِ الطَّيْرِ عَنْ ذَلِكَ فَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ نَهَضَ عِنْدَهُ ذَلِكَ لِلتَّحْرِيمِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ سُوءِ الْأَخْلَاقِ وَإِنْ قَلَّتْ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَنْهَضْ عِنْدَهُ ذَلِكَ لِلتَّحْرِيمِ لِخِفَّةِ أَمْرِهِ فَاقْتَصَرَ بِهِ عَلَى الْكَرَاهَةِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ سِبَاعِ الْوَحْشِ وَسِبَاعِ الطَّيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَبَرَّ إذَا كَانَ عَلَى حِنْثٍ إلَّا بِفِعْلِ الْجَمِيع فَإِذَا حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّهُ فَلَا يَبَرُّ إلَّا بِأَكْلِ جَمِيعِهِ لِأَنَّهُ عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يَبَرَّ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ حُرْمَةٍ إلَى إبَاحَةٍ. قَالَ الْأَصْلُ هَذَا التَّخْرِيجُ ضَعِيفٌ فَإِنَّ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ إنْ ادَّعَوْا لِكَثْرَةِ نَظَائِرِهِمَا فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّهُمَا كُلِّيَّتَانِ فِي الشَّرِيعَةِ مَنَعْنَا تِلْكَ الدَّعْوَى لِانْدِرَاجِ صُورَةِ النِّزَاعِ فِيهَا فَلِلْخَصْمِ وَهُوَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقَائِلُ بِعَدَمِ الْحِنْثِ بِبَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَ تِلْكَ الدَّعْوَى لِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ قَلِيلَةٌ وَلَوْ كَانَتْ كَثِيرَةً وَضَمُّوا إلَيْهَا أَمْثَالَهَا فَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الدَّعْوَةَ الْعَامَّةَ الْكُلِّيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِالْمُثُلِ الْجُزْئِيَّةِ فَإِنَّهَا وَلَوْ انْتَهَتْ إلَى الْأَلْفِ اُحْتُمِلَ أَنَّهَا جُزْئِيَّةٌ لَا كُلِّيَّةٌ فَكَمْ مِنْ جُزْئِيَّةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى أَفْرَادٍ كَثِيرَةٍ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِنَا كُلُّ عَدَدٍ زَوْجٌ: كُلِّيَّةٌ بَاطِلَةٌ بَلْ إنَّمَا تَصْدُقُ جُزْئِيَّةً فِي بَعْضِ الْأَعْدَادِ وَتِلْكَ الْأَعْدَادُ الَّتِي هِيَ زَوْجٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا لَا يُحْصَى عَدَدُهَا وَمَعَ ذَلِكَ فَالْكُلِّيَّةُ كَاذِبَةٌ لَا صَادِقَةٌ، وَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّهَا جُزْئِيَّةٌ احْتَاجُوا فِي تَخْرِيجِ صُوَرِ النِّزَاعِ عَلَيْهِمَا إلَى دَلِيلٍ آخَرَ أَنَّهُمَا جُزْئِيَّتَانِ يُوجِبُ كَوْنَ صُورَةِ النِّزَاعِ كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الدَّلِيلُ الْقِيَاسَ فَأَيْنَ الْجَامِعُ الْمُنَاسِبُ لِخُصُوصِ الْحُكْمِ السَّالِمِ عَنْ الْفَوَارِقِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ فَأَيْنَ هُوَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ. وَأَمَّا تَخْرِيجُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ مَسْأَلَةَ الْحِنْثِ بِبَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي صِيغَةِ الْبِرِّ وَعَدَمِ الْبِرِّ إلَّا بِجَمِيعِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي صِيغَةِ الْحِنْثِ عَلَى قَاعِدَةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ حَيْثُ قَالَ إذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ فَهُوَ كَالْأَمْرِ أَوْ لَا يَفْعَلُ فَهُوَ كَالنَّهْيِ وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ أَجْزَائِهِ فَيَكُونُ فَاعِلُ الْجُزْءِ مُخَالِفًا وَالْمُخَالِفُ حَانِثٌ فَيَكُونُ فَاعِلُ الْجُزْءِ حَانِثًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ فَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ إنَّهُ تَخْرِيجٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ أَمْرٌ بِأَجْزَائِهِ لِضَرُورَةِ تَحْصِيلِهِ وَلَا يَتَأَتَّى تَحْصِيلُهُ إلَّا بِتَحْصِيلِ أَجْزَائِهِ كَذَلِكَ النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ أَجْزَائِهِ لِضَرُورَةِ تَفْوِيتِهِ وَلَا يَتَأَتَّى تَفْوِيتُهُ إلَّا بِتَفْوِيتِ أَجْزَائِهِ فَإِنَّ أَجْزَاءَ الشَّيْءِ لَا تَكُونُ أَجْزَاءً لَهُ حَقِيقَةً إلَّا بِتَقْدِيرِ اجْتِمَاعِهَا وَأَمَّا قَبْلَ اجْتِمَاعِهَا فَلَيْسَتْ بِأَجْزَاءٍ لَهُ حَقِيقَةً بَلْ بِضَرْبٍ مِنْ الْمَجَازِ وَهُوَ أَنَّهَا صَالِحَةٌ لَأَنْ تَكُونَ أَجْزَاءً لَهُ إذَا اجْتَمَعَتْ اهـ. فَافْهَمْ قَالَ الْأَصْلُ وَأَحْسَنُ مَا رَأَيْت لِلْأَصْحَابِ فِي مَسْأَلَةِ الْحِنْثِ بِبَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي صِيغَةِ

(الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ذَكَاةِ الْحَيَّاتِ وَقَاعِدَةِ ذَكَاةِ غَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْحَيَّاتِ إذَا ذُكِّيَتْ فِي مَوْضِعِ ذَكَاتِهَا جَازَ أَكْلُهَا لِمَنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ وَأَشَارَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ أَنَّهَا تُذَكَّى كَمَا يُذَكَّى الصَّيْدُ وَمُقْتَضَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ إنَّهَا لِأَجْلِ الْعَجْزِ عَنْهَا إذَا جُرِحَتْ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنْ جَسَدِهَا جَازَ تَنَاوُلُهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَهُوَ سَبَبٌ لِهَلَاكِ مُتَنَاوِلِهَا وَلَمْ يُطْلِقْ مَالِكٌ هَذَا الْإِطْلَاقَ بَلْ قَالَ إذَا ذُكِّيَتْ فِي مَوْضِعِ ذَكَاتِهَا وَلَمْ يَقُلْ إذَا ذُكِّيَتْ مِثْلَ الصَّيْدِ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ ذَكَاةَ الْحَيَّاتِ لَا يَحْكُمُهَا إلَّا طَبِيبٌ مَاهِرٌ وَصِفَةُ ذَكَاتِهَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْأَطِبَّاءِ إذَا أَرَادُوا اسْتِعْمَالَهَا فِي التِّرْيَاقِ الْفَارُوقِ أَوْ لِمُدَاوَاةِ الْجُذَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنْ تُمْسَكَ بِرَأْسِهَا وَذَنَبِهَا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ حَذَرًا مِنْ أَنْ يَحْصُلَ لَهَا غَيْظٌ فَيَدُورَ السُّمُّ فِي جَسَدِهَا فَإِذَا أُخِذَتْ. كَذَلِكَ ثُنِّيَتْ عَلَى مِسْمَارٍ مَضْرُوبٍ فِي لَوْحٍ ثُمَّ تُضْرَبُ بِآلَةٍ حَادَّةٍ كَالْقُدُومِ الْحَادِّ مِثْلَ الْمُوسَى وَنَحْوِهَا مِنْ الْآلَاتِ الْحَادَّةِ الرَّزِينَةِ وَهِيَ مَمْدُودَةٌ عَلَى تِلْكَ الْخَشَبَةِ وَيَقْصِدُ بِتِلْكَ الضَّرْبَةِ آخَرَ الرَّقَبَةِ مِنْ جِهَةِ رَقَبَتِهَا وَذَنَبِهَا فَإِنَّ بَيْنَ رَأْسِهَا وَوَسَطِهَا مِقْدَارٌ رَقِيقٌ وَبَيْنَ ذَنَبِهَا وَوَسَطِهَا مِقْدَارٌ رَقِيقٌ فَيَتَجَاوَزُ ذَلِكَ الرَّقِيقَ مِنْ الْجِهَتَيْنِ وَيُوصَلُ الْمِقْدَارُ الْغَلِيظُ الَّذِي فِي وَسَطِهَا فَلَا يَتْرُكُ غَيْرَهُ وَيُحَازُ الرَّقِيقَانِ إلَى جِهَةِ الرَّأْسِ وَالذَّنَبِ وَيَقْطَعُ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَجِيزَةٍ فَمَتَى بَقِيَتْ جِلْدَةٌ يَسِيرَةٌ لَمْ تُقْطَعْ مَعَ الْجُمْلَةِ قَتَلَتْ آكِلَهَا لِأَنَّ السُّمَّ حِينَئِذٍ يَجْرِي مِنْ جِهَةِ الرَّأْسِ وَالذَّنَبِ فِي تِلْكَ الْجِلْدَةِ الْيَسِيرَةِ إلَى بَقِيَّةِ جَسَدِهَا الَّذِي هُوَ الْجُزْءُ الْغَلِيظُ بِسَبَبِ مَا يَحْدُثُ لَهَا مِنْ الْغَضَبِ عِنْدَ الْإِحْسَاسِ بِأَلَمٍ الْحَدِيدِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَوْضِعُ ذَكَاتِهَا فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ ذَكَاتِهَا وَذَكَاةِ غَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ فَهَذَا فَرْقٌ مِنْ جِهَةِ صِفَةِ الذَّكَاةِ وَفِيهَا فَرْقٌ آخَرُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الذَّكَاةَ شُرِعَتْ فِيهَا لِأَجْلِ السَّلَامَةِ مِنْ سُمِّهَا وَلَا يَكَادُ يَخْرُجُ مِنْهَا دَمٌ عِنْدَ ذَكَاتِهَا أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ السَّلَامَةُ مِنْ سُمِّ رَأْسِهَا وَذَنَبِهَا وَلِذَلِكَ تُذَكَّى مِنْ وَسَطِهَا وَشُرِعَتْ الذَّكَاةُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ لِاسْتِخْرَاجِ الْفَضَلَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ أَجْسَادِهَا بِأَسْهَلَ الطُّرُقِ عَلَى الْحَيَوَانِ وَلَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَةِ الْقَيْدِ الْأَخِيرِ فَإِنَّا لَوْ وَسَّطْنَا الْحَيَوَانَ أَوْ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ خَرَجَتْ مِنْهُ الْفَضَلَاتُ لَكِنَّ ذَلِكَ شَاقٌّ عَلَى الْحَيَوَانِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ مَا يَخْرُجُ فَاخْتَارَ الشَّرْعُ قَطْعَ الْأَوْدَاجِ وَالْحُلْقُومِ لِتَخْرُجَ الْفَضَلَاتُ وَهِيَ الدِّمَاءُ وَالْأَخْلَاطُ كُلُّهَا مِنْ الْأَوْدَاجِ وَقَطْعُهَا خَفِيفٌ عَلَى الْحَيَوَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّوَسُّطِ لَوْ ضَرَبَ الْعُنُقَ وَقَطْعُ الْحُلْقُومِ يُوجِبُ قَطْعَ النَّفْسِ لِأَنَّهُ مَجْرَاهُ فَيَخْتَنِقُ الْحَيَوَانُ فَيُسْرِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبِرِّ طَرِيقَةُ الْفَرْضِ وَالْبِنَاءِ وَضَابِطُهَا أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ يُسَاعِدُهُ الدَّلِيلُ فِي بَعْضِ صُوَرِ النِّزَاعِ دُونَ بَعْضِهَا فَيَفْرِضُ الِاسْتِدْلَالَ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ الَّتِي يُسَاعِدُهُ الدَّلِيلُ عَلَيْهَا. فَإِذَا تَمَّ لَهُ فِيهَا الدَّلِيلُ بَنَى الْبَاقِيَ مِنْ الصُّوَرِ عَلَيْهَا فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْحَاجِبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ يَقُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ الْمَعْطُوفَاتُ نَحْوُ وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت زَيْدًا وَعَمْرًا، وَالْجُمُوعُ وَالْمُثَنَّيَاتُ نَحْوُ لَا أَكَلْت الْأَرْغِفَةَ أَوْ الرَّغِيفَيْنِ، وَأَسْمَاءُ الْحَقِيقَةِ الْوَاحِدَةِ الْمُفْرَدَةِ كَالرَّغِيفِ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ الْخِلَافُ فِيهَا وَاحِدٌ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْجَمِيعِ وَعِنْدَنَا بِالْبَعْضِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ فَنَقُولُ أَجْمَعنَا عَلَى مَا إذَا قَالَ الْحَالِفُ وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت زَيْدًا وَلَا عَمْرًا بِصِيغَةِ لَا النَّافِيَةِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَحَدِهِمَا وَاتَّفَقَ النُّحَاةُ عَلَى أَنْ لَا إذَا أُعِيدَتْ فِي الْعَطْفِ أَنَّهَا مُؤَكِّدَةٌ لِلنَّفْيِ لَا مُنْشِئَةٌ نَفْيًا وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ - وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ - وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ} [فاطر: 19 - 21] فَذَكَرَ لَا فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ مَعَ أَنَّ الْكُلَّ مَنْفِيٌّ فَحَيْثُ تُرِكَتْ لَا كَانَ مَعْنَى الْمَوْضِعِ الَّذِي تُرِكَتْ فِيهِ مُسَاوِيًا لِمَعْنَى الْمَوْضِعِ الَّذِي ذُكِرَتْ فِيهِ غَيْرَ التَّوْكِيدِ وَشَأْنُ التَّوْكِيدِ أَنْ تَكُونَ الْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ مَعَهُ ثَابِتَةً قَبْلَهُ وَإِلَّا كَانَ مُنْشِئًا لَا مُؤَكِّدًا وَلَمَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ التَّحْنِيثُ مَعَ لَا الْمُؤَكِّدَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ قَبْلَ التَّحْنِيثِ تَحْقِيقًا لِحَقِيقَةِ التَّأْكِيدِ. وَإِذَا اتَّضَحَ الْحِنْثُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِمُدْرَكٍ صَحِيحٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِعُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ الْحِنْثُ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ إذْ لَوْ ثَبَتَ الْحِنْثُ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ لَزِمَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ الْقَائِلَ قَائِلَانِ قَائِلٌ بِالْحِنْثِ فِي الْجَمِيعِ وَهُوَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَتْبَاعُهُ وَقَائِلٌ بِعَدَمِ الْحِنْثِ فِي الْجَمِيعِ وَهُوَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَصْحَابُهُ فَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يَحْنَثُ فِي صُورَةِ الْعَطْفِ دُونَ غَيْرِهَا كَانَ قَوْلًا خَارِقًا لِلْإِجْمَاعِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ قَالَ الْأَصْلُ وَلَكِنَّ طَرِيقَةَ الْفَرْضِ وَالْبِنَاءِ ضَعِيفَةٌ لَا تَتِمُّ إلَّا فِي الْمُنَاظَرَةِ جَدَلًا بَعْدَ تَقَرُّرِ الْمَذَاهِبِ أَمَّا وَالْمُجْتَهِدُ يَجْتَهِدُ فَلَا يَصِحُّ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا انْبَنَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ مِنْ قَوْلِ الْمَنَاظِرِ الْآنَ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ فَإِنَّ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ

إلَيْهِ الْمَوْتُ وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ قَاعِدَةَ تَذْكِيَةِ الْحَيَوَانِ تَعَيَّنَ أَنْ يُخَرَّجَ عَلَيْهَا الْخِلَافُ فِي صُورَةِ الذَّكَاةِ فَمَنْ لَاحَظَ عَدَمَ الْفَضَلَاتِ فِي الْجَرَادِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ لَمْ يُشْتَرَطْ الذَّكَاةُ فِيهَا وَجَعَلَ اسْتِخْرَاجَ الْفَضَلَاتِ أَصْلًا وَإِرَاحَةَ الْحَيَوَانِ تَبَعًا وَأَجَازَ مَيْتَةَ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَالدَّمَانِ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ وَالْمَيْتَتَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ» وَمَنْ لَاحَظَ سُرْعَةَ زَهُوقِ الرُّوحِ وَجَعَلَهُ أَصْلًا فِي نَفْسِهِ لَمْ يُجِزْهَا إلَّا بِذَكَاةٍ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ لَاحَظَ قَاعِدَةً أُخْرَى وَهُوَ إلْحَاقُ النَّادِرِ بِالْغَالِبِ فِي الشَّرِيعَةِ أَسْقَطَ ذَكَاةَ مَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ كَالتِّمْسَاحِ وَالتُّرْسِ وَغَيْرِهِمَا نَظَرًا لِغَالِبِهِ فَإِنَّهُ لَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ لَاحَظَ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى وَجَعَلَ مَيْتَةَ الْبَحْرِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لَمْ يُسْقِطْ الذَّكَاةَ فِي هَذَا النَّوْعِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَهَذِهِ مَيْتَةٌ أَوْ يُلَاحِظُ قَاعِدَةً أُخْرَى وَهِيَ حَمْلُ اللَّفْظِ الْعَامِّ عَلَى سَبَبِهِ دُونَ عُمُومِهِ فَيَخْتَصُّ بِالْمَيْتَةِ الَّتِي وَرَدَتْ الْآيَةُ فِيهَا وَهِيَ الْمَيْتَةُ الَّتِي كَانُوا يَأْكُلُونَهَا مِنْ الْحَيَوَانِ الْبَرِيِّ وَيَقُولُونَ تَأْكُلُونَ مَا قَتَلْتُمْ وَلَا تَأْكُلُونَ مَا قَتَلَ اللَّهَ فَهَذِهِ الْقَوَاعِدُ وَالْأَسْرَارُ هِيَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ وَلَمْ يَبْقَى مِنْهَا إلَّا ذَكَاةُ الْجَنِينِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا لَمْ تَجْرِ فِيهِ حَيَاةٌ لَمْ تَصِحَّ فِيهِ ذَكَاةٌ لَا مِنْ قِبَلِهِ وَلَا مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ وَلَا يُؤْكَلُ وَإِنْ جَرَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ وَعَلَامَةُ ذَلِكَ عِنْدَنَا كَمَالُ الْخَلْقِ وَنَبَاتُ الشَّعْرِ فَإِنْ ذُكِّيَتْ الْأُمُّ وَخَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ عَلَى الْفَوْرِ كَرِهَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَوَقَعَ فِي الْجَلَّابِ تَحْرِيمُهُ وَإِنْ اسْتَهَلَّ صَارِخًا انْفَرَدَ بِحُكْمِ نَفْسِهِ. وَإِنْ لَمْ تُذَكَّ الْأُمُّ وَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ حَيًّا حَيَاةً لَا يَعِيشُ مَعَهَا عَلِمَ ذَلِكَ أَوْ شَكَّ فِيهِ وَإِنْ ذُكِّيَتْ الْأُمُّ فَخَرَجَ مَيِّتًا فَذَكَاتُهَا ذَكَاتُهُ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَكَاةٍ تَخُصُّهُ وَلَا يَكْفِي فِيهِ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ تُسَرِّعُ زَهُوقَ نَفْسِهِ بِسُهُولَةٍ فَإِنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْهَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَكَاةٍ أَوْ يُلَاحَظُ أَنَّهُ حَيَوَانٌ مُسْتَقِلُّ الْأَعْضَاءِ وَالْفَضَلَاتِ فَيَحْتَاجُ إلَى ذَكَاةٍ تَخُصُّهُ وَمَوْتُهُ بِمَوْتِ أُمِّهِ مَوْتٌ لَهُ بِالْغَمِّ وَالْآفَاتِ الْحَاصِلَةِ لَهُ فِي مَحَلِّهِ وَالْمَوْتُ بِذَلِكَ لَا يُبِيحُ فِي غَيْرِ صُورَةِ النِّزَاعِ فَكَذَلِكَ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ فَهَذَا مَنْشَأُ الْخِلَافِ مِنْ حَيْثُ الْقَوَاعِدُ وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ النَّصُّ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد يُرْوَى بِرَفْعِ الذَّكَاةِ الثَّانِيَةِ وَنَصْبِهَا فَنَحْنُ وَالشَّافِعِيَّةُ نَعْتَمِدُ عَلَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ وَوَجْهُ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهَا أَنَّ الْمُبْتَدَأَ يَجِبُ انْحِصَارُهُ فِي الْخَبَرِ وَالْمُبْتَدَأُ هُنَا ذَكَاةُ الْجَنِينِ فَتَنْحَصِرُ فِي زَكَاةِ أُمِّهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَكَاةٍ أُخْرَى وَإِلَّا لَمَّا انْحَصَرَتْ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ وَاعْتَمَدَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى رِوَايَةِ النَّصْبِ وَالتَّقْدِيرُ لِوَجْهِ الْحُجَّةِ مِنْهَا أَنَّ هَذَا النَّصْبَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عَامِلٍ يَقْتَضِي النَّصْبَ وَتَقْدِيرُهُ عِنْدَهُمْ ذَكَاةُ الْجَنِينِ أَنْ يُذَكَّى ذَكَاةً مِثْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا جَاءَتْنَا بَعْدَ فُتْيَاهُ هُوَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَمُدْرَكُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى فُتْيَاهُ فِيهَا وَبَعْدَ إفْتَاءِ خَصْمِهِ وَهُوَ الْمُجْتَهِدُ الْآخَرُ فِيهَا فَلَهُ أَنْ يَقُولَ مَا ظَهَرَ لَهُ بِالدَّلِيلِ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ لِأَنَّهُ لَيْسَ قَبْلَ قَوْلِهِ إجْمَاعٌ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ خَصْمِهِ فَقَطْ فَإِذَا قَالَ خَصْمُهُ لَا يَحْنَثُ عِنْدِي فِي الْجَمِيعِ فَلَهُ هُوَ أَنْ يَقُولَ يَحْنَثُ عِنْدِي فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ وَلَا إجْمَاعَ يَصُدُّهُ حِينَئِذٍ عَنْ ذَلِكَ فَلَوْ اعْتَمَدَ عَلَى تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ لَمْ يَتَأَتَّ لَهُ ذَلِكَ وَمَتَى كَانَ الْمُنَاظِرُ الْآنَ قَائِمًا مَقَامَ إمَامِهِ وَمُدْرَكُ الْمُنَاظَرِ الْآنَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُدْرَكُ الْمُجْتَهِدِ لَمْ يَحُزْ لِلْمُنَاظِرِ الْآنَ الِاعْتِمَادُ عَلَى تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ الَّتِي انْبَنَتْ عَلَيْهَا تِلْكَ الطَّرِيقَةُ أَيْضًا فَافْهَمْ اهـ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَا قَرَّرَهُ فِي بَيَانِ وَجْهِ ضَعْفِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ صَحِيحٌ كَمَا قَالَ وَبَيَّنَ عَلِيٌّ أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا عَدَمَ ضَعْفِهَا وَفَرَضْنَا صِحَّةَ إجْمَاعِ النُّحَاةِ عَلَى مَا ذُكِرَ وَكَوْنَ إجْمَاعِهِمْ حُجَّةً وَقُلْنَا بِمُوجَبِ قَوْلِهِ. وَشَأْنُ التَّوْكِيدِ أَنْ تَكُونَ الْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ مَعَهُ ثَابِتَةً قَبْلَهُ وَإِلَّا كَانَ مُنْشِئًا لَا مُؤَكِّدًا لَا يَلْزَمُ عَنْ قَوْلِنَا بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ مَقْصُودُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْكِ عَنْ النُّحَاةِ أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ لَا إذَا تَكَرَّرَتْ فِي الْعَطْفِ لَا تُفِيدُ فَائِدَةً غَيْرَ تَأْكِيدِ النَّفْيِ بَلْ قَالُوا لَا تُفِيدُ إنْشَاءَ النَّفْيِ بَلْ تَأْكِيدَهُ وَلَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنُهَا لَا تُفِيدُ إنْشَاءَ النَّفْيِ بَلْ تَأْكِيدَهُ أَنْ لَا تُفِيدُ شَيْئًا غَيْرَ تَأْكِيدِ النَّفْيِ مَعَ تَأْكِيدِ النَّفْيِ وَهُوَ رَفْعُ احْتِمَالٍ ثَابِتٍ عِنْدَ عَدَمِ تَكْرَارِهَا فَإِنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْت زَيْدًا وَعَمْرًا بِلَا تَكْرَارِ لَا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الِامْتِنَاعُ مِنْ أَنْ يُكَلِّمَهُمَا مَعًا لَا مِنْ أَنْ يُكَلِّمَ أَحَدَهُمَا وَثَانِيهِمَا الِامْتِنَاعُ مِنْ أَنْ يُكَلِّمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ أَنْ يُكَلِّمَهُمَا مَعًا فَإِذَا تَكَرَّرَتْ أَفَادَتْ مَعَ التَّأْكِيدِ تَبَيُّنَ الْوَجْهِ الثَّانِي وَرَفْعَ احْتِمَالِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ إجْمَاعَ النُّحَاةِ وَلَا كَوْنَهُ حُجَّةً نَعَمْ مَسْأَلَةُ الْحِنْثِ بِبَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَإِنْ ضَعُفَ فِيهَا التَّخْرِيجُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَصِحَّ فِيهَا التَّخْرِيجُ الثَّانِي وَلَا الطَّرِيقَةُ الْمَذْكُورَةُ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إشْكَالٌ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا إشْكَالٌ قَوِيٌّ إذْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ أَنَّ مُدْرَكَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الِاحْتِيَاطُ لِلْإِيمَانِ فَأَخَذَ بِالْأَشَدِّ وَمُدْرَكَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَعْلُهَا عَلَى مُقْتَضَاهَا الْمُتَيَقَّنِ فَأَخَذَ بِالْأَخَفِّ فَتَأَمَّلْ

[الفرق بين قاعدة مخالفة النهي إذا تكررت يتكرر التأثيم وبين قاعدة مخالفة اليمين إذا تكررت لا تتكرر بتكررها الكفارة والجميع مخالفة]

ذَكَاةِ أُمِّهِ فَحُذِفَ مِثْلُ الَّذِي هُوَ نَعْتٌ لِلْمَصْدَرِ الْمَحْذُوفِ وَهُوَ مُضَافٌ لِذَكَاةِ أُمِّهِ فَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَأُعْرِبَ كَإِعْرَابِهِ بِالنَّصْبِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَتَى أُقِيمَ مَقَامَ الْمُضَافِ أُعْرِبَ كَإِعْرَابِهِ وَحُذِفَ النَّاصِبُ لِهَذَا الْمَصْدَرِ مَعَ الْمَصْدَرِ وَنَعْتِهِ وَبَقِيَ الْكَلَامُ كَمَا تَرَى فَهَذَا تَقْرِيرُ مَذْهَبِهِمْ. وَوَجْهُ الْحُجَّةِ لَهُمْ مِنْ الْحَدِيثِ وَلَنَا عَنْهُ جَوَابٌ حَسَنٌ وَذَلِكَ أَنْ نَقُولَ مَا يَتَعَيَّنُ التَّقْدِيرُ فِيمَا ذَكَرْتُمُوهُ بَلْ يَصِحُّ النَّصْبُ بِتَقْدِيرٍ آخَرَ وَهُوَ قَوْلُنَا ذَكَاةُ الْجَنِينِ دَاخِلَةٌ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ فَيَكُونُ ذَكَاةُ أُمِّهِ مَنْصُوبًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ عَلَى السِّعَةِ أَوْ عَلَى الظَّرْفِ بِإِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ وَكَانَ الْأَصْلُ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ فَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ فَانْتَصَبَ الْمَجْرُورُ وَهَذَا التَّقْدِيرُ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَحْذُوفَ حِينَئِذٍ يَكُونُ كَلِمَةً وَاحِدَةً وَهِيَ قَوْلُنَا دَاخِلَةٌ وَحَرْفُ الْجَرِّ إنْ قُلْنَا بِهِ وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِكُمْ فَيَكُونُ الْمَحْذُوفُ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّ قِلَّةَ الْحَذْفَ أَوْلَى فَيَكُونُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى وَثَانِيهِمَا أَنَّ تَقْدِيرَنَا يُؤَدِّي إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ رِوَايَةِ النَّصْبِ وَالرَّفْعِ وَعَدَمِ التَّعَارُضِ وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ يُفْضِي إلَى التَّعَارُضِ وَمَا أَفْضَى إلَى عَدَمِ التَّعَارُضِ كَانَ أَوْلَى فَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى (مَسْأَلَةٌ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الدَّابَّةُ الَّتِي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا إذَا طَالَ مَرَضُهَا أَوْ تَعِبَتْ مِنْ السَّيْرِ فِي أَرْضٍ لَا عَلَفَ فِيهَا ذَبْحُهَا أَوْلَى مِنْ بَقَائِهَا لِتَحْصُلَ رَاحَتُهَا مِنْ الْعَذَابِ وَقِيلَ تُعْقَرُ لِئَلَّا يُغْرِيَ النَّاسَ ذَبْحُهَا عَلَى أَكْلِهَا وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا تُذْبَحُ وَلَا تُعْقَرُ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَأْكَلَةِ (فَرْعٌ) مُرَتَّبٌ إذَا تَرَكَهَا صَاحِبُهَا فَعَلَفَهَا غَيْرُهُ ثُمَّ وَجَدَهَا قَالَ مَالِكٌ هُوَ أَحَقُّ بِهَا لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى تَرْكِهَا بِالِاضْطِرَارِ لِذَلِكَ وَيَدْفَعُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا وَقِيلَ هِيَ لِعَالِفِهَا لِإِعْرَاضِ الْمَالِكِ عَنْهَا فَهَذَا هُوَ اسْتِيعَابُ هَذَا الْبَابِ بِعِلَلِهِ وَمَقَاصِدِهِ إذَا كَانَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ أَمَّا غَيْرُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ وَهُوَ الصَّيْدُ فَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ فِي الْحَيَوَانِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ الْقَصْدَ إلَى اسْتِخْرَاجِ الدَّمِ الْحَرَامِ الْمُسْتَخْبَثِ مِنْ اللَّحْمِ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ بِأَسْهَلِ الطُّرُقِ عَلَى تِلْكَ الْحَيَوَانَاتِ وَهُوَ فِيهَا مُمْكِنٌ بِآلَةٍ تَصْلُحُ لِذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَيَسِّرٌ فِي الْإِنْسِيِّ. وَقَدْ تَعَذَّرَ فِي الْوَحْشِيِّ اسْتِخْرَاجُ الدَّمِ وَسُهُولَةُ الطَّرِيقِ وَبَقِيَ الْقَصْدُ وَالْآلَةُ وَنَزَلَ السَّهْمُ مَنْزِلَةَ الْمُدْيَةِ لِضَرُورَةِ الْفِرَارِ وَالتَّوَحُّشُ فَهُوَ فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ وَيَلِيهِ فِي الرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ الْجَارِحُ لِأَنَّهُ لَهُ اخْتِيَارٌ يَبْعُدُ بِسَبَبِهِ عَنْ كَوْنِهِ آلَةً لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِنَفْسِهِ لَكِنْ عَارَضَ كَوْنُهُ مُخْتَارًا عَدَمَ الْعَقْلِ فِيهِ فَعَدَمُ عَقْلِهِ مُخِلٌّ بِاخْتِيَارِهِ مُضَافًا إلَى التَّعْلِيمِ الْحَاصِلِ فِيهِ وَالْأَوْهَامُ الَّتِي حَصَّلَهَا فِيهِ الْآدَمِيُّ بِسَبَبِ التَّعْلِيمِ وَالسِّيَاسَةِ الْخَاصَّةِ فَصَارَ ذَلِكَ مُقَرَّبًا لِكَوْنِهِ آلَةً لَهُ وَلِذَلِكَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمَجُوسِيُّ آلَةً لِعَقْلِهِ وَكَمَالِ اخْتِيَارِهِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ ذَبِيحَتَهُ مَيْتَةً كَافْتِرَاسِ الْوُحُوشِ كَمَا جَعَلَ نِسَائَهُمْ كَالْبَهَائِمِ يَحْرُمُ وَطْؤُهُنَّ بِسَبَبِ عَدَمِ تَعْظِيمِهِمْ الْكُتُبَ الْإِلَهِيَّةَ وَالرُّسُلَ الرَّبَّانِيَّةَ فَاهْتُضِمُوا إلَى حَيْثُ جُعِلُوا كَالْبَهَائِمِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الفرق بَيْن قَاعِدَةِ مُخَالَفَةِ النَّهْيِ إذَا تَكَرَّرَتْ يَتَكَرَّرُ التَّأْثِيمُ وَبَيْن قَاعِدَة مُخَالِفَةِ الْيَمِينِ إذَا تَكَرَّرَتْ لَا تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهَا الْكَفَّارَةُ وَالْجَمِيعُ مُخَالَفَةٌ] الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مُخَالَفَةِ النَّهْيِ إذَا تَكَرَّرَتْ بِتَكَرُّرِ التَّأْثِيمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مُخَالَفَةِ الْيَمِينِ إذَا تَكَرَّرَتْ لَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهَا الْكَفَّارَةُ بَلْ تَنْحَلُّ الْيَمِينُ بِالْمُخَالَفَةِ الْأُولَى وَيَسْقُطُ حُكْمُ الْيَمِينِ فِيمَا عَدَاهَا وَالْجَمِيعُ مُخَالَفَةٌ) مَعَ عُمُومِ الصِّيغَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِي الْيَمِينِ وَاَللَّهِ لَا فَعَلْت نَفْيٌ لِلْفِعْلِ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَإِنَّ لَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ نَصَّ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهِ مَعَ لَنْ وَقَالَ لَنْ أَشَدُّ عُمُومًا وَذَلِكَ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [الأعلى: 13] أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لَا يَحْصُلُ لَهُ مَوْتٌ وَلَا حَيَاةٌ وَكَذَلِكَ النَّهْيُ إذَا قِيلَ لِلْمُكَلَّفِ لَا تَكْذِبْ أَوْ لَا تَشْرَبْ الْخَمْرَ هُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَحَيْثُ كَانَ الْجَامِعُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمُخَالَفَةَ وَعُمُومَ صِيغَةِ لَا فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ كَانَ يَنْبَغِي عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَأَنْ يَلْزَمَ بِتَكَرُّرِ الْكَفَّارَةِ إذَا تَكَرَّرَتْ مُخَالَفَةُ الْيَمِينِ كَمَا تَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْإِثْمُ بِتَكَرُّرِ الْمُخَالَفَةِ فِي النَّهْيِ لَكِنَّ الْأَصْلَ. قَالَ لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ قَالَ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَلْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّهُ إذَا خَالَفَ مَرَّةً وَفَعَلَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ حَصَلَ لَهُ الْإِثْمُ فَإِنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ تِلْكَ الْمُخَالَفَةُ تَكَرَّرَ الْإِثْمُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ بِقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت لَحْمًا فَخَالَفَ يَمِينَهُ وَأَكَلَ اللَّحْمَ مُتَكَرِّرًا فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَلَا تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ أَكْلِ اللَّحْمِ وَمُخَالَفَةُ يَمِينِهِ حِينَئِذٍ مُشْكِلٌ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ سِرِّ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيَانُ سِرِّهِ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ صِيغَةَ الْيَمِينِ وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا سَالِبَةٌ كُلِّيَّةٌ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ نَفْسَ هَذِهِ السَّالِبَةَ الْكُلِّيَّةَ هِيَ سَبَبُ الْكَفَّارَةِ أَوْ شَرْطُ وُجُوبِهَا بَلْ الْكَفَّارَةُ مَا وَجَبَتْ إلَّا لِمُخَالَفَةِ هَذِهِ السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ. وَمُخَالَفَتُهَا عِبَارَةٌ عَنْ نَقِيضِهَا وَنَقِيضُ السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ هِيَ الْمُوجَبَةُ الْجُزْئِيَّةُ فَهَذِهِ الْمُوجَبَةُ الْجُزْئِيَّةُ هِيَ سَبَبُ الْكَفَّارَةِ أَوْ شَرْطُ وُجُوبُهَا عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْحِنْثِ هَلْ هُوَ شَرْطُ الْكَفَّارَةِ أَوْ سَبَبُهَا وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ إنَّمَا هُوَ نَقِيضُ ذَلِكَ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ لَا ذَلِكَ السَّلْبُ الْكُلِّيُّ إنَّ الشَّارِعَ قَالَ {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] فَجَعَلَ الْكَفَّارَةَ لِلْيَمِينِ لَا لِلسَّلْبِ الْكُلِّيِّ الَّذِي هُوَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَتَوْضِيحُ ذَلِكَ أَنَّ فِي قَوْلِ

وَمَيَّزَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَيْهِمْ لِتَعْظِيمِهِمْ الرُّسُلَ وَالرَّسَائِلَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ (الْفَرْقُ الْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَنْكِحَةِ الصِّبْيَانِ تَنْعَقِدُ إذَا كَانُوا مُطِيقِينَ لِلْوَطْءِ وَلِلْوَلِيِّ الْإِجَازَةُ وَالْفَسْخُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ طَلَاقِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ) وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ فِيهِمَا وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ كَمَا تَقَدَّمَ هُوَ الْخِطَابُ بِالْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالتَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهَا وَإِنَّهَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْلِيفُ وَلَا الْعِلْمُ وَلِذَلِكَ نُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَنُطَلِّقُ بِالْإِعْسَارِ وَإِنْ كَانَ مَعْجُوزًا عَنْهُ وَغَيْرَ مَشْعُورٍ بِهِ وَكَذَلِكَ بِالْإِضْرَارِ وَنُوَرِّثُ بِالْأَنْسَابِ وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ الْوَارِثُ وَلَا هُوَ مِنْ مَقْدُورِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ الَّذِي مَعْنَاهُ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَالَ إذَا وَقَعَ هَذَا فِي الْوُجُودِ فَاعْلَمُوا أَنِّي قَدْ حَكَمْت بِهَذَا بِخِلَافِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْمُكَلَّفِ بِهِ وَالْعِلْمُ بِهِ وَالطَّلَاقُ سَبَبٌ لِلْبَيْنُونَةِ وَالنِّكَاحُ سَبَبٌ لِلْإِبَاحَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ الْجَمِيعُ فِي حَقِّهِ كَمَا انْعَقَدَ الْإِتْلَافُ سَبَبَ الضَّمَانِ وَالْبَيْعُ بِسَبَبِ الْعَقْدِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْفِعْلِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ فَهَذَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فِي أَنَّ الصِّبْيَانَ تَنْعَقِدُ أَنْكِحَتُهُمْ دُونَ طَلَاقِهِمْ أَنَّ عَقْدَ الْأَنْكِحَةِ سَبَبُ إبَاحَةِ الْوَطْءِ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْخِطَابِ بِالْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ دُونَ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ لِأَنَّهُمَا تَكْلِيفٌ وَمَشَقَّةٌ مِنْ جِهَةِ لُزُومِ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ الْمَحْمُولِ عَنْ الصِّبْيَانِ لِضَعْفِ عُقُولِهِمْ وَالطَّلَاقُ سَبَبُ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ بِإِسْقَاطِ الْعِصْمَةِ فِي الزَّوْجَةِ وَهُوَ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّحْرِيمِ فَلَمْ يَنْعَقِدُ سَبَبًا فِي حَقِّهِ مَعَ اشْتِرَاكِ السَّبَبَيْنِ فِي أَنَّهُمَا خِطَابُ وَضْعٍ وَانْضَافَ إلَى أَحَدِهِمَا تَكْلِيفٌ فَلَا جَرَمَ انْتَفَى انْعِقَادُهُ فِي حَقِّهِ، فَإِنْ قُلْت الْإِتْلَافُ سَبَبُ وُجُوبِ الضَّمَانِ وَالْوُجُوبُ تَكْلِيفٌ. وَقَدْ انْعَقَدَ فِي حَقِّهِ فَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ الْإِخْرَاجُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ الْمُتْلِفِ فَإِنْ تَأَخَّرَ ذَلِكَ لِلْبُلُوغِ وَجَبَ عَلَى الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ وَخُوطِبَ حِينَئِذٍ فَقَدْ تَأَخَّرَ الْوُجُوبُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْإِتْلَافِ إلَى بَعْدِ الْبُلُوغِ فَلِمَ لَا يَنْعَقِدُ الطَّلَاقُ فِي حَقِّهِ وَيَتَأَخَّرُ التَّحْرِيمُ إلَى بَعْدِ الْبُلُوغِ عِنْدَ حُصُولِ أَهْلِيَّةِ التَّكْلِيفِ كَمَا قُلْتُمْ ذَلِكَ فِي الْإِتْلَافِ وَكِلَاهُمَا سَبَبٌ وَضْعِيٌّ يَقْتَضِي التَّكْلِيفَ قُلْت الْأَصْلُ تَرَتُّبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا وَتَأَخُّرُهَا عَنْهَا خِلَافُ الْقَوَاعِدِ وَالْإِتْلَافُ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهِ تَأْخِيرُ مُسَبَّبِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَنْكِحَةِ الصِّبْيَانِ تَنْعَقِدُ إذَا كَانُوا مُطِيقِينَ لِلْوَطْءِ وَلِلْوَلِيِّ الْإِجَارَةُ وَالْفَسْخُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ طَلَاقِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ) قُلْت فِيمَا فَرَّقَ بِهِ هُنَا نَظَرٌ وَأَمَّا مَا قَالَهُ فِي الْفَرْقَيْنِ بَعْدَهُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعِينَ وَالْمِائَةِ وَالثَّانِي وَالْأَرْبَعِينَ وَالْمِائَةِ فَصَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَالِفِ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت لَحْمًا مَثَلًا أُمُورًا ثَلَاثَةً السَّلْبُ الْعَامُّ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَالْيَمِينُ الْمُؤَكِّدَةُ لَهُ وَمُخَالَفَةُ هَذَا السَّلْبُ الْعَامُّ. وَالْكَفَّارَةُ مِنْ الْأُمُورِ الْوَضْعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَصَاحِبُ الشَّرْعِ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ مُطْلَقَ الْمُلَابَسَةِ لِلْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ وَحِينَئِذٍ تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ بِتَكَرُّرِ الْمُخَالَفَةِ وَمُلَابَسَةِ الْفِعْلِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بَلْ جَعَلَ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ مُخَالَفَةَ هَذَا السَّلْبِ الْعَامِّ لَا هَذَا السَّلْبِ الْعَامِّ وَمُخَالَفَةُ هَذَا السَّلْبِ الْعَامِّ إنَّمَا هُوَ مُطْلَقُ الثُّبُوتِ فَيَصِيرُ مَعْنَى وَضْعِ صَاحِبِ الشَّرْعِ الْكَفَّارَةَ أَنَّهُ قَالَ جَعَلْت نَقِيضَ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ مَنْ أَتَى بِنَقِيضِ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ فِي يَمِينِهِ وَحَنِثَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ عُمُومٌ يُفْهَمُ أَلْبَتَّةَ بَلْ هُوَ مِثْلُ قَوْلِ الْقَائِلِ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَلَهُ دِرْهَمٌ وَقَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَلَاقٌ فِي كَوْنِهِ مِنْ بَابِ تَعْلِيقِ مُطْلَقٍ عَلَى مُطْلَقٍ فَيَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ لِضَرُورَةِ لُزُومِ تَحْصِيلِ مُقْتَضَى التَّعْلِيقِ وَلَا أَقَلَّ مِنْ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ فِي التَّحْصِيلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ هَذِهِ التَّعَالِيقِ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَنَظِيرُ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ كَفَّارَةُ الْمُفْسِدِ لِصَوْمِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ إنْ عَادَ فَأَكَلَ أَوْ جَامَعَ لَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِي مَعْنَى السَّلْبِ الْعَامِّ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالْكَفَّارَةُ مُرَتَّبَةٌ عَلَى نَقِيضِ هَذَا السَّلْبِ الْعَامِّ وَهُوَ مُطْلَقُ الثُّبُوتِ فَإِذَا حَصَلَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ فَإِذَا عَادَ فَتَكَرَّرَ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا كَدُخُولِ الدَّارِ فَإِنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ إنَّمَا جَعَلَ الثُّبُوتَ بِوَصْفِ الْإِطْلَاقِ لَا بِوَصْفِ الْعُمُومِ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ وَالْمُطْلَقُ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِصُورَةِ إجْمَاعًا كَإِعْتَاقِ رَقَبَةٍ وَإِخْرَاجِ شَاةٍ مِنْ أَرْبَعِينَ وَنَظِيرُ هَذِهِ الْكَفَّارَةِ أَيْضًا كَفَّارَةُ الْمُظَاهِرِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ مُقْتَضَى هَذَا التَّشْبِيهِ التَّحْرِيمُ الدَّائِمُ لِأَنَّ هَذَا هُوَ شَأْنُ تَحْرِيمِ الْأُمِّ الْمُشَبَّهِ بِهَا فَتَكُونُ هَذِهِ الزَّوْجَةُ مُحَرَّمَةً دَائِمًا تَحْقِيقًا لِلتَّشْبِيهِ فَإِنْ عَادَ وَعَزَمَ عَلَى إمْسَاكِهَا أَوْ عَلَى وَطْئِهَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْعَوْدِ مَا هُوَ فَقَدْ أَتَى بِنَقِيضِ ذَلِكَ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ وَهُوَ مُطْلَقُ الثُّبُوتِ الْمُنَاقِضِ لَهُ فَصَاحِبُ الشَّرْعِ جَعَلَ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ عِنْدَهُ كَالْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ فَإِذَا كَفَرَ ثُمَّ عَادَ فَعَزَمَ عَلَى إمْسَاكِهَا أَوْ وَطْئِهَا مَرَّةً أُخْرَى

عَنْهُ لِإِمْكَانِ الْإِخْرَاجِ حَالَةَ الْإِتْلَافِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ أَوْ مِمَّنْ يَتَبَرَّعُ بِهِ عَنْهُ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ أُخِّرَ مُسَبَّبُهُ عَنْهُ وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَيَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُ التَّحْرِيمِ فِيهِ الْأَمَدَ الطَّوِيلَ وَالسِّنِينَ الْكَثِيرَةَ إلَى حِينِ الْبُلُوغِ فَلَا جَرَمَ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي حَقِّهِ وَلِهَذَا الْفَرْقِ أَيْضًا انْعَقَدَ سَبَبُ الْبَيْعِ فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ سَبَبُ إبَاحَةٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ فِي الْحَالِ وَكَذَلِكَ الْإِرْثُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَسْبَابِ جَمِيعِهَا تَتَرَتَّبُ آثَارُهَا فِي حَقِّ الصِّبْيَانِ وَالتَّأْخِيرُ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ إنَّمَا وَقَعَ عَارِضًا بِسَبَبِ الْعِزِّ عَنْ إخْرَاجِهِ مِنْ مَالِهِ فِي الْحَالِ وَقَدْ لَا يَتَّفِقُ ذَلِكَ وَهُوَ الْغَالِبُ فَأُلْحِقَ النَّادِرُ بِالْغَالِبِ وَانْعَقَدَ سَبَبًا مُطْلَقًا (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَا يَلُونَ عَقْدَ الْأَنْكِحَةِ وَهُمْ أَخُو الْأُمِّ وَعَمُّ الْأُمِّ وَجَدُّ الْأُمِّ وَبَنُو الْأَخَوَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ يُدْلِي بِأُنْثَى وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْعَصَبَةِ فَإِنَّهُمْ يَلُونَ الْعَقْدَ فِي النِّكَاحِ وَهُمْ الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ وَالْجُدُودُ وَالْعُمُومَةُ وَالْإِخْوَةُ الشَّقَائِقُ وَإِخْوَةُ الْأَبِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْقَيْنِ أَنَّ الْوَلَاءَ شُرِعَ لِحِفْظِ النَّسَبِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا مَنْ يَكُونُ لَهُ نَسَبٌ حَتَّى تَحْصُلَ الْحِكْمَةُ لِمُحَافَظَتِهِ عَلَى مَصْلَحَةِ نَفْسِهِ فَذَلِكَ يَكُونُ أَبْلَغَ فِي اجْتِهَادِهِ فِي نَظَرِهِ فِي تَحْصِيلِ الْإِكْفَاءِ وَدَرْءِ الْعَارِ عَنْ النَّسَبِ وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الِابْنِ فَقَالَ لَا وِلَايَةَ لَهُ وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِوُجُوهٍ (أَحَدُهَا) قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أُنْكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» وَالِابْنُ لَا يُسَمَّى مَوْلًى (وَثَانِيهَا) أَنَّهُ يُدْلِي بِهَا فَلَا يُزَوِّجُهَا كَتَزْوِيجِهَا لِنَفْسِهَا فَإِنَّ الْفَرْعَ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الْأَصْلِ وَلَمَّا أَدْلَى بِهَا صَارَ فِي مَعْنَاهَا (وَثَالِثُهَا) أَنَّهُ شَخْصٌ لَا تَصِحُّ مِنْ أَبِيهِ الْوِلَايَةُ فَلَا تَصِحُّ مِنْهُ كَابْنِ الْخَالِ مَعَ الْخَالِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ رُوِيَ «بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا» وَهُوَ وَلِيُّهَا لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مِنْ الْقُرْبِ لِقَوْلِ الْعَرَبِ هَذَا يَلِي هَذَا أَيْ يَقْرُبُ مِنْهُ وَابْنُهَا أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ جُزْؤُهَا وَجُزْءُ الشَّيْءِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ هَذَا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى نَقُولُ الْمَوْلَى لَهُ مَعَانٍ كَثِيرَةٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ مِنْهَا النَّاصِرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [التحريم: 4] أَيْ نَاصِرُهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11] أَيْ لَا نَاصِرَ لَهُمْ وَهُوَ كَثِيرٌ وَالِابْنُ نَاصِرُ أُمِّهِ فَيَكُونُ هُوَ مَوْلَاهُ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَوْلَى لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَعَنْ الثَّانِي الْفَرْقُ بِقُوَّةِ عَقْلِهِ النَّاشِئِ عَنْ الذُّكُورِيَّةِ وَضَعْفِ عَقْلِهَا النَّاشِئِ عَنْ الْأُنُوثَةِ وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا فَيَتَعَلَّقُ بِهِ عَارُهَا بِخِلَافِ أَبِيهِ وَابْنِ الْخَالِ فَإِنَّ ابْنَ الْخَالِ بَعِيدٌ عَنْهَا لَا تَنْكِيهِ فَضِيحَتُهَا كَمَا تَنْكِي ابْنَهَا بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الِابْنُ مُقَدَّمًا عَلَى جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّهُ جُزْؤُهَا وَجُزْؤُهَا أَمَسُّ بِهَا مِنْ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِهَا وَلِذَلِكَ قُدِّمَ فِي الْقَضَاءِ مَنْ هُوَ أَيْقَظُ وَأَكْثَرُ تَفَطُّنًا لِوُجُوهِ الْحِجَاجِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ بِتَكَرُّرِ الْعَوْدِ إجْمَاعًا فِيمَا عَلِمْت لِأَنَّهَا مُرَتَّبَةٌ عَلَى الثُّبُوتِ بِوَصْفِ الْإِطْلَاقِ لَا بِوَصْفِ الْعُمُومِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ مُرَتَّبَةٌ عَلَى الثُّبُوتِ بِوَصْفِ الْإِطْلَاقِ الْمُنَاقِضِ لِلسَّلْبِ الْكُلِّيِّ الْعَامِّ لَا عَلَى الثُّبُوتِ بِوَصْفِ الْعُمُومِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا مُخَالَفَةُ النَّهْيِ فَتَقْتَضِي تَكَرُّرَ الْإِثْمِ وَالتَّعْزِيرِ بِسَبَبِ أَنَّ الْإِثْمَ رَتَّبَهُ الشَّرْعُ عَلَى تَحْقِيقِ الْمَفْسَدَةِ فِي الْوُجُودِ لِأَنَّ النَّوَاهِيَ تَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ كَمَا أَنَّ الْأَوَامِرَ تَعْتَمِدُ الْمَصَالِحَ فَكُلُّ فَرْدٍ يُكَرَّرُ تُكَرَّرُ الْمَفْسَدَةُ مَعَهُ فَيَتَكَرَّرُ الْإِثْمُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِمُطْلَقِ الْمَفْسَدَةِ فِي جَمِيعِ صُوَرِهَا بِوَصْفِ الْعُمُومِ فَعَمَّ الْإِثْمَ أَيْضًا وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِحَسْمِ مَادَّةِ الْمَفْسَدَةِ إذْ لَوْ أَثَّمْنَاهُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَبَحْنَا لَهُ مَا بَعْدَهَا أَدَّى ذَلِكَ لِوُقُوعِ مَفَاسِدَ لَا نِهَايَةَ لَهَا فَكَانَتْ الْحِكْمَةُ الشَّرْعِيَّةُ تَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْإِثْمِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْمَفَاسِدِ (وَثَانِيهَا) أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَوْ كَانَتْ تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْمُخَالَفَاتِ لِلْيَمِينِ لَشُقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ فِي الصُّوَرِ الَّتِي يَحْتَاجُونَ لِلْمُخَالَفَاتِ فِيهَا وَتَكَرُّرِهَا فَتَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِنْسَانِ كَفَّارَاتٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْهَا إلَّا بِفِعْلِهَا وَذَلِكَ حَرَجٌ عَظِيمٌ تَأْبَاهُ الشَّرِيعَةُ الْحَنَفِيَّةُ السَّمْحَةُ السَّهْلَةُ وَأَمَّا الْأَثَامُ إذَا اجْتَمَعَتْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهَا بِالتَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ وَهِيَ مُتَيَسِّرَةٌ عَلَى الْمُتَّقِينَ (وَثَالِثُهَا) أَنَّ الْيَمِينَ مُبَاحَةٌ لِأَنَّهَا تَعْظِيمٌ لِلْمُقْسَمِ بِهِ وَالْحِنْثُ أَيْضًا مُبَاحٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَاَللَّهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا كَفَّرْت وَفَعَلْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقْدِمُ عَلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَهُ وَإِذَا كَانَ الْحَلِفُ وَالْحِنْثُ مُبَاحَيْنِ نَاسَبَ ذَلِكَ التَّخْفِيفَ فِي إلْزَامِ الْكَفَّارَةِ الْمُتَكَرِّرَةِ بِخِلَافِ النَّهْيِ فَإِنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ وَالْمُقْدِمُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ أَيْ النَّهْيِ عَاصٍ بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَنَاسَبَ التَّغْلِيظَ بِتَكَرُّرِ الْآثَامِ وَتَظَافُرِ أَنْوَاعِ الْوَعِيدِ وَالتَّعَاذِيرِ عَلَيْهِ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْمَعْصِيَةِ (وَرَابِعُهَا) أَنَّ الْقَسَمَ وَقَعَ عَلَى جُمْلَةٍ خَبَرِيَّةٍ فَإِنَّ لَا أَفْعَلُ خَبَرٌ عَنْ عَدَمِ الْفِعْلِ فِي الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ صَدَقَ فِيهِ وَحَقَّقَ السَّلْبَ الْعَامَّ كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ فَلَا كَفَّارَةَ. وَإِنْ خَالَفَ هَذَا الْخَبَرَ كَانَتْ مُخَالَفَتُهُ تَكْذِيبًا لِذَلِكَ الْخَبَرِ وَالصِّدْقُ وَالْكَذِبُ نَقِيضَانِ وَلِذَلِكَ قَالَ أَرْبَابُ الْمَعْقُولِ إنَّ نَقِيضَ السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ هِيَ الْمُوجَبَةُ

وَسِيَاسَةِ الْخُصُومِ وَأَضْبَطُ لِلْفِقْهِ وَيُقَدَّمُ فِي الْحُرُوبِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِمَكَايِدِ الْحُرُوبِ وَسِيَاسَةِ الْجُنْدِ وَالْجُيُوشِ. وَيُقَدَّمُ فِي الْفُتْيَا مَنْ هُوَ أَوْرَعُ وَأَضْبَطُ لِمَنْقُولَاتِ الْفِقْهِ وَفِي أَمَانَةِ الْحُكْمِ عَلَى الْأَيْتَامِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِتَنْمِيَةِ الْأَمْوَالِ وَأَعْرَفُ بِمَقَادِيرِ النَّفَقَاتِ وَالْكُلَفِ وَالْجِدَالِ فِي الْخِصَامِ لِيُنَاضِلَ عَنْ الْأَيْتَامِ وَيُقَدَّمُ فِي سِعَايَةِ الزَّكَاةِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِنُصُبِهَا وَالْوَاجِبِ فِيهَا وَأَحْكَامِ الزَّكَاةِ مِنْ الِاخْتِلَاطِ وَالِافْتِرَاقِ وَأَقْوَى خَرْصًا لِلثِّمَارِ وَرُبَّمَا كَانَ الْمُقَدَّمُ فِي بَابٍ مُؤَخَّرًا فِي بَابٍ آخَرَ كَمَا قُدِّمَ الرِّجَالُ فِي الْحُرُوبِ وَالْإِمَامَةِ وَأُخِّرُوا فِي الْحَضَانَةِ وَقُدِّمَ النِّسَاءِ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ مَزِيدِ شَفَقَتِهِنَّ وَصَبْرِهِنَّ عَلَى الْأَطْفَالِ فَكُنَّ لِذَلِكَ أَكْمَلَ فِي الْحَضَانَةِ مِنْ الرِّجَالِ فَإِنَّ مَزِيدَ إنْفَاقِهِمْ يَمْنَعُهُمْ مِنْ تَحْصِيلِ مَصَالِحِ الْأَطْفَالِ فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ قُدِّمَ الِابْنُ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ ابْنَ الْإِنْسَانِ أَشْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ ابْنِ عَمِّهِ لَا سِيَّمَا إذَا بَعُدَ وَيُقَدَّمُ كُلُّ وَلِيٍّ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ إذَا كَانَتْ صِفَتُهُ أَقْرَبَ وَحَالُهُ عَلَى حُسْنِ النَّظَرِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ فَيُقَدَّمُ لِذَلِكَ. (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَجْدَادِ فِي الْمَوَارِيثِ يُسَوُّونَ بِالْإِخْوَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَتِهِمْ فِي النِّكَاحِ وَمِيرَاثِ الْوَلَاءِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ تُقَدَّمُ الْإِخْوَةُ عَلَيْهِمْ) وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ وَالْمَوَارِيثِ أَنَّ الْجَدَّ فِي بَابِ الْمَوَارِيثِ يَقُولُ أَنَا أَبُو أَبِيهِ وَالْأَخُ يُدْلِي بِالْبُنُوَّةِ فَيَقُولُ أَنَا ابْنُ أَبِيهِ وَالْبُنُوَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُبُوَّة فَحَجَبَ الِابْنَ الْأَبُ عَنْ جُمْلَةِ الْمَالِ إلَى سُدُسِهِ فَهَذِهِ الْعُمْدَةُ فِي الْأَبْوَابِ الْأَرْبَعَةِ كُلِّهَا وَيَفْتَرِقُ الْمِيرَاثُ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْأَبْوَابِ الْأُخَرِ بِأَنَّ الْجَدَّ تَسْقُطُ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ بِهِ وَلَا نُقَدِّرُ الْإِخْوَةَ الْأَشِقَّاءَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا الْإِخْوَةَ لِلْأَبِ وَيَرِثُ مَعَ الِابْنِ بِخِلَافِ الْإِخْوَةِ فَلَمَّا عَارَضَ بِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ حُجَّةُ الْإِخْوَةِ بِالْبُنُوَّةِ سَوَّى بِالْإِخْوَةِ فِي بَابِ مِيرَاثِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ التَّعَارُضُ وَهَذَا التَّعَارُضُ مَنْفِيٌّ فِي الْأَبْوَابِ الثَّلَاثَةِ بِسَبَبِ أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ لَا مَدْخَلَ لَهُمْ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَلَا مِيرَاثِ الْوَلَاءِ وَلَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ حَتَّى يَقُولَ الْجَدُّ لِلْإِخْوَةِ أَنْتُمْ عَاجِزُونَ عَنْ دَفْعِ هَؤُلَاءِ وَأَنَا لَا أَعْجَزُ عَنْ دَفْعِهِمْ وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُعَارِضَهُمْ بِذَلِكَ بَقِيَتْ حُجَّتُهُمْ بِالْبُنُوَّةِ وَتَقْدِيمُهَا عَلَى الْأُبُوَّةِ سَالِمَةً عَنْ الْمُعَارِضِ فَقُدِّمُوا فِي الْأَبْوَابِ الثَّلَاثَةِ بِخِلَافِ مِيرَاثِ النَّسَبِ. (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَكَالَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ) أَنَّ الرَّجُلَ إذَا وَكَّلَ وَكِيلَيْنِ فِي بَيْعِ سِلْعَةٍ فَبَاعَاهَا مِنْ رَجُلَيْنِ كَانَ النَّافِذُ مِنْ الْبَيْعَيْنِ هُوَ الْأَوَّلُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَكَالَةِ وَقَاعِدَةِ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ إلَى قَوْلِهِ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ عِتْقُ زَوْجِهَا قَبْلَهَا رُدَّتْ إلَيْهِ وَقِيلَ يُفِيتُهَا) قُلْت هَذَا الْفَرْقُ عِنْدِي فَاسِدُ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ مِنْ حَيْثُ إنَّ السِّلْعَةَ إذَا هَلَكَتْ كَانَ هَلَاكُهَا فَوْتًا وَنُفُوذًا لِلْعَقْدِ الثَّانِي وَكَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجُزْئِيَّةُ وَبِهِمَا يَقَعُ التَّكَاذُبُ لِمَنْ يَقْصِدُ تَكْذِيبَ مَنْ ادَّعَى الْأُخْرَى كَمَا أَنَّ نَقِيضَ الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ السَّالِبَةُ الْجُزْئِيَّةَ وَالصِّدْقُ وَالْكَذِبُ عِنْدَنَا نَقِيضَانِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّ الْخَبَرَ إنْ طَابَقَ الْوَاقِعَ فَصِدْقٌ وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ الْوَاقِعَ فَكَذِبٌ وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْمُطَابَقَةِ وَعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ فَالْكَفَّارَةُ وَجَبَتْ لِمُخَالَفَةِ الصِّدْقِ وَهُوَ الْكَذِبُ أَيْ الْخَبَرُ الْمُنَاقِضُ لِلصِّدْقِ الْمَانِعِ مَعَ تَحَقُّقِهِ وَمَتَى ارْتَفَعَ الصِّدْقُ بِصُورَةٍ وَاحِدَةٍ اسْتَحَالَ ثُبُوتُهُ فَقَدْ تَحَقَّقَتْ مَفْسَدَةُ تَعَذُّرِ الصِّدْقِ وَهَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ تَعَذُّرُ الصِّدْقِ لَا يَتَكَرَّرُ فَلَمْ تَتَكَرَّرْ الْكَفَّارَةُ وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْحَالِفَ لَوْ جَعَلَ يَمِينَهُ خَبَرًا عَنْ مُوجَبَةٍ كُلِّيَّةٍ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ الدَّهْرَ فَأَفْطَرَ يَوْمًا وَاحِدًا فَقَدْ كَذَبَ خَبَرُهُ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْطَارِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ الْوَاحِدَ وَلَا يُنْجِيهِ مِنْ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ صَوْمُ بَقِيَّةِ الدَّهْرِ وَتَضِيعُ بَقِيَّةِ الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ عَنْ الِاعْتِبَارِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَكَرَّرَ مِنْهُ الْفِطْرُ فِي يَوْمَيْنِ مَثَلًا أَوْ يَقْتَصِرُ عَلَى فِطْرِ يَوْمٍ وَاحِدِ. وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فِي جِهَةِ الثُّبُوتِ وَهُوَ الْمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ وَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ مِثْلُهُ فِي السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي هِيَ خَبَرٌ عَنْ النَّفْيِ فَيَتَحَقَّقُ الْكَذِبُ بِفَرْدٍ وَاحِدٍ مِنْ الثُّبُوتِ بِأَنْ يَفْعَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَنْفَعُهُ بَقِيَّةُ السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ثُبُوتٍ وَاحِدٍ تَقَعُ بِهِ الْمُخَالَفَةُ وَبَيْنَ ثُبُوتَيْنِ أَوْ أَكْثَرُ كَمَا لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ فِي الْمُوجَبَةِ الْكُلِّيَّةِ بَيْنَ سَلْبَيْنِ فَأَكْثَرَ تَسْوِيَةً بَيْنَ طَرَفَيْ الثُّبُوتِ وَالسَّلْبِ فِي الْخَبَرِ عَنْهَا وَإِثْبَاتِ نَقِيضِهَا، وَالِاكْتِفَاءُ بِفَرْدٍ فِي الْمُنَاقَضَةِ لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى ثَانٍ وَيَكُونُ الثَّانِي وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ وَأَمَّا النَّهْي فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَوْ اجْتَنَبَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مِائَةَ مَرَّةٍ لِلَّهِ تَعَالَى أُثِيبَ عَلَى الْمِائَةِ. ثُمَّ إنْ خَالَفَ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ بِعَدَدِ الْمَرَّاتِ الَّتِي خَالَفَ فِيهَا بِالْفِعْلِ وَالثُّبُوتِ وَتَتَكَرَّرُ الْمَثُوبَاتُ بِتَكَرُّرِ الِاجْتِنَابِ أَوْ الْعُقُوبَاتِ بِتَكَرُّرِ الْمُخَالَفَاتِ فَدَلَّ ذَاكَ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ هُوَ اجْتِنَابُ مَفْسَدَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَأَنَّ كُلَّ زَمَانٍ مَطْلُوبٌ لِنَفْسِهِ فِي التَّرْكِ لِتِلْكَ الْمَفْسَدَةِ وَيُؤَكِّدُ الْأَمْرَ الْمُقْتَضِيَ لِلتَّكْرَارِ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ مِائَةَ مَرَّةٍ أُثِيبَ مِائَةَ مَثُوبَةٍ وَإِنْ تَرَكَهُ مِائَةَ مَرَّةٍ اسْتَحَقَّ مِائَةَ عُقُوبَةٍ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ حُصُولُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ فِي كُلِّ زَمَانٍ بِعَيْنِهِ فَكُلُّ زَمَانٍ مُعَيَّنٍ حَقَّقَ

وَإِذَا جَعَلَتْ الْمَرْأَةُ أَمْرَهَا لِوَلِيَّيْنِ فَزَوَّجَاهَا مِنْ رَجُلَيْنِ كُفْأَيْنِ فَالْمُعْتَبَرُ أَوَّلُهُمَا إنْ عُرِفَ كَالْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ بِهَا الْأَخِيرُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِيهَا سَبْعُ مَسَائِلَ يُفِيتُهُنَّ الدُّخُولُ مَسْأَلَةُ الْوَلِيَّيْنِ وَامْرَأَةُ الْمَفْقُودِ تَتَزَوَّجُ بَعْدَ الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ يُفِيتُهَا الدُّخُولُ فَإِنْ قَدِمَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَالْمَرْأَةُ تَعْلَمُ بِالطَّلَاقِ دُونَ الرَّجْعَةِ فَتَتَزَوَّجُ ثُمَّ تَثْبُتُ رَجْعَةُ الْأَوَّلِ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ الثَّانِي كَانَ أَحَقَّ بِهَا وَأُلْغِيَتْ الرَّجْعَةُ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا طَلَّقَ زَوْجُ الْأَمَةِ الْأَمَةَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَرَاجَعَهَا فِي السَّفَرِ فَلَمْ تَعْلَمْ بِذَلِكَ فَوَطِئَهَا السَّيِّدُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مَعَ عِلْمِهِ بِالرَّجْعَةِ كَانَ وَطْءُ السَّيِّدِ مُفِيتًا لَهَا كَالْوَطْءِ بِالزَّوْجِ وَتَكُونُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ثَامِنَةً لِهَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَامْرَأَةُ الرَّجُلِ يَرْتَدُّ فَيُشَكُّ فِي كُفْرِهِ بِالْأَرْضِ الْبَعِيدَةِ هَلْ هُوَ إكْرَاهٌ أَوْ اخْتِيَارٌ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ إكْرَاهٌ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَتُهُ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ كُفْرِهِ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَهِيَ لِلْأَوَّلِ، وَالرَّجُلُ يُسَلِّمُ عَلَى عَشَرَةٍ نِسْوَةٍ فَاخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا فَوَجَدَهُنَّ ذَوَاتِ مَحَارِمَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وَيَخْتَارُ مِنْ الْبَوَاقِي مَا لَمْ يَتَزَوَّجْنَ وَيَدْخُلْ بِهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ فَمَنْ دَخَلَ بِهَا فَاتَ الْأَمْرُ فِيهَا بِالدُّخُولِ وَمَنْ لَمْ يُدْخَلْ بِهَا كَانَ لَهُ أَخْذُهَا وَقِيلَ لَا يُفِيتُهُنَّ الدُّخُولُ وَالْمَرْأَةُ تَطْلُقُ لِلْغَيْبَةِ ثُمَّ يُقْدِمُ بِحِجَّةٍ. فَإِنْ وَجَدَهَا تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا فَاتَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَمْ تَفُتْ عَلَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ تُسْلِمُ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يُبَيِّنُ تَقَدُّمَ إسْلَامِهِ عَلَيْهَا، وَخُولِفَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ فِي الْمَذْهَبِ أَيْضًا الْمَرْأَةُ يُنْعَى لَهَا زَوْجُهَا ثُمَّ يَتَبَيَّنُ حَيَاتُهُ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ فَإِنَّهَا لَا يُفِيتُهَا الدُّخُولُ وَقِيلَ يُفِيتُهَا الدُّخُولُ، وَالْمُطَلَّقَةُ بِسَبَبِ الْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهَا أَسْقَطَتْهَا عَنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي، وَالرَّجُلُ يَقُولُ عَائِشَةُ طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَةٌ حَاضِرَةٌ اسْمُهَا عَائِشَةُ وَقَالَ لَمْ أُرِدْهَا وَلِي امْرَأَةٌ أُخْرَى تُسَمَّى عَائِشَةَ بِبَلَدٍ آخَرَ وَهِيَ الَّتِي أَرَدْت فَإِنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ هَذِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ امْرَأَةٍ أُخْرَى فَإِنْ تَبَيَّنَ صِدْقُهُ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا رُدَّتْ إلَيْهِ وَلَا يُفْتِيهَا الدُّخُولُ وَالْأَمَةُ تَخْتَارُ نَفْسَهَا تَتَزَوَّجُ وَيَدْخُلُ بِهَا زَوْجُهَا ثُمَّ يَتَبَيَّنُ عِتْقُ زَوْجِهَا قَبْلَهَا رُدَّتْ إلَيْهِ وَقِيلَ يُفِيتُهَا فَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُسَوِّي بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَجَعَلَ الْعَقْدَ السَّابِقَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَمَا بَعْدَهُ بَاطِلٌ حَصَلَ دُخُولٌ أَمْ لَا فَهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــSفِي النِّكَاحِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّمَانِي الَّتِي ذَكَرَ الْفَرْقَ فِيهَا وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَالْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي ذَكَرَ عَدَمَ الْفَوْتِ فِيهَا وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ تَيْنِكَ الْقَاعِدَتَيْنِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (فَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُسَوِّي بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ إلَى قَوْلِهِ يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ لَا لِلِاسْتِقْلَالِ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يُسَوِّي بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ يُشْعِرُ بِأَنَّ مَالِكًا لَا يُسَوِّي ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهِ الْمَصْلَحَةَ اسْتَحَقَّ الْمَثُوبَةَ وَكُلُّ زَمَانٍ مُعَيَّنٍ ضَيَّعَ فِيهِ تِلْكَ الْمَصْلَحَةَ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ وَتُعْتَبَرُ الْقِلَّةُ فِي ذَلِكَ وَالْكَثْرَةُ فَقَدْ شَهِدَتْ قَاعِدَةُ الْأَمْرِ لِقَاعِدَةِ النَّهْيِ كَمَا شَهِدَتْ قَاعِدَةُ خَبَرِ الثُّبُوتِ فِي الْيَمِينِ لِقَاعِدَةِ خَبَرِ النَّفْيِ فِيهِ فَأَوْضَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْأُخْرَى وَاتَّضَحَ لَك أَنَّ سِرَّ الْفَرْقِ فِي هَذَا الْوَجْهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْخَبَرِ الصَّادِقِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ هُوَ نَقِيضُهُ الْكَاذِبُ دُونَ أَفْرَادِ الْفِعْلِ وَأَفْرَادِ التَّرْكِ بِشَهَادَةِ النَّفْيِ لِلْإِيجَابِ وَالْإِيجَابِ لِلنَّفْيِ وَالْمُعْتَبَرُ لِلنَّهْيِ وَالْأَمْرِ أَفْرَادُ الْأَفْعَالِ وَالتُّرُوكِ دُونَ النَّقِيضِ بِشَهَادَةِ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لِلْآخَرِ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) كَوْنُ الْحِنْثِ كَذِبًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى مَا تَقَرَّرَ فِي هَذَا الْوَجْهِ الْأَخِيرِ لَيْسَ فِيهِ تَقْوِيَةٌ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَنَّ الْحِنْثَ مُحَرَّمٌ وَأَنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ سَاتِرَةً لِذَنْبِ تَحْرِيمِ الْمُخَالَفَةِ بِسَبَبِ أَنَّ الْحِنْثَ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا أَنَّهُ لَيْسَ بِكَذِبٍ شَرْعِيٍّ مِنْ جِهَةِ الْإِثْمِ وَالنَّهْيِ الشَّرْعِيِّ حَتَّى يُقَالَ إنَّهُ مُحَرَّمٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيُتَّجَهُ بِهِ مَذْهَبُهُمْ بَلْ إنَّمَا هُوَ كَذِبٌ مِنْ جِهَةِ مُسَمَّى الْكَذِبِ لُغَةً وَذَلِكَ أَنَّ الْخَبَرَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي الْيَمِينِ خَبَرُ وَعْدٍ وَخَبَرُ الْوَعْدِ لَا يَأْثَمَ حَالِفُهُ وَإِلَّا لَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِكُلِّ وَعْدٍ وَلَيْسَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عِدَّةُ الْمُؤْمِنِ دَيْنٌ» يُرِيدُ مِثْلَ الدَّيْنِ وَلِذَلِكَ قَيَّدَ الْحُكْمَ بِوَصْفِ الْإِيمَانِ الْحَاثِّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَافِ وَلَوْ كَانَ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ مُطْلَقًا وَاجِبًا لَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْوَعْدُ دَيْنٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُخَالَفَةَ هَذِهِ الْإِخْبَارَاتِ فِي الْوَعْدِ وَالْحَلِفِ لَيْسَتْ بِكَذِبٍ مُحَرَّمٍ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ» فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْخَبَرُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ لَمَا جَازَ تَرْكُهُ لِمُجَرَّدِ الْخَيْرِيَّةِ الَّتِي يَكْفِي فِيهَا مُطْلَقُ الْمَصْلَحَةِ بَلْ كَانَتْ مُخَالَفَةً تَتَوَقَّفُ عَلَى مَصْلَحَةٍ عَظِيمَةٍ تُسَاوِي مَفْسَدَةَ التَّحْرِيمِ كَفَوَاتِ أَمْرٍ وَاجِبٍ عَظِيمٍ فَإِنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يُعَارَضُ إلَّا بِالْوَاجِبِ وَلَا يُعَارَضُ بِمُطْلَقِ الْخَيْرِيَّةِ الَّتِي هِيَ تَصْدُقُ بِأَدْنَى مَرَاتِبِ النَّدْبِ فَلَيْسَ الْحِنْثُ حِينَئِذٍ بِمُحَرَّمٍ وَيُؤَكِّدُهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حَلَفَ لِأُولَئِكَ النَّفَرِ لَا يَحْمِلُهُمْ ثُمَّ حَمَلَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك حَلَفْت فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ

هُوَ الْقِيَاسُ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ عَقْدِ النِّكَاحِ أَنْ تَكُونَ خَالِيَةً عَنْ زَوْجٍ وَهَذِهِ ذَاتُ زَوْجٍ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَاعْتَمَدَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى قَضَاءِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَقَضَاءِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّجْعَةِ وَأَفَاتُوا الْمَرْأَةَ بِالدُّخُولِ وَهَذَا مُدْرَكٌ عِنْدَ مَالِكٍ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَيْسَ بِمُدْرَكٍ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ لَا لِلِاسْتِقْلَالِ وَوَجْهُ الْحُجَّةِ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَهُوَ سِرُّ الْفَرْقِ الْمَقْصُودِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ أَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَهُوَ إبْطَالُ أَثَرِ الْعَقْدِ السَّابِقِ وَتَسْلِيطُ الشَّفِيعِ عَلَى إبْطَالِهِ لِأَجْلِ الضَّرَرِ الدَّاخِلِ عَلَى الشَّرِيكِ مِنْ تَوَقُّعِ الْقِسْمَةِ. وَإِذَا قَضَى بِتَقْدِيمِ الضَّرَرِ عَلَى الْقَعَدِ هُنَالِكَ وَجَبَ أَنْ يَقْضِيَ هَهُنَا بِتَقْدِيمِ الضَّرَرِ عَلَى الْعَقْدِ السَّابِقِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى مِنْ وَجْهَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّ ضَرَرَ الشُّفْعَةِ مُتَوَقَّعٌ فَإِنَّ الْقِسْمَةَ قَدْ تَحْصُلُ وَقَدْ لَا تَقَعُ أَلْبَتَّةَ وَأَمَّا الضَّرَرُ هَهُنَا فَنَاجِزٌ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا طَلَعَ عَلَى الْمَرْأَةِ حَصَلَ لَهُ بِهَا تَعَلُّقٌ فِي الْغَالِبِ وَحَصَلَ لَهَا هِيَ أَيْضًا تَعَلُّقٌ فَإِنَّ الرَّجُلَ إنَّمَا يَتَزَوَّجُ فِي الْغَالِبِ مَنْ مَالَتْ نَفْسُهُ إلَيْهَا وَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا مَعَ الْمَيْلِ الْمُتَقَدِّمِ وُجِدَتْ الرُّؤْيَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ فَالْغَالِبُ حُصُولُ الْمَيْلِ كَذَا هِيَ أَيْضًا إنَّمَا رَضِيَتْ بِهِ بَعْدَ مَيْلِ نَفْسِهَا إلَيْهِ فَإِذَا بَاشَرَتْهُ مَعَ الْمَيْلِ الْمُتَقَدِّمِ وَحُصُولِ الْإِرْبِ فَالْغَالِبُ حُصُولُ الْمَيْلِ وَإِذَا كَانَ الظَّاهِرُ حُصُولَ الْمَيْلِ إمَّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِمَّا مِنْ أَحَدِهِمَا فَلَوْ قَضَيْنَا بِالْفِرَاقِ بَعْدَ هَذَا الْمَيْلِ النَّاشِئِ مِنْ الدُّخُولِ وَقَضَاءِ الْأَوْطَارِ لَحَصَلَ الضَّرَرُ النَّاجِزُ لِمَنْ حَصَلَ لَهُ الْمَيْلُ بِأَلَمِ الْفِرَاقِ فَعُلِمَ أَنَّ ضَرَرَ الشُّفْعَةِ مُتَوَقَّعٌ وَضَرَرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَاقِعٌ وَالْوَاقِعُ أَقْوَى مِنْ الْمُتَوَقَّعِ الْوَجْهُ (الثَّانِي) فِي مُوجِبِ الْقِيَاسِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى أَنَّ الشَّرِيكَ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ بِغَيْرِ عَقْدٍ أُضِيفَ إلَيْهِ بَلْ بِمُجَرَّدِ الضَّرَرِ وَهَهُنَا الزَّوْجُ الثَّانِي مَعَهُ عَقْدٌ يُقَابِلُ بِهِ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ فَصَارَ دَفْعُ ضَرَرِهِ مَعْضُودًا بِعَقْدٍ وَدَفْعُ ضَرَرِ الشَّرِيكِ غَيْرُ مَعْضُودٍ بِعَقْدٍ فَكَانَ الْمَعْضُودُ أَوْلَى فَإِنْ قُلْت وُجُودُ هَذَا الْعَقْدِ كَعَدَمِهِ لِأَنَّ الْمَحَلَّ غَيْرُ قَابِلٍ لَهُ فَلَا يَصِحُّ لِلتَّرْجِيحِ قُلْت كَوْنُ وُجُودِهِ كَعَدَمِهِ هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ نَحْنُ نَقُولُ لَيْسَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ بَلْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــSبَيْنَهُمَا وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ مَالِكٌ أَيْضًا يُسَوِّي بَيْنَهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ مَسَائِلَ مِنْ فُرُوعِ الْقَاعِدَتَيْنِ فَيُطْلَبُ وَجْهُ ذَلِكَ الْفَرْقِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ صَحِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا كَفَّرْت وَأَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» فَلَوْ كَانَ هَذَا كَذِبًا مُحَرَّمًا لَمَا أَقْدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَيْهِ فَإِنَّ مَنْصِبَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَأْبَى ذَلِكَ إبَاءً شَدِيدًا فَيَقْطَعُ الْفَقِيهُ حِينَئِذٍ بِأَنَّ هَذِهِ الْمُخَالَفَةَ فِي الْأَيْمَانِ لَيْسَتْ كَذِبًا مُحَرَّمًا بَلَّ يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِلْكَذِبِ وَلَا يَكُونُ مُحَرَّمًا كَمَا أَنَّ الْكَذِبَ الَّذِي يَقَعُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَمَنْ أَخْبَرَ بِالشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ مُعْتَقِدًا مَا أَخْبَرَ بِهِ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَذِبٌ لُغَةً خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي اشْتِرَاطِهِمْ الْقَصْدَ فِي حَقِيقَةِ الْكَذِبِ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِ أَهْلِ السَّنَةِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ فَجَعَلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذِبًا مَعَ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ صِدْقَ مَا سَمِعَهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ قَدْ يَقَعُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْعَمْدِ فَظَهَرَ أَنَّ الْكَذِبَ يَكُونُ لَا مَعَ الْإِثْمِ وَأَنَّ مُخَالَفَةَ الْأَيْمَانِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ (التَّنْبِيهُ الثَّانِي) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إذَا خَالَفَ مُقْتَضَى الْيَمِينِ حَالَةَ النِّسْيَانِ أَوْ حَالَةَ الْجَهْلِ أَوْ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ اعْتِبَارُ الْحِنْثِ حَالَةَ النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ دُونَ الْإِكْرَاهِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْحِنْثِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارُ الْحِنْثِ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ فَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَلَى الْإِكْرَاهِ وَخَالَفَانَا فِي النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ وَأَبُو حَنِيفَةَ بِعَكْسِ ذَلِكَ، وَتَلْخِيصُ مُدْرَكِ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ أَنَّ مُقْتَضَى اللُّغَةِ حُصُولُ الْحِنْثِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ لِحُصُولِ مُسَمَّى الْمُخَالَفَةِ بِمُقْتَضَى مَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ فِي الِاسْتِقْبَالِ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْيَمِينُ إنَّمَا يَقْصِدُ بِهَا النَّاسُ حَثَّهُمْ عَلَى الْإِقْدَامِ أَوْ الْإِحْجَامِ وَالْحَثُّ إنَّمَا يَقَعُ فِي الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَحُثُّ نَفْسَهُ عَلَى مَا هُوَ مِنْ اخْتِيَارِهِ وَصُنْعِهِ. وَأَمَّا الْمَعْجُوزُ عَنْهُ فَلَا يَلِيقُ بِالْعَاقِلِ حَثُّ نَفْسِهِ عَلَى الصُّعُودِ إلَى السَّمَاءِ وَلَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لِنَفْسِهِ يَدًا زَائِدَةً أَوْ عَيْنًا زَائِدَةً وَلَا يَحُثُّ نَفْسَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا أَوْ مُنْتَصِبَ الْقَامَةِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُتَعَذِّرٌ عَلَيْهِ وَالثَّانِي وَاقِعٌ بِغَيْرِ صُنْعِهِ وَإِنَّمَا يَحُثُّ نَفْسَهُ عَلَى مَا هُوَ مِنْ صُنْعِهِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ حِينَئِذٍ فَتَخْرُجُ حَالَةُ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْحِنْثِ لِأَنَّ الدَّاعِيَةَ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ لَيْسَتْ لِلْفَاعِلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ بَلْ نَشَأَتْ عَنْ أَسْبَابِ الْإِكْرَاهِ فَهِيَ مِنْ غَيْرِ صَنْعَةٍ فِي الْمَعْنَى فَلَا جَرَمَ لَمْ تَنْدَرِجْ هَذِهِ الْحَالَةُ فِي الْيَمِينِ وَأَمَّا الْجَهْلُ وَالنِّسْيَانُ فَالْإِنْسَانُ فِي الْجَهْلِ يَفْعَلُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ جَاهِلًا بِأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ كَمَنْ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَلْبَسَ ثَوْبًا فَيَلْتَبِسُ ذَلِكَ الثَّوْبُ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ فَيَلْبَسُهُ

مِثْلَ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ الْعَقْدِ مُوجِبَةٌ لِلْعِصْمَةِ فِي غَيْرِ صُورَةِ النِّزَاعِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ عَمَلًا بِوُجُودِ الصُّورَةِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَرِضَى الْوَلِيِّ وَالْمَرْأَةِ وَكَوْنُ تُقَدَّمْ الْعَقْدِ مَانِعًا صُورَةَ النِّزَاعِ. وَهَذَا وَجْهُ التَّرْجِيحِ فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَمَسْأَلَةِ الْوَكِيلَيْنِ وَكُلًّا عَلَى أَنْ يُزَوِّجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِامْرَأَةٍ فَزَوَّجَاهُ بِامْرَأَتَيْنِ فَدَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا خَامِسَةٌ فَإِنَّهَا لَا يُفْتِيهَا الدُّخُولُ إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَالْجَامِعُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ قُلْت بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ عَشْرِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) الْمَانِعُ مِنْ الصِّحَّةِ فِي الْخَامِسَةِ هُوَ عَقْدُ الرَّابِعَةِ مَعَ مَا تَقَدَّمَهُ مِنْ الْعُقُودِ وَالْمَانِعُ فِي الْوَلِيَّيْنِ عَقْدٌ وَاحِدٌ فَهُوَ أَخَفُّ فَسَادًا وَأَقَلُّ مَوَانِعَ فَفَاتَتْ بِالدُّخُولِ بِخِلَافِ الْخَامِسَةِ (الثَّانِي) أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ الْغَالِبُ عَلَيْهِمْ الْكَثْرَةُ دُونَ الْوَلَاءِ فَصُورَةُ الْوَلِيَّيْنِ مِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهَا فَالْقَوْلُ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ الثَّانِي بَعْدَ الدُّخُولِ يُؤَدِّي إلَى كَثْرَةِ الْفَسَادِ وَالْخَامِسَةُ نَادِرَةٌ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهَا النَّاشِئَ عَنْ الِاطِّلَاعِ وَالْكَشْفِ قَلِيلٌ (الثَّالِثُ) أَنَّ الزَّوْجَ كَالْمُشْتَرِي الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الصَّدَاقِ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ وَالْمَرْأَةُ كَالْبَائِعِ لِأَنَّهَا صَاحِبَةُ السِّلْعَةِ وَالسِّلَعُ مَقَاصِدُ وَالْأَثْمَانُ وَسَائِلُ وَرُتْبَتُهَا أَخْفَضُ مِنْ رُتْبَةِ الْمَقَاصِدِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ عَقْدُ الرَّابِعَةِ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِمَقْصِدٍ وَإِبْطَالُ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ إبْطَالٌ لِصَاحِبِ وَسِيلَةِ التَّعَارُضِ إنَّمَا وَقَعَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا صَاحِبَا وَسِيلَةٍ وَبَيْنَ الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ فِي صَاحِبَيْ مَقْصِدٍ فَاجْتَمَعَ فِي الرَّابِعَةِ كَوْنُهُ مَقْصِدًا وَمُوَافَقَةُ الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ فَامْتَنَعَ إبْطَالُهُ لِقُوَّتِهِ بِخِلَافِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ (الرَّابِعُ) أَنَّ وَلُوعَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَشَغَفَهُمْ بِهِنَّ أَكْثَرُ مِنْهُنَّ بِهِمْ وَالْعَادَةُ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ فَإِنَّ الرِّجَالَ هُمْ الْبَاذِلُونَ وَالْخَاطِبُونَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الدَّلَائِلِ عَلَى فَرْطِ الْمَيْلِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي النِّسَاءِ لِضَعْفِ طَبْعِهِنَّ وَغَلَبَةِ الْحَيَاءِ عَلَيْهِنَّ وَإِذَا كَانَ شَغَفُ الرِّجَالِ بِهِنَّ أَعْظَمَ صَعُبَ التَّفْرِيقُ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ بِالزَّوْجِ الثَّانِي الَّذِي حَصَلَ لَهُ الشَّغَفُ بِالدُّخُولِ وَالْخَامِسَةُ إنَّمَا يُتَوَقَّعُ فِيهَا دَاعِيَةٌ ضَعِيفَةٌ فَكَانَ الْفَسَادُ أَقَلَّ (الْخَامِسُ) أَنَّ دَاعِيَةَ الرِّجَالِ فِي السُّؤَالِ عَنْ الْوَاقِعِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ ضَعِيفٌ وَعَنْ الْوَاقِعِ مِنْ الْوُكَلَاءِ فِي التَّزْوِيجِ قَوِيٌّ فَكَثُرَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي فَكَانَ مُخَالَفَةُ الْقَاعِدَةِ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَوَجْهُ الْحُجَّةِ عَلَى الشَّافِعِيِّ إلَى مَا ذَكَرَ فِي الْفَرْقِ) قُلْت مَا قَالَهُ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَنَظَرٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ ذَاكِرٌ لِلْيَمِينِ جَاهِلٌ بِعَيْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَفِي النِّسْيَانِ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ الْجَهْلِ يَفْعَلُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ عَالِمًا بِحَقِيقَتِهِ نَاسِيًا لِلْيَمِينِ وَفِي الْإِكْرَاهِ قَدْ يَكُونُ ذَاكِرًا لَهُمَا فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَقَائِقِ الثَّلَاثِ فَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ إنَّ الْحِنْثَ الْمَقْصُودَ مِنْ الْيَمِينِ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ ذِكْرِ الْيَمِينِ وَالْمَعْرِفَةِ بِعَيْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ يَقْصِدَ الْحَالِفُ بِالْيَمِينِ تَرْكَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْيَمِينِ وَهَذَا لَا يَتَصَوَّرُ إلَّا مَعَ الْقَصْدِ إلَى الْيَمِينِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْمَعْرِفَةِ بِهِمَا فَلَمَّا جَهِلَ الْيَمِينَ فِي صُورَةِ النِّسْيَانِ وَالْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي صُورَةِ الْجَهْلِ خَرَجَ هَاتَانِ الْحَالَتَانِ عَمَّا يَقْصِدُهُ النَّاسُ بِالْإِيمَانِ وَهُوَ التَّرْكُ لِأَجْلِ الْيَمِينِ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَإِذَا خَرَجَا عَنْ ذَلِكَ خَرَجَا عَنْ الْيَمِينِ وَالْخَارِجُ عَنْ الْيَمِينِ لَا يَقَعُ فِيهِ حِنْثٌ وَحَالَةُ الْإِكْرَاهِ قَدْ خَرَجَتْ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ» أَيْ فِي إكْرَاهٍ فَيُقَاسُ عَلَى الطَّلَاقِ غَيْرُهُ فَلَا يَلْزَمُ فَخَرَجَتْ الْأَحْوَالُ الثَّلَاثَة: الْإِكْرَاهُ وَالنِّسْيَانُ وَالْجَهْلُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَإِذَا خَالَفَ الْحَالِفُ الْيَمِينَ فِي حَالَةٍ مِنْ هَذِهِ الْحَالَاتِ لَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ كَفَّارَةٌ بَلْ لَا بُدَّ فِي لُزُومِهَا مِنْ الْمُخَالَفَةِ مَرَّةً أُخْرَى فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَاسْتِحْضَارِ الْيَمِينِ وَالْعِلْمِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. فَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيُّ التَّكَرُّرَ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَمَالِكٌ يَقُولُ الْحَلِفُ وَقَعَ عَلَى الْفِعْلِ الْمُخْتَارِ الْمُكْتَسَبِ وَمُقْتَضِي ذَلِكَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِكْرَاهُ وَحْدَهُ. وَيَبْقَى النِّسْيَانُ وَالْجَهْلُ لِأَنَّ النَّاسِيَ لِلْيَمِينِ مُخْتَارٌ لِلْفِعْلِ غَيْرَ أَنَّهُ نَسِيَ الْيَمِينَ وَالْجَاهِلُ مُخْتَارٌ لِلْفِعْلِ غَيْرَ أَنَّهُ جَهِلَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَإِذَا وُجِدَ الِاخْتِيَارُ وَالْفِعْلُ الْمُكْتَسِبُ فَقَدْ وُجِدَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَوُجِدَتْ حَقِيقَةُ الْمُخَالَفَةِ فَتَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ فَإِذَا وَقَعَ الْفِعْلُ فِي حَالَةِ النِّسْيَانِ أَوْ حَالَةِ الْجَهْلِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَلَزِمَتْ الْكَفَّارَةُ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّكَرُّرُ مَرَّةً أُخْرَى وَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْحِنْثِ لَا يُؤَثِّرَ فَيَحْنَثُ الْمُكْرَهُ كَمَا يَحْنَثُ النَّاسِي وَالْجَاهِلُ قَالَ الْأَصْلُ وَالظَّاهِرُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ عِنْدَنَا بِسَبَبِ أَنَّ الْبَاعِثَ لِلْحَالِفِ عَلَى الْحَلِفِ إنَّمَا هُوَ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ حَاثَّةً لَهُ عَلَى التَّرْكِ وَإِلَّا كَانَ يَكْفِيهِ الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ وَكَانَ يَسْتَرِيحُ مِنْ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ وَإِنَّمَا أَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ لِيَكُونَ اسْتِحْضَارُهَا فِي نَفْسِهِ مَانِعًا مِنْ الْإِقْدَامِ وَالْإِحْجَامِ فَإِذَا نَسِيَهَا لَمْ يَقْصِدْ بِهَذِهِ الْحَالَةِ حَالَةَ الْحَلِفِ الَّتِي هِيَ حَالَةُ حُضُورِهَا فِي نَفْسِهِ حَتَّى تَمْنَعَهُ مِنْ الْإِقْدَامِ أَوْ الْإِحْجَامِ وَكَذَلِكَ الْعِلْمُ بِعَيْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ شَرْطٌ فِي الْحِنْثِ بِهِ فَإِذَا جَهِلَهُ اسْتَحَالَ مَعَ الْجَهْلِ الْحِنْثُ عَلَى مَا لَمْ يَعْلَمْهُ فَهَاتَانِ الْحَالَتَانِ يُعْلَمُ خُرُوجُهُمَا عَنْ الْيَمِينِ بِقَصْدِ الْحَالِفِينَ فَلَا يُلْتَزَمُ فِيهِمَا حِنْثٌ وَيُشْتَرَطُ التَّكَرُّرُ. وَأَمَّا

[الفرق بين قاعدة النقل العرفي وبين قاعدة الاستعمال المتكرر في العرف]

الْوَلِيَّيْنِ أَقَلَّ (السَّادِسُ) أَنَّهُ يُتَّهَمُ فِي الْخَامِسَةِ أَنْ يَكُونَ عَدَلَ إلَيْهَا عَنْ الرَّابِعَةِ مَعَ عَمَلِهِ بِهَا لِأَنَّهُ الْمُخْتَارُ لِلدُّخُولِ وَالْمَرْأَةُ مَحْكُومٌ عَلَيْهَا لَا خِيَرَةَ لَهَا (السَّابِعُ) أَنَّ الْخَامِسَةَ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فَعَظُمَتْ أَسْبَابُ إبْطَالِهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ ثَلَاثًا مُسْتَثْنَيَاتٍ فَتَجُوزُ الْهِجْرَةُ ثَلَاثًا وَالْإِحْدَادُ ثَلَاثًا وَأَيَّامُ الْخِيَارِ ثَلَاثًا وَالضَّرَّاتُ ثَلَاثًا ثُمَّ يَلْزَمُ وَيَمْكُثُ الْهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا وَجَعَلَ الْمَرْأَةَ تُضَرُّ بِثَلَاثٍ مِنْ النِّسَاءِ وَالْخَامِسَةُ لَوْ صَحَّحْنَاهَا وَقَعَ الْإِضْرَارُ بِأَرْبَعٍ وَلَمْ يُوجَدْ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ مُخَالَفَةُ قَاعِدَةٍ إلَّا مَا اشْتَرَكَا فِيهِ (الثَّامِنُ) إنْ شَاءَ أَوْلِيَاءُ السُّؤَالِ عَنْ حَالِ الزَّوْجِ وَلَيْسَ شَأْنُ أَوْلِيَاءِ الرَّجُلِ السُّؤَالَ عَنْ حَالِ الْمَرْأَةِ فَضَعُفَتْ الشُّبْهَةُ فِي الْخَامِسَةِ بِكَشْفِ أَوْلِيَائِهَا (التَّاسِعُ) أَنَّ عَقْدَ الْوَكَالَةِ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ جَاءَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَلِأَنَّ الْمُكَلَّفَ يُنْشِئُهُ فَيَكُونُ ضَعِيفًا كَالنَّذْرِ مَعَ الْوَاجِبِ الْمُتَأَصِّلِ بِخِلَافِ الْأَوْلِيَاءِ (الْعَاشِرُ) أَنَّ فِي الْخَامِسَةِ مَفْسَدَةً انْدَفَعَتْ بِالْفَسْخِ وَهِيَ أَنَّهَا عَلَى ضَرَّاتٍ أَرْبَعٍ لَهَا وَالْفَائِتُ عَلَى ذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ صُحْبَةُ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَدَرْءُ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ فَإِنْ قُلْت فِي صُورَةِ الشُّفْعَةِ الشَّرِيكُ مُخَيَّرٌ وَهَهُنَا الزَّوْجُ الثَّانِي لَيْسَ مُخَيَّرًا بَلْ أَنْتُمْ تُعَيِّنُونَ الْمَرْأَةَ لَهُ جَزْمًا فَقَدْ زَادَتْ صُورَةُ الْفَرْعِ الْمَقِيسِ عَلَى صُورَةِ الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ بِوَصْفِ اللُّزُومِ فَلَيْسَ الْحُكْمُ مِثْلَ الْحُكْمِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ لِتَبَايُنِ الْأَحْكَامِ قُلْت الْوَجْهُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْقِيَاسُ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا وَقَعَ مِنْ جِهَةِ تَقْدِيمِ الْمَضَرَّةِ عَلَى الْعَقْدِ السَّابِقِ وَالصُّورَتَانِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُسْتَوِيَتَانِ لَا اخْتِلَافَ فِيهِمَا وَإِنَّمَا جُعِلَ اللُّزُومُ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ دُونَ صُورَةِ الشُّفْعَةِ لِامْتِنَاعِ الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ لِئَلَّا تَكُونَ الْمُخَدِّرَاتُ بِذِلَّةِ بِالْخِيَارِ فَلِذَلِكَ حَصَلَ اللُّزُومُ وَالتَّعْيِينُ لِلزَّوْجِ الثَّانِي وَلَمَّا كَانَتْ السِّلَعُ وَالْعَقَارُ قَابِلَةً لِلتَّخْيِيرِ وَالْخِيَارِ ثَبَتَ لِلشَّفِيعِ الْخِيَارُ مِنْ غَيْرِ لُزُومٍ، فَإِنْ قُلْت إنَّمَا أَبْطَلْنَا الْعَقْدَ فِي الشُّفْعَةِ لِضَرَرِ الشَّفِيعِ لِأَنَّ الْعَقَارَ مَالٌ وَرُتْبَةُ الْأَمْوَالِ أَخْفَضُ مِنْ رُتْبَةِ الْإِبْضَاعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُخَالَفَةِ الْعَقْدِ الْمُقْتَضِي لِمَا هُوَ أَدْنَى مُخَالَفَةُ الْعَقْدِ الْمُقْتَضِي لِمَا هُوَ أَعْلَى وَهَذَا فَرْقٌ يُبْطِلُ الْقِيَاسَ قُلْت هَذَا بِعَيْنِهِ مُسْتَنَدُنَا فِي أَوْلَوِيَّةِ الْقِيَاسِ وَذَلِكَ أَنَّكُمْ إذَا سَلَّمْتُمْ أَنَّ الْإِبْضَاعَ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْ الْأَمْوَالِ يَكُونُ الضَّرَرُ بِفَوَاتِ مَقَاصِدِهَا أَعْظَمَ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِيكِ فَيَكُونُ أَوْلَى بِالْمُرَاعَاةِ فَإِنْ قُلْت الزَّوْجُ الثَّانِي كَمَا حَصَلَ لَهُ تَعَلَّقَ بِالدُّخُولِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ فَالزَّوْجُ الْأَوَّلُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْإِكْرَاهُ عَلَى الْيَمِينِ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا طَلَاقَ فِي إغْلَاقٍ» أَيْ فِي إكْرَاهٍ فَيُقَاسُ عَلَى الطَّلَاقِ غَيْرُهُ فَلَا يَلْزَمُ أهـ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ (التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ) إذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْحِنْثِ يَمْنَعُ مِنْ لُزُومِ مُوجِبِ الْيَمِينِ فَأُكْرِهَ عَلَى أَوَّلِ مَرَّةٍ مِنْ الْفِعْلِ ثُمَّ فَعَلَهُ مُخْتَارًا حَنِثَ. قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَهُوَ مُقْتَضَى الْفِقْهِ بِسَبَبِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَمْ يَنْدَرِجْ فِي الْيَمِينِ فَالْمَرَّةُ الْأُولَى مِنْ الْفِعْلِ لِكَوْنِهَا حَصَلَتْ بِالْإِكْرَاهِ لَا عِبْرَةَ بِهَا فَلَا تَحْصُلُ بِهَا مُخَالَفَةُ الْيَمِينِ وَمَا وَقَعَ بَعْدَهَا مِنْ الْفِعْلِ بِالِاخْتِيَارِ هُوَ أَوَّلُ مَرَّةٍ صَدَرَتْ مُخَالَفَةً لِلْيَمِينِ فَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَ مَا قَبْلَهَا فَلَمْ تَتَكَرَّرْ الْمُخَالَفَةُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَتَقَعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْفَتَاوَى كَثِيرًا وَيَقَعُ الْغَلَطُ فِيهَا لِلْمُفْتِينَ يَقُولُ السَّائِلُ حَلَفْتُ بِالطَّلَاقِ لَا أَخْدُمَ الْأَمِيرَ الْفُلَانِيَّ فِي إقْطَاعِهِ وَقَدْ أُكْرِهَتْ بِالضَّرْبِ الشَّدِيدِ عَلَى خِدْمَتِهِ فَيَقُولُ لَهُ الْمُفْتِي لَا حِنْثَ عَلَيْك مَعَ أَنَّ ذَلِكَ الْحَالِفَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى الْخِدْمَةِ مَعَ زَوَالِ سَبَبِ الْإِكْرَاهِ وَإِمْكَانِ الْهُرُوبِ مِنْهُ وَالتَّغَيُّبِ عَنْ ذَلِكَ الْأَمِيرِ مَعَ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِسَبَبِ أَنَّهُ قَدْ أَتَى عَلَيْهِ زَمَنٌ يُمْكِنُهُ التَّغَيُّبُ عَنْ خِدْمَةِ ذَلِكَ الْأَمِيرِ وَلَمْ يَتَغَيَّبْ فَقَدْ خَدَمَهُ مُخْتَارًا فَيَحْنَثُ وَمِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا فَخَالَعَ امْرَأَتَهُ وَكَلَّمَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بِهَذَا الْكَلَامِ فَلَوْ رَدَّ امْرَأَتَهُ وَكَلَّمَهُ حَنِثَ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِسَبَبِ أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ يُحِثَّهُ الطَّلَاقُ عَلَى عَدَمِ كَلَامِهِ بِسَبَبِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ حِينَئِذٍ فَمَا حَلَفَ إلَّا عَلَى نَفْيِ كَلَامٍ يَلْزَمُهُ بِهِ الطَّلَاقُ وَالْكَلَامُ حَالَةَ الْخُلْعِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِالطَّلَاقِ لِعَدَمِ قَبُولِ الْمَحَلِّ لَهُ فَلَا يَكُونُ مِنْ الْكَلَامِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَأَوَّلُ كَلَامٍ يَقَعُ بَعْدَ رَدِّ امْرَأَتِهِ هُوَ أَوَّلُ مُخَالَفَةِ الْيَمِينِ فِيهِ فَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِهِ لَا بِمَا قَبْلَهُ لِمَا قُلْنَاهُ فِي الْإِكْرَاهِ حَرْفًا بِحَرْفٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الصُّوَرُ الثَّلَاثُ الْمُتَقَدِّمَةُ يَحْصُلُ فِيهَا التَّكَرُّرُ فِي صُورَةِ الْمُخَالَفَةِ مُطْلَقًا لَا فِي الْمُخَالَفَةِ الْمُعْتَبَرَةِ بِسَبَبِ مَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّقْلِ الْعُرْفِيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِعْمَالِ الْمُتَكَرِّرِ فِي الْعُرْفِ] (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النَّقْلِ الْعُرْفِيِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِعْمَالِ الْمُتَكَرِّرِ فِي الْعُرْفِ) النِّسْبَةُ بَيْنَ الْمَنْقُولِ الْعُرْفِيِّ وَالْمُتَكَرِّرِ الْعُرْفِيِّ هِيَ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْمُطْلَقُ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ الْعُرْفِيَّ هُوَ الَّذِي يُفْهَمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ لَهُ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَالْمُتَكَرِّرُ الْعُرْفِيُّ هُوَ مَا اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ وَفِي غَيْرِ مَعْنَاهُ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ لَهُ عَنْ مَعْنَاهُ أَوْ كَانَ بِدُونِهَا فَكُلُّ مَنْقُولٍ مُتَكَرِّرٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُتَكَرِّرٍ مَنْقُولًا لِصِدْقِ الْمُتَكَرِّرِ بِدُونِ الْمَنْقُولِ عَلَى الْأَسَدِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَعَلَى لَفْظِ الْغَزَالِ وَالشَّمْسِ

[الفرق بين قاعدة تعذر المحلوف عليه عقلا وبين قاعدة تعذره عادة أو شرعا]

وَقَدْ حَصَلَ لَهُ أَيْضًا تَعَلُّقٌ فِي مَسْأَلَةِ الرَّجْعَةِ وَالْمَفْقُودِ وَغَيْرِهِمَا فَلِمَ كَانَ دَفْعُ ضَرَرِ الثَّانِي أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ لَا سِيَّمَا وَصُحْبَةُ الْأَوَّلِ أَطْوَلُ وَمُعَاهَدٌ قَضَاءُ الْأَوْطَارِ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ قَالَ الشَّاعِرُ: " مَا الْحُبُّ إلَّا لِلْحَبِيبِ الْأَوَّلِ " قُلْت بَلْ ضَرَرُ الثَّانِي هُوَ الْأَوْلَى بِالْمُرَاعَاةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَعْرَضُ بِالطَّلَاقِ، وَتَوَحُّشُ الْعِصْمَةِ إمَّا بِالطَّلَاقِ وَإِمَّا بِالْفِرَاقِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ وَإِمَّا بِحُصُولِ السَّآمَةِ مِنْ طُولِ الْمُبَاشَرَةِ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ طُولَ صُحْبَةِ الْمَرْأَةِ تُوجِبُ قِلَّةَ وَقْعِهَا فِي النَّفْسِ وَأَنَّ جِدَّتَهَا تُوجِبُ شِدَّةَ وَقْعِهَا فِي النَّفْسِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ ضَرَرَ الثَّانِي أَقْوَى وَأَوْلَى بِالْمُرَاعَاةِ فَهَذَا هُوَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَنْكِحَةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَكَالَاتِ فِي السِّلَعِ وَالْإِجَارَاتِ فَإِنْ قُلْت قَدْ سَرَدْت ثِنْتَيْ عَشَرَةَ مَسْأَلَةً مِنْهَا ثَمَانِيَةٌ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَمِنْهَا أَرْبَعٌ تُعَارِضُهَا وَهِيَ نَقْضٌ عَلَى مَا ذَكَرْته مِنْ الْفَرْقِ وَالنَّقْضُ مُوجِبٌ لِعَدَمِ الِاعْتِبَارِ فَيُلْغَى مَا ذَكَرْتَهُ مِنْ الْفَرْقِ مَا لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا قُلْت مَا ذَكَرْتَهُ سُؤَالٌ حَسَنٌ مَسْمُوعٌ وَبَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ وَالثَّمَانِيَةِ يَتَّضِحُ بِأَنْ تُعَيِّنَ أَقْرَبَ الثَّمَانِيَةِ لِلْأَرْبَعَةِ وَتُبَيِّنَ الْفَرْقَ بَيْنَ تِلْكَ الصُّورَةِ وَتِلْكَ الْأَرْبَعَةِ فَيَحْصُلَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ وَالثَّمَانِيَةِ أَوْ تَعَيَّنَ أَقْرَبُ الصُّوَرِ الثَّمَانِيَةِ لِعَدَمِ الْفَوَاتِ بِالدُّخُولِ وَأَقْرَبُ الْأَرْبَعَةِ لِلْفَوَاتِ بِالدُّخُولِ وَتُفَرِّقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فَيَكُونُ الْفَرْقُ قَدْ حَصَلَ بَيْنَ الْجَمِيعِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّهُ إذَا حَصَلَ بِاعْتِبَارٍ الْأَبْعَدِ حَصَلَ بِاعْتِبَارِ الْأَقْرَبِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَنَقُولُ: كُلُّ مَسْأَلَةٍ دَخَلَ فِيهَا حُكْمُ حَاكِمٍ مِنْ هَذِهِ الثَّمَانِي فَهِيَ أَقْرَبُ إلَى التَّفْوِيتِ بِالدُّخُولِ مِنْ الصُّورَةِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا حُكْمُ حَاكِمٍ بِسَبَبِ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ فَسْخِ النِّكَاحِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ إنَّ الْحَاكِمَ إذَا حَكَمَ بِالطَّلَاقِ بِشَهَادَةِ زُورٍ نَفَذَ الطَّلَاقُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَكَذَلِكَ إذَا حَكَمَ بِالنِّكَاحِ وَالزَّوْجِيَّةِ بِشُهُودِ زُورٍ ثَبَتَ النِّكَاحُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَجَازَ لِأَحَدِ تِلْكَ الشُّهُودِ الزُّورِ أَنْ يَتَزَوَّجَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ الَّتِي شَهِدَ بِطَلَاقِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِ نَفْسِهِ وَأُبِيحَتْ الزَّوْجَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ عَقْدًا وَلَا طَلَاقًا لَكِنَّ حُكْمَهُ نَفْسَهُ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَلِهَذَا الْمُدْرَكِ عَمَّمَ نُفُوذَ الْأَحْكَامِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ دُونَ الدُّيُونِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْقَضَايَا فَإِنَّ الدَّيْنَ وَنَحْوَهُ لَا يَدْخُلُ حُكْمَ الْحَاكِمِ فَتَسْتَقِلُّ الذِّمَّةُ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْبَدْرِ فِي الْمَرْأَةِ الْجَمِيلَةِ وَلَفْظِ الْغَيْثِ وَالْبَحْرِ وَالْغَمَامِ فِي الرَّجُلِ السَّخِيِّ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَنْصَرِفُ عَنْ حَقِيقَتِهِ إلَى الْمَجَازِ إلَّا بِقَرِينَةٍ صَارِفَةٍ إلَيْهِ فَالنَّقْلُ أَخَصُّ مِنْ التَّكَرُّرِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّكَرُّرِ النَّقْلُ لِأَنَّ الْأَعَمَّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ وَإِذَا لَمْ يَصِرْ اللَّفْظُ مَنْقُولًا بِمُجَرَّدِ التَّكَرُّرِ لَا يَجُوزُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى شَيْءٍ تَكَرَّرَ اللَّفْظُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لَهُ إلَّا بِقَرِينَةٍ وَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى مُطْلَقِ التَّكَرُّرِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَبِهِ يَظْهَرُ بُطْلَانُ مَا وَقَعَ فِي مَذْهَبِنَا فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا أَفْعَلُ شَيْئًا حِينًا أَوْ زَمَنًا أَوْ دَهْرًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَنَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ ذَلِكَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] أَيْ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَاهُ بَلْ النَّخْلَةُ مِنْ ابْتِدَاءِ حَمْلِهَا إلَى نِهَايَتِهِ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ تُعْطِي ثَمَرَهَا حِينَئِذٍ وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ الَّتِي وَقَعَتْ الْمُشَابَهَةُ فِيهَا بَيْنَ النَّخْلَةِ وَبَيْنَ بَنَاتِ آدَمَ وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَكْرِمُوا عَمَّتَكُمْ النَّخْلَةَ» قَالُوا لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ فَضْلَةِ طِينَةِ آدَمَ فَهِيَ عَمَّةٌ بِهَذَا الْمَعْنَى وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ تَرَدُّدًا فِي الدَّهْرِ هَلْ هُوَ سَنَةٌ أَمْ لَا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ سَنَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] إشَارَةً إلَى أَنَّ النَّخْلَةَ إذَا حَمَلَتْ بِالثَّمَرَةِ فِي وَقْتِ لَا تَحْمِلُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهَذِهِ الْإِشَارَاتُ كُلُّهَا إلَى أَصْلِ وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ أَصْلِ الِاسْتِعْمَالِ أَنْ يُحْمَلَ اللَّفْظُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ وَالْمَنْقُولُ فِي اللُّغَةِ أَنَّ الْحِينَ اسْمٌ لِجُزْءٍ مَا مِنْ الزَّمَانِ وَإِنْ قَلَّ فَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْ قَبِيلِ صِدْقِ الْمُتَوَاطِئِ عَلَى أَفْرَادِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْمُتَوَاطِئِ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ مَرَّاتٍ أَنْ يُقَالَ لَهُ شَرْعِيٌّ وَلَا عُرْفِيٌّ بَلْ ذَلِكَ شَأْنُ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْمُتَوَاطِئِ يَنْتَقِلُ فِي أَفْرَادِهِ فَالْمُتَّجَهُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ كَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَقَاعِدَةِ النَّقْلِ وَظَهَرَ بِظُهُورِهِ الْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَعَذُّرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَقْلًا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَعَذُّرِهِ عَادَةً أَوْ شَرْعًا] (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَعَذُّرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَقْلًا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَعَذُّرِهِ عَادَةً أَوْ شَرْعًا) وَهُوَ أَنَّ النَّاسَ إنَّمَا يَقْصِدُونَ بِأَيْمَانِهِمْ الْحَثَّ عَلَى الْفِعْلِ الْمُمْكِنِ لَهُمْ فَالْحَلِفُ عَلَى الشَّيْءِ مَشْرُوطٌ بِإِمْكَانِهِ وَالْمُتَعَذِّرُ عَقْلًا لَيْسَ بِمُمْكِنٍ فَلَمْ يُوضَعْ اللَّفْظُ فِي الْقِسْمِ حَاثًّا عَلَيْهِ فَلَا يُوجِبُ حِنْثًا لِأَنَّ فَوَاتَ الشَّرْطِ يُوجِبُ عَدَمَ الْمَشْرُوطِ فَإِذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ

وَالْفَسْخُ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِهِ الْحَاكِمُ فِي صُوَرٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ يَسْتَقِلُّ بِالْعَقْدِ وَلَا تَسْتَقِلُّ الذِّمَمُ بِالْمَالِ إلَّا أَخْذُهُ بِالْفَرْضِ أَوْ غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ عُمِّمَ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَمُنِعَ غَيْرُهُمَا وَنَحْنُ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِهَذَا الْمُدْرَكِ وَقُلْنَا لَا يَنْفُذُ هَذَا الْحُكْمُ غَيْرَ أَنَّهُ يَبْقَى فَارِقًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ بَيْنَ مَا فِيهِ حُكْمُ حَاكِمٍ وَبَيْنَ مَا لَيْسَ فِيهِ حُكْمُ حَاكِمٍ فَيَكُونُ مَا فِيهِ حُكْمُ حَاكِمٍ أَقْرَبُ إلَى الْفَوَاتِ بِالدُّخُولِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَأَقُولُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ مِنْهَا مَسْأَلَةُ الْمَفْقُودِ وَمَسْأَلَةُ الْمَرْأَةِ تَطْلُقُ بِسَبَبِ طُولِ الْغَيْبَةِ وَمَسْأَلَةُ الْمَرْأَةِ تُسْلِمُ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ تَقَدُّمُ إسْلَامِ زَوْجِهَا فَهَذِهِ الثَّلَاثُ الْمَسَائِلُ فِيهَا حُكْمُ الْحَاكِمِ يُوجِبُ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا وَالْخَمْسُ الْمَسَائِلُ الْبَاقِيَةُ مِنْهَا مَا بُنِيَ فِيهَا عَلَى ظَاهِرٍ فَانْكَشَفَ خِلَافُهُ وَمِنْهَا مَا لَا يُبْنَى فِيهَا عَلَى ظَاهِرٍ فَاَلَّتِي يُبْنَى فِيهَا عَلَى ظَاهِرٍ انْكَشَفَ خِلَافُهُ الْمَرْأَةُ فِيهَا مَعْذُورَةٌ بِسَبَبِ الظَّاهِرِ مَأْذُونٌ لَهَا فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْعَقْدِ الثَّانِي بِسَبَبِ الظَّاهِرِ وَكَذَلِكَ وَلِيُّهَا بِخِلَافِ مَا لَا ظَاهِرَ فِيهِ يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَاَلَّتِي فِيهَا ظَاهِرٌ هِيَ الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ تَعْلَمُ بِالطَّلَاقِ دُونَ الرَّجْعَةِ فَإِنَّ ظَاهِرَ الطَّلَاقِ يُبِيحُ الْعَقْدَ وَالْأَمَةُ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَامْرَأَةُ الْمُرْتَدِّ فَإِنَّ ظَاهِرَ الْكُفْرِ يُبِيحُ الْعَقْدَ وَالرَّجُلُ يُسَلِّمُ عَلَى كَثِيرِ نِسْوَةٍ فَإِنَّ ظَاهِرَ حَالِهِنَّ يَقْتَضِي الِاخْتِيَارَ وَتَزَوُّجُهُنَّ بَنَاهُ عَلَى ظَاهِرِ الِاخْتِيَارِ فَهُنَّ مَعْذُورَاتٌ فَهَذِهِ أَرْبَعٌ فِيهَا عُذْرٌ يُبِيحُ وَفِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ لَيْسَ فِيهَا حُكْمُ حَاكِمٍ وَلَا ظَاهِرَ فَهِيَ أَبْعَدُ الْمَسَائِلِ عَنْ الْفَوَاتِ بِالدُّخُولِ فَنُعَيِّنُهَا لِلْبَحْثِ وَالْفَرْقِ وَأَمَّا الْأَرْبَعُ وَهِيَ الْمَرْأَةُ يُنْعَى لَهَا زَوْجُهَا فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ أَنَّ الْمَوْتَ شَأْنُهُ الشُّهْرَةُ وَالظُّهُورُ فَالْخَطَأُ فِيهِ نَادِرٌ فَيَضْعُفُ الْعُذْرُ. فَلَا يَفُوتُ بِالدُّخُولِ وَعَقْدُ الْوَلِيِّ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَرْأَةِ لَيْسَ اشْتِهَارُهُ فِي الْوُجُودِ كَاشْتِهَارِ الْمَوْتِ وَلَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي لِلْإِخْبَارِ بِهِ كَتَوَفُّرِهِ عَلَى الْإِخْبَارِ بِمَوْتِ إنْسَانٍ وَالتَّفَجُّعِ عَلَيْهِ وَالْعَوَائِدُ شَهَادَةٌ بِذَلِكَ وَمَسْأَلَةُ التَّطْلِيقِ بِالْإِعْسَارِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ أَنَّ الْمَرْأَةَ هُنَا ظَالِمَةٌ قَاصِدَةٌ لِلْفَسَادِ فَنَاسَبَ أَنْ تُعَاقَبَ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهَا فِي إبْطَالِ تَصَرُّفِهَا بِالزَّوَاجِ لِأَنَّهَا تَعْلَمُ أَنَّهَا أَسْقَطَتْ النَّفَقَةَ وَأَنَّهَا مُبْطِلَةٌ فِي جَمِيعِ تَصَرُّفِهَا وَدَعْوَاهَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا عِلْمٌ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الَّذِي يَقُولُ عَائِشَةُ طَالِقٌ فَإِنَّ الْحُكْمَ هُنَا يَبْنِي عَلَى اسْتِصْحَابِ الْحَالِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ زَوَاجِهِ لِامْرَأَةٍ أُخْرَى وَاسْتِصْحَابِ الْوَلِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَا وَتَعَذَّرَ الْفِعْلُ عَقْلًا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا إذَا أَمْكَنَهُ الْفِعْلُ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ تَعَذَّرَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَالْمُرَادُ بِالْمُتَعَذِّرِ عَقْلًا مَا كَانَ فِعْلُهُ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ فَلِذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَالشَّافِعِيُّ إذَا حَلَفَ لَيَذْبَحَنَّ الْحَمَامَةَ فَقَامَ مَكَانَهُ فَوَجَدَهَا مَيِّتَةً لَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَقَالَ مَالِكٌ الْحَالِفُ لَيَضْرِبَنَّ امْرَأَتَهُ إلَى سَنَةٍ فَتَمُوتُ قَبْلَ السَّنَةِ لَمْ يَحْنَثْ بِمَوْتِهَا وَهُوَ عَلَى بِرٍّ فَجَعَلُوا مَوْتَ الْحَمَامِ وَالْحَيَوَانِ مِنْ الْمُتَعَذِّرِ عَقْلًا مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ عَقْلًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْيِ الْحَمَامَ وَالْحَيَوَانَ حَتَّى يَتَأَتَّى فِيهِ أَفْعَالُ الْأَحْيَاءِ لَكِنَّ ذَلِكَ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ أَمَّا الْمُتَعَذِّرُ عَادَةً وَهُوَ مَا يَكُونُ الْفِعْلُ مَعَهُ مُمْكِنًا شَرْعًا وَعَقْلًا أَوْ الْمُتَعَذِّرُ شَرْعًا وَهُوَ مَا يَكُونُ الْفِعْلُ مَعَهُ مُمْكِنًا عَادَةً وَعَقْلًا فَهُمَا مُنْدَرِجَانِ فِي الْيَمِينِ عَمَلًا بِظَاهِرِ اللَّفْظِ فَإِنَّ الْحَلِفَ اقْتَضَى الْفِعْلَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ إلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى إخْرَاجِهِ وَقِيلَ الْمُتَعَذِّرَاتُ كُلُّهَا سَوَاءٌ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ إنْ حَلَفَ لَيَرْكَبَنَّ الدَّابَّةَ فَتُسْرَقُ يَحْنَثُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ الْفِعْلَ أَيْ فِي ذَاتِهِ مُمْكِنٌ عَادَةً وَإِنَّمَا مَنَعَهُ السَّارِقُ بِخِلَافِ مَوْتِ الْحَمَامِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ أَيْ عَادَةً بِسَبَبِ السَّرِقَةِ فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ بَرَّ لِتَعَذُّرِ الْفِعْلِ عَقْلًا وَمَنْعُ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَحِقِّ كَالسَّارِقِ وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ فَكَاتَبَهُ أَوْ لَيَبِيعَنَّ أَمَتَهُ فَوَجَدَهَا حَامِلًا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَانِعَ شَرْعِيٌّ وَالْفِعْلُ أَيْ فِي ذَاتِهِ مُمْكِنٌ أَيْ عَادَةً وَعَقْلًا. وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ أَيْ شَرْعًا وَإِنْ حَلَفَ لِيَطَأهَا فَوَجَدَهَا حَائِضًا يُخَرَّجُ الْحِنْثُ عَلَى الْخِلَافِ وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ رَمَضَانَ وَشَوَّالًا إنْ صَامَ يَوْمَ الْفِطْرِ بَرَّ وَإِلَّا حَنِثَ وَلَيْسَ الْفِعْلُ مَعَ السَّارِقِ وَنَحْوِهِ بِمُسْتَحِيلٍ عَادَةً لِأَنَّ مِنْ الْمُمَكَّنِ عَادَةً الْقُدْرَةَ عَلَى السَّارِقِ وَالْغَاصِبِ وَيَفْعَلُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْأَصْلِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَفِي الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِهِ وَحَاشِيَتَيْهِ مَا حَاصِلُهُ وَحَنِثَ بِفَوْتِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ حَيْثُ لَا نِيَّةَ لَهُ إنْ قَدَرَ مَثَلًا وَلَا بِسَاطَ بِذَلِكَ وَلَوْ لِمَانِعٍ شَرْعِيٍّ مُطْلَقًا أَيْ تَأَخَّرَ أَمْ لَا فَرَّطَ أَمْ لَا أَقَتَّ أَمْ لَا وَمِنْ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ أَنْ يَحْلِفَ لَيَصُومَنَّ غَدًا فَمَرِضَ فَإِنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ الْعَادِي حَيْثُ لَمْ يُطْلِقْهُ وَالشَّرْعِيُّ لِحُرْمَةِ ضَرَرِ نَفْسِهِ وَأَمَّا إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ عِيدٌ فَنَقَلَ السَّيِّدُ عِنْدَ قَوْلِهِ أَنْ يُكْرَهَ عَنْ عج عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ عَدَمُ الْحِنْثِ لِأَنَّ بِسَاطَ يَمِينِهِ إنْ كَانَ يُصَامُ وَمِنْ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ أَيْضًا حَلِفُهُ لَيَبِيعَنَّ الْأَمَةَ فَوَجَدَهَا حَمَلَتْ مِنْهُ أَوْ لَيَطَأَنَّهَا اللَّيْلَةَ فَحَاضَتْ فِيهَا فَيَحْنَثُ فِيهِمَا وَأَمَّا لَيَطَأَنَّهَا وَأَطْلَقَ فَيَنْتَظِرُ طُهْرَهَا وَانْظُرْ لِمَ لَا يَجْعَلُونَهُمَا كَمَسْأَلَةِ يَوْمِ الْعِيدِ السَّابِقَةِ. وَكَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْحَمْلُ وَالْحَيْضُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَطْرَأُ أَرْجَعُوهُمَا لِلْمَوَانِعِ وَأَمَّا الْعِيدِيَّةُ فَذَاتِيَّةُ يَوْمِ الْعِيدِ لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ عَلَى أَنَّ مَسَائِلَ الْأَيْمَانِ خِلَافِيَّةٌ جِدًّا فَرُبَّمَا وَقَعَ فِيهَا تَلْفِيقٌ مِنْ قَوْلَيْنِ فَلَمْ تَجْرِ عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ كَعَادِيٍّ مُتَأَخِّرٍ

[الفرق بين قاعدة المساجد الثلاثة يجب المشي إليها والصلاة فيها إذا نذرها وقاعدة غيرها من المساجد لا يجب المشي إليها إذا نذر الصلاة فيهما]

بِعَدَمِ الْعَقْدِ عَلَى مُوَلِّيَتِهِ فَإِنَّ الْعُقُودَ لِأَوْلِيَائِهَا غَالِبًا بِخِلَافِ عُقُودِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ لَا يَشْتَهِرُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَإِنْ قُلْت الطَّلَاقُ بِسَبَبِ الْغَيْبَةِ أَيْضًا اعْتَمَدَ الْحَاكِمُ فِيهِ عَلَى الْأَصْلِ الْعَدَمِيِّ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إيصَالِ حُقُوقِهَا إلَيْهَا قُلْت الْغَيْبَةُ صُورَةٌ ظَاهِرَةٌ تَشْهَدُ بِعَدَمِ زَوَاجِ امْرَأَةٍ أُخْرَى تُسَمَّى عَائِشَةُ فَإِذَا تَقَرَّرَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَا وَقَعَ فِيهِ حُكْمٌ فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ أَنَّ الْوَلِيَّ الْعَاقِدَ لِلْعَقْدِ الثَّانِي مَا دُوِّنَ لَهُ فِي الْعَقْدِ إجْمَاعًا وَلَيْسَ لَهُ مُعَارِضٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَالْمَرْأَةُ لَمَّا تَزَوَّجَتْ هَهُنَا مَعَ قَوْلِ الزَّوْجِ لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى تُسَمَّى عَائِشَةَ قَوْلٌ ظَاهِرُهُ الصِّدْقُ فَإِنَّهُ مُسْلِمٌ عَاقِلٌ وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ مُمْكِنٍ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ قِبَلِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ فِيهِ كَمَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ فِي حَيْضِهَا وَطُهْرِهَا وَسَقْطِهَا وَانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لِأَنَّهَا أُمُورٌ لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْ قِبَلِهَا فَكَذَلِكَ هَهُنَا قَوْلُ الزَّوْجِ مُعَارَضٌ بِتَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ وَتَصَرُّفِ وَلِيِّهَا فِي الْعَقْدِ وَالْوَلِيُّ الثَّانِي فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ لَا ظَاهِرَ يُعَارِضُهُ فَكَانَ بِالنُّفُوذِ أَوْلَى. وَأَمَّا الْأَمَةُ تَخْتَارُ نَفْسَهَا فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ أَنَّ زَوْجَهَا مُتَهَافِتٌ عَلَيْهَا مُتَعَلِّقٌ بِهَا غَايَةَ التَّعَلُّقِ بِسَبَبِ أَنَّهَا نَزَعَتْ عِصْمَتَهَا مِنْهُ قَهْرًا وَالنُّفُوسُ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ مَا مُنِعَتْ مِنْهُ فَنَاسَبَ ذَلِكَ الرَّدَّ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ لَمْ يَحْصُلْ لِلزَّوْجِ الْمَعْقُودِ لَهُ أَوَّلًا هَذَا التَّعَلُّقَ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ الْمَرْأَةَ وَلَمْ يُبَاشِرْهَا فَكَانَتْ أَوْلَى بِالْفَوَاتِ عَلَيْهِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ الرَّافِعُ لِلنُّقُوضِ الْأَرْبَعَةِ وَإِذَا انْدَفَعَتْ النُّقُوضُ بِالْفَرْقِ صَحَّ الْمُدْرَكُ وَتَبَيَّنَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَكَالَاتِ فِي الْبِيَاعَاتِ وَقَاعِدَةِ الْوَكَالَاتِ فِي الْأَنْكِحَةِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ فَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ الْحُجَّةِ مَا لَمْ أَرَهُ قَطُّ لِأَحَدٍ فَإِنَّ الْمَكَانَ فِي غَايَةِ الْعُسْرِ وَالْقَلَقِ وَالْبُعْدِ عَنْ الْقَوَاعِدِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا لُوحِظَتْ هَذِهِ الْمَبَاحِثُ قَرُبَتْ مِنْ الْقَوَاعِدِ وَظَهَرَ وَجْهُ الصَّوَابِ فِيهَا لَا سِيَّمَا وَجَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ أَفْتَوْا بِهَا فَلَا بُدَّ لِعُقُولِهِمْ الصَّافِيَةِ مِنْ قَوَاعِدَ يُلَاحِظُونَهَا وَلَعَلَّهُمْ لَاحَظُوا مَا ذَكَرْته وَبِهَذَا ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَلِيَّيْنِ وَالْوَكِيلَيْنِ فِي عُقُودِ الْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَاتِ وَغَيْرِهَا فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْأَوَّلُ فَقَطْ الْتَحَقَ بِالثَّانِي تَسْلِيمٌ أَمْ لَا وَقَدْ وَقَعَ لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْجَلَّابِ أَنَّ الْوَكِيلَ وَالْمُوَكِّلَ إذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ انْعَقَدَ عَقْدُ السَّابِقِ إلَّا أَنْ يَتَّصِلَ بِالثَّانِي تَسْلِيمٌ قَالَ الْأَصْحَابُ هَذَا قِيَاسٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا عِبْرَةَ بِالتَّسْلِيمِ وَالْفَرْقُ أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْيَمِينِ فَرَّطَ أَمْ لَا أَقَتَّ أَمْ لَا كَسَرِقَةِ الْحَمَامِ فِي لَيَذْبَحَنَّهُ كَعَقْلِيٍّ تَشْبِيهٌ بِالْعَادِي فِي الْحِنْثِ مَعَ التَّأَخُّرِ وَقَوْلُهُ إنْ فَرَّطَ وَلَمْ يُؤَقِّتْ قَيْدٌ فِي الْمُشَبَّهِ فَإِنْ بَادَرَ وَأَقَّتَ وَلَمْ يُبَادِرْ فَلَا حِنْثَ قَالَ الْبَلِيدِي وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ مَا إذَا حَلَفَ ضَيْفٌ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ لَا يَذْبَحُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ قَدْ ذَبَحَ أَوْ لَيَفْتَضِنَّ زَوْجَتَهُ فَوَجَدَ عُذْرَتَهَا سَقَطَتْ فَلَا حِنْثَ أَيْ لِأَنَّ رَفْعَ الْوَاقِعِ وَتَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ عَقْلًا فَهُوَ مَانِعٌ مُتَقَدِّمٌ وَمِنْ حُسْنِ نَظْمِ عَجَّ: إذَا فَاتَ مَحْلُوفٌ عَلَيْهِ لِمَانِعٍ ... إذَا كَانَ شَرْعِيًّا فَحِنْثُهُ مُطْلَقَا كَعَقْلِيٍّ أَوْ عَادٍ إنْ يَتَأَخَّرَ ... وَفَرَّطَ حَتَّى فَاتَ دَامَ لَك الْبَقَا وَإِنْ وَقَّتَ أَوْ قَدْ كَانَ مِنْهُ تَبَادُرٌ ... فَحِنْثُهُ بِالْعَادِي لَا غَيْرُ حُقِّقَا وَإِنْ كَانَ كُلٌّ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُمَا ... فَلَا حِنْثَ فِي حَالٍ فَخُذْهُ مُحَقَّقَا اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الفرق بَيْن قَاعِدَةِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ يَجِبُ الْمَشْيُ إلَيْهَا وَالصَّلَاةُ فِيهَا إذَا نَذْرَهَا وَقَاعِدَة غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ لَا يَجِبُ الْمَشْيُ إلَيْهَا إذَا نَذَرَ الصَّلَاةَ فِيهِمَا] (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ يَجِبُ الْمَشْيُ إلَيْهَا وَالصَّلَاةُ فِيهَا إذَا نَذَرَهَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ لَا يَجِبُ الْمَشْيُ إلَيْهَا إذَا نَذَرَ الصَّلَاةَ فِيهَا) مَعَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ فِي النَّذْرِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِعْلُ الْأَعْلَى عَنْ فِعْلِ الْأَدْنَى إذَا نَذَرَهُ فَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِرَغِيفٍ لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَوْبٍ وَإِنْ كَانَ أَعْظَمَ مِنْهُ وَقْعًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يُصَلِّيَهُ بَدَلًا عَنْ الصَّوْمِ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ لَمْ يُجْزِهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِآلَافٍ مِنْ الدَّنَانِيرِ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ وَالضُّعَفَاءِ وَلَا أَنْ يُصَلِّيَ السِّتِّينَ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ فِعْلُ الْأَعْلَى عَنْ فِعْلِ الْأَدْنَى وَإِنْ كَانَ الْأَعْلَى أَعْظَمَ قَدْرًا لِأَنَّ فِي تَرْكِ الْأَدْنَى الْمَنْذُورِ مُخَالَفَةَ النَّذْرِ وَإِذَا خُولِفَ الْمَنْذُورُ حَصَلَ ارْتِكَابُ الْمَمْنُوعِ وَهُوَ عَدَمُ الْوَفَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى بِمَا الْتَزَمَ لِوَجْهِهِ فَمَا وَجْهُ مُخَالَفَةِ الْفُقَهَاءِ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فِيمَنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَفِيمَنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَهُوَ بِمَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ حَيْثُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَالَ عَلَى أَنْ آتِيَ إلَى الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ الْمَشْيَ إلَيْهِمَا فَلَا يَأْتِي إلَيْهِمَا حَتَّى يَنْوِيَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدَيْهِمَا أَوْ مَا يُلَازِمُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَسَاجِدِ صَلَّى بِمَوْضِعِهِ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ نَاذِرُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إذَا نَذَرَهُ قَالَ وَالْمَشْيُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْمَشْيَ فِي الْقُرَبِ أَفْضَلُ وَهُوَ قُرْبَةٌ وَهُوَ مُقْتَضَى أَصْلِ مَالِكٍ أَنْ يَأْتِيَ الْمَكِّيُّ

كَشْفَ النِّكَاحِ مَضَرَّةٌ عَظِيمَةٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالتَّخْرِيجُ مَعَ قِيَامِ الْفَارِقِ بَاطِلٌ إجْمَاعًا وَلَمْ أَجِدْ لِمَالِكٍ وَلَا لِأَصْحَابِهِ نَصًّا فِي الْوَكِيلَيْنِ أَنَّ التَّسْلِيمَ يُفِيتُ بَلْ فِي الْمُوَكِّلِ. وَالْوَكِيلِ خَاصَّةً فَلَوْ رَامَ مَخْرَجَ تَخْرِيجِ الْوَكِيلَيْنِ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ لَتَعَذَّرَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْفَرْقِ أَيْضًا وَهُوَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَهُ التَّصَرُّفُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَالْوَكِيلَ لَهُ التَّصَرُّفُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ فَهُوَ فَرْعٌ فَإِنْ تَأَخَّرَ عَقْدُهُ وَوَقَعَ التَّسْلِيمُ فِي عَقْدِ الْمُوَكِّلِ أَمْكَنَ أَنْ يَقُولَ مَالِكٌ ذَلِكَ عِنْدِي مُضَافٌ لِلتَّسْلِيمِ وَكَوْنُهُ مُتَصَرِّفًا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَالْأَصَالَةُ لَهَا قُوَّةٌ وَلَهُ أَيْضًا قُوَّةُ الْعَزْلِ وَالتَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ وَهُوَ مَعْنًى مُنَاسِبٌ مَفْقُودٌ فِي الْوَكِيلَيْنِ فَإِنَّ كُلِيهِمَا فَرْعٌ لَا أَصَالَةَ لَهُ فَلَا يَنْعَقِدُ عَقْدُ اللَّاحِقِ مِنْهُمَا مُطْلَقًا اتَّصَلَ بِهِ قَبْضٌ أَمْ لَا وَمَهْمَا وَجَدْنَا مَعْنًى يُمْكِنُ أَنْ يُلَاحِظَهُ الْإِمَامُ امْتَنَعَ التَّخْرِيجُ عَلَى مَحَلِّ ذَلِكَ الْفَارِقِ كَمَا أَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا وَجَدَ مَعْنًى يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فَارِقًا امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْقِيَاسُ فَالْمُقَلِّدُ مَعَ الْمُجْتَهِدِ كَالْمُجْتَهِدِ مَعَ الشَّارِعِ فَإِنْ قُلْت الْوَكِيلَانِ فِي النِّكَاحِ فَرْعَانِ لَا مُتَأَصِّلَ فِيهِمَا فَيَسْقُطُ مَا ذَكَرْته مِنْ الْمُنَاسَبَةِ قُلْت مَا ذَكَرْته مُسَلَّمٌ غَيْرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهَا الِاسْتِقْلَالُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ التَّأَصُّلِ وَهَهُنَا يُمْكِنُ الِاسْتِقْلَالُ فَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ إمْكَانُ الِاسْتِقْلَالِ فَرْقًا يُلَاحِظُهُ الْإِمَامُ فَيَتَعَذَّرُ التَّخْرِيجُ، وَالصَّوَابُ عَدَمُ التَّخْرِيجِ مُطْلَقًا فِي الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ وَالْوَكِيلَيْنِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِمَاءِ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ عَدَدٍ أَيِّ عَدَدٍ شَاءَ مِنْهُنَّ كَثُرَ أَوْ قَلَّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الزَّوْجَاتِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ) وَهُوَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْوَسَائِلَ تَتَّبِعُ الْمَقَاصِدَ فِي أَحْكَامِهَا فَوَسِيلَةُ الْمُحَرَّمِ مُحَرَّمَةٌ وَوَسِيلَةُ الْوَاجِبِ وَاجِبَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِمَاءِ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ عَدَدٍ أَيِّ عَدَدٍ شَاءَ مِنْهُنَّ كَثُرَ أَوْ قَلَّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الزَّوْجَاتِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ) قُلْت كُلُّ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرَ قَوْلِهِ: إنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْوَسَائِلَ تَتْبَعُ الْمَقَاصِدَ فِي الْأَحْكَامِ فَإِنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ فِيهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ أَعْنِي الْوَسَائِلَ الْعَادِيَّةَ أَمَّا الْوَسَائِلُ الشَّرْعِيَّةُ فَذَلِكَ فِيهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَغَيْرُ قَوْلِهِ إنَّ الْوَسَائِلَ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْ الْمَقَاصِدِ فَإِنَّهُ إمَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهَا أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْ حَيْثُ هِيَ وَسَائِلُ وَتِلْكَ مَقَاصِدُ فَهَذَا كَلَامٌ لَيْسَ مَعَنَا إلَّا أَنَّ هَذِهِ وَسَائِلُ وَتِلْكَ مَقَاصِدُ فَلَا فَائِدَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَدِينَةَ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ فَإِتْيَانُهَا مِنْ مَكَّةَ قُرْبَةٌ بِخِلَافِ الْإِتْيَانِ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ وَقَدَّمَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ يَمْشِي إلَى غَيْرِ الثَّلَاثَةِ الْمَسَاجِدِ مِنْ الْمَسَاجِدِ إنْ كَانَ قَرِيبًا كَالْأَمْيَالِ الْيَسِيرَةِ مَاشِيًا وَيُصَلِّي فِيهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا كَانَ بِمَوْضِعِهِ مَسْجِدُ جُمُعَةٍ لَزِمَهُ الْمَشْيُ إلَيْهِ وَقَالَ مَالِكٌ وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ بِمَسْجِدٍ قُبَاءَ وَهُوَ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَفِي الْجَوَاهِرِ النَّاذِرُ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ وَنَذَرَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ مَوْضِعِهِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ بِالْأَقْصَى مَضَى إلَيْهِمَا وَيَمْشِي الْمَكِّيُّ إلَى الْمَدِينَةِ وَالْمَدَنِيُّ إلَى مَكَّةَ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ. وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إلَّا لِثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هَذَا وَمَسْجِدِ إيلِيَاءَ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» إنَّمَا وَرَدَ بِعَدَمِ إعْمَالِ الْمَطِيّ لَا بِعَدَمِ الْمَشْيِ جُمْلَةً وَإِعْمَالُ الْمَطِيِّ أَخَصُّ مِنْ الْمَشْيِ مُطْلَقًا وَنَفْيُ الْأَخَصِّ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْأَعَمِّ فَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ لَا يَتَحَمَّلَ مَشَقَّةَ السَّفَرِ الَّذِي يُحْوِجُ إلَى إعْمَالِ الْمَطِيِّ إلَّا لِهَذِهِ الْمَسَاجِدِ فَيَتَبَقَّى السَّفَرُ الَّذِي لَا يُحْوِجُ إلَى إعْمَالِ الْمَطِيِّ. وَمَا دُونَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ سَفَرًا مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ قُلْت لَمْ يُخَالِفْ الْفُقَهَاءُ الْقَاعِدَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي مَسْأَلَةِ نَاذِرِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَوْ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ إنَّمَا اقْتَضَتْ مَنْعَ نِيَابَةِ الْجِنْسِ الْأَعْلَى مِنْ الْعِبَادَاتِ عَنْ الْجِنْسِ الْأَدْنَى مِنْهَا وَكَذَلِكَ نِيَابَةِ الْجِنْسِ الْأَعْلَى مِنْ مُتَعَلَّقِ الْعِبَادَاتِ عَنْ الْجِنْسِ الْأَدْنَى مِنْهُ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَةَ النَّذْرِ فَلَمْ يَنُبْ الْقَمْحُ عَنْ الشَّعِيرِ وَلَا الصَّلَاةُ عَنْ الصَّوْمِ مَثَلًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَنْذُرْ الْقَمْحَ وَلَا الصَّلَاةَ فَلَوْ فَعَلَ التَّصَدُّقَ بِالْقَمْحِ بَدَلَ الشَّعِيرِ أَوْ فَعَلَ الصَّلَاةَ بَدَلَ الصَّوْمِ لَكَانَ قَدْ خَالَفَ مَا الْتَزَمَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ لِلنَّذْرِ أَثَرٌ إلَّا فِي تَصْيِيرِ الْمَنْدُوبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَنْدُوبٌ خَاصَّةً وَاجِبًا وَأَمَّا نِيَابَةُ الصِّفَةِ الْعُلْيَا مِنْ صِفَاتِ مُتَعَلَّقِ الْعِبَادَةِ عَنْ الدُّنْيَا فَلَا تَقْتَضِي الْقَاعِدَةُ مَنْعَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلنَّذْرِ فَيَجُوزُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ أَنَّ جِنْسَ الْعِبَادَةِ أَوْ جِنْسَ مُتَعَلَّقِهَا هُوَ جِنْسٌ مَقْصُودٌ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ وَأَمَّا صِفَةُ مُتَعَلِّقِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّمَا هُوَ صِفَةٌ لَيْسَتْ مَقْصُودًا لِلشَّارِعِ وَعَلَى الصِّفَةِ تَتَخَرَّجُ الْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ فَلَا إشْكَالَ أَصْلًا قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ. قَالَ وَتَلْخِيصُ الْقَوْلِ فِي الْمَنْذُورَاتِ عِنْدِي أَنَّ النَّاذِرَ عَمَلًا إذَا نَذَرَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَنْذُورُهُ ذَلِكَ مُعَيَّنَ الشَّخْصِ كَمَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ أَتَصَدَّقَ بِهَذَا الثَّوْبِ أَوْ لَا يَكُونَ مَنْذُورُهُ ذَلِكَ مُعَيَّنَ الشَّخْصِ فَإِنْ كَانَ مَنْذُورُهُ ذَلِكَ مُعَيَّنَ الشَّخْصِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ النَّذْرِ إلَّا ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ أَوْ لَمْ يَكُنْ مَنْذُورُهُ ذَلِكَ مُعَيَّنَ الشَّخْصِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنَ النَّوْعِ كَمَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ أَوْ لَا يَكُونَ

وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ غَيْرَ أَنَّهَا أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْهَا وَوَسِيلَةُ أَقْبَحِ الْمُحَرَّمَاتِ أَقْبَحُ الْوَسَائِلِ وَوَسِيلَةُ أَفْضَلِ الْوَاجِبَاتِ أَفْضَلُ الْوَسَائِلِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَبْسُوطَةً وَمُضَارَّةُ الْمَرْأَةِ تَجْمَعُهَا مَعَ امْرَأَةٍ أُخْرَى فِي عِصْمَةٍ وَسِيلَةٌ لِلشَّحْنَاءِ فِي الْعَادَةِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا وَقَدْ جُعِلَ ذَلِكَ فِي شَرِيعَةِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ عِنْدَهُمْ فَلَا يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ إلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً تَقْدِيمًا لِمَصْلَحَةِ النِّسَاءِ عَلَى مَصْلَحَةِ الرِّجَالِ بِنَفْيِ الْمُضَارَّةِ وَالشَّحْنَاءِ. وَيُقَالُ إنَّ ذَلِكَ شُرِعَ عَكْسُهُ فِي التَّوْرَاةِ لِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَجُوزُ لِلرَّجُلِ زَوَاجُ عَدَدٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ يَجْمَعُ بَيْنَهُنَّ تَغْلِيبًا لِمَصْلَحَةِ الرِّجَالِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ عَلَى مَصْلَحَةِ النِّسَاءِ فِي الشَّحْنَاءِ وَالْمُضَارَّةِ وَلَمَّا كَانَتْ شَرِيعَتُنَا أَفْضَلَ الشَّرَائِعِ جُمِعَ فِيهَا بَيْنَ مَصْلَحَتَيْ الْفَرِيقَيْنِ فَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَيَحْصُلَ لَهُ بِذَلِكَ قَضَاءُ إرْبِهِ وَيَخْرُجَ بِهِ عَنْ حَيِّزِ الْحَجْرِ وَيُضَافُ لِذَلِكَ التَّسَرِّي بِمَا شَاءَ وَرُوعِيَتْ أَيْضًا مَصَالِحُ النِّسَاءِ فَلَا تُضَارَّ زَوْجَةٌ مِنْهُنَّ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ وَسِرُّ الِاقْتِصَارِ فِي الْمُضَارَّةِ عَلَى ثَلَاثٍ أَنَّ الثَّلَاثَةَ اُغْتُفِرَتْ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ فَتَجُوزُ الْهِجْرَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْإِحْدَادُ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَهَذِهِ الصُّوَرُ كُلُّهَا الثَّلَاثُ مُسْتَثْنَاةٌ عَلَى خِلَافِ الْأُصُولِ فَكَذَلِكَ لَمَّا كَانَتْ الشَّحْنَاءُ وَالْمُضَارَّةُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ اسْتَثْنَى ثَلَاثَ زَوْجَاتٍ يُضَارُّ بِهِنَّ زَوْجَةٌ أُخْرَى هَذَا فِي الْأَجْنَبِيَّاتِ وَالْبَعِيدِ مِنْ الْقَرَابَاتِ وَحَافَظَ الشَّرْعُ عَلَى الْقَرَابَاتِ الْقَرِيبَةِ وَصَوْنِهَا عَنْ التَّفَرُّقِ وَالشَّحْنَاءِ فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا وَلَا أُمِّهَا لِأَنَّهَا أَعْظَمُ الْقَرَابَاتِ حِفْظًا لِبِرِّ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَيَلِي ذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَيَلِي ذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا لِكَوْنِهَا مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ وَبِرُّهَا آكِدٌ مِنْ بِرِّ الْأَبِ يَلِيهِ الْمَرْأَةُ وَعَمَّتُهَا لِأَنَّهَا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ ثُمَّ خَالَةُ أُمِّهَا ثُمَّ خَالَةُ أَبِيهَا ثُمَّ عَمَّةُ أُمِّهَا ثُمَّ عَمَّةُ أَبِيهَا فَهَذَا مِنْ بَابِ تَحْرِيمِ الْوَسَائِلِ لَا مِنْ بَابِ تَحْرِيمِ الْمَقَاصِدِ وَلَمَّا كَانَتْ الْأُمُّ أَشَدَّ بِرًّا بِابْنَتِهَا مِنْ الِابْنَةِ بِأُمِّهَا لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ عَلَيْهَا كَافِيًا فِي بَعْضِهَا لِابْنَتِهَا إذَا عُقِدَ عَلَيْهَا لِضَعْفِ مَيْلِهَا لِلزَّوْجِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَعَدَمِ مُخَالَطَتِهِ فَاشْتُرِطَ فِي التَّحْرِيمِ إضَافَةُ الدُّخُولِ ـــــــــــــــــــــــــــــSفِيهِ وَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْوَسَائِلَ الْمُحَرَّمَةَ مَثَلًا أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْ مَقَاصِدِهَا فِيمَا تَرْجِعُ إلَى الْعِقَابِ عَلَيْهَا فَذَلِكَ دَعْوَى لَمْ يَأْتِ عَلَيْهَا بِحُجَّةٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنَ النَّوْعِ فَلَا يَخْلُو مَعَ كَوْنِهِ مُعَيَّنَ النَّوْعِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنَ الصِّفَةِ أَوْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنَ الصِّفَةِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَقْصِدٌ شَرْعِيٌّ أَوْ لَا تَكُونَ كَذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنَ النَّوْعِ فَقَطْ فَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا ذَلِكَ النَّوْعُ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنَ النَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالصِّفَةُ مُتَعَلِّقُ الْمَقْصِدِ الشَّرْعِيِّ فَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنَ النَّوْعِ وَالصِّفَةِ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَقْصِدٌ شَرْعِيٌّ فَلَا يُجْزِئُهُ بِأَدْنَى مِنْ تِلْكَ الصِّفَةِ وَيُجْزِئُهُ بِأَعْلَى مِنْهَا وَعَلَى هَذَا الْقِسْمِ تَتَخَرَّجُ الْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنِ النَّوْعِ كَمَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْمَلَ عَمَلًا صَالِحًا فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ أَيُّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ عَمِلَهُ اهـ وَمِنْهُ يَتَّضِحُ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ وُجُوبِ الْمَشْيِ عَلَى مَنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ بِغَيْرِهَا وَبَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ وُجُوبِ الْمَشْيِ عَلَى مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ لِمَسْجِدٍ مِنْ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ. وَهُوَ فِي أَحَدِهَا لِأَنَّ الْقَاعِدَتَيْنِ مِنْ قِسْمِ مَا تَعَيَّنَ فِيهِ النَّوْعُ الْمَنْذُورُ وَصِفَتُهُ الَّتِي هِيَ زِيَادَةُ مُضَاعَفَةِ ذَلِكَ النَّوْعِ فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ عَلَى مُضَاعَفَتِهِ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ مَعَ كَوْنِ تِلْكَ الصِّفَةِ مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَقْصِدٌ شَرْعِيٌّ وَالْحُكْمُ فِي هَذَا الْقِسْمِ كَمَا عَلِمْت أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ بِأَدْنَى مِنْ تِلْكَ الصِّفَةِ وَيُجْزِئُ بِأَعْلَى مِنْهَا فَوَجَبَ الْمَشْيُ فِي الْقَاعِدَةِ الْأُولَى لِكَوْنِ النَّوْعِ الْمُعَيَّنِ الْمَنْذُورِ فِيهَا أَعْلَى مُضَاعَفَةً فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مِنْ مُضَاعَفَتِهِ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ فَيُجْزِئُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ شَأْنَ النَّذْرِ تَصْيِيرُ الْمَنْدُوبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَنْدُوبٌ وَاجِبًا وَوَسِيلَةُ الْوَاجِبِ وَاجِبَةٌ فَلِذَا وَجَبَ الْمَشْيُ هُنَا وَلَمْ يَجِبْ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ لِكَوْنِ النَّوْعِ الْمُعَيَّنِ الْمَنْذُورِ فِيهَا أَدْنَى مُضَاعَفَةً فِي مَسْجِدٍ مِنْ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مِنْ مُضَاعَفَتِهِ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا فَلَا يُجْزِئُ إلَّا فِعْلُهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لِكَوْنِهِ فِيهِ أَعْلَى مُضَاعَفَةً فَلِذَا لَمْ يَجِبْ الْمَشْيُ هُنَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ مَنْصُورُ بْنُ إدْرِيسَ الْحَنْبَلِيُّ فِي شَرْحِهِ كَشَّافِ الْقِنَاعِ عَلَى مَتْنِ الْإِقْنَاعِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْحَجِّ اُسْتُحِبَّ لَهُ زِيَارَةُ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْرِ صَاحِبَيْهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَا نَصُّهُ لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَجَّ فَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ وَفَاتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي» وَفِي رِوَايَةٍ «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» رَوَاهُ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ سَعِيدٌ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ لَازِمُ اسْتِحْبَابِ زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتِحْبَابُ شَدِّ الرِّحَالِ إلَيْهَا لِأَنَّ زِيَارَةَ الْحَاجِّ بَعْدَ حَجِّهِ لَا تُمْكِنُ بِدُونِ شَدِّ الرَّحْلِ فَهَذَا كَالتَّصْرِيحِ بِاسْتِحْبَابِ شَدِّ الرَّحْلِ لِزِيَارَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اهـ قُلْت وَلَعَلَّ إمَامَنَا مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُشِيرُ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ عِبَارَةِ الْمُدَوَّنَةِ فَلَا يَأْتِي إلَيْهِمَا حَتَّى يَنْوِيَ

[الفرق بين قاعدة المنذورات وقاعدة غيرها من الواجبات الشرعية]

إلَى الْعَقْدِ وَكَانَ الْعَقْدُ كَافِيًا فِي بُغْضِ الْبِنْتِ لِضَعْفِ وُدِّهَا فَتَحْرُمُ بِالْعَقْدِ لِئَلَّا تَعُقَّ أُمَّهَا فَهَذَا تَلْخِيصُ أَمْرِ الزَّوْجَاتِ. وَأَمَّا الْإِمَاءُ فَلَمَّا كُنَّ فِي الْغَالِبِ لِلْخِدْمَةِ وَالْهَوَانِ لَا لِلْوَطْءِ وَالِاصْطِفَاءِ بَعُدَتْ مُنَاسَبَتُهُنَّ فِي شَيْءٍ لَيْسَ هُوَ وَصْفُهُنَّ وَوُقُوعُهُ نَادِرٌ فِيهِنَّ وَالْمَهَانَةُ مِنْ جِهَةِ ذُلِّ الرِّقِّ تَمْنَعُ مِنْ الْإِبَاءِ وَالْأَنَفَةِ وَالْمُنَافَسَةِ فِي الْحُظُوظِ بِخِلَافِ الزَّوَاجِ مَبْنِيٍّ عَلَى الْعِزِّ وَالِاصْطِفَاءِ وَالْإِعْزَازِ وَالتَّخْصِيصِ بِالْوَطْءِ وَالْخِدْمَةُ إنَّمَا تَقَعُ فِيهِ تَبَعًا عَكْسُ بَابِ الْإِمَاءِ الْخِدْمَةُ أَصْلٌ وَالْوَطْءُ إنَّمَا يَقَعُ فِيهِ تَبَعًا فَلِذَلِكَ لَمْ يَقَعْ الْعَدَدُ مَحْصُورًا فِي جَوَازِ وَطْءِ الْإِمَاءِ لِعَدَمِ الْمُنَافَسَة وَالشَّحْنَاءِ الَّتِي هِيَ مَوْجُودَةٌ فِي بَابِ الزَّوَاجِ وَإِنْ وُجِدَتْ كَانَتْ ضَعِيفَةً عَنْ وُجُودِهَا فِي بَابِ الزَّوَاجِ فَهَذَا هُوَ تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَرْقَيْنِ وَبَيَانُ السِّرِّ فِي ذَلِكَ (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُشْتَرَطُ فِي تَحْرِيمِ الْأُمِّ الدُّخُولُ كَمَا اُشْتُرِطَ فِي تَحْرِيمِ الْبِنْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] ثُمَّ قَالَ {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] فَقَوْلُهُ {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] صِفَةٌ تَعَقَّبَتْ الْجُمْلَتَيْنِ فَتَعُمَّهُمَا كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ إذَا تَعَقَّبَا الْجُمَلَ عَمَّا وَالْعَجَبُ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَالصِّفَةَ إذَا تَعَقَّبَا جُمَلًا عَمَّهَا وَخَالَفَ أَصْلَهُ هَهُنَا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ هَهُنَا فَقَدْ خَالَفَ أَصْلَهُ. وَجَوَابُهُ أَنَّا نَمْنَعُ الْعَوْدَ هَهُنَا عَلَى الْجُمْلَتَيْنِ وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ يَعُودُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ بِسَبَبِ أَنَّ النِّسَاءَ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى مَخْفُوضٌ بِالْإِضَافَةِ وَالنِّسَاءَ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ مَخْفُوضٌ بِحَرْفِ الْجَرِّ الَّذِي هُوَ مِنْ وَالْعَامِلُ فِي الصِّفَةِ هُوَ الْعَامِلُ فِي الْمَوْصُوفِ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَوْ كَانَ صِفَةً لِلْجُمْلَتَيْنِ لَعَمِلَ فِي الصِّفَةِ الْوَاحِدَةِ عَامِلَانِ وَهُوَ الْإِضَافَةُ وَحَرْفُ الْجَرِّ وَاجْتِمَاعُ عَامِلَيْنِ عَلَى مَعْمُولٍ وَاحِدٍ مُمْتَنِعٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ فَهَذَا هُوَ الْمَانِعُ لِلشَّافِعِيِّ مِنْ إجْرَاءِ صِلَةٍ فَإِنْ قُلْت نَعْتُ الْمَجْرُورَيْنِ أَوْ الْمَنْصُوبَيْنِ أَوْ الْمَرْفُوعَيْنِ مَعَ اخْتِلَافِ الْعَامِلِ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ بَيْنَ الْبَصْرِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ. وَلَوْ اجْتَمَعَ بَصْرِيٌّ وَكُوفِيٌّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَتَنَاظَرَانِ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَحْتَجَّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِمَذْهَبِهِ لِأَنَّ مَذْهَبَ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْآخَرِ وَهَذَا فِي بَصَرِيٍّ وَكُوفِيٍّ فَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِمَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ أَوْ بِأَحَدِ الْمَذْهَبَيْنِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ قَوْلُهُ حُجَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ عَرَبِيٌّ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ فَإِنْ قَصَدَ بِهَذَا الْكَلَامِ قِيَامَ الْحُجَّةِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لَا يَسْتَقِيمُ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الِاعْتِذَارَ عَنْ مَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالصَّلَاةَ فِي مَسْجِدَيْهِمَا أَوْ مَا يُلَازِمُ ذَلِكَ اهـ وَإِنَّ مِمَّا يُلَازِمُ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ زِيَارَةَ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ إذَا قَالَ عَلَيَّ أَنْ آتِيَ إلَى الْمَدِينَةِ وَنَوَى زِيَارَةَ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ إلَيْهَا لِذَلِكَ لِأَنَّ الزِّيَارَةَ مُسْتَحَبَّةٌ وَالْمُسْتَحَبُّ يَجِبُ بِالنَّذْرِ فَاحْفَظْ ذَلِكَ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَنْذُورَاتِ وَقَاعِدَةِ غَيْرِهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ] (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَنْذُورَاتِ وَقَاعِدَةِ غَيْرِهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ الْمُتَأَصِّلَةِ فِي الشَّرِيعَةِ) وَهُوَ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) قُصُورُ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ بِالنَّذْرِ عَنْ مَصْلَحَةِ الْوَاجِبِ الْمُتَأَصِّلِ فِي الشَّرِيعَةِ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْوَاجِبِ بِالنَّذْرِ مَصْلَحَةُ الْمَنْدُوبِ وَالِالْتِزَامُ لَا يُغَيِّرُ الْمَصَالِحَ (وَثَانِيهِمَا) إنَّ سَبَبَ الْوَاجِبِ بِالنَّذْرِ لَا يُنَاسِبُ الْوُجُوبَ لِكَوْنِهِ قَدْ يَعْرَى عَنْ الْمَصَالِحِ رَأْسًا كَطَيَرَانِ الْغُرَابِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ إنْ طَارَ الْغُرَابُ فَعَلَيَّ صَدَقَةٌ دِرْهَمٌ بِخِلَافِ الْأَسْبَابِ الْمُقَرَّرَةِ فِي أَصْلِ الشَّرِيعَةِ يَتَّضِحُ لَك هَذَا الْفَرْقُ بِأَرْبَعِ قَوَاعِدَ (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) إنَّ الْأَوَامِرَ تَتْبَعُ الْمَصَالِحَ وَالنَّوَاهِي تَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ وَكُلُّ مِنْ الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ إنْ كَانَ فِي أَدْنَى الرُّتَبِ كَانَ الْمُرَتَّبُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ النَّدْبَ وَعَلَى الْمَفْسَدَةِ الْكَرَاهَةَ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي أَعْلَى الرُّتَبِ كَانَ الْمُرَتَّبُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْوُجُوبَ وَعَلَى الْمَفْسَدَةِ التَّحْرِيمَ ثُمَّ أَنَّ كُلًّا مِنْ مَصْلَحَةِ النَّدْبِ وَمَفْسَدَةِ الْكَرَاهَةِ تَتَرَقَّى فَيَرْتَقِي النَّدْبُ بِارْتِقَاءِ مَصْلَحَتِهِ حَتَّى يَكُونَ أَعْلَى مَرَاتِبِ النَّدْبِ يَلِي أَدْنَى مَرَاتِبِ الْوُجُوبِ وَيَرْتَقِي الْمَكْرُوهُ بِارْتِقَاءِ مَفْسَدَتِهِ حَتَّى يَكُونَ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْمُكَرَّرَةِ يَلِي أَدْنَى مَرَاتِبِ التَّحْرِيمِ فَالْمَصْلَحَةُ الَّتِي تَصْلُحُ لِلنَّدَبِ لَا تَصْلُحُ لِلْوُجُوبِ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ النَّدْبُ فِي الرُّتْبَةِ الدُّنْيَا فَإِنَّ الشَّرْعَ خَصَّصَ الْمَرْتَبَةَ الْعُلْيَا مِنْ الْمَصَالِحِ بِالْوُجُوبِ وَحَثَّ عَلَيْهَا بِالزَّوَاجِرِ صَوْنًا لِتِلْكَ الْمَصْلَحَةِ عَنْ الضَّيَاعِ كَمَا أَنَّ الْمَفْسَدَةَ الَّتِي تَصْلُحُ لِلْمَكْرُوهِ لَا تَصْلُحُ لِلتَّحْرِيمِ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْمَكْرُوهُ فِي الرُّتْبَةِ الدُّنْيَا فَإِنَّ الشَّرْعَ خَصَّصَ الْمَفَاسِدَ الْعَظِيمَةَ بِالزَّجْرِ وَالْوَعِيدِ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ عَنْ الدُّخُولِ فِي الْوُجُودِ تَفَضُّلًا مِنْهُ تَعَالَى عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ لَا وُجُوبًا عَقْلِيًّا كَمَا قَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يُرَتِّبْ ذَلِكَ (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) إنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ لَمْ يَجْعَلْ شَيْئًا سَبَبَ وُجُوبِ فِعْلٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ إلَّا وَذَلِكَ السَّبَبُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَصْلَحَةٍ تُنَاسِبُ الْوُجُوبَ فَإِنْ قَصُرَتْ مَصْلَحَتُهُ عَنْ ذَلِكَ جَعَلَهُ سَبَبَ النَّدْبِ كَمَا أَنَّهُ لَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا سَبَبَ تَحْرِيمِ فِعْلٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ إلَّا وَذَلِكَ السَّبَبُ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَفْسَدَةٍ تُنَاسِبُ التَّحْرِيمَ فَإِنْ قَصُرَتْ مَفْسَدَتُهُ عَنْ ذَلِكَ جَعَلَهُ سَبَبَ الْكَرَاهَةِ مَثَلًا بَذْلُ الرَّغِيفِ لِلْجَوْعَانِ الْمُشْرِفِ عَلَى الْهَلَاكِ وَاجِبٌ وَسَبَبُ الْوُجُوبِ الضَّرُورَةُ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى حِفْظِ حَيَاتِهِ وَهِيَ مَصْلَحَةٌ عَظِيمَةٌ تَصْلُحُ لِلْوُجُوبِ وَبَذْلُ الرَّغِيفِ لِمَنْ يَتَوَسَّعُ بِهِ عَلَى عَائِلَتِهِ مِنْ غَيْرِ

فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ أَنَّ ذَلِكَ الْإِمَامَ كَانَ يَعْتَقِدُ هَذَا الْمَذْهَبَ فِي النَّحْوِ حَتَّى يُقَالَ أَصْلُهُ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ مَذْهَبَهُ فِي النَّحْوِ كَذَلِكَ بَطَلَ أَيْضًا الِاعْتِذَارُ بِهِ عَنْ صَاحِبِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ. وَمِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَ فِي النَّحْوِ لَا يَجْتَمِعُ عَامِلَانِ عَلَى مَعْمُولٍ وَاحِدٍ وَأَنَّ الْعَامِلَ فِي الصِّفَةِ هُوَ الْعَامِلُ فِي الْمَوْصُوفِ فَلَعَلَّ مَذْهَبَهُمَا أَنَّ النَّعْتَ يَرْتَفِعُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِلْمَوْصُوفِ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ النُّحَاةِ لَا بِالْعَامِلِ فِي الْمَنْعُوتِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ التَّقَادِيرِ وَهِيَ مُتَعَذِّرَةٌ قُلْت كَلَامٌ صَحِيحٌ مُتَّجَهٌ فَإِنْ قُلْت أُعِيدَ النَّعْتُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَهُوَ قَوْلُهُ {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] فَيَكُونُ الدُّخُولُ شَرْطًا فِي تَحْرِيمِ الْأُمِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَيَكُونُ الدُّخُولُ شَرْطًا فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّا لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي شَرْطِيَّةِ الدُّخُولِ فِي تَحْرِيمِ الْبِنْتِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمَانِ فِي الْجُمْلَتَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْآيَةِ وَيَكُونُ هَذَا أَوْلَى لِئَلَّا يَتَرَادَفَ الْإِجْمَاعُ وَالْآيَةُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّرَادُفِ وَمَهْمَا أَمْكَنَ تَكْثِيرُ فَوَائِدِ كَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَجَعْلُ مَدْلُولٍ لِكُلِّ دَلِيلٍ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّرَادُفِ وَالتَّأْكِيدِ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ حُكْمُ الْمَجَازِ بِالْإِجْمَاعِ وَوَرَدَ لَفْظٌ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ حُمِلَ حَقِيقَتِهِ وَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ اللَّفْظُ مُسْتَنَدُ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَلَا يَلْزَمُنَا أَنْ نُعَيِّنَ لِلْإِجْمَاعِ مُسْتَنَدًا بَلْ هُوَ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ وَلَا يَلْزَمُنَا طَلَبُ دَلِيلٍ لِلْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُسْتَنَدٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ هَهُنَا لَا يَلْزَمُنَا طَلَبُ مُسْتَنَدِ الْإِجْمَاعِ فِي اشْتِرَاطِ الدُّخُولِ فِي تَحْرِيمِ الْبِنْتِ وَيُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى فَائِدَةِ زَائِدَةٍ تَكْثِيرًا لِفَوَائِدِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَقَدْ مَثَّلُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وَالنِّكَاحُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يُحَرِّمُ عَلَى الِابْنِ فَنَحْمِلُ نَحْنُ الْآيَةَ عَلَى الْوَطْءِ فَعَلَى هَذَا إذَا وَطِئَهَا حَلَالًا أَوْ حَرَامًا حَرُمَتْ عَلَى الِابْنِ وَتَحْرُمُ بِالْعَقْدِ أَيْضًا. وَيَكُونُ هَذَا أَوْلَى لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ وَالْأَصْلُ أَيْضًا عَدَمُ التَّرَادُفِ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ فَكَذَلِكَ هَهُنَا قُلْت أَمَّا هَذَا السُّؤَالُ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّا فِي آيَةِ الرَّبَائِبِ نَحْمِلُ اللَّفْظَ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ طَلَبًا لِمُسْتَنَدِ الْإِجْمَاعِ بَلْ لِأَنَّ الْقُرْبَ يُوجِبُ الرُّجْحَانَ فَإِنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِلْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَرُجِّحَتْ الثَّانِيَةُ بِالْقُرْبِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا السُّؤَالِ وَبَيْنَ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا فَإِنَّ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ جَاءَ الْإِجْمَاعُ فِي الْمَجَازِ الْمَرْجُوحِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQضَرُورَةٍ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَسَبَبُ هَذَا النَّدْبِ التَّوْسِعَةُ فَقَطْ لَا مَعَ دَفْعِ ضَرُورَةٍ حَتَّى تَقْتَضِيَ الْوُجُوبَ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي بَقِيَّةِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ فِي بَابَيْ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي (الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) إنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ كَمَا جَعَلَ الْأَحْكَامَ عَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ قَرَّرَهُ فِي أَصْلِ شَرْعِهِ وَلَمْ يَكِلْهُ إلَى خِيَرَةِ خَلْقِهِ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقِسْمٌ وَكَلَ وُجُوبَهُ إلَى خِيَرَةِ خَلْقِهِ فَإِنْ شَاءُوا أَوْجَبُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِإِنْشَاءِ سَبَبِهِ وَهُوَ النَّذْرُ وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ كَذَلِكَ جَعَلَ الْأَسْبَابَ عَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ قَرَّرَهُ فِي أَصْلِ شَرْعِهِ وَلَمْ يَكِلْهُ إلَى خِيَرَةِ الْمُكَلَّفِ كَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَمِلْكِ النِّصَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقِسْمٌ وَكَلَهُ لِلْعِبَادِ فَإِنْ شَاءُوا جَعَلُوهُ سَبَبًا وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يَجْعَلُوهُ سَبَبًا وَهُوَ شَرْطُ النُّذُورِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا أَسْبَابٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهَا الْعَدَمُ كَمَا هُوَ حَقِيقَةُ السَّبَبِ (الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ) إنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ حَصَرَ مَا وَكَلَ وُجُوبَهُ إلَى خِيَرَةِ الْخَلْقِ مِنْ قِسْمَيْ الْأَحْكَامِ وَهُوَ النَّذْرُ فِي الْمَنْدُوبَاتِ فَلَا يُؤَثِّرُ النَّذْرُ الْوُجُوبَ إلَّا فِي نَقْلِ مَنْدُوبٍ وَلَمْ يَحْصُرْ مَا وَكَلَ جَعَلَهُ سَبَبًا إلَى خِيَرَةِ الْمُكَلَّفِ مِنْ قِسْمَيْ الْأَسْبَابِ فِي شَيْءٍ بَلْ عَمَّمَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمُمَكَّنَاتِ الْمُسْتَقْبَلَاتِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَيْسَ مِنْ الْمُكْتَسَبَاتِ كَهُبُوبِ الرِّيَاحِ وَنُزُولِ الْأَمْطَارِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَلَا اكْتِسَابٌ اخْتِيَارِيٌّ فَأَيُّ ذَلِكَ شَاءَ الْمُكَلَّفُ جَعَلَهُ سَبَبًا لِوُجُوبِ مَنْذُورِ عَلَيْهِ أَوْ لَزِمَ طَلَاقٌ أَوْ عَتَاقٌ لَهُ فَهَذِهِ الْأَسْبَابُ الْمَوْكُولُ جَعْلُهَا سَبَبًا إلَى خِيَرَةِ الْمُكَلَّفِ أَشَدُّ بُعْدًا عَنْ الْقَوَاعِدِ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَوْكُولِ وُجُوبُهَا لِخِيَرَةِ الْخَلْقِ وَهُوَ النَّذْرُ مَعَ بُعْدِ الْأَحْكَامِ فِي أَنْفُسِهَا عَنْ الْقَوَاعِدِ أَيْضًا لِأَنَّ الْأَحْكَامَ وَإِنْ انْتَقَلَتْ فِيهَا الْمَنْدُوبَاتُ لِلْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتُ فِيهَا أَصْلُ الْمَصْلَحَةِ إلَّا أَنَّهَا بَعُدَتْ أَيْضًا بِإِقَامَةِ مَصْلَحَةِ النَّدْبِ لِلْوُجُوبِ عَنْ قَاعِدَةِ أَنَّ الْأَحْكَامَ تَتْبَعُ الْمَصَالِحَ عَلَى اخْتِلَافِ رُتَبِهَا كَمَا هُوَ عَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الشَّرَائِعِ وَأَمَّا الْأَسْبَابُ فَقَدْ يَجْعَلُ الْمُكَلَّفُ مَا هُوَ عَرِيٌّ عَنْ الْمَصْلَحَةِ أَلْبَتَّةَ كَطَيَرَانِ الْغُرَابِ وَصَرِيرِ الْبَابِ سَبَبًا لِنَذْرِهِ مَثَلًا عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ أَنَّ الْأَسْبَابَ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَشْتَمِلَ عَلَى مَصْلَحَةِ مُسَبَّبَاتِهَا كَأَنْ يَقُولُ إنْ طَارَ الْغُرَابُ فَعَلَيَّ صَدَقَةٌ دِرْهَمٌ أَوْ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ مَا عَلَّقَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ إذَا وَجَدَ وَمَا اقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ اعْتِبَارَ مَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ مِنْ الْأَسْبَابِ وَإِقَامَةِ مَصْلَحَةِ النَّدْبِ لِلْوُجُوبِ فِي النَّذْرِ وَخُرُوجِ مَسْأَلَةِ النُّذُورِ عَنْ الْقَوَاعِدِ مِنْ ذَيْنِكَ الْوَجْهَيْنِ إلَّا لِأَنَّهَا رَجَعَتْ إلَى الْقَوَاعِدِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ الْأَسْبَابَ يَخْلُفُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَعِظَمُ الْمَصْلَحَةِ الَّذِي

[الفرق بين قاعدة ما يحرم لصفته وبين قاعدة ما يحرم لسببه]

خِلَافِ ظَاهِرِ اللَّفْظِ فَعَدَلْنَا بِاللَّفْظِ إلَى ظَاهِرِهِ لِأَجْلِ مُعَارَضَةِ الظَّاهِرِ الَّذِي هُوَ الْحَقِيقَةُ مَوْضِعَ الْإِجْمَاعِ وَأَمَّا هَهُنَا فَمَوْضِعُ الظَّاهِرِ الَّذِي هُوَ الْقُرْبُ مَوْضِعُ الْإِجْمَاعِ فَلَا مُوجِبَ لِلْعُدُولِ بِاللَّفْظِ عَنْ مَوْضِعِ الْإِجْمَاعِ بَلْ الْمُوجِبُ يُصْرَفُ إلَى مَوْضِعِ الْإِجْمَاعِ فَافْتَرَقَا. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي يَرَى تَرْجِيحَ الْقَرِيبِ فِي الْجُمَلِ وَهِيَ الْجُمْلَةُ الْأَخِيرَةُ فَيَخُصُّهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَةِ وَأَمَّا عَلَى رَأْيِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الَّذِينَ يَرَوْنَ تَعْمِيمَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَةِ فِي جُمْلَةِ الْجُمَلِ وَلَا يُرَجِّحُونَ بِالْقُرْبِ فَلَا يَتَأَتَّى هَذَا الْجَوَابُ بَلْ مُقْتَضَى مَذْهَبِهِمْ الْحَمْلُ عَلَى الْجُمْلَتَيْنِ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ حَتَّى يَثْبُتُ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ الْجَمْعَ بَيْنَ عَامِلَيْنِ فِي النَّعْتِ مَعَ اتِّفَاقِ الْأَعْرَابِ وَأَنَّ الْعَامِلَ فِي النَّعْتِ هُوَ الْعَامِلُ فِي الْمَنْعُوتِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا عَنْهُمْ صَحَّ الْجَوَابُ أَيْضًا عَلَى قَاعِدَتِهِمْ فَإِنَّهُمْ حِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ الْحَمْلُ عَلَى إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ لَا عَلَيْهِمَا وَلَا سَبِيلَ إلَى الْحَمْلِ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى فَإِنَّهَا هِيَ الْبَعِيدَةُ. وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِالْعَوْدِ عَلَى جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَقُلْ هِيَ الْبَعِيدَةُ بَلْ انْفِرَادُ الْبَعِيدَةِ بِالْحَمْلِ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْقَائِلَ قَائِلَانِ قَائِلٌ بِالتَّعْمِيمِ فِي الْجُمَلِ وَقَائِلٌ بِالْجُمْلَةِ الْقَرِيبَةِ وَحْدَهَا أَمَّا الْحَمْلُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْبَعِيدَةِ وَحْدَهَا فَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَهَذَا تَلْخِيصُ هَذَا الْمَوْضُوعِ وَتَحْرِيكُ الْبَحْثِ فِيهِ بِحَسَبِ مَا فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ فَضْلِهِ. (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى وَبَيْنَ قَاعِدَةِ لَوَاحِقِهَا) اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا دَلَّتْ النُّصُوصُ عَلَى تَحْرِيمِ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ وَالرَّبَائِبِ وَمَنْ مَعَهُنَّ فِي قَوْله تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى وَبَيْنَ قَاعِدَةِ لَوَاحِقِهَا إلَى قَوْلِهِ لَا يُفْهَمُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا الزَّوْجَاتُ الْحَرَائِرُ) قُلْت لَا أَعْرِفُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ نِسَائِنَا فِي غَالِبِ الْعَادَةِ الْحَرَائِرُ الْمَنْسُوبُونَ إلَيْنَا بِمُبِيحِ الْوَطْءِ وَهُوَ الْعَقْدُ بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمُرَادَ بِنِسَائِنَا جَمِيعُ الْمَنْكُوحَاتِ بِعَقْدٍ كَانَ نِكَاحُهُنَّ أَوْ مِلْكٍ، حَرَائِرَ كُنَّ أَوْ مَمْلُوكَاتٍ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْمُرَادُ بِهِنَّ الْمَنْكُوحَاتُ بِعَقْدٍ وَتَدْخُلُ فِيهِنَّ الْإِمَاءُ الْمُتَزَوِّجَاتُ أَمَّا قَيْدُ كَوْنِهِنَّ حَرَائِرَ فَلَا وَجْهَ لَهُ عِنْدِي وَأَمَّا قَوْلُهُ الْمَنْسُوبُونَ فَصَوَابُهُ الْمَنْسُوبَاتُ ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ سَبَبُ الْوُجُوبِ فِي عَادَةِ الشَّارِعِ وَإِنْ فُقِدَ هَاهُنَا مَعَ فَقْدِ الْمَصْلَحَةِ فِي سَبَبِهِ رَأْسًا إلَّا أَنَّهُ خَلَفَهُ سَبَبٌ آخَرُ وَهُوَ مَعْنًى عَظِيمٌ مُتَحَقِّقٌ بِأَمْرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ مَصْلَحَةَ أَدَبِ الْعَبْدِ مَعَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِحُسْنِ الْوَفَاءِ فِيمَا وَعَدَ رَبَّهُ بِهِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ الْتَزَمَهُ وَصَمَّمَ عَلَيْهِ أَعْظَمُ الْمَصَالِحِ إذْ لَا مَصْلَحَةَ أَعْظَمُ مِنْ الْأَدَبِ حَتَّى قَالَ رُوَيْمٌ: لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ اجْعَلْ عَمَلَك مِلْحًا وَأَدَبَك دَقِيقًا أَيْ اسْتَكْثِرْ مِنْ الْأَدَبِ حَتَّى تَكُونَ نِسْبَتُهُ فِي الْكَثْرَةِ نِسْبَةَ الدَّقِيقِ إلَى الْمِلْحِ فَإِنَّ كَثِيرَ الْأَدَبِ مَعَ قَلِيلٍ مِنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْعَمَلِ مَعَ قِلَّةِ الْأَدَبِ وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا كَانَ لَا تَنْفَعُهُ الطَّاعَةُ وَلَا تَضُرُّهُ الْمَعْصِيَةُ كَانَ الْمُمْكِنُ فِي عِبَادَتِهِ تَعَالَى هُوَ الْأَدَبُ (وَثَانِيهِمَا) إنَّ صِدْقَ الْوَعْدِ وَالْوَفَاءَ بِالِالْتِزَامِ مِنْ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَفِي مُعَامَلَةِ الْمُلُوكِ فَلِعَظَمِ الْمَعْنَى فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ صَحَّ جَعْلُهُمَا سَبَبَ الْوُجُوبِ بَدَلًا مِنْ الْمَصَالِحِ فِي أَنْفُسِ الْأَفْعَالِ وَلَمْ يَعْرَ الْوُجُوبُ هَاهُنَا عَنْ مَصْلَحَةٍ تُنَاسِبُهُ فَكَانَ عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَنْذُورَاتِ وَالشُّرُوطِ كَمَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْوَاجِبَاتِ الْأَصْلِيَّةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَدَارِكَهَا غَيْرُ مَدَارِك الْأَسْبَابِ وَالْوَاجِبَاتِ الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ مَصَالِحُ غَيْرِ مَصَالِحِ نَفْسِ الْأَفْعَالِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ لِصِفَتِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ لِسَبَبِهِ] (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ لِصِفَتِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ لِسَبَبِهِ) وَهُوَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ مَا حَرُمَ لِصِفَتِهِ كَالْمَيْتَةِ حَرُمَتْ لِصِفَتِهَا وَهِيَ اشْتِمَالُهَا عَلَى الْفَضَلَاتِ الْمُسْتَقْذَرَةِ وَالْخَمْرِ حَرُمَ لِصِفَتِهِ وَهُوَ الْإِسْكَارُ فَلَا يُبَاحُ إلَّا بِسَبَبِهِ كَالْإِضْرَارِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي لَا تُبَاحُ الْمَيْتَةُ إلَّا بِهَا وَكَالْغُصَّةِ الَّتِي لَا يُبَاحُ الْخَمْرُ إلَّا بِهَا، وَمَا يُبَاحُ لِصِفَتِهِ كَالْبُرِّ وَلُحُومِ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَآكِلِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَسَاكِنِ أُبِيحَتْ لِصِفَاتِهَا مِنْ الْمَنَافِعِ وَالْمَصَالِحِ فَلَا يَحْرُمُ إلَّا بِسَبَبِهِ كَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَالْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَسْبَابِ تَحْرِيمِ الْمَآكِلِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَسَاكِنِ الْمُبَاحَةِ لِصِفَاتِهَا مِنْ الْمَنَافِعِ وَالْمَصَالِحِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مُتَنَاوَلَاتِ الْبَشَرِ فِي هَذَا الْعَالَمِ عَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ يَحْرُمُ لِصِفَتِهِ وَهُوَ مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَفْسَدَةٍ تُنَاسِبُ التَّحْرِيمَ فَيَحْرُمُ كَالسَّمُومِ تَحْرُمُ لِعَظْمِ مَفْسَدَتِهَا وَالْكَرَاهَةَ فَيُكْرَهُ كَسِبَاعِ الطَّيْرِ أَوْ الضَّبُعِ مِنْ الْوَحْشِ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَقِسْمٌ يُبَاحُ لِصِفَتِهِ إمَّا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ كَالْبُرِّ وَاللَّحْمِ الطَّيِّبِ مِنْ الْأَنْعَامِ وَإِمَّا لِعَدَمِ مَفْسَدَتِهِ وَمَصْلَحَتِهِ وَهُوَ قَلِيلٌ فِي الْعَالَمِ فَلَا يَكَادُ يُوجَدُ شَيْءٌ إلَّا وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ أَوْ مَفْسَدَةٌ نَعَمْ يُمْكِنُ تَنْظِيرُهُ بِأَكْلِ شَعْرَةٍ مِنْ قُطْنٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرَ فِي جَسَدِ ابْنِ آدَمَ فَالْمَوْجُودَاتُ

[الفرق بين قاعدة تحريم سباع الوحش وبين قاعدة تحريم سباع الطير]

{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ} [النساء: 23] الْآيَةَ حَمْلٌ عَلَى الْعَقْدِ فِي الْحَرَائِرِ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ نِسَائِنَا فِي غَالِبِ الْعَادَةِ الْحَرَائِرُ الْمَنْسُوبُونَ إلَيْنَا بِمُبِيحِ الْوَطْءِ وَهُوَ الْعَقْدُ وَكَذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] وقَوْله تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ} [الأحزاب: 30] لَا يُفْهَمُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا الزَّوْجَاتُ الْحَرَائِرُ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ الدُّخُولُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُنَّ قَدْ يَتَحَقَّقْنَ مَعَ عَدَمِ الدُّخُولِ فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُنْدَرِجَ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى إنَّمَا هُنَّ الْحَرَائِرُ أُلْحِقَ بِهِنَّ الْمَمْلُوكَاتُ فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي مُبِيحِ الْوَطْءِ وَالْفِرَاشِ بِشَرْطِهِ وَلُحُوقِ الْوَلَدِ بِشَرْطِهِ وَلِأَنَّ الْأَنَفَاتِ تَحْصُلُ مِنْ وَطْءِ الْغَيْرِ مَا وَطِئَهُ الْإِنْسَانُ بِالْمِلْكِ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَ أَمَتَهُ غَيْرُهُ فَكَانَ وَطْؤُهَا مُحَرَّمًا كَالْوَطْءِ بِالْعَقْدِ وَأَلْحَقَ بِالْإِمَاءِ وَالْحَرَائِرِ شُبْهَتَيْهِمَا فِي التَّحْرِيمِ لِأَنَّ الْوَطْءَ بِالشُّبْهَةِ أُلْحِقَ بِالْعَقْدِ وَالْمِلْكِ فِي لُحُوقِ الْوَلَدِ وَسُقُوطِ الْحَدِّ وَغَيْرِهِمَا. وَأَمَّا الزِّنَى الْمَحْضُ قَدْ أُلْحِقَ بِالشُّبْهَةِ فِي الرُّتْبَةِ الرَّابِعَةِ عَلَى مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِكَوْنِهِ يُوجِبُ نِسْبَةً وَاخْتِصَاصًا وَرُبَّمَا أَوْجَبَ مَيْلًا شَدِيدًا يُوجِبُ وَقْعَ الشَّحْنَاءِ بِالْمُشَارَكَةِ فِيهِ كَمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِي الْمُشَارَكَةِ بِالْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ أَوْ الْمِلْكِ وَبَالَغَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا الْتَذَّ بِهَا حَرَامًا كَانَ كَالْوَطْءِ وَوَافَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ إنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِسَبَبِ أَنَّ الزِّنَى مَطْلُوبُ الْعَدَمِ وَالْإِعْدَامِ فَلَوْ رُتِّبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَقَاصِدِ لَكَانَ مَطْلُوبَ الْإِيجَادِ فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ الدُّخُولُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُنَّ قَدْ يَتَحَقَّقْنَ مَعَ عَدَمِ الدُّخُولِ) قُلْت هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِالْمَفْهُومِ فَهُوَ يَخْتَصُّ بِمَنْ يَرَاهُ حُجَّةً. قَالَ (فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُنْدَرِجَ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى إلَى قَوْلِهِ فَكَانَ وَطْؤُهَا مُحَرَّمًا كَالْوَطْءِ بِالْعَقْدِ) قُلْت أُلْحِقَ الْإِمَاءُ الْمَنْكُوحَاتُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ بِالْمُتَزَوِّجَاتِ بِنَاءً عَلَى مَا قَرَّرَهُ مِنْ أَنَّ لَفْظَ نِسَائِنَا لَا يَتَنَاوَلُهُنَّ بَلْ يَخْتَصُّ بِالْمُتَزَوِّجَاتِ وَقَدْ يَحْتَمِلُ بِهِ لِسَبْقِ أَنْ يَتَنَاوَلَهُنَّ اللَّفْظُ إلَّا إنْ صَحَّ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْعُرْفِ وَلَا أَعْرِفُ صِحَّةَ ذَلِكَ. قَالَ (وَأَلْحَقَ بِالْإِمَاءِ وَالْحَرَائِرِ شُبْهَتَيْهِمَا فِي التَّحْرِيمِ لِأَنَّ الْوَطْءَ بِالشُّبْهَةِ أُلْحِقَ بِالْعَقْدِ وَذَلِكَ فِي لُحُوقِ الْوَلَدِ وَسُقُوطِ الْحَدِّ وَغَيْرِهِمَا) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ ظَاهِرٌ وَمَا قَالَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَكْثَرُهُ حِكَايَةُ أَقْوَالٍ وَإِشَارَةٌ إلَى تَوْجِيهِهَا وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي هَذَا الْعَالَمِ إمَّا حَرَامٌ لِصِفَتِهِ أَوْ مُبَاحٌ لِصِفَتِهِ وَالْقَاعِدَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْفَرْقِ انْبَنَتْ عَلَى هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَحْرِيمِ سِبَاعِ الْوَحْشِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَحْرِيمِ سِبَاعِ الطَّيْرِ] (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَحْرِيمِ سِبَاعِ الْوَحْشِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَحْرِيمِ سِبَاعِ الطَّيْرِ) مِنْ حَيْثُ إنَّ الْفُقَهَاءَ جَزَمُوا جَمِيعًا بِتَحْرِيمِ أَكْلِ سِبَاعِ الْوَحْشِ وَتَرَدَّدُوا فِي تَحْرِيمِ أَكْلِ سِبَاعِ الطَّيْرِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالتَّحْرِيمِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ وَسِرُّ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ فَرْطَ الظُّلْمِ وَقِلَّةَ الرَّحْمَةِ مُتَوَفِّرٌ فِي سِبَاعِ الْوَحْشِ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي سِبَاعِ الطَّيْرِ إذْ هُوَ فِي الْأَسَدِ أَعْظَمُ مِنْهُ فِي الْعُقَابِ وَالصَّقْرِ وَفِي النَّمِرِ وَالْفَهْدِ أَعْظَمُ مِنْهُ فِي الضَّبُعِ وَالنَّسْرِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْحِدَآتِ وَالْغِرْبَانِ وَنَحْوِهَا فَلَمَّا عَظُمَتْ الْمَفْسَدَةُ وَالظُّلْمُ فِي سِبَاعِ الْوَحْشِ بِحَيْثُ إنَّهَا تَثِبُ عَلَى الْحَيَوَانَاتِ وَثْبًا شَدِيدًا فَتَأْكُلُهَا وَتُهْلِكُهَا وَتُفْسِدُ أَبْنِيَتَهَا بِتَمْزِيقِ أَعْضَائِهَا وَلَا تَكْتَرِثُ بِهَلَاكِهَا وَلَا فَسَادِ أَبْنِيَتِهَا وَلَا مَا تَجِدُهُ مِنْ الْأَلَمِ فِي تَمْزِيقِ أَعْضَائِهَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ فِي ذَلِكَ عَلَى الْحَاجَةِ بَلْ شَأْنُهَا ذَلِكَ لِحَاجَةٍ وَلِغَيْرِ حَاجَةٍ وَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ عَادَتْهُ أَنَّ الْأَغْذِيَةَ تَنْقُلُ خُلُقَ الْحَيَوَانَاتِ الْمَأْكُولَةِ لِخُلُقِ الْحَيَوَانِ الْمُتَغَذِّي بِهِ حَتَّى يُقَالَ إنَّ أَرْبَعًا أَكَلَتْ أَرْبَعًا فَأَفَادَتْهَا أَرْبَعًا أَكَلَتْ السُّودَانُ الْقُرُودَ فَأَفَادَتْهَا الرَّقْصَ وَأَكَلَتْ الْفِرِنْجُ الْخَنَازِيرَ فَأَفَادَتْهَا عَدَمَ الْغَيْرَةِ وَأَكَلَتْ التُّرْكُ الْخَيْلَ فَأَفَادَتْهَا الْقَسَاوَةَ وَأَكَلَتْ الْعَرَبُ لُحُومَ الْإِبِلِ فَأَفَادَتْهَا الْحِقْدَ أَيْ وَالْإِيثَارَ لِلضَّيْفِ مَا لَمْ يَحْصُلْ عِنْدَ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأُمَمِ إذْ كَمَا أَنَّ شَأْنَ الْجَمَلِ الْحِقْدُ بِحَيْثُ يَأْخُذُ ثَأْرَهُ مِمَّنْ آذَاهُ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ كَذَلِكَ شَأْنُ الْإِبِلِ الْإِيثَارُ بِأَقْوَاتِهَا بِحَيْثُ يَجُوعُ الْجَمْعُ مِنْهَا الْأَيَّامَ ثُمَّ يُوضَعُ لَهَا مَا تَأْكُلُهُ مُجْتَمَعَةً فَيَضَعُ كُلٌّ مِنْهَا فَمَهُ فَيَتَنَاوَلُ حَاجَتَهُ مِنْ غَيْرِ مُدَافَعَةِ بَعْضِهَا بَعْضًا بَلْ مُعْرِضَةً عَنْ ذَلِكَ وَعَنْ مِقْدَارِ مَا أَكَلَهُ غَيْرُهَا مِمَّا يُجَاوِرُهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ فَإِنَّهَا تُقَاتِلُ عِنْدَ الِاعْتِدَاءِ عَلَى حَوْزِ الْغِذَاءِ وَتَمْنَعُ مَنْ يَأْكُلُ مَعَهَا أَنْ يَتَنَاوَلَ شَيْئًا كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي السِّبَاعِ وَالْكِلَابِ وَالْأَغْنَامِ وَغَيْرِهَا وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ النَّوَاهِيَ تَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ فَمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى شَيْئًا إلَّا لِمَفْسَدَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ تَوْضِيحُ ذَلِكَ فِي الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالثَّلَاثِينَ وَالْمِائَةِ جَزَمَ الْفُقَهَاءُ بِتَحْرِيمِ سِبَاعِ الْوَحْشِ لِئَلَّا يَتَنَاوَلَهَا بَنُو آدَمَ فَتَصِيرَ أَخْلَاقُهُمْ مِثْلَ أَخْلَاقِهِمْ فَتَعْظُمَ الْمَفْسَدَةُ وَلَمَّا قَصُرَتْ مَفْسَدَةُ سِبَاعِ الطَّيْرِ عَنْ ذَلِكَ تَرَدَّدَ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْرِيمِهَا فَمِنْهُمْ مَنْ نَهَضَ عِنْدَهُ ذَلِكَ لِلتَّحْرِيمِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ سُوءِ الْأَخْلَاقِ وَإِنْ قَلَّتْ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَنْهَضْ عِنْدَهُ ذَلِكَ لِلتَّحْرِيمِ لِخِفَّةِ أَمْرِهِ فَاقْتَصَرَ بِهِ عَلَى الْكَرَاهَةِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ

[الفرق بين قاعدة ذكاة الحيات وقاعدة ذكاة غيرها من الحيوانات]

يَثْبُتُ لَهُ تَحْرِيمٌ فِي أَثَرِ الْمُصَاهَرَةِ وَاتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ فِي الْمِلْكِ وَالْعَقْدِ وَالشُّبْهَةِ وَوَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمُلَامَسَةِ بِلَذَّةٍ وَالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ لِعَدَمِ إفْضَائِهِ إلَى الْمَقْصِدِ الَّذِي هُوَ الْوَطْءُ وَهُوَ إنَّمَا حَرُمَ تَحْرِيمَ الْوَسَائِلِ وَالْوَسِيلَةُ إذَا لَمْ تُفْضِ لِمَقْصِدِهِ سَقَطَ اعْتِبَارُهَا وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ التَّحْرِيمَ بِالْمُلَامَسَةِ لِلَّذَّةِ وَالنَّظَرِ مُطْلَقًا قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا اللَّمْسُ بِلَذَّةٍ مِنْ الْبَالِغِ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ وَمِنْ غَيْرِ الْبَالِغِ قَوْلَانِ وَبِغَيْرِ لَذَّةٍ لَا يَنْشُرُ مُطْلَقًا وَفِي نَظَرِ الْبَالِغِ لِلَّذَّةِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْحَوَاسِّ وَالشَّاذُّ لَا يَنْشُرُ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى الْوَجْهِ لَا يُحَرِّمُ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي بَاطِنِ الْجَسَدِ وَاكْتَفَى فِي تَحْرِيمِ زَوْجَاتِ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ بِالْعَقْدِ لِأَنَّ اتِّفَاقَ الرِّجَالِ وَحَمِيَّاتِهِمْ تَنْهَضُ بِالْغَضَبِ وَالْبَغْضَاءِ بِمُجَرَّدِ نِسْبَةِ الْمَرْأَةِ إلَيْهِمْ بِذَلِكَ فَيَخْتَلُّ نِظَامُ وُدِّ الْآبَاءِ لِلْأَبْنَاءِ وَوُدُّ الْأَبْنَاءِ لِلْآبَاءِ وَهُوَ سِيَاجٌ عَظِيمٌ عِنْدَ الشَّرْعِ حَتَّى جُعِلَ خَرْقُهُ مِنْ الْكَبَائِرِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَسُبَّ الرَّجُلُ أَبَاهُ قَالُوا أَوَ يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَاهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَاهُ» فَجَعَلَ التَّسَبُّبَ لِسَبِّ الْأَبِ بِسَبِّ الْأَجْنَبِيِّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ فَكَيْفَ لَوْ سَبَّهُ مُبَاشَرَةً قَالَ اللَّخْمِيُّ تَحْرُمُ امْرَأَةُ الْجَدِّ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ لِلْأُمِّ لِانْدِرَاجِهِمَا فِي لَفِّ الْآبَاءِ كَمَا تَنْدَرِجُ جَدَّاتُ امْرَأَتِهِ وَجَدَّاتُ أُمِّهَا مِنْ قِبَلِ أُمِّهَا وَأَبِيهَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] وَبِنْتُ بِنْتِ الزَّوْجَةِ وَبِنْتُ ابْنِهَا وَكُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهَا بِالْبُنُوَّةِ. وَإِنْ سَفَلَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ} [النساء: 23] (تَنْبِيهٌ) اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الِانْدِرَاجَاتِ لَيْسَتْ بِمُقْتَضَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَلِذَلِكَ صَرَّحَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ بِالثُّلُثِ لِأُمٍّ وَلَمْ يُعْطِهِ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِلْجَدَّةِ بَلْ حَرَمُوهَا حَتَّى رُوِيَ لَهُمْ الْحَدِيثُ فِي السُّدُسِ وَصَرَّحَ بِالنِّصْفِ لِلْبِنْتِ وَلِلِابْنَتَيْنِ بِالثُّلُثَيْنِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (قَالَ اللَّخْمِيُّ تَحْرُمُ امْرَأَةُ الْجَدِّ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ لِلْأُمِّ لِانْدِرَاجِهِمَا فِي لَفْظِ الْآبَاءِ إلَى قَوْلِ الشِّهَابِ فِي تَنْبِيهِهِ فَإِنْ دَلَّ إجْمَاعٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَجَازِ وَإِلَّا أُلْغِيَ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَيْهِ) قُلْت لَا أَعْرِفُ صِحَّةَ مَا قَالَ مِنْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ فِي لَفْظِ الْأَبِ وَشَبَهِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُبَاشِرُ وَأَنَّهُ يُغْنِي أُرِيدَ بِهِ غَيْرُ الْمُبَاشِرِ فَهُوَ مَجَازٌ وَلَعَلَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِالْعَكْسِ وَأَنَّ الْحَقِيقَةَ فِي لَفْظِ الْأَبِ كُلُّ مَنْ لَهُ وِلَادَةٌ وَالْمَجَازُ الْمُبَاشِرُ لَكِنْ غَلَبَ هَذَا الْمَجَازُ حَتَّى صَارَ عُرْفًا فَكَانَ ذَلِكَ السَّبَبُ فِي اقْتِصَارِ الصَّحَابَةِ فِيمَا اقْتَصَرُوا بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ عَلَى الْمُبَاشِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَاعِدَتَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ذَكَاةِ الْحَيَّاتِ وَقَاعِدَةِ ذَكَاةِ غَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ] (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ذَكَاةِ الْحَيَّاتِ وَقَاعِدَةِ ذَكَاةِ غَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ الْحَيَوَانُ فِي اشْتِرَاطِ الذَّكَاةِ فِي أَكْلِهِ عَلَى قِسْمَيْنِ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) حَيَوَانٌ لَا يَحِلُّ إلَّا بِذَكَاةٍ (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) حَيَوَانٌ يَحِلُّ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ هُوَ الْحَيَوَانُ الْبَرِّيُّ ذُو الدَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَلَا مَنْفُوذِ الْمَقَاتِلِ وَلَا مَيْئُوسٍ مِنْهُ بِوَقْذٍ أَوْ نَطْحٍ أَوْ تَرَدٍّ أَوْ افْتِرَاسِ سَبْعٍ أَوْ مَرَضٍ وَمِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَهُوَ الْحَيَوَانُ الْبَحْرِيُّ وَمِنْهُ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ (النَّوْعُ الْأَوَّلُ) الْحَيَوَانُ الَّذِي لَيْسَ بِذِي دَمٍ مِمَّا يَجُوزُ أَكْلُهُ مِثْلُ الْجَرَادِ وَغَيْرِهِ اخْتَلَفُوا هَلْ لَهُ ذَكَاةٌ أَمْ لَا (وَالنَّوْعُ الثَّانِي) الْحَيَوَانُ ذُو الدَّمِ الَّذِي يَكُونُ تَارَةً فِي الْبَحْرِ وَتَارَةً فِي الْبِرِّ مِثْلُ السُّلَحْفَاةِ وَغَيْرِهِ اخْتَلَفُوا هَلْ لَهُ ذَكَاةٌ أَمْ لَا (وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ) أَصْنَافُ الْمُنْخَنِقَةِ وَالْمَوْقُوذَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ وَمَا أَكَلَ السَّبْعُ الَّتِي نُصَّ عَلَيْهَا فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْثِيرِ الذَّكَاةِ فِيهَا (وَالنَّوْعُ الرَّابِعُ) مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ اخْتَلَفُوا فِي تَأْثِيرِ الذَّكَاةِ فِيهَا أَعْنِي فِي تَحْلِيلِ الِانْتِفَاعِ بِجُلُودِهَا وَسَلْبِ النَّجَاسَةِ عَنْهَا اهـ بِتَصَرُّفٍ وَقَاعِدَةُ تَذْكِيَةِ الْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ ذِي الدَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ إلَخْ أَنَّهَا شُرِعَتْ لِقَصْدِ اسْتِخْرَاجِ الْفَضَلَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ أَجْسَادِهَا الْمُحَلَّلَةِ الْأَكْلِ وَهِيَ الدِّمَاءُ وَالْأَخْلَاطُ كُلُّهَا بِأَسْهَلِ الطُّرُقِ عَلَى الْحَيَوَانِ كَقَطْعِ الْأَوْدَاجِ وَالْحُلْقُومِ فَإِنَّ قَطْعَ الْأَوْدَاجِ خَفِيفٌ عَلَى الْحَيَوَانِ فِي إخْرَاجِ الْفَضَلَاتِ الْمَذْكُورَةِ مِنْهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى التَّوَسُّطِ أَوْ ضَرْبِ الْعُنُقِ وَقَطْعُ الْحُلْقُومِ يُوجِبُ قَطْعَ النَّفْسِ لِأَنَّهُ مَجْرَاهُ فَيَخْتَنِقُ الْحَيَوَانُ فَيُسْرِعُ إلَيْهِ الْمَوْتُ وَأَمَّا قَاعِدَةُ تَذْكِيَةِ الْحَيَّاتِ الَّتِي فِي قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْحَيَّاتِ إذَا ذُكِيَتْ فِي مَوْضِعِ ذَكَاتِهَا جَازَ أَكْلُهَا لِمَنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ اهـ فَتُفَارِقُ الْقَاعِدَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) فِي صِفَةِ الذَّكَاةِ فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَوْضِعِ ذَكَاتِهَا أَنَّ صِفَةَ ذَكَاةِ الْحَيَّاتِ هُوَ مَا اخْتَارَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْأَطِبَّاءِ إذَا أَرَادُوا اسْتِعْمَالَهَا فِي التِّرْيَاقِ الْفَارُوقِ أَوْ لِمُدَاوَاةِ الْجُذَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَنْ تُمْسَكُ الْحَيَّةُ بِرَأْسِهَا وَذَنَبِهَا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ حَذَرًا مِنْ أَنْ يَحْصُلَ لَهَا غَيْظٌ فَيَدُورَ السُّمُّ فِي جَسَدِهَا فَإِذَا أُخِذَتْ كَذَلِكَ ثُنِّيَتْ عَلَى مِسْمَارٍ مَضْرُوبٍ فِي لَوْحٍ ثُمَّ تُضْرَبُ بِآلَةٍ وَزَبْنَةٍ حَادَّةٍ كَالْقُدُومِ الَّذِي مِثْلُ الْمُوسَى فِي الْحِدَآتِ وَهِيَ مَمْدُودَةٌ عَلَى تِلْكَ الْخَشَبَةِ وَيَقْصِدُ بِتِلْكَ الضَّرْبَةِ آخِرَ الرَّقَبَةِ وَالذَّنَبِ مِنْ جِهَةِ رَقَبَتِهَا فَإِنَّ بَيْنَ رَأْسِهَا وَوَسَطِهَا مِقْدَارًا رَقِيقًا وَبَيْنَ ذَنَبِهَا وَوَسَطِهَا مِقْدَارًا رَقِيقًا فَيَتَجَاوَزُ ذَلِكَ الرَّقِيقَ مِنْ الْجِهَتَيْنِ حَتَّى يَصِلَ الْمِقْدَارُ الْغَلِيظُ الَّذِي فِي وَسَطِهَا فَلَا يَتْرُكُ غَيْرَهُ بَلْ يُحَازَ

السَّوِيَّةِ وَوَرِثَتْ بِنْتُ الِابْنِ مَعَ الْبِنْتِ السُّدُسَ بِالسُّنَّةِ لَا بِالْكِتَابِ وَابْنُ الِابْنِ كَالِابْنِ فِي الْحَجْبِ وَالْجَدُّ لَيْسَ كَالْأَبِ فِي الْحَجْبِ وَالْإِخْوَةُ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ وَبَنُوهُمْ لَا يَحْجُبُونَهَا فَتَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْأَبَ حَقِيقَةً فِي الْأَبِ الْقَرِيبِ مَجَازًا فِي آبَائِهِ وَلَفْظُ الِابْنِ حَقِيقَةٌ فِي الْقَرِيبِ مَجَازًا فِي أَبْنَائِهِ فَإِنْ دَلَّ إجْمَاعٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَجَازِ وَإِلَّا أُلْغِيَ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ هَذِهِ الِانْدِرَاجَاتِ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ بِالْإِجْمَاعِ لَا بِالنَّصِّ وَأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِنَفْسِ اللَّفْظِ مُتَعَذِّرٌ وَأَنَّ الْفَقِيهَ الَّذِي يَعْتَقِدُ ذَلِكَ وَيَسْتَدِلُّ بِاللَّفْظِ غَالَطَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَجَازِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْحَقِيقَةِ سُؤَالُ الْمَشْهُورِ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي تَحْلِيلِ الزَّوْجَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثَ اشْتِرَاطُ الْوَطْءِ الْحَلَالِ وَحَمْلُ آيَةِ التَّحْلِيلِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ مُتَكَلِّمٍ لَهُ عُرْفٌ فَإِنَّ لَفْظَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى عُرْفِهِ فَحُمِلَ النِّكَاحُ فِي الْآيَةِ عَلَى النِّكَاحِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا لِأَجْلِ الْعُرْفِ وَخُولِفَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي قَوْله تَعَالَى فِي أُمَّهَاتِ الرَّبَائِبِ {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] فَاعْتَبَرَ مَالِكٌ مُطْلَقَ الْوَطْءِ كَانَ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ فِي حَمْلِ الدُّخُولِ عَلَى الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الدُّخُولُ الْمُبَاحُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ احْتَاطَ فِي الصُّورَتَيْنِ فَخُولِفَتْ الْقَاعِدَةُ لِمُعَارِضِ الِاحْتِيَاطِ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ) اعْلَمْ أَنَّ الْإِنْسَانَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّسَبُ أُصُولُهُ وَفُصُولُهُ وَفُصُولُ أَوَّلِ أُصُولِهِ وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ وَإِنْ عَلَا فَالْأُصُولُ الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ وَإِنْ عَلَوْا وَالْفُصُولُ الْأَبْنَاءُ وَأَبْنَاءُ الْأَبْنَاءِ وَإِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ هَذِهِ الِانْدِرَاجَاتِ فِي تَحْرِيمِ مُصَاهَرَةٍ بِإِجْمَاعٍ لَا بِالنَّصِّ وَأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِنَفْسِ اللَّفْظِ مُتَعَذِّرٌ) قُلْت مَا قَالَ فِي ذَلِكَ يُوَافَقُ عَلَيْهِ لَكِنْ لَا لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ فِي الْمُبَاشِرِ بَلْ لِأَنَّ الْمَجَازَ الصَّائِرَ عُرْفًا فِيهِ قَالَ (سُؤَالُ الْمَشْهُورِ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي تَحْلِيلِ الزَّوْجَةِ بَعْدَ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ اشْتِرَاطُ الْوَطْءِ الْحَلَالِ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ) قُلْت يَحْتَاجُ مَا قَالَهُ إلَى نَظَرٍ وَمَا قَالَ فِي الْفَرْقَيْنِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّقِيقَانِ إلَى جِهَةِ الرَّأْسِ وَالذَّنَبِ وَيَقْطَعُ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَجِيزَةٍ لِأَنَّهُ مَتَى بَقِيَتْ جِلْدَةٌ يَسِيرَةٌ لَمْ تُقْطَعْ مَعَ الْجُمْلَةِ قَتَلَتْ آكِلَهَا لِأَنَّ السُّمَّ حِينَئِذٍ يَجْرِي مِنْ جِهَةِ الرَّأْسِ وَالذَّنَبِ فِي تِلْكَ الْجِلْدَةِ الْيَسِيرَةِ إلَى بَقِيَّةِ جَسَدِهِ الَّذِي هُوَ الْجُزْءُ الْغَلِيظُ بِسَبَبِ مَا يَحْدُثُ لَهَا مِنْ الْغَضَبِ عِنْدَ الْإِحْسَاسِ بِأَلَمِ الْحَدِيدِ (الْوَجْهُ الثَّانِي) فِي مَعْنَى الذَّكَاةِ فَإِنَّ الذَّكَاةَ شُرِعَتْ فِي الْحَيَّاتِ لِأَجْلِ السَّلَامَةِ مِنْ سُمِّ رَأْسِهَا وَذَنَبِهَا لَا لِإِخْرَاجِ الْفَضَلَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ فَإِنَّ الْحَيَّاتِ لَا يَكَادُ يَخْرُجُ مِنْهَا دَمٌ عِنْدَ ذَكَاتِهَا أَلْبَتَّةَ وَلِذَلِكَ تُذَكَّى مِنْ وَسَطِهَا لَا بِقَطْعِ الْأَوْدَاجِ وَالْحُلْقُومِ (وَصْلٌ) يَتَعَلَّقُ بِبَابِ الذَّكَاةِ سِتُّ مَسَائِلَ أُصُولٍ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي بَيَانِ تَأْثِيرِ الذَّكَاةِ فِي الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ الَّتِي نُصَّ عَلَيْهَا فِي الْآيَةِ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي بَيَانِ تَأْثِيرِ الذَّكَاةِ فِي الْحَيَوَانِ الْمُحَرَّمِ الْأَكْلِ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي بَيَانِ تَأْثِيرِ الذَّكَاةِ فِي الْمَرِيضَةِ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ فِي بَيَانِ هَلْ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ أَمْ لَا الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ فِي بَيَانِ هَلْ لِلْجَرَادِ ذَكَاةٌ أَمْ لَا الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ فِي بَيَانِ هَلْ لِلْحَيَوَانِ الَّذِي يَأْوِي فِي الْبَرِّ تَارَةً وَفِي الْبَحْرِ تَارَةً ذَكَاةٌ أَمْ لَا (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ أَمَّا الْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبْعَ فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا فِيمَا أَعْلَمُ عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ عَامِلَةٌ فِيهَا إذَا لَمْ يُصَبْ لَهَا مَقْتَلٌ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا تَعِيشُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا أُصِيبَ لَهَا مَقْتَلٌ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا لَا تَعِيشُ فَقَالَ قَوْمٌ تَعْمَلُ الذَّكَاةُ فِيهَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ قَوْمٌ لَا تَعْمَلُ الذَّكَاةُ فِيهَا. وَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ الْوَجْهَانِ وَلَكِنَّ الْأَشْهَرَ أَنَّهَا لَا تَعْمَلُ فِي الْمَيْئُوسِ مِنْهَا وَبَعْضُهُمْ أَوَّلَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَيْئُوسَ مِنْهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ مَيْئُوسَةٌ مَشْكُوكٌ فِيهَا وَمَيْئُوسَةٌ مَقْطُوعٌ بِمَوْتِهَا وَهِيَ الْمَنْفُوذَةُ الْمَقَاتِلِ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ أَيْضًا فِي الْمَقَاتِلِ قَالَ فَأَمَّا الْمَيْئُوسَةُ الْمَشْكُوك فِيهَا فَفِي الْمَذْهَبِ فِيهَا رِوَايَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَأَمَّا الْمَنْفُوذَةُ الْمَقَاتِلِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ الْمَنْقُولِ أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ فِيهَا وَإِنْ كَانَ يَتَخَرَّجُ فِيهَا الْجَوَازُ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ اخْتِلَافُهُمْ فِي مَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] هَلْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ فَيَخْرُجُ مِنْ الْجِنْسِ بَعْضُ مَا يَتَنَاوَلهُ اللَّفْظُ وَهُوَ الْأَصْنَافُ الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى عَادَةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ أَمْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْفَصِلٌ لَا تَأْثِيرَ فِي الْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَمَنْ قَالَ إنَّهُ مُتَّصِلٌ قَالَ الذَّكَاةُ تَعْمَلُ فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ مُحْتَجًّا بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ تَعْمَلُ فِي الْمَرْجُوِّ مِنْهَا فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِيهَا فَهُوَ مُتَّصِلٌ وَمَنْ قَالَ إنَّهُ مُنْفَصِلٌ. قَالَ الذَّكَاةُ لَا تَعْمَلُ فِيهَا مُحْتَجًّا بِأَنَّ التَّحْرِيمَ

سَفَلُوا وَفُصُولُ الْأَوَّلِ أَوَّلُ الْأُصُولِ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ وَأَوْلَادُهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا احْتِرَازًا مِنْ فُصُولِ ثَانِي الْأُصُولِ وَثَالِثِهَا وَإِنْ عَلَا ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ أَوْلَادُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَهُنَّ مُبَاحَاتٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ} [الأحزاب: 50] وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ يَنْدَرِجُ فِيهِ أَوْلَادُ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَهُمْ الْأَعْمَامُ وَالْعَمَّاتُ وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ وَقَوْلُنَا أَوَّلُ فَصْلٍ احْتِرَازًا مِنْ ثَانِي فَصْلٍ مِنْ أَوَّلِ الْأُصُولِ فَإِنَّ ثَانِي فَصْلٍ فَصْلُ أَوْلَادِ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَأَوْلَادِ الْخَالِ وَالْخَالَاتِ فَإِنَّهُنَّ مُبَاحَاتٌ فَلِذَلِكَ أُطْلِقَ فِي الضَّابِطِ فِي الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْفُصُولِ مُطْلَقًا لِيَنْدَرِجُوا هُمْ وَأَوْلَادُهُمْ وَقِيلَ فِي غَيْرِ أَوَّلِ فُصُولِ أَوَّلِ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ لِهَذَا الْمَعْنَى فَانْضَبَطَ الْمُحَرَّمُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِهَذَا الضَّابِطِ وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء: 23] وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا اللَّفْظِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ وَاللَّفْظُ صَالِحٌ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ - يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة: 26 - 40] {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] . ثُمَّ قَالَ {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] احْتِرَازًا مِنْ زَوْجَاتِ أَبْنَاءِ التِّبْنَيْ دُونَ الرَّضَاعِ ثُمَّ قَالَ {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] يُرِيدُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ «وَحَرَّمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» (تَنْبِيهٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ كُلُّ أُمٍّ حَرُمَتْ بِالنَّسَبِ حَرُمَتْ أُخْتُهَا وَكُلُّ أُخْتٍ حَرُمَتْ لَا تَحْرُمُ أُخْتُهَا إذَا لَمْ تَكُنْ خَالَةً فَقَدْ يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَدٌ فَالْوَلَدُ مِنْهُمَا تَحِلُّ لَهُ ابْنَةُ الْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ وَكُلُّ عَمَّةٍ حَرُمَتْ قَدْ لَا تَحْرُمُ أُخْتُهَا لِأَنَّهَا قَدْ لَا تَكُونُ أُخْتَ أَبِيهِ وَلَا أُخْتَ جَدِّهِ (فَائِدَةٌ) قَوْلُ الْعُلَمَاءِ الْآبَاءُ وَإِنْ عَلَوْا وَالْأَبْنَاءُ وَإِنْ سَفَلُوا مَعَ أَنَّهُ لَوْ عُكِسَ لَاسْتَقَامَ فَإِنَّ الْأَبْنَاءَ فُرُوعٌ وَالْفَرْعُ شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ أَعْلَى مِنْ أَصْلِهِ وَفَرْعُ الْفَرْعِ أَعْلَى مِنْ الْفَرْعِ فِي الشَّجَرَةِ وَالْأَصْلُ أَسْفَلُ وَأَصْلُ الْأَصْلِ أَسْفَلُ مِنْ الْأَصْلِ وَهَذَا يُنَاسِبُ عَكْسَ مَا قَالُوهُ فَمَا مُسْتَنَدُ قَوْلِهِمْ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ قَوْلَهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] لَمْ يَتَعَلَّقْ بِأَعْيَانِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ لِأَنَّ لَحْمَ الْحَيَوَانِ مُحَرَّمٌ فِي حَالِ الْحَيَاةِ بِدَلِيلِ اشْتِرَاطِ الذَّكَاةِ فِيهَا وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا قُطِعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ» وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَمَعْنَى الْآيَةِ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ لَحْمُ الْمَيْتَةِ الَّتِي تَمُوتُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهَا فَتُسَمَّى مَيْتَةً فِي أَكْثَرِ كَلَامِ الْعَرَبِ أَوْ بِالْحَقِيقَةِ وَكَذَلِكَ لَحْمُ الْمَيْتَةِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ قَالُوا فَلَمَّا عُلِمَ أَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْلِيقُ التَّحْرِيمِ بِأَعْيَانِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] اسْتِثْنَاءً مُنْفَصِلًا لَكِنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْوَاجِبَ كَيْفَ مَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ أَنْ تَكُونَ الذَّكَاةُ تَعْمَلُ فِيهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْ عَلَّقْنَا التَّحْرِيمَ بِهَذِهِ الْأَصْنَافِ فِي الْآيَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَجَبَ أَنْ تَدْخُلَ الْأَصْنَافُ الْخَمْسَةُ فِي التَّذْكِيَةِ حَالَ الْحَيَاةِ لِأَنَّهَا مَا دَامَتْ حَيَّةً مُسَاوِيَةٌ لِغَيْرِهَا فِي ذَلِكَ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ دُخُولِهَا حِينَئِذٍ بَيْنَ كَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ مُنْفَصِلًا أَوْ مُتَّصِلًا إذْ لَا خَفَاءَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ إنْ قُلْنَا إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلٌ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ عُمُومَ التَّحْرِيمِ يُمْكِنُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْهُ تَنَاوُلُ أَعْيَانِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَهُ كَالْحَالِ فِي الْخِنْزِيرِ الَّذِي لَا تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى هَذَا رَفْعًا لِتَحْرِيمِ أَعْيَانِهَا بِالتَّنْصِيصِ عَلَى عَمَلِ الذَّكَاةِ فِيهَا وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ مَا اعْتَرَضَ بِهِ ذَلِكَ الْمُعْتَرِضُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى كَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ مُنْفَصِلًا. وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَنْفُوذَةِ الْمَقَاتِلِ وَالْمَشْكُوكِ فِيهَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْفَصِلٌ وَأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ تَأْثِيرُ الذَّكَاةِ فِي الْمَرْجُوَّةِ بِالْإِجْمَاعِ وَقَاسَ الْمَشْكُوكَةَ عَلَى الْمَرْجُوَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ وَلَكِنَّ اسْتِثْنَاءَ هَذَا الصِّنْفِ أَعْنِي الْمَنْفُوذَةَ الْمَقَاتِلِ بِالْقِيَاسِ وَذَلِكَ أَنَّ الذَّكَاةَ إنَّمَا يَجِبُ أَنْ تَعْمَلَ فِي حِينَ يَقْطَعُ أَنَّهَا سَبَبُ الْمَوْتِ فَأَمَّا إذَا شَكَّ هَلْ كَانَ مُوجِبُ الْمَوْتِ الزَّكَاةَ أَوْ الْوَقْذَ أَوْ النَّطْحَ أَوْ سَائِرَهَا فَلَا يَجِبُ أَنْ تَعْمَلَ فِي ذَلِكَ وَهَذِهِ هِيَ حَالَةِ الْمَنْفُوذَةِ الْمَقَاتِلِ وَلَهُ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمَنْفُوذَةَ الْمَقَاتِلِ فِي حُكْمِ الْمَيْتَةِ وَالذَّكَاةُ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَرْفَعَ الْحَيَاةَ الثَّابِتَةَ لَا الْحَيَاةَ الذَّاهِبَةَ اهـ بِتَلْخِيصٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ أَيْضًا وَأَمَّا هَلْ تَعْمَلُ الذَّكَاةُ فِي الْحَيَوَانَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ الْأَكْلِ حَتَّى تَطْهُرَ بِالذَّكَاةِ جُلُودُهَا فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ الذَّكَاةُ تَعْمَلُ فِي السِّبَاعِ وَغَيْرِهَا مَا عَدَا الْخِنْزِيرَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي كَوْنِ السِّبَاعِ فِيهِ مُحَرَّمَةً أَوْ مَكْرُوهَةً وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الذَّكَاةُ تَعْمَلُ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ فَيَجُوزُ بَيْعُ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ وَالِانْتِفَاعُ

إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَبْدَأَ الْإِنْسَانِ مِنْ نُطْفَةِ أَبِيهِ. وَالنُّطْفَةُ تَنْزِلُ مِنْ الْأَبِ وَالنَّازِلُ مِنْ الشَّيْءِ يَكُونُ أَسْفَلَ مِنْهُ وَابْنُ الِابْنِ مِنْ الِابْنِ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ تَقُولَ الْأَبْنَاءُ وَإِنْ سَفَلُوا وَالْآبَاءُ وَإِنْ عَلَوْا وَاللَّفْظَانِ مَجَازَانِ إشَارَةً لِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ التَّخَيُّلِ لِمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ وَقَدْ يُلَاحَظُ فِي اللَّفْظِ عَلَاقَةٌ هِيَ ضِدُّ عَلَاقَةٍ أُخْرَى ذَلِكَ لِاخْتِيَارِ الْمُتَكَلِّمِ الْمُتَجَوِّزِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ اصْطِلَاحٌ وَلَهُمْ فِي اصْطِلَاحِهِمْ ذَلِكَ. (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَصَانَةِ لَا تَعُودُ بِالْعَدَالَةِ وَقَاعِدَةُ الْفُسُوقِ يَعُودُ بِالْجِنَايَةِ) اعْلَمْ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا حُكِمَ لَهُ بِالْفُسُوقِ ثُمَّ تَابَ وَأَنَابَ ذَهَبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِالْفُسُوقِ فَإِذَا جَنَى بَعْدَ ذَلِكَ كَبِيرَةً عَادَ الْفُسُوقُ لَهُ وَإِذَا كَانَ مُحْصَنًا بِعَدَمِ مُبَاشِرِ الزِّنَى ثُمَّ زَنَى ذَهَبَ الْإِحْصَانُ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي حَدِّ الْقَذْفِ فَمَنْ قَذَفَ مَنْ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فَإِذَا صَارَ بَعْدَ الزِّنَى عَدْلًا لَمْ تَعُدْ الْحَصَانَةُ بِالْعَدَالَةِ وَفِي الْقَاعِدَتَيْنِ قَدْ وَرَدَ الضِّدُّ بَعْدَ الضِّدِّ الْمُنَافِي لِحُكْمِهِ ظَاهِرًا قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَذَفَهُ بَعْدَ أَنْ صَارَ عَدْلًا لَمْ يُحَدَّ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَصَاحِبُ النَّوَادِرِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ لَاعَنَ الْمَرْأَةَ وَأَبَانَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِتِلْكَ الزَّنْيَةِ لَمْ يُحَدَّ وَلَمْ يُلَاعَنْ لِاسْتِيفَاءِ مُوجِبِ اللِّعَانِ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَالَ رَبِيعَة يُحَدُّ وَإِنْ قَذَفَهَا بِزِنْيَةٍ أُخْرَى فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُلَاعِنْ وَحُدَّتْ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ لِسُقُوطِ حَصَانَتِهَا بِتِلْكَ الزِّينَةِ بِمُوجِبِ لِعَانِهِ. وَإِنْ لَاعَنَتْ وَجَبَ الْحَدُّ وَإِنْ قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ فَأَوْلَى بِالْحَدِّ لِأَنَّ أَثَرَ لِعَانِ الزَّوْجِ لَا يَتَعَدَّى لِغَيْرِهِ وَوَقَعَ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ إذْ قَذَفَ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الزِّنَى وَحَسُنَتْ حَالَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الْحَصَانَةَ لَا تَعُودُ بِالْعَدَالَةِ فَمَنْ ثَبَتَ فِسْقُهُ بِالزِّنَى ذَهَبَتْ حَصَانَتُهُ وَهَذَا مَقَامٌ تَزَلْزَلَتْ فِيهِ الْفِكَرُ وَاضْطَرَبَتْ فِيهِ الْعِبَرُ وَكَيْفَ يَصِيرُ الْمَقْذُوفُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَالْعَدَالَةِ وَجَانِبُهُ مُهْتَضِمٌ وَعِرْضُهُ مُطَّرِحٌ وَالزَّنْيَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي رَمَاهُ بِهَا أَوْ رَمَى الْمَرْأَةَ بِهَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهَا مُصَدِّقٌ لِلرَّمْيِ وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذِهِ الْأَذِيَّةِ هَهُنَا وَبَيْنَ أَذِيَّةِ مَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ زِنًى وَهُمَا مُؤْلِمَانِ مُؤْذِيَانِ لِلْمَرْمِيِّ أَذِيَّةً ظَاهِرُهَا الْكَذِبُ، أَمَّا إذَا رَمَاهَا بِالزَّنْيَةِ الْأُولَى لَهُوَ صَادِقٌ فَلَا يَلْحَقُ بِمَحَلِّ الْإِجْمَاعِ فِي الْحَدِّ لِقُصُورِهِ عَنْهُ بَلْ التَّعْزِيرُ لِمُطْلَقِ الْأَذِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَا مَا عَدَا اللَّحْمَ وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ جَمِيعُ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ تَابِعَةٌ لِلَّحْمِ فِي الْحِلِّيَّةَ وَالْحُرْمَةِ أَمْ لَيْسَتْ تَابِعَةً لِلَّحْمِ فَمَنْ قَالَ إنَّهَا تَابِعَةٌ لِلَّحْمِ قَالَ إذَا لَمْ تَعْمَلْ الذَّكَاةُ فِي اللَّحْمِ لَمْ تَعْمَلْ فِيمَا سِوَاهُ وَمَنْ قَالَ إنَّهَا لَيْسَتْ بِتَابِعَةٍ. قَالَ إنَّهَا تَعْمَلُ فِي سَائِرِ أَجْزَائِهِ وَإِنْ لَمْ تَعْمَلْ فِي لَحْمِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهَا تَعْمَلُ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ فَإِذَا ارْتَفَعَ بِالدَّلِيلِ الْمُحَرَّمِ لِلَّحْمِ عَمَلُهَا فِي اللَّحْمِ بَقِيَ عَمَلُهَا فِي سَائِرِ الْأَجْزَاءِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى ارْتِفَاعِهِ فِيهَا أَيْضًا اهـ (فَرْعٌ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الدَّابَّةُ الَّتِي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا إذَا طَالَ مَرَضُهَا أَوْ تَعِبَتْ مِنْ السَّيْرِ فِي أَرْضٍ لَا عَلَفَ فِيهَا ذَبْحُهَا أَوْلَى مِنْ بَقَائِهَا لِتَحْصُلَ رَاحَتُهَا مِنْ الْعَذَابِ وَقِيلَ تُعْقَرُ لِئَلَّا يُغْرِيَ النَّاسَ ذَبْحُهَا عَلَى أَكْلِهَا وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا تُذْبَحُ وَلَا تُعْقَرُ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَأْكَلَةٍ فَإِذَا تَرَكَهَا صَاحِبُهَا لِذَلِكَ فَعَلَفَهَا غَيْرُهُ ثُمَّ وَجَدَهَا قَالَ مَالِكٌ هُوَ أَحَقُّ بِهَا لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَى تَرْكِهَا بِالِاضْطِرَارِ لِذَلِكَ وَيَدْفَعُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا وَقِيلَ هِيَ لِعَالِفِهَا لِإِعْرَاضِ الْمَالِكِ عَنْهَا أَفَادَهُ الْأَصْلُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ وَأَمَّا تَأْثِيرُ الذَّكَاةِ فِي الْبَهِيمَةِ الَّتِي أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَوْتِ مِنْ شِدَّةِ الْمَرَضِ فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيهِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى عَمَلِ الذَّكَاةِ فِي الَّتِي لَمْ تُشْرِفْ عَلَى الْمَوْتِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ تَعْمَلُ فِيهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ فِيهَا وَسَبَبُ الْخِلَافِ مُعَارَضَةُ الْقِيَاسِ لِلْأَثَرِ فَأَمَّا الْأَثَرُ فَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَنَّ «أَمَةً لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا بِسِلَعٍ فَأُصِيبَتْ شَاةٌ مِنْهَا فَأَدْرَكَتْهَا فَذَكَّتْهَا بِحَجَرٍ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ كُلُوهَا» وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَلِأَنَّ الْمَعْلُومَ مِنْ الذَّكَاةِ أَنَّهَا إنَّمَا تُفْعَلُ فِي الْحَيِّ وَهَذِهِ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ وَاتَّفَقَ كُلُّ مَنْ أَجَازَ ذَبْحَهَا عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَعْمَلُ فِيهَا إلَّا إذَا كَانَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى الْحَيَاةِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا هُوَ الدَّلِيلُ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ فَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْحَرَكَةَ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَعْتَبِرْهَا وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالثَّانِي مَذْهَبُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ فِيهَا ثَلَاثَ حَرَكَاتٍ: طَرَفُ الْعَيْنِ وَتَحْرِيكُ الذَّنَبِ وَالرَّكْضُ بِالرِّجْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ وَبَعْضُهُمْ شَرَطَ مَعَ هَذِهِ التَّنَفُّسَ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ حَبِيبٍ اهـ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ أَيْضًا وَأَمَّا هَلْ تَعْمَلُ ذَكَاةُ الْأُمِّ فِي جَنِينِهَا أَمْ لَا تَعْمَلُ فِيهِ فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ ذَكَاةَ الْأُمِّ ذَكَاةٌ لِجَنِينِهَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ خَرَجَ حَيًّا ذُبِحَ وَأُكِلَ

بَلْ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ أَنَّ الْعِرْضَ إذَا صَارَ مَثْلُومًا بِمُعَاوَدَةِ الْجِنَايَةِ أَنْ يَصِيرَ مَعْصُومًا بِمُعَاوَدَةِ الْعَدَالَةِ وَالْوِلَايَةِ (وَالْجَوَابُ) وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ أَنَّ الْبَحْثَ هَهُنَا يَظْهَرُ بِقَاعِدَتَيْنِ (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا نَصَّبَ سَبَبًا لِحُكْمِهِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَجُوزُ تَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى تِلْكَ الْحِكْمَةِ حَيْثُ وُجِدَتْ لِأَنَّهَا أَصْلٌ فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ السَّبَبِ أَوْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُنَصِّبْهَا سَبَبًا لِذَلِكَ الْحُكْمِ بَلْ سَبَبُ سَبَبِهِ وَقَدْ لَا يَصِحُّ سَبَبُ سَبَبِ الْحُكْمِ سَبَبًا لِلْحُكْمِ لِعَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ خَوْفَ الزِّنَى سَبَبُ وُجُوبِ الزَّوَاجِ وَالزَّوَاجَ سَبَبُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ خَوْفُ الزِّنَى سَبَبَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَمَا نَصَّبَ اللَّهُ تَعَالَى السَّرِقَةَ سَبَبًا لِلْقَطْعِ لِحِكْمَةِ حِفْظِ الْمَالِ وَمَنْ أَخَذَ مَالًا بِغَيْرِ السَّرِقَةِ لَا يَجُوزُ قَطْعُهُ وَنَصَّبَ الزِّنَى سَبَبًا لِلرَّجْمِ لِحِكْمَةِ حِفْظِ الْأَنْسَابِ لِئَلَّا تَلْتَبِسَ فَمَنْ سَعْي فِي الْتِبَاسِ الْأَنْسَابِ بِغَيْرِ الزِّنَى بِأَنْ يَجْمَعَ الصِّبْيَانَ وَيُغَيِّبَهُمْ صِغَارًا وَيَأْتِيَ بِهِمْ كِبَارًا فَلَا يَعْرِفُهُمْ آبَاؤُهُمْ لَا يَجُوزُ رَجْمُهُ لِذَلِكَ وَكَذَلِكَ شَرَعَ الرَّضَاعَ سَبَبًا لِلتَّحْرِيمِ بِسَبَبِ أَنَّ جُزْءَ الْمُرْضِعَةِ وَهُوَ اللَّبَنُ صَارَ جُزْءَ الرَّضِيعِ بِاغْتِذَائِهِ بِهِ وَصَيْرُورَتِهِ مِنْ أَعْضَائِهِ فَأَشْبَهَ ذَلِكَ مَنِيَّهَا وَلَحْمَتَهَا فِي النَّسَبِ لِأَنَّهُمَا جُزْءُ الْجَنِينِ وَلِذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الرَّضَاعُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» . فَإِذَا أَخَذْنَا نُعَلِّلُ بِهَذَا الْحِكْمَةَ لَزِمَنَا أَنَّ مَنْ شَرِبَ دَمَ امْرَأَةٍ أَوْ أَوْ أَكَلَ قِطْعَةً مِنْ لَحْمِهَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلِأَجْلِ مُلَاحَظَةِ التَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ إذَا اُسْتُهْلِكَ اللَّبَنُ وَعُدِمَ مَا يُسَمَّى رَضَاعًا وَلَبَنًا وَتَنَاوَلَهُ الصَّبِيُّ فَمَنْ عَلَّلَ بِالْحِكْمَةِ أَوْقَعَ بِهِ الْحُرْمَةَ قَالَهُ مُطَرِّفٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا تَقَعُ بِهِ الْحُرْمَةُ إعْرَاضًا عَنْ التَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ اللَّبَنُ الْمَغْلُوبُ بِالْمَاءِ وَالْمُخْتَلِطُ بِالطَّعَامِ وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا لَا يُحَرِّمُ لِأَنَّ الطَّعَامَ أَصْلٌ وَاللَّبَنُ تَابِعٌ وَالدَّوَاءُ كَالْمَاءِ عِنْدَهُ وَهَهُنَا فِي بَابِ الْقَذْفِ شُرِعَ سَبَبًا لِلْجَلْدِ لِحِكْمَةِ حِفْظِ الْأَعْرَاضِ وَصَوْنِ الْقُلُوبِ عَنْ الْأَذِيَّاتِ لَكِنْ اُشْتُرِطَ فِيهِ الْإِحْصَانُ وَمِنْ جُمْلَةِ عَدَمِ مُبَاشَرَةِ الزِّنَى فَمَنْ بَاشَرَ فَقَدْ انْتَفَى فِي حَقِّهِ عَدَمُ الْمُبَاشَرَةِ فَإِنَّ النَّقِيضَيْنِ لَا يَصْدُقَانِ وَالْعَدَالَةُ بَعْدُ ذَلِكَ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ مُبَاشِرًا فَإِنْ لَاحَظْنَا الْحِكْمَةَ دُونَ السَّبَبِ حَسُنَ إعَادَةُ الْحَدِّ وَإِنْ اقْتَصَرْنَا عَلَى خُصُوصِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ خَرَجَ مَيِّتًا فَهُوَ مَيْتَةٌ وَبَعْضُ مَنْ قَالَ إنَّ ذَكَاةَ الْأُمِّ ذَكَاةٌ لَهُ اشْتَرَطَ فِي ذَلِكَ تَمَامَ خِلْقَتِهِ وَنَبَاتَ شَعْرِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي صِحَّةِ الْأَثَرِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ فِي ذَلِكَ فَقَالَ «سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبَقَرَةِ أَوْ النَّاقَةِ أَوْ الشَّاةِ يَنْحَرُهَا أَحَدُنَا فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا جَنِينًا أَنَأْكُلُهُ أَمْ نُلْقِيهِ فَقَالَ كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» وَخَرَّجَ مِثْلَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد عَنْ جَابِرٍ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْأُصُولِ فَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي صِحَّتِهِ فَبَعْضِهِمْ لَمْ يُصَحِّحُهُ وَبَعْضُهُمْ صَحَّحَهُ وَمِنْهُمْ التِّرْمِذِيُّ وَأَمَّا مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ فِي هَذَا الْبَابِ لِلْأَثَرِ فَهُوَ أَنَّ الْجَنِينَ إذَا كَانَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ بِمَوْتِ أُمِّهِ فَإِنَّمَا يَمُوتُ خَنْقًا فَهُوَ مِنْ الْمُنْخَنِقَةِ الَّتِي وَرَدَ النَّصُّ بِتَحْرِيمِهَا وَإِلَى تَحْرِيمِهِ ذَهَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ ابْنُ حَزْمٍ وَلَمْ يَرْضَ سَنَدَ الْحَدِيثَ وَأَمَّا سَبَبُ اخْتِلَافِ الْقَائِلِينَ بِاشْتِرَاطِ نَبَاتِ الشَّعْرِ فِي حَيَّتِهِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فَمُعَارَضَةُ الْعُمُومِ لِلْقِيَاسِ. وَذَلِكَ أَنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» يَقْتَضِي أَنْ لَا يَقَعَ هُنَالِكَ تَفْصِيلٌ وَكَوْنُهُ مَحَلًّا لِلذَّكَاةِ يَقْتَضِي أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ الْحَيَاةَ قِيَاسًا عَلَى الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَعْمَلُ فِيهَا التَّذْكِيَةُ وَالْحَيَاةُ لَا تُوجَدُ فِيهِ إلَّا إذَا نَبَتَ شَعْرُهُ وَتَمَّ حَلْقُهُ وَيُعَضِّدُ هَذَا الْقِيَاسَ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُونَ إذَا شَعَرَ الْجَنِينُ فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ» إلَّا أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى سَيِّئُ الْحِفْظِ عِنْدَهُمْ وَلَكِنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ ذَكَاتُهُ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْحَيَاةِ فِيهِ فَيَضْعُفُ أَنْ يُخَصَّصَ الْعُمُومُ الْوَارِدُ فِي ذَلِكَ بِالْقِيَاسِ الْأَوَّلِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ اهـ. وَقَالَ الْأَصْلُ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا لَمْ تَجْرِ فِي الْجِنْسَيْنِ حَيَاةٌ لَمْ تَصِحَّ فِيهِ ذَكَاةٌ لَا مِنْ قِبَلِهِ وَلَا مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ وَلَا يُؤْكَلُ وَإِنْ جَرَتْ فِيهِ الْحَيَاةُ وَعَلَامَةُ ذَلِكَ عِنْدَنَا كَمَالُ الْخَلْقِ وَنَبَاتُ الشَّعَرِ فَإِنْ ذُكِّيَتْ الْأُمُّ وَخَرَجَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ عَلَى الْفَوْرِ كَرِهَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَوَقَعَ فِي الْجَلَّابِ تَحْرِيمُهُ وَإِنْ اسْتَهَلَّ صَارِخًا انْفَرَدَ بِحُكْمِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ تُذَكَّ الْأُمُّ وَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا حَيَاةً لَا يَعِيشُ مَعَهَا عَلِمَ ذَلِكَ أَوْ شَكَّ فِيهِ لَمْ يُؤْكَلْ. وَإِنْ ذُكِيَتْ الْأُمُّ فَخَرَجَ مَيِّتًا فَذَكَاتُهَا ذَكَاتُهُ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَكَاةٍ تَخُصُّهُ وَلَا يَكْفِي فِيهِ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَمَّا

السَّبَبِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْحُدُودَ يَغْلِبُ عَلَيْهَا التَّعَبُّدُ مِنْ جِهَةِ مَقَادِيرِهَا وَإِنْ كَانَتْ مَعْقُولَةَ الْمَعْنَى مِنْ جِهَةِ أُصُولِهَا وَالتَّعَبُّدُ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاسْتِوَاءِ فِي الْأَذِيَّةِ الِاسْتِوَاءُ فِي الْحَدِّ بَلْ يُعَزَّرُ إنْ آذَاهُ بِالْقَذْفِ عَلَى قَاعِدَةِ السَّبِّ وَالشَّتْمِ فَلَا تَضِيعُ الْمَصْلَحَةُ وَلَا تُسْتَبَاحُ الْأَعْرَاضُ وَتَنْعَصِمُ بِالتَّعْزِيرِ وَقَدْ يَزِيدُ التَّعْزِيرُ عَلَى الْحَدِّ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَا يَسْتَنْكِرُ إسْقَاطَ الْحَدِّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) قَاعِدَةُ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] الْآيَةَ وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [النور: 23] فَالْآيَةُ الْأُولَى مُطْلَقَةٌ وَهَذِهِ مُقَيَّدَةٌ بِوَصْفِ الْغَفْلَةِ فَتُحْمَلُ الْمُطْلَقَةُ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَالْمُبَاشِرُ لِلزِّنَى لَيْسَ بِغَافِلٍ عَنْهُ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهُ لَوْ حُدَّ لَحَصَلَ مَعْنَى اللَّعْنِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهُوَ مَنْفِيٌّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ جِهَةِ مَفْهُومِهَا الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ الصِّفَةِ لِأَنَّ مَفْهُومَهَا أَنَّ مَنْ لَيْسَ بِغَافِلٍ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَلَا يُلْعَنُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ يُلْعَنُ بِالتَّعْزِيرِ وَالْعُقُوبَةِ الْمُؤْلِمَةِ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْمَقْذُوفِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَمَّا عَوْدُ الْفُسُوقِ بِعَوْدِ الْجِنَايَةِ فَلِأَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْفُسُوقِ هُوَ مُلَابَسَةُ الْكَبِيرَةِ أَوْ الْإِصْرَارُ عَلَى الصَّغِيرَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ وَلَا شَرْطٍ وَهُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى بِحَيْثُ وَجَبَ الْقَضَاءُ بِفِسْقِ مُلَابِسِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءِ صُورَةٍ عَنْ صُورَةٍ عَمَلًا بِطَرْدِ الْعِلَّةِ وَوُجُودِ الْمُوجِبِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ. (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَلْحَقُ فِيهِ الْوَلَدُ بِالْوَطْءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَلْحَقُ فِيهِ) اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ بِالْوَطْءِ إلَّا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا وَهَذَا الْكَلَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَلْحَقُ فِيهِ الْوَلَدُ بِالْوَطْءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَلْحَقُ فِيهِ إلَى قَوْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكْمُلُ خَلَفُهُ فِي أَقَلَّ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّ كَلَامَ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لَيْسَ عِنْدِي بِصَحِيحٍ بَلْ كَلَامُهُمْ عَلَى إطْلَاقِهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مُقْتَضَى الْآيَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ حَيْثُ الْقَوَاعِدُ فَلِأَنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ تُسْرِعُ زَهُوقَ نَفْسِهِ بِسُهُولَةٍ فَإِنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْهَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَكَاةٍ أَوْ يُلَاحَظُ أَنَّهُ حَيَوَانٌ مُسْتَقِلُّ الْأَعْضَاءِ وَالْفَضَلَاتِ فَيَحْتَاجُ إلَى ذَكَاةِ تَخُصُّهُ وَمَوْتُهُ بِمَوْتِ أُمِّهِ مَوْتٌ لَهُ بِالْغَمِّ وَالْآفَاتِ الْحَاصِلَةِ لَهُ فِي مَحَلِّهِ وَالْمَوْتُ بِذَلِكَ لَا يُبِيحُ فِي غَيْرِ صُورَةِ النِّزَاعِ فَكَذَلِكَ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ النَّصُّ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد وَقَدْ مَرَّ فِي الْفَرْقِ الثَّالِثِ وَالسِّتِّينَ أَنَّهُ رُوِيَ بِرَفْعِ الذَّكَاةِ الثَّانِيَةِ وَبِهَا تَمَسَّكَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلِهِمْ بِاسْتِغْنَاءِ الْجَنِينِ عَنْ الذَّكَاةِ وَأَنَّهُ يُؤْكَلُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَقْتَضِي حَصْرَ ذَكَاتِهِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ بِمَعْنَى أَنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ تُبِيحُهُ فَيَسْتَغْنِي بِهَا عَنْ الذَّكَاةِ الَّتِي هِيَ فِي الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ عِبَارَةٌ عَنْ الذَّبْحِ الْخَاصِّ فِي حَلْقِهِ فَبَيْنُهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ مُلَابَسَةٌ تَصِحُّ أَنْ تَكُونَ ذَكَاةُ أُمِّهِ هِيَ عَيْنُ ذَكَاتِهِ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ إضَافَةَ الْمَصَادِرِ مُخَالِفَةٌ لِإِسْنَادِ الْأَفْعَالِ فِي أَنَّهُ يَكْفِي فِي كَوْنِهَا حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً أَدْنَى مُلَابَسَةٍ كَقَوْلِنَا صَوْمُ رَمَضَانَ وَحَجُّ الْبَيْتِ بِخِلَافِ إسْنَادِ الْأَفْعَالِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً مُرَاعَاةُ الْفَاعِلِ الْحَقِيقِيِّ لَا مُطْلَقُ مُلَابِسٍ وَرُوِيَ بِنَصْبِ الذَّكَاةِ الثَّانِيَةِ وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ تَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلِهِمْ بِاحْتِيَاجِ الْجَنِينِ لِلذَّكَاةِ. وَأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ أَنْ يُذَكَّى ذَكَاةً مِثْلَ ذَكَاةِ أُمِّهِ فَحُذِفَ الْمُضَافُ مَعَ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَأُعْرِبَ كَإِعْرَابِهِ عَلَى قَاعِدَةِ حَذْفِ الْمُضَافِ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ عَلَى رِوَايَةِ النَّصْبِ ذَكَاةُ الْجَنِينِ دَاخِلَةٌ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ فَخُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ فَانْتَصَبَ الذَّكَاةُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ عَلَى حَدِّ دَخَلْت الدَّارَ بَلْ هَذَا التَّقْدِيرُ أَرْجَحُ مِمَّا قَدَّرَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا قِلَّةُ الْحَذْفِ وَثَانِيهِمَا الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَدَفْعُ التَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا اهـ بِتَلْخِيصٍ وَإِصْلَاحٍ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ يَقْتَضِي الْحَصْرَ وَاسْتِغْنَاءِ الْجَنِينِ عَنْ الذَّكَاةِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَمَا قَالَهُ مِنْ تَرْجِيحِ التَّقْدِيرِ عَلَى مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِقِلَّةِ الْحَذْفِ وَإِنْ سُلِّمَ إلَّا أَنَّهُ يَضْعُفُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَسَاقِ الْكَلَامِ دَلِيلٌ عَلَى دُخُولِ ذَكَاةِ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ كَمَا أَنَّ التَّقْدِيرَ عَلَى قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ وَإِنْ ضَعُفَ بِكَثْرَةِ الْحَذْفِ إلَّا أَنَّهُ يُرَجَّحُ بِأَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَى مَسَاقِ الْكَلَامِ وَمَا قَالَهُ مِنْ تَرْجِيحِ التَّقْدِيرِ عَلَى مَا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِالْجَمْعِ لَا يَتِمُّ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ عَلَى مَا لِلْحَنَفِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْجَمْعَ مُتَّجَهٌ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ مَعًا وَالشَّأْنُ إنَّمَا هُوَ فِي تَرْجِيحِ أَحَدِ الْجَمْعَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَبَسْطُهُ يَطُولُ فَتَأَمَّلْ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ أَيْضًا وَأَمَّا هَلْ لِلْجَرَادِ ذَكَاةٌ أَمْ لَا فَقَالَ مَالِكٌ

لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ إذَا كَانَ الْوَلَدُ قَدْ وُلِدَ تَامًّا فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ بَعْدَ الْوَطْءِ إلَّا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا أَمَّا أَقَلُّ فَلَا وَعَلَى هَذَا إذَا لَمْ تَلِدْهُ تَامًّا نُظِرَتْ نِسْبَةُ تِلْكَ الْمُدَّةِ لِذَلِكَ التَّخَلُّقِ إنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ تَصْلُحُ لَهُ أَلْحَقَتْهُ بِالْوَطْءِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَصْلُحُ لَهُ لَمْ يَلْحَقْ فَقَدْ يَلْحَقُ بِهِ لِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إذَا كَانَتْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ تَصْلُحُ لِذَلِكَ التَّخَلُّقِ وَعَلَى هَذَا الْمِنْهَاجِ يَكُونُ إلْحَاقُ الْوَلَدِ بِنِسْبَةِ الْمُدَّةِ إلَى صُورَةِ التَّخَلُّقِ فَقَوْلُهُمْ حِينَئِذٍ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ مُرَادُهُمْ إذَا كَانَ كَامِلَ الْخَلْقِ فَإِنَّهُ لَا يَكْمُلُ خَلْقُهُ فِي أَقَلَّ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَسَبَبُهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ جُمَيْعٍ وَغَيْرُهُ فِي التَّحَدُّثِ عَلَى الْأَجِنَّةِ أَنَّ الْجَنِينَ يَتَحَرَّكُ لِمِثْلِ مَا يُخْلَقُ فِيهِ وَبِوَضْعٍ لِمِثْلَيْ مَا تَحَرَّكَ فِيهِ قَالُوا وَتَخَلُّقُهُ فِي الْعَادَةِ تَارَةً يَكُونُ لِشَهْرٍ وَتَارَةً يَكُونُ لِشَهْرٍ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ وَتَارَةً يَكُونُ لِشَهْرٍ وَنِصْفٍ فَإِذَا تَخَلَّقَ فِي شَهْرٍ بِمَعْنَى تَصَوَّرَتْ أَعْضَاؤُهُ تَحَرَّكَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَيَتَحَرَّكُ فِي شَهْرَيْنِ وَيُوضَعُ لِمِثْلَيْ مَا تَحَرَّكَ فِيهِ وَمِثْلَا الشَّهْرَيْنِ أَرْبَعُ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعَةٌ مَعَ شَهْرَيْنِ سِتَّةٌ فَيُوضَعُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ تَخَلَّقَ لِشَهْرٍ وَخَمْسَةٍ أَمْ تَحَرَّكَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَهُوَ شَهْرَانِ وَعَشْرَةُ أَيَّامٍ مِثْلَا ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَإِذَا أُضِيفَ ذَلِكَ لِمُدَّةِ التَّحَرُّكِ كَانَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ فَيُوضَعُ الْوَلَدُ لِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ تَخَلَّقَ لِشَهْرٍ وَنِصْفٍ تَحَرَّكَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَوُضِعَ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ عَلَى التَّقْدِيرِ الْمُتَقَدِّمِ فَلِذَلِكَ لَا يَحْصُلُ الْوَضْعُ الطَّبِيعِيُّ إلَّا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ سَبْعَةٍ أَوْ تِسْعَةٍ قَالُوا وَلِهَذَا السَّبَبِ يَعِيشُ الْوَلَدُ الَّذِي يُوضَعُ لِسَبْعَةٍ وَلَا يَعِيشُ الَّذِي يُوضَعُ لِثَمَانِيَةٍ. وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ لِلْقُوَّةِ وَلِمُدَّةِ التِّسْعَةِ بِسَبَبِ أَنَّ الَّذِي يُوضَعُ لِسَبْعَةٍ وُضِعَ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ سَلِيمًا عَلَى قَاعِدَةِ الْوِلَادَةِ وَاَلَّذِي وُضِعَ لِثَمَانِيَةٍ يَكُونُ بِهِ آفَةٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ قَدْ عَجَّلَهُ عَنْ التِّسْعَةِ آفَةٌ أَوْ أَخَّرَتْهُ عَنْ السَّبْعَةِ آفَةٌ وَاَلَّذِي بِهِ آفَةٌ لَا يَعِيشُ فَالْمَوْلُودُ لِثَمَانِيَةٍ لَا يَعِيشُ فَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِي ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الْمَهْيِعُ الْعَامُّ وَالْعَادَةُ الْغَالِبَةُ قَالُوا وَقَدْ يَحْصُلُ عَارِضٌ مِنْ جِهَةِ الْمَنِيِّ فِي مِزَاجِهِ وَبَرْدِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَسَبَبُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ جُمَيْعٍ وَغَيْرُهُ فِي التَّحَدُّثِ عَلَى الْأَجِنَّةِ) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا حِكَايَةُ أَقْوَالٍ وَتَقْرِيرُ كَلَامِ الْأَطِبَّاءِ فِي تَصَرُّفِ أَحْوَالٍ فَأَمَّا حِكَايَةُ الْأَقْوَالِ فَلَا كَلَامَ فِيهِ وَأَمَّا مَا حَكَاهُ عَنْ الْأَطِبَّاءِ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ عِنْدِي عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا لِمُخَالَفَتِهِ لِمُقْتَضَى الْآيَةِ وَلَا تَضُرُّ مُخَالَفَةُ الشَّرْعِ لِمُقْتَضَى الْحُسْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُؤْكَلُ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ وَذَكَاتُهُ عِنْدَهُ هُوَ أَنْ يُقْتَلَ إمَّا بِقَطْعِ رَأْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ يَجُوزُ أَكْلُ مَيْتَتِهِ وَبِهِ قَالَ مُطَرِّفٌ وَذَكَاةُ مَا لَيْسَ بِذِي دَمٍ عِنْدَ مَالِكٍ كَذَكَاةِ الْجَرَادِ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي مَيْتَةِ الْجَرَادِ هُوَ هَلْ يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْمَيْتَةِ أَمْ لَا فِي قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَلِلْخِلَافِ سَبَبٌ آخَرُ وَهُوَ هَلْ نَثْرَةُ حُوتٍ أَوْ حَيَوَانٍ بَرِّيٍّ اهـ. وَقَالَ الْأَصْلُ لَمْ يُشْتَرَطْ الذَّكَاةُ فِي الْجَرَادِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ مَنْ لَاحَظَ عَدَمَ الْفَضَلَاتِ فِيهَا بَلْ جَعَلَ اسْتِخْرَاجَ الْفَضَلَاتِ أَصْلًا وَإِرَاحَةَ الْحَيَوَانِ تَبَعًا وَأَجَازَ مَيْتَةَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَالدَّمَانِ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ وَالْمَيْتَتَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ» وَأَمَّا مَنْ لَاحَظَ سُرْعَةَ زَهُوقِ الرُّوحِ وَجَعَلَهُ أَصْلًا فِي نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُجْزِهَا إلَّا بِذَكَاةٍ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ أَيْضًا وَأَمَّا هَلْ لِلْحَيَوَانِ الَّذِي يَأْوِي فِي الْبَرِّ تَارَةً وَفِي الْبَحْرِ تَارَةً ذَكَاةٌ أَمْ لَا فَقَدْ غَلَّبَ قَوْمٌ فِيهِ حُكْمَ الْبَرِّ وَآخَرُونَ حُكْمَ الْبَحْرِ وَاعْتَبَرَ آخَرُونَ حَيْثُ يَكُونُ عَيْشُهُ وَمُتَصَرِّفُهُ مِنْهُمَا غَالِبًا اهـ. وَقَالَ الْأَصْلُ مَنْ لَاحَظَ قَاعِدَةَ إلْحَاقِ النَّادِرِ بِالْغَالِبِ فِي الشَّرِيعَةِ أَسْقَطَ ذَكَاةَ مَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ كَالتِّمْسَاحِ وَالتُّرْسِ وَغَيْرِهِمَا نَظَرًا لِغَالِبِهِ فَإِنَّهُ لَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنْ لَاحَظَ قَاعِدَةَ تَذْكِيَةِ الْحَيَوَانِ وَجَعَلَ مَيْتَةَ الْبَحْرِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لَمْ يُسْقِطْ الذَّكَاةَ فِي هَذَا النَّوْعِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَهَذِهِ مَيْتَةٌ إلَّا أَنْ يُلَاحِظَ قَاعِدَةَ حَمْلِ اللَّفْظِ الْعَامِّ عَلَى سَبَبِهِ دُونَ عُمُومِهِ فَيَخْتَصُّ بِالْمَيْتَةِ الَّتِي وَرَدَتْ الْآيَةُ فِيهَا وَهِيَ الْمَيْتَةُ الَّتِي كَانُوا يَأْكُلُونَهَا مِنْ الْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ وَيَقُولُونَ تَأْكُلُونَ مَا قَتَلْتُمْ وَلَا تَأْكُلُونَ مَا قَتَلَ اللَّهُ اهـ (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الذَّكَاةِ الْقَصْدُ إلَى اسْتِخْرَاجِ الدَّمِ الْحَرَامِ الْمُسْتَخْبَثِ مِنْ اللَّحْمِ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ بِأَسْهَلِ الطُّرُقِ عَلَى الْحَيَوَانِ إنَّمَا يَتَيَسَّرُ فِي الْحَيَوَانِ الْإِنْسِيِّ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ أَمَّا الْوَحْشِيُّ فَقَدْ تَعَذَّرَ فِيهِ اسْتِخْرَاجُ الدَّمِ وَسُهُولَةُ الطَّرِيقِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقَصْدُ وَالْآلَةُ وَنُزِّلَ السَّهْمُ مَنْزِلَةَ الْمُدْيَةِ لِضَرُورَةِ الْفِرَارِ وَالتَّوَحُّشِ فَهُوَ أَيْ السَّهْمُ فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ وَيَلِيهِ فِي الرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ الْجَارِحُ لِأَنَّ لَهُ اخْتِيَارًا يَبْعُدُ بِسَبَبِهِ عَنْ كَوْنِهِ آلَةً لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِنَفْسِهِ لَكِنْ عَارَضَ كَوْنُهُ مُخْتَارًا عَدَمَ الْعَقْلِ فِيهِ فَعَدَمُ عَقْلِهِ مُخِلٌّ بِاخْتِيَارِهِ مُضَافًا إلَى التَّعْلِيمِ الْحَاصِلِ فِيهِ وَالْأَوْهَامُ الَّتِي حَصَّلَهَا فِيهِ الْآدَمِيُّ بِسَبَبِ التَّعْلِيمِ وَالسِّيَاسَةِ الْخَاصَّةِ فَصَارَ ذَلِكَ مُقَرَّبًا لِكَوْنِهِ آلَةً لَهُ وَلِذَلِكَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمَجُوسِيُّ آلَةً لِعَقْلِهِ وَكَمَالِ اخْتِيَارِهِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ ذَبِيحَتَهُ مَيْتَةً كَافْتِرَاسِ الْوُحُوشِ كَمَا جَعَلَ نِسَاءَهُمْ كَالْبَهَائِمِ يَحْرُمُ وَطْؤُهُنَّ بِسَبَبِ عَدَمِ تَعْظِيمِهِمْ الْكُتُبَ

[الفرق بين قاعدة أنكحة الصبيان تنعقد إذا كانوا مطيقين للوطء وللولي الإجازة والفسخ وبين قاعدة طلاقهم فإنه لا ينعقد]

أَوْ يَبَسِهِ أَوْ مِنْ الرَّحِمِ فِي بَرْدِهِ أَوْ هَيْئَةٍ فِيهِ تَمْنَعُ مِنْ جَرَيَانِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَيَقْعُدُ الْوَلَدُ إلَى اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا وَقَالَ الْفُقَهَاءُ وَالْمُتَأَخِّرُونَ هَذِهِ الْأَسْبَابُ الْعَارِضَةُ قَدْ تُؤَخِّرُ الْوَلَدَ إلَى سَنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ أَوْ إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ وَهُوَ مَشْهُورُ قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ أَوْ إلَى خَمْسِ سِنِينَ وَهُوَ مَشْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ. وَوَقَعَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إلَى سَبْعَةٍ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وَلَدَتْ امْرَأَةٌ بِوَاسِطَ لِسَبْعِ سِنِينَ وَلَدًا لَهُ وَفْرَةٌ مِنْ الشَّعْرِ فَجَاءَ عِنْدَ الْوِلَادَةِ بِجَنْبِهِ طَائِرٌ فَقَالَ لَهُ كِشْ. وَقَالَ مَالِكٌ إنَّ امْرَأَةَ الْعَجْلَانِيُّ دَائِمًا لَا تَضَعُ إلَّا لِخَمْسِ سِنِينَ وَهَذَا مِنْ الْعَوَارِضِ النَّادِرَةِ الْغَرِيبَةِ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَالْغَالِبُ هُوَ الْأَوَّلُ فَقَدْ ظَهَرَ السِّرُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا يُلْحَقُ الْوَلَدُ فِيهِ وَبَيْنَ مَا لَا يُلْحَقُ فِيهِ (تَنْبِيهٌ) فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا نُطْفَةً ثُمَّ أَرْبَعِينَ عَلَقَةً ثُمَّ أَرْبَعِينَ مُضْغَةً ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ» إشَارَةً إلَى الْأَطْوَارِ الثَّلَاثَةِ تَقْرِيبًا فَإِنَّ الْأَرْبَعِينَ تَقْرُبُ مِنْ الثَّلَاثِينَ وَالْخَمْسَةِ وَالثَّلَاثِينَ وَالْخَمْسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ وَهِيَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَطْوَارِ مُتَوَسِّطَةٌ تَكَادُ تَشْتَمِلُ عَلَى الْجَمِيعِ بِتَوَسُّطِهَا فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي جَمِيعِ الْأَجِنَّةِ وَلَوْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكَانَتْ الْحَرَكَةُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَيَكُونُ الْوَضْعُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَهِيَ صُورَةٌ وَاقِعَةٌ صَحِيحَةٌ غَيْرَ أَنَّهَا نَادِرَةٌ فَلَكَ أَنْ تَقُولَ إنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ صِيغَةٌ مُطْلَقَةٌ لَا عُمُومَ فِيهَا فَيَتَأَدَّى بِصُورَةٍ وَقَدْ وَقَعَتْ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ وَحَصَلَ الْوَضْعُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فَحَصَلَ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ وَصِدْقُ الْخَبَرُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْعُدُولِ بِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَلَك أَنْ تَقُولَ إنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى النَّادِرِ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ وَيَكُونُ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى التَّوَسُّطِ بَيْنَ الْأَطْوَارِ كَمَا تَقَدَّمَ وَحَمَلْنَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُبَاشِرَ لِصُوَرِ التَّخْلِيقِ وَالتَّحَرُّكِ وَالْوَضْعُ الْمُتَقَدِّمُ تَقْدِيرُهُ مُشَرِّحُونَ كَانُوا يُشَرِّحُونَ الْحَبَالَى وَيَشُقُّونَ أَجْوَافَهُمْ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَيَطَّلِعُونَ عَلَى ذَلِكَ حِسًّا وَعِيَانًا وَالْحِسُّ يُؤَوَّلُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (تَنْبِيهٌ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا نُطْفَةً ثُمَّ أَرْبَعِينَ عَلَقَةً ثُمَّ أَرْبَعِينَ مُضْغَةً ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ» إشَارَةً إلَى الْأَطْوَارِ الثَّلَاثَةِ تَقْرِيبًا إلَى قَوْلِهِ وَالْحِسُّ مُؤَوَّلٌ لِأَجْلِهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ) قُلْت لَا حَاجَةَ إلَى تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاءُ مِنْ ذَلِكَ لَا تَتَحَقَّقُ صِحَّتُهُ وَالْأَصَحُّ إبْطَالُ مَا ذُكِرَ لِمُخَالَفَتِهِ الْحَدِيثَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآلِهِيَّةَ وَالرُّسُلَ الرَّبَّانِيَّةَ فَاهْتُضِمُوا إلَى حَيْثُ جُعِلُوا كَالْبَهَائِمِ وَمَيَّزَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَيْهِمْ لِتَعْظِيمِهِمْ الرُّسُلَ وَالرَّسَائِلَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ (التَّنْبِيهُ الثَّانِي) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ فِي بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ نَحْرٌ وَذَبْحٌ وَأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْغَنَمِ وَالطَّيْرِ الذَّبْحُ وَأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْإِبِلِ النَّحْرُ وَأَنَّ الْبَقَرَ يَجُوزُ فِيهَا الذَّبْحُ وَالنَّحْرُ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجُوزُ النَّحْرُ فِي الْغَنَمِ وَالطَّيْرِ وَالذَّبْحُ فِي الْإِبِلِ فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّحْرُ فِي الْغَنَمِ وَالطَّيْرِ وَلَا الذَّبْحُ فِي الْإِبِلِ إلَّا فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَقَالَ قَوْمٌ يَجُوزُ جَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَجَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ نُحِرَ مَا يُذْبَحُ أَوْ ذُبِحَ مَا يُنْحَرُ أُكِلَ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ وَفَرَّقَ ابْنُ بِكِيرٍ بَيْنَ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ فَقَالَ يُؤْكَلُ الْبَعِيرُ بِالذَّبْحِ وَلَا تُؤْكَلُ الشَّاةُ بِالنَّحْرِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي جَوَازِ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ مُعَارَضَةُ الْفِعْلِ لِلْعُمُومِ فَأَمَّا الْعُمُومُ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا» وَأَمَّا الْفِعْلُ فَإِنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَذَبَحَ الْغَنَمَ» وَإِنَّمَا اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ ذَبْحِ الْبَقَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] وَعَلَى ذَبْحِ الْغَنَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْكَبْشِ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَنْكِحَةِ الصَّبِيَّانِ تَنْعَقِدُ إذَا كَانُوا مُطِيقِينَ لِلْوَطْءِ وَلِلْوَلِيِّ الْإِجَازَةُ وَالْفَسْخُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ طَلَاقِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ] (الْفَرْقُ الْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَنْكِحَةِ الصِّبْيَانِ تَنْعَقِدُ إذَا كَانُوا مُطِيقِينَ لِلْوَطْءِ وَلِلْوَلِيِّ الْإِجَازَةُ وَالْفَسْخُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ طَلَاقِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ) مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ سَبَبٌ لِشَيْءٍ فَالنِّكَاحُ سَبَبٌ لِلْإِبَاحَةِ وَالطَّلَاقُ سَبَبٌ لِلْبَيْنُونَةِ فَهُمَا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ لَا مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ خِطَابَ الْوَضْعِ هُوَ الْخِطَابُ بِالْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالتَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ وَتَقَدَّمَ بَسْطُهَا وَأَنَّهَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْلِيفُ وَلَا الْعِلْمُ وَلِذَلِكَ نُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَنُطَلِّقُ بِالْإِعْسَارِ وَإِنْ كَانَ مَعْجُوزًا عَنْهُ وَغَيْرَ مَشْعُورٍ بِهِ وَكَذَلِكَ بِالْإِضْرَارِ بِالْأَنْسَابِ وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ الْوَارِثُ وَلَا هُوَ مِنْ مَقْدُورِهِ فَإِنَّ مَعْنَى خِطَابِ الْوَضْعِ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَالَ إذَا وَقَعَ هَذَا فِي الْوُجُودِ فَاعْلَمُوا أَنِّي قَدْ حَكَمْت بِهَذَا فَكَانَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ طَلَاقُ الصِّبْيَانِ كَمَا انْعَقَدَتْ أَنْكِحَتُهُمْ إذَا كَانُوا مُطِيقِينَ لِلْوَطْءِ وَلِلْوَلِيِّ الْإِجَازَةُ وَالْفَسْخُ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا كَمَا أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ كَوْنِ إتْلَافِ الصَّبِيِّ سَبَبًا لِضَمَانِهِ وَعَقْدِ الْبَيْعِ سَبَبًا لِلُزُومِ الْبَيْعِ وَلَا بَيْنَ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْفِعْلِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْعَلَّامَةَ الْأَمِيرَ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ ذَكَرَ سِرَّ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ إنَّمَا صَحَّ نِكَاحُ الصَّغِيرِ وَتَوَقَّفَ عَلَى النَّظَرِ وَلَمْ يَصِحَّ طَلَاقُهُ أَصْلًا لِأَنَّ الطَّلَاقَ كَمَا قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ مِنْ قَبِيلِ الْحُدُودِ وَلِذَلِكَ تُشْطَرُ عَلَى الْعَبْدِ وَفِي الْقُرْآنِ

لِأَجْلِهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ. (فَإِنْ قُلْت) هُمْ قَوْمٌ كُفَّارٌ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِمْ فِي الشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ فَلَا يُبْنَى عَلَى قَوْلِهِمْ لُحُوقُ الْوَلَدِ وَعَدَمُ لُحُوقِهِ. (قُلْت) قَدْ اعْتَبَرْنَا قَوْلَ الْكُفَّارِ فِي الْأُمُورِ الْغَائِبَةِ مِنْ الطِّبِّيَّاتِ فَلَوْ شَهِدُوا بِعَدَمِ الْعَيْبِ قَبِلْنَا شَهَادَتَهُمْ وَقَضَيْنَا بِالرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ حَتَّى قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ وَاحِدٍ بِانْفِرَادِهِ وَلَوْ شَهِدُوا بِأَنَّ الْمَرَضَ مَخُوفٌ قَضَيْنَا بِرَدِّ التَّصَرُّفَاتِ وَالتَّبَرُّعَاتِ وَوَرَّثْنَا الْمُطَلَّقَةَ الثَّلَاثَ فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ إذَا مَاتَ الْمُطَلِّقُ فِيهِ وَلَوْ شَهِدُوا بِأَنَّ هَذَا الدَّوَاءَ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَا يَصْلُحُ بِهَذَا الْمَرَضِ وَإِنْ دَافَعَهُ لَهُ مُخْطِئٌ ضَمَّنَّاهُ بِشَهَادَتِهِمْ وَلَوْ شَهِدُوا بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطِّبِّيَّاتِ وَالْجِرَاحَاتِ وَالْأُمُورِ الَّتِي هِيَ عِلْمُهُمْ وَدِرَايَتُهُمْ قَبِلْنَاهُ فَكَذَلِكَ هَهُنَا فَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ وَلَا شَهَادَتُهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ ذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ قَضَايَا الْحُكَّامِ أَمَّا فِي هَذَا الْبَابِ فَلَا وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِي الذَّبِيحَةِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَهُوَ جَوَازُ التَّنَاوُلِ وَنَصُّوا أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ فِي قَبُولِ الْهَدِيَّةِ إذَا جَاءُوا بِهَا وَأَخْبَرُوا أَنَّ فُلَانًا بَعَثَ بِهَا مَعَهُمْ وَيُبَاحُ أَكْلُهَا بِذَلِكَ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ أَقْوَالِ الْكَفَّارَةِ فِي مَوَاطِنِهَا. (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ قِيَافَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَبَيْنَ قَاعِدَةِ قِيَافَةِ الْمُدْلِجِيِّينَ) اعْلَمْ أَنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَا بِالْقَافَةِ فِي لُحُوقِ الْأَنْسَابِ وَخَصَّصَهُ مَالِكٌ فِي مَشْهُورِ مَذْهَبِهِ بِالْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْقَافَةِ أَصْلًا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (فَإِنْ قُلْت هُمْ قَوْمٌ كُفَّارٌ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِمْ فِي الشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ فَلَا يَنْبَغِي عَلَى أَقْوَالِهِمْ لُحُوقُ الْوَلَدِ وَعَدَمُ لُحُوقِهِ) قُلْت السُّؤَالُ وَارِدٌ وَقَوْلُ السَّائِلِ عِنْدِي صَحِيحٌ قَالَ (قُلْت قَدْ اعْتَبَرْنَا قَوْلَ الْكُفَّارِ فِي الْأُمُورِ الْغَائِبَةِ عَنَّا مِنْ الطِّبِّيَّاتِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ) قُلْت مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَبُولِ قَوْلِ الْكُفَّارِ فِي الْمَوْطِنِ الَّتِي ذَكَرَهَا صَحِيحٌ وَلَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ بَلْ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ فِي مَوَاطِنِ إلْجَاءِ الضَّرُورَةِ إلَى قَبُولِ أَقْوَالِهِمْ وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ أَمْرِ لُحُوقِ الْوَلَدِ مِنْ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ لِأَنَّ الْآيَةَ يَقْتَضِي ظَاهِرُهَا تَعْيِينَ الْمُدَّةِ الَّتِي يَلْحَقُ فِيهَا الْوَلَدُ وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ تَكْذِيبَهُمْ فِيمَا قَالُوهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ ذِكْرِ الطَّلَاقِ {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} [البقرة: 229] وَلَا حَدَّ عَلَى الصَّبِيِّ، وَالنِّكَاحُ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ فَيَنْظُرُ الْوَلِيُّ الْأَصْلَحَ. اهـ بِلَفْظِهِ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا قَالَهُ الْأَصْلُ فِي سِرِّ الْفَرْقِ هُنَا مِنْ أَنَّ عَقْدَ الْأَنْكِحَةِ سَبَبُ إبَاحَةِ الْوَطْءِ وَهُوَ أَصْلٌ لِلْخِطَابِ بِالْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ دُونَ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ لِأَنَّهُمَا تَكْلِيفٌ وَمَشَقَّةٌ مِنْ جِهَةِ لُزُومِ اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ الْمَحْمُولِ عَنْ الصِّبْيَانِ لِضَعْفِ عُقُولِهِمْ وَالطَّلَاقُ سَبَبُ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ بِإِسْقَاطِ الْعِصْمَةِ فِي الزَّوْجَةِ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّحْرِيمِ فَلِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ الطَّلَاقُ سَبَبًا فِي حَقِّهِ فَهُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي أَنَّهُمَا سَبَبَانِ وَخِطَابُ وَضْعٍ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا وَهُوَ الطَّلَاقُ لَمَّا انْضَافَ إلَيْهِ تَكْلِيفٌ دُونَ الْآخَرِ انْتَفَى عَنْهُ دُونَهُ الِانْعِقَادُ فِي حَقِّهِ وَالْإِتْلَافُ وَإِنْ انْعَقَدَ فِي حَقِّهِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ وَالْوُجُوبُ تَكْلِيفٌ حَتَّى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ الْإِخْرَاجُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ الْمُتْلِفِ فَإِنْ تَأَخَّرَ ذَلِكَ الْبُلُوغُ وَجَبَ عَلَى الصَّبِيِّ فِي مَالِهِ وَخُوطِبَ هُوَ حِينَئِذٍ إلَّا أَنَّ تَأْخِيرَ مُسَبَّبِ الْإِتْلَافِ عَنْهُ إلَى بَعْدِ الْبُلُوغِ عِنْدَ حُصُولِ أَهْلِيَّةِ التَّكْلِيفِ عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ لِإِمْكَانِ الْإِخْرَاجِ حَالَةَ الْإِتْلَافِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ أَوْ مِمَّنْ يَتَبَرَّعُ بِهِ عَنْهُ بَلْ هَذَا هُوَ الْغَالِبُ وَالْعَجْزُ عَنْ إخْرَاجِ الضَّمَانِ مِنْ مَالِهِ فِي الْحَالِ نَادِرٌ فَأُلْحِقَ بِالْغَالِبِ وَانْعَقَدَ الْإِتْلَافُ سَبَبًا مُطْلَقًا وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَإِنَّهُ لَوْ انْعَقَدَ فِي حَقِّهِ لَكَانَ يَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُ التَّحْرِيمِ فِيهِ الْأَمَدَ الطَّوِيلَ وَالسِّنِينَ الْكَثِيرَةَ إلَى حِينِ الْبُلُوغِ عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ فَلَا جَرَمَ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي حَقِّهِ اهـ. لِقَوْلِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ الشَّاطِّ فِيمَا فَرَّقَ بِهِ هُنَا نَظَرٌ. اهـ قُلْت وَلَعَلَّ وَجْهَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ فِي الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِعَيْنِهِ مَشَقَّةٌ لِأَنَّهُ مَنْعُ الْإِنْسَانِ مِنْ الِاسْتِرْسَالِ مَعَ دَوَاعِي نَفْسِهِ وَهُوَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ سُمِّيَ تَكْلِيفًا وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ حَتَّى الْإِبَاحَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمُقَرَّرَةَ كَمَا فِي الْمُوَافَقَاتِ أَنَّ الشَّرَائِعَ إنَّمَا جِيءَ بِهَا لِمَصَالِح الْعِبَادِ فَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالتَّخْيِيرُ جَمِيعًا رَاجِعَةٌ إلَى حَظِّ الْمُكَلَّفِ وَمَصَالِحِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ الْحُظُوظِ مُنَزَّهٌ عَنْ الْأَعْرَاضِ غَيْرَ أَنَّ الْحَظَّ إنْ أَخَذَهُ الْعَبْدُ مِنْ جِهَةِ الطَّلَبِ فَقَطْ كَالْوَاجِبِ وَالْمُحَرَّمِ لَمْ يَكُنْ سَاعِيًا فِي حَظِّهِ وَإِنْ لَمْ يَفُتْهُ حَظُّهُ وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ حَيْثُ بَاعِثُ نَفْسِهِ فَإِمَّا أَنْ يَطْلُبَهُ مَعَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ دَاخِلًا تَحْتَ الطَّلَبِ أَيْضًا كَالْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ فَيَلْحَقُ بِمَا قَبْلَهُ فِي التَّجَرُّدِ عَنْ الْحَظِّ وَيُسَمَّى بِاسْمِهِ وَإِمَّا أَنْ يَطْلُبَهُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ غَيْرَ دَاخِلٍ تَحْتَ الطَّلَبِ كَالْمُبَاحِ فَلَا يَكُونُ آخِذًا لَهُ إلَّا مِنْ جِهَةِ إرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ لِأَنَّ الطَّلَبَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ بِالْفَرْضِ فَلِهَذَا يُقَالُ إنَّ الْمُبَاحَ هُوَ الْعَمَلُ الْمَأْذُونُ فِيهِ الْمَقْصُودُ بِهِ مُجَرَّدُ الْحَظِّ الدُّنْيَوِيِّ خَاصَّةً إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ فِيهِ الْحَظُّ الْمَذْكُورُ

[الفرق بين قاعدة ذوي الأرحام لا يلون عقد الأنكحة وبين قاعدة العصبة فإنهم يلون العقد في النكاح]

فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ لِأَنَّهُ حَزْرٌ وَتَخْمِينٌ فَلَا يَجُوزُ كَالِاعْتِمَادِ عَلَى النُّجُومِ وَعَلَى عِلْمِ الرَّمْلِ وَالْفَأْلِ وَالزَّجْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ فَإِنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْخَلْقِ عَلَى الْأَنْسَابِ مِنْ بَابِ الْحَزْرِ الْبَعِيدِ وَمَعَ طُولِ الْأَيَّامِ يُولَدُ لِلشَّخْصِ مَنْ لَا يُشْبِهُهُمَا فِي خَلْقٍ وَلَا فِي خُلُقٍ وَقَدْ «قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلَّذِي أَنْكَرَ وَلَدَهُ مِنْ لَوْنِهِ لَعَلَّهُ عِرْقٌ نَزَعَ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَهُ هَلْ لَك مِنْ إبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا أَلْوَانُهَا قَالَ بِيضٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمِنْ أَيْنَ ذَلِكَ الْأَوْرَقُ قَالَ لَعَلَّهُ عِرْقٌ نَزَعَ قَالَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَعَلَّهُ عِرْقٌ نَزَعَ» يُشِيرُ إلَى أَنَّ صِفَاتِ الْأَجْدَادِ وَأَجْدَادِ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ قَدْ تَظْهَرُ فِي الْأَبْنَاءِ فَيَأْتِي الْوَلَدُ يُشْبِهُ غَيْرَ أَبَوَيْهِ وَقَدْ يَأْتِي يُشْبِهُ أَبَوَيْهِ وَلَيْسَ مِنْهُمْ لِأَنَّ الْوَاطِئَ الزَّانِي بِأُمِّهِ كَانَ يُشْبِهُ أَبَاهُ أَوْ جَدًّا مِنْ أَجْدَادِهِ أَوْ خَالًا مِنْ أَخْوَالِهِ يُشْبِهُ أَبَاهُ الَّذِي أَلْحَقَتْهُ بِهِ الْقَافَةُ وَلَيْسَ بَابٌ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِذَا لَمْ يَطَّرِدْ وَلَمْ يَنْعَكِسْ لَمْ يَجُزْ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ الْبَعِيدِ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِمَا فِي مُسْلِمٍ «قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ مَسْرُورًا فَقَالَ يَا عَائِشَةُ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُؤْسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَالَ إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» فَقَالَ أَبُو دَاوُد كَانَ أُسَامَةُ شَدِيدَ السَّوَادِ وَأَبُوهُ شَدِيدَ الْبَيَاضِ فَطَعَنَتْ الْجَاهِلِيَّةُ عَلَى زَيْدٍ بِذَلِكَ فَسُرَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعِلْمِهِ بِتَرْكِ الطَّعْنِ عِنْدَ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُسَرُّ إلَّا بِسَبَبٍ حَقٍّ فَتَكُونُ الْقِيَافَةُ حَقًّا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. أَجَابَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِوَجْهَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ سُرَّ لِكَوْنِ الْقِيَافَةِ حَقًّا بَلْ جَازَ أَنْ يُسَرَّ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَى الْجَاهِلِيَّةِ بِمَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا وَالْحُجَّةُ قَدْ تَقُومُ عَلَى الْخَصْمِ بِمَا يَعْتَقِدُهُ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا وَقَدْ يُؤَيِّدُ اللَّهُ الْحَقَّ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ وَبِمَا شَاءَ فَإِخْمَالُ الْبَاطِلِ وَدَحْضُهُ يُوجِبُ السُّرُورَ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ (الثَّانِي) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُرَّ بِوُجُودِهِ آيَةِ الرَّجْمِ فِي التَّوْرَاةِ وَهُوَ لَا يَعْتَقِدُ صِحَّتَهَا بَلْ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَى الْكُفَّارِ وَظُهُورِ كَذِبِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ فَلِمَ لَا يَكُونُ هُنَا كَذَلِكَ. أَجَابَ الْفُقَهَاءُ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَا جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَدِيثِ اللِّعَانِ الْمَشْهُورِ «لَمَّا لَاعَنَ بَيْنَ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ وَامْرَأَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ بِوَاسِطَةِ الْحَجْرِ عَنْ الِاسْتِرْسَالِ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ إلَّا بِمُقْتَضَى الْإِذْنِ لَمْ يَخْلُ عَنْ كُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا عَنْ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ أَنَّ التَّكْلِيفَ كَمَا يُفَسَّرُ بِإِلْزَامِ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ فَلَا يَشْمَلُ النَّدْبَ وَالْكَرَاهَةَ كَذَلِكَ يُفَسَّرُ بِالطَّلَبِ فَيَشْمَلُهُمَا وَعَلَى الْأَوَّلِ يَظْهَرُ مَا رَجَّحَهُ الْمَالِكِيَّةُ مِنْ تَعَلُّقِ النَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ بِالصَّبِيِّ كَأَمْرِهِ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ مِنْ الشَّارِعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ أَمْرٌ وَأَمَّا الْإِبَاحَةُ فَلَيْسَتْ تَكْلِيفًا عَلَيْهَا وَعَدَّهَا فِي أَحْكَامِهِ إمَّا تَغْلِيبًا وَإِمَّا لِأَنَّهَا لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمُكَلَّفِ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ أَنَّ أَفْعَالَ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ كَالْبَهَائِمِ مُهْمَلَةٌ وَلَا يُقَالُ إنَّهَا مُبَاحَةٌ إذْ الْمُبَاحَةُ مَا لَا إثْمَ فِي فِعْلِهَا وَلَا فِي تَرْكِهَا وَلَا يُنْفَى الشَّيْءُ إلَّا حَيْثُ يَصِحُّ ثُبُوتُهُ. اهـ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَا يَلُونَ عَقْدَ الْأَنْكِحَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْعَصَبَةِ فَإِنَّهُمْ يَلُونَ الْعَقْدَ فِي النِّكَاحِ] (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لَا يَلُونَ عَقْدَ الْأَنْكِحَةِ وَهُمْ أَخُو الْأُمِّ وَعَمُّ الْأُمِّ وَجَدُّ الْأُمِّ وَبَنُو الْأَخَوَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ يُدْلِي بِأُنْثَى وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْعَصَبَةِ فَإِنَّهُمْ يَلُونَ الْعَقْدَ فِي النِّكَاحِ وَهُمْ الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ وَالْجُدُودُ وَالْعُمُومَةُ وَالْإِخْوَةُ الشَّقَائِقُ وَإِخْوَةُ الْأَبِ) وَهُوَ أَنَّ الْوَلَاءَ شُرِعَ لِحِفْظِ النَّسَبِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ كَذَوِي الْأَرْحَامِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ يَكُونُ لَهُ نَسَبٌ حَتَّى تَحْصُلَ الْحِكْمَةُ لِمُحَافَظَتِهِ عَلَى مَصْلَحَةِ نَفْسِهِ فَذَلِكَ يَكُونُ أَبْلَغَ فِي اجْتِهَادِهِ فِي نَظَرِهِ فِي تَحْصِيلِ الْإِكْفَاءِ وَرَدِّهِ الْعَارَ عَنْ النَّسَبِ وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الِابْنِ فَقَالَ لَا وِلَايَةَ لَهُ مُحْتَجًّا عَلَى ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ (أَحَدُهَا) قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» وَالِابْنُ لَا يُسَمَّى مَوْلًى (وَثَانِيهَا) أَنَّهُ يُدْلِي بِهَا فَلَا يُزَوِّجُهَا كَتَزْوِيجِهَا لِنَفْسِهَا فَإِنَّ الْفَرْعَ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الْأَصْلِ وَلَمَّا أَدْلَى بِهَا صَارَ فِي مَعْنَاهَا (وَثَالِثُهَا) أَنَّهُ شَخْصٌ لَا تَصِحُّ مِنْ أَبِيهِ الْوِلَايَةُ فَلَا تَصِحُّ مِنْهُ كَابْنِ الْخَالِ مَعَ الْخَالِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الثَّلَاثَةِ الْوُجُوهِ أَمَّا عَنْ الْأَوَّلِ فَبِوَجْهَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّ الْحَدِيثَ كَمَا رُوِيَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهَا كَذَلِكَ رُوِيَ «بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا» وَالِابْنُ وَلِيُّ أُمِّهِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ مِنْ الْقُرْبِ لِقَوْلِ الْعَرَبِ هَذَا يَلِي هَذَا أَيْ يَقْرُبُ مِنْهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ ابْنَهَا أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ جُزْؤُهَا وَجُزْءُ الشَّيْءِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الْمَوْلَى فِي الْحَدِيثِ عَلَى رِوَايَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ خُصُوصُ السَّيِّدِ حَتَّى يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ لَا يُسَمَّى الِابْنُ مَوْلًى بَلْ الْمَوْلَى لَهُ مَعَانٍ كَثِيرَةٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ

وَكَانَتْ حَامِلًا إنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ قَصِيرًا كَأَنَّهُ وَحِرَةٌ فَلَا أَرَاهَا إلَّا قَدْ صَدَقَتْ وَكَذَبَ عَلَيْهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ أَعْيَنَ ذَا أَلْيَتَيْنِ فَلَا أَرَاهُ إلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى الْمَكْرُوهِ مِنْ ذَلِكَ» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِي الْبُخَارِيِّ «كَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا قَلِيلَ اللَّحْمِ سَبْطَ الشَّعْرِ. وَكَانَ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ خَدِلًا آدَمَ كَثِيرَ اللَّحْمِ جَعْدًا قَطَطًا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ بَيِّنْ فَجَاءَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَهَا» (فَائِدَةٌ) الْوَحِرَةُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ دُوَيْبَّةٌ حَمْرَاءُ تَلْصَقُ بِالْأَرْضِ وَالْأَعْيَنُ الْوَاسِعُ الْعَيْنَيْنِ وَالْآدَمُ الشَّدِيدُ الْأُدْمَةِ وَهِيَ سُمْرَةٌ بِحُمْرَةٍ وَالْخَدْلُ الْكَثِيرُ اللَّحْمِ فِي السَّاقَيْنِ يُقَالُ رَجُلٌ خَدْلٌ وَامْرَأَةٌ خَدْلَاءُ وَالْقَطَطُ الشَّدِيدُ الْجُعُودَةِ كَشَوْرِ السُّودَانِ وَبِمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَالَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا قَالَتْ أَوَ تَجِدُ الْمَرْأَةُ مَا يَجِدُ الرَّجُلُ يَعْنِي مِنْ إنْزَالِ الْمَنِيِّ وَاللَّذَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْغُسْلِ فَقَالَ لَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَرِبَتْ يَدَاك وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ» فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ وَمَنِيَّ الرَّجُلِ يُحْدِثُ شَبَهًا فِي الْوَلَدِ بِالْأَبَوَيْنِ فَيَأْتِي فِي الْخِلْقَةِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْمَحَاسِنِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَنْسَابِ وَحَدِيثُ اللِّعَانِ أَيْضًا يَقْتَضِي ذَلِكَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى عَلَى خِلْقَةٍ مَخْصُوصَةٍ أَنَّهَا تُوجِبُ أَنَّهُ مِنْ وَاطِئٍ مَخْصُوصٍ وَأَنَّهُ يُوجِبُ النَّسَبَ إنْ جَاءَتْ بِهِ يُشْبِهُ صَاحِبَ الْفِرَاشِ وَإِذَا اسْتَدَلَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْخَلْقِ الَّتِي لَمْ تُوجَدْ عَلَى الْأَنْسَابِ فَالْأَوْلَى ثُبُوتُ الدَّلِيلِ بِالْخَلْقِ الْمُشَاهَدِ فَإِنَّ الْحِسَّ أَقْوَى مِنْ الْقِيَاسِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَثْبَتَ هَذَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فِي صُورَةٍ لَيْسَ فِيهَا غَرَضٌ لِلْمُشْرِكِينَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ حَقٌّ فِي نَفْسِهَا وَأَنَّ سُرُورَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ إلَّا بِحَقٍّ لَا لِأَجْلِ إقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ رَجْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَهُودِيَّيْنِ إنَّمَا كَانَ بِوَحْيٍ وَصَلَ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّوْرَاةِ فِي آيَةِ الرَّجْمِ وَتَجْوِيزِ أَنَّهَا مِنْ الْمُحَرَّفَاتِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّ فِي التَّوْرَاةِ آيَةَ الرَّجْمِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ صَحِيحًا لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ إنَّمَا أَخْبَرَ بِأَنَّهُ رَآهَا مَكْتُوبَةً فِي نُسَخِ التَّوْرَاةِ وَلَمْ يُخْبِرْ أَنَّهَا مَرْوِيَّةٌ عِنْدَهُ بِالطَّرِيقِ الصَّحِيحِ إلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي النُّسَخِ شَيْءٌ مَكْتُوبًا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مِنَّا يَقْطَعُ بِأَنَّهُ وَجَدَ فِي كُتُبِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ مِنْهَا النَّاصِرَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [التحريم: 4] أَيْ نَاصِرُهُ وقَوْله تَعَالَى {وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11] أَيْ لَا نَاصِرَ لَهُمْ وَهُوَ كَثِيرٌ وَالِابْنُ نَاصِرُ أُمِّهِ فَيَكُونُ هُوَ مَوْلَاهَا بَلْ هَذَا الِاحْتِمَالُ أَوْلَى لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ (وَأَمَّا عَنْ الثَّانِي) فَبِالْفَرْقِ بِقُوَّةِ عَقْلِهِ النَّاشِئِ عَنْ الذُّكُورِيَّةِ وَضَعْفِ عَقْلِهَا النَّاشِئِ عَنْ الْأُنُوثَةِ (وَأَمَّا عَنْ الثَّالِثِ) فَبِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا فَيَتَعَلَّقُ بِهِ عَارُهَا بِخِلَافِ أَبِيهِ وَابْنِ الْخَالِ فَإِنَّ ابْنَ الْخَالِ بَعِيدٌ عَنْهَا لَا تَنْكِيهِ فَضِيحَتُهَا كَمَا تَنْكِي ابْنَهَا بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الِابْنُ مُقَدَّمًا عَلَى جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ حَتَّى الْأَبِ لِأَنَّهُ جُزْؤُهَا وَجُزْؤُهَا أَمَسُّ بِهَا مِنْ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ نَعَمْ فِي شب أَنَّ أَبَ الْمَجْنُونَةِ مُقَدَّمٌ فِي الْجَبْرِ عَلَى ابْنِهَا وَالِابْنُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فِي الْوِلَايَةِ. اهـ لَكِنَّهُ غَيْرُ الْمَعْقُولِ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِأَنَّ فِي سَبَبِيَّتِهِ أَيْ مُقَدَّمٌ بِسَبَبِ الْجَبْرِ عَلَى ابْنِ الْمَجْنُونَةِ وَالِابْنِ مَنْ زِنًى مَثَلًا لِأَنَّ الْجَبْرَ وِلَايَةٌ وَزِيَادَةٌ فَلَا يَلْزَمُ أَنَّ الِابْنَ لَهُ جَبْرٌ، وَالِابْنُ مُقَدَّمٌ فِي الْوِلَايَةِ الَّتِي لَا جَبْرَ فِيهَا وَهِيَ الْآتِيَةُ فِي الْعَصَبَاتِ أَفَادَهُ الْأَمِيرُ فِي شَرْحِ الْمَجْمُوعِ وُضُوءِ الشُّمُوعِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِهَا وَلِذَلِكَ قُدِّمَ فِي الْقَضَاءِ مَنْ هُوَ أَيْقَظُ وَأَكْثَرُ تَفَطُّنًا لِوُجُوهِ الْحِجَاجِ وَسِيَاسَةِ الْخُصُومِ وَأَضْبَطُ لِلْفِقْهِ وَفِي الْحُرُوبِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِمَكَايِدِهَا وَسِيَاسَةِ الْجُنْدِ أَوْ الْجُيُوشِ وَفِي الْفُتْيَا مَنْ هُوَ أَوْرَعُ وَأَضْبَطُ لِمَنْقُولَاتِ الْفِقْهِ وَفِي أَمَانَةِ الْحُكْمِ عَلَى الْأَيْتَامِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِتَنْمِيَةِ الْأَمْوَالِ وَمَقَادِيرِ النَّفَقَاتِ وَالْكُلَفِ وَالْجِدَالِ فِي الْخِصَامِ لِيُنَاضِلَ عَنْ الْأَيْتَامِ وَفِي سِعَايَةِ الزَّكَاةِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِنِصَابِهَا وَالْوَاجِبِ فِيهَا وَأَحْكَامِ الزَّكَاةِ مِنْ الِاخْتِلَاطِ وَالِافْتِرَاقِ وَأَقْوَى خَرْصًا لِلثِّمَارِ وَرُبَّمَا كَانَ الْمُقَدَّمُ فِي بَابٍ مُؤَخَّرًا فِي بَابٍ آخَرَ كَمَا قُدِّمَ الرِّجَالُ فِي الْحُرُوبِ وَالْإِمَامَةِ وَأُخِّرُوا فِي الْحَضَانَةِ فَإِنَّ مَزِيدَ إنْفَاقِهِمْ يَمْنَعُهُمْ مِنْ تَحْصِيلِ مَصَالِحِ الْأَطْفَالِ وَأُخِّرَ النِّسَاءُ فِي الْحُرُوبِ وَالْإِمَامَةِ وَقُدِّمْنَ فِي الْحَضَانَةِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُنَّ بِسَبَبِ مَزِيدِ شَفَقَتِهِنَّ وَصَبْرِهِنَّ عَلَى الْأَطْفَالِ أَكْمَلُ فِيهَا مِنْهُمْ فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ يُقَدَّمُ كُلُّ وَلِيٍّ تَكُونُ صِفَتُهُ أَقْرَبَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّ صِفَةَ أَقْرَبِيَّتِهِ تَكُونُ حَاثَّةً عَلَى حُسْنِ النَّظَرِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ ابْنَ الْإِنْسَانِ أَشْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ ابْنِ عَمِّهِ لَا سِيَّمَا إذَا بَعُدَ وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ اعْتَبَرَ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْ عَصَبَتِهَا لِحَدِيثِ عُمَرَ «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا أَوْ ذِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ السُّلْطَانِ» وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ مَالِكٌ فِي الِابْنِ لِحَدِيثِ «أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ

[الفرق بين قاعدة الأجداد في المواريث يسوون بالإخوة وبين قاعدتهم في النكاح وميراث الولاء وصلاة الجنازة تقدم الإخوة عليهم]

التَّوَارِيخِ حِكَايَاتٍ وَأُمُورًا كَثِيرَةً وَلَا يَقْضِي بِصِحَّتِهَا فَكَذَلِكَ هُنَا وَإِذَا كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَكَمَ بِالْوَحْيِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَيْنَا هَهُنَا فَإِنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْوَحْيِ بَلْ ظَاهِرُ الْأَمْرِ خِلَافُهُ فَظَهَرَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ هَذَا مُدْرَكٌ صَحِيحٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْحَزْرِ الْبَاطِلِ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ (سُؤَالٌ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الْعَجَبُ مِنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَوْنُهُمَا لَمْ يَسْتَدِلَّا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي ثُبُوتِ الْقِيَافَةِ إلَّا بِحَدِيثِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ آحَادِ النَّاسِ مُعَرَّضٌ لِلصَّوَابِ وَالْخَطَأِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ صَرَّحَ بِالْقِيَافَةِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَكَانَ الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا صَدَرَ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَوْلًا وَفِعْلًا وَهُوَ مَعْصُومٌ مِنْ الْخَطَأِ أَوْلَى مِمَّا أَقَرَّ عَلَيْهِ فَإِنَّ حَدِيثَ الْمُدْلِجِيِّ إنَّمَا وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْإِقْرَارِ عَلَى مَا قَالَهُ وَأَيْنَ إقْرَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا فَعَلَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَكَرَّرَ مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لِأَحَدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ اسْتِدْلَالٌ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى صِحَّةِ الْقِيَافَةِ وَهَذَا عَجَبٌ عَظِيمٌ فِي عُدُولِهِمْ عَنْ مُدْرَكٍ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ وَالشُّهْرَةِ إلَى مَا هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ بِكَثِيرٍ وَلَمْ يُعَرِّجْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى الْقَوِيِّ أَلْبَتَّةَ (جَوَابُهُ) أَنَّ لِذَلِكَ مُوجِبًا حَسَنًا وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ وُفُورِ الْعَقْلِ وَصَفَاءِ الذِّهْنِ وَجَوْدَةِ الْفِرَاسَةِ أَمْرًا عَظِيمًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ أُمَّتِهِ فِي ذَلِكَ فَرْقٌ لَا يُدَانَى وَلَا يُقَارَبُ وَكَذَلِكَ فِي حَوَاسِّهِ وَقُوَى جَسَدِهِ وَجَمِيعِ أَحْوَالِهِ فَكَانَ يَرَى مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ وَيَرَى فِي الثُّرَيَّا أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَنَحْنُ لَا نَرَى فِيهَا إلَّا سِتَّةً فَلَوْ اسْتَدَلَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ بِقِيَافَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ تَقُمْ الْحُجَّةُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ إذْ كَانَ لَهُ أَنْ يَقُولَ إذَا صَحَّتْ الْقِيَافَةُ مِنْ تِلْكَ الْفِرَاسَةِ. النَّبَوِيَّةِ الْقَوِيَّةِ الْمَعْصُومَةِ عَنْ الْخَطَأِ فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ فِرَاسَةَ الْخَلْقِ الضَّعِيفَةَ تُدْرِكُ مِنْ الْخَلْقِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْأَنْسَابِ وَلَعَلَّهَا عَمْيَاءُ عَنْ ذَلِكَ بِالْكُلِّيَّةِ لِقُصُورِهَا وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا إلَّا حَزْرٌ وَتَخْمِينٌ بَاطِلٌ كَمَا أَنَّا عَمِينَا فِي بَقِيَّةِ كَوَاكِبِ الثُّرَيَّا لَا نُدْرِكُهَا أَلْبَتَّةَ لِضَعْفِنَا وَالْبَصَرُ كَالْبَصَرِ وَأَنْتُمْ تَقْصِدُونَ بِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ ثُبُوتَ حُكْمِ الْقِيَافَةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا يَتَأَتَّى لَكُمْ ذَلِكَ وَإِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ تَعَذَّرَ جَوَابُهُ وَبَطَلَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ أَمَّا إذَا اسْتَدَلَّ الْفُقَهَاءُ عَلَيْهِ بِقَضِيَّةِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ فَقَدْ اسْتَوْلَوْا بِشَيْءٍ يُمْكِنُ وُجُودُهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ الْأُمَّةَ يُمْكِنُ فِيهَا ذَلِكَ لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْقَبِيلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ ابْنَهَا أَنْ يُنْكِحَهَا إيَّاهُ» وَلِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا أَعْنِي مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ عَلَى أَنَّ الِابْنَ يَرِثُ الْوَلَاءَ الْوَاجِبَ لِلْأُمِّ، وَالْوَلَاءُ لِلْعَصَبَةِ اهـ. فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الفرق بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَجْدَادِ فِي الْمَوَارِيثِ يُسَوُّونَ بِالْإِخْوَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَتِهِمْ فِي النِّكَاحِ وَمِيرَاثِ الْوَلَاءِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ تُقَدِّمُ الْإِخْوَةُ عَلَيْهِمْ] (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَجْدَادِ فِي الْمَوَارِيثِ يُسَوُّونَ بِالْإِخْوَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَتِهِمْ فِي النِّكَاحِ وَمِيرَاثِ الْوَلَاءِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ تَقَدَّمَ الْإِخْوَةُ عَلَيْهِمْ) مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّ تَرْتِيبَ الْعَصَبَةِ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ وَفِيمَا إذَا وَصَّى لِأَقْرَبِ عَصَبَةٍ وَفِي مِيرَاثِ الْوَلَاءِ وَفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَفِي النِّكَاحِ وَفِي تَكْمِيلِ عَدَدِ الْعَاقِلَةِ هَكَذَا ابْنٌ وَإِنْ سَفَلَ فَأَبٌ فَأَخٌ فَابْنُهُ فَجَدٌّ أَدْنَى فَعَمٌّ أَدْنَى فَابْنُهُ فَأَبُو الْجَدِّ فَعَمُّ الْأَبِ وَهَكَذَا يُقَدَّمُ الْأَصْلُ عَلَى فَرْعِهِ وَالْفَرْعُ عَلَى أَصْلِ أَصْلِهِ وَابْنُ الْأَخِ الشَّقِيقِ عَلَى ابْنِ الْأَخِ لِلْأَبِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ كَمَا فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ قَوْلُ الْمُغِيرَةِ يُقَدَّمُ الْجَدُّ عَلَى الْأَخِ لِأَنَّهُ أَبٌ. اهـ وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْأَبَ أَوْلَى مِنْ الِابْنِ وَهُوَ أَحْسَنُ وَقَالَ أَيْضًا الْجَدُّ أَوْلَى مِنْ الْأَخِ وَبِهِ قَالَ الْمُغِيرَةُ وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّ مَالِكًا فِي وِلَايَةِ الْبُنُوَّةِ فَلَمْ يُجِزْهَا أَصْلًا بَلْ قَالَ لَا وِلَايَةَ لِلِابْنِ وَفِي تَقْدِيمِ الْإِخْوَةِ عَلَى الْجَدِّ اهـ. وَتَرْتِيبِهِمْ فِي الْحَضَانَةِ أَنْ يُتَوَسَّطَ الْأَجْدَادُ بَيْنَ الْإِخْوَةِ وَأَبْنَائِهِمْ وَفِي الْمَوَارِيثِ وَاسْتِيفَاءِ الدَّمِ مِنْ الْجَانِي أَنْ يُسَوَّى الْأَجْدَادُ بِالْإِخْوَةِ بِأَنْ يُقَدَّمَ الْأَخُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ ثُمَّ الْعَمُّ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلِ عج - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: بِغُسْلٍ وَإِيصَاءٍ وَلَاءٍ جِنَازَةٍ ... نِكَاحٍ أَخًا وَابْنًا عَلَى الْجَدِّ قَدِّمْ وَعَقْلٍ وَوَسَطِهِ بِبَابِ حَضَانَةٍ ... وَسَوِّهِ مَعَ الْأَبَاءِ فِي الْإِرْثِ وَالدَّمْ وَمُرَادُهُ بِالْآبَاءِ الْإِخْوَةُ دُونَ أَبْنَائِهِمْ قَالَ الْأَصْلُ وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَوَارِيثِ وَبَيْنَ الْأَبْوَابِ الثَّلَاثَةِ أَعْنِي النِّكَاحَ وَمِيرَاثَ الْوَلَاءِ وَمِنْهُ الْإِيصَاءُ وَتَكَمُّلُ عَدَدِ الْعَاقِلَةِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَمِنْهُ غُسْلُ الْمَيِّتِ هُوَ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ الْعُمْدَةُ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ أَنَّ حُجَّةَ الْجَدِّ فِي بَابِ الْمَوَارِيثِ أَنْ يَقُولَ أَنَا أَبُو أَبِيهِ وَالْأُبُوَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُخُوَّةِ قَطْعًا وَمِنْ حُجَّةِ الْأَخِ فِي ذَلِكَ الْبَابِ أَنْ يَقُولَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُدْلِي بِالْبُنُوَّةِ عَارَضَهَا فِي بَابِ ابْنِ أَبِيهِ وَالْبُنُوَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُبُوَّةِ قَطْعًا فَقَدْ حَجَبَ الِابْنُ الْأَبَ عَنْ جُمْلَةِ الْمَالِ إلَى سُدُسِهِ إلَّا أَنَّ حُجَّةَ الْأُخُوَّةِ بِالْبُنُوَّةِ لَمَّا عَارَضَهَا فِي بَابِ مِيرَاثِ النَّسَبِ وَجْهَانِ لَمْ تَحْصُلْ مُعَارَضَتُهُمَا لَهُمَا فِي الثَّلَاثَةِ الْأَبْوَابِ الْأُخَرِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْجَدَّ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ بِهِ وَلَا تُقَدَّرُ الْإِخْوَةُ أَشِقَّاءً كَانُوا أَوْ لِأَبٍ عَلَى ذَلِكَ (وَثَانِيهِمَا) أَنَّ الْجَدَّ يَرِثُ مَعَ الِابْنِ بِخِلَافِ الْإِخْوَةِ أَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَبِسَبَبِ أَنَّ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ

[الفرق بين قاعدة الوكالة وبين قاعدة الولاية في النكاح]

فَكَانَ الِاسْتِدْلَال بِذَلِكَ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْقِيَافَةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ اسْتِلَالًا صَحِيحًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِتَعَذُّرِ وُجُودِ مِثْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِثْلِ فِرَاسَتِهِ الْقَوِيَّةِ وَهَذَا سَبَبٌ عَظِيمٌ يُوجِبُ الْعُدُولَ عَنْ قِيَافَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى قِيَافَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْآحَادِ وَهَذَا الْمَوْضِعُ سُؤَالًا وَجَوَابًا هُوَ الْمَقْصُودُ بِذِكْرِ هَذَا الْفَرْقِ لِأَجْلِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْغَرَابَةِ وَصُعُوبَةِ الْجَوَابِ فَذَكَرْته لِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ سُؤَالًا وَجَوَابًا. (الْفَرْقُ الْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ مِنْ النِّسَاءِ وَقَاعِدَةُ مَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ) وَهُوَ أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا مِنْ النَّسَبِ أَوْ الرَّضَاعِ مَا يَمْنَعُ تَنَاكُحَهُمَا لَوْ قُدِّرَ إحْدَاهُمَا رَجُلًا وَالْأُخْرَى أُنْثَى لَا يَجُوزُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ بِعَقْدٍ وَلَا مِلْكٍ قَالَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - وَقَدْ خَرَجَ بِقَيْدَيْ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ الْمَرْأَةُ وَابْنَةُ زَوْجِهَا وَالْمَرْأَةُ وَأُمُّ زَوْجِهَا فَإِنَّهُ لَوْ فُرِضَ إحْدَاهُمَا رَجُلًا وَالْأُخْرَى امْرَأَةً لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَرْأَةَ حِينَئِذٍ إمَّا أُمُّ امْرَأَةِ الرَّجُلِ أَوْ رَبِيبَتُهُ فَتَحْرُمُ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَإِذَا قُلْنَا مِنْ النَّسَبِ أَوْ الرَّضَاعِ مَا يَمْنَعُ التَّنَاكُحَ خَرَجَا مِنْ الضَّابِطِ وَبَقِيَ جَيِّدًا وَقَبْلَ خُرُوجِهِمَا كَانَ الضَّابِطُ غَيْرَ مَانِعٍ لِانْدِرَاجِهِمَا فِيهِ فَيَكُونُ بَاطِلًا وَفِي الضَّابِطِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ مِنْ النِّسَاءِ وَقَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ) قُلْت مَا قَالَهُ فِيهِ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا عَلَّلَ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَرْأَةَ حِينَئِذٍ إمَّا أُمُّ امْرَأَةِ الرَّجُلِ أَوْ رَبِيبَتُهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ إمَّا أُمُّ امْرَأَةِ الرَّجُلِ لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمَرْأَةَ رَجُلٌ وَأَنَّ أُمَّ زَوْجِهَا أُمُّ زَوْجَتِهِ فَيَتَعَيَّنُ الْمُعَرَّفُ وَهُوَ الْمُضَافُ إلَيْهِ وَحَقُّهُ أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ لِأَنَّهُ إذًا تَعَيَّنَ بِتَعَيُّنِ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ مُخْتَصٌّ بِالْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَأَمَّا الْأُولَى فَيَسْقُطُ عَنْهَا مِثْلُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي لَفْظِ رَبِيبَتِهِ فَإِنَّهُ يُقَالُ عَلَى زَوْجَةِ الْأَبِ فِي الْعُرْفِ الْجَارِي الْآنَ وَعَلَى بِنْتِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِبَاحَةِ الْمُطْلَقَةِ وَمُطْلَقِ الْإِبَاحَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي بِصَحِيحٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ فِيهِ وَجَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي الْفُرُوقِ السَّبْعَةِ بَعْدَ هَذَا صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا مَدْخَلَ لَهُمْ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَلَا فِي مِيرَاثِ الْوَلَاءِ وَلَا فِي صَلَاةِ الْجَنَائِزِ لِاخْتِصَاصِ هَذِهِ الْأَبْوَابِ بِالْعَصَبَةِ، وَأَخُ الْأُمِّ خَارِجٌ عَنْ الْعَصَبَةِ وَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِ الْجَدِّ لِلْإِخْوَةِ أَنْتُمْ عَاجِزُونَ عَنْ دَفْعِ هَؤُلَاءِ وَأَنَا لَا أَعْجِزُ عَنْ دَفْعِهِمْ وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُعَارِضَهُمْ بِذَلِكَ بَقِيَتْ حُجَّةُ الْأُخُوَّةِ بِالْبُنُوَّةِ وَتَقْدِيمُهَا عَلَى الْأُبُوَّةِ سَالِمَةً عَنْ الْمُعَارِضِ فَقُدِّمُوا فِي الْأَبْوَابِ الثَّلَاثَةِ بِخِلَافِ مِيرَاثِ النَّسَبِ. اهـ بِتَصَرُّفٍ وَتَوْضِيحٍ لِلْمُرَادِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ قُلْت وَيَبْقَى سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ بَابِ الْحَضَانَةِ وَبَيْنَ الْأَبْوَابِ الْأَرْبَعَةِ مُفْتَقِرًا لِلْبَيَانِ {وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 8] فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَكَالَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ] (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَكَالَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ) وَذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ قَالَ لَمْ أَجِدْ لِمَالِكٍ وَلَا لِأَصْحَابِهِ نَصًّا فِي أَنَّ الْوَكِيلَيْنِ إذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ سِلْعَةً وَاتَّصَلَ بِالثَّانِي تَسْلِيمٌ انْعَقَدَ عَقْدُهُ وَفَاتَ عَقْدُ الْأَوَّلِ بَلْ إنَّمَا قَالُوا النَّافِذُ مِنْ الْبَيْعَيْنِ هُوَ الْأَوَّلُ مُطْلَقًا نَعَمْ وَقَعَ لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْجَلَّابِ أَنَّ الْوَكِيلَ وَالْمُوَكِّلَ خَاصَّةً إذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ انْعَقَدَ عَقْدُ السَّابِقِ إلَّا أَنْ يَتَّصِلَ بِالثَّانِي تَسْلِيمٌ فَقَالَ الْأَصْحَابُ هَذَا قِيَاسٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ تَجْعَلُ الْمَرْأَةُ أَمْرَهَا لَهُمَا فَيُزَوِّجَاهَا مِنْ رَجُلَيْنِ كُفْأَيْنِ فَالْمُعْتَبَرُ أَوَّلُهُمَا إنْ عُرِفَ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ بِهَا الْأَخِيرُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا لِقَضَاءِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِذَلِكَ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ يَقُولَ: الصَّحَابِيُّ الْوَاحِدُ كَمَا يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ كَذَلِكَ يَصْلُحُ لِلِاسْتِقْلَالِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ الصَّحَابَةِ لِحَدِيثِ «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَعَلَى قَوْلِهِ الْجَدِيدِ يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ لَا لِلِاسْتِقْلَالِ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ اتِّفَاقًا وَلَا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ الصَّحَابَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْحَطَّابِ عَلَى وَرَقَاتِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مَعَ الْمَتْنِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا عِبْرَةَ بِالتَّسْلِيمِ بَلْ إنَّمَا يَنْعَقِدُ عَقْدُ الْأَوَّلِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ فِي النِّكَاحِ وَمَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ وَمُوَكِّلِهِ فِي الْبَيْعِ أَنَّ كَشْفَ النِّكَاحِ مَضَرَّةٌ عَظِيمَةٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالتَّخْرِيجُ مَعَ قِيَامِ الْفَارِقِ بَاطِلٌ إجْمَاعًا فَلَوْ رَامَ مُخَرِّجٌ تَخْرِيجَ الْوَكِيلَيْنِ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ عَلَى مَا لِمَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْجَلَّابِ لَتَعَذَّرَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْفَرْقِ أَيْضًا وَهُوَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَهُ التَّصَرُّفُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَالْوَكِيلَ لَهُ التَّصَرُّفُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ فَهُوَ فَرْعٌ فَإِنْ تَأَخَّرَ عَقْدُهُ وَوَقَعَ التَّسْلِيمُ فِي عَقْدِ الْمُوَكِّلِ

مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) مَنْ أَبَانَ امْرَأَتَهُ حَلَّتْ لَهُ أُخْتُهَا فِي عِدَّتِهَا وَحَلَّتْ لَهُ الْخَامِسَةُ لِانْقِطَاعِ الْمُوَارَثَةِ بَيْنَهُمَا وَالْعِصْمَةِ وَإِنَّمَا الْعِدَّةُ لِحِفْظِ الْأَنْسَابِ وَوَافَقْنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تَحْرُمُ الْأُخْتُ وَالْخَامِسَةُ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعُ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ» (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ لُحُوقَ الْوَلَدِ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ وَلَا قَائِلَ بِالتَّحْرِيمِ إلَى تِلْكَ الْغَايَةِ إنَّمَا الْمُعْتَبَرُ الِاخْتِصَاصُ بِالزَّوْجِ حَتَّى تَحْصُلَ الْقَطِيعَةُ بَيْنَ الْأَقَارِبِ بِسَبَبِ الْجَمْعِ وَهُوَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَنْفِيٌّ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَامًّا فِي الرِّجَالِ وَالْأُخْتَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي الزَّمَانِ فَنَحْمِلُهُ عَلَى زَمَانِ الِاخْتِصَاصِ قَبْلَ الْبَيْنُونَةِ وَيَحْرُمُ الْجَمْعُ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ وَالِاخْتِصَاصُ بِالْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الْأُخْتَانِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَرُمَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] وَأُحِلَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا أَخَصَّ مِنْ الْأُخْرَى حَتَّى يُقَدَّمَ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّ الْأُولَى تَتَنَاوَلُ الْمَمْلُوكَتَيْنِ وَالْحُرَّتَيْنِ فَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّانِيَةَ تَتَنَاوَلُ الْأُخْتَيْنِ وَغَيْرَهُمَا فَتَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْأُخْرَى مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصَّ مِنْ وَجْهٍ فَتَسْتَوِيَانِ وَلِذَلِكَ قَالَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ وَوَجْهُ التَّرْجِيحِ لِلتَّحْرِيمِ كَمَا قَالَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنْ ثَلَاثَة أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْأُولَى سِيقَتْ لِلتَّحْرِيمِ وَالثَّانِيَةَ سِيقَتْ لِلْمَدْحِ بِحِفْظِ الْفُرُوجِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْكَلَامَ إذَا سِيقَ لِمَعْنًى لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي غَيْرِهِ فَلَا تُعَارِضُ الْأُولَى الثَّانِيَةَ فَتَكُونُ آيَةُ التَّحْرِيمِ سَالِمَةً عَنْ الْمُعَارِضِ فَتُقَدَّمُ (وَثَانِيهَا) أَنَّ الْأُولَى لَمْ يُجْمَعْ عَلَى تَخْصِيصِهَا وَالثَّانِيَةَ أُجْمِعَ عَلَى تَخْصِيصِهَا بِمَا لَا يَقْبَلُ الْوَطْءَ مِنْ الْمَمْلُوكَاتِ وَبِمَا يَقْبَلُهُ لَكِنَّهُ مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا كَالذُّكُورِ وَأَخَوَاتِ الرَّضَاعِ وَمَوْطُوآتِ الْآبَاءِ مِنْ الْإِمَاءِ وَغَيْرُ الْمَخْصُوصِ أَرْجَحُ مِمَّا أُجْمِعَ عَلَى تَخْصِيصِهِ (وَثَالِثُهَا) أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْفُرُوجِ التَّحْرِيمُ حَتَّى يُتَيَقَّنَ الْحِلُّ فَتَكُونُ الْأُولَى عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ رُجْحَانُ الثَّانِيَةِ عَلَيْهَا فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهَا مُوَافَقَةً لِلْأَصْلِ فَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ هُمَا اللَّتَانِ تَحْتَاجَانِ إلَى تَدْقِيقٍ فِي الْبَحْثِ فَلِذَلِكَ أَفْرَدْتهمَا عَنْ سَائِرِ الْمَسَائِلِ الَّتِي فِي الْبَابِ. ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمْكَنَ أَنْ يَقُولَ مَالِكٌ ذَلِكَ عِنْدِي مُضَافٌ لِلتَّسْلِيمِ وَكَوْنُهُ مُتَصَرِّفًا بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ، وَالْأَصَالَةُ لَهَا قُوَّةٌ وَلَهُ أَيْضًا قُوَّةُ الْعَزْلِ وَالتَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ وَهُوَ مَعْنًى مُنَاسِبٌ مَفْقُودٌ فِي الْوَكِيلَيْنِ فَإِنَّ كِلَيْهِمَا فَرْعٌ لَا أَصَالَةَ لَهُ فَلَا يَنْعَقِدُ عَقْدُ اللَّاحِقِ مِنْهُمَا مُطْلَقًا اتَّصَلَ بِهِ قَبْضٌ أَمْ لَا وَمَهْمَا وَجَدْنَا مَعْنًى يُمْكِنُ أَنْ يُلَاحِظَهُ الْإِمَامُ امْتَنَعَ التَّخْرِيجُ عَلَى مَحَلِّ ذَلِكَ الْفَارِقِ كَمَا أَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذْ وَجَدَ مَعْنًى يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فَارِقًا امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْقِيَاسُ فَالْمُقَلِّدُ مَعَ الْمُجْتَهِدِ كَالْمُجْتَهِدِ مَعَ الشَّارِعِ وَالْوَلِيَّانِ فِي النِّكَاحِ وَإِنْ كَانَا فَرَعَيْنَ لَا مُتَأَصِّلَ فِيهِمَا إلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي النِّكَاحِ لَمَّا كَانَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهَا الِاسْتِقْلَالُ سَقَطَ اعْتِبَارُ التَّأَصُّلِ فِيهَا بِخِلَافِ الْمُوَكِّلِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ يُمْكِنُ اسْتِقْلَالُهُ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ إمْكَانُ اسْتِقْلَالِهِ فَرْقًا يُلَاحِظُهُ الْإِمَامُ فَيَتَعَذَّرُ التَّخْرِيجُ وَالصَّوَابُ عَدَمُ التَّخْرِيجِ مُطْلَقًا فِي الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ وَالْوَكِيلَيْنِ أَيْضًا فَتَكُونُ قَاعِدَةُ الْوَكِيلَيْنِ وَالْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ عِنْدَ مَالِكٍ تُخَالِفُ قَاعِدَةَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَالسَّبْعُ الْمَسَائِلُ نَظَائِرُهَا عِنْدَهُ فِي أَنَّ دُخُولَ الْأَخِيرِ بِالْمَرْأَةِ فِيهَا يُفِيتُهَا عَلَى مَنْ قَبْلَهُ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ تَتَزَوَّجُ بَعْدَ الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ فَإِنْ قَدِمَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِلَّا فَاتَتْ عَلَيْهِ بِالدُّخُولِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الْمَرْأَةُ تَعْلَمُ بِالطَّلَاقِ دُونَ الرَّجْعَةِ فَتَتَزَوَّجُ ثُمَّ ثَبَتَتْ رَجْعَةُ الْأَوَّلِ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ الثَّانِي كَانَ أَحَقَّ بِهَا وَأُلْغِيَتْ الرَّجْعَةُ لِقَضَاءِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِذَلِكَ وَأَفَاتَاهَا بِالدُّخُولِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا طَلَّقَ زَوْجُ الْأَمَةِ الْأَمَةَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَرَاجَعَهَا فِي السَّفَرِ فَلَمْ تَعْلَمْ بِذَلِكَ فَوَطِئَهَا السَّيِّدُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ بِالرَّجْعَةِ كَانَ وَطْءُ السَّيِّدِ مُفِيتًا لَهَا كَالْوَطْءِ بِالزَّوْجِ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) امْرَأَةُ الرَّجُلِ يَرْتَدُّ فَيُشَكُّ فِي كُفْرِهِ بِالْأَرْضِ الْبَعِيدَةِ هَلْ هُوَ إكْرَاهٌ أَوْ اخْتِيَارٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ إكْرَاهٌ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ امْرَأَتُهُ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ كُفْرِهِ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَهِيَ لِلْأَوَّلِ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) الرَّجُلُ يُسْلِمُ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ فَاخْتَارَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا فَوَجَدَهُنَّ ذَوَاتِ مَحَارِمَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وَيَخْتَارُ مِنْ الْبَوَاقِي مَا لَمْ يَتَزَوَّجْنَ وَيَدْخُلْ بِهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ فَمَنْ دَخَلَ بِهَا فَاتَ الْأَمْرُ فِيهَا بِالدُّخُولِ وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا كَانَ لَهُ أَخْذُهَا وَقِيلَ لَا يُفِيتُهُنَّ الدُّخُولُ (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) الْمَرْأَةُ تَطْلُقُ لِلْغَيْبَةِ ثُمَّ يَقْدَمُ بِحُجَّةٍ فَإِنْ وَجَدَهَا تَزَوَّجَتْ وَدُخِلَ بِهَا فَاتَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَمْ تُفْتِ عَلَيْهِ (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) الْمَرْأَةُ تُسْلِمُ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ يُبَيِّنُ تَقَدُّمَ إسْلَامِهِ عَلَيْهَا فَتَفُوتُ عَلَيْهِ إنْ تَزَوَّجَتْ وَدُخِلَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يُدْخَلْ بِهَا لَمْ تَفُتْ عَلَيْهِ وَتُخَالِفُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ أَعْنِي قَاعِدَةَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَنَظَائِرِهَا السَّبْعِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ فِي الْمَذْهَبِ

(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِبَاحَةِ الْمُطْلَقَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِبَاحَةِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى سَبَبٍ مَخْصُوصٍ) اعْلَمْ أَنَّ الْإِبَاحَةَ قَدْ تَثْبُتُ مُطْلَقًا فَلَا يَكُونُ عَلَى الْمُكَلَّفِ حَرَجٌ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْفِعْلِ مُطْلَقًا وَقَدْ تَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ سَبَبٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يَكُونُ عَلَى الْمُكَلَّفِ حَرَجٌ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْل مِنْ جِهَة ذَلِكَ السَّبَب وَيَكُون عَلَيْهِ حَرَج فِي الْإِقْدَام بِاعْتِبَارِ سَبَبٍ آخَرَ فَالتَّحْرِيمُ يَجْتَمِعُ مَعَ هَذِهِ الْإِبَاحَةِ وَلَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْإِبَاحَةِ الْأُولَى وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ أَسْبَابَ التَّحْرِيمِ قَدْ تَجْتَمِعُ وَقَدْ تَفْتَرِقُ فَإِنْ اجْتَمَعَ اجْتَمَعَ سَبَبَانِ فَأَكْثَرُ لِتَحْرِيمٍ فَارْتَفَعَ أَحَدُهُمَا ثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ السَّبَبِ خَاصَّةً وَبَقِيَ الْفِعْلُ مُحَرَّمًا بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ الْآخَرِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ سَبَبٌ وَاحِدٌ لِلتَّحْرِيمِ فَزَالَ وَخَلَفَهُ سَبَبٌ آخَرُ صَدَقَتْ الْإِبَاحَةُ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ الْأَوَّلِ وَصَدَقَ التَّحْرِيمُ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ الْمُتَجَدِّدِ وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَبِمَعْرِفَةِ هَذَا الْفَرْقِ تَحْصُلُ أَجْوِبَةٌ عَنْ أَسْئِلَةٍ كَثِيرَةٍ فِي الْفِقْهِ وَالنُّصُوصِ وَأَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَوْله تَعَالَى {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ مُقْتَضَى حَتَّى الَّتِي هِيَ حَرْفُ غَايَةٍ أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهَا مُخَالِفًا لِمَا بَعْدَهَا وَيَكُونَ مَا بَعْدَهَا نَقِيضَ مَا قَبْلَهَا وَيَظْهَرُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ حَلَالًا إذَا عَقَدَ عَلَيْهَا زَوْجٌ آخَرُ وَوَطِئَهَا وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ إجْمَاعًا بَلْ هِيَ حَرَامٌ عَلَى حَالِهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا هَذَا الزَّوْجُ وَإِذَا طَلَّقَهَا لَا تَحِلُّ حَتَّى يَعْقِدَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ وَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ لَا تَحِلُّ حَتَّى تُنْفَى مَوَانِعُ الْوَطْءِ مِنْ الْحَيْضِ وَالصِّيَامِ وَالْإِحْرَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَانِعِ فَلَمْ يَحْصُلْ مُقْتَضَى الْغَايَةِ فَهَلْ هَذِهِ هِيَ الْغَايَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى بَابِهَا مُقْتَضِيَةٌ لِثُبُوتِ النَّقِيضِ أَوْ هِيَ مُسْتَثْنَاةٌ عَنْ قَاعِدَةِ الْغَايَاتِ بِالْإِجْمَاعِ (وَالْجَوَابُ) أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى بَابِهَا وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً بِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً وَبِكَوْنِهَا مُطَلَّقَةً ثَلَاثًا فَلَمَّا تَزَوَّجَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي صَارَتْ مُبَاحَةً مِنْ جِهَةِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثَ وَزَالَ التَّحْرِيمُ النَّاشِئُ عَنْهُ وَبَقِيَ التَّحْرِيمُ بِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً وَتَجَدَّدَ سَبَبٌ آخَرُ لِلتَّحْرِيمِ وَهُوَ كَوْنُهَا زَوْجَةً لِغَيْرِهِ فَقَدْ خَلَفَ السَّبَبَ الزَّائِلَ سَبَبٌ آخَرُ وَزَالَ التَّحْرِيمُ الْكَائِنُ بِسَبَبِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثَ وَثَبَتَ مُقْتَضَى الْغَايَةِ وَإِذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي بَقِيَتْ مُحَرَّمَةً بِالْعِدَّةِ وَهُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْضًا (الْأُولَى) الْمَرْأَةُ يُنْعَى لَهَا زَوْجُهَا ثُمَّ يَتَبَيَّنُ حَيَاتُهُ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ فَإِنَّهَا لَا يُفِيتُهَا الدُّخُولُ وَقِيلَ يُفِيتُهَا الدُّخُولُ (الثَّانِيَةُ) الْمُطَلَّقَةُ بِسَبَبِ الْإِعْسَارِ لِلنَّفَقَةِ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهَا أَسْقَطَتْهَا عَنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ وَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي (الثَّالِثَةُ الرَّجُلُ) يَقُولُ عَائِشَةُ طَالِقٌ وَلَهُ امْرَأَةٌ حَاضِرَةٌ اسْمُهَا عَائِشَةُ وَقَالَ لَمْ أُرِدْهَا وَلِي امْرَأَةٌ أُخْرَى تُسَمَّى عَائِشَةَ بِبَلَدٍ آخَرَ وَهِيَ الَّتِي أَرَدْت فَإِنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْحَاضِرَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ امْرَأَةٍ أُخْرَى فَإِنْ تَبَيَّنَ صِدْقُهُ وَقَدْ تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا رُدَّتْ إلَيْهِ وَلَا يُفِيتُهَا الدُّخُولُ (الرَّابِعَةُ) الْأَمَةُ تَعْتِقُ وَتَخْتَارُ نَفْسَهَا وَتَتَزَوَّجُ وَيَدْخُلُ بِهَا زَوْجُهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ عِتْقُ زَوْجِهَا قَبْلَهَا رُدَّتْ إلَيْهِ وَقِيلَ يُفِيتُهَا الدُّخُولُ وَسَوَّى الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فِي اعْتِبَارِ الْعَقْدِ السَّابِقِ فِي بَابَيْ الْبَيْعِ كَالنِّكَاحِ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِهِ وَالْعَقْدُ الَّذِي بَعْدَهُ بَاطِلٌ حَصَلَ دُخُولٌ أَمْ لَا وَهُوَ الْقِيَاسُ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ عَقْدِ النِّكَاحِ أَنْ تَكُونَ خَالِيَةً عَنْ زَوْجٍ وَهَذِهِ ذَاتُ زَوْجٍ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا إلَّا أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اعْتَمَدَ عَلَى قَضَاءِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَقَضَاءِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي مَسْأَلَةِ الرَّجْعَةِ وَأَفَاتُوا الْمَرْأَةَ بِالدُّخُولِ وَهَذَا مُدْرَكٌ عِنْدَهُ لَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَحْتَاجُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ لِأَمْرَيْنِ (الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) بَيَانُ سِرِّ الْفَرْقِ الْمَقْصُودِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ بِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَهُوَ إبْطَالُ أَثَرِ الْعَقْدِ السَّابِقِ، وَتَسْلِيطُ الشَّفِيعِ عَلَى إبْطَالِهِ لِأَجْلِ الضَّرَرِ الدَّاخِلِ عَلَى الشَّرِيكِ مِنْ تَوَقُّعِ الْقِسْمَةِ وَإِذَا قُضِيَ بِتَقْدِيمِ مُجَرَّدِ الضَّرَرِ الْمُتَوَقَّعِ غَيْرِ النَّاجِزِ بِدُونِ أَنْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ عَقْدٌ عَلَى الْعَقْدِ هُنَالِكَ وَجَبَ أَنْ يُقْضَى هَاهُنَا بِتَقْدِيمِ الضَّرَرِ النَّاجِزِ الْمُنْضَمِّ إلَيْهِ عَقْدٌ عَلَى الْعَقْدِ السَّابِقِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى أَمَّا كَوْنُ ضَرَرِ الشَّرِيكِ فِي الشُّفْعَةِ مُتَوَقَّعًا لَا نَاجِزًا فَلِأَنَّهَا قَدْ تَحْصُلُ وَقَدْ لَا تَقَعُ أَلْبَتَّةَ وَأَمَّا كَوْنُ ضَرَرِ فِرَاقِ الثَّانِي إذَا دَخَلَ هُنَا نَاجِزًا لَا مُتَوَقَّعًا فَلِأَنَّ الرَّجُلَ إنَّمَا يَتَزَوَّجُ فِي الْغَالِبِ مَنْ مَالَتْ نَفْسُهُ إلَيْهَا وَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا مَعَ الْمَيْلِ الْمُتَقَدِّمِ وُجِدَتْ الرُّؤْيَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ فَالْغَالِبُ حُصُولُ الْمَيْلِ وَكَذَلِكَ هِيَ أَيْضًا إنَّمَا رَضِيَتْ بِهِ بَعْدَ مَيْلِ نَفْسِهَا إلَيْهِ فَإِذَا بَاشَرَتْهُ مَعَ الْمَيْلِ الْمُتَقَدِّمِ وَحُصُولِ الْأَرَبِ فَالْغَالِبُ حُصُولُ الْمَيْلِ وَإِذَا كَانَ الظَّاهِرُ حُصُولُ الْمَيْلِ إمَّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِمَّا مِنْ أَحَدِهِمَا فَلَوْ قَضَيْنَا بِالْفِرَاقِ بَعْدَ هَذَا الْمَيْلِ النَّاشِئِ مِنْ الدُّخُولِ وَقَضَاءِ الْأَوْطَارِ لَحَصَلَ الضَّرَرُ النَّاجِزُ لِمَنْ حَصَلَ لَهُ الْمَيْلُ بِأَلَمِ الْفِرَاقِ فَضَرَرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِي وَاقِعٌ وَضَرَرُ الشُّفْعَةِ مُتَوَقَّعٌ وَالْوَاقِعُ أَقْوَى مِنْ الْمُتَوَقَّعِ وَأَمَّا كَوْنُ الضَّرَرِ هُنَا مَعْضُودًا بِعَقْدٍ بِخِلَافِهِ فِي الشُّفْعَةِ فَلِأَنَّ الشَّرِيكَ الشَّفِيعَ

سَبَبٌ مُتَجَدِّدٌ وَبِكَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً فَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ زَالَ التَّحْرِيمُ بِسَبَبِ كَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً وَبَقِيَتْ مُحَرَّمَةً بِسَبَبِ مَا تَجَدَّدَ مِنْ حَيْضٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ ثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ الْمُطْلَقَةُ وَكَانَ الثَّابِتُ قَبْلَ ذَلِكَ مُطْلَقُ الْإِبَاحَةِ الْمُطْلَقَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ مُطْلَقِ الْإِبَاحَةِ وَالْإِبَاحَةِ الْمُطْلَقَةِ فَظَهَرَ أَنَّ الْغَايَةَ عَلَى بَابِهَا لَمْ تُخَالِفْ مُقْتَضَاهَا بَلْ هِيَ مَعْمُولٌ بِهَا وَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ عَنْ الْآيَةِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا تَرَكَ الصَّلَاةَ وَزَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ وَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ وَقَتَلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ فَهَذَا قَدْ أُبِيحَ دَمُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ فَإِذَا عَفَا الْأَوْلِيَاءُ عَنْ الْقِصَاصِ ذَهَبَتْ الْإِبَاحَةُ النَّاشِئَةُ عَنْ الْقَتْلِ وَثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ النَّاشِئَةُ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ فَالْإِبَاحَةُ الْمُرْتَفِعَةُ هَهُنَا نَظِيرُ الْإِبَاحَةِ الْحَاصِلَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ مُطْلَقُ الْإِبَاحَةِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ غَيْرَ أَنَّهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَاصِلَةٌ وَهَهُنَا ذَاهِبَةٌ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِي تَصْوِيرِ اجْتِمَاعِ التَّحْرِيمِ مُضَاعَفًا فِي أَئِمَّةٍ وَتَعَلُّقَاتِ الْخِطَابِ فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّ الزِّنَى مُحَرَّمٌ وَبِالْبِنْتِ أَشَدُّ وَبِهَا فِي الصَّوْمِ أَشَدُّ وَمَعَ الْإِحْرَامِ أَشَدُّ وَفِي الْكَعْبَةِ أَشَدُّ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَسْبَابٍ مِنْ التَّحْرِيمِ اجْتَمَعَتْ فَيَكُونُ هَذَا الْفِعْلُ مُحَرَّمًا مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ وَيَكُونُ الْإِثْمُ مُضَاعَفًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَيَكُونُ خِطَابُ التَّحْرِيمِ قَدْ حَصَلَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَرْبَعَ تَعْلِيقَاتٍ فَإِذَا تَصَوَّرْت اجْتِمَاعَ التَّحْرِيمَاتِ تَصَوَّرْت ارْتِفَاعَ بَعْضِهَا وَحُصُولَ مُطْلَقِ الْإِبَاحَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ السَّبَبِ الْمُرْتَفِعِ وَتَصَوَّرْت أَيْضًا اجْتِمَاعَ الْوُجُوبَاتِ بِتَظَافُرِ أَسْبَابِهَا عَلَى الْفِعْلِ وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ تَارَةً تَثْبُتُ مُطْلَقَةً وَتَارَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُقَرُّ مِنْ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ وَقَاعِدَةُ مَا لَا يُقَرُّ مِنْهَا) قَالَ ابْنُ يُونُسَ أَنْكِحَتُهُمْ عِنْدَنَا فَاسِدَةٌ وَإِنَّمَا الْإِسْلَامُ يُصَحِّحُهَا وَقَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ لَا يُقِرُّهُمْ عَلَى مَا هُوَ فَاسِدٌ عِنْدَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا عِنْدَنَا وَلَوْ اعْتَقَدُوا غَصْبَ امْرَأَةٍ أَوْ رِضَاهَا بِالْإِقَامَةِ مَعَ الرَّجُلِ بِغَيْرِ عَقْدٍ أَقْرَرْنَاهُمْ عَلَيْهِ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ كَمَا سَقَطَ عَنْهُمْ الْقِصَاصُ وَالْغُصُوبُ وَمَا جَنَوْهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ وَيَثْبُتُ مَا اكْتَسَبُوهُ بِعُقُودِ الرِّبَا وَغَيْرِهِ مِنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ كُلُّ ذَلِكَ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُمْ لَوْ فَهِمُوا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَأْخُذُ بِغَيْرِ عَقْدٍ أُضِيفَ إلَيْهِ بَلْ بِمُجَرَّدِ الضَّرَرِ وَهَاهُنَا الزَّوْجُ الثَّانِي مَعَهُ عَقْدٌ يُقَابِلُ بِهِ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ وَبِالْجُمْلَةِ فَسَيْرُ مُخَالَفَةِ قَاعِدَةِ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَنَظَائِرِهَا السَّبْعِ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِقَاعِدَةِ الْوَكِيلَيْنِ فِي الْبَيْعِ هُوَ تَحَقُّقُ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ عَلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فِي الْقَاعِدَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ. (الْأَمْرُ الثَّانِي) بَيَانُ مَا يَرِدُ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ مِنْ الْأَسْئِلَةِ وَمَا يُجَابُ بِهِ عَنْهَا (فَالسُّؤَالُ الْأَوَّلُ) أَنَّ وُجُودَ الْعَقْدِ مَعَ الزَّوْجِ الثَّانِي هُنَا لَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا ضَرُورَةَ أَنَّ الْمَحَلَّ غَيْرُ قَابِلٍ لَهُ لِأَنَّ عَقْدَ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ مَانِعٌ مِنْهُ فَهُوَ مَعْدُومٌ شَرْعًا وَالْمَعْدُومُ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا (وَجَوَابُهُ) أَنَّهُ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ لِأَنَّا لَمَّا اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ وُجُودَ مِثْلِ صُورَةِ هَذَا الْعَقْدِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَرِضَى الْوَلِيِّ وَالْمَرْأَةِ مُوجِبَةٌ لِلْعِصْمَةِ فِي غَيْرِ صُورَةِ النِّزَاعِ وَجَبَ هُنَا الْعَمَلُ بِالصُّورَةِ أَيْضًا فِي التَّرْجِيحِ وَعَدَمُ الِالْتِفَاتِ لِمَا فِي صُورَةِ النِّزَاعِ مِنْ كَوْنِ عَقْدِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ مَانِعًا مِنْ قَبُولِ الْمَحَلِّ لِهَذَا الْعَقْدِ حَتَّى يُقَالَ إنَّهُ كَعَدَمِهِ (وَالسُّؤَالُ الثَّانِي) لِمَ اعْتَبَرْتُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْوَكِيلَيْنِ يُوَكِّلُهُمَا الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِامْرَأَةٍ فَزَوَّجَاهُ بِامْرَأَتَيْنِ فَدَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا خَامِسَةٌ كَوْنَ عَقْدِ مَا قَبْلَ الْمَدْخُولِ بِهَا مَانِعًا حَيْثُ قُلْتُمْ لَا يُفِيتُهَا الدُّخُولُ إجْمَاعًا وَلَمْ تَعْتَبِرُوا فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَنَظَائِرِهَا السَّبْعِ كَوْنَ عَقْدِ الْأَوَّلِ مَانِعًا حَيْثُ قُلْتُمْ يُفِيتُهَا دُخُولُ الثَّانِي فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا (وَجَوَابُهُ) أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا مِنْ عَشَرَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمَانِعَ هُنَا عَقْدٌ وَاحِدٌ وَفِي الْخَامِسَةِ عَقْدُ الرَّابِعِ مَعَ مَا تَقَدَّمَهُ مِنْ الْعُقُودِ (الثَّانِي) أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ الْكَثْرَةُ فَيُؤَدِّي الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ الثَّانِي بَعْدَ الدُّخُولِ فِي صُورَتِهِمَا إلَى كَثْرَةِ الْفَسَادِ وَعَلَى الْوُكَلَاءِ النُّدْرَةُ فَلَا يُؤَدِّي إلَى كَثْرَةِ الْفَسَادِ الْقَوْلُ بِفَسَادِ الْخَامِسَةِ النَّاشِئِ عَنْ الِاطِّلَاعِ وَالْكَشْفِ النَّادِرِ (الثَّالِثُ) أَنَّ التَّعَارُضَ فِي الْوَلِيَّيْنِ وَقَعَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا صَاحِبَا وَسِيلَةٍ ضَرُورَةَ أَنَّ الزَّوْجَ الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الصَّدَاقِ كَالْمُشْتَرِي الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الثَّمَنِ وَالْأَثْمَانُ وَسَائِلُ وَفِي الْوَكِيلَيْنِ وَقَعَ بَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ اللَّتَيْنِ كَالْبَائِعِ فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا صَاحِبَةَ سِلْعَةٍ وَالسِّلَعُ مَقَاصِدُ وَرُتْبَةُ الْوَسَائِلِ أَخْفَضُ مِنْ رُتْبَةِ الْمَقَاصِدِ فَلَمْ يَكُنْ فِي إبْطَالِ عَقْدِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ إلَّا إبْطَالَ مَا رَافَقَ الْأَوْضَاعَ الشَّرْعِيَّةَ بِخِلَافِ عَقْدِ الرَّابِعَةِ فَقَدْ اجْتَمَعَ فِي إبْطَالِهِ مَا هُوَ مَقْصِدٌ وَمَا هُوَ مُوَافِقٌ لِلْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ فَلِذَا امْتَنَعَ إبْطَالُهُ لِقُوَّتِهِ وَلَمْ يَمْتَنِعْ إبْطَالُ عَقْدِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ لِضَعْفِهِ (الرَّابِعُ) أَنَّ الْعَادَةَ شَاهِدَةٌ بِوَلُوعِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَشَغَفِهِمْ بِهِنَّ أَكْثَرَ مِنْهُنَّ بِهِمْ أَلَا تَرَى أَنَّ الرِّجَالَ هُمْ الْبَاذِلُونَ وَالْخَاطِبُونَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الدَّلَائِلِ

الْمُؤَاخَذَةَ بِذَلِكَ لَنَفَرُوا عَنْ الْإِسْلَامِ وَضَابِطُ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ كُلَّ مَفْسَدَةٍ تَدُومُ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ أَوْ لَا تَدُومُ لَكِنْ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ كَالزَّوَاجِ فِي الْعِدَّةِ فَيُسْلِمُ فِيهَا فَهُوَ يُبْطِلُ وَإِنْ عَرَى نِكَاحُهُمْ عَنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ صَحَّ بِالْإِسْلَامِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عُقُودُهُمْ صَحِيحَةٌ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَنَا أَيُّهَا الْمَالِكِيَّةُ إنَّ أَنْكِحَتَهُمْ فَاسِدَةٌ مُشْكِلٌ فَإِنَّ وِلَايَةَ الْكَافِرِ لِلْكَافِرِ صَحِيحَةٌ وَالشَّهَادَةُ عِنْدَنَا لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الْعَقْدِ حَتَّى نَقُولَ لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُمْ لِكُفْرِهِمْ فَلَوْ قُلْنَا إنَّهَا شَرْطٌ فَأَشْهَدَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْمُسْلِمِينَ يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ وَالْمُسْلِمُ إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ شُهُودٍ لَهُ أَنْ يُشْهِدَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَيَسْتَقِرَّ عَقْدُهُ فَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ فِي عُقُودِهِمْ بَيْنَ مَا يَكُونُ مُخْتَلَّ الشَّرْطِ وَبَيْنَ مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ. وَأَمَّا الْفَضَاءُ بِالْبُطْلَانِ مُطْلَقًا فَمُشْكِلٌ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ صَدَاقَهُمْ قَدْ يَقَعُ بِمَا لَا يَحِلُّ مِنْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَقَدْ يَقَعُ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ فَتَخْتَلُّ بَعْضُ الشُّرُوطِ أَوْ كُلُّهَا فِي بَعْضِ الْعُقُودِ فَكَمَا لَا نَقْضِي بِفَسَادِ أَنْكِحَةِ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ وَجُهَّالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ نُفَصِّلُ وَنَقُولُ مَا صَادَفَ الْأَوْضَاعَ الشَّرْعِيَّةَ وَاجْتَمَعَتْ شَرَائِطُهُ فَهُوَ صَحِيحٌ سَوَاءٌ أَسْلَمُوا أَمْ لَا وَمَا لَمْ يُصَادِفْ فَهُوَ بَاطِلٌ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَقَدْ يَصِحُّ بِالْإِسْلَامِ كَمَا نُقَدِّمُ رِضَاهُمْ بِالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ وَعَلَى هَذَا الْقَانُونِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُخَيَّرَ بَيْنَ الْأُمِّ وَابْنَتِهَا إذَا أَسْلَمَ عَلَيْهِمَا بَلْ يَقُولُ إنْ تَقَدَّمَ عَقْدُ الْبِنْتِ صَحِيحًا تَعَيَّنَتْ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ وَإِذَا أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ لَا نَقْضِي بِالتَّخْيِيرِ مُطْلَقًا بَلْ نُفَرِّقُ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ وَقَعَ مِنْهَا أَرْبَعٌ أَوَّلًا عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ تَعَيَّنَتْ دُونَ مَا بَعْدَهَا وَإِنْ عَقَدَ عَلَى الْعَشْرِ جُمْلَةً وَاحِدَةً خُيِّرَ بَيْنَهُنَّ لِشُمُولِ الْبُطْلَانِ لَهُنَّ وَكَانَ يَلِيقُ إذَا حَكَمْنَا بِفَسَادِهَا مُطْلَقًا أَنْ لَا نُفَرِّقَ بَيْنَ الْمَوَانِعِ الْمَاضِيَةِ وَمَا بَقِيَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْكُلَّ فَاسِدٌ إنْ كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ التَّرْغِيبُ فِي الْإِسْلَامِ بِسَبَبِ تَقْرِيرِ فَاسِدِ عُقُودِهِمْ لِأَنَّ الزَّوَاجَ فِي الْعَقْدِ لَا يَزِيدُ عَلَى قَتْلِ النَّفْسِ فِي الْمَفْسَدَةِ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ فَنَاسَبَ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْمَاضِي مِنْ الْمَوَانِعِ وَالْمُقَارِنِ وَيَنْبَغِي إذًا وَطْءٌ فِي الْكُفْرِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ مُجْتَمِعِ الشُّرُوطِ أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْإِحْصَانَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْإِسْلَامُ قَالَ قُلْت «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغَيْلَانَ لَمَّا أَسْلَمَ عَنْ عَشْرِ نِسْوَةٍ اخْتَرْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» . وَفِي أَبِي دَاوُد «قَالَ أَنَسُ بْنُ الْحَارِثِ أَسْلَمْت ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى فَرْطِ الْمَيْلِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي النِّسَاءِ لِضَعْفِ طَبْعِهِنَّ وَغَلَبَةِ الْحَيَاءِ عَلَيْهِنَّ وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187] حَيْثُ إنَّهُ قَدَّمَ الْجُمْلَةَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ تَنْبِيهًا عَلَى ظُهُورِ احْتِيَاجِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ وَعَدَمِ صَبْرِهِ عَنْهَا لِأَنَّهُ هُوَ الْبَادِئُ بِطَلَبِ ذَلِكَ وَكَنَّى بِاللِّبَاسِ لِشِدَّةِ الْمُخَالَطَةِ كَمَا فِي الْجَمَلِ عَلَى الْجَلَالَيْنِ فَيَكُونُ ضَرَرُ التَّفْرِيقِ بِالزَّوْجِ الثَّانِي الَّذِي حَصَلَ لَهُ الشَّغَفُ بِالدُّخُولِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ أَصْعَبَ مِنْهُ بِالْخَامِسَةِ إذْ لَا يُتَوَقَّعُ فِيهَا إلَّا دَاعِيَةٌ ضَعِيفَةٌ (الْخَامِسُ) أَنَّ مُخَالَفَةَ الْقَاعِدَةِ فِي الْوَلِيَّيْنِ أَقَلُّ مِنْ مُخَالَفَتِهَا فِي الْوَكِيلَيْنِ إذْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ الْوَاقِعِ مِنْ الْوُكَلَاءِ فِي التَّزْوِيجِ قَوِيٌّ وَعَنْ الْوَاقِعِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ ضَعِيفٌ (السَّادِسُ) أَنَّ الْمَرْأَةَ مَحْكُومٌ عَلَيْهَا وَلَا خِيَرَةَ لَهَا لَا تُتَّهَمُ وَالرَّجُلُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ الْمُخْتَارُ لِلدُّخُولِ يُتَّهَمُ أَنْ يَكُونَ عَدَلَ عَنْ الرَّابِعَةِ إلَى الْخَامِسَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِهَا (السَّابِعُ) أَنَّ دُخُولَ الثَّانِي فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَإِنْ شَارَكَ دُخُولَ الزَّوْجِ بِالْخَامِسَةِ فِي مُخَالَفَةِ قَاعِدَةِ مَنْعِ الْعَقْدِ السَّابِقِ إلَّا أَنَّ الدُّخُولَ بِالْخَامِسَةِ مَعَ ذَلِكَ خَالَفَ الْقَاعِدَةَ الْمُعْتَبَرَةَ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ ثَلَاثًا وَمُسْتَثْنَيَاتٍ فَتَجُوزُ الْهِجْرَةُ ثَلَاثًا وَالْإِحْدَادُ ثَلَاثًا، وَأَيَّامُ الْخِيَارِ ثَلَاثٌ وَالضَّرَّاتُ ثَلَاثٌ ثُمَّ يَلْزَمُ فَعَظُمَتْ أَسْبَابُ الْإِبْطَالِ فِي الْخَامِسَةِ دُونَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ (الثَّامِنُ) أَنَّ شَأْنَ أَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ السُّؤَالُ عَنْ حَالِ الزَّوْجِ فَتَضْعُفُ الشُّبْهَةُ فِي الْخَامِسَةِ بِكَشْفِ أَوْلِيَائِهَا وَلَيْسَ شَأْنُ أَوْلِيَاءِ الرَّجُلِ السُّؤَالَ عَنْ حَالِ الْمَرْأَةِ فَتَقْوَى الشُّبْهَةُ فِي ذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ وَنَحْوِهَا (التَّاسِعُ) أَنَّ عَقْدَ الْوَكَالَةِ ضَعِيفٌ كَالنَّذْرِ مَعَ الْوَاجِبِ الْمُتَأَصِّلِ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَاءَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْمُكَلَّفَ يُنْشِئُهُ بِخِلَافِ الْأَوْلِيَاءِ (الْعَاشِرُ) أَنَّ فِي الْخَامِسَةِ مَفْسَدَةً أَنَّهَا عَلَى ضَرَّاتٍ أَرْبَعٍ لَهَا انْدَفَعَتْ بِالْفَسْخِ وَالْفَائِتُ عَلَى ذَوَاتِ الْوَلِيَّيْنِ صُحْبَةُ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَدَرْءُ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ (وَالسُّؤَالُ الثَّالِثُ) أَنَّ قِيَاسَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَنَظَائِرِهَا عَلَى مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ لِلشَّرِيكِ لَا يَصِحُّ لِتَبَايُنِ الْأَحْكَامِ ضَرُورَةَ أَنَّ الشَّرِيكَ فِي صُورَةِ الشُّفْعَةِ مُخَيَّرٌ وَالزَّوْجُ الثَّانِي هَاهُنَا لَيْسَ مُخَيَّرًا بَلْ أَنْتُمْ قَدْ عَيَّنْتُمْ الْمَرْأَةَ لَهُ جَزْمًا فَقَدْ زَادَتْ صُورَةُ الْفَرْعِ الْمَقِيسِ عَلَى صُورَةِ الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ بِوَصْفِ اللُّزُومِ (وَجَوَابُهُ) أَنَّ لِلْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ جِهَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) جِهَةُ التَّخْيِيرِ وَهِيَ خَاصَّةٌ بِالْأَصْلِ الْمَذْكُورِ لِكَوْنِ السِّلَعِ وَالْعَقَارِ قَابِلَةً لِلتَّخَيُّرِ وَالْخِيَارِ فَلِذَا ثَبَتَ لِلشَّفِيعِ الْخِيَارُ مِنْ غَيْرِ لُزُومٍ وَتَمْتَنِعُ فِي الْفَرْعِ الَّذِي هُوَ صُورَةُ النِّزَاعِ لِامْتِنَاعِ الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ لِئَلَّا تَكُونَ الْمُخَدَّرَاتُ بَذْلَةً بِالْخِيَارِ فَلِذَلِكَ

وَتَحْتِي ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَأَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ اخْتَرْ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ فَهَذِهِ» الْأَحَادِيثُ تَقْتَضِي أَنَّ عُقُودَهُنَّ فَاسِدَةٌ إذْ لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَكَانَ السَّابِقُ هُوَ الصَّحِيحُ وَالْمُتَأَخِّرُ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ لِلْفَسَادِ الْخَامِسَةُ فَمَا زَادَ عَلَيْهَا وَكَانَ الِاخْتِيَارُ لَا يَكُونُ إلَّا إذْ عَقَدَ عَقْدًا وَاحِدًا حَتَّى لَا يَكُونَ الْبَعْضُ أَوْلَى بِالْبَقَاءِ دُونَ الْبَعْضِ الْآخَرِ لَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا خَيَّرَ مُطْلَقًا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ بَعْضُ الْعُقُودِ أَوْ اتَّحَدَتْ الْعُقُودُ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَرَدَتْ فِي تَأْسِيسِ قَاعِدَةٍ وَتَقْرِيرِ أَصْلٍ عَامٍّ فِي النَّاسِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَوْ كَانَ يَخْتَلِفُ الْحَالُ فِيهِ لَبَيَّنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَزِمَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَهَذَا مُسْتَنَدٌ ظَاهِرٌ فِي فَسَادِ عُقُودِهِنَّ وَأَنَّ الْأَوَائِلَ فِي حُكْمِ الْأَوَاخِرِ عَلَى السَّوِيَّةِ وَالْأَوَاخِرَ الْمُتَأَخِّرَاتِ الْعُقُودِ فَاسِدَةُ الْعُقُودِ فَكَذَلِكَ الْأَوَائِلُ قُلْت إطْلَاقُ الْخِيَارِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ الْأَنْكِحَةُ فَاسِدَةً كَمَا قُلْت وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ الْمُفْسِدَاتُ الْوَاقِعَةُ فِي الْكُفْرِ لَا تُعْتَبَرُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُمْ لَوْ اعْتَقَدُوا غَصْبَ الْمَرْأَةِ وَمُجَرَّدَ رِضَاهَا بِغَيْرِ عَقْدٍ ثُمَّ أَسْلَمُوا عَلَى ذَلِكَ أَقْرَرْنَاهُمْ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَمْنَعُ مِنْ تَأْثِيرِ الْمُفْسِدَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ هَذَا النَّحْوِ فَهَكَذَا كَوْنُهَا خَامِسَةً وَنَحْوُ ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ فِي الْإِسْلَامِ وَإِذَا قَارَنَ الْكُفْرُ اعْتَبَرَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ وَإِذَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ لَمْ يَلْزَمْ مَا ذَكَرْته مِنْ فَسَادِ الْعُقُولِ بَلْ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى التَّخْيِيرِ فَقَطْ وَهَذَا مُجْمَلٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ الْفَسَادِ وَالصِّحَّةِ. وَهَذَا جَوَابٌ سَدِيدٌ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ قَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ عَقْدًا وَاحِدًا فَلِذَلِكَ خَيَّرَهُ أَوْ وَكَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُنَّ عِنْدَهُ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ وَالتَّقْرِيرِ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ بِالْغَصْبِ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَذْهَبًا لَهُمْ فَإِنَّ هَذَا فَاسِدٌ لِوَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ عِلْمِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (الثَّانِي) لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُ تَقْرِيرُ قَاعِدَةٍ فَيَتَعَيَّنُ إيضَاحُهَا وَإِزَالَةُ اللَّبْسِ عَنْهَا وَزَوَالُ كُلِّ مَا يُوجِبُ وَهُمَا فِيهَا وَلَمَّا لَمْ يَبِينُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنِّي إنَّمَا حَكَمْت فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ بِهَذَا الْحُكْمِ لِأَنِّي أَعْلَمَ أَنَّ مَنْ أَمَرَهَا أَمْرًا يَقْتَضِي هَذِهِ لِلْحُكْمِ عَلِمْنَا أَنَّ الْمُدْرَكَ غَيْرُ عِلْمِهِ بِأَمْرٍ يَخُصُّهَا بَلْ الْحُكْمُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ صُوَرِ مَنْ يُسْلِمُ كَيْفَ كَانَتْ عُقُودُهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي حِكَايَاتِ الْأَحْوَالِ يَقُومُ مَقَامَ الْعُمُومِ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحَصَلَ اللُّزُومُ وَالتَّعْيِينُ لِلزَّوْجِ الثَّانِي وَلَمْ تُلَاحَظْ فِي الْقِيَاسِ هَذِهِ الْجِهَةُ (الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ) جِهَةُ تَقْدِيمِ الْمَضَرَّةِ عَلَى الْعَقْدِ السَّابِقِ وَصُورَةُ النِّزَاعِ الَّتِي هِيَ الْفَرْعُ مُسَاوِيَةٌ لِصُورَةِ الشُّفْعَةِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ الَّتِي وَقَعَ الْقِيَاسُ بِاعْتِبَارِهَا (وَالسُّؤَالُ الرَّابِعُ) أَنَّ ضَرَرَ الشَّفِيعِ إنَّمَا أَبْطَلَ الْعُقْدَةَ فِي الشُّفْعَةِ الْمُقْتَضِي إبَاحَةَ الْأَمْوَالِ الَّتِي رُتْبَتُهَا أَخْفَضُ مِنْ رُتْبَةِ الْإِبْضَاعِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ضَرَرُ الزَّوْجِ الثَّانِي مُبْطِلًا لِلْعَقْدِ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ الْمُقْتَضِي إبَاحَةَ الْإِبْضَاعِ الَّتِي هِيَ أَعْلَى رُتْبَةً فَبَطَلَ الْقِيَاسُ بِهَذَا الْفَرْقِ (وَجَوَابُهُ) أَنَّكُمْ إذَا سَلَّمْتُمْ أَنَّ الْإِبْضَاعَ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْ الْأَمْوَالِ يَكُونُ الضَّرَرُ بِفَوَاتِ مَقَاصِدِهَا أَعْظَمَ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِيكِ فَيَكُونُ أَوْلَى بِالْمُرَاعَاةِ فَكَيْفَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُبْطِلًا لِلْعَقْدِ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ حَتَّى يُسَلَّمَ بُطْلَانُ الْقِيَاسِ بِهَذَا الْفَرْقِ (السُّؤَالُ الْخَامِسُ) لِمَ رَجَّحْتُمْ ضَرَرَ الزَّوْجِ الثَّانِي فِي مَسْأَلَةِ النِّزَاعِ عَلَى ضَرَرِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّجْعِيَّةِ وَالْمَفْقُودِ وَغَيْرِهِمَا مَعَ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِي كَمَا حَصَلَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالدُّخُولِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ كَذَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ قَدْ حَصَلَ لَهُ أَيْضًا تَعَلُّقٌ فِي مَسْأَلَةِ الرَّجْعَةِ وَالْمَفْقُودِ وَغَيْرِهِمَا لَا سِيَّمَا وَصُحْبَةُ الْأَوَّلِ أَطْوَلُ وَأَكْثَرُ وَمُعَاهَدٌ قَضَاءُ الْأَوْطَارِ بَيْنَهُمَا قَالَ الشَّاعِرُ: مَا الْحُبُّ إلَّا لِلْحَبِيبِ الْأَوَّلِ (وَجَوَابُهُ) أَنَّا رَجَّحْنَا ضَرَرَ الثَّانِي لِكَوْنِهِ أَوْلَى بِالْمُرَاعَاةِ مِنْ ضُرِّ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَعْرَضَ بِالطَّلَاقِ وَتُوحَشُ الْعِصْمَةُ إمَّا بِالطَّلَاقِ وَإِمَّا الْفِرَاقِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ وَإِمَّا بِحُصُولِ السَّآمَةِ مِنْ طُولِ الْمُبَاشَرَةِ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ طُولَ صُحْبَةِ الْمَرْأَةِ تُوجِبُ قِلَّةَ وَقْعِهَا فِي النَّفْسِ وَأَنَّ جِدَّتَهَا تُوجِبُ شِدَّةَ وَقْعِهَا فِي النَّفْسِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَنْكِحَةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَكَالَاتِ فِي السِّلَعِ وَالْإِجَارَاتِ (وَالسُّؤَالُ السَّادِسُ) لِمَ اُعْتُبِرَ ثَمَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ وَنَظَائِرِهَا السَّبْعِ وَلَمْ تَعْتَبِرُوهَا فِي الْأَرْبَعِ الْمَسَائِلِ حَيْثُ قُلْتُمْ فِيهَا إنَّ الزَّوْجَةَ لَا يُفِيتُهَا دُخُولُ الثَّانِي وَهَذَا نَقْضٌ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْفَرْقِ مُوجِبٌ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ وَإِلْغَائِهِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْفَرْقُ بَيْنَ الثَّمَانِ الْمَسَائِلِ الَّتِي اُعْتُبِرَتْ فِيهَا الْقَاعِدَةُ وَالْأَرْبَعِ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَمْ تُعْتَبَرْ فِيهَا (وَجَوَابُهُ) أَنَّ أَبْعَدَ الثَّمَانِيَةِ عَنْ الْفَوَاتِ بِالدُّخُولِ مَسْأَلَةُ ذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ إذْ لَيْسَ فِيهَا حُكْمُ حَاكِمٍ وَلَا ظَاهِرٌ يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا فِيهَا حُكْمُ حَاكِمٍ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَفْقُودِ وَمَسْأَلَةِ الْمَرْأَةِ تَطْلُقُ بِسَبَبِ طُولِ الْغَيْبَةِ وَمَسْأَلَةِ تُسْلِمُ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ تَقَدُّمُ إسْلَامِ زَوْجِهَا فَإِنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ فَسْخِ النِّكَاحِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ إنَّ الْحَاكِمَ إذَا حَكَمَ بِالطَّلَاقِ بِشَهَادَةِ زُورٍ نَفَذَ الطَّلَاقُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَكَذَلِكَ إذَا حَكَمَ بِالنِّكَاحِ

الْمَقَالِ مَعْنَاهُ يَقُومُ مَقَامَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ جَمِيعَ الصُّوَرِ حُكْمُهَا كَذَلِكَ وَإِذَا ظَهَرَ هَذَا الْجَوَابُ ظَهَرَ أَنَّ الْحَقَّ الْأَبْلَجَ الْقَضَاءُ عَلَى عُقُودِهِمْ بِالصِّحَّةِ حَتَّى يُعْلَمَ فَسَادُهَا كَالْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ مَانِعٌ مِنْ عَقْدِ النِّكَاحِ وَقَادِحٌ فِي صِحَّتِهِ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً كَافِرَةً لَهَا أَخَوَانِ كَافِرٌ وَمُؤْمِنٌ فَأَرَادَتْ الزَّوَاجَ مَنَعْنَا الْمُسْلِمَ مِنْ تَزْوِيجِهِمَا وَقُلْنَا لِأَخِيهَا الْكَافِرِ زَوِّجْهَا لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْكَافِرَةِ بَلْ الْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ وَلَوْ أَنَّ نِكَاحَ الْكَافِرِ فَاسِدٌ لَقُلْنَا لِهَذِهِ الْكَافِرَةِ لَا سَبِيلَ لَك إلَى الزَّوَاجِ حَتَّى تُسْلِمِي لِأَنَّ الْكُفْرَ أَحَدُ مَوَانِعِ صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْك وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ عُقُودِهِمْ. (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ زَوَاجِ الْإِمَاءِ فِي مِلْكِ غَيْرِ الزَّوْجِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ زَوَاجِ الْإِنْسَانِ لِإِمَائِهِ الْمَمْلُوكَاتِ لَهُ وَالْمَرْأَةِ لِعَبْدِهَا أَوْ فِي غَيْرِ مِلْكِهَا فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَصِحُّ بِشَرْطِهِ وَالثَّانِي بَاطِلٌ وَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوَاعِدَ) (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقْصُودُهُ لَا يُشْرَعُ وَلِذَلِكَ لَا يُحَدُّ الْمَجْنُونُ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ فِي الصِّحَّةِ وَلَا السَّكْرَانُ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْحَدِّ الزَّجْرُ بِمَا يُشَاهِدُ الْمُكَلَّفُ مِنْ الْمُؤْلِمَاتِ وَالْمَذَلَّاتِ وَالْمَهَانَاتِ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِمِرْآةِ الْعَقْلِ وَكَذَلِكَ لَا يُشْرَعُ اللِّعَانُ لِنَفْيِ النَّسَبِ فِي حَقِّ الْمَجْبُوبِ وَلَا مَنْ لَا يُولَدُ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِهِ ذَلِكَ النَّسَبُ وَلَا يُفِيدُ اللِّعَانُ شَيْئًا وَكَذَلِكَ لَا يُشْرَعُ عَقْدُ الْبَيْعِ مَعَ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ تَنْمِيَةُ الْمَالِ وَتَحْصِيلُ مَقَاصِدِ الْعِوَضَيْنِ وَذَلِكَ بَعِيدُ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ وَيَكْفِي أَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا مَظْنُونٍ فَلَا يُشْرَعُ الْبَيْعُ وَنَظَائِرُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ كَثِيرَةٌ فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ لَا يُشْرَعُ نِكَاحُ الرَّجُلِ أَمَتَهُ لِأَنَّ مَقَاصِدَ النِّكَاحِ حَاصِلَةٌ قَبْلَ الْعَقْدِ بِالْمِلْكِ فَلَمْ يَحْصُلْ الْعَقْدُ لَهُ فِي أَمَتِهِ (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) مِنْ مُقْتَضَى الزَّوْجِيَّةِ قِيَامُ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالْحِفْظِ وَالصَّوْنِ وَالتَّأْدِيبِ لِإِصْلَاحِ الْأَخْلَاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34] وَالِاسْتِرْقَاقُ يَقْتَضِي قَهْرَ السَّادَاتِ وَالْقِيَامَ عَلَى الرَّقِيقِ لِلْأَعْمَالِ وَإِصْلَاحِ الْأَخْلَاقِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَالِاسْتِيلَاءَ بِالِاسْتِهَانَةِ فَيَتَعَذَّرُ أَنْ تَكُونَ أَمَةُ الْإِنْسَانِ زَوْجَتَهُ وَعَبْدُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا لِتَنَاقُضِ آثَارِ الْحُقُوقِ (الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) كُلُّ أَمْرَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ يُقَدِّمُ الشَّرْعُ أَقْوَاهُمَا عَلَى أَضْعَفِهِمَا وَكَذَلِكَ الْعَقْلُ وَالْعُرْفُ وَالرِّقُّ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالزَّوْجِيَّةِ بِشُهُودِ زُورٍ ثَبَتَ النِّكَاحُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَجَازَ لِأَحَدِ تِلْكَ الشُّهُودِ الزُّورِ أَنْ يَتَزَوَّجَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ الَّتِي شَهِدَ بِطَلَاقِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِ نَفْسِهِ وَأُبِيحَتْ الزَّوْجَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَجُعِلَ حُكْمُهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ عَقْدًا وَلَا طَلَاقًا بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَلِهَذَا الْمُدْرَكِ عُمِّمَ نُفُوذُ الْأَحْكَامِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي كُلِّ مَا يُمْكِنُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِهِ فِي صُوَرٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهَا مِنْ الْفُسُوخِ وَالْعُقُودِ دُونَ مَا لَا يَدْخُلُهُ حُكْمُ الْحَاكِمِ فَتَسْتَقِلُّ بِهِ الذِّمَّةُ مِنْ الدُّيُونِ وَنَحْوِهَا وَنَحْنُ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِهَذَا الْمُدْرَكِ بَلْ قُلْنَا لَا يَنْفَدُ هَذَا الْحُكْمُ لَا أَنَّهُ لَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ نُبْقِيَهُ فَارِقًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ بَيْنَ مَا فِيهِ حُكْمُ حَاكِمٍ وَبَيْنَ مَا لَيْسَ فِيهِ حُكْمُ حَاكِمٍ فَيَكُونُ مَا فِيهِ أَقْرَبَ إلَى الْفَوَاتِ بِالدُّخُولِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. وَبِخِلَافِ مَا فِيهَا ظَاهِرٌ يَنْكَشِفُ خِلَافُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ تَعْلَمُ بِالطَّلَاقِ دُونَ الرَّجْعَةِ فَإِنَّ ظَاهِرَ الطَّلَاقِ يُبِيحُ الْعَقْدَ وَمِنْ مَسْأَلَةِ الْأَمَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ ظَاهِرَ الطَّلَاقِ يُبِيحُ وَطْئًا سَيِّدِهَا وَمِنْ مَسْأَلَةِ امْرَأَةِ الْمُرْتَدِّ فَإِنَّ ظَاهِرَ الْكُفْرِ يُبِيحُ الْعَقْدَ وَمِنْ مَسْأَلَةِ الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى كَثِيرِ نِسْوَةٍ فَإِنَّ ظَاهِرَ حَالِهِنَّ يَقْتَضِينَ الِاخْتِيَارَ وَتَزَوَّجَهُنَّ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الِاخْتِيَارِ فِيهِنَّ فَالْمَرْأَةُ وَكَذَلِكَ وَلِيُّهَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ مَعْذُورَةٌ مَأْذُونٌ لَهَا فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْعَقْدِ الثَّانِي بِسَبَبِ الظَّاهِرِ فَيَكُونُ مَا فِيهِ ظَاهِرٌ أَقْرَبَ إلَى الْفَوَاتِ بِالدُّخُولِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ وَحَيْثُ كَانَتْ مَسْأَلَةُ ذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ أَبْعَدَ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِ الَّتِي اُعْتُبِرَتْ فِيهَا الْقَاعِدَةُ عَنْ الْفَوَاتِ بِالدُّخُولِ فَلْنُعَيِّنْهَا لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي لَمْ تُعْتَبَرْ فِيهَا الْقَاعِدَةُ لِيَحْصُلَ الْفَرْقُ بَيْنَ بَاقِي الثَّمَانِيَةِ وَبَيْنَ الْأَرْبَعَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَنَقُولُ: أَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ يُنْعَى لَهَا زَوْجُهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ فَهُوَ أَنَّ الْمَوْتَ شَأْنُهُ الشُّهْرَةُ وَالظُّهُورُ وَلَيْسَ اشْتِهَارُ عَقْدِ الْوَلِيِّ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي الْوُجُودِ كَاشْتِهَارِ الْمَوْتِ وَلَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى الْإِخْبَارِ بِهِ كَتَوَفُّرِهَا عَلَى الْإِخْبَارِ بِمَوْتِ إنْسَانٍ وَالتَّفَجُّعِ عَلَيْهِ كَمَا تَشْهَدُ الْعَوَائِدُ بِذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَطَأَ فِيمَا الشَّأْنُ فِيهِ الشُّهْرَةُ وَالظُّهُورُ التَّامُّ نَادِرٌ فَيَضْعُفُ الْعُذْرُ فَلَا يَفُوتُ بِالدُّخُولِ. وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ التَّطْلِيقِ بِالْإِعْسَارِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ فَهُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي الْأُولَى ظَالِمَةٌ قَاصِدَةُ الْفَسَادِ فَنَاسَبَ أَنْ تُعَاقَبَ بِنَقِيضِ مَقْصُودِهَا فِي إبْطَالِ تَصَرُّفِهَا بِالزَّوَاجِ لِأَنَّهَا تَعْلَمُ أَنَّهَا أَسْقَطَتْ النَّفَقَةَ وَأَنَّهَا مُبْطِلَةٌ فِي جَمِيعِ تَصَرُّفِهَا وَدَعْوَاهَا بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ إذْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا عِلْمٌ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ مَنْ يَقُولُ عَائِشَةُ طَالِقٌ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ فَهُوَ مِنْ جِهَتَيْنِ الْأُولَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأُولَى يُبْنَى عَلَى اسْتِصْحَابِ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ زَوَاجِهِ لِامْرَأَةٍ أُخْرَى وَاسْتِصْحَابُ الْأَصْلِ أَضْعَفُ مِنْ

أَقْوَى مِنْ النِّكَاحِ لِكَوْنِهِ يُوجِبُ التَّمَكُّنَ مِنْ الْمَنَافِعِ الَّتِي بَعْضُهَا حِلُّ النِّكَاحِ مَعَ صِحَّةِ الْإِيجَارِ وَالْإِخْدَامِ مَعَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَلَا يَقْتَضِي النِّكَاحُ غَيْرَ إبَاحَةِ الْوَطْءِ فَيَكُونُ لِذَلِكَ أَقْوَى فَيُقَدَّمُ عَلَى النِّكَاحِ وَبِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ نُجِيبُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ إذَا اشْتَرَى امْرَأَتَهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ السَّابِقُ لِطُرُوءِ الْمُنَافِي عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ إذَا تَزَوَّجَ أَمَتَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ الْمِلْكُ لِوُرُودِ الْمُنَافِي عَلَيْهِ فَنَقُولُ فِي الْجَوَابِ إنَّ الْمُدْرَكَ لَيْسَ تَقْدِيمَ الطَّارِئِ عَلَى السَّابِقِ بَلْ الْمُدْرَكُ أَنَّ الرِّقَّ أَقْوَى وَهُوَ مُقَدَّمٌ فِي الْحَالَتَيْنِ إنْ تَقَدَّمَ قُدِّمَ وَإِنْ تَأَخَّرَ قُدِّمَ فَإِنْ سَبَقَ لَا يَبْطُلُ وَإِنْ طَرَأَ أَبْطَلَ وَهَذَا هُوَ أَثَرُ الْقُوَّةِ وَالرُّجْحَانِ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ وَبِهَذِهِ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ اجْتِمَاعِ النِّكَاحِ وَالرِّقِّ الْكَائِنِ لِغَيْرِ الزَّوْجَيْنِ وَبَيْنَ امْتِنَاعِ اجْتِمَاعِهِمَا إذَا كَانَ الرِّقُّ لِلزَّوْجَيْنِ. (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَجْرِ عَلَى النِّسْوَانِ فِي الْإِبْضَاعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِمْ فِي الْأَمْوَالِ) اعْلَمْ أَنَّ النِّسَاءَ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا وَتَتَصَرَّفَ فِي بُضْعِهَا كَانَتْ ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا رَشِيدَةً فِي مَالِهَا أَمْ لَا دَنِيَّةً عَفِيفَةً أَمْ فَاخِرَةً وَأَمَّا الْأَمْوَالُ فَيُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ الرَّشِيدَةِ الثَّيِّبِ وَغَيْرِهَا فَيَجُوزُ لَهَا التَّصَرُّفُ وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ أَبَاهَا الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْأَوْلِيَاءِ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْجَبْرِ وَالْفَرْقُ مِنْ وُجُوهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْإِبْضَاعَ أَشَدُّ خَطَرًا وَأَعْظَمُ قَدْرًا فَنَاسَبَ أَنْ لَا تُفَوِّضَ إلَّا لِكَامِلِ الْعَقْلِ يَنْظُرُ فِي مَصَالِحِهَا وَالْأَمْوَالُ خَسِيسَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا فَجَازَ تَفْوِيضُهَا لِمَالِكِهَا إذْ الْأَصْلُ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ فِي الْمَالِ إلَّا مَالِكُهُ (وَثَانِيهَا) أَنَّ الْإِبْضَاعَ يُعْرِضُ لَهَا تَنْفِيذَ الْأَغْرَاضِ فِي تَحْصِيلِ الشَّهَوَاتِ الْقَوِيَّةِ الَّتِي يُبْذَلُ لِأَجْلِهَا عَظِيمُ الْمَالِ وَمِثْلُ هَذَا الْهَوَى يُغَطِّي عَلَى عَقْلِ الْمَرْأَةِ وُجُوهَ الْمَصَالِحِ لِضَعْفِهِ فَتُلْقِي نَفْسَهَا لِأَجْلِ هَوَاهَا فِيمَا يُرْدِيهَا فِي دُنْيَاهَا وَأُخْرَاهَا فَحُجِرَ عَلَيْهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ لِاحْتِمَالِ تَوَقُّعِ مِثْلِ هَذَا الْهَوَى الْمُفْسِدِ وَلَا يَحْصُلُ فِي الْمَالِ مِثْلُ هَذَا الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ الْقَاهِرَةِ الَّتِي رُبَّمَا حَصَلَ الْجُنُونُ وَذَهَابُ الْعَقْلِ بِسَبَبِ فَوَاتِهَا (وَثَالِثُهَا) أَنَّ الْمَفْسَدَةَ إذَا حَصَلَتْ فِي الْإِبْضَاعِ بِسَبَبِ زَوَاجِ غَيْرِ الْأَكْفَاءِ حَصَلَ الضَّرَرُ وَتَعَدَّى لِلْأَوْلِيَاءِ بِالْعَارِ وَالْفَضِيحَةِ الشَّنْعَاءِ وَإِذَا حَصَلَ الْفَسَادُ فِي الْمَالِ لَا يَكَادُ يَتَعَدَّى الْمَرْأَةَ وَلَيْسَ فِيهِ مِنْ الْعَارِ وَالْفَضِيحَةِ مَا فِي الْإِبْضَاعِ وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتِصْحَابِ عَدَمِ عَقْدِ الْوَلِيِّ عَلَى مُوَلِّيَتِهِ فَإِنَّ الْعُقُودَ لِأَوْلِيَائِهَا غَالِبًا وَعُقُودُ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ لَا تَشْتَهِرُ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَالْحَاكِمُ وَإِنْ اعْتَمَدَ فِي الطَّلَاقِ بِسَبَبِ الْغَيْبَةِ عَلَى الْأَصْلِ الْعَدَمِيِّ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إيصَالِ حُقُوقِهَا إلَيْهَا إلَّا أَنَّ الْغَيْبَةَ هُنَاكَ صُورَةٌ ظَاهِرَةٌ شَاهِدَةٌ عَلَى الزَّوْجِ بِدَعْوَى الْمَرْأَةِ وَلَيْسَ هُنَا صُورَةٌ ظَاهِرَةٌ تَشْهَدُ بِعَدَمِ زَوَاجِ امْرَأَةٍ أُخْرَى تُسَمَّى عَائِشَةَ. الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ الْوَلِيَّ الْعَاقِدَ لِلْعَقْدِ الثَّانِي مَأْذُونٌ لَهُ فِي الْعَقْدِ إجْمَاعًا وَلَيْسَ لَهُ مُعَارِضٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَكَانَ عَقْدُهُ بِالنُّفُوذِ أَوْلَى بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ هَاهُنَا فَإِنَّهَا لَمَّا تَزَوَّجَتْ مَعَ قَوْلِ الزَّوْجِ لِي امْرَأَةٌ أُخْرَى تُسَمَّى عَائِشَةَ وَهُوَ قَوْلٌ ظَاهِرُهُ الصِّدْقُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُسْلِمٌ عَاقِلٌ وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ مُمْكِنٌ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ قِبَلِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ فِيهِ كَمَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ فِي حَيْضِهَا وَطُهْرِهَا وَسَقْطِهَا وَانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لِأَنَّهَا أُمُورٌ لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْ قِبَلِهَا، كَانَ قَوْلُ الزَّوْجِ مَا ذُكِرَ مُعَارِضًا لِتَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ وَتَصَرُّفِ وَلِيِّهَا فِي الْعَقْدِ. وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمَةِ تَعْتِقُ فَتَخْتَارُ نَفْسَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ فَهُوَ أَنَّ زَوْجَ الْأَمَةِ مُتَهَافِتٌ عَلَيْهَا مُتَعَلِّقٌ بِهَا غَايَةَ التَّعَلُّقِ بِسَبَبِ أَنَّهَا نَزَعَتْ عِصْمَتَهَا مِنْهُ قَهْرًا وَالنُّفُوسُ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ مَا مُنِعَتْ مِنْهُ فَنَاسَبَ ذَلِكَ الرَّدَّ إلَيْهِ وَلَمْ يَحْصُلْ فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيَّيْنِ لِلزَّوْجِ الْمَعْقُودِ أَوَّلًا هَذَا التَّعَلُّقُ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ الْمَرْأَةَ وَلَمْ يُبَاشِرْهَا فَكَانَتْ أَوْلَى بِالْفَوَاتِ عَلَيْهِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ الدَّافِعُ لِلنُّقُوضِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَبِهِ يَصِحُّ الْمُدْرَكُ وَيَتَبَيَّنُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْوَكِيلَيْنِ فِي عُقُودِ الْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ كَوْنِ الْمُعْتَبَرِ هُوَ الْأَوَّلُ فَقَطْ الْتَحَقَ بِالثَّانِي تَسْلِيمٌ أَوْ لَا وَقَاعِدَةُ الْوَكِيلَيْنِ فِي الْأَنْكِحَةِ مِنْ كَوْنِ الْمُعْتَبَرِ عَقْدَ الثَّانِي إنْ حَصَلَ دُخُولٌ وَإِلَّا فَعَقْدُ الْأَوَّلِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَفْتَى جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ بِذَلِكَ فَلَا بُدَّ لِعُقُولِهِمْ الصَّافِيَةِ مِنْ قَوَاعِدَ يُلَاحِظُونَهَا وَلَعَلَّهُمْ لَاحَظُوا مَا ذُكِرَ مِنْ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ فَإِنَّ بِمُلَاحَظَتِهِمَا يَقْرُبُ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ مِنْ الْقَوَاعِدِ وَيَظْهَرُ وَجْهُ الصَّوَابِ فِيهِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ يَسَّرَ فِي هَذِهِ الْمَبَاحِثِ مِنْ الْحُجَّةِ مَا لَمْ أَرَهُ قَطُّ لِأَحَدٍ حَتَّى آلَ الْفَرْقُ بِهَا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ الْقُرْبِ وَالظُّهُورِ بَعْدَ أَنْ كَانَ فِي غَايَةِ الْعُسْرِ وَالْقَلَقِ وَالْبُعْدِ عَنْ الْقَوَاعِدِ اهـ كَلَامُ الْأَصْلِ بِتَنْقِيحٍ وَزِيَادَةٍ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِوَجْهَيْنِ (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي سِرِّ الْفَرْقِ بَيْنَ تِلْكَ الْقَاعِدَتَيْنِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَنَظَرٍ (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ مَا يُشْعِرُ بِهِ قَوْلُهُ: إنَّ الشَّافِعِيَّ يُسَوِّي بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ مِنْ أَنَّ مَالِكًا لَا يُسَوِّي بَيْنَهُمَا لَيْسَ بِشَيْءٍ بَلْ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُسَوِّي بَيْنَهُمَا أَيْضًا إذْ كَمَا أَنَّ السِّلْعَةَ فِي الْبَيْعِ إذَا هَلَكَتْ كَانَ هَلَاكُهَا فَوْتًا وَنُفُوذًا لِلْعَقْدِ الثَّانِي عِنْدَهُ كَذَلِكَ الْمَرْأَةُ فِي النِّكَاحِ فِي الْمَسَائِلِ

[الفرق بين قاعدة الإماء يجوز الجمع بين عدد منهن كثر أو قل وبين قاعدة الزوجات لا يجوز أن يزيد على أربع منهن]

الْأَرْذَالِ الْأَخِسَّاءِ فَهَذِهِ فُرُوقٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَقَدْ سُئِلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ الْمَرْأَةِ تُزَوِّجُ نَفْسَهَا فَقَالَ فِي الْجَوَابِ الْمَرْأَةُ مَحَلُّ الزَّلَلِ وَالْعَارِ إذَا وَقَعَ لَمْ يَزُلْ وَفِي الْفَرْقِ مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يَجُوزُ عَقْدُ الْمَرْأَةِ عَلَى نَفْسِهَا وَلَا عَلَى غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا رَشِيدَةً أَوْ سَفِيهَةً أَذِنَ لَهَا الْوَلِيُّ أَمْ لَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَجُوزُ لِلرَّشِيدَةِ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِوُجُوهٍ أَحَدُهَا قَوْله تَعَالَى {أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] وقَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فَأَضَافَ الْعَقْدَ إلَيْهَا دُونَ الْوَلِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَأَذِنَ الشَّرْعُ لَهَا فِي ذَلِكَ (وَثَانِيهَا) أَنَّهَا مُتَصَرِّفَةٌ فِي مَالِهَا فَفِي نَفْسِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهَا أَعْلَمُ بِأَغْرَاضِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَمَصْلَحَةُ الْمَالِ الَّتِي هِيَ التَّنْمِيَةُ مَعْلُومَةٌ لِلْوَلِيِّ كَمَا هِيَ مَعْلُومَةٌ لِلْمَرْأَةِ (وَثَالِثُهَا) أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَجْرِ عَلَى الْعَاقِلِ وَالْبَالِغِ وَهِيَ عَاقِلَةٌ بَالِغَةٌ فَيَزُولُ الْحَجْرُ عَنْهَا مُطْلَقًا فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا (وَرَابِعُهَا) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ» وَالْفُقَهَاءُ يَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا أَذِنَ لَهَا يَجُوزُ عَقْدُهَا وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ وَيُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ عَقْدَهَا عَلَى نَفْسِهَا إذَا صَحَّ مَعَ الْإِذْنِ صَحَّ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ قَائِلٌ بِالْفَرْقِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ فَإِنَّ الْوَطْءَ لَهَا دُونَ وَلِيِّهَا فَإِنْ قُلْت الزَّوْجُ هُوَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ دُونَ الْمَرْأَةِ قُلْت مُسَلَّمٌ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّمْكِينِ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْحَقِيقَةِ مِنْ الْعَقْدِ وَالْمَجَازُ الْأَقْرَبُ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ وَيُوَضِّحُهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] فَخَاطَبَ الْأَوْلِيَاءَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ لَتَعَذَّرَ ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِلْأَوْلِيَاءِ بِيعُوا أَمْوَالَ النِّسَاءِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْأَمْوَالِ لَهُنَّ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا» خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَعَنْ الثَّانِي) الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِبْضَاعِ وَالْأَمْوَالِ مَا تَقَدَّمَ (وَعَنْ الثَّالِثِ) أَنَّ الدَّلِيلَ دَلَّ عَلَى مُخَالَفَةِ ذَلِكَ الْأَصْلِ وَهُوَ الْحَدِيثُ وَالْآيَاتُ السَّابِقَةُ (وَعَنْ الرَّابِعِ) أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا فِي أَصْلِ الْفِقْهِ أَنَّ الْوَصْفَ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا يَكُونُ حُجَّةً إجْمَاعًا وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ غَالِبًا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّمَانِي الَّتِي ذُكِرَ الْفَرْقُ فِيهَا إذَا دَخَلَ الثَّانِي بِهَا كَانَ دُخُولُهُ بِهَا فَوْتًا وَنُفُوذًا لِلْعَقْدِ الثَّانِي نَعَمْ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِي وَالْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي ذُكِرَ عَدَمُ الْفَوْتِ فِيهَا فَلِذَا كَانَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ صَحِيحًا اهـ. بِتَوْضِيحٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِمَاءِ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ عَدَدٍ مِنْهُنَّ كَثُرَ أَوْ قَلَّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الزَّوْجَاتِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ] (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِمَاءِ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ عَدَدٍ أَيِّ عَدَدٍ شَاءَ مِنْهُنَّ كَثُرَ أَوْ قَلَّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الزَّوْجَاتِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ) وَذَلِكَ أَنَّ بَابَ الزَّوَاجِ لَمَّا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى الْعِزِّ وَالِاصْطِفَاءِ وَكَانَ الْأَصْلُ فِيهِ التَّخْصِيصَ بِالْوَطْءِ وَلَا تَقَعُ الْخِدْمَةُ فِيهِ إلَّا تَبَعًا بِعَكْسِ بَابِ الْإِمَاءِ فَإِنَّ الْخِدْمَةَ وَالْهَوَانَ فِيهِ أَصْلٌ وَلَا يَقَعُ الْوَطْءُ فِيهِ إلَّا تَبَعًا كَانَتْ الشَّحْنَاءُ وَالْمُضَارَّةُ الَّتِي هِيَ مَوْجُودَةٌ فِي بَابِ الزَّوَاجِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِيهِ مِنْ الْإِعْزَازِ وَالِاصْطِفَاءِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فِي بَابِ الْإِمَاءِ لِأَنَّهَا وَإِنْ وُجِدَتْ فِيهِ أَيْضًا إلَّا أَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِيهِ بَلْ عَلَى الْأَصْلِ فِيهِ مِنْ الْهَوَانِ وَالْخِدْمَةِ كَانَتْ ضَعِيفَةً عَنْ وُجُودِهَا فِي بَابِ الزَّوَاجِ فَلَمَّا بَعُدَتْ مُنَاسَبَةُ الْإِمَاءِ فِيمَا لَيْسَ هُوَ وَصْفُهُنَّ بَلْ وُقُوعُهُ نَادِرٌ فِيهِنَّ مِنْ الْوَطْءِ وَالِاصْطِفَاءِ كَانَتْ الْمَهَانَةُ الْغَالِبَةُ فِيهِنَّ مِنْ جِهَةِ ذُلِّ الرِّقِّ تَمْنَعُ مِنْ الْإِبَاءِ وَالْأَنَفَةِ وَالْمُنَافَسَةِ فِي الْحُظُوظِ وَلَمَّا بَعُدَتْ مُنَاسَبَةُ الزَّوْجَاتِ فِيمَا لَيْسَ هُوَ وَصْفُهُنَّ بَلْ وُقُوعُهُ نَادِرٌ فِيهِنَّ مِنْ الْمَهَانَةِ وَالْخِدْمَةِ كَانَ الْوَطْءُ وَالِاصْطِفَاءُ الْغَالِبُ فِيهِنَّ مِنْ جِهَةِ عِزِّ الزَّوَاجِ يَقْتَضِي الْإِبَاءَ وَالْأَنَفَةَ وَالْمُنَافَسَةَ فِي الْحُظُوظِ وَكَانَ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا لِجَمْعِ امْرَأَةِ مَعَ أُخْرَى فِي عِصْمَةٍ هُوَ مُقْتَضِي أَنَّ مُضَارَّةَ الْمَرْأَةِ بِذَلِكَ الْجَمْعِ وَسِيلَةٌ لِلشَّحْنَاءِ فِي الْعَادَةِ وَقَدْ جَعَلَ ذَلِكَ فِي شَرِيعَةِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ عِنْدَهُمْ فَلَا يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ إلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً. وَإِنْ كَانَتْ مَصْلَحَةُ الرَّجُلِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِتَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ تَقْدِيمًا لِمَصْلَحَةِ النِّسَاءِ فِي نَفْيِ الْمُضَارَّةِ وَالشَّحْنَاءِ عَلَى مَصْلَحَةِ الرِّجَالِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ وَيُقَالُ إنَّهُ قَدْ شُرِعَ عَكْسُ ذَلِكَ فِي التَّوْرَاةِ لِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ زَوَاجُ عَدَدٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ يَجْمَعُ بَيْنَهُنَّ تَغْلِيبًا لِمَصْلَحَةِ الرِّجَالِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ عَلَى مَصْلَحَةِ النِّسَاءِ فِي نَفْيِ الشَّحْنَاءِ وَالْمُضَارَّةِ وَلَمَّا كَانَتْ شَرِيعَتُنَا أَفْضَلَ الشَّرَائِعِ جَمَعَ فِيهَا بَيْنَ مَصْلَحَتَيْ الْفَرِيقَيْنِ إذْ كَمَا أَنَّهُ رَوْعِي فِيهَا مَصْلَحَةُ الرِّجَالِ فَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَيَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ قَضَاءُ إرَبِهِ وَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ حَيِّزِ الْحَجْرِ وَيُضَافُ لِذَلِكَ التَّسَرِّي بِمَا شَاءَ كَذَلِكَ رُوعِيَ فِيهَا مَصَالِحُ النِّسَاءِ فَلَا تُضَارُّ زَوْجَةٌ مِنْهُنَّ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ وَسِرُّ الِاقْتِصَارِ فِي جَوَازِ الْمُضَارَّةِ وَالشَّحْنَاءِ عَلَى ثَلَاثٍ هُوَ أَنَّ الْمُضَارَّةَ وَالشَّحْنَاءَ لَمَّا كَانَتْ عَلَى خِلَافِ أَصْلٍ وَالثَّلَاثَةُ عَلَى خِلَافِ الْأُصُولِ قَدْ اُسْتُثْنِيَتْ فِي صُوَرٍ مِنْهَا جَوَازُ الْهَجْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْإِحْدَادِ

عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ أَوْ عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: 31] فَإِنَّ الْقَتْلَ الْغَالِبَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَقَعَ فِي الْأَوْلَادِ إلَّا لِتَوَقُّعِ ضَرَرٍ كَالْإِمْلَاقِ الَّذِي هُوَ الْفَقْرُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْفَضِيحَةِ فَلَا تَكُونُ لَهُ دَلَالَةً عَلَى جَوَازِ الْقَتْلِ عِنْدَ عَدَمِ خَوْفِ الْإِمْلَاقِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» وَالْغَالِبُ عَلَى الْغَنَمِ السَّوْمُ لَا سِيَّمَا أَغْنَامُ الْحِجَازِ فَلَا يَكُونُ مَفْهُومُهُ حُجَّةً عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَعْلُوفَةِ وَكَذَلِكَ هَهُنَا الْغَالِبُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُقْدِمُ عَلَى زَوَاجِ نَفْسِهَا إلَّا خُفْيَةً عَنْ وَلِيِّهَا وَهُوَ غَيْرُ آذِنٍ لَهَا فِي ذَلِكَ وَالْعَادَةُ قَاضِيَةٌ بِذَلِكَ فَإِذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً إجْمَاعًا قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ لَا خِلَافَ عِنْدَنَا أَنَّهَا لَا تَكُونُ وَلِيًّا عَلَى امْرَأَةٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا تَكُونُ وَلِيَّةً عَلَى عَبِيدِهَا وَمَنْ وُصِّيَتْ عَلَيْهِ مِنْ أَصَاغِرِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ وَالْفَرْقُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ لِلصَّبِيِّ أَهْلِيَّةَ الْعَقْدِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ (وَثَانِيهَا) أَنَّهُمَا قَادِرَانِ عَلَى رَفْعِ الْعَقْدِ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِالطَّلَاقِ (وَثَالِثُهَا) أَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِمَا لَيْسَتْ لِطَلَبِ الْكَفَاءَةِ الْمُحْتَاجَةِ لِدَقِيقِ النَّظَرِ بِخِلَافِ الْأُنْثَى فِي ذَلِكَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي الْعَفْوِ عَنْ الصَّدَاقِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] أَيْ يَعْفُوَ النِّسَاءُ عَنْ النِّصْفِ الَّذِي وَجَبَ لَهُنَّ فَيَسْقُطُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ قَالَ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] قَالَ مَالِكٌ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الْمُشَارُ إلَيْهِ هُوَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ هُوَ الزَّوْجُ وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِوَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ صَرِيحًا (وَثَانِيهِمَا) أَنَّ الْأَصْلَ يَقْتَضِي عَدَمَ تَسْلِيطِ الْوَلِيِّ عَلَى مَالِ مُوَلِّيَتِهِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا تَقُوم بِهِ حُجَّةٌ سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ بَلْ إخْبَارٌ عَنْ حَالِ الزَّوْجِ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ (وَعَنْ الثَّانِي) أَنَّ قَاعِدَةَ الْوِلَايَةِ تَقْتَضِي تَصَرُّفَ الْوَلِيِّ بِمَا هُوَ أَحْسَنُ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ وَقَدْ يَكُونُ الْعَفْوُ أَحْسَنَ لِلْمَرْأَةِ لِاطِّلَاعِ الْوَلِيِّ عَلَى التَّرْغِيبِ فِيهَا لِهَذَا الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى تَحْصِيلِ أَضْعَافِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فَيُفْعَلُ ذَلِكَ لِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ فَمَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ تَفْوِيتٌ لِمَصْلَحَةِ الْمَرْأَةِ لَا رِفْقٌ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا مَرَّ اُسْتُثْنِيَ كَذَلِكَ ثَلَاثُ زَوْجَاتٍ يُضَارُّ بِهِنَّ زَوْجَةٌ أُخْرَى هَذَا فِي الْأَجْنَبِيَّاتِ وَالْبَعِيدِ مِنْ الْقَرَابَاتِ. أَمَّا الْقَرَابَاتُ الْقَرِيبَةُ فَقَدْ حَافَظَ الشَّرْعُ عَلَى زِيَادَةِ صَوْنِهَا عَنْ التَّفَرُّقِ وَالشَّحْنَاءِ فَمَنَعَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأُمِّهَا حِفْظًا لِبِرِّ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا أَعْظَمُ الْقَرَابَاتِ وَبَيْنَ الْأُخْتَيْنِ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا تَلِي ذَلِكَ فِي الْقُرْبِ ثُمَّ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا لِكَوْنِهَا مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ الَّتِي بِرُّهَا آكَدُ مِنْ بِرِّ الْأَبِ ثُمَّ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا لِأَنَّهَا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ ثُمَّ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَةِ أُمِّهَا ثُمَّ بَيْنَهَا وَخَالَةِ أَبِيهَا ثُمَّ بَيْنَهَا وَعَمَّةِ أُمِّهَا ثُمَّ بَيْنَهَا وَعَمَّةِ أَبِيهَا وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْأُمُّ أَشَدَّ بِرًّا بِبِنْتِهَا مِنْ الْبِنْتِ بِأُمِّهَا لَمْ يَجْعَلْ الشَّرْعُ الْعَقْدَ عَلَى الْأُمِّ كَافِيًا فِي بُغْضِهَا لِبِنْتِهَا إذَا عَقَدَ عَلَيْهَا لِضَعْفِ مَيْلِ الْأُمِّ لِلزَّوْجِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَعَدَمِ مُخَالَطَتِهِ بَلْ اشْتَرَطَ فِي التَّحْرِيمِ إضَافَةَ الدُّخُولِ إلَى الْعَقْدِ وَجَعَلَ الْعَقْدَ عَلَى الْبِنْتِ كَافِيًا فِي بُغْضِهَا لِأُمِّهَا فَحَرَّمَ الْأُمَّ عَلَى مَنْ عَقَدَ عَلَى الْبِنْتِ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لِئَلَّا تَعُقَّ أُمَّهَا نَعَمْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُشْتَرَطُ فِي تَحْرِيمِ الْأُمِّ الدُّخُولُ عَلَى الْبِنْتِ كَمَا اشْتَرَطَ فِي تَحْرِيمِ الْبِنْتِ الدُّخُولَ عَلَى الْأُمِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] ثُمَّ قَالَ {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] فَقَوْلِهِ تَعَالَى {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] صِفَةٌ تَعَقَّبَتْ الْجُمْلَتَيْنِ فَتَعُمَّهُمَا كَمَا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَالشَّرْطَ إذَا تَعَقَّبَا الْجُمَلَ عَمَّا. وَلَا يَرُدُّ هَذَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّهُ يَرَى تَرْجِيحَ الْقَرِيبِ فِي الْجُمَلِ وَهِيَ الْجُمْلَةُ الْأَخِيرَةُ فَيَخُصُّهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَةِ لَا سِيَّمَا وَالْقَرِيبُ هَاهُنَا هُوَ مَوْضِعُ الْإِجْمَاعِ فَلَا مُوجِبَ لِلْعُدُولِ بِاللَّفْظِ عَنْ مَوْضِعِ الْإِجْمَاعِ بَلْ الْمُوجِبُ وَهُوَ الْقُرْبُ يُصْرَفُ إلَى مَوْضِعِ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِلْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَرُجِّحَتْ الثَّانِيَةُ الَّتِي هِيَ مَوْضِعُ الْإِجْمَاعِ بِالْقُرْبِ فَلَمْ يَكُنْ حَمْلُ اللَّفْظِ هَاهُنَا عَلَى الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ طَلَبًا لِمُسْتَنَدِ الْإِجْمَاعِ فَلَا يُرَدُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُنَا هَاهُنَا طَلَبُ مُسْتَنَدِ الْإِجْمَاعِ فِي اشْتِرَاطِ الدُّخُولِ فِي تَحْرِيمِ الْبِنْتِ إذْ لَا يَلْزَمُنَا طَلَبُ دَلِيلٍ لِلْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُسْتَنَدٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا الْأَوْفَقُ أَنْ تُحْمَلَ عَلَى فَائِدَةٍ زَائِدَةٍ بِأَنْ يُجْعَلَ {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] نَعْتًا عَائِدًا لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] دَالًّا عَلَى اشْتِرَاطِ الدُّخُولِ فِي تَحْرِيمِ الْأُمِّ كَمَا أَنَّ الدُّخُولَ شَرْطٌ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ بِالْإِجْمَاعِ إذْ لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي شَرْطِيَّةِ الدُّخُولِ فِي تَحْرِيمِ الْبِنْتِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمَانِ فِي الْجُمْلَتَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ

بِهَا ثُمَّ الْآيَةُ تَدُلُّ لَنَا مِنْ عَشَرَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَالْمُتَقَدِّمُ قَبْلَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ إثْبَاتُ النِّصْفِ فَعَلَى رَأْيِنَا تَعْفُو الْمَرْأَةُ فَيَسْقُطَ فَتَطَّرِدُ الْقَاعِدَةُ وَعَلَى رَأْيِهِمْ يَعْفُو الزَّوْجُ فَيَثْبُتَ مَعَ هَذَا النِّصْفُ الَّذِي تَشَطَّرَ بِالطَّلَاقِ فَلَا تَطَّرِدُ الْقَاعِدَةُ بِوُقُوعِ الْإِثْبَاتِ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ (وَثَانِيهَا) أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَطْفِ بِأَوْ التَّشْرِيكُ فِي الْمَعْنَى فَقَوْلُهُ تَعَالَى {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] مَعْنَاهُ الْإِسْقَاطُ وقَوْله تَعَالَى {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] عَلَى رَأْيِنَا الْإِسْقَاطُ فَيَحْصُلُ التَّشْرِيكُ وَعَلَى رَأْيِهِمْ الْإِثْبَاتُ فَلَا يَحْصُلُ التَّشْرِيكُ فَيَكُونُ قَوْلُنَا أَرْجَحَ (وَثَالِثُهَا) أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ كَذَا وَكَذَا تَنْوِيعٌ لِذَلِكَ الْكَائِنِ إلَى نَوْعَيْنِ وَالتَّنْوِيعُ فَرْعُ الِاشْتِرَاكِ فِي الْمَعْنَى وَلَا مُشْتَرَكَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَالْإِسْقَاطِ وَالْإِعْطَاءِ حَتَّى يَحْسُنَ تَنْوِيعُهُ وَعَلَى رَأْيِنَا الْمُتَنَوِّعُ الْإِسْقَاطُ إلَى إسْقَاطِ الْمَرْأَةِ وَإِسْقَاطِ الْوَلِيِّ فَكَانَ قَوْلُنَا أَرْجَحَ (وَرَابِعُهَا) أَنَّ الْعَفْوَ ظَاهِرٌ فِي الْإِسْقَاطِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَعَلَى رَأْيِهِمْ يَكُونُ الْتِزَامُ مَا سَقَطَ بِالطَّلَاقِ وَالْتِزَامُ مَا لَمْ يَجِبْ لَا يُسَمَّى عَفْوًا (وَخَامِسُهَا) أَنَّ إقَامَةَ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الزَّوْجَ لَقِيلَ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ تَعْفُوَ عَمَّا اسْتَحَقَّ لَكُمْ فَلَمَّا عَدَلَ إلَى الظَّاهِرِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ الزَّوَاجِ (وَسَادِسُهُمَا) أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِنَا بِيَدِهِ كَذَا أَيْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَالزَّوْجُ لَا يَتَصَرَّفُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بَلْ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِي الْوَطْءِ بِالْحِلِّ وَالْوَلِيُّ الْآنَ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْعَقْدِ فَيَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ دُونَ الزَّوْجِ (وَسَابِعُهَا) سَلَّمْنَا أَنَّ الزَّوْجَ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ لَكِنْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ وَمَضَى فَهُوَ مَجَازٌ وَالْوَلِيُّ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الْآنَ فَهُوَ حَقِيقَةٌ وَالْحَقِيقَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَجَازِ (وَثَامِنُهَا) أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] الرَّشِيدَاتُ إجْمَاعًا إذَا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِنَّ لَا يُنَفِّذُ الشَّرْعُ تَصَرُّفَهُنَّ فَاَلَّذِي يَحْسُنُ مُقَابَلَتُهُنَّ بِهِنَّ الْمَحْجُورَاتُ عَلَى أَيْدِي الْأَوْلِيَاءِ أَمَّا الْأَزْوَاجُ فَلَا مُنَاسَبَةَ فِيهِمْ لِلرَّشِيدَاتِ (وَتَاسِعُهَا) أَنَّ الْخِطَابَ كَانَ مَعَ الْأَزْوَاجِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 237] وَهُوَ خِطَابُ مُشَافَهَةٍ فَلَوْ كَانُوا مُرَادَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] لَقَالَ أَوْ تَعْفُوَ بِلَفْظِ تَاءِ الْخِطَابِ فَلَمَّا قَالَ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] وَهُوَ خِطَابُ غَيْبَةٍ لَزِمَ تَغَيُّرُ الْكَلَامِ مِنْ الْخِطَابِ إلَى الْغَيْبَةِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ (وَعَاشِرُهَا) أَنَّ وُجُوبَ الصَّدَاقِ أَوْ بَعْضَهُ قَبْلَ الْمَسِيسِ خِلَافُ الْأَصْلِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ تَسْلِيمِ الْعِوَضِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْآيَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَهْمَا أَمْكَنَ تَكْثِيرُ فَوَائِدِ كَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَجَعْلُ مَدْلُولٍ لِكُلِّ دَلِيلٍ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّرَادُفِ وَالتَّأْكِيدِ وَلَا يُرَدُّ أَيْضًا أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ إذَا ثَبَتَ حُكْمُ الْمَجَازِ بِالْإِجْمَاعِ. وَوَرَدَ لَفْظٌ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ حُمِلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ اللَّفْظُ مُسْتَنَدَ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ مَثَلًا قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] حَمَلُوا النِّكَاحَ فِيهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ الَّتِي هِيَ الْوَطْءُ وَلَمْ يَجْعَلُوهُ مُسْتَنَدَ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يُحَرِّمُ عَلَى الِابْنِ نَظَرًا لِكَوْنِ الْأَصْلِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَمِنْ عَدَمِ التَّرَادُفِ فَعَلَى هَذَا إذَا وَطِئَهَا الْأَبُ وَطْئًا حَلَالًا أَوْ حَرَامًا مَا حَرُمَتْ عَلَى الِابْنِ وَتَحْرُمُ بِالْعَقْدِ أَيْضًا وَذَلِكَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ فِيمَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ جَاءَ فِي الْمَجَازِ الْمَرْجُوحِ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ اللَّفْظِ فَعَدَلْنَا بِاللَّفْظِ إلَى ظَاهِرِهِ الَّذِي هُوَ الْحَقِيقَةُ لِأَجْلِ مُعَارَضَةِ مَوْضِعِ الْإِجْمَاعِ وَالْإِجْمَاعُ هَاهُنَا جَاءَ فِي مَوْضِعِ الظَّاهِرِ الَّذِي هُوَ الْقُرْبُ فَلَا مُوجِبَ لِلْعُدُولِ عَنْهُ فَافْهَمْ وَإِنَّمَا يَرُدُّ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَوْلُهُ تَعَالَى {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] صِفَةٌ تَعَقَّبَتْ الْجُمْلَتَيْنِ إلَخْ عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الَّذِينَ يَرَوْنَ تَعْمِيمَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالصِّفَةِ فِي الْجُمَلِ وَلَا يُرَجِّحُونَ جُمْلَةً بِالْقُرْبِ فَإِنَّ مُقْتَضَى مَذْهَبِهِمْ الْحَمْلُ عَلَى الْجُمْلَتَيْنِ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ. وَلَا يَتَأَتَّى الْجَوَابُ عَنْهُمْ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ الْجَمْعَ بَيْنَ عَامِلَيْنِ فِي النَّعْتِ مَعَ اتِّفَاقِ الْأَعْرَابِ وَأَنَّ الْعَامِلَ فِي النَّعْتِ هُوَ الْعَامِلُ الْمَنْعُوتُ كَمَا هُوَ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ النُّحَاةِ خِلَافًا لِمَنْ يَرَى مِنْهُمْ الْجَمْعَ بَيْنَ عَامِلَيْنِ فِي النَّعْتِ مَعَ اتِّفَاقِ الْأَعْرَابِ وَلِمَنْ يَرَى أَنَّ الْعَامِلَ فِي النَّعْتِ التَّبَعِيَّةُ لِلْمَوْصُوفِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا عَنْهُمْ صَحَّ الْجَوَابُ أَيْضًا عَلَى قَاعِدَتِهِمْ فَإِنَّهُمْ حِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ الْحَمْلُ عَلَى إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ لَا عَلَيْهِمَا وَلَا سَبِيلَ إلَى الْحَمْلِ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى فَإِنَّهَا هِيَ الْبَعِيدَةُ وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِالْعَوْدِ عَلَى جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَقُلْ هِيَ الْبَعِيدَةُ بَلْ انْفِرَادُ الْبَعِيدَةِ بِالْحَمْلِ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الْقَائِلَ قَائِلَانِ قَائِلٌ بِالتَّعْمِيمِ فِي الْجُمَلِ وَقَائِلٌ بِالْجُمْلَةِ الْقَرِيبَةِ وَحْدَهَا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالْحَمْلِ عَلَى الْجُمْلَةِ الْبَعِيدَةِ وَحْدَهَا وَلَكِنْ تَقْدِيرُ ثُبُوتِ ذَلِكَ عَنْهُمْ مُتَعَذِّرٌ إذْ مِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانَ فِي النَّحْوِ لَا يَجْتَمِعُ عَامِلَانِ عَلَى مَعْمُولٍ وَاحِدٍ وَأَنَّ الْعَامِلَ فِي الصِّفَةِ هُوَ الْعَامِلُ فِي الْمَوْصُوفِ فَلَعَلَّ مَذْهَبَهُمَا أَنَّ عَامِلَ النَّعْتِ هُوَ التَّبَعِيَّةُ لِلْمَوْصُوفِ كَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ النُّحَاةِ لَا عَامِلُ الْمَنْعُوتِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا صَحَّحَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّاطِّ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ وَفِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لِلْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي

يَقْتَضِي بَقَاءَ الْمُعَوَّضِ قَابِلًا لِلتَّسْلِيمِ أَمَّا مَعَ تَعَذُّرِهِ فَلَا بِشَهَادَةِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ كَذَلِكَ إذَا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْعِوَضِ فِي ذَلِكَ فَإِسْقَاطُ الْأَوْلِيَاءِ النِّصْفَ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ وَتَكْمِيلُ الزَّوْجِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْأَبِ قَبْلَ الطَّلَاقِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا بِوَجْهِ نَظَرٍ مِنْ عُسْرِ الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يَلْحَقُ الْوَصِيُّ بِالْأَبِ لِقُصُورِ نَظَرِهِ عَنْهُ وَفِي الْجَلَّابِ لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ الْعَفْوُ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَلَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ خِلَافُ الْأَصْلِ فَسُلِّطَ الْأَبُ عَلَيْهِ إذَا رَآهُ نَظَرًا بِخِلَافِ الدُّخُولِ لِتَعَيُّنِ الِاسْتِحْقَاقِ فَغَلَبَ حَقُّ الزَّوْجَةِ (فَائِدَةٌ) يُرْوَى أَنَّ بَعْضَ الْأُدَبَاءِ دَخَلَ عَلَى بَعْضِ الْخُلَفَاءِ فَأَنْشَدَهُ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ: مَنْ كَانَ مَسْرُورًا بِمَصْرَعِ مَالِكٍ ... فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ يَجِدْ النِّسَاءَ حَوَاسِرًا يَنْدُبْنَهُ ... قَدْ قُمْنَ قَبْلَ تَبَلُّجِ الْأَسْحَارِ قَدْ كُنَّ يُخَبِّئَانِ الْوُجُوهَ تَسَتُّرًا ... وَالْآنَ حِينَ بَدَوْنَ لِلنُّظَّارِ فَقَالَ كَيْفَ تَقُولُ بَدَأْنَ بِالْهَمْزِ أَوْ بَدَيْنَ بِالْيَاءِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا أَقُولُ بَدَيْنَ وَلَا بَدَأْنَ بَلْ بَدَوْنَ فَقَالَ لَهُ أَصَبْت وَقَصَدَ غُرَّتَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ صَدْرَ الْبَيْتِ بِالْهَمْزِ فِي قَوْلِهِ يُخَبِّئَانِ الْوُجُوهَ فَقِيَاسُهُ أَنْ يَقُولَ بَدَأْنَ مِثْلَ يُخَبِّئَانِ بِالْهَمْزِ فِيهِمَا فَخَطَرَ لَهُ أَنَّهُ يَغْتَرُّ بِذَلِكَ فَيَخْطَأُ فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ (وَثَانِيهِمَا) قَصْدُ التَّخْطِئَةِ أَنَّ الْوَاوَ تَكُونُ ضَمِيرَ الْفَاعِلِ الْمُذَكَّرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ بَدَوْنَ بِالْوَاوِ لِأَنَّ ضَمِيرَ النِّسْوَةِ لَا يَكُونُ بِالْوَاوِ فَمَا حَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى الْخَطَأِ بَلْ نَطَقَ بِالصَّوَابِ وَهُوَ الْوَاوُ وَمَا ذَكَرْت هَذِهِ الْأَبْيَاتِ إلَّا لِتَعَلُّقِهَا بِالْآيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي النِّسَاءِ {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] بِالْوَاوِ فَضَعَّفَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِهِ كَيْفَ يَجِيءُ ضَمِيرُ الْمُؤَنَّثِ بِالْوَاوِ وَلَيْسَ كَمَا خَطَرَ لَهُ وَلَيْسَ الْوَاوُ هُنَا ضَمِيرًا بَلْ مِنْ نَفْسِ الْفِعْلِ لِأَنَّهُ مِنْ عَفَا يَعْفُو بِالْوَاوِ وَكَذَلِكَ هِيَ فِي الْأَبْيَاتِ هُوَ مِنْ بَدَا يَبْدُو بِالْوَاوِ وَشَأْنُ ضَمِيرِ الْمُؤَنَّثِ الَّذِي هُوَ النُّونُ يُحَقِّقُ آخِرَ الْفِعْلِ فَإِنْ كَانَ يَاءً بَقِيَ يَاءً وَإِنْ كَانَ وَاوًا بَقِيَ وَاوًا وَإِنْ كَانَ هَمْزَةً بَقِيَ هَمْزَةً وَأَيَّ حَرْفٍ كَانَ بَقِيَ عَلَى حَالِهِ مِثَالُ الْيَاءِ قَوْلُك رَمْي يَرْمِي فَنَقُولُ النِّسْوَةُ رَمَيْنَ بِالْيَاءِ وَالْوَاوِ كَقَوْلِك دَعَا يَدْعُو وَالنِّسْوَةُ دَعَوْنَ وَالْهَمْزَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْبِنْتِ لَا يُحَرِّمُ الْأُمَّ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا كَمَا أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْأُمِّ لَا يُحَرِّمُ الْبِنْتَ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ وَالصَّحَابَةِ إنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ وَلَا تَحْرُمُ الْبِنْتُ حَتَّى يُدْخَلَ بِالْأُمِّ وَاخْتَلَفَ النُّحَاةُ فِي الْوَصْفِ فِي قَوْلِهِ {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] فَقِيلَ يَرْجِعُ إلَى الرَّبَائِبِ وَالْأُمَّهَاتِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَقِيلَ يَرْجِعُ إلَى الرَّبَائِبِ خَاصَّةً. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَجَعَلُوا رُجُوعَ الْوَصْفِ إلَى الْمَوْصُوفَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْ الْعَامِلِ مَمْنُوعًا كَالْعَطْفِ عَلَى عَامِلَيْنِ وَجَوَّزَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَرَأَوْا أَنَّ عَامِلَ الْإِضَافَةِ غَيْرُ عَامِلِ الْخَفْضِ بِحَرْفِ الْجَرِّ وَقَدْ مَهَّدْنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ: مُلْجِئَةُ الْمُتَفَقِّهِينَ إلَى مَعْرِفَةِ غَوَامِضِ النَّحْوِيِّينَ وَقَدْ رَدَّ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ الرِّوَايَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ أَنَّهُ مَذْهَبُ عَلِيٍّ خَاصَّةً كَمَا اسْتَقَرَّ الْيَوْمَ فِي الْأَمْصَارِ وَالْأَقْطَارِ أَنَّ الرَّبَائِبَ وَالْأُمَّهَاتِ فِي هَذَا الْحُكْمِ مُخْتَلِفَاتٌ وَأَنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا هُوَ فِي الرَّبَائِبِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ غَوَامِضِ الْعِلْمِ وَأَخْذُهَا مِنْ طَرِيقِ النَّحْوِ يَضْعُفُ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ الْعَرَبَ الْقُرَشِيِّينَ الَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَتِهِمْ أَعْرَفُ مِنْ غَيْرِهِمْ بِمَقْطَعِ الْمَقْصُودِ مِنْهُمْ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَخُصُوصًا عَلَى مِقْدَارِهِ فِي الْعِلْمَيْنِ وَلَوْ لَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لَكَانَ فَصَاحَتُهَا بِالْأَعْجَمِيَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَاوَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ هَذَا الْقَصْدِ وَالْمَأْخَذُ فِيهِ يَرْجِعُ إلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ الْوَصْفُ إلَى الرَّبَائِبِ خَاصَّةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِمَا جَمِيعًا فَيُرَدُّ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ عَلَى التَّحْلِيلِ فِي بَابِ الْفُرُوجِ وَهَكَذَا هُوَ مَقْطُوعُ السَّلَفِ فِيهَا عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ عَلَيْهَا (الْوَجْهُ الثَّانِي) رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ أُمِّهَا وَأَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ ابْنَتِهَا فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلْيَنْكِحْهَا» . وَهَذَا إنْ صَحَّ حُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ لَكِنَّ رِوَايَةَ الْمُثَنَّيْ بْنِ الصَّبَّاحِ تُضَعَّفُ (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ نِسَائِكُمْ لَفْظَةٌ عَرَبِيَّةٌ لِأَنَّهُ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ بَلْ وَاحِدَهُ امْرَأَةٌ وَلَمَّا كَانَ قَوْلُك امْرُؤٌ وَامْرَأَةٌ كَقَوْلِك آدَمِيٌّ وَآدَمِيَّةٌ كَانَ قَوْلُهُ امْرَأَتُك كَقَوْلِهِ آدَمِيَّتُك فِي احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الَّتِي تُشْبِهُك أَوْ تُجَاوِرُك أَوْ تَمْلِكُهَا أَوْ تَمْلِكُك أَوْ تَحِلُّ لَهَا أَوْ تَحِلُّ لَك وَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى الشَّبَهِ وَالْجَوَازُ مُحَالٌ فَلَمْ نَجِدْ وَجْهًا إلَّا بَابَ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ وَيَشْهَدُ لَهُ

[الفرق بين قاعدة تحريم المصاهرة في الرتبة الأولى وبين قاعدة لواحقها]

نَحْوُ قَرَأَ يَقْرَأُ وَالنِّسْوَةُ قَرَأْنَ فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَعْفُونَ بِالْوَاوِ وَقَالَ الشَّاعِرُ: بَدَوْنَ لِلنَّاظِرِ وَيُرْوَى أَنَّ بَعْضَ الْأُدَبَاءِ الْمَشْهُورِينَ طُرِحَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَبْيَاتُ فَأَخْطَأَ فِيهَا وَقَالَ بَدَأْنَ لِلنُّظَّارِ فَخَطِئَ وَفِي الْأَبْيَاتِ سُؤَالٌ آخَرُ مُشْكِلٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ قَصَدَ شَيْئًا وَهُوَ إخْمَالُ الشَّمَاتَةِ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي تَقْوِيَتَهَا فَإِنَّ قَوْلَهُ: مَنْ كَانَ مَسْرُورًا بِوَقْعَةِ مَالِكٍ أَوْ بِمَصْرَعِ مَالِكٍ ... فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ وَذَكَرَ مِنْ حَالِ النِّسْوَةِ مَا يَقْتَضِي زِيَادَةَ الشَّمَاتَةِ وَتَحَقُّقَ الْمُصِيبَةِ وَهَتْكِ الْعِيَالِ وَتَهَتُّكِ الْوُجُوهِ وَهَذَا يَزِيدُ الشَّامِتَ شَمَاتَةً (وَالْجَوَابُ) عَنْهُ أَنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ أَنَّهَا لَا تُقِيمُ مَأْتَمًا وَلَا تَفْعَلُ النِّسْوَةُ هَذَا الْفِعْلَ إلَّا بَعْدَ أَخْذِ ثَأْرِ مَنْ يُفْعَلُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ وَمَنْ لَا يُؤْخَذُ بِثَأْرِهِ لَا يَسْتَحِقُّ عِنْدَهُمَا أَنْ يُقَامَ لَهُ مَأْتَمٌ وَلَا يُبْكَى عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ قَالَ أَيُّهَا الشَّامِتُ اُنْظُرْ كَيْفَ حَالُ النِّسْوَةِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّا أَخَذْنَا بِثَأْرِهِ وَذَهَبَتْ شَمَاتَةُ الشَّامِتِ بِهِ عِنْدَهُمْ أَوْ خَفَّتْ فَهَذَا وَجْهُ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ. (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَثْمَانِ فِي الْبِيَاعَاتِ تَتَقَرَّرُ بِالْعُقُودِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّدَقَاتِ فِي الْأَنْكِحَةِ لَا يَتَقَرَّرُ شَيْءٌ مِنْهُمَا بِالْعُقُودِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ) وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) عَدَمُ التَّقَرُّرِ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ (وَثَانِيهَا) التَّقَرُّرُ مُطْلَقًا وَالطَّلَاقُ مُشَطَّرٌ (وَثَالِثُهَا) النِّصْفُ يَتَقَرَّرُ بِالْعَقْدِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ غَيْرُ مُتَقَرِّرٍ حَتَّى يَسْقُطَ بِالطَّلَاقِ أَوْ يَثْبُتَ بِالدُّخُولِ أَوْ الْمَوْتِ وَأَمَّا أَثْمَانُ الْبَيْعَانِ فَلَمْ أَعْلَمْ فِيهَا خِلَافًا وَسِرُّ الْفَرْقِ أَنَّ الصَّدَاقَ فِي النِّكَاحِ شَرْطٌ فِي الْإِبَاحَةِ وَشَأْنُ الشَّرْطِ أَنْ يَتَعَيَّنَ ثُبُوتُهُ عِنْدَ ثُبُوتِ الْمَشْرُوطِ وَلَيْسَ النَّاسُ يَقْصِدُونَ بِالصَّدَاقِ الْمُعَاوَضَةَ بَلْ التَّجَمُّلُ وَصَاحِبُ الشَّرْعِ أَيْضًا لَمْ يُرِدْ الْمُعَاوَضَةَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ شُرُوطَ الْإِعْرَاضِ مِنْ نَفْيِ الْجَهَالَةِ لِلْمَرْأَةِ بَلْ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَجْهُولَةِ مُطْلَقًا وَلَا يَتَعَرَّضُ لِتَحْدِيدِ مُدَّةِ الِانْتِفَاعِ أَيْضًا وَذَلِكَ وَشَبَهُهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْقَصْدِ إلَى الْمُعَاوَضَةِ بَلْ شَرْطُ الْإِبَاحَةِ فَلَا يَتَقَرَّرُ شَيْءٌ إلَّا عِنْدَ الدُّخُولِ أَوْ الْمَوْتِ لِأَنَّ الصَّدَاقَ إنَّمَا اُلْتُزِمَ إلَى أَقْصَرِ الزَّوْجَيْنِ عُمُرًا وَلَيْسَ الْوَطْأَةُ الْأُولَى هِيَ مُقَابَلَةُ الصَّدَاقِ بِالْعِوَضِيَّةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَقْصُودَ الْعُقَلَاءِ بِالصَّدَاقِ بِشَهَادَةِ الْعَادَةِ وَإِنَّمَا الشَّرْعُ جَعَلَهُ شَرْطًا لِأَصْلِ الْإِبَاحَةِ فَمَنْ لَاحَظَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQسِيَاقُ الْآيَةِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالْبَيَانِ فَإِذَا حَلَّتْ لَهُ أَوْ مَلَكَهَا فَقَدْ تَحَقَّقَتْ الْإِضَافَةُ الْمَقْصُودَةُ فَوَجَبَ فِي الْأُمَّهَاتِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَكَذَلِكَ فِي الْبَنَاتِ لَوْلَا التَّقْيِيدُ بِشَرْطِ الدُّخُولِ وَلَمْ تُحْمَلْ الْأُمَّهَاتُ عَلَى الْبَنَاتِ فِي التَّقْيِيدِ بِذَلِكَ تَغْلِيبًا لِمُعَارَضَةٍ مِنْ التَّحْرِيمِ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ فِي الْفُرُوجِ فَلِذَا لَمَّا تَعَارَضَ فِي الْأُخْتَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ التَّحْلِيلُ وَالتَّحْرِيمُ غَلَّبَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ التَّحْرِيمَ (الْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّهُ قَدْ قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ بِالدُّخُولِ هَاهُنَا النِّكَاحُ فَعَلَى هَذَا الرَّبَائِبُ وَالْأُمَّهَاتُ سَوَاءٌ لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ غَلَبَ عَلَى الرَّبَائِبِ بِاشْتِرَاطِ الْوَطْءِ فِي أُمَّهَاتِهِنَّ لِتَحْرِيمِهِنَّ (الْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْصُوفَيْنِ قَدْ انْقَطَعَ عَنْ صَاحِبِهِ بِوَصْفِهِ فَإِنَّهُ قَالَ {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] فَالْوَصْفُ الَّذِي يَتْلُوهُ يَتْبَعُهُ وَلَا يَرْجِعُ إلَى الْأَوَّلِ لِبُعْدِهِ مِنْهُ وَانْقِطَاعِهِ عَنْهُ. اهـ بِتَصَرُّفٍ (فَائِدَةٌ مُهِمَّةٌ) قَالَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي كِتَابِهِ تَوْشِيحُ التَّرْشِيحِ حِكَايَةً عَنْ وَالِدِهِ الْإِمَامِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيّ أَنَّ السِّرَّ فِي إبَاحَةِ نِكَاحِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ نَقْلَ بَوَاطِنِ الشَّرِيعَةِ وَظَوَاهِرِهَا وَمَا يَتَحَسَّى وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشَدَّ النَّاسِ حَيَاءً فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ نِسْوَةً يَنْقُلْنَ مِنْ الشَّرْعِ مَا يَرَيْنَهُ مِنْ أَفْعَالِهِ وَيَسْمَعْنَ مِنْ أَقْوَالِهِ الَّتِي قَدْ يَسْتَحِي مِنْ الْإِفْصَاحِ بِهَا بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ فَيَكْمُلُ نَقْلُ الشَّرِيعَةِ وَكَثُرَ عَدَدُ النِّسَاءِ لِتَكْثِيرِ النَّاقِلِينَ لِهَذَا النَّوْعِ وَمِنْهُنَّ عُرِفَ غَالِبُ مَسَائِلِ الْغُسْلِ وَالْحَيْضِ وَالْعِدَّةِ وَنَحْوِهَا قَالَ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ لِشَهْوَةٍ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النِّكَاحِ وَلَا كَانَ يُحِبُّ الْوَطْءَ لِلَذَّةِ الْبَشَرِ مَعَاذَ اللَّهِ بَلْ إنَّمَا حُبِّبَ إلَيْهِ النِّسَاءُ لِتُظْهِرَ عَنْهُ مَا يَسْتَحِي هُوَ مِنْ الْإِمْعَانِ فِي التَّلَفُّظِ بِهِ فَأَحَبَّهُنَّ لِمَا فِيهِنَّ مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى نَقْلِ الشَّرِيعَةِ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ وَأَيْضًا فَقَدْ نَقَلْنَ مَا لَمْ يَكُنْ يَنْقُلُهُ غَيْرُهُنَّ مِمَّا رَأَيْنَهُ فِي مَنَامِهِ وَحَالَةِ خَلْوَتِهِ مِنْ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ عَلَى نُبُوَّتِهِ وَمِنْ جِدِّهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي الْعِبَادَةِ وَمِنْ أُمُورٍ يَشْهَدُ كُلُّ ذِي لُبٍّ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا لِنَبِيٍّ وَمَا كَانَ يُشَاهِدُهُ غَيْرُهُنَّ فَحَصَلَ بِذَلِكَ خَيْرٌ عَظِيمٌ أَفَادَهُ الْعَطَّارُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى مَحَلِّيٍّ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى وَبَيْنَ قَاعِدَةِ لَوَاحِقِهَا] (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ فِي الرُّتَبِ الْأُولَى وَبَيْنَ قَاعِدَةِ لَوَاحِقِهَا) الْمُصَاهَرَةُ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى عِبَارَةٌ عَنْ الْمُنْدَرِجِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وقَوْله تَعَالَى {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] وقَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] وقَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] قَالَ

بِعَدَمِ التَّقَرُّرِ مُطْلَقًا إلَّا بِمَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ أَوْ دُخُولٍ وَمَنْ لَاحَظَ قَاعِدَةً أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَعْوَاضِ وُجُوبُهَا بِالْعُقُودِ فَإِنَّهَا أَسْبَابُهَا وَالْأَصْلُ تَرَتُّبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا فَيَجِبُ الْجَمِيعُ بِالْعَقْدِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَمَنْ لَاحَظَ قَاعِدَةً أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى سَبَبِيَّتِهِ لَهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] فَرَتَّبَ النِّصْفَ عَلَى الطَّلَاقِ فَيَكُونُ سَبَبَهُ فَيَجِبُ النِّصْفُ بِالطَّلَاقِ خَاصَّةً وَيَبْقَى التَّكْمِيلُ مَوْقُوفًا عَلَى سَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ الْمَوْتُ أَوْ الدُّخُولُ فَهَذَا تَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ. (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الْبَيْعِ وَقَاعِدَةُ مَا لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مَعَهُ) اعْلَمْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ جَمَعُوا أَسْمَاءَ الْعُقُودِ الَّتِي لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهَا مَعَ الْبَيْعِ فِي قَوْلِك جَصَّ مُشْنِقٌ فَالْجِيمُ لِلْجَعَالَةِ وَالصَّادُ لِلصَّرْفِ وَالْمِيمُ لِلْمُسَاقَاةِ وَالشَّيْنُ لِلشَّرِكَةِ وَالنُّونُ لِلنِّكَاحِ وَالْقَافُ لِلْقِرَاضِ وَالسِّرُّ فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْعُقُودَ أَسْبَابٌ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى تَحْصِيلِ حِكْمَتِهَا فِي مُسَبَّبَاتِهَا بِطَرِيقِ الْمُنَاسَبَةِ وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ بِالِاعْتِبَارِ الْوَاحِدِ لَا يُنَاسِبُ الْمُتَضَادَّيْنِ فَكُلُّ عَقْدَيْنِ بَيْنَهُمَا تَضَادٌّ لَا يَجْمَعُهُمَا عَقْدٌ وَاحِدٌ فَلِذَلِكَ اخْتَصَّتْ الْعُقُودُ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَجْتِمَاعُهَا مَعَ الْبَيْعِ كَالْإِجَارَةِ بِخِلَافِ الْجَعَالَةِ لِلُّزُومِ الْجَهَالَةِ فِي عَمَلِ الْجَعَالَةِ وَذَلِكَ يُنَافِي الْبَيْعَ وَالْإِجَازَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى نَفْيِ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ لَهُ وَذَلِكَ مُوَفَّقٌ لِلْبَيْعِ وَلَا يَجْتَمِعُ النِّكَاحُ وَالْبَيْعُ لِتَضَادِّهِمَا فِي الْمُكَايَسَةِ فِي الْعِوَضِ الْمُعَوَّضِ بِالْمُسَامَحَةِ فِي النِّكَاحِ وَالْمُشَاحَّةِ فِي الْبَيْعِ فَحَصَلَ التَّضَادُّ، وَالصَّرْفُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّشْدِيدِ وَامْتِنَاعِ الْخِيَارِ وَالتَّأْخِيرِ وَأُمُورٍ كَثِيرَةٍ لَا تُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ فَضَادَّ الْبَيْعُ الصَّرْفَ وَالْمُسَاقَاةَ وَالْقِرَاضُ فِيهِمَا الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ كَالْجَعَالَةِ وَذَلِكَ مُضَادٌّ لِلْبَيْعِ وَالشَّرِكَةُ فِيهَا صَرْفُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ فَهُوَ صَرْفٌ غَيْرُ نَاجِزٍ وَفِي الشَّرِكَةِ مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ وَالْبَيْعُ عَلَى وَفْقِ الْأُصُولِ فَهُمَا مُتَضَادَّانِ وَمَا لَا تَضَادَّ فِيهِ يَجُوزُ جَمْعُهُ مَعَ الْبَيْعِ فَهَذَا وَجْهُ الْفَرْقِ. ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي بِدَايَتِهِ فَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعُ أَيْ زَوْجَاتُ الْآبَاءِ وَزَوْجَاتُ الْأَبْنَاءِ وَأُمَّهَاتُ النِّسَاءِ وَبَنَاتُ الزَّوْجَاتِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ اثْنَيْنِ مِنْهُنَّ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَهُمَا زَوْجَاتُ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ أَيْ لِأَنَّ اتِّفَاقَ الرِّجَالِ وَحَمِيَّاتِهِمْ تَنْهَضُ بِالْغَضَبِ وَالْبَغْضَاءِ بِمُجَرَّدِ نِسْبَةِ الْمَرْأَةِ إلَيْهِمْ بِذَلِكَ فَيَخْتَلُّ نِظَامُ وُدِّ الْآبَاءِ لِلْأَبْنَاءِ وَوُدٍّ الْأَبْنَاءِ لِلْآبَاءِ وَهُوَ سِيَاجٌ عَظِيمٌ قَدْ جَعَلَ الشَّارِعُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرْقَهُ مِنْ الْكَبَائِرِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ «مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَسُبَّ الرَّجُلُ أَبَاهُ قَالُوا أَوَ يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَاهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَاهُ» فَإِنَّهُ جَعَلَ التَّسَبُّبَ لِسَبِّ الْأَبِ بِسَبِّ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ فَكَيْفَ لَوْ سَبَّهُ مُبَاشَرَةً عَلَى تَحْرِيمِ وَاحِدَةٍ بِالدُّخُولِ وَهِيَ ابْنَةُ الزَّوْجَةِ أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَحْكَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَاخْتَلَفُوا فِي أُمِّ الزَّوْجَةِ هَلْ تَحْرُمُ بِالدُّخُولِ أَوْ بِالْعَقْدِ كَمَا تَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ وَلَوَاحِقُ الْمُصَاهَرَةِ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى عِبَارَةٌ عَنْ غَيْرِ الْمُنْدَرِجِ فِيمَا ذُكِرَ مِمَّنْ تَحَقَّقَ فِيهِ إلَيْهِ بِالْمُنْدَرِجِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْلُ وَالْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّاطِّ فِي أَمْرَيْنِ: (الْأَمْرُ الْأَوَّلِ) الْمُنْدَرِجِ فِيمَا ذُكِرَ فَزَعَمَ الْأَصْلُ أَنَّ الْمُنْدَرِجَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُنَّ الْحَرَائِرُ مُدَّعِيًا أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ نِسَائِنَا فِي غَالِبِ الْعَادَةِ الْحَرَائِرُ الْمَنْسُوبَاتُ إلَيْنَا بِمُبِيحِ الْوَطْءِ وَهُوَ الْعَقْدُ فَلَا يُفْهَمُ مِنْ النِّسَاءِ فِيمَا ذُكِرَ وَفِي قَوْله تَعَالَى {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ} [الأحزاب: 30] إلَّا الزَّوْجَاتُ الْحَرَائِرُ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ الدُّخُولَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُنَّ قَدْ يَتَحَقَّقْنَ مَعَ عَدَمِ الدُّخُولِ وَعَلَيْهِ فَيُلْحَقُ بِهِنَّ الْإِمَاءُ الْمَنْكُوحَاتُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِي التَّحْرِيمِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي مُبِيحِ الْوَطْءِ وَالْفِرَاشِ بِشَرْطِهِ وَلُحُوقِ الْوَلَدِ بِشَرْطِهِ وَلِأَنَّ الْأَنَفَاتِ تَحْصُلُ مِنْ وَطْءِ الْغَيْرِ مَا وَطِئَهُ الْإِنْسَانُ بِالْمِلْكِ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَ أَمَتَهُ غَيْرُهُ فَكَانَ وَطْؤُهَا مُحَرَّمًا كَالْوَطْءِ بِالْعَقْدِ وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ لَا أَعْرِفُ صِحَّةَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ نِسَائِنَا فِي غَالِبِ الْعَادَةِ الْحَرَائِرُ الْمَنْسُوبَاتُ إلَيْنَا بِمُبِيحِ الْوَطْءِ وَهُوَ الْعَقْدُ بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمُرَادَ بِنِسَائِنَا إمَّا جَمِيعُ الْمَنْكُوحَاتِ بِعَقْدٍ كَانَ نِكَاحُهُنَّ أَوْ بِمِلْكٍ، حَرَائِرَ كُنَّ أَوْ مَمْلُوكَاتٍ وَإِمَّا الْمَنْكُوحَاتُ بِخُصُوصِ الْعَقْدِ وَلَوْ كُنَّ غَيْرَ حَرَائِرَ وَلَا وَجْهَ لِقَيْدِ كَوْنِهِنَّ حَرَائِرَ عِنْدِي قَالَ وَقَوْلُهُ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ الدُّخُولَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] إلَخْ اسْتِدْلَالٌ بِالْمَفْهُومِ فَيَخْتَصُّ بِمَنْ يَرَاهُ حُجَّةً فَيَتَحَصَّلُ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِمَاءِ الْمَنْكُوحَاتِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَكَذَلِكَ بِعَقْدٍ إلَّا أَنَّ الْمَنْكُوحَاتِ بِالْعَقْدِ مِنْ الْمُنْدَرِجِ لَا مِنْ لَوَاحِقِهِ عَلَى كِلَا التَّرَدُّدَيْنِ فِي كَلَامِ ابْنِ الشَّاطِّ بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَاتِ بِالْمِلْكِ فَإِنَّهُنَّ مِنْ الْمُنْدَرِجِ عَلَى التَّرْدِيدِ الْأَوَّلِ فِي كَلَامِهِ وَمِنْ اللَّوَاحِقِ عَلَى الثَّانِي فَافْهَمْ (الْأَمْرُ الثَّانِي) الْحَقِيقَةُ فِي لَفْظِ الْأَبِ وَلَفْظِ الْأُمِّ وَلَفْظِ الِابْنِ وَلَفْظِ

(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْبَيْعِ تَوَسَّعَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ حَتَّى جَوَّزَ مَالِكٌ الْبَيْعَ بِالْمُعَاطَاةِ وَهِيَ الْأَفْعَالُ دُونَ شَيْءٍ مِنْ الْأَقْوَالِ وَزَادَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قَالَ كُلُّ مَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ وَقَاعِدَةُ النِّكَاحِ وَقَعَ التَّشْدِيدُ فِيهَا فِي اشْتِرَاطِ الصِّيَغِ حَتَّى لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ وُجِدَ لِمَالِكٍ الْقَوْلُ بِالْمُعَاطَاةِ فِيهِ أَلْبَتَّةَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ) قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ يَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ عَلَى التَّأْيِيدِ كَالنِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَالتَّمْلِيكِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَلَفْظُ الصَّدَقَةِ وَقَالَ الْأَصْحَابُ إنْ قَصْدَ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ النِّكَاحَ صَحَّ وَيَضْمَنُ الْمَهْرَ فَيَكْفِي قَوْلُ الزَّوْجِ قَبِلْت بَعْدَ الْإِيجَابِ مِنْ الْوَلِيِّ وَلَا يُشْتَرَطُ قَبِلْت نِكَاحَهَا وَلَوْ قَالَ لِلْأَبِ فِي الْبِكْرِ أَوْ بَعْدَ الْإِذْنِ فِي الثَّيِّبِ زَوِّجْنِي فَقَالَ فَعَلْت أَوْ زَوَّجْتُك فَقَالَ لَا أَرْضَى لَزِمَهُ النِّكَاحُ لِاجْتِمَاعِ جُزْأَيْ الْعَقْدِ فَإِنَّ السُّؤَالَ رِضًى فِي الْعَادَةِ أَيْضًا وَقَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ أَوْ التَّزْوِيجِ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ أَلْفَاظِ الْعُقُودِ وَفِي الْهِبَةِ قَوْلَانِ الْمَنْعُ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْجَوَازُ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَأَنَّ النِّكَاحَ مُفْتَقِرٌ إلَى الصَّرِيحِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ وَقَالَ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِحْلَالِ وَالْإِبَاحَةِ فَتُقَاسُ عَلَيْهِ الْهِبَةُ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ جَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ عَلَى التَّأْبِيدِ وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ بِكُلِّ لَفْظٍ يَفْهَمُ الْمُتَنَاكِحَانِ مَقْصُودَهُمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ وَالنِّكَاحِ لِأَنَّهُمَا الْمَذْكُوَّانِ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وقَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] وَوَافَقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَجَابُوا عَمَّا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ مِمَّا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَلَّكْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ فَيَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهَا بَلْ الْوَاقِعُ أَحَدُهَا وَالرَّاوِي رَوَى بِالْمَعْنَى فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ أَبُو حَنِيفَةَ غَيْرَ الْإِجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِحْلَالِ وَجَوَّزَهُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ وَجَوَّزَ الْجَوَابَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبِنْتِ فِي النُّصُوصِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَقَالَ الْأَصْلُ أَنَّ حَقَائِقَهَا الْمُبَاشِرُ وَأَنَّهُ مَتَى أُرِيدَ بِهَا غَيْرُ الْمُبَاشِرِ كَانَتْ مَجَازَاتٍ وَأَنَّ الِانْدِرَاجَاتِ فِي قَوْلِ اللَّخْمِيِّ تَحْرُمُ امْرَأَةُ الْجَدِّ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ لِلْأُمِّ لِانْدِرَاجِهِمَا فِي لَفْظِ الْآبَاءِ كَمَا تَنْدَرِجُ جَدَّاتُ امْرَأَتِهِ وَجَدَّاتُ أُمِّهَا مِنْ قِبَلِ أُمِّهَا وَأَبِيهَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] وَبِنْتُ بِنْتِ الزَّوْجَةِ وَبِنْتُ ابْنِهَا وَكُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهَا بِالْبُنُوَّةِ وَإِنْ سَفَلَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ} [النساء: 23] اهـ. لَيْسَ بِمُقْتَضَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَإِلَّا لَمَا صَرَّحَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ بِالثُّلُثِ لِلْأُمِّ وَلَمْ يُعْطِهِ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِلْجَدَّةِ بَلْ حَرَمُوهَا حَتَّى رُوِيَ لَهُمْ الْحَدِيثُ فِي السُّدُسِ وَلَمَّا صَرَّحَ فِي الْكِتَابِ بِالنِّصْفِ لِلْبِنْتِ وَبِالثُّلُثَيْنِ لِلْبِنْتَيْنِ عَلَى السَّوِيَّةِ وَرِثَتْ بِنْتُ الِابْنِ مَعَ الْبِنْتِ السُّدُسَ بِالسُّنَّةِ لَا بِالْكِتَابِ وَلَمَّا كَانَ ابْنُ الِابْنِ كَالِابْنِ فِي الْحَجْبِ وَالْجَدُّ لَيْسَ كَالْأَبِ فِي الْحَجْبِ وَلَمَّا كَانَتْ الْإِخْوَةُ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ وَبَنُوهُمْ لَا يَحْجُبُونَهَا فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ هَذِهِ الِانْدِرَاجَاتِ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ بِالْإِجْمَاعِ لَا بِالنَّصِّ فَإِنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِنَفْسِ اللَّفْظِ تَعَذُّرٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَجَازِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَالْفَقِيهُ الَّذِي يَعْتَقِدُ ذَلِكَ وَيَسْتَدِلُّ بِاللَّفْظِ غَالَطَ. اهـ وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ لَا أَعْرِفُ صِحَّةَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ فِي لَفْظِ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالِابْنِ وَالْبِنْتِ الْمُبَاشِرُ وَأَنَّهُ مَتَى أُرِيدَ بِهِ غَيْرُ الْمُبَاشِرِ فَهُوَ مَجَازٌ لَعَلَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِالْعَكْسِ وَأَنَّ الْحَقِيقَةَ فِي لَفْظِ الْأَبِ مَثَلًا كُلُّ مَنْ لَهُ وِلَادَةٌ وَالْمَجَازُ الْمُبَاشِرُ لَكِنْ غَلَبَ هَذَا الْمَجَازُ حَتَّى صَارَ عُرْفًا فَكَانَ ذَلِكَ السَّبَبُ فِي اقْتِصَارِ الصَّحَابَةِ فِيمَا اقْتَصَرُوا بِهِ مِنْ الْأَحْكَامِ عَلَى الْمُبَاشِرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ وَعَلَيْهِ فَتَكُونُ الِانْدِرَاجَاتُ فِي تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ بِالنَّصِّ لَا بِالْإِجْمَاعِ فَافْهَمْ وَفِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّ مِنْ عُلَمَائِنَا مَنْ قَالَ إنَّ لَفْظَ الْأَوْلَادِ يَتَنَاوَلُ حَقِيقَةَ كُلِّ وَلَدٍ مِنْ صُلْبِ الرَّجُلِ دَنِيًّا أَوْ بَعِيدًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ» وَقَالَ تَعَالَى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء: 12] فَدَخَلَ فِيهِ كُلُّ مَنْ كَانَ لِصُلْبِ الْمَيِّتِ دَانِيًا أَوْ بَعِيدًا وَيُقَالُ بَنُو تَمِيمٍ فَيَعُمُّ الْجَمِيعَ فَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ هَذَا الْقَوْلَ فَقَدْ غَلَبَ مَجَازُ الِاسْتِعْمَالِ فِي ذَلِكَ إطْلَاقُهُ عَلَى الْأَعْيَانِ الْأَدْنَيْنَ عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ وَمِنْ عُلَمَائِنَا مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَقِيقَةً فِي الْأَدْنَيْنَ مَجَازٌ فِي الْأَبْعَدِينَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَنْفِي عَنْهُ فَيُقَالُ لَيْسَ بِوَلَدٍ وَلَوْ كَانَ حَقِيقَةً لَمَا سَاغَ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَدَ الْأَعْيَانِ يُسَمَّى وَلَدًا وَلَا يُسَمَّى وَلَدَ الْوَلَدِ وَكَيْفَمَا دَارَتْ الْحَالُ فَقَدْ اجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ هَاهُنَا أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] الْآيَةَ عَلَى أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْجَمِيعِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ

الزَّوْجِ بِقَوْلِهِ فَعَلْت فَهَذِهِ نُصُوصُ الْعُلَمَاءِ عَلَى اخْتِلَافِهَا لَمْ يَقُلْ فِيهَا أَحَدٌ بِالْمُعَاطَاةِ كَمَا قَالُوهُ فِي الْبَيْعِ وَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى خَمْسِ قَوَاعِدَ (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) أَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ فِي النِّكَاحِ إمَّا مُقَارِنَةً لِلْعَقْدِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يَشْهَدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَزْوِيجٌ لَا زِنًى وَسِفَاحٌ وَالْبَيْعُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْإِشْهَادُ فِيهِ شَرْطًا جَوَّزُوا فِيهِ الْمُنَاوَلَةَ (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ قَاعِدَةَ الشَّرْعِ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا عَظُمَ قَدْرُهُ شُدِّدَ فِيهِ وَكَثُرَتْ شُرُوطُهُ وَبَالَغَ إبْعَادَهُ إلَّا لِسَبَبٍ قَوِيٍّ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ وَرَفْعًا لِقَدْرِهِ وَهُوَ شَأْنُ الْمُلُوكِ فِي الْعَوَائِدِ وَلِذَلِكَ إنَّ الْمَرْأَةَ النَّفِيسَةَ فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا وَدِينِهَا وَنَسَبِهَا لَا يُوصَلُ إلَيْهَا إلَّا بِالْمَهْرِ الْكَثِيرِ وَالتَّوَسُّلِ الْعَظِيمِ وَكَذَلِكَ الْمَنَاصِبُ الْجَلِيلَةُ وَالرُّتَبُ الْعَلِيَّةُ فِي الْعَادَةِ وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ لَمَّا كَانَا رُءُوسَ الْأَمْوَالِ وَقِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ شَدَّدَ الشَّرْعُ فِيهِمَا فَاشْتَرَطَ الْمُسَاوَاةَ وَالتَّنَاجُزَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِطْهَا فِي الْبَيْعِ فِي سَائِرِ الْعُرُوضِ وَالطَّعَامُ لَمَّا كَانَ قِوَامَ بِنْيَةِ الْإِنْسَانِ مَنَعَ بَيْعَهُ نَسِيئَةً بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَمَنَعَ مَالِكٌ بَيْعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ السِّلَعِ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ عَظِيمُ الْخَطَرِ جَلِيلُ الْمِقْدَارِ لِأَنَّهُ سَبَبُ بَقَاءِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ الْمُكَرَّمِ الْمُفَضَّلِ عَلَى جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ وَسَبَبُ الْعَفَافِ الْحَاسِمِ لِمَادَّةِ الْفَسَادِ وَاخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ وَسَبَبُ الْمَوَدَّةِ وَالْمُوَاصَلَةِ وَالسُّكُونِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ فَلِذَلِكَ شَدَّدَ الشَّرْعُ فِيهِ فَاشْتَرَطَ الصَّدَاقَ وَالشَّهَادَةَ وَالْوَلِيَّ وَخُصُوصَ الْأَلْفَاظِ دُونَهُ الْبَيْعُ (الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) كُلُّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ وَإِبَاحَةُ الْمَرْأَةِ حُكْمٌ فَلَهُ سَبَبٌ يَجِبُ تَلَقِّيه مِنْ السَّمْعِ فَمَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْ الشَّرْعِ لَا يَكُونُ سَبَبًا وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ اعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُغِيرَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ عَنْ الْمَذْهَبِ (الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ) الشَّرْعُ قَدْ يُنَصِّبُ خُصُوصَ الشَّيْءِ سَبَبًا كَالزَّوَالِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ وَوُجُوبِ الصَّوْمِ وَالْقَتْلُ الْعَمْدُ وَالْعُدْوَانُ سَبَبُ الْقِصَاصِ وَقَدْ يُنَصِّبُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَشْيَاءَ سَبَبًا وَيَبْغِي خُصُوصَاتِهَا كَأَلْفَاظِ الطَّلَاقِ فَإِنَّ الْمَنْصُوبَ مِنْهَا سَبَبًا مَا دَلَّ عَلَى انْطِلَاقِ الْمَرْأَةِ مِنْ عِصْمَةِ الرَّجُلِ وَأَلْفَاظُ الْقَذْفِ الْمَنْصُوبِ مِنْهَا سَبَبًا مَا دَلَّ عَلَى نِسْبَةِ الْمَقْذُوفِ إلَى الزِّنَى أَوْ اللِّوَاطِ وَأَلْفَاظُ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ الْمَنْصُوبُ مِنْهَا سَبَبًا مَا دَلَّ عَلَى مَقْصُودِ الرِّسَالَةِ النَّبَوِيَّةِ وَالنِّكَاحُ عِنْدَنَا عَلَى مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ حَبَسَ رَجُلٌ عَلَى وَلَدِهِ لَا تُنْقَلُ إلَى أَبْنَائِهِمْ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا فِيمَا لَوْ قَالَ صَدَقَةً هَلْ تُنْقَلُ إلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَكَذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَهُ حَفَدَةٌ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ ذَلِكَ فِي أَقْوَالِ الْمَخْلُوقِينَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِوَجْهَيْنِ (إحْدَاهُمَا) أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي حَمْلِ كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْعُمُومِ كَمَا يُحْمَلُ كَلَامُ الْبَارِي أَوْ لَا يُحْمَلُ كَلَامُ النَّاسِ عَلَى الْعُمُومِ بِحَالٍ وَإِنْ حُمِلَ كَلَامُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ (الثَّانِي) أَنَّ كَلَامَ النَّاسِ يَرْتَبِطُ بِالْأَغْرَاضِ وَالْمَقَاصِدِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْحَبْسِ التَّعْقِيبُ فَدَخَلَ فِيهِ وَلَدُ الْوَلَدِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الصَّدَقَةِ التَّمْلِيكُ فَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ غَيْرُ الْأَدْنَى إلَّا بِدَلِيلٍ وَاَلَّذِي يُحَقِّقُ الْعُمُومَ هَاهُنَا أَيْ فِي الْآيَةِ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ وَلَا يُوَلِّيهِ {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] فَدَخَلَ فِيهِ آبَاءٌ فَكَذَلِكَ يَدْخُلُ فِي الْأَوْلَادِ هَاهُنَا أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ ثُمَّ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] هَذَا قَوْلٌ لَمْ يُدْخِلْ فِيهِ مَنْ عَلَا مِنْ الْآبَاءِ دُخُولَ مَنْ سَفَلَ مِنْ الْأَبْنَاءِ فِي قَوْلِهِ {أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] لِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (الْأَوَّلُ) أَنَّ الْقَوْلَ هَاهُنَا مَثْنَى وَالْمَثْنَى لَا يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْجَمْعَ (الثَّانِي) أَنَّهُ قَالَ {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء: 11] وَالْأُمُّ الْعُلْيَا هِيَ الْجَدَّةُ وَلَا يُفْرَضُ لَهَا الثُّلُثُ بِإِجْمَاعٍ فَخُرُوجُ الْجَدَّةِ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ مَقْطُوعٌ بِهِ وَتَنَاوُلُهُ لِلْأَبِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ (الثَّالِثُ) أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ فِي قَوْلِهِ {أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] بَيَانَ الْعُمُومِ وَقَصَدَ هُنَا بَيَانُ النَّوْعَيْنِ مِنْ الْآبَاءِ وَهُمَا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَتَفْصِيلُ فَرْضِهِمَا دُونَ الْعُمُومِ فَأَمَّا الْجَدُّ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ فِيهِ الصَّحَابَةُ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ جَعَلَهُ أَبًا وَحَجَبَ بِهِ الْإِخْوَةَ أَخْذًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26] وَأَمَّا الْجَدَّةُ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْجَدَّةَ أُمَّ الْأُمِّ جَاءَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ فَقَالَ لَهَا لَا أَجِدُ لَك فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْئًا وَمَا أَنَا بِزَائِدٍ فِي الْفَرَائِضِ شَيْئًا. اهـ الْمُرَادُ بِتَصَرُّفٍ وَإِصْلَاحٍ فَافْهَمْ (وَقَدْ وَافَقَ) ابْنُ الشَّاطِّ الْأَصْلَ فِي مَسَائِلَ قَائِلًا: مَا قَالَهُ فِي الْأُولَى صَحِيحٌ ظَاهِرٌ وَمَا قَالَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَكْثَرُهُ حِكَايَةُ أَقْوَالٍ وَإِشَارَةٌ إلَى تَوْجِيهَاتٍ وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ. اهـ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) شُبْهَتَا الْعَقْدِ وَالْمِلْكِ تَلْحَقُ بِهِمَا فِي التَّحْرِيمِ لِلْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ بِالْعَقْدِ وَالْمِلْكِ لِأَنَّ الْوَطْءَ بِالشُّبْهَةِ قَدْ أُلْحِقَ بِالْوَطْءِ بِهِمَا فِي لُحُوقِ الْوَلَدِ وَسُقُوطِ الْحَدِّ وَغَيْرِهَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يَلْحَقُ بِالشُّبْهَةِ فِي الرُّتْبَةِ الرَّابِعَةِ عَلَى مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الزِّنَى الْمَحْضُ لِكَوْنِهِ يُوجِبُ مِسَبَّةً اخْتِصَاصًا وَرُبَّمَا أَوْجَبَ مَيْلًا شَدِيدًا يُوجِبُ وُقُوعَ الشَّحْنَاءِ بِالْمُشَارَكَةِ فِيهِ كَمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِي الْمُشَارَكَةِ بِالْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ وَالْمِلْكِ بَلْ بَالَغَ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا الْتَذَّ بِهَا حَرَامًا كَانَ كَالْوَطْءِ وَوَافَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ نَعَمْ قَالَ

مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْأَصْلُ فِيهَا عَدَمُ اعْتِبَارِ الْخُصُوصِ فَيَتَعَيَّنُ الْعُمُومُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ) يَحْتَاطُ الشَّرْعُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْإِبَاحَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى الْحُرْمَةِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ فَيَتَعَيَّنُ الِاحْتِيَاطُ لَهُ فَلَا يُقَدَّمُ عَلَى مَحَلٍّ فِيهِ الْمَفْسَدَةُ إلَّا بِسَبَبٍ قَوِيٍّ يَدُلُّ عَلَى زَوَالِ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ أَوْ يُعَارِضُهَا وَيَمْنَعُ الْإِبَاحَةَ مَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ بِأَيْسَرِ الْأَسْبَابِ دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَلِذَلِكَ حَرُمَتْ الْمَرْأَةُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْأَبِ وَلَا تَحِلُّ الْمَبْتُوتَةُ إلَّا بِعَقْدٍ وَوَطْءٍ حَلَالٍ وَطَلَاقٍ وَانْقِضَاءِ عِدَّةٍ مِنْ عَقْدِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ حُرْمَةٍ إلَى إبَاحَةٍ فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَوْقَعْنَا الطَّلَاقَ بِالْكِنَايَاتِ وَإِنْ بَعُدَتْ حَتَّى أَوْقَعَهُ مَالِكٌ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَجَمِيعِ الْأَلْفَاظِ إذَا قَصَدَ بِهَا الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ الْحِلِّ فَيَكْفِي فِيهِ أَدْنَى سَبَبٍ وَلَمْ يَجُزْ النِّكَاحُ بِكُلِّ لَفْظٍ بَلْ بِمَا فِيهِ قُرْبٌ مِنْ مَقْصُودِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْحِلِّ وَجَوَّزْنَا الْبَيْعَ بِجَمِيعِ الصِّيَغِ وَالْأَفْعَالِ الدَّالَّةِ عَلَى الرِّضَى بِنَقْلِ الْمَالِكِ فِي الْعَرْضَيْنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي السِّلَعِ الْإِبَاحَةُ حَتَّى تُمْلَكَ بِخِلَافِ النِّسَاءِ الْأَصْلُ فِيهِنَّ التَّحْرِيمُ حَتَّى يُعْقَدَ عَلَيْهِنَّ بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ وَلِعُمُومِ الْحَاجَةِ لِلْبَيْعِ وَلِقُصُورِهِ فِي الِاحْتِيَاطِ عَنْ الْفُرُوجِ فَإِذَا أَحَطْت بِهَذِهِ الْقَوَاعِدِ ظَهَرَ لَك سَبَبُ اخْتِلَافِ مَوَارِدِ الشَّرْعِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَسَبَبُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَنَشَأَتْ لَك الْفُرُوقُ وَالْحِكَمُ وَالتَّعَالِيلُ. (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ يُنْظَرُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُعْسِرِ بِنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ لَا يُنْظَرُ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُعْسِرَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُفْسَخُ عَلَيْهِ نِكَاحُهُ بِطَلَاقٍ فِي حَقِّ مَنْ ثَبَتَ لَهَا الْإِنْفَاقُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِالْإِعْسَارِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ إنْظَارَ الْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] فَهَهُنَا أَوْلَى لِأَنَّ بَقَاءَ الزَّوْجِيَّةِ مَطْلُوبٌ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ وَقِيَاسًا عَلَى النَّفَقَةِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي فَإِنَّهُ لَا تَطْلُقُ بِهَا إجْمَاعًا وَلِأَنَّ عَجْزَهُ عَنْ نَفَقَةِ أُمِّ وَلَدِهِ لَا يُوجِبُ بَيْعَهَا وَلَا خُرُوجَهَا عَنْ مِلْكِهِ فَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّا لَمْ نُلْزِمْهُ النَّفَقَةَ مَعَ الْعُسْرَةِ وَهُوَ نَظِيرُ الْإِلْزَامِ بِالدَّيْنِ وَإِنَّمَا أَمَرْنَاهُ بِرَفْعِ ضَرَرٍ يَقْدِرُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِسَبَبِ أَنَّ الزِّنَى مَطْلُوبُ الْعَدَمِ وَالْإِعْدَامِ فَلَوْ رُتِّبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَقَاصِدِ لَكَانَ مَطْلُوبَ الْإِيجَادِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ تَحْرِيمٌ فِي أَثَرِ الْمُصَاهَرَةِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى أَنَّ وَطْءَ الْأُمِّ بِالْعَقْدِ أَوْ الْمِلْكِ أَوْ الشُّبْهَةِ يُحَرِّمُ بِنْتَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] لِأَنَّ الْوَطْءَ هُوَ الْأَصْلُ فِي الدُّخُولِ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّلَذُّذِ بِمَا دُونَ الْوَطْءِ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمِثْلُ الْوَطْءِ اللَّمْسُ لِلَّذَّةِ لِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ مِثْلُهُ يَحِلُّ بِحِلِّهِ وَيَحْرُمُ بِحُرْمَتِهِ وَيَدْخُلُ تَحْتَ عُمُومِهِ وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا اللَّمْسُ لِلَّذَّةِ مِنْ الْبَالِغِ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ وَمِنْ غَيْرِ الْبَالِغِ قَوْلَانِ وَبِغَيْرِ لَذَّةٍ لَا يَنْشُرُ مُطْلَقًا وَفِي نَظَرِ الْبَالِغِ مَا عَدَا الْوَجْهَ مِنْ بَاطِنِ الْجَسَدِ لِلَّذَّةِ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْحَوَاسِّ وَالشَّاذُّ لَا يَنْشُرُ وَلَا يُحَرِّمُ النَّظَرُ إلَى الْوَجْهِ اتِّفَاقًا وَفِي الْأَحْكَامِ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَأَمَّا النَّظَرُ فَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُحَرِّمُ وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يُحَرِّمُ لِأَنَّهُ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ شَبَهُهُ فِي الزِّنَى ذَرِيعَةُ الذَّرِيعَةِ لَكِنَّ الْأَمْوَالَ تَارَةً يَغْلِبُ فِيهَا التَّحْلِيلُ وَتَارَةً يَغْلِبُ فِيهَا التَّحْرِيمُ فَأَمَّا الْفُرُوجُ فَقَدْ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ فِيهَا عَلَى تَغْلِيبِ التَّحْرِيمِ فَكَمَا أَنَّ النَّظَرَ لَا يَحِلُّ إلَّا إذَا حَلَّ أَصْلُهُ اللَّمْسُ وَالْوَطْءُ بِعَقْدِ نِكَاحٍ أَوْ شِرَاءٍ وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ إذَا حَرُمَ أَصْلُهُ. اهـ وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ وَالنَّظَرُ عِنْدَ مَالِكٍ كَاللَّمْسِ إذَا كَانَ نَظَرَ تَلَذُّذٍ إلَى أَيِّ عُضْوٍ كَانَ وَفِيهِ عَنْهُ خِلَافٌ وَوَافَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ فَقَطْ وَقَالَ الْأَصْلُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عِنْدَهُ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ لِعَدَمِ إفْضَائِهِ إلَى الْمَقْصِدِ الَّذِي هُوَ الْوَطْءُ وَهُوَ إنَّمَا حَرُمَ تَحْرِيمَ الْوَسَائِلِ وَالْوَسِيلَةُ إذَا لَمْ تُفْضِ لِمَقْصِدِهَا سَقَطَ اعْتِبَارُهَا وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ التَّحْرِيمَ بِالْمُلَامَسَةِ لِلَّذَّةِ وَالنَّظَرِ مُطْلَقًا وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُ وَقَوْلُهُ الثَّانِي لَمْ يُوجِبْ فِي النَّظَرِ شَيْئًا وَوَاجِبٌ فِي اللَّمْسِ. اهـ (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْأَصْلُ اعْتَبَرَ مَالِكٌ قَاعِدَةَ حَمْلِ اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى عُرْفِ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي مَشْهُورِ مَذَاهِبِهِمْ فِي آيَةِ التَّحْلِيلِ لِلزَّوْجَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثَ حَيْثُ حُمِلَ النِّكَاحُ فِيهَا عَلَى الْوَطْءِ الْحَلَالِ وَجَعَلَهُ شَرْطًا لِمُوَافَقَتِهَا قَاعِدَةَ الِاحْتِيَاطِ فِي الْفُرُوجِ وَخَالَفَهَا فِي قَوْله تَعَالَى فِي أُمَّهَاتِ الرَّبَائِبِ {اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: 23] حَيْثُ حَمَلَ الدُّخُولَ فِيهَا عَلَى خِلَافِ الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ مِنْ الدُّخُولِ الْمُبَاحِ فَاعْتُبِرَ مُطْلَقُ الْوَطْءِ وَلَوْ حَرَامًا لِمُعَارِضِ الِاحْتِيَاطِ فِي الْفُرُوجِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ يَحْتَاجُ مَا قَالَهُ إلَى نَظَرٍ. اهـ قُلْت لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ النِّكَاحَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ حَقِيقَةً فِي وَطْءٍ مُطْلَقًا لَا فِي خُصُوصِ الْوَطْءِ الْحَلَالِ فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22]

[الفرق بين قاعدة ما يحرم بالنسب وبين قاعدة ما لا يحرم بالنسب]

عَلَيْهِ وَهُوَ إطْلَاقُهَا لِمَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ النَّفَقَةِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي (وَالْجَوَابُ) عَنْ الثَّالِثِ إنْ وَقَعَ الضَّرَرُ عَنْ أُمِّ الْوَلَدِ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ وَهُوَ تَزْوِيجُهَا وَهَذَا الطَّرِيقُ مُتَعَذِّرٌ هَهُنَا فَيَتَعَيَّنُ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمَقْصِدَ إذَا كَانَ لَهُ وَسِيلَتَانِ فَأَكْثَرَ لَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا عَيْنًا بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا كَالْجَامِعِ إذَا كَانَ لَهُ طَرِيقَانِ مُسْتَوِيَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا يَجِبُ سُلُوكُ أَحَدِهِمَا عَيْنًا بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ السَّفَرُ إلَى الْحَجِّ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ الْمُتَيَسِّرَيْنِ لَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الشَّرْعِيَّةِ وَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ تَعَدَّتْ أَسْبَابُ زَوَالِ الضَّرَرِ عَنْهَا فَلَمْ يَتَعَيَّنْ خُرُوجُهَا عَنْ مِلْكِهِ وَفِي الزَّوْجَاتِ اتَّحَدَتْ الْوَسِيلَةُ وَسَبَبُ الْخُرُوجِ عَنْ الضَّرَرِ فَأُمِرَ بِهِ عَيْنًا وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ مَا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ تَقُولُ الْمَرْأَةُ إمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي وَيَقُولُ الْعَبْدُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي وَيَقُولُ الْوَلَدُ إلَى مَنْ تَدَعُنِي» وَقَوْلُهُ {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وَالْإِمْسَاكُ عَلَى الْجُوعِ وَالْعُرْيِ لَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ فَيَتَعَيَّنُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ. (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَوْلَادِ الصُّلْبِ وَالْأَبَوَيْنِ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ لَهُمْ خَاصَّةً وَبَيْنَ قَاعِدَةِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْقَرَابَاتِ) اعْلَمْ أَنَّ مَالِكًا أَوْجَبَ النَّفَقَةَ لِأَوْلَادِ الصُّلْبِ وَالْأَبَوَيْنِ خَاصَّةً وَأَوْجَبَهَا الشَّافِعِيُّ لِكُلِّ مَنْ هُوَ بَعْضٌ مِنْ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَإِنْ عَلَوْا وَالْأَوْلَادِ وَإِنْ سَفَلُوا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: 83] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] وَلَيْسَ مِنْ الْإِحْسَانِ تَرْكُهُمَا بِالْجُوعِ وَالْعُرْيِ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْبُخَارِيِّ يَقُولُ لَك وَلَدُك إلَى مَنْ تَكِلُنِي الْحَدِيثَ وَأَبُ الْأَبِ أَبٌ وَأُمُّ الْأُمِّ أُمٌّ وَابْنُ الِابْنِ ابْنٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَجِبُ النَّفَقَةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: 26] وَأَجْمَعْنَا عَلَى تَخْصِيصِ مَنْ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَبَقِيَ مَنْ عَدَاهُ عَلَى الْعُمُومِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَوْلَادِ الصُّلْبِ وَالْأَبَوَيْنِ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ لَهُمْ خَاصَّةً وَبَيْنَ قَاعِدَةِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْقَرَابَاتِ إلَى قَوْلِهِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] قُلْت مَا قَالَهُ حِكَايَةُ أَقْوَالٍ وَمُسْتَنَدِهَا وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ مَا وَطِئُوهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ فَيَحْرُمُ عَلَى الشَّخْصِ مَزْنِيَّةُ أَبِيهِ كَمَا فِي الْمَحَلِّيِّ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَحْوُهُ عَنْ الْأَصْلِ فِي الْفَرْقِ الرَّابِعِ وَالْأَرْبَعِينَ وَالْمِائَةِ فَلَا تَغْفُلْ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} [البقرة: 230] قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ تَحِلُّ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لِلْأَوَّلِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ مِنْ الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا الثَّانِي لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ} [البقرة: 230] وَالنِّكَاحُ الْعَقْدُ وَهَذَا لَا يَصِحُّ بَلْ هُوَ هُنَا الْوَطْءُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَطَ ذَوْقَ الْعُسَيْلَةِ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوَطْءِ نَعَمْ يَرِدُ عَلَى مَذْهَبِنَا أَنَّ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْحُكْمَ هَلْ يَتَعَلَّقُ بِأَوَائِلِ الْأَسْمَاءِ لَزِمَنَا مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِأَوَاخِرِ الْأَسْمَاءِ لَزِمَنَا أَنْ نَشْتَرِطَ الْإِنْزَالَ مَعَ مَغِيبِ الْحَشَفَةِ فِي الْإِحْلَالِ لِأَنَّهُ آخِرُ ذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ وَلِذَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ عَنْ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا وَلَمْ يُشْتَرَطْ عِنْدَنَا فِي التَّحْلِيلِ الْإِنْزَالُ فَصَارَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ بَلْ مَا مَرَّ بِي فِي الْفِقْهِ أَعْسَرُ مِنْهَا. اهـ مُلَخَّصًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ] (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ) الْمُحَرَّمُ بِالنَّسَبِ عَلَى الْإِنْسَانِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ (النَّوْعُ الْأَوَّلُ) أُصُولُهُ وَهُمَا الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ وَإِنْ عَلَوْا (وَالنَّوْعُ الثَّانِي) فُصُولُهُ وَهُمْ الْأَبْنَاءُ وَأَبْنَاءُ الْأَبْنَاءِ وَإِنْ سَفَلُوا (وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ) فُصُولُ أَوَّلِ أُصُولِهِ وَهُمْ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ وَأَوْلَادُهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا وَأَمَّا فُصُولُ ثَانِي الْأُصُولِ وَثَالِثِهَا وَإِنْ عَلَا ذَلِكَ وَهُمْ أَوْلَادُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ فَمُبَاحَاتٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ} [الأحزاب: 50] (النَّوْعُ الرَّابِعُ) أَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ وَيَنْدَرِجُ فِيهِ أَوْلَادُ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَهُمْ الْأَعْمَامُ وَالْعَمَّاتُ وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ وَأَمَّا ثَانِي فَصْلٍ مِنْ أَوَّلِ الْأُصُولِ وَهُمْ أَوْلَادُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ فَمُبَاحَاتٌ كَمَا عَلِمْت وَدَلِيلُ هَذَا الضَّابِطِ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء: 23] وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِلَفْظِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ وَاللَّفْظُ صَالِحٌ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا بَنِي آدَمَ - يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة: 26 - 40] {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ فِيمَا يَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ الْمُحَرَّمِ بِالرَّضَاعِ فِي الْقُرْآنِ سِوَاهُمَا وَالْأُمُّ أَصْلٌ

وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَوَّلًا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ لَفْظَ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالِابْنِ يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْأَدْنَيْنَ مِنْ هَذِهِ الْفِرَقِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ وَلَمْ تَسْحَقْهُ الْجَدَّةُ وَحَجَبَ الْإِخْوَةَ بِالْأَبِ وَلَمْ يَحْجُبْهُمْ بِالْجَدِّ وَأَنَّ بِنْتَ الِابْنِ لَهَا السُّدُسُ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ بِخِلَافِ بِنْتِ الصُّلْبِ مَعَ أُخْتِهَا فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ تَتَنَاوَلُ هَذِهِ الطَّبَقَاتِ عَلَى اخْتِلَافِهَا بِطَرِيقِ التَّوَاطُؤِ حَقِيقَةً لَزِمَ تَعْمِيمُ الْحُكْمِ فِيهَا كُلِّهَا عَلَى السَّوَاءِ وَإِلَّا لَزِمَ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الطَّوَائِفَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَجَازِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَيْهِ بَلْ يَجِبُ التَّمَسُّكُ بِالْحَقِيقَةِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى غَيْرِهَا ثُمَّ اللَّازِمُ هُنَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَهُوَ مَجَازٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ هَلْ يَجُوزُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ أَمْ لَا وَنَحْنُ الْمَجَازُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ لَا نَعْدِلُ بِاللَّفْظِ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ خَطَأٌ قَطْعًا فَهَهُنَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِكَوْنِهِ ضَعِيفًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَجَازٌ وَأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي جَوَازِهِ لُغَةً وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ. وَهُوَ فَرْقٌ جَلِيٌّ جِدًّا وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَ بِمَا هُوَ حَقٌّ لِذَوِي الْقُرْبَى وَالنِّزَاعُ فِي النَّفَقَةِ هَلْ هِيَ حَقٌّ لَهُمْ أَمْ لَا فَلَا نُسَلِّمُ تَنَاوُلَ اللَّفْظِ لَهَا حِينَئِذٍ فَلَا دَلِيلَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَوَّلًا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ لَفْظَ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالِابْنِ يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْأَدْنَيْنَ إلَى قَوْلِهِ بَلْ يَجِبُ التَّمَسُّكُ بِالْحَقِيقَةِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى غَيْرِهَا) قُلْت لَا دَلِيلَ لَهُ فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى مُرَادِهِ مِنْ أَنَّ لَفْظَ الْأَبِ وَمَا مَعَهُ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْأَدْنَيْنَ إلَّا مَجَازًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِي تِلْكَ الْأَلْفَاظِ بِعَكْسِ دَعْوَاهُ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ يَتَنَاوَلُ الْأَدْنَيْنَ وَغَيْرَهُمْ لَكِنْ وَقَعَ التَّجَوُّزُ بِقَصْرِهَا عَلَى الْأَدْنَيْنَ فَيَحْتَاجُ إذْ ذَاكَ إلَى قَرِينَةٍ تَخُصُّهَا بِالْأَدْنَيْنَ أَوْ إلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَجَازَ انْتَهَى إلَى أَنْ صَارَ عُرْفًا. قَالَ (ثُمَّ اللَّازِمُ هُنَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَهُوَ مَجَازٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ هَلْ يَجُوزُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ أَمْ لَا إلَى قَوْلِهِ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ وَهُوَ فَرْقٌ جَلِيٌّ جِدًّا) قُلْت مَا قَالَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَى أَنَّ تَنَاوُلَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ لِغَيْرِ الْأَدْنَيْنَ مَجَازٌ وَقَدْ تَبَيَّنَ احْتِمَالُ عَكْسِ ذَلِكَ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ مُسَلَّمٌ لَكِنْ لَوْ سُلِّمَ لَهُ أَنْ تَنَاوُلَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ لِغَيْرِ الْأَدْنَيْنَ مَجَازٌ وَذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَمَا قَالَهُ مِنْ الْجَوَابِ عَمَّا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مُسَلَّمٌ صَحِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأُخْتُ فَرْعٌ فَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَالَ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ» . اهـ قَالَ فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ يَعْنِي أَنَّ الْمُرْضِعَةَ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْأُمِّ فَتَحْرُمُ عَلَى الْمُرْضَعِ هِيَ وَكُلُّ مَنْ يَحْرُمُ عَلَى الِابْنِ مِنْ قِبَلِ أُمِّ النَّسَبِ. اهـ وَقَالَ تَعَالَى قَبْلَ ذَلِكَ فِيمَا يُحَرِّمُ الْمُصَاهَرَةَ {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] يُرِيدُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ {الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] مِنْ زَوْجَاتِ أَبْنَاءِ التَّبَنِّي قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ وَابْنُ التَّبَنِّي كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ إذْ تَبَنَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 5] وَهَذِهِ هِيَ الْفَائِدَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] لِيَسْقُطَ وَلَدُ التَّبَنِّي وَيَذْهَبَ اعْتِرَاضُ الْجَاهِلِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نِكَاحِ زَيْنَبَ زَوْجِ زَيْدٍ وَقَدْ كَانَ يُدَّعَى لَهُ فَنَهَجَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ بِبَيَانِهِ اهـ وَلَمْ يَحْتَرِزْ بِهِ مِنْ زَوْجَاتِ ابْنِ الرَّضَاعِ لِجَرَيَانِهِ مَجْرَى ابْنِ النَّسَبِ فِي جُمْلَةٍ مِنْ الْأَحْكَامِ مُعْظَمُهَا التَّحْرِيمُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] إلَى قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 23] حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ النَّسَبِ سَبْعًا وَمِنْ الصِّهْرِ سَبْعًا وَهَذَا صَحِيحٌ وَهُوَ أَصْلُ الْمُحَرَّمَاتِ وَوَرَدَتْ مِنْ جِهَةٍ مُبَيِّنَةٍ لِجَمِيعِهَا بِأَخْصَرِ لَفْظٍ وَأَدَلِّ مَعْنًى فَهِمَتْهُ الصَّحَابَةُ الْعَرَبُ وَخَبَّرَ بِهِ الْعُلَمَاءُ وَنَحْنُ نُفَصِّلُ ذَلِكَ الْبَيَانَ فَنَقُولُ (أَمَّا الْأَصْنَافُ) النِّسْبِيَّةُ السَّبْعَةُ (فَالْأُمُّ) عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ امْرَأَةٍ لَهَا عَلَيْك وِلَادَةٌ وَيَرْتَفِعُ نَسَبُك إلَيْهَا بِالْبُنُوَّةِ كَانَتْ عَلَى عَمُودِ الْأَبِ أَوْ عَلَى عَمُودِ الْأُمِّ وَكَذَلِكَ مَنْ فَوْقَك (وَالْبِنْتُ) عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ امْرَأَةٍ لَك عَلَيْهَا وِلَادَةٌ تَنْتَسِبُ إلَيْك بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ إذَا كَانَ مَرْجِعُهَا إلَيْك (وَالْأُخْتُ) عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ امْرَأَةٍ شَارَكَتْك فِي أَصْلَيْك أَبِيك وَأُمِّك وَلَا تَحْرُمُ أُخْتُ الْأُخْتِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَك أُخْتًا فَقَدْ يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَدٌ ثُمَّ يُقَدَّرُ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ قَالَ سَحْنُونٌ هُوَ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ مِنْ غَيْرِهَا بِنْتَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَتَصْوِيرُهَا أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ اسْمُهُ زَيْدٌ زَوْجَتَانِ عَمْرَةُ وَخَالِدَةُ وَلَهُ مِنْ عَمْرَةَ وَلَدٌ اسْمُهُ عُمَرُ وَمِنْ خَالِدَةَ بِنْتٌ اسْمُهَا سَعَادَةُ وَلِخَالِدَةَ زَوْجٌ اسْمُهُ بَكْرٌ وَلَهُ مِنْهَا بِنْتٌ اسْمُهَا

فِي الْآيَةِ وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّهُ عَامٌّ فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ مُطْلَقٌ فِيمَا هُمْ فِيهِ أَوْلَى فَإِنَّ لَفْظَ أَوْلَى نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ وَذَلِكَ لَا عُمُومَ فِيهِ فَنَحْمِلُهُ عَلَى وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالْمُعَاوَضَةِ وَالْمُنَاصَرَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُمْ أَوْلَى بِنَصْرِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَالْإِحْسَانِ إلَى بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِالنُّصْرَةِ إجْمَاعًا وَإِذَا أَجَمَعَ عَلَى إعْمَالِ الْمُطْلَقِ فِي صُورَةٍ وَأَنَّهَا مُرَادَةٌ مِنْ النَّصِّ سَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِهِ إجْمَاعًا إذْ لَوْ عُدِّيَ حُكْمُهُ إلَى صُورَةٍ أُخْرَى لَكَانَ عَامًّا لَا مُطْلَقًا وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ مُطْلَقٌ وَهَذَا خَلْفٌ وَكَمَا يَمْتَنِعُ جَعْلُ الْعَامِّ مُطْلَقًا بِغَيْرِ دَلِيلٍ يَمْتَنِعُ جَعْلُ الْمُطْلَقِ عَامًّا بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الِاسْتِدْلَالَاتِ وَهَذِهِ الْأَجْوِبَةِ صِحَّةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَتَفْضِيلُهُ عَلَى غَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَظَهَرَ الْفَرْقُ أَيْضًا مِنْ خِلَالِ ذَلِكَ ظُهُورًا بَيِّنًا. (الْفَرْقُ السِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ شَيْئًا لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ يُقَدَّمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا اخْتَلَفَا وَهُمَا زَوْجَانِ أَوْ عِنْدَ الطَّلَاقِ أَوْ الْوَرَثَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالزَّوْجَانِ حُرَّانِ أَوْ عَبْدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا قُضِيَ لِلْمَرْأَةِ بِمَا هُوَ شَأْنُ النِّسَاءِ وَلِلرَّجُلِ بِمَا هُوَ شَأْنُ الرِّجَالِ وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا قُضِيَ بِهِ لِلرَّجُلِ لِأَنَّ الْبَيْتَ بَيْتُهُ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ فَهُوَ تَحْتَ يَدِهِ فَيُقَدَّمُ لِأَجْلِ الْيَدِ وَوَافَقَ مَالِكًا أَبُو حَنِيفَةَ وَالْفُقَهَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ كَسَائِرِ الْمُدَّعِينَ وَقِيَاسًا عَلَى الصَّبَّاغِ وَالْعَطَّارِ إذَا تَدَاعَيَا آلَةَ الْعِطْرِ أَوْ الصَّبْغِ فَإِنَّهُ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ وَإِنْ شَهِدَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ آلَةَ الْعِطْرِ لِلْعَطَّارِ وَآلَةَ الصَّبْغِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (فَظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الِاسْتِدْلَالَاتِ وَهَذِهِ الْأَجْوِبَةِ صِحَّةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَتَفْضِيلُهُ عَلَى غَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَظَهَرَ الْفَرْقُ أَيْضًا مِنْ خِلَالِ ذَلِكَ ظُهُورًا بَيِّنًا) قُلْت لَمْ يَظْهَرْ مَا قَالَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْأَلْفَاظُ تَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْأَدْنَيْنَ بِالْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ وَوَقَعَ التَّجَوُّزُ بِقَصْرِهَا عَلَى الْأَدْنَيْنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (الْفَرْقُ السِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ شَيْئًا لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ يُقَدَّمُ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَهُمَا فِيمَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ إلَى قَوْلِهِ هَذَا تَقْرِيرُ الْمَنْقُولَاتِ) قُلْت لَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَسْنَاءُ فَزَوَّجَ زَيْدٌ وَلَدَهُ عُمَرَ حَسْنَاءَ وَهِيَ أُخْتُ أُخْتِ عَمْرٍو فَمِنْ هُنَا قَالَ اللَّخْمِيُّ كُلُّ أُمٍّ حَرُمَتْ بِالنَّسَبِ حَرُمَتْ أُخْتُهَا وَكُلُّ أُخْتٍ حَرُمَتْ لَا تَحْرُمُ أُخْتُهَا إذَا لَمْ تَكُنْ خَالَةً وَكُلُّ عَمَّةٍ حَرُمَتْ قَدْ لَا تَحْرُمُ أُخْتُهَا لِأَنَّهَا قَدْ لَا تَكُونُ أُخْتَ أَبِيهِ وَلَا أُخْتَ جَدِّهِ. اهـ (وَالْعَمَّةُ) عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ امْرَأَةٍ شَارَكَتْ أَبَاك فِي مَا عَلَا مِنْ أَصْلِهِ (وَالْخَالَةُ) هِيَ كُلُّ امْرَأَةٍ شَارَكَتْ أُمَّك فِيمَا عَلَيْت مِنْ أَصْلَيْهَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى تَقْدِيرِ تَعَلُّقِ الْأُمُومَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْ تَفْصِيلِهِ تَحْرِيمُ عَمَّةِ الْأَبِ وَخَالَتِهِ لِأَنَّ عَمَّةَ الْأَبِ أُخْتُ الْجَدِّ وَالْجَدُّ أَبٌ وَأُخْتُهُ عَمَّةٌ وَخَالَةُ الْأَبِ أُخْتُ جَدَّتِهِ لِأُمِّهِ وَالْجَدَّةُ أُمٌّ وَأُخْتُهَا خَالَةٌ وَكَذَلِكَ عَمَّةُ الْأُمِّ أُخْتُ جَدِّهَا لِأَبِيهَا وَجَدُّهَا أَبٌ وَأُخْتُهُ عَمَّةٌ وَخَالَةُ الْأُمِّ أُخْتُ جَدَّتِهَا وَالْجَدَّةُ أُمٌّ وَأُخْتُهَا خَالَةٌ وَتَتَرَكَّبُ عَلَيْهِ عَمَّةُ الْعَمَّةِ لِأَنَّهَا عَمَّةُ الْأَبِ كَذَلِكَ وَخَالَةُ الْعَمَّةِ خَالَةُ الْأُمِّ كَذَلِكَ وَخَالَةُ الْخَالَةِ خَالَةُ الْأُمِّ كَذَلِكَ وَعَمَّةُ الْخَالَةِ عَمَّةُ الْأُمِّ كَذَلِكَ وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا كُلُّهُ قَوْله تَعَالَى {وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ} [النساء: 23] بِالْحَجْرِ فِي التَّحْرِيمِ وَلَمْ يَتَضَمَّنْهُ آيَةُ الْفَرَائِضِ بِالِاشْتِرَاكِ فِي الْمَوَارِثِ لِسَعَةِ الْحَجْرِ فِي التَّحْرِيمِ وَضِيقِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْأَمْوَالِ فَعِرْقُ التَّحْرِيمِ يَسْرِي حَيْثُ اطَّرَدَ وَسَبَبُ الْمِيرَاثِ يَقِفُ أَيْنَ وَرَدَ وَلَا تَحْرُمُ أُخْتُ الْعَمَّةِ وَلَا أُخْتُ الْخَالَةِ وَصُورَةُ ذَلِكَ كَمَا قَرَّرَنَا لَك فِي الْأُخْتِ وَبِنْتِ الْأَخِ وَبِنْتُ الْأُخْتِ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ امْرَأَةٍ لِأَخِيك أَوْ لِأُخْتِك عَلَيْهَا وِلَادَةٌ وَتَرْجِعُ إلَيْهَا بِنِسْبَةٍ وَأَمَّا الْأَصْنَافُ الصِّهْرِيَّةُ السَّبْعَةُ (فَالْأَوَّلُ وَالثَّانِي) أُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَهُمَا مُحَرَّمَانِ بِالْقُرْآنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ الْكَلَامِ عَلَيْهِمَا هُنَا وَإِنْ أَرَدْت بَسْطَهُ فَعَلَيْك بِبِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ وَأَحْكَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَالثَّالِثُ) أُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا (وَالرَّابِعُ) رَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ جَمْعُ رَبِيبَةٍ كَفَعِيلَةٍ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ مِنْ رَبَّهَا يَرُبُّهَا إذَا تَوَلَّى أَمْرَهَا وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ كَانَتْ فِي حِجْرِ الرَّجُلِ أَوْ فِي حِجْرِ حَاضِنَتِهَا غَيْرِ أُمِّهَا فَالَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ تَأْكِيدٌ لِلْوَصْفِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْحُكْمِ وَمَا رَوَاهُ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ حَتَّى تَكُونَ فِي حِجْرِهِ فَبَاطِلٌ وَكَمَالُ الْكَلَامِ عَلَيْهِمَا قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ قَبْلُ (وَالْخَامِسُ) حَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ جَمْعُ حَلِيلَةٍ كَفَعِيلَةٍ بِمَعْنَى مُحَلَّةٍ (وَالسَّادِسُ) أَزْوَاجُ آبَائِكُمْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] فَكَمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْآبَاءِ نِكَاحَ أَزْوَاجِ أَبْنَائِكُمْ كَذَلِكَ حَرَّمَ عَلَى الْأَبْنَاءِ نِكَاحَ أَزْوَاجِ آبَائِهِمْ فَكُلُّ فَرْجٍ حَلَّ لِلِابْنِ حَرُمَ عَلَى

[الفرق بين قاعدة الحصانة لا تعود بالعدالة وقاعدة الفسوق يعود بالجناية]

لِلصَّبَّاغِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ إذَا فَرَّعْنَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ يَحْلِفُ مَنْ قُضِيَ لَهُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ مَا عُرِفَ لِأَحَدِهِمَا لَا يَحْلِفُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَا كَانَ شَأْنُ الرِّجَالِ وَشَأْنُ النِّسَاءِ قُسِّمَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْيَدِ وَمَا وَلِيَ الرَّجُلُ شِرَاءَهُ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ وَشَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ أَخَذَهُ بَعْدَ يَمِينِهِ مَا اشْتَرَاهُ إلَّا لَهُ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْبَيْتِ نَفْسِهِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فِي غَالِبِ الْعَادَةِ وَلِأَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ نَحْوُ الْعِمَامَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ إلَّا أَنْ تَدَّعِيَ الْمَرْأَةُ إرْثَهُ فَيَحْلِفَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا أَنْ يَقُولَ هَذَا لِي لِأَنَّهُ مَتَاعُ الْبَيْتِ حَتَّى يَقُولَ هَذَا مِلْكِي قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ لَوْ تَنَازَعَا فِي رِدَاءٍ فَقَالَ هُوَ لَهَا إلَّا الْكَتَّانَ بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْته فَقَالَ أَصْبَغُ لَهُ بِقَدْرِ كِتَابِهِ وَلَهَا بِقَدْرِ عَمَلِهَا لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ صُدِّقَ هَذَا تَقْرِيرُ الْمَنْقُولَاتِ وَأَمَّا وَجْهُ الْجَوَابِ وَالْفَرْقِ فَنَقُولُ لَنَا قَوْله تَعَالَى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199] فَكُلُّ مَا شَهِدَ بِهِ الْعَادَةُ قُضِيَ بِهِ لِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ وَلِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْعَادَةِ فِي مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى الْعَطَّارِ وَالصَّبَّاغِ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ الْتَزَمَ التَّسْوِيَةَ أَيْضًا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَصَّارِ فِي عُيُونِ الْأَدِلَّةِ وَعَلَى هَذَا يَبْطُلُ الْقِيَاسُ وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ التَّسْوِيَةِ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِشْهَادَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ يَتَعَذَّرُ لِأَنَّهُمَا لَوْ اعْتَمَدَا ذَلِكَ وَإِنَّ مَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ أَشْهَدَ عَلَيْهِ أَدَّى ذَلِكَ إلَى الْمُنَافَرَةِ وَعَدَمِ الْوِدَادِ بَيْنَهُمَا وَرُبَّمَا أَفْضَى ذَلِكَ إلَى الطَّلَاقِ وَالْقَطِيعَةِ فَهُمَا مَعْذُورَانِ فِي عَدَمِ الْإِشْهَادِ وَمُلْجَآنِ إلَيْهِ وَإِذَا أُلْجِئَ لِعَدَمِ إشْهَادٍ فَلَمْ يُقْضَ بَيْنَهُمَا بِالْعَادَةِ لَا نَسُدُّ الْبَابَ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْعَطَّارِ وَالصَّبَّاغِ إذَا كَانَا فِي حَانُوتٍ وَاحِدٍ لَا ضَرُورَةً تَدْعُوهُمَا لِعَدَمِ الْإِشْهَادِ فَإِنَّهُمَا أَجْنَبِيَّانِ لَا يَتَأَلَّمَانِ مِنْ ضَبْطِ أَمْوَالِهِمَا بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَا فِي حَانُوتَيْنِ أَوْ تَدَاعَيَا شَيْئًا فِي يَدِ ثَالِثٍ فَنَقُولُ الْفَرْقُ أَنَّ الضَّرُورَةَ تَدْعُو لِلْمُلَابَسَةِ فِي حَقِّ الزَّوْجَيْنِ فَسَلَكَ بِهِمَا أَقْرَبَ الطُّرُقِ فِي إثْبَاتِ أَمْوَالِهِمَا وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو لِمُلَابَسَةِ الْعَطَّارِ وَالصَّبَّاغِ فَجَرَيَا عَلَى قَاعِدَةِ الدَّعْوَى وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَأَمَّا وَجْهُ الْجَوَابِ وَالْفَرْقِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ) قُلْت فِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَتَمَسُّكُ الشَّافِعِيِّ بِالْحَدِيثِ ظَاهِرٌ وَجَوَابُ الْمَالِكِيَّةِ بِتَفْسِيرِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا فَسَرُّوا لَا بَأْسَ بِهِ وَجَعَلَ الْمَالِكِيَّةُ الْيَدَ لَهُمَا أَعْنِي الزَّوْجَيْنِ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ الرَّجُلَ جَائِزٌ لِلْمَرْأَةِ فِيهِ دَرَكٌ لَا يَخْفَى وَبِالْجُمْلَةِ الْمَسْأَلَةُ مَحَلُّ نَظَرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَبِ أَبَدًا وَبِالْعَكْسِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهَا فِي الْفَرْقِ قَبْلُ (السَّابِعُ) قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] تَعَلَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بِهِ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ وَالْخَامِسَة فِي عِدَّةِ الرَّابِعَةِ وَقَالَ إنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ بِعُمُومِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ جَمْعًا فِي حِلٍّ فَهُوَ فِي حَبْسٍ بِحُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الْفَرْجِ وَهُوَ إذَا تَزَوَّجَ أُخْتَهَا فَقَدْ حَبَسَ الْمُتَزَوِّجَةَ بِحُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَهُوَ الْحِلُّ وَالْوَطْءُ وَقَدْ حَبَسَ أُخْتَهَا بِحُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَهُوَ اسْتِبْرَاءُ الرَّحِمِ لِحِفْظِ النَّسَبِ فَحَرُمَ ذَلِكَ بِالْعُمُومِ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ الطَّوِيلَةِ وَقَدْ مَهَّدْنَا الْخِلَافَ فِيهَا هُنَالِكَ وَاَلَّذِي نَجْتَزِي بِهِ الْآنَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَهَاهُ أَنْ يَجْمَعَ وَهَذَا لَيْسَ بِجَمْعٍ مِنْهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ اكْتَسَبَهُ وَالْعِدَّةُ إلْزَامِيَّةٌ فَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِحِلْمِهِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ فِي هَذَا الْجَمْعِ كَسْبٌ يَرْجِعُ النَّهْيُ بِالْخِطَابِ إلَيْهِ وَلَيْسَ قَوْله تَعَالَى هُنَا {إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] مِنْ مِثْلِ قَوْلِهِ {إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] فِي نِكَاحِ مَنْكُوحَاتِ الْآبَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قَطُّ بِشَرْعٍ وَإِنَّمَا كَانَتْ جَاهِلِيَّةً جَهْلَاءَ وَفَاحِشَةً شَائِعَةً وَنِكَاحُ الْأُخْتَيْنِ كَانَ شَرْعًا لِمَنْ قَبْلَنَا فَنَسَخَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِينَا بِقَوْلِهِ هُنَا {إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23] . اهـ كَلَامُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ بِتَصَرُّفٍ وَحَذْفٍ وَزِيَادَةٍ (فَائِدَةٌ) وَجْهُ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ الْآبَاءُ وَإِنْ عَلَوْا وَالْأَبْنَاءُ وَإِنْ سَفَلُوا مَعَ أَنَّهُ لَوْ عُكِسَ لَاسْتَقَامَ فَإِنَّ الْأَبْنَاءَ فُرُوعٌ وَشَأْنُ الْفَرْعِ أَنْ يَكُونَ أَعْلَى مِنْ صُلْبِهِ وَفَرْعُ الْفَرْعِ أَعْلَى مِنْ الْفَرْعِ فِي شَجَرَةِ النَّسَبِ وَالْأَصْلُ أَسْفَلُ وَأَصْلُ الْأَصْلِ أَسْفَلُ مِنْ الْأَصْلِ وَهُوَ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ مَبْدَأَ الْإِنْسَانِ مِنْ نُطْفَةٍ وَالنُّطْفَةُ تَنْزِلُ مِنْ الْأَبِ وَالنَّازِلُ مِنْ الشَّيْءِ يَكُونُ أَسْفَلَ مِنْهُ وَابْنُ الِابْنِ يَنْزِلُ مِنْ الِابْنِ فَلَفْظُ الْأَبْنَاءِ وَإِنْ سَفَلُوا وَلَفْظُ الْآبَاءِ وَإِنْ عَلَوْا مَجَازٌ اصْطَلَحُوا عَلَيْهِمَا إشَارَةً لِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ التَّخَيُّلِ وَلَا مُشَاحَّةَ فَلِي الِاصْطِلَاحِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَصَانَةِ لَا تَعُودُ بِالْعَدَالَةِ وَقَاعِدَةُ الْفُسُوقِ يَعُودُ بِالْجِنَايَةِ] (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَصَانَةِ لَا تَعُودُ بِالْعَدَالَةِ وَقَاعِدَةِ الْفُسُوقِ تَعُودُ بِالْجِنَايَةِ) وَذَلِكَ أَنَّ عَوْدَ الْفُسُوقِ بِعَوْدِ الْجِنَايَةِ إنَّمَا هُوَ لِأَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْفُسُوقِ هُوَ مُلَابَسَةُ الْكَبِيرَةِ أَوْ الْإِصْرَارُ عَلَى الصَّغِيرَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ وَلَا شَرْطٍ مَعْقُولِ الْمَعْنَى بِحَيْثُ إنَّ الْإِنْسَانَ إذَا جَنَى بِكَبِيرَةٍ أَوْ بِإِصْرَارٍ عَلَى صَغِيرَةٍ بَعْدَ أَنْ زَالَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِالْفُسُوقِ بِتَوْبَتِهِ وَإِنَابَتِهِ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَعُودَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِالْفُسُوقِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءِ صُورَةٍ مِنْ صُورَةٍ عَمَلًا بِطَرْدِ الْعِلَّةِ وَوُجُودِ الْمُوجِبِ وَأَمَّا الْمُحْصَنُ بِعَدَمِ مُبَاشَرَةِ الزِّنَى إذَا زَالَ إحْصَانُهُ بِمُبَاشَرَتِهِ الزِّنَى لَمْ تَعُدْ حَصَانَتُهُ بِعَدَالَتِهِ بَعْدَ مُبَاشَرَتِهِ الزِّنَى

بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَكُلُّ مَنْ ادَّعَى مِنْ الزَّوْجَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. وَجَوَابُهُ أَنَّ قَاعِدَةَ الْمُدَّعِي هُوَ كُلُّ مَنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ كُلُّ مَنْ كَانَ قَوْلُهُ عَلَى وَفْقِ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ فَالْمُدَّعِي بِالدَّيْنِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَالْمَطْلُوبُ الْمُنْكَرُ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَالْمُدَّعِي رَدَّ الْوَدِيعَةَ وَقَدْ قَبَضَهَا بِبَيِّنَةِ قَوْلِهِ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ وَالْعُرْفِ بِسَبَبِ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَنْ قَبَضَ بِبَيِّنَةٍ لَا يَرُدُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَدَعْوَى الرَّدِّ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ وَالْمُدَّعِي عَدَمَ قَبْضِهَا عَلَى وَفْقِ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ هَذَا ضَابِطُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ مُقْنِعَةً وَشَبَهَهَا كَانَ قَوْلُهَا عَلَى وَفْقِ الظَّاهِرِ. وَقَوْلُ الزَّوْجِ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ فَالزَّوْجُ مُدَّعٍ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَهِيَ مُدَّعَى عَلَيْهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِ الْحَدِيثِ لَا أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْنَا وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ لَوْ كَانَ الْمُتَدَاعِيَانِ امْرَأَتَيْنِ أَوْ رَجُلَيْنِ لَمْ يُقَدَّمْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَا رَجُلًا وَامْرَأَةً لَمْ يُقَدَّمْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِالصَّلَاحِيَةِ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي يَدِ ثَالِثٍ وَيُؤَكِّدُ أَنَّ حُكْمَ الْيَدِ لَا يَسْقُطُ بِالصَّلَاحِيَةِ أَنَّ مَنْ كَانَ بِيَدِهِ خَلْخَالٌ فَادَّعَتْهُ امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْخَلْخَالُ لَا يَصْلُحُ مِنْ لِبَاسِهِ لِأَجْلِ أَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ بِيَدِ الْمَرْأَةِ سَيْفٌ فَادَّعَاهُ رَجُلٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ لَهَا لِأَجْلِ أَنَّ يَدَهَا عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا إذَا كَانَا فِي الدَّارِ وَفِيهَا مَا يَصْلُحُ لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّ يَدَهُمَا عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْيَدِ بِصَلَاحِيَتِهِ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ (وَالْجَوَابُ) أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَبَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَبَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ وَبَيْنَ الْيَدِ الْحُكْمِيَّةِ وَالْمُشَاهَدَةِ فَلَوْ تَعَلَّقَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ بِخَلْخَالٍ وَأَيْدِيهِمَا جَمِيعًا عَلَيْهِ يَتَجَاذَبَانِهِ قَضَيْنَا بِهِ لِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا وَلَوْ تَجَاذَبَا سَيْفًا كَانَ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ بِيَدِ ثَالِثٍ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ يَدٌ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ الْمُسْتَنَدَ عِنْدَنَا الْيَدُ مَعَ الصَّلَاحِيَةِ فَإِنْ قَالُوا مَا ذَكَرْتُمُوهُ يَبْطُلُ بِأَنَّ مَا يَصْلُحُ لَهُمَا يَكُونُ لِلزَّوْجِ مَعَ أَنَّهُ لَا ظَاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ فَقَدْ نَقَضْتُمْ أَصْلَكُمْ وَرَجَّحْتُمْ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ فَإِنَّ الْيَدَ مُشْتَرَكَةٌ. وَالظَّاهِرُ مِنْ جِهَةِ الصَّلَاحِيَةِ مَنْفِيٌّ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قُلْنَا بَلْ يَدُ الزَّوْجِ أَقْوَى وَهُوَ الْمُرَجَّحُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي يَدِهِ وَتَحْتَ حَوْزِهِ وَالدَّارَ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَهَا وَأَنْ يُجِيرَهَا وَأَنْ يَخْدُمَهَا فَالدَّارُ هِيَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلِذَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قَذَفَهُ بَعْدَ إنْ صَارَ عَدْلًا لَمْ يُحَدَّ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبَا الْجَوَاهِرِ وَالنَّوَادِرِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَفِي الْجَوَاهِرِ أَيْضًا لَوْ لَاعَنَ الْمَرْأَةَ وَأَبَانَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِتِلْكَ الزَّنْيَةِ لَمْ يُحَدَّ وَلَمْ يُلَاعَنْ لِاسْتِيفَاءِ مُوجِبِ اللِّعَانِ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَالَ رَبِيعَةُ يُحَدُّ وَإِنْ قَذَفَهَا بِزَنْيَةٍ أُخْرَى فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُلَاعِنْ وَحُدَّتْ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ لِسُقُوطِ إحْصَانِهَا الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي حَدِّ الْقَذْفِ بِتِلْكَ الزَّنْيَةِ بِمُوجِبِ لِعَانِهِ وَإِنْ لَاعَنَتْ وَجَبَ الْحَدُّ أَيْ لِلزَّوْجِ الْقَاذِفِ فَأَوْلَى بِالْحَدِّ الْأَجْنَبِيُّ إذَا قَذَفَهَا بِهَا أَيْ مُطْلَقًا لِأَنَّ أَثَرَ لِعَانِ الزَّوْجِ لَا يَتَعَدَّى لِغَيْرِهِ وَوَقَعَ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ إذَا قَذَفَ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الزِّنَا وَحَسُنَتْ حَالُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُحَدَّ لِأَنَّ الْحَصَانَةَ لَا تَعُودُ بِالْعَدَالَةِ فَمَنْ ثَبَتَ فِسْقُهُ بِالزِّنَا ذَهَبَتْ حَصَانَتُهُ وَذَلِكَ إنَّمَا قَالُوهُ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَتَيْنِ (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا نَصَّبَ سَبَبًا لِحِكْمَةٍ فَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى تِلْكَ الْحِكْمَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُنَصِّبْهَا سَبَبًا لِذَلِكَ الْحُكْمِ بَلْ سَبَبٌ وَسَبَبُهُ وَقَدْ لَا يَصِحُّ سَبَبُ سَبَبِهِ سَبَبًا لَهُ لِعَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ وُجُوبَ الزَّوَاجِ حُكْمٌ سَبَبُهُ خَوْفُ الزِّنَى وَالزَّوَاجُ سَبَبُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ سَبَبُ وُجُوبِ الزَّوَاجِ الَّذِي هُوَ خَوْفُ الزِّنَى لَا يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّبَ السَّرِقَةَ سَبَبًا لِلْقَطْعِ لِحِكْمَةِ حِفْظِ الْمَالِ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ الْقَطْعُ عَلَى مَنْ أَخَذَ مَالًا بِغَيْرِ السَّرِقَةِ نَظَرًا لِتِلْكَ الْحِكْمَةِ بَلْ مُنِعَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ سَبَبِهِ الَّذِي هُوَ السَّرِقَةُ وَمِنْهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّبَ الزِّنَى سَبَبًا لِلرَّجْمِ لِحِكْمَةِ حِفْظِ الْأَنْسَابِ لِئَلَّا تَلْتَبِسَ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ الرَّجْمُ عَلَى مَنْ سَعَى فِي الْتِبَاسِ الْأَنْسَابِ بِغَيْرِ الزِّنَى بِأَنْ يَجْمَعَ الصِّبْيَانَ وَيُغَيِّبَهُمْ صِغَارًا أَوْ يَأْتِيَ بِهِمْ كِبَارًا فَلَا يَعْرِفُهُمْ آبَاؤُهُمْ نَظَرًا لِحِكْمَةِ حِفْظِ الْأَنْسَابِ بَلْ مَنَعُوا رَجْمَهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ سَبَبِهِ الَّذِي هُوَ الزِّنَى وَمِنْهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ الرَّضَاعَ سَبَبًا لِلتَّحْرِيمِ بِسَبَبِ أَنَّ جُزْءَ الْمُرْضِعَةِ وَهُوَ اللَّبَنُ صَارَ جُزْءَ الرَّضِيعِ بِاغْتِذَائِهِ بِهِ وَصَيْرُورَتِهِ مِنْ أَعْضَائِهِ فَأَشْبَهَ ذَلِكَ مَنِيَّهَا وَلَحْمَتَهَا فِي النَّسَبِ لِأَنَّهُمَا جُزْءُ الْجَنِينِ. وَلِذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الرَّضَاعُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَلَمْ يَتَرَتَّبْ ذَلِكَ التَّحْرِيمُ عَلَى سَبَبِ سَبَبِهِ الَّذِي هُوَ صَيْرُورَةُ نَحْوِ دَمِ الْمَرْأَةِ أَوْ قِطْعَةٍ مِنْ لَحْمِهَا جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ مَنْ شَرِبَ دَمَهَا أَوْ أَكَلَ قِطْعَةً مِنْ لَحْمِهَا إذْ لَمْ يَقُولُوا بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا أَوْ تَحْرُمُ هِيَ عَلَيْهِ بَلْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا تَقَعُ الْحُرْمَةُ بِاللَّبَنِ إذَا اُسْتُهْلِكَ وَعَدِمُ بِحَيْثُ لَا يُسَمِّي رَضَاعًا وَلَبَنًا وَتَنَاوَلَهُ الصَّبِيُّ إعْرَاضًا عَنْ التَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ اللَّبَنُ الْمَغْلُوبُ بِالْمَاءِ أَوْ الدَّوَاءِ وَالْمُخْتَلَطُ بِالطَّعَامِ وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا لَا يُحَرِّمُ لِأَنَّ الطَّعَامَ أَصْلٌ وَاللَّبَنَ تَابِعٌ نَعَمْ قَالَ مُطَرِّفٌ مِنْ أَصْحَابِنَا تَقَعُ الْحُرْمَةُ

قِبَلِهِ كَحَوْزِ امْرَأَتِهِ فَلِذَلِكَ قُضِيَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ كَالْمُتَدَاعَيَيْنِ لِأَحَدِهِمَا يَدٌ وَالْآخَرُ لَا يَدَ لَهُ قَالُوا مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ الظَّاهِرِ إنَّمَا يَشْهَدُ بِالِاسْتِعْمَالِ فَقَطْ فَإِنَّ السَّيْفَ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُهُ الرِّجَالُ وَالْحُلِيُّ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُهُ النِّسَاءُ وَنِزَاعُنَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمِلْكِ لَا فِي الِاسْتِعْمَالِ وَقَدْ تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ مَا يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ بِعَارِضٍ مِنْ إرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ أَصْدَقَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ وَقَدْ يَمْلِكُ الرِّجَالُ مَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ التَّمْلِيكِ قُلْنَا الظَّاهِرُ فِيمَا فِي يَدِ الْإِنْسَانِ مِمَّا يَصْلُحُ لَهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ وَغَيْرُهُ نَادِرٌ وَإِذَا دَارَ الْحُكْمُ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ فَحَمْلُهُ عَلَى الْغَالِبِ أَوْلَى أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ هُوَ سَاكِنٌ فِي دَارٍ وَيَدُهُ عَلَيْهَا يُقْضَى لَهُ بِالْمِلْكِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ وَظَاهِرِ الْيَدِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَكِنَّهُ قَالَ مَا يَصْلُحُ لَهُمَا فَهُوَ لِلرِّجَالِ إنْ كَانَ حَيًّا وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنْ أَصْحَابِهِ هُوَ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ كَقَوْلِنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ تَدَاعَيَاهُ وَهُوَ فِي أَيْدِيهِمَا مُشَاهَدَةً قُسِّمَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا إذَا كَانَا أَجْنَبِيَّيْنِ يَسْكُنَانِ مَعًا فَتَدَاعَيَا شَيْئًا مِمَّا كَانَ يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ فَهُوَ لَهُ وَمَا كَانَ يَصْلُحُ لِلْمَرْأَةِ فَهُوَ لَهَا وَمَا كَانَ يَصْلُحُ لَهُمَا قُسِّمَ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَطَّارُ وَالدَّبَّاغُ فِي الْمِسْكِ وَالْجِلْدِ فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا وَتَنَاقَضَ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ مُوَافِقًا لَنَا وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَطَرِيقَتُهُ وَاحِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا تَدَاعَيَا شَيْئًا فَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً فَهُوَ لَهُ كَمَا قُلْنَاهُ وَإِلَّا قُسِّمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا وَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيَّانِ إذَا سَكَنَا دَارًا وَاحِدَةً وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا مَاتَ الرَّجُلُ أَنَّ سُلْطَانَهُ زَالَ عَنْ الْمَرْأَةِ بِالْمَوْتِ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ أَرْجَحَ فِيمَا تَدَّعِيهِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْوَارِثَ شَأْنُهُ أَنْ يَنْتَقِلَ لَهُ مَا كَانَ لِمُوَرِّثِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ لَهُ بِدَلِيلِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ (تَفْرِيعٌ) قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ الَّذِي تُقَدَّمُ فِيهِ الْمَرْأَةُ وَيُقْضَى لَهَا بِهِ لِأَجْلِ الصَّلَاحِيَةِ الْحُلِيُّ وَثِيَابُ النِّسَاءِ وَجَمِيعُ الْجِهَازِ مِنْ الطَّسْتِ وَالْمَنَارَةِ وَالثِّيَابِ وَالْقَبْقَابِ وَالْبُسُطِ وَالْوَسَائِدِ وَالْمَرَافِقِ وَالْعُرُشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ الَّذِي يُقْضَى بِهِ لِلرَّجُلِ السِّلَاحُ وَالْمِنْطَقَةُ وَالْخَاتَمُ الْفِضَّةُ وَثِيَابُ الرَّجُلِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَصْلُحُ لَهُمَا كَالدَّارِ الَّتِي يَسْكُنَانِهَا وَالرَّقِيقِ وَأَمَّا أَصْنَافُ الْمَاشِيَةِ فَلِمَنْ حَازَهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ وَكَذَلِكَ مَا فِي الْمَرَابِطِ مِنْ خَيْلٍ أَوْ بِغَالٍ أَوْ حَمِيرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاللَّبَنِ الْمُسْتَهْلَكِ بِنَاءً أَنَّهُ عَلَى مُقَابِلِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى الْحِكْمَةِ (وَمِنْهَا) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ الْقَذْفَ سَبَبًا لِلْجَلْدِ لِحِكْمَةِ حِفْظِ الْأَعْرَاضِ وَصَوْنِ الْقُلُوبِ عَنْ الْإِذَايَاتِ لَكِنْ اشْتَرَطَ فِيهِ الْإِحْصَانَ وَمِنْ جُمْلَتِهِ عَدَمُ مُبَاشَرَةِ الزِّنَى فَمَنْ بَاشَرَ فَقَدْ انْتَفَى فِي حَقِّهِ عَدَمُ مُبَاشَرَةِ الزِّنَى فَإِنَّ النَّقِيضَيْنِ لَا يُصَدَّقَانِ وَالْعَدَالَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تُنَافِي كَوْنَهُ مُبَاشِرًا فَإِنْ لَاحَظْنَا الْحِكْمَةَ بِدُونِ السَّبَبِ حَسُنَ إعَادَةُ الْحُكْمِ بِحَدِّ قَاذِفِهِ وَإِنْ اقْتَصَرْنَا عَلَى خُصُوصِ السَّبَبِ وَلَمْ نُرَتِّبْ الْحُكْمَ عَلَى حِكْمَتِهِ بِدُونِهِ لَمْ نَقُلْ بِوُجُوبِ حَدِّ قَاذِفِهِ وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْحُدُودَ يَغْلِبُ عَلَيْهَا التَّعَبُّدُ مِنْ جِهَةِ مَقَادِيرِهَا وَإِنْ كَانَتْ مَعْقُولَةَ الْمَعْنَى مِنْ جِهَةِ أُصُولِهَا وَالتَّعَبُّدُ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ فَمِنْ هُنَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاسْتِوَاءِ فِي الْآفَةِ الِاسْتِوَاءُ فِي الْحَدِّ بَلْ يُعَزَّرُ إنْ آذَاهُ بِالْقَذْفِ عَلَى قَاعِدَةِ السَّبِّ وَالشَّتْمِ فَلَا تَضِيعُ الْمَصْلَحَةُ وَلَا تُسْتَبَاحُ الْأَعْرَاضُ بَلْ تَنْعَصِمُ بِالتَّعْزِيرِ وَقَدْ يَزِيدُ التَّعْزِيرُ عَلَى الْحَدِّ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَا يَسْتَنْكِرُ إسْقَاطَ الْحَدِّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. وَفِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ عَنْ الْمَازِرِيِّ فِي الْمُعَلِّمِ دَلِيلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مِنْ جَوَازِ زِيَادَةِ الْعُقُوبَاتِ عَلَى الْحَدِّ فِعْلُ سَيِّدُنَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي ضَرْبِ الَّذِي نَقَشَ خَاتَمَهُ مِائَةً وَنَقَلَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ أَنَّهَا ثَلَاثُمِائَةٍ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَذَكَرَ الْقَرَافِيُّ أَنَّ صَاحِبَ الْقَضِيَّةِ مَعْنُ بْنُ زِيَادٍ زَوَّرَ كِتَابًا عَلَى عُمَرَ وَنَقَشَ خَاتَمَهُ فَجَلَدَهُ مِائَةً فَشَفَعَ فِيهِ قَوْمٌ فَقَالَ أَذَكَّرْتُمُونِي الطَّعْنَ وَكُنْت نَاسِيًا فَجَلَدَهُ مِائَةً أُخْرَى ثُمَّ جَلَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِائَةً أُخْرَى وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ قَالَ الْمَازِرِيُّ فَكَانَ إجْمَاعًا وَضَرَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ضُبَيْعًا أَكْثَرَ مِنْ الْحَدِّ اهـ (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ مَا وَرَدَ مُطْلَقًا يُحْمَلُ عَلَى مَا وَرَدَ مُقَيَّدًا حَيْثُ كَانَ الْقَيْدُ وَاحِدًا وَإِلَّا حُمِلَ مَا وَرَدَ مُقَيَّدًا عَلَى الْمُطْلَقِ لِئَلَّا يَحْصُلَ التَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجِّحٍ فَنَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] الْآيَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَرَدَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَصْفِ الْغَفْلَةِ بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [النور: 23] فَإِنَّهُ قَيَّدَ بِوَصْفِ الْغَفْلَةِ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَالْمُبَاشِرُ لِلزِّنَا لَيْسَ بِغَافِلٍ عَنْهُ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهُ لَوْ حُدَّ لَحَصَلَ مَعْنَى اللَّعْنِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهُوَ مَنْفِيٌّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ جِهَةِ مَفْهُومِهَا الَّذِي هُوَ مَفْهُومُ الصِّفَةِ لِأَنَّ مَفْهُومَهَا أَنَّ مَنْ لَيْسَ بِغَافِلٍ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ وَلَا يُلْعَنُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ يُلْعَنُ بِالتَّعْزِيرِ وَالْعُقُوبَةِ الْمُؤْلِمَةِ عَلَى حَسَبِ حَالِ الْمَقْذُوفِ

[الفرق بين قاعدة ما يلحق فيه الولد بالوطء وبين قاعدة ما لا يلحق فيه]

فَلِمَنْ حَازَهُ قَالَ مَالِكٌ وَالْحُصْرُ كَالدَّارِ إلَّا أَنْ يَعْرِفَ لِلزَّوْجَةِ وَقَالَ مَالِكٌ مَا يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ أَخْذُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ إنَّمَا الْيَمِينُ عَلَى الرَّجُلِ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ لَا يُقْضَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ مَا يَصْلُحُ لَهُمَا قُسِّمَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ اخْتَلَفَا قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ بَعْدَ خُلْعٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ فِرَاقٍ أَوْ إيلَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَاتَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَ الْوَرَثَةُ وَالزَّوْجَانِ حُرَّانِ أَوْ عَبْدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا حُرٌّ وَالْآخَرُ عَبْدٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ ذِمِّيَّةً أَمْ لَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ كَانَتْ عَلَيْهِ يَدٌ مُشَاهَدَةٌ أَوْ حُكْمِيَّةٌ فَالْيَدُ الْمُشَاهَدَةُ أَنْ يَكُونَا قَابِضَيْنِ عَلَى الشَّيْءِ فَيَتَجَاذَبَانِهِ وَيَتَنَازَعَانِهِ وَالْحُكْمِيَّةُ أَنْ يَكُونَ فِي الدَّارِ الَّتِي يَسْكُنَانِهَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ الزَّوْجَانِ وَالْأَجْنَبِيَّانِ إذَا سَكَنَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي دَارٍ وَذَوَاتُ الْمَحَارِمِ الْكُلُّ سَوَاءٌ وَهَذَا أَصْلٌ لَا مُنَاقَضَةَ فِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ حَتَّى قَالَ أَئِمَّتُنَا لَوْ اخْتَلَفَ عَطَّارٌ وَدَبَّاغٌ فِي الْمِسْكِ وَالْجِلْدِ وَاخْتَلَفَ الْقَاضِي وَالْحَدَّادُ فِي الْقَلَنْسُوَةِ وَالْكِيرِ وَكَانَتْ لَهُمَا عَلَيْهِ يَدٌ حُكْمِيَّةٌ فِي دَارٍ يَسْكُنَانِهَا أَوْ مُشَاهَدَةً أَوْ تَنَازَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ رُمْحًا وَهُمَا يَتَجَاذَبَانِهِ فَالْقَوْلُ فِي هَذَا كُلِّهِ قَوْلُ مَنْ شَهِدَ لَهُ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ فَيُحْكَمُ لِلرَّجُلِ بِالرُّمْحِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَ دُمْلُجًا قُضِيَ بِهِ لِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا وَيُقْضَى لِلْعَطَّارِ بِالْمِسْكِ مَعَ يَمِينِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ الزَّوْجَانِ فِي الْبَيْتِ فَجَازَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِهِ وَقَبْضَتِهِ مَا يَصْلُحُ لِلْآخَرِ دُونَهُ قَالَ فَاَلَّذِي يَتَبَيَّنُ لِي فِيهِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ حَازَهُ دُونَ الْآخَرِ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ) اعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ الصَّرِيحِ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ لَبَنٌ صَرِيحٌ إذَا لَمْ يُخَالِطْهُ شَيْءٌ وَنَسَبٌ صَرِيحٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَائِبَةٌ مِنْ غَيْرِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ اللَّفْظُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْبُعْدِ فَهُوَ صَرِيحٌ وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ لِلْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ فِي الصَّرِيحِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَعِنْدَ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ لَفْظُ الطَّلَاقِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا ذِكْرُ اشْتِقَاقٍ وَحِكَايَةُ أَقْوَالٍ وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ وَنَحْوُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ» إلَخْ مُقَيَّدٌ وَكَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ» إلَخْ فَيُحْمَلَانِ عَلَى الْمُطْلَقِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِذِكْرِ اللَّهِ» إلَخْ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ حَمْلِ الْمُقَيَّدَيْنِ عَلَى الْمُطْلَقِ الْوَاحِدِ لَا الْعَكْسُ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّحَكُّمُ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَلْحَقُ فِيهِ الْوَلَدُ بِالْوَطْءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَلْحَقُ فِيهِ] (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَلْحَقُ فِيهِ الْوَلَدُ بِالْوَاطِئِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَلْحَقُ بِهِ) فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَقَلُّ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] فَإِذَا أَسْقَطْت حَوْلَيْنِ مِنْ ثَلَاثِينَ شَهْرًا بَقِيَتْ مِنْهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَهِيَ مُدَّةُ الْحَمْلِ وَهَذَا مِنْ بَدِيعِ الِاسْتِنْبَاطِ اهـ. فَمِنْ هُنَا أَطْلَقَ الْعُلَمَاءُ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ بِالْوَاطِئِ إلَّا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَكَلَامُهُمْ هَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْآيَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] قَالَ وَلَا اعْتِبَارَ عِنْدِي بِمَا حَكَاهُ الشِّهَابُ عَنْ الْأَطِبَّاءِ حَيْثُ قَالَ ذَكَرَ ابْنُ جُمَيْعٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَطِبَّاءِ فِي التَّحَدُّثِ عَلَى الْأَجِنَّةِ أَنَّ الْجَنِينَ يَتَحَرَّكُ لِمِثْلِ مَا يُخْلَقُ فِيهِ وَيُوضَعُ لَمِثْلَيْ مَا تَحَرَّكَ فِيهِ قَالُوا وَتَخَلُّقُهُ فِي الْعَادَةِ تَارَةً يَكُونُ لِشَهْرٍ وَتَارَةً يَكُونُ لِشَهْرٍ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ وَتَارَةً يَكُونُ لِشَهْرٍ وَنِصْفٍ فَإِذَا تَخَلَّقَ فِي شَهْرٍ بِمَعْنَى تَصَوَّرَتْ أَعْضَاؤُهُ تَحَرَّكَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَيَتَحَرَّكُ فِي شَهْرَيْنِ وَيُوضَعُ لِمِثْلَيْ مَا تَحَرَّكَ فِيهِ وَمِثْلَا الشَّهْرَيْنِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعَةٌ مَعَ شَهْرَيْنِ سِتَّةٌ فَيُوضَعُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ تَخَلَّقَ لِشَهْرٍ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ تَحَرَّكَ فِي مِثْلَيْ ذَلِكَ وَهُوَ شَهْرَانِ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ وَمِثْلَا ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَإِذَا أُضِيفَ ذَلِكَ لِمُدَّةِ التَّحَرُّكِ كَانَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ فَيُوضَعُ الْوَلَدُ لِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ تَخَلَّقَ لِشَهْرٍ وَنِصْفٍ تَحَرَّكَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَيُوضَعُ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ عَلَى التَّقْدِيرِ الْمُتَقَدِّمِ فَلِذَلِكَ لَا يَحْصُلُ الْوَضْعُ الطَّبِيعِيُّ إلَّا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ سَبْعَةٍ أَوْ تِسْعَةٍ قَالُوا وَلِهَذَا السَّبَبِ يَعِيشُ الْوَلَدُ الَّذِي يُوضَعُ لِسَبْعَةٍ وَلَا يَعِيشُ الَّذِي يُوضَعُ لِثَمَانِيَةٍ. وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ لِلْقُوَّةِ وَلِمُدَّةِ التِّسْعَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يُوضَعُ لِسَبْعَةٍ وُضِعَ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ سَلِيمًا عَلَى قَاعِدَةِ الْوِلَادَةِ وَاَلَّذِي يُوضَعُ لِثَمَانِيَةٍ يَكُونُ بِهِ آفَةٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ قَدْ عَجَّلَتْهُ

وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ الصَّرِيحُ الطَّلَاقُ وَمَا اشْتَهَرَ مَعَهُ كَالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَنَحْوِهِمَا، وَقِيلَ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ كَالطَّلَاقِ وَالسَّرَاحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وقَوْله تَعَالَى {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وَالْفِرَاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَبِمَاذَا يَلْزَمُ هَلْ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ لِمَالِكٍ وَيُرِيدُ بِالنِّيَّةِ التَّطْلِيقَ بِالْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ، وَقِيلَ بِاللَّفْظِ فَقَطْ قَالَ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا هَذَا فِي الْفُتْيَا. وَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ وَلَا يُصَدَّقُ اتِّفَاقًا وَالْكِنَايَةُ أَصْلُهَا مَا فِيهِ خَفَاءٌ وَمِنْهُ كَنَيْتَهُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ كَأَنَّك أَخْفَيْت الِاسْمَ بِالْكُنْيَةِ تَعْظِيمًا لَهُ وَمِنْهُ الْكِنُّ لِإِخْفَائِهِ الْأَجْسَامَ وَمَا يُوضَعُ فِيهِ فَالْكِنَايَةُ هِيَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ لُغَةً وَفِي الصِّحَاحِ يُقَالُ كَنَيْت وَكَنَوْتُ وَكُنْيَةٌ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَضَابِطُ مَشْهُورِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ اللَّفْظَ إنْ دَلَّ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ فَهُوَ صَرِيحٌ. وَهَذَا هُوَ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ يُقَالُ لَفْظٌ مُطْلَقٌ وَوَجْهٌ طَلْقٌ وَحَلَالٌ طَلْقٌ وَانْطَلَقَتْ بَطْنُهُ وَأُطْلِقَ فُلَانٌ مِنْ السِّجْنِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ كَيْفَمَا تَصَرَّفَتْ هَذِهِ الصِّيغَةُ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ مُطَلَّقَةٌ، وَقَدْ طَلَّقْتُك أَوْ الطَّلَاقُ لَازِمٌ أَوْ قَدْ أَوْقَعْت عَلَيْك الطَّلَاقَ وَأَنَا طَالِقٌ مِنْك وَالْكِنَايَةُ مَا لَيْسَ مَوْضُوعًا لَهُ لُغَةً لَكِنْ يَحْسُنُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ مَجَازًا لِوُجُودِ الْعَلَاقَةِ الْقَرِيبَةِ بَيْنَهُمَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الْكِنَايَاتِ نَحْوَ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَتَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَالْكِنَايَةُ أَصْلُهَا مَا فِيهِ خَفَاءٌ وَمِنْهُ الْكِنُّ لِإِخْفَائِهِ الْأَجْسَامَ وَمَا يُوضَعُ فِيهِ) ، قُلْت هَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ النُّحَاةِ بِالِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ مُحَقِّقِيهِمْ وَمَا أَرَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَصِحُّ عِنْدَ مَنْ صَحَّحَهُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ ثَالِثَ حُرُوفِهَا يَاءٌ أَوْ وَاوٌ وَالْكِنُّ ثَالِثُ حُرُوفِهِ نُونٌ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ إبْدَالَ النُّونِ وَفِي ذَلِكَ بُعْدٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (فَالْكِنَايَةُ هِيَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ لُغَةً إلَى قَوْلِهِ مِنْ السِّجْنِ) ، قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ فِي اللُّغَةِ لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ، بَلْ لِإِزَالَةِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ خَاصَّةً وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ يُقَالُ لَفْظٌ مُطْلَقٌ وَوَجْهٌ طَلْقٌ إشَارَةٌ إلَى الِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ. قَالَ (قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ كَيْفَمَا تَصَرَّفَتْ هَذِهِ الصِّيغَةُ إلَى قَوْلِهِ وَأَنَا طَالِقٌ مِنْك) ، قُلْت مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ صَحِيحٌ وَهُوَ الصَّرِيحُ وَمَا قَالَ شِهَابُ الدِّينِ بَعْدُ صَحِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQتِلْكَ الْآفَةُ عَنْ التِّسْعَةِ أَوْ أَخَّرَتْهُ عَنْ السَّبْعَةِ وَاَلَّذِي بِهِ آفَةٌ لَا يَعِيشُ فَالْمَوْلُودُ لِثَمَانِيَةٍ لَا يَعِيشُ هَذَا هُوَ الْمَنْهَجُ الْعَامُّ وَالْعَادَةُ الْغَالِبَةُ قَالُوا وَقَدْ يَحْصُلُ عَارِضٌ إمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَنِيِّ فِي مِزَاجِهِ وَبَرْدِهِ وَيَبَسِهِ وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ الرَّحِمِ فِي بَرْدِهِ أَوْ هَيْئَةٍ فِيهِ تَمْنَعُ مِنْ جَرَيَانِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَيَقْعُدُ الْوَلَدُ إلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَقَالَ الْفُقَهَاءُ وَالْمُؤَرِّخُونَ هَذِهِ الْأَسْبَابُ الْعَارِضَةُ قَدْ تُؤَخِّرُ الْوَلَدَ إلَى سَنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ أَوْ إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ وَهُوَ مَشْهُورُ قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ أَوْ إلَى خَمْسِ سِنِينَ وَهُوَ مَشْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ وَوَقَعَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إلَى سَبْعَةٍ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وَلَدَتْ امْرَأَةٌ بِوَاسِطَ لِسَبْعِ سِنِينَ وَلَدًا لَهُ وَفْرَةٌ مِنْ الشَّعْرِ فَجَاءَ عِنْدَ الْوِلَادَةِ بِجَنْبِهِ طَائِرٌ فَقَالَ لَهُ كِشْ، وَقَالَ مَالِكٌ إنَّ امْرَأَةَ الْعَجْلَانِيِّ دَائِمًا لَا تَضَعُ إلَّا لِخَمْسِ سِنِينَ وَهَذَا مِنْ الْعَوَارِضِ النَّادِرَةِ الْغَرِيبَةِ فِي هَذِهِ الْمَحَالِّ وَالْغَالِبُ هُوَ الْأَوَّلُ. اهـ كَلَامُ الشِّهَابِ وَوَجْهُ عَدَمِ اعْتِبَارِ مَا حَكَاهُ عَنْ الْأَطِبَّاءِ هُوَ أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا عَلَى مُقْتَضَى الْحِسِّ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْآيَةِ وَمُقْتَضَى الشَّرْعِ مُقَدَّمٌ وَلَا تَضُرُّ مُخَالَفَتُهُ لِمُقْتَضَى الْحِسِّ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ إبْطَالُ مَا ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاءُ مِنْ ذَلِكَ لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا نُطْفَةً ثُمَّ أَرْبَعِينَ عَلَقَةً ثُمَّ أَرْبَعِينَ مُضْغَةً ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ» فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْحَرَكَةَ فِي جَمِيعِ الْأَجِنَّةِ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَالْوَضْعَ لِاثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَهُوَ يَقْتَضِي تَكْذِيبَهُمْ فِيمَا قَالُوهُ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَأْوِيلِهِ بِأَنْ يُقَالَ إنَّهُ إشَارَةٌ إلَى الْأَطْوَارِ الثَّلَاثَةِ تَقْرِيبًا فَإِنَّ الْأَرْبَعِينَ تَقْرُبُ مِنْ الثَّلَاثِينَ وَالْخَمْسَةِ وَالثَّلَاثِينَ وَالْخَمْسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ وَهِيَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَطْوَارِ مُتَوَسِّطَةٌ تَكَادُ تَشْتَمِلُ عَلَى الْجَمِيعِ بِتَوَسُّطِهَا وَدَعْوَى أَنَّ كَوْنَ الْحَرَكَةِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَالْوَضْعِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَإِنْ كَانَ صُورَةً وَاقِعَةً صَحِيحَةً غَيْرَ أَنَّهَا نَادِرَةٌ. وَحَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى النَّادِرِ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ نَظَرًا لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ لِصُوَرِ التَّخْلِيقِ وَالتَّحَرُّكِ وَالْوَضْعِ الْمُتَقَدِّمِ تَقْدِيرُهُ مُشَرِّحُونَ كَانُوا يُشَرِّحُونَ الْحَبَالَى وَيَشُقُّونَ أَجْوَافَهُمْ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَيَطَّلِعُونَ عَلَى ذَلِكَ حِسًّا وَعِيَانًا وَالْحِسُّ يُؤَوَّلُ لِأَجْلِهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ صِيغَةٌ مُطْلَقَةٌ لَا عُمُومَ فِيهَا فَيَتَأَدَّى بِصُورَةٍ وَقَدْ وَقَعَتْ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ وَحَصَلَ الْوَضْعُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فَحَصَلَ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ وَصَدَقَ الْخَبَرُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْعُدُولِ بِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ دَعْوَى غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ فَإِنَّ

أَوْ بَتْلَةٌ أَوْ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك أَوْ أَنْتِ حَرَامٌ أَوْ كَالْمَيِّتَةِ أَوْ الدَّمِ أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ الْفِرَاقُ أَوْ السَّرَاحُ أَوْ اعْتَدِّي وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ فَالْخَلِيَّةُ الْفَارِغَةُ وَالْفَرَاغُ حَقِيقَةٌ فِي خُلُوِّ جِسْمٍ مِنْ جِسْمِ فَشَبَّهَ بِهِ خُلُوَّ الْمَرْأَةِ مِنْ عِصْمَةِ النِّكَاحِ وَالْبَرِيَّةُ مِنْ الْبَرَاءَةِ وَهُوَ مُطْلَقُ السَّلْبِ كَيْفَ كَانَ الْمَسْلُوبُ وَالْبَائِنُ مِنْ الْبَيْنِ وَهُوَ الْبُعْدُ بَيْنَ الْأَجْسَامِ وَيُقَالُ فِي الْمَعَانِي بَوْنٌ لَا بَيْنٌ شَبَّهَ الْبُعْدَ مِنْ الْعِصْمَةِ بِالْبُعْدِ بَيْنَ الْجِسْمَيْنِ وَالْبَتُّ الْقَطْعُ فِي جِسْمٍ شَبَّهَ بِهِ قَطْعَ الْعِصْمَةِ، وَكَذَلِكَ الْبَتْلَةُ وَمِنْهُ فَاطِمَةُ الْبَتُولُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِانْقِطَاعِهَا فِي الشَّرَفِ عَنْ النِّسَاءِ، وَقِيلَ لِانْقِطَاعِهَا عَنْ الْأَزْوَاجِ إلَّا عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمِنْهُ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك؛ لِأَنَّ عَادَةَ الدَّابَّةِ فِي الرَّعْيِ إذَا أَمْسَكَ صَاحِبُهَا حَبْلَهَا لَا تَتَهَنَّى فِي الرَّعْيِ لِتَوَهُّمِهَا أَنَّهُ يَجُرُّهَا بِهِ. وَإِذَا أَرَادَ تَهْنِئَتَهَا بِالرَّعْيِ أَلْقَى حَبْلَهَا عَلَى كَتِفِهَا وَهُوَ غَارِبُهَا فَتَطْمَئِنُّ حِينَئِذٍ فَشَبَّهَ بِهِ طَلَاقَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى مُخْلَاةً لِنَفْسِهَا، وَكَذَلِكَ الْبَوَاقِي وَمَا لَيْسَ فِي عَلَاقَةٍ قَرِيبَةٍ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ مَجَازًا وَيُسَمَّى مَجَازَ التَّعْقِيدِ إذَا اعْتَمَدَ فِيهِ عَلَى الْعَلَاقَةِ الْبَعِيدَةِ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى مَنْعِهِ كَقَوْلِهِ تَزَوَّجْت بِنْتَ الْأَمِيرِ وَيُفَسِّرُ ذَلِكَ بِرُؤْيَتِهِ لِوَالِدِ عَاقِدِ الْأَنْكِحَةِ بِالْمَدِينَةِ مُعْتَمِدًا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ مِنْ لَوَازِمِهِ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ مُبِيحُهُ؛ وَالْعَقْدُ مِنْ لَوَازِمِهِ الْعَاقِدُ لِأَنَّهُ فَاعِلُهُ؛ وَالْعَاقِدُ مِنْ لَوَازِمِهِ أَبُوهُ لِأَنَّهُ وَلَدُهُ فَهَذَا الْقِسْمُ وَمَا لَيْسَ فِيهِ عَلَاقَةُ الْبَتَّةِ لَا قَرِيبَةً وَلَا بَعِيدَةً هُوَ مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ هَذَا نَحْوُ قَوْلِهِ اسْقِنِي الْمَاءَ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ فَالْمَشْهُورُ لُزُومُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي تَعْلِيلِهِ فَقِيلَ هُوَ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ اللَّفْظِ، وَقِيلَ، بَلْ بِاللَّفْظِ كَأَنَّ الْمُسْتَعْمِلَ وَضَعَهُ الْآنَ لِلطَّلَاقِ وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ إنْشَاءَ الْوَضْعِ لَا نَجِدُهُ يَخْطِرُ بِبَالِ النَّاسِ فِي الْعَادَةِ عِنْدَ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ، وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِالنِّيَّةِ لَا يَلْزَمُ وَاللَّفْظَ لَا يَصْلُحُ وَتَحْتَاجُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ إلَى قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ اللُّغَاتِ هَلْ هِيَ تَوْقِيفِيَّةٌ أَوْ اصْطِلَاحِيَّةٌ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّوْقِيفِ وَأَنَّ اللُّغَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَتَحْتَاجُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ إلَى قَاعِدَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ اللُّغَاتِ هَلْ هِيَ تَوْقِيفِيَّةٌ أَوْ اصْطِلَاحِيَّةٌ إلَى قَوْلِهِ قَالَا وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ اللُّغَاتِ اصْطِلَاحِيَّةٌ جَازَ جَمِيعُ ذَلِكَ) ، قُلْت لَا أَدْرِي مَا دَلِيلُهُمَا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ وَضْعِ لَفْظِ اسْقِنِي الْمَاءَ لِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ لِاسْتِدْعَاءِ سَقْيِ الْمَاءِ بِوَضْعِ اللَّهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُشَرِّحِينَ الْمَذْكُورِينَ قَوْمٌ كُفَّارٌ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِهِمْ فِي الشَّرَائِعِ وَالْأَحْكَامِ فَلَا يَنْبَنِي عَلَى قَوْلِهِمْ لُحُوقُ الْوَلَدِ وَعَدَمُ لُحُوقِهِ حَتَّى يُقَالَ إنْ كَانَ الْوَلَدُ قَدْ وُلِدَ تَامًّا فَلَا يَتِمُّ بَعْدَ الْوَطْءِ إلَّا فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْهَا أَمَّا أَقَلُّ فَلَا وَإِذَا لَمْ تَلِدْهُ تَامًّا نُظِرَتْ نِسْبَةُ تِلْكَ الْمُدَّةِ لِذَلِكَ التَّخَلُّقِ فَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ تَصْلُحُ لَهُ أَلْحَقَتْهُ بِالْوَاطِئِ. وَإِنْ كَانَتْ لَا تَصْلُحُ لَهُ لَمْ يَلْحَقْ فَقَدْ يَلْحَقُ بِهِ لِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مَثَلًا إذَا كَانَتْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ تَصْلُحُ لِذَلِكَ التَّخَلُّقِ وَقَبُولُ قَوْلِ الْكَافِرِ فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي فِي الْفَرْقِ الْأَوَّلِ مِنْ الْأُمُورِ الْغَائِبَةِ مِنْ الطِّبِّيَّاتِ وَالْجِرَاحَاتِ وَكُلِّ مَا هُوَ عِلْمُهُمْ وَدِرَايَتُهُمْ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ لَا الشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِي مَوَاطِنِ إلْجَاءِ الضَّرُورَةِ إلَى قَبُولِ قَوْلِهِمْ وَلَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ أَمْرِ لُحُوقِ الْوَلَدِ مِنْ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ لِأَنَّ الْآيَةَ يَقْتَضِي ظَاهِرُهَا تَعْيِينَ الْمُدَّةِ الَّتِي يَلْحَقُ فِيهَا الْوَلَدُ وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ تَكْذِيبَهُمْ فِيمَا قَالُوهُ كَمَا عَلِمْت. اهـ كَلَامَ ابْنِ الشَّاطِّ بِتَوْضِيحٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّاطِّ اعْتَبَرَ ظَاهِرَ الْآيَةِ وَظَاهِرَ الْحَدِيثِ وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ الْوَاطِئَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا وَلَمْ يُعْتَبَرْ مَا ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاءُ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مُقْتَضَى الْحِسِّ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لَا يُقَدَّمُ عَلَى مُقْتَضَى ظَاهِرِ الشَّرْعِ إذْ لَا تَضُرُّ مُخَالَفَةُ الشَّرْعِ لِمُقْتَضَى الْحِسِّ (الثَّانِي) أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ أَمْرِ لُحُوقِ الْوَلَدِ لَيْسَ مِنْ مَوَاطِنِ إلْجَاءِ الضَّرُورَةِ إلَى قَبُولِ أَقْوَالِ الْكُفَّارِ حَتَّى يُقْبَلَ فِيهِ قَوْلُ الْمُشَرِّحِينَ مِنْ الْأَطِبَّاءِ الْكُفَّارِ وَالْعَلَّامَةُ الشِّهَابُ اعْتَبَرَ مَا ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاءُ نَظَرًا لِكَوْنِهِمْ وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا قَدْ شَرَّحُوا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ مِنْ الْحَبَالَى وَشَقُّوا أَجْوَافَهُمْ وَاطَّلَعُوا عَلَى ذَلِكَ حِسًّا وَعِيَانًا وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْكُفَّارِ وَلَا شَهَادَتُهُمْ إنَّمَا هُوَ فِي الشَّهَادَةِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ قَضَايَا الْحُكَّامِ أَمَّا مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطِّبِّيَّاتِ وَالْجِرَاحَاتِ وَالْأُمُورِ الَّتِي هِيَ عِلْمُهُمْ وَدِرَايَتُهُمْ فَقَدْ لِمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ قَوْلٌ عَلَى قَوْلِ الْكَافِرِ فِي ذَلِكَ وَيُثَرِّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ كَمَا مَرَّ فِي الْفَرْقِ الْأَوَّلِ وَبَنَى عَلَيْهِ أَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ الْوَاطِئَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حَيْثُ لَمْ تَلِدْهُ تَامًّا فِي مُدَّةٍ تَصْلُحُ لِلتَّخَلُّقِ الَّذِي وُلِدَ عَلَيْهِ وَأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ مَحْمُولٌ عَلَى صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ الْغَالِبَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْأَطِبَّاءُ وَأَمَّا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ فَإِمَّا مَحْمُولٌ عَلَى صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ غَيْرِ الْغَالِبَةِ وَإِنْ كَانَتْ نَادِرَةً لِيَحْصُلَ مُقْتَضَاهُ وَتَصْدُقُ صِيغَةُ إطْلَاقِهِ بِصُورَةٍ مَا بِلَا احْتِيَاجٍ إلَى الْعُدُولِ بِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إشَارَةً إلَى التَّوَسُّطِ بَيْنَ الْأَطْوَارِ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى الْغَائِبِ لَا عَلَى النَّادِرِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَنُظِرَ فِي ذَلِكَ إلَى أَنَّ الْحِسَّ

[الفرق بين قاعدة قيافته عليه السلام وبين قاعدة قيافة المدلجيين]

وَضَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَضَعَ لَفْظًا لِمَعْنًى أَلْبَتَّةَ، بَلْ ذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضَعَ لَفْظَ السَّقْيِ أَوْ الْأَكْلِ أَوْ غَيْرَهُمَا لِلطَّلَاقِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصْدُقَ أَلْفًا وَيُعَبِّرَ عَنْهُ بِأَلْفَيْنِ لِلتَّجَمُّلِ بَيْنَ النَّاسِ كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ فِي كِتَابِهِ الْبَسِيطِ قَالَ. وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ اللُّغَاتِ اصْطِلَاحِيَّةٌ جَازَ جَمِيعُ ذَلِكَ وَلَمَّا كَانَ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ عَدَمَ الْجَزْمِ بِالتَّوْقِيفِ وَالِاصْطِلَاحِ جَوَّزَ مَالِكٌ أَنْ يُعَبَّرَ بِلَفْظِ التَّسْبِيحِ أَوْ أَيِّ لَفْظٍ كَانَ عَنْ الطَّلَاقِ إمَّا وَضْعًا لِلطَّلَاقِ وَإِمَّا تَعْبِيرًا مِنْ غَيْرِ وَضْعٍ وَلَا يَكُونُ هَذَا التَّعْبِيرُ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، وَقَدْ نَصَّ الْأُصُولِيُّونَ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ فِي اسْتِعْمَالِهِ قَدْ يُعَرَّى عَنْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَمَثَّلُوهُ بِالتَّعْبِيرِ عَنْ الْأَرْضِ بِالسَّمَاءِ وَبِالسَّمَاءِ عَنْ الْأَرْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا أَطْلَقَ الْمُسْتَعْمِلُ لَفْظَ الْأَكْلِ وَأَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ وَغَايَتُهُ أَنْ يُقَالَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ كَلَامًا عَرَبِيًّا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَلَمَّا كَانَ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ عَدَمَ الْجَزْمِ بِالتَّوْقِيفِ وَالِاصْطِلَاحِ جَوَّزَ مَالِكٌ أَنْ يُعَبَّرَ بِلَفْظِ التَّسْبِيحِ أَوْ أَيِّ لَفْظٍ كَانَ عَنْ الطَّلَاقِ إمَّا وَضْعًا لِلطَّلَاقِ وَإِمَّا تَعْبِيرًا مِنْ غَيْرِ وَضْعٍ) ، قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ كَوْنِ مَالِكٍ إنَّمَا جَوَّزَ التَّعْبِيرَ بِلَفْظِ التَّسْبِيحِ عَنْ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُحَقِّقِينَ مَذْهَبُهُمْ عَدَمُ الْجَزْمِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَيْسَ بِالْبَيِّنِ، بَلْ اللَّائِقُ بِتَحَرِّي مَالِكٍ وَاحْتِيَاطِهِ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ بِنَائِهِ عَلَى عَدَمِ الْجَزْمِ أَنْ لَا يُجَوِّزَ التَّعْبِيرَ بِذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُتَوَقَّفَ، وَأَمَّا أَنْ يُجَوِّزَ بِنَاءَهُ عَلَى عَدَمِ الْجَزْمِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا أَرَاهُ صَحِيحًا. وَالصَّحِيحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَالِكًا وَإِنْ لَمْ يَجْزِمْ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَلَمْ يَقُمْ عِنْدَهُ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ أَوْ جَزَمَ بِأَنَّهَا اصْطِلَاحِيَّةٌ أَوْ جَزَمَ بِأَنَّهَا تَوْقِيفِيَّةٌ لَكِنَّهُ لَمْ يَقُمْ عِنْدَهُ دَلِيلُ الْمَنْعِ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وَضَعَهُ اللَّهُ إذْ لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِهَا تَوْقِيفِيَّةً أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَ مِنْ وَضْعِنَا إيَّاهَا لِمَعْنًى غَيْرِ مَا لَهُ وَضْعُهَا وَلَا مِنْ اسْتِعْمَالِهَا فِي ذَلِكَ، بَلْ مَعْنَى كَوْنِهَا تَوْقِيفِيَّةً أَنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْأَلْفَاظَ كُلَّهَا لِمَعَانِيهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ مَنَعَنَا مِنْ وَضْعِ كُلِّ لَفْظٍ مِنْهَا لِغَيْرِ مَا وَضَعَهُ لَهُ أَوْ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ أَوْ النَّقْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَلَا يَكُونُ هَذَا التَّعْبِيرُ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِلطَّلَاقِ) ، قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ بَعْدَهُ صَحِيحٌ أَيْضًا ـــــــــــــــــــــــــــــQيُؤَوَّلُ لِأَجْلِهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ قِيَافَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَام وَبَيْنَ قَاعِدَةِ قِيَافَةِ الْمُدْلِجِيِّينَ] (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ قِيَافَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَبَيْنَ قَاعِدَةِ قِيَافَةِ الْمُدْلِجِينَ) وَذَلِكَ أَنَّهُ جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَدِيثِ اللِّعَانِ الْمَشْهُورُ «لَمَّا لَاعَنَ بَيْنَ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ وَامْرَأَتِهِ وَكَانَتْ حَامِلًا إنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ قَصِيرًا كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَلَا أَرَاهَا إلَّا قَدْ صَدَقَتْ وَكَذَبَ عَلَيْهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ أَعْيَنَ ذَا أَلْيَتَيْنِ فَلَا أَرَاهُ إلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى الْمَكْرُوهِ مِنْ ذَلِكَ» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِي الْبُخَارِيِّ «كَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا قَلِيلَ اللَّحْمِ سَبْطَ الشَّعْرِ وَكَانَ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ خَدْلًا آدَمَ كَثِيرَ اللَّحْمِ جَعْدًا قَطَطًا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ بَيِّنْ فَجَاءَتْ بِهِ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَهَا» وَالْوَحَرَةُ: بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ دُوَيْبَّةٌ حَمْرَاءُ تَلْصَقُ بِالْأَرْضِ. وَالْأَعْيَنُ: الْوَاسِعُ الْعَيْنَيْنِ: وَالْآدَمُ: الشَّدِيدُ الْأُدْمَةِ وَهِيَ سُمْرَةٌ بِحُمْرَةٍ. وَالْخَدْلُ: الْكَثِيرُ اللَّحْمِ فِي السَّاقَيْنِ يُقَالُ رَجُلٌ خَدْلٌ وَامْرَأَةٌ خَدْلَاءُ. وَالْقَطَطُ الشَّدِيدُ: الْجُعُودَةِ كَشُعُورِ السُّودَانِ فَهَذَا الْحَدِيثُ كَالْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ فِي الصَّحِيحِ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا قَالَتْ أَوَ تَجِدُ الْمَرْأَةُ مَا يَجِدُ الرَّجُلُ يَعْنِي مِنْ إنْزَالِ الْمَنِيِّ وَاللَّذَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْغُسْلِ فَقَالَ لَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَرِبَتْ يَدَاك وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ» يَقْتَضِي أَنَّ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ وَمَنِيَّ الرَّجُلِ يُحْدِثُ شَبَهًا فِي الْوَلَدِ بِالْأَبَوَيْنِ فَيَأْتِي فِي الْخِلْقَةِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْمَحَاسِنِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَنْسَابِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى عَلَى خِلْقَةٍ مَخْصُوصَةٍ أَنَّهَا تُوجِبُ أَنَّهُ مِنْ وَاطِئٍ مَخْصُوصٍ وَأَنَّهُ يُوجِبُ النَّسَبَ إنْ جَاءَتْ بِهِ يُشْبِهُ صَاحِبَ الْفِرَاشِ وَجَاءَ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ مَسْرُورًا فَقَالَ يَا عَائِشَةُ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَالَ إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» وَسَبَبُ سُرُورِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَالَ أَبُو دَاوُد وَهُوَ عِلْمُهُ بِذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَرْكِ الْجَاهِلِيَّةِ عِنْدَ ذَلِكَ الطَّعْنِ عَلَى زَيْدٍ بِسَبَبِ أَنَّهُ كَانَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ وَابْنُهُ أُسَامَةُ كَانَ شَدِيدَ السَّوَادِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُسَرُّ إلَّا بِسَبَبٍ حَقٍّ فَتَكُونُ الْقِيَافَةُ حَقًّا فَالْقَافَةُ كَمَا تَثْبُتُ بِحَدِيثِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ كَذَلِكَ تَثْبُتُ بِحَدِيثِ اللِّعَانِ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ بَلْ ثُبُوتُهَا بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَوْلَى ضَرُورَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

لَيْسَ عَرَبِيًّا أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقًا بِالنَّصْبِ أَوْ الْخَفْضِ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا عَرَبِيًّا وَمَعَ ذَلِكَ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا إذَا تَحَرَّرَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّ اللَّفْظَ قَدْ يَكُونُ صَرِيحًا، وَقَدْ يَكُونُ كِنَايَةً، وَقَدْ يَعْرَى عَنْهُمَا إذَا فُقِدَتْ الْعَلَاقَةُ فِيهِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِلطَّلَاقِ، ثُمَّ الْكِنَايَةُ تَنْقَسِمُ إلَى مَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعُرْفِ فِي الطَّلَاقِ فَيُلْحِقُهُ بِالصَّرِيحِ فِي اسْتِغْنَائِهِ عَنْ النِّيَّةِ قَالَ فِي الْكِتَابِ كَالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَجُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَ إلَى قَوْلِهِ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ لِقِيَامِ الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ مَقَامَ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَالنِّيَّةُ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا لِتَمْيِيزِ الْمُرَادِ مِنْ اللَّفْظِ عَنْ غَيْرِ الْمُرَادِ فِي اللَّفْظِ الْمُتَرَدِّدِ أَمَّا مَا هُوَ صَرِيحٌ بِوَضْعٍ لُغَوِيٍّ أَوْ عُرْفِيٍّ فَيَنْصَرِفُ بِصَرَاحَتِهِ لِمَا وُضِعَ لَهُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى نِيَّةٍ وَمَا لَمْ يَغْلِبْ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ فَهُوَ مَجَازٌ عَلَى أَصْلِهِ وَالْمَجَازُ يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ النَّاقِلَةِ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَلَمْ يَنْسَخْهَا عُرْفٌ. وَاللَّفْظُ يَنْصَرِفُ إلَيْهَا بِصَرَاحَةٍ، ثُمَّ الْمَنْقُولُ مِنْ الْكِنَايَاتِ قَدْ يَنْتَقِلُ لِأَصْلِ الطَّلَاقِ فَقَطْ فَيَصِيرُ فِي الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ مِثْلَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي اللُّغَةِ فَيَلْزَمُ بِهَذِهِ الْكِنَايَةِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَقَدْ يَنْتَقِلُ لِأَصْلِ الطَّلَاقِ مَعَ الْبَيْنُونَةِ مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ فَيَلْزَمُ بِهِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُسَمَّاهُ الْعُرْفِيُّ، وَقَدْ يَنْتَقِلُ لِلطَّلَاقِ وَالْبَيْنُونَةِ مَعَ وَصْفِ الْعَدَدِ الثَّلَاثِ وَيَصِيرُ النُّطْقُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ عُرْفًا كَالنُّطْقِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لُغَةً، ثُمَّ إنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الثَّلَاثِ غَالِبًا وَفِي الثَّلَاثِ نَادِرًا فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقْصِدُ الِاحْتِيَاطَ فَيُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْمِلْهُ عَلَى الْغَالِبِ فَيَلْزَمُ بِهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَحَيْثُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الصِّيَغِ فَلِاخْتِلَافِهِمْ فِي الضَّوَابِطِ هَلْ وُجِدَتْ أَمْ لَا وَإِلَّا فَكُلُّ مَنْ سَلَّمَ ضَابِطًا سُلِّمَ حُكْمُهُ وَيَكُونُ الْمَذْهَبُ الْحَقُّ مَنْ صَادَفَ الضَّابِطَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَالضَّعِيفُ الْفِقْهِ مَنْ تَوَهَّمَ وُجُودَهُ أَوْ عَدَمَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَعَلَى الْفَقِيهِ اسْتِيفَاءُ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ وَمِنْ ذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْحَرَامِ فَمِنْ قَائِلٍ لَمْ يَحْصُلْ فِيهَا نَقْلٌ أَلْبَتَّةَ فَهِيَ كَذِبٌ فَلَا يَلْزَمُ بِهَا شَيْءٌ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ حَصَلَ فِيهَا النَّقْلُ وَلَكِنَّ الْأَصْلَ الطَّلَاقُ فَيَلْزَمُ بِهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ حَصَلَ فِيهَا النَّقْلُ لِلطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ تَتَخَرَّجُ جَمِيعُ الصِّيَغِ هَذَا تَلْخِيصُ مَا عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ (تَنْبِيهٌ) الطَّلَاقُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (تَنْبِيهٌ الطَّلَاقُ لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ كَمَا تَقَدَّمَ إلَى قَوْلِهِ؛ وَلِأَنَّا عِنْدَ سَمَاعِ طَالِقٍ لَا نَفْهَمُ انْتِفَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ قَدْ صَرَّحَ بِالْقِيَافَةِ وَصَدَرَتْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا وَفِعْلًا وَفِي حَدِيثِ الْمُدْلِجِيِّ إنَّمَا صَدَرَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِقْرَارُ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُدْلِجِيُّ وَأَيْنَ إقْرَارُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قَوْلِ رَجُلٍ مِنْ آحَادِ النَّاسِ مُعَرَّضٍ لِلصَّوَابِ وَالْخَطَأِ مِمَّا فَعَلَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مَعْصُومٌ مِنْ الْخَطَأِ وَمَعَ هَذَا فَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمَّا قَالَا بِالْقَافَةِ فِي لُحُوقِ الْأَنْسَابِ وَخَصَّصَهُ مَالِكٌ فِي مَشْهُورِ مَذْهَبِهِ بِالْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ مُخَالِفَيْنِ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْقَافَةِ أَصْلًا فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ لِأَنَّهُ حَزْرٌ وَتَخْمِينٌ وَالْحَزْرُ وَالتَّخْمِينُ كَالِاعْتِمَادِ عَلَى النُّجُومِ وَعَلَى عِلْمِ الرَّمْلِ وَالْفَأْلِ وَالزَّجْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ لَا يَجُوزُ وَالْكُبْرَى لَا شَكَّ فِي ظُهُورِهَا. وَدَلِيلُ الصُّغْرَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْخَلْقِ عَلَى الْأَنْسَابِ اسْتِدْلَالٌ بِمَا لَمْ يَطَّرِدْ وَلَمْ يَنْعَكِسْ إذْ مَعَ طُولِ الْأَيَّامِ قَدْ يُولَدُ لِلشَّخْصَيْنِ مَنْ لَا يُشْبِهُهُمَا فِي خَلْقٍ وَلَا فِي خُلُقٍ أَلَا تَرَى إلَى «قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلَّذِي أَنْكَرَ وَلَدَهُ مِنْ لَوْنِهِ لَعَلَّهُ عِرْقٌ نَزَعَ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَهُ هَلْ لَك مِنْ إبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا أَلْوَانُهَا قَالَ بِيضٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمِنْ أَيْنَ ذَلِكَ الْأَوْرَقُ قَالَ لَعَلَّهُ عِرْقٌ نَزَعَ قَالَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَعَلَّهُ عِرْقٌ نَزَعَ» يُشِيرُ إلَى أَنَّ صِفَاتِ الْأَجْدَادِ وَأَجْدَادِ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ قَدْ تَظْهَرُ فِي الْأَبْنَاءِ فَيَأْتِي الْوَلَدُ يُشْبِهُ غَيْرَ أَبَوَيْهِ وَقَدْ يَأْتِي الْوَلَدُ يُشْبِهُ أَبَوَيْهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْوَاطِئَ الزَّانِيَ بِأُمِّهِ كَانَ يُشْبِهُ أَبَاهُ وَجَدًّا مِنْ أَجْدَادِهِ أَوْ خَالًا مِنْ أَخْوَالِهِ يُشْبِهُ أَبَاهُ الَّذِي أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ بِهِ وَلَيْسَ هُوَ بِأَبٍ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِمَا لَمْ يَطَّرِدْ وَلَمْ يَنْعَكِسْ مِنْ بَابِ الْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ الْبَعِيدِ فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ لَمْ يَحْتَجَّا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي ثُبُوتِ الْقَافَةِ بِحَدِيثِ اللِّعَانِ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ بَلْ إنَّمَا احْتَجَّا بِحَدِيثِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ فَعَدَلَا عَنْ مُدْرَكٍ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ وَالشُّهْرَةِ إلَى مَا هُوَ أَضْعَفُ بِكَثِيرٍ بَلْ لَمْ يُعَرِّجْ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الْقِيَافَةِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْقَوِيِّ أَلْبَتَّةَ وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِمُوجِبٍ حَسَنٍ هُوَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ وُفُورِ الْعَقْلِ وَصَفَاءِ الذِّهْنِ وَجَوْدَةِ الْفِرَاسَةِ أَمْرًا عَظِيمًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ أُمَّتِهِ فِي ذَلِكَ فَرْقٌ لَا يُدَانَى وَلَا يُقَارَبُ وَكَذَلِكَ فِي حَوَاسِّهِ وَقُوَى جَسَدِهِ وَجَمِيعِ أَحْوَالِهِ فَكَانَ يَرَى مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ وَيَرَى فِي الثُّرَيَّا أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَنَحْنُ لَا نَرَى فِيهَا إلَّا سِتَّةً فَلَوْ اسْتَدَلَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ بِقِيَافَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ تَقُمْ الْحُجَّةُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ إذْ كَانَ لَهُ

لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمُطْلَقُ الْقَيْدِ أَعَمُّ مِنْ قَيْدِ النِّكَاحِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الدَّالَّ عَلَى إزَالَةِ الْأَعَمِّ دَالٌّ عَلَى إزَالَةِ الْأَخَصِّ بِالِالْتِزَامِ لَا بِاللَّفْظِ، فَلَيْسَ الطَّلَاقُ مَوْضُوعًا لِإِزَالَةِ خُصُوصِ قَيْدِ النِّكَاحِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ. بَلْ التَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الطَّلَاقَ مَوْضُوعٌ لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ يَعْنِي أَيَّ قَيْدٍ كَانَ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِإِزَالَةِ كُلِّ قَيْدٍ حَتَّى يَنْدَرِجَ فِيهِ قَيْدٌ النِّكَاحِ، وَإِذَا كَانَ مَوْضُوعًا لِأَيِّ قَيْدٍ كَانَ مِنْ غَيْرِ عُمُومٍ فَيُصَدَّقُ أَنَّهَا طَالِقٌ بِاعْتِبَارِ قَيْدِ الْحَدِيدِ وَإِنْ بَقِيَتْ فِي الْعِصْمَةِ لِأَنَّ طَالِقٌ اسْمُ فَاعِلٍ وَاسْمَ الْفَاعِلِ يَكْفِي فِيهِ فَرْدٌ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسَمَّى الَّذِي اُشْتُقَّ مِنْهُ فَلَا يَدُلُّ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى إزَالَةِ الْعِصْمَةِ مُطَابَقَةً وَلَا الْتِزَامًا، بَلْ لَا إشْعَارَ لَهُ بِهِ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ أَلْبَتَّةَ وَوِزَانُ الطَّلَاقِ الْخُرُوجُ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا انْتِقَالٌ مِنْ إحَاطَةٍ فَكَمَا أَنَّ الْخُرُوجَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا بِأَيِّ فَرْدٍ كَانَ فَيَصْدُقُ أَنَّهَا خَارِجَةٌ بِاعْتِبَارِ حَيِّزٍ مُعَيَّنٍ وَإِنْ بَقِيَتْ فِي غَيْرِهِ كَذَلِكَ يَصْدُقُ عَلَيْهَا أَنَّهَا طَالِقٌ بِاعْتِبَارِ قَيْدٍ مُعَيَّنٍ. وَإِنْ بَقِيَتْ فِي غَيْرِهِ نَعَمْ لَوْ كَانَ طَالِقٌ مُفِيدَ الْعُمُومِ لَحَصَلَ مَقْصُودُ الْأَصْحَابِ أَوْ يُفِيدُ إزَالَةَ الْقَيْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الْقُيُودِ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْهُ انْتِفَاءُ كُلِّ قَيْدٍ حَصَلَ أَيْضًا، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَمَا صَدَقَ عَلَى الْمُنْطَلِقَةِ مِنْ قَيْدِ الْحَدِيدِ أَوْ مِنْ طَلْقِ الْوَلَدِ أَنَّهَا طَالِقٌ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ لَمْ يَحْصُلْ وَإِزَالَةُ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ كُلِّ قَيْدٍ لَمْ يَحْصُلْ لَكِنَّا نَجِدُ أَهْلَ اللُّغَةِ وَأَهْلَ الْعُرْفِ يَسْتَعْمِلُونَهُ بِاعْتِبَارِ قَيْدٍ مَخْصُوصٍ وَإِنْ بَقِيَتْ جَمِيعُ الْقُيُودِ فَيُقَالُ لِمَنْ طَلِقَتْ مِنْ وَلَدٍ طَالِقٌ وَمِنْ قَيْدِ الْحَدِيدِ طَالِقٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَجَازِ؛ وَلِأَنَّ عِنْدَ سَمَاعِ طَالِقٌ لَا نَفْهَمُ انْتِفَاءَ كُلِّ قَيْدٍ أَلْبَتَّةَ، بَلْ قَيْدًا مَخْصُوصًا لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَلِهَذَا الْمُدْرَكِ لَمْ يَعْتَبِرْ ابْنُ الْقَصَّارِ خُصُوصَ لَفْظِ الطَّلَاقِ، بَلْ أَعْرَضَ ـــــــــــــــــــــــــــــSكُلِّ قَيْدٍ أَلْبَتَّةَ، بَلْ قَيْدًا مَخْصُوصًا لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا) ، قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذَا التَّنْبِيهِ فَاسِدٌ جِدًّا، بَلْ لَفْظُ طَالِقٍ مَوْضُوعٌ لِإِزَالَةِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ لُغَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ الرَّدُّ عَلَيْهِ قَبْلَ هَذَا فِي مِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ وَكُلُّ مَا ذَكَرَهُ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا غَيْرُ مَا اسْتَرْوَحَ مِنْ الِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ (قَالَ وَلِهَذَا الْمُدْرَكِ لَمْ يَعْتَبِرْ ابْنُ الْقَصَّارِ خُصُوصَ لَفْظِ الطَّلَاقِ إلَى قَوْلِهِ وَاعْتُبِرَ مَا وُضِعَ فِي الْعُرْفِ لِإِزَالَةِ الْعِصْمَةِ) ، قُلْت لَا دَلِيلَ لَهُ عَلَى أَنَّ ابْنَ الْقَصَّارِ اعْتَبَرَ مَا وُضِعَ فِي الْعُرْفِ لِإِزَالَةِ الْعِصْمَةِ بِنَاءً عَلَى مَا زَعَمَ، بَلْ إنَّمَا اعْتَبَرَ ذَلِكَ تَسْوِيَةً بَيْنَ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ وَذَلِكَ هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْ يَقُولَ إذَا صَحَّتْ الْقِيَافَةُ مِنْ تِلْكَ الْفِرَاسَةِ النَّبَوِيَّةِ الْقَوِيَّةِ الْمَعْصُومَةِ عَنْ الْخَطَأِ فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ فِرَاسَةَ الْخَلْقِ الضَّعِيفَةِ تُدْرِكُ مِنْ الْخَلْقِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْأَنْسَابِ وَلَعَلَّهَا عَمْيَاءُ عَنْ ذَلِكَ بِالْكُلِّيَّةِ لِقُصُورِهَا وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا إلَّا حَزْرٌ وَتَخْمِينٌ بَاطِلٌ كَمَا أَنَّا عَمِينَا فِي بَقِيَّةِ كَوَاكِبِ الثُّرَيَّا لَا نُدْرِكُهَا أَلْبَتَّةَ لِضَعْفِنَا وَالْبَصَرِ وَكَيْفَ يَتَأَتَّى لَكُمْ مَا تَقْصِدُونَهُ بِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِ الْقِيَافَةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَإِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ تَعَذَّرَ جَوَابُهُ وَبَطَلَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ أَمَّا إذَا اسْتَدَلَّ الْفُقَهَاءُ عَلَيْهِ بِقَضِيَّةِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ فَقَدْ اسْتَدَلُّوا بِشَيْءٍ يُمْكِنُ وُجُودُهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ الْأُمَّةَ يُمْكِنُ فِيهَا ذَلِكَ لَا سِيَّمَا فِي هَذِهِ الْقَبِيلَةِ فَكَانَ الِاسْتِدْلَال بِذَلِكَ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْقِيَافَةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ اسْتِدْلَالًا صَحِيحًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِتَعَذُّرِ مِثْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِثْلِ فِرَاسَتِهِ الْقَوِيَّةِ نَعَمْ بَحَثَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ بِوَجْهَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سُرُورُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَى الْجَاهِلِيَّةِ بِمَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا وَقَدْ يُؤَيِّدُ اللَّهُ الْحَقَّ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ وَبِمَا شَاءَ فَإِخْمَالُ الْبَاطِلِ وَدَحْضُهُ يُوجِبُ السُّرُورَ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ (الثَّانِي) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُرَّ بِوُجُودِ آيَةِ الرَّجْمِ فِي التَّوْرَاةِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ صِحَّتَهَا بَلْ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَى الْكُفَّارِ وَظُهُورِ كَذِبِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ فَلِمَ لَا يَكُونُ سُرُورُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَضِيَّةِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ كَذَلِكَ (وَأَجَابَ) الْفُقَهَاءُ (عَنْ الْأَوَّلِ) بِحَدِيثِ اللِّعَانِ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لِدَلَالَتِهَا عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ اسْتَدَلَّ الْخَلْقُ الَّتِي لَمْ تُوجَدْ عَلَى الْأَنْسَابِ فَيَكُونُ ثُبُوتُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْخَلْقِ الْمُشَاهَدِ أَوْلَى ضَرُورَةَ أَنَّ الْحِسَّ أَقْوَى مِنْ الْقِيَاسِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَثْبَتَ هَذَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فِي صُورَةٍ لَيْسَ فِيهَا غَرَضٌ لِلْمُشْرِكِينَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقَاعِدَةَ حَقٌّ فِي نَفْسِهَا وَأَنَّ سُرُورَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ إلَّا بِحَقٍّ لَا لِأَجْلِ إقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ (وَعَنْ الثَّانِي) بِأَنَّ رَجْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَهُودِيَّيْنِ بَيِّنٌ إنَّمَا كَانَ بِوَحْيٍ وَصَلَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّوْرَاةِ فِي آيَةِ الرَّجْمِ وَتَجْوِيزِ أَنَّهَا مِنْ الْمُحَرَّفَاتِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّ فِي التَّوْرَاةِ آيَةَ الرَّجْمِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ صَحِيحًا لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ إنَّمَا أَخْبَرَ بِأَنَّهُ رَآهَا مَكْتُوبَةً فِي نُسَخِ التَّوْرَاةِ وَلَمْ يُخْبِرْ أَنَّهَا مَرْوِيَّةٌ عِنْدَهُ بِالطَّرِيقِ الصَّحِيحِ إلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا يَلْزَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي النُّسَخِ شَيْءٌ مَكْتُوبٌ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مِنَّا يَقْطَعُ بِأَنَّهُ وَجَدَ فِي كُتُبِ التَّوَارِيخِ

[الفرق بين قاعدة ما يحرم الجمع بينهن من النساء وقاعدة ما يجوز الجمع بينهن]

عَنْ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَاعْتَبَرَ مَا وُضِعَ فِي الْعُرْفِ لِإِزَالَةِ الْعِصْمَةِ وَإِلَيْهِ جَنَحَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَكِنْ يُرَدُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُرُودِ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَصِيرَ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الشَّرْعِ أَوْ الْعُرْفِ فَإِنَّ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ يَرِدُ بِالْكِنَايَاتِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ كَمَا يَرِدُ بِالْحَقَائِقِ وَالْمَجَازِ كَثِيرٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى جِدًّا وَيُعْتَمَدُ فِي حُكْمِهِ عَلَى الْقَرَائِنِ وَالتَّصْرِيحُ بِالْمُرَادِ وَحِينَئِذٍ لَا يَلِيقُ أَنْ يُجْعَلَ مَا وَرَدَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَيْفَ كَانَ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي وَرَدَ فِيهِ وَلَا يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَال بِمُجَرَّدِ الْوُرُودِ عَلَى الصَّرَاحَةِ وَالْوَضْعِ نَعَمْ يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَال بِالْوُرُودِ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ. أَمَّا الْوَضْعُ فَلَا فَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْمُدْرَكَ هُوَ الِاشْتِهَارُ الْعُرْفِيُّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الِانْطِلَاقُ صَرِيحًا. وَإِنْ كَانَ فِيهِ الطَّاءُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ وَفِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSالشَّأْنُ فَإِنَّ اللَّفْظَ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا فِي اللُّغَةِ لِمَعْنًى وَكَانَ لَفْظٌ آخَرُ فِيهَا مَوْضُوعًا فِيهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، ثُمَّ صَارَ فِي الْعُرْفِ مَنْقُولًا لَهُ فَلَا فَرْقَ فَإِنَّ النَّقْلَ الْعُرْفِيَّ كَالْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ وَيَصِيرُ إذْ ذَاكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يَصِرْ اللَّفْظُ الثَّانِي مَنْقُولًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَلَكِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ وَالتَّجَوُّزِ فَهَا هُنَا يَكُونُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَرْقٌ يَكُونُ الْأَوَّلُ صَرِيحًا وَالثَّانِي كِنَايَةً فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ الْمُعَيِّنَةِ لَهُ لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَإِلَيْهِ جَنَحَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَكِنْ يَرُدُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُرُودِ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَصِيرَ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الشَّرْعِ أَوْ الْعُرْفِ) ، قُلْت بَلْ إذَا وَرَدَ شَيْءٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي الشَّرْعِ أَوْ الْعُرْفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ. قَالَ (فَإِنَّ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ يَرِدُ بِالْكِنَايَاتِ إلَى قَوْلِهِ نَعَمْ يَحْصُلُ الِاسْتِدْلَال بِالْوُرُودِ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ أَمَّا الْوَضْعُ فَلَا) ، قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ يَرِدُ بِالْكِنَايَاتِ وَالْمَجَازَاتِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى أَصْلًا أَوْ عُرْفًا، بَلْ مَجَازًا حَتَّى لَا يُسْتَدَلَّ بِوُرُودِهِ عَلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ أَوْ عُرْفِهَا أَوْ عُرْفِ الشَّرْعِ فَإِنَّ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ كَمَا يَرِدُ بِالْكِنَايَاتِ وَالْمَجَازَاتِ يَرِدُ أَيْضًا بِالْحَقَائِقِ وَهِيَ الْأَصْلُ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّجَوُّزِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (فَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْمُدْرَكَ هُوَ الِاشْتِهَارُ الْعُرْفِيُّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الِانْطِلَاقُ صَرِيحًا وَإِنْ كَانَ فِيهِ الطَّاءُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ إلَى قَوْلِهِ انْطَلِقِي مِنِّي وَأَنْتِ مُنْطَلِقَةٌ) ـــــــــــــــــــــــــــــQحِكَايَاتٍ وَأُمُورًا كَثِيرَةً وَلَا يَقْضِي بِصِحَّتِهَا فَكَذَلِكَ هُنَا وَإِذَا كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَكَمَ بِالْوَحْيِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَيْنَا هَاهُنَا فَإِنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْوَحْيِ بَلْ ظَاهِرُ الْأَمْرِ خِلَافُهُ فَظَهَرَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ هَذَا مُدْرَكٌ صَحِيحٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْحَزْرِ الْبَاطِلِ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ مِنْ النِّسَاءِ وَقَاعِدَةُ مَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ] (الْفَرْقُ الْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ مِنْ النِّسَاءِ وَقَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ) فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِعَقْدِ نِكَاحٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] وَكَذَلِكَ اتَّفَقُوا فِيمَا أَعْلَمُ عَلَى تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا لِثُبُوتِ ذَلِكَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَوَاتُرِهِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ أَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْعَمَّةَ هَاهُنَا هِيَ كُلُّ أُنْثَى هِيَ أُخْتٌ لِذَكَرٍ لَهُ عَلَيْك وِلَادَةٌ إمَّا بِنَفْسِهِ وَإِمَّا بِوَاسِطَةِ ذَكَرٍ آخَرَ وَأَنَّ الْخَالَةَ هِيَ كُلُّ أُنْثَى هِيَ أُخْتٌ لِكُلِّ أُنْثَى لَهَا عَلَيْك وِلَادَةٌ إمَّا بِنَفْسِهَا وَإِمَّا بِتَوَسُّطِ أُنْثَى غَيْرِهَا وَهُنَّ الْحُرَّاتُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَاخْتَلَفُوا أَوَّلًا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَالْفُقَهَاءُ عَلَى مَنْعِهِ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى إبَاحَةِ ذَلِكَ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ أَنَّ عُمُومَ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] مُعَارِضٌ لِعُمُومِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي آخِرِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ لِجَمِيعِ مَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ مِنْ التَّحْرِيمِ إلَّا مَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِيهِ أَيْ: مِنْ الْمُحَرَّمِ بِالْمُصَاهَرَةِ فَيَخْرُجُ مِنْ عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] مِلْكُ الْيَمِينِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَعُودَ إلَّا إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ فَيَبْقَى قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] عَلَى عُمُومِهِ وَلَا سِيَّمَا إنْ عَلَّلْنَا ذَلِكَ بِعِلَّةِ الْأُخُوَّةِ أَوْ بِسَبَبٍ مَوْجُودٍ فِيهِمَا وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَعْنِي مَنْعَ الْجَمْعِ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ وَبَقَاءِ {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] عَلَى عُمُومِهِ فِيمَا إذَا كَانَتْ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ بِنِكَاحٍ وَالْأُخْرَى بِمِلْكِ يَمِينِ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ. وَاخْتَلَفُوا ثَانِيًا فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ هَلْ هُوَ خَاصٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَعَلَيْهِ فَالتَّحْرِيمُ لَا يَتَعَدَّى إلَى مَنْ نَصَّ عَلَيْهِ أَوْ هُوَ خَاصٌّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْعُمُومُ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا فِي تَفْسِيرِ الْعُمُومِ فَقَالَ قَوْمٌ يُفَسَّرُ الْعُمُومُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ كُلِّ امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا رَحِمٌ مُحَرَّمَةٌ أَوْ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ فَعِنْدَ هَؤُلَاءِ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ ابْنَتِي عَمٍّ أَوْ عَمَّةٍ وَلَا بَيْنَ

مَعْنَى إزَالَةِ الْقَيْدِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَهِرَ هُوَ الطَّلَاقُ دُونَ الِانْطِلَاقِ، وَكَذَلِكَ أَطْلَقْتُك وَانْطَلَقْت مِنْك وَانْطَلِقِي مِنِّي وَأَنْتِ مُنْطَلِقَةٌ، وَقَدْ خَالَفْنَا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي أَنَا طَالِقٌ مِنْك؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحْبُوسًا بِالنِّكَاحِ، بَلْ هِيَ الْمَحْبُوسَةُ وَقِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِ أَنَا طَالِقٌ فَلَوْ كَانَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ لَوَقَعَ كَالْمَرْأَةِ؛ وَلِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يُوصَفُ بِهِ فَلَا يُقَالُ زَيْدٌ مُطَلَّقٌ وَنَقَلَ الْبَاجِيَّ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مِنَّا ذَلِكَ وَوَافَقَ الْمَشْهُورَ الشَّافِعِيُّ (وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ) أَنَّهُ مَحْبُوسٌ عَنْ عَمَّتِهَا وَأُخْتِهَا وَالزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ وَالنَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ لَازِمٌ فَيَخْرُجُ عَنْ لُزُومِهِ (وَعَنْ الثَّانِي) أَنَّ وَصْفَهُ بِطَالِقٍ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَنْ امْرَأَةٍ فَلَمْ يُعَيِّنْهَا اللَّفْظُ، وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ عِصْمَتِهِ لِتَعَذُّرِ تَعَدُّدِ الْأَزْوَاجِ دُونَ الزَّوْجَاتِ (وَعَنْ الثَّالِثِ) أَنَّ مُطَلَّقٌ اسْمُ مَفْعُولٍ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُقْتَضِي لِطَلَاقِهِ غَيْرَهُ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِسُكُونِ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالنِّسَاءِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنْتِ الطَّلَاقُ كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْمَصْدَرِ عَنْ اسْمِ الْفَاعِلِ مَجَازٌ فَيَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ (وَجَوَابُهُ) أَنَّهُ مَجَازٌ تَعَيَّنَ بِقَرِينَةٍ تَعَذَّرَ أَنَّهَا عَيْنُ الطَّلَاقِ، وَإِذَا تَعَيَّنَ لِاسْمِ الْفَاعِلِ اسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ مَانِعٌ ـــــــــــــــــــــــــــــS، قُلْت فِيهِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ الِاشْتِقَاقِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ رَدُّهُ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً صَحِيحٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الِانْطِلَاقَ لَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَا مِنْ مَادَّةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ (وَقَدْ خَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي أَنَا طَالِقٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحْبُوسًا بِالنِّكَاحِ إلَى آخِرِ جَوَابِهِ الْأَوَّلِ) لَيْسَ مَعْنَى الطَّلَاقِ مَعْنَى الِانْطِلَاقِ حَتَّى يَلْزَمَ مَا جَاوَبَ بِهِ، بَلْ الطَّلَاقُ حِلُّ الْعِصْمَةِ فَقَطْ وَهُوَ أَمْرٌ يَصْدُرُ مِنْ الرَّجُلِ وَيَقَعُ بِالْمَرْأَةِ فَإِذَا قَالَ أَنَا طَالِقٌ مِنْك فَقَدْ عَكَسَ الْمَعْنَى فَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَعَنْ الثَّانِي إلَى آخِرِهِ) ، قُلْت هُوَ جَوَابٌ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يَخْطِرُ بِالْبَالِ قَالَ (وَعَنْ الثَّالِثِ إلَى آخِرِهِ) ، قُلْت وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُتَعَذِّرًا حَقِيقَةً، فَلَيْسَ بِمُتَعَذِّرٍ مَجَازًا قَالَ (وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِسُكُونِ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالنِّسَاءِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ) ، قُلْت هُوَ كَمَا قَالَ، ثُمَّ قَالَ (وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنْتِ الطَّلَاقُ إلَى آخِرِ جَوَابِهِ) ، قُلْت الْأَظْهَرُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنَتَيْ خَالٍ أَوْ خَالَةٍ وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِ عَمِّهَا أَوْ بِنْتِ عَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ بِنْتِ خَالَتِهَا وَقَالَ قَوْمٌ يُفَسَّرُ الْعُمُومُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ كُلِّ امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ مُحَرَّمَةٌ أَعْنِي لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى لَمْ يَجُزْ لَهُمَا أَنْ يَتَنَاكَحَا وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْمَعْنَى فَقِيلَ بِاعْتِبَارِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الطَّرَفَيْنِ جَمِيعًا بَلْ كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَعَلَيْهِ فَيُمْنَعُ الْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَةِ الرَّجُلِ وَابْنَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا الْمَعْنَى اخْتَارَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ أَنَّ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا إذَا كَانَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ جَمِيعًا بِحَيْثُ إنَّهُ إذَا جُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى لَمْ يَجُزْ لَهُمَا أَنْ يَتَنَاكَحَا فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ الْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَةِ الرَّجُلِ وَابْنَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا لِأَنَّهُ إنْ وَضَعْنَا الْبِنْتَ ذَكَرًا لَمْ يَحِلَّ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ مِنْهُ لِأَنَّهَا زَوْجُ أَبِيهِ وَإِنْ جَعَلْنَا الْمَرْأَةَ ذَكَرًا حَلَّ لَهَا نِكَاحُ ابْنَةِ الزَّوْجِ لِأَنَّهَا تَكُونُ ابْنَةَ الْأَجْنَبِيِّ. اهـ بِتَصَرُّفٍ وَتَوْضِيحٍ وَقَالَ الْأَصْلُ لَا يَكُونُ ضَابِطُ مَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ مَانِعًا مِنْ انْدِرَاجِ مَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ كَالْمَرْأَةِ وَابْنَةِ زَوْجِهَا وَالْمَرْأَةِ وَأُمِّ زَوْجِهَا إلَّا إذَا قِيلَ كُلُّ امْرَأَتَيْنِ بَيْنَهُمَا مِنْ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ مَا يَمْنَعُ تَنَاكُحَهُمَا لَوْ قُدِّرَ إحْدَاهُمَا رَجُلًا وَالْأُخْرَى أُنْثَى لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ بِعَقْدٍ وَلَا مِلْكٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - إذْ لَوْلَا قَيْدُ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ لَانْدَرَجَ فِيهِ الْمَرْأَةُ وَابْنَةُ زَوْجِهَا وَالْمَرْأَةُ وَأُمُّ زَوْجِهَا فَإِنَّهُ لَوْ فُرِضَ إحْدَاهُمَا رَجُلًا وَالْأُخْرَى امْرَأَةً لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَرْأَةَ حِينَئِذٍ إمَّا أُمُّ امْرَأَةِ الرَّجُلِ أَوْ رَبِيبَتُهُ فَتَحْرُمُ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ الضَّابِطُ بَاطِلًا فَإِذَا قُلْنَا مِنْ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ مَا يَمْنَعُ التَّنَاكُحَ خَرَجَا مِنْ الضَّابِطِ وَبَقِيَ جَيِّدًا. اهـ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَا عَلَّلَ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَرْأَةَ حِينَئِذٍ إمَّا امْرَأَةُ الرَّجُلِ أَوْ رَبِيبَتُهُ فَبِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ أَمَّا أُمُّ امْرَأَةِ الرَّجُلِ لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمَرْأَةَ رَجُلٌ وَأَنَّ أُمَّ زَوْجِهَا زَوْجَتُهُ فَيَتَعَيَّنُ الْمُعَرَّفُ وَهُوَ الْمُضَافُ إلَيْهِ وَحَقُّهُ أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ لِأَنَّهُ إذَا تَعَيَّنَ بِتَغَيُّرِ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ أَوْ رَبِيبَتُهُ فَيَصِحُّ نَظَرًا لِلِاشْتِرَاكِ فِي لَفْظِ رَبِيبَتِهِ فَإِنَّهُ يُقَالُ عَلَى زَوْجَةِ الْأَبِ فِي الْعُرْفِ الْجَارِي الْآنَ وَعَلَى بِنْتِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ. اهـ قُلْت وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ تَقْدِيرَ أَحَدِ الطَّرْقِينَ أُنْثَى وَالْآخَرِ ذَكَرًا بِدُونِ تَعْيِينٍ لِذَلِكَ الْأَحَدِ كَمَا هُوَ الشَّرْطُ لَا يَتَأَتَّى فِي مَسْأَلَةِ الْمَرْأَةِ وَأُمِّ زَوْجِهَا وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى فِي مَسْأَلَةِ الْمَرْأَةِ وَابْنَةِ زَوْجِهَا نَظَرًا لِلِاشْتِرَاكِ فِي لَفْظِ الرَّبِيبَةِ فِي الْعُرْفِ الْجَارِي الْآنَ وَقَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ عَدَمَ تَأَتِّي ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَرْأَةِ وَابْنَةِ زَوْجِهَا أَيْضًا ثُمَّ لَا يَخْفَاك أَنَّ قَيْدَيْ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ فِي الضَّابِطِ الَّذِي

مِنْ التَّرَدُّدِ، وَالنِّيَّةُ إنَّمَا تَصْلُحُ حَالَةَ التَّرَدُّدِ (تَنْبِيهٌ) يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ مَا يَقْتَضِي طَلَاقَ الْمَرْأَةِ أَلْبَتَّةَ وَلَا لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا شَيْءٌ لَا يَكَادُ يَخْطِرُ بِالْبَالِ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا هَذَا أَعْظَمُ مَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ صَرِيحٌ لُغَةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هَذَا لَا يُوجِبُ طَلَاقًا أَلْبَتَّةَ بِسَبَبِ أَنَّ اللُّغَةَ إنَّمَا تَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ وَضَعَتْهَا الْعَرَبُ لِلْإِخْبَارِ، وَهَذَا هُوَ أَصْلُ الْوَضْعِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كَذِبًا لَا عِبْرَةَ بِهِ وَالطَّلَاقُ لَا يَلْزَمُ بِالْخَبَرِ الْكَذِبِ إجْمَاعًا وَمِنْ هَاهُنَا افْتَرَقَ النَّاسُ فَرِيقَيْنِ (أَحَدُهُمَا) الْحَنَفِيَّةُ قَالَتْ هِيَ بَاقِيَةٌ إخْبَارَاتٍ عَلَى حَالِهَا وَإِنَّمَا الشَّرْعُ يُقَدِّرُ وُقُوعَ مُخْبَرِهَا قَبْلَ النُّطْقِ بِهَا بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ تَصْدِيقِهِ، وَإِذَا صَارَ صَادِقًا لَزِمَهُ مَا نَطَقَ بِهِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي صِيَغِ الْعِتْقِ وَجَمِيعِ صِيَغِ الْعُقُودِ مِنْ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَالْفَرِيقُ الْآخَرُ) وَهُوَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ يَقُولُونَ هَذِهِ الصِّيَغُ انْتَقَلَتْ فِي الْعُرْفِ عَنْ الْخَبَرِ لِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ وَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِالْإِنْشَاءِ وَمَتَى قُصِدَ الْخَبَرُ وَعُدِلَ عَنْ الْإِنْشَاءِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ الْعُرْفُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ فَهَذِهِ هِيَ الْمَذَاهِبُ الْوَاقِعَةُ فِي هَذِهِ الصِّيَغِ كُلِّهَا وَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي اللُّغَةِ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ تَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ مِنْ حَيْثُ هِيَ لُغَوِيَّةٌ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْدِيرِ كَمَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ أَوْ النَّقْلِ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُمْ. وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَيَلْزَمُ عَلَى رَأْيِ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الطَّلَاقِ صَرِيحًا مُسْتَغْنِيًا عَنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ لُغَةً عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ إزَالَةِ قَيْدِ النِّكَاحِ بِخُصُوصِهِ، بَلْ عَلَى إزَالَةِ قَيْدٍ كَيْفَ كَانَ قَيْدُ النِّكَاحِ أَوْ قَيْدُ الْحَدِيدِ أَوْ غَيْرُهُمَا فَلَا يَنْصَرِفُ لِقَيْدِ النِّكَاحِ إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ إخْبَارًا عَنْهُ بِخُصُوصِهِ فَصَارَ كِنَايَةً وَصَارَتْ الْأَلْفَاظُ بِجُمْلَتِهَا كِنَايَةً ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (تَنْبِيهٌ إلَى قَوْلِهِ أَوْ النَّقْلُ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُمْ) ، قُلْت لَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ وَقَعَتْ فِي الِاسْتِعْمَالِ اللُّغَوِيِّ إخْبَارَاتٌ وَوَقَعَتْ فِيهِ إنْشَاءَاتٌ وَمَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي كَوْنِهَا مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ أَوْ مَنْقُولَةً مِنْ الْخَبَرِ إلَى الْإِنْشَاءِ وَكِلَاهُمَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَيَلْزَمُ عَلَى رَأْيِ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ لَفْظُ الطَّلَاقِ صَرِيحًا إلَى قَوْلِهِ لَمْ يَقْصِدْ الْإِخْبَارَ عَنْ زَوَالِ الْعِصْمَةِ) ، قُلْت إنْ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ مِثْلَ قَوْلِهِ مِنْ أَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ لَا يَدُلُّ عَلَى زَوَالِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ بِخُصُوصِهِ لَزِمَهُمْ مَا أَلْزَمَهُمْ وَإِلَّا فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَهُ الْأَصْلُ يُغْنِي عَنْهُمَا فِي إخْرَاجِ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ قَوْلُهُ لَوْ قُدِّرَ أَحَدُهُمَا رَجُلًا إلَخْ حَيْثُ جُعِلَ مِنْ تَتِمَّةِ الضَّابِطِ عَلَى أَنَّهُ بِالْقَدْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَا يَمْنَعُ انْدِرَاجَ مَسْأَلَةٍ مَا إذَا كَانَتْ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ بِنِكَاحٍ وَالْأُخْرَى بِمِلْكِ يَمِينٍ مَعَ أَنَّهَا خَارِجَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَمَا عَلِمْت مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَالْأَصْلُ قَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ ضَابِطٌ لِمَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ بِإِنْصَافٍ هَذَا وَيَتَعَلَّقُ بِمَنْعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ الَّذِي أَدْرَجَهُ الْأَصْلُ فِي ضَابِطِ مَا يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ مَسْأَلَتَانِ تَحْتَاجَانِ إلَى تَدْقِيقٍ فِي الْبَحْثِ قَالَ الْأَصْلُ: فَلِذَلِكَ أَفْرَدْتهمَا عَنْ سَائِرِ الْمَسَائِلِ الَّتِي فِي الْبَابِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ فِيمَا إذَا أَبَانَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ هَلْ تَحِلُّ لَهُ فِي عِدَّتِهَا أُخْتُهَا وَالْخَامِسَةُ نَظَرًا لِانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ وَالْمَوَارِيثِ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا الْعِدَّةُ لِحِفْظِ الْأَنْسَابِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَوْ لَا تَحِلُّ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ لِأَمْرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ (وَثَانِيهِمَا) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعْ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ» وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (وَأَجَابَ) الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَنْ الْأَمْرَيْنِ بِأَنَّ لُحُوقَ الْوَلَدِ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ آثَارِ النِّكَاحِ وَلَا قَائِلَ بِالتَّحْرِيمِ إلَى تِلْكَ الْغَايَةِ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ الِاخْتِصَاصُ بِالزَّوْجِ حَتَّى تَحْصُلَ الْقَطِيعَةُ بَيْنَ الْأَقَارِبِ بِسَبَبِ الْجَمْعِ وَهُوَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَنْفِيٌّ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَحَلَّتْ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ آيَةٌ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْآيَتَيْنِ أَعَمُّ مِنْ الْأُخْرَى مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ فَتَسْتَوِيَانِ لِتَنَاوُلِ الْأُولَى الْمَمْلُوكَتَيْنِ وَالْحُرَّتَيْنِ وَتَتَنَاوَلُ الثَّانِيَةُ الْأُخْتَيْنِ وَغَيْرَهُمَا وَلَكِنْ تَرْجِيحُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ التَّحْرِيمَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْأُولَى سِيقَتْ لِلتَّحْرِيمِ فَيُسْتَدَلُّ بِهَا فِيهِ وَالثَّانِيَةَ سِيقَتْ لِلْمَدْحِ بِحِفْظِ الْفُرُوجِ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَا فِي التَّحْرِيمِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْكَلَامَ إذَا سِيقَ لِمَعْنًى لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي غَيْرِهِ فَتَكُونُ آيَةُ التَّحْرِيمِ سَالِمَةً عَنْ الْمُعَارَضَةِ بِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ فَتَقَدَّمَ وَقَدْ مَرَّ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ مَا يَتَعَلَّقُ بِمُعَارَضَةِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] لِلْآيَةِ الْأُولَى فَلَا تَغْفُلْ (وَثَانِيهِمَا) أَنَّ الْأُولَى لَمْ يُجْمَعْ عَلَى تَخْصِيصِهَا وَالثَّانِيَةَ أُجْمِعَ عَلَى تَخْصِيصِهَا مِمَّا لَا يَقْبَلُ الْوَطْءَ مِنْ الْمَمْلُوكَاتِ وَبِمَا يَقْبَلُهُ لَكِنَّهُ مُحَرَّمُ إجْمَاعًا كَالذُّكُورِ وَأَخَوَاتِ الرَّضَاعَةِ وَمَوْطُوءَاتِ الْآبَاءِ مِنْ الْإِمَاءِ

[الفرق بين قاعدة الإباحة المطلقة وبين قاعدة الإباحة المنسوبة إلى سبب مخصوص]

فَإِنْ نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ الَّذِي هُوَ إزَالَةُ قَيْدِ النِّكَاحِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّصْدِيقِ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ تَقْدِيرُ صِدْقِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْإِخْبَارَ عَنْ زَوَالِ الْعِصْمَةِ وَيَلْزَمُ عَلَى رَأْيِنَا الْقَائِلِينَ بِالْإِنْشَاءِ أَنْ يَكُونَ ضَابِطُ الصَّرِيحِ مَا نُقِلَ لِإِنْشَاءِ إزَالَةِ الْقَيْدِ وَصَارَ مُسْتَغْنِيًا عَنْ النِّيَّةِ وَمَا لَمْ يَصِرْ بِالنَّقْلِ كَذَلِكَ وَيُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُ فِي إزَالَةِ الْعِصْمَةِ مَجَازًا لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا فَهُوَ كِنَايَةٌ وَمَا لَا عَلَاقَةَ فِيهِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهَا يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ أَوْ يَكُونُ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ وَيَكُونُ لَفْظُ الْحَرَامِ وَالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا اُدُّعِيَ فِيهِ النَّقْلُ صَرِيحًا فَلَا يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ كِنَايَةٌ أُلْحِقَتْ بِالصَّرِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَا صَرِيحَ إلَّا بِالنَّقْلِ حِينَئِذٍ فَأَيُّ لَفْظٍ نُقِلَ كَانَ هُوَ الصَّرِيحُ مِنْ غَيْرِ امْتِيَازِ لَفْظٍ عَنْ لَفْظٍ فِي ذَلِكَ لِاسْتِوَاءِ الْجَمِيعِ فِي عَدَمِ إفَادَةِ زَوَالِ الْعِصْمَةِ لُغَةً. وَفِي إفَادَةِ زَوَالِهَا بِالنَّقْلِ فَلَا مَزِيَّةَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ إذَا حَصَلَ فِيهَا النَّقْلُ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَيْضًا بَحْثٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ النَّقْلَ إنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْعُرْفِ فَإِذَا تَحَوَّلَ الْعُرْفُ إلَى الضِّدِّ فَصَارَ الْمُشْتَهِرُ خَفِيًّا وَالْخَفِيُّ مُشْتَهِرًا أَنْ يَكُونَ مَا قَضَيْنَا بِأَنَّهُ صَرِيحٌ يَصِيرُ كِنَايَةً وَمَا قَضَيْنَا بِأَنَّهُ كِنَايَةٌ يَصِيرُ صَرِيحًا بِحَسَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَيَلْزَمُ عَلَى رَأْيِنَا الْقَائِلِينَ بِالْإِنْشَاءِ إلَى قَوْلِهِ فَلَا مَزِيَّةَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ إذَا حَصَلَ فِيهَا النَّقْلُ) ، قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ لَفْظَ طَالِقٍ يُفِيدُ زَوَالَ الْعِصْمَةِ إمَّا لُغَةً عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ وَإِمَّا عُرْفًا عَلَى مَذْهَبِهِ، وَلَفْظُ أَنْتِ طَالِقٌ يُفِيدُ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ عُرْفًا أَيْضًا وَلَفْظُ الْخَلِيَّةِ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ عُرْفًا، بَلْ مَجَازًا وَلَفْظُ أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ عُرْفًا فِي الْإِنْشَاءِ مَعَ أَنَّ لَفْظَ خَلِيَّةٍ لَيْسَ عُرْفًا فِي الطَّلَاقِ لَا يُفِيدُ بِجُمْلَتِهِ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ عُرْفًا فَبَيْنَ لَفْظِ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ خَلِيَّةٌ فَرْقٌ ظَاهِرٌ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ أَنْتِ طَالِقٌ صَرِيحًا؛ لِأَنَّ لَفْظَ طَالِقٍ عَلَى انْفِرَادِهِ وَلَفْظَ أَنْتِ طَالِقٌ بِجُمْلَتِهِ كِلَاهُمَا مَنْقُولٌ عُرْفًا هَذَا لِزَوَالِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ بِخُصُوصِهِ وَالْآخَرُ لِإِنْشَاءِ زَوَالِ ذَلِكَ الْقَيْدِ وَلَفْظُ خَلِيَّةٍ عَلَى انْفِرَادِهِ لَمْ يَنْقُلْهُ الْعُرْفُ لِزَوَالِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ أَنْتِ قَدْ نَقَلَهُ الْعُرْفُ لِلْإِنْشَاءِ، فَيَكُونُ كِنَايَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ) (وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَيْضًا بَحْثٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ النَّقْلَ إنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْعُرْفِ) (قُلْت) مَا قَالَهُ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ صَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ مَا قَالَ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ إلَّا مَا قَالَهُ فِي الْإِنْشَاءَاتِ فَفِيهِ نَظَرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَغَيْرُ الْمَخْصُوصِ أَرْجَحُ مِمَّا أُجْمِعَ عَلَى تَخْصِيصِهِ (وَثَالِثُهَا) أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْفُرُوجِ التَّحْرِيمُ حَتَّى يُتَيَقَّنَ الْحِلُّ فَتَكُونَ الْأُولَى عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ رُجْحَانُ الثَّانِيَةِ عَلَيْهَا فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَى الْأُولَى مُوَافَقَةً لِلْأَصْلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِبَاحَةِ الْمُطْلَقَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِبَاحَةِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى سَبَبٍ مَخْصُوصٍ] (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِبَاحَةِ الْمُطْلَقَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِبَاحَةِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى سَبَبٍ مَخْصُوصٍ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَسْبَابَ إذَا تَعَلَّقَ بِهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مِنْ إبَاحَةٍ أَوْ نَدْبٍ أَوْ مَنْعٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَتَعَلَّقَ تِلْكَ الْأَحْكَامُ بِمُسَبَّبَاتِهَا بِحَيْثُ إنَّ الْأَمْرَ بِالسَّبَبِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ بِالْمُسَبَّبِ وَالنَّهْيَ عَنْ السَّبَبِ لَا يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنْ الْمُسَبَّبِ وَالتَّخْيِيرَ فِي السَّبَبِ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّخْيِيرَ فِي الْمُسَبَّبِ مَثَلًا الْأَمْرُ بِإِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ وَالْأَمْرُ بِالنِّكَاحِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ بِحِلِّيَّةِ الْبُضْعِ وَالْأَمْرُ بِالْقَتْلِ فِي الْقِصَاصِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ بِإِزْهَاقِ الرُّوحِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْقَتْلِ الْعُدْوَانِ لَا يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنْ الْإِزْهَاقِ وَالنَّهْيُ عَنْ التَّرَدِّي فِي الْبِئْرِ لَا يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنْ تَهَتُّكِ الْمُرْدِي فِيهَا وَالنَّهْيُ عَنْ جَعْلِ الثُّبُوتِ فِي النَّارِ لَا يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنْ نَفْسِ الْإِحْرَاقِ وَالْإِبَاحَةُ لِلْأَجْنَبِيَّةِ بِالْعَقْدِ لَا يَسْتَلْزِمُ إبَاحَةَ وَطْئِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَمْرَانِ (الْأَوَّلُ) عَقْلِيٌّ وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِي الْكَلَامِ مِنْ أَنَّ الَّذِي لِلْمُكَلَّفِ تَعَاطِيَ الْأَسْبَابِ لَا الْمُسَبَّبَاتِ لِأَنَّهَا مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمِهِ وَلَا كَسْبَ فِيهِ لِلْمُكَلَّفِ (وَالثَّانِي) سَمْعِيٌّ وَهُوَ أَنَّ اسْتِقْرَاءَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَقْطُوعٌ بِهِ أَمَّا الْكِتَابُ فَمِنْهُ مَا هُوَ عَامٌّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] وَمِنْهُ مَا هُوَ خَاصٌّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه: 132] وقَوْله تَعَالَى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] وقَوْله تَعَالَى {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22] إلَى آخِرِ الْآيَةِ وقَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ - أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة: 58 - 59] {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} [الواقعة: 63] {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ} [الواقعة: 68] {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ} [الواقعة: 71] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَكَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ» الْحَدِيثَ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَيِّدْهَا وَتَوَكَّلْ» وَلَا يَرِدُ أَنَّ إبَاحَةَ عُقُودِ الْبُيُوعِ وَالْإِجَارَاتِ تَسْتَلْزِمُ إبَاحَةَ الِانْتِفَاعِ الْخَاصِّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَأَنَّهُ إذَا تَعَلَّقَ بِهَا التَّحْرِيمُ كَبَيْعِ الرِّبَا وَالْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ اسْتَلْزَمَ تَحْرِيمَ الِانْتِفَاعِ الْمُسَبَّبِ عَنْهَا وَأَنَّ التَّعَدِّيَ وَالْغَصْبَ وَالسَّرِقَةَ وَنَحْوَهَا وَالذَّكَاةَ فِي الْحَيَوَانِ إذَا كَانَتْ عَلَى وَفْقِ الْمَشْرُوعِ تَكُونُ

الْعُرْفِ الطَّارِئِ. وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَنْتَقِلْ الْعُرْفُ لِلضِّدِّ، بَلْ بَطَلَ فَقَطْ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِيرَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ صَرِيحًا، بَلْ تَحْتَاجُ جَمِيعُ الْأَلْفَاظِ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ بِهَا إلَى النِّيَّةِ وَيَلْزَمُ أَمْرٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ الْمُفْتِي لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ أَحَدًا بِالطَّلَاقِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِ ذَلِكَ الْعُرْفِ الَّذِي رُتِّبَتْ الْفُتْيَا عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ بَلَدٍ آخَرَ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ الْعُرْفُ أَفْتَاهُ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِاعْتِبَارِ حَالِ عُرْفِ بَلَدِهِ مِنْ صَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ عَلَى الضَّابِطِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّ الْعَوَائِدَ لَا يَجِبُ الِاشْتِرَاكُ فِيهَا بَيْنَ الْبِلَادِ خُصُوصًا الْبَعِيدَةِ الْأَقْطَارِ وَيَكُونُ الْمُفْتِي فِي كُلِّ زَمَانٍ يَتَبَاعَدُ عَمَّا قَبْلَهُ يَتَفَقَّدُ الْعُرْفَ هَلْ هُوَ بَاقٍ أَمْ لَا فَإِنْ وَجَدَهُ بَاقِيًا أَفْتَى بِهِ وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَنْ الْفُتْيَا، وَهَذَا هُوَ الْقَاعِدَةُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْعَوَائِدِ كَالنُّقُودِ وَالسِّكَكِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَاتِ وَالْأَيْمَانِ وَالْوَصَايَا وَالنُّذُورِ فِي الْإِطْلَاقَاتِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَقَدْ غَفَلَ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَوَجَدُوا الْأَئِمَّةَ الْأُوَلَ قَدْ أَفْتَوْا بِفَتَاوَى بِنَاءً عَلَى عَوَائِدَ لَهُمْ وَسَطَّرُوهَا فِي كُتُبِهِمْ بِنَاءً عَلَى عَوَائِدِهِمْ، ثُمَّ الْمُتَأَخِّرُونَ وَجَدُوا تِلْكَ الْفَتَاوَى فَأَفْتَوْا بِهَا. وَقَدْ زَالَتْ تِلْكَ الْعَوَائِدُ فَكَانُوا مُخْطِئِينَ خَارِقِينَ لِلْإِجْمَاعِ فَإِنَّ الْفُتْيَا بِالْحُكْمِ الْمَبْنِيِّ عَلَى مُدْرِكٍ بَعْدَ زَوَالِ مُدْرِكِهِ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَمِنْ ذَلِكَ لَفْظُ الْحَرَامِ وَالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِيَّةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا هُوَ مَسْطُورٌ لِمَالِكٍ أَنَّهُ يَلْزَمُ بِهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ بِنَاءً عَلَى عَادَةٍ كَانَتْ فِي زَمَانِهِ فَأَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ الْيَوْمَ يُفْتِي بِلُزُومِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِنَاءً عَلَى الْمَنْقُولِ فِي الْكُتُبِ عَنْ مَالِكٍ وَتِلْكَ الْعَوَائِدُ قَدْ زَالَتْ فَلَا نَجِدُ الْيَوْمَ أَحَدًا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ بِالْخَلِيَّةِ وَلَا بِالْبَرِيَّةِ وَلَا بِحَبْلِك عَلَى غَارِبِك وَلَا بِوَهَبْتُكِ لِأَهْلِك، وَلَوْ وَجَدْنَاهُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْلًا يُوجِبُ لُزُومَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ أَلَا تَرَى أَنَّ لَفْظَ الْأَسَدِ كَثِيرُ الِاسْتِعْمَالِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ إنَّهُ مَنْقُولٌ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَفْظُ الشَّمْسِ وَالْبَدْرِ فِي ذَوَاتِ الْجَمَالِ وَالْبَحْرِ وَالْغَيْثِ وَالنَّدَى وَنَحْوِهَا فِي الْكِرَامِ الْبَاذِلِينَ لِلْمَالِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ تَصِرْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَنْقُولَةً لِهَذِهِ الْمَعَانِي، بَلْ ضَابِطُ الْمَنْقُولِ أَنْ يَصِيرَ اللَّفْظُ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَعْنَى بِغَيْرِ قَرِينَةٍ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ لَا تُفْهَمُ مِنْهَا هَذِهِ الْمَعَانِي إلَّا بِالْقَرِينَةِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَصِرْ مَنْقُولَةً فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَيَظْهَرُ لَك مَا عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْفَتَاوَى الْفَاسِدَةِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَيَظْهَرُ لَك بِهَذِهِ الْمَبَاحِثِ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّرِيحِ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُبَاحَةً وَتَسْتَلْزِمُ إبَاحَةَ الِانْتِفَاعِ وَإِذَا وَقَعَتْ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ كَانَتْ مَمْنُوعَةً وَمُسْتَلْزِمَةً مَنْعَ الِانْتِفَاعِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ كَثِيرٌ مِنْ هَذَا النَّحْوِ لِأَنَّا نَقُولُ مَا ذُكِرَ فِي حُكْمِ الْإِنْفَاقِ لَا عَلَى حُكْمِ الِالْتِزَامِ بِدَلِيلِ تَخَلُّفِهِ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَمْثِلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ كُلًّا مِنْ النَّفَقَةِ عَلَى الْمَبِيعِ إذَا كَانَ حَيَوَانًا وَحِفْظِ الْأَمْوَالِ الْمُتَمَلَّكَةِ وَاجِبٌ وَمُسَبَّبٌ عَنْ عَقْدِ الْمَبِيعِ الْمُبَاحِ وَأَنَّ الذَّكَاةَ إذَا وَقَعَتْ فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ كَالْخِنْزِيرِ وَالسِّبَاعِ الْعَادِيَةِ وَالْكَلْبِ وَنَحْوِهَا لَا تُوصَفُ بِالتَّحْرِيمِ مَعَ الِانْتِفَاعِ إمَّا مُحَرَّمٌ جَمِيعُهَا وَإِمَّا مُحَرَّمٌ فِي بَعْضِهَا وَمَكْرُوهٌ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ هَذَا فِي الْأَسْبَابِ الْمَشْرُوعَةِ وَأَسْهَلُ مِنْهَا الْأَسْبَابُ الْمَمْنُوعَةِ لِأَنَّ مَعْنَى تَحْرِيمِهَا أَنَّهَا فِي الشَّرْعِ لَيْسَتْ بِأَسْبَابٍ فَلَمْ تَكُنْ لَهَا مُسَبَّبَاتٌ فَبَقِيَ الْمُسَبَّبُ عَنْهَا عَلَى أَصْلِهَا مِنْ الْمَنْعِ لَا أَنَّ الْمَنْعَ تَسَبَّبَ عَنْ وُقُوعِ أَسْبَابٍ مَمْنُوعَةٍ فَثَبَتَ اطِّرَادُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَيَنْبَنِي عَلَيْهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي تَعَاطِي الْأَسْبَابِ مِنْ جِهَةِ الْمُكَلَّفِ الِالْتِفَاتُ إلَى الْمُسَبَّبَاتِ وَلَا الْقَصْدِ إلَيْهَا بَلْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْجَرَيَانُ تَحْتَ الْأَحْكَامِ الْمَوْضُوعَةِ لَا غَيْرُ، أَسْبَابًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ أَسْبَابٍ مُعَلَّلَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مُعَلَّةٍ وَلِلْمُكَلَّفِ تَرْكُ الْقَصْدِ إلَى الْمُسَبَّبِ وَلَهُ الْقَصْدُ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْمَصَالِحِ الَّتِي تُوجَدُ عَنْ السَّبَبِ لِأَنَّهُ الْتِفَاتٌ إلَى الْعَادَاتِ الْجَارِيَةِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [الجاثية: 12] وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ} [الطلاق: 11] وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ وَلِلِالْتِفَاتِ إلَى الْمُسَبَّبَاتِ بِالْأَسْبَابِ الَّذِي هُوَ الْقِسْم الثَّانِي ثَلَاثُ مَرَاتِبَ (إحْدَاهَا) أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا عَلَى أَنَّ السَّبَبَ فَاعِلٌ لِلْمُسَبَّبِ أَوْ مَدْلُولِهِ وَهَذَا شِرْكٌ أَوْ مُضَاهٍ لَهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذْ السَّبَبُ وَالْعِلَّةُ فِي الشَّرْعِ غَيْرُ فَاعِلٍ بِنَفْسِهِ بَلْ دَلِيلٌ وَأَمَارَةٌ فَلِذَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ لَا تُمْنَعُ فِي الشَّرْعِ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ عَامَّةً وَالْحُكْمُ خَاصًّا أَوْ أُرِيدَ مِنْ الْعِلَّةِ. اهـ (وَالثَّانِيَةُ) أَنْ يَدْخُلَ فِي السَّبَبِ عَلَى أَنَّ الْمُسَبَّبَ يَكُونُ عِنْدَهُ عَادَةً كَمَا هُوَ الْجَارِي عَلَى مُقْتَضَى عَادَةِ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ وَهُوَ غَالِبُ أَحْوَالِ الْخَلْقِ فِي الدُّخُولِ فِي الْأَسْبَابِ (وَالثَّالِثَةُ) أَنْ يَدْخُلَ فِي السَّبَبِ عَلَى أَنَّ الْمُسَبَّبَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ الْمُسَبِّبُ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ السَّبَبِ فِي الْمُسَبِّبِ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ وَاعْتِبَارِهِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ اللَّهَ مُسَبِّبٌ وَذَلِكَ صَحِيحٌ وَلِتَرْكِ الِالْتِفَاتِ إلَى الْمُسَبِّبِ الَّذِي هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ أَيْضًا (إحْدَاهَا) أَنْ يَدْخُلَ فِي السَّبَبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ ابْتِلَاءٌ لِلْعِبَادِ وَامْتِحَانٌ لَهُمْ فَإِنَّهَا طَرِيقٌ إلَى السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ وَالْآخِذُ لَهَا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ آخِذٌ لَهَا مِنْ حَيْثُ وُضِعَتْ مَعَ التَّحَقُّقِ بِذَلِكَ فِيهَا وَهَذَا صَحِيحٌ وَصَاحِبُ هَذَا الْقَصْدِ مُتَعَبِّدٌ لِلَّهِ بِمَا تَسَبَّبَ بِهِ مِنْهَا حِينَئِذٍ تَسَبَّبَ بِالْإِذْنِ فِيمَا أُذِنَ فِيهِ لِيُظْهِرَ عُبُودِيَّتَهُ لِلَّهِ فِيهِ

الْقَوَاعِدِ الصَّحِيحَةِ. (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الطَّلَاقِ مِنْ النِّيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُشْتَرَطُ) اعْلَمْ أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي الصَّرِيحِ إجْمَاعًا، وَلَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ إجْمَاعًا وَفِي اشْتِرَاطِهَا قَوْلَانِ، وَهَذَا هُوَ مُتَحَصِّلُ الْكَلَامِ الَّذِي فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ ظَاهِرُ التَّنَاقُضِ وَلَا تَنَاقُضَ فِيهِ فَحَيْثُ قَالَ الْفُقَهَاءُ إنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي الصَّرِيحِ فَيُرِيدُونَ الْقَصْدَ لِإِنْشَاءِ الصِّيغَةِ احْتِرَازًا مِنْ سَبْقِ اللِّسَانِ لِمَا لَمْ يَقْصِدْ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ اسْمُهَا طَارِقًا فَيُنَادِيهَا فَيَسْبِقُ لِسَانُهُ فَيَقُولُ لَهَا يَا طَالِقُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ اللَّفْظَ وَحَيْثُ قَالُوا النِّيَّةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الصَّرِيحِ فَمُرَادُهُمْ الْقَصْدُ لِاسْتِعْمَالِ الصِّيغَةِ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ فَإِنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ فِي الصَّرِيحِ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ الْكِنَايَاتِ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا مَعْنَى الطَّلَاقِ. وَأَمَّا الصَّرِيحُ فَلَا وَحَيْثُ قَالُوا فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الصَّرِيحِ قَوْلَانِ فَيُرِيدُونَ بِالنِّيَّةِ هَاهُنَا الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَأَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ النِّيَّةَ وَيُرِيدُونَ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَإِلَّا فَمَنْ قَصَدَ وَعَزَمَ عَلَى طَلَاقِ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ لَا يَلْزَمُ بِذَلِكَ طَلَاقٌ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إذَا أَنْشَأَ طَلَاقَهَا بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ كَمَا يُنْشِئُهُ بِكَلَامِهِ اللِّسَانِيِّ فَيُعَبِّرُونَ عَنْهُ بِالنِّيَّةِ وَعَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ الْجَلَّابِ بِاعْتِقَادٍ بِقَلْبِهِ فَقَالَ، وَمَنْ اعْتَقَدَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَلْفِظْ بِلِسَانِهِ فَفِي لُزُومِ الطَّلَاقِ لَهُ قَوْلَانِ وَالِاعْتِقَادُ لَا يَلْزَمُ بِهِ طَلَاقٌ إجْمَاعًا فَلَوْ اعْتَقَدَ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ. ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ بُطْلَانُ اعْتِقَادِهِ بَقِيَتْ لَهُ زَوْجَةً إجْمَاعًا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ فَالْمَشْهُورُ اشْتِرَاطُهُ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْوَلِيدِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَأَنَّهُ إذَا طَلَّقَ بِلِسَانِهِ لَا بُدَّ أَنْ يُطَلِّقَ أَيْضًا بِقَلْبِهِ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ فِي كَلَامِهِمْ وَأَنَّهَا أَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ وَفِي الْفَرْقِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ تُوَضِّحُهُ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَوْ أَرَادَ التَّلَفُّظَ بِالطَّلَاقِ فَقَالَ اشْرَبِي أَوْ نَحْوَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْوِيَ طَلَاقَهَا بِمَا تَلَفَّظَ بِهِ فَيَجْتَمِعُ اللَّفْظُ وَالنِّيَّةُ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ وَنِيَّتُهُ وَاحِدَةٌ فَسَبَقَ لِسَانُهُ لِلْبَتَّةِ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ قَالَ سَحْنُونٌ إذَا كَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يَنْوِهِ يُرِيدُ أَنَّ اللَّفْظَ وَحْدَهُ لَا يَلْزَمُ بِهِ الطَّلَاقُ وَهُوَ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ نِيَّةٌ مَعَ لَفْظِ الثَّلَاثِ فَلِذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ ثَلَاثٌ فِي الْفُتْيَا وَيَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْقَضَاءِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى مِنْ وَثَاقِ وِلَايَتِهِ وَجَاءَ مُسْتَفْتِيًا طَلُقَتْ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ بَرِيَّةٌ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ طَلَاقًا وَيُؤْخَذُ النَّاسُ بِأَلْفَاظِهِمْ وَلَا تَنْفَعُهُمْ نِيَّتُهُمْ إلَّا أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا مُلْتَفِتًا إلَى مُسَبَّبَاتِهَا وَإِنْ انْجَرَّتْ مَعَهَا فَهُوَ كَالْمُتَسَبِّبِ بِسَائِرِ الْعِبَادَاتِ الْمَحْضَةِ (وَالثَّانِيَةُ) أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ بِحُكْمِ قَصْدِ التَّجَرُّدِ عَنْ الِالْتِفَاتِ إلَى الْمُسَبَّبَاتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَفْرِيدَ الْمَعْبُودِ بِالْعِبَادَةِ أَنْ لَا يُشْرَكَ مَعَهُ فِي قَصْدِهِ سِوَاهُ وَاعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ التَّشْرِيكَ خُرُوجٌ عَنْ خَالِصِ التَّوْحِيدِ بِالْعِبَادَةِ لِأَنَّ بَقَاءَ الِالْتِفَاتِ إلَى ذَلِكَ كُلِّهِ بَقَاءٌ مِنْ الْمُحْدَثَاتِ وَرُكُونٌ إلَى الْأَعْيَانِ وَهُوَ تَدْقِيقٌ فِي نَفْيِ الشِّرْكَةِ وَهَذَا أَيْضًا فِي مَوْضِعِهِ صَحِيحٌ (وَالثَّالِثَةُ) أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ بِحُكْمِ الْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ مُجَرَّدًا عَنْ النَّظَرِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَوَجَّهَهُ إلَى السَّبَبِ تَلْبِيَةً لِلْآمِرِ لِتَحْقِيقِهِ بِمَقَامِ الْعُبُودِيَّةِ وَهَذَا شَامِلٌ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلِمَ قَصْدَ الشَّارِعِ فِي تِلْكَ الْأُمُورِ تَوَخَّى قَصْدَهُ مِنْ غَيْرِ نَظِيرٍ فِي غَيْرِهِ فَحَصَلَ لَهُ كُلُّ مَا فِي ضِمْنِ ذَلِكَ الْمُتَسَبَّبِ مِمَّا عُلِمَ وَمِمَّا لَمْ يُعْلَمْ فَهُوَ طَالِبٌ لِلْمُسَبَّبِ مِنْ طَرِيقِ السَّبَبِ وَعَالِمٌ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَبِّبُ وَهُوَ الْمُبْتَلِي بِهِ وَمُتَحَقِّقٌ فِي صِدْقِ التَّوَجُّهِ بِهِ إلَيْهِ فَقَصْدُهُ مُطْلَقٌ وَإِنْ دَخَلَ فِيهِ قَصْدُ الْمُسَبَّبِ لَكِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ الْأَغْيَارِ مُصَفًّى مِنْ الْأَكْدَارِ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْمُسَبَّبَاتِ مُرَتَّبَةٌ عَلَى فِعْلِ الْأَسْبَابِ شَرْعًا وَأَنَّ الشَّارِعَ يَعْتَبِرُ الْمُسَبَّبَاتِ فِي الْخِطَابِ بِالْأَسْبَابِ وَيَتَرَتَّبُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُكَلَّفِ إذَا اعْتَبَرَهُ أُمُورٌ: (مِنْهَا) أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ الْمُسَبَّبَاتِ فِي الْعَادَةِ تَجْرِي عَلَى وِزَانِ الْأَسْبَابِ فِي الِاسْتِقَامَةِ أَوْ الِاعْوِجَاجِ فَإِذَا كَانَ السَّبَبُ تَامًّا وَالتَّسَبُّبُ عَلَى مَا يَنْبَغِي كَانَ الْمُسَبَّبُ كَذَلِكَ وَبِالضِّدِّ (وَمِنْهَا) أَنَّ الْمُسَبَّبَاتِ قَدْ تَكُونُ خَاصَّةً بِمَعْنَى أَنْ تَكُونَ بِحَسَبِ وُقُوعِ السَّبَبِ كَالْبَيْعِ الْمُتَسَبَّبِ بِهِ إلَى إبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ وَالنِّكَاحِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ حِلِّيَّةٌ الِاسْتِمَاعِ وَالذَّكَاةِ الَّتِي بِهَا يَحْصُلُ حِلُّ الْأَكْلِ وَكَالسُّكْرِ النَّاشِئِ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَإِزْهَاقِ الرُّوحِ الْمُسَبَّبِ عَنْ حَزِّ الرَّقَبَةِ وَقَدْ تَكُونُ عَامَّةً كَالطَّاعَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبٌ بِالْفَوْزِ فِي النَّعِيمِ وَالْمَعَاصِي الَّتِي هِيَ سَبَبٌ فِي دُخُولِ الْجَحِيمِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُسَبَّبُ إنْ كَانَ مِنْ شَأْنِ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ التَّقْوِيَةُ لِلسَّبَبِ وَالتَّكْمِلَةُ لَهُ وَالتَّحْرِيضُ فِي الْمُبَالَغَةِ فِي إكْمَالِهِ فَهُوَ الَّذِي يَجْلِبُ الْمَصْلَحَةَ وَإِنْ كَانَ مِنْ شَأْنِ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ أَنْ يَكِرَّ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِبْطَالِ أَوْ بِالْإِضْعَافِ أَوْ بِالتَّهَاوُنِ بِهِ فَهُوَ الَّذِي يَجْلِبُ الْمَفْسَدَةَ وَهَذَانِ الْقِسْمَانِ عَلَى ضَرْبَيْنِ (أَحَدُهُمَا) مَا شَأْنُهُ ذَلِكَ بِإِطْلَاقٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُقَوِّي السَّبَبَ أَوْ يُضَعِّفُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ زَمَانٍ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ حَالٍ يَكُونُ عَلَيْهَا الْمُكَلَّفُ (وَالثَّانِي) مَا شَأْنُهُ ذَلِكَ لَا بِإِطْلَاقٍ بَلْ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِ الْمُكَلَّفِينَ دُونَ بَعْضٍ أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ دُونَ بَعْضٍ أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِ أَحْوَالِ الْمُكَلَّفِ دُونَ بَعْضٍ فَإِنَّهُ يَنْقَسِمُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى قِسْمَيْنِ (أَحَدُهُمَا) مَا يَكُونُ فِي التَّقْوِيَةِ وَالتَّضْعِيفِ مَقْطُوعًا بِهِ (وَالثَّانِي) مَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ مَظْنُونًا

تَكُونَ قَرِينَةٌ مُصَدِّقَةٌ قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ فِي التَّحَدُّثِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قِيلَ يُدَيَّنُ، وَقِيلَ لَا إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوَابًا وَهُوَ مَذْهَبُ الْكِتَابِ قَالَ وَيَتَخَرَّجُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلْزَامُ الطَّلَاقِ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ وَمِنْ قَوْلِهِ فِي الَّذِي أَرَادَ وَاحِدَةً فَسَبَقَ لِسَانُهُ لِلْبَتَّةِ وَمِنْ هَزْلِ الطَّلَاقِ أَيْضًا وَيُؤْخَذُ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ مَعَ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ فِي الْكِتَابِ يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَرَادَ تَعْلِيقَهُ. ثُمَّ بَدَا لَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَهُ نَظَائِرُ فِي الْمَذْهَبِ وَوَافَقَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ اللَّخْمِيَّ عَلَى أَنَّ مَسْأَلَةَ الْوَثَاقِ طَلَاقٌ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ، وَإِلْزَامُ الطَّلَاقِ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ إنَّمَا هُوَ إذَا طَلَّقَ بِلِسَانِهِ غَيْرَ مُطَلِّقٍ بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ كَمَا قَالَ فِي مَسْأَلَةِ أَلْبَتَّةَ أَمَّا إذَا صَرَفَ اللَّفْظَ بِقَصْدِهِ عَنْ إزَالَةِ الْعِصْمَةِ إلَى غَيْرِهِ نَحْوَ مَسْأَلَةِ الْوَثَاقِ فَإِلْزَامُ الطَّلَاقِ بِهِ لَوْ قِيلَ إنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ لَمْ يَبْعُدْ؛ لِأَنَّهُ نَظِيرُ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَقِيلَ لَهُ مَا صَنَعْت فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ وَأَرَادَ الْإِخْبَارَ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ لَا يَلْزَمُهُ فِي الْفُتْيَا إجْمَاعًا وَنَظِيرُهُ أَيْضًا مَنْ لَهُ أَمَةٌ وَزَوْجَةٌ اسْمُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حِكْمَةُ، وَقَالَ حِكْمَةُ طَالِقٌ، وَقَالَ نَوَيْت الْأَمَةَ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ فِي الْفُتْيَا اتِّفَاقًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَثَاقِ عَلَى اللُّزُومِ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفُتْيَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَجَاءَ مُسْتَفْتِيًا وَإِنْ أَوْهَمَ اللُّزُومَ فِي الْفُتْيَا فَمُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ يُؤْخَذُ النَّاسُ بِأَلْفَاظِهِمْ وَلَا تَنْفَعُهُمْ نِيَّتُهُمْ وَالْأَخْذُ إنَّمَا يَكُونُ لِلْحَاكِمِ دُونَ الْمُفْتِي، وَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُهُ الْقَرِينَةَ فَإِنَّ الْمُفْتِي يَتْبَعُ الْأَسْبَابَ وَالْمَقَاصِدَ دُونَ الْقَرَائِنِ وَإِلَّا فَيَلْزَمُ مُخَالَفَةُ الْقَوَاعِدِ وَيَتَعَذَّرُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا ذَكَرَ مِنْ النَّظَائِرِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُك وَنَوَى عَدَدًا لَزِمَهُ وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إذَا نَوَى الثَّلَاثَ لَزِمَهُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يُفِيدُ إلَّا أَصْلَ الْمَعْنَى فَالزَّائِدُ يَكُونُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَالنِّيَّةُ لَا تُوجِبُ طَلَاقًا وَجَوَابُهُ أَنَّ لَفْظَ ثَلَاثًا إذَا لَفَظَ بِهَا تَبَيَّنَ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ نَحْوُ قَوْلِهِ قَبَضْت عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَقَوْلُهُ دِرْهَمًا يُفِيدُ اخْتِصَاصَ الْعَدَدِ بِالدَّرَاهِمِ وَإِنْ كَانَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لُغَةً فَكَذَلِكَ ثَلَاثًا يُخَصِّصُ اللَّفْظَ بِالْبَيْنُونَةِ وَكُلُّ مَا كَانَ يَحْصُلُ مَعَ الْمُفَسِّرِ وَجَبَ أَنْ يَحْصُلَ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُفَسَّرَ إنَّمَا جُعِلَ لِفَهْمِ السَّامِعِ لَا لِثُبُوتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أُقِيمُوا الصَّلَاةَ الشَّرْعِيَّةَ لَكِنْ لَمَّا وَرَدَ الْبَيَانُ مِنْ السُّنَّةِ فِي خُصُوصِيَّاتِهَا وَهَيْئَاتِهَا وَأَحْوَالِهَا عُدَّ ذَلِكَ ثَابِتًا بِلَفْظِ الْقُرْآنِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ مَشْرُوعَةٌ بِالْقُرْآنِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ بَيَانٍ لِمُجْمَلٍ يُعَدُّ مَنْطُوقًا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ مَشْكُوكًا فِيهِ مَوْضِعُ نَظَرٍ وَتَأَمُّلٍ فَيُحْكَمُ بِمُقْتَضَى الظَّنِّ وَيُوقَفُ عِنْدَ تَعَارُضِ الظُّنُونِ اُنْظُرْ الْمُوَافَقَاتِ لِلْإِمَامِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ فَإِذَا عَلِمْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْإِبَاحَةَ إنْ كَانَتْ مَنْسُوبَةً إلَى سَبَبٍ تَامٍّ وَتَسَبُّبُهَا عَنْهُ عَلَى مَا يَنْبَغِي ثَبَتَتْ بِهِ مُطْلَقَةً أَيْ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ بِحَيْثُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَهَا التَّحْرِيمُ أَصْلًا فَلَا يَكُونُ عَلَى الْمُكَلَّفِ حَرَجٌ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْفِعْلِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَتْ مَنْسُوبَةً إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ تَامٍّ وَسَبَبُهَا عَنْهُ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي ثَبَتَتْ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ السَّبَبِ الْمُعَيَّنِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ حَرَجٌ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنْ جِهَةِ ذَلِكَ السَّبَبِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ حَرَجٌ فِي الْإِقْدَامِ بِاعْتِبَارِ سَبَبٍ آخَرَ فَيَجْتَمِعُ التَّحْرِيمُ مَعَهَا وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ أَسْبَابَ التَّحْرِيمِ قَدْ يَجْتَمِعُ. وَقَدْ تَفْتَرِقُ وَإِنْ اجْتَمَعَتْ وَلَمْ يَرْتَفِعْ مِنْهَا وَاحِدٌ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا وَإِنْ ارْتَفَعَتْ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا وَاحِدٌ ثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ الْمُطْلَقَةُ وَإِنْ ارْتَفَعَ مِنْ سَبَبَيْ التَّحْرِيمِ أَوْ أَسْبَابِهِ وَاحِدٌ ثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ السَّبَبِ الْمُرْتَفِعِ خَاصَّةً وَبَقِيَ الْفِعْلُ مُحَرَّمًا بِاعْتِبَارِ مَا بَقِيَ مِنْ السَّبَبَيْنِ وَالْأَسْبَابِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لِلتَّحْرِيمِ سَبَبٌ وَاحِدٌ فَزَالَ وَخَلَفَهُ سَبَبٌ آخَرُ صَدَقَتْ الْإِبَاحَةُ بِاعْتِبَارِ زَوَالِ ذَلِكَ السَّبَبِ الْأَوَّلِ وَصَدَقَ التَّحْرِيمُ بِاعْتِبَارِ الْمُتَجَدِّدِ وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَبِمَعْرِفَةِ هَذَا الْفَرْقِ وَالِالْتِفَاتِ إلَى الْمُسَبَّبَاتِ مَعَ أَسْبَابِهَا تَنْدَفِعُ إشْكَالَاتٌ تَرِدُ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى الْفِقْهِ وَعَلَى النُّصُوصِ بِسَبَبِ تَعَارُضِ أَحْكَامِ أَسْبَابٍ تَقَدَّمَتْ مَعَ أَسْبَابٍ أُخَرٍ حَاضِرَةٍ (مِنْهَا) أَنَّ مُقْتَضَى حَتَّى الَّتِي هِيَ حَرْفُ غَايَةٍ أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهَا مُخَالِفًا لِمَا بَعْدَهَا وَيَكُونَ مَا بَعْدَهَا نَقِيضَ مَا قَبْلَهَا وَيَظْهَرُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ حَلَالًا إذَا عَقَدَ عَلَيْهَا زَوْجٌ آخَرُ وَوَطِئَهَا مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ إجْمَاعًا بَلْ هِيَ حَرَامٌ عَلَى حَالِهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا هَذَا الزَّوْجُ. وَإِذَا طَلَّقَهَا لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا وَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى يَعْقِدَ عَلَيْهَا وَإِذَا عَقَدَ عَلَيْهَا أَيْ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ لَا تَحِلُّ حَتَّى تَنْتَفِي مَوَانِعُ الْوَطْءِ مِنْ الْحَيْضِ وَالصِّيَامِ وَالْإِحْرَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْصُلْ مُقْتَضَى الْغَايَةِ وَحَاصِلُ دَفْعِهِ أَنَّ مُقْتَضَى الْغَايَةِ قَدْ حَصَلَ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا قَدْ زَالَ تَحْرِيمُهَا الْحَاصِلُ بِكَوْنِهَا مُطَلَّقَةً ثَلَاثًا لَمَّا تَزَوَّجَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي إلَّا أَنَّهُ بَقِيَ تَحْرِيمُهَا النَّاشِئُ عَنْ كَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً وَتَجَدَّدَ مَعَهُ سَبَبٌ آخَرُ لِلتَّحْرِيمِ صَارَ خَلَفًا عَنْ السَّبَبِ الزَّائِلِ وَهُوَ كَوْنُهَا زَوْجَةً لِغَيْرِهِ وَإِذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي زَالَ السَّبَبُ الْمُتَجَدِّدُ وَخَلَفَهُ سَبَبٌ آخَرُ مُتَجَدِّدٌ مَعَ سَبَبِ كَوْنِهَا أَجْنَبِيَّةً وَهُوَ كَوْنُهَا فِي الْعِدَّةِ وَإِذَا كَمَّلَتْ الْعِدَّةَ وَعَقَدَ عَلَيْهَا الزَّوْجُ الْأَوَّلُ زَالَ سَبَبَا التَّحْرِيمِ وَبَقِيَتْ مُحَرَّمَةً بِسَبَبِ مَا تَجَدَّدَ مِنْ حَيْضٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ إحْرَامٍ أَوْ غَيْرِهَا

بِهِ فِي ذَلِكَ الْمُجْمَلِ كَذَلِكَ هَاهُنَا وَإِنْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَافَقَنَا عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا وَطَلَّقْتُك وَطَلِّقِي نَفْسَك أَنَّهُ إذَا نَوَى بِهَا الثَّلَاثَ لَزِمَتْهُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ حَكَى صَاحِبُ كِتَابِ مَجَالِسِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الرَّشِيدَ كَتَبَ إلَى قَاضِيهِ أَبِي يُوسُفَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَبَعَثَ بِهَا إلَيْهِ يَمْتَحِنُهُ بِهَا: فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ ... وَإِنْ تَخْرِقِي يَا هِنْدُ فَالْخَرْقُ أَشْأَمُ فَأَنْتَ طَالِقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ... ثَلَاثًا وَمَنْ يَخْرِقْ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ فَبِينِي بِهَا أَنْ كُنْتِ غَيْرَ رَفِيقَةٍ ... وَمَا لِامْرِئٍ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ مُقَدَّمُ وَقَالَ لَهُ إذَا نَصَبْنَا ثَلَاثًا كَمْ يَلْزَمُهُ، وَإِذَا رَفَعْنَا كَمْ يَلْزَمُهُ فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَحَمَلَ الرُّقْعَةَ لِلْكِسَائِيِّ وَكَانَ مَعَهُ فِي الدَّرْبِ فَقَالَ لَهُ الْكِسَائِيُّ اُكْتُبْ لَهُ فِي الْجَوَابِ يَلْزَمُهُ بِالرَّفْعِ وَاحِدَةٌ وَبِالنَّصْبِ ثَلَاثٌ يَعْنِي أَنَّ الرَّفْعَ يَقْتَضِي أَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ الثَّانِي وَيَكُونُ مُنْقَطِعًا عَنْ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَتَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ وَبِالنَّصْبِ يَكُونُ تَمْيِيزًا لِقَوْلِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فَإِنْ، قُلْت إذَا نَصَبْنَاهُ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ تَمْيِيزًا عَنْ الْأَوَّلِ كَمَا، قُلْت وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِ مِنْ الثَّانِي أَيْ الطَّلَاقُ مَعْزُومٌ عَلَيْهِ فِي حَالِ كَوْنِهِ ثَلَاثًا أَوْ تَمْيِيزًا لَهُ فَلِمَ خَصَصْته بِالْأَوَّلِ، قُلْت: الطَّلَاقُ الْأَوَّلُ مُنَكَّرٌ يَحْتَمِلُ بِسَبَبِ تَنْكِيرِهِ جَمِيعَ مَرَاتِبِ الْجِنْسِ وَأَعْدَادِهِ وَأَنْوَاعِهِ مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَجْلِ التَّنْكِيرِ فَاحْتَاجَ لِلتَّمْيِيزِ لِيَحْصُلَ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ الْمُنَكَّرِ الْمَجْهُولِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَمُعَرِّفُهَا اسْتَغْنَى بِتَعْرِيفِهِ وَاسْتِغْرَاقِهِ النَّاشِئِ عَنْ لَامِ التَّعْرِيفِ عَنْ الْبَيَانِ فَهَذَا هُوَ الْمُرَجَّحُ وَيُحْكَى أَنَّ الرَّشِيدَ بَعَثَ لَهُ بِهَذِهِ الرُّقْعَةِ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَبَعَثَ أَبُو يُوسُفَ الْجَوَابَ بِهَا أَوَّلَ اللَّيْلِ عَلَى حَالِهِ وَجَاءَهُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ بِغَالٌ مُوسَقَةٌ قُمَاشًا وَتُحَفًا جَائِزَةً عَلَى جَوَابِهِ فَبَعَثَ بِهَا أَبُو يُوسُفَ إلَى الْكِسَائِيّ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا بِسَبَبِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعَانَهُ عَلَى الْجَوَابِ فِيهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِذَا زَالَ ذَلِكَ أَيْضًا ثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ الْمُطْلَقَةُ وَكَانَ الثَّابِتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْإِبَاحَةَ الْمَنْسُوبَةَ إلَى سَبَبٍ مَخْصُوصٍ فَظَهَرَ أَنَّ الْغَايَةَ عَلَى بَابِهَا لَمْ تُخَالِفْ مُقْتَضَاهَا بَلْ هِيَ مَعْمُولٌ بِهَا وَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ عَنْ الْآيَةِ وَمِنْهَا أَنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ عَلَى الْمُكَلَّفِ الِامْتِثَالُ مَعَ بَقَاءِ الْعِصْيَانِ إمَّا فِي الْفِعْلِ الْوَاحِدِ وَإِمَّا فِي فِعْلٍ مُتَعَدِّدٍ فَكَانَ عَاصِيًا مُمْتَثِلًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَمَأْمُورًا مَنْهِيًّا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَذَلِكَ تَكْلِيفٌ بِالْمُحَالِ لَا يُمْكِنُهُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا بِالْخُرُوجِ وَالتَّوْبَةِ فِي وَجْهٍ يُمْكِنُهُ وَلَا يُمْكِنُ مَعَ بَقَاءِ حُكْمِ النَّهْيِ فِي نَفْسِ الْخُرُوجِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَرْتَفِعَ حُكْمُ النَّهْيِ فِي الْخُرُوجِ وَذَلِكَ فِي مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) مَنْ تَوَسَّطَ أَرْضًا مَغْصُوبَةً بِهِ ثُمَّ تَابَ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْهَا قَالَ أَبُو هَاشِمٍ هُوَ عَلَى حُكْمِ الْمَعْصِيَةِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِانْفِصَالِهِ عَنْ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ، وَرَدَّ النَّاسُ عَلَيْهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مَنْ تَابَ عَنْ الْقَتْلِ بَعْدَ رَمْيِ السَّهْمِ عَنْ الْقَوْسِ وَقَبْلَ وُصُولِهِ إلَى الرَّمِيَّةِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) مَنْ تَابَ مِنْ بِدْعَتِهِ بَعْدَمَا بَثَّهَا فِي النَّاسِ وَقَبْلَ أَخْذِهِمْ بِهَا أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَبْلَ رُجُوعِهِمْ عَنْهَا (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) مَنْ رَجَعَ عَنْ شَهَادَتِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهَا وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَبِالْجُمْلَةِ بَعْدَ تَعَاطِي السَّبَبِ عَلَى كَمَالِهِ وَقَبْلَ تَأْثِيرِهِ وَوُجُودِ مَفْسَدَتِهِ أَوْ بَعْدَ وُجُودِهَا وَقَبْلَ ارْتِفَاعِهَا إنْ أَمْكَنَ ارْتِفَاعُهَا فَقَدْ اجْتَمَعَ عَلَى الْمُكَلَّفِ هُنَا الِامْتِثَالُ مَعَ بَقَاءِ الْعِصْيَانِ وَقَدْ أَشَارَ الْإِمَامُ فِي الْبُرْهَانِ إلَى تَصْوِيرِ هَذَا الِاجْتِمَاعِ وَصِحَّتِهِ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ عِصْيَانٌ فَانْسَحَبَ عَلَيْهِ حُكْمُ التَّسَبُّبِ وَإِنْ ارْتَفَعَ بِالتَّوْبَةِ لِأَنَّ أَصْلَ التَّسَبُّبِ أَنْتَجَ مُسَبَّبَاتٍ خَارِجَةً عَنْ نَظَرِهِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا مُمْتَثِلًا هُنَا إلَّا أَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ لَا يَتَوَارَدَانِ عَلَيْهِ فِي هَذَا التَّصْوِيرِ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْعِصْيَانِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِهِ لِأَنَّهُ مُسَبَّبٌ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ قُدْرَتِهِ فَلَا نَهْيَ إذْ ذَاكَ، وَمِنْ جِهَةِ الِامْتِثَالِ مُكَلَّفٌ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْخُرُوجِ وَمُمْتَثِلٌ بِهِ فَلَوْ نَظَرَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْمُسَبَّبَ خَارِجٌ عَنْ نَظَرِ الْمُكَلَّفِ لَمْ يَسْتَبْعِدُوا اجْتِمَاعَ الِامْتِثَالِ مَعَ اسْتِصْحَابِ حُكْمِ الْمَعْصِيَةِ إلَى الِانْفِصَالِ عَنْ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ بَلْ وَجَدُوا نَفْسَ الْخُرُوجِ ذَا وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) وَجْهُ كَوْنِهِ سَبَبًا فِي الْخُلُوصِ عَنْ التَّعَدِّي بِالدُّخُولِ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ مِنْ كَسْبِهِ (وَالثَّانِي) كَوْنُهُ نَتِيجَةَ دُخُولِهِ ابْتِدَاءً وَلَيْسَ مِنْ كَسْبِهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ إذْ لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْكَفِّ عَنْهُ فَاتَّضَحَ حِينَئِذٍ مَعْنَى مَا أَرَادَهُ الْإِمَامُ وَأَبُو هَاشِمٍ وَأَنَّ مَا اعْتَرَضَ بِهِ عَلَيْهِمَا لَا يَرِدُ مَعَ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ إذَا تَأَمَّلَهَا أَفَادَهُ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ فِي الْمُوَافَقَاتِ (وَمِنْهَا) أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا تَرَكَ الصَّلَاةَ وَزَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ وَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ وَقَتَلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ فَقَدْ أُبِيحَ دَمُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ فَإِذَا

[الفرق بين قاعدة ما يقر من أنكحة الكفار وقاعدة ما لا يقر منها]

(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الذَّوَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الصِّفَاتِ) اعْلَمْ أَنَّ الْبَابَيْنِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ غَيْرَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الصِّفَاتِ يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى فِيهِ بِلَفْظٍ دَالٍّ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ فِي الظَّاهِرِ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الذَّوَاتِ وَبَيَانُ ذَلِكَ بِمَسْأَلَتَيْنِ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى نَقْلُ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ، وَقَالَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ إنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً إنْ كَانَ مُسْتَفْتِيًا. وَقَالَ نَوَيْت ذَلِكَ وَفِي مَوْضِعٍ لَوْ سَكَتَ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَيَخْتَلِفُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ آتٍ بِمَا لَا يُشْبِهُ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ، وَيَخْتَلِفُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ إلَّا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَثْنِيًا لِلْأَوَّلِ وَإِنْ قَالَ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً وَأَعَادَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْوَاحِدَةِ يَقَعُ عَلَيْهِ اثْنَتَانِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ طَلْقَتَانِ إنْ أَعَادَهُ عَلَى طَلْقَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ إنْ أَعَادَهُ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْمَسَائِلِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَتَقْرِيرُهَا وَإِيضَاحُهَا أَنْ تَقُولَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً مَعْنَاهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَالطَّلَاقُ مَصْدَرٌ قَدْ وَصَفَهُ بِالْوَحْدَةِ فَهَاهُنَا حِينَئِذٍ صِفَةٌ وَمَوْصُوفٌ فِي كَلَامِهِ فَإِنْ قَصَدَ رَفْعَ الصِّفَةِ دُونَ الْمَوْصُوفِ فَقَدْ رَفَعَ بَعْضَ مَا نَطَقَ بِهِ فَيَصِحُّ وَلَنَا قَاعِدَةٌ عَقْلِيَّةٌ أَنَّ كُلَّ ضِدَّيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا إذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ ثُبُوتُ الْآخَرِ كَقَوْلِك هَذَا الْعَدَدُ لَيْسَ بِزَوْجٍ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ فَرْدًا. وَلَيْسَ بِفَرْدٍ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ زَوْجًا؛ لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ فِي الْعَدَدِ، وَكَذَلِكَ هَاهُنَا لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْوَحْدَةِ وَالْكَثْرَةِ فِي حَقِيقَةِ الْمَصْدَرِ فَإِذَا رَفَعَ الْوَحْدَةَ مِنْ مَصْدَرِ الطَّلَاقِ تَعَيَّنَ ضِدُّهَا وَهُوَ الْكَثْرَةُ وَأَقَلُّ مَرَاتِبِ الْكَثْرَةِ اثْنَانِ فَيَلْزَمُهُ طَلْقَتَانِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الزَّائِدِ عَلَيْهِمَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَهَا سِتُّ حَالَاتٍ الْحَالَةُ الْأُولَى مَا تَقَدَّمَ الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَقْصِدَ بِقَوْلِهِ وَاحِدَةً قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ الصِّفَةَ وَحْدَهَا. ثُمَّ يَسْتَثْنِيَهَا فَاسْتِثْنَاؤُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ جُمْلَةَ مَا وَضَعَهُ أَوَّلًا الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يَقْصِدَ بِقَوْلِهِ وَاحِدَةً نَفْسَ الطَّلَاقِ مِنْ حَيْثُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الذَّوَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الصِّفَاتِ) قُلْت هَذَا الْفَرْقُ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَنَظَرٍ، وَكَذَلِكَ الْفَرْقَانِ اللَّذَانِ بَعْدَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَفَا الْأَوْلِيَاءُ عَنْ الْقِصَاصِ ذَهَبَتْ الْإِبَاحَةُ النَّاشِئَةُ عَنْ الْقَتْلِ وَثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ النَّاشِئَةُ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ فَصَارَ مُبَاحَ الدَّمِ وَغَيْرَ مُبَاحِهِ لَكِنْ بِاعْتِبَارَيْنِ فَتَأَمَّلْ (وَمِنْهَا) اجْتِمَاعُ التَّحْرِيمِ مُضَاعَفًا فِي أَئِمَّةٍ، وَتَعَلُّقَاتُ الْخِطَابِ فِيهِ بِتَصَوُّرٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ الزِّنَى مُحَرَّمٌ وَبِالْبِنْتِ أَشَدُّ وَبِهَا فِي الصَّوْمِ أَشَدُّ وَمَعَ الْإِحْرَامِ أَشَدُّ وَفِي الْكَعْبَةِ أَشَدُّ فَيَكُونُ هَذَا الْفِعْلُ مُحَرَّمًا مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ وَأَنَّهُ مُضَاعَفٌ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَخِطَابُ التَّحْرِيمِ قَدْ حَصَلَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَرْبَعَ تَعْلِيقَاتٍ فَإِذَا تَصَوَّرْت اجْتِمَاعَ التَّحْرِيمَاتِ تَصَوَّرْت ارْتِفَاعَ بَعْضِهَا وَحُصُولَ الْإِبَاحَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ السَّبَبِ الْمُرْتَفِعِ مَعَ التَّحْرِيمِ بِالنِّسْبَةِ لِبَاقِي الْأَسْبَابِ وَتَصَوَّرْت أَيْضًا اجْتِمَاعَ الْوُجُوبَاتِ بِتَظَافُرِ أَسْبَابِهَا عَلَى الْفِعْلِ وَأَنَّهُ قَدْ يَرْتَفِعُ بَعْضُهَا فَيَحْصُلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ السَّبَبِ الْمُرْتَفِعِ وَالْوُجُوبُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا عَدَاهُ مِنْ الْأَسْبَابِ وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ تَارَةً تَثْبُتُ مُطْلَقَةً وَتَارَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُقَرُّ مِنْ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ وَقَاعِدَةُ مَا لَا يُقَرُّ مِنْهَا] (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُقَرُّ مِنْ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُقَرُّ مِنْهَا) فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ إذَا كَانَ مِنْ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَقَدْ كَانَ انْعَقَدَ النِّكَاحُ عَلَى مَنْ يَصِحُّ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ الْإِسْلَامَ يُصَحِّحُ ذَلِكَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا انْعَقَدَ النِّكَاحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ كَعَشْرٍ أَوْ خَمْسٍ أَوْ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ كَالْأُخْتَيْنِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد يَخْتَارُ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَمِنْ الْأُخْتَيْنِ وَاحِدَةً أَيَّتَهمَا شَاءَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى يَخْتَارُ الْأَوَائِلَ مِنْهُمْ فِي الْعَقْدِ فَإِنْ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إذَا أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ أُخْتَانِ فَارَقَهُمَا جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَأْنَفَ نِكَاحَ أَيَّتِهِمَا شَاءَ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ غَيْرُهُ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ مُعَارَضَةُ الْقِيَاسِ لِلْأَثَرِ وَذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي ذَلِكَ أَثَرَانِ (أَحَدُهُمَا) مُرْسَلُ مَالِكٍ أَنَّ «غَيْلَانَ بْنَ سَلَامَةَ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ أَسْلَمْنَ مَعَهُ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُمْ أَرْبَعًا» (الْحَدِيثُ الثَّانِي) حَدِيثُ «قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ أَسْلَمَ عَلَى الْأُخْتَيْنِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتَرْ أَيَّتَهمَا شِئْت» (وَأَمَّا) الْقِيَاسُ الْمُخَالِفُ لِلْأَثَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَتَشْبِيهُ الْعَقْدِ عَلَى الْأَوَاخِرِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِالْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَعْنِي أَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْعَقْدَ عَلَيْهِنَّ فَاسِدٌ فِي الْإِسْلَامِ كَذَلِكَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَفِيهِ ضَعْفٌ. اهـ بِتَصَرُّفٍ وَوَجْهُ الضَّعْفِ يَتَّضِحُ مِمَّا سَيَأْتِي فَتَنَبَّهْ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يَخْتَارُ أَرْبَعًا مِنْ الْعَشَرَةِ مُطْلَقًا وَأَيَّ وَاحِدَةٍ شَاءَ

هُوَ طَلَاقٌ وَلَا يَأْخُذُهُ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ وَلَا بِقَيْدِ الْكَثْرَةِ، ثُمَّ يُورِدُ الِاسْتِثْنَاءَ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ فَلَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ عَيْنَ مَا وَضَعَهُ (الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ) أَنْ يَقْصِدَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا الْمَصْدَرَ الْمَوْصُوفَ بِالْوَحْدَةِ وَيَقْصِدَ بِقَوْلِهِ إلَّا وَاحِدَةً الطَّلَاقَ الْمَوْصُوفَ بِالْوَحْدَةِ فَلَا يَنْفَعُهُ أَيْضًا اسْتِثْنَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ جُمْلَةَ مَا وَضَعَهُ (الْحَالَةُ الْخَامِسَةُ) أَنْ يُرِيدَ بِلَفْظِ الْأَوَّلِ الطَّلَاقَ الْمَوْصُوفَ بِالْوَحْدَةِ وَيَقْصِدَ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمَوْصُوفِ وَهُوَ مَفْهُومُ الطَّلَاقِ دُونَ الْوَحْدَةِ فَهَذَا مُسْتَثْنًى لِبَعْضِ مَا نَطَقَ بِهِ مُطَابَقَةً غَيْرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ أَصْلِ الطَّلَاقِ نَفْيُ صِفَاتِهِ مِنْ الْوَحْدَةِ وَالْكَثْرَةِ فَتَنْتَفِي الصِّفَةُ أَيْضًا مَعَ الْمَوْصُوفِ فَيَبْطُلُ اسْتِثْنَاؤُهُ وَيَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ بِالْمُطَابَقَةِ وَالِالْتِزَامِ (الْحَالَةُ السَّادِسَةُ) أَنْ يَسْتَعْمِلَ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي الطَّلَاقِ بِوَصْفِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إطْلَاقُ الْجِنْسِ وَإِرَادَةُ عَدَدٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُ فَإِذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا وَاحِدَةً يُرِيدُ بِهَا بَعْضَ ذَلِكَ الْعَدَدِ الَّذِي كَانَ يَقْصِدُهُ لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ وَهُمَا اللَّتَانِ بَقِيَتَا فِي الْأُولَى وَخَرَجَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ الثَّلَاثِ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَهَذَا تَقْرِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبِهَا ظَهَرَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً كَيْف تَلْزَمُهُ اثْنَتَانِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً إنْ أَرَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَحَدَ هَذِهِ الثَّلَاثِ لَزِمَهُ اثْنَتَانِ. وَإِنْ أَرَادَ اسْتِثْنَاءَ الصِّفَةِ وَهِيَ الْوَحْدَةِ عَنْ طَلْقَةٍ مِنْ هَذِهِ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَلْزَمَهُ أَرْبَعُ تَطْلِيقَاتٍ لِأَنَّهُ رَفَعَ صِفَةَ الْوَحْدَةِ عَنْ طَلْقَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ فَيَقَعُ فِيهَا الْكَثْرَةُ فَتَصِيرُ تِلْكَ الطَّلْقَةُ طَلْقَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ سَبِيلٌ إلَى لُزُومِ أَرْبَعٍ بِالْإِجْمَاعِ اقْتَصَرْنَا عَلَى ثَلَاثٍ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعَ تَطْلِيقَاتٍ وَمِنْ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الصِّفَاتِ قَوْلُ الشَّاعِرِ (: قَاتَلَ ابْنَ الْبَتُولِ إلَّا عَلِيًّا) قَالَ الْأُدَبَاءُ مَعْنَاهُ قَاتَلَ ابْنَ فَاطِمَةَ الْبَتُولِ أَيْ الْمُنْقَطِعَةِ عَنْ الْأَزْوَاجِ إلَّا عَنْ عَلِيٍّ فَاسْتَثْنَى مِنْ صِفَتِهَا وَلَمْ يَسْتَثْنِهَا غَيْرَ أَنَّهُ فِي هَذَا الْكَلَامِ لَمْ يَسْتَثْنِ جُمْلَةَ الصِّفَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ، بَلْ مِنْ مُتَعَلِّقِهَا فَإِنَّ الِانْقِطَاعَ الَّذِي هُوَ التَّبَتُّلُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَنْ الْأَزْوَاجِ كُلِّهَا فَلِذَلِكَ اسْتَثْنَى مِنْ مُتَعَلِّقِ التَّبَتُّلِ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمِنْ التَّبَتُّلِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا} [المزمل: 8] أَيْ انْقَطِعْ إلَيْهِ انْقِطَاعًا. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ - إِلا مَوْتَتَنَا الأُولَى} [الصافات: 58 - 59] فَهَذَا اسْتِثْنَاءُ نَوْعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْأُخْتَيْنِ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ لِأَنَّا نَحْمِلُ عُقُودَهُمْ عَلَى الصِّحَّةِ مُطْلَقًا تَرْغِيبًا لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ كَمَا سَقَطَ عَنْهُمْ الْقِصَاصُ وَالْغُصُوبُ وَمَا جَنَوْهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ وَيَثْبُتُ مَا اكْتَسَبُوهُ بِعُقُودِ الرِّبَا وَغَيْرِهِ مِنْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُمْ لَوْ فَهِمُوا الْمُؤَاخَذَةَ بِذَلِكَ لَنَفَرُوا عَنْ الْإِسْلَامِ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنْكِحَتُهُمْ عِنْدَهُمْ فَاسِدَةٌ وَإِنَّمَا الْإِسْلَامُ يُصَحِّحُهَا أَيْ بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَفْسَدَةٍ تَدُومُ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ أَوْ لَا تَدُومُ لَكِنْ أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ كَالزَّوَاجِ فِي الْعِدَّةِ فَيُسْلِمُ فِيهَا أَيْ فِي الْعِدَّةِ فَهُوَ يَبْطُلُ وَإِنْ عَرَى نِكَاحُهُمْ عَنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ صَحَّ بِالْإِسْلَامِ وَقَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا نَقْهَرُهُمْ عَلَى مَا هُوَ فَاسِدٌ عِنْدَ هُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا عِنْدَنَا وَلَوْ اعْتَقَدُوا غَصْبَ امْرَأَةِ أَوْ رِضَاهَا بِالْإِقَامَةِ مَعَ الرَّجُلِ بِغَيْرِ عَقْدٍ أَقْرَرْنَاهُمْ. اهـ قَالَ الْأَصْلُ سَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَالْقَضَاءُ بِبُطْلَانِ أَنْكِحَتِهِمْ مُطْلَقًا مُشْكِلٌ مِنْ وُجُوهٍ (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) وِلَايَةُ الْكَافِرِ لِلْكَافِرَةِ صَحِيحَةٌ وَالشَّهَادَةُ عِنْدَنَا لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الْعَقْدِ حَتَّى نَقُولَ لَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُمْ لِكُفْرِهِمْ عَلَى أَنَّا لَوْ قُلْنَا إنَّهَا شَرْطٌ وَأَشْهَدَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْمُسْلِمِينَ يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ وَالْمُسْلِمُ إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ شُهُودٍ لَهُ أَنْ يُشْهِدَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَيَسْتَقِرَّ عَقْدُهُ وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ صَدَاقَهُمْ قَدْ يَقَعُ بِمَا لَا يَحِلُّ مِنْ الْخَمْرِ وَهَذَا قَدْ يَقَعُ فِي أَنْكِحَةِ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ وَجُهَّالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ بِحَيْثُ تُحْمَلُ بَعْضُ الشُّرُوطِ أَوْ كُلُّهَا فَكَمَا لَا نَقْضِي بِفَسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ نُفَصِّلُ وَنَقُولُ مَا صَادَفَ الْأَوْضَاعَ الشَّرْعِيَّةَ وَاجْتَمَعَتْ شَرَائِطُهُ فَهُوَ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَلَا كَذَلِكَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا نَقْضِي بِفَسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ نُفَصِّلُ بِالتَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ بِأَنْ نَقُولَ بِصِحَّةِ مَا صَادَفَ سَوَاءٌ أَسْلَمُوا أَمْ لَا وَمَا لَمْ يُصَادِفْ فَهُوَ بَاطِلٌ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَقَدْ يَصِحُّ بِالْإِسْلَامِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَذْهَبَ تَقْرِيرُ رِضَاهُمْ بِالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْقَانُونِ أَنْ لَا يُخَيَّرَ بَيْنَ الْأُمِّ وَابْنَتِهَا إذَا أَسْلَمَ عَلَيْهِمَا بَلْ نَقُولُ إنْ تَقَدَّمَ عَقْدُ الْبِنْتِ صَحِيحًا تَعَيَّنَتْ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ وَإِذَا أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ لَا نَقْضِي بِالتَّخْبِيرِ مُطْلَقًا بَلْ نُفَرِّقُ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ وَقَعَ مِنْهَا أَرْبَعٌ أَوَّلًا عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ تَعَيَّنَتْ دُونَ مَا بَعْدَهَا وَإِنْ عَقَدَ عَلَى الْعَشَرَةِ جُمْلَةً وَاحِدَةً خُيِّرَ بَيْنَهُنَّ لِشُمُولِ الطَّلَاقِ لَهُنَّ (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّا إذَا حَكَمْنَا بِفَسَادِ أَنْكِحَتِهِمْ مُطْلَقًا كَانَ يَلِيقُ أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمَوَانِعِ الْمَاضِيَةِ وَمَا بَقِيَ

مِنْ الصِّفَةِ وَهِيَ الْمُونَةُ الْأُولَى، وَقَوْلُهُ بِمَيِّتِينَ لَفْظٌ يَشْمَلُهُمْ بِصِفَةِ الْمَوْتِ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَحَدًا، بَلْ بَعْضَ أَنْوَاعِ الصِّفَةِ فَصَارَ الِاسْتِثْنَاءُ تَارَةً يُقْطَعُ فِي جُمْلَةِ الصِّفَةِ كَمَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ وَفِي بَعْضِ أَنْوَاعِهَا كَالْآيَةِ وَفِي بَعْضِ مُتَعَلِّقَاتِهَا كَالشِّعْرِ الْمُتَقَدِّمِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَقُولُ مَرَرْت بِالسَّاكِنِ إلَّا السَّاكِنَ فَتَسْتَثْنِي الصِّفَةَ مِنْ الصِّفَةِ وَهُوَ السُّكُونُ فَقَطْ وَتَتْرُكُ الْمَوْصُوفَ فَتَتَعَيَّنُ لَهُ الْحَرَكَةُ، فَيَكُونُ مُرُورُك بِالْمُتَحَرِّكِ، وَكَذَلِكَ مَرَرْت بِالْمُتَحَرِّكِ إلَّا الْمُتَحَرِّكَ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّك مَرَرْت بِالسَّاكِنِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّقْرِيرُ، وَقَدْ بَسَطْتُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ فِي أَحْكَامِ الِاسْتِثْنَاءِ. وَهُوَ مُجَلَّدٌ كَبِيرٌ وَاحِدٌ وَخَمْسُونَ بَابًا وَأَرْبَعُمِائَةِ مَسْأَلَةٍ لَيْسَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا الِاسْتِثْنَاءُ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الصِّفَةِ مِنْ أَغْرَبِ أَبْوَابِهِ، وَقَدْ بَسَطْته لَك هَاهُنَا بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ وَظَهَرَ لَك مَعْنَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي الطَّلَاقِ بِسَبَبِهِ، وَلَوْلَاهُ لَمْ يُفْهَمْ أَصْلًا أَلْبَتَّةَ فَنَفَائِسُ الْقَوَاعِدِ لِنَوَادِرِ الْمَسَائِلِ وَجَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ هَدَانَا اللَّهُ سَوَاءَ السَّبِيلِ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ. (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِثْنَاءِ الْوَحَدَاتِ مِنْ الطَّلَاقِ) اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ قَامَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَخَالِدٌ إلَّا خَالِدًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ جُمْلَةٍ مَنْطُوقٍ بِهِ فِي الْمَعْطُوفِ وَالِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا جُعِلَ لِإِخْرَاجِ مَا كَانَ مُعَرِّضًا لِلنِّسْيَانِ فَيَنْدَرِجُ فِي الْكَلَامِ سَهْوًا فَيَخْرُجُ بِالِاسْتِثْنَاءِ، وَإِذَا قَصَدَ إلَى شَيْءٍ فِي الْمَعْطُوفِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْكَلَامِ الْمُسْتَقِلِّ الْمَقْصُودِ وَعَلَى سِيَاقِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَمْتَنِعُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ جُمْلَةٍ مَنْطُوقٌ بِهِ وَهُوَ الْمَعْطُوفُ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ أَنَّ الْأَصْحَابَ جَوَّزُوهُ وَمَا عَلِمْت فِيهِ خِلَافًا وَيُعَلِّلُونَهُ بِأَنَّ الثَّلَاثَ لَهَا عِبَارَتَانِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَكَمَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الثَّلَاثِ يَصِحُّ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْأُخْرَى وَالْفَرْضُ أَيْضًا أَنَّ خُصُوصَ الْوَحَدَاتِ لَيْسَ مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ بِخِلَافِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خُصُوصٌ لَيْسَ لِلْآخَرِ. وَأَمَّا الْوَحَدَاتُ فَمُسْتَوِيَةٌ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَحَدَاتٌ فَصَارَ إجْمَالُهَا وَتَفْصِيلُهَا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي تَقْرِيرِ فَاسِدِ عُقُودِهِمْ إنْ كَانَ هُوَ التَّرْغِيبَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَجْهُ لِلتَّفْرِيقِ إذْ لَا يَزِيدُ الزَّوَاجُ فِي الْعِدَّةِ عَلَى قَتْلِ النَّفْسِ فِي الْمَفْسَدَةِ وَإِنْ كَانَ هُوَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ كَانَ هُنَاكَ وَجْهٌ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَاضِي مِنْ الْمَوَانِعِ وَالْمُقَارِنِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي إذَا وَطِئَ فِي الْكُفْرِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ مُجْتَمِعِ الشُّرُوطِ أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْإِحْصَانَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْإِسْلَامُ (الْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ إطْلَاقَ الْخِيَارِ فِي حَدِيثِ غَيْلَانَ الْمُتَقَدِّمِ وَفِيمَا فِي أَبِي دَاوُد عَنْ «أَنَسِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ قَالَ أَسْلَمْت وَتَحْتِي ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَأَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ اخْتَرْ أَرْبَعًا بِعَامَّتِهِنَّ» كَمَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْأَنْكِحَةُ فَاسِدَةً كَمَا قُلْت كَذَلِكَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْمُفْسِدَاتُ الْوَاقِعَةُ فِي الْكُفْرِ لَا تُعْتَبَرُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُمْ لَوْ اعْتَقَدُوا غَصْبَ الْمَرْأَةِ وَمُجَرَّدَ رِضَاهَا بِغَيْرِ عَقْدٍ ثُمَّ أَسْلَمُوا عَلَى ذَلِكَ أَقْرَرْنَاهُمْ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَمْنَعُ تَأْثِيرَ الْمُفْسِدَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ هَذَا النَّحْوِ فَهَكَذَا كَوْنُهَا خَامِسَةً مَفْسَدَةٌ فِي الْإِسْلَامِ وَإِذَا قَارَنَ الْكُفْرَ اعْتَبَرَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ وَإِذَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ لَمْ يَلْزَمْ مَا ذَكَرْته مِنْ فَسَادِ الْعُقُودِ بَلْ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى التَّخْيِيرِ فَقَطْ وَهَذَا مُجْمَلٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ الْفَسَادِ وَالصِّحَّةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ عِلْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ كُلًّا مِنْ غَيْلَانَ وَأَنَسِ بْنِ الْحَارِثِ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ عَقَدَا وَاحِدًا أَوْ أَنَّهُنَّ عِنْدَهُ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ فَأَقَرَّهُ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ بِالْغَصْبِ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَذْهَبًا لَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنِّي إنَّمَا حَكَمْت فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ بِهَذَا الْحُكْمِ لِأَنِّي أَعْلَمُ مِنْ أَمْرِهَا أَمْرًا يَقْتَضِي هَذَا الْحُكْمَ لِأَنَّهُ تَقْرِيرُ قَاعِدَةٍ فَيَتَعَيَّنُ إيضَاحُهَا وَإِزَالَةُ اللَّبْسِ عَنْهَا وَزَوَالُ كُلِّ مَا يُوجِبُ وَهْمًا فِيهَا فَلَمَّا لَمْ يُبَيِّنْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ الْمُدْرَكَ غَيْرُ عِلْمِهِ بِأَمْرٍ يَخُصُّهَا بَلْ الْحُكْمُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ صُوَرِ مَنْ يُسْلِمُ كَيْفَ كَانَتْ عُقُودُهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي حِكَايَاتِ الْأَحْوَالِ يَقُومُ مَقَامَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ إذْ مَعْنَاهُ يَقُومُ مَقَامَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ جَمِيعَ الصُّوَرِ حُكْمُهَا كَذَلِكَ فَظَهَرَ أَنَّ الْحَقَّ الْأَبْلَجَ الْقَضَاءُ عَلَى عُقُودِهِمْ بِالصِّحَّةِ حَتَّى يُعْلَمَ فَسَادُهَا كَالْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ مَانِعٌ مِنْ عَقْدِ النِّكَاحِ وَقَادِحٌ فِي صِحَّتِهِ إذْ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً كَافِرَةً لَهَا أَخَوَانِ كَافِرٌ وَمُؤْمِنٌ فَأَرَادَتْ الزَّوَاجَ مَنَعْنَا الْمُسْلِمَ مِنْ تَزْوِيجِهَا وَقُلْنَا لِأَخِيهَا الْكَافِرِ زَوِّجْهَا لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْكَافِرَةِ بَلْ الْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فَلَوْ أَنَّ نِكَاحَ الْكَافِرِ فَاسِدٌ لَقُلْنَا لِهَذِهِ الْكَافِرَةِ لَا سَبِيلَ لَك إلَى الزَّوَاجِ حَتَّى تُسْلِمِي لِأَنَّ

[الفرق بين قاعدة زواج الإماء في ملك غير الزوج وبين قاعدة زواج الإنسان لإمائه المملوكات له والمرأة لعبدها]

سَوَاءٌ وَيَلْزَمُ عَلَى سِيَاقِ هَذَا التَّعْلِيلِ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ عِنْدَهُمْ لَا تَتَعَيَّنُ وَإِنْ عُيِّنَتْ فَإِنَّ خُصُوصَ دِرْهَمٍ لَا مَزِيَّةَ لَهُ عَلَى خُصُوصِ دِرْهَمٍ آخَرَ وَلَمْ أَرَ لَهُمْ فِي هَذَا نَقْلًا فَإِنْ طَرَدُوا أَصْلَهُمْ فَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. وَإِنْ كَانَ الْعَطْفُ ظَاهِرًا فِي مَنْعِ الِاسْتِثْنَاءِ مُطْلَقًا وَحَكَى ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ الْمَنْعَ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا. (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَعْدُومِ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَتَقَرَّرَ فِي الذِّمَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَعْدُومِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَقَرَّرَ فِي الذِّمَّةِ) اعْلَمْ أَنَّ مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - اتَّفَقَا عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيقِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ قَبْلَ الْمِلْكِ فَيَقُولُ لِلْأَجْنَبِيَّةِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلِلْعَبْدِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ إذَا تَزَوَّجَ وَاشْتَرَى، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَوَافَقَنَا عَلَى جَوَازِ التَّصَرُّفِ بِالنَّذْرِ قَبْلَ الْمِلْكِ فَيَقُولُ إنْ مَلَكْت دِينَارًا فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ الْمُسْلِمُ فِي الذِّمَّةِ فِي بَابِ الْمُعَامَلَاتِ فَتَمَسُّكُ الْأَصْحَابِ بِوُجُوهٍ (أَحَدُهَا) الْقِيَاسُ عَلَى النَّذْرِ فِي غَيْرِ الْمَمْلُوكِ بِجَامِعِ الِالْتِزَامِ بِالْمَعْدُومِ (وَثَانِيهَا) قَوْله تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ عَقْدَانِ عَقَدَهُمَا عَلَى نَفْسِهِ فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِمَا (وَثَالِثُهَا) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» ، وَهَذَانِ شَرْطَانِ فَوَجَبَ الْوُقُوفُ مَعَهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكُفْرَ أَحَدُ مَوَانِعِ صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْك فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ عُقُودِهِمْ. اهـ بِتَغْيِيرٍ وَتَوْضِيحٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ زَوَاجِ الْإِمَاءِ فِي مِلْكِ غَيْرِ الزَّوْجِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ زَوَاجِ الْإِنْسَانِ لِإِمَائِهِ الْمَمْلُوكَاتِ لَهُ وَالْمَرْأَةِ لِعَبْدِهَا] (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ زَوَاجِ الرَّجُلِ الْإِمَاءَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَالْمَرْأَةِ الْعَبْدَ فِي مِلْكِ غَيْرِهَا وَقَاعِدَةِ نِكَاحِ الرَّجُلِ الْإِمَاءَ فِي مِلْكِهِ وَالْمَرْأَةِ الْعَبْدَ فِي مِلْكِهَا) حَيْثُ إنَّ الثَّانِيَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا فَيُفْسَخُ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ إذَا مَلَكَتْ زَوْجَهَا وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ بِشَرْطِهِ وَهُوَ فِي الرَّجُلِ عَدَمُ الطَّوْلِ وَخَوْفُ الْعَنَتِ كَمَا هُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ قَوْمٌ يَجُوزُ بِإِطْلَاقٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ فِي الْمَرْأَةِ أَنْ تَرْضَى هِيَ وَأَوْلِيَاؤُهَا بِذَلِكَ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَمْرَيْنِ أَوَّلُهُمَا مَبْنَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ بِالصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ وَثَانِيهِمَا السَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي اشْتِرَاطِ الطَّوْلِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ إذَا نَكَحَ الْحُرُّ أَمَةً وَعَدَمِهِ (أَمَّا الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) أَيْ مَبْنَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ بِالصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ فَثَلَاثُ قَوَاعِدَ (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقْصُودُهُ لَا يُشْرَعُ وَنَظَائِرُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ كَثِيرَةٌ (مِنْهَا) أَنَّ الْجَانِيَ فِي صِحَّةِ عَقْلِهِ لَا يُحَدُّ حَالَ جُنُونِهِ أَوْ سُكْرِهِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْحَدِّ الزَّجْرُ بِمَا يُشَاهِدُهُ الْمُكَلَّفُ مِنْ الْمُؤْلِمَاتِ وَالْمُذِلَّاتِ وَالْمَهَانَاتِ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِمِرْآةِ الْعَقْلِ (وَمِنْهَا) أَنَّ اللِّعَانَ لِنَفْيِ النَّسَبِ لَا يُشْرَعُ فِي حَقِّ الْمَجْبُوبِ وَمَنْ لَا يُولَدُ لَهُ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَلْحَقُ بِهِ فَلَا يُفِيدُ اللِّعَانُ شَيْئًا (وَمِنْهَا) أَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَا يُشْرَعُ مَعَ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ تَنْمِيَةُ الْمَالِ وَتَحْصِيلُ مَقَاصِدِ الْعِوَضَيْنِ وَذَلِكَ مَعَ الْجَهَالَةِ وَالْغَرَرِ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا مَظْنُونٍ بَلْ هُوَ بَعِيدٌ (وَمِنْهَا) مَا هُنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ نِكَاحُ الرَّجُلِ أَمَتَهُ لِأَنَّ مَقَاصِدَ النِّكَاحِ حَاصِلَةٌ بِالْمِلْكِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَلَمْ يُحَصِّلُ الْعَقْدُ شَيْئًا (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ مُقْتَضَى الزَّوْجِيَّةِ يُنَاقِضُ مُقْتَضَى الِاسْتِرْقَاقِ وَذَلِكَ لِأَنَّ مُقْتَضَى الزَّوْجِيَّةِ قِيَامُ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالْحِفْظِ وَالصَّوْنِ وَالتَّأْدِيبِ لِإِصْلَاحِ الْإِحْلَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34] وَمُقْتَضَى الِاسْتِرْقَاقِ قِيَامُ السَّادَاتِ عَلَى الرَّقِيقِ بِالْقَهْرِ وَالِاسْتِيلَاءِ وَالِاسْتِهَانَةِ لِلْأَعْمَالِ وَإِصْلَاحِ الْأَخْلَاقِ وَمَعَ تَنَاقُضِ آثَارِ الْحُقُوقِ يَتَعَذَّرُ أَنْ تَكُونَ أَمَةُ الْإِنْسَانِ زَوْجَتَهُ وَعَبْدُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا (الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّ كُلَّ أَمْرَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ يُقَدِّمُ الشَّرْعُ أَقْوَاهُمَا عَلَى أَضْعَفِهِمَا فَمِنْ ذَلِكَ الرِّقُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَقْتَضِي مَعَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ صِحَّةَ الْإِيجَارِ وَالْإِخْدَامِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الْمَنَافِعِ الَّتِي بَعْضُهَا حِلُّ الْوَطْءِ يَكُونُ أَيْ الرِّقُّ أَقْوَى مِنْ النِّكَاحِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يُفْسَخُ النِّكَاحُ إنْ طَرَأَ هُوَ عَلَيْهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ وَلَا يَبْطُلُ إنْ طَرَأَ النِّكَاحُ عَلَيْهِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ لِيَتَحَقَّقَ أَثَرُ قُوَّتِهِ عَلَيْهِ فَلَا يُقَالُ كَانَ يَنْبَغِي حَيْثُ فُسِخَ النِّكَاحُ بِطُرُوِّهِ عَلَيْهِ لِوُرُودِ الْمُنَافِي أَنْ يَبْطُلَ الْمِلْكُ بِطُرُوِّ النِّكَاحِ عَلَيْهِ لِذَلِكَ فَافْهَمْ وَأَمَّا (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَيْ السَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي كَوْنِ نِكَاحِ الْحُرِّ الْأَمَةَ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا ذُكِرَ أَيْ مِنْ الطَّوْلِ وَخَوْفِ الْعَنَتِ أَمْ لَا فَهُوَ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ مُعَارَضَةُ دَلِيلِ الْخِطَابِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ} [النساء: 25] الْآيَةَ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ} [النور: 32] الْآيَةَ الْأَوْلَى يَقْتَضِي أَنْ لَا يَحِلَّ نِكَاحُ الْأَمَةِ إلَّا بِشَرْطَيْنِ (أَحَدُهُمَا) عَدَمُ الطَّوْلِ إلَى الْحُرَّةِ وَالثَّانِي خَوْفُ الْعَنَتِ وَعُمُومُ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ يَقْتَضِي عَدَمَ الِاشْتِرَاطِ لَكِنْ دَلِيلُ الْخِطَابِ أَقْوَى هَاهُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ الْعُمُومِ لِأَنَّ هَذَا الْعُمُومَ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ إلَى صِفَاتِ الزَّوْجِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي نِكَاحِ الْإِمَاءِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِهِ الْأَمْرُ

[الفرق بين قاعدة الحجر على النسوان في الإبضاع وبين قاعدة الحجر عليهم في الأموال]

وَأَجَابَ الشَّافِعِيَّةُ (عَنْ الْأَوَّلِ) بِأَنَّ النَّقْدَيْنِ وَالْعُرُوضَ يُمْكِنُ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَمِ فَوَقَعَ الِالْتِزَامُ بِنَاءً عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لَا يَثْبُتَانِ فِي الذِّمَمِ وَالتَّصَرُّفُ يَعْتَمِدُ الْمَوْجُودَ الْمُعَيَّنَ أَوْ مَا فِي الذِّمَّةِ، وَإِذَا انْتَفَيَا مَعًا بَطَل التَّصَرُّفُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مُعَيَّنٍ وَلَا فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ كَذَلِكَ هَاهُنَا (وَعَنْ الثَّانِي) أَنَّ قَوْله تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] أَمْرٌ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ وَالْأَوَامِرُ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ وَالْعَقْدُ قَدْ وَقَعَ وَصَارَ مَاضِيًا فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ إلَّا بِالْوَفَاءِ بِهِ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّ الْأَمْرَ مُتَعَلِّقٌ بِالْوَفَاءِ بِمُقْتَضَاهُ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ أَوْفُوا بِمُقْتَضَيَاتِ الْعُقُودِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ وَيُوَفَّى بِمُقْتَضَاهُ وَلَكِنَّ النِّزَاعَ فِي مُقْتَضَاهُ مَا هُوَ هَلْ لُزُومُ الطَّلَاقِ أَمْ لَا فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْآيَةِ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ فَإِنَّ الْكَوْنَ عِنْدَ الشُّرُوطِ إنَّمَا هُوَ الْوَفَاءُ بِمُقْتَضَاهَا وَكَوْنَ الطَّلَاقِ مِنْ مُقْتَضَاهَا هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَلِلْمَالِكِيَّةِ أَنْ يُجِيبُوا عَنْ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ بِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَمُقْتَضَى الشَّرْطِ هُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ لُغَةً؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَاهُ إجْمَاعًا. وَأَمَّا الْمُقْتَضَى الشَّرْعِيُّ فَهُوَ صُورَةُ النِّزَاعِ وَنَحْنُ إنَّمَا نَتَمَسَّكُ بِالْمُقْتَضَى اللُّغَوِيِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُقْتَضَى اللُّغَوِيَّ فِي الْعَقْدِ وَالشَّرْطِ هُوَ لُزُومُ الطَّلَاقِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقُ الْأَمْرِ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْمُقْتَضَى الشَّرْعِيِّ لَكَانَ التَّقْدِيرُ أَوْفُوا بِمَا يَجِبُ عَلَيْكُمْ شَرْعًا الْوَفَاءُ بِهِ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ الْوُجُوبَ إلَّا مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ لِتَوَقُّفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَمَّا إذَا حُمِلَ عَلَى الْمُقْتَضَى اللُّغَوِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِإِنْكَاحِهِنَّ وَهُوَ أَيْضًا مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ إرْقَاقِ الرَّجُلِ وَلَدَهُ. اهـ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ مُلَخَّصًا قَالَ وَاخْتَلَفَ الَّذِينَ لَمْ يُجِيزُوا النِّكَاحَ إلَّا بِالشَّرْطَيْنِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِمَا فِي فَرَعَيْنَ مَشْهُورَيْنِ (أَحَدُهُمَا) هَلْ الْحُرَّةُ إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ طُولٌ أَوْ لَيْسَتْ بِطُولٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ طُولٌ وَقَالَ غَيْرُهُ لَيْسَتْ بِطُولٍ وَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ الْقَوْلَانِ (وَالْفَرْعُ الثَّانِي) هَلْ يَجُوزُ لِمَنْ فِيهِ هَذَانِ الشَّرْطَانِ نِكَاحُ أَكْثَرَ مِنْ أَمَةٍ وَاحِدَةٍ وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي الْفَرْعَيْنِ هُوَ أَنَّ خَوْفَ الْعَنَتِ هَلْ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا فِي الْعَزَبِ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَزَبًا بَلْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ لَوْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ عَزَبًا أَوْ مُتَأَهِّلًا لِأَنَّهُ قَدْ لَا تَكُونُ الزَّوْجَةُ الْأُولَى حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً مَانِعَةً مِنْ الْعَنَتِ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى حُرَّةٍ تَمْنَعُهُ مِنْ الْعَنَتِ فَلَهُ أَنْ يَنْكِحَ عَلَى الْأُولَى وَلَوْ حُرَّةً أَمَةً لِأَنَّ مَعَ هَذِهِ الْحُرَّةِ فِي خَوْفِ الْعَنَتِ كَحَالِهِ قَبْلَهَا وَبِخَاصَّةِ إذَا خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْ الْأَمَةِ الَّتِي يُرِيدُ نِكَاحَهَا لَكِنْ اعْتِبَارُ خَوْفِ الْعَنَتِ مُطْلَقًا فِيهِ نَظَرٌ وَإِذَا قُلْنَا إنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَى الْحُرَّةِ أَمَةً فَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا فَهَلْ لَهَا الْخِيَارُ فِي الْبَقَاءِ مَعَهُ أَوْ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ؟ قَوْلَانِ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ إذَا وَجَدَ طَوْلًا بِحُرَّةٍ هَلْ يُفَارِقُ الْأَمَةَ أَمْ لَا وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِيمَا إذَا ارْتَفَعَ عَنْهُ خَوْفُ الْعَنَتِ أَنَّهُ لَا يُفَارِقُهَا. اهـ مُلَخَّصًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَجْرِ عَلَى النِّسْوَانِ فِي الْإِبْضَاعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِمْ فِي الْأَمْوَالِ] (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَجْرِ عَلَى النِّسْوَانِ فِي الْإِبْضَاعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ الْحَجْرِ عَلَيْهِنَّ فِي الْأَمْوَالِ) قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعْقِدَ لِنَفْسِهَا وَلَا لِغَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا رَشِيدَةً فِي مَالِهَا أَوْ سَفِيهَةً دَنِيَّةً عَفِيفَةً أَوْ فَاجِرَةً أَذِنَ لَهَا الْوَلِيُّ أَوْ لَا وَيَجُوزُ لَهَا إنْ كَانَتْ رَشِيدَةً التَّصَرُّفُ فِي مَالِهَا وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ وَإِنْ كَانَ أَبَاهَا الَّذِي لَهُ وِلَايَةُ الْجَبْرِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا إلَّا إذَا كَانَتْ سَفِيهَةً قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي بِدَايَتِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فَقَالَ بِاشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ فِي الْبِكْرِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِي الثَّيِّبِ مُحْتَجًّا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» اهـ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَجُوزُ لِلرَّشِيدَةِ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مُحْتَجًّا عَلَى ذَلِكَ بِوُجُوهٍ خَمْسَةٍ (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَجْرِ عَلَى الْعَاقِلِ الْبَالِغِ وَهِيَ عَاقِلَةٌ بَالِغَةٌ فَيَزُولُ الْحَجْرُ عَنْهَا مُطْلَقًا فِي نَفْسِهَا (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ كَمَا يُكْتَفَى بِالرُّشْدِ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ كَذَلِكَ يُكْتَفَى بِهِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بَلْ تَصَرُّفُهَا فِي نَفْسِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا أَعْلَمُ بِأَغْرَاضِهَا مِنْ وَلِيِّهَا أَوْلَى مِنْ تَصَرُّفِهَا فِي مَالِهَا لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْمَالِ الَّتِي هِيَ التَّنْمِيَةُ مَعْلُومَةٌ لِلْوَلِيِّ كَمَا هِيَ مَعْلُومَةٌ لِلْمَرْأَةِ (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 234] فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَصَرُّفِهَا فِي الْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهَا (الْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَضَافَ إلَيْهِنَّ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ مِنْ الْكِتَابِ الْفِعْلَ فَقَالَ {أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] وَقَالَ {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى الْوَلِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي إذْنِ الشَّرْعِ لَهُنَّ فِي الْمُبَاشَرَةِ (الْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ وَإِذَا دَخَلَ بِهَا فَالْمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِيهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَإِنْ اسْتَدَلَّ بِهِ الْفُقَهَاءُ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ

لَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ اللُّغَةِ عَلَى الشَّرَائِعِ وَهَاهُنَا قَاعِدَةٌ يُشْكِلُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ بِاعْتِبَارِهَا وَهُوَ أَنَّ كُلَّ سَبَبٍ شَرَّعَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِحِكْمَةٍ لَا يُشَرِّعُهُ عِنْدَ عَدَمِ تِلْكَ الْحِكْمَةِ كَمَا شَرَّعَ التَّعْزِيرَاتِ وَالْحُدُودَ لِلزَّجْرِ وَلَمْ يُشَرِّعْهَا فِي حَقِّ الْمَجَانِينِ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ الْجِنَايَةُ مِنْهُمْ حَالَةَ التَّكْلِيفِ لِعَدَمِ شُعُورِهِمْ بِمَقَادِير انْخِرَاقِ الْحُرْمَةِ وَالذِّمَّةِ وَالْمَهَانَةِ فِي حَالَةِ الْغَفْلَةِ فَلَا يَحْصُلُ الزَّجْرُ وَشَرَّعَ الْبَيْعَ لِلِاخْتِصَاصِ بِالْمَنَافِعِ فِي الْغَرَضَيْنِ وَلَمْ يُشَرِّعْهُ فِيمَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا فِيمَا كَثُرَ غَرَرُهُ أَوْ جَهَالَتُهُ لِعَدَمِ انْضِبَاطِ الِانْتِفَاعِ مَعَ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ الْمُخِلَّيْنِ بِالْأَرْبَاحِ وَحُصُولِ الْأَعْيَانِ وَشَرَّعَ اللِّعَانَ لِنَفْيِ النَّسَبِ وَلَمْ يُشَرِّعْهُ لِلْمَجْبُوبِ وَالْخَصِيِّ لِانْتِفَاءِ النَّسَبِ بِغَيْرِ لِعَانٍ وَذَلِكَ كَثِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَضَابِطُهُ أَنَّ كُلَّ سَبَبٍ لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ لَا يُشَرَّعُ وَالنِّكَاحُ سَبَبٌ شُرِّعَ لِلتَّنَاسُلِ وَالْمُكَارَمَةِ وَالْمَوَدَّةِ فَمَنْ قَالَ بِشَرْعِيَّتِهِ فِي صُورَةِ التَّعْلِيقِ قَبْلَ الْمِلْكِ فَقَدْ الْتَزَمَ شَرْعِيَّتَهُ مَعَ انْتِفَاءِ حِكْمَتِهِ فَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ عَلَيْهَا الْعَقْدُ أَلْبَتَّةَ لَكِنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ إجْمَاعًا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ تَحْصِيلًا لِحِكْمَةِ الْعَقْدِ. وَأَمَّا وُجُوبُ نِصْفِ الصَّدَاقِ وَتَبْعِيضُ الطَّلَاقِ وَغَيْرُهُمَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذَا الْعَقْدِ فَأُمُورٌ تَابِعَةٌ لِمَقْصُودِ الْعَقْدِ لَا أَنَّهَا مَقْصُودُ الْعَقْدِ فَلَا يُشَرَّعُ الْعَقْدُ لِأَجْلِهَا فَحَيْثُ أَجْمَعْنَا عَلَى شَرْعِيَّتِهِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى بَقَاءِ حِكْمَتِهِ وَهُوَ بَقَاءُ النِّكَاحِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَقَاصِدِهِ، وَهَذَا مَوْضِعٌ مُشْكِلٌ عَلَى أَصْحَابِنَا فَتَأَمَّلْهُ، وَقَدْ ظَهَرَ لَك أَيْضًا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبَحْثِ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يَتَرَتَّبُ فِي الذِّمَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا أَذِنَ لَهَا يَجُوزُ عَقْدُهَا وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ عَقْدَهَا عَلَى نَفْسِهَا إذَا صَحَّ مَعَ الْإِذْنِ صَحَّ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنَّ الدَّلِيلَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَدْ دَلَّ عَلَى مُخَالَفَةِ ذَلِكَ الْأَصْلِ أَمَّا مِنْ الْكِتَابِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] فَخَاطَبَ الْأَوْلِيَاءَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ لَتَعَذَّرَ ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِلْأَوْلِيَاءِ بِيعُوا أَمْوَالَ النِّسَاءِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الْأَمْوَالِ لَهُنَّ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ خِطَابًا لِلْأَزْوَاجِ خِلَافُ الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ قَالَ أَنْكِحُوا بِالْهَمْزَةِ وَلَوْ أَرَادَ الْأَزْوَاجَ لَقَالَ ذَلِكَ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ وَكَانَتْ الْأَلْفُ لِلْوَصْلِ وَإِنْ كَانَ بِالْهَمْزِ فِي الْأَزْوَاجِ لَهُ وَجْهٌ فَالظَّاهِرُ أَوْلَى فَلَا يُعْدَلُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ. اهـ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221] قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْكَامِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ النِّكَاحُ بِوَلِيٍّ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ قَرَأَ {وَلا تَنْكِحُوا} [البقرة: 221] إلَخْ بِضَمِّ التَّاءِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ بَدِيعَةٌ وَدَلَالَةٌ صَحِيحَةٌ اهـ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ كَوْنَهُ خِطَابًا لِلْأَوْلِيَاءِ أَظْهَرُ مِنْ كَوْنِهِ خِطَابًا لِأُولِي الْأَمْرِ لِوَجْهَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ مِنْ جُمْلَةِ الْأَوْلِيَاءِ إذْ السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ (الثَّانِي) أَنَّ الضَّرَرَ بِزَوَاجِ غَيْرِ الْأَكْفَاءِ إنَّمَا يَتَعَدَّى بِالْعَارِ وَالْفَضِيحَةِ الشَّنْعَاءِ لِلْأَوْلِيَاءِ لَا وَلِيِّ الْأَمْرِ مِنْهُمْ فَهُمْ أَحَقُّ بِخِطَابِ الْإِرْشَادِ مِنْهُ فَافْهَمْ وقَوْله تَعَالَى {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ نَهْيِ قَرَابَةِ الْمَرْأَةِ وَعَصَبَتِهَا مِنْ أَنْ يَمْنَعُوهَا النِّكَاحَ إلَّا أَنَّهُ يَقْتَضِيَ أَنَّ لَهُمْ حَقًّا فِي مَنْعِهَا مِنْ النِّكَاحِ عَلَى غَيْرِ الْأَكْفَاءِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِنَهْيِهِمْ مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى وَثُبُوتُ حَقٍّ لَهُمْ فِي الْمَنْعِ الْمَذْكُورِ يَسْتَلْزِمُ اشْتِرَاطَ إذْنِهِمْ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ وَأَمَّا مِنْ السُّنَّةِ فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا» خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. 2 - (وَعَنْ الْوَجْهِ الثَّانِي) بِأَنَّ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِبْضَاعِ وَقَاعِدَةِ الْأَمْوَالِ ثَلَاثَةَ فُرُوقٍ (الْفَرْقُ الْأَوَّلُ) أَنَّ الْإِبْضَاعَ أَشَدُّ خَطَرًا وَأَعْظَمُ قَدْرًا فَنَاسَبَ أَنْ لَا تُفَوَّضَ إلَّا لِكَامِلِ الْعَقْلِ يَنْظُرُ فِي مَصَالِحِهَا وَالْأَمْوَالُ لَمَّا كَانَتْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا خَسِيسَةً جَازَ أَنْ نُفَوِّضَ لِمَالِكِهَا إذْ الْأَصْلُ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ فِي الْمَالِ إلَى مَالِكُهُ (وَالْفَرْقُ الثَّانِي) أَنَّ الْإِبْضَاعَ يَعْرِضُ لَهَا تَنْفِيذُ الْأَغْرَاضِ فِي تَحْصِيلِ الشَّهَوَاتِ الْقَوِيَّةِ الَّتِي يُبْذَلُ لِأَجْلِهَا عَظِيمُ الْمَالِ فَيُغَطِّي مِثْلُ هَذَا الْهَوَى عَلَى عَقْلِ الْمَرْأَةِ لِضَعْفِهِ وُجُوهَ الْمَصَالِحِ فَتُلْقِي نَفْسَهَا لِأَجْلِ هَوَاهَا فِيمَا يُرْدِيهَا فِي دُنْيَاهَا وَأُخْرَاهَا فَحُجِرَ عَلَيْهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ لِاحْتِمَالِ تَوَقُّعِ مِثْلِ هَذَا الْهَوَى الْمُفِيدِ وَلَا يَحْصُلُ فِي الْمَالِ مِثْلُ ذَلِكَ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْمَفْسَدَةَ إذَا حَصَلَتْ فِي الْإِبْضَاعِ بِسَبَبِ زَوَاجِ غَيْرِ الْأَكْفَاءِ وَحَصَلَ الضَّرَرُ لِلْمَرْأَةِ تَعَدَّى مِنْهَا لِلْأَوْلِيَاءِ بِالْعَارِ وَالْفَضِيحَةِ الشَّنْعَاءِ وَإِذَا حَصَلَ الْفَسَادُ فِي الْأَمْوَالِ وَحَصَلَ الضَّرَرُ عَلَى الْمَرْأَةِ لَا يَكَادُ يَتَعَدَّاهَا وَلَيْسَ فِيهِ مِنْ الْعَارِ وَالْفَضِيحَةِ مَا فِي الْإِبْضَاعِ وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا مِنْ الْأَرَاذِلِ الْأَخِسَّاءِ فَهَذِهِ فُرُوقٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فَمِنْ هُنَا لَمَّا سُئِلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ الْمَرْأَةِ تُزَوِّجُ نَفْسَهَا قَالَ فِي الْجَوَابِ الْمَرْأَةُ مَحَلُّ الزَّلَلِ، وَالْعَارُ إذَا وَقَعَ لَمْ يَزُلْ، وَعَنْ (الْوَجْهِ الثَّالِثِ) بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] إلَخْ النَّهْيُ عَنْ التَّثْرِيبِ عَلَيْهِنَّ فِيمَا اسْتَبْدَدْنَ بِفِعْلِهِ دُونَ أَوْلِيَائِهِنَّ وَلَيْسَ هَاهُنَا شَيْءٌ يُمْكِنُ أَنْ تَسْتَبِدَّ بِهِ الْمَرْأَةُ دُونَ الْوَلِيِّ إلَّا عَقْدُ النِّكَاحِ فَظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ لَهَا أَنْ تَعْقِدَ النِّكَاحَ وَلِلْأَوْلِيَاءِ الْفَسْخَ إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الشَّرْعِ فَالِاحْتِجَاجُ بِهَا عَلَى أَنَّ لَهَا الْعَقْدَ وَلَيْسَ لِأَوْلِيَائِهَا فَسْخُهُ مُطْلَقًا احْتِجَاجٌ بِبَعْضِ ظَاهِرِ

وَبَيْنَ مَا لَا يَتَرَتَّبُ (وَأَمَّا) تَهْوِيلُ الشَّافِعِيَّةِ بِقَوْلِهِمْ الطَّلَاقُ حِلٌّ وَالنِّكَاحُ عَقْدٌ وَالْحِلُّ لَا يَكُونُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَبِمَا يَرْوُونَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ «لَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ وَلَا طَلَاقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا عَتَاقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ نَقُلْ بِهِ فِي غَيْرِ عَقْدٍ؛ لِأَنَّا لَمْ نَقُلْ بِلُزُومِ الطَّلَاقِ إلَّا بَعْدَ حُصُولِ الْعَقْدِ لَا قَبْلَهُ فَمَا قُلْنَا بِالْحِلِّ إلَّا بَعْدَ الْعَقْدِ وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ فَإِنَّ طَلَاقَ ابْنِ آدَمَ وَعِتْقَهُ إنَّمَا وَقَعَا فِيمَا مَلَكَهُ وَإِنَّمَا تَقَدَّمَ التَّعْلِيقُ وَرَبْطُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالْمِلْكِ لَا نَفْسُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِيجَابَاتِ الَّتِي يَتَقَدَّمُهَا سَبَبٌ تَامٌّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِيجَابَاتِ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْأَسْبَابِ) اعْلَمْ أَنَّ الْإِيجَابَاتِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ التَّامَّ تَقَدَّمَهُ وَقِسْمٌ اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ جُزْءُ السَّبَبِ وَقِسْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ هُوَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَهُ سَبَبٌ تَامٌّ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إجْمَاعًا عَنْ السَّبَبِ كَالْخِيَارِ فِي عُيُوبِ النِّكَاحِ وَعُيُوبِ السِّلَعِ فِي الْبَيْعِ وَمَضَاءِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَخِيَارِ الْأَمَةِ إذَا أُعْتِقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِيجَابَاتِ الَّتِي يَتَقَدَّمُهَا سَبَبٌ تَامٌّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِيجَابَاتِ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْأَسْبَابِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِيهِ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ فِيهِ نَظَرٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآيَةِ دُونَ بَعْضِهَا الْآخَرِ وَفِيهِ ضَعْفٌ وَلَيْسَ فِي إضَافَةِ النِّكَاحِ إلَيْهِنَّ اخْتِصَاصُهُنَّ نَعَمْ الْأَصْلُ الِاخْتِصَاصُ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ إلَّا أَنَّ الدَّلِيلَ الْمُتَقَدِّمَ وَهُوَ الْحَدِيثُ وَالْآيَاتُ السَّابِقَةُ قَدْ قَامَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ الْأَصْلِ فَلَا تَغْفُلْ (وَعَنْ الْوَجْهِ الرَّابِعِ) بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ بَلْ إنَّمَا يَقُولُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَطْءَ لَهَا دُونَ وَلِيِّهَا وَكَوْنُ الْفَاعِلِ لِذَلِكَ هُوَ الزَّوْجُ دُونَ الْمَرْأَةِ مُسَلَّمٌ إلَّا أَنَّ التَّمْكِينَ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ لَهَا وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَجَازًا كَالْحَمْلِ عَلَى الْعَقْدِ إلَّا أَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْحَقِيقَةِ مِنْ الْعَقْدِ وَالْأَقْرَبُ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ وَيُوَضِّحُهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] وَحَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيِّ السَّابِقَانِ فَافْهَمْ (وَعَنْ الْوَجْهِ الْخَامِسِ) أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْوَصْفَ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا يَكُونُ حُجَّةً إجْمَاعًا وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ غَالِبًا عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] إلَخْ فَإِنَّ كَوْنَ بِنْتِ الزَّوْجَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا فِي حِجْرِ زَوْجِ الْأُمِّ غَالِبٌ عَلَى وُقُوعِ تَحْرِيمِهَا عَلَى زَوْجِ الْأُمِّ فَلَا تَكُونُ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِهَا لَهُ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِهِ فَافْهَمْ أَوْ غَالِبًا عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: 31] فَإِنَّ الْقَتْلَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَقَعَ فِي الْأَوْلَادِ إلَّا لِتَوَقُّعِ ضَرُورَةِ الْإِمْلَاقِ الَّذِي هُوَ الْفَقْرُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْفَضِيحَةِ فَلَا تَكُونُ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الْقَتْلِ عِنْدَ عَدَمِ خَوْفِ الْإِمْلَاقِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا هُنَا مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُقْدِمُ عَلَى زَوَاجِ نَفْسِهَا فِي الْغَالِبِ لَا خُفْيَةً عَنْ وَلِيِّهَا وَهُوَ غَيْرُ آذِنٍ لَهَا فِي ذَلِكَ وَالْعَادَةُ قَاضِيَةٌ بِذَلِكَ فَلَا يَكُونُ مَفْهُومُ قَيْدِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فِي الْحَدِيثِ حُجَّةً إجْمَاعًا عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا أَذِنَ لَهَا يَجُوزُ عَقْدُهَا وَأَنَّهُ إذَا صَحَّ مَعَ الْإِذْنِ صَحَّ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ وَاحْتِجَاجُ دَاوُد بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ لِقَوْلِهِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ فِي الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ يُسْتَأْذَنُ وَيَتَوَلَّى الْعَقْدَ عَلَيْهِمَا الْوَلِيُّ فَبِمَاذَا وَلَيْتَ شِعْرِي تَكُونُ الْأَيِّمُ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا لَكِنَّ احْتِجَاجَهُ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ الْتِزَامِ الظَّوَاهِرِ إمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يَلْتَزِمُهَا فَلَا يَنْهَضُ حُجَّةً عَلَى ذَلِكَ إذْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا فِي السُّكُوتِ وَالنُّطْقِ فَقَطْ وَيَكُونُ السُّكُوتُ كَافِيًا فِي الْعَقْدِ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ وَفِي الْمُنْتَقَى لِلْبَاجِيِّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْأَيِّمُ أَحَقُّ إلَخْ الْأَيِّمُ هِيَ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا قَطُّ إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ خَصَّهُ بِالثَّيِّبِ وَالْأَظْهَرُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ لِوَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ زِيَادَ بْنَ سَعْدٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» (وَثَانِيهِمَا) أَنَّ اللَّفْظَ عَلَيْهِ يُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ بِدُونِ تَخْصِيصٍ بِخِلَافِهِ عَلَى الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ وَمَعْنَى كَوْنِهَا أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إجْبَارُهَا عَلَى النِّكَاحِ وَلَا إنْكَاحُهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِإِذْنِهِ مِمَّنْ تَرْضَاهُ وَلَيْسَ لَهَا هِيَ أَنْ تَعْقِدَ لِنَفْسِهَا نِكَاحًا وَلَا تُبَاشِرُهُ وَلَا أَنْ تَضَعَ نَفْسَهَا عِنْدَ غَيْرِ كُفْءٍ وَلَا أَنْ تُوَلِّيَ ذَلِكَ غَيْرَ وَلِيِّهَا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا حَقٌّ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَوَجْهُ كَوْنِهَا أَحَقَّ بِهِ أَنَّهَا إنْ كَرِهَتْ النِّكَاحَ لَمْ يَنْعَقِدْ بِوَجْهٍ وَإِنْ كَرِهَهُ الْوَلِيُّ وَرَغِبَتْهُ الْأَيِّمُ عُرِضَ عَلَى الْوَلِيِّ الْعَقْدُ فَإِنْ أَبَى عَقَدَهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ أَوْ السُّلْطَانُ فَهَذَا وَجْهُ كَوْنِهَا أَحَقَّ بِهِ مِنْ وَلِيِّهَا وَفِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ إلَخْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْمُرَادُ بِهَا الْبِكْرُ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا لَا الَّتِي لَهَا أَبٌ وَإِنْ رَوَى زِيَادٌ هَذَا

هُوَ جُزْءُ السَّبَبِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ كَالْقَبُولِ بَعْدَ الْإِيجَابِ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ هَذَا الْقِسْمِ إلَى مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ مِنْهُمَا عَنْ الْعَقْدِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّشَاجُرِ وَالْخُصُومَاتِ بِإِنْشَاءِ عَقْدٍ آخَرَ مَعَ شَخْصٍ آخَرَ وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ الْجَوَابُ فِي التَّمْلِيكِ اخْتَلَفَ فِيهِ هَلْ هُوَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ التَّأَخُّرُ أَوْ مِنْ الثَّانِي فَيَقْدَحُ رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَأَرَى إمْهَالَ الْمَرْأَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَالْمُصَرَّاةِ وَالشُّفْعَةِ لِمَا فِي الْفَرْقِ مِنْ الصُّعُوبَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ لِلْمُمَلَّكَةِ وَالْمُخَيَّرَةِ الْخِيَارُ فِي الْمَجْلِسِ فَقَطْ كَالْمُبَايَعَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَهَا وَإِنْ افْتَرَقَا لِاحْتِيَاجِهَا لِلْمُشَاوَرَةِ، وَهَذَا إذَا بَاشَرَهَا أَوْ وَكِيلُهُ فَإِنْ كَتَبَ إلَيْهَا أَوْ أَرْسَلَ رَسُولًا أَوْ عَلَّقَ عَلَى شَرْطٍ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي تَمَادِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَطُلْ طُولًا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى بِالْإِسْقَاطِ نَحْوَ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرَيْنِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الزَّوْجِ سُؤَالٌ يَتَّصِلُ بِهِ جَوَابُهُ وَجَوَابُهُ لِلرِّسَالَةِ مَعَ مُرْسِلِهِ. (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِيَارِ التَّمْلِيكِ فِي الزَّوْجَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَخْيِيرِ الْإِمَاءِ فِي الْعِتْقِ) أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ إذَا غِبْت عَنْك فَأَمْرُك بِيَدِك فَتَقُولُ الْمَرْأَةُ مَتَى غِبْت عَنِّي فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ يَحْلِفُ سَيِّدُهَا بِحُرِّيَّتِهَا فَتَقُولُ إنْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَدِيثَ فَقَالَ فِيهِ وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ وُجُوهٌ (الْأَوَّلُ) أَنَّ مَالِكًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ «وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إمَامٌ إذَا انْفَرَدَ وَقَوْلُهُ غُلِّبَ قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ فَكَيْفَ إذَا اتَّفَقَا عَلَى خِلَافِهِ (الثَّانِي) أَنَّ صَالِحَ بْنَ كَيْسَانَ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ فَقَالَ فِيهِ: وَالْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ وَقَوْلُهُ أَيْضًا أَوْلَى مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ وَلَعَلَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْفَضْلِ لِعِلْمِهِ بِالْمُرَادِ بِهِ كَانَ مَرَّةً يَقُولُ «وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ» وَمَرَّةً يَقُولُ «وَالْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ» وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ شُعْبَةُ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ فِيهِ «وَالْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ» (الثَّالِث) أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ «وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ» بِمِثْلِ رِوَايَةِ مَالِكٍ (الرَّابِعُ) أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا صِحَّةَ رِوَايَةِ زِيَادٍ لَحَمَلْنَا عَلَى الْبِكْرِ الْمُعْنِسِ وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الِاسْتِئْذَانِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ. اهـ مُلَخَّصًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. 2 - (وَصْلٌ) فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] مَسْأَلَتَانِ مِنْهَا فِقْهِيَّتَانِ الْأُولَى مِنْهُمَا هِيَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ دُونَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةُ نَحْوِيَّةٌ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] أَيْ يَعْفُوَ النِّسَاءُ عَنْ النِّصْفِ الَّذِي وَجَبَ لَهُنَّ مِنْ الصَّدَاقِ الْمَفْرُوضِ لَهُنَّ فَيَسْقُطُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ قَالَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ فَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ فَقَالَ مَالِكٌ هُوَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَالسَّيِّدُ فِي أَمَتِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ هُوَ الزَّوْجُ وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِوُجُوهٍ كَثِيرَةٍ لُبَابُهَا أَرْبَعَةٌ (الْأَوَّلُ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الصَّدَاقَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ذِكْرًا مُجْمَلًا مِنْ الزَّوْجَيْنِ فَحُمِلَ عَلَى الْمُعْسِرِ فِي غَيْرِهَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] فَأَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لِلزَّوْجِ فِي قَبُولِ الصَّدَاقِ إذَا طَابَتْ نَفْسُ الْمَرْأَةِ بِتَرْكِهِ وَقَالَ أَيْضًا {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 20] إلَى آخِرِهَا فَنَهَى اللَّهُ الزَّوْجَ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا آتَى الْمَرْأَةَ إنْ أَرَادَ طَلَاقَهَا (الثَّانِي) أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ صَرِيحًا (الثَّالِثُ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِي هِبَةِ مَالِ آخَرَ فَضْلٌ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِيهَا يَهَبُهُ الْمُفَضَّلُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَالْأَصْلُ يَقْتَضِي عَدَمَ تَسَلُّطِ الْوَلِيِّ عَلَى مَالِ مُوَلِّيَتِهِ (الرَّابِعُ) أَنَّ عَفَا كَمَا يُقَالُ بِمَعْنَى أَسْقَطَ كَذَلِكَ يُقَالُ بِمَعْنَى بَذَلَ وَاسْتِعْمَالُهُ فِي مَعْنَيَيْهِ أَبْلُغُ وَأَوْلَى مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي إحْدَاهُمَا لِأَنَّ فِيهِ حِينَئِذٍ شَبَهَ اسْتِخْدَامٍ وَلِأَنَّ حِكْمَةَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَسْقَطَتْ مَا وَجَبَ مِنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ إبْقَاءً لِلْمُرُوءَةِ وَاتِّقَاءً فِي الدِّيَانَةِ قَائِلَةً لَمْ يَنَلْ مِنِّي شَيْئًا وَلَا أَدْرَكَ مَا بَذَلَ فِيهِ هَذَا الْمَالَ كَانَ مِنْ الْمُنَاسِبِ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ أَنَا أَتْرُكُ الْمَالَ لَهَا لِأَنِّي قَدْ نِلْت الْحِلَّ وَابْتَذَلْتهَا بِالطَّلَاقِ فَتَرْكُهُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَأَخْلَصُ مِنْ اللَّائِمَةِ (وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ) أَنَّ جَعْلَ الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ اسْتَشْهَدُوا بِهِمَا تَفْسِيرًا لِمُجْمَلِ هَذِهِ الْآيَةِ ضَعِيفٌ يُسْقِطُ حُكْمَ الْوَلِيِّ بِخِلَافِ جَعْلِ الْآيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لِبَيَانِ حُكْمِ الْأَزْوَاجِ وَهَذِهِ الْآيَةَ لِبَيَانِ حُكْمِ الْوَلِيِّ بِأَنْ يُقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُمَيِّزَ الْوَلِيَّ فِيهَا عَنْ الزَّوْجِ بِمَعْنَى يَخُصُّهُ فَكَنَّى عَنْهُ كِنَايَةً مُسْتَحْسَنَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْفَصَاحَةِ وَأَتَمُّ فِي الْمَعْنَى وَأَجْمَعُ لِلْفَوَائِدِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي مَجِيءَ الْأَحْكَامِ كُلِّهَا مُبَيِّنَةً وَالْفَوَائِدُ الثَّلَاثَةُ مُعْتَبَرَةٌ (وَعَنْ الثَّانِي) أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ لَكِنْ

فَعَلْت فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ وَسَأَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ مَالِكًا عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ أَتَعْرِفُ دَارَ قُدَامَةَ وَدَارُ قُدَامَةَ يُلْعَبُ فِيهَا بِالْحَمَامِ بِالْمَدِينَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّوْجَ أَذِنَ لِلْحُرَّةِ فِي الْقَضَاءِ الْآنَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَالْحَلِفُ بِحُرِّيَّةِ الْأَمَةِ لَمْ يَأْذَنْ وَإِنَّمَا قَصَدَ حَثَّ نَفْسِهِ بِالْيَمِينِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ زَجْرَهَا عَنْهُ وَإِنَّمَا يَسْتَوِيَانِ إذَا قَالَتْ الْحُرَّةُ إنْ مَلَكْتنِي فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي (وَيُرَدُّ عَلَيْهِ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَذِنَ لِلْأَمَةِ فِي الْقَضَاءِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَهُوَ الْعِتْقُ كَمَا أَذِنَ لِلزَّوْجِ (وَجَوَابُهُ) إذْنُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى التَّقَادِيرِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ صِحَّةُ التَّصَرُّفِ قَبْلَ وُجُودِ التَّقَادِيرِ بِدَلِيلِ إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَالْإِذْنِ مِنْ الْوَارِثِ فِي التَّصَرُّفِ قَبْلَ مَرَضِ الْمَوْتِ وَصَرْفِ الزَّكَاةِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ وَالتَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ فَإِنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ حِينَئِذٍ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ وَإِنْ كَانَ الشَّارِعُ رَتَّبَهَا وَأَذِنَ فِيهَا عَلَى تِلْكَ التَّقَادِيرِ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ وَقَعَ قَبْلَ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ لَا يَنْعَقِدُ إجْمَاعًا وَبَعْدَهُمَا يَنْعَقِدُ إجْمَاعًا وَبَيْنَهُمَا فِي النُّفُوذِ قَوْلَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَبْسُوطَةً فَالْحُرَّةُ وُجِدَ فِي حَقِّهَا سَبَبٌ وَهُوَ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ إذْنِ الشَّرْعِ الْمُقَدَّرِ وَالْأَمَةُ انْفَرَدَ فِي حَقِّهَا الْإِذْنُ الْمُقَدَّرُ فَقَطْ؛ وَلِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَيْضًا أَنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ إنَّمَا تَسْقُطُ بِإِذْنِ الْعِبَادِ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ أَيْضًا هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَنُظِرَتْ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ إذَا هَلَكَتْ بِإِذْنِ رَبِّهَا لَا يَضْمَنُ وَبِإِذْنِ صَاحِبِ الشَّرْعِ يَضْمَنُ وَمَسَائِلَ مَعَهَا قَالَ اللَّخْمِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ بَلْ إخْبَارٌ عَنْ حَالِ الزَّوْجِ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ (وَعَنْ الثَّالِثِ) أَنَّ قَاعِدَةَ الْوِلَايَةِ تَقْتَضِي تَصَرُّفَ الْوَلِيِّ بِمَا هُوَ أَحْسَنُ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَقَدْ يَكُونُ الْعَفْوُ أَحْسَنَ لِلْمَرْأَةِ لِاطِّلَاعِ الْوَلِيِّ عَلَى التَّرْغِيبِ فِيهَا لِهَذَا الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إلَى تَحْصِيلٍ إضْعَافِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فَيَفْعَلُ ذَلِكَ لِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ فَمَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ تَفْوِيتٌ لِمَصْلَحَةِ الْمَرْأَةِ لَا رِفْقٌ بِهَا وَالْإِفْضَالُ الَّذِي لَا يَكُونُ بِمَالِ أَحَدٍ إنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى بَذْلِ مَا تَمْلِكُهُ يَدُهُ أَمَّا الْإِفْضَالُ بِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ مَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ فَهَذَا نَافِذٌ لِأَنَّهُ نَظِيرُ تَفَضُّلِهِ عَلَى الزَّوْجِ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى نُفُوذِهِ (وَعَنْ الرَّابِعِ) بِأَنَّ مَجِيءَ الْعَفْوِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ مِنْ الْجِهَتَيْنِ أَبْلَغُ فِي الْفَصَاحَةِ وَأَوْفَى فِي الْمَعْنَى مِنْ مَجِيئِهِ بِمَعْنَيَيْنِ لِأَنَّ فِيهِ إسْقَاطَ أَحَدِ الْعَافِيَيْنِ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْمُسْتَفَادُ إذَا كَانَ الْعَفْوُ بِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ وَأَمَّا نَدْبُ الزَّوْجِ إلَى إعْطَاءِ الصَّدَاقِ كُلِّهِ فِي الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرُوا فَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ فَإِنْ قُلْت قَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي بِدَايَتِهِ مَا خُلَاصَتُهُ أَنَّ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] احْتِمَالَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى الزَّوْجِ فَيَكُونَ يَعْفُو بِمَعْنَى يَهَبُ (وَثَانِيهِمَا) أَنْ يَعُودَ عَلَى الْوَلِيِّ وَيَكُونَ يَعْفُو بِمَعْنَى يُسْقِطُ لَكِنْ مَنْ جَعَلَهُ الزَّوْجَ فَلَمْ يُوجِبْ حُكْمًا زَائِدًا فِي الْآيَةِ أَيْ شَرْعًا زَائِدًا لِأَنَّ جَوَازَ ذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ ضَرُورَةِ الشَّرْعِ وَمَنْ جَعَلَهُ الْوَلِيَّ فَقَدْ زَادَ شَرْعًا فَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِدَلِيلٍ يُبَيِّنُ بِهِ أَنَّ الْآيَةَ أَظْهَرُ فِي الْوَلِيِّ مِنْهَا فِي الزَّوْجِ وَذَلِكَ شَيْءٌ يَعْسُرُ قُلْت قَالَ الْأَصْلُ الْآيَةُ تَدُلُّ لِمَا قُلْنَا مِنْ تِسْعَةِ أَوْجُهٍ (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَالْمُتَقَدِّمُ قَبْلَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ إثْبَاتُ النِّصْفِ فَعَلَى رَأْيِنَا تَعْفُو الْمَرْأَةُ وَوَلِيُّهَا فَيَسْقُطُ فَتَطَّرِدُ الْقَاعِدَةُ وَعَلَى رَأْيِهِمْ يَعْفُو الزَّوْجُ فَيَثْبُتُ مَعَ هَذِهِ النِّصْفُ الَّذِي تَشَطَّرَ بِالطَّلَاقِ فَلَا تَطَّرِدُ الْقَاعِدَةُ بِوُقُوعِ الْإِثْبَاتِ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَطْفِ أَوْ التَّشْرِيكِ فِي الْمَعْنَى فَقَوْلُهُ تَعَالَى {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] مَعْنَاهُ الْإِسْقَاطُ وقَوْله تَعَالَى {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] عَلَى رَأْيِنَا الْإِسْقَاطُ فَيَحْصُلُ التَّشْرِيكُ وَعَلَى رَأْيِهِمْ الْإِثْبَاتُ فَلَا يَحْصُلُ التَّشْرِيكُ فَيَكُونُ قَوْلُنَا أَرْجَحَ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ كَذَا وَكَذَا تَنْوِيعٌ لِذَلِكَ الْكَائِنِ إلَى نَوْعَيْنِ وَالتَّنْوِيعُ فَرْعُ الِاشْتِرَاكِ فِي الْمَعْنَى وَلَا مُشْتَرَكَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَالْإِسْقَاطِ وَالْإِعْطَاءِ حَتَّى يَحْسُنَ تَنْوِيعُهُ وَعَلَى رَأْيِنَا الْمُتَنَوِّعُ إلَى إسْقَاطِ الْمَرْأَةِ وَإِسْقَاطِ الْوَلِيِّ هُوَ مُطْلَقُ الْإِسْقَاطِ فَكَانَ قَوْلُنَا أَرْجَحَ (وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ الْعَفْوَ ظَاهِرٌ فِي الْإِسْقَاطِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَعَلَى رَأْيِهِمْ يَكُونُ مَعَ صَدَقَةٍ عَلَى الْتِزَامِ مَا وَجَبَ بِالطَّلَاقِ أَيْضًا صَادِقًا عَلَى الْتِزَامِ مَا سَقَطَ بِالطَّلَاقِ، وَالْتِزَامُ مَا لَمْ يَجِبْ لَا يُسَمَّى عَفْوًا (وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ إقَامَةَ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الزَّوْجَ لَقِيلَ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ عَمَّا اسْتَحَقَّ لَكُمْ لِأَنَّ الْخِطَابَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 237] كَانَ مَعَ الْأَزْوَاجِ فَلَمَّا عَدَلَ الظَّاهِرُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا عَلَى طَرِيقِ الِالْتِفَاتِ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ كَمَا عَلِمْت (وَالْوَجْهُ السَّادِسُ) أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِنَا بِيَدِهِ كَذَا أَيْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَالزَّوْجُ لَا يَتَصَرَّفُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بَلْ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِي الْوَطْءِ بِالْحِلِّ وَالْوَلِيُّ الْآنَ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْعَقْدِ فَيَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ دُونَ الزَّوْجِ (وَالْوَجْهُ السَّابِعُ) سَلَّمْنَا أَنَّ الزَّوْجَ

وَسَوَّى أَصْبَغُ الْإِمَاءَ بِالزَّوْجَاتِ وَسَوَّى أَشْهَبُ الزَّوْجَاتِ بِالْإِمَاءِ لِعَدَمِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْإِخْبَارُ. (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّمْلِيكِ وَقَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ) اعْلَمْ أَنَّ مَوْضُوعَ التَّمْلِيكِ عِنْدَ مَالِكٍ أَصْلُ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ إشْعَارٍ بِالْبَيْنُونَةِ وَلَا بِالْعَدَدِ فَلَهَا أَنْ تَقْضِيَ بِأَيِّ ذَلِكَ شَاءَتْ وَمَوْضُوعُ التَّخْيِيرِ عِنْدَنَا الثَّلَاثُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَمَقْصُودَهُ الْبَيْنُونَةُ فَلِذَلِكَ تُقْبَلُ نِيَّةُ الزَّوْجِ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ قَبْلَ الْبِنَاءِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ بِالْوَاحِدَةِ حِينَئِذٍ دُونَ مَا بَعْدَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْبَيْنُونَةِ لَا يَقْبَلُ الْمَجَازَ كَالثَّلَاثِ إذَا نُطِقَ بِهَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِ التَّنْبِيهَاتِ فِي التَّخْيِيرِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ الْمَشْهُورُ هُوَ الثَّلَاثُ نَوَتْهَا الْمَرْأَةُ أَمْ لَا فَإِنْ قَضَتْ بِدُونِهَا فَهَلْ يَسْقُطُ خِيَارُهَا خِلَافٌ وَالثَّلَاثُ. وَإِنْ نَوَتْ دُونَهَا قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلِلزَّوْجِ الْمُنَاكَرَةُ فِي الثَّلَاثِ وَطَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ عِنْدَ ابْنِ الْجَهْمِ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَثَلَاثٌ إنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي وَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا أَوْ رَدَّتْ الْخِيَارَ عَلَيْهِ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ وَطَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَأَسْقَطَ أَبُو حَنِيفَةَ حُكْمَهُ مُطْلَقًا وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ عَلَى أَنَّهُ كِنَايَةٌ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الْمِائَةِ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّمْلِيكِ وَقَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ) قُلْت أَكْثَرُ مَا قَالَهُ فِيهِ حِكَايَةُ خِلَافٍ وَتَوْجِيهٍ وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّمَا بَنَى عَلَى عُرْفِ زَمَانِهِ هُوَ الظَّاهِرُ وَمَا قَالَهُ مِنْ لُزُومِ تَغَيُّرِ الْفَتْوَى عِنْدَ تَغَيُّرِ الْعُرْفِ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ لَكِنْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ وَمَضَى فَهُوَ مَجَازٌ وَالْوَلِيُّ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الْآنَ فَهُوَ حَقِيقَةٌ وَالْحَقِيقَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَجَازِ (وَالْوَجْهُ الثَّامِنُ) أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] الرَّشِيدَاتُ إجْمَاعًا إذْ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِنَّ لَا يُنْفِذُ الشَّرْعُ تَصَرُّفَهُنَّ فَاَلَّذِي يُحْسِنُ مُقَابِلَتَهُنَّ بِالْمَحْجُورَاتِ عَلَى أَيْدِي الْأَوْلِيَاءِ إلَّا بِالْأَزْوَاجِ إذْ لَا مُنَاسَبَةَ فِيهِمْ لِلرَّشِيدَاتِ (وَالْوَجْهُ التَّاسِعُ) أَنَّ وُجُوبَ الصَّدَاقِ أَوْ بَعْضِهِ قَبْلَ الْمَسِيسِ خِلَافُ الْأَصْلِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ تَسْلِيمِ الْعِوَضِ يَقْتَضِي بَقَاءَ الْعِوَضِ قَابِلًا لِلتَّسْلِيمِ أَمَّا مَعَ تَعَذُّرِهِ فَلَا بِشَهَادَةِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ أَوْ الْمُتْعَةِ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الْعِوَضِ فِي ذَلِكَ فَإِسْقَاطُ الْأَوْلِيَاءِ النِّصْفَ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ وَتَكْمِيلُ الزَّوْجِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْأَبِ قَبْلَ الطَّلَاقِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا بِوَجْهِ نَظَرٍ مِنْ عُسْرِ الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يُلْحَقُ الْوَصِيُّ بِالْأَبِ لِقُصُورِ نَظَرِهِ عَنْهُ وَفِي الْجَلَّابِ لَا يَجُوزُ لِلْأَبِ الْعَفْوُ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَلَا يُعَدُّ الدُّخُولُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ خِلَافُ الْأَصْلِ فَسُلِّطَ الْأَبُ عَلَيْهِ إذَا رَآهُ نَظَرًا بِخِلَافِ الدُّخُولِ لِتَعْيِينِ الِاسْتِحْقَاقِ فَغَلَبَ حَقُّ الزَّوْجِيَّةِ فَالْحُكْمُ هُنَا كَمَا خُصَّ عُمُومٌ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] عِنْدَ الْجُمْهُورِ بِالصَّغِيرَةِ وَالْمَحْجُورَةِ كَذَلِكَ خُصَّ عِنْدَنَا بِالْأَبِ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَالسَّيِّدِ فِي أَمَتِهِ لِكَمَالِ نَظَرِهِمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي بِدَايَتِهِ وَالْجُمْهُورُ أَنَّ الْمَرْأَةَ الصَّغِيرَةَ وَالْمَحْجُورَةَ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَهَبَ مِنْ صَدَاقِهَا النِّصْفَ الْوَاجِبَ لَهَا وَشَذَّ قَوْمٌ فَقَالُوا يَجُوزُ أَنْ تَهَبَ مَعَهُ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] . اهـ فَافْهَمْ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي الْأَصْلِ وَأَحْكَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ مَعَ زِيَادَةٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ هَذِهِ الْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَى صِحَّةِ هِبَةِ الْمُشَاعِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ لِلْمَرْأَةِ بِالطَّلَاقِ نِصْفَ الصَّدَاقِ فَعَفْوُهَا لِلرَّجُلِ عَنْ جَمِيعِهِ كَعَفْوِ الرَّجُلِ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مُشَاعٍ وَمَقْسُومٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَصِحُّ هِبَةُ الْمُشَاعِ فَوَرَدَ عَلَيْهِ عُمُومُ الْآيَةِ وَأَرَادَ عُلَمَاءُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ الِانْفِصَالَ عَنْهَا بِقَوْلِهِمْ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا بَيَّنَ تَكْمِيلًا ثَبَتَ بِنَفْسِ الْعَفْوِ دُونَ شَرْطِ قَبْضِ ذَلِكَ فِي عَفْوِ الْمَرْأَةِ فَأَمَّا الْعَيْنُ فَلَا يَكْمُلُ الْعَفْوُ فِيهِ إلَّا بِقَبْضٍ مُتَّصِلٍ بِهِ أَوْ قَبْضٍ قَائِمٍ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْهِبَةِ وَلَئِنْ حَمَلْنَا الْآيَةَ عَلَى عَقْدِ شَرْطِ زِيَادَةِ الْقَبْضِ فَنَحْنُ لَا نَشْتَرِطُ إلَّا تَمَامَهُ وَتَمَامُهُ بِالْقِسْمَةِ فَآلَ الِاخْتِلَافُ إلَى كَيْفِيَّةِ الْقَبْضِ لَكِنَّ هَذَا الِانْفِصَالَ إنَّمَا يَسْتَمِرُّ عَلَى أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الَّذِينَ يَشْتَرِطُونَ فِي الْهِبَةِ الْقَبْضَ فَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَرَى ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ لَهُمْ هَذَا الِانْفِصَالُ مَعَنَا فَإِنَّ نَفْسَ الْعَفْوِ مِمَّنْ عَفَا يَخْلُصُ مِلْكًا لِمَنْ عُفِيَ لَهُ وَأَمَّا أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فَلَا يَصِحُّ لَهُمْ هَذَا مَعَهُمْ إلَّا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْآيَةَ بِمُطْلَقِهَا تُفِيدُ صِحَّةَ هِبَةِ الْمُشَاعِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُشَاعًا، وَافْتِقَارُ الْهِبَةِ إلَى الْقَبْضِ نَظَرٌ آخَرُ يُؤْخَذُ مِنْ دَلِيلٍ يَخُصُّ تِلْكَ النَّازِلَةَ فَمُشْتَرِطُ الْقِسْمَةِ مُفْتَقِرٌ إلَى دَلِيلٍ وَلَمْ يَجِدُوهُ إلَّا مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى الْمَبْنِيِّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُهُ وَلَيْسَ التَّمْيِيزُ مِنْ الْقَبْضِ أَصْلًا فِي وَرْدٍ وَلَا صَدْرٍ فَصَحَّ تَعَلُّقُنَا بِالْآيَةِ وَعُمُومِهَا وَسَلِمَتْ مِنْ تَشْغِيلِهِمْ اهـ بِتَصَرُّفٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) ضَعَّفَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ قَوْله تَعَالَى فِي النِّسَاءِ {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] بِالْوَاوِ بِقَوْلِهِ كَيْفَ يَجِيءُ ضَمِيرُ الْمُؤَنَّثِ بِالْوَاوِ وَلَيْسَ كَمَا خَطَرَ لَهُ إذْ الْوَاوُ هُنَا لَيْسَ ضَمِيرًا وَإِلَّا لَحَذَفَ النَّاصِبُ النُّونَ بَلْ الضَّمِيرُ النُّونُ، وَالْوَاوُ لَامُ الْفِعْلِ لِأَنَّهُ مِنْ عَفَا يَعْفُو بِالْوَاوِ وَشَأْنُ ضَمِيرِ الْمُؤَنَّثِ الَّذِي هُوَ النُّونُ وَكَذَا كُلُّ ضَمِيرٍ بَارِزٍ أَنْ يَلْحَقَ آخِرَ الْفِعْلِ عَلَى حَالِهِ الْأَصْلِيِّ أَيُّ

[الفرق بين قاعدة الأثمان في البياعات تتقرر بالعقود وبين قاعدة الصدقات في الأنكحة لا يتقرر شيء منهما بالعقود]

إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ التَّخْيِيرِ يَحْتَمِلُ التَّخْيِيرَ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرَهُ فَإِنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ فَيَحْتَمِلُ الْوَحْدَةَ وَالْكَثْرَةَ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ حَتَّى يَنْوِيَ، وَقَدْ اعْتَمَدَ الْأَصْحَابُ عَلَى مَدَارِكَ (أَحَدُهَا) قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [الأحزاب: 28] الْآيَةَ قَالُوا هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى الْبَيُونَةِ بِالثَّلَاثِ، وَقَدْ أَجَابَ اللَّخْمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْهَا بِأَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ الْمُطَلِّقُ لَا النِّسَاءُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 28] وَثَانِيهَا سَلَّمْنَا أَنَّ الْأَزْوَاجَ كُنَّ اللَّائِي طُلِّقْنَ لَكِنَّ السَّرَاحَ لَا يُوجِبُ إلَّا وَاحِدَةً كَمَا لَوْ قَالَ سَرَّحْتُك (وَثَالِثُهَا) سَلَّمْنَا أَنَّهُ الثَّلَاثُ لَكِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مُعَلَّلٌ بِالنَّدَمِ وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمْلَكُ لِنَفْسِهِ مِنَّا (وَرَابِعُهَا) أَنَّ التَّخْيِيرَ إنَّمَا كَانَ بَيْنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالدَّارِ الْآخِرَةِ (وَثَانِيهَا) أَنَّ إحْدَى نِسَائِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَكَانَتْ أَلْبَتَّةَ فَكَانَ ذَلِكَ أَصْلًا فِي الْخِيَارِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ إنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُهُ مِثْلَ ذَلِكَ (وَثَالِثُهَا) أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ عَادَةً إنَّمَا هُوَ التَّخْيِيرُ فِي الْكَوْنِ فِي الْعِصْمَةِ أَوْ مُفَارَقَتِهَا هَذَا هُوَ السَّابِقُ لِلْفَهْمِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ لِزَوْجَتِهِ خَيَّرْتُك وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ يُنَازِعُونَ فِي أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ عَادَةً وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ قَوْلَ الْأَئِمَّةِ هُوَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ لُغَةً لَا مِرْيَةَ فِي ذَلِكَ وَإِنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَفْتَى بِالثَّلَاثِ وَالْبَيُونَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بِنَاءً عَلَى عَادَةٍ كَانَتْ فِي زَمَانِهِ أَوْجَبَتْ نَقْلَ اللَّفْظِ عَنْ مُسَمَّاهُ اللُّغَوِيِّ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحَرْفٍ كَانَ فَيُبْقِيهِ فِي نَحْوِ رَمَى يَرْمِي يَاءً تَقُولُ النِّسْوَةُ رَمَيْنَ وَأَنَا قَضَيْت وَفِي نَحْوِ دَعَا يَدْعُو وَاوًا تَقُولُ النِّسْوَةُ دَعَوْنَ وَأَنَا عَفَوْت وَفِي نَحْوِ قَرَأَ يَقْرَأُ هَمْزَةً تَقُولُ النِّسْوَةُ قَرَأْنَ وَأَنَا أَبْرَأْت وَهَكَذَا فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] بِالْوَاوِ وَقَالَ الشَّاعِرُ: مَنْ كَانَ مَسْرُورًا بِمَصْرَعِ مَالِكٍ ... فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارِ يَجِدْ النِّسَاءَ حَوَاسِرًا يَنْدُبْنَهُ ... قَدْ قُمْنَ قَبْلَ تَبَلُّجِ الْأَسْحَارِ قَدْ كُنَّ يُخْبِئْنَ الْوُجُوهَ تَسَتُّرًا ... وَالْآنَ حِينَ بَدَوْنَ لِلنُّظَّارِ فَمِنْ هُنَا رُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الْأُدَبَاءِ لَمَّا دَخَلَ عَلَى بَعْضِ الْخُلَفَاءِ وَأَنْشَدَهُ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ قَالَ لَهُ كَيْفَ تَقُولُ بَدَأْنَ بِالْهَمْزِ وَبَدَيْنَ بِالْيَاءِ مَرِيدًا غُرَّتَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ صَدْرَ الْبَيْتِ يُخْبِئْنَ الْوُجُوهَ بِالْهَمْزِ فَقِيَاسُهُ أَنْ يَقُولَ بَدَأْنَ مِثْلُ يُخْبِئْنَ بِالْهَمْزِ فِيهِمَا وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْوَاوَ تَكُونُ ضَمِيرَ الْفَاعِلِ عَلَى الْمُذَكِّرِ لَا ضَمِيرَ النِّسْوَةِ فَمَا حَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى الْخَطَأِ بَلْ نَطَقَ بِالصَّوَابِ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَا أَقُولُ بَدَيْنَ وَلَا بَدَأْنَ بَلْ بَدَوْنَ فَقَالَ لَهُ أَصَبْت وَيُرْوَى أَنَّ بَعْضَ الْأُدَبَاءِ الْمَشْهُورِينَ طُرِحْت عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَبْيَاتُ فَأَخْطَأَ فِيهَا وَقَالَ بَدَأْنَ لِلنُّظَّارِ فَأَخْطَأَ وَفِي الْأَبْيَاتِ سُؤَالٌ آخَرُ عَنْ مُشْكِلٍ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ كَيْفَ يَقْصِدُ إخْمَالَ الشَّمَاتَةِ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي تَقْوِيَتَهَا فَإِنَّ قَوْلَهُ: مَنْ كَانَ مَسْرُورًا بِوَقْعَةِ مَالِكٍ أَوْ بِمَصْرَعِ مَالِكٍ ... فَلْيَأْتِ نِسْوَتَنَا بِوَجْهِ نَهَارٍ وَذَكَرَ مِنْ حَالِ النِّسْوَةِ مَا يَقْتَضِي زِيَادَةَ الشَّمَاتَةِ وَتَحْقِيقَ الْمُصِيبَةِ وَهَتْكَ الْعِيَالِ وَتَهَتُّكَ الْوُجُوهِ وَهَذَا يَزِيدُ الشَّامِتَ شَمَاتَةً وَجَوَابُهُ أَنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ أَنَّهَا لَا تُقِيمُ مَأْتَمًا وَلَا تَفْعَلُ النِّسْوَةُ هَذَا الْفِعْلَ إلَّا بَعْدَ أَخْذِ ثَأْرِ مَنْ يُفْعَلُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ وَمَنْ لَا يُؤْخَذُ بِثَأْرِهِ لَا يَسْتَحِقُّ عِنْدَهُمْ أَنْ يُقَامَ لَهُ مَأْتَمٌ وَلَا يُبْكَى عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ قَالَ أَيُّهَا الشَّامِتُ اُنْظُرْ كَيْفَ حَالُ النِّسْوَةِ فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّا أَخَذْنَا بِثَأْرِهِ وَذَهَبَتْ شَمَاتَةُ الشَّامِتِ بِهِ عِنْدَهُمْ أَوْ خَفَّتْ فَهَذَا وَجْهُ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَثْمَانِ فِي الْبِيَاعَاتِ تَتَقَرَّرُ بِالْعُقُودِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّدَقَاتِ فِي الْأَنْكِحَةِ لَا يَتَقَرَّرُ شَيْءٌ مِنْهُمَا بِالْعُقُودِ] (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَثْمَانِ فِي الْبِيَاعَاتِ تَتَقَرَّرُ بِالْعُقُودِ بِلَا خِلَافٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الصَّدَقَاتِ فِي الْأَنْكِحَةِ لَا يَتَقَرَّرُ شَيْءٌ مِنْهَا بِالْعُقُودِ مُطْلَقًا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ) وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا التَّقَرُّرُ مُطْلَقًا وَالطَّلَاقُ مُشَطَّرٌ وَثَانِيهِمَا النِّصْفُ يَتَقَرَّرُ بِالْعَقْدِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ غَيْرُ مُتَقَرِّرٍ حَتَّى يَسْقُطَ بِالطَّلَاقِ أَوْ يَثْبُتَ بِالدُّخُولِ أَوْ الْمَوْتِ (فَالنَّظَرُ هُنَا) فِي ثَلَاثَةِ أُمُورٍ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الصَّدَاقِ وَالْأَمْرُ الثَّانِي سَبَبُ الْخِلَافِ وَالْأَمْرُ الثَّالِثُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ (أَمَّا الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) فَهُوَ أَنَّ الْمَشْهُورَ لَاحِظْ أَنَّ الصَّدَاقَ شَرْطٌ فِي الْإِبَاحَةِ لَا عِوَضٌ عَنْ الْوَطْأَةِ الْأُولَى لِوَجْهَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّ النَّاسَ لَا يَقْصِدُونَ بِهِ الْمُعَاوَضَةَ بَلْ التَّحَمُّلَ بِشَهَادَةِ الْعَادَةِ أَنَّ الْعُقَلَاءَ لَا يَقْصِدُونَ الْوَطْأَةَ الْأُولَى بِالصَّدَاقِ (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ أَيْضًا لَمْ يُرِدْ الْمُعَاوَضَةَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ شُرُوطَ الْأَعْوَاضِ مِنْ نَفْيِ الْجَهَالَةِ لِلْمَرْأَةِ بَلْ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَجْهُولَةِ مُطْلَقًا وَلَا نَعْرِضُ لِتَحْدِيدِ مُدَّةِ الِانْتِفَاعِ أَيْضًا وَذَلِكَ وَشَبَهُهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ قَصْدِ صَاحِبِ الشَّرْعِ إلَى الْمُعَاوَضَةِ وَأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَهُ شَرْطًا لِأَصْلِ الْإِبَاحَةِ وَقَاعِدَةُ الشَّرْطِ أَنْ يَتَعَيَّنَ

[الفرق بين قاعدة ما يجوز اجتماعه مع البيع وقاعدة ما لا يجوز اجتماعه معه]

إلَى هَذَا الْمَفْهُومِ فَصَارَ صَرِيحًا فِيهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ وَهُوَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ غَيْرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ قَدْ بَطَل وَتَغَيَّرَتْ الْفُتْيَا وَيَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى اللُّغَةِ كَمَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ وَتَصِيرُ كِنَايَةً مَحْضَةً بِسَبَبِ أَنَّ الْعُرْفَ قَدْ تَغَيَّرَ حَتَّى لَمْ يَصِرْ أَحَدٌ يَسْتَعْمِلُ هَذَا اللَّفْظَ إلَّا فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ فَضْلًا عَنْ كَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ الَّتِي تُصَيِّرُهُ مَنْقُولًا وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ اللَّفْظَ مَتَى كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ مُضَافًا لِنَقْلٍ عَادِيٍّ بَطَلَ ذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ بُطْلَانِ تِلْكَ الْعَادَةِ وَتَغَيَّرَ إلَى حُكْمٍ آخَرَ إنْ شَهِدَتْ لَهُ عَادَةٌ أُخْرَى فَهَذَا هُوَ الْفِقْهُ الْمُتَّجَهُ. (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ضَمِّ الشَّهَادَتَيْنِ فِي الْأَقْوَالِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ ضَمِّهَا فِي الْأَفْعَالِ) اعْلَمْ أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ وَأَنَّهُ دَخَلَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ حَلَفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَإِنْ نَكَلَ سُجِنَ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى مُتَعَلِّقٍ وَاحِدٍ. وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعِتْقِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، وَقَالَ إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِمَكَّةَ فِي رَمَضَانَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِمِصْرَ فِي صَفَرٍ طَلُقَتْ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَيُشْتَرَطُ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ضَمِّ الشَّهَادَةِ فِي الْأَقْوَالِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ ضَمِّهَا فِي الْأَفْعَالِ) ، قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا حِكَايَةُ أَقْوَالٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا كَلَامَ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQثُبُوتُهُ عِنْدَ ثُبُوتِ الْمَشْرُوطِ فَلِذَا قَالَ فِي الْمَشْهُورِ بِعَدَمِ التَّقَرُّرِ مُطْلَقًا إلَّا بِالدُّخُولِ أَوْ بِالْمَوْتِ لِأَنَّ الصَّدَاقَ إنَّمَا الْتَزَمَ إلَى أَقْصَرِ الزَّوْجَيْنِ عُمْرًا أَوْ بِالْفِرَاقِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ كَالثَّمَنِ (وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّانِي) فَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ يُعَارِضُهَا قَاعِدَتَانِ أُخْرَيَانِ (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَعْوَاضِ وُجُوبُهَا بِالْعُقُودِ فَإِنَّهَا أَسْبَابُهَا وَالْأَصْلُ تَرَتُّبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا فَمَنْ لَاحَظَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ قَالَ يَجِبُ الْجَمِيعُ بِالْعَقْدِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ (وَالْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى سَبِيبَتِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] فَرَتَّبَ النِّصْفَ عَلَى الطَّلَاقِ فَيَكُونُ سَبَبُهُ فَمَنْ لَاحَظَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ قَالَ يَجِبُ النِّصْفُ بِالطَّلَاقِ خَاصَّةً وَيَبْقَى التَّكْمِيلُ مَوْقُوفًا عَلَى سَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ الْمَوْتُ أَوْ الدُّخُولُ كَذَا فِي الْأَصْلِ (وَأَمَّا الْأَمْرُ الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي بِدَايَتِهِ مَا يَعْرِضُ لِلصَّدَاقِ مِنْ التَّغْيِيرَاتِ قَبْلَ الطَّلَاقِ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِنْ قِبَلِهَا أَوْ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ فَمَا كَانَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ تَلَفًا لِلْكُلِّ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَقْصًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ زِيَادَةً وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ زِيَادَةً وَنَقْصًا مَعًا وَمَا كَانَ مِنْ قِبَلِهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهَا فِيهِ بِتَفْوِيتٍ مِثْلُ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ أَوْ يَكُونَ تَصَرُّفُهَا فِيهِ فِي مَنَافِعِهَا الْخَاصَّةِ بِهَا أَوْ فِيمَا تَتَجَهَّزُ بِهِ إلَى زَوْجِهَا فَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّهُمَا فِي التَّلَفِ وَفِي الزِّيَادَةِ وَفِي النُّقْصَانِ شَرِيكَانِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي النُّقْصَانِ وَالتَّلَفِ عَلَيْهَا بِالنِّصْفِ وَلَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ الزِّيَادَةِ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هَلْ تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ الصَّدَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ الْمَوْتِ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا أَوْ لَا تَمْلِكُهُ فَمَنْ قَالَ إنَّهَا لَا تَمْلِكُهُ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا قَالَ هُمَا فِيهِ شَرِيكَانِ مَا لَمْ تَتَعَدَّ فَتُدْخِلُهُ فِي مَنَافِعِهَا وَمَنْ قَالَ تَمْلِكُهُ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا وَالتَّشْطِيرُ حَقٌّ وَاجِبٌ تَعَيَّنَ عَلَيْهَا عِنْدَ الطَّلَاقِ وَبَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ أَوْجَبَ الرُّجُوعَ عَلَيْهَا بِجَمِيعِ مَا ذَهَبَ عِنْدَهَا وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهَا إذَا صَرَفَتْهُ فِي مَنَافِعِهَا ضَامِنَةً لِلنِّصْفِ وَاخْتَلَفُوا إذَا اشْتَرَتْ بِهِ مَا يُصْلِحُهَا لِلْجِهَازِ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ هَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَا اشْتَرَتْهُ أَمْ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ فَقَالَ مَالِكٌ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَا اشْتَرَتْهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الثَّمَنِ الَّذِي هُوَ الصَّدَاقُ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الْبَيْعِ وَقَاعِدَةُ مَا لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مَعَهُ] (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الْبَيْعِ مِنْ نَحْوِ الْإِجَارَةِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مَعَهُ) مِنْ الْعُقُودِ السِّتَّةِ الَّتِي رَمَزَ الْفُقَهَاءُ لَهَا بِقَوْلِهِمْ جِصّ مُشْنِق فَالْجِيمُ لِلْجَعَالَةِ وَالصَّادُ لِلصَّرْفِ وَالْمِيمُ لِلْمُسَاقَاةِ وَالشَّيْنُ لِلشَّرِكَةِ وَالنُّونُ لِلنِّكَاحِ وَالْقَافُ لِلْقِرَاضِ وَالسِّرُّ فِي الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ الْعُقُودَ أَسْبَابٌ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى تَحْصِيلِ حِكْمَتِهَا فِي مُسَبَّبَاتِهَا الْمُتَنَافِيَةِ بِطَرِيقِ الْمُنَاسَبَةِ وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ بِاعْتِبَارِ الْوَاحِدِ لَا يُنَاسِبُ الْمُتَضَادَّيْنِ لِأَنَّ تَنَافِيَ اللَّوَازِمِ يَدُلُّ عَلَى تَنَافِي الْمَلْزُومَاتِ وَكُلُّ عَقْدٍ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ السِّتَّةِ يُضَادُّ الْبَيْعَ فَلِذَا اخْتَصَّتْ فِي الْمَشْهُورِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ وَاحِدًا مِنْهُمَا مَعَ الْبَيْعِ عَقْدٌ وَاحِدٌ بَلْ قَالَ الشَّيْخُ مَيَّارَةُ كَمَا لَا يَجْتَمِعُ الْبَيْعُ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ السَّبْعِ بِزِيَادَةِ الْقَرْضِ فَكَذَلِكَ لَا يَجْتَمِعُ اثْنَانِ مِنْهَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِافْتِرَاقِ أَحْكَامِهَا قَالَ وَقَدْ قُلْت فِي ذَلِكَ: عُقُودٌ مَنَعْنَا اثْنَيْنِ مِنْهَا بِعُقْدَةٍ ... لِكَوْنِ مَعَانِيهَا مَعًا تَتَفَرَّقُ

يَكُونَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ مَسَافَةٌ يُمْكِنُ قَطْعُهَا فِي الْأَجَلِ الَّذِي بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ وَتُضْبَطُ عِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ شَهَادَةِ الْأَخِيرِ، قُلْت وَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى الْعِدَّةِ فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِي الْحُكْمِ فَمَا تَعْتَقِدُهُ الزَّوْجَةُ فِي تَارِيخِ الطَّلَاقِ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ قِيلَ تُضَمُّ الشَّهَادَتَانِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ أَوْ إحْدَاهُمَا قَوْلٌ وَالْأُخْرَى فِعْلٌ وَيَقْضِي بِهَا، وَقِيلَ لَا يُضَمَّانِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ يُضَمَّانِ فِي الْأَقْوَالِ فَقَطْ، وَقِيلَ يُضَمَّانِ إذَا كَانَتَا عَلَى فِعْلٍ فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى قَوْلٍ وَالْأُخْرَى عَلَى فِعْلٍ لَمْ يُضَمَّا وَالْأَقْوَالُ كُلُّهَا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاعْتَمَدَ الْأَصْحَابُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ أَنَّ الْأَقْوَالَ يُمْكِنُ تَكَرُّرُهَا وَيَكُونُ الثَّانِي خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ وَالْأَفْعَالَ لَا يُمْكِنُ تَكَرُّرُهَا إلَّا مَعَ التَّعَدُّدِ، وَهَذَا الْفَرْقُ فِيهِ بَحْثٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْإِنْشَاءُ وَتَجْدِيدَ الْمَعَانِي بِتَجَدُّدِ الِاسْتِعْمَالَاتِ وَالتَّأْسِيسِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّأْكِيدِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودُ الْوَضْعِ وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ عَدَمُ ضَمِّ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ لِعَدَمِ وُجُودِ النِّصَابِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ مِنْهَا لَكِنْ عَارَضَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ قَاعِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ أَصْلَ قَوْلِنَا أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتَ حُرٌّ الْخَبَرُ عَنْ وُقُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَاعْتَمَدَ الْأَصْحَابُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ أَنَّ الْأَقْوَالَ يُمْكِنُ تَكَرُّرُهَا وَيَكُونُ الثَّانِي خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ وَالْأَفْعَالَ لَا يُمْكِنُ تَكَرُّرُهَا إلَّا مَعَ التَّعَدُّدِ إلَى قَوْلِهِ وَالْحَمْلُ عَلَى الْأَصْلِ أَوْلَى) ، قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ بِنَاءً عَلَى مَا أُصِّلَ إلَّا مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ أَصْلَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتَ حُرٌّ الْخَبَرُ عَنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ قَبْلَ زَمَانِ النُّطْقِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْخَبَرَ بِاسْمِ الْفَاعِلِ الْمُطْلَقِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْحَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَجُعْلٌ وَصَرْفٌ وَالْمُسَاقَاةُ شَرِكَةٌ ... نِكَاحٌ قِرَاضٌ قَرْضٌ بَيْعٌ مُحَقَّقُ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ نَاجِي وَنَقَلَهُ الْحَطَّابُ كَذَا فِي الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الدَّرْدِيرُ فِي شَرْحِ أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ، لَك أَنْ تَزِيدَ عَلَى هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ: فَهَذِي عُقُودٌ سَبْعَةٌ قَدْ عَلِمْتهَا ... وَيَجْمَعُهَا فِي الرَّمْزِ جبص مُشْنِق اهـ وَأَشَارَ بِالْبَاءِ فِي جَبْصِ لِلْبَيْعِ وَالصَّوَابُ أَنْ يُبْدِلَهَا بِقَافٍ بِأَنْ يَقُولَ جَقْصٌ لِتَكُونَ إشَارَةً لِلْقَرْضِ وَتَكُونَ السَّبْعَةُ الْمَرْمُوزُ لَهَا هِيَ مَا عَدَا الْبَيْعِ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي يَمْتَنِعُ جَمْعُهَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ مَعَهُ كَمَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ اثْنَيْنِ مِنْهَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِتَضَادِّ أَحْكَامِهَا أَمَّا تَضَادُّ الْجَعَالَةِ لِلْبَيْعِ فَمِنْ جِهَةِ لُزُومِ الْجَهَالَةِ فِي عَمَلِهَا وَلُزُومِ عَدَمِهَا فِي عَمَلِهِ وَأَمَّا تَضَادُّ النِّكَاحِ لَهُ فَمِنْ جِهَةِ لُزُومِ الْمُسَامَحَةِ فِي الْبَيْعِ دُونَ النِّكَاحِ فَتَجُوزُ فِيهِ الْمُكَايَسَةُ فِي الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ بِالْمُسَامَحَةِ وَيَكُونُ حَاصِلُ الصُّوَرِ الْعَقْلِيَّةِ أَرْبَعًا وَسِتِّينَ مِنْ ضَرْبِ ثَمَانِيَةٍ فِي مِثْلِهَا الْمُكَرَّرُ مِنْهَا سِتٌّ وَثَلَاثُونَ وَالْبَاقِي ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ لِأَنَّك تَأْخُذُ كُلَّ وَاحِدٍ مَعَ مَا بَعْدَهُ يَبْلُغُ ذَلِكَ الْعَدَدَ فَلْيُفْهَمْ. وَأَمَّا تَضَادُّ الصَّرْفِ لَهُ فَمِنْ جِهَةِ بِنَاءِ الصَّرْفِ عَلَى التَّشْدِيدِ وَامْتِنَاعِ الْخِيَارِ وَالتَّأْخِيرِ وَأُمُورٍ كَثِيرَةٍ لَا تُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ وَأَمَّا تَضَادُّ الْمُسَاقَاةِ وَالْقِرَاضِ لَهُ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهِمَا الْغَرَرَ وَالْجَهَالَةَ كَالْجَعَالَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَأَمَّا تَضَادُّ الشَّرِكَةِ لَهُ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ عَلَى وَفْقِ الْأُصُولِ وَفِي الشَّرِكَةِ مُخَالَفَةُ الْأُصُولِ وَأَمَّا تَضَادُّ الْقِرَاضِ لَهُ فَلِقَوْلِ الْخَرَشِيِّ الَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ الْغِرْيَانِيِّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْحُكْمَ فِي التَّصْدِيقِ إذَا وَقَعَ فِي الْقَرْضِ الْفَسْخُ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْبَيْعِ لِأَجَلٍ عَدَمُ الْفَسْخِ عَلَى ظَاهِرِهَا كَمَا قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ إنَّهُ الْأَشْبَهُ بِظَاهِرِهَا. اهـ يَعْنِي أَنَّ الْأَرْجَحَ فِي الْقَرْضِ الْفَسْخُ إذَا وَقَعَ التَّصْدِيقُ فِي الْمُقْرَضِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَفِي الْبَيْعِ لِأَجَلٍ الْأَرْجَحُ عَدَمُهُ إذَا وَقَعَ التَّصْدِيقُ فِي الْمَبِيعِ وَمِمَّا ذُكِرَ يُعْلَمُ وَجْهُ تَضَادِّ أَحْكَامِ كُلٍّ مِمَّا عَدَا الْبَيْعِ مِنْ الْعُقُودِ السَّبْعَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَحْكَامِ الْآخَرِ مِنْهَا نَعَمْ الْقِرَاضُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْجَعَالَةُ وَإِنْ عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ اتِّحَادُهَا فِي جَوَازِ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ إلَّا أَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْ أَبْوَابِهَا أَنَّ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ لَازِمٌ وَلَا يَنْعَقِدُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا بِلَفْظِ سَاقَيْت وَعِنْدَ سَحْنُونٍ إلَّا بِهِ وَبِلَفْظِ آجَرْت أَوْ عَامَلْت دُونَ لَفْظِ شَرِكَةٍ أَوْ بَيْعٍ بِخِلَافِهِمَا وَأَنَّ لِصِحَّةِ الْقِرَاضِ شُرُوطًا غَيْرَ شُرُوطِ صِحَّةِ الْجَعَالَةِ فَافْهَمْ وَأَمَّا نَحْوُ الْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ مِمَّا يُمَاثِلُ الْبَيْعَ فِي الْأَحْكَامِ وَالشُّرُوطِ وَلَا يُضَادُّهُ فِيهِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الْبَيْعِ كَمَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُ أَحَدِهِمَا مَعَ الْآخَرِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لِعَدَمِ التَّنَافِي فَهَذَا وَجْهُ الْفَرْقِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (وَصْلٌ) فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ وَتُوَضِّحُهُ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ الرَّهُونِيُّ ابْنُ عَرَفَةَ الصَّرْفُ وَالْبَيْعُ فِي جَوَازِهِ وَمَنْعِهِ ثَالِثُهَا بِقَيْدِ التَّبَعِيَّةِ لِأَشْهَبَ مَعَ اللَّخْمِيِّ عَنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ جَوَازُ بَيْعِ مِائَةِ ثَوْبٍ كُلُّ ثَوْبٍ بِدِينَارٍ إلَّا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَسَمَاعُ عِيسَى رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ صَرْفٌ وَبَيْعٌ وَلَا نِكَاحٌ وَبَيْعٌ وَالْمَشْهُورُ ثُمَّ قَالَ فَفِي تَبَعِيَّةِ الصَّرْفِ بِكَوْنِهِ أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ أَوْ دِينَارًا فَأَقَلَّ الْمَشْهُورُ وَقَوْلُ الصَّقَلِّيِّ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ. اهـ وَقُدِّمَ قَوْلُ أَشْهَبَ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا عَلَى الْمَشْهُورِ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ وَقَوْلُ أَشْهَبَ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ وَإِنْ

الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ قَبْلَ زَمَنٍ مِنْ النُّطْقِ، وَكَذَلِكَ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَسَائِرُ صِيَغِ الْعُقُودِ وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ لِاسْتِحْدَاثِ هَذِهِ الْمَعَانِي بِالْقَرَائِنِ أَوْ النَّقْلِ الْعُرْفِيِّ. وَإِنَّمَا الْأَصْلُ الْخَبَرُ فَشَهَادَتُهُمَا بِالْقَرَائِنِ شَهَادَةٌ بِقَوْلٍ يَصْلُحُ لِلْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ فَيُحْمَلُ الْقَوْلُ الثَّانِي عَلَى الْإِخْبَارِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَمَلًا بِقَاعِدَةِ تَرْجِيحِ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْخَبَرُ وَالْحَمْلُ عَلَى الْأَصْلِ أَوْلَى وَلِذَلِكَ شَبَّهَ الْأَصْحَابُ بِمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ فِي مَجَالِسَ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ مَا أَقَرَّ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَلِذَلِكَ شَبَّهَ الْأَصْحَابُ بِمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ فِي مَجَالِسَ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ مَا أَقَرَّ بِهِ) ، قُلْت إنَّمَا لَمْ يَتَعَدَّدْ عَلَيْهِ مَا أَقَرَّ بِهِ لِاحْتِمَالِ تَكَرُّرِ الْإِقْرَارِ بِمَالٍ وَاحِدٍ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الزَّائِدِ، وَكَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ عَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ، ثُمَّ كَرَّرَ ذَلِكَ الْقَوْلَ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ خَبَرٌ عَنْ الْأَوَّلِ بِنَاءً عَلَى مَا أُصِّلَ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ الْخَبَرُ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ الشَّاهِدَانِ شَهِدَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ إنْشَاءُ الْعِتْقِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي سُمِّيَ، قُلْت لَا أَدْرِي مَا الْحَامِلُ عَلَى تَكَلُّفِ تَقْدِيرِهِ كَوْنَ الْقَوْلِ الثَّانِي خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ بِقَرِينَةِ مَقَالِهِ أَوْ بِقَرِينَةِ حَالِهِ أَنَّهُ يُرِيدُ بِالْقَوْلِ الثَّانِي تَأْكِيدَ الْإِنْشَاءِ لِعِتْقِ ذَلِكَ الْعَبْدِ لَكَمُلَتْ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ بِذَلِكَ الْعِتْقِ. وَكَذَلِكَ لَوْ تَبَيَّنَ بِالْقَرَائِنِ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ خَبَرٌ عَنْ أَنَّهُ كَانَ عَقْدَ عِتْقِهِ وَالْقَوْلَ الثَّانِي أَيْضًا كَذَلِكَ لَحَصَلَتْ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ عَلَى إقْرَارِهِ بِعِتْقِهِ فَلَا فَرْقَ إذًا بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْقَوْلَانِ إنْشَاءً أَوْ كَانَا خَبَرًا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا خَبَرًا وَالْآخَرُ إنْشَاءً مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ وُقُوعُ عِتْقِهِ إيَّاهُ قَدْ حَصَلَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مِنْ تِلْكَ التَّقَادِيرِ نَعَمْ إذَا تَبَيَّنَ بِالْقَرَائِنِ أَوْ احْتَمَلَ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ تَأْسِيسُ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ خِلَافَ الْمَشْهُورِ. اهـ أَيْ لَا نَظَرَ إلَى أَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي جَمَعَهُمَا احْتَوَى عَلَى أَمْرَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا جَائِزٌ عَلَى انْفِرَادِهِ وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ مَالِكٌ حَرَّمَهُ قَالَ وَإِنَّمَا الَّذِي حَرَّمَهُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا سِلْعَةٌ وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا سِلْعَةٌ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الصَّاوِيِّ عَلَى شَرْحِ أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ ثُمَّ قَالَ الرَّهُونِيُّ وَلَمَّا ذُكِرَ فِي التُّحْفَةِ مَنْعُ اجْتِمَاعِ السِّتَّةِ الَّتِي فِي الْمَوَّاقِ وَالْحَطَّابِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ مَعَ الْبَيْعِ أَيْ وَفِي الْأَصْلِ وَهِيَ الرُّمُوزُ لَهَا بِقَوْلِهِمْ جِصّ مُشْنِق قَالَ. وَأَشْهَبُ الْجَوَازُ عَنْهُ مَاضٍ قَالَ: قَالَ التَّاوَدِيُّ فِي شَرْحِهَا مَا نَصُّهُ وَمُفَادُ النَّاظِمِ أَنَّ خِلَافَهُ جَارٍ فِي الْجَمِيعِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُهُ وَفِي الْحَطَّابِ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ. اهـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ قُلْت وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْحَطَّابِ هُوَ كَذَلِكَ فِيهِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالْمُسَاقَاةِ مَنْصُوصٌ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي ابْنِ نَاجِي عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهُ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي جَمِيعِهَا إلَّا أَنَّ اجْتِمَاعَ الْبَيْعِ وَالْمُسَاقَاةِ الْخِلَافُ بِالتَّخْرِيجِ خَرَّجَهُ اللَّخْمِيُّ فِي بَيْعِ بَتٍّ وَخِيَارٍ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ اهـ بِلَفْظِهِ. وَنَصُّ اللَّخْمِيِّ وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الثَّانِي ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِي النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَفِي كِتَابِ الْجُعْلِ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي الْبَيْعِ وَالْجُعْلَ وَفِي كِتَابِ الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ الِاخْتِلَافُ فِي بَيْعِ بَتٍّ وَخِيَارٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَيُخْتَلَفُ فِي الْبَيْعِ وَالْمُسَاقَاةِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ مِنْهُ بِلَفْظِهِ. اهـ كَلَامُ الرَّهُونِيُّ وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ وَاخْتَلَفُوا أَيْ الْفُقَهَاءُ إذَا اقْتَرَنَ بِالْمَهْرِ بَيْعٌ مِثْلُ أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ عَبْدًا وَيَدْفَعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَنْ الصَّدَاقِ وَعَنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ وَلَا يُسَمِّي الثَّمَنَ مِنْ الصَّدَاقِ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَفَرَّقَ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ إنْ كَانَ الْبَاقِي بَعْدَ الْبَيْعِ رُبْعُ دِينَارٍ فَصَاعِدًا بِأَمْرٍ فَصَاعِدًا بِأَمْرٍ لَا يَشُكُّ فِيهِ جَازَ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَمَرَّةً قَالَ ذَلِكَ جَائِزٌ وَمَرَّةً قَالَ فِيهِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هَلْ النِّكَاحُ فِي ذَلِكَ شَبِيهٌ بِالْبَيْعِ أَمْ لَيْسَ بِشَبِيهٍ فَمَنْ شَبَّهَهُ فِي ذَلِكَ بِالْبَيْعِ مَنَعَهُ وَمَنْ جَوَّزَ فِي النِّكَاحِ مِنْ الْجَهْلِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ قَالَ يَجُوزُ اهـ بِلَفْظِهَا. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ كَنُونِ وَأَوْلَى مِنْ مَنْعِ بَيْعٍ وَصَرْفٍ مَنْعِ بَيْعٍ وَبَدَلٍ وَكَمَا اسْتَثْنَوْا مِنْ الْأَوَّلِ مَا أَشَارَ لَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ دِينَارًا أَوْ يَجْتَمِعَا فِيهِ كَذَلِكَ يُسْتَثْنَى مِنْ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ دِرْهَمًا كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ أَيْ خَلِيلٍ وَبِخِلَافِ دِرْهَمٍ أَيْ بِنِصْفٍ وَفُلُوسٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي بَيْعٍ وَسَكًّا وَاتَّحَدَتْ وَعَرَفَ الْوَزْنَ وَانْتَقَدَ الْجَمِيعَ اهـ بِتَوْضِيحٍ وَقَالَ عبق عَلَى خَلِيلٍ وَمِنْ الْجُعْلِ الْمُفَارَسَةُ. اهـ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ كنون وَقَوْلُ الزَّرْقَانِيِّ وَالْهِبَةُ كَالْبَيْعِ أَيْ فَلَا يَجُوزُ جَمْعُهَا مَعَ الصَّرْفِ وَأَمَّا مَعَ الْبَيْعِ فَيَجُوزُ وَمَا فِي الشَّبْرَخِيتِيِّ مِنْ الْمَنْعِ مَرْدُودٌ عَقْلًا وَنَقْلًا اُنْظُرْ الْأَصْلَ أَيْ الرَّهُونِيِّ حَيْثُ قَالَ أَمَّا نَقْلًا فَلِقَوْلِ اللَّخْمِيِّ أَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ سَلَّمَ فُسْطَاطِيَّةً فِي فُسْطَاطِيَّتَيْنِ مِثْلِهَا إحْدَاهُمَا مُعَجَّلَةٌ وَالْأُخْرَى مُؤَجَّلَةٌ جَعَلَ الْمُعَجَّلَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْمُعَجَّلَةِ وَالْمُؤَجَّلَةَ هِبَةً. اهـ وَنَقَلَهُ الْمَوَّاقُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَمُؤَخَّرٌ فِقْهًا مُسَلَّمًا وَفِي الْمُفِيدِ أَثْنَاءَ كَلَامِهِ عَلَى مَنْ بَاعَ دَارًا بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ مَا نَصُّهُ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ يَنْبَغِي عِنْدِي إنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ سَرَفًا أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى النَّفَقَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ إنَّمَا هُوَ كَهِبَةٍ مِنْ أَجْلِ الْبَيْعِ جَائِزَةٌ فَإِذَا انْتَقَضَ الْبَيْعُ وَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهَا وَكَذَلِكَ هُنَا. اهـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ. وَأَمَّا مَعْنًى أَيْ عَقْلًا فَإِنَّ الْهِبَةَ الْمُقَارِنَةَ لِلْبَيْعِ إنَّمَا هِيَ مُجَرَّدُ تَسْمِيَةٍ فَإِذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ أَشْتَرِي مِنْك دَارَك بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ تَهَبَنِي ثَوْبَك فَفَعَلَ فَالدَّارُ وَالثَّوْبُ مَبِيعَانِ مَعًا بِمِائَةٍ وَإِذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ أَبِيعُك

[الفرق بين قاعدة البيع وقاعدة النكاح]

أَمَّا لَوْ فَرَضْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ صَمَّمَ عَلَى الْإِنْشَاءِ فِيمَا سَمِعَهُ كَانَتْ الْأَقْوَالُ كَالْأَفْعَالِ فِي مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ، فَيَكُونُ سِرُّ الْفَرْقِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّهُ أَنْشَأَ أَوَّلًا وَأَخْبَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــSإنْشَاءٍ كَالْأَوَّلِ فَهَا هُنَا لَا يَصِحُّ ضَمُّ الشَّهَادَتَيْنِ الْمُخْتَلِفَتَيْ التَّارِيخِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَى عَقْدِ الْعِتْقِ إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْأَوَّلُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّمَا شَهِدَ بِمَا لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْعِتْقِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْعَقِدُ فِيمَنْ تَقَدَّمَ عِتْقُهُ. قَالَ (أَمَّا لَوْ فَرَضْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ صَمَّمَ عَلَى الْإِنْشَاءِ فِيمَا سَمِعَهُ كَانَتْ الْأَقْوَالُ كَالْأَفْعَالِ إلَى قَوْلِهِ كَالْقَوْلِ فِي أَلْفَاظِ الْإِنْشَاءَاتِ حَرْفًا بِحَرْفٍ) ، قُلْت لَا أَحْسِبُ مَا بُنِيَ عَلَيْهِ الْفَرْقُ مِنْ كَوْنِ الْقَوْلِ الثَّانِي خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ صَحِيحًا، بَلْ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَصْلًا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ سَوَاءٌ كَانَتْ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَمْ كَيْفَمَا كَانَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا فَإِنْ قَبِلَتْ الضَّمَّ ضُمَّتْ وَإِلَّا فَلَا فَفِي الْقَوْلِ كَمَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ بِمَالٍ كَمَنْ يَقُولُ فِي رَمَضَانَ لِفُلَانٍ عِنْدِي دِينَارٌ فَسَمِعَهُ شَاهِدٌ، ثُمَّ يَقُولُ فِي شَوَّالٍ لِفُلَانٍ عِنْدِي دِينَارٌ فَسَمِعَهُ آخَرُ فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ يَقْبَلُ الضَّمَّ فَتَكْمُلُ الشَّهَادَةُ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالدِّينَارِ وَفِي الْفِعْلِ كَمَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِي شَوَّالٍ فَيُشَاهِدُهُ شَاهِدٌ. ثُمَّ يَشْرَبُهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَيُشَاهِدُهُ آخَرُ فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ يَقْبَلُ الضَّمَّ، فَإِنَّ الشَّاهِدَيْنِ مَعًا قَدْ اجْتَمَعَا مَعًا عَلَى مُشَاهَدَتِهِمَا إيَّاهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فَتَكْمُلُ الشَّهَادَةُ فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الضَّمَّ فَكَمَا إذَا قَالَ فِي رَمَضَانَ عَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ عَلَى قَصْدِ تَأْسِيسِ الْإِنْشَاءِ لِعِتْقِهِ فَشَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQدَارِي بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ تَهَبَنِي ثَوْبَك فَالدَّارُ مَبِيعَةٌ بِالْمِائَةِ وَالثَّوْبِ، وَالتَّسْمِيَةُ لَا أَثَرَ لَهُ وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَوَاضِعَ شَاهِدٌ لِذَلِكَ مِنْهَا قَوْلُهَا فِي كِتَابِ الْغَرَرِ وَمَنْ قَالَ أَبِيعُك سُكْنَى دَارِي سَنَةً فَذَلِكَ غَلَطٌ فِي اللَّفْظِ وَهُوَ كِرَاءٌ صَحِيحٌ. اهـ وَمِنْهَا قَوْلُهَا فِي كِتَابِ الصَّرْفِ وَلَوْ صَرَفْت مِنْهُ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ بِهَا مِنْهُ سَمْنًا أَوْ زَيْتًا نَقْدًا وَمُؤَجَّلًا أَوْ عَلَى أَنْ تَنِضَّهَا ثُمَّ تَشْتَرِيَ بِهَا هَذِهِ السِّلْعَةَ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ رُدَّتْ السِّلْعَةُ بِعَيْبٍ رَجَعْت بِدِينَارِك لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا وَقَعَ بِالسِّلْعَةِ وَاللَّفْظُ لَغْوٌ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ مَالِكٌ إلَى فِعْلِهِمَا لَا إلَى قَوْلِهِمَا وَلَيْسَ هَذَا مَنْ يَتَعَيَّنُ فِي بَيْعَةِ اهـ مِنْهَا بِلَفْظِهَا وَمِنْهَا قَوْلُهَا فِيهِ أَيْضًا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ مُعَجَّلًا بِدِينَارٍ إلَى شَهْرٍ وَالدِّينَارَ بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا إلَى شَهْرَيْنِ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا وَقَعَ بِالدَّرَاهِمِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى قُبْحِ كَلَامِهِمَا إذَا صَحَّ الْعَمَلُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يُنْظَرُ إلَى حَقِّ كَلَامِهِمَا إذَا قَبُحَ الْعَمَلُ بَيْنَهُمَا. اهـ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ الْمُوَافِقَةِ لِهَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ عَيْنُ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ وَيَكْفِي فِي رَدِّ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الشَّبْرَاخِيتِيُّ كَلَامُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى الْمُحَابَاةِ اُنْظُرْ نُصُوصَهُمْ فِيمَا يَأْتِي آخِرَ الْحَجْرِ إنْ شَاءَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْبَيْعِ وَقَاعِدَةُ النِّكَاحِ] (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْبَيْعِ تَوَسَّعَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ حَتَّى جَوَّزَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ الْبَيْعَ بِالْمُعَاطَاةِ وَهِيَ الْأَفْعَالُ دُونَ شَيْءٍ مِنْ الْأَقْوَالِ وَزَادُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قَالُوا: كُلُّ مَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا فَهُوَ بَيْعٌ نَعَمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَكْفِي الْمُعَاطَاةُ دُونَ قَوْلٍ وَقَاعِدَةُ النِّكَاحِ وَوَقَعَ التَّشْدِيدُ فِيهَا فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى اشْتِرَاطِ الصِّيَغِ فِيهِ حَتَّى لَا يُعْلَمَ أَنَّهُ وُجِدَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ قَوْلٌ بِالْمُعَاطَاةِ فِيهِ أَلْبَتَّةَ) وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ لَفْظِ التَّزْوِيجِ وَالنِّكَاحِ أَوْ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِخُصُوصِ لَفْظِهِمَا فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى الْأَوَّلِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ جَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ عَلَى التَّأْبِيدِ قَالَ الْأَصْلُ وَلَمْ يَسْتَثْنِ غَيْرَ الْإِجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِحْلَالِ وَجَوَّزَهُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ وَجَوَّزَ الْجَوَابَ مِنْ الزَّوْجِ بِقَوْلِهِ فَعَلْت وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ إلَى الثَّانِي فَقَالَا لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ وَالنِّكَاحِ كَمَا فِي الْقَبَسِ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَاخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ أَوْ التَّزْوِيجِ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ أَلْفَاظِ الْعُقُودِ وَفِي الْهِبَةِ قَوْلَانِ الْمَنْعُ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ النِّكَاحِ فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَأَنَّ النِّكَاحَ مُفْتَقِرٌ إلَى الصَّرِيحِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ بَلْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْإِحْلَالِ وَالْإِبَاحَةِ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ الْهِبَةُ وَقَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ يَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ عَلَى التَّأْبِيدِ كَالنِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَالتَّمْلِيكِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَلَفْظُ الصَّدَقَةِ. وَقَالَ الْأَصْحَابُ إنْ قَصَدَ بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ النِّكَاحَ صَحَّ وَيَضْمَنُ الْمَهْرَ فَيَكْفِي قَوْلُ الزَّوْجِ قَبِلْت بَعْدَ الْإِيجَابِ مِنْ الْوَلِيِّ وَلَا يُشْتَرَطُ قَبِلْت نِكَاحَهَا وَلَوْ قَالَ لِلْأَبِ فِي الْبِكْرِ أَوْ بَعْدَ الْإِذْنِ فِي الثَّيِّبِ زَوِّجْنِي فَقَالَ فَعَلْت أَوْ زَوَّجْتُك فَقَالَ لَا أَرْضَى لَزِمَهُ النِّكَاحُ لِاجْتِمَاعِ جُزْأَيْ الْعَقْدِ فَإِنَّ السُّؤَالَ رِضًى فِي الْعَادَةِ أَيْضًا وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ أَمْرَانِ (الْأَوَّلُ) تَعَارُضُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وقَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] لَمْ يَذْكُرْ فِيهِمَا إلَّا لَفْظَ التَّزْوِيجِ وَالنِّكَاحِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَلَّكْتُكهَا

ثَانِيًا عَنْ ذَلِكَ الْإِنْشَاءِ وَلَمَّا كَانَ لَفْظُ الْإِنْشَاءِ وَلَفْظُ الْخَبَرِ صُورَتُهُمَا وَاحِدَةٌ شُرِّعَ ضَمُّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ فَيَجْتَمِعُ النِّصَابُ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ، وَأَمَّا الْفِعْلُ الثَّانِي فَلَا يُمْكِنُ ـــــــــــــــــــــــــــــSشَاهِدٌ، ثُمَّ قَالَ فِي شَوَّالٍ عَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ عَلَى ذَلِكَ الْقَصْدِ بِعَيْنِهِ فَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شَاهِدٌ آخَرُ وَتَعَذَّرَ قَبُولُ الضَّمِّ هُنَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ عَقْدَ الْعِتْقِ لَا يَتَعَدَّدُ، وَأَمَّا الْفِعْلُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الضَّمَّ فَكَمَا إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ شَاهَدَ زَيْدًا قَتَلَ عَمْرًا فِي شَوَّالٍ وَشَهِدَ شَاهِدٌ آخَرُ أَنَّهُ شَاهَدَ قَتْلَهُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَتَعَذَّرَ قَبُولُ الضَّمِّ هُنَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَعَدَّدُ وَعَلَى مَا تَقَرَّرَ تُشْكِلُ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّهُ إذَا شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِمَكَّةَ فِي رَمَضَانَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِمِصْرَ فِي صَفَرٍ طَلُقَتْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُدَّةَ الَّتِي بَيْنَ رَمَضَانَ وَصَفَرٍ أَكْثَرُ مِنْ مُدَّةِ الْعِدَّةِ فَعَلَى تَقْدِيرِ قَصْدِهِ تَأْسِيسُ الْإِنْشَاءِ فَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يَنْعَقِدُ بِهِ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهَا قَدْ انْحَلَّتْ عِصْمَتُهُ عَنْهَا قَبْلَ هَذَا التَّارِيخِ بِمُقْتَضَى شَهَادَةِ الْأَوَّلِ وَعَلَى تَقْدِيرِ قَصْدِ الْخَبَرِ فَالْقَوْلُ الثَّانِي يَبْعُدُ إطْلَاعُ الشَّاهِدِ عَلَى هَذَا الْقَصْدِ لِاحْتِمَالِ الْقَوْلِ الثَّانِي قَصْدَ تَأْسِيسِ الْإِنْشَاءِ وَقَصْدَ تَأْكِيدِهِ وَقَصْدَ الْخَبَرِ وَتَرْجِيحُ قَصْدِ الْخَبَرِ بِأَنَّهُ الْأَصْلُ لَا يَخْفَى ضَعْفُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمَا قَالَهُ بَعْدُ حِكَايَةُ أَقْوَالٍ وَلَا كَلَامَ فِيهَا وَمَا قَالَهُ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْخَبَرِ فَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ وَمَا قَالَهُ فِيمَا إذَا شَهِدَ لَهُ الْإِنْشَاءُ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ أَيْضًا. ـــــــــــــــــــــــــــــQبِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» وَزِدْ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ فَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ مَنْ قَالَ يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ لَفْظِهِمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ إلَّا لَفْظُهُمَا وَالْحَدِيثُ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ فَيَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهَا بَلْ الْوَاقِعُ أَحَدُهَا وَالرَّاوِي رَوَى بِالْمَعْنَى فَلَا حُجَّةَ فِيهِ (الْأَمْرُ الثَّانِي) تَعَارُضُ قَاعِدَتَيْنِ (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) كُلُّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ وَإِبَاحَةُ الْمَرْأَةِ حُكْمٌ فَلَهُ سَبَبٌ يَجِبُ تَلَقِّيهِ مِنْ السَّمْعِ فَمَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْ الشَّرْعِ لَا يَكُونُ سَبَبًا (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) الشَّرْعُ قَدْ يُنَصِّبُ خُصُوصَ الشَّيْءِ سَبَبًا كَالزَّوَالِ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لِوُجُوبِ الصَّوْمِ وَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ لِلْقِصَاصِ وَقَدْ يُنَصَّبُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَشْيَاءَ سَبَبًا وَيُلْغِي خُصُوصَاتِهَا كَأَلْفَاظِ الطَّلَاقِ فَإِنَّ الْمَنْصُوبَ مِنْهَا سَبَبًا مَا دَلَّ عَلَى انْطِلَاقِ الْمَرْأَةِ مِنْ عِصْمَةِ الرَّجُلِ وَأَلْفَاظِ الْقَذْفِ فَإِنَّ الْمَنْصُوبَ مِنْهَا سَبَبًا مَا دَلَّ عَلَى نِسْبَةِ الْمَقْذُوفِ إلَى الزِّنَى أَوْ اللِّوَاطِ وَأَلْفَاظِ الدُّخُولِ فِي السَّلَامِ فَإِنَّ الْمَنْصُوبَ مِنْهَا سَبَبًا مَا دَلَّ عَلَى مَقْصُودِ الرِّسَالَةِ النَّبَوِيَّةِ فَعَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُولَى اعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَالْمُغِيرَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ عَنْ الْمَذْهَبِ وَالنِّكَاحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَنَا عَلَى مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ مِنْ الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْأَصْلُ فِيهَا عَدَمُ اعْتِبَارِ الْخُصُوصِ فَيَتَعَيَّنُ الْعُمُومُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْبَيْعِ وَقَاعِدَةِ النِّكَاحِ عَلَى هَذَا بِأَرْبَعَةِ وُجُوهٍ مَبْنِيَّةٍ عَلَى أَرْبَعِ قَوَاعِدَ (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ النِّكَاحَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ لَفْظٍ يَشْهَدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَزْوِيجٌ لَا زِنًى وَسِفَاحٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ فِي النِّكَاحِ إمَّا مُقَارِنَةً لِلْعَقْدِ كَمَا قَالَ الثَّلَاثَةُ أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ إلَخْ وَلَيْسَ الْإِشْهَادُ شَرْطًا فِي الْبَيْعِ فَلِذَا جَوَّزُوا فِيهِ الْمُنَاوَلَةَ (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ النِّكَاحَ عَظِيمُ الْخَطَرِ جَلِيلُ الْمِقْدَارِ لِأَنَّهُ سَبَبُ بَقَاءِ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ الْمُكَرَّمِ الْمُفَضَّلِ عَلَى جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ قَالَ تَعَالَى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] وَسَبَبٌ لِلْعَفَافِ الْحَاسِمِ لِمَادَّةِ الْفَسَادِ وَاخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ وَسَبَبٌ لِلْمَوَدَّةِ وَالْمُوَاصَلَةِ وَالسُّكُونِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا عَظُمَ قَدْرُهُ شُدِّدَ فِيهِ وَكَثُرَتْ شُرُوطُهُ وَبُولِغَ فِي أَبْعَادِهِ إلَّا لِسَبَبٍ قَوِيٍّ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ وَرَفْعًا لِقَدْرِهِ وَهُوَ شَأْنُ الْمُلُوكِ فِي الْعَوَائِدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ النَّفِيسَةَ فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا وَدِينِهَا وَنَسَبِهَا لَا يُوصَلُ إلَيْهَا إلَّا بِالْمَهْرِ الْكَثِيرِ وَالتَّوَسُّلِ الْعَظِيمِ وَأَنَّ الْمَنَاصِبَ الْجَلِيلَةَ وَالرُّتَبَ الْعَلِيَّةَ كَذَلِكَ فِي الْعَادَةِ وَأَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لَمَّا كَانَ رُءُوسَ الْأَمْوَالِ وَقِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ شَدَّدَ الشَّرْعُ فِيهِمَا فَاشْتِرَاطُ الْمُسَاوَاةِ وَالتَّنَاجُزِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِطْهَا فِي الْبَيْعِ فِي سَائِرِ الْعُرُوضِ وَأَنَّ الطَّعَامَ لَمَّا كَانَ قِوَامَ بِنْيَةِ الْإِنْسَانِ مَنَعَ الشَّرْعُ بَيْعَهُ نَسِيئَةً بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَمَنَعَ مَالِكٌ بَيْعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ السِّلَعِ فَلِذَلِكَ شَدَّدَ الشَّرْعُ فِي النِّكَاحِ فَاشْتَرَطَ الصَّدَاقَ وَالشَّهَادَةَ وَالْوَلِيَّ وَخُصُوصَ الْأَلْفَاظِ دُونَ الْبَيْعِ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْأَصْلَ فِي السِّلَعِ الْإِبَاحَةُ حَتَّى تُمْلَكَ وَالْأَصْلُ فِي النِّسَاءِ التَّحْرِيمُ حَتَّى يُعْقَدَ عَلَيْهِنَّ بِمِلْكٍ أَوْ نِكَاحٍ (وَالْقَاعِدَةُ) أَنَّ الشَّرْعَ يَحْتَاطُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْإِبَاحَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْإِبَاحَةِ إلَى الْحُرْمَةِ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ فَيَتَعَيَّنُ الِاحْتِيَاطُ لَهُ فَلَا يُقَدَّمُ عَلَى مَحَلٍّ فِيهِ الْمَفْسَدَةُ إلَّا بِسَبَبٍ قَوِيٍّ يَدُلُّ عَلَى زَوَالِ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ أَوْ يُعَارِضُهَا وَيَمْنَعُ الْإِبَاحَةَ مَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ بِأَيْسَرِ الْأَسْبَابِ دَفْعًا لِلْمَفْسَدَةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ حَرُمَتْ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْأَبِ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ إبَاحَةٍ إلَى حُرْمَةٍ وَأَنَّ الْمَبْتُوتَةَ لَا تَحِلُّ إلَّا بِعَقْدٍ وَوَطْءٍ حَلَالٍ وَطَلَاقٍ وَانْقِضَاءِ عِدَّةٍ مِنْ عِدَدِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ حُرْمَةٍ

[الفرق بين قاعدة المعسر بالدين ينظر وبين قاعدة المعسر بنفقات الزوجات لا ينظر]

أَنْ يَكُونَ عَيْنَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْهُ فَإِنَّ الْخَبَرَ مِنْ خَصَائِصِ الْأَقْوَالِ فَصَارَ مَشْهُودًا بِهِ آخَرَ يَحْتَاجُ إلَى نِصَابٍ كَامِلٍ فِي نَفْسِهِ فَهَذَا هُوَ سِرُّ الْفَرْقِ، وَمَنْ لَاحَظَ قَاعِدَةَ الْإِنْشَاءِ قَالَ بِعَدَمِ الضَّمِّ فِيهِمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ لِإِجْمَاعِنَا عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِنْشَاءِ لَا عَلَى الْخَبَرِ وَمَا يَقْضِي إلَّا بِهِ. وَلَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْخَبَرُ دُونَ الْإِنْشَاءِ أَوْ هُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ لَمْ يَقْضِ بِالطَّلَاقِ وَلَا بِالْعَتَاقِ أَلْبَتَّةَ كَمَا نَفْعَلُهُ فِي جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْمُتَرَدِّدَةِ، وَأَمَّا ضَمُّ الْأَفْعَالِ مَعَ تَعَذُّرِ الْإِخْبَارِ فِيهَا فَمُلَاحَظَةٌ لِلْمَعْنَى دُونَ خُصُوصِ السَّبَبِ فَإِنْ كُلُّ شَاهِدٍ شَهِدَ بِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ وَبِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ ذَلِكَ لَا يُعْرَجُ عَلَيْهِ، وَلَوْ صَرَّحَا بِالطَّلَاقِ هَكَذَا انْضَمَّتْ الشَّهَادَاتُ. وَأَمَّا عَدَمُ الضَّمِّ إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى قَوْلٍ وَالْأُخْرَى عَلَى فِعْلٍ فَلِأَنَّ ذَلِكَ مُخْتَلِفُ الْجِنْسِ وَالضَّمُّ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَضَمُّ الشَّيْءِ إلَى جِنْسِهِ أَقْرَبُ مِنْ ضَمِّهِ إلَى غَيْرِ جِنْسِهِ، وَإِذَا شَهِدَ بِتَعْلِيقَيْنِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ فِي زَمَانَيْنِ كَرَمَضَانَ وَصَفَرٍ كَمَا قَالَ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ التَّعْلِيقُ الثَّانِي خَبَرًا عَنْ التَّعْلِيقِ الْأَوَّلِ لَا إنْشَاءً لِلرَّبْطِ، بَلْ إخْبَارًا عَنْ ارْتِبَاطِ الطَّلَاقِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى وَفِي الْأَوَّلِ أَنْشَأَ الرَّبْطَ بِهِ فَالْقَوْلُ فِي أَلْفَاظِ التَّعَالِيقِ كَالْقَوْلِ فِي أَلْفَاظِ الْإِنْشَاءَاتِ حَرْفًا بِحَرْفٍ (تَفْرِيعٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالثَّلَاثِ قَبْلَ أَمْسِ وَالثَّانِي بِاثْنَتَيْنِ أَمْسِ وَالثَّالِثُ بِوَاحِدَةٍ الْيَوْمَ لَزِمَ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ ضَمَّ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ يُوجِبُ اثْنَتَيْنِ قَبْلَ سَمَاعِ الثَّالِثِ، فَلَمَّا سَمِعَهُ الثَّالِثُ ضُمَّ لِلْبَاقِي مِنْ الْأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى إبَاحَةٍ وَأَنَّا أَوْقَعْنَا الطَّلَاقَ بِالْكِنَايَاتِ وَإِنْ بَعُدَتْ حَتَّى أَوْقَعَهُ مَالِكٌ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَجَمِيعِ الْأَلْفَاظِ إذَا قَصَدَ بِهَا الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحُرْمَةِ فَيَكْفِي فِيهِ أَدْنَى سَبَبٍ فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ لَمْ يَجُزْ النِّكَاحُ بِكُلِّ لَفْظٍ بَلْ بِمَا فِيهِ قُرْبٌ مِنْ مَقْصُودِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَى الْحِلِّ وَجَوَّزْنَا الْبَيْعَ بِجَمِيعِ الصِّيَغِ وَالْأَفْعَالِ الدَّالَّةِ عَلَى الرِّضَى بِنَقْلِ الْمِلْكِ فِي الْعِوَضَيْنِ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحُرْمَةِ فَيَكُونُ مُوجِبًا لِقُصُورِهِ فِي الِاحْتِيَاطِ عَنْ الْفُرُوجِ (الْوَجْهُ الرَّابِعُ) عُمُومُ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا غِنَى لِلْإِنْسَانِ عَنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَلِبَاسٍ بِحَيْثُ لَا يَخْلُو مُكَلَّفٌ غَالِبًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ بِخِلَافِ النِّكَاحِ (وَالْقَاعِدَةُ) فِي الْمِلَّةِ السَّمْحَةِ تَخْفِيفٌ فِي كُلِّ مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى وَالتَّشْدِيدُ فِيمَا لَمْ تَعُمَّ الْبَلْوَى بِهِ كَمَا وَضَّحْت ذَلِكَ فِي رِسَالَتِي شَمْسِ الْإِشْرَاقِ فِي حُكْمِ التَّعَامُلِ بِالْأَوْرَاقِ فَإِذَا أَحَطْت بِهَذِهِ الْقَوَاعِدِ عِلْمًا ظَهَرَ لَك سَبَبُ اخْتِلَافِ مَوَارِدِ الشَّرْعِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَسَبَبُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَنَشَأَتْ لَك الْفُرُوقُ وَالْحِكَمُ وَالتَّعَالِيلُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ يُنْظَرُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُعْسِرِ بِنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ لَا يُنْظَرُ] (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ يُنْظَرُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُعْسِرِ بِنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ لَا يُنْظَرُ) عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَجَمَاعَةٍ بَلْ يُفْسَخُ عَلَيْهِ نِكَاحُهُ بِطَلَاقٍ فِي حَقِّ مَنْ ثَبَتَ لَهَا الْإِنْفَاقُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِالْإِعْسَارِ وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَدَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ أُمُورٌ (الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) اسْتِصْحَابُ الْحَالِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعِصْمَةَ ثَبَتَتْ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا تَنْحَلُّ إلَّا بِإِجْمَاعٍ أَوْ بِدَلِيلٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ لَا بِالْقِيَاسِ (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ إنْظَارَ الْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] فَهَاهُنَا أَوْلَى لِأَنَّ بَقَاءَ الزَّوْجِيَّةِ مَطْلُوبٌ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ (الْأَمْرُ الثَّالِثُ) أَنَّ النَّفَقَةَ كَمَا لَا يُطَلَّقُ بِهَا فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي إجْمَاعًا كَذَلِكَ لَا يُطَلَّقُ بِهَا بِهَا فِي الْحَالِ (الْأَمْرُ الرَّابِعُ) أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ النَّفَقَةِ فِي الْحَالِ كَمَا أَنَّهُ لَا يُوجِبُ بَيْعَ أُمِّ الْوَلَدِ وَلَا خُرُوجَهَا عَنْ مِلْكِهِ كَذَلِكَ لَا يُوجِبُ تَطْلِيقَ الزَّوْجَةِ وَدَلِيلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا أُمُورٌ (الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) أَنَّا لَمْ نَقُلْ بِحَلِّ الْعِصْمَةِ الثَّابِتَةِ بِالْإِجْمَاعِ عَنْ الْمُعْسِرِ بِالْإِنْفَاقِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وَذَلِكَ أَنَّ الْإِمْسَاكَ عَلَى الْجُوعِ وَالْعُرْيِ لَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ فَيَتَعَيَّنُ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ وَمَا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ تَقُولُ الْمَرْأَةُ إمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي وَيَقُولُ الْعَبْدُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي وَيَقُولُ الْوَلَدُ إلَى مَنْ تَدَعُنِي» وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ عَلَى الْإِقْنَاعِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «امْرَأَتُك تَقُولُ أَطْعِمْنِي وَإِلَّا فَارِقْنِي» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَسَعِيدٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا قَالَ أَبُو الزِّنَادِ لِسَعِيدٍ: سُنَّةً؟ قَالَ سَعِيدٌ: سُنَّةٌ اهـ (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّا إنَّمَا أَمَرْنَاهُ بِرَفْعِ ضَرَرٍ عَلَيْهِ وَهُوَ إطْلَاقُهَا لِمَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَلَمْ تَلْزَمْهُ النَّفَقَةُ مَعَ الْعُسْرَةِ حَتَّى يَرِدَ أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ إنْظَارَ الْمُعْسِرِ (الْأَمْرُ الثَّالِثُ) أَنَّ الضَّرَرَ الْوَاقِعَ مِنْ ذَلِكَ شَبَهُهُ بِالضَّرَرِ الْوَاقِعِ مِنْ الْعُنَّةِ وَالتَّطْلِيقِ

[الفرق بين قاعدة أولاد الصلب والأبوين في إيجاب النفقة لهم خاصة وبين قاعدة غيرهم من القرابات]

وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ الثَّانِي بِوَاحِدَةٍ وَالْأَخِيرُ بِاثْنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الثَّانِي مَعَ الْأَوَّلِ طَلْقَتَانِ يُضَمُّ إلَيْهِمَا طَلْقَةٌ أُخْرَى. وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ الْأَوَّلُ بِاثْنَتَيْنِ وَالثَّانِي بِثَلَاثٍ وَالْأَخِيرُ بِوَاحِدَةٍ هَذَا إذَا عُلِمَتْ التَّوَارِيخُ فَإِنْ جُهِلَتْ يُخْتَلَفُ فِي لُزُومِ الثَّلَاثِ أَوْ اثْنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهِمَا مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ بِالشَّكِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِطَلْقَةٍ وَالْآخَرُ بِأَكْثَرَ لَمْ يُحْكَمْ بِشَيْءٍ لِعَدَمِ حُصُولِ النِّصَابِ فِي شَهَادَةٍ مِنْهُمَا فَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِبَائِنَةٍ وَالْآخَرُ بِرَجْعِيَّةٍ ضُمَّتْ الشَّهَادَتَانِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ فِي الصِّفَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ فِي مُحَرَّمٍ إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي صَفَرٍ وَشَهِدَا عَلَيْهِ أَوْ غَيْرُهُمَا بِالْفِعْلِ بَعْدَ صَفَرٍ طَلُقَتْ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى التَّعْلِيقِ وَالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْمُقَرِّ بِهِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي زَمَنِ الْإِقْرَارِ وَإِنْ شَهِدَا فِي مَجْلِسِ التَّعْلِيقِ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ فَعَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الشَّرْطَ وَالْآخَرُ أَنَّهُ فَعَلَهُ يَوْمَ السَّبْتِ طَلُقَتْ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى التَّعْلِيقِ وَوُقُوعِ الشَّرْطِ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَسَبَا قَوْلَهُ لِمَكَانَيْنِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْإِطْلَاقَاتِ إنَّمَا تَصِحُّ إذَا حُمِلَ الثَّانِي عَلَى الْخَبَرِ أَمَّا لَوْ صَمَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى الْإِنْشَاءِ فَلَا يُوجَدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الضَّمُّ فِي الشَّهَادَاتِ وَإِنَّمَا وُجِدَ فِي الْإِطْلَاقَاتِ الْمُحْتَمَلَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ عَلَى تِلْكَ الْقَوَاعِدِ الْمُتَقَدِّمَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْعِنِّينِ قَوْلُ الْجُمْهُورِ بَلْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إنَّهُ إجْمَاعٌ (الْأَمْرُ الرَّابِعُ) أَنَّ النَّفَقَةَ قَالُوا فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِدَلِيلِ أَنَّ النَّاشِزَ لَا نَفَقَةَ لَهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَإِذَا لَمْ يَجِدْ النَّفَقَةَ سَقَطَ الِاسْتِمْتَاعُ فَوَجَبَ الْخِيَارُ (الْأَمْرُ الْخَامِسُ) الْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمَفْصِدَ إذَا اتَّحَدَتْ وَسِيلَتُهُ أُمِرَ بِهِ عَيْنًا وَإِذَا تَعَدَّدَتْ بِأَنْ كَانَ لَهُ وَسِيلَتَانِ فَأَكْثَرَ خُيِّرَ بَيْنَهُمَا وَلَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا عَيْنًا (وَلِمُتَعَدِّدِ الْوَسِيلَةِ) فِي الشَّرِيعَةِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ (مِنْهَا) رَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ أُمِّ الْوَلَدِ غَيْرُ بَيْعِهَا طَرِيقٌ آخَرُ وَهُوَ تَزْوِيجُهَا (وَمِنْهَا) الْجَامِعُ يَكُونُ لَهُ طَرِيقَانِ مُسْتَوِيَانِ لَا يَجِبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سُلُوكُ إحْدَاهُمَا عَيْنًا بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا (وَمِنْهَا) السَّفَرُ إلَى الْحَجِّ يَتَيَسَّرُ فِيهِ الْبَرُّ وَالْبَحْرُ لَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا (وَلِمُتَّحِدِ) الْوَسِيلَةِ فِي الشَّرِيعَةِ أَيْضًا فُرُوعٌ (مِنْهَا) زَوَالُ الضَّرَرِ عَنْ الزَّوْجَاتِ الْوَاقِعِ مِنْ ذَلِكَ اتَّحَدَتْ وَسِيلَتُهُ أَيْ سَبَبُ الْخُرُوجِ عَنْ ضَرَرِ الْجُوعِ وَالْعُرْيِ وَهُوَ التَّطْلِيقُ فَأُمِرَ بِهِ عَيْنًا هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي الْأَصْلِ وَبِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِابْنِ رُشْدٍ مَعَ زِيَادَةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (مَسْأَلَةٌ) كَمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْإِعْسَارِ بِنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ كَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي الْإِعْسَارِ بِالصَّدَاقِ فَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ مَا نَصُّهُ كَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ يُخَيَّرُ إذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي قَدْرِ التَّلَوُّمِ لَهُ فَقِيلَ لَيْسَ لَهُ فِي ذَلِكَ حَدٌّ وَقِيلَ سَنَةٌ وَقِيلَ سَنَتَيْنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ غَرِيمُ الْغُرَمَاءِ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَيُؤْخَذُ بِالنَّفَقَةِ وَلَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا الْمَهْرَ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ تَغْلِيبُ شَبَهِ النِّكَاحِ فِي ذَلِكَ بِالْبَيْعِ أَوْ تَغْلِيبُ الضَّرَرِ اللَّاحِقِ لِلْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ مِنْ عَدَمِ الْوَطْءِ تَشْبِيهًا بِالْإِيلَاءِ وَالْعُنَّةِ. اهـ بِلَفْظِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ مَنْصُورُ بْنُ إدْرِيس الْحَنْبَلِيُّ فِي كَشَّافِهِ وَإِذَا أَعْسَرَ الزَّوْجُ بِالْمَهْرِ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ فِي آخِرِ الصَّدَاقِ خُيِّرَتْ عَلَى التَّرَاخِي بَيْنَ الْفَسْخِ مِنْ غَيْرِ انْتِظَارٍ أَيْ تَأْجِيلٍ ثَلَاثًا خِلَافًا لِابْنِ الْبَنَّاءِ وَبَيْنَ الْمُقَامِ مَعَهُ عَلَى النِّكَاحِ اهـ الْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَوْلَادِ الصُّلْبِ وَالْأَبَوَيْنِ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ لَهُمْ خَاصَّةً وَبَيْنَ قَاعِدَةِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْقَرَابَاتِ] (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَوْلَادِ الصُّلْبِ وَالْأَبَوَيْنِ الْأَدْنَيْنَ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ لَهُمْ خَاصَّةً وَبَيْنَ قَاعِدَةِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْقَرَابَاتِ) لَا تَجِبُ لَهُمْ النَّفَقَةُ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بِإِيجَابِهَا لِكُلٍّ مَنْ هُوَ بَعْضٌ مِنْ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَإِنْ عَلَوْا وَالْأَوْلَادُ وَإِنْ سَفَلُوا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: 83] وَمِنْ الْإِحْسَانِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمَا إذْ لَيْسَ مِنْ الْإِحْسَانِ تَرْكُهُمَا بِالْجُوعِ وَالْعُرْيِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] وَمِنْ الْمَعْرُوفِ قِيَامٌ بِكِفَايَتِهِمَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْبُخَارِيِّ يَقُولُ لَك وَلَدُك إلَى مَنْ تَكِلُنِي الْحَدِيثَ وَأَبُ الْأَبِ أَبٌ وَأُمُّ الْأُمِّ أُمٌّ وَابْنُ الِابْنِ ابْنٌ قَالَ الشَّيْخُ مَنْصُورُ بْنُ إدْرِيس الْحَنْبَلِيُّ فِي كَشَّافِهِ مِنْ الْمَتْنِ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ وَالِدَيْهِ وَإِنْ عَلَوْا وَنَفَقَةُ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ فَكَذَا عَلَى بَعْضِهِ وَأَصْلِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إكْمَالُ مَا عَجَزُوا عَنْ إكْمَالِهَا حَتَّى ذَوِي الْأَرْحَامِ مِنْ وَالِدَيْهِ وَإِنْ عَلَوْا وَوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلُوا وَلَوْ حَجَبَهُ مُعْسِرٌ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ حَلَالٍ إذَا كَانُوا أَيْ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ فُقَرَاءَ اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَجِبُ النَّفَقَةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مُحْرَمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: 26] وَأَجْمَعْنَا

[الفرق بين قاعدة المتداعيين شيئا لا يقدم أحدهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة وبين قاعدة المتداعيين من الزوجين في متاع البيت يقدم كل واحد منهما فيما يشبه أن يكون له]

(الْفَرْقُ السَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَلْزَمُ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَلْزَمُهُ) اعْلَمْ أَنَّ أَحْوَالَ الْكَافِرِ مُخْتَلِفَةٌ إذَا أَسْلَمَ فَيَلْزَمُهُ ثَمَنُ الْبِيَاعَاتِ وَأَجْرُ الْإِجَارَاتِ وَدَفْعُ الدُّيُونِ الَّتِي اقْتَرَضَهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الْقِصَاصُ وَلَا الْغَصْبُ وَالنَّهْبُ إنْ كَانَ حَرْبِيًّا، وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْمَظَالِمِ وَرَدُّهَا؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ الذِّمَّةَ وَهُوَ رَاضٍ بِمُقْتَضَى عَقْدِ الذِّمَّةِ. وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ فَلَمْ يَرْضَ بِشَيْءٍ فَلِذَلِكَ أَسْقَطَا عَنْهُ الْغُصُوبَ وَالنُّهُوبَ وَالْغَارَاتِ وَنَحْوَهَا، وَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَلْزَمُهُ وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا مِمَّا تَقَدَّمَ فِي كُفْرِهِ لَا ظِهَار وَلَا نَذْرَ وَلَا يَمِينَ مِنْ الْأَيْمَانِ وَلَا قَضَاءَ الصَّلَوَاتِ وَلَا الزَّكَوَاتِ وَلَا شَيْءَ فَرَّطَ فِيهِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَضَابِطُ الْفَرْقِ أَنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ قِسْمَانِ مِنْهَا مَا رَضِيَ بِهِ حَالَةَ كُفْرِهِ وَاطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ بِدَفْعِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ فَهَذَا لَا يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ إلْزَامَهُ إيَّاهُ لَيْسَ مُنَفِّرًا لَهُ عَنْ الْإِسْلَامِ لِرِضَاهُ وَمَا لَمْ يَرْضَ بِدَفْعِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ كَالْقَتْلِ وَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ إنَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا مُعْتَمِدًا عَلَى أَنَّهُ لَا يُوَفِّيهَا أَهْلَهَا فَهَذَا كُلُّهُ يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ فِي إلْزَامِهِ مَا لَمْ يَعْتَقِدْ لُزُومَهُ تَنْفِيرًا لَهُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقُدِّمَتْ مَصْلَحَةُ الْإِسْلَامِ عَلَى مَصْلَحَةِ ذَوِي الْحُقُوقِ، وَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى فَتَسْقُطُ مُطْلَقًا رَضِيَ بِهَا أَمْ لَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِسْلَامَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْعِبَادَاتِ وَنَحْوَهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلَمَّا كَانَ الْحَقَّانِ لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ نَاسَبَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى تَخْصِيصِ مَنْ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَبَقِيَ مَنْ عَدَاهُ عَلَى الْعُمُومِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] . (وَسَبَبُ) الِاخْتِلَافِ (أَمَّا أَوَّلًا) فَهُوَ أَنَّهُمْ بَعْدَ أَنْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا كَسْبَ لَهُمَا وَلَا مَالَ وَاجِبٌ فِي مَالِ الْوَلَدِ كَمَا حَكَاهُ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَكَذَا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْأَوْلَادِ الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ لَا كَسْبَ لَهُمْ وَلَا مَالَ وَاجِبٌ فِي مَالِ الْأَبِ لِمَا سَبَقَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ لَفْظَ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالِابْنِ فِيمَا سَبَقَ مِنْ الْأَدِلَّةِ هَلْ تَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْأَدْنَيْنَ بِالْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ وَحِينَئِذٍ التَّجَوُّزُ بِقَصْرِهَا عَنْ الْأَدْنَيْنَ يَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَجَازَ انْتَهَى إلَى أَنْ صَارَ عُرْفًا وَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ وَجَبَ التَّمَسُّكُ بِالْحَقِيقَةِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا أَوْ لَا تَتَنَاوَلُ بِالْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ غَيْرَ الْأَدْنَيْنَ بِدَلِيلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ وَلَمْ تَسْتَحِقَّهُ الْجَدَّةُ وَحُجِبَ الْإِخْوَةُ بِالْأَبِ وَلَمْ يَحْجُبْهُمْ بِالْجَدِّ وَأَنَّ بِنْتَ الِابْنِ لَهَا السُّدُسُ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ مَعَ أُخْتِهَا فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ تَتَنَاوَلُ هَذِهِ الطَّبَقَاتِ عَلَى اخْتِلَافِهَا بِطَرِيقِ التَّوَاطُؤِ حَقِيقَةً لَزِمَ تَعْمِيمُ الْحُكْمِ فِيهَا كُلِّهَا عَلَى السَّوَاءِ وَإِلَّا لَزِمَ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ إنَّمَا تَتَنَاوَلُ هَذِهِ الطَّوَائِفَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ فَيَلْزَمُهُ هُنَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَهُوَ مَجَازٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ هَلْ يَجُوزُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ أَمْ لَا وَنَحْنُ فِي الْمَجَازِ الْمُجْمَعِ عَلَى جَوَازِهِ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ لَا نَعْدِلُ بِاللَّفْظِ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ خَطَأٌ قَطْعًا فَهَاهُنَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِكَوْنِهِ ضَعِيفًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَجَازٌ وَأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي جَوَازِهِ بِلُغَةٍ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَهُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي أَنَّ النَّفَقَةَ هَلْ هِيَ حَقٌّ لِذَوِي الْقُرْبَى فَيَتَنَاوَلُهَا لَفْظُ الْحَقِّ فِي الْآيَةِ أَمْ لَا فَلَا يَتَنَاوَلُهَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَأَمَّا ثَالِثًا فَهُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي أَنَّ أَوْلَى فِي الْآيَةِ وَإِنْ كَانَ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ لَا عُمُومَ فِيهِ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ فِيمَا ذَوُو الْأَرْحَامِ فِيهِ أَوْلَى مِنْ وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَمِنْ الْمُعَاضَدَةِ وَالْمُنَاصَرَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُمْ أَوْلَى بِالْإِحْسَانِ إلَى بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِالنُّصْرَةِ إجْمَاعًا فَهَلْ يَمْتَنِعُ جَعْلُهُ عَامًّا بِأَنْ يُعَدَّى حُكْمُهُ إلَى صُورَةٍ أُخْرَى بِغَيْرِ دَلِيلٍ كَمَا يَمْتَنِعُ جَعْلُ الْعَامِّ مُطْلَقًا بِغَيْرِ دَلِيلٍ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَوْ لَا يَمْتَنِعُ. قَالَ الْأَصْلُ فَظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الِاسْتِدْلَالَاتِ أَيْ لِمَالِكٍ وَغَيْرِهِ صِحَّةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَتَفْضِيلُهُ عَلَى غَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَظَهَرَ الْفَرْقُ أَيْضًا مِنْ خِلَالِ ذَلِكَ ظُهُورًا بَيِّنًا لَكِنْ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ لَمْ يَظْهَرْ مَا قَالَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْأَلْفَاظُ تَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْأَدْنَيْنَ أَيْضًا بِالْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ لَكِنْ وَقَعَ التَّجَوُّزُ بِقَصْرِهَا عَلَى الْأَدْنَيْنَ فَيَحْتَاجُ هَذَا الْمَجَازُ إلَى قَرِينَةٍ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ انْتَهَى إلَى أَنْ صَارَ عُرْفًا وَلَا دَلِيلَ لَهُ فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْأَبِ وَمَا مَعَهُ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْأَدْنَيْنَ إلَّا مَجَازًا فَافْهَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ شَيْئًا لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ يُقَدَّمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ] (الْفَرْقُ السِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِي غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ شَيْئًا لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ يُقَدَّمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ) عِنْدَ مَالِكٍ وَوَافَقَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَفُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - نَعَمْ خَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ مَالِكًا فِي بَعْضِ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُ الْمَنْقُولَاتِ فِيهَا فَتَرَقَّبْ لَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَقَدْ قَالَ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ كَسَائِرِ الْمُدَّعِينَ مُحْتَجًّا بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ (الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَكُلُّ مَنْ ادَّعَى مِنْ الزَّوْجَيْنِ

أَنْ يُقَدَّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَيُسْقِطَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لِحُصُولِ الْحَقِّ الثَّانِي لِجِهَةِ الْحَقِّ السَّاقِطِ. وَأَمَّا حَقُّ الْآدَمِيِّينَ فَجِهَةُ الْآدَمِيِّينَ وَالْإِسْلَامُ لَيْسَ حَقًّا لَهُمْ، بَلْ لِجِهَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَنَاسَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ حَقُّهُمْ بِتَحْصِيلِ حَقِّ غَيْرِهِمْ (وَثَانِيهِمَا) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِيمٌ جَوَادٌ تُنَاسِبُ رَحْمَتُهُ الْمُسَامَحَةَ وَالْعَبْدُ بَخِيلٌ ضَعِيفٌ فَنَاسَبَ ذَلِكَ التَّمَسُّكَ بِحَقِّهِ فَسَقَطَتْ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا وَإِنْ رَضِيَ بِهَا كَالنُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ أَوْ لَمْ يَرْضَ بِهَا كَالصَّلَوَاتِ وَالصِّيَامِ وَلَا يَسْقُطُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ إلَّا مَا تَقَدَّمَ الرِّضَى بِهِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ. (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ الْغَيْرِ عَنْهُ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَفْعَالَ الْمَأْمُورَ بِهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (قِسْمٌ) اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى صِحَّةِ فِعْلِ غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَنْ الْمَأْمُورِ وَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ الْغَيْرِ عَنْهُ) قُلْت قَدْ ذُكِرَ قَبْلَ هَذَا الْفَرْقُ الْعَاشِرُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ وَهُوَ هَذَا بِعَيْنِهِ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ هُنَا مَسَائِلَ لَمْ يَذْكُرْهَا هُنَاكَ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا فِي الْفَرْقِ السَّادِسَ عَشَرَ وَالْمِائَتَيْنِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ أَوْ هُوَ هُوَ وَمَا قَالَهُ بَعْدُ إلَى آخِرِ الْقَوَاعِدِ نَقْلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ (الْأَمْرُ الثَّانِي) الْقِيَاسُ عَلَى الصَّبَّاغِ وَالْعَطَّارِ فَكَمَا أَنَّهُمَا إذَا تَدَاعَيَا آلَةَ الْعِطْرِ وَالصَّبْغِ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ إلَّا بِحُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ وَإِنْ شَهِدَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ آلَةَ الْعِطْرِ لِلْعَطَّارِ وَآلَةَ الصَّبْغِ لِلصَّبَّاغِ كَذَلِكَ هَاهُنَا (الْأَمْرُ الثَّالِثُ) أَنَّ حُكْمَ الْيَدِ كَمَا لَا يَسْقُطُ بِالصَّلَاحِيَةِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي يَدِ ثَالِثٍ غَيْرِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ كَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ بِهَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بِيَدِ أَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِمَا امْرَأَتَيْنِ أَوْ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَةً أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ كَانَ بِيَدِهِ خَلْخَالٌ فَادَّعَتْهُ امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْخَلْخَالُ لَا يَصْلُحُ مِنْ لِبَاسِهِ لِأَجْلِ أَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ كَانَ بِيَدِهَا سَيْفٌ فَادَّعَاهُ رَجُلٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ لَهَا لِأَجْلِ أَنَّ يَدَهَا عَلَيْهِ فَالزَّوْجَانِ إذَا كَانَا فِي الدَّارِ وَفِيهَا مَا يَصْلُحُ لِأَحَدِهِمَا وَيَدُهُمَا عَلَيْهِ كَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْيَدِ بِصَلَاحِيَتِهِ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ. وَوَجْهُ الْجَوَابِ وَالْفَرْقِ إمَّا عَنْ الْحَدِيثِ فَهُوَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ كُلُّ مَنْ كَانَ قَوْلُهُ خِلَافَ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ كُلُّ مَنْ كَانَ قَوْلُهُ عَلَى وَفْقِ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ مَثَلًا الْمُدَّعِي بِالدَّيْنِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءُ الذِّمَّةِ وَالْمَطْلُوبُ الْمُنْكَرُ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ لِمَا عَلِمْت وَالْمُدَّعِي رَدَّ الْوَدِيعَةَ وَقَدْ قَبَضَهَا بِبَيِّنَةٍ هُوَ الْمُدَّعِي لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ وَالْعُرْفِ بِسَبَبِ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَنْ قَبَضَ بِبَيِّنَةٍ لَا يَرُدُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَالْمُدَّعِي عَدِمَ قَبْضَهَا لِكَوْنِ قَوْلِهِ عَلَى وَفْقِ الظَّاهِرِ وَالْعُرْفُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ مُقَنَّعَةً وَشِبْهَهَا كَانَ قَوْلُهَا عَلَى وَفْقِ الظَّاهِرِ وَقَوْلُ الزَّوْجِ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ فَالزَّوْجُ مُدَّعٍ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَهِيَ مُدَّعَى عَلَيْهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا تَقُولُ بِمُوجِبِ الْحَدِيثِ لَا أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْنَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَتَمَسُّكُ الشَّافِعِيِّ بِالْحَدِيثِ ظَاهِرٌ وَجَوَابُ الْمَالِكِيَّةِ بِتَفْسِيرِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا فَسَرُّوا بِهِ لَا بَأْسَ بِهِ. اهـ (وَأَمَّا عَنْ الْقِيَاسِ) عَلَى الصَّبَّاغِ وَالْعَطَّارِ فَهُوَ بَاطِلٌ أَمَّا عَلَى قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا بِالْتِزَامِ مُسَاوَاةِ مَسْأَلَةِ الصَّبَّاغِ وَالْعَطَّارِ لِمَسْأَلَةِ الزَّوْجَيْنِ فِي تَقْدِيمِ مَا شَهِدَتْ الْعَادَةُ لَهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَصَّارِ فِي عُيُونِ الْأَدِلَّةِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199] مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْعَادَةُ قُضِيَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ بَيِّنًا وَلِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْعَادَةَ فِي مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَلِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَصِحُّ مَعَ الْفَارِقِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إمَّا مَعَ كَوْنِ الصَّبَّاغِ وَالْعَطَّارِ فِي حَانُوتَيْنِ أَوْ تَدَاعَيَا شَيْئًا فِي يَدِ ثَالِثٍ فَهُوَ أَنَّ الضَّرُورَةَ تَدْعُو لِلْمُلَابَسَةِ فِي حَقِّ الزَّوْجَيْنِ فَسَلَكَ بِهِمَا أَقْرَبَ الطُّرُقِ فِي إثْبَاتِ أَمْوَالِهِمَا وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو لِمُلَابَسَةِ الْعَطَّارِ وَالصَّبَّاغِ فَجَرَيَا عَلَى قَاعِدَةِ الدَّعَاوَى وَأَمَّا مَعَ كَوْنِهِمَا فِي حَانُوتٍ وَاحِدٍ فَهُوَ أَنَّ الْإِشْهَادَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ يَتَعَذَّرُ لِأَنَّهُمَا لَوْ اعْتَمَدَا ذَلِكَ وَأَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ أَشْهَدَ عَلَيْهِ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى الْمُنَافَرَةِ وَعَدَمِ الْوِدَادِ بَيْنَهُمَا وَرُبَّمَا أَفْضَى ذَلِكَ إلَى الطَّلَاقِ وَالْقَطِيعَةِ فَهُمَا مَعْذُورَانِ فِي عَدَمِ الْإِشْهَادِ كَالْغِفَارَةِ إلَى ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يُقْضَ بَيْنَهُمَا مَعَ ذَلِكَ الْإِلْجَاءِ بِالْعَادَةِ لَاسْتَدَّ الْبَابُ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْعَطَّارِ وَالصَّبَّاغِ إذَا كَانَا فِي حَانُوتٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُوهُمَا لِعَدَمِ الْإِشْهَادِ لِكَوْنِهِمَا أَجْنَبِيَّيْنِ لَا يَتَأَلَّمَانِ مِنْ ضَبْطِ أَمْوَالِهِمَا بِذَلِكَ (وَأَمَّا عَنْ الْقِيَاسِ) عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بِيَدِ ثَالِثٍ فَهُوَ أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَنَدَ عِنْدَنَا فِي مَسْأَلَتِنَا أَمْرَانِ: الْيَدُ مَعَ الصَّلَاحِيَةِ إذْ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَبَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَبَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ وَبَيْنَ الْيَدِ الْحُكْمِيَّةِ وَالْمُشَاهَدَةِ فَلَوْ تَعَلَّقَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ بِخَلْخَالٍ وَأَيْدِيهِمَا جَمِيعًا يَتَجَاذَبَانِهِ

كَدَفْعِ الْمَغْصُوبِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ الْغَاصِبُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَسُدُّ الْمَسَدَ وَيُزِيلُ التَّكْلِيفَ وَدَفْعِ النَّفَقَاتِ لِلزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَالدَّوَابِّ فَإِنْ دَفَعَهَا غَيْرُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ أَجْزَأَتْ وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ الْمَأْمُورُ بِهَا مِنْ زَوْجٍ أَوْ قَرُبَتْ، وَكَذَلِكَ دَفْعُ اللُّقَطَةِ لِمُسْتَحِقِّهَا وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ مُلْتَقِطُهَا، وَهَذَا النَّحْوُ (وَقِسْمٌ) اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى عَدَمِ إجْزَاءِ فِعْلِ غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِيهِ وَهُوَ الْإِيمَانُ وَالتَّوْحِيدُ وَالْإِجْلَالُ وَالتَّعْظِيمُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَكَذَلِكَ حُكِيَ فِي الصَّلَاةِ الْإِجْمَاعُ وَنُقِلَ الْخِلَافُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي الصَّلَاةِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَيُقَالُ إنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ (وَقِسْمٌ) مُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ يُجْزِئُ فِعْلُ غَيْرِ الْمَأْمُورِ عَنْ الْمَأْمُورِ بِهِ وَيَسُدُّ الْمَسَدَ أَمْ لَا وَفِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الزَّكَاةُ إنْ أَخْرَجَهَا أَحَدٌ بِغَيْرِ عِلْمِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِ إذْنِهِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْإِمَامِ فَمُقْتَضَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي الْأُضْحِيَّةِ يَذْبَحُهَا غَيْرُ رَبِّهَا بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَإِذْنِهِ إنْ كَانَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ صَدِيقَهُ وَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــSلَا كَلَامٌ فِيهِ وَصَحِيحٌ ظَاهِرٌ إلَّا قَوْلَهُ بِتَقْدِيرِ مِلْكِ الْمَقْتُولِ خَطَأً لِلدِّيَةِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ فِيهَا عِنْدِي أَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِإِنْفَاذِ الْمَقَاتِلِ لَا بِالزُّهُوقِ، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ أَدَاؤُهَا إلَّا بِالزُّهُوقِ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ إلَى أَجَلٍ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ بِالْعَقْدِ، ثُمَّ لَا يَجِبُ الْأَدَاءُ إلَّا عِنْدَ تَمَامِ الْأَجَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِلَّا قَوْلَهُ يُقَدَّرُ انْتِقَالُ مِلْكِهِ عَنْهُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ قَبْلَ صُدُورِ الْعِتْقِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِي الْأُمُورِ الْمَالِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ قَضَيْنَا بِهِ لِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا وَلَوْ تَجَاذَبَا سَيْفًا كَانَ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْمُسْتَنَدُ فِيمَا إذَا كَانَ بِيَدِ ثَالِثٍ الصَّلَاحِيَةُ فَقَطْ إذْ لَيْسَ لِأَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ عَلَيْهِ يَدٌ وَقَوْلُنَا مَا يَصْلُحُ لِلزَّوْجَيْنِ يَكُونُ لِلزَّوْجِ مَعَ أَنَّهُ لَا ظَاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَيْهِ لَيْسَ نَقْضًا لَا سَلْبًا وَلَا تَرْجِيحًا بِلَا مُرَجِّحَ نَظَرًا لِكَوْنِ الْيَدِ مُشْتَرَكَةً بَلْ هُوَ جَارٍ عَلَى أَصْلِنَا مِنْ التَّرْجِيحِ بِمُرَجِّحٍ لِأَنَّ يَدَ الزَّوْجِ أَقْوَى وَهُوَ الْمُرَجَّحُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي يَدِهِ وَتَحْتَ حَوْزِهِ وَالدَّارَ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَهَا وَأَنْ يَجْبُرَهَا وَأَنْ يَخْدُمَهَا فَالدَّارُ هِيَ مِنْ قِبَلِهِ كَحَوْزِ امْرَأَتِهِ فَلِذَلِكَ قُضِيَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ كَالْمُدَاعِيَيْنِ لِأَحَدِهِمَا يَدٌ دُونَ الْآخَرِ وَكَوْنُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الظَّاهِرِ إنَّمَا يَشْهَدُ بِالِاسْتِعْمَالِ فَقَطْ فَإِنَّ السَّيْفَ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُهُ الرِّجَالُ، وَالْحُلِيَّ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُهُ النِّسَاءُ، وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمِلْكِ لَا فِي الِاسْتِعْمَالِ وَقَدْ تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ مَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ بِعَارِضٍ مِنْ إرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ أَنَكَحَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ وَقَدْ يَمْلِكُ الرِّجَالُ مَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ التَّمْلِيكِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْغَالِبَ فِيمَا فِي يَدِ الْإِنْسَانِ مِمَّا يَصْلُحُ لَهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَيَنْدُرُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَإِذَا دَارَ الْحُكْمُ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ فَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى الْغَالِبِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ هُوَ سَاكِنٌ فِي دَارٍ وَيَدُهُ عَلَيْهَا يُقْضَى لَهُ بِالْمِلْكِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ وَظَاهِرِ الْمِلْكِ كَذَا فِي الْأَصْلِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَجَعَلَ الْمَالِكِيَّةُ الْيَدَ لَهُمَا أَعْنِي الزَّوْجَيْنِ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ الرَّجُلَ حَائِزٌ لِلْمَرْأَةِ فِيهِ دَرَكٌ لَا يَخْفَى وَبِالْجُمْلَةِ الْمَسْأَلَةُ مَحَلُّ نَظَرٍ اهـ بِلَفْظٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَصْلٌ) فِي تَوْضِيحِ هَذَا الْفَرْقِ بِأَرْبَعِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا اخْتَلَفَا وَهُمَا زَوْجَانِ أَوْ عِنْدَ الطَّلَاقِ أَوْ الْوَرَثَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالزَّوْجَانِ حُرَّانِ أَوْ عَبْدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا قُضِيَ لِلْمَرْأَةِ بِمَا هُوَ شَأْنُ النِّسَاءِ وَلِلرَّجُلِ بِمَا هُوَ شَأْنُ الرِّجَالِ وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا قُضِيَ بِهِ لِلرَّجُلِ لِأَنَّ الْبَيْتَ بَيْتُهُ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ فَهُوَ تَحْتَ يَدِهِ فَيُقَدَّمُ لِأَجْلِ الْيَدِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا أَنْ يَقُولَ هَذَا لِي لِأَنَّهُ مَتَاعُ الْبَيْتِ حَتَّى يَقُولَ هَذَا مِلْكِي قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ لَوْ تَنَازَعَا فِي رِدَاءٍ فَقَالَ هُوَ لَهَا إلَّا الْكَتَّانَ بِأَنْ قَالَ اشْتَرَيْته فَقَالَ أَصْبَغُ لَهُ بِقَدْرِ كَتَّانِهِ، وَلَهَا لِأَنَّهُ بِقَدْرِ عَمَلِهَا لَوْ ادَّعَاهُ صَدَقَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّبَّاغِ وَالْعَطَّارِ قَوْلَانِ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ مَالِكٌ مَا يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ أَخَذَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يَمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ إنَّمَا الْيَمِينُ عَلَى الرَّجُلِ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ. وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ يُونُسَ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ نَحْوُ الْعِمَامَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ إلَّا أَنْ تَدَّعِي الْمَرْأَةُ إرْثَهُ فَيَحْلِفُ وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ لَا يُقْضَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ مَا يَصْلُحُ لَهُمَا قُسِّمَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ اخْتَلَفَا قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ بَعْدَ خُلْعٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ فِرَاقٍ أَوْ إيلَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَاتَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَ الْوَرَثَةُ وَالزَّوْجَانِ حُرَّانِ أَوْ عَبْدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا حُرٌّ وَالْآخَرُ عَبْدٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ ذِمِّيَّةً أَمْ لَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ كَانَتْ لَهَا عَلَيْهِ يَدٌ مُشَاهَدَةٌ أَوْ حُكْمِيَّةٌ فَالْيَدُ الْمُشَاهَدَةُ أَنْ يَكُونَا قَابِضَيْنِ عَلَى الشَّيْءِ فَيَتَجَاذَبَانِهِ وَيَتَنَازَعَانِ وَالْحُكْمِيَّةُ أَنْ يَكُونَ فِي الدَّارِ الَّتِي يَسْكُنَانِهَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ الزَّوْجَانِ وَالْأَجْنَبِيَّانِ وَذَوَاتُ الْمَحَارِمِ إذَا سَكَنَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي دَارٍ وَهَذَا الْأَصْلُ لَا مُنَاقَضَةَ فِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ حَتَّى قَالَ أَئِمَّتُنَا لَوْ اخْتَلَفَ عَطَّارٌ وَدَبَّاغٌ فِي الْمِسْكِ وَالْجِلْدِ وَاخْتَلَفَ الْقَاضِي وَالْحَدَّادُ فِي الْقَلَنْسُوَةِ وَالْكِيرِ وَكَانَتْ لَهُمَا عَلَيْهِ يَدٌ حُكْمِيَّةٌ فِي دَارٍ يَسْكُنَانِهَا أَوْ مُشَاهَدَةٍ

بِمَنْزِلَةِ نَفْسِهِ عِنْدَهُ لِتَمَكُّنِ الصَّدَاقَةِ بَيْنَهُمَا أَجْزَأَتْهُ الْأُضْحِيَّةُ إنْ كَانَ مَخْرَجُ الزَّكَاةِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنَّ الزَّكَاةَ تُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا عِبَادَةٌ مَأْمُورٌ بِهَا مُفْتَقِرَةٌ لِلنِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لَا تُجْزِئُ عَنْ رَبِّهَا لِافْتِقَارِهَا لِلنِّيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِأَجْلِ شَائِبَةِ الْعِبَادَةِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِئَ فِعْلُ الْغَيْرِ فِيهَا مُطْلَقًا كَالدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْقِسْمِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَعْنِي عَدَمَ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَقَاسَهَا عَلَى الدُّيُونِ وَاسْتَدَلَّ بِأَخْذِ الْإِمَامِ لَهَا كُرْهًا عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَبِاشْتِرَاطِهَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لِمَا فِيهَا مِنْ شَائِبَةِ التَّعَبُّدِ مِنْ جِهَةِ مَقَادِيرِهَا فِي نَصْبِهَا وَالْوَاجِبِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنْ أَخَذَهَا الْإِمَامُ كُرْهًا وَهُوَ عَدْلٌ أَجْزَأَتْ عِنْدَ مَالِكٍ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى اعْتِمَادًا عَلَى فِعْلِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103] وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ الَّذِي أَقَلُّ مَرَاتِبِهِ الْإِذْنُ وَالْإِجْزَاءُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ وَكِيلُ الْفُقَرَاءِ فَلَهُ أَخْذُ حَقِّهِمْ قَهْرًا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَأْخُذُهَا الْإِمَامُ كُرْهًا لَكِنْ يُلْجِئُهُ إلَى دَفْعِهَا بِالْحَبْسِ وَغَيْرِهِ لِافْتِقَارِهَا لِلنِّيَّةِ وَإِلَّا كُرِهَ مَعَ النِّيَّةِ مُتَنَافِيَانِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الْحَجُّ عَنْ الْغَيْرِ مَنَعَهُ مَالِكٌ وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِنَاءً عَلَى شَائِبَةِ الْمَالِ وَالْعِبَادَاتُ الْمَالِيَّةِ يَدْخُلُهَا النِّيَابَاتُ وَمَالِكٌ يُلَاحِظُ أَنَّ الْمَالَ فِيهِ عَارِضٌ بِدَلِيلِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ تَنَازَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ رُمْحًا وَهُمَا يَتَجَاذَبَانِهِ فَالْقَوْلُ فِي هَذَا كُلِّهِ قَوْلُ مَنْ شَهِدَ لَهُ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ فَيُحْكَمُ لِلرَّجُلِ بِالرُّمْحِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَ دُمْلُجًا قُضِيَ بِهِ لِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا وَيُقْضَى لِلْعَطَّارِ بِالْمِسْكِ مَعَ يَمِينِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ الزَّوْجَانِ فِي الْبَيْتِ فَحَازَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِهِ وَقَبْضَتِهِ مَا يَصْلُحُ لِلْآخَرِ دُونَهُ قَالَ فَاَلَّذِي يَتَبَيَّنُ لِي فِيهِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ حَازَهُ دُونَ الْآخَرِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ الَّذِي تُقَدَّمُ فِيهِ الْمَرْأَةُ وَيُقْضَى لَهَا بِهِ لِأَجْلِ الصَّلَاحِيَةِ الْحُلِيُّ وَثِيَابُ النِّسَاءِ وَجَمِيعُ الْجِهَازِ مِنْ الطَّسْتِ وَالْمَنَارَةِ وَالثِّيَابِ وَالْقَبْقَابِ وَالْبُسُطِ وَالْوَسَائِدِ وَالْمَرَافِقِ وَالْفُرُشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يُقْضَى بِهِ لِلرَّجُلِ السِّلَاحُ وَالْمِنْطَقَةُ وَالْخَاتَمُ الْفِضِّيَّةُ وَثِيَابُ الرَّجُلِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَصْلُحُ لَهُمَا كَالدَّارِ الَّتِي يَسْكُنَانِهَا وَالرَّقِيقِ. وَأَمَّا أَصْنَافُ الْمَاشِيَةِ فَلِمَنْ حَازَهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ وَكَذَلِكَ مَا فِي الْمَرَابِطِ مِنْ خَيْلٍ أَوْ بِغَالٍ أَوْ حَمِيرٍ فَلِمَنْ حَازَهُ قَالَ مَالِكٌ وَالْحُصْرُ كَالدَّارِ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ لِلزَّوْجَةِ، هَذَا تَقْرِيرُ الْمَنْقُولَاتِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَتَنَاقَضَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ مُوَافِقًا لَنَا فَقَالَ مَا يَصْلُحُ لَهُمَا فَهُوَ لِلرَّجُلِ إنْ كَانَ حَيًّا، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنْ أَصْحَابِهِ هُوَ لِوَرَثَةِ الزَّوْجِ كَقَوْلِنَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ تَدَاعَيَاهُ وَهُوَ فِي أَيْدِيهِمَا مُشَاهَدٌ قُسِّمَ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا إذَا كَانَا أَجْنَبِيَّيْنِ يَسْكُنَانِ مَعًا فَتَدَاعَيَا شَيْئًا مِمَّا كَانَ يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ فَهُوَ لَهُ وَمَا كَانَ يَصْلُحُ لِلْمَرْأَةِ فَهُوَ لَهَا وَمَا كَانَ يَصْلُحُ لَهُمَا قُسِّمَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَطَّارُ وَالدَّبَّاغُ فِي الْمِسْكِ وَالْجِلْدِ فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا مَاتَ الرَّجُلُ أَنَّ سُلْطَانَهُ زَالَ عَنْ الْمَرْأَةِ بِالْمَوْتِ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ أَرْجَحَ فِيمَا تَدَعِّيهِ. وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْوَارِثَ شَأْنُهُ أَنْ يَنْتَقِلَ لَهُ مَا كَانَ لِمُوَرِّثِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ لَهُ بِدَلِيلِ الْآخِذِ بِالشُّفْعَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَطَرِيقَتُهُ وَاحِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إذَا تَدَاعَيَا شَيْئًا فَمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَهُوَ لَهُ كَمَا قُلْنَاهُ وَإِلَّا قُسِّمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا وَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيَّانِ إذَا سَكَنَا دَارًا وَاحِدَةً (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ عبق الْمَسْأَلَةُ الَّتِي أَشَارَ لَهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَفِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَلِلْمَرْأَةِ إلَخْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا كَوْنُ الشَّيْءِ لِأَحَدِهِمَا وَسَوَاءٌ كَانَ التَّنَازُعُ بَيْنَهُمَا أَوْ بَيْنَ وَرَثَةِ أَحَدِهِمَا مَعَ الْآخَرِ أَوْ بَيْنَ وَرَثَّتَيْهِمَا وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ حَلَّى زَوْجَتَهُ تَزَيُّنًا بِحُلِيٍّ فِي مِلْكِهِ بِبَيِّنَةٍ وَلَمْ تُقِمْ هِيَ بَيِّنَةً عَلَى هِبَتِهِ لَهَا فَإِنَّهُ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالنِّسَاءِ لَمْ تَخْتَصَّ بِهِ عَنْ الْوَرَثَةِ إذَا مَاتَ وَلَا تَأْخُذُهُ إذَا طَلَّقَهَا وَلَوْ طَالَ تَحَلِّيهَا بِهِ فِيهِمَا كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ عج فِي بَابِ الْهِبَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِتَحْلِيَةِ وَلَدِهِ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ ذَلِكَ بِمِصْرَ وَإِنْ كَانَ الْمُشَاعُ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ تَمَتَّعَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ فَهُوَ لَهَا لِثُبُوتِ مِلْكِ الْحُلِيِّ لِلرَّجُلِ وَلَكِنْ حَلَّاهَا بِهِ كَمَا مَرَّ وَأَوْلَى مِنْ التَّحْلِيَةِ الْفُرُشُ وَنَحْوُهَا ثُمَّ لَا يُعَارِضُ هَذَا قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي الْهِبَةِ وَهِبَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ مَتَاعًا لِأَنَّهُ فِيمَا يَثْبُتُ أَنَّهُ وَهَبَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ بِصِيغَةٍ أَوْ مُفْهِمِهَا وَمَا هُنَا لَمْ يَقَعْ إلَّا التَّحْلِيَةُ أَوْ التَّمَتُّعُ بِالْفُرُشِ فَقَطْ. اهـ بِتَصَرُّفٍ قَالَ الرَّهُونِيُّ وَمَا رَجَّحَهُ عج بِاقْتِصَارِهِ عَلَيْهِ هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا وَمَعْنًى أَمَّا نَقْلًا فَلِقَوْلِ صَاحِبِ الْفَائِقِ وَأَفْتَى ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ رُشْدٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ فِيمَا اشْتَرَاهُ مِنْ الْحُلِيِّ وَالثِّيَابِ وَأَعْطَاهُ لِزَوْجَتِهِ تَلْبَسُهُ وَتَتَزَيَّنُ بِهِ أَنَّهُ عَارِيَّةٌ لَا هِبَةٌ وَتَمْلِيكٌ وَكَذَلِكَ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ وَرَثَتِهِ فِي ذَلِكَ مَعَ أَيْمَانِهِمْ إلَّا أَنَّهُمْ يَحْلِفُونَ عَلَى الْعِلْمِ لَا عَلَى الْبَتِّ اهـ. 2 - وَفِي نَوَازِلِ النِّكَاحِ مِنْ الْمِعْيَارِ أَنَّ ابْنَ سِرَاجٍ

الْمَكِّيِّ يَحُجُّ بِغَيْرِ مَالٍ، بَلْ عُرُوضُ الْمَالِ فِي الْحَجِّ كَعُرُوضِ الْمَالِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِمَنْ دَارُهُ بَعِيدَةٌ عَنْ الْمَسْجِدِ فَيَكْتَرِي دَابَّةً يَصِلُ عَلَيْهَا لِلْمَسْجِدِ وَلَمَّا لَمْ تَجُزْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ عَنْ الْغَيْرِ فَكَذَلِكَ الْحَجُّ وَلِلشَّافِعِيِّ الْفَرْقُ بِأَنَّ عُرُوضَ الْمَالِ فِي الْحَجِّ أَكْثَرُ وَلِمَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ الْحَجِّ عَنْ الصِّبْيَانِ وَالْمَرْضَى يُحْرِمُ عَنْهُمْ غَيْرُهُمْ وَيَفْعَلُ أَفْعَالَ الْحَجِّ وَالْعِبَادَاتِ أَمْرٌ مُتَّبَعٌ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الصَّوْمُ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا فَرَّطَ فِيهِ جَوَّزَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَرَوَى الشَّافِعِيَّةُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي مَذْهَبِهِمْ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ لَمْ يَصُمْ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] وَقِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الْحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ أَيْضًا (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) عِتْقُ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ ظِهَارِ غَيْرِهِ عَلَى جُعْلٍ جَعَلَهُ لَهُ فَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ وَعَلَيْهِ الْجُعْلُ وَلَا يُجْزِئُهُ كَالْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْعِتْقِ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْجُعْلِ وَضِيعَةٌ عَنْ الثَّمَنِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ هِبَتُهُ فَبَيْعُهُ أَوْلَى. وَقَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ فِي الْعِتْقِ عَنْ الْغَيْرِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْإِجْزَاءُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلِأَشْهَبَ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إنْ أَذِنَ فِي الْعِتْقِ أَجْزَأَ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ اللَّخْمِيُّ يُجْزِئُ الْعِتْقُ عَنْ ظِهَارِ الْغَيْرِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ كَانَ أَبًا لِلْمُعْتِقِ وَفَرَّقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بَيْنَ عِتْقِ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ وَبَيْنَ دَفْعِ الزَّكَاةِ عَنْهُ فَلَا يُجْزِئُ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الذِّمَّةِ وَالْكَفَّارَةُ فِي الذِّمَّةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالْحَقُّ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَجَابَ عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى لِزَوْجِهِ جُمْلَةَ حَوَائِجَ مِنْ قَصَبِ ذَهَبٍ وَثَوْبَيْ حَرِيرٍ وَعِقْدِ جَوْهَرٍ وَفَرْخَةِ شُرْبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَدَفَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ لِزَوْجِهِ الْمَذْكُورَةِ وَأَلْبَسَهَا إيَّاهَا عَلَى وَجْهِ الْمُتْعَةِ لَا التَّمْلِيكِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ اشْتَرَى قَطِيفَتَيْنِ وَمَطْرَحَيْنِ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَبَقِيَتْ الزَّوْجَةُ تَلْبَسُ مَا سَاقَ لَهَا وَتَتَزَيَّنُ وَتَمْتَهِنُ الْقَطِيفَتَيْنِ وَالْمَطْرَحَيْنِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مُدَّةً أَزْيَدَ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَعْوَامٍ فَلَمَّا تُوُفِّيَ الزَّوْجُ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ الْقَرِيبَةِ قَامَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ يَطْلُبُ مِيرَاثَهُ فِي جُمْلَةِ مَا ذُكِرَ وَيَدَّعِيهِ مِلْكًا لِمُوَرِّثِهِ فَهَلْ يَجِبُ لِذَلِكَ الطَّالِبِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ مَعَ بَقَاءِ ذَلِكَ بِيَدِ الزَّوْجَةِ هَذِهِ الْمُدَّةَ وَسُكُوتِ الزَّوْجِ مَعَ عِلْمِهِ بِامْتِهَانِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَدَفْعِهِ أَوَّلًا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بِمَا نَصَّهُ إنْ يَثْبُتْ أَنَّ الزَّوْجَ مَلَّكَ زَوْجَهُ تِلْكَ الْحَوَائِجَ كَانَتْ لَهَا وَإِلَّا حَلَفَ الْوَرَثَةُ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مَلَّكَهَا إيَّاهَا وَوَقَعَ فِيهَا الْمِيرَاثُ وَأَنَّ أَبَا عُثْمَانَ سَعِيدَ بْنَ ضُمَيْرٍ أَجَابَ عَنْ الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ وَلَا يُعْرَفُ لَهَا جِهَازٌ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ وَتَدْخُلُ عَلَى جِهَازِ امْرَأَةٍ كَانَتْ لَهُ قَبْلَ هَذِهِ وَيَشْتَرِي الزَّوْجُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا مِمَّا يَكُونُ لِلنِّسَاءِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ وَيُقِيمُ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْتَاعَ ذَلِكَ كُلَّهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ بِزَمَانٍ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ. وَسَكَتَ عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا تَنْتَفِعُ بِذَلِكَ وَتَتَزَيَّنُ بِهِ فَيَنْزِلُ بَيْنَهُمَا فِرَاقٌ أَوْ مَوْتٌ فَتَدَّعِي الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِمَا نَصَّهُ لَيْسَ لَهَا مِمَّا ذَكَرَتْ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهَا خَرَجَتْ بِهِ مِنْ بَيْتِهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهَا وَأَفَادَتْ مَالًا وَعُرِفَ ذَلِكَ وَاسْتَبَانَ وَاتَّضَحَ وَأَنَّهُ يَكُونُ كَمَا وَصَفَتْ وَمَا لَمْ يُعْرَفْ لَهَا مَالٌ وَلَا تَصَدَّقَ عَلَيْهَا وَلَا أَفَادَتْ فَلَيْسَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَقُولُ أَرَدْت جَمَالَ بَيْتِي وَجَمَالَ امْرَأَتِي وَزَيَّنْتهَا بِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَقَوْلُ وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ وَقِيلَ لِابْنِ ضُمَيْرٍ فَمَا تَرَى إنْ قَالَتْ إنِّي اكْتَسَبْته وَجَمَعْته فَقَالَ لَيْسَ يُعْرَفُ الْكَسْبُ لِلنِّسَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِيرَاثًا أَوْ هِبَةً أَوْ صَدَقَةً وَيُعْرَفُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ يَجُوزُ مَا تَقُولُ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا يُعْرَفُ لَهَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ مِنْ قَبْلِ دُخُولِهَا عَلَيْهِ وَأَجَابَ ابْنُ لُبَابَةَ أَمَّا مَا عُرِفَ مِمَّا ابْتَاعَهُ الزَّوْجُ بَعْدَ الْبِنَاءِ لِامْرَأَتِهِ مِنْ حُلِيٍّ أَوْ مَتَاعٍ يُعْرَفُ لِلنِّسَاءِ وَيُزَيِّنُ امْرَأَتَهُ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُشْهِدْ لَهَا عَلَى عَطِيَّةٍ وَلَا هِبَةٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ أَيْضًا وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِيَةِ فِيهِ وَالْوَرَثَةُ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهَا بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهَا. اهـ وَفِي نَوَازِلِ الْمُعَاوَضَاتِ مِنْ الْمِعْيَارِ فِي جَوَابٍ لِأَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ مَا نَصُّهُ دَعْوَى الْمَرْأَةِ فِي الثِّيَابِ أَنَّ زَوْجَهَا سَاقَهَا لَهَا لَا تُسْمَعُ إلَّا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الثِّيَابَ بِأَعْيَانِهَا مِنْ جُمْلَةِ السِّيَاقَةِ أَوْ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهَا عَلَى الْخُصُوصِ فَإِنْ لَمْ تُقِمْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ مَعَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَعْلَمُونَ تِلْكَ الثِّيَابَ مِنْ مَالِ الْمَرْأَةِ وَلَا مَتَاعِهَا إلَى آخِرِ نَصِّ الْيَمِينِ وَلَا تَدْخُلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي مَسْأَلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي لِبَاسِهَا تِلْكَ الثِّيَابَ وَامْتِهَانِهَا لَهَا فَهَلْ تَسْتَحِقُّهَا بِذَلِكَ أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَ كِسْوَةَ الْمَرْأَةِ عِنْدَ فِرَاقِهَا إذَا كَانَتْ مُبْتَذَلَةً فَإِنْ لَمْ تُبْتَذَلْ كَانَ لَهُ ارْتِجَاعُهَا فَهَذِهِ الثِّيَابُ مِثْلُهَا إنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ قَدْ ابْتَذَلَتْهَا فَهِيَ لَهَا وَإِلَّا صَارَتْ مِيرَاثًا اهـ. وَأَمَّا مَعْنًى فَلِمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ أَعْرَفُ بِكَيْفِيَّةِ خُرُوجِ مِلْكِهِ مِنْ يَدِهِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ وَلِأَنَّ الزَّوْجَ يَجِبُ أَنْ يُجَمِّلَ زَوْجَتَهُ لِيَسْتَمْتِعَ بِهَا وَيَخْشَى أَنْ يُمَلِّكَهَا ذَلِكَ أَنْ يَقَعَ بَيْنَهُمَا مَا يُوجِبُ الْفِرَاقَ أَوْ يَمُوتَ فَتَذْهَبَ بِمَالِهِ لِزَوْجٍ آخَرَ فَيَجْعَلُ

الْإِجْزَاءُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا كَالدَّيْنِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَائِرَةٌ بَيْنَ قَوَاعِدَ (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) قَاعِدَةُ التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ وَالْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ فَالْأَوَّلُ كَالْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ فِي الْعُقُودِ إذَا قَلَّا أَوْ تَعَذَّرَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُمَا نَحْوُ أَسَاسِ الدَّارِ وَقُطْنِ الْجُبَّةِ وَرَدَاءَةِ بَوَاطِنِ الْفَوَاكِهِ وَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَنَجَاسَةِ ثَوْبِ الْمُرْضِعِ وَالْوَارِثِ الْكَافِرِ أَوْ الْعَبْدِ يُقَدَّرُ عَدَمُهُ فَلَا يُحْجَبُ وَالثَّانِي كَتَقْدِيرِ الْمِلْكِ فِي الدِّيَةِ مُقَدَّمًا قَبْلَ زُهُوقِ الرُّوحِ فِي الْمَقْتُولِ خَطَأً حَتَّى يَصِحَّ فِيهَا الْإِرْثُ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالزُّهُوقِ وَحِينَئِذٍ لَا يُقْبَلُ الْمَحَلُّ الْمِلْكَ وَالْمِيرَاثُ فَرْعُ مِلْكِ الْمَوْرُوثِ فَيُقَدِّرُ الشَّارِعُ الْمِلْكَ مُتَقَدِّمًا قَبْلَ الزُّهُوقِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ حَتَّى يَصِحَّ الْإِرْثُ وَكَتَقْدِيرِ النِّيَّةِ فِي أَوَّلِ الْعِبَادَاتِ مُمْتَدَّةً إلَى آخِرِهَا وَكَتَقْدِيرِ الْإِيمَانِ فِي حَقِّ النَّائِمِ الْغَافِلِ حَتَّى تَنْعَصِمَ دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ وَتَقْدِيرِ الْكُفْرِ فِي الْكَافِرِ الْغَافِلِ حَتَّى تَصِحَّ إبَاحَةُ الدَّمِ وَالْمَالِ وَالذُّرِّيَّةِ وَقَاعِدَةُ التَّقَادِيرِ قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي خِطَابِ الْوَضْعِ (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ الْهِبَةَ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا قَبْضٌ بَطَلَتْ (الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) الْكَفَّارَاتُ عِبَادَةٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا، وَقِيلَ لَا تَجِبُ النِّيَّةُ (الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ) كُلُّ مَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ نَفَذَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مُتَبَرِّعًا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ أَوْ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ وَهُوَ مَنْفَعَةٌ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ أَوْ مَالٌ فَلَهُ أَخْذُهُ مِمَّنْ دَفَعَهُ عَنْهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْمُولُ لَهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عَمَلِ ذَلِكَ بِالِاسْتِئْجَارِ أَوْ إنْفَاقِ ذَلِكَ الْمَالِ أَمَّا إنْ كَانَ شَأْنُهُ فِعْلَهُ إيَّاهُ بِغَيْرِ اسْتِئْجَارٍ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغُلَامِهِ وَتَحْصُلُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ بِيَدِهَا عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ فَيَحْصُلُ لَهُ مَا أَحَبَّ وَيَأْمَنُ مِمَّا يَخْشَاهُ فَتَأَمَّلْهُ بِإِنْصَافٍ وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجَةِ مُطْلَقًا وَقِيلَ بِالتَّفْصِيلِ فَفِي الْفَائِقِ مَا نَصُّهُ قَالَ الدَّاوُدِيُّ مَا اشْتَرَاهُ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ مِنْ الثِّيَابِ فَلَبِسَتْهَا فِي غَيْرِ الْبِذْلَةِ ثُمَّ نَزَلَ بَيْنَهُمَا فِرَاقٌ وَادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ عَارِيَّةٌ وَأَنْكَرَتْهُ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِثْلُهُ يَشْتَرِي الثِّيَابَ لِزَوْجِهِ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ فِي مُلَائِهِ وَشَرَفِهِ لَا يَشْتَرِي ذَلِكَ لِلْعَارِيَّةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا قَالَ وَسَوَاءٌ كَانَ لِبَاسُهَا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا. اهـ وَذَكَرَ ابْنُ عَاتٍ فِي طُرَرِهِ قَوْلَ الدَّاوُدِيِّ وَزَادَ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ تُلَيْدٍ وَإِنْ ابْتَاعَ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ كِسْوَةً مِثْلَ ثَوْبٍ أَوْ فَرْوٍ ثُمَّ تَمُوتُ فَيُرِيدُ أَخْذَهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَهُوَ مَوْرُوثٌ عَنْهَا وَكَذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ فِي الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ وَبِهِ الْعَمَلُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ لِغَيْرِ الْبِذْلَةِ اهـ وَجَرَيَانُ الْعَمَلِ بِهَذَا الْقَوْلِ لَا يَقْتَضِي تَقْدِيمَهُ عَلَى الرَّاجِحِ لِأَنَّ لِتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ شُرُوطًا مِنْهَا اسْتِمْرَارُ الْعَمَلِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا إذْ كَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ مِمَّنْ بَعْدَ صَاحِبِ الطِّرَازِ لَمْ يُعَرِّجُوا عَلَيْهِ وَأَفْتَوْا بِغَيْرِهِ سَيِّدِي عَبْدُ الْقَادِرِ الْفَاسِيُّ فِي أَجْوِبَتِهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ وَلَدُهُ فِي نَظْمِ الْعَمَلِ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِمَّنْ تَعَرَّضُوا لِعَدِّ مَا بِهِ الْعَمَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي لِبَاسِهَا تِلْكَ الثِّيَابَ وَامْتِهَانِهَا فَهَلْ تَسْتَحِقُّهَا بِذَلِكَ أَمْ لَا إلَخْ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَإِنْ سَكَتَ عَنْهُ الْإِمَامَانِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْوَنْشَرِيسِيُّ وَسَيِّدِي عَبْدُ الْقَادِرِ الْفَاسِيُّ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الطَّلَاقِ الَّتِي جَعَلَهَا أَصْلًا لِهَذِهِ مُبَايِنَةٌ لِهَذِهِ أَشَدَّ الْمُبَايَنَةِ لِأَنَّ مَسْأَلَتَنَا هَذِهِ قَدْ سَلَّمَ هُوَ نَفْسُهُ أَنَّ دَفْعَ الزَّوْجِ لِمَا ذُكِرَ هُوَ عَلَى وَجْهِ الْعَارِيَّةِ وَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ وَهَبَهَا مَثَلًا وَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ بَلْ وَلَا خَارِجَهُ فِيمَا أَعْلَمُ أَنَّ الْعَارِيَّةَ لَا تُمْلَكُ بِطُولِ الِانْتِفَاعِ بِهَا وَلَا بِامْتِهَانِ الْمُعَارِ إيَّاهَا وَدَفْعُ الزَّوْجِ الْكِسْوَةَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ كَانَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ أَدَاءً لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ فَرَّقُوا بَيْنَ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ عَنْ قُرْبٍ فَتَرْجِعُ لَهُ أَوْ بُعْدٍ فَلَا وَحَدُّوا الْبُعْدَ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ كَمَا أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَأْتِي بِقَوْلِهِ لَا الْكِسْوَةَ بَعْدَ أَشْهُرٍ فَيَلْزَمُ عَلَى قِيَاسِهِ هَذَا أَنَّهَا مَهْمَا أَقَامَتْ بِيَدِهَا الْعَارِيَّةُ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فَهُوَ لَهَا وَالنُّصُوصُ مُصَرِّحَةٌ بِرَدِّ ذَلِكَ فَرَاجِعْهَا مُتَأَمِّلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَتَأَمَّلْهُ بِإِنْصَافٍ. وَعَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِثْلُهَا وَهِيَ أَنْ تَكْسُوَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فَفِي الْفَائِقِ مَا نَصُّهُ كَتَبَ إلَى الْقَاضِي أَبِي الْوَلِيدِ بْنِ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا تَقُولُ فِيمَا تُخْرِجُهُ الْمَرْأَةُ أَوْ وَلِيُّهَا فِي شُورَتِهَا بِاسْمِ الزَّوْجِ كَالْغِفَارَةِ وَالْمَحْشُوِّ وَالْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلَاتِ وَرُبَّمَا لَبِسَ ذَلِكَ الزَّوْجُ بَعْدَ بِنَائِهِ بِالْأَيَّامِ الْيَسِيرَةِ أَوْ الْكَثِيرَةِ وَرُبَّمَا لَمْ يَلْبَسْهَا ثُمَّ تَذْهَبُ الزَّوْجَةُ وَوَلِيُّهَا إلَى أَخْذِ الثِّيَابِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا كَانَتْ عَارِيَّةً وَأَنَّهَا جَعَلَتْ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ التَّزَيُّنِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْعَطِيَّةِ فَهَلْ تَرَى ذَلِكَ لِلزَّوْجِ أَمْ لَا فَأَجَابَ إنْ كَانَ فِي هَذِهِ الثِّيَابِ الْمُخْرَجَةِ فِي الشُّورَةِ عُرْفُ الْبَلَدِ قَدْ جَرَى بِهِ الْأَمْرُ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ حُكِمَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ عُرْفٌ مَعْلُومٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ أَوْ وَلِيُّهَا فِيمَا يَدَّعِيَانِ مِنْ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ أَوْ عَلَى سَبِيلِ التَّزْيِينِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ لَا رَبَّ سِوَاهُ. اهـ وَنَحْوُهُ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ وَنَسَبَهُ لِمُخْتَصَرِ الْخُدَيْرِيَّةِ وَنَحْوُهُ فِي الدُّرِّ النَّثِيرِ وَنَسَبَهُ لِمُخْتَصَرِ الْخُدَيْرِيَّةِ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمَوَّاقُ

[الفرق بين قاعدة ما هو صريح في الطلاق وبين قاعدة ما ليس بصريح فيه]

تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ بِغَيْرِ مَالٍ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ فِي عَدَمِ التَّبَرُّعِ وَهَذِهِ قَاعِدَةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ نَصَّ عَلَيْهَا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ وَصَاحِبُ الْجَوَاهِرِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ وَلَا تَخْتَصُّ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ بِمَا يَجِبُ عَلَى الْمَدْفُوعِ عَنْهُ كَالدَّيْنِ، بَلْ يَنْدَرِجُ فِيهَا غُسْلُ الثَّوْبِ وَخِيَاطَتُهُ وَرَمْيُ التُّرَابِ مِنْ الدَّارِ وَنَحْوُ ذَلِكَ عَلَى الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَيَجْعَلُ مَالِكٌ لِسَانَ الْحَالِ قَائِمًا مَقَامَ لِسَانِ الْمَقَالِ فَكَأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ بِلِسَانِ مَقَالِهِ وَخَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَجَعَلَ الْأَصْلَ فِي فِعْلِ الْغَيْرِ التَّبَرُّعَ. وَإِذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمَدْفُوعُ عَنْهُ بِلِسَانِ الْمَقَالِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَمَنْ لَاحَظَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ وَهُوَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فَيَقُولُ الْمُعْتِقُ قَامَ عَنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ بِوَاجِبٍ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَيُقَدَّرُ انْتِقَالُ مِلْكِهِ عَنْهُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ قَبْلَ صُدُورِ الْعِتْقِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ حَتَّى يَثْبُتَ الْوَلَاءُ وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ بِقَاعِدَةِ النِّيَّةِ فَإِنَّهُ يَشْتَرِطُهَا وَهِيَ مُتَعَذِّرَةٌ مَعَ الْغَفْلَةِ وَنُجِيبُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْعِتْقِ عَنْ الْمَيِّتِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْحَيَّ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْعِتْقِ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ بَابُ التَّقَرُّبِ فَنَاسَبَ أَنْ يُوَسِّعَ الشَّرْعُ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَهُ الْقِيَاسُ عَلَى أَخْذِ الزَّكَاةِ كُرْهًا مَعَ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا وَيُفَرَّقُ أَيْضًا بِأَنَّهَا حَالَةُ ضَرُورَةٍ لِأَجْلِ امْتِنَاعِ الْمَالِكِ وَهَاهُنَا الْمُعْتَقُ عَنْهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَبِأَنَّ مَصْلَحَةَ الزَّكَاةِ عَامَّةٌ فَيُوَسَّعُ فِيهَا لِعُمُومِ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ الْكَفَّارَاتِ فَإِنَّهَا قَلِيلَةٌ وَهِيَ خَاصَّةٌ فَلَا يُخَالِفُ فِيهَا قَاعِدَةَ النِّيَّةِ وَالشَّافِعِيُّ يَعْتَبِرُ قَاعِدَةَ النِّيَّةِ وَهِيَ مَنْفِيَّةٌ حَالَةَ عَدَمِ الْإِذْنِ وَأَشْهَبُ يَقُولُ الْإِذْنُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ قَوْلِهِ قَبْلُ إلَّا أَنْ يُسْتَحَقَّ شَيْءٌ فَيَلْزَمَ وَكُلُّهُمْ سَاقُوهُ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَلَمْ يَحْكُوا غَيْرَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ كَلَامُ الرَّهُونِيِّ بِتَصَرُّفٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (خَاتِمَةٌ) نَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَهَا اعْلَمْ رَحِمَك اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ اعْتِبَارَ الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ هُنَا عِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ تَارَةً وَعَدَمَ اعْتِبَارِهَا تَارَةً كَمَا عَلِمْت مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَرْقِ الَّذِي فَاتَ الْأَصْلَ ذِكْرُهُ فِي فُرُوقِهِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعَادَةِ الْمُحَكَّمَةِ وَالْعَادَةِ الْغَيْرِ الْمُحْكَمَةِ وَأَنَا أُحَرِّرُهُ لَك هُنَا لِيَتَّضِحَ لَك الْمَقَامُ بِحَوْلِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ فَأَقُولُ قَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي كِتَابِهِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ الْفِقْهِيَّةِ مَا خُلَاصَتُهُ إنَّ الْعَادَةَ الْمُحَكَّمَةَ مَا تَحَقَّقَ فِيهَا شَرْطَانِ (الشَّرْطُ الْأَوَّلُ) الِاطِّرَادُ فَلَا تُعْتَبَرُ الْمُطَرِّبَةُ وَفِي اعْتِبَارِ مَا تَعَارَضَتْ فِي اعْتِبَارِهَا لِظُنُونٍ خِلَافٌ (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ لَا تَتَعَارَضَ مَعَ شَرْعٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ وَالْإِقْدَامُ عَلَيْهَا قَطْعًا مَثَلًا إذَا أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ لَمْ يَدْخُلْ وَرَثَتُهُ عَمَلًا بِتَخْصِيصِ الشَّرْعِ إذْ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ قَالَ وَأَصْلُهَا قَالَ الْقَاضِي قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» قَالَ الْعَلَائِيُّ وَلَمْ أَجِدْهُ مَرْفُوعًا فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ أَصْلًا وَلَا بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ بَعْدَ طُولِ الْبَحْثِ وَكَثْرَةِ الْكَشْفِ وَالسُّؤَالِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَاعْتِبَارُ الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ رَاجِعٌ إلَيْهِ مَسَائِلُ فِي الْفِقْهِ لَا تُعَدُّ كَثْرَةً قَالَ فَتُعْتَبَرُ وَتُقَدَّمُ حَتَّى عَلَى الشَّرْعِ الَّذِي لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لَمْ يَحْنَثْ بِالسَّمَكِ وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ لَحْمًا أَوْ لَا يَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ أَوْ تَحْتَ سَقْفٍ أَوْ فِي ضَوْءِ سِرَاجٍ لَمْ يَحْنَثْ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْأَرْضِ وَإِنْ سَمَّاهَا اللَّهُ بِسَاطًا وَلَا تَحْتَ السَّمَاءِ وَإِنْ سَمَّاهَا اللَّهُ سَقْفًا وَلَا فِي الشَّمْسِ وَإِنْ سَمَّاهَا اللَّهُ سِرَاجًا أَوْ لَا يَضَعُ رَأْسَهُ عَلَى وَتَدٍ لَمْ يَحْنَثْ بِوَضْعِهَا عَلَى جَبَلٍ وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ وَتَدًا أَوْ لَا يَأْكُلُ مَيْتَةً أَوْ دَمًا لَمْ يَحْنَثْ بِالسَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ فَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ يُقَدَّمُ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ عَلَى الشَّرْعِ لِأَنَّهَا اسْتَعْمَلَتْ فِيهِ تَسْمِيَةٌ بِلَا تَعَلُّقِ حُكْمٍ وَتَكْلِيفٍ قَالَ وَفِي تَقْدِيمِهِ عَلَى اللُّغَةِ إذَا تَعَارَضَ مَعَهَا لِأَنَّهُ مُحْكَمٌ فِي التَّصَرُّفَاتِ سِيَّمَا الْأَيْمَانُ أَوْ تَقْدِيمُ اللُّغَةِ عَمَلًا بِالْوَضْعِ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ فِي حَقِّ الْعَرَبِيِّ فَقَطْ أَمَّا الْعَجَمِيُّ فَيُعْتَبَرُ عُرْفُهُ قَطْعًا إذْ لَا وَضْعَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْعُرْفُ الْخَاصُّ فَإِنْ كَانَ مَحْصُورًا لَمْ تُؤَثِّرْ مُعَارَضَتُهُ لِلْعُرْفِ الْعَامِّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَحْصُورٍ اُعْتُبِرَ وَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الْعَامِّ فِي الْأَصَحِّ فَافْهَمْ اهـ. وَمِنْهُ تَعْلَمُ أَنَّ الْعَادَةَ الْغَيْرَ الْمُحْكَمَةَ مَا انْتَفَى عَنْهَا أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُطْرِبَةَ لَمْ تَتَقَرَّرْ بَيْنَ النَّاسِ حَتَّى تُعْتَبَرَ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِمُعَارَضَتِهَا لِأَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ حُكْمُهَا مُنْكَرًا مِنْ بَقَايَا الْجَاهِلِيَّةِ فِي كُفْرِهِمْ بِمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعُكُوفِهِمْ عَلَى عَوَائِدِهِمْ الَّتِي جَاءَ الشَّرْعُ بِإِبْطَالِهَا فَمَنْ اسْتَحَلَّهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْعِلْمِ بِتَحْرِيمِهِ حُكِمَ بِكُفْرِهِ وَارْتِدَادِهِ كَمَا فِي بُغْيَةِ الْمُسْتَرْشِدِينَ عَنْ أَحْكَامِ النَّوَازِلِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ عَنْ فَتَاوَى بَامَخْرَمَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ] (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ) . وَذَلِكَ أَنَّ الصَّرِيحَ لُغَةً كَمَا فِي الْمُخْتَارِ كُلُّ خَالِصٍ أَيْ لِقَوْلِ الْعَرَبِ لَبَنٌ صَرِيحٌ إذَا لَمْ يُخَالِطْهُ شَيْءٌ وَنَسَبٌ صَرِيحٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَائِبَةٌ مِنْ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ فَاللَّفْظُ الصَّرِيحُ مَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْبُعْدِ وَشَرْعًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ

بَابِ الْكَلَامِ وَالْإِبَاحَةِ وَالنِّيَّةُ مِنْ بَابِ الْمَقَاصِدِ وَالْإِرَادَةِ فَلَا يَقُومُ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ وَلَا يَسْتَقِيمُ قَصْدُ الْإِنْسَانِ لِعِتْقِ مِلْكِ غَيْرِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنْ دَفَعَ لَهُ جُعْلًا أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا لِلْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ فَتَخْرُجُ بِالْجُعْلِ عَنْ الْهِبَةِ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى قَصْدٍ فَهَذِهِ الْقَوَاعِدُ هِيَ سِرُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مُشْكِلَةٌ وَأَشْكَلَ مِنْهَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ عَبْدُ الْحَقِّ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعِتْقُ عَنْ الْغَيْرِ تَطَوُّعًا بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَهَذَا أَشْكَلُ مِنْ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ دَلَالَةُ الْحَالِ دُونَ الْمَقَالِ وَهَاهُنَا لَا دَلَالَةَ حَالٍ وَلَا يُقَالُ فَلَا يُتَّجَهُ وَيَكُونُ أَبْعَدَ مِنْ الْعِتْقِ عَنْ الْوَاجِبِ. وَمَنْ يَشْتَرِطُ الْإِذْنَ يَقُولُ الْإِذْنُ تَضَمَّنَ الْوَكَالَةَ فِي نَقْلِ مِلْكِهِ لِلْآذِنِ وَعِتْقِهِ عَنْهُ بَعْدَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَيَكُونُ الْمَأْذُونُ لَهُ وَكِيلًا فِي الْأَمْرَيْنِ وَمُتَوَلِّيًا لِطَرَفَيْ الْعَقْدِ وَالْمُوجِبُ لِهَذِهِ التَّقَادِيرِ كُلِّهَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا التَّصَرُّفُ إلَّا بِهَا وَمَا تَعَذَّرَ تَصْحِيحُ الْكَلَامِ إلَّا بِهِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ صَوْنًا لِلْكَلَامِ عَنْ الْإِلْغَاءِ فَهَذَا تَحْرِيرُ هَذَا الْفَرْقِ وَتَحْرِيرُ مَسَائِلِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (فَهَذِهِ الْقَوَاعِدُ هِيَ سِرُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مُشْكِلَةٌ وَأَشْكَلُ مِنْهَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ عَبْدُ الْحَقِّ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعِتْقُ عَنْ الْغَيْرِ تَطَوُّعًا بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَهَذَا أَشْكَلُ مِنْ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ دَلَالَةُ الْحَالِ دُونَ الْمَقَالِ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ) ، قُلْت لَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ جَوَازِ النِّيَابَةِ فِي الْأُمُورِ الْمَالِيَّةِ عِبَادَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا وَلَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الْإِذْنِ وَلَا إلَى تَقْدِيرِ الْمِلْكِ وَالْوَكَالَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَعْدُ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي الصَّرِيحِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَعِنْدَ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ لَفْظُ الطَّلَاقِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ الصَّرِيحُ الطَّلَاقُ وَمَا اشْتَهَرَ مَعَهُ كَالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِّيَّةِ وَنَحْوِهِمَا، وَقِيلَ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ كَالطَّلَاقِ وَالسَّرَاحِ وَالْفِرَاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وقَوْله تَعَالَى {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وقَوْله تَعَالَى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَبِمَاذَا يَلْزَمُ هَلْ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ لِمَالِكٍ وَيُرِيدُ بِالنِّيَّةِ التَّطْلِيقَ بِالْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ، وَقِيلَ بِاللَّفْظِ فَقَطْ قَالَ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا هَذَا فِي الْفُتْيَا، وَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ وَلَا يُصَدَّقُ اتِّفَاقًا اهـ (وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ) مِنْ الثَّلَاثَةِ فِي الصَّرِيحِ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ فَفِي مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ وَلَفْظَةُ طَلَّقْت وَأَنَا طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ أَوْ مُطَلَّقَةٌ أَوْ الطَّلَاقُ لِي لَازِمٌ لَا مُنْطَلِقَةٌ وَتَلْزَمُ وَاحِدَةٌ إلَّا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ اهـ قَالَ الْبُنَانِيُّ أَيْ لَفْظُ الصَّرِيحِ مَحْصُورٌ فِي الْأَلْفَاظِ الْأَرْبَعَةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْأَلْفَاظِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَا فِي ضج عَنْ الْقَرَافِيِّ مِنْ أَنَّ كَلَامَ الْفُقَهَاءِ يَقْتَضِي أَنَّ الصَّرِيحَ هُوَ مَا كَانَ فِيهِ الْحُرُوفُ الثَّلَاثَةُ الطَّاءُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِشُمُولِهِ نَحْوُ مُنْطَلِقَةٍ وَمَطْلُوقَةٍ فَلِذَا عَدَلَ هُنَا عَنْ ضَبْطِ الصَّرِيحِ بِمَا ذَكَرَ إلَى ضَبْطِهِ بِالْأَلْفَاظِ الْأَرْبَعَةِ اهـ بِلَفْظِهِ أَيْ وَنَحْوِ مُنْطَلِقَةٍ وَمَطْلُوقَةٍ مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ لَا الظَّاهِرَةِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مِنْ الصَّرِيحِ كَمَا سَيَأْتِي فَمِنْ هُنَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ أَنْتِ مُطْلَقَةٌ بِسُكُونِ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ لَا تَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالنِّسَاءِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) مِنْ الثَّلَاثَةِ فِي الَّذِي يَلْزَمُ بِهِ الصَّرِيحُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْخَرَشِيِّ عِنْدَ قَوْلِ الْخَرَشِيِّ قَوْلُهُ وَفِي لُزُومِهِ بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ خِلَافٌ يَعْنِي أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَنْشَأَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِهِ بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ كَمَا يُنْشِئُهُ بِلِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ بِلِسَانِهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِذَلِكَ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ خِلَافٌ فِي التَّشْهِيرِ، وَلَيْسَ مَعْنَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ أَنْ يَنْوِيَ الطَّلَاقَ وَيُصَمِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَبْدُوَ لَهُ، وَلَا أَنْ يَعْتَقِدَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ نُطْقٍ بِلِسَانِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي ذَلِكَ طَلَاقٌ إجْمَاعًا اهـ بِلَفْظِهِ. وَالْكِنَايَةُ لُغَةً مَا فِيهِ خَفَاءٌ وَمِنْهُ كَنَيْتَهُ أَبَا عَبْد اللَّهِ كَأَنَّك أَخْفَيْت الِاسْمَ بِالْكُنْيَةِ تَعْظِيمًا لَهُ وَفِي الصِّحَاحِ يُقَالُ كَنَيْت وَكَنَوْتُ وَكُنْيَتُهُ بِضَمِّ الْكَافِّ وَكَسْرِهَا وَاصْطِلَاحًا هِيَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ لُغَةً وَسِرُّ الْفَرْقِ إمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الْمَشْهُورِ مِنْ الثَّلَاثَةِ فِي الصَّرِيحِ فَهُوَ أَنَّ اللَّفْظَ إمَّا أَنْ يَدُلَّ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَإِمَّا أَنْ لَا يَدُلَّ بِالْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ فَإِنْ دَلَّ اللَّفْظُ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ صِيغَةُ الطَّلَاقِ كَيْفَمَا تَصَرَّفَتْ، نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ مُطَلَّقَةٌ، وَقَدْ طَلَّقْتُك أَوْ الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي أَوْ قَدْ أَوْقَعْت عَلَيْك الطَّلَاقَ وَأَنَا طَالِقٌ مِنْك كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَتَقَدَّمَ مِثْلُهُ لِخَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ فَهُوَ الصَّرِيحُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ فِي اللُّغَةِ مَوْضُوعٌ لِإِزَالَةِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ خَاصَّةً عَلَى الصَّحِيحِ لَا لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ وَخَصَّهُ الْعُرْفُ بِإِزَالَةِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ خَاصَّةً كَمَا زَعَمَ الْأَصْلُ قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَكَوْنُ هَذِهِ الصِّيَغِ وَقَعَتْ فِي الِاسْتِعْمَالِ اللُّغَوِيِّ إخْبَارَاتٌ لَا يَضُرُّ إمَّا لِأَنَّ الشَّرْعَ يُقَدِّرُ وُقُوعَ مُخْبَرِهَا قَبْلَ النُّطْقِ بِهَا بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ تَصْدِيقِهِ، وَإِذَا صَارَ صَادِقًا لَزِمَهُ مَا نَطَقَ بِهِ مِنْ الطَّلَاقِ كَمَا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي صِيَغِ الْعِتْقِ وَجَمِيعِ صِيَغِ الْعُقُودِ مِنْ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِمَّا لِأَنَّهَا كَمَا وَقَعَتْ فِيهِ إخْبَارَاتٌ كَذَلِكَ وَقَعَتْ فِيهِ إنْشَاءَاتٌ كَمَا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ فَيَبْقَى النَّظَرُ فِي كَوْنِهَا مُشْتَرَكَةً بَيْنَ

(الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَصِلُ إلَيْهِ) الْقُرُبَاتُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ حَجَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ فِي ثَوَابِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ نَقْلَهُ لِغَيْرِهِمْ كَالْإِيمَانِ فَلَوْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَهَبَ قَرِيبَهُ الْكَافِرَ إيمَانَهُ لِيَدْخُلَ الْجَنَّةَ دُونَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، بَلْ إنْ كَفَرَ الْحَيُّ هَلَكَا مَعًا أَمَّا هِبَةُ الثَّوَابِ مَعَ بَقَاءِ الْأَصْلِ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَقِيلَ الْإِجْمَاعُ فِي الصَّلَاةِ أَيْضًا، وَقِيلَ الْإِجْمَاعُ فِيهَا وَقِسْمٌ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ فِي نَقْلِ ثَوَابِهِ لِلْمَيِّتِ وَهُوَ الْقُرُبَاتُ الْمَالِيَّةُ كَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَقِسْمٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ فِيهِ حَجْرٌ أَمْ لَا وَهُوَ الصِّيَامُ وَالْحَجُّ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَلَا يَحْصُلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِلْمَيِّتِ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ فَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَحْتَجَّانِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا هُوَ فِعْلٌ بَدَنِيٌّ وَالْأَصْلُ فِي الْأَفْعَالِ الْبَدَنِيَّةِ أَنْ لَا يَنُوبَ أَحَدٌ فِيهَا عَنْ الْآخَرِ وَلِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَصَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ بِالْقِيَاسِ عَلَى الدُّعَاءِ فَإِنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ يَصِلُ لِلْمَيِّتِ فَكَذَلِكَ الْقِرَاءَةُ وَالْكُلُّ عَمَلٌ بَدَنِيٌّ وَلِظَاهِرِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلسَّائِلِ «صَلِّ لَهُمَا مَعَ صَلَاتِك وَصُمْ لَهُمَا مَعَ صَوْمِك يَعْنِي أَبَوَيْهِ» وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى الدُّعَاءِ لَا يَسْتَقِيمُ فَإِنَّ الدُّعَاءَ فِيهِ أَمْرَانِ (أَحَدُهُمَا) مُتَعَلِّقُهُ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُهُ نَحْوَ الْمَغْفِرَةِ فِي قَوْلِهِمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ أَوْ مَنْقُولَةً مِنْ الْخَبَرِ إلَى الْإِنْشَاءِ وَكِلَاهُمَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ اللَّفْظُ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ لَكِنَّهُ إمَّا أَنْ يُحْسِنَ اسْتِعْمَالَهُ فِيهِ مَجَازًا لِوُجُودِ الْعَلَاقَةِ الْقَرِيبَةِ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، نَحْوُ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَتَّةٌ أَوْ بَتْلَةٌ أَوْ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك أَوْ أَنْتِ حَرَامٌ أَوْ كَالْمَيْتَةِ أَوْ الدَّمِ أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ الْفِرَاقُ أَوْ السَّرَاحُ أَوْ اعْتَدِّي فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ فَالْخَلِيَّةُ الْفَارِغَةُ وَالْفَرَاغُ حَقِيقَةٌ فِي خُلُوِّ جِسْمٍ مِنْ جِسْمٍ فَشَبَّهَ بِهِ خُلُوَّ الْمَرْأَةِ مِنْ عِصْمَةِ النِّكَاحِ وَالْبَرِيَّةُ مِنْ الْبَرَاءَةِ وَهُوَ مُطْلَقُ السَّلْبِ كَيْفَ كَانَ الْمَسْلُوبُ وَالْبَائِنُ مِنْ الْبَيْنِ وَهُوَ الْبُعْدُ بَيْنَ الْأَجْسَامِ وَيُقَالُ فِي الْمَعَانِي بَوْنٌ لَا بَيْنٌ شَبَّهَ الْبُعْدَ مِنْ الْعِصْمَةِ بِالْبُعْدِ بَيْنَ الْجِسْمَيْنِ، وَالْبَتُّ الْقَطْعُ فِي جِسْمٍ شَبَّهَ بِهِ قَطْعَ الْعِصْمَةِ، وَكَذَلِكَ الْبَتْلَةُ وَمِنْهُ فَاطِمَةُ الْبَتُولُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لِانْقِطَاعِهَا فِي الشَّرَفِ عَنْ النِّسَاءِ، وَقِيلَ لِانْقِطَاعِهَا عَنْ الْأَزْوَاجِ إلَّا عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمِنْهُ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك؛ لِأَنَّ عَادَةَ الدَّابَّةِ فِي الرَّعْيِ إذَا أَمْسَكَ صَاحِبُهَا حَبْلَهَا لَا تَتَهَنَّى فِي الرَّعْيِ لِتَوَهُّمِهَا أَنَّهُ يَجُرُّهَا بِهِ، وَإِذَا أَرَادَ تَهْنِئَتَهَا بِالرَّعْيِ أَلْقَى حَبْلَهَا عَلَى كَتِفِهَا وَهُوَ غَارِبُهَا فَتَطْمَئِنُّ حِينَئِذٍ فَشَبَّهَ بِهِ طَلَاقَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى مُخَلَّاةً لِنَفْسِهَا، وَكَذَلِكَ الْبَوَاقِي، وَإِمَّا أَنْ لَا يُحْسِنَ اسْتِعْمَالَهُ فِيهِ مَجَازًا لِعَدَمِ وُجُودِ الْعَلَاقَةِ الْقَرِيبَةِ، بَلْ إمَّا أَنْ تُوجَدَ بَيْنَهُمَا الْعَلَاقَةُ الْبَعِيدَةُ فَإِذَا اعْتَمَدَ فِيهِ عَلَيْهَا سُمِّيَ مَجَازُ التَّعْقِيدِ. وَاتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى مَنْعِهِ كَقَوْلِهِ تَزَوَّجْت بِنْتَ الْأَمِيرِ مُرِيدًا رَأَيْت وَالِدَ عَاقِدِ الْأَنْكِحَةِ بِالْمَدِينَةِ مُعْتَمِدًا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ مِنْ لَوَازِمِهِ الْعَاقِدُ؛ لِأَنَّهُ مُبِيحُهُ وَالْعَاقِدُ مِنْ لَوَازِمِهِ أَبُوهُ؛ لِأَنَّهُ مُوَلِّدُهُ. وَأَمَّا أَنْ لَا تُوجَدَ بَيْنَهُمَا عَلَاقَةٌ أَلْبَتَّةَ لَا قَرِيبَةٌ وَلَا بَعِيدَةٌ، وَهَذَا الْقِسْمُ بِنَوْعَيْهِ هُوَ مَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ أَيْ ظَاهِرَةٍ، بَلْ هُوَ الْكِنَايَةُ الْخَفِيَّةُ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ هَذَا نَحْوُ قَوْلِهِ اسْقِنِي الْمَاءَ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ لُزُومُهُ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي تَعْلِيلِهِ فَقِيلَ هُوَ طَلَاقٌ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ اللَّفْظِ، وَقِيلَ بَلْ اللَّفْظُ كَانَ الْمُسْتَعْمَلُ وَضْعَهُ الْآنَ لِلطَّلَاقِ وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ إنْشَاءَ الْوَضْعِ لَا تَجِدُهُ يَخْطِرُ بِبَالِ النَّاسِ فِي الْعَادَةِ عِنْدَ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ وَصَحَّحَ ابْنُ الشَّاطِّ تَعْلِيلَ الْأَصْلِ بِأَنَّهُ عَبَّرَ بِلَفْظِ نَحْوِ اسْقِنِي عَنْ الطَّلَاقِ لَا عَلَى وَجْهِ الْحَقِيقَةِ وَلَا عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ عَلَى حَدِّ التَّعْبِيرِ عَنْ الْأَرْضِ بِالسَّمَاءِ، وَعَنْ السَّمَاءِ بِالْأَرْضِ وَنَحْوِهِ مِمَّا نَصَّ الْأُصُولِيُّونَ عَلَى أَنَّهُ مِمَّا عُرِّيَ فِي اسْتِعْمَالِهِ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ هَا هُنَا أَنْ يُقَالَ إنَّ لَفْظَ نَحْوِ الْأَكْلِ أَوْ السَّقْيِ إذَا أَطْلَقَهُ الْمُسْتَعْمِلُ وَأَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا عَرَبِيًّا وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ كَوْنِهِ لَيْسَ عَرَبِيًّا أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقًا بِالنَّصْبِ أَوْ الْخَفْضِ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا عَرَبِيًّا وَمَعَ ذَلِكَ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ قَالَ الْخَطَّابُ أَيْ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ جَاهِلًا فَوَاضِحٌ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَهَازِلٌ وَهَزْلُهُ جَدٌّ أَفَادَهُ عَبَقٌ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا، وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِالنِّيَّةِ لَا يَلْزَمُ وَاللَّفْظُ لَا يَصْلُحُ إمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّوْقِيفِ وَأَنَّ اللُّغَاتِ وَضَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَلِقَوْلِ الْمَازِرِيِّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ لَا يَجُوزُ أَيْ عَلَى التَّوْقِيفِ لِأَحَدٍ أَنْ يَضَعَ لَفْظًا لِمَعْنًى أَلْبَتَّةَ، بَلْ ذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ فِي الْبَسِيطِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصْدُقَ أَلْفًا أَيْ يُسَلِّمَهُ صَدَاقًا وَيُعَبِّرَ عَنْهُ بِأَلْفَيْنِ لِلتَّجَمُّلِ بَيْنَ النَّاسِ، وَإِمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِالِاصْطِلَاحِ وَأَنَّ اللُّغَاتِ وَضَعَهَا أَهْلُ اللُّغَةِ أَوْ عَلَى مَذْهَبِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ عَدَمِ الْجَزْمِ بِالتَّوْقِيفِ وَالِاصْطِلَاحِ فَلِعَدَمِ الْعَلَاقَةِ الْقَرِيبَةِ الْمُصَحِّحَةِ

وَالْآخَرُ ثَوَابُهُ فَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يُرْجَى حُصُولُهُ لِلْمَيِّتِ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا لَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا دَعَا لِلْمَيِّتِ بِالْمَغْفِرَةِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الثَّوَابُ عَلَى الدُّعَاءِ فَهُوَ الدَّاعِي فَقَطْ، وَلَيْسَ لِلْمَيِّتِ مِنْ الثَّوَابِ عَلَى الدُّعَاءِ شَيْءٌ فَالْقِيَاسُ عَلَى الدُّعَاءِ غَلَطٌ وَخُرُوجٌ مِنْ بَابٍ إلَى بَابٍ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَإِمَّا أَنْ نَجْعَلَهُ خَاصًّا بِذَلِكَ الشَّخْصِ أَوْ نُعَارِضَهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَنُعَضِّدَهَا بِأَنَّهَا عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِانْتِقَالِ وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَقُولُ إذَا قُرِئَ عِنْدَ الْقَبْرِ حَصَلَ لِلْمَيِّتِ أَجْرُ الْمُسْتَمِعِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ أَيْضًا لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الثَّوَابَ يَتْبَعُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ فَمَا لَا أَمْرَ فِيهِ وَلَا نَهْيَ لَا ثَوَابَ فِيهِ بِدَلِيلِ الْمُبَاحَاتِ وَأَرْبَابِ الْفَتَرَاتِ وَالْمَوْتَى انْقَطَعَ عَنْهُمْ الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي. وَإِذَا لَمْ يَكُونُوا مَأْمُورِينَ لَا يَكُونُ لَهُمْ ثَوَابٌ وَإِنْ كَانُوا مُسْتَمِعِينَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَهَائِمَ تَسْمَعُ أَصْوَاتَنَا بِالْقِرَاءَةِ وَلَا ثَوَابَ لَهَا لِعَدَمِ الْأَمْرِ لَهَا بِالِاسْتِمَاعِ فَكَذَلِكَ الْمَوْتَى وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ وَلَا يَقَعُ فِيهِ خِلَافٌ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُمْ بَرَكَةُ الْقِرَاءَةِ لَا ثَوَابُهَا كَمَا تَحْصُلُ لَهُمْ بَرَكَةُ الرَّجُلِ الصَّالِحِ يُدْفَنُ عِنْدَهُمْ أَوْ يُدْفَنُونَ عِنْدَهُ فَإِنَّ الْبَرَكَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْأَمْرِ فَإِنَّ الْبَهِيمَةَ يَحْصُلُ لَهَا بَرَكَةُ رَاكِبِهَا أَوْ مُجَاوِرِهَا وَأَمْرُ الْبَرَكَاتِ لَا يُنْكَرُ فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْصُلُ بَرَكَتُهُ لِلْبَهَائِمِ مِنْ الْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ ضَرَبَ فَرَسًا بِسَوْطٍ فَكَانَ لَا يُسْبَقُ بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ كَانَ بَطِيءَ الْحَرَكَةِ وَحِمَارُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَذْهَبُ إلَى بُيُوتِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَدْعِيهِمْ إلَيْهِ بِنَطْحِ رَأْسِهِ الْبَابَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ بَرَكَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلِاسْتِعْمَالِ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الشِّقِّ الْأَخِيرِ يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْلِيلِ الْأَصْلِ الَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ. وَأَمَّا عَنْ الشِّقِّ الْأَوَّلِ فَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ مَا أَدْرِي مَا دَلِيلُ أَيْ الْمَازِرِيِّ وَالْغَزَالِيِّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ وَضْعِ لَفْظِ اسْقِنِي الْمَاءَ لِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ لِاسْتِدْعَاءِ سَقْيِ الْمَاءِ بِوَضْعِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ وَالصَّحِيحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَالِكًا وَإِنْ لَمْ يَجْزِمْ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ أَيْ التَّوْقِيفِ وَالِاصْطِلَاحِ فَلَمْ يَقُمْ عِنْدَهُ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ أَوْ جَزْمٌ بِأَنَّهَا اصْطِلَاحِيَّةٌ أَوْ جَزْمٌ بِأَنَّهَا تَوْقِيفِيَّةٌ لَكِنَّهُ لَمْ يَقُمْ عِنْدَهُ دَلِيلُ الْمَنْعِ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وَضَعَهُ اللَّهُ لَهُ إذْ لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِهَا تَوْقِيفِيَّةً أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَ مِنْ وَضْعِنَا إيَّاهَا لِمَعْنًى غَيْرِ مَا لَهُ وَضَعَهَا وَلَا مِنْ اسْتِعْمَالِهَا فِي ذَلِكَ، بَلْ مَعْنَى كَوْنِهَا تَوْقِيفِيَّةً أَنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْأَلْفَاظَ كُلَّهَا لِمَعَانِيهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ مَنَعَنَا مِنْ وَضْعِ كُلِّ لَفْظٍ مِنْهَا لِغَيْرِ مَا وَضَعَهُ لَهُ أَوْ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ أَوْ النَّقْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ بِلَفْظِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَإِنْ كَانَ لِلْبَحْثِ فِيهِ مَجَالٌ فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَفْظُ الطَّلَاقِ أَوْ طَالِقٍ أَوْ مُطَلَّقَةٍ يُفِيدُ زَوَالَ الْعِصْمَةِ إمَّا لُغَةً عَلَى الْمَذْهَبِ الَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ. وَإِمَّا عُرْفًا عَلَى مَذْهَبِ الْأَصْلِ وَلَفْظُ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ مُطَلَّقَةٌ أَوْ الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي يُفِيدُ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ عُرْفًا أَيْضًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَلَا يُفِيدُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَإِنَّمَا يُفِيدُ الْخَبَرَ لُغَةً وَالشَّرْعُ يُقَدِّرُ وُقُوعَ مُخْبَرِهَا قَبْلَ النُّطْقِ بِهَا بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ تَصْدِيقِهِ، وَإِذَا صَارَ صَادِقًا لَزِمَهُ مَا نَطَقَ بِهِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَأَمَّا لَفْظُ خَلِيَّةٍ عَلَى انْفِرَادِهِ فَلَا يُفِيدُ زَوَالَ الْعِصْمَةِ لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا، بَلْ مَجَازًا وَمِثْلُهُ سَائِرُ الْأَلْفَاظِ وَالْكِنَايَاتُ الظَّاهِرَةُ وَلَفْظُ أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ يُفِيدُ بِجُمْلَتِهِ عُرْفًا الْإِنْشَاءَ إلَّا أَنَّ لَفْظَ خَلِيَّةٍ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بِمُفْرَدِهِ يُفِيدُ عُرْفًا الطَّلَاقَ وَإِزَالَةَ الْعِصْمَةِ لَمْ يَكُنْ بِجُمْلَتِهِ يُفِيدُ عُرْفًا إنْشَاءَ الطَّلَاقِ وَإِزَالَةَ قَيْدِ الْعِصْمَةِ بِخُصُوصِهِ، وَكَذَا سَائِرُ أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ. وَإِنَّمَا غَلَبَ فِي الْعُرْفِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّلَاقِ وَإِزَالَةُ الْعِصْمَةِ فَأُلْحِقَ لِذَلِكَ بِالصَّرِيحِ فِي اسْتِغْنَائِهِ عَنْ النِّيَّةِ لِقِيَامِ الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ مَقَامَ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَنْصَرِفُ بِصَرَاحَتِهِ لِمَا وُضِعَ لَهُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى نِيَّةٍ إذْ النِّيَّةُ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي اللَّفْظِ الْمُتَرَدِّدِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ وَغَيْرِهِ لِتَمْيِيزِ الْمُرَادِ مِنْهُ عَنْ غَيْرِ الْمُرَادِ كَمَا فِي نَحْوِ اسْقِنِي الْمَاءَ مِمَّا لَمْ يَغْلِبْ مِنْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ مَجَازًا وَالْمَجَازُ يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ النَّاقِلَةِ عَنْ الْحَقِيقَةِ الَّتِي يَنْصَرِفُ إلَيْهَا اللَّفْظُ بِصَرَاحَتِهِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَلَمْ يَنْسَخْهَا عُرْفٌ فَكِنَايَةُ الطَّلَاقِ قِسْمَانِ ظَاهِرَةٌ وَهِيَ مَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعُرْفِ فِي الطَّلَاقِ فَأُلْحِقَ بِالصَّرِيحِ فِي اسْتِغْنَائِهِ عَنْ النِّيَّةِ وَخَفِيَّةٌ وَهِيَ مَا لَمْ يَغْلِبْ فِي الْعُرْفِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّلَاقِ، بَلْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ مَجَازًا فَافْتَقَرَ إلَى النِّيَّةِ النَّاقِلَةِ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَيْهِ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ مَنْقُولٌ فِي الْعُرْفِ مِنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ لِلطَّلَاقِ أَيْ إزَالَةِ الْعِصْمَةِ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي مُسْتَعْمَلٌ فِي الطَّلَاقِ مَجَازًا وَالْمَنْقُولُ إمَّا أَنْ يُنْقَلَ لِأَصْلِ الطَّلَاقِ فَقَطْ فَيَصِيرُ فِي الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ مِثْلُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي اللُّغَةِ فَيَلْزَمُهُ بِهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَإِمَّا أَنْ يُنْقَلَ لِأَصْلِ الطَّلَاقِ مَعَ الْبَيْنُونَةِ مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ فَيَلْزَمُ بِهِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُسَمَّاهُ الْعُرْفِيُّ وَإِمَّا أَنْ يُنْقَلَ لِلطَّلَاقِ وَالْبَيْنُونَةِ مَعَ وَصْفِ الْعَدَدِ الثَّلَاثِ فَيَلْزَمُهُ بِهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَيَصِيرُ النُّطْقُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ عُرْفًا كَالنُّطْقِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لُغَةً إلَّا أَنَّ هَذَا إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ الثَّلَاثِ غَالِبًا وَفِي الثَّلَاثِ نَادِرًا فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقْصِدُ الِاحْتِيَاطَ فَيَحْمِلُهُ عَلَى الثَّلَاثِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْمِلُهُ عَلَى الْغَالِبِ فَيَلْزَمُهُ بِهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ. فَاخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الصِّيَغِ

كَمَا هُوَ مَرْوِيٌّ فِي مُعْجِزَاتِهِ وَكَرَامَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلَفًا فِيهَا فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ لَا يُهْمِلَهَا فَلَعَلَّ الْحَقَّ هُوَ الْوُصُولُ إلَى الْمَوْتَى فَإِنَّ هَذِهِ أُمُورٌ مُغَيَّبَةٌ عَنَّا، وَلَيْسَ الْخِلَافُ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ إنَّمَا هُوَ فِي أَمْرٍ وَاقِعٍ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ التَّهْلِيلُ الَّذِي عَادَةُ النَّاسِ يَعْمَلُونَهُ الْيَوْمَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ وَيُعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يُيَسِّرُهُ وَيُلْتَمَسَ فَضْلُ اللَّهِ بِكُلِّ سَبَبٍ مُمْكِنٍ وَمِنْ اللَّهِ الْجُودُ وَالْإِحْسَانُ هَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِالْعَبْدِ. (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَبْطُلُ التَّتَابُعُ) اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمُشْكِلَةِ فَإِنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا أَكَلَ فِي صَوْمِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ) قُلْت جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِيهِ صَحِيحٌ إلَّا قَوْلَهُ فَالْمَفْهُومُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] أَنَّهُ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ قَبْلَهُمَا وَطْءٌ وَلَا فِي أَثْنَائِهَا وَطْءٌ فَإِنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ بِحَسَبِ مَسَاقِ كَلَامِهِ أَنَّ الْآيَةَ تَقْتَضِي عَدَمَ تَقَدُّمِ الْوَطْءِ مُطْلَقًا. وَهَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ تَقْتَضِيَهُ الْآيَةُ لِاشْتِمَالِ الْآيَةِ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ وَطْؤُهَا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْآيَةِ أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ الصَّوْمَ وَطْءٌ بَعْدَ الظِّهَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَجَمِيعُ مَا قَالَهُ بَعْدَهُ فِي الْفُرُوقِ السِّتَّةِ صَحِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا هُوَ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي الضَّوَابِطِ هَلْ وُجِدَتْ أَمْ لَا وَإِلَّا فَكُلُّ مَنْ سَلَّمَ ضَابِطًا سُلِّمَ حُكْمُهُ وَيَكُونُ الْمَذْهَبُ الْحَقُّ مَنْ صَادَفَ الضَّابِطَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَالضَّعِيفُ الْفِقْهِ مَنْ تَوَهَّمَ وُجُودَهُ أَوْ عَدَمَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَعَلَى الْفَقِيهِ اسْتِيفَاءُ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ وَمِنْ ذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْحَرَامِ فَمِنْ قَائِلٍ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ نَقْلٌ أَلْبَتَّةَ فَهِيَ كَذِبٌ فَلَا يَلْزَمُ بِهَا شَيْءٌ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَمِنْ قَائِلٍ حَصَلَ فِيهَا النَّقْلُ لِأَصْلِ الطَّلَاقِ فَيَلْزَمُ بِهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ. وَمِنْ قَائِلٍ حَصَلَ فِيهَا النَّقْلُ لِلطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَيَلْزَمُ بِهَا الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ تَتَخَرَّجُ جَمِيعُ الصُّوَرِ هَذَا تَلْخِيصُ مَا عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ فَمِنْ هُنَا فِي الْخَرَشِيِّ وَحَاشِيَةِ الْعَدَوِيِّ عَلَيْهِ وَشَرْحِ أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ وَالصَّاوِي عَلَيْهِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ أَلْفَاظَ الطَّلَاقِ تَنْقَسِمُ إلَى ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا يَلْزَمُ بِهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ إلَّا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ وَهُوَ لَفْظُ التَّصْرِيحِ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَنَحْوُ اعْتَدِّي مِنْ الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ (الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا يَلْزَمُ بِهِ الثَّلَاثُ وَلَا يَنْوِي مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَدْخُولًا بِهَا أَمْ لَا وَهُوَ نَحْوُ بَتَّةٍ وَحَبْلُك عَلَى غَارِبِك؛ لِأَنَّ الْبَتَّ هُوَ الْقَطْعُ فَكَأَنَّ الزَّوْجُ قَطَعَ الْعِصْمَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ وَلَمْ يَبْقَ بِيَدِهِ مِنْهُ شَيْءٌ؛ وَلِأَنَّ الْحَبْلَ كِنَايَةٌ عَنْ الْعِصْمَةِ الَّتِي بِيَدِ الزَّوْجِ أَيْ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِصْمَةِ وَكَوْنُهَا عَلَى غَارِبِهَا أَيْ كَتِفِهَا كِنَايَةٌ عَنْ مِلْكِهَا بِالطَّلَاقِ 2 - (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَوَاحِدَةٌ فِي غَيْرِهَا مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ وَهُوَ نَحْوُ وَاحِدَةٍ بَائِنَةٍ نَظَرًا لِبَائِنَةٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَبِغَيْرِ لَفْظِ الْخُلْعِ إنَّمَا تَكُونُ ثَلَاثًا وَلَمْ يُنْظَرْ وَالْوَاحِدَةُ إمَّا لِكَوْنِهِ صِفَةً لِمَرَّةٍ مَحْذُوفًا أَيْ مَرَّةً وَاحِدَةً بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ بَائِنَةٌ وَإِمَّا لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِي الْفُرُوجِ مَا لَا يُحْتَاطُ فِي غَيْرِهَا فَاعْتُبِرَ لَفْظُ بَائِنَةٍ وَأُلْغِيَ لَفْظُ وَاحِدَةٍ قَالَ الصَّاوِيُّ لَكِنَّ مَحَلَّ هَذَا إذَا كَانَ عُرْفُ التَّحَالُفِ أَنَّ مَعْنَى الْبَائِنَةِ الْمُنْفَصِلَةِ أَمَّا إذَا كَانَ مَعْنَاهَا الظَّاهِرَةَ الَّتِي لَا خَفَاءَ فِيهَا وَقَصَدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَالظَّاهِرُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَتَكُونُ بَعْدَ الدُّخُولِ رَجْعِيَّةً اهـ فَتَنَبَّهْ. (الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا كَغَيْرِهَا إنْ لَمْ يَنْوِ أَقَلَّ وَهُوَ نَحْوُ أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ أَوْ الدَّمِ أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ وَهَبْتُك لِأَهْلِك أَوْ لَا عِصْمَةَ لِي عَلَيْك أَوْ أَنْتِ حَرَامٌ أَوْ أَوْ خَلِيَّةٌ أَيْ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ بَرِيَّةٌ أَوْ خَالِصَةٌ أَيْ مِنِّي أَوْ بَائِنَةٌ أَوْ أَنَا بَائِنٌ مِنْك أَوْ خَلِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ أَوْ خَالِصٌ (الْقِسْمُ الْخَامِسُ) مَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ مُطْلَقًا مَا لَمْ يَنْوِ أَقَلَّ وَهُوَ خَلَّيْت سَبِيلَك (الْقِسْمُ السَّادِسُ) مَا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَيَنْوِي فِي غَيْرِهَا وَهُوَ نَحْوُ وَجْهِي مِنْ وَجْهِك حَرَامٌ أَوْ وَجْهِي عَلَى وَجْهِك حَرَامٌ أَوْ لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك أَوْ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك أَوْ أَنْتِ سَائِبَةٌ أَوْ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَك حَرَامٌ وَلَا حَلَالٌ، أَوْ مَا انْقَلَبَ إلَيْهِ مِنْ أَهْلٍ حَرَامٌ كَقَوْلِهِ يَا حَرَامُ إنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَكَقَوْلِهِ الْحَلَالُ حَرَامٌ أَوْ حَرَامٌ عَلَيَّ أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ حَرَامٌ وَقَصَدَ إدْخَالَ الزَّوْجَةِ (الْقِسْمُ السَّابِعُ) مَا يَلْزَمُ فِيهِ وَاحِدَةٌ إلَّا لِنِيَّةٍ أَكْثَرَ وَهِيَ رَجْعِيَّةٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَهُوَ فَارَقْتُك قَالَ الدَّرْدِيرُ وَكُلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَدُلَّ الْبِسَاطُ وَالْقَرَائِنُ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الطَّلَاقِ وَأَنَّ الْمُخَاطَبَةَ بِلَفْظٍ مِمَّا ذَكَرَ لَيْسَتْ فِي مَعْرِضِ الطَّلَاقِ بِحَالٍ وَإِلَّا صَدَقَ فِي نَفْيِ الطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ كَالصَّرِيحِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي نَفْيِهِ عِنْدَ قِيَامِ الْقَرَائِنِ كَمَا لَوْ أَخَذَهَا الطَّلْقُ عِنْدَ وِلَادَتِهَا فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إعْلَامًا أَوْ اسْتِعْلَامًا أَوْ كَانَتْ مَرْبُوطَةً فَقَالَتْ لَهُ هِيَ أَوْ غَيْرُهَا أَطْلِقْنِي فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ أَيْ اسْتَطْلِقِي وَإِلَّا كَانَ كَاذِبًا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ كَمَا فِي الْعَدَوِيِّ عَلَى الْخَرَشِيِّ قَالَ الدَّرْدِيرُ

الظِّهَارِ أَوْ الْقَتْلِ أَوْ النَّذْرِ الْمُتَتَابِعِ نَاسِيًا أَوْ مُجْتَهِدًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ وَطِئَ نَهَارًا غَيْرُ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا نَاسِيًا قَضَى يَوْمًا مُتَّصِلًا بِصَوْمِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ابْتَدَأَ الصَّوْمَ مِنْ أَوَّلِهِ فَإِنْ وَطِئَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَوَّلَ صَوْمِهِ أَوْ آخِرَهُ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا ابْتَدَأَ الصَّوْمَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ وَطِئَهَا لَيْلًا لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ وَوَافَقْنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ الْفِطْرُ يُبْطِلُ التَّتَابُعَ مُطْلَقًا وَخَالَفَهُمَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَلَّلَا ذَلِكَ بِأَنَّ الْفِطْرَ بِاخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ الْمَرَضِ وَالْإِغْمَاءِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَالْمَرَضِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ كَالْمَرِيضِ عِنْدَهُ. وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا إنْ أَفْطَرَ جَاهِلًا فَقَوْلَانِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْجَاهِلَ هَلْ يَلْحَقُ بِالْعَامِدِ أَمْ لَا وَفِي السَّهْوِ وَالْخَطَأِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ السَّهْوِ فَيُجْزِئُ وَالْخَطَأِ فَلَا يُجْزِئُ وَيَبْتَدِي لِأَنَّ مَعَهُ تَمْيِيزَهُ بِخِلَافِ السَّهْوِ وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ التَّتَابُعُ مَأْمُورٌ بِهِ فَيَقْدَحُ فِيهِ النِّسْيَانُ أَوْ التَّفْرِيقُ مُحَرَّمٌ فَلَا تَضُرُّ مُلَابَسَتُهُ سَهْوًا فَإِنَّ الْمُحَرَّمَاتِ لَا يَأْثَمُ الْإِنْسَانُ بِمُلَابَسَتِهَا مَعَ عَدَمِ الْقَصْدِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ سَاهِيًا أَوْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً جَاهِلًا بِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ أَكَلَ طَعَامًا نَجِسًا أَوْ حَرَامًا مَغْصُوبًا غَيْرَ عَالِمٍ بِهِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا عَلَى عَدَمِ الْإِثْمِ (قُلْت) وَهَذِهِ الْفَتَاوَى كُلُّهَا مُشْكِلَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ لَفْظَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ أَمْرٌ مُتَعَلِّقٌ بِطَلَبٍ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] وَمَعْنَاهُ لِيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَيَكُونُ خَبَرًا مَعْنَاهُ الْأَمْرُ أَوْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالضَّابِطُ فِي الظَّاهِرَةِ عَلَى مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي غَيْرِ وَاحِدَةٍ بَائِنَةٍ أَنَّ اللَّفْظَ إنْ دَلَّ عَلَى قَطْعِ الْعِصْمَةِ بِالْمَرَّةِ لَزِمَ فِيهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا وَلَا يَنْوِي وَذَلِكَ مِثْلُ بَتَّةٍ وَحَبْلِك عَلَى غَارِبِك مِنْ نَحْوِ قَطَعْت الْعِصْمَةَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَعِصْمَتُك عَلَى كَتِفِك أَوْ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ دَلَّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ وَالْبَيْنُونَةُ لِغَيْرِ خُلْعٍ ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَصَادِقَةٌ بِوَاحِدَةٍ فِي غَيْرِهَا فَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ ظَاهِرًا فِي الْبَيْنُونَةِ ظُهُورًا رَاجِحًا فَثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا جَزْمًا كَغَيْرِهَا مَا لَمْ يَنْوِ الْأَقَلَّ كَحَرَامٍ وَمَيِّتَةٍ وَخَلِيَّةٍ وَبَرِيَّةٍ وَوَهَبْتُك لِأَهْلِك وَمَا ذَكَرَ مَعَهَا وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ ظَاهِرًا فِي الْبَيْنُونَةِ ظُهُورًا مُسَاوِيًا فَثَلَاثٌ مُطْلَقًا إلَّا لِنِيَّةٍ أَقَلَّ كَخَلَّيْتُ سَبِيلَك وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ ظَاهِرًا فِي الْبَيْنُونَةِ ظُهُورًا مَرْجُوحًا بِأَنْ كَانَ ظُهُورُهُ فِي غَيْرِ الْبَيْنُونَةِ رَاجِحًا لَزِمَهُ الْوَاحِدَةُ مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ كَفَارَقْتُكِ (الْقِسْمُ الثَّامِنُ) مَا يَنْوِي فِيهِ وَفِي عَدَدِهِ وَهُوَ نَحْوُ اذْهَبِي وَانْصَرِفِي وَانْطَلِقِي أَوْ أَنْتِ مَطْلُوقَةٌ أَوْ مُنْطَلِقَةٌ مِمَّا لَيْسَ مِنْ صَرِيحِهِ وَلَا مِنْ كِنَايَاتِهِ الظَّاهِرَةِ لِاسْتِعْمَالِهَا فِي الْعُرْفِ فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ، بَلْ مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ إنْ قَصَدَ بِهَا الطَّلَاقَ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا اهـ. فَالِانْطِلَاقُ لَيْسَ مِنْ الطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَا مِنْ مَادَّةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ الطَّاءُ وَاللَّامُ وَالْقَافُ قِيلَ وَإِنْ كَانَا فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى إزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ يُقَالُ لَفْظٌ مُطْلَقٌ وَوَجْهٌ طَلْقٌ وَحَلَالٌ طَلْقٌ وَانْطَلَقَتْ بَطْنُهُ وَأُطْلِقَ فُلَانٌ مِنْ السِّجْنِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَهِرَ عُرْفًا فِي إزَالَةِ خُصُوصِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ هُوَ الطَّلَاقُ دُونَ الِانْطِلَاقِ وَمَا اُشْتُقَّ مِنْهُ نَحْوُ أَطْلَقْتُك وَانْطَلَقْت مِنْك وَانْطَلِقِي مِنِّي وَأَنْتِ مُنْطَلِقَةٌ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَمْرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الطَّلَاقَ فِي اللُّغَةِ لِإِزَالَةِ مُطْلَقِ الْقَيْدِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ فِي اللُّغَةِ لِإِزَالَةِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ خَاصَّةً كَمَا عَلِمْت (وَثَانِيهِمَا) الْقَوْلُ بِصِحَّةِ مَا يُسَمِّيهِ النُّحَاةُ بِالِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ أَيْ بِصِحَّةِ الْمُنَاسَبَةِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ لَفْظَيْنِ بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي جَمِيعِ الْحُرُوفِ الْأُصُولِ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ مَعَ اتِّحَادِ الْمَعْنَى أَوْ تَنَاسُبِهِ كَالْحَمْدِ وَالْمَدْحِ الْمُسَمَّاةِ عِنْدَ النُّحَاةِ بِالِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ لِكَثْرَةِ أَفْرَادِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّغِيرِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُنَاسَبَةِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ لَفْظَيْنِ بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي جَمِيعِ الْحُرُوفِ الْأُصُولِ وَالتَّرْتِيبِ مَعَ اتِّحَادِ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ لِلْمَادَّةِ كَالضَّارِبِ وَالضَّرْبِ لِاخْتِصَاصِ هَذَا بِالْأَفْعَالِ وَالصِّفَاتِ وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَإِنْ قَلَّتْ أَفْرَادُ الْكَبِيرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَكْبَرِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُنَاسَبَةِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ لَفْظَيْنِ بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَكْثَرِ الْحُرُوفِ الْأُصُولِ فَقَطْ مَعَ اتِّحَادِ الْمَعْنَى أَوْ تَنَاسُبِهِ كَالْفَلْقِ وَالْفَلْجِ بِالْجِيمِ وَهُمَا الشِّقُّ وَزْنًا وَمَعْنًى وَالْقَوْلُ بِصِحَّةِ الِاشْتِقَاقِ الْكَبِيرِ ضَعِيفٌ، اهـ بِتَوْضِيحٍ مِنْ الْأَبْيَارِيِّ عَلَى حَوَاشِي الْمُغْنِي. قُلْت وَمِنْ الْأَكْبَرِ لَا مِنْ الْكَبِيرِ قَوْلُ الْأَصْلِ وَمِنْ الْكِنَايَةِ الَّتِي أَصْلُهَا مَا فِيهِ خَفَاءٌ لَكِنْ لِإِخْفَائِهِ الْأَجْسَامَ وَمَا يُوضَعُ فِيهِ فَسَقَطَ قَوْلُ ابْنِ الشَّاطِّ وَمَا أَرَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَصِحُّ عِنْدَ مَنْ صَحَّحَ الِاشْتِقَاقَ الْكَبِيرَ مِنْ النُّحَاةِ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ ثَالِثُ حُرُوفِهَا يَاءٌ أَوْ وَاوٌ وَلَكِنَّ ثَالِثَ حُرُوفِهِ نُونٌ إلَّا أَنْ يُدَّعَى إبْدَالُ النُّونِ وَفِي ذَلِكَ بُعْدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ فَتَأَمَّلْ مُنْصِفًا. وَأَمَّا مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِ وَلَمْ يَنْطِقْ بِالْقَافِ فَقَالَ الْعَلَّامَةُ الرَّهُونِيُّ إنْ قَصَدَ أَنْ يَنْطِقَ بِهِ كَذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ مُرِيدًا بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ فَيَلْزَمُ بِالنِّيَّةِ كَقَوْلِهِ لَهَا أَنْتِ قَالِقٌ بِإِبْدَالِ الطَّاءِ قَافًا أَوْ مُثَنَّاةً فَوْقِيَّةً حَيْثُ لَمْ تَكُنْ لُغَتُهُ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ عج وَتَبِعَهُ عبق وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْطِقَ بِهِ تَامًّا، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَتَرَكَ النُّطْقَ بِالْقَافِ كَانَ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْخَطَّابُ عَنْ الرَّمَّاحِ وَسَلَّمَهُ مِنْ الْجَرَيَانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ أَيْ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ اهـ بِتَوْضِيحٍ وَاخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِيمَا

مُتَتَابِعَيْنِ. وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِمُوَافَقَتِهِ الظَّاهِرَ مِنْ بَقَاءِ الْخَبَرِ خَبَرًا عَلَى حَالِهِ وَنَسْتَفِيدُ الْوُجُوبَ مِنْ قَوْله تَعَالَى فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مُتَعَلِّقٌ بِطَلَبٍ لَا يُدْفَعُ فَكَيْفَ يُتَخَيَّلُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ بَشِيرٍ وَلَا يُمْكِنُ الِاعْتِمَادُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّتَابُعَ إذَا كَانَ وَاجِبًا كَانَ تَرْكُهُ مُحَرَّمًا فَإِنَّ كُلَّ وَاجِبٍ تَرْكُهُ مُحَرَّمٌ وَكُلَّ مُحَرَّمٍ تَرْكُهُ وَاجِبٌ فَالْوُجُوبُ مِنْ لَوَازِمِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْرِيمُ مِنْ لَوَازِمِ الْوُجُوبِ فِي النَّقِيضِ الْمُقَابِلِ فَاَلَّذِي يَصِحُّ فِي الْآيَةِ أَنَّ التَّتَابُعَ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُحَرَّمِ وَأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ هَذَا بَعِيدٌ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ بَقِيَ الْإِشْكَالُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَلَمْ يَأْتِ بِهِمَا الْمُكَلَّفُ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ كُلِّهَا النَّاسِي وَالْمُجْتَهِدُ وَالْمُكْرَهُ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ فَرَّقُوا وَلَمْ يَقَعْ فِعْلُهُمْ مُطَابِقًا لِمُقْتَضَى الطَّلَبِ فَوَجَبَ الْبَقَاءُ فِي الْعُهْدَةِ كَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَلَب الصَّلَاةَ بِالنِّيَّةِ وَالطَّهَارَةِ وَالسِّتَارَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الشُّرُوطِ فَمَنْ نَسِيَ أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَوْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فِيهَا أَوْ أُكْرِهَ عَلَى عَدَمِهَا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ، وَكَذَلِكَ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي رَمَضَانَ أَوْ نَسِيَ أَوْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَإِنَّ صَوْمَهُ يَبْطُلُ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ فَمَا بَالُ التَّتَابُعِ خَرَجَ عَنْ هَذَا النَّمَطِ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالْمَنْذُورَاتِ هَذَا وَجْهُ الْإِشْكَالِ. وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي الْإِغْمَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ التَّتَابُعُ كَمَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ بِالْإِغْمَاءِ، وَكَذَلِكَ الْمَرَضُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو حَنِيفَةَ مِثْلُهُ فَالْكُلُّ مُشْكِلٌ وَاَلَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا قَالَ لَهَا أَنَا طَالِقٌ مِنْك أَوْ أَنْتِ الطَّلَاقُ هَلْ هُوَ مِنْ الصَّرِيحِ أَوْ مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ (الْأَوَّلُ) فِي الصِّيغَتَيْنِ هُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَهُوَ فِي الْأُولَى مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَمَّا مَا فِي الثَّانِيَةِ فَمَذْهَبُهُ الثَّانِي قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْمَصْدَرِ عَنْ اسْمِ الْفَاعِلِ مَجَازٌ فَيَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَأَجَابَ الْأَصْلُ بِأَنَّهُ مَجَازٌ تَعَيَّنَ بِقَرِينَةٍ تَعَذَّرَ أَنَّهَا عَيْنُ الطَّلَاقِ، وَإِذَا تَعَيَّنَ لِاسْمِ الْفَاعِلِ اسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ التَّعَيُّنَ مَانِعٌ مِنْ التَّرَدُّدِ وَالنِّيَّةُ إنَّمَا يُفْتَقَرُ إلَيْهَا حَالَةَ التَّرَدُّدِ اهـ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَالْأَظْهَرُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْأُولَى (الثَّانِي) تَمَسُّكًا بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ الْأَمْرُ (الْأَوَّلُ) أَنَّهُ لَيْسَ مَحْبُوسًا بِالنِّكَاحِ، بَلْ هِيَ الْمَحْبُوسَةُ (الْأَمْرُ الثَّانِي) الْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِهِ أَنَا طَالِقٌ فَلَوْ كَانَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ لَوَقَعَ كَالْمَرْأَةِ (الْأَمْرُ الثَّالِثُ) أَنَّ الرَّجُلَ لَا يُوصَفُ بِهِ فَلَا يُقَالُ زَيْدٌ مُطَلَّقٌ وَنَقَلَ الْبَاجِيَّ فِي الْمُنْتَقَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مِنْهُ وَأَجَابَ الْأَصْلُ عَنْ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ عَنْ عَمَّتِهَا وَأُخْتِهَا وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِ وَالنَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ لَازِمٌ بِالنِّكَاحِ فَيَخْرُجُ عَنْ لُزُومِهِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ وَصْفَهُ بِطَالِقٍ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَنْ امْرَأَةٍ فَلَمْ يُعَيِّنْهَا اللَّفْظُ، وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ عِصْمَتِهِ لِتَعَذُّرِ تَعَوُّدِ الْأَزْوَاجِ دُونَ الزَّوْجَاتِ أَيْ فَثَبَتَ الْفَارِقُ فَلَا قِيَاسَ وَبَطَلَتْ الْمُلَازَمَةُ بَيْنَ طَرَفَيْ الشَّرْطِيَّةِ فَافْهَمْ، وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّ مُطَلَّقَ اسْمُ مَفْعُولٍ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُقْتَضِي لِطَلَاقِهِ غَيْرَهُ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ اهـ. وَتَعَقَّبَ ابْنُ الشَّاطِّ جَوَابَهُ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ كَانَ مَعْنَى الطَّلَاقِ مَعْنَى الِانْطِلَاقِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الطَّلَاقُ حَلُّ الْعِصْمَةِ فَقَطْ وَهُوَ أَمْرٌ يَصْدُرُ مِنْ الرَّجُلِ وَيَقَعُ بِالْمَرْأَةِ فَإِذَا قَالَ أَنَا طَالِقٌ مِنْك فَقَدْ عَكَسَ الْمَعْنَى أَيْ جَعَلَ صُدُورَ حَلِّ الْعِصْمَةِ مِنْهَا وَاقِعًا بِهِ فَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا أَيْ فَيَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَجَوَابُهُ الثَّانِي بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يَخْطِرُ بِالْبَالِ أَيْ جَوَازُ أَنْ يَكُونَ وَصْفُهُ بِطَالِقٍ عَنْ امْرَأَةٍ لَمْ يُعَيِّنْهَا اللَّفْظُ حَتَّى يَثْبُتَ الْفَارِقُ وَتَبْطُلَ الْمُلَازَمَةُ الْمَذْكُورَةُ فَافْهَمْ وَجَوَابُهُ الثَّالِثُ بِأَنْ يَكُونَ الْمُقْتَضِي لِطَلَاقِهِ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ مُتَعَذِّرًا حَقِيقَةً، فَلَيْسَ بِمُتَعَذِّرٍ مَجَازًا اهـ. (قَالَ الْأَصْلُ) وَيَلْزَمُ عَلَى رَأْيِنَا الْقَائِلِينَ بِأَنَّ أَلْفَاظَ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ الظَّاهِرَةِ بِجُمْلَتِهَا كَلَفْظِ صَرِيحِهِ بِجُمْلَتِهِ نُقِلَتْ مِنْ الْخَبَرِ إلَى الْإِنْشَاءِ بِخِلَافِ أَلْفَاظِ كِنَايَاتِهِ الْخَفِيَّةِ وَالنَّقْلُ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْعُرْفِ أَمْرَانِ (الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) أَنَّ الْعُرْفَ إذَا تَحَوَّلَ إلَى الضِّدِّ تَحَوَّلَتْ تِلْكَ إلَى الْأَلْفَاظِ بِتَحَوُّلِهِ فَصَارَ الْمُشْتَهِرُ الظَّاهِرُ خَفِيًّا وَالْخَفِيُّ مُشْتَهِرًا ظَاهِرًا وَمَا قَضَيْنَا بِأَنَّهُ صَرِيحٌ كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ بِأَنَّهُ كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ صَرِيحًا بِحَسَبِ الْعُرْفِ الطَّارِئِ، وَإِذَا بَطَلَ الْعُرْفُ فَقَطْ وَلَمْ يُنْقَلْ لِلضِّدِّ لَزِمَ أَنْ لَا يَصِيرَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ صَرِيحًا، بَلْ وَلَا كِنَايَةً ظَاهِرَة، بَلْ تَحْتَاجُ جَمِيعُ الْأَلْفَاظِ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ بِهَا إلَى النِّيَّةِ (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ الْمُفْتِيَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ أَحَدًا بِالطَّلَاقِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِ ذَلِكَ الْعُرْفِ الَّذِي رُتِّبَتْ الْفُتْيَا عَلَيْهِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَلَدٍ آخَرَ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ الْعُرْفُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَهُ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِاعْتِبَارِ حَالِ عُرْفِ بَلَدِهِ مِنْ صَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ عَلَى الضَّابِطِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّ الْعَوَائِدَ لَا يَجِبُ الِاشْتِرَاكُ فِيهَا بَيْنَ الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ الْأَقْطَارِ كَمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُفْتِي فِي كُلِّ زَمَانٍ يَتَبَاعَدُ عَمَّا قَبْلَهُ أَنْ يَتَفَقَّدَ الْعُرْفَ هَلْ هُوَ بَاقٍ أَمْ لَا فَإِنْ وَجَدَهُ بَاقِيًا أَفْتَى بِهِ وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَنْ الْفُتْيَا، وَهَذَا هُوَ الْقَاعِدَةُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْعَوَائِدِ كَالنُّقُودِ وَالسِّكَكِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَاتِ وَالْأَيْمَانِ

[الفرق بين قاعدة ما يشترط في الطلاق من النية وبين قاعدة ما لا يشترط]

يَظْهَرُ فِي بَادِي الرَّأْيِ أَنَّ التَّفْرِيقَ مَتَى حَصَلَ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَأَنْ وَجَبَ ابْتِدَاءً الصَّوْمُ كَمَا قُلْنَاهُ فِي جَمِيعِ النَّظَائِرِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِأَنَّ الصَّوْمَ بِوَصْفِ التَّتَابُعِ لَمْ يَحْصُلْ وَمَتَى لَمْ يَحْصُلْ الْمَطْلُوبُ الشَّرْعِيُّ مَعَ إمْكَانِ الْإِتْيَانِ بِهِ وَجَبَ الْإِتْيَانُ بِهِ هَذَا هُوَ الْقَاعِدَةُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ بِبَيَانِ قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ عَلَى قِسْمَيْنِ خِطَابُ وَضْعٍ وَخِطَابُ تَكْلِيفٍ فَخِطَابُ الْوَضْعِ هُوَ نَصْبُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالتَّقْدِيرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَخِطَابُ التَّكْلِيفِ هُوَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْوُجُوبُ وَالتَّحْرِيمُ وَالنَّدْبُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ فَأَمَّا خِطَابُ الْوَضْعِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَلَا قُدْرَتُهُ وَلَا إرَادَتُهُ كَالتَّوْرِيثِ بِالْأَنْسَابِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ وَلَا هُوَ مِنْ قُدْرَتِهِ وَلَا إرَادَتِهِ فَيَدْخُلُ الْمِيرَاثُ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ وَلِذَلِكَ نُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْغَافِلِينَ وَنُطَلِّقُ بِالْإِضْرَارِ وَنُوجِبُ الظُّهْرَ بِالزَّوَالِ وَالصَّوْمَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَخِطَابُ التَّكْلِيفِ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ فَمَا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ لَا يُكَلَّفُ بِهِ، وَكَذَلِكَ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ لَا يَلْزَمُهُ حَتَّى يَعْلَمَ بِهِ غَيْرَ أَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ الْعِلْمِ يَقُومُ مَقَامَ الْعِلْمِ فِي التَّكْلِيفِ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَبْسُوطَةً فَإِذَا وَضَحَتْ فَنَقُولُ الْمُتَابَعَةُ مِنْ بَابِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ مُكَلَّفٌ بِهِ وَصِفَةُ الْمُكَلَّفِ بِهِ مُكَلَّفٌ بِهَا وَالتَّتَابُعُ صِفَةُ الصَّوْمِ فَتَكُونُ مُكَلَّفًا بِهَا، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَّكْلِيفِ فَلِذَلِكَ يَسْقُطُ التَّكْلِيفُ بِهَا فِي تِلْكَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْوَصَايَا وَالنُّذُورِ فِي الْإِطْلَاقَاتِ، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ يَظْهَرْ لَك أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ إذَا وَجَدُوا الْأَئِمَّةَ الْأُوَلَ قَدْ أَفْتَوْا بِفَتَاوَى وَسَطَرُوهَا فِي كُتُبِهِمْ بِنَاءً عَلَى عَوَائِدَ لَهُمْ قَدْ زَالَتْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُفْتُوا بِتِلْكَ الْفَتَاوَى فَإِنَّ فَتْوَاهُمْ بِهَا وَقَدْ زَالَتْ تِلْكَ الْعَوَائِدُ خَطَأٌ ضَرُورَةَ أَنَّهَا فُتْيَا بِالْحُكْمِ الْمَبْنِيِّ عَلَى مُدْرَكٍ بَعْدَ زَوَالِ مُدْرَكِهِ وَالْفُتْيَا بِذَلِكَ الْحُكْمِ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَمِنْ ذَلِكَ فَتْوَى أَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ الْيَوْمَ بِلُزُومِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فِي لَفْظِ الْحَرَامِ وَالْخَلِيَّةِ وَالْبَرِّيَّةِ وَنَحْوِهَا بِنَاءً عَلَى عَادَةٍ كَانَتْ فِي زَمَانِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتِلْكَ الْعَادَةُ قَدْ زَالَتْ فَإِنَّا لَا نَجِدُ الْيَوْمَ أَحَدًا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ بِالْخَلِيَّةِ وَلَا بِالْبَرِيَّةِ وَلَا بِحَبْلِك عَلَى غَارِبِك وَلَا بِوَهَبْتُكِ لِأَهْلِك، وَلَوْ وَجَدْنَاهُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْلًا عُرْفِيًّا يُوجِبُ لُزُومَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ أَلَا تَرَى أَنَّ لَفْظَ الْأَسَدِ كَثِيرُ الِاسْتِعْمَالِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَلَفْظَ الشَّمْسِ وَالْبَدْرِ كَثِيرُ الِاسْتِعْمَالِ فِي ذَوَاتِ الْجَمَالِ وَلَفْظَ الْبَحْرِ وَالْغَيْثِ وَالنَّدَى كَثِيرَةُ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْكِرَامِ الْبَاذِلِينَ الْمَالَ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ تَصِرْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَنْقُولَةً لِهَذِهِ الْمَعَانِي إذْ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَيْهَا ضَابِطُ الْمَنْقُولِ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ اللَّفْظُ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَعْنَى بِغَيْرِ قَرِينَةٍ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مَعَ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِي هَذِهِ الْمَعَانِي لَا تُفْهَمُ مِنْهَا هَذِهِ الْمَعَانِي إلَّا بِالْقَرِينَةِ اهـ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ اهـ. (وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ) وَالثَّانِي الْمُقَابِلَيْنِ لِلْمَشْهُورِ فِي صَرِيحِ الطَّلَاقِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ وَمَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِيهِ هُوَ أَنَّ ابْنَ الْقَصَّارِ الْقَائِلَ بِالثَّانِي وَالشَّافِعِيَّ الْقَائِلَ بِالثَّالِثِ قَدْ أَعْرَضَا عَنْ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَاعْتَبَرَا مَا وُضِعَ فِي الْعُرْفِ لِإِزَالَةِ الْعِصْمَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّأْنَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ فَإِنَّ اللَّفْظَ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا فِي اللُّغَةِ لِمَعْنًى وَكَانَ لَفْظٌ آخَرُ مَوْضُوعًا فِيهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، ثُمَّ صَارَ فِي الْعُرْفِ مَنْقُولًا لَهُ فَلَا فَرْقَ فَإِنَّ النَّقْلَ الْعُرْفِيَّ كَالْوَضْعِ الْأَصْلِيِّ وَيَصِيرُ إذْ ذَاكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّفْظَيْنِ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى فَإِنْ لَمْ يَصِرْ اللَّفْظُ الثَّانِي مَنْقُولًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَلَكِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَالِاسْتِعَارَةِ فَهَا هُنَا يَكُونُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَرْقٌ وَأَنَّ الْأَوَّلَ صَرِيحٌ وَالثَّانِيَ كِنَايَةٌ فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ الْمُعَيِّنَةِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَإِيرَادُ الْأَصْلِ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُرُودِ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَصِيرَ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الشَّرْعِ أَوْ الْعُرْفِ فَإِنَّ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ كَمَا يَرِدُ بِالْحَقَائِقِ كَذَلِكَ يَرِدُ بِالْمَجَازَاتِ وَبِالْكِنَايَاتِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ كَثِيرًا جِدًّا وَيَعْتَمِدُ فِي حُكْمِهِ عَلَى الْقَرَائِنِ وَالتَّصْرِيحِ بِالْمُرَادِ فَلَا يَلِيقُ أَنْ يُجْعَلَ مَا وَرَدَ فِيهِ كَيْفَ كَانَ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي وَرَدَ فِيهِ وَلَا يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَال بِمُجَرَّدِ الْوُرُودِ عَلَى الصَّرَاحَةِ وَالْوَضْعِ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ اهـ. رَدَّهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا وَرَدَ فِيهِ شَيْءٌ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي الشَّرْعِ أَوْ الْعُرْفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُرُودِهِ بِالْكِنَايَاتِ وَالْمَجَازَاتِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى أَصْلًا أَوْ عُرْفًا، بَلْ مَجَازًا حَتَّى لَا يُسْتَدَلَّ بِوُرُودِهِ عَلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ أَوْ عُرْفِهَا أَوْ عُرْفِ الشَّرْعِ فَإِنَّ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ كَمَا يَرِدُ بِالْكِنَايَاتِ وَالْمَجَازَاتِ يَرِدُ أَيْضًا بِالْحَقَائِقِ وَهِيَ الْأَصْلُ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّجَوُّزِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الطَّلَاقِ مِنْ النِّيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُشْتَرَطُ] (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الطَّلَاقِ مِنْ النِّيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُشْتَرَطُ) لِلنِّيَّةِ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ فِي صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَالْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ ثَلَاثُ إطْلَاقَاتٍ (الْإِطْلَاقُ الْأَوَّلُ) بِمَعْنَى الْقَصْدِ لِإِنْشَاءِ الصِّيغَةِ

الْأَحْوَالِ لِمُنَافَاةِ النِّسْيَانِ وَالْإِكْرَاهِ وَالْمَرَضِ وَالْإِغْمَاءِ وَنَحْوِهَا التَّكْلِيفُ لُطْفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِالْعِبَادِ وَعَدَمِ وَطْءِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ شَرْطٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] وَالْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ افْعَلْ كَذَا قَبْلَ كَذَا أَنَّ التَّقَدُّمَ شَرْطٌ وَلِذَلِكَ يَصْدُقُ قَوْلُنَا اسْتَأْذِنْ الْمَرْأَةَ فِي النِّكَاحِ وَأَحْضِرْ الْوَلِيَّ قَبْلَ الْعَقْدِ أَنَّ هَذَيْنِ شَرْطَانِ، وَكَذَلِكَ اسْتَتِرْ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَتَطَهَّرْ وَانْوِ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ شُرُوطٌ، وَإِذَا كَانَ هَذَا الْكَلَامُ يُفِيدُ الشَّرْطِيَّةَ كَانَ تَقَدُّمُ الْعَدَمِ شَرْطًا فَلِذَلِكَ قَدَحَ فِيهِ النِّسْيَانُ وَغَيْرُهُ فَإِنَّ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ يَثْبُتُ مُطْلَقًا وَمَا يَثْبُتُ مُطْلَقًا اُعْتُبِرَ مُطْلَقًا، فَيَكُونُ شَرْطًا فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ فَيُؤَثِّرُ فَقْدُهُ وَالتَّكْلِيفُ لَمَّا كَانَ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ شَرْطَيْنِ فِيهِ فُقِدَ التَّكْلِيفُ عِنْدَ عَدَمِهِمَا فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْمَفْهُومُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] أَنَّهُ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ قَبْلَهُمَا وَطْءٌ وَلَا فِي أَثْنَائِهِمَا وَطْءٌ فَهَذَانِ أَمْرَانِ قَدْ يَتَغَيَّرُ أَحَدُهُمَا بِتَقَدُّمِ الْوَطْءِ فَاسْتَحَالَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُصَدَّقَ أَنَّهُ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ قَبْلَهُمَا وَطْءٌ لِأَجْلِ تَقَدُّمِ الْوَطْءِ وَبَقِيَ الْآخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ فِي خِلَالِهِمَا وَطْءٌ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمُتَعَذِّرَ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ وَالْمُمْكِنَ يُسْتَصْحَبُ فِيهِ التَّكْلِيفُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَلِذَلِكَ قُلْنَا يَبْتَدِي الصَّوْمَ فِي الظِّهَارِ مُتَتَابِعًا إذَا وَطِئَهَا قَبْلَهُ وَإِنْ كَانَ وَصْفُ تَقَدُّمِ عَدَمِ الْوَطْءِ قَدْ تَعَذَّرَ؛ لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ الْبَاقِي. وَأَمَّا فِي النَّذْرِ وَنَحْوِهِ فَيَأْتِي ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي قَوْلِهِمْ إنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي الصَّرِيحِ إجْمَاعًا احْتِرَازًا مِنْ سَبْقِ اللِّسَانِ لِمَا لَمْ يُقْصَدْ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ اسْمُهَا طَارِقًا فَيُنَادِيهَا فَيَسْبِقُ لِسَانُهُ فَيَقُولُ لَهَا يَا طَالِقُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ اللَّفْظَ وَمِثْلُ الصَّرِيحِ الْكِنَايَاتُ الظَّاهِرَةُ فَفِي الْخَرَشِيِّ وَحَاشِيَةِ الْعَدَوِيِّ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَرُكْنُهُ أَهْلٌ وَقَصْدٌ إلَخْ الْمُرَادُ بِالْقَصْدِ قَصْدُ النُّطْقِ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ فِي الصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ مَدْلُولَهُ وَهُوَ حَلُّ الْعِصْمَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَلَزِمَ، وَلَوْ هَزَلَ وَقَصَدَ حَلَّهَا فِي الْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ اهـ (الْإِطْلَاقُ الثَّانِي) بِمَعْنَى الْقَصْدِ لِاسْتِعْمَالِ الصِّيغَةِ فِي قَوْلِهِمْ النِّيَّةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الصَّرِيحِ إجْمَاعًا وَمِثْلُهُ الْكِنَايَةُ الظَّاهِرَةُ كَمَا عَلِمْت فَقَوْلُ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا مِنْ خَصَائِصِ الْكِنَايَاتِ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا مَعْنَى الطَّلَاقِ أَيْ وَهُوَ حَلُّ الْعِصْمَةِ يُرِيدُ الْخَفِيَّةَ لَا الظَّاهِرَةَ (الْإِطْلَاقُ الثَّالِثُ) بِمَعْنَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ فِي قَوْلِهِمْ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ قَوْلَانِ فَأَطْلَقُوا النِّيَّةَ هَا هُنَا عَلَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ يُرِيدُونَ هَلْ يَلْزَمُ إذَا أَنْشَأَ طَلَاقَهَا بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ كَمَا يُنْشِئُهُ بِكَلَامِهِ اللِّسَانِيِّ أَمْ لَا يَلْزَمُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْوَلِيدِ قَوْلَانِ فَيُعَبِّرُونَ عَنْهُ بِالنِّيَّةِ وَإِلَّا فَمَنْ قَصَدَ وَعَزَمَ عَلَى طَلَاقِ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ عَدَمُهُ لَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ طَلَاقٌ إجْمَاعًا، وَقَدْ عَبَّرَ ابْنُ الْجَلَّابِ عَنْ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ بِالِاعْتِقَادِ بِقَلْبِهِ فَقَالَ، وَمَنْ اعْتَقَدَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَلْفِظْ بِلِسَانِهِ فَفِي لُزُومِ الطَّلَاقِ لَهُ قَوْلَانِ وَلَمْ يَرِدْ حَقِيقَةُ الِاعْتِقَادِ إذْ لَا يَلْزَمُ بِهِ طَلَاقٌ إجْمَاعًا فَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ بُطْلَانُ اعْتِقَادِهِ بَقِيَتْ لَهُ زَوْجَةً اتِّفَاقًا فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ فِي كَلَامِهِمْ وَأَنَّهَا أَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ هَكَذَا يَنْبَغِي تَقْرِيرُ هَذِهِ الْإِطْلَاقَاتِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْأَصْلِ فِي الْإِطْلَاقِ الثَّالِثِ وَحَيْثُ قَالُوا فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الصَّرِيحِ قَوْلَانِ فَيُرِيدُونَ بِالنِّيَّةِ هَا هُنَا الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَأَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ النِّيَّةَ هَا هُنَا وَمُرَادُهُمْ أَنَّهُ إذَا أَنْشَأَ طَلَاقَهَا بِكَلَامِهِ اللِّسَانِيِّ فَفِي اشْتِرَاطِ إنْشَائِهِ أَيْضًا بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ قَوْلَانِ وَالْمَشْهُورُ اشْتِرَاطُهُ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْوَلِيدِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَأَنَّهُ إذَا طَلَّقَ بِلِسَانِهِ لَا بُدَّ أَنْ يُطَلِّقَ بِقَلْبِهِ اهـ بِتَوْضِيحٍ لِلْمُرَادِ فَقَدْ نَظَرَ فِيهِ ابْنُ الشَّاطِّ بِقَوْلِهِ مَا قَالَهُ فِي الْإِنْشَاءَاتِ فِيهِ نَظَرٌ اهـ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ إنَّمَا هُمَا فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ إذَا أَنْشَأَهُ بِكَلَامِهِ اللِّسَانِيِّ فَقَطْ وَعَدَمِ لُزُومِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْوَلِيدِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَهُوَ خِلَافُ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ إنَّمَا هُمَا فِي لُزُومِهِ إذَا أَنْشَأَهُ بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ فَقَطْ وَعَدَمِ لُزُومِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا قَالَهُ أَبُو الْوَلِيدِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فَفِي مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ وَفِي لُزُومِهِ بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ خِلَافٌ قَالَ الْبُنَانِيُّ (تَوْضِيحُ) الْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ إذَا أَنْشَأَ الطَّلَاقَ بِقَلْبِهِ بِكَلَامِهِ النَّفْسَانِيِّ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ اللُّزُومِ لِمَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَهُوَ الَّذِي يَنْصُرُهُ أَهْلُ الْمَذْهَبِ الْقَرَافِيُّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَالْقَوْلُ بِاللُّزُومِ لِمَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَالْمُقَدِّمَاتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الْأَشْهَرُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ حَلَّ الْعِصْمَةَ الْمُنْعَقِدَةَ بِالنِّيَّةِ وَالْقَوْلِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَلُّهَا كَذَلِكَ إنَّمَا يَكْفِي بِالنِّيَّةِ فِي التَّكَالِيفِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّيَّةِ لَا فِيمَا بَيْنَ الْآدَمِيِّينَ اهـ انْتَهَى كَلَامُ الْبُنَانِيِّ بِلَفْظِهِ، بَلْ يُشْعِرُ بِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الْأَصْلِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إذَا أَنْشَأَ طَلَاقَهَا بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ كَمَا يُنْشِئُهُ بِكَلَامِهِ اللِّسَانِيِّ فَيُعَبِّرُونَ عَنْهُ بِالنِّيَّةِ وَعَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ الْجَلَّابِ بِالِاعْتِقَادِ بِقَلْبِهِ فَقَالَ، وَمَنْ اعْتَقَدَ عَلَى أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ بِالْكَلَامِ اللِّسَانِيِّ فَقَطْ لَا يَتَأَتَّى كَمَا

بِيَوْمٍ غَيْرِ الْيَوْمِ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ نَاسِيًا يَصِلُهُ بِآخِرِ صِيَامِهِ تَكْمِلَةً لِلْعِدَّةِ لَا لِتَحْصِيلِ وَصْفِ التَّتَابُعِ فِي جَمِيعِ الصَّوْمِ، بَلْ فِي آخِرِهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّوْمِ قَدْ تَعَذَّرَ فَأَفْطَرَ نَاسِيًا وَبَقِيَ تَحْصِيلُهُ فِي آخِرِهِ مُمْكِنًا فَوَجَبَ الْمُمْكِنُ وَسَقَطَ الْمُتَعَذِّرُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ وَأَنْوَاعِ الصَّوْمِ الْمُتَتَابِعِ فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى. (مَسْأَلَةٌ) قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا تَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ أَوْ بِالصَّلَاةِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَجِبُ بِالشُّرُوعِ وَعَرَضَ عَارِضٌ يَقْتَضِي فَسَادَهُ نَاسِيًا أَوْ مُجْتَهِدًا لَمْ يَجِبْ قَضَاءُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَإِنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا أَوْ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى قَاعِدَةِ الْوُجُوبِ بِالشُّرُوعِ مَعَ أَنَّ قَاعِدَةَ الْوُجُوبِ بِالشُّرُوعِ تَقْتَضِي الْقَضَاءَ مُطْلَقًا أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَصَوْمَ رَمَضَانَ يَقْضِيهِمَا إذَا فَسَدَا بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ فَكَانَ يَلْزَمُهُ هُنَا كَذَلِكَ وَهُوَ إشْكَالٌ كَبِيرٌ فَإِنَّ الْوَاجِبَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَلِفَ حَالُهُ (وَالْجَوَابُ) عَنْهُ أَنَّ وُجُوبَ التَّطَوُّعَاتِ عِنْدَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] نَهَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ الْإِبْطَالِ، فَيَكُونُ الْإِكْمَالُ وَاجِبًا مُكَلَّفًا بِهِ وَالتَّكْلِيفُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقُدْرَةُ وَالْعِلْمُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَا يَجِبُ الْإِتْمَامُ حَالَةَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ فَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ كَذَلِكَ. وَإِذَا تَعَمَّدَ الْإِفْسَادَ انْدَرَجَتْ هَذِهِ الْحَالَةُ فِي التَّكْلِيفِ لِحُصُولِ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ فَوَجَبَ الْقَضَاءُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ «اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ» وَكَانَتَا عَامِدَتَيْنِ لِإِفْسَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَشْهَدُ لَهُ أَوَّلًا قَوْلُ الْأَخْطَلِ: إنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا ... جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلًا بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَثَانِيًا تَعْلِيلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَظَهْرِيَّةَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ لُزُومِهِ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ فَقَطْ بِمَا تَقَدَّمَ فِي عِبَارَةِ الْبُنَانِيِّ وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ هُوَ مَنْشَأُ تَعْبِيرِ الْأَصْلِ فِي الْإِطْلَاقِ الثَّالِثِ بِمَا ذَكَرَ أَوْ يَقُولُ سَيَأْتِي لِلْأَصْلِ نَقْلُهُ عَلَى أَنَّ إلْزَامَ الطَّلَاقِ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ إنَّمَا هُوَ إذَا نَطَقَ بِلِسَانِهِ غَيْرَ مُطَلِّقٍ بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ كَمَا قَالَ أَيْ مَالِكٌ فِي مَسْأَلَةِ الْبَتَّةِ أَيْ الْآتِيَةِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ (وَصْلٌ) فِي تَوْضِيحِ هَذَا الْفَرْقِ وَاَلَّذِي قِيلَ بِمَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَوْ أَرَادَ التَّلَفُّظَ بِالطَّلَاقِ فَقَالَ اشْرَبِي أَوْ نَحْوَهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْوِيَ طَلَاقَهَا بِمَا تَلَفَّظَ بِهِ فَيَجْتَمِعُ اللَّفْظُ وَالنِّيَّةُ اهـ يَعْنِي أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَصَدَ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ فَسَبَقَ لِسَانُهُ بِلَفْظٍ لَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ بِأَنْ قَالَ اسْقِنِي الْمَاءَ أَوْ اُدْخُلِي أَوْ اُخْرُجِي فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ بِلَفْظٍ يُرَادُ الطَّلَاقُ بِهِ وَهُوَ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَا بِنِيَّةِ اسْقِنِي أَيْ بِاسْقِنِي الْمُصَاحِبِ لِنِيَّةِ حُصُولِ الطَّلَاقِ حَتَّى يَلْزَمَ الطَّلَاقُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْلُولُهُ الِالْتِزَامِيُّ الطَّلَاقَ وَالْكِنَايَةَ اصْطِلَاحًا اُسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ وَاللَّفْظِ مَعًا لَا مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ بِالنِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ اللَّفْظِ حَتَّى يُقَالَ لَا يَلْزَمُ بِهَا طَلَاقٌ إجْمَاعًا اهـ. خَرَشِيٌّ بِتَوْضِيحٍ عَلَى أَنَّهُ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكِنَايَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَهِيَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي مَعْنًى غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ، فَلَيْسَتْ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَلَا كِنَايَةً فَافْهَمْ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ مَالِكٌ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ وَنِيَّتُهُ وَاحِدَةٌ فَسَبَقَ لِسَانُهُ لِلْبَتَّةِ لَزِمَهُ الثَّلَاثُ قَالَ سَحْنُونٌ إذَا كَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يَنْوِهِ قَالَ الْأَصْلُ يُرِيدُ أَيْ سَحْنُونٌ أَنَّ اللَّفْظَ وَحْدَهُ لَا يَلْزَمُ بِهِ الطَّلَاقُ وَهُوَ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ نِيَّةٌ مَعَ لَفْظِ الثَّلَاثِ فَلِذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ ثَلَاثٌ فِي الْفُتْيَا وَيَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فِي الْقَضَاءِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ يُؤْخَذُ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ مَعَ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ فِي الْكِتَابِ أَيْ الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَرَادَ تَعْلِيقَهُ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَيْ عَدَمُ التَّعْلِيقِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَهُ نَظَائِرُ قَالَ وَيَتَخَرَّجُ مِنْ قَوْلِهِ أَيْ مَالِكٍ فِي الَّذِي أَرَادَ وَاحِدَةً فَسَبَقَ لِسَانُهُ لِلْبَتَّةِ وَمِنْ هَزْلِ الطَّلَاقِ أَيْضًا إلْزَامُ الطَّلَاقِ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ، وَكَذَا مَسْأَلَةُ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى مِنْ وَثَاقِ وِلَايَتِهِ وَجَاءَ مُسْتَفْتِيًا طَلُقَتْ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ بَرِّيَّةٌ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ طَلَاقًا وَلَا يُدَيِّنُ إذْ يُؤْخَذُ النَّاسُ بِأَلْفَاظِهِمْ وَلَا تَنْفَعُهُمْ نِيَّتُهُمْ إلَّا أَنْ تَكُونَ قَرِينَةٌ مُصَدَّقَةٌ كَأَنْ يَكُونَ جَوَابًا، وَهَذَا مَذْهَبُ الْكِتَابِ، وَقِيلَ يُدَيِّنُ مُطْلَقًا اهـ بِتَصَرُّفٍ. قَالَ الْأَصْلُ وَوَافَقَ صَاحِبَ التَّنْبِيهَاتِ عَلَى أَنَّ مَسْأَلَةَ الْوَثَاقِ طَلَاقٌ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ اللَّخْمِيُّ مَعَ أَنَّ إلْزَامَ الطَّلَاقِ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ إنَّمَا هُوَ إذَا نَطَقَ بِلِسَانِهِ غَيْرَ مُطَلِّقٍ بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ كَمَا قَالَ أَيْ مَالِكٌ فِي مَسْأَلَةِ الْبَتَّةِ أَمَّا إذَا صُرِفَ اللَّفْظُ بِقَصْدِهِ عَنْ إزَالَةِ الْعِصْمَةِ إلَى غَيْرِهِ نَحْوُ مَسْأَلَةِ الْوَثَاقِ فَإِلْزَامُ الطَّلَاقِ بِهِ لَوْ قِيلَ إنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ لَمْ يَبْعُدْ؛ لِأَنَّهُ نَظِيرُ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَقِيلَ لَهُ: مَا صَنَعْت فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ وَأَرَادَ الْإِخْبَارَ، وَقَدْ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ لَا يَلْزَمُهُ فِي الْفُتْيَا إجْمَاعًا وَنَظِيرُهُ أَيْضًا مَنْ لَهُ أَمَةٌ وَزَوْجَةٌ اسْمُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حِكْمَةُ، وَقَالَ حِكْمَةُ طَالِقٌ، وَقَالَ نَوَيْت الْأَمَةَ لَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ فِي الْفُتْيَا اتِّفَاقًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَثَاقِ عَلَى اللُّزُومِ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفُتْيَا، وَقَوْلُهُ وَجَاءَ مُسْتَفْتِيًا وَإِنْ أَوْهَمَ اللُّزُومَ فِي الْفُتْيَا مُعَارَضٌ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ يُؤْخَذُ النَّاسُ بِأَلْفَاظِهِمْ وَلَا تَنْفَعُهُمْ نِيَّتُهُمْ إذْ الْأَخْذُ إنَّمَا يَكُونُ لِلْحَاكِمِ

ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي حَالَةٍ يَثْبُتُ فِيهَا التَّكْلِيفُ فَبَقِيَتْ الْحَالَةُ الَّتِي لَا يَثْبُتُ فِيهَا التَّكْلِيفُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ فَيَقْتَصِرُ بِهِ حَيْثُ وَرَدَ (فَإِنْ قُلْت) الصَّوْمُ فِي رَمَضَانَ وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ يُقْضَيَانِ مُطْلَقًا فَلِمَ لَا أَقْضِي هَذَا مُطْلَقًا، قُلْت الْمَشْهُورُ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ فَيُتَّبَعُ ذَلِكَ الْأَمْرُ عَلَى حَسَبِ وُرُودِهِ، وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالْقَضَاءِ فِي الْوَاجِبِ الْمُتَّصِلِ مَعَ الْعُذْرِ وَعَدَمِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَالْمَرَضُ عُذْرٌ، وَقَدْ وَجَبَ مَعَهُ الْقَضَاءُ فَلِذَلِكَ أَوْجَبْنَا الْقَضَاءَ مُطْلَقًا وَلَمْ يَرِدْ لَنَا فِي التَّطَوُّعَاتِ مِثْلُ ذَلِكَ، بَلْ فِي صُورَةِ عَدَمِ الْعُذْرِ خَاصَّةً فَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ تَبَعٌ لِلْأَمْرِ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَهَذَا هُوَ تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُبْطِلُهُ وَشَرْطُ قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَقَاعِدَةِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ. (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُطَلَّقَاتِ يَقْضِي قَبْلَ عِلْمِهِنَّ بِالطَّلَاقِ وَأَمَدِ الْعِدَّةِ فَلَا يَلْزَمُهُنَّ اسْتِئْنَافهَا وَيَكْتَفِينَ بِمَا تَقَدَّمَ قَبْلَ عِلْمُهُنَّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُرْتَابَاتِ يَتَأَخَّرُ الْحَيْضُ وَلَا يُعْلَمُ لِتَأَخُّرِهِ سَبَبٌ) فَإِنَّهُنَّ يَمْكُثْنَ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تِسْعَةَ أَشْهُرٍ غَالِبَ مُدَّةِ الْحَمْلِ اسْتِبْرَاءً فَإِنْ حِضْنَ فِي خِلَالِهَا احْتَسَبْنَ بِذَلِكَ الْحَيْضِ وَانْتَظَرْنَ بَقِيَّةَ الْأَقْرَاءِ إلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَلَا يَزَلْنَ كَذَلِكَ حَتَّى يَكْمُلَ لَهُنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQدُونَ الْمُفْتِي وَثَانِيًا بِاشْتِرَاطِهِ الْقَرِينَةَ فَإِنَّ الْمُفْتِيَ يَتْبَعُ الْأَسْبَابَ وَالْمَقَاصِدَ دُونَ الْقَرَائِنِ وَإِلَّا فَيَلْزَمُ مُخَالَفَةُ الْقَوَاعِدِ وَيَتَعَذَّرُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ أَيْ مَسْأَلَةِ الْوَثَاقِ وَبَيْنَ مَا ذَكَرَ مِنْ النَّظَائِرِ فَافْهَمْ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) ذَهَبَ إمَامُنَا وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُك وَنَوَى عَدَدًا لَزِمَهُ مَا نَوَاهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا نَوَى الثَّلَاثَ لَزِمَهُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ مُحْتَجًّا بِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يُفِيدُ إلَّا أَصْلَ الْمَعْنَى فَالزَّائِدُ يَكُونُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَالنِّيَّةُ لَا تُوجِبُ طَلَاقًا وَاحْتِجَاجُهُ هَذَا مَدْفُوعٌ بِوَجْهَيْنِ (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ لَفْظَ ثَلَاثًا مَعَ صَرِيحِ الطَّلَاقِ كَلَفْظِ دِرْهَمًا مَعَ نَحْوِ عِشْرِينَ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَدَدِ، فَكَمَا أَنَّ لَفْظَ دِرْهَمًا فِي نَحْوِ قَوْلِهِ عِنْدِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا يُفِيدُ اخْتِصَاصَ الْعَدَدِ بِالدَّرَاهِمِ وَإِنْ كَانَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لُغَةً كَذَلِكَ لَفْظُ ثَلَاثًا فِي نَحْوِ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يُخَصَّصُ اللَّفْظُ بِالْبَيْنُونَةِ وَكُلُّ مَا كَانَ يَحْصُلُ مَعَ الْمُفَسَّرِ كَتَخْصِيصِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ بِالْبَيْنُونَةِ مَعَ لَفْظِ ثَلَاثًا وَجَبَ أَنْ يَحْصُلَ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُفَسَّرَ إنَّمَا جُعِلَ لِفَهْمِ السَّامِعِ لَا لِثُبُوتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَوَجَبَ أَنْ يُعَدَّ مَنْطُوقًا بِهِ فِيهِ إذْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ بَيَانٍ لِمُجْمَلٍ يُعَدُّ مَنْطُوقًا بِهِ فِي ذَلِكَ الْمُجْمَلِ أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43] لَا يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ الصَّلَوَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لَكِنْ لَمَّا وَرَدَ الْبَيَانُ مِنْ السُّنَّةِ فِي خُصُوصِيَّاتِهَا وَهَيْئَتِهَا وَأَحْوَالِهَا عُدَّ ذَلِكَ ثَابِتًا بِلَفْظِ الْقُرْآنِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ مَشْرُوعَةٌ بِالْقُرْآنِ (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَافَقْنَا عَلَى أَنَّهُ إذَا قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا أَوْ طَلَّقْتُك أَوْ طَلِّقِي نَفْسَك وَنَوَى الثَّلَاثَ لَزِمَتْهُ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا وَإِلَّا فَمَا الْفَارِقُ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) حَكَى صَاحِبُ كِتَابِ مَجَالِسِ الْعُلَمَاءِ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي أَنَّ الرَّشِيدَ كَتَبَ لَيْلَةً إلَى قَاضِيهِ أَبِي يُوسُفَ يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: فَإِنْ تَرْفُقِي يَا هِنْدُ فَالرِّفْقُ أَيْمَنُ ... وَإِنْ تَخْرِقِي يَا هِنْدُ فَالْخَرْقُ أَشْأَمُ فَأَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ ... ثَلَاثًا وَمَنْ يَخْرِقْ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ فَبِينِي بِهَا أَنْ كُنْتِ غَيْرَ رَفِيقَةٍ ... وَمَا لِامْرِئٍ بَعْدَ الثَّلَاثِ مُقَدَّمُ فَقَالَ مَاذَا يَلْزَمُهُ إذَا رَفَعَ الثَّلَاثَ، وَإِذَا نَصَبَهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فَقُلْت هَذِهِ مَسْأَلَةٌ نَحْوِيَّةٌ فِقْهِيَّةٌ وَلَا آمَنُ الْخَطَأَ فِيهَا إنْ قُلْت فِيهَا بِرَأْيِي فَأَتَيْت الْكِسَائِيَّ وَهُوَ فِي فِرَاشِهِ فَسَأَلْته فَقَالَ إنْ رَفَعَ ثَلَاثٌ طَلُقَتْ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَلَاقٌ وَأَخْبَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ التَّامَّ ثَلَاثٌ وَإِنْ نَصْبَهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَمَا بَيْنَهُمَا جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ فَكَتَبْت بِذَلِكَ إلَى الرَّشِيدِ أَوَّلَ اللَّيْلِ إثْرَ إرْسَالِهِ بِالسُّؤَالِ فَأَرْسَلَ إلَيَّ آخِرَ اللَّيْلِ بِغَالًا مُوسَقَةً قُمَاشًا وَتُحَفًا جَائِزَةً عَلَى الْجَوَابِ فَوَجَّهْت بِهَا إلَى الْكِسَائِيّ بِسَبَبِ أَنَّهُ أَعَانَنِي عَلَى الْجَوَابِ اهـ. قَالَ الْأَمِيرُ عَلَى الْمُغْنِي وَالْأَبْيَارِيُّ عَلَيْهِ تَخْرِقِي مِنْ بَابِ فَتَحَ وَكَرَمَ وَأَيْمَنَ تَفْضِيلٌ مِنْ الْيُمْنِ الْبَرَكَةِ ضِدَّ أَشْأَمَ وَالْخَرْقُ الْعُنْفُ وَزْنًا وَمَعْنًى هُنَا اسْمٌ لَا غَيْرُ وَبِفَتْحِ الْخَاءِ وَالرَّاءِ مَصْدَرٌ وَاسْمٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْقَامُوسِ وَيَأْتِي بِمَعْنَى الدَّهْشِ لِخَوْفٍ أَوْ حَيَاءٍ وَعَدَمِ إتْقَانِ الْعَمَلِ بِالْيَدِ أَيْضًا، وَمَنْ يَخْرِقْ جَعَلَهَا ابْنُ يَعِيشَ شَرْطِيَّةً حَذَفَ صَدْرَ جَوَابِهَا أَيْ فَهُوَ أَعَقُّ، وَقَالَ الدَّمَامِينِيُّ مَوْصُولَةٌ خَبَرُهَا أَعَقُّ وَتَسْكِينُ يَخْرِقْ لِلتَّخْفِيفِ كَقِرَاءَةِ أَبِي عَمْرٍو فِي نَحْوِ يَأْمُرْكُمْ فَأَصْلُهُ الرَّفْعُ، وَقَوْلُهُ أَنْ كُنْت بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَلَامُ الْعِلَّةِ مُقَدَّرَةٌ مَعَهَا فَالْمَعْنَى بِينِي أَيْ ابْعَدِي عَنِّي وَفَارِقِينِي بِهَذِهِ التَّطْلِيقَاتِ لِأَجْلِ أَنْ كُنْت غَيْرَ رَفِيقَةٍ أَيْ لَمْ يَكُنْ فِيك رِفْقٌ وَلِينٌ، بَلْ شُؤْمٌ وَعُنْفٌ وَمُقَدَّمُ اسْمُ مَفْعُولٍ بِمَعْنَى التَّقَدُّمِ أَيْ الْمَصْدَرِ فَهُوَ مِنْ قَدَّمَ بِمَعْنَى تَقَدَّمَ فَالْمَعْنَى لَيْسَ لِأَحَدٍ تَقَدُّمٌ إلَى الْخَمْسَةِ مَثَلًا بَعْدَ إيقَاعِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهَا نِهَايَةُ الطَّلَاقِ اهـ وَبُحِثَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِوُجُوهٍ (الْوَجْهُ

ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ أَوْ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ فَإِذَا انْقَضَتْ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ لَيْسَ فِي خِلَالِهَا حَيْضٌ اسْتَأْنَفْنَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ كَمَالَ السَّنَةِ فَإِنْ حِضْنَ قَبْلَ السَّنَةِ بِلَحْظَةٍ اسْتَأْنَفْنَ الْأَقْرَاءَ حَتَّى تَمْضِيَ سَنَةٌ لَا حَيْضَ فِيهَا وَوَافَقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - تَنْتَظِرُ الْحَيْضَ إلَى سِنِّ الْإِيَاسِ حُجَّةُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيُّمَا امْرَأَةٍ طَلُقَتْ فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ رُفِعَتْ عَنْهَا حَيْضَتُهَا فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ فَإِنْ بَانَ بِهَا حَمْلٌ فَذَاكَ وَإِلَّا اعْتَدَّتْ بَعْدَ التِّسْعَةِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ؛ وَلِأَنَّهُنَّ بَعْدَ التِّسْعَةِ يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ إذْ لَوْ كَانَ لَظَهَرَ غَالِبًا فَيَنْدَرِجْنَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4] إذَا تَقَرَّرَ هَذَا بَقِيَ السُّؤَالُ الْمُحْوِجُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَقَاعِدَةِ تَقَدُّمِ الْعَدَدِ قَبْلَ الْعِلْمِ فَإِنَّهُنَّ إذَا مَضَى لَهُنَّ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ لَا حَيْضَ فِيهَا فَقَدْ مَضَى لَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فِي خِلَالِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَةِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أُخَرَ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَبَيْنَ الثَّلَاثَةِ تَمْضِي قَبْلَ الْعِلْمِ وَالْمَقْصُودُ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ بِمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَظْهَرْ فِيهَا حَمْلٌ. وَقَدْ حَصَلَتْ فَالْمَوْضِعُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذِهِ النِّسْوَةَ وَإِنْ انْكَشَفَ الْغَيْبُ عَنْ إيَاسِهِنَّ إلَّا أَنَّ الْعِدَّةَ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ بَعْدَ سَبَبِهَا وَإِنْ عُلِمَ حُصُولُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ قَبْلَ السَّبَبِ فَإِنَّ مَنْ غَابَ عَنْ امْرَأَةٍ عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْعَشْرِ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا فَإِنَّهَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمُدَّةَ الْمُتَقَدِّمَةَ وَهِيَ الْعَشْرُ سِنِينَ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ غَيْرَ أَنَّ تِلْكَ الْمُدَّةَ وَقَعَتْ قَبْلَ السَّبَبِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوَّلُ) لِصَاحِبِ الْمُغْنِي أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُنْظَرَ لِمَا أَرَادَهُ هَذَا الشَّاعِرُ الْمُعَيَّنُ فَيُقَالُ هُوَ إنَّمَا أَرَادَ الثَّلَاثَ لِقَوْلِهِ بَعْدُ فَبِينِي بِهَا، الْبَيْتَ، وَإِمَّا أَنْ يُنْظَرَ إلَى مَا يَقْتَضِيهِ مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ شَيْءٍ آخَرَ مِنْ قَوَاعِدِ الْفُقَهَاءِ وَاسْتِحْسَانَاته م فَيُقَالُ الصَّوَابُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ مُحْتَمِلٌ لِوُقُوعِ الثَّلَاثِ وَلِوُقُوعِ الْوَاحِدَةِ أَمَّا الرَّفْعُ فَلِأَنَّ " الـ " فِي الطَّلَاقِ إمَّا لِمَجَازِ الْجِنْسِ كَمَا تَقُولُ الرَّجُلُ الْمُعْتَدُّ بِهِ وَإِمَّا لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ مِثْلُهَا فِي {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16] أَيْ، وَهَذَا الطَّلَاقُ الْمَذْكُورُ عَزِيمَةً ثَلَاثٌ وَلَا تَكُونُ لِلْجِنْسِ الْحَقِيقِيِّ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِخْبَارُ عَنْ الْعَامِّ بِالْخَاصِّ كَمَا يُقَالُ الْحَيَوَانُ إنْسَانٌ وَذَلِكَ بَاطِلٌ إذْ لَيْسَ كُلُّ حَيَوَانٍ إنْسَانٌ وَلَا كُلُّ طَلَاقٍ عَزِيمَةٌ وَلَا ثَلَاثٌ فَعَلَى الْجِنْسِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ كَمَا قَالَ الْكِسَائِيُّ وَعَلَى الْعَهْدِيَّةِ تَقَعُ الثَّلَاثُ، وَهَذَا مِمَّا فَاتَ الْكِسَائَيَّ. وَأَمَّا النَّصْبُ فَلِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لَأَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ فَيَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ حَيْثُ جُعِلَ مَعْمُولًا لِطَلَاقِ الْأَوَّلِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ إذْ الْمَعْنَى فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَاعْتُرِضَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ وَالطَّلَاقُ عَزِيمَةٌ أَوْ جُعِلَ مَعْمُولًا لِلطَّلَاقِ الثَّانِي وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ أَمَّا إذَا جُعِلَ مَفْعُولًا لِطَلَاقِ الثَّانِي وَاللَّامُ لِلْجِنْسِ فَلَا يَقْتَضِي وُقُوعَ الثَّلَاثِ، بَلْ وَاحِدَةٍ وَلَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي عَزِيمَةٍ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مَصْدَرًا مُؤَوَّلَةٌ بِاسْمِ الْمَفْعُولِ كَمَا أَنَّ طَلَاقَ مُؤَوَّلٌ بِطَالِقٍ فَلَا يَلْزَمُ وُقُوعُ الثَّلَاثِ وَإِنْ احْتَمَلَهَا بِجَعْلِ " الـ " لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَالطَّلَاقَ عَزِيمَةٌ إذَا كَانَ ثَلَاثًا بِمَعْنَى أَنَّ الْفِرَاقَ بِهِ حَالَ كَوْنِهِ ثَلَاثًا فَإِنَّمَا يَقَعُ مَا نَوَاهُ اهـ بِتَصَرُّفٍ وَتَوْضِيحٍ قَالَ الْبُنَانِيُّ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَهُوَ تَحْرِيرٌ عَجِيبٌ اهـ. وَبَقِيَ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُنْظَرَ إلَى مَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ مَعَ النَّظَرِ إلَى قَوَاعِدِ الْفُقَهَاءِ وَاسْتِحْسَانَاته م وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيُقَالُ إنَّ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَقُولُ إذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ الْوَاحِدَةَ وَغَيْرَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا وَاحِدَةٌ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا وَاحِدَةٌ رَفَعَ أَوْ نَصَبَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ إذَا احْتَمَلَ اللَّفْظُ ذَلِكَ مُرَاعَاةً لِلِاحْتِيَاطِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا الثَّلَاثُ رَفَعَ أَوْ نَصَبَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ حَوَاشِي الْمُغْنِي لِلْأَمِيرِ وَالْأَبْيَارِيِّ قَالَ عبق عَلَى خَلِيلٍ مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا لُزُومُ الثَّلَاثِ فِي الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ احْتِيَاطًا اهـ أَيْ وَلَا يُلْتَفَتُ لِمُطَابَقَةِ النَّحْوِ وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ الْعِمَادِيُّ مُجِيبًا لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ الدَّمَنْهُورِيِّ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ هَذَا: وَمَذْهَبُنَا الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ مَالِكٍ ... وُقُوعُ ثَلَاثٍ مُطْلَقًا وَهُوَ أَسْلَمُ إلَى أَنْ قَالَ: ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُغْنِي خِلَافَ الَّذِي جَرَى ... كَمَا لِلدَّمَامِينِيِّ بِنَصٍّ يُتَرْجَمُ وَإِنْ انْتِصَابًا وَارْتِفَاعًا كِلَاهُمَا ... يُفِيدُ احْتِمَالَيْهِ بِذَلِكَ صَمَّمُوا فَيُحْتَمَلُ التَّوْحِيدُ دُونَ ثَلَاثَةٍ ... وَيُحْتَمَلُ التَّوْقِيفُ وَالْوَقْفُ أَفْخَمُ اهـ كَنُونٍ. وَأَجَابَ ابْنُ الصَّائِغُ عَنْ الِاحْتِمَالِ مَعَ الرَّفْعِ بِاخْتِيَارِ الشِّقِّ الْأَوَّلِ وَاعْتِمَادِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ إذَا احْتَمَلَ الْوَاحِدَةَ وَغَيْرَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا وَاحِدَةٌ فَصَحَّ أَنَّهُ عَلَى الرَّفْعِ طَلُقَتْ وَاحِدَةٌ كَمَا فِي حَوَاشِي الْأَمِيرِ عَلَى الْمُغْنِي وَأَيَّدَهُ فِي الْقَصْرِ بِأَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ اخْتِيَارَهُ الشِّقَّ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي كَمَا زَعَمَ الشُّمُنِّيُّ هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ تَعْبِيرِ الْمُغْنِي بِالصَّوَابِ الْمُقْتَضِي أَنَّ مَا فَعَلَهُ الْكِسَائِيُّ خَطَأٌ، الثَّانِي أَنَّ السَّائِلَ لَهُ أَجَلُّ فَقِيهٍ فَلَا يَحْسُنُ قَطْعُ النَّظَرِ عَنْ قَوَاعِدِ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَابِهِ وَالْكِسَائِيُّ لَمْ يَكُنْ غَرًّا فِي تِلْكَ الْقَوَاعِدِ

وَالْوَاقِعُ قَبْلَ السَّبَبِ مِنْ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ كَالصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالصَّوْمِ قَبْلَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ الْإِيَاسَ سَبَبًا لِلْعِدَّةِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى رَتَّبَهُ عَلَيْهَا بِصِيغَةِ الْفَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] فَتَدُلُّ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى السَّبَبِيَّةِ فِي الْإِيَاسِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ كَقَوْلِنَا اقْطَعُوا السَّارِقَ وَاجْلِدُوا الزَّانِيَ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَوْصَافَ الْمُتَقَدِّمَةَ أَسْبَابٌ لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهَا كَذَلِكَ هَاهُنَا يَكُونُ الْإِيَاسُ سَبَبًا لِلِاعْتِدَادِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَالْوَاقِعُ مِنْ الْأَشْهُرِ قَبْلَ كَمَالِ التِّسْعَةِ وَاقِعٌ قَبْلَ إيَاسِنَا وَإِيَاسِهِنَّ مِنْ الْحَيْضِ، فَيَكُونُ وَاقِعًا قَبْلَ سَبَبِهِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ وَيَتَعَيَّنُ اسْتِئْنَافُ ثَلَاثَةٍ بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ. وَأَمَّا الْمُطَلَّقَاتُ تَمْضِي لَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَقَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ يَمْضِي لَهُنَّ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ بَعْدَ الْوَفَاةِ وَقَبْلَ عِلْمِهِنَّ بِأَنَّ تِلْكَ الْآجَالَ عِدَدٌ وَقَعَتْ بَعْدَ أَسْبَابِهَا وَهِيَ الْوَفَاةُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِلْمُ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ لَيْسَ سَبَبًا إجْمَاعًا وَالْإِيَاسُ هُنَا سَبَبٌ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَحَقَّقَ كَمَا تَحَقَّقَتْ الْوَفَاةُ وَالطَّلَاقُ فَلِذَلِكَ لَمْ تَحْصُلْ الْعِدَّةُ قَبْلَهُ كَمَا لَا تَعْتَدُّ قَبْلَ الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَالتَّبَايُنُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّمَا كَانَتْ الْعَرَبِيَّةُ وَالْقِرَاءَةُ أَغْلَبَ عَلَيْهِ اهـ. وَأَجَابَ الْأَصْلُ عَنْ الِاحْتِمَالِ مَعَ النَّصْبِ بِأَنَّ الْمُرَجِّحَ لِجَعْلِهِ مَعْمُولًا لِطَلَاقِ الْأَوَّلِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَوْ تَمْيِيزٌ هُوَ أَنَّهُ مُنَكَّرٌ يَحْتَمِلُ سَبَبُ تَنَكُّرِهِ جَمِيعَ مَرَاتِبِ الْجِنْسِ وَأَعْدَادِهِ وَأَنْوَاعِهِ مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَجْلِ التَّنْكِيرِ فَاحْتَاجَ لِلتَّمْيِيزِ لِيَحْصُلَ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ الْمُنَكَّرِ الْمَجْهُولِ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ الثَّانِي فَبِتَعْرِيفِهِ وَاسْتِغْرَاقِهِ النَّاشِئِ عَنْ لَامِ التَّعْرِيفِ يُسْتَغْنَى عَنْ الْبَيَانِ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ الِاسْتِغْرَاقُ الْمَجَازِيُّ الْحَقِيقِيُّ لِمَا عَلِمْته فِي كَلَامِ الْمُغْنِي الْمُتَقَدِّمِ فَلَا تَغْفُلْ نَعَمْ قَالَ ابْنُ الضَّائِعِ يُمْكِنُ عَلَى إرَادَةِ الْكُلِّ الْمَجْمُوعِيِّ أَيْ لَا كُلُّ فَرْدٍ فَرْدٍ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى أَنَّ مَجْمُوعَ أَفْرَادِ الطَّلَاقِ ثَلَاثٌ وَالْمَجْمُوعُ خَاصٌّ، فَيَكُونُ إخْبَارًا عَنْ خَاصٍّ بِخَاصٍّ وَرَدَّهُ الشُّمُنِّيُّ بِأَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ عِنْدَهُمْ مِنْ بَابِ الْكُلِّيَّةِ أَيْ الْحُكْمِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ وَلِهَذَا امْتَنَعَ وَصْفُ الْمُفْرَدِ الدَّاخِلِ عَلَيْهِ حَرْفُ الِاسْتِغْرَاقِ بِنَعْتِ الْجَمْعِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَإِنْ حَكَاهُ الْأَخْفَشُ فِي نَحْوِ الدِّينَارِ الصُّفْرِ وَالدَّرَاهِمِ الْبِيضِ أَمِيرٌ بِتَوْضِيحٍ (الْوَجْهُ الثَّانِي) قَالَ الْأَمِيرُ فِي حَوَاشِي الْمُغْنِي شَنَّعَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ عَلَى الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ بِأَنَّهُ جَهِلَ بِمَقَامِ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ مَعْرِفَةَ أَسَالِيبِ الْكَلَامِ فَلَا يَحْتَاجُ أَبُو يُوسُفَ إلَى مُرَاجَعَةِ الْكِسَائِيُّ قُلْنَا أَيْ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ هَذَا مِنْ تَعَاوُنِ الْعُلَمَاءِ وَمُشَارَكَتِهِمْ خُصُوصًا أَهْلَ دَوْلَةٍ وَاحِدَةٍ، بَلْ هُوَ عَيْنُ إمَامِيَّةِ أَبِي يُوسُفَ وَكَمَالِهِ حَيْثُ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِرَأْيِهِ مَعَ عَدَمِ احْتِيَاجِهِ وَهَكَذَا شَأْنُ السَّلَفِ وَلَعَمْرِي الْكِسَائِيّ أَحَدُ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ وَإِمَامُ الْعَرَبِيَّةِ يَتَكَلَّمُ مَعَهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ اهـ بِلَفْظِ الْوَجْهِ الثَّالِثِ قَالَ الْأَمِيرُ أَيْضًا قِيلَ الصَّوَابُ أَنَّ السُّؤَالَ مِنْ الْكِسَائِيّ لِمُحَمَّدٍ قُلْنَا أَيْ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ تَعَدُّدُ الْوَاقِعَةِ مُمْكِنٌ اهـ بِلَفْظِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 2 - (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) فِي بِدَايَةِ ابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ لَا يُقْبَلُ عِنْدَ مَالِكٍ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ دُونِ الثَّلَاثِ فِي الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ مِثْلُ قَوْلِهِمْ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك وَمِثْلُ الْبَتَّةِ وَمِثْلُ قَوْلِهِمْ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ حَيْثُ قَالَ ذَلِكَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَالَهُ فِي الْخُلْعِ. وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَيُصَدِّقُهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ دُونِ الثَّلَاثِ فِيهَا؛ لِأَنَّ طَلَاقَ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا بَائِنٌ وَيُقْبَلُ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ دُونِ الثَّلَاثِ فِيهَا مُطْلَقًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ بِالْكِنَايَاتِ كُلِّهَا مَعَ هَذِهِ الْقَرِينَةِ إلَّا بِأَرْبَعٍ حَبْلُك عَلَى غَارِبِك وَاعْتَدِّي وَاسْتَبْرِي وَتَقَنَّعِي؛ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ مِنْ الْمُحْتَمَلَةِ غَيْرِ الظَّاهِرَةِ وَالْمُحْتَمَلَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى طَلَاقًا خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِمَا إنَّهُ يَعْتَبِرُ فِي الْمُحْتَمَلَةِ نِيَّةً اهـ مُلَخَّصًا وَلَا يَخْفَاك أَنَّ إطْلَاقَهُ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ فِي تَقْسِيمِهَا مِنْ أَنَّ بَتَّةً وَحَبْلَك عَلَى غَارِبِك مِمَّا يَلْزَمُ بِهِ ثَلَاثٌ وَلَا يَنْوِي مُطْلَقًا مِثْلُ وَأَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِيَّةٌ مِمَّا يَلْزَمُ فِيهِ الثَّلَاثُ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا كَغَيْرِهَا إنْ لَمْ يَنْوِ أَقَلَّ نَعَمْ قَدْ مَرَّ عَنْ الْأَصْلِ أَنَّ الْمَدَارَ فِي تِلْكَ الْأَلْفَاظِ الْعُرْفُ فَلَعَلَّ مَا تَقَدَّمَ مَبْنِيٌّ عَلَى عُرْفٍ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى عُرْفٍ آخَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ 2 - (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) فِي حَاشِيَةِ الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ قَالَ الْقَرَافِيُّ، قُلْت يَوْمًا لِلشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ الْقُرَّاءَ الْتَزَمُوا قَاعِدَةَ أَنَّ الْمُعَرَّفَ بِاللَّامِ لِلْعُمُومِ فِي الْأُصُولِ وَخَالَفُوهَا فِي الْفُرُوعِ حَيْثُ قَالُوا لَوْ قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي بِغَيْرِ نِيَّةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سَبَبُ الْمُخَالَفَةِ أَنَّ الْأَيْمَانَ تَتْبَعُ الْمَنْقُولَاتِ الْعُرْفِيَّةَ دُونَ الْأَوْضَاعِ اللُّغَوِيَّةِ إذَا تَعَارَضَا، وَقَدْ انْتَقَلَ اللَّامُ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ لِحَقِيقَةِ

[الفرق بين قاعدة الاستثناء من الذوات وبين قاعدة الاستثناء من الصفات]

(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الدَّائِرِ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ يُلْحَقُ بِالْغَالِبِ مِنْ جِنْسِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إلْحَاقِ الْأَوْلَادِ بِالْأَزْوَاجِ إلَى خَمْسِ سِنِينَ) وَقِيلَ إلَى أَرْبَعٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقِيلَ إلَى سَبْعِ سِنِينَ وَكُلُّهَا رِوَايَاتٌ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى سَنَتَيْنِ فَإِنَّ هَذَا الْحَمْلَ الْآتِي بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ دَائِرٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْوَطْءِ السَّابِقِ مِنْ الزَّوْجِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الزِّنَى وَوُقُوعُ الزِّنَى فِي الْوُجُودِ أَكْثَرُ وَأَغْلَبُ مِنْ تَأَخُّرِ الْحَمْلِ هَذِهِ الْمُدَّةَ فَقَدَّمَ الشَّارِعُ هَا هُنَا النَّادِرَ عَلَى الْغَالِبِ وَكَانَ مُقْتَضَى تِلْكَ الْقَاعِدَةِ أَنْ يُجْعَلَ زِنًى لَا يَلْحَقُ بِالزَّوْجِ عَمَلًا بِالْغَالِبِ لَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شَرَّعَ لُحُوقَهُ بِالزَّوْجِ لُطْفًا بِعِبَادِهِ وَسِتْرًا عَلَيْهِمْ وَحِفْظًا لِلْأَنْسَابِ وَسَدًّا لِبَابِ ثُبُوتِ الزِّنَى كَمَا اشْتَرَطَ تَعَالَى فِي ثُبُوتِهِ أَرْبَعَةً مُجْتَمِعِينَ سَدًّا لِبَابِهِ حَتَّى يَبْعُدَ ثُبُوتُهُ وَأُمِرْنَا أَنْ لَا نَتَعَرَّضَ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ فَبِهِ، وَإِذَا تَحَمَّلْنَاهَا أُمِرْنَا بِأَنْ لَا نُؤَدِّيَ بِهَا وَأَنْ نُبَالِغَ فِي السِّتْرِ عَلَى الزَّانِي مَا اسْتَطَعْنَا بِخِلَافِ جَمِيعِ الْحُقُوقِ كُلُّ ذَلِكَ شُرِعَ طَلَبًا لِلسِّتْرِ عَلَى الْعِبَادِ وَمِنَّةً عَلَيْهِمْ فَهَذَا هُوَ سَبَبُ اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِنْ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ وَإِلَّا فَهِيَ عَلَى خِلَافِ الْإِلْحَاقِ بِالْغَالِبِ دُونَ النَّادِرِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَاعْلَمْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَهُوَ طَلَبُ السَّتْرِ وَمَا تَقَدَّمَ مَعَهُ. (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعَدَدِ وَقَاعِدَةِ الِاسْتِبْرَاءِ) إنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ وَإِنْ عُلِمَتْ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ كَمَنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا غَائِبًا عَنْهَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ، وَكَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجِنْسِ دُونَ اسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ فَلِذَا كَانَ الْحَالِفُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْمَاهِيَّةُ الْمُشْتَرَكَةُ فَلَا تَزِيدُ اللَّامُ لَهُ عَلَى الْوَاحِدِ اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ قَالَ الشِّرْبِينِيُّ لَكِنَّهُمْ قَالُوا إنَّ الَّذِي يَتْبَعُ الْعُرْفَ مُطْلَقًا هُوَ الْحَلِفُ بِغَيْرِ الطَّلَاقِ أَمَّا بِهِ فَيَتْبَعُ اللُّغَةَ مَتَى اشْتَهَرَتْ وَإِنْ اشْتَهَرَ الْعُرْفُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ هُنَا غَيْرُ مَشْهُورٍ اهـ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ فُقَهَاءُ الشَّافِعِيَّةِ وَإِلَّا فَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْحَلِفَ مُطْلَقًا يَتْبَعُ الْعُرْفَ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الذَّوَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الصِّفَاتِ] الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الذَّوَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الصِّفَاتِ) وَذَلِكَ أَنَّ الْبَابَيْنِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَّا أَنَّهُمَا افْتَرَقَا فِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الذَّوَاتِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى فِيهِ بِلَفْظٍ دَالٍّ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ بِأَنْ يَسْتَغْرِقَ الْمُسْتَثْنَى لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الصِّفَاتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى فِيهِ بِلَفْظٍ دَالٍّ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ فِي الظَّاهِرِ وَذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الصِّفَاتِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَقَعَ فِي جُمْلَةِ الصِّفَةِ كَأَنْ تَقُولَ مَرَرْت بِالسَّاكِنِ إلَّا السَّاكِنَ أَوْ مَرَرْت بِالْمُتَحَرِّكِ إلَّا الْمُتَحَرِّكَ فَتَسْتَثْنِي الصِّفَةَ مِنْ الصِّفَةِ وَهُوَ السُّكُونُ فَقَطْ فِي الْأَوَّلِ وَالْحَرَكَةُ فَقَطْ فِي الثَّانِي وَتَتْرُكُ الْمَوْصُوفَ فَتَتَعَيَّنُ لَهُ الْحَرَكَةُ فِي الْأَوَّلِ، فَيَكُونُ مُرُورُك بِالْمُتَحَرِّكِ وَيَتَعَيَّنُ السُّكُونُ فِي الثَّانِي، فَيَكُونُ مُرُورُك بِالسَّاكِنِ وَإِمَّا أَنْ يَقَعَ أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الصِّفَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ - إِلا مَوْتَتَنَا الأُولَى} [الصافات: 58 - 59] فَقَوْلُهُ بِمَيِّتِينَ لَفْظٌ يَشْمَلُهُمْ بِصِفَةِ الْمَوْتِ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَحَدًا، بَلْ بَعْضَ أَنْوَاعِ الصِّفَةِ. وَإِمَّا أَنْ يَقَعَ أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ فِي بَعْضِ مُتَعَلِّقَاتِ الصِّفَةِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ: قَاتَلَ ابْنَ الْبَتُولِ إلَّا عَلِيًّا فَمَعْنَاهُ كَمَا قَالَ الْأُدَبَاءُ قَاتَلَ ابْنَ فَاطِمَة الْبَتُول أَيْ الْمُنْقَطِعَةِ عَنْ الْأَزْوَاجِ إلَّا عَنْ عَلِيٍّ فَاسْتَثْنَى مِنْ صِفَتِهَا وَلَمْ يَسْتَثْنِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ جُمْلَةَ الصِّفَةِ وَلَا نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِهَا، بَلْ اسْتَثْنَى مُتَعَلِّقًا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهَا فَإِنَّ التَّبَتُّلَ الَّذِي هُوَ الِانْقِطَاعُ قَالَ تَعَالَى {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا} [المزمل: 8] أَيْ انْقَطِعْ عَلَيْهَا انْقِطَاعًا لَمَّا كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَنْ الْأَزْوَاجِ كُلِّهَا اسْتَثْنَى مِنْ مُتَعَلِّقِ التَّبَتُّلِ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ مِنْ أَنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً فَإِنْ كَانَ مُسْتَفْتِيًا، وَقَالَ نَوَيْت ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَفِي مَوْضِعٍ لَوْ سَكَتَ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَيُخْتَلَفُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ آتٍ بِمَا لَا يُشْبِهُ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ هَذَا الْحَجَرُ وَيَخْتَلِفُ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ إلَّا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَثْنِيًا لِلْأَوَّلِ وَإِنْ قَالَ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً وَأَعَادَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْوَاحِدَةِ يَقَعُ عَلَيْهِ اثْنَانِ. وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ أَيْضًا إنْ أَعَادَهُ عَلَى طَلْقَةٍ وَثَلَاثٌ إنْ أَعَادَهُ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْمَسَائِلِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَتَقْرِيرُهَا وَإِيضَاحُهَا أَنْ تَقُولَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً مَعْنَاهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَالطَّلَاقُ مَصْدَرٌ قَدْ وَصَفَهُ بِالْوَحْدَةِ فَصَارَ فِي كَلَامِهِ حِينَئِذٍ صِفَةٌ وَمَوْصُوفٌ فَإِذَا عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ إلَّا وَاحِدَةً كَانَ ذَلِكَ مُحْتَمِلًا سِتَّ حَالَاتٍ (الْحَالَةُ الْأُولَى) أَنْ يَقْصِدَ بِقَوْلِهِ وَاحِدَةً الصِّفَةَ وَالْمَوْصُوفَ مَعًا، ثُمَّ يَقْصِدَ رَفْعَ الصِّفَةِ دُونَ الْمَوْصُوفِ، فَيَكُونُ قَدْ رَفَعَ مَصْدَرَ الطَّلَاقِ الْوَحْدَةِ فَيَتَعَيَّنُ ضِدُّهَا وَهُوَ الْكَثْرَةُ إذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا وَالْقَاعِدَةُ الْعَقْلِيَّةُ أَنَّ كُلَّ ضِدَّيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا إذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ ثُبُوتُ الْآخَرِ أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا الْعَدَدُ لَيْسَ بِزَوْجٍ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ فَرْدًا أَوْ لَيْسَ

إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا وَالِاسْتِبْرَاءُ لَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ لَا يَجْرِي الِاسْتِبْرَاءُ قَبْلَ الْبَيْعِ إلَّا فِيمَنْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِهِ لِلِاسْتِبْرَاءِ أَوْ وَدِيعَةً وَسَيِّدُهَا لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ وَسَكَنِهِ أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ سَيِّدِهَا عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ الْغَيْبَةِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ إلَيْهِ أَوْ خَرَجَتْ حَائِضًا أَوْ الشَّرِيكُ يَشْتَرِي مِنْ شَرِيكِهِ وَهِيَ تَحْتَ يَدَيْ الْمُشْتَرِي. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ كُلُّ مَنْ أُمِنَ عَلَيْهَا الْحَمْلُ فَلَا اسْتِبْرَاءَ فِيهَا، وَمَنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ حَمْلُهَا أَوْ شُكَّ فِيهَا اُسْتُبْرِئَتْ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ بَرَاءَتُهَا مَعَ جَوَازِ الْحَمْلِ فَقَوْلَانِ كَالصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ تُسْتَبْرَآنِ لِسُوءِ الظَّنِّ وَالْوَخْشِ مِنْ الرَّقِيقِ، وَمَنْ بَاعَهَا مَجْبُوبٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا وَالْمَشْهُورُ إيجَابُهُ وَأَشْهَبُ يَنْفِيهِ وَيَجُوزُ اتِّفَاقُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى اسْتِبْرَاءٍ وَاحِدٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ فَهَذِهِ فُرُوعٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ لَا يَجُوزُ فِي الْعِدَدِ مِثْلُهَا فَلَوْ عُلِمَتْ بَرَاءَةُ الْمُعْتَدَّةِ قَبْلَ الْإِطْلَاقِ أَوْ الْوَفَاءِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ الْعِدَّةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ الْعِدَّةَ يَغْلِبُ عَلَيْهَا شَائِبَةُ التَّعَبُّدِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَإِنْ كَانَتْ مَعْقُولَةَ الْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَعَدَمِ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ هِيَ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ فِي الْوَفَاةِ عَلَى بِنْتِ الْمَهْدِ وَتَجِبُ فِي الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ عَلَى الْكَبِيرَةِ الْمَعْلُومِ بَرَاءَتُهَا بِسَبَبِ الْغَيْبَةِ وَغَيْرِهَا هَذِهِ شَائِبَةُ التَّعَبُّدِ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْعِدَّةِ شَائِبَةُ التَّعَبُّدِ وَجَبَ فِعْلُهَا بَعْدَ سَبَبِهَا مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ عُلِمَتْ الْبَرَاءَةُ أَمْ لَا تَوْفِيَةً لِشَائِبَةِ التَّعَبُّدِ وَالِاسْتِبْرَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِفَرْدٍ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ زَوْجًا؛ لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ وَأَقَلُّ مَرَاتِبِ الْكَثْرَةِ اثْنَانِ فَيَلْزَمُهُ طَلْقَتَانِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الزَّائِدِ (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَقْصِدَ بِقَوْلِهِ وَاحِدَةً قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ الصِّفَةَ وَحْدَهَا، ثُمَّ يَسْتَثْنِيهَا فَاسْتِثْنَاؤُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ جُمْلَةَ مَا وَضَعَهُ أَوَّلًا (الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يَقْصِدَ بِقَوْلِهِ وَاحِدَةً نَفْسَ الطَّلَاقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ طَلَاقٌ وَلَا يَأْخُذُهُ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ وَلَا بِقَيْدِ الْكَثْرَةِ، ثُمَّ يُورِدَ الِاسْتِثْنَاءَ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ فَلَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ عَيْنَ مَا وَضَعَهُ (الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ) أَنْ يَقْصِدَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا الْمَصْدَرَ الْمَوْصُوفَ بِالْوَحْدَةِ وَيَقْصِدَ بِقَوْلِهِ إلَّا وَاحِدَةً الطَّلَاقَ الْمَوْصُوفَ بِالْوَحْدَةِ فَلَا يَنْفَعُهُ أَيْضًا اسْتِثْنَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ جُمْلَةَ مَا وَضَعَهُ (الْحَالَةُ الْخَامِسَةُ) أَنْ يُرِيدَ بِلَفْظِ الْأَوَّلِ الطَّلَاقَ الْمَوْصُوفَ بِالْوَحْدَةِ وَيَقْصِدَ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمَوْصُوفَ وَهُوَ مَفْهُومُ الطَّلَاقِ دُونَ الْوَحْدَةِ فَهَذَا مُسْتَثْنًى لِبَعْضِ مَا نَطَقَ بِهِ مُطَابَقَةً غَيْرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ أَصْلِ الطَّلَاقِ نَفْيُ صِفَاتِهِ مِنْ الْوَحْدَةِ وَالْكَثْرَةِ فَتَنْتَفِي الصِّفَةُ أَيْضًا مَعَ الْمَوْصُوفِ فَيَبْطُلُ اسْتِثْنَاؤُهُ وَيَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ بِالْمُطَابَقَةِ وَالِالْتِزَامِ (الْحَالَةُ السَّادِسَةُ) أَنْ يَسْتَعْمِلَ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي الطَّلَاقِ بِوَصْفِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إطْلَاقُ الْجِنْسِ وَإِرَادَةُ عَدَدٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُ فَإِذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا وَاحِدَةً يُرِيدُ بِهَا بَعْضَ ذَلِكَ الْعَدَدِ الَّذِي كَانَ يَقْصِدُهُ لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ وَهُمَا اللَّتَانِ بَقِيَتَا مِنْ الثَّلَاثِ الَّتِي أَرَادَهَا بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ بَعْدَ إخْرَاجِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ فَظَهَرَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ كَيْفَ تَلْزَمُهُ اثْنَتَانِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً إنْ أَرَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ إحْدَى هَذِهِ الثَّلَاثِ لَزِمَهُ اثْنَتَانِ وَإِنْ أَرَادَ اسْتِثْنَاءَ الصِّفَةِ وَهِيَ الْوَحْدَةُ عَنْ طَلْقَةٍ مِنْ هَذِهِ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَلْزَمَهُ أَرْبَعُ تَطْلِيقَاتٍ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ صِفَةَ الْوَحْدَةِ عَنْ طَلْقَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ فَيَقَعُ فِيهَا الْكَثْرَةُ فَتَصِيرُ تِلْكَ الطَّلْقَةُ طَلْقَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ سَبِيلٌ إلَى لُزُومِ أَرْبَعٍ بِالْإِجْمَاعِ اقْتَصَرْنَا عَلَى ثَلَاثٍ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعَ تَطْلِيقَاتٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ كَذَا قَالَ الْأَصْلُ قَالَ، وَقَدْ بَسَطْت هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ فِي أَحْكَامِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ مُجَلَّدٌ كَبِيرٌ أَحَدٌ وَخَمْسُونَ بَابًا وَأَرْبَعُمِائَةِ مَسْأَلَةٍ لَيْسَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا الِاسْتِثْنَاءُ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الصِّفَةِ مِنْ أَغْرَبِ أَبْوَابِهِ، وَقَدْ بَسَطْته لَك هَا هُنَا بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ وَظَهَرَ لَك مَعْنَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي الطَّلَاقِ بِسَبَبِهِ، وَلَوْلَاهُ لَمْ يُفْهَمْ أَصْلًا أَلْبَتَّةَ فَنَفَائِسُ الْقَوَاعِدِ لِنَوَادِرِ الْمَسَائِلِ وَجَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ هَدَانَا اللَّهُ سَوَاءَ السَّبِيلِ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ اهـ بِلَفْظِهِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ هَذَا الْفَرْقُ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ اهـ بِلَفْظِهِ. وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الطَّلَاقِ الَّتِي بَنَى هَذَا الْفَرْقَ عَلَيْهَا نَظِيرُ مَا نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ الْمَدْخَلِ لِابْنِ طَلْحَةَ الْمَالِكِيِّ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ كَمَا فِي مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي اعْتِبَارِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرِقِ، وَقَدْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَنَقَلَ هَذَا الْقَوْلَ الْقَرَافِيُّ وَأَنْكَرَهُ فَقَالَ الْأَقْرَبُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ يَعْنِي الْإِجْمَاعَ الَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ كَالْقَرَافِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَا أَثَرَ فِي الْحُكْمِ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرِقِ مُطْلَقًا كَانَ فِي الصِّفَاتِ أَوْ فِي الذَّوَاتِ فَلَوْ قَالَ لَهُ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً لَزِمَهُ عَشَرَةٌ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ إلَّا أَنْ

[الفرق بين قاعدة استثناء الكل من الكل وبين قاعدة استثناء الوحدات من الطلاق]

لَمْ تَرِدْ فِيهِ هَذِهِ الشَّائِبَةُ، بَلْ هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَعَدَمِ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ فَلِذَلِكَ حَيْثُ حَصَلَ الْمَعْنَى وَهُوَ الْبَرَاءَةُ سَقَطَتْ الْوَسِيلَةُ إلَيْهِ وَهِيَ الِاسْتِبْرَاءُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِخُرُوجِ تِلْكَ الصُّوَرِ عَنْ الْحَاجَةِ لِلِاسْتِبْرَاءِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِثْلُهَا فِي قَاعِدَةِ الْعِدَدِ. (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِبْرَاءِ بِالْأَقْرَاءِ يَكْفِي قُرْءٌ وَاحِدٌ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِبْرَاءِ بِالشُّهُورِ لَا يَكْفِي شَهْرٌ) مَعَ أَنَّ غَالِبَ النِّسَاءِ يَحْصُلُ لَهُنَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ قُرْءٌ كَأَنْ يُكْتَفَى بِشَهْرٍ كَمَا اُكْتُفِيَ بِقُرْءٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ الْقُرْءَ الْوَاحِدَ وَهُوَ الْحَيْضُ دَالٌّ عَادَةً عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَإِنَّ الْحَيْضَ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْحَمْلِ غَالِبًا فَكَانَ الْقُرْءُ الْوَاحِدُ مِنْ الْحَيْضِ دَالًّا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَعَدَمِ الْحَمْلِ، وَالشَّهْرُ الْوَاحِدُ وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ قُرْءًا وَاحِدًا فِي حَقِّ مَنْ تَحِيضُ لَكِنَّهُ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَحِيضُ لَا يَحْصُلُ بِهِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّ الْمَنِيَّ يَمْكُثُ مَنِيًّا فِي الرَّحِمِ نَحْوَ الشَّهْرِ، ثُمَّ يَصِيرُ مُضْغَةً بَعْدَ أَنْ صَارَ عَلَقَةً فَلَا يَظْهَرُ الْحَمْلُ فِي الْغَالِبِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَتُكْبِرُ الْجَوْفَ وَتَحْصُلُ مَبَادِئُ الْحَرَكَةِ أَمَّا الشَّهْرُ الْوَاحِدُ فَجَوْفُ الْحَامِلِ فِيهِ مُسَاوٍ فِي الظَّاهِرِ لِغَيْرِ الْحَامِلِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُعْتَبَرْ الشَّهْرُ الْوَاحِدُ وَاعْتُبِرَ الْقُرْءُ الْوَاحِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُعَقِّبَ بِاسْتِثْنَاءٍ آخَرَ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً إلَّا أَرْبَعَةً فَفِي جَوَازِهِ وَأَنَّ لَهُ أَثَرًا فِي الْحُكْمِ إمَّا اعْتِبَارُ الِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُهُ أَرْبَعَةٌ وَإِمَّا اعْتِبَارُ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُهُ سِتَّةٌ وَعَدَمُ جَوَازِهِ وَأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فَيَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ لِبُطْلَانِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي خِلَافٌ كَمَا فِي مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ نَعَمْ صَرَّحَ السُّيُوطِيّ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ بِأَنَّ لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ أَثَرًا فِي الْحُكْمِ وَهُوَ الرُّجُوعُ عَنْهَا فَلَوْ قَالَ أَوْصَيْت لَهُ بِعَشَرَةٍ إلَّا عَشَرَةً كَانَ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِثْنَاءِ الْوَحَدَاتِ مِنْ الطَّلَاقِ] (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِثْنَاءِ الْوَحَدَاتِ مِنْ الطَّلَاقِ) قَاعِدَةُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا جُعِلَ لِإِخْرَاجِ مَا كَانَ مُعَرَّضًا لِلنِّسْيَانِ فَيَنْدَرِجُ فِي الْكَلَامِ سَهْوًا فَيَخْرُجُ بِالِاسْتِثْنَاءِ تَقْتَضِي أَنَّ الْعَطْفَ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ظَاهِرٌ فِي مَنْعِ الِاسْتِثْنَاءِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ خُصُوصُ الْمَعْطُوفِ مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ نَحْوُ قَامَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَخَالِدٌ إلَّا خَالِدًا أَوْ غَيْرَ مَقْصُودٍ لِلْعُقَلَاءِ نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً وَنَحْوُ لِلَّهِ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا ضَرُورَةَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي مُطْلَقِ الْقَصْدِ إلَى شَيْءٍ فِي الْمَعْطُوفِ، وَإِذَا قَصَدَ إلَى شَيْءٍ فِي الْمَعْطُوفِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْكَلَامِ الْمُسْتَقِلِّ الْمَقْصُودِ غَيْرَ أَنَّ الْأَصْحَابَ جَوَّزُوا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً قَالَ الْأَصْلُ وَمَا عَلِمْت فِيهِ خِلَافًا وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الثَّلَاثَ لَهَا عِبَارَتَانِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَكَمَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الثَّلَاثِ يَصِحُّ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْأُخْرَى وَالْفَرْضُ أَيْضًا أَنَّ خُصُوصَ الْوَحَدَاتِ لَيْسَ مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ بِخِلَافِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خُصُوصًا لَيْسَ لِلْآخَرِ، وَالْوَحَدَاتُ مُسْتَوِيَةٌ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَحَدَاتٌ فَصَارَ إجْمَالُهَا وَتَفْصِيلُهَا سَوَاءً لَكِنْ كَانَ مُقْتَضَى قَاعِدَةِ أَنَّ الْعِلَّةَ تَدُورُ مَعَ الْمَعْلُولِ وُجُودًا وَعَدَمًا أَنْ يَقُولُوا بِجَوَازِ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا وَأَنَّهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ عِنْدَهُمْ لَا تَتَعَيَّنُ وَإِنْ عُيِّنَتْ فَإِنَّ خُصُوصَ دِرْهَمٍ لَا مَزِيَّةَ لَهُ عَلَى خُصُوصِ دِرْهَمٍ آخَرَ قَالَ الْأَصْلُ وَلَمْ أَرَ لَهُمْ فِي هَذَا أَيْ الْقَوْلِ بِجَوَازِ ذَلِكَ نَقْلًا، بَلْ حَكَى ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ الْمَنْعَ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا. اهـ. فَمِنْ هُنَا قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الشَّاطِّ هَذَا الْفَرْقُ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَنَظَرٍ اهـ وَفِي حَاشِيَةِ الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ قَالَ الْقَرَافِيُّ، قُلْت يَوْمًا لِلشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ الْفُقَهَاءَ الْتَزَمُوا فِي الْأُصُولِ قَاعِدَةَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَخَالَفُوهَا فِي الْفُرُوعِ حَيْثُ قَالُوا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا إلَّا الْكَتَّانَ فَقَعَدَ عُرْيَانًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَا الْكَتَّانَ وَعَلَى لُبْسِ الْكَتَّانِ وَمَا لَبِسَ الْكَتَّانَ فَيَحْنَثُ فَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سَبَبُ الْمُخَالَفَةِ أَنَّ الْأَيْمَانَ تَتْبَعُ الْمَنْقُولَاتِ الْعُرْفِيَّةَ دُونَ الْأَوْضَاعِ اللُّغَوِيَّةِ إذَا تَعَارَضَا، وَقَدْ انْتَقَلَ إلَّا فِي الْحَلِفِ لِمَعْنَى الصِّفَةِ مِثْلُ سِوَى وَغَيْرِ فَمَعْنَى حَلِفِهِ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا سِوَى الْكَتَّانِ أَوْ غَيْرَ الْكَتَّانِ فَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ هُوَ الْمُغَايِرُ لِلْكَتَّانِ وَالْكَتَّانُ لَيْسَ مَحْلُوفًا عَلَيْهِ فَلَا يَضُرُّ لُبْسُهُ وَلَا تَرْكُهُ، ثُمَّ تُوَفِّيَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاتَّفَقَ الْبَحْثُ مَعَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ فَالْتَزَمَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَحْنَثُ إذَا قَعَدَ عُرْيَانًا وَأَنَّ إلَّا عَلَى بَابِهَا وَالِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ

[الفرق بين قاعدة التصرف في المعدوم الذي يمكن أن يتقرر في الذمة وبين قاعدة التصرف في المعدوم الذي لا يمكن أن يتقرر في الذمة]

(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَضَانَةِ يُقَدَّمُ فِيهَا النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ بِخِلَافِ جَمِيعِ الْوِلَايَاتِ يُقَدَّمُ فِيهَا الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ) وَهُوَ أَنَّ قَاعِدَةَ الشَّرْعِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَكُلِّ وِلَايَةِ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِهَا فَيُقَدَّمُ فِي وِلَايَةِ الْحَرْبِ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِ الْحُرُوبِ مِنْ سِيَاسَةِ الْجُيُوشِ وَمَكَائِدِ الْعَدُوِّ وَيُقَدَّمُ فِي الْقَضَاءِ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ تَفَطُّنًا لِحِجَاجِ الْخُصُومِ وَقَوَاعِدِ الْأَحْكَامِ وَوُجُوهِ الْخُدَعِ مِنْ النَّاسِ وَيُقَدَّمُ فِي الْفَتْوَى مَنْ هُوَ أَنْقَلُ لِلْأَحْكَامِ وَأَشْفَقُ عَلَى الْأُمَّةِ وَأَحْرَصُهُمْ عَلَى إرْشَادِهَا لِحُدُودِ الشَّرِيعَةِ وَيُقَدَّمُ فِي سِعَايَةِ الْمَاشِيَةِ وَجِبَايَةِ الزَّكَاةِ وَالْعَمَلِ عَلَيْهَا مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِنَصْبِ الزَّكَوَاتِ وَمَقَادِيرِ الْوَاجِبِ فِيهَا وَأَحْكَامِ اخْتِلَاطِهَا وَافْتِرَاقِهَا وَضَمِّ أَجْنَاسِهَا وَيُقَدَّمُ فِي أَمَانَةِ الْحُكْمِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِمَقَادِيرِ النَّفَقَاتِ وَأَهْلِيَّاتِ الْكَفَالَاتِ وَتَنْمِيَةِ أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ وَالْمُنَاضَلَةِ عَنْهُمْ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْوِلَايَاتِ وَيُقَدَّمُ فِي الْخِلَافَةِ مَنْ هُوَ كَامِلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَافِرُ الْعَقْلِ وَالرَّأْيِ قَوِيُّ النَّفْسِ شَدِيدُ الشَّجَاعَةِ عَارِفٌ بِأَهْلِيَّاتِ الْوِلَايَاتِ حَرِيصٌ عَلَى مَصَالِحِ الْأُمَّةِ قُرَشِيٌّ مِنْ قَبِيلَةِ النُّبُوَّةِ الْمُعَظَّمَةِ كَامِلُ الْحُرْمَةِ وَالْهَيْبَةِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ وَلَمَّا كَانَتْ الْحَضَانَةُ تَفْتَقِرُ إلَى وُفُورِ الصَّبْرِ عَلَى الْأَطْفَالِ فِي كَثْرَةِ الْبُكَاءِ وَالتَّضَجُّرِ مِنْ الْهَيْئَاتِ الْعَارِضَةِ لِلصِّبْيَانِ وَمَزِيدِ الشَّفَقَةِ وَالرِّقَّةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الرِّفْقِ بِالضُّعَفَاءِ وَالرِّفْقِ بِهِمْ، وَكَانَتْ النِّسْوَةُ أَتَمَّ مِنْ الرِّجَالِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قَدْ مَنَّ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ أَنَفَاتِ الرِّجَالِ وَإِبَاءَةَ نُفُوسِهِمْ وَعُلُوَّ هِمَمِهِمْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَرَانَا نَقْلًا فِي ذَلِكَ اهـ كَلَامُ الْقَرَافِيِّ. قَالَ سم مَا قَالَهُ تَاجُ الدِّينِ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ مَمْنُوعٌ مَعَ أَنَّا نُبْقِي إلَّا عَلَى بَابِهَا وَنَلْتَزِمُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِهَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ إثْبَاتٌ عَلَى الْقَاعِدَةِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَنْعُ مَا ذَكَرَهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِثْبَاتَ بِحَسَبِ الْمَقْصُودِ مِنْ النَّفْيِ وَالْمَقْصُودُ هُنَا مِنْ النَّفْيِ هُوَ مَنْعُ نَفْسِهِ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ، فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِثْبَاتِ هُوَ إبَاحَةُ لُبْسِ الْكَتَّانِ لَا الْتِزَامُ لُبْسِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِالتَّرْكِ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ حَسَنٌ دَقِيقٌ تَرَكَهُ الشَّيْخُ لَنَا، ثُمَّ رَأَيْت فِي بَعْضِ حَوَاشِي التَّلْوِيحِ مَا يُوَافِقُ هَذَا الْجَوَابَ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ اهـ قَالَ الْعَطَّارُ وَفِي التَّمْهِيد لِلْإِسْنَوِيِّ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُعْطِيك إلَّا دِرْهَمًا أَوْ لَا آكُلُ إلَّا هَذَا الرَّغِيفَ أَوْ لَا أَطَأُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَمْ يَفْعَلْ بِالْكُلِّيَّةِ فَفِي حِنْثِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْإِيلَاءِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، أَحَدُهُمَا نَعَمْ لِاقْتِضَاءِ اللَّفْظِ ذَلِكَ وَهُوَ كَوْنُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا؛ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَنْعُ الزِّيَادَةِ وَقِيَاسُ مَذْهَبِنَا هُوَ الْأَوَّلُ لَكِنْ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ مِنْ زَوَائِدِهِ الثَّانِيَ اهـ. وَقَدْ سَنَحَ لِي مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ سَبَبُ الْمُخَالَفَةِ إلَخْ أَنَّهُ لَا مَانِعَ هُنَا مِنْ أَنْ يُقَالَ سَبَبُ مُخَالَفَةِ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا فِي الْحَلِفِ دُونَ الِالْتِزَامِ أَنَّ الْأَيْمَانَ لَمَّا كَانَتْ تَتْبَعُ الْمَنْقُولَاتِ الْعُرْفِيَّةَ دُونَ الْأَوْضَاعِ اللُّغَوِيَّةِ إذَا تَعَارَضَا، وَقَدْ نَقَلَ الْعُرْفُ الْمَعْطُوفَانِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَى مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا خَالَفُوا فِيهَا الْقَاعِدَةَ الْمَذْكُورَةَ فَأَعْطَوْهَا حُكْمَهُ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِثْنَاءِ وَأَنَّهُ إذَا قَالَ بَعْدَهَا إلَّا وَاحِدَةً يَلْزَمُهُ طَلْقَتَانِ كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَالِالْتِزَامَاتُ لَمَّا كَانَتْ تَتْبَعُ الْأَوْضَاعَ اللُّغَوِيَّةَ لَمْ يُخَالِفُوا فِيهَا الْقَاعِدَةَ الْمَذْكُورَةَ فَلَمْ يُعْطُوا لِلَّهِ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ حُكْمَ لِلَّهِ عَلَيَّ دَرَاهِمُ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِثْنَاءِ وَأَنَّهُ إذَا قَالَ بَعْدَهُ إلَّا دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الفرق بَيْن قَاعِدَةِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَعْدُومِ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَتَقَرَّرَ فِي الذِّمَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَعْدُومِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَقَرَّرَ فِي الذِّمَّةِ] (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَعْدُومِ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَتَقَرَّرَ فِي الذِّمَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَعْدُومِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَقَرَّرَ فِي الذِّمَّةِ) اتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَلَى أَنَّ النَّقْدَيْنِ وَالْعُرُوضُ قَبْلَ مِلْكِهَا هُوَ الْمَعْدُومُ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَتَقَرَّرَ فِي الذِّمَّةِ وَعَلَى جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيهَا قَبْلَ الْمِلْكِ بِالنَّذْرِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ مَلَكْت دِينَارًا فَهُوَ صَدَقَةٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ الْمُسْلِمُ فِي الذِّمَّةِ فِي بَابِ الْمُعَامَلَاتِ مِنْ النَّقْدَيْنِ وَالْعُرُوضِ وَاخْتَلَفُوا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ قَبْلَ الْمِلْكِ بِأَنْ تَقُولَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ لِغَيْرِهِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ هَلْ هُمَا مِنْ الْمَعْدُومِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَقَرَّرَ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِقَوْلِهِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ لِغَيْرِهِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ وَمِنْ الْمَعْدُومِ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَتَقَرَّرَ فِي الذِّمَّةِ فَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ لِمَنْ قَالَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالْعَتَاقُ لِمَنْ قَالَ لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ لِغَيْرِهِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ قِيَاسًا عَلَى النَّذْرِ فِي غَيْرِ الْمَمْلُوكِ بِجَامِعِ الِالْتِزَامِ بِالْمَعْدُومِ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَتَقَرَّرَ فِي الذِّمَّةِ ذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِلَى الثَّانِي مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَبَبُ الْخِلَافِ قَالَ الْأَصْلُ هُوَ الْخِلَافُ فِي مُقْتَضَى الْعُقُودِ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَالشُّرُوطِ فِي. قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا بِمُقْتَضَيَاتِهَا، ضَرُورَةَ أَنَّ الْأَوَامِرَ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ وَالْعَقْدُ قَدْ وَقَعَ وَصَارَ مَاضِيًا فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْأَمْرُ

تَمْنَعُهُمْ مِنْ الِانْسِلَاكِ فِي أَطْوَارِ الصِّبْيَانِ وَمَا يَلِيقُ بِهِمْ مِنْ اللُّطْفِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَمُلَابَسَةِ الْقَاذُورَاتِ وَتَحَمُّلِ الدَّنَاءَاتِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَضَانَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَوَاعِدِ الْوِلَايَاتِ. (الْفَرْقُ التَّاسِع وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَقَاعِدَةِ مُعَامَلَةِ الْمُسْلِمِينَ) أَمَّا مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَرَجَّحَ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ أَكْرَهُ الصَّيْرَفِيَّ مِنْ صَيَارِفَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: 161] . وَقَالَ وَأَكْرَهُ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِ بِأَرْضِ الْحَرْبِ لِلْحَرْبِيِّ بِالرِّبَا وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ الرِّبَا مَعَ الْحَرْبِيِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا رِبَا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَحَرْبِيٍّ لَا رِبَا إلَّا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ» . وَالْحَرْبِيُّ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -؛ لِأَنَّ الرِّبَا مَفْسَدَةٌ فِي نَفْسِهِ فَيَمْتَنِعُ مِنْ الْجَمِيعِ؛ وَلِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ، وَعُمُومُ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَتَنَاوَلُ الْحَرْبِيَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ إذَا ظَهَرَ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَمُعَامَلَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّهُمْ لَيْسُوا مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ فَلَا يَكُونُ مَا أَخَذُوهُ بِالرِّبَا مُحَرَّمًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ مُخَاطَبٌ قَوْلًا وَاحِدًا فَكَانَتْ مُعَامَلَتُهُ إذَا كَانَ يَتَعَاطَى الرِّبَا وَهُوَ غَيْرُ مُتَحَذِّرٍ أَشَدَّ مِنْ الذِّمِّيِّ (الثَّانِي) أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ ثَبَتَ مِلْكُهُ عَلَى مَا اكْتَسَبَهُ بِالرِّبَا وَالْغَصْبِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا تَابَ الْمُسْلِمُ لَا يَثْبُتُ مِلْكُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة: 279] وَمَا هُوَ بِصَدَدِ الثُّبُوتِ الْمُسْتَمِرِّ وَقَابِلٌ لِلثُّبُوتِ أَوْلَى مِمَّا لَا يَقْبَلُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْوَفَاءِ بِهِ، وَكَذَلِكَ الْكَوْنُ عِنْدَ الشُّرُوطِ يَتَعَيَّنُ أَنَّهُ هُوَ الْوَفَاءُ بِمُقْتَضَاهَا وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ عَقْدَانِ عَقَدَهُمَا عَلَى نَفْسِهِ فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِمُقْتَضَاهُمَا وَالْوَفَاءُ بِمُقْتَضَى شُرُوطِهِمَا وَالنِّزَاعُ فِي مُقْتَضَاهُمَا مَا هُوَ هَلْ هُوَ لُزُومُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِالْآيَةِ وَالْحَدِيثِ أَمْ لَا فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ تَمَسُّكًا بِأَمْرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ حَلٌّ وَالنِّكَاحَ وَالشِّرَاءَ عَقْدٌ وَلَا يَكُونُ الْحَلُّ قَبْلَ الْعَقْدِ (وَثَانِيهِمَا) مَا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ وَلَا طَلَاقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا عَتَاقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» وَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ تَمَسُّكًا بِأَمْرَيْنِ أَيْضًا (أَحَدُهُمَا) أَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الشَّرْطُ إجْمَاعًا هُوَ الْمُقْتَضَى اللُّغَوِيُّ فِيهَا، وَأَمَّا الْمُقْتَضَى الشَّرْعِيُّ فَهُوَ صُورَةُ النِّزَاعِ وَالْمُقْتَضَى اللُّغَوِيُّ فِيهِمَا هُوَ لُزُومُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُتَعَلِّقُ الْأَمْرِ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (وَثَانِيهِمَا) أَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْمُقْتَضَى الشَّرْعِيِّ لَكَانَ التَّقْدِيرُ أَوْفُوا بِمَا يَجِبُ عَلَيْكُمْ شَرْعًا الْوَفَاءُ بِهِ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ الْوُجُوبَ إلَّا مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ لِتَوَقُّفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَأَمَّا إذَا حُمِلَ عَلَى الْمُقْتَضَى اللُّغَوِيِّ فَلَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ اللُّغَةِ عَلَى الشَّرَائِعِ وَالْجَوَابُ عَمَّا تَمَسَّكَا بِهِ مِنْ الْأَمْرَيْنِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ نَقُلْ بِهِ فِي غَيْرِ عَقْدٍ، بَلْ إنَّمَا قُلْنَا بِلُزُومِهِ بَعْدَ حُصُولِ الْعَقْدِ لَا قَبْلَهُ فَمَا قُلْنَا بِالْحَلِّ إلَّا بَعْدَ الْعَقْدِ فَطَلَاقُ ابْنِ آدَمَ وَعِتْقُهُ إنَّمَا وَقَعَا فِيمَا مَلَكَهُ وَالْمُتَقَدِّمُ إنَّمَا هُوَ التَّعْلِيقُ وَرَبْطُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالْمِلْكِ إلَّا نَفْسَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ اهـ. وَقَالَ حَفِيدٌ ابْنُ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ سَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ مِنْ شَرْطِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ أَيْ وَالْعَتَاقِ وُجُودُ الْمِلْكِ مُتَقَدِّمًا بِالزَّمَانِ عَلَى الطَّلَاقِ أَيْ وَالْعَتَاقِ أَمْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَرْطِهِ فَمَنْ قَالَ هُوَ مِنْ شَرْطِهِ قَالَ لَا يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ أَيْ وَلَا الْعَتَاقُ بِغَيْرِ الْمَمْلُوكِ بِالْفِعْلِ، وَمَنْ قَالَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ إلَّا وُجُودُ الْمِلْكِ فَقَطْ قَالَ يَقَعُ أَيْ الطَّلَاقُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ أَيْ وَالْعَتَاقُ بِغَيْرِ الْمَمْلُوكِ اهـ. قَالَ الْأَصْلُ وَبِكَثْرَةِ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ قَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ سَبَبٍ شَرَّعَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِحِكْمَةٍ لَا يُشَرِّعُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْحِكْمَةِ وَبِعِبَارَةِ أَنَّ كُلَّ سَبَبٍ لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ لَا يُشَرَّعُ كَمَا شَرَّعَ التَّعْذِيرَاتِ وَالْحُدُودَ لِلزَّجْرِ وَلَمْ يُشَرِّعْهَا فِي حَقِّ الْمَجَانِينِ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ الْجِنَايَةُ مِنْهُمْ حَالَةَ التَّكْلِيفِ لِعَدَمِ شُعُورِهِمْ بِمَقَادِيرِ انْخِرَاقِ الْحُرْمَةِ وَالذِّلَّةِ وَالْمَهَانَةِ فِي حَالَةِ الْغَفْلَةِ فَلَا يَحْصُلُ الزَّجْرُ وَشَرَّعَ الْبَيْعَ لِلِاخْتِصَاصِ بِالْمَنَافِعِ فِي الْعِوَضَيْنِ وَلَمْ يُشَرِّعْهُ فِيمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا فِيمَا كَثُرَ غَرَرُهُ أَوْ جَهَالَتُهُ لِعَدَمِ انْضِبَاطِ الِانْتِفَاعِ مَعَ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ الْمُخِلَّيْنِ بِالْأَرْبَاحِ وَحُصُولِ الْأَعْيَانِ، وَشَرَّعَ اللِّعَانَ لِنَفْيِ النَّسَبِ وَلَمْ يُشَرِّعْهُ لِلْمَجْبُوبِ وَالْخَصِيِّ لِانْتِفَاءِ النَّسَبِ بِغَيْرِ لِعَانٍ يُشْكِلُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَذَلِكَ أَنَّ النِّكَاحَ سَبَبٌ شُرِعَ لِلتَّنَاسُلِ وَالْمُكَارَمَةِ وَالْمَوَدَّةِ فَمَنْ قَالَ بِشَرْعِيَّتِهِ أَيْ النِّكَاحِ فِي صُورَةِ تَعْلِيقِ طَلَاقِ الْأَجْنَبِيَّةِ قَبْلَ الْمِلْكِ فَقَدْ الْتَزَمَ شَرْعِيَّتَهُ أَيْ النِّكَاحِ مَعَ انْتِفَاءِ حِكْمَتِهِ إذْ لَا يَتَأَتَّى حُصُولُهَا مَعَ تَرَتُّبِ الطَّلَاقِ عَلَى حُصُولِ عَقْدِهِ صَحِيحًا شَرْعًا فَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ حِينَئِذٍ عَقْدُ نِكَاحٍ أَلْبَتَّةَ لَكِنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ إجْمَاعًا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ تَحْصِيلًا لِحِكْمَةِ عَقْدِ النِّكَاحِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ. وَلَيْسَ مِنْ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وُجُوبُ نِصْفِ الصَّدَاقِ وَتَبْعِيضُ الطَّلَاقِ وَغَيْرُهُمَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذَا الْعَقْدِ، بَلْ مِنْ الْأُمُورِ التَّابِعَةِ لِلْمَقْصُودِ مِنْهُ فَلَا يُشْرَعُ الْعَقْدُ لِأَجْلِهَا فَحَيْثُ أَجْمَعْنَا عَلَى شَرْعِيَّتِهِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى بَقَاءِ حِكْمَتِهِ وَهُوَ بَقَاءُ النِّكَاحِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَقَاصِدِهِ وَعَدَمُ لُزُومِ الطَّلَاقِ عَلَى وُقُوعِهِ صَحِيحًا فَتَأَمَّلْ

[الفرق بين قاعدة الإيجابات التي يتقدمها سبب تام وبين قاعدة الإيجابات التي هي أجزاء الأسباب]

بِحَالٍ وَلِذَلِكَ اعْتَمَدَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَوَرِّعِينَ عَلَى مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ أَكْثَرَ مُلَاحَظَةً لِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَهُمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَالْفَرِيقَيْنِ. (الْفَرْقُ الثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمِلْكِ وَقَاعِدَةِ التَّصَرُّفِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمِلْكَ أُشْكِلَ ضَبْطُهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُ عَامٌّ يَتَرَتَّبُ عَلَى أَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِرْثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُهَا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ التَّصَرُّفُ؛ لِأَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ يَمْلِكُ وَلَا يَتَصَرَّفُ فَهُوَ حِينَئِذٍ غَيْرُ التَّصَرُّفِ فَالتَّصَرُّفُ وَالْمِلْكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمُّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ فَقَدْ يُوجَدُ التَّصَرُّفُ بِدُونِ الْمِلْكِ كَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ وَالْحَاكِمِ وَغَيْرِهِمْ يَتَصَرَّفُونَ وَلَا مِلْكَ لَهُمْ وَيُوجَدُ الْمِلْكُ بِدُونِ التَّصَرُّفِ كَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَغَيْرِهِمْ يَمْلِكُونَ وَلَا يَتَصَرَّفُونَ وَيَجْتَمِعُ الْمِلْكُ وَالتَّصَرُّفُ فِي حَقِّ الْبَالِغِينَ الرَّاشِدِينَ النَّافِذِينَ لِلْكَلِمَةِ الْكَامِلِينَ الْأَوْصَافِ، وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْأَعَمِّ مِنْ وَجْهٍ وَالْأَخَصِّ مِنْ وَجْهٍ أَنْ يَجْتَمِعَا فِي صُورَةٍ وَيَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ فِي صُورَةٍ كَالْحَيَوَانِ وَالْأَبْيَضِ، وَالْعِبَارَةُ الْكَاشِفَةُ عَنْ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمِلْكِ وَقَاعِدَةِ التَّصَرُّفِ إلَى قَوْلِهِ كَالْحَيَوَانِ وَالْأَبْيَضِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ (وَالْعِبَارَةُ الْكَاشِفَةُ عَنْ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ يَقْتَضِي تَمَكُّنَ مَنْ يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ انْتِفَاعِهِ بِالْمَمْلُوكِ وَالْعَرْضِ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ) قُلْت هَذَا الْحَدُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ وَلَعَلَّ الْإِمَامَ ابْنَ الشَّاطِّ لِهَذَا قَالَ وَيَكُونُ تَمَامُ الْفَرْقِ مُبَيَّنًا عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ هُوَ مُقْتَضَاهُمَا الشَّرْعِيُّ لَا اللُّغَوِيُّ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ قَالَ هَذَا الْفَرْقُ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَنَظَرٍ اهـ بِلَفْظِهِ (مَسْأَلَةٌ) وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَى الْأَجْنَبِيَّاتِ بِشَرْطِ التَّزْوِيجِ وَإِنْ وَافَقَ مَالِكٌ فِيهِ أَبَا حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهُ خَالَفَهُ فِيمَا إذَا عَمَّمَ الْمُطَلِّقُ جَمِيعَ النِّسَاءِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَاسْتَحْسَنَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ حِينَئِذٍ بِنَاءً عَلَى الْمَصْلَحَةِ وَهِيَ أَنَّهُ إذَا عَمَّمَ فَأَوْجَبُوا عَلَيْهِ التَّعْمِيمَ لَمْ يَجِدْ سَبِيلًا إلَى النِّكَاحِ الْحَلَالِ فَكَانَ ذَلِكَ عَنَتًا بِهِ وَحَرَجًا وَكَأَنَّهُ مِنْ بَابِ نَذْرِ الْمَعْصِيَةِ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ فَقَالُوا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ مُطْلَقًا عَمَّمَ جَمِيعَ النِّسَاءِ أَوْ خَصَّصَ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ بَنِي فُلَانٍ أَوْ مِنْ بَلَدِ كَذَا أَوْ فِي وَقْتِ كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِيجَابَاتِ الَّتِي يَتَقَدَّمُهَا سَبَبٌ تَامٌّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِيجَابَاتِ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْأَسْبَابِ] (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِيجَابَاتِ الَّتِي يَتَقَدَّمُهَا سَبَبٌ تَامٌّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِيجَابَاتِ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْأَسْبَابِ) هُوَ أَنَّ الْإِيجَابَاتِ (الْأُولَى) يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إجْمَاعًا فَلَا يَقْدَحُ فِيهَا التَّأْخِيرُ كَالْخِيَارِ فِي عُيُوبِ النِّكَاحِ وَعُيُوبِ السِّلَعِ فِي الْبَيْعِ وَالْإِيجَابَاتِ (الثَّانِيَةُ) لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا فَيَقْدَحُ فِيهَا التَّأْخِيرُ كَالْقَبُولِ بَعْدَ الْإِيجَابِ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِيجَابَاتِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ التَّامَّ تَقَدَّمَهُ وَعَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ التَّأْخِيرُ كَخِيَارِ الْأَمَةِ إذَا أُعْتِقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ وَإِمْضَاءِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ وَغَيْرُهُ (الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ جُزْءُ السَّبَبِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ فَيَقْدَحُ فِيهِ التَّأْخِيرُ كَالْقَبُولِ بَعْدَ الْإِيجَابِ فِي نَحْوِ النِّكَاحِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْبَيْعِ إلَخْ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ التَّأْخِيرُ أَوْ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي فَيَقْدَحُ وَهُوَ الْجَوَابُ فِي التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ الْمُطْلَقَيْنِ فَفِيهِمَا عَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ لِلْمُمَلَّكَةِ وَالْمُخَيَّرَةِ الْخِيَارُ فِي الْمَجْلِسِ فَقَطْ كَالْمُبَايَعَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَهَا وَإِنْ افْتَرَقَا لِاحْتِيَاجِهَا لِلْمُشَاوَرَةِ. وَهَذَا إذَا بَاشَرَهَا أَوْ وَكِيلُهُ فَإِنْ كَتَبَ إلَيْهَا أَوْ أَرْسَلَ رَسُولًا أَوْ عَلَّقَ عَلَى شَرْطٍ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي تَمَادِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَطُلْ طُولًا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْإِسْقَاطِ بِأَنْ يَطُولَ نَحْوَ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرَيْنِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الزَّوْجِ سُؤَالٌ يَتَّصِلُ بِهِ جَوَابُهُ وَجَوَابُهُ لِلرِّسَالَةِ مَعَ مُرْسَلِهِ، قَالَ الْخَرَشِيُّ إذَا مَلَكَهَا تَمْلِيكًا مُطْلَقًا أَوْ خَيَّرَهَا تَخْيِيرًا مُطْلَقًا أَيْ عَارِيًّا عَنْ التَّقْيِيدِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فَلِمَالِكٍ قَوْلَانِ مَرْوِيَّانِ عَنْهُ قَوْلٌ رَجَعَ إلَيْهِ أَنَّهُمَا بِيَدِهَا مَا لَمْ تُوقَفُ عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ تُوطَأُ أَيْ تُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ طَائِعَةً قَالَتْ فِي الْمَجْلِسِ قَبِلْت أَمْ لَا وَاَلَّذِي رَجَعَ عَنْهُ أَنَّهُمَا بِيَدِهَا فِي الْمَجْلِسِ فَقَطْ وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ فَلَا شَيْءَ لَهَا وَإِنْ وَثَبَ أَيْ قَامَ حِينَ مَلَكَهَا يُرِيدُ قَطْعَ ذَلِكَ عَنْهَا لَمْ يَنْفَعْهُ، وَحَدُّ ذَلِكَ إذَا قَعَدَ مَعَهَا قَدْرَ مَا يَرَى النَّاسُ أَنَّهَا تَخْتَارُ فِي مِثْلِهِ وَلَمْ يَقُمْ فِرَارًا وَإِنْ ذَهَبَ عَامَّةُ النَّهَارِ وَعَلِمَ أَنَّهُمَا قَدْ تَرَكَا ذَلِكَ وَخَرَجَا إلَى غَيْرِهِ فَلَا خِيَارَ لَهَا وَالْمَدَارُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهِ وَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِهَذَا الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ الْمُتَيْطِيُّ وَبِهِ الْعَمَلُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا، وَقَدْ رَجَعَ مَالِكٌ آخِرًا إلَى هَذَا الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ إلَى أَنْ مَاتَ اهـ بِتَصَرُّفٍ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَأَرَى إمْهَالَ الْمَرْأَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَالْمُصَرَّاةِ

[الفرق بين قاعدة خيار التمليك في الزوجات وبين قاعدة تخيير الإماء في العتق]

يَقْتَضِي يُمْكِنُ مَنْ يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ انْتِفَاعِهِ بِالْمُلُوكِ وَالْعِوَضِ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ أَمَّا قَوْلُنَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَبِالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ، وَأَمَّا إنَّهُ مُقَدَّرٌ فَلِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَعَلُّقِ إذْنِ الشَّرْعِ، وَالتَّعَلُّقُ عَدَمِيٌّ لَيْسَ وَصْفًا حَقِيقِيًّا، بَلْ يُقَدَّرُ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْأَسْبَابِ الْمُفِيدَةِ لِلْمِلْكِ ـــــــــــــــــــــــــــــSفَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمِلْكَ مِنْ أَوْصَافِ الْمَالِكِ لَا الْمَمْلُوكِ لَكِنَّهُ وَصْفٌ مُتَعَلِّقٌ وَالْمَمْلُوكُ هُوَ مُتَعَلِّقُهُ (وَثَانِيهَا) أَنَّهُ لَيْسَ مُقْتَضِيًا لِلتَّمْكِينِ مِنْ الِانْتِفَاعِ، بَلْ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ كَلَامُ الشَّارِعِ (ثَالِثُهَا) أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الِانْتِفَاعَ بِالْمَمْلُوكِ وَبِالْعَرْضِ، بَلْ بِأَحَدِهِمَا (رَابِعُهَا) أَنَّ الْمَمْلُوكَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمِلْكِ فَلَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ وَالصَّحِيحُ فِي حَدِّ الْمِلْكِ أَنَّهُ تَمَكُّنُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنِيَابَةٍ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْ الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ هَذَا إنْ قُلْنَا إنَّ الضِّيَافَةَ وَنَحْوَهَا لَا يَمْلِكُهَا مَنْ سُوِّغَتْ لَهُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ يَمْلِكُهَا زِدْنَا فِي الْحَدِّ فَقُلْنَا إنَّهُ تَمَكُّنُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنِيَابَةٍ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ أَوْ تَمَكُّنُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ خَاصَّةً وَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى بَيَانِ صِحَّةِ هَذَا الْحَدِّ فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ الْمُنْصِفِ قَالَ (أَمَّا قَوْلُنَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَبِالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ أَحَدُ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ فَفِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ عَلَى الْجُمْلَةِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ. (وَأَمَّا أَنَّهُ مَقْدُورٌ فَلِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَعَلُّقِ إذْنِ الشَّرْعِ إلَى قَوْلِهِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْأَسْبَابِ الْمُفِيدَةِ لِلْمِلْكِ) قُلْت قَوْلُهُ إنَّهُ عَدَمِيٌّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّسَبَ أُمُورٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالشُّفْعَةِ لِمَا فِي الْفِرَاقِ مِنْ الصُّعُوبَةِ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ فَتَرَقَّبْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِيَارِ التَّمْلِيكِ فِي الزَّوْجَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَخْيِيرِ الْإِمَاءِ فِي الْعِتْقِ] (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِيَارِ التَّمْلِيكِ فِي الزَّوْجَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَخْيِيرِ الْإِمَاءِ فِي الْعِتْقِ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ إذَا غِبْت عَنْك فَأَمْرُك بِيَدِك فَتَقُولُ الْمَرْأَةُ مَتَى غِبْت عَنِّي فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ فِي الثَّانِي أَنْ يَحْلِفَ سَيِّدُ الْأَمَةِ بِحُرِّيَّتِهَا بِأَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ أَصُمْ فَأَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ إنْ زَنَيْت فَتَقُولُ إنْ فَعَلْت فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي فَإِذَا قَالَتْ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ مَبْسُوطَةٌ هِيَ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ وَقَعَ قَبْلَ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ لَا يَنْعَقِدُ إجْمَاعًا وَبَعْدَهُمَا يَنْعَقِدُ إجْمَاعًا وَبَيْنَهُمَا فِي النُّفُوذِ قَوْلَانِ وَالْحُرَّةُ وُجِدَ فِي حَقِّهَا سَبَبٌ وَهُوَ قَوْلُ الزَّوْجِ الْمُقْتَضِي إذْنَهَا فِي الْقَضَاءِ الْآنَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ مَعَ إذْنِ الشَّرْعِ الْمُقَدَّرِ فَلَمْ يَقَعْ قَضَاؤُهَا إلَّا بَعْدَ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ وَالْأَمَةُ انْفَرَدَ فِي حَقِّهَا الْإِذْنُ الْمُقَدَّرُ فَقَطْ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لَهَا فِي الْقَضَاءِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَهُوَ الْعِتْقُ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى حُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَحْصُلْ فَوَقَعَ قَضَاؤُهَا بَعْدَ شَرْطِهِ وَقَبْلَ سَبَبِهِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْحَالِفَ بِحُرِّيَّتِهَا لَمْ يَأْذَنْ وَإِنَّمَا قَصَدَ حَثَّ نَفْسِهِ بِالْيَمِينِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ زَجْرَهَا عَنْهُ. وَأَمَّا الزَّوْجُ فَأَذِنَ لِلْحُرَّةِ الْقَضَاءَ الْآنَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَهُوَ غَيْبَتُهُ عَنْهَا وَالْقَاعِدَةُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ أَيْضًا أَنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ إنَّمَا تَسْقُطُ بِإِذْنِ الْعِبَادِ فَلِذَا جَرَى الْخِلَافُ فِي نُفُوذِ قَضَائِهَا كَالزَّوْجَاتِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَسَوَّى أَصْبَغُ الْإِمَاءَ بِالزَّوْجَاتِ وَعَدَمُ نُفُوذِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ الْفَرْقُ، وَقَدْ سَأَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ مَالِكًا عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ أَتَعْرِفُ دَارَ قُدَامَةَ؟ وَدَارُ قُدَامَةَ يُلْعَبُ فِيهَا بِالْحَمَامِ بِالْمَدِينَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ نَعَمْ سَوَّى أَشْهَبُ الزَّوْجَاتِ بِالْإِمَاءِ لِعَدَمِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الِاخْتِيَارُ فَافْهَمْ وَلَا يَسْتَوِيَانِ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا إذَا قَالَتْ الْحُرَّةُ إنْ مَلَكْتنِي فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي هَذَا تَهْذِيبُ مَا فِي الْأَصْلِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ فِيهِ نَظَرٌ اهـ. وَوَجْهُهُ مَا عَلَّلَ بِهِ أَشْهَبُ قَوْلَهُ بِتَسْوِيَةِ الزَّوْجَاتِ بِالْإِمَاءِ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّمْلِيكِ وَقَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ] (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّمْلِيكِ وَقَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ) عَلَى مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَنَّ التَّمْلِيكَ جَعْلُ الزَّوْجِ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ حَقًّا لِلزَّوْجَةِ، وَكَذَا لِغَيْرِهَا رَاجِحًا فِي الثَّلَاثِ يَخُصُّ بِمَا دُونَهَا بِنِيَّةٍ وَالتَّخْيِيرُ جَعْلُهُ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا حُكْمًا أَوْ نَصًّا عَلَيْهَا حَقًّا لَهَا، وَكَذَا لِغَيْرِهَا كَمَا لِابْنِ عَرَفَةَ فَمَوْضُوعُ التَّمْلِيكِ عَلَى هَذَا أَصْلُ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ إشْعَارٍ بِالْبَيْنُونَةِ وَلَا بِالْعَدَدِ فَلَهَا أَنْ تَقْضِيَ بِأَيِّ ذَلِكَ شَاءَتْ وَمَوْضُوعُ التَّخْيِيرِ عَلَى هَذَا الثَّلَاثُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَمَقْصُودُهُ الْبَيْنُونَةُ فَلِذَلِكَ تُقْبَلُ نِيَّةُ الزَّوْجِ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ قَبْلَ الْبِنَاءِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ بِالْوَاحِدَةِ حِينَئِذٍ دُونَ مَا بَعْدَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَيْ التَّخْيِيرَ حِينَئِذٍ صَرِيحٌ فِي الْبَيْنُونَةِ لَا يَقْبَلُ الْمَجَازَ كَالثَّلَاثِ إذَا نَطَقَ بِهَا، وَلَيْسَ لَهُ عَزْلُهَا فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهَا مَا كَانَ بِيَدِهِ مِنْ الْعِصْمَةِ. وَأَخْرَجَهُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ قَالَ الْحَطَّابُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوَكَالَةِ عَمَّنْ وَكَّلَهُ وَالْمُمَلَّكُ وَالْمُخَيَّرُ إنَّمَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَلَكَا مَا كَانَ يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ اهـ. قَالَ حَفِيدُ ابْنُ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ فَرَأْيُ مَالِكٍ أَنَّ قَوْلَهُ لَهَا اخْتَارِينِي أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك أَنَّهُ ظَاهِرٌ بِعُرْفِ الشَّرْعِ فِي مَعْنَى

وَقَوْلُنَا فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّ الْأَعْيَانَ تُمْلَكُ كَالْبَيْعِ وَالْمَنَافِعِ كَالْإِجَارَاتِ وَقَوْلُنَا يَقْتَضِي انْتِفَاعَهُ بِالْمَمْلُوكِ لِيَخْرُجَ التَّصَرُّفُ بِالْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ وَتَصَرُّفُ الْقُضَاةِ فِي أَمْوَالِ الْغَائِبِينَ وَالْمَجَانِينِ فَإِنَّ هَذِهِ الطَّوَائِفَ لَهُمْ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ مِلْكٍ وَقَوْلُنَا وَالْعِوَضُ عَنْهُ لِيَخْرُجَ عَنْهُ الْإِبَاحَاتُ فِي الضِّيَافَاتِ فَإِنَّ الضِّيَافَةَ مَأْذُونٌ فِيهَا، وَلَيْسَتْ مَمْلُوكَةً عَلَى الصَّحِيحِ وَيَخْرُجُ أَيْضًا الِاخْتِصَاصَاتُ بِالْمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ وَالْخَوَانِقِ وَمَوَاضِعِ الْمَطَافِ وَالسِّكَكِ وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا مِلْكَ فِيهَا مَعَ الْمُكْنَةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ ـــــــــــــــــــــــــــــSعَدَمِيَّةٌ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ وَصْفٌ لِلْمَالِكِ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ. قَالَ (وَقَوْلُنَا فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّ الْأَعْيَانَ تُمْلَكُ بِالْبَيْعِ وَالْمَنَافِعُ كَالْإِجَارَاتِ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ فَإِنَّ الْأَعْيَانَ تُمْلَكُ مِنْ الْمُسَامَحَةِ عَلَى مَا يَذْكُرُهُ هُوَ بَعْدَ هَذَا عَنْ الْمَازِرِيِّ قَالَ (وَقَوْلُنَا يَقْتَضِي انْتِفَاعَهُ بِالْمَمْلُوكِ إلَى قَوْلِهِ فَإِنَّ هَذِهِ الطَّوَائِفَ لَهُمْ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ مِلْكٍ) قُلْت هَذَا التَّحَرُّزُ صَحِيحٌ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ حَدِّهِ. قَالَ (وَقَوْلُنَا وَالْعِوَضُ عَنْهُ إلَى قَوْلِهِ مَعَ الْمُكْنَةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ) قُلْت جُعِلَ التَّصَرُّفُ بَدَلَ الِانْتِفَاعِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْهُ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ هُوَ قَبْلَ هَذَا مِنْ تَصَرُّفِ الْأَوْصِيَاءِ وَالْحَاكِمِ حَيْثُ لَهُمْ التَّصَرُّفُ دُونَ الِانْتِفَاعِ وَكُلُّ مَنْ ذُكِرَ هُنَا مِنْ ضَيْفٍ وَشَبَهِهِ لَيْسَ لَهُ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ، بَلْ لَهُ التَّصَرُّفُ بِالِانْتِفَاعِ خَاصَّةً ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَيْنُونَةِ بِتَخْيِيرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسَاءَهُ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ إنَّمَا كَانَ الْبَيْنُونَةَ وَرَأَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي التَّمْلِيكِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ طَلَاقًا إذَا زَعَمَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ ظَاهِرٌ فِي مَعْنَى جَعْلِ الطَّلَاقِ بِيَدِهَا قَالَ وَصَارَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ وَالتَّمْلِيكَ وَاحِدٌ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ مِنْ عُرْفِ دَلَالَةِ اللُّغَةِ أَنَّ مَنْ مَلَّكَ إنْسَانًا أَمْرًا مِنْ الْأُمُورِ إنْ شَاءَ أَنْ يَفْعَلَهُ أَوْ لَا يَفْعَلَهُ فَإِنَّهُ قَدْ خَيَّرَهُ اهـ. مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْحُكْمِ الْوَاحِدِ الَّذِي وَقَعَ اشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ اخْتَارِي وَأَمْرُك بِيَدِك سَوَاءٌ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ طَلَاقًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ وَإِنْ نَوَاهُ فَهُوَ مَا أَرَادَ إنْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَإِنْ ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ فَلَهُ عِنْدَهُ أَنْ يُنَاكِرَهَا فِي الطَّلَاقِ نَفْسِهِ وَفِي الْعَدَدِ فِي الْخِيَارِ أَوْ التَّمْلِيكِ نَعَمْ التَّمْلِيكُ عِنْدَهُ إذَا أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ كَالْوَكَالَةِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ مَتَى أَحَبَّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ الْخِيَارُ وَالتَّمْلِيكُ وَاحِدٌ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا (وَقَدْ قِيلَ) الْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي أَعْدَادِ الطَّلَاقِ فِي التَّمْلِيكِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مُنَاكَرَتُهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَعَطَاءٌ. (وَقَدْ قِيلَ) إنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ فِي التَّمْلِيكِ إلَّا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رُوِيَ أَنَّهُ جَاءَ ابْنَ مَسْعُودٍ رَجُلٌ فَقَالَ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ امْرَأَتِي بَعْضُ مَا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَتْ لَوْ أَنَّ الَّذِي بِيَدِك مِنْ أَمْرِي بِيَدِي لَعَلِمْتَ كَيْفَ أَصْنَعُ، قَالَ فَإِنَّ الَّذِي بِيَدِي مِنْ أَمْرِك بِيَدِك، قَالَتْ فَأَنْتَ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَالَ أَرَاهَا وَاحِدَةً وَأَنْتَ أَحَقُّ بِهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا وَسَأَلْقَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ، ثُمَّ لَقِيَهُ فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ صَنَعَ اللَّهُ بِالرِّجَالِ وَفَعَلَ يَعْمِدُونَ إلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ فَيَجْعَلُونَهُ بِأَيْدِي النِّسَاءِ بِفِيهَا التُّرَابُ مَاذَا قُلْت فِيهَا قَالَ، قُلْت أَرَاهَا وَاحِدَةً وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا قَالَ وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ، وَلَوْ رَأَيْت غَيْرَ ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّك لَمْ تُصِبْ، وَقَدْ قِيلَ لَيْسَ التَّمْلِيكُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَا جَعَلَ الشَّرْعُ بِيَدِ الرَّجُلِ لَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى يَدِ الْمَرْأَةِ بِجَعْلِ جَاعِلٍ، وَكَذَلِكَ التَّخْيِيرُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ قَالَ وَمَعْنَى مَا ثَبَتَ مِنْ تَخْيِيرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسَاءَهُ أَنَّهُنَّ لَوْ اخْتَرْنَ أَنْفُسَهُنَّ طَلَّقَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَنَّهُنَّ كُنَّ يُطَلَّقْنَ بِنَفْسِ اخْتِيَارِ الطَّلَاقِ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي قِيلَ بِاشْتِرَاكِهِمَا فِيهِ (إمَّا) عَدَمُ لُزُومِ شَيْءٍ إلَّا مَا أَرَادَهُ إنْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَإِنْ ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ فَلَهُ مُنَاكَرَتُهَا فِي الطَّلَاقِ نَفْسِهِ وَفِي الْعَدَدِ (وَإِمَّا) مَا قَالَتْهُ مِنْ الْعَدَدِ، وَلَيْسَ لَهُ مُنَاكَرَتُهَا وَإِمَّا لُزُومُ طَلْقَةٍ رَجْعِيَّةٍ، وَلَوْ أَوْقَعَتْ أَكْثَرَ (وَإِمَّا) أَنَّهُ لَغْوٌ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ مُطْلَقًا وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ مَا فَرَّقَ بِهِ بَيْنَهُمَا مَشْهُورُ مَالِكٍ فَقَالُوا الْخِيَارُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ أَيْ لَا صَرِيحٍ وَلَا ظَاهِرٍ، بَلْ كِنَايَةٍ خَفِيَّةٍ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِمَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا التَّمْلِيكُ فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً فَهِيَ بَائِنَةٌ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ وَفَرَّقَ ابْنُ حَنْبَلٍ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ مَا ذَكَرَ قَالَ الشَّيْخُ مَنْصُورُ بْنُ إدْرِيسَ الْحَنْبَلِيُّ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ عَلَى الْإِقْنَاعِ مَعَ الْمَتْنِ. وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُك بِيَدِك فَهُوَ تَوْكِيلٌ مِنْهُ لَهَا فِي الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهَا فِيهِ وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالْمَجْلِسِ، بَلْ هُوَ عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يَفْسَخْ أَوْ يَطَأْ لِقَوْلِ عَلِيٍّ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ تَمَلُّكٍ فِي الطَّلَاقِ، فَمَلَكَهُ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ كَمَا لَوْ جَعَلَهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا أَفْتَى بِهِ أَحْمَدُ مِرَارًا، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عُثْمَانَ. وَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ

وَقَوْلُنَا مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَقَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَانِعٍ يَعْرِضُ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ لَهُمْ الْمِلْكُ، وَلَيْسَ لَهُمْ الْمُكْنَةُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي تِلْكَ الْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ، لَكِنَّ تِلْكَ الْأَمْلَاكَ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ لِوُجُودِ النَّظَرِ إلَيْهَا اقْتَضَتْ مُكْنَةَ التَّصَرُّفِ وَإِنَّمَا جَاءَ الْمَنْعُ مِنْ أُمُورٍ خَارِجَةٍ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْقَبُولِ الذَّاتِيِّ وَالِاسْتِحَالَةِ لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ وَلِذَلِكَ نَقُولُ إنَّ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ لَهَا الْقَبُولُ لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمِ بِالنَّظَرِ إلَى ذَوَاتِهَا وَهِيَ إمَّا وَاجِبَةٌ لِغَيْرِهَا إنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى وُجُودَهَا أَوْ مُسْتَحِيلَةٌ لِغَيْرِهَا إنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى عَدَمَهَا، وَكَذَلِكَ هَا هُنَا بِالنَّظَرِ إلَى الْمِلْكِ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ الْمَذْكُورُ وَبِالنَّظَرِ لِمَا عَرَضَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْخَارِجَةِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ التَّصَرُّفِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَقَوْلُنَا مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَقَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَانِعٍ يَعْرِضُ إلَى قَوْلِهِ وَبِالنَّظَرِ لِمَا عَرَضَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْخَارِجَةِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ التَّصَرُّفِ) قُلْت كَلَامُهُ هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ التَّصَرُّفَ هُوَ مُوجِبُ الْمِلْكِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ مُوجِبُهُ الِانْتِفَاعُ، ثُمَّ الِانْتِفَاعُ يَكُونُ بِوَجْهَيْنِ انْتِفَاعٌ يَتَوَلَّاهُ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ وَانْتِفَاعٌ يَتَوَلَّاهُ النَّائِبُ عَنْهُ، ثُمَّ النَّائِبُ قَدْ يَكُونُ بِاسْتِنَابَةِ الْمَالِكِ، وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ اسْتِنَابَتِهِ فَغَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ يَتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ بِنَفْسِهِ وَنِيَابَتِهِ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ إلَّا بِنِيَابَتِهِ وَنَائِبِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِاسْتِنَابَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفَضَالَةُ وَنَضْرَةُ فِي الشَّرْحِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ هُوَ ثَلَاثٌ» قَالَ الْبُخَارِيُّ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ؛ وَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي جَمِيعِ أَمْرِهَا؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٍ فَيَتَنَاوَلُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثَ كَقَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك مَا شِئْت وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَرَدْت وَاحِدَةً وَلَا يُدَيَّنُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إنْ جَعَلَ أَمْرَهَا فِي يَدِ غَيْرِهَا أَيْ الزَّوْجَةِ بِأَنْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ زَيْدٍ مَثَلًا فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا مَا لَمْ يَفْسَخْ أَوْ يَطَأْ. (وَإِنْ) قَالَ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَك لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ وَتَقَعُ رَجْعِيَّةً حَكَاهُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَائِشَةَ وَغَيْرِهِمْ؛ وَلِأَنَّ اخْتَارِي تَفْوِيضٌ مُعَيَّنٌ فَيَتَنَاوَلُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَهُوَ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ بِخِلَافِ أَمْرُك بِيَدِك فَإِنَّهُ أَمْرٌ مُضَافٌ فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَمْرِهَا إلَّا أَنْ يَجْعَلَ إلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَيْ مِنْ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ جَعَلَهُ بِلَفْظِهِ بِأَنْ يَقُولَ اخْتَارِي مَا شِئْت أَوْ اخْتَارِي الطَّلْقَاتِ إنْ شِئْت أَوْ جَعَلَهُ بِنِيَّةٍ بِأَنْ يَنْوِيَ بِقَوْلِهِ اخْتَارِي عَدَدًا اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ فَيَرْجِعُ فِيمَا يَقَعُ بِهَا إلَى نِيَّتِهِ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ ثَلَاثًا فَطَلُقَتْ أَقَلَّ مِنْهَا أَيْ مِنْ ثَلَاثٍ كَاثْنَيْنِ أَوْ وَاحِدَةٍ وَقَعَ مَا طَلَّقَتْهُ دُونَ مَا نَوَاهُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ وَإِنَّمَا يَقَعُ بِتَطْلِيقِهَا وَلِذَا لَوْ لَمْ تُطَلِّقْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ عِنْدَنَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا مَا قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ التَّفَرُّقِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ التَّخْيِيرَ ثَلَاثٌ وَإِنْ نَوَتْ دُونَهَا وَثَانِيهِمَا مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ التَّخْيِيرَ ثَلَاثٌ إنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي وَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا أَوْ رَدَّتْ الْخِيَارَ عَلَيْهِ حَكَاهَا الْأَصْلُ عَنْ عِيَاضٍ فِي كِتَابِ التَّنْبِيهَاتِ ، وَأَمَّا التَّمْلِيكُ فَعَلَى مَا مَرَّ عَنْ مَالِكٍ فَالتَّشْهِيرُ فِيمَا تَقَدَّمَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ التَّخْيِيرِ لَا التَّمْلِيكِ فَإِنَّ مَوْضُوعَهُ عِنْدَنَا أَصْلُ الطَّلَاقِ فَقَطْ كَمَا عَلِمْت فَهُوَ كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ يَلْزَمُ بِهِ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ إنْ لَمْ تُوقِعْ أَكْثَرَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ كَالتَّخْيِيرِ يُرْجَعُ فِيمَا يَقَعُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا إلَى نِيَّةٍ، وَقَدْ قِيلَ هُوَ عَلَى مَا تَقُولُهُ مِنْ إعْدَادِ الطَّلَاقِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مُنَاكَرَتُهَا كَالتَّخْيِيرِ، وَقِيلَ هُوَ كَالتَّخْيِيرِ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَلَوْ أَوْقَعَتْ أَكْثَرَ، وَقِيلَ هُوَ كَالتَّخْيِيرِ لَغْوًا لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ أَصْلًا. وَقِيلَ هُوَ خِلَافُ التَّخْيِيرِ كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ لَا يَلْزَمُ بِهِ إلَّا مَا نَوَاهُ، وَقِيلَ هُوَ غَيْرُ التَّخْيِيرِ يَلْزَمُ بِهِ مَا قَالَتْهُ مِنْ إعْدَادِ الطَّلَاقِ فَإِنْ أَوْقَعَتْ وَاحِدَةً فَبَائِنَةٌ فَالْأَقْوَالُ فِيهِ سَبْعَةٌ شَارَكَ التَّخْيِيرُ فِي أَرْبَعَةٍ وَخَالَفَهُ فِي ثَلَاثَةٍ وَحُكِيَ الْأَصْلُ فِي التَّخْيِيرِ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي كِتَابِ التَّنْبِيهَاتِ سَبْعَةَ أَقْوَالٍ أَيْضًا (الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا الثَّلَاثُ نَوَتْهَا الْمَرْأَةُ أَمْ لَا فَإِنْ قَضَتْ بِدُونِهَا فَهَلْ يَسْقُطُ خِيَارُهَا خِلَافٌ (الْقَوْلُ الثَّانِي) لِعَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثُ وَإِنْ نَوَتْ دُونَهَا (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ الثَّلَاثُ إنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي وَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا أَوْ أَرَادَتْ الْخِيَارَ عَلَيْهِ، وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مُقَابِلَا الْمَشْهُورِ عِنْدَنَا وَعَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ التَّخْيِيرُ خِلَافُ التَّمْلِيكِ فَإِنَّ مَوْضُوعَ التَّمْلِيكِ أَصْلُ الطَّلَاقِ كَمَا عَلِمْت (الْقَوْلُ الرَّابِعُ) أَنَّهُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلِلزَّوْجِ الْمُنَاكَرَةُ فِي الثَّلَاثِ وَلَمْ يَنْسُبْهُ عِيَاضٌ لِأَحَدٍ وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ إلَّا كَوْنُ التَّمْلِيكِ بِخِلَافِهِ فَقَطْ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِهَذَا الْقَوْلِ فِيهِ فَافْهَمْ (الْقَوْلُ الْخَامِسُ) لِابْنِ الْجَهْمِ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ عَلَى هَذَا لَيْسَ لِلزَّوْجِ الْمُنَاكَرَةُ فِي الثَّلَاثِ كَمَا مَرَّ عَنْ حَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ فِي التَّمْلِيكِ مِنْ أَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ فِيهِ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَعَطَاءٌ هُوَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِي أَعْدَادِ الطَّلَاقِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مُنَاكَرَتُهَا فَتَأَمَّلْ (الْقَوْلُ السَّادِسُ) أَنَّهُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَلَوْ أَوْقَعَتْ أَكْثَرَ وَهُوَ إمَّا أَنْ

وَكَذَلِكَ إذَا قُلْنَا الْأَوْقَافُ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِينَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْبَيْعُ وَمِلْكُ الْعِوَضِ عَنْهَا بِسَبَبِ مَا عَرَضَ مِنْ الْوَقْفِ الْمَانِعِ مِنْ الْبَيْعِ كَالْحَجْرِ الْمَانِعِ مِنْ الْبَيْعِ فَقَدْ انْطَبَقَ هَذَا الْحَدُّ عَلَى الْمِلْكِ فَإِنْ، قُلْت قَدْ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ إنَّ الضِّيَافَةَ تُمْلَكُ وَهَلْ بِالْمَضْغِ أَوْ بِالْبَلْعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى خِلَافٍ عِنْدَهُمْ، فَهَذَا مِلْكٌ مَعَ أَنَّ الضَّيْفَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى مَا قُدِّمَ لَهُ وَلَا يُمْكِنُ مِنْ إطْعَامِهِ لِغَيْرِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ إنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَمْلِكُ أَنْ يَمْلِكَ وَهَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَوْ لَا قَوْلَانِ فَمَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَلَا أَخْذِ الْعِوَضِ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَهُ مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ صَرَّحُوا بِحَقِيقَةِ الْمِلْكِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ إنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ، وَقَدْ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ فَقَطْ كَبُيُوتِ الدَّارِسِ وَالْأَوْقَافِ وَالرُّبُطِ وَنَحْوِهَا مَعَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يَمْلِكُ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْ تِلْكَ الْمَنَافِعِ قُلْت أَمَّا السُّؤَالُ الْأَوَّلُ فَإِنَّ الصَّحِيحَ فِي الضِّيَافَاتِ أَنَّهَا إبَاحَاتٌ لَا تَمْلِيكٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَكَذَلِكَ إذَا قُلْنَا الْأَوْقَافُ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِينَ إلَى قَوْلِهِ فَقَدْ انْطَبَقَ هَذَا الْحَدُّ عَلَى الْمِلْكِ) قُلْت قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدٍّ صَحِيحٍ قَالَ (فَإِنْ قُلْت قَدْ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ إلَى قَوْلِهِ مَعَ إنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يَمْلِكُ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْ تِلْكَ الْمَنَافِعِ) ، قُلْت ذَلِكَ حِكَايَةُ سُؤَالَاتٍ وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ قَالَ (قُلْت أَمَّا السُّؤَالُ الْأَوَّلُ فَإِنَّ الصَّحِيحَ فِي الضِّيَافَاتِ أَنَّهَا إبَاحَاتٌ لَا تَمْلِيكٌ) قُلْت مَا قَالَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهَا تَمْلِيكٌ لِلِانْتِفَاعِ بِالْأَكْلِ خَاصَّةً سَوَاءٌ أَوَقَعَ الْبِنَاءُ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي ارْتَضَيْته أَوْ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQيُنْسَبَ لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا قَالَ عِيَاضٌ وَعَلَيْهِ فَهُوَ إمَّا بِخِلَافِ التَّمْلِيكِ فَإِنَّهُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ كَمَا مَرَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِمَّا كَالتَّمْلِيكِ كَمَا مَرَّ عَنْ حَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ رَوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعُمَرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ التَّمْلِيكُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَلَوْ أَوْقَعَتْ ثَلَاثًا وَإِمَّا أَنْ يُنْسَبَ لِابْنِ حَنْبَلٍ، فَيَكُونُ خِلَافَ التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ كَالتَّوْكِيلِ يَلْزَمُ بِهِ مَا قَالَتْهُ فَإِنْ أَوْقَعَتْ وَاحِدَةً فَبَائِنَةٌ كَمَا مَرَّ عَنْ الشَّيْخِ مَنْصُورِ بْنِ إدْرِيسَ الْحَنْبَلِيِّ فَتَنَبَّهْ (الْقَوْلُ السَّابِعُ) أَنَّهُ كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَحُكِيَ الْأَصْلُ عَنْ عِيَاضٍ أَنَّهُ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَأَنَّهُمْ عَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ لَفْظَ التَّخْيِيرِ يَحْتَمِلُ التَّخْيِيرَ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرَهُ، فَإِنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ فَيَحْتَمِلُ الْوَحْدَةَ وَالْكَثْرَةَ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ حَتَّى يَنْوِيَ اهـ. وَاَلَّذِي يُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ مُعْتَمَدَ مَذْهَبِ ابْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَلَوْ أَوْقَعَتْ أَكْثَرَ، لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ مَنْصُورٍ الْحَنْبَلِيِّ وَأَنَّهُ خِلَافُ التَّمْلِيكِ إذْ التَّمْلِيكُ كَالتَّوْكِيلِ الْقَوْلُ قَوْلُهَا فِيمَا تُوقِعُهُ، فَإِنْ أَوْقَعَتْ وَاحِدَةً فَبَائِنَةٌ وَأَنَّ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَى هَذَا إنَّمَا هُوَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا مَعَ ذَلِكَ فِي التَّمْلِيكِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ كَالتَّخْيِيرِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ بِخِلَافٍ؛ لِأَنَّهَا إنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً فِيهِ فَهِيَ بَائِنَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ حَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاعْتَمَدَ أَصْحَابُنَا فِي الِاسْتِدْلَالِ لِمَشْهُورِ مَالِكٍ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَدَارَكَ (الْمُدْرَكُ الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [الأحزاب: 28] . الْآيَةَ. قَالُوا هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ بِالثَّلَاثِ (الْمُدْرَكُ الثَّانِي) أَنَّ إحْدَى نِسَائِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَكَانَتْ أَلْبَتَّةَ فَكَانَ ذَلِكَ أَصْلًا فِي الْخِيَارِ (الْمُدْرَكُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ عَادَةً إنَّمَا هُوَ التَّخْيِيرُ فِي الْكَوْنِ فِي الْعِصْمَةِ أَوْ مُفَارَقَتُهَا هَذَا هُوَ السَّابِقُ لِلْفَهْمِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ لِزَوْجَتِهِ خَيَّرْتُك وَتَعَقَّبَ اللَّخْمِيُّ الْمُدْرَكَ الْأَوَّلَ بِأَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ (الْأَوَّلُ) أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ الْمُطَلِّقُ لَا النِّسَاءُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 28] (الْوَجْهُ الثَّانِي) سَلَّمْنَا أَنَّ الْأَزْوَاجَ كُنَّ اللَّاتِي طَلَّقْنَ لَكِنَّ السَّرَاحَ لَا يُوجِبُ إلَّا وَاحِدَةً كَمَا لَوْ قَالَ سَرَّحْتُك (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) سَلَّمْنَا أَنَّهُ الثَّلَاثُ لَكِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مُعَلَّلٌ بِالنَّدَمِ وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمْلَكُ لِنَفْسِهِ مِنَّا (الْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ التَّخْيِيرَ إنَّمَا كَانَ بَيْنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالدَّارِ الْآخِرَةِ وَتَعَقَّبَ الْمُدْرَكَ الثَّانِيَ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ إنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُهُ مِثْلَ ذَلِكَ» وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ يُنَازِعُونَ فِي أَنَّ هَذَا أَيْ التَّخْيِيرَ فِي الْكَوْنِ فِي الْعِصْمَةِ أَوْ مُفَارَقَتِهَا هُوَ الْمَفْهُومُ عَادَةً لَكِنْ فِي شَرْحِ الْحَطَّابِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ كَمَا فِي الْبُنَانِيِّ عَلَى ابْنِ عبق أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ قِيلَ أَمْرٌ عُرْفِيٌّ لَا مُشَارَكَةَ لِلُّغَةِ فِيهِ فَقَوْلُهُمْ فِي الْمَشْهُورِ إنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُنَاكِرَ الْمُمَلَّكَةَ دُونَ الْمُخَيَّرَةِ إنَّمَا هُوَ أَمْرٌ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْعُرْفِ وَعَلَى هَذَا يَنْعَكِسُ الْحُكْمُ بِانْعِكَاسِ الْعُرْفِ، وَقِيلَ هُوَ وَإِنْ كَانَ تَابِعًا لِلْعُرْفِ إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ تَابِعٌ لِلُّغَةِ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ إعْطَاءُ مَا لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا فَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُنَاكِرَهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مِلْكِهِ بِيَدِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا اعْتَرَفَ أَنَّهُ إعْطَاءٌ. وَأَمَّا التَّخْيِيرُ فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ خُيِّرَ فُلَانٌ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إذَا جُعِلَ لَهُ الْخِيَارُ، فَيَكُونُ تَخْيِيرُ الزَّوْجَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ الزَّوْجَ فَوَّضَ إلَيْهَا الْبَقَاءَ عَلَى الْعِصْمَةِ وَالذَّهَابَ عَنْهَا، وَذَلِكَ

[الفرق بين قاعدة ضم الشهادتين في الأقوال وبين قاعدة عدم ضمها في الأفعال]

كَمَا أَبَاحَ اللَّهُ السَّمَكَ فِي الْمَاءِ وَالطَّيْرَ فِي الْهَوَاءِ وَالْحَشِيشَ وَالصَّيْدَ فِي الْفَلَاةِ لِمَنْ أَرَادَ تَنَاوُلَهُ وَلَا يُقَالُ إنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَمْلُوكَةٌ لِلنَّاسِ كَذَلِكَ الضَّيْفُ جُعِلَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ إنْ أَرَادَ أَوْ يَتْرُكَ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمِلْكَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِ التَّصَرُّفِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَبَعْدُ إنْ بَلَعَ الطَّعَامَ كَيْفَ يَبْقَى سُلْطَانٌ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّهَا فَسَدَتْ عَادَةً وَلَمْ تَبْقَ مَقْصُودَةَ التَّصَرُّفِ أَلْبَتَّةَ فَالْحَقُّ إذًا أَنَّهَا إبَاحَاتٌ لَا تَمْلِيكَاتٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSارْتَضَاهُ هُوَ أَمَّا عَلَى الْحَدِّ الَّذِي ارْتَضَيْته فَلِأَنَّ مُقَدَّمَ الضِّيَافَةِ قَدْ مَكَّنَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِأَكْلِهَا، وَأَمَّا عَلَى الْحَدِّ الَّذِي ارْتَضَاهُ هُوَ فَلِأَنَّهُ قَالَ حُكْمٌ مُقَدَّرٌ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ يَقْتَضِي تَمْكِينَ مَنْ يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ انْتِفَاعِهِ بِالْمَمْلُوكِ وَبِالْعِوَضِ عَنْهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الِانْتِفَاعَ بِهِمَا فَيَبْقَى الِانْتِفَاعُ مُطْلَقًا. قَالَ (كَمَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى السَّمَكَ فِي الْمَاءِ إلَى قَوْلِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَمْلُوكَةٌ لِلنَّاسِ) قُلْت هِيَ مَمْلُوكَةٌ بَعْدَ التَّنَاوُلِ وَإِبَاحَةُ التَّنَاوُلِ سَبَبُ مِلْكِهَا قَالَ (كَذَلِكَ الضَّيْفُ جُعِلَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ إنْ أَرَادَ أَوْ يَتْرُكَ) قُلْت إبَاحَةُ صَاحِبِ الطَّعَامِ لِلضَّيْفِ أَنْ يَأْكُلَ سَبَبُ مِلْكِهِ أَنْ يَأْكُلَ وَمِلْكُهُ أَنْ يَأْكُلَ هُوَ تَمَكُّنُهُ شَرْعًا مِنْ ذَلِكَ. قَالَ (وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمَالِكَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِ التَّصَرُّفِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ إلَى قَوْلِهِ فَالْحَقُّ إذًا أَنَّهَا إبَاحَاتٌ لَا تَمْلِيكَاتٌ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ مُشْكِلٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّ الْمِلْكَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِ التَّصَرُّفِ لَيْسَ كَمَا. قَالَ بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِ الِانْتِفَاعِ لَا ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّمَا يَتَأَتَّى لَهَا إذَا حَصَلَتْ عَلَى حَالٍ لَا يَبْقَى لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا حُكْمٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي إيقَاعِ الثَّلَاثِ، نَظَرَ ضَيْح وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ اهـ. وَقَالَ الْأَصْلُ وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ قَوْلَ الْأَئِمَّةِ هُوَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ لُغَةً لَا مِرْيَةَ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَفْتَى بِالثَّلَاثِ وَالْبَيْنُونَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بِنَاءً عَلَى عَادَةٍ كَانَتْ فِي زَمَانِهِ أَوْجَبَتْ نَقْلَ اللَّفْظِ عَنْ مُسَمَّاهُ اللُّغَوِيِّ إلَى هَذَا الْمَفْهُومِ فَصَارَ صَرِيحًا فِيهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ وَهُوَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ وَقَاعِدَةِ التَّمْلِيكِ غَيْرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ بُطْلَانُ هَذَا الْحُكْمِ الْيَوْمَ وَوُجُوبُ الرُّجُوعِ إلَى اللُّغَةِ وَيَكُونُ كِنَايَةً مَحْضَةً كَمَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ بِسَبَبِ أَنَّ الْعُرْفَ قَدْ تَغَيَّرَ حَتَّى لَمْ يَصِرْ أَحَدٌ يَسْتَعْمِلُ هَذَا اللَّفْظَ إلَّا فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ فَضْلًا عَنْ كَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ الَّتِي تُصَيِّرُهُ مَنْقُولًا وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ اللَّفْظَ مَتَى كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ مُضَافًا لِحُكْمٍ عَادِيٍّ بَطَلَ ذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ بُطْلَانِ تِلْكَ الْعَادَةِ وَتَغَيَّرَ إلَى حُكْمٍ آخَرَ إنْ شَهِدَتْ لَهُ عَادَةٌ أُخْرَى فَهَذَا هُوَ الْفِقْهُ الْمُتَّجَهُ اهـ وَكَتَبَ عَلَيْهِ ابْنُ الشَّاطِّ مَا نَصُّهُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّمَا بَنَى عَلَى عُرْفِ زَمَانِهِ هُوَ الظَّاهِرُ وَمَا قَالَهُ مِنْ لُزُومِ تَغَيُّرِ الْفَتْوَى عِنْدَ تَغَيُّرِ الْعُرْفِ صَحِيحٌ اهـ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (مَسْأَلَةٌ) قَالَ الْخَرَشِيُّ عِنْدَ قَوْلِ خَلِيلٍ فِي جَوَازِ التَّخْيِيرِ قَوْلَانِ أَيْ وَكَرَاهَتِهِ، وَهَذَا يَجْرِي فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ مَوْضِعَهُ الثَّلَاثُ. وَأَمَّا كَوْنُهُ يُنَاكِرُ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا فَهَذَا شَيْءٌ آخَرُ وَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى كَرَاهَتِهِ مَعَ أَنَّ مَوْضِعَهُ الثَّلَاثُ نَظَرًا لِمَقْصُودِهِ إذْ هُوَ الْبَيْنُونَةُ الَّتِي قَدْ تَكُونُ بِوَاحِدَةٍ كَمَا فِي الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ كَانَتْ بِحَسَبِ مَا هُنَا إنَّمَا تَكُونُ بِالثَّلَاثِ وَيَنْبَغِي جَرْيُ الْخِلَافِ فِي التَّمْلِيكِ إذَا قُيِّدَ بِالثَّلَاثِ وَإِلَّا فَهُوَ مُبَاحٌ وَانْظُرْ التَّوْكِيلَ إذَا قُيِّدَ بِالثَّلَاثِ، وَالظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ قَطْعًا اهـ. قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَيْهِ وَوَجْهُهُ إمَّا أَنَّ الْمُوَكِّلَ دَاخِلٌ عَلَى الثَّلَاثِ بِخِلَافِ الْمُخَيَّرِ، وَكَذَا الْمِلْكُ إذَا قُيِّدَ بِالثَّلَاثِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَخْيِيرِهَا أَوْ تَمْلِيكِهَا كَوْنُهَا تُوقِعُ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ أَنَّ النِّسَاءَ لَا يَرَيْنَ الْفِرَاقَ فَلِذَا كَانَ الرَّاجِحُ فِيهِمَا الْإِبَاحَةَ وَيُكْرَهُ فِي حَقِّهَا قَطْعًا وُقُوعُ الثَّلَاثِ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ، وَإِمَّا أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمَّا كَانَ لَهُ الْعَزْلُ فِي التَّوْكِيلِ صَارَ كَأَنَّهُ الْمُوقِعُ لِلثَّلَاثِ فَلِذَا كُرِهَ قَطْعًا بِخِلَافِ التَّمْلِيكِ فَإِنَّهَا الْمُوقِعَةُ لَهَا اهـ بِبَعْضِ تَصَرُّفٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ضَمِّ الشَّهَادَتَيْنِ فِي الْأَقْوَالِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ ضَمِّهَا فِي الْأَفْعَالِ] الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ ضَمِّ الشَّهَادَةِ فِي الْأَقْوَالِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ ضَمِّهَا فِي الْأَفْعَالِ) عَلَى مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَدْ قَالَ إذَا شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ وَأَنَّهُ دَخَلَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ حَلَفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَإِنْ نَكَلَ سُجِنَ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى مُتَعَلِّقٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعِتْقِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ. وَقَالَ إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِمَكَّةَ فِي رَمَضَانَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِمِصْرَ فِي صَفَرٍ طَلُقَتْ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ مَسَافَةٌ يُمْكِنُ قَطْعُهَا فِي الْأَجَلِ الَّذِي بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ وَتُضْبَطُ عِدَّتُهَا مِنْ يَوْمِ شَهَادَةِ الْأَخِيرِ اهـ. قَالَ الْأَصْلُ وَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِهِ أَيْ ابْنِ يُونُسَ عَلَى الْعِدَّةِ فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِي الْحُكْمِ فَمَا تَعْتَقِدُهُ الزَّوْجَةُ تَارِيخُ الطَّلَاقِ اهـ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالثَّلَاثِ قَبْلَ أَمْسِ وَالثَّانِي بِاثْنَتَيْنِ أَمْسِ وَالثَّالِثُ بِوَاحِدَةٍ الْيَوْمَ لَزِمَ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ ضَمَّ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ يُوجِبُ اثْنَتَيْنِ قَبْلَ سَمَاعِ الثَّالِثِ، فَلَمَّا سَمِعَهُ الثَّالِثُ ضُمَّ لِلْبَاقِي مِنْ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ

(وَأَمَّا) السُّؤَالُ الثَّانِي فَقَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ إنَّ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَوْ لَا قَوْلَانِ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ رَدِيئَةٌ جِدًّا وَأَنَّهَا لَا حَقِيقَةَ لَهَا فَلَا يَصِحُّ إيرَادُ النَّقْضِ بِهَا عَلَى الْحَدِّ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ الْحُكْمَ فِيهَا (وَأَمَّا) السُّؤَالُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَالِكُ الِانْتِفَاعِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ فَهُوَ يَرْجِعُ إلَى الْإِذْنِ وَالْإِبَاحَةِ كَمَا فِي الضِّيَافَةِ، فَتِلْكَ الْمَسَاكِنُ مَأْذُونٌ فِيهَا لِمَنْ قَامَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ ـــــــــــــــــــــــــــــSالتَّصَرُّفُ وَالسُّلْطَانُ هُوَ التَّمَكُّنُ بِعَيْنِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ هُوَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِمْ لَا يَتَصَرَّفُونَ مَعَ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ فَكَيْفَ يَقُولُ لَا بُدَّ فِي الْمِلْكِ مِنْ سُلْطَانِ التَّصَرُّفِ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا بَلَعَ الطَّعَامَ كَيْفَ يَبْقَى سُلْطَانٌ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ اسْتِبْعَادٌ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ يَمْلِكُ، الْبَلْعِ وَهُوَ بَعِيدٌ كَمَا قَالَ، بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمْلِكُ الطَّعَامَ بِالتَّنَاوُلِ حَتَّى إذَا تَنَاوَلَ لُقْمَةً لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ انْتِزَاعُهَا مِنْ يَدِهِ فَإِنْ قَالَ ابْتَلَعَهَا فَقَدْ كَانَ سَبَقَ مِلْكُهُ لَهَا قَبْلَ الْبَلْعِ وَإِنْ لَمْ يَبْتَلِعْهَا وَنَبَذَهَا مِنْ يَدِهِ فَقَدْ عَادَتْ إلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا وَجَازَ لِغَيْرِهِ تَنَاوُلُهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْهَا إلَّا لِيَأْكُلَهَا، فَلَمَّا لَمْ يَأْكُلْهَا بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا وَإِنْ كَانَ تَنَاوَلَهَا عَادَتْ إلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَا قَالَ مِنْ إنَّهَا إبَاحَاتٌ لَا تَمْلِيكَاتٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ الْإِبَاحَاتُ هِيَ التَّمْلِيكَاتُ أَوْ أَسْبَابٌ لِلتَّمْلِيكَاتِ. قَالَ (وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي فَقَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ إنَّ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَوْ لَا قَوْلَانِ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ الْحُكْمَ فِيهَا) قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ (وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّالِثُ وَهُوَ مِلْكُ الِانْتِفَاعِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ إلَى قَوْلِهِ لِمَنْ قَامَ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ) قُلْت وَإِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــQلَوْ شَهِدَ الثَّانِي بِوَاحِدَةٍ وَالْأَخِيرُ بِاثْنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ مَعَ الْأَوَّلِ طَلْقَتَانِ يَضُمُّ إلَيْهِمَا طَلْقَةً أُخْرَى، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ الْأَوَّلُ بِاثْنَتَيْنِ وَالثَّانِي بِثَلَاثٍ وَالْأَخِيرُ بِوَاحِدَةٍ هَذَا إذَا عُلِمَتْ التَّوَارِيخُ فَإِنْ جُهِلَتْ يُخْتَلَفُ فِي لُزُومِ الثَّلَاثِ أَوْ اثْنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهِمَا مِنْ بَابِ الطَّلَاقِ بِالشَّكِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِطَلْقَةٍ وَالْآخَرُ بِاثْنَتَيْنِ لَمْ يُحْكَمْ بِشَيْءٍ لِعَدَمِ حُصُولِ النِّصَابِ فِي شَهَادَةٍ مِنْهُمَا فَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِبَائِنَةٍ وَالْآخَرُ بِرَجْعِيَّةٍ ضُمَّتْ الشَّهَادَتَانِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ هَا هُنَا إنَّمَا هُوَ فِي الصِّفَةِ قَالَ الْأَصْلُ وَاعْتَمَدَ الْأَصْحَابُ فِي الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ عَلَى أَنَّ الْأَقْوَالَ يُمْكِنُ تَكَرُّرُهَا وَيَكُونُ الثَّانِي خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ وَالْأَفْعَالَ لَا يُمْكِنُ تَكَرُّرُهَا إلَّا مَعَ التَّعَدُّدِ وَقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْإِنْشَاءُ وَتَجْدِيدَ الْمَعَانِي بِتَجَدُّدِ الِاسْتِعْمَالَاتِ؛ لِأَنَّهُ مَقْصُودُ الْوَضْعِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّأْكِيدِ وَإِنْ كَانَتْ مُقْتَضَى عَدَمِ ضَمِّ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ لِعَدَمِ وُجُودِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّهُ قَدْ عَارَضَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ قَاعِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ أَصْلَ قَوْلِنَا أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتَ حُرٌّ الْخَبَرُ عَنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ قَبْلَ زَمَنِ النُّطْقِ، وَكَذَلِكَ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَسَائِرُ صِيَغِ الْعُقُودِ فَإِذَا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى الَّذِي فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْأَوَّلِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِنْشَاءِ لَا عَلَى الْخَبَرِ ضَرُورَةَ الْقَضَاءِ فِيهِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَلَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْخَبَرَ دُونَ الْإِنْشَاءِ أَوْ أَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ لَمْ يُقْضَ بِطَلَاقٍ وَلَا بِعَتَاقٍ أَلْبَتَّةَ كَمَا نَفْعَلُهُ فِي جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْمُتَرَدِّدَةِ كَانَ الْقَوْلُ الثَّانِي فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ الَّذِي فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْآخَرِ صَالِحًا لِلْإِخْبَارِ وَالْإِنْشَاءِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ عَنْ أَصْلِهِ الَّذِي هُوَ الْخَبَرُ إلَى إنْشَاءِ هَذِهِ الْمَعَانِي وَاسْتِحْدَاثِهَا بِالْقَرَائِنِ أَوْ النَّقْلِ الْعُرْفِيِّ، وَشَهَادَتُهُمَا بِالْقَرَائِنِ شَهَادَةٌ بِقَوْلٍ يَصْلُحُ لَهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَى الْإِخْبَارِ عَمَلًا بِقَاعِدَةِ تَرْجِيحِ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْخَبَرُ وَالْحَمْلُ عَلَى الْأَصْلِ أَوْلَى وَلِذَلِكَ شَبَّهَهُ الْأَصْحَابُ بِمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ فِي مَجَالِسَ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ مَا أَقَرَّ بِهِ أَيْ لِاحْتِمَالِ تَكَرُّرِ الْإِقْرَارِ بِمَالٍ وَاحِدٍ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الزَّائِدِ. وَكَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَوْلِهِ عَبْدِي فُلَانٍ حُرٌّ، ثُمَّ كَرَّرَ ذَلِكَ الْقَوْلَ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ خَبَرٌ عَنْ الْأَوَّلِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْخَبَرُ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ الشَّاهِدَانِ شَهِدَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ إنْشَاءُ الْعِتْقِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي سُمِّيَ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَلَمَّا كَانَ لَفْظُ الْإِنْشَاءِ وَلَفْظُ الْخَبَرِ صُورَتُهُمَا وَاحِدَةٌ شُرِّعَ ضَمُّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ فَيَجْتَمِعُ نِصَابُ الشَّهَادَةِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ. وَأَمَّا الْفِعْلُ الثَّانِي فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَيْنَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْهُ فَإِنَّ الْخَبَرَ مِنْ خَصَائِصِ الْأَقْوَالِ فَصَارَ مَشْهُودًا بِهِ غَيْرَ الْأَوَّلِ فَيَحْتَاجُ إلَى نِصَابٍ كَامِلٍ فِي نَفْسِهِ هَذَا هُوَ سِرُّ الْفَرْقِ نَعَمْ لَوْ فَرَضْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ صَمَّمَ عَلَى الْإِنْشَاءِ فِيمَا سَمِعَهُ كَانَتْ الْأَقْوَالُ كَالْأَفْعَالِ فِي مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ اهـ كَلَامُ الْأَصْلِ بِتَهْذِيبٍ وَتَعَقَّبَهُ الْإِمَامُ ابْنُ الشَّاطِّ بِوُجُوهٍ (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ أَصْلَ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتَ حُرٌّ الْخَبَرُ عَنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ قَبْلَ زَمَانِ النُّطْقِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْخَبَرَ بِاسْمِ الْفَاعِلِ الْمُطَلِّقِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْحَالِ اهـ بِلَفْظِهِ وَفِيهِ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ اتِّفَاقًا فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ لِقَوْلِ الْعَلَّامَةِ الْخَفَاجِيِّ فِي طِرَازِ الْمَجَالِسِ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ أَيْ لِاسْمِ الْفَاعِلِ عَلَى زَمَانٍ أَصْلًا وَآخَرُونَ

إلَّا أَنَّهَا فِيهَا مِلْكٌ لِغَيْرِ الْوَاقِفِ بِخِلَافِ مَا يُطْلَقُ مِنْ الْجَامَكِيَّاتِ فَإِنَّ الْمَالِكَ فِيهَا يَحْصُلُ لِمَنْ حَصَلَ لَهُ شَرْطُ الْوَاقِفِ فَلَا جَرَمَ صَحَّ أَخْذُ الْعَرْضِ بِهَا أَوْ عَنْهَا (فَإِنْ، قُلْت) إذَا اتَّضَحَ حَدُّ الْمِلْك فَهَلْ هُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ أَوْ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ الَّذِي هُوَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ (قُلْت) الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ مِنْ أَحَدِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَهُوَ إبَاحَةٌ خَاصَّةً فِي تَصَرُّفَاتٍ خَاصَّةٍ، وَأَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ ذَلِكَ الْمَمْلُوكِ ـــــــــــــــــــــــــــــSكَانَتْ مَأْذُونًا فِيهَا فَمَنْ أَذِنَ فَتَمَكَّنَ مِنْ الِانْتِفَاعِ فَهُوَ مَالِكٌ لِلِانْتِفَاعِ قَالَ (لَا أَنَّهَا فِيهَا مِلْكٌ لِغَيْرِ الْوَاقِفِ) قُلْت أَمَّا الِانْتِفَاعُ فَفِيهِ الْمِلْكُ لِغَيْرِ الْوَاقِف وَهُوَ مَنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْوَقْفِ، وَأَمَّا عَيْنُ الْمَوْقُوفِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا مَالِكَ عَلَيْهِ لَا لِلْوَاقِفِ وَلَا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْعَيْنِ وَلَا مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا وَلَا مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهَا وَإِذْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا مِلْكَ إذْ لَا مَعْنَى لِلْمِلْكِ إلَّا التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ أَوْ مِنْ الِانْتِفَاعِ خَاصَّةً. قَالَ (بِخِلَافِ مَا يُطْلَقُ مِنْ الْجَامَكِيَّاتِ إلَى قَوْلِهِ صَحَّ أَخْذُ الْعِوَضِ بِهَا أَوْ عَنْهَا) قُلْت إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْوَقْفِ إنْ كَانَ سُكْنَى الْمَوْضِعِ الْمَوْقُوفِ فَلَا يَتَعَدَّى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَوَّغْ لَهُ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِغْلَالُ فَالْعِلَّةُ مُسَوَّغَةٌ بِعَيْنِهَا فَيَصِحُّ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا. قَالَ (فَإِنْ، قُلْت إذَا اتَّضَحَ حَدُّ الْمِلْكِ فَهَلْ هُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ أَوْ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ الَّذِي هُوَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ إلَى قَوْلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَهُوَ بَعِيدٌ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ وَالْمَاضِي مَجَازٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَآخَرُونَ إلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ وَالْمُسْتَقْبَلِ وَقَوْمٌ إلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ فَقَطْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ. ثُمَّ إنَّهُ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ مُطْلَقًا أَمْ إذَا رُكِّبَ مَعَ غَيْرِهِ أَمْ إذَا كَانَ مَحْمُولًا ذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ إذَا عَمِلَ النَّصْبَ فَقَطْ، وَآخَرُونَ فَرَّقُوا بَيْنَ الْأَعْرَاضِ السَّيَّالَةِ وَالْقَارَّةِ وَفَرَّقَ قَوْمٌ بَيْنَ صِفَاتِ اللَّهِ وَغَيْرِهَا اهـ كَمَا فِي حَاشِيَةِ كَنُونٍ عَلَى عبق قَالَ وَعَلَى قَوْلِهِ أَمْ إذَا كَانَ مَحْمُولًا يَأْتِي مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْخَطِيبِ فِي الْإِحَالَةِ وَالسُّودَانِيُّ فِي نَيْلِ الِابْتِهَاجِ وَالْمُقْرِي فِي نَفْحِ الطِّيبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمُقْرِي قَالَ شَهِدْت مَجْلِسًا بَيْنَ يَدَيْ السُّلْطَانِ ابْنِ تَاشِفِينَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُوسَى بْنِ حَمُّو سُلْطَانِ تِلِمْسَانَ الَّذِي اسْتَوْلَى عَلَى مِلْكِهِ أَبُو الْحَسَنِ الْمَرِينِيُّ بَعْدَ قَتْلِهِ قَرَأَ عَلَى أَبِي زَيْدٍ ابْنِ الْإِمَامِ حَدِيثَ مُسْلِمٍ «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ» إلَخْ فَقَالَ لَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقُ بْنُ حَكَمٍ السَّلْوَى هَذَا الْمُلَقَّنُ مُحْتَضَرٌ حَقِيقَةً مَيِّتٌ مَجَازًا فَمَا وَجْهُ تَرْكِ مُحْتَضَرِيكُمْ إلَى مَوْتَاكُمْ وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ فَأَجَابَهُ أَبُو زَيْدٍ بِجَوَابٍ لَمْ يُقْنِعْهُ وَكُنْت قَرَأْت عَلَى الْأُسْتَاذِ بَعْضَ التَّنْقِيحِ فَقُلْت زَعَمَ الْقَرَافِيُّ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ حَقِيقَةً فِي الْحَالِ مَجَازًا فِي الِاسْتِقْبَالِ مُخْتَلَفًا فِيهِ فِي الْمَاضِي إذَا كَانَ مَحْكُومًا بِهِ أَمَّا إذَا كَانَ مُتَعَلِّقَ الْحُكْمِ كَمَا هُنَا فَهُوَ حَقِيقَةٌ مُطْلَقًا إجْمَاعًا وَعَلَى هَذَا لَا مَجَازَ فَلَا سُؤَالَ لَا يُقَالُ إنَّهُ احْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّهُ نُقِلَ الْإِجْمَاعُ وَهُوَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي لَا يُطَالَبُ مُدَّعِيهَا بِالدَّلِيلِ كَمَا ذَكَرَهُ أَيْضًا، بَلْ نَقُولُ إنَّهُ أَسَاءَ حَيْثُ احْتَجَّ فِي مَوْضِعِ الْوِفَاقِ كَمَا أَسَاءَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى وُجُوبِ الطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا، بَلْ هَذَا أَشْنَعُ لِكَوْنِهِ مِمَّا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ. ثُمَّ إنَّا لَوْ سَلَّمْنَا نَفْيَ الْإِجْمَاعِ فَلَنَا أَنْ نَقُولَ إنَّ ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى ظُهُورِ الْعَلَامَاتِ الَّتِي يَعْقُبُهَا الْمَوْتُ عَادَةً؛ لِأَنَّ تَلْقِينَهُ قَبْلَ ذَلِكَ إنْ لَمْ يُدْهِشْ فَهُوَ يُوحِشُ فَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى وَقْتِ التَّلْقِينِ أَيْ لَقِّنُوا مَنْ تَحْكُمُونَ بِأَنَّهُ مَيِّتٌ أَوْ نَقُولَ إنَّمَا عَدَلَ عَنْ الِاحْتِضَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِبْهَامِ أَلَا تَرَى إلَى اخْتِلَافِهِمْ فِيهِ هَلْ أُخِذَ مِنْ حُضُورِ الْمَلَائِكَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ حَالَةٌ خَفِيَّةٌ نَحْتَاجُ فِي نَصْبِهَا دَلِيلَ الْحُكْمِ إلَى وَصْفٍ ظَاهِرٍ يَضْبِطُهَا وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْ مِنْ حُضُورِ الْمَوْتِ وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِنَفْسِهِ، بَلْ بِالْعَلَامَاتِ، فَلَمَّا وَجَبَ اعْتِبَارُهَا وَجَبَ كَوْنُ تِلْكَ التَّسْمِيَةِ إشَارَةً إلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَذَكَرَ هَذِهِ الْحِكَايَةَ أَيْضًا فِي نَوَازِلِ الْجَنَائِزِ مِنْ الْمِعْيَارِ وَزَادَ مَا نَصُّهُ: وَقَالَ سَيِّدِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مق لَعَلَّهُ مِنْ الْإِيمَاءِ إلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ وَالْإِشَارَةِ إلَى وَقْتِ نَفْعِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ النَّفْعَ التَّامَّ وَهُوَ الْمَوْتُ عَلَيْهَا لَا حَالَ الْحَيَاةِ مِنْ احْتِضَارٍ أَوْ غَيْرِهِ أَيْ لَقِّنُوهُمْ إيَّاهَا لِيَمُوتُوا عَلَيْهَا وَتَنْفَعُ، وَمِثْلُهُ وَلَا تَمُوتُونَ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أَيْ دُومُوا عَلَيْهِ لِتَمُوتُوا عَلَيْهِ فَيَتِمَّ نَفْعُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. انْتَهَى كَلَامُ كنون بِلَفْظِهِ وَإِنْ أَرَادَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَرَدَ أَنَّ الْمُرَادَ حَالُ التَّلَبُّسِ لَا حَالُ النُّطْقِ كَمَا زَعَمَ الْقَرَافِيُّ فَفِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى اشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْمُشْتَقِّ مِنْهُ فِي كَوْنِ الْمُشْتَقِّ حَقِيقَةً إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَآخِرُ جُزْءٍ وَثَالِثُهَا الْوَقْفُ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ اسْمُ الْفَاعِلِ حَقِيقَةً فِي الْحَالِ أَيْ حَالِ التَّلَبُّسِ لَا النُّطْقِ خِلَافًا لِلْقَرَافِيِّ اهـ. كَمَا فِي حَاشِيَةِ كنون عَلَى عبق وَلَا شَكَّ أَنَّ حَالَ تَلَبُّسِهَا بِالطَّلَاقِ وَالْحُرِّيَّةِ هُوَ الزَّمَنُ الْمَاضِي الَّذِي أَنْشَأَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فِيهِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ. (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا الْحَامِلُ عَلَى تَكَلُّفِ تَقْدِيرِهِ كَوْنَ الْقَوْلِ الثَّانِي خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ بِقَرِينَةِ حَالِهِ أَنَّهُ يُرِيدُ بِالْقَوْلِ الثَّانِي تَأْكِيدَ الْإِنْشَاءِ لِعِتْقِ ذَلِكَ الْعَبْدِ لَكَمُلَتْ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ بِذَلِكَ الْعِتْقِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَبَيَّنَ بِالْقَرَائِنِ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ خَبَرٌ عَنْ أَنَّهُ كَانَ

عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ كَمَا تَقَرَّرَتْ قَوَاعِدُ الْمُعَاوَضَاتِ فِي الشَّرِيعَةِ وَشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَخُصُوصِيَّاتُ هَذِهِ الْإِبَاحَةِ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمَالِكِ وَغَيْرِهِ مِنْ جَمِيعِ الْحَقَائِقِ وَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّهُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ يُرِيدُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقُ الْإِبَاحَةِ. وَالتَّعْلِيقُ عَدَمِيٌّ مِنْ بَابِ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ الَّتِي لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْأَعْيَانِ، بَلْ فِي الْأَذْهَانِ فَهِيَ أَمْرٌ يَفْرِضُهُ الْعَقْلُ كَسَائِرِ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَنَا أَنْ نُغَيِّرَ عِبَارَةَ الْحَدِّ فَنَقُولَ إنَّ الْمِلْكَ إبَاحَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ تَقْتَضِي تَمَكُّنَ صَاحِبِهَا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ أَوْ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْهُمَا مِنْ حَيْثُ هِيَ كَذَلِكَ وَيَسْتَقِيمُ الْحَدُّ بِهَذَا اللَّفْظِ أَيْضًا وَيَكُونُ الْمِلْكُ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ الِاصْطِلَاحَ أَنَّ خِطَابَ التَّكْلِيفِ هُوَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْمَشْهُورَةُ وَخِطَابُ الْوَضْعِ هُوَ نَصْبُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالتَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا، بَلْ هُوَ إبَاحَةٌ خَاصَّةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَهُوَ بَعِيدٌ (فَإِنْ قُلْت) الْمِلْكُ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ، فَيَكُونُ سَبَبًا، فَيَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــSإنَّهُ إبَاحَةٌ لَيْسَ عِنْدِي بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْإِبَاحَةَ هِيَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحُكْمُ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى وَخِطَابُهُ كَلَامُهُ فَكَيْفَ يَكُونُ الْمِلْكُ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ لِلْمَالِكِ عَلَى مَا ارْتَضَيْته أَوْ صِفَةٌ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى مَا ارْتَضَاهُ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا مَا لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ أَصْلًا فَالصَّحِيحُ أَنَّ مُسَبِّبَ الْإِبَاحَةِ هُوَ التَّمَكُّنُ وَالْإِبَاحَةُ هِيَ التَّمْكِينُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (فَإِنْ، قُلْت الْمِلْكُ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQعَقْدَ عِتْقِهِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَيْضًا كَذَلِكَ لَحَصَلَتْ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ عَلَى إقْرَارِهِ بِعِتْقِهِ فَلَا فَرْقَ إذًا بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْقَوْلَانِ إنْشَاءً أَوْ كَانَا خَبَرًا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا خَبَرًا وَالْآخَرُ إنْشَاءً مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ وُقُوعُ عِتْقِهِ إيَّاهُ قَدْ حَصَلَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مِنْ تِلْكَ التَّقَادِيرِ نَعَمْ إذَا تَبَيَّنَ بِالْقَرَائِنِ أَوْ احْتَمَلَ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ تَأْسِيسُ إنْشَاءٍ كَالْأَوَّلِ فَهَا هُنَا لَا يَصِحُّ ضَمُّ الشَّهَادَتَيْنِ الْمُخْتَلِفَتَيْ التَّارِيخِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَى عَقْدِ الْعِتْقِ إلَّا شَاهِدٌ وَهُوَ الْأَوَّلُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّمَا شَهِدَ بِمَا لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْعِتْقِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَنْعَقِدُ فِيمَنْ تَقَدَّمَ عِتْقُهُ اهـ. وَفِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا خَبَرًا وَالْآخَرُ إنْشَاءً يَصْدُقُ بِمَا إذَا كَانَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ خَبَرًا عَنْ أَنَّهُ كَانَ عَقْدَ عِتْقِهِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي إنْشَاءً لِعِتْقِ ذَلِكَ الْعَبْدِ كَمَا يَصْدُقُ بِالْعَكْسِ مَعَ أَنَّ كَمَالَ نِصَابِ الشَّهَادَةِ إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى صِدْقِهِ عَلَى الثَّانِي أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ الثَّانِي عَلَيْهِ تَأْسِيسَ إنْشَاءٍ فَتَكُونُ الشَّهَادَةُ بِهِ شَهَادَةً بِمَا لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْعِتْقِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إلَخْ نَعَمْ لَوْ قَامَتْ قَرِينَةُ مَقَالِهِ أَوْ حَالِهِ عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ بِالْقَوْلِ الثَّانِي تَأْكِيدَ الْإِنْشَاءِ لِعِتْقِ ذَلِكَ الْعَبْدِ الَّذِي شَهِدَ الشَّاهِدُ الْأَوَّلُ بِإِقْرَارِهِ بِهِ لَكَمُلَتْ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ بِذَلِكَ الْعِتْقِ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَك أَنْ تَقُولَ إنَّ قَوْلَهُ نَعَمْ إنْ تَبَيَّنَ بِالْقَرَائِنِ أَوْ احْتَمَلَ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ تَأْسِيسُ إلَخْ يَشْمَلُ احْتِمَالَ التَّأْسِيسِ عَلَى هَذَا الْأَوَّلِ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ وَإِنْصَافٍ (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ مَا بُنِيَ عَلَيْهِ الْفَرْقُ مِنْ كَوْنِ الْقَوْلِ الثَّانِي خَبَرًا عَنْ الْأَوَّلِ لَا أَحْسَبُهُ صَحِيحًا، بَلْ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَصْلًا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ سَوَاءٌ كَانَتْ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَمْ كَيْفَمَا كَانَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا فَإِنْ قَبِلَتْ الضَّمَّ ضُمَّتْ وَإِلَّا فَلَا فَبَقِيَ الْقَوْلُ كَمَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ بِمَالٍ كَمَنْ يَقُولُ فِي رَمَضَانَ لِفُلَانٍ عِنْدِي دِينَارٌ فَسَمِعَهُ شَاهِدٌ، ثُمَّ يَقُولُ فِي شَوَّالٍ لِفُلَانٍ عِنْدِي دِينَارٌ فَسَمِعَهُ آخَرُ فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ يَقْبَلُ الضَّمَّ فَتَكْمُلُ الشَّهَادَةُ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالدِّينَارِ وَفِي الْفِعْلِ كَمَنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِي شَوَّالٍ فَيُشَاهِدُهُ شَاهِدٌ، ثُمَّ يَشْرَبُهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَيُشَاهِدُهُ آخَرُ فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ يَقْبَلُ الضَّمَّ فَإِنَّ الشَّاهِدَيْنِ مَعًا قَدْ اجْتَمَعَا عَلَى مُشَاهَدَتِهِمَا إيَّاهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فَتُمْكِنُ الشَّهَادَةُ فَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الضَّمَّ فَكَمَا إذَا قَالَ فِي رَمَضَانَ عَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ عَلَى قَصْدِ تَأْسِيسِ الْإِنْشَاءِ لِعَقْدِهِ فَشَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شَاهِدٌ، ثُمَّ قَالَ فِي شَوَّالٍ عَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ عَلَى ذَلِكَ الْقَصْدِ بِعَيْنِهِ فَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شَاهِدٌ آخَرُ وَتَعَذَّرَ قَبُولُ الضَّمِّ هُنَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ عَقْدَ الْعِتْقِ لَا يَتَعَدَّدُ، وَأَمَّا الْفِعْلُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الضَّمَّ فَكَمَا إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ شَاهَدَ زَيْدًا قَتَلَ عَمْرًا فِي شَوَّالٍ وَشَهِدَ شَاهِدٌ آخَرُ أَنَّهُ شَاهَدَ قَتْلَهُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَتَعَذَّرَ قَبُولُ الضَّمِّ هُنَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَعَدَّدُ (الْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَنَّهُ إذَا شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِمَكَّةَ فِي رَمَضَانَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِمِصْرَ فِي صَفَرٍ طَلُقَتْ تُشْكِلُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُدَّةَ الَّتِي بَيْنَ رَمَضَانَ وَصَفَرٍ أَكْثَرُ مِنْ مُدَّةِ الْعِدَّةِ فَعَلَى تَقْدِيرِ قَصْدِهِ تَأْسِيسَ الْإِنْشَاءِ، فَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يَنْعَقِدُ بِهِ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهَا قَدْ انْحَلَّتْ عِصْمَتُهُ عَنْهَا قَبْلَ هَذَا التَّارِيخِ بِمُقْتَضَى شَهَادَةِ الْأَوَّلِ وَعَلَى تَقْدِيرِ قَصْدِ الْخَبَرِ فَالْقَوْلُ الثَّانِي يُبْعِدُ اطِّلَاعَ الشَّاهِدِ عَلَى هَذَا الْقَصْدِ لِاحْتِمَالِ الْقَوْلِ الثَّانِي قَصْدَ تَأْسِيسِ الْإِنْشَاءِ وَقَصْدَ تَأْكِيدِهِ وَقَصْدَ الْخَبَرِ وَتَرْجِيحُ قَصْدِ الْخَبَرِ بِأَنَّهُ الْأَصْلُ

[الفرق بين قاعدة ما يلزم الكافر إذا أسلم وقاعدة ما لا يلزمه]

مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ قُلْت وَكَذَلِكَ كُلُّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ سَبَبٌ لِمُسَبَّبَاتٍ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ مَثُوبَاتٍ وَتَعْزِيرَاتٍ وَمُؤَاخَذَاتٍ وَكَفَّارَاتٍ وَغَيْرِهَا أَوْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِخِطَابِ الْوَضْعِ مُطْلَقُ التَّرَتُّبِ، بَلْ نَقُولُ الزَّوَالُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الظُّهْرِ، وَوُجُوبُ الظُّهْرِ سَبَبٌ لَأَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ سَبَبَ الثَّوَابِ وَتَرْكُهُ سَبَبَ الْعِقَابِ وَوُجُوبُهُ سَبَبٌ لِتَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَرَتَّبَ عَلَى الْوُجُوبِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى سَبَبًا وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ، بَلْ الضَّابِطُ لِلْبَابَيْنِ أَنَّ الْخِطَابَ مَتَى كَانَ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلٍ مُكَلَّفٍ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ أَوْ التَّخْيِيرِ فَهُوَ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَمَتَى لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَهُوَ مِنْ أَحَدِ الْأُمُورِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهُوَ خِطَابُ الْوَضْعِ، وَقَدْ يَجْتَمِعُ خِطَابُ الْوَضْعِ وَخِطَابُ التَّكْلِيفِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفُرُوقِ (فَإِنْ قُلْت) الْمِلْكُ حَيْثُ وُجِدَ هَلْ يُتَصَوَّرُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ وَكَفَّارَاتٍ وَغَيْرِهَا) قُلْت لَمَّا فَسَّرَ الْمِلْكَ بِالْإِبَاحَةِ مُسَلَّمٌ أَنَّهُ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ الْمِلْكُ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ وَهُوَ التَّمْكِينُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَالِانْتِفَاعُ مُتَعَلِّقُ الْمِلْكِ وَلَا يُقَالُ فِي الْمُتَعَلِّقِ أَنَّهُ سَبَبُ الْمُتَعَلِّقِ إلَّا عَلَى وَجْهِ التَّوَسُّعِ فِي الْعِبَارَاتِ لَا عَلَى الْمُتَقَرِّرِ فِي الِاصْطِلَاحِ قَالَ (وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِخِطَابِ الْوَضْعِ مُطْلَقُ التَّرَتُّبِ إلَى قَوْلِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفُرُوقِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ بَعْدُ عَنْ الْمَازِرِيِّ مَا عَدَا قَوْلَهُ إنَّ الْمِلْكَ هُوَ التَّصَرُّفُ فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى مَا قَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ قَبْلَ هَذَا. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ بِلَفْظِهِ. هَذَا وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ الْمَذْكُورِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ كُلُّهَا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَكَاهَا اللَّخْمِيُّ قَالَ قِيلَ تُضَمُّ الشَّهَادَتَانِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ أَوْ أَحَدُهُمَا قَوْلٌ وَالْآخَرُ فِعْلٌ وَيَقْضِي بِهَا، وَقِيلَ لَا يُضَمَّانِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ يُضَمَّانِ فِي الْأَقْوَالِ فَقَطْ، وَقِيلَ يُضَمَّانِ إذَا كَانَتَا عَلَى فِعْلٍ فَإِنْ كَانَ إحْدَاهُمَا عَلَى قَوْلٍ وَالْأُخْرَى عَلَى فِعْلٍ لَمْ يُضَمَّا اهـ قَالَ الْأَصْلُ وَالْقَوْلُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ لَاحِظْ قَاعِدَةَ الْإِنْشَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِإِجْمَاعِنَا عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِنْشَاءِ لَا عَلَى الْخَبَرِ وَأَنَّهُ لَا يَقْضِي إلَّا بِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْخَبَرُ دُونَ الْإِنْشَاءِ أَوْ هُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ لَمْ يَقْضِ بِالطَّلَاقِ وَلَا بِالْعَتَاقِ أَلْبَتَّةَ كَمَا نَفْعَلُهُ فِي جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْمُتَرَدِّدَةِ وَضَمُّ الْأَفْعَالِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ مَعَ تَعَذُّرِ الْإِخْبَارِ فِيهَا مُلَاحَظَةً لِلْمَعْنَى دُونَ حُصُولِ السَّبَبِ فَإِنَّ كُلَّ شَاهِدٍ شَهِدَ بِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ وَبِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ ذَلِكَ لَا يُعْرَجُ عَلَيْهِ، وَلَوْ صَرَّحَا بِالطَّلَاقِ هَكَذَا انْضَمَّتْ الشَّهَادَاتُ. وَأَمَّا عَدَمُ الضَّمِّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ، الرَّابِعُ إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى قَوْلٍ وَالْأُخْرَى عَلَى فِعْلِ فُلَانٍ ذَلِكَ مُخْتَلِفُ الْجِنْسِ وَالضَّمُّ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَضَمُّ الشَّيْءِ إلَى جِنْسِهِ أَقْرَبُ مِنْ ضَمِّهِ إلَى غَيْرِ جِنْسِهِ فَافْهَمْ (تَنْبِيهٌ) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ فِي مُحَرَّمٍ إنْ فَعَلْت فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي صَفَرٍ وَشَهِدَا عَلَيْهِ أَوْ غَيْرُهُمَا بِالْفِعْلِ بَعْدَ صَفَرٍ طَلُقَتْ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى التَّعْلِيقِ وَالْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْمُقَرِّ بِهِ وَلَهُ وَاخْتَلَفَا فِي زَمَنِ الْإِقْرَارِ وَإِنْ شَهِدَا فِي مَجْلِسٍ عَلَى التَّعْلِيقِ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ فَعَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الشَّرْطَ وَالْآخَرُ أَنَّهُ فَعَلَهُ يَوْمَ السَّبْتِ طَلُقَتْ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى التَّعْلِيقِ وَوُقُوعِ الشَّرْطِ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَسَبَا قَوْلَهُ لِمَكَانَيْنِ اهـ قَالَ الْأَصْلُ وَإِنَّمَا تَصِحُّ هَذِهِ الْإِطْلَاقَاتُ إذَا حُمِلَ الثَّانِي عَلَى الْخَبَرِ أَمَّا لَوْ صَمَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى الْإِنْشَاءِ فَلَا يُوجَدُ فِي هَذَا التَّقْدِيرِ الضَّمُّ فِي الشَّهَادَاتِ وَإِنَّمَا وُجِدَ فِي الْإِطْلَاقَاتِ الْمُحْتَمَلَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ عَلَى تِلْكَ الْقَوَاعِدِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَالَ فَالْقَوْلُ فِي أَلْفَاظِ التَّعَالِيقِ كَالْقَوْلِ فِي أَلْفَاظِ الْإِنْشَاءَاتِ حَرْفًا بِحَرْفٍ فَإِذَا شَهِدَا بِتَعْلِيقَيْنِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ فِي زَمَانَيْنِ كَرَمَضَانَ وَصَفَرٍ كَمَا قَالَ يَعْنِي مَالِكًا فِي أَلْفَاظِ الْإِنْشَاءَاتِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ التَّعْلِيقَ الثَّانِيَ خَبَرًا عَنْ التَّعْلِيقِ الْأَوَّلِ أَيْ عَنْ ارْتِبَاطِ الطَّلَاقِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى لَا إنْشَاءً لِلرَّبْطِ وَفِي الْأَوَّلِ إنْشَاءُ الرَّبْطِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى اهـ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ مَا قَالَهُ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْخَبَرِ أَيْ حَمْلِ التَّعْلِيقِ الثَّانِي عَلَى الْخَبَرِ فَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَيْ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَمَا قَالَهُ فِيمَا إذَا شَهِدَ لَهُ الْإِنْشَاءُ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ بِلَفْظِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَلْزَمُ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَلْزَمُهُ] (الْفَرْقُ السَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَلْزَمُ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَلْزَمُهُ) مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْعِبَادِ وَضَابِطُ الْفَرْقِ وَسِرُّهُ أَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ لَا تَلْزَمُهُ مُطْلَقًا كَانَتْ مِمَّا رَضِيَ بِهِ كَالنُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ أَوْ مِمَّا لَمْ يَرْضَ بِهِ كَالصَّلَوَاتِ وَالصِّيَامِ كَانَ هُوَ حَرْبِيًّا أَوْ ذِمِّيًّا كَمَا لَمْ يَرْضَ الْحَرْبِيُّ حَالَةَ كُفْرِهِ بِدَفْعِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ مِنْ الْعِبَادِ كَالْقَتْلِ وَالْغَصْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ الَّتِي دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ مُعْتَمِدًا عَلَى أَنَّهُ لَا يُوَفِّيهَا أَهْلَهَا فَهَذَا كُلُّهُ يَسْقُطُ عَنْ الْكَافِرِ بِإِسْلَامِهِ أَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ فَلِأَمْرَيْنِ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» الْأَمْرُ الثَّانِي الْفَرْقُ بَيْنَ حُقُوقِ

[الفرق بين قاعدة ما يجزئ فيه فعل غير المكلف عنه وبين قاعدة ما لا يجزئ فيه فعل الغير عنه]

فِي الْجَوَاهِرِ وَالْأَجْسَامِ أَمْ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْمَنَافِعِ خَاصَّةً. (قُلْت) قَالَ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ الْمِلْكُ فِي الْمَبِيعِ يَحْصُلُ فِي الْأَعْيَانِ وَفِي الْإِجَارَاتِ يَحْصُلُ فِي الْمَنَافِعِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ، بَلْ الْأَعْيَانُ لَا يَمْلِكُهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ هُوَ التَّصَرُّفُ وَلَا يَتَصَرَّفُ فِي الْأَعْيَانِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ وَالْأَمَانَةِ وَالْإِحْيَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَصَرُّفُ الْخَلْقِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَنَافِعِ فَقَطْ بِأَفْعَالِهِمْ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمُحَاوَلَاتِ وَالْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ قَالَ وَتَحْقِيقُ الْمِلْكِ أَنَّهُ إنْ وَرَدَ عَلَى الْمَنَافِعِ مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ فَهُوَ الْإِجَارَةُ وَفُرُوعُهَا مِنْ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُجَاعَلَةِ وَالْقِرَاضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنْ وَرَدَ عَلَى الْمَنَافِعِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَرِدُ الْعَيْنُ، بَلْ يَبْذُلُهَا لِغَيْرِهِ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمَنْفَعَةَ فَقَدْ ظَهَرَ بِهَذِهِ الْمَبَاحِثِ وَهَذِهِ الْأَسْئِلَةُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّصَرُّفَاتِ وَمَا يُتَوَهَّمُ الْتِبَاسُهُ بِهِ. (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْعَقْلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ نَحْوُ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَعْتَقْت وَنَحْوُهُ مِنْ الْأَسْبَابِ) قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَثْبُتُ مُسَبِّبُ هَذَا الْقِسْمِ مَعَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهُ تَشْبِيهًا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْعَقْلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ إلَى قَوْلِهِ فَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ) قُلْت هُوَ فَرْقٌ لَا طَائِلَ وَرَاءَهُ وَالْكَلَامُ فِيهِ تَعَمُّقٌ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّهِ وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْإِسْلَامَ وَنَحْوَ الْعِبَادَاتِ لَمَّا كَانَا حَقَّيْنِ لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ جِهَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَكَانَ الْإِسْلَامُ أَصْلًا لِلْعِبَادَاتِ وَنَحْوِهَا بِحَيْثُ تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهَا عَلَيْهِ نَاسَبَ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهَا بِالتَّرْغِيبِ فِيهِ بِإِسْقَاطِهَا نَظَرًا لِكَوْنِهِ حَقًّا حَاصِلًا لِجِهَةِ الْحَقِّ السَّاقِطِ فَتُقَدَّمُ مَصْلَحَتُهُ عَلَى مَصْلَحَةِ مَا اتَّحَدَ مَعَهُ فِي الْجِهَةِ لِأَصَالَتِهِ لَا عَلَى مَا خَالَفَهُ فِيهَا كَحَقِّ الْآدَمِيِّينَ إذْ الْمُنَاسِبُ أَنْ لَا يَسْقُطَ حَقُّهُمْ بِتَحْصِيلِ حَقِّ غَيْرِهِمْ (وَثَانِيهِمَا) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِيمٌ جَوَادٌ تُنَاسِبُ رَحْمَتُهُ الْمُسَامَحَةَ وَسُقُوطَ حُقُوقِهِ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ بَخِيلٌ ضَعِيفٌ يُنَاسِبُ التَّمَسُّكَ بِحَقِّهِ مُطْلَقًا إلَّا أَنَّهُ جَرَى فِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي لِمَا سَتَعْرِفُهُ. وَأَمَّا مَا لَمْ يَرْضَ الْحَرْبِيُّ حَالَةَ كُفْرِهِ بِدَفْعِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ مِنْ الْعِبَادِ كَالْغُصُوبِ وَالنُّهُوبِ وَالْغَارَاتِ وَنَحْوِهَا مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ الَّتِي دَخَلَ إلَخْ فَلِأَنَّ فِي إلْزَامِهِ مَا لَمْ يَعْتَقِدْ لُزُومَهُ تَنْفِيرًا لَهُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقُدِّمَتْ مَصْلَحَةُ الْإِسْلَامِ عَلَى مَصْلَحَةِ ذَوِي الْحُقُوقِ، وَأَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ الَّتِي رَضِيَ حَالَةَ كُفْرِهِ بِدَفْعِهَا لِمُسْتَحِقِّهَا مِنْ الْعِبَادِ وَاطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ بِذَلِكَ فَهَذَا يَلْزَمُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ إلْزَامَهُ إيَّاهُ لَيْسَ مُنَفِّرًا لَهُ عَنْ الْإِسْلَامِ لِرِضَاهُ بِهِ لَكِنْ هَذَا يَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَرْبِيِّ وَالذِّمِّيِّ فَالذِّمِّيُّ كَمَا يَلْزَمُهُ ثَمَنُ الْبِيَاعَاتِ وَأَجْرُ الْإِجَارَاتِ وَدَفْعُ الدُّيُونِ الَّتِي اقْتَرَضَهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ كَذَلِكَ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الْمَظَالِمِ وَرَدُّهَا كَالْغُصُوبِ وَالنُّهُوبِ وَالْغَارَاتِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ الذِّمَّةَ وَهُوَ رَاضٍ بِمُقْتَضَى عَقْدِ الذِّمَّةِ وَالْحَرْبِيُّ إنَّمَا يَلْزَمُهُ ثَمَنُ الْبِيَاعَاتِ وَأَجْرُ الْإِجَارَاتِ وَدَفْعُ الدُّيُونِ الَّتِي اقْتَرَضَهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا رَضِيَ بِهِ حَالَةَ كُفْرِهِ وَاطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ بِهِ، وَأَمَّا الْغُصُوبُ وَالنُّهُوبُ وَالْغَارَاتُ وَنَحْوُهَا مِمَّا لَمْ يَرْضَ بِهِ حَالَةَ كُفْرِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ، بَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ بِإِسْلَامِهِ لِمَا عَلِمْت أَفَادَهُ الْأَصْلُ، وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ إنَّهُ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ الْغَيْرِ عَنْهُ] الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ غَيْرِ مُكَلَّفٍ عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُجْزِئُ فِيهِ فِعْلُ الْغَيْرِ عَنْهُ) قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الشَّاطِّ الْفَرْقُ الْعَاشِرُ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قَبْلَ هَذَا الْفَرْقِ هُوَ هَذَا الْفَرْقُ بِعَيْنِهِ غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ هُنَا مَسَائِلَ لَمْ يَذْكُرْهَا هُنَاكَ اهـ فَلْنَقْتَصِرْ هُنَا عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي لَمْ يَذْكُرْهَا هُنَاكَ لِتَكُونَ تَوْضِيحًا لِلْفَرْقِ السَّابِقِ وَنَخْلُصَ مِنْ وَصْمَةِ التَّكْرَارِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الزَّكَاةُ إنْ أَخْرَجَهَا أَحَدٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِ إذْنِهِ فِي ذَلِكَ فَعَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا تَمَسُّكًا بِقِيَاسِهَا عَلَى الدُّيُونِ وَيَأْخُذُ الْإِمَامُ لَهَا كُرْهًا وَالْإِكْرَاهُ مَعَ النِّيَّةِ مُتَنَافِيَانِ يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِئَ فِعْلُ الْغَيْرِ فِيهَا مُطْلَقًا كَالدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْقِسْمِ الْمُجْمَعِ عَلَى صِحَّةِ فِعْلِ غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ عَنْ الْمَأْمُورِ وَعَلَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا لِمَا فِيهَا مِنْ شَائِبَةِ التَّعَبُّدِ مِنْ جِهَةِ مَقَادِيرِهَا فِي نَصْبِهَا وَالْوَاجِبِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْمُخْرِجُ غَيْرَ الْإِمَامِ فَمُقْتَضَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي الْأُضْحِيَّةِ يَذْبَحُهَا غَيْرُ رَبِّهَا بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَإِذْنِهِ أَنَّهَا تُجْزِئُهُ إنْ كَانَ الْفَاعِلُ لِذَلِكَ صَدِيقَهُ وَمِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ نَفْسِهِ عِنْدَهُ لِتَمَكُّنِ الصَّدَاقَةِ بَيْنَهُمَا أَنْ يَجْرِيَ مِثْلُهُ هُنَا فَيُقَالُ إنَّ الزَّكَاةَ تُجْزِئُهُ إنْ كَانَ مَخْرَجُهَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ضَرُورَةَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ مَأْمُورٌ بِهَا مُفْتَقِرَةٌ لِلنِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لَا يُجْزِئُ عَنْ رَبِّهَا

لِلْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ بِالْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِلَلَ الْعَقْلِيَّةَ لَا تُوجِبُ مَعْلُولَهَا إلَّا حَالَةَ وُجُودِهَا. وَإِذَا عُدِمَتْ لَا يُوجَدُ مَعْلُولُهَا كَالْعِلْمِ مَعَ الْعَالَمِيَّةِ وَالْإِرَادَةِ مَعَ الْمُرِيدِيَّةِ مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ وَالنَّارِ مَعَ الْإِحْرَاقِ وَالْمَاءِ مَعَ الْإِرْوَاءِ مِنْ الْعَادِيَّاتِ فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّاتُ إذَا عُدِمَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْهَا عُدِمَتْ جُمْلَتُهَا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُوجِبَ حِينَئِذٍ حُكْمًا، بَلْ تُقَدَّرُ مُسَبَّبَاتُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ مَعَ آخِرِ حُرُوفِهَا حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمُسَبَّبُ حَالَةَ وُجُودِ سَبَبِهِ لَا حَالَةَ عَدَمِهِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ آخِرِ حَرْفٍ هُوَ الْوُجُودُ الْمُمْكِنُ فِي الصِّيَغِ؛ لِأَنَّهَا مَصَادِرُ سَيَّالَةٌ يَسْتَحِيلُ وُجُودُهَا بِجُمْلَتِهَا فَيُكْتَفَى بِوُجُودِ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ الْقُدْرَةُ الْمُمْكِنُ فِيهَا فَيَحْصُلُ بِهِ الشَّبَهُ بَيْنَ الْعَقْلِيَّاتِ وَالشَّرْعِيَّاتِ. وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ تَقْدِيرُ مُسَبَّبَاتِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ إلَّا عَقِيبَ حَرْفٍ وَإِنْ عُدِمَتْ جُمْلَةُ الصِّيغَةِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عَادَةً حِينَئِذٍ فَالْفَرْقُ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ يَحْصُلُ الْفَرْقُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ تَنْقَسِمُ إلَى مَا يُوجِبُ مُسَبِّبُهُ إنْشَاءً نَحْوُ عِتْقِ الْإِنْسَانِ عَنْ نَفْسِهِ وَالْبَيْعِ النَّاجِزِ وَالطَّلَاقِ النَّاجِزِ وَإِلَى مَا يُوجِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــSالدِّينِ وَتَكَلُّفٌ وَلَا يُتَوَصَّلُ فِيهِ إلَى الْيَقِينِ قَالَ (وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ يَحْصُلُ الْفَرْقُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ تَنْقَسِمُ إلَى مَا يُوجِبُ مُسَبِّبُهُ إنْشَاءً إلَى قَوْلِهِ وَلِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ الْمُعْتَقِ عَنْهَا) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ تَقْدِيرِ الْمِلْكِ قَبْلَ النُّطْقِ بِالصِّيغَةِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، بَلْ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ وَهُوَ صِحَّةُ الْعِتْقِ عَنْ الْمَيِّتِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَ، ثُمَّ إنَّ الْعِتْقَ عَنْ غَيْرِهِ لَمْ يَقْصِدْ إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQلِافْتِقَارِهَا لِلنِّيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَإِنْ أَخَذَهَا الْإِمَامُ كُرْهًا وَهُوَ عَدْلٌ أَجْزَأَتْ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى اعْتِمَادًا عَلَى فِعْلِ الصِّدِّيقِ وَتَمَسُّكًا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103] فَإِنَّ ظَاهِرَ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ الَّذِي أَقَلُّ مَرَاتِبِهِ الْإِذْنُ وَالْإِجْزَاءُ؛ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ وَكِيلُ الْفُقَرَاءِ فَلَهُ أَخْذُ حَقِّهِمْ قَهْرًا كَسَائِرِ الْحُقُوقِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَأْخُذُهَا الْإِمَامُ كُرْهًا لَكِنْ يُلْجِئُهُ إلَى دَفْعِهَا بِالْحَبْسِ وَغَيْرِهِ لِافْتِقَارِهَا لِلنِّيَّةِ وَالْإِكْرَاهُ مَعَ النِّيَّةِ مُتَنَافِيَانِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الصَّوْمُ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا فَرَّطَ فِيهِ جَوَّزَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَرَوَى الشَّافِعِيَّةُ ذَلِكَ فِي مَذْهَبِهِمْ أَيْضًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ لَمْ يَصُمْ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] وَقِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الْحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ أَيْضًا وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ لِهَذَا فَتَرَقَّبْ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ فِي الْعِتْقِ عَنْ الْغَيْرِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْإِجْزَاءُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَعَدَمُ الْإِجْزَاءِ لِأَشْهَبَ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ إنْ أَذِنَ فِي الْعِتْقِ أَجْزَأَ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اهـ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ ظِهَارِ غَيْرِهِ عَلَى جُعْلٍ جَعَلَهُ لَهُ فَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ وَعَلَيْهِ الْجُعْلُ وَلَا يُجْزِئُهُ أَيْ عَنْ ظِهَارِهِ كَالْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْعِتْقِ أَيْ فِي عَدَمِ إجْزَاءِ عِتْقِهِ عَنْ الظِّهَارِ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْجُعْلِ وَضِيعَةٌ عَنْ الثَّمَنِ جَازَ أَيْ عِتْقُهُ عَنْ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ هِبَتُهُ أَيْ هِبَةُ مَنْ يُعْتَقُ فِي الظِّهَارِ فَبَيْعُهُ أَوْلَى، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يُجْزِئُ الْعِتْقُ عَنْ ظِهَارِ الْغَيْرِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنْ كَانَ أَبًا لِلْمُعْتَقِ وَفَرَّقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بَيْنَ عِتْقِ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ وَبَيْنَ دَفْعِ الزَّكَاةِ عَنْهُ فَلَا يُجْزِئُ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَيْسَتْ فِي الذِّمَّةِ وَيُجْزِئُ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي الذِّمَّةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالْحَقُّ الْإِجْزَاءُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا كَالدَّيْنِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَائِرَةٌ بَيْنَ أَرْبَعِ قَوَاعِدَ (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) قَاعِدَةُ التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي خِطَابِ الْوَضْعِ وَهِيَ إمَّا إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ كَالْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ إذَا قَلَّا أَوْ تَعَذَّرَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُمَا كَأَسَاسِ الدَّارِ وَقُطْنِ الْجُبَّةِ وَرَدَاءَةِ بَوَاطِنِ الْفَوَاكِهِ وَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَنَجَاسَةِ ثَوْبِ الْمُرْضِعِ، وَالْوَارِثُ الْكَافِرُ أَوْ الْعَبْدُ يُقَدَّرُ عِتْقُهُ فَلَا يُحْجَبُ، وَأَمَّا إعْطَاءُ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ كَتَقْدِيرِ الْإِيمَانِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ النَّائِمِ وَالْغَافِلِ حَتَّى يَنْعَصِمَ الدَّمُ وَالْمَالُ وَتَقْدِيرِ الْكُفْرِ فِي الْكَافِرِ النَّائِمِ وَالْغَافِلِ حَتَّى تَصِحَّ إبَاحَةُ الدَّمِ وَالْمَالِ وَالذُّرِّيَّةِ (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ الْكَفَّارَاتِ عِبَادَةٌ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا، وَقِيلَ لَا تَجِبُ فِيهَا النِّيَّةُ (الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّ الْهِبَةَ إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا قَبْضٌ بَطَلَتْ (الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ) قَاعِدَةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ وَصَاحِبُ الْجَوَاهِرِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَوْ أَوْصَلَ نَفْعًا لِغَيْرِهِ مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ نَفَذَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ مُتَبَرِّعًا لَمْ يَرْجِعْ بِهِ أَوْ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ وَهُوَ مَنْفَعَةٌ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ أَوْ مَالٌ فَلَهُ أَخْذُهُ مِمَّنْ دَفَعَهُ عَنْهُ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمَدْفُوعِ عَنْهُ كَالدَّيْنِ أَوْ مِمَّا لَا يَجِبُ كَغُسْلِ الثَّوْبِ وَخِيَاطَتِهِ وَرَمْيِ التُّرَابِ مِنْ الدَّارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ فِي عَدَمِ التَّبَرُّعِ، لَكِنَّ شَرْطَ الْغُرْمِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْمُولُ لَهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عَمَلِهِ بِالِاسْتِئْجَارِ أَوْ إنْفَاقِ الْمَالِ أَمَّا إنْ كَانَ شَأْنُهُ فِعْلَهُ إيَّاهُ بِغَيْرِ اسْتِئْجَارٍ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغُلَامِهِ وَتَحْصُلُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ بِغَيْرِ مَالٍ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ فَمَالِكٌ يَجْعَلُ لِسَانَ الْحَالِ قَائِمًا مَقَامَ لِسَانِ الْمَقَالِ فَكَأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ بِلِسَانِ مَقَالِهِ وَخَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَجَعَلَ

اسْتِلْزَامًا كَالْعِتْقِ عَنْ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ بِأَنْ يُقَدَّرَ الْمِلْكُ قَبْلَ النُّطْقِ بِالصِّيغَةِ بِالزَّمَنِ مِنْ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ لَهُ وَلِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ الْمُعْتَقِ عَنْهَا وَمِثْلُهُ الْعِتْقُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ حِينَئِذٍ بِسَبَبِ عِتْقِهِ الْتِزَامًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْأَشْهَرِ حَتَّى يَنْتَقِلَ بِالتَّصْرِيحِ مِنْ الْمُشْتَرِي نَحْوُ قَوْلُهُ قَبِلْت أَوْ اخْتَرْت الْإِمْضَاءَ فَهَذِهِ مُطَابَقَةٌ أَوْ يُعْتِقُ أَوْ يَطَأُ الْأَمَةَ أَوْ نَحْوُهُ بِمَا يَقْتَضِي الْتِزَامَ الْمِلْكِ وَنَقَلَهُ لَهُ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ يُقَدَّرُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ قَبْلَ الْعِتْقِ حَتَّى يَقَعَ الْعِتْقُ عَنْ الْغَيْرِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSذَلِكَ الْمُقَدَّرَ، وَلَوْ قَصَدَ إلَيْهِ لَمَا صَحَّ عِتْقُهُ إيَّاهُ لِأَنَّهُ كَأَنْ يَكُونَ حِينَئِذٍ مُعْتِقًا مِلْكَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ مِنْ تَقَدُّمِ تَوْكِيلِ الْمُعْتَقِ عَنْهُ إنَّمَا يُتَّجَهُ إذَا كَانَ الْعِتْقُ بِإِذْنِهِ أَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا يُتَّجَهُ وَبِالْجُمْلَةِ الْقَوْلُ بِتِلْكَ التَّقْدِيرَاتِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يَصِحُّ. قَالَ (وَمِثْلُهُ الْعِتْقُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ إلَى قَوْلِهِ مِمَّا يَقْتَضِي الْتِزَامَ الْمِلْكِ وَنَقْلَهُ لَهُ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ اسْتِلْزَامِ الْعِتْقِ وَالْوَطْءِ إمْضَاءُ الْبَيْعِ الْمُحَصِّلِ لِلْمِلْكِ صَحِيحٌ وَحُصُولُ الْمِلْكِ هُنَا مُحَقَّقٌ لَا مُقَدَّرٌ قَالَ (فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ يُقَدَّرُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ قَبْلَ الْعِتْقِ حَتَّى يَقَعَ الْعِتْقُ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ) قُلْت إنْ أَرَادُوا بِالْعِتْقِ إنْشَاءَ الصِّيغَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ حُصُولِ الْعِتْقِ فَقَوْلُهُمْ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ أَرَادُوا بِهِ حُصُولَ الْعِتْقِ بِنَفْسِهِ فَقَوْلُهُمْ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ إنْشَاءَ الصِّيغَةِ بِعَيْنِهِ هُوَ الْمُسْتَلْزِمُ لِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ الَّذِي بِهِ يَحْصُلُ الْمِلْكُ إذَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْ الْمُشْتَرِي غَيْرُ ذَلِكَ فَالْمِلْكُ لَا يَحْصُلُ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لِحُصُولِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصْلَ فِي فِعْلِ الْغَيْرِ التَّبَرُّعَ وَأَنَّهُ لَا يُرْجَعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمَدْفُوعُ عَنْهُ بِلِسَانِ الْمَقَالِ فَمَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَمَّا لَاحَظَا هَذِهِ الْقَاعِدَةَ قَالَا الْمُعْتَقُ قَامَ عَنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ بِوَاجِبٍ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ إمَّا بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِي الْأُمُورِ الْمَالِيَّةِ عِبَادَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا فَلَا يَحْتَاجُ فِيهَا حِينَئِذٍ إلَى الْإِذْنِ وَلَا إلَى تَقْدِيرِ الْمِلْكِ وَالْوَكَالَةِ وَلَا يَكُونُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا فِيمَا نَصَّ عَلَيْهِ عَبْدُ الْحَقِّ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعِتْقُ عَنْ الْغَيْرِ تَطَوُّعًا بِغَيْرِ إذْنِهِ إشْكَالٌ أَصْلًا كَمَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الرَّهُونِيِّ وَالصَّوَابُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْ الْمُدَوَّنَةِ يَعْنِي قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ الْمُتَقَدِّمَيْنِ مَا قَالَهُ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيَّ فِي الْمُنْتَقَى وَنَصُّهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهُ مَعْنًى يَجُوزُ فِيهِ النِّيَابَةُ؛ لِأَنَّ طَرِيقَهُ الْمَالُ وَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَ عَنْ الْمَيِّتِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَعْتِقَهُ هُوَ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ. وَلَوْ وَهَبَهُ إيَّاهُ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ عَنْ ظِهَارِهِ لَمْ يُجْزِهِ فَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَهُ عَنْهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَ الْوَاهِبُ أَوْ الْبَائِعُ الْعِتْقَ فِي ذَلِكَ الْعَبْدِ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَلَزِمَ الْمُوهَبَ لَهُ إيقَاعُهُ بِالشَّرْطِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ مِنْ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ بِشَرْطِ عِتْقِهِ عَنْهُ أَوْ وَهَبَهُمْ إيَّاهَا بِذَلِكَ الشَّرْطِ لَمْ يُجْزِهِ الَّذِي أَنْفَذَ عِتْقَهُ عَنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ أَعْتَقَهُ وَلِذَلِكَ أَنْ يُعْتِقَهُ عَنْ الْمَيِّتِ، وَقَدْ رَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَرْأَةِ تُعْطِي زَوْجَهَا الرَّقَبَةَ يُعْتِقُهَا عَنْ ظِهَارِهِ أَوْ عَنْ الْوَجْهِ إنْ كَانَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ شَرْطٍ أَجْزَاهُ وَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. وَرَوَاهُ فِي الْمَدِينَةِ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ اهـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ وَهُوَ حَسَنٌ، وَقَدْ أَغْفَلَهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ وَالتَّوْفِيقُ بِيَدِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ، وَإِمَّا بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ التَّقَادِيرِ فَيُقَدَّرُ انْتِقَالُ مِلْكِهِ عَنْهُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ قَبْلَ صُدُورِ الْعِتْقِ بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ حَتَّى يَثْبُتَ الْوَلَاءُ وَتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْ الْكَفَّارَةِ فَيُرَدُّ الْإِشْكَالُ بِقَاعِدَةِ النِّيَّةِ فَإِنَّ مَالِكًا وَابْنَ الْقَاسِمِ يَشْتَرِطَانِهَا. وَهِيَ مُتَعَذِّرَةٌ مَعَ الْغَفْلَةِ وَلَا يَدْفَعُهُ الْجَوَابُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْعِتْقِ عَنْ الْمَيِّتِ لِلْفَرْقِ بِأَنَّ الْحَيَّ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْعِتْقِ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ بَابُ التَّقَرُّبِ فَنَاسَبَ أَنْ يُوَسِّعَ الشَّرْعُ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا بِالْقِيَاسِ عَلَى أَخْذِ الزَّكَاةِ كُرْهًا مَعَ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهَا لِلْفَرْقِ أَيْضًا بِأَنَّهَا حَالَةُ ضَرُورَةٍ لِأَجْلِ امْتِنَاعِ الْمَالِكِ وَهَا هُنَا الْمُعْتَقُ عَنْهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَبِأَنَّ مَصْلَحَةَ الزَّكَاةِ عَامَّةٌ فَيُوَسَّعُ فِيهَا لِعُمُومِ الضَّرُورَةِ بِخِلَافِ الْكَفَّارَاتِ فَإِنَّهَا قَلِيلَةٌ وَهِيَ خَاصَّةٌ فَلَا يُخَالِفُ فِيهَا قَاعِدَةَ النِّيَّةِ فَتَبْقَى الْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةً عَلَى قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ قَاعِدَةَ النِّيَّةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ حَالَةَ عَدَمِ الْإِذْنِ وَلَا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ الْإِذْنُ مِنْ بَابِ الْكَلَامِ وَالْإِبَاحَةُ وَالنِّيَّةُ مِنْ بَابِ الْمَقَاصِدِ وَالْإِرَادَةِ فَلَا يَقُومُ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ وَلَا يَسْتَقِيمُ قَصْدُ الْإِنْسَانِ لِعِتْقِ مِلْكِ غَيْرِهِ وَلَا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ إنْ دَفَعَ لَهُ جُعْلًا أَجْزَأَ وَإِلَّا فَلَا لِلْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ فَتَخْرُجُ بِالْجُعْلِ عَنْ الْهِبَةِ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى قَصْدٍ وَأَشْكَلَ مِنْهَا عَلَى قَوْلِهِمَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ عَبْدُ الْحَقِّ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعِتْقُ عَنْ الْغَيْرِ تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ دَلَالَةُ الْحَالِ دُونَ الْمَقَالِ وَهَا هُنَا لَا دَلَالَةَ حَالٍ وَلَا مَقَالٍ فَلَا يُتَّجَهُ وَيَكُونُ أَبْعَدَ مِنْ الْعِتْقِ عَنْ الْوَاجِبِ، وَمَنْ يَشْتَرِطُ الْإِذْنَ يَقُولُ الْإِذْنُ تَضَمَّنَ الْوَكَالَةَ فِي نَقْلِ مِلْكِهِ لِلْآذِنِ وَعَتَقَ عَنْهُ بَعْدَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَيَكُونُ الْمَأْذُونُ لَهُ وَكِيلًا فِي الْأَمْرَيْنِ وَمُتَوَلِّيًا لِطَرَفَيْ الْعَقْدِ كَمَا قَالَ الْأَصْلُ قَالَ وَالْمُوجِبُ بِهَذِهِ التَّقَادِيرِ كُلِّهَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا التَّصَرُّفُ

[الفرق بين قاعدة ما يصل إلى الميت وقاعدة ما لا يصل إليه]

وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ يَثْبُتُ مَعَهُ؛ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَالضَّرُورَةُ دَعَتْ لِوُقُوعِ الْعِتْقِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَالْمُقَارَنَةُ تَكْفِي فِي دَفْعِ تِلْكَ الضَّرُورَةِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ غَيْرُ مُتَّجَهٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُضَادٌّ لِلْمِلْكِ وَاجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ مُحَالٌ وَتَنْقَسِمُ أَيْضًا الْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ إلَى مَا يَقْتَضِي ثُبُوتًا كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَإِلَى مَا يَقْتَضِي إبْطَالًا لِمُسَبِّبِ سَبَبٍ آخَرَ كَفَوَاتِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَقْتَضِي إبْطَالَ مُسَبِّبِ السَّبَبِ السَّابِقِ وَهُوَ الْمَبِيعُ، وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ يَقْتَضِيَانِ إبْطَالَ الْعِصْمَةِ السَّابِقَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى النِّكَاحِ، وَالْمِلْكُ الْمُرَتَّبُ فِي الرَّقِيقِ عَلَى سَبَبِهِ، وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْفَوَاتَ يُوجِبُ الْفَسْخَ فَهَلْ يَقْتَضِيهِ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقَدُّمِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ يَثْبُتُ مَعَهُ إلَى قَوْلِهِ وَاجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ مُحَالٌ) قُلْت مَا قَالَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ صَحِيحٌ، وَقَوْلُهُ هُوَ أَنَّ الْعِتْقَ مُضَادُّ الْمِلْكِ إنْ أَرَادَ بِالْعِتْقِ دُخُولَ الْحُرِّيَّةِ فِي الْعَبْدِ فَلِذَلِكَ صَحِيحٌ وَلَا يَلْزَمُ عَنْهُ مَقْصُودُهُ وَإِنْ أَرَادَ بِالْعِتْقِ إنْشَاءَ الصِّيغَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ حُصُولِ حُرِّيَّةِ الْعَبْدِ فَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ كَيْفَ، وَقَدْ قَالَ هُوَ قُبَيْلَ هَذَا حَاكِيًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُقَدِّرُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ قَبْلَ الْعِتْقِ حَتَّى يَقَعَ الْعِتْقُ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ وَصَوَّبَ هُوَ قَوْلَهُمْ فِي اللَّهِ مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ. قَالَ (وَتَنْقَسِمُ أَيْضًا الْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ إلَى مَا يَقْتَضِي ثُبُوتًا كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَإِلَى مَا يَقْتَضِي إبْطَالًا لِمُسَبِّبِ سَبَبٍ آخَرَ كَفَوَاتِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَبِمَا سَلَفَ مِنْ الْقَوْلِ يَتَبَيَّنُ أَيُّ مَذْهَبَيْ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَعِيَّةِ أَوْ الْقَبْلِيَّةِ أَصَحُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا بِهَا وَمَا تَعَذَّرَ تَصْحِيحُ الْكَلَامِ إلَّا بِهِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ صَوْنًا لِلْكَلَامِ عَنْ الْإِلْغَاءِ اهـ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَسْأَلَةَ إذَا بُنِيَتْ عَلَى قَاعِدَةِ جَوَازِ النِّيَابَةِ فِي الْأُمُورِ الْمَالِيَّةِ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى تَقْدِيرٍ وَلَا غَيْرِهِ كَمَا لِابْنِ الشَّاطِّ فَهَذَا تَحْرِيرُ مَسَائِلِ هَذَا الْفَرْقِ الَّذِي سَبَقَ تَحْرِيرُهُ فِي الْفَرْقِ الْعَاشِرِ وَالْمِائَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَصِلُ إلَيْهِ] (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَصِلُ ثَوَابُهُ إلَى الْمَيِّتِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَصِلُ ثَوَابُهُ إلَيْهِ) الْقُرُبَاتُ بِاعْتِبَارِ وُصُولِ ثَوَابِهَا لِلْغَيْرِ اتِّفَاقًا وَعَدَمِ وُصُولِ ثَوَابِهَا لِلْغَيْرِ اتِّفَاقًا وَالْخِلَافُ فِي وُصُولِهِ لَهُ وَعَدَمِ وُصُولِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ حَجَرَ عَلَى عِبَادِهِ فِي ثَوَابِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ نَقْلَهُ لِغَيْرِهِمْ كَالْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ وَالْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَكَذَلِكَ حُكِيَ فِي الصَّلَاةِ الْإِجْمَاعُ نَظَرًا فِي الْخِلَافِ الَّذِي نُقِلَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِيهَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ (الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ فِي نَقْلِ ثَوَابِهِ لِلْمَيِّتِ وَهُوَ الدُّعَاءُ وَالْقُرُبَاتُ الْمَالِيَّةُ كَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ فِيهِ حَجْرٌ أَمْ لَا كَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَقِيلَ لَا يَصِلُ ثَوَابُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ أَهْدَى لَهُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَكَذَا هُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقِرَاءَةِ فَقَطْ، وَقِيلَ يَصِلُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ. وَكَذَا حَجُّ تَطَوُّعٍ أَوْصَى بِهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَهُ فِي الصَّوْمِ عَمَّنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ، وَقَالَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقِرَاءَةِ فَقَطْ قَالَ كَنُونٍ قَالَ أَبُو زَيْدٍ الْفَاسِيُّ وَلَعَلَّ قَوْلَ الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَرْيَاجِلِيِّ. وَأَمَّا الْإِجَارَةُ عَلَى الْقِرَاءَةِ فَلَا تَجُوزُ وَذَلِكَ جُرْحَةٌ فِي آكِلِهَا إلَّا أَنْ يَقْرَأَ الْقَارِئُ عَلَى وَجْهِ التَّطَوُّعِ وَيُعْطِيَهُ وَلِيَّ الْمَيِّتِ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ وَالْعَطِيَّةِ لَا عَلَى وَجْهِ الْإِجَارَةِ اهـ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ النَّفْعِ كَمَا حَكَاهُ عَنْ مَعْرُوفِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَفِي جَوَابٍ لِلْعَبْدِينِيِّ الْمَيِّتُ يَنْتَفِعُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالْخِلَافُ فِيهِ مَشْهُورٌ وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ جَائِزَةٌ اهـ. وَحُجَّةُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْوُصُولِ الْقِيَاسُ عَلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا هُوَ عَمَلٌ بَدَنِيٌّ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنْ لَا يَنُوبَ فِيهِ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] وَحَدِيثِ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَصَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» وَحُجَّةُ الْقَوْلِ بِالْوُصُولِ أَوَّلًا الْقِيَاسُ عَلَى الدُّعَاءِ الْمُجْمَعِ عَلَى وَصْلِهِ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ الَّتِي مِنْهَا حَدِيثُ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ» إلَخْ إذْ الْكُلُّ عَمَلٌ بَدَنِيٌّ وَثَانِيًا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَلِّ لَهُمَا مَعَ صَلَاتِك وَصُمْ لَهُمَا مَعَ صِيَامِك يَعْنِي أَبَوَيْهِ» ، وَقَوْلُهُ أَيْضًا «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» وَنَصُّ السُّنَّةِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْحَجَّ الْمَفْرُوضَ يَسْقُطُ عَنْ الْمَيِّتِ بِحَجِّ وَلِيِّهِ، وَكَذَا الْحَجُّ الْمَنْذُورُ يَسْقُطُ عَنْ الْمَيِّتِ بِعَمَلِ غَيْرِهِ وَظَاهِرُ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَغَيْرِهَا، «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْك فَكَمْ أَجْعَلُ لَك مِنْ صَلَاتِي قَالَ مَا شِئْت، قُلْت الرُّبْعَ قَالَ مَا شِئْت وَإِنْ زِدْت فَهُوَ خَيْرٌ لَك. قُلْت النِّصْفَ قَالَ مَا شِئْت وَإِنْ زِدْت فَهُوَ خَيْرٌ لَك، قُلْت أَجْعَلُ صَلَاتِي كُلَّهَا لَك قَالَ إذًا تُكْفَى هَمَّك وَيُغْفَرَ ذَنْبُك» وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْعُهُودِ الْمُحَمَّدِيَّةِ عَنْ أَبِي الْمَوَاهِبِ الشَّاذِلِيِّ مِنْ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ عَنْ مَعْنَاهُ فَقَالَ لَهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيَّ

السَّبَبِ أَوْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الِانْقِلَابَ وَالْفَسْخَ يَقْتَضِي تَحَقُّقَ مَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَهَذِهِ الْوُجُوهُ تُحَصِّلُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى بَعْضِ الْمَذَاهِبِ فَبَطَلَ الشَّبَهُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ الْآخَرِ يَحْصُلُ الشَّبَهُ بَيْنَهُمَا. (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتَقَدَّمُ مُسَبَّبُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ) اعْلَمْ أَنَّ أَزْمِنَةَ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ، مَا يَتَقَدَّمُ وَمَا يَتَأَخَّرُ وَمَا يُقَارِنُ وَمَا يُخْتَلَفُ فِيهِ فَأَمَّا مَا يُقَارِنُ فَكَالْأَسْبَابِ الْفِعْلِيَّةِ فِي حِيَازَةِ الْمُبَاحِ كَالْحَشِيشِ وَالصَّيْدِ وَالسَّلَبِ فِي الْجِهَادِ حَيْثُ سَوَّغْنَاهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ عَلَى رَأْيِنَا أَوْ مُطْلَقًا عَلَى رَأْيِ الشَّافِعِيَّةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ لِلْحُدُودِ وَمِنْ ذَلِكَ التَّعَالِيقُ اللُّغَوِيَّةُ فَإِنَّهَا كُلُّهَا أَسْبَابٌ فَإِذَا عُلِّقَ عَلَى شَرْطِ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا مَا يَتَقَدَّمُ أَحْكَامُهُ عَلَيْهِ فَكَإِتْلَافِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّك تُقَدِّرُ الِانْفِسَاخَ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ تَلَفِهِ لِيَكُونَ الْمَحَلُّ ـــــــــــــــــــــــــــــS (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتَقَدَّمُ مُسَبَّبُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَتَقَدَّمُ مُسَبَّبُهُ إلَى آخِرِ هَذَا الْقِسْمِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِيهِ صَحِيحٌ قَالَ (وَأَمَّا مَا تَتَقَدَّمُ أَحْكَامُهُ عَلَيْهِ فَكَإِتْلَافِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَى قَوْلِهِ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْفَرْقِ) قُلْت لَا يَصِحُّ تَقْدِيرُ الِانْفِسَاخِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ تَلَفِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ أَمَّا عَدَمُ صِحَّتِهِ فَلِأَنَّ الصَّحِيحَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتُهْدِيَ ثَوَابَ ذَلِكَ إلَيَّ لَا إلَى نَفْسِك وَثَالِثًا دُخُولُ أَوْلَادِ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ بِعَمَلِ آبَائِهِمْ وَانْتِفَاعِ الْغُلَامَيْنِ الْيَتِيمَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَ اللَّهُ فِي قِصَّتِهِمَا {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف: 82] بِصَلَاحِ أَبِيهِمَا وَالنَّفْعُ بِالْجَارِ الصَّالِحِ فِي الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ كَمَا فِي الْأَثَرِ وَرَحْمَةُ جَلِيسِ أَهْلِ الذِّكْرِ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ وَلَمْ يَجْلِسْ لِذَلِكَ، بَلْ لِحَاجَةٍ عَرَضَتْ لَهُ وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وقَوْله تَعَالَى لِنَبِيِّهِ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33] وقَوْله تَعَالَى {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} [الفتح: 25] وقَوْله تَعَالَى {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} [البقرة: 251] فَقَدْ رَفَعَ اللَّهُ الْعَذَابَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ بِسَبَبِ بَعْضٍ وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِانْتِفَاعِهِمْ بِأَعْمَالِ غَيْرِهِمْ الصَّالِحَةِ وَأَجَابَ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الصَّلَاةِ بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاعِ الْإِنْسَانِ بِعَمَلِ غَيْرِهِ، وَعَنْ الْآيَةِ إمَّا بِأَنَّهَا عَامَّةٌ قَدْ خُصِّصَتْ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ وَإِمَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْسَانِ الْكَافِرِ وَالْمَعْنَى لَيْسَ لَهُ مِنْ الْخَيْرِ إلَّا مَا عَمِلَ هُوَ فَيُثَابُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا بِأَنْ يُوَسَّعَ عَلَيْهِ فِي رِزْقِهِ وَيُعَافَى فِي بَدَنِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ فِي الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَإِلَّا بِأَنَّ قَوْلَهُ {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] مِنْ بَابِ الْعَدْلِ، وَأَمَّا مِنْ بَابِ الْفَضْلِ فَجَائِزٌ أَنْ يَزِيدَهُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ مِنْ فَضْلِهِ، وَأَمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ الْجَمْلِ عَلَى الْجَلَالَيْنِ، وَعَنْ حَدِيثِ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ» إلَخْ وَنَحْوُهُ مِمَّا وَرَدَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ انْقَطَعَ انْتِفَاعُهُ. وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ انْقِطَاعِ عَمَلِهِ، وَأَمَّا عَمَلُ غَيْرِهِ فَهُوَ لِعَامِلِهِ فَإِنْ وَهَبَهُ لَهُ فَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ ثَوَابُ عَمَلِ الْعَامِلِ لَا ثَوَابُ عَمَلِهِ هُوَ فَالْمُنْقَطِعُ شَيْءٌ وَالْوَاصِلُ إلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ، وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الْآخَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمَيِّتَ مِنْ حَسَنَاتِهِ وَعَمَلِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عَمَلًا عَمِلَهُ وَنَشَرَهُ أَوْ وَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ أَوْ مُصْحَفًا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ نَهْرًا أَكْرَاهُ أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ تَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ» فَإِنَّهُ لَمْ يَنْفِ أَنْ يَلْحَقَهُ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ غَيْرِهِ وَحَسَنَاتِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِ الرُّوحِ وَأَجَابَ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الدُّعَاءِ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ فِي الدُّعَاءِ أَمْرَيْنِ (أَحَدَهُمَا) مُتَعَلِّقُهُ كَالْمَغْفِرَةِ فِي قَوْلِك اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُرْجَى حُصُولُهُ لِلْمَدْعُوِّ لَهُ إذْ لَهُ طُلِبَ لَا لِلدَّاعِي وَإِنْ وَرَدَ أَنَّ الْمَلَكَ يَقُولُ لَهُ وَلَك مِثْلُهُ (وَالْأَمْرُ الثَّانِي) ثَوَابُهُ وَهُوَ لِلدَّاعِي فَقَطْ وَعَمَّا وَرَدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ بِالِانْتِفَاعِ بِعَمَلِ الْغَيْرِ الْبَدَنِيِّ مِنْ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالصَّلَاةِ بِأَنَّهَا مَعَ احْتِمَالِهَا التَّأْوِيلَ مُعَارَضَةٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمَعْضُودَةِ بِأَنَّهَا عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الِانْتِقَالِ فَتَقَدَّمَ، وَعَنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ وَحُصُولِ الرَّحْمَةِ وَرَفْعِ الْعَذَابِ بِعَمَلِ الْغَيْرِ الصَّالِحِ بِأَنَّ الْحَاصِلَ فِي نَحْوِ هَذَا بَرَكَةُ الْمُؤْمِنِينَ لَا ثَوَابُ أَعْمَالِهِمْ وَبَرَكَةُ صَلَاحِ الْأَبِ لَا ثَوَابُ عَمَلِهِ وَبَرَكَةُ أَهْلِ الذِّكْرِ لَا ثَوَابُ عَمَلِهِمْ وَبَرَكَةُ الرَّسُولِ لَا ثَوَابُ عَمَلِهِ وَهَكَذَا وَالْبَرَكَاتُ لِعَدَمِ تَوَقُّفِهَا عَلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لَا يُنْكَرُ حُصُولُهَا لِلْغَيْرِ حَتَّى لِلْبَهَائِمِ الَّتِي لَا يَتَأَتَّى فِيهَا أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْصُلُ بَرَكَتُهُ لِلْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْبَهَائِمِ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ ضَرَبَ فَرَسًا بِسَوْطٍ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُسْبَقُ. وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ بَطِيءَ الْحَرَكَةِ وَرُوِيَ أَنَّ حِمَارَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَذْهَبُ إلَى بُيُوتِ أَصْحَابِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيَنْطَحُ بِرَأْسِهِ الْبَابَ يَسْتَدْعِيهِمْ إلَيْهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَرْوِيٌّ فِي مُعْجِزَاتِهِ وَكَرَامَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا الثَّوَابُ فَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ بِدَلِيلِ الْمُبَاحَاتِ وَأَهْلِ الْفَتَرَاتِ لَا يَحْصُلُ إلَّا لِمَنْ تَوَجَّهَ لَهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ فَمِنْ هُنَا يَتَّضِحُ

قَابِلًا لِلِانْفِسَاخِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ الصَّرْفُ لَا يَقْبَلُ انْقِلَابَهُ لِمِلْكِ الْبَائِعِ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْفَرْقِ وَكَمِثْلِ الْخَطَأِ فَإِنَّ لَهُ حُكْمَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ وُجُوبُ الدِّيَةِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بِالزُّهُوقِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مَوْرُوثَةٌ وَالْإِرْثُ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا تَقَدَّمَ فِيهِ مِلْكُ الْمَيِّتِ فَيَجِبُ أَنْ يُقَدَّرَ مِلْكُهُ لَهَا حَالَةَ حَيَاتِهِ فِي حَالَةٍ تَقْبَلُ الْمِلْكَ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَقْبَلُهُ، وَثَانِيهِمَا يَقْتَرِنُ بِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لِتَقْدِيمِهَا عَلَى الْقَتْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الدِّيَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSفِي الْأَسْبَابِ الْمُطَّرِدِ فِيهَا أَنَّ تَعَقُّبَهَا مُسَبَّبَاتُهَا أَوْ تُقَارِنُهَا. وَأَمَّا عَدَمُ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَلِأَنَّ انْقِلَابَ الْمَبِيعِ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدَّاعِيَ إلَى ادِّعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى انْقِلَابِهِ إلَى مِلْكِهِ إنَّمَا هُوَ كَوْنُ ضَمَانِهِ مِنْهُ وَكَوْنُ ضَمَانِهِ مِنْهُ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنُهُ عَلَى مِلْكِهِ لِلُزُومِ الضَّمَانِ بِدُونِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمُعْتَدِي وَإِنَّمَا كَانَ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ فِيهِ حَقُّ التَّوْفِيَةِ. قَالَ (وَكَقَتْلِ الْخَطَأِ فَإِنَّ لَهُ حُكْمَيْنِ إحْدَاهُمَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ وُجُوبُ الدِّيَةِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالزَّهُوقِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهَا) قُلْت مَا قَالَهُ غَيْرُ مُسْلِمٍ، بَلْ تَجِبُ بِإِنْفَاذِ الْمَقَاتِلِ الَّذِي يَئُولُ إلَى الزُّهُوقِ قَالَ (وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مَوْرُوثَةٌ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَقْبَلُهُ) قُلْت لَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ مِلْكِ الدِّيَةِ، بَلْ هُوَ مُحَقَّقٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْإِنْفَاذُ لَا الزَّهُوق قَالَ (وَثَانِيهمَا يَقْتَرِنُ بِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لِتَقْدِيمِهَا عَلَى الْقَتْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الدِّيَةِ) قُلْت قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِيهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQعَدَمُ صِحَّةِ قَوْلِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَأَبَا حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْمِعْيَارِ إذَا قُرِئَ عِنْدَ الْقَبْرِ حَصَلَ لِلْمَيِّتِ أَجْرُ الْمُسْتَمِعِ إذْ الْمَوْتَى قَدْ انْقَطَعَتْ عَنْهَا الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي فَكَمَا أَنَّ الْبَهَائِمَ تَسْمَعُ أَصْوَاتَنَا بِالْقِرَاءَةِ وَلَا ثَوَابَ لَهَا لِعَدَمِ الْأَمْرِ لَهَا بِالِاسْتِمَاعِ كَذَلِكَ الْمَوْتَى لَا يَكُونُ لَهُمْ ثَوَابٌ وَإِنْ كَانُوا مُسْتَمِعِينَ لِعَدَمِ الْأَمْرِ لَهُمْ بِالِاسْتِمَاعِ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ وَلَا يَقَعُ فِيهِ خِلَافٌ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُمْ بَرَكَةُ الْقِرَاءَةِ لَا ثَوَابُهَا كَمَا تَحْصُلُ لَهُمْ بَرَكَةُ الرَّجُلِ الصَّالِحِ يُدْفَنُ عِنْدَهُمْ أَوْ يُدْفَنُونَ عِنْدَهُ فَإِنَّ الْبَرَكَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِخِلَافِ الثَّوَابِ كَمَا عَلِمْت لَكِنَّ الَّذِي يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ لَا يُهْمِلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَلَعَلَّ الْحَقَّ هُوَ الْوُصُولُ إلَى الْمَوْتَى فَإِنَّ هَذِهِ أُمُورٌ مَغِيبَةٌ عَنَّا، وَلَيْسَ فِيهَا اخْتِلَافٌ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَإِنَّمَا هُوَ فِي أَمْرٍ وَاقِعٍ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ التَّهْلِيلُ الَّذِي جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ يَعْمَلُونَهُ الْيَوْمَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ، وَيُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ عَلَى فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يُيَسِّرُهُ وَيُلْتَمَسُ فَضْلُ اللَّهِ بِكُلِّ سَبَبٍ مُمْكِنٍ وَمِنْ اللَّهِ الْجُودُ وَالْإِحْسَانُ اهـ. قَالَ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونٌ وَنُقِلَ هَذَا عَنْ الْقَرَافِيِّ صَاحِبِ الْمِعْيَارِ وَابْنِ الْفُرَاتِ وَالشَّيْخِ مُصْطَفَى الرَّمَاصِيِّ قَالَ كَنُونِ وَنَقَلَ أَبُو زَيْدٍ الْفَاسِيُّ فِي بَابِ الْحَجِّ مِنْ جَوَابٍ لِلْفَقِيهِ الْمُحَدِّثِ أَبِي الْقَاسِمِ الْعَبْدُوسِيِّ، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ فَقَدْ نَصَّ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْأَجْوِبَةِ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَالْقُرْطُبِيِّ فِي التَّذْكِرَةِ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ يَنْتَفِعُ بِالْقِرَاءَةِ قُرِئَتْ عَلَى الْقَبْرِ أَوْ فِي الْبَيْتِ أَوْ فِي بِلَادٍ إلَى بِلَادٍ وَوُهِبَ الثَّوَابُ اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ نَعَمْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ مَنْ أَرَادَ وُصُولَ قِرَاءَتِهِ بِلَا خِلَافٍ فَلْيَجْعَلْ ذَلِكَ دُعَاءً بِأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ أَوْصِلْ ثَوَابَ مَا أَقْرَأُ إلَى فُلَانٍ اهـ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ وَكَنُونٍ قَالَ الرَّهُونِيُّ وَالتَّهْلِيلُ الَّذِي قَالَ فِيهِ الْقَرَافِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ هُوَ فِدْيَةُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ سَبْعِينَ أَلْفِ مَرَّةٍ حَسْبَمَا ذَكَرَهُ السَّنُوسِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا الَّذِي فَهِمَهُ مِنْهُ الْأَئِمَّةُ اُنْظُرْ الْحَطَّابَ هُنَا أَيْ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ وَمُصْطَفَى الرَّمَاصِيَّ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ الْيَوْمَ مِنْ التَّهْلِيلِ عِنْدَ حَمْلِ الْمَيِّتِ وَتَوَجُّهِهِمْ بِهِ إلَى الدَّفْنِ فَجَزَمَ فِي الْمِعْيَارِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي عَقَدَهُ فِي الْبِدَعِ قُبَيْلَ نَوَازِلِ النِّكَاحِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ وَنُقِلَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ مِنْ الْمِعْيَارِ مِنْ كَلَامِ شَيْخِ الشُّيُوخِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ لُبٍّ وَأَبِي مُحَمَّدٍ سَيِّدِي عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْدُوسِيِّ مَا هُوَ شَاهِدٌ لِمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفَصْلِ الْمَذْكُورِ وَانْظُرْ تَقْيِيدَهُ الْمُسَمَّى بِالتَّحَصُّنِ وَالْمَنَعَةِ مِمَّنْ اعْتَقَدَ أَنَّ السُّنَّةَ بِدْعَةٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (فَائِدَةٌ) قَالَ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونٌ فِي الْمِعْيَارِ عَنْ الْإِمَامِ الْمَنْثُورِيِّ مَا نَصُّهُ حَدَّثَنِي الْأُسْتَاذُ ابْنُ عُمَرَ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي الْحَسَنِ الْقُرْطُبِيِّ عَنْ الرَّاوِيَةِ أَبِي عَمْرِ بْنِ حَوْطِ اللَّهِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الْخَطَّابِ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ بَشْكُوَالَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْخَزْرَجِيِّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقَرَوِيُّ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ بِقُرْطُبَةَ قَالَ كُنْت بِمِصْرَ فَأَتَانِي نَعْيُ أَبِي فَوَجَدْت عَلَيْهِ وَجْدًا شَدِيدًا فَبَلَغَ ذَلِكَ الشَّيْخَ أَبَا الطَّيِّبِ بْنَ غَلْبُونٍ الْمُقْرِي فَوَجَّهَ لِي فَأَتَيْته فَجَعَلَ يُصَبِّرُنِي وَيَذْكُرُ ثَوَابَ الصَّبْرِ عَنْ الْمُصِيبَةِ وَالرَّزِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ لِي ارْجِعْ إلَى مَا هُوَ أَعْوَدُ عَلَيْك وَعَلَى الْمَيِّتِ مِنْ أَفْعَالِ الْبِرِّ وَالْخَيْرِ مِثْلُ الصَّدَقَةِ وَمَا شَاكَلَهَا وَأَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَنْهُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] عَشْرَ مَرَّاتٍ كُلَّ لَيْلَةٍ. ثُمَّ قَالَ لِي أُحَدِّثُك فِي ذَلِكَ بِحَدِيثٍ قَالَ كَانَ رَجُلٌ مَعْرُوفٌ بِالْخَيْرِ وَالْفَضْلِ فَرَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنَّهُ فِي مَقْبَرَةِ مِصْرَ وَكَأَنَّ النَّاسَ نُشِرُوا مِنْ مَقَابِرِهِمْ وَكَأَنَّهُ مَشَى خَلْفَهُمْ لِيَسْأَلَهُمْ عَمَّا أَوْجَبَ نُهُوضَهُمْ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَوَجَّهُوا إلَيْهَا فَوَجَدَ

[الفرق بين قاعدة ما يبطل التتابع في صوم الكفارات والنذور وغير ذلك وبين قاعدة ما لا يبطل التتابع]

وَأَمَّا مَا تَتَأَخَّرُ عَنْهُ أَحْكَامُهُ فَكَبَيْعِ الْخِيَارِ يَتَأَخَّرُ فِيهِ نَقْلُ الْمِلْكِ عَنْ الْعَقْدِ إلَى الْإِمْضَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ وَكَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مَعَ الْبَيْنُونَةِ بِخِلَافِ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَتَنْصِيصِ الْعِدَدِ فَإِنَّهَا تُقَارِنُ وَكَالْوَصِيَّةِ يَتَأَخَّرُ نَقْلُهَا لِلْمِلْكِ فِي الْمُوصَى بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكَذَلِكَ السَّلَمُ وَالْبَيْعُ إلَى أَجَلٍ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ تَوَجُّهُ الْمُطَالَبَةِ إلَى انْقِضَاءِ الْأَجَلِ، وَأَمَّا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ فَكَالْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ نَحْوِ الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ وَالْإِبْرَاءِ وَالطَّلَاقِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالشَّهَادَاتِ فَهَلْ تَقَعُ مُسَبَّبَاتُهَا مَعَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهَا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْأَجِلَّةِ كَمَا كَانَ شَيْخُ الْمُتَكَلِّمِينَ هَذَا مَذْهَبُهُ فِي الْفِقْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ تَقَعُ مُسَبَّبَاتُهَا عَقِيبَ آخِرِ حَرْفٍ وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ خِلَافٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَأَمَّا مَا تَتَأَخَّرُ عَنْهُ أَحْكَامُهُ فَكَبَيْعِ الْخِيَارِ يَتَأَخَّرُ فِيهِ نَقْلُ الْمِلْكِ عَنْ الْعَقْدِ إلَى الْإِمْضَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ) قُلْت إنَّمَا تَأَخَّرَ نَقْلُ الْمِلْكِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا ثَبَتَ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَهُوَ عَقْدٌ غَيْرُ تَامٍّ فَتَأَخَّرَ مُسَبَّبُهُ إلَى تَمَامِهِ. قَالَ (وَكَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ إلَى قَوْلِهِ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ تَوَجُّهُ الْمُطَالَبَةِ إلَى انْقِضَاءِ الْأَجَلِ) قُلْت جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ أَسْبَابٌ لَمْ تَتِمَّ فَلَمْ تَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا مُسَبَّبَاتُهَا حَتَّى تَمُتْ وَاسْتَوْفَتْ شُرُوطَهَا فَلَمْ يَأْتِ بِمِثَالٍ صَحِيحٍ لِمَا يَتَأَخَّرُ عَنْ سَبَبِهِ قَالَ (وَأَمَّا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ فَكَالْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ نَحْوِ الْعِتْقِ وَالْبَيْعِ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ خِلَافٌ) قُلْت الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ الْخِلَافِ قَرِيبٌ وَلَا أَرَاهُ يَئُولُ إلَى طَائِلٍ. ـــــــــــــــــــــــــــــQرَجُلًا عَلَى حُفْرَتِهِ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ جَمَاعَتِهِمْ فَسَأَلَهُ عَنْ الْقَوْمِ إلَى أَيْنَ يُرِيدُونَ فَقَالَ إلَى رَحْمَةٍ جَاءَتْهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا فَقَالَ لَهُ فَهَلَّا مَضَيْت مَعَهُمْ فَقَالَ إنِّي قَدْ قَنَعْت بِمَا يَأْتِينِي مِنْ وَلَدِي عَنْ أَنْ أُقَاسِمَ فِيمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقُلْت لَهُ وَمَا الَّذِي يَأْتِيك مِنْ وَلَدِك فَقَالَ يَقْرَأُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فِي كُلِّ يَوْمٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ وَيُهْدِي إلَيَّ ثَوَابَهَا فَذَكَرَ الشَّيْخُ ابْنُ غَلْبُونٍ لِي أَنَّهُ مُنْذُ سَمِعَ هَذِهِ الْحِكَايَةَ كَانَ يَقْرَأُ عَنْ وَالِدَيْهِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فِي كُلِّ يَوْمٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَمْ يَزَلْ بِهَذِهِ الْحَالَةِ إلَى أَنْ مَاتَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْخَيَّاطُ فَجَعَلَ يَقْرَأُ عَنْهُ كُلَّ لَيْلَةٍ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] عَشْرَ مَرَّاتٍ وَيُهْدِي إلَيْهِ ثَوَابَهَا قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ غَلْبُونٍ فَمَكَثْت عَلَى هَذِهِ النِّيَّةِ مُدَّةً، ثُمَّ عَرَضَ لِي فُتُورٌ قَطَعَنِي عَنْ ذَلِكَ فَرَأَيْت أَبَا الْعَبَّاسِ فِي النَّوْمِ فَقَالَ لِي يَا أَبَا الطَّيِّبِ لِمَ قَطَعْت عَنَّا ذَلِكَ الشُّكْرَ الْخَالِصَ الَّذِي كُنْت تُوَجِّهُ بِهِ إلَيْنَا فَانْتَبَهْت مِنْ مَنَامِي وَقُلْت الْخَالِصُ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنَّمَا كُنْت أُوَجِّهُ إلَيْهِ ثَوَابَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فَرَجَعْت أَقْرَؤُهَا عَنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ اهـ. وَلَا يَخْفَاك أَنْ تَمَسُّكَ مِثْلَ الشَّيْخِ ابْنِ غَلْبُونٍ بِالرُّؤْيَا الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ الرَّجُلِ الْمَعْرُوفِ بِالْخَيْرِ وَالْفَضْلِ وَبِرُؤْيَاهُ الَّتِي رَآهَا بَعْدُ إنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ التَّأْيِيدِ وَالِاسْتِئْنَاسِ لِلْأَدِلَّةِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا مَنْ قَالَ بِوُصُولِ ثَوَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْقُرَبِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَاتِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا وَقَعَ لِابْنِ ذِكْرِيٍّ، بَلْ أَوْلَى مِنْ أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى قَوْلِ الْحَطَّابِ فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ خَلِيلٍ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي بَابِ الْحَجِّ وَتَطَوَّعَ وَلِيُّهُ عَنْهُ مَا نَصُّهُ وَجُلُّهُمْ أَيْ الْعُلَمَاءِ أَجَابَ بِالْمَنْعِ أَيْ مَنْعِ إهْدَاءِ ثَوَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْقُرَبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ أَثَرٌ وَلَا شَيْءٌ عَمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ مِنْ السَّلَفِ اُنْظُرْهُ بِأَنَّهُ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ الْمُتَقَدِّمُ اسْتَنَدَ إلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الْعُهُودِ الْمُحَمَّدِيَّةِ عَنْ أَبِي الْمَوَاهِبِ الشَّاذِلِيِّ مِنْ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ عَنْ مَعْنَاهُ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ لِكَلَامِ الْعُهُودِ فَهُوَ أَقْوَى وَأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ زَرُّوقٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ كَالْحَافِظِ الْمُنْذِرِيِّ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ إنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أُكْثِرُ الدُّعَاءَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَك مِنْ دُعَائِي صَلَاةً عَلَيْك إذْ لَوْ أُرِيدَ لَقِيلَ فَكَمْ أَصْرِفُ لَك مِنْ وَقْتِ دُعَائِي مَثَلًا قَالَ الشَّيْخُ كنون بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَهُ فِي بَابِ الْحَجِّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَتَطَوَّعَ عَنْهُ وَلِيُّهُ مَا نَصُّهُ فَأَنْتَ تَرَاهُ إنَّمَا ذَكَرَ رُؤْيَا أَبِي الْمَوَاهِبِ وَغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّأْيِيدِ وَالِاسْتِئْنَاسِ لِظَاهِرِ لَفْظِ الْحَدِيثِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاحْتِجَاجِ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّ رُؤْيَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا وَلَا سِيَّمَا مِنْ مِثْلِ أَبِي الْمَوَاهِبِ لَكِنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِالرُّؤْيَا فَلِذَلِكَ قَبِلَ كَلَامَهُ الْمَذْكُورَ تِلْمِيذُهُ جَسُّوسُ وَغَيْرُهُ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اُنْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَبْطُلُ التَّتَابُعُ] (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ وَالنَّذْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ) وَذَلِكَ أَنَّ مَا يُبْطِلُهُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ (الْأَوَّلُ) وَطْءُ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا عَلَى خِلَافٍ فِيهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا حَصَلَ مِنْهُ ابْتَدَأَ الصَّوْمَ مُطْلَقًا لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا أَوَّلَ صَوْمِهِ أَوْ آخِرَهُ نَاسِيًا كَانَ لِظِهَارِهِ أَوْ عَامِدًا وَوَافَقَهُ فِي ذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ وَإِنْ أَصَابَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَلَوْ نَاسِيًا أَوْ مَعَ عُذْرٍ يُبِيحُ الْفِطْرَ أَيْ كَمَرَضٍ وَسَفَرٍ انْقَطَعَ أَيْ التَّتَابُعُ اهـ. وَكَذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهُ اشْتَرَطَ فِي ذَلِكَ الْعَمْدَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَسْتَأْنِفُ عَلَى حَالٍ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ

تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَفَعَلَتْ طَلُقَتْ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى أَصْلِهِ جِدًّا فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْإِعْطَاءِ الْإِقْبَاضَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ، وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا كَمَا لَوْ قَالَ إنْ أَقْبَضْتنِي وَإِنْ أَرَادَ بِالْإِعْطَاءِ التَّمْلِيكَ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّمْلِيكُ عَلَى أَصْلِهِ بِمُجَرَّدِ الْمُنَاوَلَةِ، وَقَاعِدَتُهُ أَنَّ الْمُعَاطَاةَ وَالْفِعْلَ وَالْمُنَاوَلَةَ لَا يُوجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ انْتِقَالَ مِلْكٍ فَهَذِهِ الصُّورَةُ تَعْضُدُ الْمَالِكِيَّةَ فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا وَيَكُونُ نَقْضًا عَلَى أَصْلِهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ اللَّفْظُ السَّابِقُ فِي التَّعْلِيقِ حَصَلَ بِهِ انْتِقَالُ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ التَّعْلِيقِ إنَّمَا اقْتَضَى رَبْطَ الطَّلَاقِ بِالْإِعْطَاءِ وَلَمْ يَقْتَضِ حُصُولَ الْمِلْكِ فِي الْمُعْطِي وَلَعَلَّهَا لَا تُعْطِيهِ شَيْئًا فَإِنَّ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَى الْمِلْكِ لَمْ يُوجَدْ أَلْبَتَّةَ فَلَا يُمْكِنُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (تَنْبِيهٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى آخِرِ الْفَرْقِ) قُلْت الظَّاهِرُ أَنَّ مَا قَالَهُ وَأَلْزَمَهُ الشَّافِعِيُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَشْبِيهُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالشَّرْطُ الَّذِي وَرَدَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَعْنِي أَنْ تَكُونَ قَبْلَ الْمَسِيسِ فِي قَوْله تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ افْعَلْ كَذَا قَبْلَ كَذَا أَنَّ التَّقَدُّمَ شَرْطٌ وَلِذَلِكَ يَصْدُقُ لَنَا اسْتَأْذِنْ الْمَرْأَةَ فِي النِّكَاحِ وَأَحْضِرْ الْوَلِيَّ قَبْلَ الْعَقْدِ أَنَّ هَذَيْنِ شَرْطَانِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُنَا اسْتَتِرْ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَتَطَهَّرْ وَانْوِ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ شُرُوطٌ فَمَنْ اعْتَبَرَ هَذَا الشَّرْطَ قَالَ يَسْتَأْنِفُ الصَّوْمَ إذْ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ أَنْ يَتَقَدَّمَ الصَّوْمُ وَطْءَ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا بَعْدَ الظِّهَارِ، وَمَنْ شَبَّهَهُ بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ قَالَ لَا يَسْتَأْنِفُ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ فِي الْيَمِينِ تَرْفَعُ الْحِنْثَ بَعْدَ وُقُوعِهِ بِاتِّفَاقٍ اهـ بِتَوْضِيحٍ (النَّوْعُ الثَّانِي) الِاسْتِمْتَاعُ بِالْمُظَاهَرِ مِنْهَا بِمَا دُونَ الْوَطْءِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ أَيْضًا قَالَ حَفِيدُ ابْن رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ الْجِمَاعُ يَحْرُمُ مَا دُونَهُ مِنْ الْوَطْءِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَاللَّمْسُ وَالتَّقْبِيلُ وَالنَّظَرُ لِلَّذَّةِ مَا عَدَا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا وَيَدَيْهَا مِنْ سَائِرِ بَدَنِهَا وَمَحَاسِنِهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا كُرِهَ النَّظَرُ لِلْفَرْجِ فَقَطْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّمَا يَحْرُمُ الظِّهَارُ لِوَطْءٍ فِي الْفَرْجِ فَقَطْ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ لَا مَا عُدَّ بِذَلِكَ اهـ. وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ مَا فِي الْإِقْنَاعِ وَشَرْحِهِ مِنْ أَنَّهُ إنْ لَمَسَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا أَوْ بَاشَرَهَا دُونَ الْفَرْجِ عَلَى وَجْهٍ يُفْطِرُ بِهِ بِأَنْ أَنْزَلَ قُطِعَ التَّتَابُعُ لِفَسَادِ صَوْمِهِ وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهٍ يُفْطِرُ بِهِ بِأَنْ لَمْ يُنْزِلْ فَلَا يُقْطَعُ التَّتَابُعُ لِعَدَمِ فَسَادِ الصَّوْمِ اهـ قَالَ حَفِيدُ ابْنِ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ وَدَلِيلُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ ظَاهِرَ لَفْظِ التَّمَاسِّ فِي قَوْله تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] يَقْتَضِي الْمُبَاشَرَةَ فَمَا فَوْقَهَا؛ وَلِأَنَّهُ أَيْ الظِّهَارُ لَفْظٌ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِهِ فَأَشْبَهَ لَفْظَ الطَّلَاقِ، وَدَلِيلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَوَّلًا أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ وَإِنْ كَانَتْ تَدُلُّ عَلَى مَا فَوْقَ الْجِمَاعِ إلَّا أَنَّهَا دَلَالَةٌ مَجَازِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْجِمَاعِ، فَيَكُونُ هُوَ الْحَقِيقَةُ الَّتِي تَنْتَفِي بِهَا الدَّلَالَةُ الْمَجَازِيَّةُ إذْ لَا يَدُلُّ لَفْظٌ وَاحِدٌ دَلَالَتَيْنِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا نَعَمْ لَا يَبْعُدُ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ لَهُ عُمُومٌ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ يَتَضَمَّنُ الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا أَعْنِي الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَجْرِ بِهِ عَادَةٌ لِلْعَرَبِ حَتَّى عُدَّ الْقَوْلُ بِهِ لِذَلِكَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ لَكِنْ لَوْ عُلِمَ أَنَّ لِلشَّرْعِ فِيهِ تَصَرُّفًا لَجَازَ وَثَانِيًا أَنَّ الظِّهَارَ مُشَبَّهٌ عِنْدَهُمْ بِالْإِيلَاءِ فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ عِنْدَهُمْ بِالْفَرْجِ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْت وَدَلِيلُ قَوْلِ أَحْمَدَ أَنَّ الْجِمَاعَ يُطْلَقُ شَرْعًا عَلَى مُوجِبِ الْغُسْلِ وَفَسَادِ الصَّوْمِ فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ (النَّوْعُ الثَّالِثُ) وَطْءُ غَيْرِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَالْأَكْلُ نَهَارًا عَلَى خِلَافٍ فِيهِ أَيْضًا فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا تَعَمَّدَ الْأَكْلَ فِي صَوْمِ الظِّهَارِ أَوْ الْقَتْلِ أَوْ النَّذْرِ الْمُتَتَابِعِ نَهَارًا أَوْ تَعَمَّدَ وَطْءَ غَيْرِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا نَهَارًا ابْتَدَأَهُ اهـ بِالْمَعْنَى، وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَفِي إلْحَاقِ الْجَاهِلِ أَيْ بِالْعَامِدِ قَوْلَانِ وَفِي السَّهْوِ وَالْخَطَأِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ السَّهْوِ فَيُجْزِئُ وَالْخَطَأِ فَلَا يُجْزِئُ وَيَبْتَدِئُ؛ لِأَنَّ مَعَهُ تَمْيِيزَهُ بِخِلَافِ السَّهْوِ وَمِثْلُ مَا لِمَالِكٍ فِي الْجُمْلَةِ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْإِقْنَاعِ الْآتِي، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ الْفِطْرُ يُبْطِلُ التَّتَابُعَ مُطْلَقًا أَيْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا؛ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ الْمَرَضِ فَقَطْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِخِلَافِ الْمَرَضِ وَنَحْوِهِ كَالْإِغْمَاءِ وَالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْأَصْلُ وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ التَّتَابُعُ مَأْمُورٌ بِهِ فَيَقْدَحُ فِيهِ النِّسْيَانُ أَوْ التَّفْرِيقُ مُحَرَّمٌ فَلَا تَضُرُّ مُلَابَسَتُهُ سَهْوًا فَإِنَّ الْمُحَرَّمَاتِ لَا يَأْثَمُ الْإِنْسَانُ بِمُلَابَسَتِهَا مَعَ عَدَمِ الْقَصْدِ كَشُرْبِ الْخَمْرَ سَاهِيًا أَوْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً جَاهِلًا بِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ أَوَأَكَلَ طَعَامًا نَجِسًا أَوْ حَرَامًا مَغْصُوبًا غَيْرَ عَالِمٍ بِهِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا عَلَى عَدَمِ الْإِثْمِ اهـ. مِنْهُ بِلَفْظِهِ يَعْنِي أَنَّ سَبَبَ الْخِلَافِ هَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ بَشِيرٍ وَسَيَأْتِي مَا فِي الِاحْتِمَالِ الثَّانِي فَتَرَقَّبْ (وَأَنَّ مَا لَا يُبْطِلُهُ) فَأَنْوَاعٌ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا أَكَلَ نَهَارًا فِي صَوْمِ الظِّهَارِ أَوْ الْقَتْلِ أَوْ النَّذْرِ الْمُتَتَابِعِ نَاسِيًا أَوْ مُجْتَهِدًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ وَطِئَ نَهَارًا غَيْرَ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا نَاسِيًا قَضَى يَوْمًا مُتَّصِلًا بِصَوْمِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ابْتَدَأَ الصَّوْمَ مِنْ أَوَّلِهِ. اهـ فَأَوْلَى إذَا أَفْطَرَ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حِكَايَةُ الْخِلَافِ فِي الْجَهْلِ وَالسَّهْوِ وَالْخَطَأِ عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَمِثْلُ مَا لِمَالِكٍ فِي الْجُمْلَةِ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ وَإِنْ تَخَلَّلَ صَوْمَهُمَا أَيْ الشَّهْرَيْنِ صَوْمُ رَمَضَانَ أَوْ فِطْرٌ وَاجِبٌ كَفِطْرِ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَوْ الْحَيْضُ أَوْ نِفَاسٌ أَوْ جُنُونٌ أَوْ إغْمَاءٌ أَوْ مَرَضٌ، وَلَوْ غَيْرَ مَخُوفٍ أَوْ لِسَفَرٍ مُبِيحَانِ أَيْ الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ الْفِطْرَ أَوْ فِطْرُ الْحَامِلِ أَوْ الْمُرْضِعِ

[الفرق بين قاعدة الذمة وبين قاعدة أهلية المعاملة]

(الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الذِّمَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَهْلِيَّةِ الْمُعَامَلَةِ) اعْلَمْ أَنَّ الذِّمَّةَ قَدْ أُشْكِلَتْ مَعْرِفَتُهَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَجَمَاعَةٌ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا أَهْلِيَّةُ الْمُعَامَلَةِ فَإِذَا ـــــــــــــــــــــــــــــSصَحِيحٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ فَفَعَلْت أَيْ مَلَّكْته الْأَلْفَ بِشَرْطِ التَّمْلِيكِ الَّذِي هُوَ التَّلَفُّظُ بِمَا يَقْتَضِيهِ فَيَنْدَفِعُ الْإِلْزَامُ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الذِّمَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَهْلِيَّةِ الْمُعَامَلَةِ] قَالَ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الذِّمَّةِ وَقَاعِدَةِ أَهْلِيَّةِ الْمُعَامَلَةِ إلَى قَوْلِهِ، وَهَذَا هُوَ ضَابِطُ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ مِنْ وَجْهٍ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ بَعْدُ مِنْ حِكَايَةِ أَقْوَالٍ لَا كَلَامَ فِيهِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا ذِمَّةَ لَهُ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنْ كَانَتْ الذِّمَّةُ كَوْنَ الْإِنْسَانِ قَابِلًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ وَالْتِزَامِهَا شَرْعًا فَالصَّبِيُّ لَا ذِمَّةَ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ الذِّمَّةُ كَوْنَهُ قَابِلًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ دُونَ الْتِزَامِهَا فَالصَّبِيُّ لَهُ ذِمَّةٌ لِلُزُومِ أُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَقِيَم الْمُتْلَفَاتِ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِخَوْفِهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدَيْهِمَا أَوْ فِطْرٌ لِإِكْرَاهٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ لِخَطَأٍ لَا لِجَهْلٍ أَوْ وَطِئَ غَيْرَ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا لَيْلًا، وَلَوْ عَمْدًا أَوْ نَهَارًا نَاسِيًا لِلصَّوْمِ أَوْ لِعُذْرٍ يُبِيحُ الْفِطْرَ لَمْ يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ أَيْ بِجَمِيعِ ذَلِكَ فَيُبْنَى عَلَى مَا قَدَّمَهُ وَيُتِمُّهُ اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْفِطْرُ لِمَرَضٍ لَا يُبْطِلُهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ الْإِغْمَاءُ كَالْمَرَضِ وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ كَالْمَرِيضِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ حَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْبِدَايَةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ إنْ وَطِئَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا لَا يَسْتَأْنِفُ عَلَى حَالٍ نَظَرًا لِكَوْنِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ تَرْفَعُ الْحِنْثَ بَعْدَ وُقُوعِهِ بِاتِّفَاقٍ وَحَكَى الْأَصْلُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إنْ وَطِئَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا لَيْلًا لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ. اهـ. فَحَرِّرْ هَذَا تَوْضِيحُ الْفَتَاوَى عَلَى الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ حَاصِلٌ عَلَى كُلِّ فَتْوَى مَذْهَبٍ مِنْهَا إلَّا أَنَّ سِرَّهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا عَلَى الْفَتْوَى مِنْ مَذْهَبَيْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَذَلِكَ أَنَّهُمَا جَعَلَا وَطْءَ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا مُطْلَقًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا أَوَّلَ الصَّوْمِ أَوْ آخِرَهُ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا مُوجِبًا لِابْتِدَاءِ الصَّوْمِ، وَوَطْءَ غَيْرِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَالْأَكْلَ نَهَارًا عَمْدًا فَقَطْ مُوجِبًا لِابْتِدَائِهِ، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَعَلَى عَكْسِ ذَلِكَ فَقَدْ جَعَلَا وَطْءَ غَيْرِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا وَالْأَكْلَ نَهَارًا مُطْلَقًا أَيْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا مُوجِبًا لِابْتِدَاءِ الصَّوْمِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَطْءَ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا عَمْدًا فَقَطْ لِابْتِدَائِهِ وَالشَّافِعِيُّ وَطْؤُهَا إمَّا لَا يُوجِبُ الِابْتِدَاءَ عَلَى حَالٍ، وَأَمَّا لَيْلًا فَقَطْ لَا يُوجِبُهُ كَمَا تَوَضَّحَ وَسِرُّ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ التَّتَابُعَ صِفَةُ الصَّوْمِ الْمُكَلَّفِ بِوُجُوبِهِ وَصِفَةَ الْمُكَلَّفِ بِوُجُوبِهِ مُكَلَّفٌ بِوُجُوبِهَا وَعَدَمَ وَطْءِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ عَنْ الظَّاهِرِ شَرْطٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] فَإِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ افْعَلْ كَذَا أَنَّ التَّقَدُّمَ شَرْطٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْقَاعِدَةُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ مَبْسُوطَةٌ أَنَّ الْوُجُوبَ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ مِنْ قَبِيلِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَقُدْرَتُهُ وَإِرَادَتُهُ فَمَا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ لَا يُكَلَّفُ لَك وَكَذِبُهُ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ لَا يَلْزَمُهُ حَتَّى يَعْلَمَ بِهِ. غَيْرَ أَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ الْعِلْمِ يَقُومُ مَقَامَ الْعِلْمِ فِي التَّكْلِيفِ فَيَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ وَالْإِكْرَاهِ وَالْمَرَضِ وَالْإِغْمَاءِ وَنَحْوِهَا لِمُنَافَاتِهَا التَّكْلِيفَ بِمُنَافَاتِهَا لِشَرْطِهِ لُطْفًا مِنْ اللَّهِ بِالْعِبَادِ وَأَنَّ الشَّرْطَ كَالسَّبَبِ وَالْمَانِعِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ قَبِيلِ خِطَابِ الْوَضْعِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ وَلَا إرَادَةٌ كَالتَّوْرِيثِ بِالْأَنْسَابِ وَالْإِنْسَانُ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ وَلَا هُوَ مِنْ قُدْرَتِهِ وَلَا إرَادَتِهِ فَيَقْدَحُ فِيهِ النِّسْيَانُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ يَثْبُتُ مُطْلَقًا وَمَا يَثْبُتُ مُطْلَقًا اُعْتُبِرَ مُطْلَقًا، فَيَكُونُ شَرْطًا فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَالْمَفْهُومُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] أَنَّهُ بَعْدَ الظِّهَارِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ لَيْسَ قَبْلَهُمَا وَطْءٌ وَلَا فِي أَثْنَائِهِمَا وَطْءٌ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ إمَّا خَبَرٌ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ أَيْ لِيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَإِمَّا خَبَرٌ بَاقٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ حُذِفَ مِنْهُ إمَّا الْمُبْتَدَأُ أَيْ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَإِمَّا الْخَبَرُ أَيْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَكَوْنُهُمَا لَيْسَ قَبْلَهُمَا وَطْءٌ وَلَا فِي أَثْنَائِهِمَا وَطْءٌ أَمْرَانِ قَدْ يَتَغَيَّرُ أَحَدُهُمَا بِتَقَدُّمِ الْوَطْءِ فَيَسْتَحِلُّ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ بَعْدَ تَغَيُّرِ أَحَدِهِمَا بِتَقَدُّمِ الْوَطْءِ أَنْ يُصَدَّقَ أَنَّهُ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ قَبْلَهُمَا وَطْءٌ وَيَبْقَى الْآخَرُ وَهُوَ أَنْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ فِي خِلَالِهِمَا وَطْءٌ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمُتَعَذِّرَ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ وَالْمُمْكِنَ يُسْتَصْحَبُ فِيهِ التَّكْلِيفُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَلِذَلِكَ قُلْنَا نَحْنُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَبْتَدِئُ الصَّوْمَ مُتَتَابِعَيْنِ إذَا وَطِئَهَا قَبْلَهُ مُطْلَقًا وَأَبُو حَنِيفَةَ عَمْدًا فَقَطْ. وَإِنْ كَانَ وَصْفُ تَقَدَّمْ عَدَمِ الْوَطْءِ قَدْ تَعَذَّرَ؛ لِأَنَّهُ أَيْ التَّتَابُعَ هُوَ الْمُمْكِنُ الْبَاقِي، وَأَمَّا فِي فِطْرِهِ نَاسِيًا النَّذْرُ الْمُتَتَابِعَ وَنَحْوَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الصَّوْمِ الْمُتَتَابِعِ فَيَأْتِي بِيَوْمٍ غَيْرِ الْيَوْمِ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ نَاسِيًا يَصِلُهُ بِآخِرِ صِيَامِهِ تَكْمِلَةً لِلْعِدَّةِ لَا لِتَحْصِيلِ وَصْفِ التَّتَابُعِ فِي جَمِيعِ الصَّوْمِ، بَلْ فِي آخِرِهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّوْمِ قَدْ تَعَذَّرَ وَبَقِيَ تَحْصِيلُهُ فِي آخِرِهِ مُمْكِنًا فَوَجَبَ الْمُمْكِنُ وَسَقَطَ الْمُتَعَذِّرُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ الْوَارِدُ هُنَا عَلَى الْفَتَاوَى الْمَذْكُورَةِ كُلِّهَا مِنْ جِهَةِ

قُلْنَا زَيْدٌ لَهُ ذِمَّةٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَهْلٌ لَأَنْ يُعَامَلَ وَهُمَا حَقِيقَتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ بِمَعْنَى أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَتَانِ وَتَحْقِيقُ التَّغَايُرِ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الْحَقِيقَتَيْنِ أَعَمُّ مِنْ الْأُخْرَى مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّ التَّصَرُّفَ يُوجَدُ بِدُونِ الذِّمَّةِ، وَالذِّمَّةُ تُوجَدُ بِدُونِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ وَيَجْتَمِعَانِ مَعًا كَالْحَيَوَانِ وَالْأَبْيَضِ يُوجَدُ الْحَيَوَانُ وَلَا أَبْيَضُ كَالْأَسْوَدَانِ وَالْأَبْيَضِ وَلَا حَيَوَانَ كَالْجِيرِ وَالثَّلْجِ وَيَجْتَمِعَانِ مَعًا كَالصَّقَالِبَةِ وَالطُّيُورِ الْبِيضِ، وَهَذَا هُوَ ضَابِطُ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ مِنْ وَجْهٍ فَالصِّبْيَانُ عِنْدَنَا الْمُمَيِّزُونَ يَصِحُّ بَيْعُهُمْ وَشِرَاؤُهُمْ وَيَقِفُ اللُّزُومُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فَإِنْ عَقَدَ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ وَقَفَ عَلَى إجَازَتِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ إنْ عَقَدَهُ بِإِذْنٍ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى عَدَمِ الذِّمَّةِ فِي حَقِّهِ فَهَذَا الْقِسْمُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: 4] عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مِنْ التَّقَادِيرِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَعْنِي كَوْنَهُ خَبَرًا بِمَعْنَى الْأَمْرِ أَوْ عَلَى حَقِيقَتِهِ حُذِفَ مِنْهُ الْمُبْتَدَأُ أَوْ الْخَبَرُ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِطَلَبٍ لَا يُدْفَعُ فَكَيْفَ يُتَخَيَّلُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنْ التَّفْرِيقِ، فَيَكُونُ مُحَرَّمًا. وَالْمُحَرَّمُ لَا يَأْثَمُ الْإِنْسَانُ بِمُلَابَسَتِهِ مَعَ عَدَمِ الْقَصْدِ كَمَا هُوَ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ وَيَبْعُدُ الِاعْتِمَادُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّتَابُعَ إذَا كَانَ وَاجِبًا كَانَ تَرْكُهُ مُحَرَّمًا فَإِنَّ كُلَّ وَاجِبٍ تَرْكُهُ مُحَرَّمٌ وَكُلَّ مُحَرَّمٍ تَرْكُهُ وَاجِبٌ فَالْوُجُوبُ مِنْ لَوَازِمِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْرِيمُ مِنْ لَوَازِمِ الْوُجُوبِ فِي النَّقِيضِ الْمُقَابِلِ فَاَلَّذِي يَصِحُّ فِي الْآيَةِ أَنَّ التَّتَابُعَ مِنْ بَابِ الْوَاجِبِ وَأَنَّ الْمَطْلُوبَ طَلَبًا أَكِيدًا صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَالْمُكَلَّفُ النَّاسِيَ وَالْمُجْتَهِدُ وَالْمَكْرُوهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَدْ فَرَّقَ وَلَمْ يَقَعْ فِعْلُهُ مُطَابِقًا لِمُقْتَضَى الطَّلَبِ فَوَجَبَ الْبَقَاءُ فِي الْعُهْدَةِ كَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَلَبَ الصَّلَاةَ بِالنِّيَّةِ وَالطَّهَارَةِ وَالسِّتَارَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الشُّرُوطِ فَمَنْ نَسِيَ أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَوْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فِيهَا أَوْ أُكْرِهَ عَلَى عَدَمِهَا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ، وَكَذَلِكَ إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ فِي رَمَضَانَ أَوْ نَسِيَ أَوْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَإِنَّ صَوْمَهُ يَبْطُلُ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ فَمَا بَالُ التَّتَابُعِ خَرَجَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا النَّمَطِ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالْمَنْذُورَاتِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ فِي الْإِغْمَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ التَّتَابُعُ كَمَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ بِالْإِغْمَاءِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَهُ فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُبْطِلَا التَّتَابُعَ كَمَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ بِهِمَا، وَكَذَلِكَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِمَا فِي الْمَرَضِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ أَنَّ التَّفْرِيقَ مَتَى حَصَلَ أَيَّ طَرِيقٍ كَانَ وَجَبَ ابْتِدَاءُ الصَّوْمِ كَمَا قُلْنَا فِي جَمِيعِ النَّظَائِرِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ بِوَصْفِ التَّتَابُعِ لَمْ يَحْصُلْ وَمَتَى لَمْ يَحْصُلْ الْمَطْلُوبُ الشَّرْعِيُّ مَعَ إمْكَانِ الْإِتْيَانِ بِهِ وَجَبَ الْإِتْيَانُ بِهِ هَذِهِ هِيَ الْقَاعِدَةُ وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّ النَّظَائِرَ الْمَذْكُورَةَ شُرُوطٌ مِنْ قَبِيلِ خِطَابِ الْوَضْعِ الَّذِي لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَلَا قُدْرَتُهُ وَلَا إرَادَتُهُ فَهِيَ شُرُوطٌ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ فَيُؤَثِّرُ فَقْدُهَا وَالتَّتَابُعُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صِفَةُ الصَّوْمِ الْمُكَلَّفِ بِوُجُوبِهِ وَصِفَةُ الْمُكَلَّفِ بِوُجُوبِهِ مُكَلَّفٌ بِوُجُوبِهَا فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ وَقُدْرَتُهُ وَإِرَادَتُهُ. وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمُتَعَذِّرَ مِنْهُ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ وَالْمُمْكِنَ مِنْهُ يُسْتَصْحَبُ فِيهِ التَّكْلِيفُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (مَسْأَلَةٌ) قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا تَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ أَوْ بِالصَّلَاةِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَجِبُ بِالشُّرُوعِ أَيْ مِنْ النَّوَافِلِ السَّبْعِ الْمَجْمُوعَةِ فِي قَوْلِ ابْنِ كَمَالِ بَاشَا: مِنْ النَّوَافِلِ سَبْعٌ تَلْزَمُ الشَّارِعَ ... أَخْذًا لِذَلِكَ مِمَّا قَالَهُ الشَّارِعُ صَوْمٌ صَلَاةٌ عُكُوفٌ حَجَّهُ الرَّابِعُ ... طَوَافُهُ عُمْرَةٌ إحْرَامُهُ السَّابِعُ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ إحْرَامُهُ السَّابِعُ الِائْتِمَامُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ السَّابِقِ: صَلَاةٌ وَصَوْمٌ ثُمَّ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ ... طَوَافٌ عُكُوفٌ وَائْتِمَامٌ تَحَتُّمًا وَفِي غَيْرِ ذَا كَالْوَقْفِ وَالطُّهْرِ خَيِّرْنَ ... فَمَنْ شَاءَ فَلْيَقْطَعْ وَمَنْ شَاءَ تَمَّمَا وَعَرَضَ عَارِضٌ يَقْتَضِي فَسَادَهُ نَاسِيًا أَوْ مُجْتَهِدًا لَمْ يَجِبْ قَضَاءُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَإِنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا أَوْ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ وَجَبَ الْقَضَاءُ اهـ. وَهَذَا وَإِنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ إشْكَالٌ كَبِيرٌ هُوَ أَنَّ قَاعِدَةَ الْوُجُوبِ بِالشُّرُوعِ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَا يَجِبُ بِالشُّرُوعِ نَظِيرَ الْوَاجِبِ الْمُتَّصِلِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ فِي كَوْنِ مَا فَسَدَ مِنْ كُلٍّ يَقْضِي بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ فَإِنَّ الْوَاجِبَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَلِفَ حَالُهُ إلَّا أَنَّ وَجْهَهُ هُوَ أَنَّ وُجُوبَ التَّطَوُّعَاتِ عِنْدَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] حَيْثُ نَهَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ الْإِبْطَالِ، فَيَكُونُ الْإِكْمَالُ وَاجِبًا مُكَلَّفًا بِهِ وَالتَّكْلِيفُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقُدْرَةُ وَالْعِلْمُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَا يَجِبُ الْإِتْمَامُ حَالَةَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ. وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْإِتْمَامُ حَالَةَ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ فَإِذَا تَعَمَّدَ الْإِفْسَادَ وَلَمْ يَحْصُلْ الْإِتْمَامُ حَالَةَ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ وَجَبَ

[الفرق بين قاعدة المطلقات يقضي قبل علمهن بالطلاق وأمد العدة وبين قاعدة المرتابات يتأخر الحيض ولا يعلم لتأخره سبب]

حَصَلَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ حَنْبَلٍ مِنْ غَيْرِ ذِمَّةٍ لَهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَتُوجَدُ الذِّمَّةُ بِدُونِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ كَالْعَبِيدِ فَإِنَّهُمْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِمْ لِحَقِّ السَّادَاتِ. وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُمْ يَمْلِكُونَ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ التَّصَرُّفُ إلَّا بِإِذْنِ السَّادَاتِ سَدًّا لِذَرِيعَةِ إفْسَادِ مَا لَهُمْ وَحَقُّ السَّادَاتِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وَلَوْ جَنَوْا جِنَايَةً وَلَمْ يَقَعْ الْحَدِيثُ فِيهَا وَلَا الْحُكْمُ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِذِمَّتِهِ إذَا عَتَقَ طُولِبَ بِهَا بِخِلَافِ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ لَا يُطَالَبُ بِمَا تَقَرَّرَ فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَكِنْ بِمَا تَقَدَّمَ سَبَبُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَيُطَالَبُ بِهِ الْآنَ. وَأَمَّا الْعَبْدُ يُطَالَبُ بِمَا تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ، فَيَكُونُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ السَّبَبُ وَالْمَلْزُومُ وَفِي حَقِّ الصَّبِيِّ السَّبَبُ دُونَ اللُّزُومِ، وَكَذَلِكَ إذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَفُسِخَ نِكَاحُهُ بَقِيَ الصَّدَاقُ فِي ذِمَّتِهِ يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَاللُّزُومُ سَابِقٌ وَالْمُطَالَبَةُ مُتَأَخِّرَةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَضَاءُ لِانْدِرَاجِ هَذِهِ الْحَالَةِ فِي التَّكْلِيفِ نَعَمْ لَمَّا كَانَ الْمَشْهُورُ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ فَيَتْبَعُ ذَلِكَ الْأَمْرَ عَلَى حَسَبِ وُرُودِهِ، وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالْقَضَاءِ مَعَ الْعُذْرِ وَعَدَمِهِ فِي الْوَاجِبِ الْمُتَّصِلِ كَالصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] ، فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ مَعَ الْمَرَضِ وَهُوَ عُذْرٌ وَلَمْ يَرِدْ لَنَا فِي التَّطَوُّعَاتِ الَّتِي تَجِبُ بِالشُّرُوعِ مِثْلُ ذَلِكَ، بَلْ إنَّمَا وَرَدَ فِيهَا الْأَمْرُ بِالْقَضَاءِ فِي صُورَةِ عَدَمِ الْعُذْرِ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ «اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ» وَكَانَتَا عَامِدَتَيْنِ لِإِفْسَادِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي حَالَةٍ يَثْبُتُ فِيهَا التَّكْلِيفُ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ أَوْجَبْنَا الْقَضَاءَ فِي الْوَاجِبِ الْمُتَّصِلِ مُطْلَقًا وَاقْتَصَرْنَا عَلَى الْقَضَاءِ بِصُورَةِ عَدَمِ الْعُذْرِ خَاصَّةً فِي التَّطَوُّعَاتِ الَّتِي تَجِبُ بِالشُّرُوعِ فَهَذَا هُوَ تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُبْطِلُ التَّتَابُعَ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُبْطِلُهُ وَشَرْطُ قَاعِدَةِ خِطَابِ الْوَضْعِ وَقَاعِدَةِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ مَعَ تَنْقِيحِ كَلَامِ الْأَصْلِ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ وَمَا فِي الْإِقْنَاعِ وَشَرْحِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الفرق بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُطَلَّقَاتِ يَقْضِي قَبْلَ عِلْمِهِنَّ بِالطَّلَاقِ وَأَمَدِ الْعِدَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُرْتَابَاتِ يَتَأَخَّرُ الْحَيْضُ وَلَا يُعْلَمُ لِتَأَخُّرِهِ سَبَبٌ] (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُطَلَّقَاتِ يَقْضِي بِالطَّلَاقِ وَأَمَدِ الْعِدَّةِ قَبْلَ عِلْمِهِنَّ بِذَلِكَ فَيَكْتَفِينَ بِمَا تَقَدَّمَ عَلَى عِلْمِهِنَّ مِنْ أَمَدِهَا وَلَا يَلْزَمُهُنَّ اسْتِئْنَافُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُرْتَابَاتِ يَتَأَخَّرُ الْحَيْضُ وَلَا يُعْلَمُ لِتَأْخِيرِهِ سَبَبٌ فَيَمْكُثْنَ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ غَالِبَ مُدَّةِ الْحَمْلِ اسْتِبْرَاءً) فَإِنْ حِضْنَ فِي خِلَالِهَا احْتَسَبْنَ بِذَلِكَ الْحَيْضِ وَانْتَظَرْنَ بَقِيَّةَ الْأَقْرَاءِ إلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ وَلَا يَزَلْنَ كَذَلِكَ حَتَّى يَكْمُلَ لَهُنَّ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ أَوْ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ فَإِذَا انْقَضَتْ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ لَيْسَ فِي خِلَالِهَا حَيْضٌ اسْتَأْنَفْنَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ كَمَالَ السَّنَةِ فَإِنْ حِضْنَ قَبْلَ السَّنَةِ، وَلَوْ بِلَحْظَةٍ اسْتَأْنَفْنَ الْأَقْرَاءَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَقْرَاءُ أَوْ سَنَةً لَا حَيْضَ فِيهَا قَالَ حَفِيدٌ ابْنُ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ وَاخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ مَتَى تَعْتَدُّ بِتِسْعَةِ الْأَشْهُرِ فَقِيلَ مِنْ يَوْمِ طَلُقَتْ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْمُوَطَّإِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ مِنْ يَوْمِ رَفْعَتِهَا حَيْضَتُهَا اهـ بِلَفْظِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تَنْتَظِرُ الْحَيْضَ إلَى سِنِّ الْإِيَاسِ وَقَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَإِنْ كَانَتْ حُجَّتُهُمَا عَلَيْهِ بِأَمْرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيُّمَا امْرَأَةٍ طَلُقَتْ فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ، ثُمَّ رُفِعَتْ عَنْهَا حَيْضَتُهَا فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ فَإِنْ بَانَ بِهَا حَمْلٌ فَذَاكَ وَإِلَّا اعْتَدَّتْ بَعْدَ التِّسْعَةِ بِثَلَاثَةٍ أَشْهُرٍ (وَثَانِيهِمَا) أَنَّهُنَّ بَعْدَ التِّسْعَةِ يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ إذْ لَوْ كَانَ لَظَهَرَ غَالِبًا بِدَلِيلِ أَنَّ الْحَامِلَ قَدْ تَحِيضُ فَحَيْثُ لَمْ تَحِضْ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ كَانَتْ مُدَّةُ الْحَمْلِ كَافِيَةً فِي الْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ الْمَقْصُودِ بِالْعِدَّةِ، بَلْ هِيَ قَاطِعَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَيَنْدَرِجْنَ فِي {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ} [الطلاق: 4] إلَّا أَنَّهُ يُقَالُ عَلَيْهِ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَبَيْنَ الثَّلَاثَةِ تَمْضِي قَبْلَ الْعِلْمِ وَالْمَقْصُودُ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ بِمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَظْهَرْ فِيهَا حَمْلٌ، وَقَدْ حَصَلَتْ فِي كِلَا الْبَابَيْنِ وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذِهِ النِّسْوَةَ الْمُرْتَابَاتِ وَإِنْ انْكَشَفَ الْغَيْبُ عَنْ إيَاسِهِنَّ، إلَّا أَنَّ الْعِدَّةَ لَمَّا كَانَتْ لَا تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْعِلْمِ بِحُصُولِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَإِلَّا لَحَصَلَتْ لِامْرَأَةِ مَنْ غَابَ عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْعَشَرَةِ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا حَيْثُ إنَّ تِلْكَ الْمُدَّةَ قَدْ دَلَّتْ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إجْمَاعًا، بَلْ إنَّمَا تَحْصُلُ بِالْعِلْمِ بِحُصُولِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ بَعْدَ سَبَبِهَا لَا قَبْلَ سَبَبِهَا إذْ الْوَاقِعُ قَبْلَ السَّبَبِ مِنْ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ كَالصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالصَّوْمِ قَبْلَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ فَإِذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ امْرَأَةَ مَنْ غَابَ عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْعَشْرِ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ إلَّا أَنَّهَا وَقَعَتْ قَبْلَ سَبَبِ الْعِدَّةِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ كَانَ الْوَاقِعُ لِلْمُرْتَابَاتِ مِنْ الْأَشْهُرِ قَبْلَ كَمَالِ التِّسْعَةِ وَاقِعًا قَبْلَ إيَاسِنَا وَإِيَاسِهِنَّ مِنْ الْحَيْضِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ الْإِيَاسَ سَبَبًا لِلْعِدَّةِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4]

[الفرق بين فائدة الدائر بين النادر والغالب يلحق بالغالب من جنسه وبين قاعدة إلحاق الأولاد بالأزواج إلى خمس سنين]

وَكِلَاهُمَا مُتَأَخِّرٌ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ لِعَدَمِ الذِّمَّةِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَوُجُودُهَا فِي حَقِّ الْعَبْدِ وَتُوجَدُ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ وَالذِّمَّةِ مَعًا فِي حَقِّ الْحُرِّ الْبَالِغِ الرَّشِيدِ فَإِنَّ لَهُ أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ وَلَهُ ذِمَّةٌ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الذِّمَّةَ وَأَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمُّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ فَهُمَا مُتَغَايِرَانِ وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُفْلِسَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ الَّذِي حَازَهُ الْحَاكِمُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ وَلَهُ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالٍ يَسْتَدِينُهُ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ أَوْ يَرِثُهُ أَوْ يُوهَبُ لَهُ فَقَدْ اخْتَصَّتْ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ بِبَعْضِ الْأَمْوَالِ، وَأَمَّا ذِمَّتُهُ فَثَابِتَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَمِيعِ فِي الْمَالَيْنِ فَقَدْ صَارَتْ الذِّمَّةُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَعَمَّ مِنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ وَأَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ أَخَصُّ مِنْ الذِّمَّةِ لِحُصُولِهَا فِي الْبَعْضِ مِنْ الْأَمْوَالِ دُونَ الْبَعْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَدُلُّ عَلَى السَّبَبِيَّةِ فِي الْإِيَاسِ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ تَعَالَى رَتَّبَهُ عَلَى عِدَّةِ ثَلَاثَةِ الْأَشْهُرِ بِفَاءِ الْجَزَاءِ (وَثَانِيهِمَا) أَنَّ الْمَوْصُولَ مَعَ صِلَتِهِ فِي قُوَّةِ الْمُشْتَقِّ، وَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمُ عِدَّةِ ثَلَاثَةِ الْأَشْهُرِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْمُشْتَقِّ عَلَيْهِ مَأْمِنَةٌ يَدُلُّ عَلَى الِاشْتِقَاقِ وَهُوَ الْمَصْدَرُ لِذَلِكَ الْحُكْمِ فَنَحْوُ اقْطَعُوا السَّارِقَ وَاجْلِدُوا الزَّانِيَ يَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ السَّرِقَةِ لِلْقَطْعِ وَالزِّنَا لِلْجَلْدِ فَكَذَلِكَ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ الْإِيَاسِ لِعِدَّةِ ثَلَاثَةِ الْأَشْهُرِ، فَيَكُونُ الْوَاقِعُ مِنْ الْأَشْهُرِ قَبْلَ كَمَالِ التِّسْعَةِ لِلْمُرْتَابَاتِ وَإِنْ كَانَ دَالًّا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي عِدَّةِ ثَلَاثَةِ الْأَشْهُرِ لِوُقُوعِهِ قَبْلَ سَبَبِهَا فَيَتَعَيَّنُ اسْتِئْنَافُ ثَلَاثَةٍ بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الْإِيَاسُ. وَأَمَّا الْمُطَلَّقَاتُ تَمْضِي لَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَقَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ يَمْضِي لَهُنَّ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ بَعْدَ الْوَفَاةِ وَقَبْلَ عِلْمِهِنَّ بِهَا فَإِنَّهُنَّ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْنَ بِأَنَّ تِلْكَ الْآجَالَ عِدَدٌ وَقَعَتْ بَعْدَ أَسْبَابِهَا الَّتِي هِيَ الْوَفَاةُ وَالطَّلَاقُ إلَّا إنَّهُنَّ يَعْتَدِدْنَ بِتِلْكَ الْآجَالِ فِي عِدَدِهِنَّ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ بِسَبَبٍ إجْمَاعًا، وَالسَّبَبُ إنَّمَا هُوَ الْوَفَاةُ وَالطَّلَاقُ، وَقَدْ وَقَعَتْ تِلْكَ الْآجَالُ بَعْدَهُ فَظَهَرَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَالتَّبَايُنُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ عَلَى مَذْهَبَيْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ فَقَالَ حَفِيدُ ابْنُ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ إنَّهُمْ صَارُوا إلَى ظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4] وَاَلَّتِي هِيَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْحَيْضِ لَيْسَتْ بِيَائِسَةٍ. وَهَذَا الرَّأْيُ فِيهِ عُسْرٌ وَحَرَجٌ، وَلَوْ قِيلَ إنَّهَا تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لَكَانَ جَيِّدًا إذَا فُهِمَ مِنْ الْيَائِسَةِ الَّتِي لَا يُقْطَعُ بِانْقِطَاعِ حَيْضَتِهَا وَكَانَ قَوْلُهُ إنْ ارْتَبْتُمْ رَاجِعًا إلَى الْحُكْمِ لَا إلَى الْحَيْضِ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ مَالِكٌ عَلَيْهِ فَكَأَنَّ مَالِكًا لَمْ يُطَابِقْ مَذْهَبُهُ تَأْوِيلَهُ الْآيَةَ فَإِنَّهُ فَهِمَ مِنْ الْيَائِسَةِ هُنَا مَنْ انْقَطَعَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْحَيْضِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ قِبَلِ السِّنِّ وَلِذَلِكَ جَعَلَ قَوْله تَعَالَى {إِنِ ارْتَبْتُمْ} [المائدة: 106] رَاجِعًا إلَى الْحُكْمِ لَا إلَى الْحَيْضِ أَيْ إنْ شَكَكْتُمْ فِي حُكْمِهِنَّ، ثُمَّ قَالَ فِي الَّتِي تَبْقَى تِسْعَةً لَا تَحِيضُ وَهِيَ فِي سِنِّ مَنْ تَحِيضُ إنَّهَا تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ، وَأَمَّا إسْمَاعِيلُ وَابْنُ بُكَيْر مِنْ أَصْحَابِهِ أَيْ مَالِكٍ فَذَهَبُوا إلَى أَنَّ الرِّيبَةَ هَا هُنَا فِي الْحَيْضِ وَأَنَّ الْيَائِسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ مَا لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِمَا يَئِسَ مِنْهُ بِالْقَطْعِ فَطَابَقُوا بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ مَذْهَبَهُمْ الَّذِي هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَنِعْمَ مَا فَعَلُوا؛ لِأَنَّهُ فَهِمَ هَا هُنَا مِنْ الْيَائِسِ الْقَطْعَ فَقَدْ يَجِبُ أَنْ تَنْتَظِرَ الدَّمَ وَتَعْتَدَّ بِهِ حَتَّى تَكُونَ فِي هَذَا السِّنِّ أَعْنِي سِنَّ الْيَائِسِ وَإِنْ فُهِمَ مِنْ الْيَائِسِ مَا لَا يَقْطَعُ بِذَلِكَ فَقَدْ يَجِبُ أَنْ تَعْتَدَّ الَّتِي قُطِعَ دَمُهَا عَنْ الْعَادَةِ وَهِيَ فِي سِنِّ مَنْ تَحِيضُ بِالْأَشْهُرِ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَهْلِ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الْيَائِسَةَ فِي الطَّرَفَيْنِ لَيْسَتْ هِيَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِدَّةِ لَا بِالْأَقْرَاءِ وَلَا بِالشُّهُورِ، وَأَمَّا الْفَرْقُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا قَبْلَ التِّسْعَةِ وَمَا بَعْدَهَا فَاسْتِحْسَانٌ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الفرق بَيْنَ فَائِدَةِ الدَّائِرِ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ يُلْحَقُ بِالْغَالِبِ مِنْ جِنْسِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إلْحَاقِ الْأَوْلَادِ بِالْأَزْوَاجِ إلَى خَمْسِ سِنِينَ] (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الدَّائِرِ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبُ يُلْحَقُ بِالْغَالِبِ مِنْ جِنْسِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ إلْحَاقِ الْأَوْلَادِ بِالْأَزْوَاجِ إلَى خَمْسِ سِنِينَ) وَقِيلَ إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقِيلَ إلَى تِسْعِ سِنِينَ وَكُلُّهَا رِوَايَاتٌ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْ سَنَتَيْنِ حَيْثُ إنَّ الشَّارِعَ هَاهُنَا قَدَّمَ النَّادِرَ عَلَى الْغَالِبِ دُونَ الْعَكْسِ وَإِلَّا لَمَّا لَحِقَ هَذَا الْحَمْلُ الْآتِي بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ بِالْأَزْوَاجِ وَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْوَطْءِ السَّابِقِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الزِّنَا وَوُقُوعُ الزِّنَى فِي الْوُجُودِ أَكْثَرُ وَأَغْلَبُ مِنْ تَأَخُّرِ الْحَمْلِ هَذِهِ الْمُدَّةَ، بَلْ كَانَ مُقْتَضَى تِلْكَ الْقَاعِدَةِ أَنْ يُجْعَلَ زِنًى عَمَلًا بِالْغَالِبِ لَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى شَرَعَ لُحُوقَهُ بِالزَّوْجِ لُطْفًا بِعِبَادِهِ وَسِتْرًا عَلَيْهِمْ وَحِفْظًا لِلْأَنْسَابِ وَسَدِّ الْبَابِ ثُبُوتُ الزِّنَى كَمَا أَنَّهُ تَعَالَى اشْتَرَطَ مَعَ ثُبُوتِهِ أَرْبَعَةٌ مُجْتَمِعِينَ سَدًّا لِبَابِهِ حَتَّى يَبْعُدَ ثُبُوتُهُ وَأُمِرْنَا أَنْ لَا نَتَعَرَّضَ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ فِيهِ وَأُمِرْنَا إذَا تَحَمَّلْنَاهَا أَنْ لَا نُؤَدِّيَهَا وَأَنْ نُبَالِغَ فِي السِّتْرِ عَلَى الزَّانِي مَا اسْتَطَعْنَا فَإِنَّهُ تَعَالَى كَمَا شُرِعَ كُلُّ ذَلِكَ طَلَبًا لِلسَّتْرِ عَلَى الْعِبَادِ وَمِنَّةً عَلَيْهِمْ كَذَلِكَ شُرِعَ لُحُوقُ الْحَمْلِ الْآتِي بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ بِالْأَزْوَاجِ وَهُوَ نَادِرٌ لِذَلِكَ بِخِلَافِ جَمِيعِ الْحُقُوقِ فَطَلَبُ

[الفرق بين قاعدة العدد وقاعدة الاستبراء]

فَإِنْ قُلْت الْحُكْمُ عَلَى الشَّيْءِ بِالرَّدِّ وَالْقَبُولِ فَرْعٌ عَنْ كَوْنِهِ مَعْقُولًا وَمَعْنَى الذِّمَّةِ تَعَبُّدٌ غَيْرُ مَعْقُولٍ فَكَيْفَ يُقْضَى عَلَيْهَا بِالْعُمُومِ أَوْ الْخُصُوصِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْحَقِيقَتَيْنِ وَإِلَّا فَلَا يَتَحَصَّلُ مِنْ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ وَالْخُصُوصَاتِ مَقْصُودٌ قُلْت الْعِبَارَةُ الْكَاشِفَةُ عَنْ الذِّمَّةِ أَنَّهَا مَعْنًى ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (فَإِنْ قُلْت الْحُكْمُ عَلَى الشَّيْءِ بِالرَّدِّ وَالْقَبُولِ فَرْعٌ عَنْ كَوْنِهِ مَعْقُولًا وَمَعْنَى الذِّمَّةِ غَيْرُ تَعَبُّدٍ مَعْقُولٌ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الذِّمَّةِ وَبَسَطَهَا وَالْعِبَارَةُ الْكَاشِفَةُ عَنْهَا وَالسَّبَبُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي يُقَدِّرُ الشَّرْعُ عِنْدَهُ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الذِّمَّةُ) قُلْت الْأَوْلَى عِنْدِي أَنْ يُقَالَ إنَّ الذِّمَّةَ قَبُولُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ دُونَ الْتِزَامِهَا وَعَلَى هَذَا تَكُونُ لِلصَّبِيِّ ذِمَّةٌ أَوْ يُقَالُ قَبُولِي الْإِنْسَانِ شَرْعًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ وَالْتِزَامِهَا فَعَلَى هَذَا لَا تَكُونُ لِلصَّبِيِّ ذِمَّةٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالسِّتْرِ وَمَا تَقَدَّمَ مَعَهُ هُوَ سَبَبُ اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِنْ قَاعِدَةِ جَمِيعِ الْحُقُوقِ وَجَعْلِهَا عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ الْإِلْحَاقِ بِالْغَالِبِ دُونَ النَّادِرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعَدَدِ وَقَاعِدَةِ الِاسْتِبْرَاءِ] (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعِدَدِ وَقَاعِدَةِ الِاسْتِبْرَاءِ) مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ وَإِنْ عُلِمَتْ الْبَرَاءَةُ لِلرَّحِمِ كَبِنْتِ الْمَهْدِ يُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَكَمَنْ طَلَّقَهَا أَوْ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا الْغَائِبُ عَنْهَا بَعْدَ عَشَرِ سِنِينَ وَالِاسْتِبْرَاءُ لَا يَجِبُ حَيْثُ عُلِمَتْ الْبَرَاءَةُ لِلرَّحِمِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ لَا يَجْرِي الِاسْتِبْرَاءُ قَبْلَ الْبَيْعِ إلَّا فِيمَنْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِهِ لِلِاسْتِبْرَاءِ أَوْ وَدِيعَةً وَسَيِّدُهَا لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ وَسَكَنِهِ أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ سَيِّدِهَا عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ الْغَيْبَةِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ إلَيْهِ أَوْ أَخْرَجَتْ حَائِضًا أَوْ الشَّرِيكَ يَشْتَرِي مِنْ شَرِيكِهِ وَهِيَ تَحْتَ يَدِ الْمُشْتَرِي. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ كُلُّ مَنْ أُمِنَ عَلَيْهَا الْحَمْلُ فَلَا اسْتِبْرَاءَ فِيهَا، وَمَنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ حَمْلُهَا أَوْ شُكَّ فِيهَا اسْتَبْرَأَتْ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ بَرَاءَتُهَا مَعَ جَوَازِ الْحَمْلِ فَقَوْلَانِ كَالصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ تُسْتَبْرَآنِ لِسُوءِ الظَّنِّ وَالْوَحْشِ مِنْ الرَّقِيقِ، وَمَنْ بَاعَهَا مَجْبُوبٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا وَالْمَشْهُورُ إيجَابُهُ وَأَشْهَبُ يَنْفِيهِ وَيَجُوزُ اتِّفَاقُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى اسْتِبْرَاءٍ وَاحِدٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ اهـ. وَسِرُّ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ الْعِدَّةَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا شُرِعَتْ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَعَدَمِ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ هِيَ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى إلَّا إنَّهَا لَمَّا كَانَ فِيهَا شَائِبَةُ التَّعَبُّدِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تَجِبُ فِي الْوَفَاةِ عَلَى بِنْتِ الْمَهْدِ وَفِي الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ عَلَى الْكَبِيرَةِ الْمَعْلُومِ بَرَاءَتُهَا بِسَبَبٍ وَغَيْرِهَا وَجَبَ فِعْلُهَا بَعْدَ سَبَبِهَا مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ عُلِمَتْ الْبَرَاءَةُ أَمْ لَا تَوْفِيَةً لِشَائِبَةِ التَّعَبُّدِ وَالِاسْتِبْرَاءِ لِمَا لَمْ تَرِدْ فِيهِ هَذِهِ الشَّائِبَةُ، بَلْ إنَّمَا شُرِعَ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَعَدَمِ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ بِحَيْثُ لَمْ يَكُنْ إلَّا مَعْقُولُ الْمَعْنَى لَمْ يَجِبْ حَيْثُ حَصَلَ الْمَعْنَى وَهُوَ الْبَرَاءَةُ ضَرُورَةً أَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِذَلِكَ الْمَعْنَى فَتَسْقُطُ حَيْثُ حَصَلَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَبِدُونِهَا هَذَا هُوَ الْمُوجِبُ لِخُرُوجِ تِلْكَ الصُّوَرِ عَنْ الْحَاجَةِ لِلِاسْتِبْرَاءِ وَعَدَمِ خُرُوجِ مِثْلِهَا فِي قَاعِدَةِ الْعِدَدِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِبْرَاءِ بِالْأَقْرَاءِ يَكْفِي قُرْءٌ وَاحِدٌ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِبْرَاءِ بِالشُّهُورِ لَا يَكْفِي شَهْرٌ] الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِبْرَاءِ بِالْأَقْرَاءِ يَكْفِي قُرْءٌ وَاحِدٌ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِبْرَاءِ بِالشُّهُورِ) لَا يَكْفِي شَهْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ الشَّهْرَ الْوَاحِدَ وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ قُرْءٌ وَاحِدٌ فِي حَقِّ مَنْ يَحِيضُ فَيَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِهِ كَمَا اكْتَفَى بِقُرْءٍ وَاحِدٍ نَظَرًا لِكَوْنِ غَالِبِ النِّسَاءِ ذَوَاتَ حَيْضٍ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَحِيضُ لَا يَحْصُلُ بِهِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ وَعَدَمُ الْحَمْلِ، بَلْ جَوْفُ الْحَامِلِ فِيهِ مُسَاوٍ فِي الظَّاهِرِ لِغَيْرِ الْحَامِلِ لِأَنَّ الْمَنِيَّ يَمْكُثُ مَنِيًّا فِي الرَّحِمِ نَحْوَ الشَّهْر، ثُمَّ يَصِيرُ مُضْغَةً بَعْدَ أَنْ صَارَ عَلَقَةً فَلَا يَظْهَرُ الْحَمْلُ فِي الْغَالِبِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَتَكْبُرُ الْجَوْفُ وَتَحْصُلُ مَبَادِئُ الْحَرَكَةِ لَمْ يُعْتَبَرْ الشَّهْرُ الْوَاحِدُ وَاعْتُبِرَ الْقُرْءُ الْوَاحِدُ مِنْ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَعَدَمِ الْحَمْلِ عَادَةً إذْ لَا يَجْتَمِعُ الْحَيْضُ مَعَ الْحَمْلِ غَالِبًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. 2 - (مَسْأَلَةٌ) فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدٍ ابْنِ رُشْدٍ اُخْتُلِفَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ يُتَوَفَّى عَنْهَا سَيِّدُهَا الَّذِي أَوْلَدَهَا فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَاللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجَمَاعَةٌ عِدَّتُهَا حَيْضَةٌ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَقَالَ مَالِكٌ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَلَهَا السُّكْنَى. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ عِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ قَوْمٌ عِدَّتُهَا نِصْفُ عِدَّةِ الْحُرَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَالَ قَوْمٌ عِدَّتُهَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرٌ وَحُجَّةُ مَالِكٍ أَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً فَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَلَا مُطَلَّقَةً فَتَعْتَدُّ ثَلَاثَ حَيْض فَلَمْ تَبْقَ إلَّا اسْتِبْرَاءُ رَحِمِهَا وَذَلِكَ يَكُونُ بِحَيْضَةٍ تَشْبِيهًا بِالْأَمَةِ يَمُوتُ عَنْهَا سَيِّدُهَا وَذَلِكَ مَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعِدَّةَ إنَّمَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا وَهِيَ حُرَّةٌ، وَلَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ فَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَلَا بِأَمَةٍ فَتَعْتَدُّ عِدَّةَ أَمَةٍ فَوَجَبَ أَنْ تُسْتَبْرَأَ رَحِمُهَا بِعِدَّةِ الْأَحْرَارِ. وَأَمَّا الَّذِينَ أَوْجَبُوا لَهَا عِدَّةَ الْوَفَاةِ فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ لَا تُلْبِسُوا عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا سَيِّدُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرٌ وَضَعَّفَ أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ، وَأَمَّا مَنْ أَوْجَبَ

[الفرق بين قاعدة الحضانة يقدم فيها النساء على الرجال بخلاف جميع الولايات يقدم فيها الرجال على النساء]

شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ فِي الْمُكَلَّفِ قَابِلٌ لِلِالْتِزَامِ وَاللُّزُومِ، وَهَذَا الْمَعْنَى جَعَلَهُ الشَّرْعُ مُسَبَّبًا عَلَى أَشْيَاءَ خَاصَّةٍ مِنْهَا الْبُلُوغُ وَمِنْهَا الرُّشْدُ فَمَنْ بَلَغَ سَفِيهًا لَا ذِمَّةَ لَهُ، وَمِنْهَا تَرْكُ الْحَجْرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُفْلِسِ فَمَنْ اجْتَمَعَتْ لَهُ هَذِهِ الشُّرُوطُ رَتَّبَ الشَّرْعُ عَلَيْهَا تَقْدِيرَ مَعْنًى فِيهِ يَقْبَلُ إلْزَامَهُ أَرْشَ الْجِنَايَاتِ وَأَجْرَ الْإِجَارَاتِ وَأَثْمَانَ الْمُعَامَلَاتِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَيَقْبَلُ الْتِزَامَهُ إذَا الْتَزَمَ أَشْيَاءَ اخْتِيَارًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ لَزِمَهُ، وَإِذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ لَمْ يُقَدِّرْ الشَّرْعُ هَذَا الْمَعْنَى الْقَابِلَ لِلْإِلْزَامِ وَالِالْتِزَامِ، وَهَذَا الْمَعْنَى الْمُقَدَّرُ هُوَ الَّذِي تُقَدَّرُ فِيهِ الْأَجْنَاسُ الْمُسَلَّمُ فِيهَا مُسْتَقِرَّةً حَتَّى يَصِحَّ مُقَابَلَتُهَا بِالْأَعْوَاضِ الْمَقْبُوضَةِ نَاجِزًا فِي ثَمَنِهَا، وَفِيهِ تُقَدَّرُ أَثْمَانُ الْبِيَاعَاتِ بِثَمَنٍ إلَى آجَالٍ بَعِيدَةٍ أَوْ قَرِيبَةٍ وَصَدَقَاتِ الْأَنْكِحَةِ وَالدُّيُونِ فِي الْحَوَالَاتِ وَالْحُقُوقِ فِي الضَّمَانَاتِ وَغَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهَا نِصْفَ عِدَّةِ الْحُرَّةِ فَشَبَّهَهَا بِالزَّوْجَةِ الْأَمَةِ فَسَبَبُ الْخِلَافِ إنَّهَا مَسْكُوتٌ عَنْهَا وَهِيَ مُتَرَدِّدَةُ الشَّبَهِ بَيْنَ الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ، وَأَمَّا مَنْ شَبَّهَهَا بِالزَّوْجَةِ الْأَمَةِ فَضَعِيفٌ وَأَضْعَفُ مِنْهُ مَنْ شَبَّهَهَا بِعِدَّةِ الْحُرَّةِ الْمُطَلَّقَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبُو حَنِيفَةَ اهـ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَضَانَةِ يُقَدَّمُ فِيهَا النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ بِخِلَافِ جَمِيعِ الْوِلَايَاتِ يُقَدَّمُ فِيهَا الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ] (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَضَانَةِ يُقَدَّمُ فِيهَا النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ بِخِلَافِ جَمِيعِ الْوِلَايَاتِ يُقَدَّمُ فِيهَا الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ) وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ التَّامَّةُ الْبَالِغَةُ كَثْرَةَ بُكَاءِ الْأَطْفَالِ مَنْفَعَةً لَهُمْ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ فِي أَدْمِغَتِهِمْ رُطُوبَاتٍ لَوْ بَقِيَتْ فِيهَا لَأَحْدَثَتْ أَحْدَاثًا عَظِيمَةً وَالْبُكَاءُ يُسِيلُ ذَلِكَ وَيَحْدُرُهُ مِنْ أَدْمِغَتِهِمْ فَتَقْوَى أَدْمِغَتُهُمْ وَتَصِحُّ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْبُكَاءَ وَالْعِيَاطَ يُوَسِّعُ عَلَيْهِمْ مَجَارِي النَّفَسِ وَيَفْتَحُ الْعُرُوقَ وَيُصَلِّبُهَا وَيُقَوِّي الْأَعْصَابَ وَاقْتَضَتْ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الدَّارُ الدُّنْيَا مَمْزُوجَةً عَافِيَتُهَا بِبَلَائِهَا وَرَاحَتُهَا بِعَنَائِهَا وَلَذَّتُهَا بِآلَامِهَا وَصِحَّتُهَا بِسَقَمِهَا وَفَرَحُهَا بِغَمِّهَا وَأَنَّهَا دَارُ ابْتِلَاءٍ تَدْفَعُ بَعْضَ آفَاتِهَا بِبَعْضٍ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: أَصْبَحَتْ فِي دَارِ بَلِيَّاتٍ ... أَدْفَعُ آفَاتٍ بِآفَاتِ حَتَّى صَارَتْ آلَامُ الْأَطْفَالِ كَآلَامِ الْبَالِغِينَ مِنْ لَوَازِمِ النَّشْأَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ الَّتِي لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا الْإِنْسَانُ وَلَا الْحَيَوَانُ كَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالتَّعَبِ وَالنَّصَبِ وَالْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالضَّعْفِ وَالْعَجْزِ بِحَيْثُ إنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ تَجَرَّدَ عَنْهَا لَمْ يَكُنْ إنْسَانًا، بَلْ كَانَ مَلَكًا أَوْ خَلْقًا آخَرَ إلَّا أَنَّ الْبَالِغِينَ لَمَّا صَارَتْ لَهُمْ عَادَةٌ سَهُلَ مَوْقِعُهَا عِنْدَهُمْ بِخِلَافِ الْأَطْفَالِ كَمَا فِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ لِابْنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ افْتَقَرَتْ حَضَانَتُهُمْ إلَى وُفُورِ الصَّبْرِ عَلَيْهِمْ فِي كَثْرَةِ بُكَائِهِمْ وَتَضَجُّرِهِمْ مِنْ الْهَيْئَاتِ الْعَارِضَةِ لَهُمْ وَإِلَى مَزِيدِ الشَّفَقَةِ وَالرِّقَّةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الرِّفْقِ بِالضُّعَفَاءِ وَالرِّفْقِ بِهِمْ وَلَمَّا كَانَتْ النِّسْوَةُ أَتَمَّ مِنْ الرِّجَالِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَنَفَاتِ الرِّجَالِ وَإِبَايَةَ نُفُوسِهِمْ وَعُلُوِّ هِمَمِهِمْ تَمْنَعُهُمْ مِنْ الِانْسِلَاكِ فِي أَطْوَارِ الصِّبْيَانِ وَمَا يَلِيقُ بِهِمْ مِنْ اللُّطْفِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَمُلَابَسَةِ الْقَاذُورَاتِ وَتَحَمُّلِ الدَّنَاءَاتِ وَقَاعِدَةُ الشَّرْعِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَكُلِّ وِلَايَةٍ تَقْدِيمُ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِهَا قَدَّمَهُنَّ الشَّرْعُ عَلَى الرِّجَالِ فِي الْحَضَانَةِ كَمَا قَدَّمَ الرِّجَالَ عَلَيْهِنَّ فِي غَيْرِهَا مِنْ جَمِيعِ الْوِلَايَاتِ عَلَى حَسَبِ أَحْوَالِهِمْ الْمُنَاسِبَةِ لِأَيِّ وِلَايَةٍ مِنْ الْوِلَايَاتِ فَقَدَّمَ فِي الْخِلَافَةِ مِنْ الرِّجَالِ مَنْ هُوَ كَامِلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَافِرُ الْعَقْلِ وَالرَّأْيِ قَوِيُّ النَّفْسِ شَدِيدُ الشُّجَاعَةِ عَارِفٌ بِأَهْلِيَّاتِ الْوِلَايَاتِ حَرِيصٌ عَلَى مَصَالِحِ الْأُمَّةِ قُرَشِيٌّ مِنْ قَبِيلَةِ النُّبُوءَةِ الْمُعَظَّمَةِ كَامِلُ الْحُرْمَةِ وَالْهَيْبَةِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ وَقَدَّمَ فِي وِلَايَةِ الْحَرْبِ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِ الْحُرُوبِ مِنْ سِيَاسَةِ الْجُيُوشِ وَمُكَائَدَةِ الْعَدُوِّ، وَقَدَّمَ فِي الْقَضَاءِ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ تَفَطُّنًا لِحِجَاجِ الْخُصُومِ وَقَوَاعِدِ الْأَحْكَامِ وَوُجُودِ الْخُدَعِ مِنْ النَّاسِ وَقَدَّمَ فِي الْفَتْوَى مَنْ هُوَ أَنْقَلُ لِلْأَحْكَامِ وَأَشْفَقُ عَلَى الْأُمَّةِ وَأَحْرَصُهُمْ عَلَى إرْشَادِهَا لِحُدُودِ الشَّرِيعَةِ وَقَدَّمَ فِي سِعَايَةِ الْمَاشِيَةِ وَجِبَايَةِ الزَّكَاةِ وَالْعَمَلِ عَلَيْهَا مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِنُصُبِ الزَّكَوَاتِ وَمَقَادِيرِ الْوَاجِبِ فِيهَا وَأَحْكَامِ اخْتِلَاطِهَا وَافْتِرَاقِهَا وَضَمِّ أَجْنَاسِهَا وَقَدَّمَ فِي أَمَانَةِ الْحُكْمِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِمَقَادِيرِ النَّفَقَاتِ وَأَهْلِيَّاتِ الْكَفَّارَاتِ وَتَنْمِيَةِ أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ وَالْمُنَاضَلَةِ عَنْهُمْ وَهَكَذَا بَقِيَّةُ الْوِلَايَاتِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَضَانَاتِ وَقَاعِدَةِ غَيْرِهَا مِنْ الْوِلَايَاتِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَقَاعِدَةِ مُعَامَلَةِ الْمُسْلِمِينَ] (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَة مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَقَاعِدَةِ مُعَامَلَةِ الْمُسْلِمِينَ) وَذَلِكَ إنَّ لِمُعَامَلَةِ الْمُسْلِمِينَ حَالَتَيْنِ (الْحَالَةُ الْأُولَى) مَا إذْ لَمْ يَظْهَرْ الرِّبَا بَيْنَهُمْ (وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) مَا إذَا ظَهَرَ الرِّبَا بَيْنَهُمْ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى رَجَّحَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ مُعَامَلَتَهُمْ عَلَى مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ قَالَ مَالِكٌ أَكْرَهُ الصَّيْرَفِيَّ مِنْ صَيَارِفَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: 161] . وَقَالَ وَأَكْرَهُ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِ بِأَرْضِ الْحَرْبِ لِلْحَرْبِيِّ بِالرِّبَا أَيْ؛ لِأَنَّ الرِّبَا مَفْسَدَةٌ فِي نَفْسِهِ فَيَمْتَنِعُ مِنْ الْجَمِيعِ؛ وَلِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَعُمُومُ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَتَنَاوَلُ

[الفرق بين قاعدة الملك وقاعدة التصرف]

ذَلِكَ وَلَا جَرَمَ مَنْ لَا يَكُونُ هَذَا الْمَعْنَى مُقَدَّرًا فِي حَقِّهِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فَلَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّهِ سَلَمٌ وَلَا ثَمَنٌ إلَى أَجَلٍ وَلَا حَوَالَةٌ وَلَا حَمَالَةٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الذِّمَّةِ وَبَسَطَهَا وَالْعِبَارَةُ الْكَاشِفَةُ عَنْهَا وَالسَّبَبُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي يُقَدِّرُ الشَّرْعُ عِنْدَهُ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الذِّمَّةُ، وَأَمَّا أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ فَحَقِيقَتُهَا عِنْدَنَا قَبُولٌ يُقَدِّرُهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي الْمَحَلِّ وَسَبَبُ هَذَا الْقَبُولِ الْمُقَدَّرِ التَّمْيِيزُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ التَّمَيُّزُ مَعَ التَّكْلِيفِ. وَهَذَا الْقَبُولُ الَّذِي هُوَ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عِنْدَنَا الْإِبَاحَةُ فَإِنَّ الْفُضُولِيَّ عِنْدَنَا لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ وَتَصَرُّفُهُ حَرَامٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَأَمَّا أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا هُوَ نَفْسُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا مَعْنًى مُقَدَّرٌ فِي الْمَحَلِّ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَرْبِيَّ وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا مُعَامَلَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّهُمْ لَيْسُوا مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ فَلَا يَكُونُ مَا أَخَذَهُ الرِّبَا مُحَرَّمًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفَرْعِ الشَّرِيعَةِ قَوْلًا وَاحِدًا فَكَانَتْ مُعَامَلَتُهُ إذَا كَانَ يَتَعَاطَى الرِّبَا وَهُوَ غَيْرُ مُتَحَذِّرٍ أَشَدَّ مِنْ الذِّمِّيِّ الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ ثَبَتَ مِلْكُهُ عَلَى مَا اكْتَسَبَهُ بِالرِّبَا وَالْغَصْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِذَا تَابَ الْمُسْلِمُ لَا يَثْبُتُ مِلْكُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة: 279] وَمَا هُوَ بِصَدَدِ الثُّبُوتِ الْمُسْتَمِرِّ وَقَابِلٌ لِلثُّبُوتِ أَوْلَى مِمَّا لَا يَقْبَلُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ عَلَيْهِ بِحَالٍ وَلِمُلَاحَظَةِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَهُمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ اعْتَمَدَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَوَرِّعِينَ عَلَى مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ أَكْثَرَ وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ الرِّبَا مَعَ الْحَرْبِيِّ أَيْ مُطْلَقًا ظَهَرَ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَمْ لَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا رِبَا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَحَرْبِيٍّ لَا رِبَا إلَّا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ» وَالْحَرْبِيُّ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمِلْكِ وَقَاعِدَةِ التَّصَرُّفِ] الْفَرْقُ الثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمِلْكِ وَقَاعِدَةِ التَّصَرُّفِ) الْمِلْكُ سَبَبٌ عَامٌّ يَتَرَتَّبُ عَلَى أَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِرْثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُهَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّصَرُّفِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ بِحَيْثُ يَجْتَمِعَانِ فِي صُورَةٍ وَيَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ فِي صُورَةٍ كَالْحَيَوَانِ وَالْأَبْيَضِ فَيَجْتَمِعَانِ فِي الْبَالِغَيْنِ الرَّاشِدَيْنِ النَّافِذَيْنِ لِلْكَلِمَةِ الْكَامِلَيْنِ الْأَوْصَافِ وَيَنْفَرِدُ الْمِلْكُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَ وَلَا يَتَصَرَّفُونَ وَيَنْفَرِدُ التَّصَرُّفُ عَنْ الْمِلْكِ فِي الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ وَالْحَاكِمِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ وَلَا مِلْكَ لَهُمْ وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ الْمِلْكَ صِفَةٌ لِلْمَمْلُوكِ أَوْ صِفَةٌ لِلْمَالِكِ وَفِي أَنَّهُ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ أَوْ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا الْأَصْلُ وَإِلَى الثَّانِي مِنْهُمَا ابْنُ الشَّاطِّ وَخُلَاصَةُ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّ الْمِلْكَ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ يَقْتَضِي تَمْكِينَ مَنْ يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ انْتِفَاعِهِ بِالْمَمْلُوكِ وَالْعِوَضُ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ وَأَنَّ دَلِيلَ كَوْنِهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا أَمْرَانِ (أَحَدُهُمَا) الْإِجْمَاعُ (وَثَانِيهِمَا) أَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ وَكُلُّ مَا يَتْبَعُهَا فَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ قَالَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مِنْ أَحَدِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَهُوَ الْإِبَاحَةُ الْخَاصَّةُ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْخَاصَّةِ وَأَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ ذَلِكَ الْمَمْلُوكِ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ كَمَا تَقَرَّرَتْ قَوَاعِدُ الْمُعَاوَضَاتِ فِي الشَّرِيعَةِ وَشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَخُصُوصِيَّاتُ هَذِهِ الْأَيَّامِ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمِلْكِ وَغَيْرِهِ مِنْ جَمِيعِ الْحَقَائِقِ، وَأَمَّا إنَّهُ مُقَدَّرٌ فَلِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَعَلُّقِ إذْنِ الشَّرْعِ الَّذِي هُوَ الْإِبَاحَةُ وَالتَّعَلُّقُ عَدَمِيٌّ مِنْ بَابِ النَّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ الَّتِي لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْأَعْيَانِ، بَلْ فِي الْأَذْهَانِ فَهِيَ أَمْرٌ يَفْرِضُهُ الْعَقْلُ كَسَائِرِ النَّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَنَا أَنْ نُغَيِّرَ عِبَارَةَ الْحَدِّ فَنَقُولُ إنَّ الْمِلْكَ إبَاحَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ تَقْتَضِي تَمَكُّنَ صَاحِبِهَا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِذَلِكَ الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ أَوْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهُمَا مِنْ حَيْثُ هِيَ كَذَلِكَ وَيَسْتَقِيمُ الْحَدُّ بِهَذَا اللَّفْظِ أَيْضًا وَيَكُونُ الْمِلْكُ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّ الِاصْطِلَاحَ إنَّ خِطَابَ التَّكْلِيفِ هُوَ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْمَشْهُورَةُ وَخِطَابَ الْوَضْعِ هُوَ نَصْبُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالتَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا، بَلْ هُوَ إبَاحَةٌ خَاصَّةٌ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّهُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ بَعِيدٌ ضَرُورَةً أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ سَبَبٌ لِمُسَبَّبَاتٍ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ مَثُوبَاتٍ وَتَعْزِيرَاتٍ وَمُؤَاخَذَاتٍ وَكَفَّارَاتٍ وَغَيْرِهَا. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِخِطَابِ الْوَضْعِ مُطْلَقُ التَّرْتِيبِ أَلَا تَرَى أَنَّ وُجُوبَ الظُّهْرِ مَعَ كَوْنِهِ مُسَبَّبًا عَلَى الزَّوَالِ هُوَ سَبَبٌ لَأَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ سَبَبُ الثَّوَابِ وَتَرْكُهُ سَبَبُ الْعِقَابِ وَوُجُوبُهُ سَبَبًا لِتَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ وَمَعَ ذَلِكَ وَهُوَ لَا يُسَمَّى سَبَبًا وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ، بَلْ الضَّابِطُ لِلْبَابَيْنِ أَنَّ الْخِطَابَ

وَلِلْمَالِكِ عِنْدَنَا إمْضَاءُ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ آخَرَ يَنْفُذُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ الْمُتَقَدِّمَ قَابِلٌ لِلِاعْتِبَارِ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ كَتَصَرُّفِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، ثُمَّ إنَّ أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ قَدْ تُوجَدُ فِي النِّكَاحِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ كَتَصَرُّفِ الْأَوْلِيَاءِ فِي الْمُوَلَّيَاتِ لَهُ وَتُوجَدُ فِي الْأَحْكَامِ فِيمَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَمِ، وَأَنْوَاعُ التَّصَرُّفَاتِ كَثِيرٌ فِيمَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَأَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفَاتِ أَهْلِيَّةٌ وَقَبُولٌ خَاصٌّ كَمَا تَقَدَّمَ لَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ وَلَا الْتِزَامٌ وَالذِّمَّةُ مَعْنًى مُقَدَّرٌ فِي الْمَحَلِّ قَابِلٌ لَهُمَا فَهَذَا هُوَ نَفْسُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا مَعْنًى مُقَدَّرٌ فِي الْمَحَلِّ وَوَقَعَ الْفَرْقُ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ السَّبَبُ فَإِنَّ الذِّمَّةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْلِيفُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ أَعْلَمُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَوَقَعَ الْفَرْقُ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ السَّبَبُ فَإِنَّ الذِّمَّةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْلِيفُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ أَعْلَمُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَتَى كَانَ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلِ مُكَلَّفٍ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ أَوْ التَّخْيِيرِ فَهُوَ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَمَتَى لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَهُوَ مِنْ أَحَدِ الْأُمُورِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ، وَقَدْ يَجْتَمِعُ خِطَابُ الْوَضْعِ وَخِطَابُ التَّكْلِيفِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفُرُوقِ وَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ فِي مَنَافِعِ الْعَيْنِ مَعَ عَدَمِ رَدِّ الْعَيْنِ أَوْ فِي الْمَنْفَعَةِ مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ لِمَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ مِنْ أَنَّ تَحْقِيقَ الْمِلْكِ أَنَّهُ إنْ وَرَدَ عَلَى الْمَنَافِعِ مَعَ عَدَمِ رَدِّ الْعَيْنِ، بَلْ يَبْذُلُهَا لِغَيْرِهِ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَإِنْ وَرَدَ عَلَى الْمَنَافِعِ مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ فَهُوَ الْإِجَارَةُ وَفُرُوعُهَا مِنْ الْمُسَاقَاتِ وَالْمُجَاعَلَةِ وَالْقِرَاضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمَنْفَعَةَ دُونَ الْأَعْيَانِ لِأَنَّهَا لَا يَمْلِكُهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ وَالْإِمَاتَةِ وَالْإِحْيَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَصَرُّفُ الْخَلْقِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَنَافِعِ فَقَطْ بِأَفْعَالِهِمْ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمُحَاوَلَاتِ وَالْحَرَكَاتِ وَالسَّكَتَاتِ اهـ. مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ وَإِنْ قُيِّدَ يَقْتَضِي انْتِفَاعَهُ بِالْمَمْلُوكِ لِإِخْرَاجِ التَّصَرُّفِ بِالْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ وَتَصَرُّف الْقُضَاةِ فِي أَمْوَالِ الْغَائِبِينَ وَالْمَجَانِينِ فَإِنَّ هَذِهِ الطَّوَائِفَ لَهُمْ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ مِلْكٍ وَقَيْدٍ وَالْعِوَضُ عَنْهُ لِإِخْرَاجِ الْإِبَاحَاتِ فِي الضِّيَافَاتِ فَإِنَّ الضِّيَافَةَ مَأْذُونٌ فِيهَا. وَلَيْسَتْ مَمْلُوكَةً عَلَى الصَّحِيحِ وَلِإِخْرَاجِ الِاخْتِصَاصَاتِ بِالْمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ وَالْخَوَانِقِ وَمَوَاضِعِ الْمَطَافِ وَالسِّكَكِ وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا مِلْكَ فِيهَا مَعَ الْمُكْنَةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَقُيِّدَ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ لِإِدْخَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ الْمِلْكُ، وَلَيْسَ لَهُمْ الْمُكْنَةُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي تِلْكَ الْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ إلَّا أَنَّ الْأَمْلَاكَ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ بِالنَّظَرِ لِذَاتِهَا وَقَطْعُ النَّظَرِ عَمَّا عُرِضَ لَهَا مِنْ الْأَسْبَابِ الْخَارِجَةِ عَنْهَا تَقْتَضِي مُكْنَةَ التَّصَرُّفِ الْمَذْكُورِ وَلَا تَنَافِي بَيْنَ الْقَبُولِ الذَّاتِيِّ وَالِاسْتِحَالَةِ لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ أَلَا تَرَى أَنَّ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ لَهَا الْقَبُولُ لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمُ بِالنَّظَرِ إلَى ذَوَاتِهَا مَعَ أَنَّهَا إنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى وُجُودَهَا كَانَتْ وَاجِبَةً لِغَيْرِهَا وَإِنْ عَلِمَ اللَّهُ عَدَمَهَا كَانَتْ مُسْتَحِيلَةً لِغَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ لِإِدْخَالِ الْأَوْقَافِ إذَا قُلْنَا إنَّهَا عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِينَ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْبَيْعُ وَمِلْكُ الْعِوَضِ عَنْهَا بِسَبَبِ مَا عَرَضَ مِنْ الْوَقْفِ الَّذِي هُوَ كَالْحَجْرِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْبَيْعِ إلَّا أَنَّ مِلْكَهُمْ بِالنَّظَرِ لِذَاتِهِ وَقَطْعُ النَّظَرِ عَنْ ذَلِكَ الْمَانِعِ يَجُوزُ لَهُمْ الْبَيْعُ وَمِلْكُ الْعِوَضِ عَنْهَا فَقَدْ انْطَبَقَ هَذَا الْحَدُّ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ الْمِلْكِ وَمُنِعَ غَيْرُهَا وَالْحَقُّ أَنَّ الضِّيَافَاتِ لَيْسَتْ بِتَمْلِيكَاتٍ لَا بِالْمَضْغِ وَلَا بِالْبَلْعِ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ. بَلْ هِيَ إبَاحَاتٌ كَمَا أَبَاحَ اللَّهُ السَّمَكَ فِي الْمَاءِ وَالطَّيْرَ فِي الْهَوَاءِ وَالْحَشِيشَ وَالصَّيْدَ فِي الْفَلَاةِ لِمَنْ أَرَادَ تَنَاوُلَهُ فَكَمَا لَا يُقَالُ إنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَمْلُوكَةٌ لِلنَّاسِ كَذَلِكَ لَا يُقَالُ إنَّ الضِّيَافَاتِ مَمْلُوكَةٌ لِلضُّيُوفِ وَإِنَّمَا الضَّيْفُ أُبِيحَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا إنْ أَرَادَ أَوْ يَتْرُكَ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ لَا سِيَّمَا بَعْدَ الْبَلْعِ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمِلْكَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِ التَّصَرُّفِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَبَعْدُ إنْ بَلَعَ الطَّعَامَ كَيْفَ يَبْقَى سُلْطَانٌ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْأَعْيَانِ لِأَنَّهَا فَسَدَتْ عَادَةً وَلَمْ تَبْقَ مَقْصُودَةَ التَّصَرُّفِ أَلْبَتَّةَ وَقَوْل الْمَالِكِيَّةِ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَمْ لَا قَوْلَانِ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا عِبَارَةٌ رَدِيئَةٌ جِدًّا أَوْ أَنَّهَا لَا حَقِيقَةَ لَهَا فَلَا يَصِحُّ إيرَادُ النَّقْضِ بِهَا عَلَى الْحَدِّ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَصِحُّ تَصْرِيحُهُمْ بِحَقِيقَةِ مِلْكِ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَلَا أَخْذِ الْعِوَضِ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُ الْحُكْمَ فِيهَا وَالْمِلْكُ فِي قَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ بُيُوتَ الْمَدَارِسِ وَالْأَوْقَافَ وَالرُّبُط وَنَحْوَهَا يَمْلِكُ مَنْ قَامَ بِهِ شَرْطٌ وَاقِفِيهَا الِانْتِفَاعَ دُونَ الْمَنْفَعَةِ وَيَرْجِعُ إلَى الْإِذْنِ وَالْإِبَاحَةِ كَمَا فِي الضِّيَافَةِ فَتِلْكَ الْمَسَاكِنُ مَأْذُونٌ فِيهَا لِمَنْ قَامَ بِهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ لَا إنَّهَا فِيهَا لِغَيْرِ الْوَاقِفِ بِخِلَافِ مَا يُطْلَقُ مِنْ الْجَامَكِيَّاتِ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِيهَا يَحْصُلُ لِمَنْ حَصَلَ لَهُ شَرْطُ الْوَاقِفِ فَلَا جَرَمَ صَحَّ أَخْذُ الْعِوَضِ بِهَا أَوْ عَنْهَا اهـ. وَخُلَاصَةُ كَلَامِ ابْنِ الشَّاطِّ أَنَّ حَدَّ الْأَصْلِ فَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الْمِلْكَ مِنْ أَوْصَافِ الْمَالِكِ لَا الْمَمْلُوكِ لَكِنَّهُ وَصْفٌ مُتَعَلِّقٌ وَالْمَمْلُوكُ هُوَ مُتَعَلِّقُهُ (وَثَانِيهَا) أَنَّ الْمِلْكَ وَإِنْ صَحَّ أَنَّهُ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ عَلَى الْجُمْلَةِ لَا يَصِحُّ أَنَّهُ الْإِبَاحَةُ الَّتِي هِيَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ كَمَا هُوَ مَعْنَى سَائِرِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ

بِخِلَافِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فَقَدْ وَضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قُلْت هَلْ هُمَا مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ الَّذِي هُوَ وَضْعُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ وَالتَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ مِنْ بَابِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ ـــــــــــــــــــــــــــــSبِخِلَافِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فَقَدْ وُضِعَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا) قُلْت إذَا صَحَّ الِاتِّفَاقُ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ فِي الذِّمَّةِ فَلَا ذِمَّةَ لِلصَّبِيِّ وَيَتَعَيَّنُ حَدُّ الذِّمَّةِ أَوْ رَسْمُهَا بِأَنَّهَا قَبُولُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ دُونَ الْتِزَامِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (فَإِنْ قُلْت هَلْ هُمَا مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُمَا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ هُوَ الظَّاهِرُ، وَكَذَلِكَ الْمِلْكُ عِنْدِي بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِيهِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهَا مِنْ التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ فِيهِ نَظَرٌ، وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ النَّسَبَ أُمُورٌ سَلْبِيَّةٌ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَوْلُهُ كَمَا تَقَدَّرَ الْمِلْكُ فِي الْعِتْقِ وَهُوَ مَعْدُومٌ إنْ كَانَ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى الْعِتْقِ عَنْ الْغَيْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى وَخِطَابُهُ كَلَامُهُ فَكَيْفَ يَكُونُ الْمِلْكُ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الْمَالِكِ عَلَى مَا ارْتَضَيْته أَوْ صِفَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى مَا ارْتَضَاهُ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا مَا لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ أَصْلًا فَالصَّحِيحُ أَنَّ مُسَبِّبَ الْإِبَاحَةِ هُوَ التَّمَكُّنُ وَالْإِبَاحَةُ هِيَ التَّمْكِينُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَالِانْتِفَاعُ مُتَعَلِّقُ الْمِلْكِ وَالْمِلْكُ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ فَهُوَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ لَا مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ (وَثَالِثُهَا) إنَّ فِي قَوْلِهِ مُقَدَّرٌ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَعَلُّقِ إذْنِ الشَّرْعِ وَالتَّعَلُّقُ عَدَمِيٌّ إلَخْ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّ النَّسَبَ وَالْإِضَافَاتِ السَّبْعَ وَهِيَ مَا عَدَا الْجَوْهَرَ وَالْكَمَّ وَالْكَيْفَ مِنْ الْمَقُولَاتِ الْعَشَرِ أُمُورٌ عَدَمِيَّةٌ نَظَرًا يُرِيدُ أَنَّ وَجْهَهُ هُوَ أَنَّ مَسَائِلَ التَّعَارِيفِ اصْطِلَاحٌ لِلْفَلَاسِفَةِ لَا لِلْمُتَكَلِّمِينَ فَالْوَاجِبُ بِنَاؤُهَا عَلَى قَوْلِ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ النَّسَبَ وَالْإِضَافَاتِ السَّبْعَ الْمَذْكُورَةَ أَعْرَاضٌ مَوْجُودَةٌ فَافْهَمْ (وَرَابِعُهَا) أَنَّهُ لَيْسَ مُقْتَضِيًا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ، بَلْ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ كَلَامُ الشَّارِعِ (وَخَامِسُهَا) أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الِانْتِفَاعَ بِالْمَمْلُوكِ وَبِالْعِوَضِ، بَلْ بِأَحَدِهِمَا (وَسَادِسُهَا) أَنَّ الْمَمْلُوكَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمِلْكِ فَلَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ وَمَعْرِفَةُ الْمُشْتَقِّ فَرْعُ مَعْرِفَةِ مَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ وَهُوَ الْمَصْدَرُ عَلَى الصَّحِيحِ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ أَيْ تَوَقُّفُ الْمِلْكِ عَلَى الْمَمْلُوكِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ تَعْرِيفِهِ وَبِالْعَكْسِ لِمَا ذُكِرَ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْمَمْلُوكِ الذَّاتُ فَافْهَمْ وَالصَّحِيحُ فِي حَدِّ الْمِلْكِ أَنَّهُ تَمَكُّنُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنِيَابَتِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْ الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ هَذَا إنْ قُلْنَا إنَّ الضِّيَافَةَ وَنَحْوَهَا مِنْ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالْحَشِيشِ وَالصَّيْدِ فِي الْفَلَاةِ وَبُيُوتِ الْمَدَارِسِ وَالْأَوْقَافِ وَالرُّبُطِ وَكُلِّ مَا فِيهِ الْإِذْنُ بِالِانْتِفَاعِ فَقَطْ لَا يَمْلِكُهَا مَنْ سُوِّغَتْ لَهُ. وَأَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّهُ يَمْلِكُهَا بِالتَّنَاوُلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ التَّنَاوُلِ هُوَ تَمَكُّنُهُ شَرْعًا مِنْ التَّنَاوُلِ فَهُوَ سَبَبُ مِلْكِهَا إذْ الْمِلْكُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِ الِانْتِفَاعِ لَا التَّصَرُّفِ وَالسُّلْطَانُ هُوَ التَّمَكُّنُ بِعَيْنِهِ فَإِذَا تَنَاوَلَ الضَّيْفَ مَثَلًا لُقْمَةً مِنْ الضِّيَافَةِ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ انْتِزَاعُهَا مِنْ يَدِهِ فَإِنْ ابْتَلَعَهَا فَقَدْ كَانَ سَبَقَ مِلْكُهُ لَهَا قَبْلَ الْبَلْعِ وَإِنْ لَمْ يَبْتَلِعْهَا وَنَبَذَهَا مِنْ يَدِهِ فَقَدْ عَادَتْ إلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا وَجَازَ لِغَيْرِهِ تَنَاوُلُهَا لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْهَا إلَّا لِيَأْكُلَهَا، فَلَمَّا لَمْ يَأْكُلْهَا بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا وَالِانْتِفَاعُ الْمَوْقُوفُ فِيهِ الْمِلْكُ لِغَيْرِ الْوَاقِفِ وَهُوَ مَنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْوَقْفِ. وَأَمَّا عَيْنُ الْمَوْقُوفِ فَلَا مِلْكَ عَلَيْهِ إلَّا لِلْوَاقِفِ وَلَا لِغَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ أَحَدٌ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْعَيْنِ وَلَا مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا وَلَا مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْهَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا مِلْكَ إذْ لَا مَعْنَى لِلْمِلْكِ إلَّا التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ نَعَمْ إنَّ أَوْ مِنْ الِانْتِفَاعِ خَاصَّةً مَنْ كَانَ مُقْتَضَى الْوَقْفِ سُكْنَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمَوْضِعَ الْمَوْقُوفَ فَلَا يَتَعَدَّى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَوَّغْ لَهُ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِغْلَالُ فَالْعِلَّةُ مُسَوِّغَةٌ بِعَيْنِهَا فَيَصِحُّ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا فَافْهَمْ فَإِنَّا حِينَئِذٍ نَزِيدُ فِي الْحَدِّ وَنَقُولُ أَنَّهُ يُمْكِنُ الْإِنْسَانُ شَرْعًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنِيَابَتِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ أَوْ تَمَكُّنُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ خَاصَّةً وَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى بَيَانِ صِحَّةِ هَذَا الْحَدِّ فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ الْمُنْصِفِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ هَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَوْ لَا قَوْلَانِ فَلَا تَغْفُلْ وَبِالْجُمْلَةِ فَمُوجِبُ الْمِلْكِ الِانْتِفَاعُ وَالِانْتِفَاعُ يَكُونُ بِوَجْهَيْنِ انْتِفَاعٌ يَتَوَلَّاهُ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ وَانْتِفَاعٌ يَتَوَلَّاهُ النَّائِبُ عَنْهُ وَالنَّائِبُ قَدْ يَكُونُ بِاسْتِنَابَةِ الْمَالِكِ، وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ اسْتِنَابَتِهِ فَغَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ يَتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ بِنَفْسِهِ وَنِيَابَتِهِ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ إلَّا بِنِيَابَتِهِ وَنَائِبِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِاسْتِنَابَتِهِ وَالِانْتِفَاعُ إمَّا مَعَ أَخْذِ الْعِوَضِ أَوْ بِدُونِهِ وَإِمَّا مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ أَوْ بِدُونِهِ اهـ وَالسَّيِّدُ الْجُرْجَانِيُّ قُدِّسَ سِرُّهُ جَعَلَ الْمِلْكَ صِفَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكِ فَقَالَ فِي تَعْرِيفَاتِهِ وَالْمِلْكُ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ اتِّصَالٌ شَرْعِيٌّ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَبَيْنَ شَيْءٍ يَكُونُ مُطْلَقًا لِيَتَصَرَّفَهُ فِيهِ وَحَاجِزًا عَنْ تَصَرُّفِ غَيْرِهِ فِيهِ اهـ. وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدَّ لَا يَكُونُ جَامِعًا إلَّا بِأَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ النَّعِيمُ فِي قَوْلِهِ لِتَصَرُّفِهِ فِيهِ بِأَنْ يُقَالَ بِالِانْتِفَاعِ أَمَّا مَعَ أَخْذِ الْعِوَضِ أَوْ بِدُونِهِ وَأَمَّا مَعَ رَدِّ الْعَيْنِ أَوْ

[الفرق بين قاعدة الأسباب العقلية وبين قاعدة الأسباب الشرعية]

وَالتَّحْرِيمُ وَالنَّدْبُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ كَمَا، قُلْته فِي الْمِلْكِ إنَّهُ مِنْ بَابِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْإِذْنِ وَالْإِبَاحَةِ عِنْدَ أَسْبَابٍ خَاصَّةٍ وَإِبَاحَةٍ خَاصَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي ذَلِكَ. قُلْت الَّذِي يَظْهَرُ لِي وَأَجْزِمُ بِهِ أَنَّ الذِّمَّةَ وَأَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ دُونَ خِطَابِ التَّكْلِيفِ وَأَنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إلَى التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالتَّقَادِيرُ الشَّرْعِيَّةُ هِيَ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ وَالْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْخِطَابَيْنِ وَالذِّمَّةُ وَأَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ إعْطَاءُ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الْمَحَلِّ مِنْ الصِّفَاتِ الْمَوْجُودَةِ كَالْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الصِّفَاتِ الْمَوْجُودَةِ وَإِنَّمَا هُوَ نِسْبَةٌ خَاصَّةٌ يُقَدِّرُهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ عِنْدَ سَبَبِهَا مَوْجُودَةً وَهِيَ لَا وُجُودَ لَهَا، بَلْ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ التَّقْدِيرِ فَقَطْ كَمَا يُقَدَّرُ الْمِلْكُ فِي الْعِتْقِ وَهُوَ مَعْدُومٌ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِدُونِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ وَالثَّانِي التَّقْيِيدُ فِي قَوْلِهِ عَنْ تَصَرُّفِ غَيْرِهِ فِيهِ بِأَنْ يُقَالَ بِدُونِ اسْتِنَابَتِهِ فَتَأَمَّلْ، وَقَالَ عَقِبَ الْحَدِّ الْمَذْكُورِ فَالشَّيْءُ يَكُونُ مَمْلُوكًا وَلَا يَكُونُ مَرْفُوقًا، وَلَكِنْ لَا يَكُونُ مَرْفُوقًا إلَّا وَيَكُونُ مَمْلُوكًا اهـ يُرِيدُ أَنَّ الْمَمْلُوكَ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ الْمَرْفُوقِ، وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ الْحَدُّ وَالْمِلْكُ فِي إصْلَاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ حَالَةٌ تَعْرِضُ لِلشَّيْءِ بِسَبَبِ مَا يُحِيطُ بِهِ وَيَنْتَقِلُ بِانْتِقَالِهِ كَالتَّعْمِيمِ وَالتَّقَمُّصِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَالَةٌ لِشَيْءٍ بِسَبَبِ إحَاطَةِ الْعِمَامَةِ بِرَأْسِهِ وَالْقَمِيصِ بِبَدَنِهِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْعَقْلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ] الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الْعَقْلِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ نَحْوُ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَعْتَقْت وَنَحْوَهُ مِنْ الْأَسْبَابِ) وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى طَرِيقَةِ غَيْرِ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ مِنْ إبْطَالِ الشَّبَهِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ تَقْدِيرُ مُسَبَّبَاتِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ إلَّا عَقِيبَ آخِرِ حَرْفٍ وَإِنْ عُدِمَتْ جُمْلَةُ الصِّيغَةِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عَادَةً حِينَئِذٍ بِخِلَافِ الْأَسْبَابِ الْعَقْلِيَّةِ فَإِنَّ الْعِلَلَ الْعَقْلِيَّةَ لَا تُوجِبُ مَعْلُولَهَا إلَّا حَالَةَ وُجُودِهَا، وَإِذَا عُدِمَتْ لَا يُوجَدُ مَعْلُولُهَا كَالْعِلْمِ مَعَ الْعَالَمِيَّةِ وَالْإِرَادَةِ مَعَ الْمُرِيدِيَّةِ مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ وَالنَّارِ مَعَ الْإِحْرَاقِ وَالْمَاءِ مَعَ الْإِرْوَاءِ مِنْ الْعَادِيَّاتِ. وَأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ حُصُولِ الشَّبَهِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُوجَدَ الْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ حُكْمًا إذَا عُدِمَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْهَا حَتَّى عُدِمَتْ جُمْلَتُهَا، بَلْ تُقَدَّرُ مُسَبَّبَاتُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ مَعَ آخِرِ حُرُوفِهَا حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمُسَبَّبُ حَالَةَ وُجُودِ سَبَبِهِ لَا حَالَةَ عَدَمِهِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ آخِرِ حَرْفٍ هُوَ الْوُجُودُ الْمُمْكِنُ فِي الصِّيَغِ؛ لِأَنَّهَا مَصَادِرُ سَيَّالَةٌ يَسْتَحِيلُ وُجُودُهَا بِجُمْلَتِهَا فَيُكْتَفَى بِوُجُودِ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الْمُمْكِنُ فِيهَا فَيَحْصُلُ بِهِ الشَّبَهُ بَيْنَ الْعَقْلِيَّاتِ وَالشَّرْعِيَّاتِ فَلَا يَكُونُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فَرْقٌ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَا طَائِلَ وَرَاءَهُ وَالْكَلَامُ فِيهِ تَعَمُّقٌ فِي الدِّينِ وَتَكَلُّفٌ وَلَا يُتَوَصَّلُ فِيهِ إلَى الْيَقِينِ نَعَمْ يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ تَنْقَسِمُ أَوَّلًا إلَى مَا يُوجِبُ مُسَبَّبُهُ إنْشَاءً نَحْوَ عِتْقِ الْإِنْسَانِ عَنْ نَفْسِهِ وَالْبَيْعِ النَّاجِزِ وَالطَّلَاقِ النَّاجِزِ وَإِلَى مَا يُوجِبُ اسْتِلْزَامًا كَالْعِتْقِ أَوْ الْوَطْءِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ حِينَئِذٍ بِسَبَبِ عِتْقِهِ أَوْ وَطْئِهِ الْأَمَةَ الْتِزَامًا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْأَشْهَرُ حَتَّى يَنْتَقِلَ بِالتَّصْرِيحِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِنَحْوِ قَوْلِهِ قَبِلْت أَوْ اخْتَرْت الْإِمْضَاءَ مِمَّا يَقْتَضِي الْمِلْكَ مُطَابَقَةً أَوْ يُعْتِقُ أَوْ يَطَأُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي الْمِلْكَ الْتِزَامًا وَفِي كَوْنِ الْمِلْكِ فِي هَذَا يُقَدَّرُ ثُبُوتُهُ قَبْلَ الْعِتْقِ حَتَّى يَقَعَ الْعِتْقُ عَنْ الْغَيْرِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ أَوْ يَثْبُتُ مَعَهُ؛ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ خِلَافٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَفْظِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ. وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعِتْقِ عَلَى الْأَوَّلِ دُخُولُ الْحُرِّيَّةِ فِي الرَّقِيقِ لَا إنْشَاءُ الصِّيغَةِ؛ لِأَنَّ إنْشَاءَ الصِّيغَةِ بِعَيْنِهِ هُوَ الْمُسْتَلْزِمُ لِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ الَّذِي بِهِ يَحْصُلُ الْمِلْكُ إذْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْ الْمُشْتَرِي غَيْرُ ذَلِكَ فَالْمِلْكُ لَا يَحْصُلُ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لِحُصُولِهِ وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ عَلَى الثَّانِي نَفْسَ إنْشَاءِ الصِّيغَةِ لَا دُخُولَ الْحُرِّيَّةِ فِي الرَّقِيقِ؛ لِأَنَّهُ مُضَادُّ الْمِلْكِ وَاجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ مُحَالٌ فَعَلَيْك بِتَأَمُّلِ الْمُنَصَّفِ وَثَانِيًا إلَى مَا يَقْتَضِي ثُبُوتًا كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَإِلَى مَا يَقْتَضِي إبْطَالًا لِمُسَبِّبِ سَبَبٍ آخَرَ كَفَوَاتِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَقْتَضِي إبْطَالَ مُسَبِّبِ السَّبَبِ السَّابِقِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَكَالطَّلَاقِ يَقْتَضِي إبْطَالَ الْعِصْمَةِ السَّابِقَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى النِّكَاحِ وَكَالْعَتَاقِ يَقْتَضِي إبْطَالَ الْمِلْكِ الْمُتَرَتِّبِ فِي الرَّقِيقِ عَلَى سَبَبِهِ، وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْفَوَاتَ يُوجِبُ الْفَسْخَ فَهَلْ يَقْتَضِيهِ مَعَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقَدُّمِ عَلَى السَّبَبِ أَوْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الِانْقِلَابَ وَالْفَسْخَ يَقْتَضِي تَحَقُّقَ مَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالْعِلَلُ الْعَقْلِيَّةُ لَا تَنْقَسِمُ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتَقَدَّمُ مُسَبَّبُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ] الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتَقَدَّمُ مُسَبَّبُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ) وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا لِلْأَصْلِ مِنْ وُقُوعِ مَا يَتَقَدَّمُ مُسَبَّبُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَتَمْثِيلُهُ بِمِثَالَيْنِ (الْمِثَالُ الْأَوَّلُ) إتْلَافُ الْمَبِيعِ قَبْلَ

وَكَذَلِكَ هَذِهِ التَّقَادِيرُ تَذْهَبُ عِنْدَ ذَهَابِ أَسْبَابِهَا وَتَثْبُتُ عِنْدَ تَثْبِيتِ أَسْبَابِهَا كَمُتَعَلِّقَاتِ الْخِطَابِ فِي التَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَةِ وَغَيْرِهِمَا وَالتَّعَلُّقَاتُ أُمُورٌ عَدَمِيَّةٌ تُقَدَّرُ فِي الْمَحَالِّ مَوْجُودَةً فَهَذَا هُوَ تَلْخِيصُ مَعْنَى الذِّمَّةِ وَأَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَتَأَمَّلْهُ. (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَقْبَلُهُ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْيَانَ مِنْهَا مَا لَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ إمَّا لِعَدَمِ اشْتِمَالِهِ عَلَى مَنْفَعَةٍ كَالْخُشَاشِ أَوْ مَنْفَعَةٍ مُحَرَّمَةٍ كَالْخَمْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقْبَلُ الْمَالِكُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَقْبَلُهُ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ مِنْ الْأَعْيَانِ مِنْ الْمُسَامَحَةِ عَلَى مَا سَبَقَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَبْضِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُوجِبُ الْفَسْخَ قَبْلَهُ بِأَنْ تُقَدِّرَ الِانْفِسَاخَ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ تَلَفِهِ لِيَكُونَ الْمَحَلُّ قَابِلًا لِلِانْفِسَاخِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ الصَّرْفُ لَا يَقْبَلُ انْقِلَابَهُ لِمِلْكِ الْبَائِعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْفَرْقِ (وَالْمِثَالُ الثَّانِي) الْقَتْلُ خَطَأً بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِ الدِّيَةِ لَا لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالزُّهُوقِ لَا بِإِنْفَاذِ الْمَقَاتِلِ وَأَنَّ الزُّهُوقَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا مَوْرُوثَةً وَالْإِرْثُ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا تَقَدَّمَ فِيهِ مِلْكُ الْمَيِّتِ فَتَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى أَنْ يُقَدِّرَ تَقْدِيرَ مِلْكِهِ لَهَا فِي حَالَةٍ تَقْبَلُ الْمِلْكَ وَهِيَ حَالَةُ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَقْبَلُهُ وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو لِتَقْدِيمِ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْقَتْلِ الْخَطَأِ وَأَنَّ مَا لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ مُسَبَّبُهُ مِنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا سَبَبٌ فِعْلِيٌّ تَامٌّ فَيُقَارِنُهُ مُسَبَّبُهُ كَالْأَسْبَابِ فِي حِيَازَةِ الْمُبَاحِ كَالْحَشِيشِ وَالصَّيْدِ وَالسَّلَبِ فِي الْجِهَادِ حَيْثُ سَوَّغْنَاهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ عَلَى رَأَيْنَا أَوْ مُطْلَقًا عَلَى رَأْيِ الشَّافِعِيَّةِ وَكَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ لِلْحُدُودِ وَكَالتَّعَالِيقِ اللُّغَوِيَّةِ فَإِنَّهَا كُلُّهَا أَسْبَابٌ شَرْعِيَّةٌ فَإِذَا عُلِّقَ عَلَى شَرْطِ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ قَارَنَ لُزُومُ الْمُعَلَّقِ وُقُوعَ ذَلِكَ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ أَعْطَيْتنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَفَعَلَتْ طَلُقَتْ لَكِنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ تُشْكِلُ جِدًّا عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ وَقَاعِدَتُهُ مِنْ أَنَّ الْمُعْطَاةَ وَالْفِعْلَ وَالْمُنَاوَلَةَ لَا يُوجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ انْتِقَالَ مِلْكٍ فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْإِعْطَاءِ الْإِقْبَاضَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا كَمَا لَوْ قَالَ إنْ أَقَبَضْتنِي وَهُوَ بَعِيدٌ وَإِنْ أَرَادَ بِالْإِعْطَاءِ التَّمْلِيكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَانَ تَمْلِيكًا بِمُجَرَّدِ الْمُنَاوَلَةِ فَيُعَضِّدُ الْمَالِكِيَّةُ فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ بِالْقِيَاسِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَيَكُونُ نَقْضًا عَلَى أَصْلِهِ. وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ اللَّفْظُ السَّابِقُ فِي التَّعْلِيقِ حَصَلَ بِهِ انْتِقَالُ الْمِلْكِ لِأَنَّ لَفْظَ التَّعْلِيقِ إنَّمَا اقْتَضَى رَبْطَ الطَّلَاقِ بِالْإِعْطَاءِ وَلَمْ يَقْتَضِ حُصُولَ الْمِلْكِ فِي الْمُعْطِي وَلَعَلَّهَا لَا تُعْطِيهِ شَيْئًا فَإِنَّ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَى الْمِلْكِ لَمْ يُوجَدْ أَلْبَتَّةَ فَلَا يُمْكِنُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ فَفَعَلَتْ أَيْ مَلَّكَتْهُ الْأَلْفَ بِشَرْطِ التَّمْلِيكِ الَّذِي هُوَ التَّلَفُّظُ بِمَا يَقْتَضِيهِ فَيَنْدَفِعُ الْإِلْزَامُ عَنْهُ. وَأَمَّا سَبَبٌ فِعْلِيٌّ غَيْرُ تَامٍّ فَيَتَأَخَّرُ مُسَبَّبُهُ إلَى تَمَامِهِ كَبَيْعِ الْخِيَارِ يَتَأَخَّرُ فِيهِ نَقْلُ الْمِلْكِ عَنْ الْعَقْدِ إلَى الْإِمْضَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا ثَبَتَ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَهُوَ عَقْدٌ غَيْرُ تَامٍّ فَتَأَخَّرَ مُسَبَّبُهُ إلَى تَمَامِهِ وَكَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مَعَ الْبَيْنُونَةِ فَإِنَّهَا تَتَأَخَّرُ إلَى خُرُوجِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ الْعِدَّةِ وَكَالْوَصِيَّةِ يَتَأَخَّرُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِي الْمُوصَى بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَكَالسَّلَمِ وَالْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ بِوَجْهِ الْمُطَالَبَةِ إلَى انْقِضَاءِ الْأَجَلِ. وَأَمَّا سَبَبٌ قَوْلِيٌّ تَامٌّ كَالْعِتْقِ وَالْبَيْعِ وَالْإِبْرَاءِ وَتَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَتَنْصِيصِ الْعَدَدِ فِي الطَّلَاقِ وَكَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالشَّهَادَاتِ فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ بَيْنَ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الإِسْفِرايِينِي وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ هَلْ تَقَعُ مُسَبَّبَاتُهُ مَعَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهُ أَوْ عَقِيبَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهُ وَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْأَجِلَّةِ كَمَا كَانَ شَيْخُ الْمُتَكَلِّمِينَ هَذَا خُلَاصَةُ كَلَامِ الْأَصْلِ مَعَ تَنْقِيحٍ وَزِيَادَةٍ وَكَتَبَ عَلَيْهِ ابْنُ الشَّاطِّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُطَّرِدِ فِيهَا أَنْ تَعْقُبَهَا مُسَبَّبَاتُهَا أَوْ تُقَارِنَهَا فَلَا يَصِحُّ تَقْدِيرُ الِانْفِسَاخِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ تَلَفِهِ وَلَا تَقْدِيرَ مِلْكِ الدِّيَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ عَلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ الِانْفِسَاخِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ تَلَفِهِ؛ لِأَنَّ انْقِلَابَ الْمَبِيعِ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ لَا حَاجَةَ؛ لِأَنَّ الدَّاعِيَ إلَى ادِّعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى انْقِلَابِهِ إلَى مِلْكِهِ إنَّمَا هُوَ كَوْنُ ضَمَانِهِ مِنْهُ وَكَوْنُ ضَمَانِهِ مِنْهُ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ عَلَى مِلْكِهِ لِلُزُومِ الضَّمَانِ بِدُونِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْمُتَعَدِّي. وَإِنَّمَا كَانَ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ فِيهِ حَقُّ التَّوْفِيَةِ وَلَا إلَى تَقْدِيمِ مِلْكِ الدِّيَةِ، بَلْ هُوَ مُحَقَّقٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْإِنْفَاذُ لَا الزُّهُوقُ فَلَا ضَرُورَةَ لِتَقْدِيمِهَا كَمَا لَا ضَرُورَةَ لِتَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ قَالَ وَالْأَمْرُ فِي الْخِلَافِ فِي الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ قَرِيبٌ وَلَا أَرَاهُ يَئُولُ إلَى طَائِلٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الفرق بين قاعدة ما يقبل الملك من الأعيان والمنافع وبين قاعدة ما لا يقبله]

وَالْمُطْرِبَاتِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ مَنْفَعَةٍ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ آدَمِيٍّ كَالْحُرِّ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمَسَاجِدِ وَالْبَيْتِ الْحَرَامِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمِلْكَ إذْنٌ شَرْعِيٌّ خَاصٌّ وَالْإِذْنُ فِي غَيْرِ مُنْتَفَعٍ بِهِ عَبَثٌ وَفِي الْمُحَرَّمِ مُتَنَاقِضٌ وَفِيمَا هُوَ حَقٌّ لِلْغَيْرِ مُبْطِلٌ لِذَلِكَ الْحَقِّ فَيَمْتَنِعُ الْمَالِكُ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ وَمِنْهَا مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ فَيَقْبَلُ الْمَالِكُ لِأَجْلِ مَنْفَعَةٍ وَهُوَ قِسْمَانِ مَا يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ إمَّا صَوْنًا لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ عَنْ الْفَسَادِ كَكَلْبِ الصَّيْدِ وَإِجَارَةِ الْأَرْضِ إذَا قُلْنَا بِأَنَّهَا لَا يُؤَجَّرُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَدِيمًا مِنْ الْأُمُورِ الْمُنَافِيَةِ لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلِذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ يَمْنَحْهَا أَخَاهُ» فَإِنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ عَادِيٌّ وَإِمَّا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ كَأُمِّ الْوَلَدِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهَا بِالْعِتْقِ وَالْحُرِّ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِنَفْسِهِ وَالْوَقْفِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَوْقُوفِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الذِّمَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ أَهْلِيَّةِ الْمُعَامَلَةِ) وَهُوَ أَنَّهُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي جِهَتَيْنِ جِهَةِ كَوْنِهِمَا تَعَلَّقَا وَنِسْبَةٍ خَاصَّةٍ فِي الْمَحَلِّ وَجِهَة كَوْنِهِمَا مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ لَا مِنْ بَابِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَبَبٌ فِي شَيْءٍ كَمَا سَيُفْتَحُ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا تَعَلُّقٌ وَنِسْبَةٌ خَاصَّةٌ وَالتَّعَلُّقَاتُ أُمُورٌ عَدَمِيَّةٌ فَيُقَدِّرُهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي الْمَحَلِّ عِنْدَ سَبَبِهَا مَوْجُودَةً وَتَكُونُ مِنْ قَبِيلِ التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي هِيَ إعْطَاءُ الْمَوْجُودِ حُكْمَ الْمَعْدُومِ وَالْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ خِلَافًا لِلْأَصْلِ لَكِنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ جِهَتَيْنِ أَيْضًا (إحْدَاهُمَا) أَنَّ الذِّمَّةَ أَمَّا كَوْنُ الْإِنْسَانِ قَابِلًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ وَالْتِزَامِهَا شَرْعًا، فَيَكُونُ الصَّبِيُّ لَازِمَةً لَهُ، وَأَمَّا كَوْنُهُ قَابِلًا شَرْعًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ دُونَ الْتِزَامِهَا، فَيَكُونُ الصَّبِيُّ لَهُ ذِمَّةً لِلُزُومِ أُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ وَأَهْلِيَّةِ الْمُعَامَلَةِ وَالتَّصَرُّفَاتِ قَبُولٌ خَاصٌّ لَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ وَلَا الْتِزَامٌ (وَالْجِهَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ الذِّمَّةَ قَالَ الْأَصْلُ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْلِيفُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ أَعْلَمُهُ بِخِلَافِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيُّ فِيهِمَا أَيْضًا التَّمْيِيزَ وَالتَّكْلِيفَ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ التَّمْيِيزَ فَقَطْ وَابْنُ حَنْبَلٍ التَّمْيِيزَ مَعَ إذْنِ الْوَلِيِّ فَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُ تَصَرُّفُهُ بِدُونِ إذْنِهِ. وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ إذَا صَحَّ الِاتِّفَاقُ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ فِي الذِّمَّةِ فَلَا ذِمَّةَ لِلصَّبِيِّ وَيَتَعَيَّنُ حَدُّ الذِّمَّةِ أَوْ رَسْمُهَا بِأَنَّهَا قَبُولُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ دُونَ الْتِزَامِهَا اهـ. أَيْ حَتَّى تَكُونُ لِلصَّبِيِّ ذِمَّةٌ لِلُزُومِ أُرُوشِ الْجِنَايَاتِ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ لَهُ كَمَا عَلِمْت فَبَيْنَ الذِّمَّةِ وَأَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ يَجْتَمِعَانِ مَعًا فِي حَقِّ الْحُرِّ الْبَالِغِ الرَّشِيدِ فَإِنَّ لَهُ أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ وَلَهُ ذِمَّةٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَتَنْفَرِدُ الذِّمَّةُ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فِي الْعَبِيدِ فَإِنَّهُمْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِمْ لِحَقِّ السَّادَاتِ سَدًّا لِذَرِيعَةِ إفْسَادِ مَا لَهُمْ وَحَقُّ السَّادَاتِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وَلَوْ جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً وَلَمْ يَقَعْ الْحَدِيثُ فِيهَا وَلَا الْحُكْمُ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِذِمَّتِهِ إذَا عَتَقَ طُولِبَ بِهَا، فَيَكُونُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي حَقِّهِ السَّبَبُ وَاللُّزُومُ وَتَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ. وَإِذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَفُسِخَ نِكَاحُهُ بَقِيَ الصَّدَاقُ فِي ذِمَّتِهِ يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَاللُّزُومُ سَابِقٌ وَالْمُطَالَبَةُ مُتَأَخِّرَةٌ فِي حَقِّهِ وَتَنْفَرِدُ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ عَنْ الذِّمَّةِ فِي الصِّبْيَانِ الْمُمَيِّزِينَ فَإِنَّ فِي الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ حَنْبَلٍ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ ذِمَّةٍ لَهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الِاتِّفَاقِ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ فِي الذِّمَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ، قُلْت وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَ السَّيِّدِ الْجُرْجَانِيِّ فِي تَعْرِيفَاتِهِ الذِّمَّةُ لُغَةً الْعَهْدُ؛ لِأَنَّ نَقْضَهُ يُوجِبُ الذَّمَّ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا وَصْفًا فَعَرَّفَهَا بِأَنَّهَا وَصْفٌ يَصِيرُ الشَّخْصُ بِهِ أَهْلًا لِلْإِيجَابِ لَهُ وَعَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا ذَاتًا فَعَرَّفَهَا بِأَنَّهَا نَفْسٌ لَهَا عَهْدٌ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يُولَدُ وَلَهُ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ لِلْوُجُوبِ لَهُ وَعَلَيْهِ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ اهـ. بِلَفْظٍ كَمَا أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِهِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يُولَدُ وَلَهُ ذِمَّةٌ. وَقَوْلُهُ صَالِحَةٌ لِلْوُجُوبِ لَهُ وَعَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهَا مِنْ الطَّبَائِعِ الْمُلَازِمَةِ لِلْإِنْسَانِ كَالنَّاطِقِيَّةِ بِمَعْنَى مَبْدَئِيَّةِ النُّطْقِ وَالْإِدْرَاكِ وَإِنْ مَنَعَ مِنْ تَحَقُّقِهَا فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ مَانِعٌ كَمَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَسَبَبُ الْقَبُولِ الَّذِي هُوَ الذِّمَّةُ عِنْدَ الْجَمِيعِ التَّمْيِيزُ مَعَ التَّكْلِيفِ وَسَبَبُ الْقَبُولِ الَّذِي هُوَ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ التَّمْيِيزُ دُونَ الْإِجَازَةِ وَالتَّكْلِيفِ وَدُونَ الْإِبَاحَةِ أَيْضًا عِنْدَنَا فَإِنَّ الْفُضُولِيَّ عِنْدَنَا لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ وَتَصَرُّفُهُ حَرَامٌ وَلِلْمَالِكِ عِنْدَنَا إمْضَاءُ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ آخَرَ يَنْفُذُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ الْمُتَقَدِّمَ قَابِلٌ لِلِاعْتِبَارِ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ آدَمِيٌّ كَتَصَرُّفِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ صَحِيحٌ يَتَوَقَّفُ لُزُومُهُ عَلَى إجَازَةِ السَّيِّدِ وَالْوَلِيِّ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ التَّمْيِيزُ مَعَ الْإِجَازَةِ دُونَ التَّكْلِيفِ فَإِنَّهُ عَقْدُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ التَّمْيِيزُ مَعَ التَّكْلِيفِ فَلَا يَنْعَقِدُ عَقْدُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ أَصْلًا وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَقْبَلُهُ] الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَقْبَلُهُ مِنْهُمَا) يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَمْرَانِ (الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ إذْنٌ شَرْعِيٌّ خَاصٌّ وَأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَقْبَلُهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَنَافِعِهَا فَمَا

[الفرق بين قاعدة ما يجوز بيعه وقاعدة ما لا يجوز بيعه]

عَلَيْهِ بِهِ. وَأَمَّا مَا سَلِمَ مِنْ هَذِهِ الْمَوَانِعِ فَهُوَ الْقَابِلُ لِلْمِلْكِ وَالتَّصَرُّفِ بِأَسْبَابِ الْمِلْكِ عَلَى اخْتِلَافِهَا وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ كَالْبُرِّ وَالْأَنْعَامِ وَغَيْرِهِمَا فَهَذَا تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَهَا هُنَا قَاعِدَةٌ أُخْرَى تُلَاحَظُ فِي هَذَا الْفَرْقِ وَهِيَ إنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ كَانَ مِنْ الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ أَوْ غَيْرِ الْعُقُودِ كَالتَّعْزِيرَاتِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ فَإِنَّهُ لَا يُشْرَعُ وَيَبْطُلُ إنْ وَقَعَ، فَلِذَلِكَ امْتَنَعَ بَيْعُ الْحُرِّ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَنِكَاحِ الْمَحْرَمِ وَذَوَاتِ الْمَحْرَمِ فَإِنَّ مَقَاصِدَ هَذِهِ الْعُقُودِ لَا تَحْصُلُ بِهَا. وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ وَتَعْزِيرُ مَنْ يَعْقِلُ الزَّجْرَ كَالسَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّ الزَّجْرَ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا هُوَ انْتِفَاعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاوِضَيْنِ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ فَإِذَا كَانَ عَدِيمَ الْمَنْفَعَةِ أَوْ مُحَرَّمًا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ فَيَبْطُلُ عَقْدُهُ وَالْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ، فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ أَيْضًا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا مَنْفَعَةَ لَهُ كَالْخُشَاشِ وَمَا لَهُ مَنْفَعَةٌ مُحَرَّمَةٌ كَالْخَمْرِ وَالْمُطْرِبَاتِ الْمُحَرَّمَةِ وَمَا لَهُ مَنْفَعَةٌ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ آدَمِيٍّ كَالْحُرِّ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِنَفْسِهِ وَكَأُمِّ الْوَلَدِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهَا بِالْعِتْقِ وَكَالْوَقْفِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِهِ فَلَا يَقْبَلُ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ الْمِلْكَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْإِذْنَ فِيهِ عَبَثٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْإِذْنَ فِيهِ مُتَنَاقِضٌ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ الْإِذْنَ فِيهِ مُبْطِلٌ لِذَلِكَ الْحَقِّ وَبَقِيَ النَّوْعُ الرَّابِعُ وَهُوَ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً وَلَا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ آدَمِيٍّ فَيَقْبَلُ الْمِلْكَ لِأَجْلِ مَنْفَعَتِهِ إلَّا أَنَّهُ قِسْمَانِ قِسْمٌ يَمْتَنِعُ صَوْنًا لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ عَنْ الْفَسَادِ كَكَلْبِ الصَّيْدِ وَإِجَارَةِ الْأَرْضِ إذَا قُلْنَا بِإِنَّهَا لَا تُؤَجَّرُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَدِيمًا مِنْ الْأُمُورِ الْمُنَافِيَةِ لِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلِذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ يَمْنَحْهَا أَخَاهُ» فَإِنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ عَادِيٌّ وَقِسْمٌ سَلِمَ مِنْ هَذِهِ الْمَوَانِعِ فَهُوَ الْقَابِلُ لِلْمِلْكِ وَالتَّصَرُّفُ بِأَسْبَابِ الْمِلْكِ عَنْ اخْتِلَافِهَا وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ كَالْبُرِّ وَالْأَنْعَامِ وَغَيْرِهِمَا (الْأَمْرُ الثَّانِي) قَاعِدَةُ إنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ كَانَ مِنْ الْعُقُودِ كَالْبَيْعِ أَوْ غَيْرِ الْعُقُودِ كَالتَّعْزِيرَاتِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ لَا يُشْرَعُ وَيَبْطُلُ إنْ وَقَعَ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا هُوَ انْتِفَاعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَارِضَيْنِ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ فَإِذَا كَانَ عَدِيمَ الْمَنْفَعَةِ أَوْ مُحَرَّمَهَا أَوْ تَعَلَّقَ بِمَنْفَعَتِهِ حَقُّ الْغَيْرِ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ فَيَبْطُلُ عَقْدُهُ وَالْمُعَارَضَةُ عَلَيْهِ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ كَمَا يَمْتَنِعُ نِكَاحُ ذَوَاتِ الْمَحْرَم؛ لِأَنَّ مَقَاصِدَ عَقْدِهِ لَا تَحْصُلُ بِهَا وَيَمْتَنِعُ تَعْزِيرُ مَنْ لَا يَعْقِلُ الزَّجْرَ كَالسَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الزَّجْرَ لَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ] (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) وَهُوَ أَنَّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عِبَارَةً عَمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ شُرُوطٌ خَمْسَةٌ أَرْبَعَةٌ مِنْهَا فِي صِحَّتِهِ وَجَوَازِهِ وَلُزُومِهِ مَعًا (الْأَوَّلُ) الطَّهَارَةُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُسْتَصْبَحُ بِهَا فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا» الشَّرْطُ (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ انْتِفَاعًا شَرْعِيًّا حَالًا أَوْ مَآلًا لِيَصِحَّ مُقَابَلَةُ الثَّمَنِ لَهُ (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ حَذَرًا مِنْ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَنَحْوِهِمَا لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ (الشَّرْطُ الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لِلْعَاقِدَيْنِ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ (وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ وَالْمَبِيعُ مَمْلُوكَيْنِ لِلْعَاقِدِ وَالْمَعْقُودِ لَهُ أَوْ مَنْ أُقِيمَا مَقَامَهُ شَرْطٌ فِي الْجَوَازِ وَاللُّزُومِ مَعًا دُونَ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ وَشِرَاءَهُ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ فُضُولِيٌّ أَمْ لَا كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ إلَّا أَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَغَيْرُ لَازِمٍ يَتَوَقَّفُ لُزُومُهُ عَلَى رِضَا الْمَالِكِ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ وَبَقِيَ شَرْطٌ سَادِسٌ أَخَذَهُ عبق مِنْ قَوْلِ خَلِيلٍ فِي الْمُخْتَصَرِ وَوَقْفُ مَرْهُونٍ عَلَى رِضَا مُرْتَهِنِهِ اهـ. وَعَدَّهُ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ وَالْمَعْقُودِ لَهُ أَوْ مَنْ أُقِيمَا مَقَامَهُ حَقٌّ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ثَمَنًا أَوْ مُثَمَّنًا وَتَعَقَّبَهُ الشَّيْخُ مُصْطَفَى الرَّمَاصِيُّ كَمَا فِي الْبُنَانِيِّ بِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ فَقَطْ أَيْ دُونَ الصُّحْبَةِ، وَكَذَا دُونَ الْجَوَازِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَيْ خَلِيلًا لِذَلِكَ لَمْ يَجْرِ فِيهِ عَلَى أُسْلُوبِ مَا قَبْلَهُ فَلَمْ يُدْرِجْهُ فِي شُرُوطِ الصِّحَّةِ اهـ. يَعْنِي الْأَرْبَعَةَ الْأُوَلَ فَافْهَمْ وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عِبَارَةٌ عَمَّا فُقِدَ مِنْهُ أَحَدُ شُرُوطِ الْجَوَازِ الْخَمْسَةِ الْأُوَلِ فَتَحَقُّقُ الشُّرُوطِ الْخَمْسَةِ وَعَدَمُ تَحَقُّقِهَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَصْلٌ) فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) فِي الشَّرْطِ الْأَوَّلِ قَالَ حَفِيدِ بْنِ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ النَّجَاسَاتُ عَلَى ضَرْبَيْنِ الضَّرْبُ الْأَوَّلُ مَا لَا تَدْعُوا الضَّرُورَةُ إلَى اسْتِعْمَالِهِ فَاتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِهَا وَهِيَ أَنْوَاعٌ (الْأَوَّلُ) الْخَمْرُ وَلِذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا نَجِسَةٌ إلَّا خِلَافًا شَاذًّا (الثَّانِي) الْمَيْتَةُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا الَّتِي تَقْبَلُ الْحَيَاةَ (الثَّالِثُ) الْخِنْزِيرُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ الَّتِي تَقْبَلُ الْحَيَاةَ وَاخْتُلِفَ فِي

تُحَصِّلُ فَرْقًا بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ. (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) فَقَاعِدَةُ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ شُرُوطٌ خَمْسَةٌ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَا فُقِدَ مِنْهُ أَحَدُ هَذِهِ الشُّرُوطِ الْخَمْسَةِ فَالشُّرُوطُ الْخَمْسَةُ هِيَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَهِيَ (الطَّهَارَةُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ، فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُسْتَصْبَحُ بِهَا فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَى قَوْلِهِ وَفِي الشُّرُوطِ مَسْأَلَتَانِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالِانْتِفَاعِ بِشَعْرِهِ فَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنَعَهُ أَصْبَغُ (الضَّرْبُ الثَّانِي) مَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى اسْتِعْمَالِهِ كَالتَّرْجِيعِ وَالزِّبْلِ الَّذِي يُتَّخَذُ فِي الْبَسَاتِينِ فَاخْتُلِفَ فِي بَيْعِهِ فِي الْمَذْهَبِ فَقِيلَ بِمَنْعِهِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْعَذِرَةِ وَالزِّبْلِ أَعْنِي إبَاحَةَ الزِّبْلِ، وَمَنْعِ الْعَذِرَةِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُتَّخَذُ مِنْ أَنْيَابِ الْفِيلِ لِاخْتِلَافِهِمْ هَلْ هُوَ نَجِسٌ أَمْ لَا فَمَنْ رَأَى أَنَّهُ نَابٌ جَعَلَهُ مَيْتَةً، وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ قَرْنٌ مَعْكُوسٌ جَعَلَ حُكْمَهُ حُكْمَ الْقَرْنِ وَالْخِلَافُ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ اهـ بِتَصَرُّفٍ. قَالَ الْبُنَانِيُّ: وَقَدْ حَصَّلَ الْحَطَّابُ فِي بَيْعِ الْعَذِرَةِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ الْمَنْعُ لِمَالِكٍ عَلَى فَهْمِ الْأَكْثَرِ لِلْمُدَوَّنَةِ وَالْكَرَاهَةُ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَفَهْمِ أَبِي الْحَسَنِ لَهَا وَالْجَوَازُ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاضْطِرَارِ لَهَا فَيَجُوزُ وَعَدَمُهُ فَيُمْنَعُ لِأَشْهَبَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ. وَأَمَّا الزِّبْلُ فَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ قِيَاسُهُ عَلَى الْعَذِرَةِ فِي الْمَنْعِ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِجَوَازِهِ وَقَوْلُ أَشْهَبَ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْمُشْتَرِي أَعْذَرُ مِنْ الْبَائِعِ وَتُزَادُ الْكَرَاهَةُ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْعَذِرَةِ وَفَهْمِ أَبِي الْحَسَنِ اُنْظُرْ الْحَطَّابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي التُّحْفَةِ: وَنَجِسُ صَفْقَتِهِ مَحْظُورَةٌ ... وَرَخَّصُوا فِي الزِّبْلِ لِلضَّرُورَةِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى بَيْعِ الزِّبْلِ دُونَ الْعَذِرَةِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ لُبٍّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمِعْيَارِ أَوَّلَ نَوَازِلِ الْمُعَاوَضَاتِ وَهُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا لِلضَّرُورَةِ اهـ. مِنْهُ بِلَفْظِهِ وَفِي حَاشِيَةِ كنون قَالَ الْحَطَّابُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ النَّجِسِ نَهْيُهُ تَعَالَى عَنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ بِهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِ أَصْلًا أَوْ حُكْمًا وَدَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ «إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ» الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِ «إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا تُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيُسْتَصْبَحُ بِهَا فَقَالَ لَا هُوَ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ ذَلِكَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا جَمَّلُوهَا، ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» وَمَعْنَى أَجْمَلُوهُ أَذَابُوهُ، وَقَوْلُهُ حَرَّمَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ صَحَّتْ الرِّوَايَةُ بِإِسْنَادِهِ إلَى ضَمِيرِ الْوَاحِدِ تَأَدُّبًا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْمِ اللَّهِ فِي ضَمِيرِ الِاثْنَيْنِ كَمَا رَدَّ عَلَى الْخَطِيبِ قَوْلَهُ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَالَ لَهُ بِئْسَ خَطِيبُ الْقَوْمِ قُلْ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ اُنْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَفِي الْإِكْمَالِ مَا نَصُّهُ. وَأَمَّا شَحْمُ الْمَيْتَةِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ مِنْ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهَا نَجِسَةُ الْعَيْنِ وَلِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمَيْتَةِ إلَّا مَا خَصَّصَتْهُ السُّنَّةُ مِنْ الْجِلْدِ وَأَجَازَ عَطَاءٌ الِاسْتِصْبَاحَ بِشَحْمِهَا وَأَنْ يُطْلَى بِهِ السُّفُنُ اهـ. وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ الْجَهْمِ وَالْأَبْهَرِيِّ لَا بَأْسَ بِوَقِيدِهِ إذَا تُحُفِّظَ مِنْهُ اهـ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ جَوَازُ الْبَيْعِ وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ رَاجِعْ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيُنْتَفَعُ بِمُتَنَجِّسٍ إلَخْ وَمِنْ شَحْمِ الْمَيْتَةِ مَا يُجْلَبُ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ مِنْ الصَّابُونِ وَالشَّمْعِ الْمَصْنُوعَيْنِ مِنْ شَحْمِ غَيْرِ الْحَيَوَانِ الْبَحْرِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي الشَّرْطِ الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ يَكْفِي أَصْلُ الْمَنْفَعَةِ وَإِنْ قَلَّتْ وَقَلَّتْ قِيمَتُهَا فَيَصِحُّ بَيْعُ التُّرَابِ وَالْمَاءِ اهـ. أَيْ بِمَكَانِهَا الْمُعَدِّ لَهُمَا وَهُوَ التَّلُّ وَالْبَحْرُ وَقَيَّدَ الْمَحَلِّيُّ وَالرَّمْلِيُّ وَابْنُ حَجَرٍ صِحَّةَ بَيْعِهِمَا فِيهِ بِأَنْ يَجُوزَ الْمَاءُ فِي قِرْبَةٍ مَثَلًا أَوْ يُكَوَّمَ التُّرَابُ فَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ بَاعَ قِرْبَةَ مَاءٍ مَثَلًا عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْبُجَيْرَمِيِّ عَلَى شَرْحِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمَنْهَجِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ إمْكَانُ تَحْصِيلِ مِثْلِهِمَا بِلَا تَعَبٍ وَلَا مُؤْنَةٍ وَمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ كَالْحَشَرَاتِ الَّتِي لَا تَنْفَعُ وَهِيَ صِغَارُ دَوَابِّ الْأَرْضِ كَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَفَأْرَةٍ وَخُنْفُسَاءَ لَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ وَلَا بَيْعُهُ إذْ لَا نَفْعَ فِي الْحَشَرَاتِ الْمَذْكُورَةِ يُقَابِلُ بِالْمَالِ وَإِنْ ذَكَرَ لَهَا مَنَافِعَ فِي الْخَوَاصِّ بِخِلَافِ مَا يَنْفَعُ كَضَبٍّ لِمَنْفَعَةِ أَكْلِهِ وَعَلَّقَ لِمَنْفَعَةِ امْتِصَاصِ الدَّمِ كَمَا فِي شَرْحِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمَنْهَجِ قَالَ الْبُنَانِيُّ ذَكَرَ الْمَازِرِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُمَا إنَّ مِثْلَ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ مَا مَنَافِعُهُ كُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ كَالدَّمِ أَوْ جُلُّ الْمَقْصُودِ مِنْهَا مُحَرَّمٌ كَالزَّيْتِ النَّجِسِ بِخِلَافِ مَا مَنَافِعُهُ كُلُّهَا أَوْ جُلُّهَا مُحَلَّلَةٌ كَالزَّبِيبِ فَإِنْ كَانَتْ الْمَنَافِعُ الْمَقْصُودَةُ مِنْهَا مُحَلَّلٌ وَمِنْهَا مُحَرَّمٌ كَكَلْبِ الصَّيْدِ أُشْكِلَ الْأَمْرُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالْمَمْنُوعِ اهـ. وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ يَعْنِي خَلِيلًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِإِشْكَالِ

وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا» (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ لِيَصِحَّ مُقَابَلَةُ الثَّمَنِ لَهُ (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ حَذَرًا مِنْ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَنَحْوِهَا لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ (الشَّرْطُ الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ (الشَّرْطُ الْخَامِسُ) أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ وَالْمَبِيعُ مَمْلُوكَيْنِ لِلْعَاقِدِ وَالْمَعْقُودِ لَهُ أَوْ مَنْ أُقِيمَا مَقَامَهُ فَهَذِهِ شُرُوطٌ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ دُونَ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْفُضُولِ وَشِرَاءَهُ مُحَرَّمٌ وَفِي الشُّرُوطِ مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) فِي الشَّرْطِ الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ يَكْفِي أَصْلُ الْمَنْفَعَةِ وَإِنْ قَلَّتْ وَقَلَّتْ قِيمَتُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إلَى آخِرِهَا) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ فَرْقَ الْحَنَفِيَّةِ يَنْدَفِعُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا أَرْضَعَتْ كَبِيرًا فَحَرُمَ عَلَيْهَا لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَنْدَفِعُ بِذَلِكَ لِجَعْلِ رَضَاعِ الْكَبِيرِ لِقَصْدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا لَمْ يَقْنَعْ بِأَخْذِهِ مِنْ شَرْطِ الِانْتِفَاعِ لِخَفَائِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ اهـ. أَيْ فَاحْتَاجَ إلَى زِيَادَةِ شَرْطِ الْإِبَاحَةِ لِكَوْنِ أَخْذِهِ مِنْهُ ظَاهِرًا لَا خَفَاءَ فِيهِ وَفِي حَاشِيَةِ كنون وَقَوْلِ الْبُنَانِيِّ مَا مَنَافِعُهُ كُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ أَيْ فَلَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ وَلَا بَيْعُهُ وَمِثْلُهُ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَآلَةِ اللَّهْوِ، وَقَالَ الْحَطَّابُ مَثَّلَهُ الْقَرَافِيُّ بِالْخَمْرِ وَالْمُطْرِبَاتِ، وَقَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَمَنْ اشْتَرَى مِنْ آلَةِ اللَّهْوِ شَيْئًا كَبُوقٍ وَغَيْرِهِ فُسِخَ بَيْعُهُ وَأُدِّبَ أَهْلُهُ وَفِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَشْيَاءَ مِنْهَا الصُّوَرُ وَالْقِرْدُ وَآلَةُ الْمَلَاهِي اهـ. وَقَالَ ابْنُ جُزَيٍّ فِي قَوَانِينِهِ مَا نَصُّهُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لَا تَجُوزُ فَهِيَ كَالْعَدَمِ كَآلَاتِ اللَّهْوِ اهـ. وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ وَمِنْ مَسَائِلِهِمْ الْمَشْهُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُهُمْ فِي جَوَازِ بَيْعِ لَبَنِ الْآدَمِيَّةِ إذَا حُلِبَ فَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُجَوِّزَانِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجَوِّزُهُ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ تَعَارُضُ أَقْيِسَةِ الشَّبَهِ وَذَلِكَ أَنَّ عُمْدَةَ الْمُجِيزِ أَنَّهُ لَبَنٌ أُبِيحَ شُرْبُهُ فَأُبِيحَ بَيْعُهُ قِيَاسًا عَلَى لَبَنِ سَائِرِ الْأَنْعَامِ وَعُمْدَةُ الْمَانِعِ أَنَّ الْإِنْسَانَ حَيَوَانٌ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِهِ قِيَاسًا عَلَى لَبَنِ الْخِنْزِيرِ وَالْأَتَانِ وَإِنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ شُرْبُهُ لِمَكَانِ ضَرُورَةِ الطِّفْلِ إلَيْهِ اهـ مُلَخَّصًا. وَقَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ إثْرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ أَوْ يَصِحُّ بَيْعُ لَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ أَيْ فِي مَذْهَبِنَا، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ قِيَاسًا عَلَى لَبَنِ الْغَنَمِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ حَيَوَانٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ فَيَحْرُمُ أَكْلُهُ فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَبَنِ الْغَنَمِ بِشَرَفِ الْآدَمِيِّ أَيْ فَلَا يَتِمُّ الْقِيَاسُ الْمُتَقَدِّمُ وَلَا يُرَدُّ إبَاحَةُ لَبَنِهِ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ مِنْ الرَّضَاعِ لِلضَّرُورَةِ وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْأَنْعَامِ بِدَلِيلِ تَحْرِيمِ لَحْمِهِ تَشْرِيفًا لَهُ نَعَمْ يَنْدَفِعُ الْفَرْقُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا أَرْضَعَتْ كَبِيرًا فَحَرُمَ عَلَيْهَا فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمَا فَعَلَتْ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا عَلَى إلْغَاءِ هَذَا الْفَرْقِ اهـ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَنْدَفِعُ بِذَلِكَ لِجَعْلِ رَضَاعِ الْكَبِيرِ لِقَصْدِ ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ دَاخِلًا فِيمَا اُسْتُثْنِيَ لِلضَّرُورَةِ اهـ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِي الشَّرْطِ الْخَامِسِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ مُقْتَضَى مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ إنَّ هَذَا الشَّرْطَ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ أَيْ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ شَرْطٌ فِي الشِّرَاءِ فِي صِحَّتِهِ دُونَ الْبَيْعِ اهـ. وَأَطْلَقَ الْأَصْحَابُ صِحَّةَ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَشِرَائِهِ وَالْأَصْلُ بَعْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ إثْرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً لَيْسَتْ فِي مِلْكِهِ وَيُوجِبُ عَلَى نَفْسِهِ تَحْصِيلَ ثَمَنِهَا؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ، وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ نَزَلَ ذَلِكَ فَلِرَبِّهَا إمْضَاءُ الْبَيْعِ كَمَنْ غَصَبَ سِلْعَةً وَالْمُشْتَرِي يَعْلَمُ بِالْغَصْبِ وَمَنَعَ أَشْهَبُ ذَلِكَ فِي الْغَصْبِ لِدُخُولِهِمَا عَلَى الْفَسَادِ وَالْغَرَرِ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ أَيْ الْمَنْعُ الْقِيَاسُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَيْ مَسْأَلَتَيْ الْفُضُولِيِّ وَالْغَصْبِ اهـ. قَالَ ظَاهِرٌ، وَهَذَا النَّقْلُ يَقْتَضِي أَنَّ إطْلَاقَ الْأَصْحَابِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي غَيْرَ عَالِمٍ بِعَدَمِ الْمِلْكِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ لَهُ الْإِمْضَاءَ أَمَّا إذَا عَلِمَ أَيْ بِعَدَمِ الْمِلْكِ فَلَا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَيْ، فَلَيْسَ لَهُ الْإِمْضَاءُ اهـ. وَفِي مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ وَمِلْكُ غَيْرِ عَلَى رِضَاهُ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي قَالَ عبق مَا حَاصِلُهُ أَيْ وَتَصَرُّفُ مِلْكِ غَيْرٍ أَيْ فِيهِ أَوَّلُهُ فَيَشْمَلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ كَمَا فِي الْإِرْشَادِ قَالَهُ التَّتَّائِيُّ وَالْمُعْتَمَدُ حُرْمَةُ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ كَمَا قَالَ الْقَرَافِيُّ إنَّهُ الْمَشْهُورُ لَا جَوَازُهُ وَلَا بُدَّ بِهِ كَمَا لِلطَّرَّازِ قَالَهُ الْحَطَّابُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْمَقَاصِدِ وَمَا يُعْلَمُ مِنْ حَالِ الْمَالِكِ إنَّهُ الْأَصْلَحُ لَهُ فَإِذَا تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرٍ فَهُوَ لَازِمٌ مِنْ جِهَتِهِ مُنْحَلٌّ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ فَلَهُ إجَازَتُهُ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ وَيَطْلُبُ الْفُضُولِيَّ فَقَطْ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ بِإِجَازَتِهِ بَيْعَهُ صَارَ وَكِيلًا وَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ وَطُولِبَ بِثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْبَرَاءَةِ وَلَا طَلَبَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَهُ رَدُّهُ لَكِنْ بِالْقُرْبِ فَإِنْ سَكَتَ مَعَ الْعِلْمِ عَامًا فَلَا رَدَّ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا طَلَبُ الثَّمَنِ فَإِنْ سَكَتَ مُدَّةَ الْحِيَازَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ اُنْظُرْ الْحَطَّابَ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِثَلَاثَةِ قُيُودٍ (أَحَدُهَا) أَنْ لَا يَكُونَ الْمَالِكُ حَاضِرًا بَيْعَ الْفُضُولِيِّ فَإِنْ حَضَرَهُ وَسَكَتَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ فَإِنْ سَكَتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ الْحَاضِرِ لَهُ حَتَّى مَضَى عَامٌ وَنَحْوُهُ وَلَمْ يُطَالِبْ بِالثَّمَنِ فَلَا شَيْءَ لَهُ

[الفرق بين قاعدة ما يجوز بيعه جزافا وقاعدة ما لا يجوز بيعه جزافا]

فَيَصِحُّ بَيْعُ التُّرَابِ وَالْمَاءِ وَلَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ قِيَاسًا عَلَى لَبَنِ الْغَنَمِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ حَيَوَانٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ فَيَحْرُمُ أَكْلُهُ فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهُ وَجَوَابُهُ الْقِيَاسُ الْمُتَقَدِّمُ وَفَرَّقَ هُوَ بِشَرَفِ الْآدَمِيِّ وَإِبَاحَةِ لَبَنِهِ هُوَ أَنَّهُ اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ الرَّضَاعُ لِلضَّرُورَةِ وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْأَنْعَامِ بِدَلِيلِ تَحْرِيمِ لَحْمِهِ تَشْرِيفًا لَهُ وَيَنْدَفِعُ الْفَرْقُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا أَرْضَعَتْ كَبِيرًا فَحَرُمَ عَلَيْهَا فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمَا فَعَلَتْ ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا عَلَى إلْغَاءِ هَذَا الْفَرْقِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) ـــــــــــــــــــــــــــــSثُبُوتِ التَّحْرِيمِ دَاخِلًا فِيمَا اُسْتُثْنِيَ لِلضَّرُورَةِ وَمَا قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ حِكَايَةُ أَقْوَالٍ وَتَوْجِيهٌ وَتَرْجِيحٌ لَا كَلَامَ فِيهِ مَعَهُ وَجَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي الْفُرُوقِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ هَذَا صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْبَائِعِ (ثَانِيهَا) فِي غَيْرِ الصَّرْفِ، وَأَمَّا فِيهِ فَيُفْسَخُ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ يُخْبِرْ الْمُصْطَرِفُ (ثَالِثُهَا) فِي غَيْرِ الْوَقْفِ. وَأَمَّا فِيهِ فَبَاطِلٌ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَا وَاقِفِهِ وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ لَهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ فِي شَيْءٍ خَاصٍّ وَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ وَلِوَارِثِهِ مَنْعُ مَنْ يُرِيد إصْلَاحَهُ وَإِنْ تَصَرَّفَ لِمِلْكِ غَيْرٍ أَيْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ وَلَمْ يُجِزْهُ لَزِمَ الشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَرْجِعُ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْبَائِعِ بِمَالِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي أَشْهَدَ أَنَّ الشِّرَاءَ لِفُلَانٍ بِمَالِهِ وَالْبَائِعُ يَعْلَمُ ذَلِكَ أَوْ صَدَقَ الْمُشْتَرِي فِيهِ أَوْ تَقُومُ بَيِّنَةٌ أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ مِلْكٌ لِلْمُشْتَرِي لَهُ فَإِنْ أَخَذَ الْمُشْتَرِي لَهُ مَالَهُ وَلَمْ يُجِزْ الشِّرَاءَ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِيمَا إذَا صُدِّقَ الْبَائِعُ أَنَّهُ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ الْبَائِعَ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْتَقَضْ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الْمَالَ لِلْمُشْتَرِي لَهُ، بَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ اهـ. وَسَلَّمَهُ الْبُنَانِيُّ وَالتَّاوُدِيُّ وَالرَّهُونِيُّ وكنون فَهُوَ الْمَذْهَبُ وَأَصْلُ قَوْلِهِ وَالْمُعْتَمَدُ حُرْمَةُ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ إلَخْ قَوْلُ الْأَصْلِ ظَاهِرُ كَلَامِ الطِّرَازِ الْجَوَازُ لِحَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ الْآتِي وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ النَّدْبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] لَكِنَّ قَوْلَ الْقَاضِي أَيْ عِيَاضٍ فِي التَّنْبِيهَاتِ أَنَّ مَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ كَبَيْعِ الْأُمِّ دُونَ وَلَدِهَا وَبَيْعِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَبَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ اهـ. يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ، بَلْ قَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِالتَّحْرِيمِ مِنْ مَالِكٍ وَالْأَبْهَرِيِّ فِي قَوْلِ الْأَبْهَرِيِّ قَالَ مَالِكٌ يَحْرُمُ بَيْعُ السِّلَعِ أَيَّامَ الْخِيَارِ حَتَّى يَخْتَارَ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَضْمَنْ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَقَرَّرَ مِلْكُهُ عَلَيْهَا قَالَ وَمَعْنَى نَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَضْمَنْ بَيْعَ الْإِنْسَانِ لِمِلْكِ غَيْرِهِ اهـ. وَيُجَابُ عَنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ بِأَنَّ حَالَةَ الصُّحْبَةِ أَوْجَبَتْ الْإِذْنَ بِلِسَانِ الْحَالِ الَّذِي يَقُومُ مَقَامَ التَّوْكِيلِ بِلِسَانِ الْمَقَالِ الْمُوجِبِ لِلْإِبَاحَةِ وَنَفْيِ الْإِثْمِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ مُطْلَقًا اهـ. وَحُجَّةُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ (الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا بَيْعَ وَلَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» (الْأَمْرُ الثَّانِي) قَاعِدَةُ أَنَّ وُجُودَ السَّبَبِ بِكَمَالِهِ بِدُونِ آثَارِهِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِهِ (الْأَمْرُ الثَّالِثُ) الْقِيَاسُ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَوَجْهُ الْفَرْقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ أَنَّ الشِّرَاءَ يَقَعُ لِلْمُبَاشَرَةِ فَيَفْتَقِرُ نَقْلُ الْمِلْكِ إلَى عَقْدٍ آخَرَ، وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ عِنْدَهُ يَقَعُ الْعَقْدُ لَهُ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ بِخِلَافِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ مُخْرِجٌ لِلسِّلْعَةِ لَا جَالِبٌ لَهَا وَأَجَابَ الْمَالِكِيَّةُ عَنْ (الْحَدِيثِ) بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ لَا شَيْءَ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَازِمٌ فِيمَا إلَخْ قُلْنَا بِمُوجِبِهِ وَإِنْ أُرِيدَ لَا شَيْءَ مِنْهَا صَحِيحٌ فِيمَا إلَخْ حَمَلْنَاهُ عَلَى مَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ مُطْلَقٌ فِي الْأَحْوَالِ سَلَّمْنَا عُمُومَهُ فِي الْأَحْوَالِ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «دَفَعَ لِعُرْوَةِ الْبَارِقِيِّ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ أُضْحِيَّةً فَاشْتَرَى بِهِ أُضْحِيَّتَيْنِ، ثُمَّ بَاعَ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجَاءَ بِدِينَارٍ وَأُضْحِيَّةٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي صَفْقَةِ يَمِينِك فَكَانَ إذَا اشْتَرَى التُّرَابَ رَبِحَ» فِيهِ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّهُ تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ، فَيَكُونُ مَشْرُوعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] ، وَعَنْ الْقَاعِدَةِ بِأَنَّهَا تُنْتَقَضُ بِبَيْعِ الْخِيَارِ، وَعَنْ الْقِيَاسِ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ لَا يَقْبَلَانِ الْخِيَارَ فَكَذَلِكَ لَا يَقْبَلَانِ الْإِيقَافَ وَالْبَيْعُ يَقْبَلُ الْخِيَارَ فَيَقْبَلُ الْإِيقَافَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا] (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا) فِي حَاشِيَةِ الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ الْجُزَافُ مُثَلَّثٌ الْجِيمُ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَهُوَ بَيْعُ الشَّيْءِ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا عَدَدٍ اهـ. وَحَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ بَيْعَ الْجُزَافِ بِأَنَّهُ بَيْعُ مَا يُمْكِنُ عِلْمُ قَدْرِهِ دُونَ أَنْ يُعْلَمَ وَالْأَصْلُ مَنْعُهُ وَخُفِّفَ فِيمَا شَقَّ عِلْمُهُ أَوْ قَلَّ جَهْلُهُ اهـ. فَقَوْلُهُ شَقَّ عِلْمُهُ يُرِيدُ فِي الْمَعْدُودِ وَقَلَّ جَهْلُهُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إذْ لَا تُشْتَرَطُ الْمَشَقَّةُ فِيهِمَا كَمَا يَأْتِي اهـ. مِنْهَا بِلَفْظِهَا وَمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا عِبَارَةٌ عَمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ شُرُوطُ جَوَازِهِ وَصِحَّتِهِ مَعًا سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ أَوْ كَانَ مِمَّا يُعَدُّ فَلَا يُعَدُّ مِنْ شُرُوطِ الْجَوَازِ كَوْنُهُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ حَيْثُ عَدَّهُ مِنْ شُرُوطِ الْجَوَازِ. وَقَالَ لَا يَجُوزُ فِي الْمَعْدُودِ غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا أَجَازَ بَيْعَ صِغَارِ الْحِيتَانِ

بَيْعُ الْفُضُولِ فِي الشَّرْطِ الْخَامِسِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ مُقْتَضَى مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ شَرْطٌ فِي الشِّرَاءِ دُونَ الْبَيْعِ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ رَجُلٍ سِلْعَةً لَيْسَتْ فِي مِلْكِهِ وَيُوجِبُ عَلَى نَفْسِهِ تَحْصِيلَ ثَمَنِهَا؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ. وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ نَزَلَ ذَلِكَ فَلِرَبِّهَا إمْضَاءُ الْبَيْعِ كَمَنْ غَصَبَ سِلْعَةً وَالْمُشْتَرِي يَعْلَمُ بِالْغَصْبِ وَمَنَعَ أَشْهَبُ ذَلِكَ فِي الْغَاصِبِ لِدُخُولِهِمَا عَلَى الْفَسَادِ وَالْغَرَرِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قُلْت فَظَاهِرُ هَذَا النَّقْلِ يَقْتَضِي أَنَّ إطْلَاقَ الْأَصْحَابِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي غَيْرَ عَالِمٍ بِعَدَمِ الْمِلْكِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّ لَهُ الْإِمْضَاءَ أَمَّا إذَا عَلِمَ فَلَا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ احْتَجَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا بَيْعَ وَلَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» ؛ وَلِأَنَّ وُجُودَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْعَصَافِيرِ جُزَافًا إذَا ذُبِحَتْ؛ لِأَنَّ الْحَيَّةَ يَدْخُلُ بَعْضُهَا تَحْتَ بَعْضٍ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ يُقْصَدُ كَثْرَتُهُ وَقِلَّتُهُ وَالْمُحَصِّلُ لَهُمَا الْحَزْرُ وَمَا يُقْصَدُ آحَادُ جِنْسِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا كَالثِّيَابِ فَإِنَّ الْغَرَضَ يَتَعَلَّقُ بِثَوْبٍ دُونَ ثَوْبٍ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ بِقَمْحَةٍ دُونَ قَمْحَةٍ، بَلْ الْمَطْلُوبُ الْجِنْسُ وَالْمِقْدَارُ دُونَ الْآحَادِ بِخُصُوصِيَّاتِهَا اهـ. وَإِنْ اقْتَصَرَ الْأَصْلُ عَلَى كَلَامِهِ نَعَمْ يَخْتَصُّ جَوَازُ بَيْعِ الْمَعْدُودِ، وَكَذَا صِحَّتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ عبق وَسَلَّمَهُ الْبُنَانِيُّ وَغَيْرُهُ بِشَرْطَيْنِ ذَكَرَهُمَا خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُعَدَّ بِلَا مَشَقَّةٍ وَلَمْ تَقْصِدْ إفْرَادَهُ إلَّا أَنْ يَقِلَّ ثَمَنُهُ اهـ. قَالَ عبق مَنْطُوقُ قَوْلِهِ وَلَمْ يُعَدَّ بِلَا مَشَقَّةٍ أَنْ يُعَدَّ بِمَشَقَّةٍ اهـ. قَالَ الْبُنَانِيُّ جَرَى عَلَى قَوْلِهِمْ: قَاعِدَةُ النَّفِيَّيْنِ إنْ تَكَرَّرَا ... حَذَفَهُمَا مَنْطُوقُ قَوْلٍ قَدْ جَرَى وَحَذْفُ وَاحِدٍ فَقَطْ مَفْهُومٌ ... فَافْهَمْ فَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَعْلُومُ لَكِنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ لَيْسَتْ عَلَى إطْلَاقِهَا، بَلْ هِيَ مَقْصُورَةٌ عَلَى سَلْبِ السَّلْبِ نَحْوِ لَيْسَ زَيْدٌ لَيْسَ هُوَ بِعَالِمٍ، وَلَيْسَتْ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ إلَّا مِنْ قَبِيلِ السَّالِبَةِ الْمَعْدُولَةِ وَهِيَ الَّتِي جُعِلَ فِيهَا السَّلْبُ جُزْأَهُ مِنْ مَدْخُولِهَا، وَقَدْ صَرَّحُوا أَنَّهَا لَا تَقْتَضِي وُجُودًا لِمَوْضُوعٍ فَمَنْطُوقُهَا أَعَمُّ مِمَّا ذَكَرَهُ لِصِدْقِهِ بِهِ وَيَكُونُ الْمَبِيعُ مِمَّا لَا يُعَدُّ أَصْلًا وَهُوَ صَحِيحٌ اهـ. ثُمَّ قَالَ قَالَ الْقَبَّابُ فِي شَرْحِ بُيُوعِ ابْنِ جَمَاعَةَ مَا نَصُّهُ قَيَّدُوا الْجَوَازَ فِي الْمَعْدُودِ بِمَا تَلْحَقُ الْمَشَقَّةُ فِي عَدِّهِ لِكَثْرَتِهِ وَتَسَاوِي أَفْرَادِهِ كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ أَوْ يَكُونُ الْمَقْصُودُ مَبْلَغَهُ لَا آحَادَهُ كَالْبِطِّيخِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْجُزَافُ فِيهِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ آحَادُهُ وَالنُّصُوصُ بِذَلِكَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ اهـ. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ قَوْلِ سَحْنُونٍ مَا نَصُّهُ قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يُبَاعُ الْجَوْزُ جُزَافًا إذَا بَاعَهُ، وَقَدْ عَرَفَ عَدَدَهُ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُبَاعَ الْقِثَّاءُ جُزَافًا؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ وَيَكُونُ الْعَدْلُ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ عَدَدٍ أَكْبَرَ مِنْ الْعَدْلِ الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ عَدَدًا اهـ. ابْنُ رُشْدٍ مَعْرِفَةُ عَدَدِ الْقِثَّاءِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ جُزَافًا إذْ لَا يُعْرَفُ قَدْرُ وَزْنِهِ بِمَعْرِفَةِ عَدَدِهِ لِاخْتِلَافِهِ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ بِخِلَافِ الْجَوْزِ الَّذِي يَقْرُبُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ وَهَذَا أَهْوَنُ. قَالَ: وَعَلَى ظَاهِرِ ابْنِ بَشِيرٍ يَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَقِلَّ ثَمَنُهُ فَلَهُ جُمْلَةُ ثَمَنِهِ لَا قِلَّةُ ثَمَنِ تَفَاوُتِ الْأَفْرَادِ فِيمَا بَيْنَهَا وَنَصُّهُ الْمَعْدُودَاتُ إنْ قَلَّتْ جَازَ بَيْعُهَا جُزَافًا اهـ. وَهُوَ أَيْضًا ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ بِعَدَدِهِ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ جُزَافًا إلَّا أَنْ يَقِلَّ ثَمَنُ هَذَا النَّوْعِ فَقَدْ وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ جُزَافًا اهـ. قُلْت، بَلْ مَآلُ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا أَجَازَ إلَخْ يَرْجِعُ لِمَا ذُكِرَ مِنْ جَوَابِ بَيْعِ الْمَعْدُودِ جُزَافًا بِزِيَادَةِ الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا يُبَاعُ جُزَافًا مِنْ الْمَعْدُودِ إمَّا أَنْ يُعَدَّ بِمَشَقَّةٍ أَمْ لَا وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يُقْصَدَ أَفْرَادُهُ أَمْ لَا وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَقِلَّ ثَمَنُهَا أَمْ لَا فَمَتَى عُدَّ بِلَا مَشَقَّةٍ لَمْ يَجُزْ جُزَافًا قُصِدَتْ أَفْرَادُهُ أَمْ لَا قَلَّ ثَمَنُهَا أَمْ لَا وَمَتَى عُدَّ بِمَشَقَّةٍ فَإِنْ لَمْ نَقْصِدْ أَفْرَادَهُ جَازَ بَيْعُهُ جُزَافًا قَلَّ ثَمَنُهَا أَمْ لَا وَإِنْ قُصِدَتْ جَازَ جُزَافًا إنْ قَلَّ ثَمَنُهَا وَمُنِعَ إنْ لَمْ يَقِلَّ فَالْمَنْعُ فِي خَمْسَةٍ وَالْجَوَازُ فِي ثَلَاثَةٍ كَمَا فِي عبق وَشُرُوطُ الْجَوَازِ وَالصِّحَّةِ مَعًا فِي الْمَبِيعِ جُزَافًا مُطْلَقًا مَعْدُودًا كَانَ أَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا سَبْعَةٌ وَافَقَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ الْأَصْلُ فِي ثَلَاثَةٍ وَوَافَقَهُ عبق فِي الرَّابِعِ وَزَادَ الْأَصْلُ عَلَيْهِمَا الْخَامِسَ وَزَادَ خَلِيلٌ عَلَى الْأَصْلِ السَّادِسَ وَالسَّابِعَ (الشَّرْطُ الْأَوَّلُ) الرُّؤْيَةُ لِمَبِيعِ الْجُزْءِ فِي حِينِ الْعَقْدِ كَمَا فِي رِوَايَةِ ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَدِينَةِ. وَاعْتَمَدَهُ الْحَطَّابُ وَحُمِلَ عَلَيْهِ قَوْلُ خَلِيلٍ إنْ رَأَى فَقَالَ مُرَادُهُمْ الْمَرْئِيُّ الْحَاضِرُ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ضَيْح وَيَلْزَمُ مِنْ حُضُورِهِ رُؤْيَتُهُ أَوْ رُؤْيَةُ بَعْضِهِ؛ لِأَنَّ الْحَاضِرَ لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالصِّفَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا لِعُسْرِ الرُّؤْيَةِ كَقِلَالِ الْخَلِّ الْمَخْتُومَةِ إذَا كَانَ فِي فَتْحِهَا مَشَقَّةٌ وَفَسَادٌ فَيَجُوزُ بَيْعُهَا دُونَ فَتْحٍ اهـ. وَسَلَّمَهُ الْبُنَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ مُعِينًا لِلْحِسِّ حَتَّى يُسْتَدَلَّ بِظَاهِرِهِ عَلَى بَاطِنِهِ لَا مُطْلَقُ الرُّؤْيَةِ فَلَا تَكْفِي الرُّؤْيَةُ السَّابِقَةُ عَلَى الْعَقْدِ خِلَافًا لِمَا لِابْنِ رُشْدٍ عَنْ الْوَاضِحَةِ نَعَمْ اخْتَلَفَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي بَيْعِ الزَّرْعِ الْقَائِمِ وَالثِّمَارِ فِي رُءُوسِ الْأَشْجَارِ لَا عَلَى الْكَيْلِ بِنَاءً عَلَى قَبُولِ غَيْرِ وَاحِدٍ قَوْلَ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ حَوَائِطُ الثَّمَرِ الْغَائِبَةِ يُبَاعُ ثَمَرُهَا كَيْلًا أَوْ جُزَافًا وَهِيَ عَلَى خَمْسَةِ

السَّبَبِ بِكَمَالِهِ بِدُونِ آثَارِهِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِهِ وَقِيَاسًا عَلَى الطَّلَاقِ وَالْفَرْقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشِّرَاءَ يَقَعُ لِلْمُبَاشِرِ فَيَفْتَقِرُ نَقْلُ الْمِلْكِ إلَى عَقْدٍ آخَرَ، وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ عِنْدَهُ يَقَعُ الْعَقْدُ لَهُ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ بِخِلَافِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ مُخْرِجٌ لِلسِّلْعَةِ لَا جَالِبٌ لَهَا وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ أَوْ نَحْمِلُهُ عَلَى مَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ مُطْلَقٌ فِي الْأَحْوَالِ سَلَّمْنَا عُمُومَهُ فِي الْأَحْوَالِ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «دَفَعَ لِعُرْوَةِ الْبَارِقِيِّ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ أُضْحِيَّةً فَاشْتَرَى بِهِ أُضْحِيَّتَيْنِ، ثُمَّ بَاعَ أَحَدَهُمَا بِدِينَارٍ وَجَاءَ بِدِينَارٍ وَأُضْحِيَّةٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي صَفْقَةِ يَمِينِك فَكَانَ إذَا اشْتَرَى التُّرَابَ رَبِحَ فِيهِ» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّهُ تَعَاوُنٌ عَلَى الْبِرِّ، فَيَكُونُ مَشْرُوعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِبَيْعِ الْخِيَارِ، وَعَنْ الثَّالِثِ الْفَرْقُ بِأَنَّ الطَّلَاقَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيَّامٍ لَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا بِشَرْطٍ اهـ. الْمُقْتَضِي جَوَازُ بَيْعِهَا غَائِبَةً جُزَافًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَيَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي الزَّرْعِ الْغَائِبِ هَلْ هُوَ مِنْ بَيْعِ الْجُزَافِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي شَرَطَ لَهُ أَئِمَّتُنَا الشُّرُوطَ الْمَعْرُوفَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَشُرُوحِهِ أَوْ هُوَ أَصْلٌ مُسْتَقِلٌّ خَارِجٌ عَنْ الْجُزَافِ الْحَقِيقِيِّ وَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ بِالْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّة وَالْمَجَازِ الْعُرْفِيِّ وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَهُوَ كَبَيْعِ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَبِهَذَا الثَّانِي جَزَمَ الرَّهُونِيُّ لِوَجْهَيْنِ (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّهُ يَتَّضِحُ بِهِ مَا. رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْمَدِينَةِ وَسَلَّمَهُ وَيَظْهَرُ وَجْهُهُ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَصْلًا بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَوَّلًا اعْتِرَاضُ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى الْإِمَامِ بِأَنَّ تَفْرِقَتَهُ بَيْنَ حَوَائِطِ الثَّمَرِ الْغَائِبَةِ يَجُوزُ بَيْعُ ثَمَرِهَا جُزَافًا. وَكَذَا الزَّرْعُ الْغَائِبُ وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا إلَّا بِشَرْطِ الرُّؤْيَةِ حِينَ الْعَقْدِ تَفْرِقَةً لَا حَظَّ لَهَا مِنْ النَّظَرِ وَثَانِيًا اعْتِرَاضُ ابْنِ عَرَفَةَ عَلَى أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِهِمْ الرُّؤْيَةَ لِلْجُزَافِ حِينَ الْعَقْدِ مَعَ قَبُولِهِمْ قَوْلَ الْإِمَامِ يَجُوزُ بَيْعُ الزَّرْعِ الْقَائِمِ وَالثَّمَرِ فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ وَذَلِكَ غَائِبٌ تَنَافِيًا قَالَ الرَّهُونِيُّ وَجَوَابُ الْحَطَّابِ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ عَدَمُ حُضُورِ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ حَالَةَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا جُزَافًا لِظُهُورِ التَّغَيُّرِ فِيهِمَا إنْ حَصَلَ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ سَلَّمَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرُّؤْيَةِ حِينَ الْعَقْدِ عِنْدَ مَنْ اشْتَرَطَهَا حُصُولُ الْمَعْرِفَةِ بِالْمَبِيعِ وَانْتِفَاءُ الْجَهَالَةِ عَنْهُ حِينَ حُصُولِ الْعَقْدِ وَانْبِرَامِهِ، وَهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ الصُّبْرَةُ وَالزَّرْعُ الْقَائِمُ وَالثَّمَرَةُ فِي رُءُوسِ الْأَشْجَارِ وَكَوْنُ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ إذَا أُخِذَ مِنْهُمَا شَيْءٌ بَعْدَ الْعَقْدِ يُدْرَكُ بِخِلَافِ الصُّبْرَةِ شَيْءٌ آخَرُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إدْرَاكِ النَّقْصِ فِي الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ إنْ وَقَعَ فِيهِمَا مَعْرِفَةُ قَدْرِهِمَا وَقْتَ الْعَقْدِ وَغَايَةُ مَا يُدْرَكُ إذْ ذَاكَ إنَّ هَذَا الْمَبِيعَ الْآنَ نَقَصَ عَنْ حَالِهِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ عَلَى الْعَقْدِ وَهَلْ الْأَخْذُ مِنْهُمَا وَقَعَ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ وَهَلْ نَقَصَ مِنْهُمَا قَدْرُ وَسْقٍ مَثَلًا أَوْ مَا أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ لَا دَلِيلَ يَدُلُّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَوْ سَلَّمْنَا تَسْلِيمًا جَدَلِيًّا أَنَّهُ يُدْرِكُ بِذَلِكَ قَدْ كَانَا رَمَّا عَلَيْهِ حَالَ الْعَقْدِ مَعْرِفَةً حَادِثَةً مُتَأَخِّرَةً عَنْ الْعَقْدِ وَهِيَ لَا تُفِيدُ قَطْعًا وَلَا يَرْتَفِعُ بِهَا الْفَسَادُ لِلْجَهَالَةِ الْوَاقِعَةِ حِينَ الْعَقْدِ، وَهَذَا أَمْرٌ بَدِيهِيٌّ عِنْدَ مَنْ لَهُ فِي الْإِنْصَافِ أَدْنَى نَصِيبٍ اهـ قَالَ كنون وَفِي نَظَرِهِ نَظَرٌ تَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الرَّهُونِيُّ وَجَوَابُ مَنْ كَتَبَ عَلَى طُرَّةِ ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ اعْتِرَاضِهِ بِمَا نَصُّهُ لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّهَا تُبَاعُ عَلَى رُؤْيَةٍ تَقَدَّمَتْ إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجُزَافِ عَلَى صِفَتِهِ قَالَهُ عِيَاضٌ آخِرَ الْجُعْلِ مِنْ تَنْبِيهَاتِهِ اهـ. وَجَوَابُ شَيْخِنَا حَيْثُ قَالَ بَعْدَ مَا ذَكَرَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ مَا نَصُّهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ رَآهَا قَبْلَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا كَمَا لِابْنِ رُشْدٍ فِي التَّحْصِيلِ وَالْبَيَانِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فَاعْتِرَاضُ ابْنِ عَرَفَةَ مَدْفُوعٌ اهـ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ يَرُدُّ مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مَا لِأَبِي الْحَسَنِ وَنَصُّهُ اُنْظُرْ إنْ كَانَ حَبًّا فَيَجُوزُ عَلَى الْكَيْلِ إذَا كَانَ عَلَى رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ أَوْ صِفَةٍ وَإِنْ كَانَ جُزَافًا لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ اُنْظُرْ تَمَامَهُ اهـ. كُلُّهَا تَرْجِعُ فِي الْمَعْنَى إلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَمَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِابْنِ رُشْدٍ عَنْ الْوَاضِحَةِ مِنْ أَنَّ الرُّؤْيَةَ السَّابِقَةَ عَلَى الْعَقْدِ كَافِيَةٌ فِي بَيْعِ الْجُزَافِ وَبَحْثُ ابْنُ عَرَفَةَ مَبْنِيٌّ عَلَى مُخْتَارِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الرُّؤْيَةِ حِينَ الْعَقْدِ لِأَنَّ لِذَلِكَ تَأْثِيرًا وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْمَدِينَةِ وَعَلَى هَذَا اعْتَمَدَ الْحَطَّابُ وَسَلَّمَهُ الْبُنَانِيُّ وَشَيْخُنَا ج وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْبَحْثَ الْمَبْنِيَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّؤْيَةِ الْوَاقِعَةِ حِينَ الْعَقْدِ لَا يَنْدَفِعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الرُّؤْيَةُ مُطْلَقًا فَالْمُنَافَاةُ حَاصِلَةٌ قَطْعًا لَا تَنْدَفِعُ بِهَا فَكَيْفَ يُحْمَلُ بِمَنْ سَلَّمَ مَا لِلْحَطَّابِ تَبَعًا لِابْنِ عَرَفَةَ أَنْ يُقْبَلَ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ اهـ. وَسَلَّمَهُ كنون (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهِمَا أَمَّا ابْنُ عَرَفَةَ فَإِنَّ حَدَّهُ لِلْجُزَافِ لَا يَصْدُقُ عَلَى مَا ذُكِرَ لِقَوْلِهِ فِي حَدِّهِ بَيْعُ مَا يُمْكِنُ عِلْمُ قَدْرِهِ إلَخْ إذْ لَا يُمْكِنُ عِلْمُ قَدْرِ مَا ذُكِرَ حِينَ الْبَيْعِ وَإِنْ أَمْكَنَ فِي ثَانِي حَالٍ وَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي نَقْلِ التَّوْضِيحِ فَأَمَّا الْمُدَوَّنَةُ فَفِيهَا إلَخْ، وَأَمَّا كَلَامُ غَيْرِهِمَا فَفِي ضَيْح إلَخْ وَسَاقَ النُّصُوصَ عَلَى التَّرْتِيبِ فَانْظُرْهُ (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِيَ وَالْبَائِعُ جَاهِلَيْنِ بِقَدْرِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ لِأَنَّهُ غِشٌّ إذْ عُدُولُهُمَا عَنْ

وَالْعَتَاقَ لَا يَقْبَلَانِ الْخِيَارَ فَكَذَلِكَ لَا يَقْبَلَانِ الْإِيقَافَ وَالْبَيْعُ يَقْبَلُ الْخِيَارَ فَيَقْبَلُ الْإِيقَافَ (فَرْعٌ مُرَتَّبٌ) إذْ قُلْنَا إنَّ بَيْعَ الْفُضُولِ يَصِحُّ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ فَهَلْ يَجُوزُ الْإِقْدَامُ ابْتِدَاءً قَالَ الْقَاضِي فِي التَّنْبِيهَاتِ مَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ لِعَدِّهِ إيَّاهُ مَعَ مَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ. وَقَالَ ذَلِكَ كَبَيْعِ الْأُمِّ دُونَ وَلَدِهَا وَبَيْعِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَبَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ الْجَوَازُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] ، وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ قَالَ مَالِكٌ يَحْرُمُ بَيْعُ السِّلَعِ أَيَّامَ الْخِيَارِ حَتَّى يَخْتَارَ لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَضْمَنْ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ يَحْرُمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَقَرَّرَ مِلْكُهُ عَلَيْهَا قَالَ وَمَعْنَى نَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَضْمَنْ بَيْعَ الْإِنْسَانِ لِمِلْكِ غَيْرِهِ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ مَالِكٍ وَالْأَبْهَرِيِّ بِالتَّحْرِيمِ وَيُجَابُ عَنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ بِأَنَّ حَالَةَ الصُّحْبَةِ أَوْجَبَتْ الْإِذْنَ بِلِسَانِ الْحَالِ الَّذِي يَقُومُ مَقَامَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَيْلِ أَيْ مَعَ عِلْمِهَا بِهِ يُشْعِرُ بِطَلَبِ الْمُغَابَنَةِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ عَلِمَ كَيْلَ طَعَامٍ فَلَا يَبِعْهُ جُزَافًا حَتَّى يُبَيِّنَهُ قَالَ الرَّهُونِيُّ إنَّمَا اُحْتُرِزَ بِهَذَا الشَّرْطِ عَنْ عِلْمِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ بِقَرِينَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مَعْنَوِيَّةٌ وَهِيَ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ كَغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ فِي الصِّحَّةِ فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِرَازُ بِهِ عَنْ عِلْمِهَا مَعًا بِهِ حِينَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْبَيْعِ فِيهَا وَلَا وَجْهَ لَهُ حَتَّى عَلَى حَدِّ غَيْرِ ابْنِ عَرَفَةَ لِلْجُزَافِ وَثَانِيهِمَا لَفْظِيَّةٌ وَهِيَ قَوْلُ خَلِيلٍ فِي مُحْتَرَزِهِ فَإِنْ عُلِمَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ بِعِلْمِ الْآخَرِ بِقُدْرَةٍ خُيِّرَ وَإِنْ أَعْلَمَهُ أَوَّلًا فَسَدَ كَالْمُغْنِيَةِ اهـ. (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنْ يُعْتَادَ الْحَزْرُ فِي ذَلِكَ وَأَنْ يَحْذَرَا بِالْفِعْلِ فَإِنْ لَمْ يُعْتَدْ أَوْ اعْتَادَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي اكْتِفَائِهِ بِالرُّؤْيَةِ فَإِنَّ الرُّؤْيَةَ لَا تَنْفِي الْغَرَرَ فِي الْمِقْدَارِ نَعَمْ قَالَ عبق إنْ اخْتَلَفَتْ عَادَتُهُمَا فِي حَزْرِ قَدْرِ كَيْلِهِ وَوَكَّلَا مَنْ يَحْزِرُهُ بِالْفِعْلِ جَازَ كَذَا يَظْهَرُ اهـ. وَسَلَّمَهُ مَحْشُوَّهُ (الشَّرْطُ الرَّابِعُ) عَدَمُ الْمُزَابَنَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَهِيَ بَيْعُ الْمَعْلُومِ بِالْمَجْهُولِ مِنْ جِنْسِهِ كَبَيْعِ صُبْرَةٍ جِيرٍ أَوْ جِبْسٍ بِمَكِيلَةٍ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ (الشَّرْطُ الْخَامِسُ) نَفْيُ مَا يُتَوَقَّعُ مَعَهُ الرِّبَا فَلَا يُبَاعُ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ جُزَافًا وَلَا طَعَامٌ بِطَعَامٍ مِنْ جِنْسِهِ جُزَافًا (الشَّرْطُ السَّادِسُ) أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا لَا جِدًّا فَإِنْ كَثُرَ جِدًّا بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ حَزْرُهُ أَوْ قَلَّ جِدًّا بِحَيْثُ يَسْهُلُ عَدَدُهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ جُزَافًا، وَأَمَّا مَا قَلَّ جِدًّا بِحَيْثُ يَسْهُلُ كَيْلُهُ أَوْ وَزْنُهُ فَيَجُوزُ جُزَافًا؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ جُزَافًا كَمَا تَقَدَّمَ (الشَّرْطُ السَّابِعُ) أَنْ تَسْتَوِيَ أَرْضُهُ فَإِذَا عَلِمَا أَوَّلًا عَدَمَ الِاسْتِوَاءِ فَسَدَ، وَإِذَا دَخَلَا عَلَى الِاسْتِوَاءِ فَظَهَرَ عَدَمُهُ فَالْخِيَارُ كَمَا فِي الْحَطَّابِ وَالْمَوَّاقِ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وكنون وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا عِبَارَةٌ عَمَّا فَقَدَ وَاحِدًا مِنْ الشُّرُوطِ السَّبْعَةِ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَمِنْ الشُّرُوطِ التِّسْعَةِ مِنْ الْمَعْدُودِ فَتَحَقُّقُ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَعَدَمُ تَحَقُّقِهَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) فِي الشَّرْطِ الْأَوَّلِ قَالَ الْبُنَانِيّ أَحْوَالُ الزَّرْعِ خَمْسَةٌ قَائِمٌ وَغَيْرُ قَائِمٍ وَغَيْرُ الْقَائِمِ إمَّا قَتٌّ وَإِمَّا مَنْفُوشٌ وَإِمَّا فِي تِبْنٍ وَإِمَّا مُخَلَّصٌ وَالْمَبِيعُ إمَّا الْحَبُّ وَحْدَهُ وَإِمَّا السُّنْبُلُ بِمَا فِيهِ مِنْ الْحَبِّ فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ لِحَبٍّ وَحْدَهُ جَازَ جُزَافًا فِي الْمُخَلَّصِ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ لِلْحِسِّ حَتَّى يُسْتَدَلَّ بِظَاهِرِهِ عَلَى بَاطِنِهِ فَيُمْكِنُ حَزْرُهُ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ السُّنْبُلَ بِمَا فِيهِ مِنْ الْحَبِّ جَازَ بَيْعُهُ جُزَافًا فِي الْقَتِّ وَالْقَائِمِ دُونَ الْمَنْفُوشِ وَمَا فِي تِبْنِهِ الْبَاجِيَّ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْرِد الْحِنْطَةَ فِي سُنْبُلِهَا بِالشِّرَاءِ دُونَ السُّنْبُلِ، وَكَذَلِكَ الْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالْبَاقِلَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْرَدَ بِالْبَيْعِ دُونَ قِشْرِهِ عَلَى الْجُزَافِ مَا دَامَ فِيهِ. وَأَمَّا شِرَاءُ السُّنْبُلِ إذَا يَبِسَ وَلَمْ يَنْقَعْهُ الْمَاءَ فَجَائِزٌ، وَكَذَلِكَ الْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالْبَاقِلَّا اهـ. نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي التَّدَاخُلِ وَصَحَّ بَيْعُ ثَمَرٍ وَنَحْوِهِ بَعْدَ إصْلَاحِهِ أَهُوَ فِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ وَالْمَنْفُوشُ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ هُوَ الْمَخْلُوطُ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى سُنْبُلُهُ لِنَاحِيَةٍ كَمَا هُوَ مُحَقَّقٌ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ قَالَ، وَمَنْ خَدَمَ الزَّرْعَ وَمَارَسَ خِدْمَتَهُ عُلِمَ أَنَّ مَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حَقٌّ لَا مَرِيَّةَ فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّ الزَّرْعَ إذَا خُلِطَ فِي الْأَنْدَرِ وَهُوَ الْقَاعَةُ فِي لُغَتِنَا لَا يُمْكِنُ حَزْرُهُ وَالْقَتُّ فِي لُغَتِنَا إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ فَإِذَا جُمِعَ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ فِي مَحَلِّهِ سُمِّيَ مَطًّا فَإِذَا جُعِلَ فِي الْقَاعَةِ سُمِّيَ نَادِرًا وَالْحَزْرُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْقَتِّ كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْهُ اهـ مِنْهُ مُلَخَّصًا بِلَفْظِهِ وَهُوَ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ فَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الصَّوَابَ جَوَازُ بَيْعِ الْقَمْحِ فِي أَنْدَرِهِ قَبْلَ دَرْسِهِ لِأَنَّهُ يُحْزَرُ وَيُرَى سُنْبُلُهُ وَيُعْرَفُ قَدْرُهُ قَالَ وَهُوَ نَقْلُ الْجَلَّابُ عَنْ الْمَذْهَبِ اهـ. إنَّمَا هُوَ فِيمَا يُرَى سُنْبُلُهُ وَهُوَ مَا كَانَ فُرْشَةً وَاحِدَةً أَوْ حُزَمًا أَوْ قَبْضًا بِدَلِيلِ تَعْلِيلِهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يُحْزَرُ إلَخْ وَهُوَ الَّذِي يُفِيدُهُ أَيْضًا نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ عِيَاضٍ وَنَصُّهُ وَالْحَبُّ إذَا اخْتَلَطَ فِي أَنْدَرِهِ وَكَدَسِّ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ قَالَ عِيَاضٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِنْ كَانَ حُزَمًا أَوْ قَبْضًا يَأْخُذُهَا الْحَزْرُ فَقَوْلَانِ وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُبَاعُ الْقَمْحُ فِي أَنْدَرِهِ بَعْدَ مَا يُحْصَدُ فِي تِبْنِهِ وَهُوَ غَرَرٌ ابْنِ رُشْدٍ يُرِيدُ فِي تِبْنِهِ بَعْدَ دَرْسِهِ، وَأَمَّا قَبْلَ دَرْسِهِ فَجَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يُحْزَرُ وَيُرَى سُنْبُلُهُ وَيُعْرَفُ قَدْرُهُ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ. وَقَالَهُ التُّونُسِيُّ وَحَمْلُ غَيْرِ السَّمَاعِ عَلَيْهِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ نَقْلُ الْجَلَّابُ عَنْ

[الفرق بين قاعدة ما يجوز بيعه على الصفة وبين قاعدة ما لا يجوز بيعه على الصفة]

التَّوْكِيلِ بِلِسَانِ الْمَقَالِ الْمُوجِبِ لِنَفْيِ الْإِثْمِ وَالْإِبَاحَةِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ مُطْلَقًا. (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا) فَقَاعِدَةُ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا مَا اجْتَمَعَ فِيهِ شَرَائِطُ سِتَّةٌ أَنْ يَكُونَ مُعَيِّنًا لِلْحِسِّ حَتَّى يُسْتَدَلَّ بِظَاهِرِهِ عَلَى بَاطِنِهِ. (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ جَاهِلَيْنِ بِالْكَيْلِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ لِأَنَّهُ غِشٌّ؛ لِأَنَّ عُدُولَهُمَا عَنْ الْكَيْلِ يُشْعِرُ بِطَلَبِ الْمُغَابَنَةِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ عَلِمَ كَيْلَ طَعَامٍ فَلَا يَبِعْهُ جُزَافًا حَتَّى يُبَيِّنَهُ» (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَا اعْتَادَا الْحَزْرَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَعْتَادَا أَوْ اعْتَادَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي اكْتِفَائِهِ بِالرُّؤْيَةِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا تَنْفِي ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَذْهَبِ اهـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ. فَإِنَّ قَوْلَهُ: وَأَمَّا قَبْلَ دَرْسِهِ فَجَائِزٌ إلَخْ، وَقَوْلُهُ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ، وَقَالَهُ التُّونُسِيُّ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمَا الْقَوْلَانِ فِي كَلَامِ عِيَاضٍ فِيمَا كَانَ حُزَمًا أَوْ قَبْضًا يَأْخُذُهَا الْحَزْرُ وَلِنِسْبَةِ مُقَابِلِ الْجَوَازِ لِلتُّونُسِيِّ وَهُوَ يَقُولُ بِالْمَنْعِ فِيمَا كَانَ حُزَمًا أَوْ قَبْضًا كَمَا فِي ضَيْح عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَبِخِلَافِ الزَّرْعِ قَائِمًا، وَكَذَا مَحْصُودًا عَلَى الْأَشْهَرِ وَنَصُّهُ وَالْأَشْهَرُ فِي الْمَحْصُودِ الْجَوَازُ قِيَاسًا عَلَى الْقَائِمِ، وَقِيلَ بِالْمَنْعِ قِيَاسًا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ حَالَ الدَّرْسِ وَهُوَ قَوْلُ التُّونُسِيِّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْجَوَازَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حُزَمًا أَمْ لَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا كَانَ حُزَمًا فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْإِكْمَالِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا خُلِطَ فِي الْأَنْدَرِ اهـ. وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ نَقْلُ الْجَلَّابُ عَنْ الْمَذْهَبِ وَمُرَادُهُ بِالْأَوَّلِ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ حُزَمًا وَنَحْوَهَا مِمَّا يَأْخُذُهُ الْحَزْرُ بِدَلِيلِ عَزْوِهِ لِلْجَلَّابِ وَنَصَّ الْجَلَّابُ وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الزَّرْعِ إذَا يَبِسَ وَاشْتَدَّ وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ بَعْدَ جِزَازِهِ إذَا كَانَ حُزَمًا اهـ. مِنْهُ بِلَفْظِهِ اهـ. كَلَامُ الرَّهُونِيِّ مُلَخَّصًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ] (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ) وَهُوَ أَنَّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ عَلَى الصِّفَةِ قَالَ إلَّا الْأَصْلُ عِبَارَةً عَمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةُ (شُرُوطٍ الْأَوَّلُ) أَنْ لَا يَكُونَ قَرِيبًا جِدًّا تُمْكِنُ الرُّؤْيَةُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ كَأَنْ يَكُونَ بِبَلَدِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ عُدُولٌ عَنْ الْيَقِينِ إلَى تَوَقُّعِ الْغَرَرِ (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ لَا يَكُونَ بَعِيدًا جِدًّا لِتَوَقُّعِ تَغَيُّرِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ يَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُهُ الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَصِفَهُ بِصِفَاتِهِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ الْأَغْرَاضُ بِهَا وَهِيَ شُرُوطُ التَّسْلِيمِ لِيَكُونَ مَقْصُودُ الْمَالِيَّةِ حَاصِلًا اهـ. وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ لَكِنْ الَّذِي يُفِيدُهُ قَوْلُ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ أَوْ وَصَفَهُ غَيْرُ بَائِعِهِ إنْ لَمْ يَعُدْ كَخُرَاسَانَ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ وَلَمْ تُمْكِنْ رُؤْيَتُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ اهـ. أَنَّ شُرُوطَ الْجَوَازِ الْمُعْتَمَدَةَ اثْنَانِ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فِي كَلَامِ الْأَصْلِ وَإِنَّ اشْتِرَاطَ أَنْ يَكُونَ الْوَاصِفُ لَهُ غَيْرَ بَائِعِهِ ضَعِيفٌ فَقَدْ قَالَ عبق وَالرَّهُونِيُّ فِي حَلِّهِ قَوْلُهُ أَوْ وَصْفُهُ غَيْرَ بَائِعه هُوَ مَصْدَرٌ مَجْرُورٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الْمَصْدَرِ قَبْلَهُ فَهُوَ مَدْخُولٌ لِلنَّفْيِ أَيْ وَجَازَ بَيْعُ غَائِبٍ، وَلَوْ بِلَا وَصْفِهِ غَيْرِ بَائِعِهِ بِأَنْ وَصَفَهُ بَائِعُهُ وَمَا ذَهَبَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي ضَيْح هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَأَخَذَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ الْعَطَّارِ وَبِهِ الْعَمَلُ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْعُتْبِيَّةِ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يُوثَقُ بِصِفَتِهِ إذْ قَدْ يُقْصَدُ الزِّيَادَةُ فِي الصِّفَةِ لِتُنْفَقَ سِلْعَتُهُ اهـ. مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ اهـ. فَالْمُصَنِّفُ رَدَّ بِلَوْ عَلَى مَنْ قَالَ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَجَاوَزُ فِي وَصْفِهِ لِنِفَاقِ سِلْعَتِهِ اهـ. وَتَعَقَّبَهُ عبق وَالرَّهُونِيُّ فِي قَوْلِهِ وَلَمْ تُمْكِنْ رُؤْيَتُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ فَقَالَ الرَّهُونِيُّ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَعَ قَبُولِهِ فِي ضَيْح قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَالْأَشْهَرُ الْجَوَازُ أَيْ جَوَازُ بَيْعِ غَيْرِ حَاضِرٍ مَجْلِسَ الْعَقْدِ بِالصِّفَةِ، وَلَوْ بِالْبَلَدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي إحْضَارِهِ مَشَقَّةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ اهـ. وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنَ فِي التَّوْضِيحِ الْمَوَاضِعِ الْخَمْسَةِ وَكُلُّهَا تُقَيِّدُ مَا قَالُوهُ إلَّا الْأَوَّلُ مِنْهَا فِي كَلَامِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَفِي آخِرِ السَّلَمِ الثَّالِثِ وَإِنْ بِعْت مِنْ رَجُلٍ رِطْلَ حَدِيدٍ بِعَيْنِهِ فِي بَيْتِك، ثُمَّ افْتَرَقْتُمَا قَبْلَ قَبْضِهِ وَزِنَتِهِ جَازَ ذَلِكَ اهـ فَإِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْهُ إذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ وَقَعَ عَلَى رِطْلٍ مُعَيَّنٍ سَبَقَتْ رُؤْيَتُهُ فَتَأَمَّلْهُ اهـ. كَلَامُ الرَّهُونِيِّ بِتَوْضِيحٍ. وَأَمَّا حَاضِرُ مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهِ إلَّا مَا فِي فَتْحِهِ ضَرَرًا وَفَسَادًا كَمَا مَرَّ اهـ. عبق، وَأَمَّا شَرْطُ أَنْ يَصِفَهُ بِصِفَاتِهِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ الْأَغْرَاضُ بِهَا فَلَمْ يَعُدُّوهُ مِنْ شُرُوطِ الْجَوَازِ كَمَا فَعَلَ الْأَصْلُ، بَلْ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ يُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ بَيْعِ الْغَائِبِ وَصْفُهُ بِمَا تَخْتَلِفُ الْأَغْرَاضُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ فِي السَّلَمِ الْمَقِيسِ هَذَا عَلَيْهِ اهـ. كَمَا فِي الْبُنَانِيِّ عَنْ الرَّمَاصِيِّ. وَقَدْ قَالَ حَفِيدِ بْنِ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ التَّقْدِيرَ فِي السَّلَمِ يَكُونُ بِالْوَزْنِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الْوَزْنُ وَبِالْكَيْلِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الْكَيْلُ وَبِالذَّرْعِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الذَّرْعُ وَبِالْعَدَدِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الْعَدَدُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فِيهِ أَحَدُ هَذِهِ التَّقْدِيرَاتِ انْضَبَطَ بِالصِّفَاتِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ الْجِنْسِ مِنْ ذِكْرِ الْجِنْسِ إنْ كَانَ

الْغَرَرَ فِي الْمِقْدَارِ (الشَّرْطُ الرَّابِعُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَلَا يَجُوزُ فِي الْمَعْدُودِ غَيْرَ أَنَّ مَالِكًا أَجَازَ بَيْعَ صِغَارِ الْحِيتَانِ وَالْعَصَافِيرِ جُزَافًا إذَا ذُبِحَتْ؛ لِأَنَّ الْحَيَّةَ يَدْخُلُ بَعْضُهَا تَحْتَ بَعْضٍ وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ يُقْصَدُ كَثْرَتُهُ وَقِلَّتُهُ وَالْمُحَصِّلُ لَهُمَا الْحَزْرُ وَمَا يُقْصَدُ آحَادُ جِنْسِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ جُزَافًا كَالثِّيَابِ فَإِنَّ الْغَرَضَ يَتَعَلَّقُ بِثَوْبٍ دُونَ ثَوْبٍ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ بِقَمْحَةٍ دُونَ قَمْحَةٍ، بَلْ الْمَطْلُوبُ الْجِنْسُ وَالْمِقْدَارُ دُونَ الْآحَادِ بِخُصُوصِيَّاتِهَا (الشَّرْطُ الْخَامِسُ) نَفْيُ مَا يُتَوَقَّعُ مَعَهُ الرِّبَا فَلَا يُبَاعُ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ جُزَافًا وَلَا طَعَامٌ بِطَعَامٍ مِنْ جِنْسِهِ جُزَافًا (الشَّرْطُ السَّادِسُ) عَدَمُ الْمُزَابَنَةِ كَبَيْعِ صُبْرَةِ جِيرٍ أَوْ جِبْسٍ بِمَكِيلَةٍ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لِلْمَعْلُومِ بِالْمَجْهُولِ مِنْ جِنْسِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْمُزَابَنَةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا، وَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ جَازَ الْبَيْعُ جُزَافًا وَمَتَى فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا امْتَنَعَ الْبَيْعُ جُزَافًا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنْوَاعًا مُخْتَلِفَةً أَوْ مَعَ تَرْكِهِ إنْ كَانَ وَاحِدًا اهـ. مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ شَرْطًا فِي اللُّزُومِ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي الْجَوَازِ فَافْهَمْ، وَقَدْ قَالَ الْأَصْلُ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْجِنْسَ أَيْ مَعَ صِفَاتِ الْمَقْصُودَةِ فِيمَا كَانَ أَنْوَاعًا مُخْتَلَّةً بِأَنْ يَقُولَ ثَوْبٌ أَوْ عَبْدٌ امْتَنَعَ إجْمَاعًا وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْجِنْسِ فَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا عَيَّنَهُ بِمَكَانِهِ فَقَطْ فَيَقُولُ بِعْتُك ثَوْبًا فِي مَخْزَنِي بِالْبَصْرَةِ أَوْ بِعْتُك مَا فِي كُمِّي وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ، وَمَنْعُ بَيْعِ ثَوْبٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَجَازَهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطِ وَالرَّابِعُ إذَا انْضَافَ إلَيْهَا غَرَرٌ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَكَذَلِكَ أَجَازَ خِيَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَطْ وَمَنَعَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الِاقْتِصَارَ عَلَى الْجِنْسِ فَقَطْ لِبُعْدِ الْعَقْدِ عَنْ اللُّزُومِ بِسَبَبِ تَوَقُّعِ مُخَالَفَةِ الْغَرَضِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ وَوَافَقَ مَالِكٌ وَابْنُ حَنْبَلٍ أَبَا حَنِيفَةَ عَلَى الْجَوَازِ إذَا أَضَافَ لِلْجِنْسِ صِفَاتِ السَّلَمِ إلَّا أَنَّهُمَا أَلْزَمَا الْبَيْعَ إذَا رَآهُ مُوَافِقًا وَأَثْبَتَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ الْخِيَارَ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ وَإِنْ وَافَقَ الصِّفَةَ وَمُنِعَ بَيْعُ الْحَيَوَانِ عَلَى الصِّفَةِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ بِالصِّفَةِ وَهِيَ سَبَبُ نَفَاسَتِهِ وَخَسَاسَتِهِ وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ صِحَّةَ بَيْعِ الْغَائِبِ بِالصِّفَةِ مُطْلَقًا وَبِالْجُمْلَةِ فَالصِّفَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ تُوجِبُ الصِّحَّةَ دُونَ اللُّزُومِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تُوجِبُهَا مُطْلَقًا، وَعِنْدَنَا تُوجِبُهُمَا مُطْلَقًا اهـ، وَقَالَ حَفِيدِ بْنِ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَبِيعٍ غَائِبٍ أَوْ مُتَعَذِّرِ الرُّؤْيَةِ فَقَالَ قَوْمٌ بَيْعُ الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ لَا وُصِفَ وَلَا لَمْ يُوصَفْ، وَهَذَا أَشْهَرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَعْنِي أَنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُجَوِّزُ بَيْعَ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ مِمَّا يُؤْمَنُ أَنْ تَتَغَيَّرَ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِ صِفَتِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ مِنْ غَيْرِ صِفَةٍ، ثُمَّ لَهُ إذَا رَآهَا الْخِيَارُ فَإِنْ شَاءَ أَنْفَذَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَكَذَلِكَ الْمَبِيعُ عَلَى الصِّفَةِ مِنْ شَرْطِهِ عِنْدَهُمْ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَإِنْ جَاءَ عَلَى الصِّفَةِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ إذَا جَاءَ عَلَى الصِّفَةِ فَهُوَ لَازِمٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ أَصْلًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَيْ عَلَى الصِّفَةِ وَعَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَذْهَبِ يَجُوزُ بَيْعُ الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ صِفَةٍ عَلَى شَرْطِ الْخِيَارِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَقَعَ ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَنْكَرَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَقَالَ هُوَ مُخَالِفٌ لِأُصُولِنَا اهـ. لَكِنْ قَالَ عبق أَوْ أَبَاعَهُ عَلَى خِيَارِهِ بِالرُّؤْيَةِ مِنْ غَيْرِ وَصْفٍ وَلَا تَقَدُّمُ رُؤْيَةٍ فَلَا يَجُوزُ، وَلَوْ بَعُدَ جِدًّا اُنْظُرْ الْحَطَّابَ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ قَالَ الْحَطَّابُ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وضيح مَا نَصُّهُ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمَا إنَّ ذَلِكَ مَعَ الصِّفَةِ. وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ الْوَصْفِ إذَا بِيعَ بِالْخِيَارِ فَلَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ اهـ. وَتَبِعَهُ أَبُو عَلِيٍّ قَائِلًا مَا نَصُّهُ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الْمُقَدِّمَاتِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ اهـ. وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ هُوَ قَوْلُهُ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي مُقَدِّمَاتِهِ وَبَيْعُ الْغَائِبِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ جَائِزٌ مَا لَمْ يَتَفَاحَشْ بَعْدَهُ اهـ. وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا شَيْئًا اهـ. كَلَامُ أَبِي عَلِيٍّ بِلَفْظِهِ فَانْظُرْ كَيْفَ يَكُونُ كَلَامُ الْمُقَدِّمَاتِ هَذَا دَلِيلًا عَلَى مَا زَعَمَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ أَيْ عَدَمُ الْبُعْدِ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ شَرْطًا فِي بَيْعِ الْخِيَارِ الْحَقِيقِيِّ مَعَ أَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى جَوَازِهِ فَكَيْفَ بِهَذَا الْخِيَارِ الَّذِي مَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِيهِ فِي الْمَذْهَبِ مَا قَدْ عَلِمْت مِنْ ظُهُورِ وَجْهِ مَنْعِهِ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ بِالْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ عَنْ مَحَالِّهَا وَعَبَثٌ وَأَفْعَالُ الْعُقَلَاءِ تُصَانُ عَنْهُ وَقِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى بَيْعِ الْحَاضِرِ بِخِيَارٍ لَهُمَا لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْبُنَانِيُّ أَشَارَ إلَى صِحَّتِهِ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ بَيْعِ الْخِيَارِ بِمَنْزِلَةِ جَعْلِهِ لَهُمَا لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْخِيَارِ الْمَجْعُولِ لَهُمَا مَعًا لَيْسَ فِيهَا غَرَرٌ وَالتَّأْخِيرُ فِيهَا لِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ بِاخْتِيَارِهِمَا فَعَلَاهُ لِمَصْلَحَةِ التَّرَوِّي وَهُمَا حِينَ الْعَقْدِ قَادِرَانِ عَلَى بَتِّهِ وَإِمْضَائِهِ وَمَا مِنْ لَحْظَةٍ تَمْضِي بَعْدَ الْعَقْدِ إلَّا وَهُمَا قَادِرَانِ فِيهَا عَلَى إبْرَامِهِ وَإِمْضَائِهِ فَالتَّأْخِيرُ حَقٌّ لَهُمَا لَا حَقٌّ لِلَّهِ فِيهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَهُمَا مَمْنُوعَانِ لِحَقِّ اللَّهِ مِنْ إمْضَائِهِ حَالَ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ إلَّا إذَا حَصَلَتْ الرُّؤْيَةُ فَافْتَرَقَا فَتَأَمَّلْهُ بِإِنْصَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ هُوَ الْمَذْهَبُ بِشَرْطِ عَدَمِ الْبُعْدِ جِدًّا وَلَا عِبْرَةَ بِإِنْكَارِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ وَصَفَهُ بِصِفَاتِهِ الْمَقْصُودَةِ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ لَا فِي الْجَوَازِ فَتَنَبَّهْ قَالَ الْأَصْلُ وَحُجَّةُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرْبَعَةُ أُمُورٍ (الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) إنَّ الْجَهْلَ إنَّمَا وَقَعَ فِي الصِّفَاتِ

(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ) فَقَاعِدَةُ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ أَنْ لَا يَكُونَ قَرِيبًا جِدًّا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَإِنَّهُ عُدُولٌ عَنْ الْيَقِينِ إلَى تَوَقُّعِ الْغَرَرِ وَأَنْ لَا يَكُونَ بَعِيدًا جِدًّا لِتَوَقُّعِ تَغَيُّرِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ يَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُهُ. الشَّرْطُ الثَّالِثُ أَنْ يَصِفَهُ بِصِفَاتِهِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ الْأَغْرَاضُ بِهَا وَهِيَ شُرُوطُ التَّسْلِيمِ لِيَكُونَ مَقْصُودُ الْمَالِيَّةِ حَاصِلًا فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْجِنْسَ بِأَنْ يَقُولَ ثَوْبٌ أَوْ عَبْدٌ امْتَنَعَ إجْمَاعًا وَإِنْ ذَكَرَ الْجِنْسَ جَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا عَيَّنَهُ بِمَكَانِهِ فَقَطْ، فَيَقُولُ بِعْتُك ثَوْبًا فِي مَخْزَنِي بِالْبَصْرَةِ أَوْ بِعْتُك مَا فِي كُمِّي وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ، وَمَنَعَ بَيْعَ ثَوْبٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَجَازَهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطِ، وَالرَّابِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQدُونَ الذَّوَاتِ وَنَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْمَجْهُولِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا جُهِلَتْ ذَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالذَّاتِ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ تَبَعٌ لِلذَّاتِ (وَجَوَابُهُ) إنَّ تَفَاوُتَ الْمَالِيَّةِ إنَّمَا هُوَ بِتَفَاوُتِ الصِّفَاتِ دُونَ الذَّوَاتِ وَمَقْصُودُ الشَّرْعِ حِفْظُ الْمَالِ عَنْ الضَّيَاعِ (الْأَمْرُ الثَّانِي) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ» (وَجَوَابُهُ) الدَّارَقُطْنِيُّ هُوَ مَوْضُوعٌ (الْأَمْرُ الثَّالِثُ) إنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الصِّفَةُ كَالنِّكَاحِ وَبَاطِنِ الصُّبْرَةِ وَالْفَوَاكِهِ فِي قِشْرِهَا (وَجَوَابُهُ) إنَّا نَقْلِبُهُ عَلَيْهِمْ فَنَقُولُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ كَالنِّكَاحِ وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِانْتِفَاءِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَالَ بِاشْتِرَاطِ الصِّفَةِ فَنَشْتَرِطُ، ثُمَّ الْفَرْقُ سُتْرَةُ الْمُخَدَّرَاتِ عَنْ الْكَشْفِ لِكُلِّ خَاطِبٍ لِئَلَّا يَتَسَلَّطَ عَلَيْهِنَّ السُّفَهَاءُ وَبَاطِنُ الصُّبْرَةِ مُسَاوٍ لِظَاهِرِهَا وَالْعِلْمُ بِأَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ عِلْمٌ بِالْآخَرِ، وَلَيْسَتْ صِفَاتُ الْمَبِيعِ مُسَاوِيَةً لِجِنْسِهِ (الْأَمْرُ الرَّابِعُ) الْقِيَاسُ عَلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ أَوْصَافِهِ (وَجَوَابُهُ) أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ دَفْعٌ لِلضَّرَرِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمْرَانِ (الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) الْقِيَاسُ عَلَى السَّلَمِ فِي الْمُعَيَّنِ وَإِنْ وُصِفَ (وَجَوَابُهُ) الْفَرْقُ بِأَنَّ مِنْ شَرْطِ السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ وَالْمُعَيَّنُ لَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَآهُ وَأَسْلَمَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ (الْأَمْرُ الثَّانِي) نَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْعَ الْمَجْهُولِ (وَجَوَابُهُ) بِوَجْهَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّ الصِّفَةَ تَنْفِي الْجَهَالَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89] فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ لِأَجْلِ الْإِحَاطَةِ بِصِفَتِهِ فِي كُتُبِهِمْ (الْوَجْهُ الثَّانِي) الْقِيَاسُ عَلَى السَّلَمِ اهـ. أَيْ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي السَّلَمِ فِيهِ أَنْ يَصِفَهُ بِصِفَاتِهِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ الْأَغْرَاضُ بِهَا كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ الْمُتَقَدِّمُ، وَقَالَ حَفِيدُ ابْنِ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ وَسَبَبُ الْخِلَافِ أَيْ الْمَذْكُورِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ هَلْ نُقْصَانُ الْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالصِّفَةِ عَنْ الْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْحِسِّ هُوَ جَهْلٌ مُؤَثِّرٌ فِي بَيْعِ الشَّيْءِ، فَيَكُونُ مِنْ الْغَرَرِ الْكَثِيرِ أَمْ لَيْسَ بِمُؤَثِّرٍ وَأَنَّهُ مِنْ الْغَرَرِ الْيَسِيرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ رَآهُ مِنْ الْغَرَرِ الْكَثِيرِ وَمَالِكٌ رَآهُ مِنْ الْغَرَرِ الْيَسِيرِ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ رَأَى أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ أَنَّهُ لَا غَرَرَ هُنَاكَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ رُؤْيَةٌ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَرَأَى أَنَّ الْجَهْلَ الْمُقْتَرِنَ بِعَدَمِ الصِّفَةِ مُؤَثِّرٌ فِي انْعِقَادِ الْمَبِيعِ وَلَا خِلَافَ عِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ الصِّفَةَ إنَّمَا تَنُوبُ عَنْ الْمُعَايَنَةِ لِمَكَانِ غَيْبَةِ الْمَبِيعِ أَوْ لِمَكَانِ الْمَشَقَّةِ الَّتِي فِي نَشْرِهِ وَمَا يُخَافُ أَنْ يَلْحَقَهُ مِنْ الْفَسَادِ بِتَكْرَارِ النَّشْرِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا أَجَازَ الْبَيْعَ عَلَى الْبَرْنَامَجِ عَلَى الصِّفَةِ وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ بَيْعُ السِّلَاحِ فِي جِرَابِهِ وَلَا الثَّوْبُ الْمَطْوِيُّ فِي طَيِّهِ حَتَّى يُنْشَرَ أَوْ يُنْظَرَ إلَى مَا فِي جِرَابِهَا وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِدْنَا أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَبَايَعَا حَتَّى نَعْلَمَ أَيَّهُمَا أَعْظَمَ جِدًّا فِي التِّجَارَةِ فَاشْتَرَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَرَسًا بِأَرْضٍ لَهُ أُخْرَى بِأَرْبَعِينَ أَلْفًا أَوْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ فَذَكَرَ تَمَامَ الْخَبَرِ وَفِيهِ بَيْعُ الْغَائِبِ مُطْلَقًا وَلَا بُدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْجِنْسِ وَيَدْخُلُ الْبَيْعُ عَلَى الصِّفَةِ أَوْ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ غَائِبٌ غَرَرٌ آخَرُ وَهُوَ هَلْ هُوَ مَوْجُودٌ وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ مَعْدُومٌ وَلِذَلِكَ اشْتَرَطُوا فِيهِ أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْمُونًا كَالْعَقَارِ وَمِنْ هَاهُنَا أَجَازَ مَالِكٌ بَيْعَ الشَّيْءِ بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ أَعْنِي إذَا كَانَ مِنْ الْقُرْبِ بِحَيْثُ يُؤْمَنُ أَنْ تَتَغَيَّرَ فِيهِ صِفَتُهُ فَأَعْلَمَهُ اهـ. وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ عَلَى الصِّفَةِ عِبَارَةٌ عَمَّا فَقَدَ وَاحِدًا مِنْ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا لِلْأَصْلِ وَابْنِ الشَّاطِّ وَعَمَّا فَقَدَ شَرْطًا أَنْ لَا يَكُونَ بَعِيدًا جِدًّا كَخُرَاسَانَ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ بِأَنْ يَكُونَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ بِحَيْثُ يُؤْمَنُ أَنْ تَتَغَيَّرَ فِيهِ صِفَتُهُ عَلَى مَا حَقَّقْته وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ حَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي قَدَّمْته فَتَحَقَّقَ الثَّلَاثَةُ الشُّرُوطُ الَّتِي فِي كَلَامِ الْأَصْلِ أَوْ هَذَا الشَّرْطُ فَقَطْ وَعَدَمُ تَحَقُّقِ ذَلِكَ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْأَصْلُ حَيْثُ اشْتَرَطْنَا الصِّفَاتِ فِي الْغَائِبِ وَالسَّلَمِ كَانَ الْمُعْتَبَرُ أَنْ يُنَزَّلَ كُلُّ وَصْفٍ عَلَى أَدْنَى رُتْبَةٍ يَصْدُقُ مُسَمَّاهُ لُغَةً عَلَيْهَا لِعَدَمِ انْضِبَاطِ مَرَاتِبِ الْأَوْصَافِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ لِلْخِصَامِ وَالْقِتَالِ وَالْجَهَالَةِ بِالْمَبِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[الفرق بين قاعدة تحريم بيع الربوي بجنسه وبين قاعدة عدم تحريم بيعه بجنسه]

إذَا انْضَافَ إلَيْهَا غَرَرٌ ضَرُورَةً، وَكَذَلِكَ أَجَازَ خِيَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَطْ مَنْعُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْجِنْسِ فَقَطْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِبُعْدِ الْعَقْدِ عَنْ اللُّزُومِ بِسَبَبِ تَوَقُّعِ مُخَالَفَةِ الْغَرَضِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فَإِنْ أَضَافَ لِلْجِنْسِ صِفَاتِ السَّلَمِ جَوَّزَهُ مَالِكٌ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَوَافَقَاهُ عَلَى الْجَوَازِ وَأَلْزَمَا الْبَيْعَ إذْ رَآهُ مُوَافِقًا وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ الصِّحَّةَ لِلْغَرَرِ وَأَثْبَتَ لَهُ الْخِيَارَ أَبُو حَنِيفَةَ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ وَإِنْ وَافَقَ الصِّفَةَ وَمَنَعَ بَيْعَ الْحَيَوَانِ عَلَى الصِّفَةِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ بِالصِّفَةِ وَهِيَ سَبَبُ نَفَاسَتِهِ وَخَسَاسَتِهِ فَالصِّفَةُ عِنْدَهُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ تُوجِبُ الصِّحَّةَ دُونَ اللُّزُومِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تُوجِبُهُمَا، وَعِنْدَنَا تُوجِبُهُمَا حُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْجَهْلَ إنَّمَا وَقَعَ فِي الصِّفَاتِ دُونَ الذَّوَاتِ، وَنَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْمَجْهُولِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا جُهِلَتْ ذَاتُهُ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَحْرِيمِ بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ تَحْرِيمِ بَيْعِهِ بِجِنْسِهِ] (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَحْرِيمِ بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ تَحْرِيمِ بَيْعِهِ بِجِنْسِهِ) وَاتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ إذَا كَانَ الرِّبَوِيَّانِ مُسْتَوِيَيْنِ فِي الْمِقْدَارِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا وَلَا مَعَ أَحَدِهِمَا عَيْنٌ أُخْرَى وَلَا جِنْسٌ آخَرُ وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى الْمَنْعِ إذَا كَانَ الرِّبَوِيَّانِ مُسْتَوِيَيْنِ فِي الْمِقْدَارِ وَمَعَ أَحَدِهِمَا عَيْنٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّهَا تُقَابِلُ مِنْ أَحَدِهِمَا جُزْءًا فَيَبْقَى أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ بِالضَّرُورَةِ فَيَذْهَبُ مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِينَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا اتَّحَدَ جِنْسُ الرِّبَوِيِّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَكَانَ مَعَهُمَا أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا جِنْسٌ آخَرُ يَمْتَنِعُ حِينَئِذٍ الْبَيْعُ أَوْ يَجُوزُ فَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُحْتَجِّينَ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ الْمُضَافَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَابِلَهُ مِنْ الْآخَرِ مَا لَا يَبْقَى بَعْدَ الْمُقَابَلَةِ إلَّا أَقَلُّ مِنْ مُسَاوِي الْمُضَافِ إلَيْهِ وَالْمُمَاثَلَةِ إلَيْهِ وَالْمُمَاثَلَةُ شَرْطٌ وَالْجَهْلُ بِالشَّرْطِ يُوجِبُ الْجَهْلَ بِالْمَشْرُوطِ فَلَا يَقْضِي بِالصِّحَّةِ (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى التَّفَاضُلِ فَيَجِبُ سَدُّهَا لَا سِيَّمَا، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» فَجَعَلَ الْجَمِيعَ عَلَى الْمَنْعِ إلَّا فِي حَالَةِ الْمُمَاثَلَةِ وَهَذِهِ الْحَالَةُ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ فَوَجَبَ بَقَاؤُهَا عَلَى الْمَنْعِ (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) فِي مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ أُتِيَ بِقِلَادَةٍ وَهُوَ بِخَيْبَرَ فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ فَمَنَعَ بَيْعَهَا حَتَّى تُفْصَلَ» وَذَهَبَ إلَى الثَّانِي أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِنَاءً عَلَى أَمْرَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّ ظَاهِرَ حَالِ الْمُسْلِمِينَ يَقْتَضِي الظَّنَّ بِحُصُولِ الْمُمَاثَلَةِ وَالظَّنُّ كَافٍ فِي ذَلِكَ كَالطَّهَارَاتِ وَغَيْرِهَا وَأَجَابَ الْحَنَفِيَّةُ (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ قَضِيَّةَ الْقِلَادَةِ وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْمَنْعُ فِيهَا لِمَا ذُكِرَ أَيْ مِنْ أَنَّ الْمُضَافَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَابِلَهُ مِنْ الْآخَرِ مَا لَا يَبْقَى بَعْدَ الْمُقَابَلَةِ إلَّا أَقَلُّ مِنْ مُسَاوِي الْمُضَافِ إلَيْهِ إلَخْ، بَلْ؛ لِأَنَّ الْحُلِيَّ الَّذِي كَانَ فِيهَا كَانَ مَجْهُولَ الزِّنَةِ وَنَحْنُ لَا نُجِيزُهُ مَعَ الْجَهْلِ بِالزِّنَةِ فَإِذَا فُصِلَتْ الْقِلَادَةُ وَوُزِنَتْ عُلِمَ وَزْنُهَا فَجَازَ بَيْعُهَا فَلِمَ، قُلْتُمْ أَنَّ الْمَنْعَ مَا كَانَ لِذَلِكَ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْأَوَّلِ إنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الظَّنَّ يَكْفِي فِي الْمُمَاثَلَةِ فِي بَابِ الرِّبَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِشَهَادَةِ الْمِيزَانِ وَالْمِكْيَالِ وَبَابُ الرِّبَا أَضْيَقُ مِنْ بَابِ الطَّهَارَةِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ (وَعَنْ الْأَمْرِ الثَّانِي) بِأَنَّا لَمْ نَقُلْ إنَّ الْمَنْعَ فِي قَضِيَّةِ الْقِلَادَةِ كَانَ؛ لِأَنَّ الْحُلِيَّ الَّذِي كَانَ فِيهَا كَانَ مَجْهُولَ الزِّنَةِ، بَلْ قُلْنَا إنَّ الْمَنْعَ فِيهَا كَانَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ اعْتِمَادًا عَلَى حَدِيثِ «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ» إلَخْ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْمُمَاثَلَةِ الَّذِي مُفَادُ الْحَدِيثِ اشْتِرَاطُهَا فِي جَوَازِ الْبَيْعِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ فَوَجَبَ بَقَاؤُهَا عَلَى الْمَنْعِ كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَجُوزَ بَيْعُ دِينَارٍ فِي قِرْطَاسٍ بِدِينَارَيْنِ لِاحْتِمَالِ مُقَابَلَةِ الدِّينَارِ الزَّائِدِ بِالْقِرْطَاسِ وَهُوَ قَدْ جَوَّزَهُ وَهُوَ شَنِيعٌ فَتَأَمَّلْ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تُسَمَّى بِمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) قَالَ حَفِيدُ بْنُ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي السَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ الْمُحَلَّى يُبَاعُ بِالْفِضَّةِ وَفِيهِ حِلْيَةٌ فِضَّةٌ أَوْ بِالذَّهَبِ وَفِيهِ حِلْيَةٌ ذَهَبٌ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِجَهْلِ الْمُمَاثَلَةِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي بَيْعِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ فِي ذَلِكَ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ قِيمَةُ مَا فِيهِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ الثُّلُثَ فَأَقَلَّ جَازَ بَيْعُهُ أَعْنِي بِالْفِضَّةِ إنْ كَانَتْ حِلْيَتُهُ فِضَّةً أَوْ بِالذَّهَبِ إنْ كَانَتْ حِلْيَتُهُ ذَهَبًا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ قَلِيلَةً لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً فِي الْبَيْعِ وَصَارَتْ كُلُّهَا هِبَةً. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ السَّيْفِ الْمُحَلَّى بِالْفِضَّةِ إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ أَكْثَرَ مِنْ الْفِضَّةِ الَّتِي فِي السَّيْفِ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ فِي بَيْعِ السَّيْفِ الْمُحَلَّى بِالذَّهَبِ؛ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ الْفِضَّةَ فِيهِ أَوْ الذَّهَبَ يُقَابِلُ مِثْلَهُ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ الْمُشْتَرَاةِ بِهِ وَيَبْقَى الْفَضْلُ قِيمَةُ السَّيْفِ وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ عُمُومُ الْأَحَادِيثِ وَالنَّصُّ الْوَارِدُ فِي ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ فَضَالَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ «أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِخَيْبَرَ بِقِلَادَةٍ فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ وَهِيَ مِنْ الْمَغَانِمِ تُبَاعُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ يُنْزَعُ وَحْدَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ

[الفرق بين قاعدة ما يتعين من الأشياء وقاعدة ما لا يتعين في البيع ونحوه]

بِالذَّوَاتِ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ تَبَعٌ لِلذَّاتِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ» ؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الصِّفَةُ كَالنِّكَاحِ وَبَاطِنِ الصُّبْرَةِ وَالْفَوَاكِهِ فِي قِشْرِهَا وَقِيَاسًا عَلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ أَوْصَافِهِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ تَفَاوُتَ الْمَالِيَّةِ إنَّمَا هُوَ بِتَفَاوُتِ الصِّفَاتِ دُونَ الذَّوَاتِ وَمَقْصُودُ الشَّرْعِ حِفْظُ الْمَالِ عَنْ الضَّيَاعِ، وَعَنْ الثَّانِي قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هُوَ مَوْضُوعٌ، وَعَنْ الثَّالِثِ إنَّا نَقْلِبُهُ عَلَيْهِمْ فَنَقُولُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ كَالنِّكَاحِ وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِانْتِفَاءِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَالَ بِاشْتِرَاطِ الصِّفَةِ فَتُشْتَرَطُ، ثُمَّ الْفَرْقُ سُتْرَةُ الْمُخَدَّرَاتِ عَنْ الْكَشْفِ لِكُلِّ خَاطِبٍ لِئَلَّا يَتَسَلَّطَ عَلَيْهِنَّ السُّفَهَاءُ وَبَاطِنُ الصُّبْرَةِ مُسَاوٍ لِظَاهِرِهَا، وَلَيْسَتْ صِفَاتُ الْمَبِيعِ مُسَاوِيَةً لِجِنْسِهِ وَالْعِلْمُ بِأَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ عِلْمٌ بِالْآخَرِ (وَعَنْ الرَّابِعِ) أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ» خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ اهـ. مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتَعَيَّنُ مِنْ الْأَشْيَاءِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ] (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّمَانُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتَعَيَّنُ مِنْ الْأَشْيَاءِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ) (قَالَ) الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَبِيعُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ سَلَمٌ فِي الذِّمَّةِ وَغَائِبٌ عَلَى الصِّفَةِ وَحَاضِرٌ مُعَيَّنٌ اهـ. أَيْ مُتَعَلِّقُ الْعُقُودِ بَيْعَهَا أَوْ نَحْوَهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الْمُعَيَّنُ وَغَيْرُهُ وَاَلَّذِي فِيهِ شَبَهٌ مِنْهُمَا (فَالسَّلَمُ فِي الذِّمَّةِ) هُوَ الْمُتَعَلِّقُ الْغَيْرُ الْمُعَيَّنِ إذْ هُوَ أَشْخَاصٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكُلِّيِّ وَلِذَلِكَ صَحَّ الْوَفَاءُ بِأَيِّ فَرْدٍ كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ إذَا وَافَقَ الصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةَ فِي الْعَقْدِ وَالْأَرْجَحُ بِفَرْدِ غَيْرِهِ وَتَبَيَّنَّا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بَاقٍ فِي الذِّمَّةِ إلَى الْآنَ حَتَّى يُقْبَضَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فَرْدٌ مُطَابِقٌ لِلصِّفَاتِ فِي الْعَقْدِ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَالْغَائِبُ عَلَى الصِّفَةِ) هُوَ الْمُتَعَلِّقُ الَّذِي فِيهِ شَبَهٌ بِالْمُعَيَّنِ وَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ غَيْرُ مَرْئِيٍّ أَشْبَهَ مَا فِي الذِّمَّةِ وَلِذَلِكَ قِيلَ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ عَلَى جِنْسٍ، بَلْ عَلَى مُشَخَّصٍ مُعَيَّنٍ أَشْبَهَ الْمُعَيَّنَ وَلِذَلِكَ قِيلَ ضَمَانُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي قَالَهُ الْأَصْلُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْغَائِبَ الْمَبِيعَ مُعَيَّنٌ، وَأَمَّا كَوْنُ ضَمَانِهِ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ الْمُبْتَاعِ فَلِأُمُورٍ غَيْرِ كَوْنِهِ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَمَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ (وَالْحَاضِرُ الْمُعَيَّنُ) هُوَ الْمُتَعَلِّقُ الْمُعَيَّنُ أَيْ مُشَخَّصُ الْجِنْسِ وَخَاصَّتُهُ أَنَّهُ إذَا فَاتَ ذَلِكَ الْمُشَخَّصُ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ اتِّفَاقًا لَكِنْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي صُورَتَيْنِ اُسْتُثْنِيَتَا مِنْ قَاعِدَةِ الْمُشَخَّصَاتِ (الصُّورَةُ الْأُولَى) أَنْ يَكُونَ لَك دَيْنٌ عَلَى أَحَدٍ فَتَأْخُذُ فِيهِ سُكْنَى دَارٍ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ أَوْ ثَمَرَةٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ إنْ كَانَ الْمَفْسُوخُ فِيهِ مُعَيَّنًا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ أَوْ مَنَافِعُ مُعَيَّنٌ وَأَجْرَاهُ مَجْرَى فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ لِأَجْلِ صُورَةِ التَّأْخِيرِ فِي الْقَبْضِ أَيْ إمَّا فِي الْكُلِّ وَإِمَّا فِي الْأَجْزَاءِ وَإِنْ عَيَّنَ مَحَلَّ الْمُعَاوَضَةِ أَيْ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ. وَقَالَ أَشْهَبُ يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَفْسُوخُ فِيهِ مُعَيَّنًا أَوْ مَنَافِعُ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّ الْمُعَيَّنَ لَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ وَمَا لَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ لَا يَكُونُ، فَلَيْسَ هَاهُنَا فَسْخُ الدَّيْنِ وَهُوَ أَوْجَهُ كَمَا فِي الْأَصْلِ وَوَافَقَهُ ابْنُ الشَّاطِّ قَالَ عبق؛ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ إذَا أُسْنِدَتْ لِمُعَيَّنٍ أَشْبَهَتْ الْمُعَيَّنَاتِ الْمَقْبُوضَةَ وَصَحَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَالدَّيْنِ يَمْنَعُ فَسْخَ الدَّيْنِ فِيهَا لَامْتَنَعَ اكْتِرَاؤُهَا بِدَيْنٍ وَالْمَذْهَبُ جَوَازُهُ، وَكَذَا شِرَاؤُهَا بِهِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمَوَّاقِ اهـ. قَالَ الدُّسُوقِيُّ، وَقَدْ كَانَ عج يَعْمَلُ بِهِ فَكَانَتْ لَهُ حَانُوتٌ سَاكِنٌ فِيهَا مُجَلِّدٌ يُجَلِّدَ الْكُتُب فَكَانَ إذَا تَرَتَّبَ لَهُ جَرَّةٌ فِي ذِمَّتِهِ يَسْتَأْجِرُهُ بِهَا عَلَى تَسْفِيرِ كُتُبٍ وَكَانَ يَقُولُ هَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ وَصَحَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ رُشْدٍ اهـ. عَلَى أَنَّ الْبُنَانِيَّ قَالَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا يَمْنَعُ ابْنُ الْقَاسِمِ فَسْخَ الدَّيْنِ فِي مَنَافِعِ الْمُعَيَّنِ فِي الِاخْتِيَارِ، وَأَمَّا فِي الضَّرُورَةِ فَهُوَ عِنْدَهُ جَائِزٌ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِي صَحْرَاءَ وَلَا يَجِدُ كِرَاءً وَيَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ فَيَجُوزُ لَهُ أَخْذُ مَنَافِعِ دَابَّةٍ عَنْ دَيْنِهِ قَالَهُ فِي رَسْمِ السَّلَمِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ الْبُيُوعِ اهـ. مِنْهُ بِلَفْظِهِ قَالَ عبق وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَنْعِ بَيْنَ كَوْنِ الدَّيْنِ حَالًا أَوْ مُؤَجَّلًا وَإِذْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَنَافِعِ تُسْتَوْفَى مِنْ الْمُعَيَّنِ قَبْلَ حُلُولِهِ أَوْ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ بِقُرْبِ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ، بَلْ فِي الْمَوَّاقِ إنَّ ابْنَ سِرَاجٍ قَالَ لَمْ يَجْعَلْ فِي الْمُدَوَّنَةِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ أَجَلًا فَيَجُوزُ فَسْخُ الدَّيْنِ فِي خِدْمَةِ الْمُعَيَّنِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ، وَقَدْ رَشَّحَهُ أَيْ رَجَّحَهُ ابْنُ يُونُسَ وَمِنْهُ يُسْتَفَادُ جَوَازُ مَنْ لَهُ عِنْدَ شَخْصٍ دَيْنٌ فَيَقُولُ لَهُ اُحْرُثْ مَعِي الْيَوْمَ أَوْ تَنْسِجُ مَعِي الْيَوْمَ وَأُعْطِيك مِمَّا عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ فِي نَظِيرِ هَذَا دِرْهَمًا، وَكَذَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي زَمَنٍ كَثِيرٍ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ أَنْ يَقْتَطِعَ لَهُ أُجْرَةً مِمَّا عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يُقَاصَّهُ مِمَّا تَرَتَّبَ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَلَمْ يَكُنْ يَخْفَى عَلَى ابْنِ رُشْدٍ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَمَا خَالَفَهُ إلَّا لِظُهُورِهِ أَيْ قَوْلُ

الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ دَفْعٌ لِلضَّرَرِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ مَا لَا ضَرَرَ فِيهِ حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقِيَاسُ عَلَى السَّلَمِ فِي الْمُعَيَّنِ وَإِنْ وُصِفَ وَنَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْمَجْهُولِ (وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ) الْفَرْقُ بِأَنَّ مِنْ شَرْطِ السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ وَالْمُعَيَّنُ لَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ لَوْ رَآهُ وَأَسْلَمَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ (وَعَنْ الثَّانِي) أَنَّ الصِّفَةَ تَنْفِي الْجَهَالَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89] فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ لِأَجْلِ الْإِحَاطَةِ بِصِفَتِهِ فِي كُتُبِهِمْ وَقِيَاسًا عَلَى السَّلَمِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ فَمَتَى فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَهُوَ مِمَّا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ (تَنْبِيهٌ) حَيْثُ اشْتَرَطْنَا الصِّفَاتِ فِي الْغَائِبِ أَوْ السَّلَمِ فَيُنَزَّلُ كُلُّ وَصْفٍ عَلَى أَدْنَى رُتْبَةٍ وَصِدْقِ مُسَمَّاهُ لُغَةً لِعَدَمِ انْضِبَاطِ مَرَاتِبِ الْأَوْصَافِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فَيُؤَدِّي ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَشْهَبَ عِنْدَهُ اهـ بِاخْتِصَارٍ وَبَعْضِ إيضَاحٍ قُلْت وَبِهَذَا يَخْرُجُ عَنْ حُرْمَةِ تَقْلِيدِ الضَّعِيفِ لِمَا رَجَّحَهُ الْأَشْيَاخُ وَصَحَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَأَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ وَلَعَلَّ وَجْهَ ظُهُورِهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ وَإِنَّمَا فِيهِ الْمُقَاصَّةُ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ يُقَاصُّهُ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ لَا يُخَالِفُ فِي هَذِهِ حَيْثُ لَا شَرْطَ وَلَا عُرْفَ وَلَا نَوَى الِاقْتِطَاعَ وَلَكِنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ فَتْوَى ابْنِ رُشْدٍ جَوَازُهُ مَعَ نِيَّةِ الِاقْتِطَاعِ أَيْضًا حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْهُ اهـ كَلَامُ عبق بِتَصَرُّفٍ مَا. وَتَعَقَّبَ الْبُنَانِيُّ قَوْلَهُ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْمَوَّاقِ، بَلْ هُوَ تَحْرِيفٌ لِكَلَامِهِ وَنَصُّهُ وَكَانَ ابْنُ سِرَاجٍ يَقُولُ إذْ خَدَمَ مَعَك مَنْ لَك عَلَيْهِ دَيْنٌ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَك أَنْ تُقَاصَّهُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ قَالَ وَبِهَذَا أَفْتَى ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ لِظُهُورِهِ عِنْدَهُ إذْ مَا كَانَ ابْنُ رُشْدٍ يَخْفَى عَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مُوَافَقَتِهِ لِابْنِ الْقَاسِمِ لَا مُخَالَفَتِهِ لَهُ تَأَمَّلْهُ اهـ. وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وكنون وَلَمْ يُسَلِّمَا تَعَقَّبَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَخْ بِأَنَّ الَّذِي فِي الْمَوَّاقِ مِنْ نَقْلِ ابْنِ يُونُسَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْمَدِينِ فِي الْيَسِيرِ وَالدَّيْنِ لَمْ يَحِلَّ جَائِزٌ وَإِنْ حَلَّ فَلَا يَجُوزُ فِي يَسِيرٍ وَلَا كَثِيرٍ اهـ. بَلْ قَالَا لَيْسَ فِي نَقْلِ الْمَوَّاقُ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَلَا فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ مَا ذَكَرَهُ الْبُنَانِيُّ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. قَالَ عبق وَاتَّفَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَلَى مَنْعِ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي مَنَافِعَ مَضْمُونَةٍ كَرُكُوبِ دَابَّةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَسُكْنَى دَارٍ كَذَلِكَ قَالَهُ الشَّارِحُ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الدَّارَ وَالْحَانُوتَ لَا بُدَّ مِنْ تَعَيُّنِهَا فِي الْكِرَاءِ، وَلَوْ اكْتَرَيَا بِالنَّقْدِ اهـ. مِنْ عج تَبَعًا لِبَعْضِ الشَّارِحِينَ أَيْ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى أَنْ تَكُونَ مَضْمُونَةً، وَقَدْ يُقَالُ لَا مَانِعَ كَمَا يُفِيدُهُ مَا مَرَّ فِي الْحَجِّ مِنْ قَوْلِهِ فَالْمَضْمُونَةُ كَغَيْرِهِ وَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَإِنْ ضُمِنَتْ فَجِنْسٌ اهـ. لَكِنْ قَالَ الْبُنَانِيُّ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ وَمَا سَيَأْتِي كِلَاهُمَا فِي غَيْرِ الرُّبَاعِ وَسَيَقُولُ وَعَيْنُ مُتَعَلِّمٍ وَرَضِيعٍ وَدَارٍ وَحَانُوتٍ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ، وَقَدْ يُقَالُ لَا مَانِعَ إلَخْ اهـ. وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وكنون (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) النُّقُودُ إذَا شُخِّصَتْ وَتَعَيَّنَتْ لِلْحِسِّ بِدُونِ أَنْ تَخْتَصَّ بِصِفَةِ الْحُلِيِّ أَوْ رَوَاجِ السِّكَّةِ أَوْ نَحْوِهِمَا فَفِي تَعَيُّنِهَا وَعَدَمِ تَعَيُّنِهَا أَقْوَالٌ ثَالِثُهَا إنْ شَاءَ بَائِعُهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْلَكُ بِهَا لِقَابِضِهَا الْأَوَّلِ نَسَبَهُ الْأَصْلُ لِلشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَالثَّانِي نَسَبَهُ لِمَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - وَالثَّالِثُ لَمْ يَنْسُبْهُ لِأَحَدٍ قَالَ، وَأَمَّا إذَا اخْتَصَّ النَّقْدُ بِصِفَةِ نَحْوِ الْحُلِيِّ أَوْ رَوَاجِ السِّكَّةِ فَإِنَّهَا تَتَعَيَّنُ اتِّفَاقًا وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ (الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) إنَّ غَرَضَهُ مُتَعَلِّقٌ بِهَا عِنْدَ الْفَلْسِ وَالنَّقْدِ الْمُعَيَّنِ آكَدُ مِنْ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ لِتَشَخُّصِهِ فَإِذَا تَعَيَّنَ النَّقْدَانِ فِي الذِّمَّةِ وَجَبَ أَنْ يَتَعَيَّنَا إذَا شُخِّصَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُفْلِسَ نَادِرٌ وَالنَّادِرُ مُلْحَقٌ بِالْغَالِبِ فِي الشَّرْعِ. (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَيَّنُ فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَيَّنَ النَّقْدَانِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الدَّيْنِ (وَجَوَابُهُ) أَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا تَعَيَّنَ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الذِّمَمَ تَخْتَلِفُ بِاللَّدَدِ وَقُرْبِ الْإِعْسَارِ فَلِذَلِكَ تَعَيَّنَ الدَّيْنُ، وَلَوْ حَصَلَ فِي النَّقْدِ اخْتِلَافٌ لَتَعَيَّنَتْ أَيْضًا اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْكَلَامُ عِنْدَ عَدَمِ الِاخْتِلَافِ أَيْ فَالْقِيَاسُ عَلَى الدَّيْنِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ فَلَا يَصِحُّ (الْأَمْرُ الثَّالِثُ) أَنَّ ذَوَاتَ الْأَمْثَالِ كَأَرْطَالِ الزَّيْتِ مِنْ خَابِيَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَقْفِزَةِ الْقَمْحِ مِنْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِيَّاتِهَا غَرَضٌ، بَلْ كُلُّ قَفِيزٍ مِنْهَا يَسُدُّ مَسَدَّ الْآخَرِ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَوْ بَاعَهُ قَفِيزًا مِنْ أَقْفِزَةٍ كِيلَتْ مِنْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ رِطْلًا مِنْ أَرْطَالِ زَيْتٍ وُزِنَتْ مِنْ جَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَهُ مَوْرِدَ الْعَقْدِ وَعَيَّنَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إبْدَالُهُ بِغَيْرِهِ، بَلْ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ مَعَ عَدَمِ الْغَرَضِ فَكَذَلِكَ النَّقْدَانِ (وَجَوَابُهُ) أَنَّ السِّلَعَ وَإِنْ كَانَتْ ذَوَاتَ أَمْثَالٍ فَإِنَّهَا مَقَاصِدُ وَالنَّقْدَانِ وَسِيلَتَانِ لِتَحْصِيلِ الْمُثَمَّنَاتِ وَالْمَقَاصِدُ أَشْرَفُ مِنْ الْوَسَائِلِ إجْمَاعًا فَلِشَرَفِهَا اُعْتُبِرَ تَشْخِيصُهَا فَأَثَّرَتْ بِشَرَفِهَا فِي تَعْيِينِ تَشْخِيصِهَا بِخِلَافِ الْوَسَائِلِ فَإِنَّهَا لِضَعْفِهَا لَمْ يُعْتَبَرْ تَشْخِيصُهَا فَلَمْ تُؤَثِّرْ بِضَعْفِهَا فِي تَعْيِينِ تَشْخِيصِهَا إذَا قَامَ غَيْرُهَا مَقَامَهَا وَلَمْ يَخْتَصَّ بِمَعْنًى فِيهَا فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ مِنْ السِّلَعِ وَبَيْنَ النَّقْدَيْنِ

ذَلِكَ لِلْخِصَامِ وَالْقِتَالِ وَالْجَهَالَةِ بِالْمَبِيعِ. (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَحْرِيمِ بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ تَحْرِيمِ بَيْعِهِ بِجِنْسِهِ) مَتَى اتَّحَدَ جِنْسُ الرِّبَوِيِّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَكَانَ مَعَهُمَا أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا جِنْسٌ آخَرُ امْتَنَعَ الْبَيْعُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَجَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتُسَمَّى هَذِهِ الْقَاعِدَةُ بِمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَشَنَّعَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ عَلَى أَصْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بَيْعُ دِينَارٍ بِدِينَارَيْنِ فِي قِرْطَاسٍ لِاحْتِمَالِ مُقَابَلَةِ الدِّينَارِ الزَّائِدِ بِالْقِرْطَاسِ وَهُوَ قَدْ جَوَّزَهُ وَهُوَ شَنِيعٌ لَنَا أَنَّ الْمُضَافَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَابِلَهُ مِنْ الْآخَرِ مَا لَا يَبْقَى بَعْدَ الْمُقَابَلَةِ إلَّا أَقَلُّ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا قِيَاسَ مَعَ الْفَارِقِ وَيَتَّضِحُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِثَلَاثِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) مُقْتَضَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ خُصُوصَ النَّقْدَيْنِ لَا يُمْلَكُ أَلْبَتَّةَ وَلَا يَتَنَاوَلُهُ عَقْدٌ وَإِنَّمَا الْمُعَامَلَاتُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْجِنْسِ وَالْمِقْدَارِ فَقَطْ بِخِلَافِ خُصُوصِيَّاتِ الْمِثْلِيَّاتِ، وَقَدْ انْبَنَى عَلَى ذَلِكَ فُرُوعٌ. (مِنْهَا) أَنَّهُ إذَا غَصَبَ غَاصِبٌ دِينَارًا لَا يَتَمَكَّنُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مِنْ طَلَبِ خُصُوصِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الزِّنَةَ وَالْجِنْسَ دُونَ الْخُصُوصِ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يُعْطِيَهُ دِينَارًا غَيْرَهُ وَإِنْ كَرِهَ رَبَّهُ إذَا كَانَ الدِّينَارُ الَّذِي يُعْطِيهِ الْغَاصِبُ حَلَالًا مُسَاوِيًا لِلسِّكَّةِ وَلِلْمَقَاصِدِ فِي الدِّينَارِ الْمَغْصُوبِ (وَمِنْهَا) أَنَّهُ إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ بِعْنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ هَذِهِ السِّلْعَةَ فَبَاعَهُ إيَّاهَا بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ دَفْعِهِ وَيُعْطِيَهُ غَيْرَهُ (وَمِنْهَا) أَنَّ الْعُقُودَ فِي النَّقْدَيْنِ لَا تَتَنَاوَلُ إلَّا الذِّمَّةَ خَاصَّةً عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ، وَمَنْ وَافَقَهُمَا فَلَا فَرْقَ عِنْدَهُمَا بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ بِعْنِي بِدِرْهَمٍ وَبَيْنَ قَوْلِهِ بِعْنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ وَيُعَيِّنُهُ إذْ الْعَقْدُ فِي الصُّورَتَيْنِ إنَّمَا يَرِدُ عَلَى الذِّمَّةِ دُونَ مَا عُيِّنَ نَعَمْ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَإِنْ كَانَتْ نُصُوصُهُمْ تَقْتَضِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُمْ إذَا قِيلَ لَهُمْ إنَّ خُصُوصَ النَّقْدَيْنِ لَا تَمْلِكُهُ وَإِنَّ خُصُوصَ كُلِّ دِينَارٍ لَا يَمْلِكُ قَدْ يَسْتَشْنِعُونَ ذَلِكَ وَيُنْكِرُونَهُ وَهُوَ لَازِمُ مَذْهَبِهِمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ النَّقْدَانِ يَتَعَيَّنَانِ بِالْيَقِينِ فِي الصَّرْفِ عِنْدَ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ تَعَيَّنَتْ بِالْقَبْضِ وَبِالْمُفَارَقَةِ وَلِذَلِكَ جَازَ الرِّضَى بِالزَّائِفِ بِالصَّرْفِ اهـ. وَقَالَ سَنَدٌ فِي الطِّرَازِ إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ النَّقْدَانِ فَالْعَقْدُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ التَّسْلِيمَ وَالْقَبْضَ، وَإِذَا صَرَفَ رَدِيئًا، وَقَدْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ فَيَفْسُدُ فَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّ الْقَبْضَ يُبْرِئُ الذِّمَّةَ وَتَعَيَّنَ صَحَّ الْعَقْدُ وَالطَّارِئُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ اسْتِحْقَاقٍ أَوْ عَيْبٍ فَهُوَ حُكْمٌ مُتَجَدِّدٌ لِنَفْيِ الظُّلَامَةِ كَعَقْدِ النِّكَاحِ مُبْرِمٌ لِلْمِيرَاثِ وَحِلِّ الْوَطْءِ. وَإِذَا ظَهَرَ بَعْدَ الْمَوْتِ عَيْبٌ بِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ يُوجِبُ الرَّدَّ فَإِذَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ بَقِيَ الْعَقْدُ عَلَى حَالِهِ وَإِنْ كَرِهَ الْآخَرُ وَإِنْ أَرَادَ الْبَدَلَ مَنَعَهُ مَالِكٌ إلَّا أَنْ يُدَلِّسَ بَائِعُهُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْعَبْدَلِيُّ لَا تَتَعَيَّنُ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ الصَّرْفِ وَالْكِرَاءِ اهـ وَاسْتِثْنَاءُ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ يَحُوجُ إلَى ذِكْرِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْمَسَائِلِ وَهُوَ أَنْ يَصْعُبَ فِي الصَّرْفِ إذْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا قَالَ فِيهِ مَالِكٌ بِالتَّعْيِينِ لِضِيقِ بَابِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ فِيهِ بِسُرْعَةِ الْقَبْضِ نَاجِزًا وَالتَّعْيِينُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَحْصُلُ الْجَزْمُ بِالْقَبْضِ وَالتَّنَاجُزِ فَيَحْصُلُ مَقْصُودُ الْقَبْضِ نَاجِزًا يُنَاسِبُ الضِّيقَ بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا إنَّ الصَّرْفَ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا، فَيَكُونُ هَذَا الْقَبْضُ مُبَرِّئً لِمَا فِي الذِّمَّةِ وَأَنْ لَا يَكُونَ مُوَافِقًا فَلَا يَكُونُ مُبَرِّئً لَكِنَّ الْفَرْقَ يَصْعُبُ فِي الْكِرَاءِ إذْ غَايَةُ مَا يُقَالُ فِيهِ إنَّ الْكِرَاءَ يَرِدُ عَلَى الْمَنَافِعِ الْمَعْدُومَةِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ النَّقْدَانِ مُعَيَّنَيْنِ فِيهِ، بَلْ كَانَا فِي الذِّمَّةِ وَالْكِرَاءِ أَيْضًا فِي الذِّمَّةِ لَكَانَ يُشْبِهُ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ حَرَامٌ بِخِلَافِ جَمِيعِ الْأَعْيَانِ فَإِنَّهَا تَتَعَيَّنُ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْكِرَاءَ يَجُوزُ عَلَى الذِّمَّةِ تَصْرِيحًا وَيُعَيِّنُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلْيُطْلَبْ لَهُ فَرْقٌ يَلِيقُ بِهِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا جَرَى غَيْرُ النَّقْدَيْنِ مِنْ الْعُرُوضِ مَجْرَاهُمَا فِي الْمُعَامَلَةِ كَالْفُلُوسِ أَوْ غَيْرِهِمَا كَالنَّوْطِ قَالَ سَنَدٌ مَنْ أَجْرَى الْفُلُوسَ مَجْرَى النَّقْدَيْنِ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا جَعَلَهَا كَالنَّقْدَيْنِ وَمَنَعَ الْبَدَلَ فِي الصَّرْفِ إذَا وَجَدَ بَعْضَهَا رَدِيئًا وَقَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا اشْتَرَيْت فُلُوسًا بِدَرَاهِمَ فَوَجَدْت بَعْدَ التَّفَرُّقِ بَعْضَ الْفُلُوسِ رَدِيئًا اسْتَحَقَّ الْبَدَلَ لِلْخِلَافِ فِيهَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْفُلُوسَ يُكْرَهُ الرِّبَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ التَّحْرِيمُ وَالْإِبَاحَةُ وَالْكَرَاهَةُ اهـ. كَلَامُ الْأَصْلِ بِتَصَرُّفٍ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ عَرْضٍ جَرَى مَجْرَى النَّقْدَيْنِ فِي الْمُعَامَلَةِ كَالْفُلُوسِ النُّحَاسِ وَوَرَقِ النَّوْطِ يَتَحَقَّقُ فِيهِ وَجْهَانِ وَجْهُ كَوْنِهِ كَالْعَرْضِ فَقَطْ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ رِبَوِيٍّ قَالَ الدُّسُوقِيُّ عَلَى الدَّرْدِيرِ عَلَى مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ. وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعَلَيْهِ يُقَالُ فِي بَيْعِ الْفُلُوسِ السَّحَاتِيتِ الْمُتَعَامَلِ بِهَا بِالْفُلُوسِ الدِّيوَانِيَّةِ إنْ تَمَاثَلَا عَدَدًا فَأَجِزْ وَإِنْ جُهِلَ عَدَدُ كُلٍّ فَإِنْ زَادَ أَحَدُهُمَا زِيَادَةً تَنْفِي الْمُزَابَنَةَ فَأَجِزْ وَإِلَّا فَلَا اهـ الْمُحْتَاجُ مِنْهُ بِتَصَرُّفٍ وَهُوَ أَيْضًا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ. وَالْقَوْلُ الْمُقَابِلُ لِلصَّحِيحِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ، وَمَنْ يَقُولُ بِهَذَا الْقَوْلِ مِنْ الْحَنَابِلَةِ

مُسَاوِي الْمُضَافِ إلَيْهِ وَالْمُمَاثَلَةُ شَرْطٌ وَالْجَهْلُ بِالشَّرْطِ يُوجِبُ الْجَهْلَ بِالْمَشْرُوطِ فَلَا يَقْضِي بِالصِّحَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ لِلتَّفَاضُلِ وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى الْمَنْعِ إذَا كَانَ الرِّبَوِيَّانِ مُسْتَوِيَيْنِ فِي الْمِقْدَارِ وَمَعَ أَحَدِهِمَا عَيْنٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّهَا تُقَابِلُ مِنْ أَحَدِهِمَا جُزْءًا فَيَبْقَى أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ بِالضَّرُورَةِ فَيَذْهَبُ مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِينَ وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ أُتِيَ بِقِلَادَةٍ وَهُوَ بِخَيْبَرَ فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ فَمَنَعَ بَيْعَهَا حَتَّى تُفْصَلَ» وَهُوَ يُبْطِلُ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ مُضَافًا إلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَأَجَابُوا بِأَنَّ قَضِيَّةَ الْقِلَادَةِ وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ الْمَنْعُ فِيهَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ، بَلْ لِأَنَّ الْحُلِيَّ الَّذِي كَانَ فِيهَا كَانَ مَجْهُولَ الزِّنَةِ وَنَحْنُ لَا نُجِيزُهُ مَعَ الْجَهْلِ بِالزِّنَةِ فَإِذَا فُصِلَتْ الْقِلَادَةُ وَوُزِنَتْ عُلِمَ وَزْنُهَا فَجَازَ بَيْعُهَا فَلِمَ، قُلْتُمْ إنَّ الْمَنْعَ مَا كَانَ لِذَلِكَ وَالْعُمْدَةُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقُولُونَ بِوُجُوبِ زَكَاةِ قِيمَتِهِ عَلَى التَّاجِرِ مُطْلَقًا، وَلَوْ مُحْتَكِرًا. وَأَمَّا عِنْدَنَا فَقَالَ الشَّيْخُ عُلَيْش فِي فَتَاوِيهِ إنَّ وَرَقَ النَّوْطِ وَالْفُلُوسَ النُّحَاسَ الْمَخْتُومَةَ بِخَتْمِ السُّلْطَانِ الْمُتَعَامَلَ بِهَا لَا زَكَاةَ فِي عَيْنِهَا لِخُرُوجِهَا عَمَّا وَجَبَتْ فِي عَيْنِهِ مِنْ النِّعَمِ وَالْأَصْنَافِ الْمَخْصُوصَةِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمِنْهُمَا قِيمَةُ عَرْضِ الْمُدِيرِ وَثَمَنُ عَرْضِ الْمُحْتَكِرِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى فُلُوسٍ عِنْدَهُ قِيمَتُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدِيرًا فَيُقَوِّمَهَا كَالْعُرُوضِ اهـ وَفِي الطِّرَازِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي عَيْنِهَا وَاتِّفَاقِهِمَا عَلَى تَعَلُّقِهَا بِقِيمَتِهَا، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ قَوْلَيْنِ فِي إخْرَاجِ عَيْنِهَا أَيْ فِي جَوَازِ إخْرَاجِ عَيْنِ الْفُلُوسِ الْجُدُدِ فِي زَكَاةِ النَّقْدِ وَقِيمَةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ الَّتِي مِنْهَا الْفُلُوسُ. وَهُوَ مَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ أَوْ عَدَمُ جَوَازِ خَرَاجِ عَيْنِهَا وَهُوَ أَصْلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي عَيْنِهَا إذْ لَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا يُعْتَبَرُ وَزْنُهَا وَلَا عَدَدُهَا وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا فَلَوْ وَجَبَتْ فِي عَيْنِهَا لَاعْتُبِرَ النِّصَابُ مِنْ عَيْنِهَا وَمَبْلَغِهَا لَا مِنْ قِيمَتِهَا كَمَا فِي عَيْنِ الْوَرَقِ وَالذَّهَبِ وَالْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ، فَلَمَّا انْقَطَعَ تَعَلُّقُهَا بِعَيْنِهَا جَرَتْ عَلَى حُكْمِ جِنْسِهَا مِنْ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَشَبَهِهِ اهـ. (وَالْقَوْلُ) بِالتَّحْرِيمِ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ جِهَةِ كَوْنِهِ كَالنَّقْدِ قُوَّةً فِي كَوْنِهِ رِبَوِيًّا قَالَ الدُّسُوقِيُّ وَعَلَى أَنَّ الْفُلُوسَ رِبَوِيَّةٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْفُلُوسِ السَّحَاتِيتِ الْمُتَعَامَلِ بِهَا بِالْفُلُوسِ الدِّيوَانِيَّةِ إلَّا إذَا تَمَاثَلَا وَزْنًا أَوْ عَدَدًا اهـ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَفِي السَّلَمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالصِّغَرِ وَالنُّحَاسِ عَرْضُ مَا لَمْ يُضْرَبْ فُلُوسًا فَإِذَا ضُرِبَ فُلُوسًا جَرَى مَجْرَى الذَّهَبِ وَالْوَرَقِ مَجْرَاهُمَا فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ وَفِي الصَّرْفِ مِنْهَا، وَمَنْ لَك عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، ثُمَّ قَالَ، وَكَذَلِكَ الْفُلُوسُ اهـ. نَقَلَهُ الرَّهُونِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى عبق وَنُقِلَ قَبْلَهُ قَوْلُ عِيَاضٍ فِي التَّنْبِيهَاتِ اُخْتُلِفَ لَفْظُهُ أَيْ مَالِكٍ فِي الْفُلُوسِ فِي مَسَائِلِهِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ رَأْيِهِ فِي أَصْلِيًّا هِيَ كَالْعَرْضِ أَوْ كَالْعَيْنِ فَلَهُ هُنَا التَّشْدِيدُ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيهَا النَّظْرَةُ وَلَا تَجُوزُ وَشَبَّهَهَا بِالْعَيْنِ وَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ جُمْلَةً كَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ اهـ. وَقَالَ قَبْلُ وَجَزَمَ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ بَيْعَ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْفُلُوسِ صَرْفٌ حَيْثُ قَالَ الصَّرْفُ بِبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ أَوْ أَحَدِهِمَا بِفُلُوسٍ لِقَوْلِهَا أَيْ الْمُدَوَّنَةِ مَتَى صَرَفَ دَرَاهِمَ بِفُلُوسٍ وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ اهـ يُقَيِّدُ حُرْمَةَ التَّأْخِيرِ فِي ذَلِكَ جَزْمًا مَعَ أَنَّهُ قَدْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا نَصُّهُ وَفِي كَوْنِ الْفُلُوسِ رِبَوِيَّةً كَالْعَيْنِ ثَالِثُ الرِّوَايَاتِ يُكْرَهُ فِيهَا اهـ. وَقَالَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ رَوَى مُحَمَّدٌ فِي الْفُلُوسِ وَالتَّمَائِمِ مِنْ الرَّصَاصِ تُبَاعُ بِعَيْنٍ لِأَجَلٍ لَمْ يَبْلُغْهُ تَحْرِيمُهُ عَنْ أَحَدٍ، وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ اتَّهَبَ بِفَسْخٍ إنْ نَزَلَ إلَّا أَنْ تَفُوتَ الْفُلُوسُ بِحَوَالَةِ سُوقٍ أَوْ تَبْطُلَ اهـ كَلَامُ الرَّهُونِيِّ وَمَفْهُومُ قَوْلِ الطِّرَازِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا أَيْ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ فِي عَيْنِهَا إلَخْ أَنَّهَا تَجِبُ فِي عَيْنِهَا عَلَى مُقَابِلِ الْمَذْهَبِ الْمَبْنِيِّ عَلَى اعْتِبَارِ جِهَةٍ أَنَّ نَحْوَ الْفُلُوسِ كَالْعَيْنِ فَقَطْ كَمَا لَا يَخْفَى (وَالْقَوْلُ) بِالْكَرَاهَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ لَهُ مَرْتَبَةً وُسْطَى بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ الْمُتَحَقِّقَتَيْنِ فِيهِ فَتُرَاعَى فِيهِ جِهَةُ كَوْنِهِ كَالْعَيْنِ فِي نَحْوِ الصَّرْفِ وَالرِّبَا وَيُرَاعَ فِيهِ جِهَةُ كَوْنِهِ كَالْعَرْضِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ عِنْدَنَا فَفِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا نَصُّهُ رَوَى مُحَمَّدٌ فِي الْفُلُوسِ وَالتَّمَائِمِ مِنْ الرَّصَاصِ تُبَاعُ بِعَيْنٍ لِأَجَلٍ لَمْ يَبْلُغْهُ تَحْرِيمُهُ عَنْ أَحَدٍ، وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَتَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِي الْإِرْشَادِ الْمَنْصُوصُ كَرَاهَةُ التَّفَاضُلِ وَالنَّسَاءِ فِي الْفُلُوسِ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي التَّلْقِينِ وَالتَّفْرِيعِ وَالْمُدَوَّنَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَسَاقَ نُصُوصَ الْجَمِيعِ فَانْظُرْهُ، وَقَالَ قَالَ عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ لَيْسَتْ الْفُلُوسُ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ. وَلَيْسَتْ كَالدَّرَاهِمِ الْعَيْنُ وَأَجَازَ بَدَلَهَا إذَا أَصَابَهَا رَدِيئَةً، وَقَالَ فِي ثَانِي السَّلَمِ إنْ بَاعَ بِهَا وَكِيلٌ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهَا كَالْعَرْضِ إلَّا فِي سِلْعَةٍ يَسِيرَةِ الثَّمَنِ وَفِي الزَّكَاةِ لَا تُزَكَّى إلَّا فِي الْإِدَارَةِ كَالْعَرْضِ وَفِي السَّلَمِ الثَّالِثِ مُنِعَ بَيْعُهَا جُزَافًا كَالْعَيْنِ وَفِي الْأَوَّلِ يُسْلَمُ فِيهَا الطَّعَامُ وَالْعَرْضُ لَا غَيْرُ وَفِي الْقَرْضِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحِيمِ جَوَازُ بَيْعِهَا بِالْعَيْنِ نَظْرَةٌ وَفِي الْعَارِيَّةِ إنْ أَعَارَهَا فَهُوَ قَرْضٌ كَالْعَيْنِ وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ إنْ اُسْتُحِقَّتْ وَكَانَتْ رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ أَتَى بِمِثْلِهَا كَالْعَيْنِ وَفِي الرُّهُونِ إنْ رَهَنَتْ طَبَعَ عَلَيْهَا كَالْعَيْنِ اهـ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الرَّهُونِيِّ. وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ هَذِهِ

[الفرق بين قاعدة ما يدخله ربا الفضل وبين قاعدة ما لا يدخله ربا الفضل]

«لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» فَجَعَلَ الْجَمِيعَ عَلَى الْمَنْعِ إلَّا فِي حَالَةِ الْمُمَاثَلَةِ وَهَذِهِ الْحَالَةُ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ فَوَجَبَ بَقَاؤُهَا مِنْ الْمَنْعِ (فَإِنْ قُلْت) ظَاهِرُ حَالِ الْمُسْلِمِينَ يَقْتَضِي الظَّنَّ بِحُصُولِ الْمُمَاثَلَةِ وَالظَّنُّ كَافٍ فِي ذَلِكَ كَالطَّهَارَاتِ وَغَيْرِهَا (قُلْت) لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الظَّنَّ يَكْفِي فِي الْمُمَاثَلَةِ فِي بَابِ الرِّبَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِشَهَادَةِ الْمِيزَانِ وَالْمِكْيَالِ وَبَابُ الرِّبَا أَضْيَقُ مِنْ بَابِ الطَّهَارَةِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ. (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتَعَيَّنُ مِنْ الْأَشْيَاءِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ) اعْلَمْ أَنَّ الْعُقُودَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) يُرَدُّ عَلَى الذِّمَمِ، فَيَكُونُ مُتَعَلِّقُهُ الْأَجْنَاسَ الْكُلِّيَّةَ دُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتَعَيَّنُ مِنْ الْأَشْيَاءِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرِّوَايَةَ تُرَاعِي وَجْهَ كَوْنِهِ كَالْعَرْضِ فِي الزَّكَاةِ فَقَطْ فَتُوجِبُ زَكَاةَ قِيمَتِهِ عَلَى الْمُدِيرِ وَزَكَاةَ ثَمَنِهِ عَلَى الْمُحْتَكِرِ وَتُرَاعِي وَجْهَ كَوْنِهِ كَالْعَيْنِ وَالنَّقْدِ فِي الرِّبَا بِنَوْعَيْهِ وَالصَّرْفُ فَتُكْرَهُ فِيهِ تَنْزِيهًا الرِّبَا بِنَوْعَيْهِ، وَتُسْتَحَبُّ فِيهِ شُرُوطُ الصَّرْفِ لِكَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ الرِّبَوِيِّ لَا رِبَوِيًّا صَرْفًا وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَإِنْ كَانَا فِيهِمَا مُرَاعَاةُ الْجِهَتَيْنِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْأَحْنَافَ رَاعُوا فِي الزَّكَاةِ جِهَةَ كَوْنِهِ كَالْعَيْنِ فَأَوْجَبُوا فِي قِيمَتِهِ الزَّكَاةَ فِي الرِّبَا بِنَوْعَيْهِ وَالصَّرْفُ جِهَةُ كَوْنِهِ كَالْعَرْضِ فَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِي بَيْعِهِ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ شُرُوطَ الصَّرْفِ وَأَجَازُوا فِيهِ الرِّبَا بِنَوْعَيْهِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ رَاعَى جِهَةَ كَوْنِهِ كَالْعَرْضِ فِي الزَّكَاةِ وَرِبَا الْفَضْلِ فَأَوْجَبَ زَكَاتَهُ عَلَى التَّاجِرِ مُطْلَقًا وَأَجَازَ فِيهِ رِبَا الْفَضْلِ وَرَاعَى جِهَةَ كَوْنِهِ كَالْعَيْنِ وَالنَّقْدِ فِي الصَّرْفِ وَرِبَا النَّسَاءِ فَشُرِطَ فِي صَرْفِهِ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ شُرُوطُ الصَّرْفِ وَمُنِعَ فِيهِ رِبَا النَّسَاءِ اُنْظُرْ رِسَالَتَيْ شَمْسِ الْإِشْرَاقِ فِي حُكْمِ التَّعَامُلِ بِالْأَوْرَاقِ هَذَا، وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الشَّاطِّ الَّذِي يُقَوِّي عِنْدِي مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَيْ بِأَنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ بِالشَّخْصِ عَلَى قَاعِدَةِ الْمُشَخَّصَاتِ وَأَقْوَى حُجَجِهِ قِيَاسُ النَّقْدَيْنِ عَلَى ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَمَا أُجِيبَ بِهِ مِنْ أَنَّ ذَوَاتَ الْأَمْثَالِ مَقَاصِدُ وَالنَّقْدَيْنِ وَسَائِلُ لَيْسَ بِفَرْقٍ يَقْدَحُ مِثْلُهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْقِيَاسِ قَالَ وَمَا. قَالَهُ الشِّهَابُ فِي فَرْعِ الْغَاصِبِ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ فِي النَّظَرِ لُزُومُ رَدِّ الدِّينَارِ الْمَغْصُوبِ بِعَيْنِهِ مَا دَامَ قَائِمًا أَمَّا إذَا فَاتَ فَلَهُ رَدُّ غَيْرِهِ وَكُلُّ مَا قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَهُ فَهُوَ عِنْدِي غَيْرُ صَحِيحٍ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الدِّينَارَ الَّذِي فِي يَدِ الْإِنْسَانِ بِمِيرَاثِهِ مِنْ أَبِيهِ أَوْ بِأَخْذِهِ عِوَضًا عَنْ سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَانَتْ مِلْكُهُ لَيْسَ مِلْكًا لَهُ مِنْ أَشْنَعِ قَوْلٍ يُسْمَعُ وَأَفْحَشِ مَذْهَبٍ بِبُطْلَانِهِ يُقْطَعُ وَلَمَّا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مَبْنِيَّةً عَلَى عَدَمِ تَعَيُّنِ النَّقْدَيْنِ بِالتَّعْيِينِ أُشْكِلَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْ الصَّرْفِ وَالْكِرَاءِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ الْأَصْلَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَا إشْكَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ] (الْفَرْقُ التِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ لَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَلَا يَجُوزُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْهَا التَّفَاضُلُ وَلَا النَّسَاءُ بِإِجْمَاعِهِمْ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - كَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْعَ مَا ذُكِرَ مُتَفَاضِلًا وَمَنَعُوهُ نَسِيئَةً فَقَطْ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ مَا. رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ» وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ظَاهِرُهُ حَصْرُ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ فِي النَّسِيئَةِ فَلَا يَحْرُمُ الْفَضْلُ. وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرَّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي هِيَ نَصٌّ فِيمَا قَالُوهُ كَحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ الشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَإِلَّا هَاءَ» فَتَضَمَّنَ حَدِيثُ عُبَادَةَ مَعَ التَّفَاضُلِ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ وَإِبَاحَتِهِ فِي الصِّنْفَيْنِ، وَمَنْعُ النَّسَاءِ فِي الصِّنْفَيْنِ وَتَضَمَّنَ حَدِيثُ عُمَرَ مَنْعَ النَّسِيئَةِ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ وَكَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الَّذِي. رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا شَيْئًا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» وَهُوَ مِنْ أَصَحِّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ يَتَضَمَّنُ مَنْعَ التَّفَاضُلِ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْ النَّقْدَيْنِ، وَمَنْعَ النَّسِيئَةِ مُطْلَقًا أَيْ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْهُمَا وَفِي الصِّنْفَيْنِ وَلَمْ يَأْخُذُوا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِوَجْهَيْنِ (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّهُ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِيهِ لَفْظَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ، وَهَذَا لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إجَازَةُ التَّفَاضُلِ إلَّا مِنْ بَابِ دَلِيلِ الْخِطَابِ

أَشْخَاصِهَا فَيَحْصُلُ الْوَفَاءُ بِمُقْتَضَاهَا بِأَيِّ فَرْدٍ كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فَإِنْ دَفَعَ فَرْدًا مِنْهُ فَظَهَرَ مُخَالَفَتُهُ لِلْعَقْدِ رَجَعَ بِفَرْدٍ غَيْرِهِ وَتَبَيَّنَّا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بَاقٍ فِي الذِّمَّةِ إلَى الْآنَ حَتَّى يُقْبَضَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فَرْدٌ مُطَابِقٌ لِلْعَقْدِ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (الْقِسْمُ الثَّانِي) مَبِيعٌ مُشَخَّصُ الْجِنْسِ فَهَذَا مُعَيَّنٌ وَخَاصَّتُهُ أَنَّهُ إذَا فَاتَ ذَلِكَ الْمُشَخَّصُ قَبْلَ الْقَبْضِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ اتِّفَاقًا وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــSإلَى آخِرِ الْقِسْمِ) مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ إلَّا قَوْلُهُ، فَيَكُونُ مُتَعَلِّقُهُ الْأَجْنَاسَ الْكُلِّيَّةَ دُونَ أَشْخَاصِهَا فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ ظَاهِرَ لَفْظِهِ، فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ مُتَعَلِّقُهُ أَشْخَاصٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْكُلِّيِّ وَلِذَلِكَ صَحَّ الْوَفَاءُ بِأَيِّ فَرْدٍ كَانَ إذَا وَافَقَ الصِّفَاتِ الْمُشْتَرَطَةَ قَالَ (الْقِسْمُ الثَّانِي مَبِيعٌ مُشَخَّصُ الْجِنْسِ إلَى قَوْلِهِ وَفِي الْفَرْقِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ) قُلْت الَّذِي يَقْوَى عِنْدِي مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَقْوَى حُجَجِهِ قِيَاسُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَا سِيَّمَا إذَا عَارَضَهُ النَّصُّ (وَثَانِيهمَا) أَنَّهُ قَالَ لَا رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ، وَهَذَا وَإِنْ اقْتَضَى ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا عَدَا النَّسِيئَةَ، فَلَيْسَ بِرِبًا لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ لَا رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ الْوَاقِعُ فِي الْأَكْثَرِ وَالنَّصُّ إذَا عَارَضَهُ الْمُحْتَمَلُ وَجَبَ تَأْوِيلُ الْمُحْتَمَلِ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي يَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ وَإِنْ سَلَّمَ أَنَّهُ نَصٌّ عَامٌّ فِي أَفْرَادِ الرِّبَا لَكِنَّهُ قَوْلٌ بِالْمُوجِبِ بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ السَّبَبِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «سُئِلَ عَنْ مُبَادَلَةِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ فَقَالَ إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ وَلَا يَحْرُمُ مَا ذَكَرْتُمْ إلَّا أَنْ يَتَأَخَّرَ» فَسَمِعَ الرَّاوِي الْجَوَابَ دُونَ السُّؤَالِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ هَذَا فَالْقَاعِدَةُ فِي أُصُولِ الْفَقِيهِ أَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ مُطْلَقٌ فِي الْأَزْمِنَةِ وَالْأَحْوَالِ وَالْبِقَاعِ وَالْمُتَعَلِّقَاتِ فَهَذَا عَامٌّ فِي أَفْرَادِ الرِّبَا مُطْلَقٌ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ فَيُحْمَلُ عَلَى اخْتِلَافِ الْجِنْسِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَالْمُطْلَقُ إذَا عُمِلَ بِهِ فِي صُورَةٍ سَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِهِ فِيمَا عَدَاهَا وَجَوَازُ التَّفَاضُلِ فِي الصِّنْفَيْنِ مِنْ تِلْكَ السِّتَّةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ إلَّا الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ كَامْتِنَاعِ النَّسَاءِ فِي هَذِهِ السِّتَّةِ فَقَطْ اتَّفَقَتْ الْأَصْنَافُ أَوْ اخْتَلَفَتْ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ أَنَّهُ قَالَ إذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ جَازَ التَّفَاضُلُ وَالنَّسِيئَةُ مَا عَدَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَى هَذِهِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ أَهْلُ الظَّاهِرِ النَّسَاءُ مُمْتَنِعٌ فِي هَذِهِ السِّتَّةِ فَقَطْ اتَّفَقَتْ الْأَصْنَافُ أَوْ اخْتَلَفَتْ كَالتَّفَاضُلِ فِي صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ السِّتَّةِ فَقَطْ وَلَا يَمْتَنِعُ التَّفَاضُلُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِمَّا عَدَّهَا كَالنَّسَاءِ مُطْلَقًا نَظَرًا إلَى أَنَّ النَّهْيَ الْمُتَعَلِّقَ بِأَعْيَانِ هَذِهِ السِّتَّةِ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ وَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ الْمُتَعَلِّقَ بِأَعْيَانِ هَذِهِ السِّتَّةِ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى الْعَامِّ الَّذِي وَقَعَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَصْنَافِ مِنْ جِهَتَيْنِ (الْجِهَةُ الْأُولَى) جِهَةُ مَفْهُومِ عِلَّةِ مَنْعِ التَّفَاضُلِ فَقَدْ حَكَى الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ عَشَرَةَ مَذَاهِبَ خَمْسَةٌ مِنْهَا خَارِجُ مَذْهَبِنَا (أَحَدُهُمَا) تَعْلِيلُهُ بِالْجِنْسِ لِابْنِ سِيرِينَ قَالَ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ هُوَ الضَّابِطُ وَالْعِلَّةُ فِي مَنْعِ رِبَا الْفَضْلِ فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي جِنْسٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَانَ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ لِذِكْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَجْنَاسًا لَا تَجْمَعُهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فَلَمْ تَبْقَ إلَّا الْجِنْسِيَّةُ؛ وَلِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَقْتَضِي الْمُقَابَلَةَ وَفِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ يَكُونُ الزَّائِدُ لَا مُقَابِلَ لَهُ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مُوجِبُ الْعَقْدِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ لَا يُفِيدُ مَقْصُودُهُ يَبْطُلُ (وَيُرَدُّ) عَلَيْهِ أَوْ لَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَاجَرَ إلَيْهِ عَبْدٌ فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ مِنْ سَيِّدِهِ» وَقَضَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةِ الْأَسْمَاءِ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْجِنْسِيَّةَ لَكَانَ اللَّائِقُ بِفَصَاحَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَ لَا تَبِيعُوا جِنْسًا وَاحِدًا بِجِنْسِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَثَانِيًا أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَتْبَعُ غَرَضَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَقَدْ يَقْصِدُ جَعَلَ قُبَالَهُ الْجُمْلَةَ فَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ الْمُقَابَلَةِ (وَثَانِيهَا) تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ زَكَوِيًّا لِرَبِيعَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ الضَّابِطُ وَالْعِلَّةُ فِي مَنْعِ رِبَا الْفَضْلِ هُوَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا يُبَاعُ بَعِيرٌ بِبَعِيرٍ (وَيُرَدُّ عَلَيْهِ) وُرُودُ النَّصِّ فِي الْمِلْحِ، وَلَيْسَ بِزَكَوِيٍّ (وَثَالِثُهَا) تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْقَدِيمِ قَالَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ السِّتَّةِ الْوَارِدَةِ فِي الْحَدِيثِ وَالْحُكْمِ الْمُشْتَرِكُ تَكُونُ عِلَّتُهُ مُشْتَرِكَةً (وَرَابِعًا) تَعْلِيلُهُ بِالطَّعَامِ لِلْآدَمِيِّ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَدِيدِ قَالَ فَيُمْنَعُ التَّفَاضُلُ فِيمَا كَانَ قُوتًا أَوْ إدَامًا أَوْ فَاكِهَةً أَوْ دَوَاءً لِلْآدَمِيِّينَ دُونَ مَا تَأْكُلُهُ الْبَهَائِمُ فَإِنْ أَكَلَهُ الْآدَمِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ رُوعِيَ الْأَغْلَبُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَعَامًا لِلْآدَمِيِّينَ كَالْوَرْدِ وَالرَّيَاحِينِ وَنَوَى التَّمْرَ لَمْ يَدْخُلْهُ الرِّبَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» حَيْثُ رَتَّبَ مَنْعَ التَّفَاضُلِ عَلَى اسْمِ الطَّعَامِ وَالْقَاعِدَةُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَقْتَضِي عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَصْفَ لِذَلِكَ الْحُكْمِ نَحْوَ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} [المائدة: 38] . (وَيُرَدُّ عَلَيْهِ) فِيهَا أَنَّهُ أَهْمَلَ أَفْضَلَ أَوْصَافِ الِاشْتِرَاكِ وَهُوَ الِاقْتِيَاتُ وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ كَمَا سَيَتَّضِحُ 2 - (وَخَامِسُهَا) تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، وَلَوْ تُرَابًا لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْحَدِيثِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ مَكِيلَاتٌ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، وَكَذَا كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَمِثْلُهُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ

الْمُشَخَّصَاتِ صُورَتَانِ (الصُّورَةُ الْأُولَى) النُّقُودُ إذَا شُخِّصَتْ وَتَعَيَّنَتْ لِلْجِنْسِ هَلْ تَتَعَيَّنُ أَمْ لَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهُمَا) تَتَعَيَّنُ بِالشَّخْصِ عَلَى قَاعِدَةِ الْمُشَخَّصَاتِ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ (وَثَانِيهَا) أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - (وَثَالِثُهَا) تَتَعَيَّنُ إنْ شَاءَ بَائِعُهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْلَكُ بِهَا وَلَا مَشِيئَةَ لِقَابِضِهَا فَإِنْ اخْتَصَّ النَّقْدُ بِصِفَةٍ نَحْوِ الْحُلِيِّ أَوْ رَوَاجِ السِّكَّةِ وَنَحْوِهِمَا تَعَيَّنَتْ اتِّفَاقًا احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأُمُورٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ غَرَضَهُ مُتَعَلِّقٌ بِهَا عِنْدَ الْفَلَسِ، وَالنَّقْدُ الْمُعَيَّنُ آكَدُ مِنْ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ لِتَشَخُّصِهِ فَإِذَا تَعَيَّنَ النَّقْدَانِ فِي الذِّمَّةِ وَجَبَ أَنْ يَتَعَيَّنَا إذَا شُخِّصَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَثَانِيهَا) أَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَيَّنُ فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَيَّنَ النَّقْدَانِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الدَّيْنِ (وَثَالِثُهَا) أَنَّ ذَوَاتَ الْأَمْثَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ لِلشَّيْخِ مَنْصُورٍ الْحَنْبَلِيِّ وَالْأَشْهَرُ عَنْ إمَامِنَا وَمُخْتَارُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ كَوْنُهُمَا مَوْزُونَيْ جِنْسٍ وَفِي الْأَعْيَانِ الْبَاقِيَةِ كَوْنُهَا مَكِيلَاتِ جِنْسٍ فَيَجْرِي الرِّبَا فِي كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونِ جِنْسٍ اهـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ (وَيُرَدُّ عَلَيْهِمَا) أَنَّهُمَا وَإِنْ اعْتَبَرَا الْوَصْفَ الطَّرْدِيَّ إلَّا أَنَّهُمَا أَهْمَلَا الْمُنَاسِبَ الْمُقَدَّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ الِاقْتِيَاتُ وَخَمْسَةٌ مِنْهَا لِمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ (الْأَوَّلُ) تَعْلِيلُهُ بِالْمَالِيَّةِ (وَالثَّانِي) تَعْلِيلُهُ بِالِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ مَعَ الْغَلَبَةِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ، وَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ التَّعْلِيلُ بِالْمَالِيَّةِ، وَقِيلَ بِالِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ مَعَ كَوْنِهِ غَالِبَ الْعَيْشِ اهـ. (وَالثَّالِثُ) تَعْلِيلُهُ بِالْأَكْلِ وَالِادِّخَارِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْعِلَّةَ الْأَكْلُ وَالِادِّخَارُ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَيَجْرِي الرِّبَا فِي الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ وَيَخْتَلِفُ فِيمَا يَقِلُّ ادِّخَارُهُ كَالْخَوْخِ وَالرُّمَّانِ فَأَجْرَى ابْنُ نَافِعٍ فِيهِ الرِّبَا نَظَرًا لِجِنْسِهِ وَإِجَازَةُ مَالِكٍ فِي الْكِتَابِ نَظَرًا لِلْغَالِبِ (وَالرَّابِعُ) تَعْلِيلُهُ بِالِاقْتِيَاتِ (وَالْخَامِسُ) تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ مُقْتَاتًا مُدَّخَرًا قَالَ سَنَدٌ فِي الطِّرَازِ قَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ وَجَمَاعَةُ الْعِلَّةِ كَوْنُهُ مُقْتَاتًا فَيَمْتَنِعُ الرِّبَا فِي الْمِلْحِ وَالْبَيْضِ دُونَ الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَاتُ وَهُوَ جَارٍ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَعَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الِادِّخَارُ مَعَ الِاقْتِيَاتِ فَلَا رِبَا فِي الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ كَاللَّوْزِ وَالْجَوْزِ وَلَا فِي الْبَيْضِ لِأَنَّهُ لَا يُدَّخَرُ قَالَ وَقَالَ الْبَاجِيَّ هُوَ أَجْرَى عَلَى الْمَذْهَبِ اهـ وَفِي الْجَوَاهِرِ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ مَجْمُوعُ الِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ اهـ. وَلِأَصْحَابِنَا فِي الْمِلْحِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ فَمِنْهُمْ مَنْ عَلَّلَهُ بِالِاقْتِيَاتِ وَصَلَاحِ الْقُوتِ فَأَلْحَقُوا بِهِ التَّوَابِلَ، وَقِيلَ بِالْأَكْلِ وَالِادِّخَارِ، وَقِيلَ بِكَوْنِهِ إدَامًا فَلَا يُلْحَقُ بِهِ الْفِلْفِلُ وَنَحْوُهُ، وَلَيْسَ فِي الْمَذْهَبِ الِاقْتِصَارُ عَلَى مُطْلَقِ الْإِصْلَاحِ حَتَّى يَرُدُّ إلْزَامُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَيْهِ جَرَيَانَ الرِّبَا فِي الْأَحْطَابِ وَالنِّيرَانِ؛ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يُصْلِحُ الْأَقْوَاتَ. وَأَمَّا إلْزَامُهُمْ لَنَا جَرَيَانَ الرِّبَا فِي الْأَقَاوِيَّةِ فَنَحْنُ نَلْتَزِمُهُ نَعَمْ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ عَلَّلَ الْبُرَّ بِالْقُوتِ غَالِبًا وَالشَّعِيرَ بِالْقُوتِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالتَّمْرُ بِالتَّفَكُّهِ غَالِبًا وَالْمِلْحُ بِإِصْلَاحِ الْقُوتِ فَيَحْصُلُ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ هَلْ الْعِلَّةُ فِي الْجَمِيعِ وَاحِدَةٌ أَوْ مُتَعَدِّدَةٌ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ أَيْضًا هَلْ اتِّحَادُ الْجِنْسِ جُزْءُ عِلَّةٍ لِلتَّوَقُّفِ عَلَيْهِ أَوْ شَرْطٌ فِي اعْتِبَارِ الْعِلَّةِ لِعَرْوِهِ عَنْ الْمُنَاسَبَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَزَادَ حَفِيدِ بْنِ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ عَلَى الْخَمْسَةِ الَّتِي لِمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ مَذْهَبَانِ حَيْثُ قَالَ، وَقَدْ قِيلَ إنَّ سَبَبَ مَنْعِ التَّفَاضُلِ الصِّنْفُ الْوَاحِدُ الْمُدَّخَرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَاتًا وَمِنْ شَرْطِ الِادِّخَارِ عِنْدَهُمْ أَيْ الْمَالِكِيَّةِ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَكْثَرِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ الرِّبَا فِي الصِّنْفِ الْمُدَّخَرِ وَإِنْ كَانَ نَادِرَ الِادِّخَارِ اهـ. وَهَذِهِ الْمَذَاهِبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي سَبَبٍ مِنْهُ التَّفَاضُلُ فِي الْأَرْبَعَةِ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَمَّا الْعِلَّةُ عِنْدَهُمْ فِي مَنْعِ التَّفَاضُلِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَهُوَ الصِّنْفُ الْوَاحِدُ أَيْضًا مَعَ كَوْنِهِمَا رُءُوسًا لِلْأَثْمَانِ وَقِيَمًا لِلْمُتْلَفَاتِ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ قَالَ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ هِيَ الَّتِي تُعْرَفُ عِنْدَهُمْ بِالْقَاصِرَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَهُمْ فِي غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قَالَ وَوَافَقَ الشَّافِعِيُّ مَالِكًا فِي عِلَّةِ مَنْعِ التَّفَاضُلِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَعْنِي أَنَّ كَوْنَهُمَا رُءُوسًا لِلْأَثْمَانِ وَقِيَمًا لِلْمُتْلَفَاتِ إذَا اتَّفَقَ الصِّنْفُ. وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَعِلَّةُ مَنْعِ التَّفَاضُلِ عِنْدَهُمْ فِي هَذِهِ السِّتَّةِ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ مَعَ اتِّفَاقِ الصِّنْفِ اهـ الْمُحْتَاجُ مِنْهُ بِلَفْظِهِ. وَأَمَّا مَفْهُومُ عِلَّةِ مَنْعِ النَّسَاءِ الَّتِي لَا تَجُوزُ فِيهَا النَّسِيئَةُ قِسْمَانِ مَا لَا يَجُوزُ فِيهَا التَّفَاضُلُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَمَا يَجُوزُ فِيهَا التَّفَاضُلُ فَأَمَّا الْأَشْيَاءُ الَّتِي لَا يَجُوزُ فِيهَا التَّفَاضُلُ فَعِلَّةُ امْتِنَاعِ النَّسِيئَةِ فِيهَا هُوَ الطَّعْمُ وَالِادِّخَارُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالطَّعْمُ فَقَطْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَطْعُومَاتُ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِذَا اقْتَرَنَ بِالطَّعْمِ اتِّفَاقُ الصِّنْفِ حَرُمَ التَّفَاضُلُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَإِذَا اقْتَرَنَ وَصْفٌ ثَالِثٌ وَهُوَ الِادِّخَارُ حَرُمَ التَّفَاضُلُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفُ جَازَ التَّفَاضُلُ وَحَرُمَتْ النَّسِيئَةُ. وَأَمَّا الْأَشْيَاءُ الَّتِي يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا فَهِيَ عِنْدَ مَالِكٍ صِنْفَانِ مَطْعُومَةٌ وَغَيْرُ مَطْعُومَةٍ فَأَمَّا الْمَطْعُومَةُ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ النَّسَاءُ فِيهَا وَعِلَّةُ الْمَنْعِ الطَّعْمُ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمَطْعُومَةِ فَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّ مَا اتَّفَقَتْ مَنَافِعُهُ مِنْهَا لَا يَجُوزُ فِيهِ مَعَ التَّفَاضُلِ النَّسَاءُ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ شَاةٌ وَاحِدَةٌ بِشَاتَيْنِ إلَى أَجَلٍ وَمَا اخْتَلَفَتْ مَنَافِعُهُ مِنْهَا يَجُوزُ فِيهِ مَعَ التَّفَاضُلِ النَّسَاءُ فَيَجُوزُ عِنْدَهُ شَاةٌ حَلُوبَةٌ بِشَاتَيْنِ أَكُولَةٍ مَثَلًا إلَى أَجَلٍ، وَقِيلَ إنَّهُ يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الْمَنَافِعِ دُونَ التَّفَاضُلِ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُورُ عِنْدَهُ شَاةٌ حَلُوبَةٌ

كَأَرْطَالِ الزَّيْتِ مِنْ خَابِيَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَقْفِزَةِ الْقَمْحِ مِنْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِخُصُوصِيَّاتِهَا غَرَضٌ، بَلْ كُلُّ قَفِيزٍ مِنْهَا يَسُدُّ مَسَدَّ الْآخَرِ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَوْ بَاعَهُ قَفِيزًا مِنْ أَقْفِزَةٍ كِيلَتْ مِنْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ رِطْلًا مِنْ أَرْطَالِ زَيْتٍ مِنْ جَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَهُ مَوْرِدَ الْعَقْدِ وَعَيَّنَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إبْدَالُهُ بِغَيْرِهِ، بَلْ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ مَعَ عَدَمِ الْغَرَضِ فَكَذَلِكَ النَّقْدَانِ (وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ) أَنَّ الْفَلْسَ نَادِرٌ وَالنَّادِرُ مُلْحَقٌ بِالْغَالِبِ فِي الشَّرْعِ (وَعَنْ الثَّانِي) أَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا تَعَيَّنَ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّ الذِّمَمَ تَخْتَلِفُ بِاللَّدَدِ وَقُرْبِ الْإِعْسَارِ فَلِذَلِكَ تَعَيَّنَ الدَّيْنُ، وَلَوْ حَصَلَ فِي النَّقْدَيْنِ اخْتِلَافٌ لَتَعَيَّنَتْ أَيْضًا اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْكَلَامُ عِنْدَ عَدَمِ الِاخْتِلَافِ (وَعَنْ الثَّالِثِ) أَنَّ السِّلَعَ وَإِنْ كَانَتْ ذَوَاتَ أَمْثَالٍ فَإِنَّهَا مَقَاصِدُ وَالنَّقْدَانِ وَسِيلَتَانِ لِتَحْصِيلِ الْمُثَمَّنَاتِ، وَالْمَقَاصِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِشَاةٍ حَلُوبَةٍ إلَى أَجَلٍ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَنَافِعُ فَالتَّفَاضُلُ وَالنَّسِيئَةُ عِنْدَهُ جَائِزَانِ وَإِنْ كَانَ الصِّنْفُ وَاحِدًا، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الْأَسْمَاءِ مَعَ اتِّفَاقِ الْمَنَافِعِ وَالْأَشْهَرُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ أَيْ اتِّفَاقُ الْأَسْمَاءِ مُطْلَقًا، وَقَدْ قِيلَ يُعْتَبَرُ أَيْ اتِّفَاقُ الْأَسْمَاءِ مُطْلَقًا. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُ فِي مَنْعِ النَّسَاءِ فِيمَا عَدَا الَّتِي لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ فِيهَا التَّفَاضُلُ هُوَ اتِّفَاقُ الصِّنْفِ اتَّفَقَتْ الْمَنَافِعُ أَوْ اخْتَلَفَتْ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ شَاةٌ بِشَاةٍ وَلَا بِشَاتَيْنِ نَسِيئَةً وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَنَافِعُهَا، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَكُلُّ مَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ عِنْدَهُ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ يَجُوزُ فِيهِ النَّسَاءُ فَيُجِيزُ شَاةً بِشَاتَيْنِ نَسِيئَةً وَنَقْدًا، وَكَذَلِكَ شَاةٌ بِشَاةٍ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ تَعَارُضُ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي قَلَائِصِ الصَّدَقَةِ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إلَى الصَّدَقَةِ مَعَ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ فَكَانَ الشَّافِعِيُّ ذَهَبَ مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ أَصْحَابُهُ. وَفِيهِ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مَعَ النَّسَاءِ وَالْحَنَفِيَّةُ لِحَدِيثِ سَمُرَةَ مَعَ التَّأْوِيلِ لَهُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجُوزَ الْحَيَوَانُ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً اتَّفَقَ أَوْ اخْتَلَفَ، بَلْ قَدْ قِيلَ عَنْ الْكُوفِيِّينَ الْأَخْذُ بِظَاهِرِ حَدِيثِ سَمُرَةَ وَكَانَ مَالِكًا ذَهَبَ مَذْهَبَ الْجَمْعِ فَحَمَلَ حَدِيثَ سَمُرَةَ عَلَى اتِّفَاقِ الْأَغْرَاضِ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَلَى اخْتِلَافِهَا وَسَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَلَكِنْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَيَشْهَدُ لِمَالِكٍ مَا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَيَوَانُ اثْنَانِ وَاحِدٌ لَا يَصْلُحُ لِنَسَاءٍ وَلَا بَأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ» . وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ وَاشْتَرَى جَارِيَةً بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ» وَعَلَى هَذَا الْحَدِيثِ يَكُونُ بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا بِنَفْسِهِ لَا مِنْ قِبَلِ سَدِّ ذَرِيعَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ نَسَاءً هَلْ مِنْ شَرْطِهِ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فِي سَائِرِ الرِّبَوِيَّاتِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي الْمُصَارَفَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» فَمَنْ شَرَطَ فِيهَا التَّقَابُضَ فِي الْمَجْلِسِ شَبَّهَهَا بِالصَّرْفِ، وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ قَالَ إنَّ الْقَبْضَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْبُيُوعِ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ وَلَمَّا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى الصَّرْفِ فَقَطْ بَقِيَتْ سَائِرُ الرِّبَوِيَّاتِ عَلَى الْأَصْلِ اهـ. بِتَلْخِيصٍ وَإِصْلَاحٍ قَالَ. وَأَمَّا مَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَا لَمْ يَكُنْ رِبَوِيًّا، وَعِنْدَ مَالِكٍ مَا لَمْ يَكُنْ رِبَوِيًّا وَلَا كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا مُتَمَاثِلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَا كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا بِإِطْلَاقِ فَمَالِكٌ يَعْتَبِرُ فِي الصِّنْفِ الْمُؤَثِّرِ فِي التَّفَاضُلِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَفِي النَّسَاءِ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيَّاتِ اتِّفَاقُ الْمَنَافِعِ وَاخْتِلَافِهَا فَإِذَا اخْتَلَفَ جَعَلَهَا صِنْفَيْنِ وَإِنْ كَانَ الِاسْمُ وَاحِدًا وَأَبُو حَنِيفَةَ يَعْتَبِرُ الِاسْمَ، وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ الصِّنْفُ عِنْدَهُ مُؤَثِّرًا إلَّا فِي الرِّبَوِيَّاتِ فَقَطْ أَعْنِي أَنَّهُ يُمْنَعُ التَّفَاضُلُ فِيهِ، وَلَيْسَ هُوَ عِنْدَهُ عِلَّةَ النَّسَاءِ أَصْلًا اهـ. الْمُحْتَاجُ مِنْهُ وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ عَلَى الْإِقْنَاعِ لِلشَّيْخِ مَنْصُورِ بْنِ إدْرِيسَ الْحَنْبَلِيِّ مَا حَاصِلُهُ مَعَ الْمَتْنِ إنَّ رِبَا النَّسَاءِ يَحْرُمُ بَيْنَ كُلِّ شَيْئَيْنِ مِنْ جِنْسٍ أَوْ جِنْسَيْنِ بِشَرْطَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا نَقْدًا ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً (وَثَانِيهِمَا) أَنْ تَتَّحِدَ عِلَّةُ رِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ فِيهِمَا كَمَكِيلٍ بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِأَنْ بَاعَ مُدَّ بُرٍّ بِجِنْسِهِ أَيْ بِبُرٍّ أَوْ بِشَعِيرٍ وَنَحْوِهِ وَمَوْزُونٌ بِمَوْزُونٍ بِأَنْ بَاعَ رِطْلَ حَدِيدٍ بِجِنْسِهِ أَيْ بِحَدِيدٍ أَوْ بِنُحَاسٍ وَنَحْوِهِ فَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ الْحُلُولُ وَالْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ لِمَا ذُكِرَ، ثُمَّ إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ اُعْتُبِرَ التَّمَاثُلُ وَإِلَّا جَازَ التَّفَاضُلُ وَيَجُوزُ النَّسَاءُ بَيْنَ كُلِّ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا نَقْدًا وَاخْتَلَفَ عِلَّةُ رِبَا الْفَضْلِ فِيهِمَا وَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِتَأْخِيرِ الْقَبْضِ فَيَجُوزُ النَّسَاءُ فِي صَرْفِ فُلُوسٍ نَافِقَةٍ بِنَقْدٍ كَمَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ كَابْنِ عَقِيلٍ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ رِوَايَةً قَالَ فِي الرِّعَايَةِ إنْ قُلْنَا هِيَ عَرْضٌ جَازَ وَإِلَّا فَلَا خِلَافًا لِمَا فِي التَّنْقِيحِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ فِي صَرْفِ نَقْدٍ بِفُلُوسٍ نَافِقَةٍ وَاَلَّذِي قَالَهُ فِي التَّنْقِيحِ قَدَّمَهُ فِي الْمُبْدِعِ. وَذَكَرَ فِي الْإِنْصَافِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ

أَشْرَفُ مِنْ الْوَسَائِلِ إجْمَاعًا فَلِشَرَفِهَا اُعْتُبِرَ تَشْخِيصُهَا وَعَيْنُ النَّقْدِ وَإِنْ قَامَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فَأَثَّرَ بِشَرَفِهِ فِي تَعْيِينِ تَشْخِيصِهِ بِخِلَافِ الْوَسَائِلِ ضَعِيفَةٌ فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي تَعْيِينِ تَشْخِيصِهَا إذَا قَامَ غَيْرُهَا مَقَامَهَا وَلَمْ يَخْتَصَّ بِمَعْنًى فِيهَا فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَفِي الْفَرْقِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) مُقْتَضَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ خُصُوصَ النَّقْدَيْنِ لَا يُمْلَكَانِ أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ خُصُوصِيَّاتِ الْمِثْلِيَّاتِ فَإِذَا غَصَبَ غَاصِبٌ مِنْ شَخْصٍ دِينَارًا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ طَلَبِ خُصُوصِهِ، بَلْ يَسْتَحِقُّ الزِّنَةَ وَالْجِنْسَ دُونَ الْخُصُوصِ فَالْغَاصِبُ أَنْ يُعْطِيَهُ دِينَارًا غَيْرَهُ وَإِنْ كَرِهَ رَبُّهُ إذَا كَانَ الدِّينَارُ وَاَلَّذِي يُعْطِيهِ الْغَاصِبُ حَلَالًا مُسَاوِيًا لِلسِّكَّةِ وَالْمَقَاصِدِ فِي الدِّينَارِ الْمَغْصُوبِ وَلِذَلِكَ إذَا قَالَ لَهُ فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ بِعْنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ هَذِهِ السِّلْعَةَ فَبَاعَهُ إيَّاهَا بِهِ لَهُ يَمْتَنِعُ مِنْ دَفْعِهِ وَيُعْطِيهِ غَيْرَهُ؛ وَلِأَنَّ الْخُصُوصَ فِي أَفْرَادِ النَّقْدَيْنِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِلْكٌ وَلَا يَتَنَاوَلُهُ عَقْدٌ، بَلْ الْمُسْتَحَقُّ هُوَ الْجِنْسُ وَالْمِقْدَارُ فَقَطْ دُونَ خُصُوصِ ذَلِكَ الْفَرْدِ وَعَلَى هَذَا أَيْضًا لَا تَكُونُ الْعُقُودُ فِي النَّقْدَيْنِ تَتَنَاوَلُ إلَّا الذِّمَمَ خَاصَّةً وَلَا فَرْقَ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ، وَمَنْ وَافَقَهُمَا بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ بِعْنِي بِدِرْهَمٍ وَبَيْنَ قَوْلِهِ بِعْنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ وَيُعَيِّنُهُ وَالْعَقْدُ فِي الصُّورَتَيْنِ إنَّمَا يُرَدُّ عَلَى الذِّمَّةِ دُونَ مَا عُيِّنَ وَنُصُوصُ الْمَذْهَبِ تَتَقَاضَى ذَلِكَ مِنْ مَالِكٍ وَالْأَصْحَابِ غَيْرَ أَنَّهُمْ إذَا قِيلَ لَهُمْ إنَّ خُصُوصَ النَّقْدَيْنِ فِي الشَّخْصِ لَا تَمْلِكُهُ وَإِنَّ خُصُوصَ كُلِّ دِينَارٍ لَا يُمْلَكُ قَدْ يُسْتَشْنَعُ ذَلِكَ وَيُنْكَرُ وَهُوَ لَازِمٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِذَا كَانَتْ الْخُصُوصِيَّاتُ لَا تُمْلَكُ كَانَتْ الْمُعَامَلَاتُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْجِنْسِ وَالْمِقْدَارِ فَقَطْ فَاعْلَمْ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــSالنَّقْدَيْنِ عَلَى ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَمَا أُجِيبَ بِهِ مِنْ أَنَّ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ مَقَاصِدُ وَالنَّقْدَيْنِ وَسَائِلُ لَيْسَ بِفَرْقٍ يَقْدَحُ مِثْلُهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْقِيَاسِ قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إلَى قَوْلِهِ إذَا كَانَ الدِّينَارُ الَّذِي يُعْطِيهِ الْغَاصِبُ حَلَالًا مُسَاوِيًا فِي السِّكَّةِ وَالْمَقَاصِدِ فِي الدِّينَارِ وَالْمَغْصُوبِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ فِي النَّظَرِ لُزُومُ رَدِّ الدِّينَارِ الْمَغْصُوبِ بِعَيْنِهِ مَا دَامَ قَائِمًا أَمَّا إذَا فَاتَ فَلَهُ رَدُّ غَيْرِهِ قَالَ (وَلِذَلِكَ إذَا قَالَ لَهُ فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ بِعْنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت ذَلِكَ كُلُّهُ عِنْدِي غَيْرُ صَحِيحٍ أَوْ الْقَوْلُ بِأَنَّ الدِّينَارَ الَّذِي فِي يَدِ الْإِنْسَانِ بِمِيرَاثِهِ مِنْ أَبِيهِ أَوْ بِأَخْذِهِ عِوَضًا عَنْ سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَانَتْ مِلْكَهُ لَيْسَ مَالِكًا لَهُ مِنْ أَشْنَعِ قَوْلٍ يُسْمَعُ وَأَفْحَشِ مَذْهَبٍ بِبُطْلَانِهِ يُقْطَعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ اهـ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى وَيَجُوزُ النَّسَاءُ أَيْضًا فِي بَيْعِ مَكِيلٍ بِمَوْزُونٍ وَفِي بَيْعِ مَا لَيْسَ بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ كَثِيَابٍ وَحَيَوَانٍ وَغَيْرِهِمَا سَوَاءٌ بِيعَ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاضِلًا «لِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى قَلَائِصِ الصَّدَقَةِ فَكَانَ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ أَيْ إلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ، وَإِذَا جَازَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَفِي الْجِنْسَيْنِ أَوْلَى اهـ. هَذَا وَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي مَفْهُومِ عِلَّةِ مَنْعِ التَّفَاضُلِ وَالنَّسَاءِ فِي السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا قَالَ الْأَصْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةِ تَخْرِيجِ الْمَنَاطِ وَهِيَ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا وَرَدَ مَقْرُونًا بِأَوْصَافٍ كَمَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا مُنَاسِبَةً كَانَ الْجَمِيعُ عِلَّةً أَوْ بَعْضُهَا كَانَ الْمُنَاسِبُ عِلَّةً وَاحِدَةً فَأَسْعَدُ النَّاسِ أَرْجَحُهُمْ تَخْرِيجًا وَعِلَّةُ مَالِكٍ أَرْجَحُ لِسَبْعَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهَا صِفَةٌ ثَابِتَةٌ وَالْكَيْلُ عَارَضَهَا (وَثَانِيهَا) أَنَّهَا صِفَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِالْكَيْلِ وَغَيْرُهُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ (وَثَالِثُهَا) أَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ عَادَةً مِنْ هَذَا الْأَعْيَانِ وَغَيْرِهَا لَيْسَ كَذَلِكَ (وَرَابِعُهَا) أَنَّهَا جَامِعَةٌ لِلْأَوْصَافِ الْمُنَاسِبَةِ كُلِّهَا (وَخَامِسُهَا) أَنَّهَا سَابِقَةٌ عَلَى الْحُكْمِ وَالْكَيْلُ لَاحِقٌ مُخَلَّصٌ مِنْ الرِّبَا كَالْقَبْضِ لَا أَنَّهُ عِلَّتُهُ (وَسَادِسُهَا) أَنَّهَا جَامِعَةٌ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَا فِي النَّقْدَيْنِ وَالْكَيْلُ يَمْتَنِعُ فِي التَّمْرَةِ وَالتَّمْرَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا فَمِنْ هُنَا قَالَ الْحَفِيدُ وَالْحَنَفِيَّةُ تُعْتَبَرُ فِي الْمَكِيلِ قَدْرًا يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَيْلُ اهـ (وَسَابِعُهَا) أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِحَالَةِ الرِّبَا دُونَ حَالَةِ كَوْنِ الْحُبُوبِ حَشِيشًا ابْتِدَاءً وَرَمَادًا انْتِهَاءً وَالْكَيْلُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ فَحُجَّةُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَائِمَةٌ عَلَى الْفِرَقِ كُلِّهَا (أَمَّا أَوَّلًا) فَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ التَّحْرِيمَ أَصْلًا فِي الْحَدِيثِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْجِنْسِ لِاخْتِلَافِ صِفَاتِهِ وَلَا فِي الزَّكَوِيَّةِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهَا فِي الْمِلْحِ فَتَعَيَّنَ الْمِقْدَارُ وَلَمَّا كَانَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى فِي الرِّبَا إنَّمَا هُوَ أَنْ لَا يَغْبِنَ بَعْضُ النَّاسِ بَعْضًا وَأَنْ تُحْفَظَ أَمْوَالُهُمْ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْمَعَايِشِ وَهِيَ الْأَقْوَاتُ (وَأَمَّا ثَانِيًا) فَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتَصَّ النَّقْدَيْنِ لِشَرَفِهِمَا بِأَنَّهُمَا رُءُوسُ الْأَمْوَالِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ الْمُنَاسِبُ لَأَنْ لَا يُبْذَلَ الْكَثِيرُ فِي الْقَلِيلِ فَيَضِيعُ الزَّائِدُ فَشَدَّدَ فِيهِمَا فَشَرْطُ التَّسَاوِي وَالْحُضُورِ وَالتَّنَاجُزِ فِي الْقَبْضِ وَاخْتَصَّ تِلْكَ الْأَصْنَافَ الْأَرْبَعَةَ أَيْ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ وَالتَّمْرَ وَالْمِلْحَ وَهِيَ أَقْوَاتُهُمْ بِالْحِجَازِ لِاشْتِرَاكِهِمَا كُلِّهَا فِي الِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ وَالطَّعْمِ وَهِيَ صِفَاتُ شَرَفٍ تُنَاسِبُ أَنْ لَا يُبْذَلَ الْكَثِيرُ مِنْ مَوْصُوفِهَا بِالْقَلِيلِ (وَأَمَّا ثَالِثًا) فَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا لَمْ يَكْتَفِ بِالتَّثْنِيَةِ عَلَى الطَّعْمِ وَحْدَهُ بِالنَّصِّ عَلَى وَاحِدٍ

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الْعَبْدَلِيُّ لَا تَتَعَيَّنُ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ الصَّرْفِ وَالْكِرَاءِ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ النَّقْدَانِ يَتَعَيَّنَانِ بِالتَّعْيِينِ فِي الصَّرْفِ عِنْدَ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ تَعَيَّنَتْ بِالْقَبْضِ وَبِالْمُفَارَقَةِ وَلِذَلِكَ جَازَ الرِّضَى بِالزَّائِفِ فِي الصَّرْفِ. وَقَالَ سَنَدٌ فِي الطِّرَازِ إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ النَّقْدَانِ فَالْعَقْدُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ التَّسْلِيمَ فَإِذَا قُبِضَ فِي الصَّرْفِ رَدِيئًا، وَقَدْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَتَنَاوَلُهُ الْعَقْدُ فَيَفْسُدُ فَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّ الْقَبْضَ يُبْرِئُ الذِّمَّةَ وَتَعَيَّنَ صَحَّ الْعَقْدُ وَالطَّارِئُ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِحْقَاقٌ أَوْ عَيْبٌ أَوْ حُكْمٌ مُتَجَدِّدٌ لِنَفْيِ الظُّلَامَةِ كَعَقْدِ النِّكَاحِ مُبْرَمٌ مُفِيدٌ لِلْمِيرَاثِ وَحِلِّ الْوَطْءِ، وَإِذَا ظَهَرَ بَعْدَ الْمَوْتِ عَيْبٌ بِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ يُوجِبُ الرَّدَّ فَإِذَا رَضِيَ بِالْعَيْبِ بَقِيَ الْعَقْدُ عَلَى حَالِهِ وَإِنْ كَرِهَ الْآخَرُ وَإِنْ أَرَادَ الْبَدَلَ مَنَعَهُ مَالِكٌ إلَّا أَنْ يُدَلِّسَ بَائِعُهُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ وَاعْلَمْ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ يُحْوِجُ إلَى ذِكْرِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْمَسَائِلِ أَمَّا الصَّرْفُ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا قَالَ فِيهِ مَالِكٌ بِالتَّعْيِينِ فَلِضِيقِ بَابِهِ وَأَمَرَ الشَّرْعُ بِسُرْعَةِ الْقَبْضِ نَاجِزًا لِلتَّعْيِينِ وَذَلِكَ مُنَاسِبٌ لِلتَّضْيِيقِ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ يُحَصِّلُ مَقْصُودَ الْقَبْضِ نَاجِزًا بِخِلَافِ إذَا قُلْنَا إنَّ الصَّرْفَ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى الذِّمَّةِ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَبْضُ مُبْرِئًا لِمَا فِي الذِّمَّةِ إنْ كَانَ مُوَافِقًا وَأَنْ لَا يَكُونَ فَبِالتَّعْيِينِ يَحْصُلُ الْجَزْمُ بِالْقَبْضِ وَالتَّنَاجُزِ. وَأَمَّا الْكِرَاءُ فَيَصْعُبُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَغَايَتُهُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إنَّ الْكِرَاءَ يَرِدُ عَلَى الْمَنَافِعِ الْمَعْدُومَةِ فَلَوْ كَانَ النَّقْدَانِ لَا يَتَعَيَّنَانِ لَكَانَ الْكِرَاءُ أَيْضًا فِي الذِّمَّةِ فَيُشْبِهُ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ حَرَامٌ بِخِلَافِ جَمِيعِ الْأَعْيَانِ فَإِنَّهَا تَتَعَيَّنُ غَيْرَ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ يُشْكِلُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْكِرَاءُ عَلَى الذِّمَّةِ تَصْرِيحًا وَيُعَيِّنُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيُطْلَبُ لَهُ فَرْقٌ يَلِيقُ بِهِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا جَرَى غَيْرُ النَّقْدَيْنِ مَجْرَاهُمَا فِي الْمُعَامَلَةِ كَالْفُلُوسِ أَوْ غَيْرِهَا قَالَ سَنَدٌ مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إلَى آخِرِهَا) قُلْت الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى عَدَمِ تَعْيِينِ النَّقْدَيْنِ بِالتَّعْيِينِ فَلِذَلِكَ أُشْكِلَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْ الصَّرْفِ وَالْكِرَاءِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ الْأَصْلَ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَا إشْكَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إلَى آخِرِهَا) قُلْت قَوْلُ أَشْهَبَ فِي سُكْنَى الدَّارِ الْمَأْخُوذَةِ فِي الدَّيْنِ أَوْجُهٌ كَمَا قَالَ الشِّهَابُ وَمَا قَالَهُ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ أَنَّهُ أَخَذَ شَبَهًا مِمَّا فِي الذِّمَّةِ ضَعِيفٌ، بَلْ هُوَ مُعَيَّنٌ، وَأَمَّا كَوْنُ ضَمَانِهِ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ الْمُبْتَاعِ فَلِأُمُورٍ غَيْرِ كَوْنِهِ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ فِي الْفُرُوقِ السِّتَّةِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ كُلُّهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ تِلْكَ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ. بَلْ ذَكَرَ تِلْكَ الْأَصْنَافَ كُلَّهَا عُلِمَ أَنَّهُ قَصَدَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا التَّنْبِيهَ عَلَى مَا فِي مَعْنَاهُ فَنَبَّهَ بِالْبُرِّ عَلَى قُوتِ الرَّفَاهِيَةِ وَبِالشَّعِيرِ عَلَى قُوتِ الشِّدَّةِ مِنْ أَصْنَافِ الْحُبُوبِ الْمُدَّخَرَةِ وَبِالتَّمْرِ عَلَى الْمُقْتَاتِ مِنْ الْحَلَاوَاتِ الْمُدَّخَرَةِ كَالزَّبِيبِ وَالْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ وَبِالْمِلْحِ عَلَى مَصَالِحِ الْأَقْوَاتِ مِنْ جَمِيعِ التَّوَابِلِ الْمُدَّخَرَةِ لِإِصْلَاحِ الطَّعَامِ وَأَنَّهُ قَصَدَ مَا يَجْمَعُهَا مِنْ الِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ لَا الطَّعْمُ وَحْدَهُ فَلِذَا زَادَ مَالِكٌ عَلَى الطَّعْمِ صِفَةً وَاحِدَةً وَهُوَ الِادِّخَارُ كَمَا فِي الْمُوَطَّإِ أَوْ صِنْفَيْنِ وَهُمَا الِادِّخَارُ وَالِاقْتِيَاتُ كَمَا فِي غَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ جَمِيعُ الْبَغْدَادِيِّينَ (وَأَمَّا رَابِعُهَا) فَلِأَنَّ الشَّرَفَ لَمَّا كَانَ يَقْتَضِي كَثْرَةَ الشُّرُوطِ وَتَمْيِيزَهُ عَلَى الْخَسِيسِ أَلَا تَرَى تَمْيِيزَ النِّكَاحِ عَنْ مِلْكِ الْيَمِينِ بِالشُّرُوطِ كَالْوَلِيِّ وَالشُّهُودِ وَالصَّدَاقِ وَالْإِعْلَانِ وَإِنَّ الْمُلُوكَ لَا تَكْثُرُ الْحُرَّاسُ إلَّا عَلَى الْخَزَائِنِ النَّفِيسَةِ فَكُلَّمَا عَظُمَ شَرَفُ الشَّيْءِ عَظُمَ خَطَرُهُ عَقْلًا وَشَرْعًا وَعَادَةً وَكَانَ لِلطَّعَامِ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ وَلِلْمُقْتَاتِ مِنْهُ شَرَفٌ عَلَى غَيْرِ الْمُقْتَاتِ لِعِظَمِ مَصْلَحَتِهِ فِي نَوْعِ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ إذْ هُوَ سَبَبُ بَقَاءِ الْأَبْنِيَةِ الشَّرِيفَةِ لِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ طُولِ الْأَزْمَانِ نَاسَبَ ذَلِكَ لِلصَّوْنِ عَنْ الضَّيَاعِ بِأَنْ لَا يُبْذَلَ الْكَثِيرُ بِالْقَلِيلِ فَيَضِيعُ الزَّائِدُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَإِنَّمَا جَازَ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسَيْنِ وَإِهْدَارُ الزَّائِدِ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ فِي تَحْصِيلِ الْمَفْقُودِ وَامْتَنَعَ النَّسَاءُ إظْهَارًا لِشَرَفِ الطَّعَامِ (وَأَمَّا خَامِسُهَا) فَلِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْكَيْلِ وَإِنْ كَانَ طَرْدِيًّا إلَّا أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْمُنَاسِبُ نَعَمْ قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ إذَا تُؤُمِّلَ الْأَمْرُ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى ظَهَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ عِلَّةَ الْحَنَفِيَّةِ أَوْلَى الْعِلَلِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَظْهَرُ مِنْ الشَّرْعِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا إنَّمَا هُوَ لِمَكَانِ الْغَبْنِ الْكَثِيرِ الَّذِي فِيهِ وَأَنَّ الْعَدْلَ فِي الْمُعَامَلَاتِ إنَّمَا هُوَ مُقَارَبَةُ التَّسَاوِي وَلِذَلِكَ لَمَّا عَسُرَ إدْرَاكُ التَّسَاوِي فِي الْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ الذَّوَاتِ جَعَلَ الدِّينَارَ وَالدِّرْهَمَ لِتَقْوِيمِهَا أَعْنِي تَقْدِيرَهَا وَلَمَّا كَانَتْ الْأَشْيَاءُ الْمُخْتَلِفَةُ الذَّوَاتِ أَعْنِي غَيْرَ الْمَوْزُونَةِ وَالْمَكِيلَةِ الْعَدْلِ فِيهَا إنَّمَا هُوَ فِي وُجُودِ النِّسْبَةِ أَعْنِي أَنْ تَكُونَ نِسْبَةُ قِيمَةِ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ إلَى جِنْسِهِ نِسْبَةَ قِيمَةِ الشَّيْءِ الْآخَرِ إلَى جِنْسِهِ مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَدْلَ فِيمَا إذَا بَاعَ إنْسَانٌ فَرَسًا بِثِيَابٍ هُوَ أَنْ تَكُونَ نِسْبَةُ قِيمَةِ ذَلِكَ الْفَرَسِ إلَى الْأَفْرَاسِ هِيَ نِسْبَةُ قِيمَةِ ذَلِكَ الثَّوْبِ إلَى الثِّيَابِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْفَرَسُ قِيمَته خَمْسُونَ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الثِّيَابُ قِيمَتُهَا خَمْسُونَ فَلْيَكُنْ مَثَلًا الَّذِي يُسَاوِي هَذَا الْقَدْرَ عَدَدُهَا وَهُوَ عَشَرَةُ أَثْوَابٍ فَحِينَئِذٍ اخْتِلَافُ الْمَبِيعَاتِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فِي الْعَدَدِ وَاجِبٌ فِي الْمُعَامَلَةِ الْعِدْلَةِ أَعْنِي أَنْ يَكُونَ عَدِيلُ فَرَسٍ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ فِي الْمِثْلِ وَالْأَشْيَاءُ الْمَكِيلَةُ وَالْمَوْزُونَةُ لَمَّا كَانَتْ لَا تَخْتَلِفُ كُلَّ الِاخْتِلَافِ وَكَانَتْ مَنَافِعُهَا مُتَقَارِبَةً وَلَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ ضَرُورِيَّةٌ

أَجْرَى الْفُلُوسَ مَجْرَى النَّقْدَيْنِ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا جَعَلَهَا كَالنَّقْدَيْنِ وَمُنِعَ الْبَدَلُ فِي الصَّرْفِ إذَا وُجِدَ بَعْضُهَا رَدِيئًا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا اشْتَرَيْت فُلُوسًا بِدَرَاهِمَ فَوُجِدَتْ بَعْدَ التَّفَرُّقِ بَعْضُ الْفُلُوسِ رَدِيئًا اُسْتُحِقَّ الْبَدَلُ لِلْخِلَافِ فِيهَا، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْفُلُوسَ يُكْرَهُ الرِّبَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، التَّحْرِيمُ وَالْإِبَاحَةُ وَالْكَرَاهَةُ وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ الْمُسْتَثْنَاةُ الْمُشَخَّصَاتُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا كَانَ لَك دَيْنٌ عَلَى أَحَدٍ لَا يَجُوزُ أَنْ تَأْخُذَ فِيهِ سُكْنَى دَارٍ أَوْ خِدْمَةَ عَبْدٍ أَوْ ثَمَرَةً يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا وَإِنْ عَيَّنْت جَمِيعَ ذَلِكَ وَأَجْرَاهُ مَجْرَى فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ لِأَجْلِ صُورَةِ التَّأَخُّرِ فِي الْقَبْضِ وَإِنْ عَيَّنَ مَحَلَّ الْمُعَاوَضَةِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَشْبَهَ الدَّيْنَ، وَقَالَ أَشْهَبُ يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَجْلِ التَّعْيِينِ، وَالتَّعَيُّنُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الذِّمَّةِ وَمَا لَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ لَا يَكُونُ دَيْنًا، فَلَيْسَ هَا هُنَا فَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ وَهُوَ أَوْجَهُ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مِنْ التَّقْسِيمِ لَا هُوَ مُعَيَّنٌ مُطْلَقًا وَلَا هُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مُطْلَقًا، بَلْ أَخَذَ شَبَهًا مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ بَيْعُ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ غَيْرُ مَرْئِيٍّ أَشْبَهَ مَا فِي الذِّمَّةِ وَلِذَلِكَ قِيلَ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ عَلَى جِنْسٍ، بَلْ عَلَى مُشَخَّصٍ مُعَيَّنٍ أَشْبَهَ الْمُعَيَّنَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلِذَلِكَ قِيلَ ضَمَانُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَبِيعُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ سَلَمٌ فِي الذِّمَّةِ وَغَائِبٌ عَلَى الصِّفَةِ وَحَاضِرٌ مُعَيَّنٌ فَهَذِهِ أَقْسَامُ مَا يَتَعَيَّنُ وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَبْسُوطٌ. (الْفَرْقُ التِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ) وَالضَّابِطُ عِنْدَنَا لَهُ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَصَرَهُ أَرْبَابُ الظَّاهِرِ عَلَى الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْحَدِيثِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرَّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» فَقَالُوا يَحْرُمُ رِبَا الْفَضْلِ فِي هَذِهِ السِّتَّةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] ، وَجَوَابُهُمْ قَوْله تَعَالَى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَالرِّبَا الزِّيَادَةُ وَهَذِهِ زِيَادَةٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - كَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَغَيْرِهِ لَا يَحْرُمُ رِبَا الْفَضْلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا صِنْفٌ أَنْ يَسْتَبْدِلَهُ بِذَلِكَ الصِّنْفِ بِعَيْنِهِ إلَّا عَلَى جِهَةِ السَّرَفِ كَانَ الْعَدْلُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُوجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ فِيهَا تَعَامُلٌ لِكَوْنِ مَنَافِعِهَا غَيْرَ مُخْتَلِفَةٍ وَالتَّعَامُلُ إنَّمَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ فِي الْمَنَافِعِ الْمُخْتَلِفَةِ فَحِينَئِذٍ مُنِعَ التَّفَاضُلُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَعْنِي الْمَكِيلَةَ وَالْمَوْزُونَةَ لَهُ عِلَّتَانِ إحْدَاهُمَا وُجُودُ الْعَدْلِ فِيهَا وَالثَّانِيَةُ مَنْعُ الْمُعَامَلَةِ إذْ كَانَتْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا مِنْ بَابِ السَّرَفِ. وَأَمَّا الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ فَعِلَّةُ الْمَنْعِ فِيهَا أَظْهَرُ إذَا كَانَتْ هَذِهِ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الرِّبْحَ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِهَا تَقْدِيرُ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَهَا مَنَافِعُ ضَرُورِيَّةٌ وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَبِرُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْكَيْلَ وَالطَّعْمَ وَهُوَ مَعْنًى جَيِّدٌ لِكَوْنِ الطَّعْمِ ضَرُورِيًّا فِي أَقْوَاتِ النَّاسِ فَإِنَّهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حِفْظُ الْعَيْنِ وَحِفْظُ السَّرَفِ فِيمَا هُوَ قُوتٌ أَهَمُّ مِنْهُ فِيمَا لَيْسَ هُوَ قُوتًا اهـ. لَكِنْ لَا يَخْفَاك أَنَّ الْكَيْلَ لَيْسَ بِصِفَةٍ ثَابِتَةٍ، بَلْ عَارِضٍ، وَلَيْسَ بِصِفَةٍ مُخْتَصَّةٍ، بَلْ غَيْرُ مُخْتَصٍّ، وَلَيْسَ بِصِفَةٍ مَقْصُودَةٍ عَادَةً مِنْ هَذِهِ الْأَعْيَانِ، وَلَيْسَ بِصِفَةٍ جَامِعَةٍ لِلْأَوْصَافِ الْمُنَاسَبَةِ كُلِّهَا، بَلْ لَيْسَ هُوَ بِصِفَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى الْحُكْمِ وَإِنَّمَا هُوَ لَاحِقٌ مُلَخَّصٌ مِنْ الرَّبَّا كَالْقَبْضِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّتُهُ عَلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ فِي الْقَلِيلِ كَالتَّمْرَةِ وَالتَّمْرَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا بِخِلَافِ عِلَّةِ مَالِكٍ كَمَا تَقَدَّمَ نَعَمْ لَوْ صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ الَّتِي رُبَّمَا احْتَجَّ بِهَا الْأَحْنَافُ؛ لِأَنَّ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورَةً تَنْبِيهًا قَوِيًّا عَلَى اعْتِبَارِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ مِنْهَا أَنَّهُمْ رَوَوْا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَضَمِّنَةِ الْمُسَمَّيَاتِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ زِيَادَةً وَهِيَ كَذَلِكَ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ وَفِي بَعْضِهَا. وَكَذَلِكَ الْمِكْيَالُ وَالْمِيزَانُ لَكَانَ نَصًّا فِي ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَذَاهِبُ اثْنَا عَشَرَ عَشَرَةٌ مِنْهَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا وَمَذْهَبَانِ لَا تَعْلِيلَ فِيهِمَا وَهُمَا قَصْرُ مَنْعِ رِبَا الْفَضْلِ وَالنَّسَاءِ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَقَصْرُ مَنْعِ الرِّبَا عَلَى النَّسَاءِ وَإِبَاحَةِ التَّفَاضُلِ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ 2 - (الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ) جِهَةُ كَوْنِ الْمَعْنَى الْعَامِّ الْمَفْهُومِ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الَّتِي وَقَعَ التَّنْبِيهُ بِهَا عَلَيْهَا لِيَتَأَدَّى بِهِ إلْحَاقُ غَيْرِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ بِهَا فِي مَنْعِ التَّفَاضُلِ وَالنَّسَاءِ هَلْ يُؤَدِّي إلَى قِيَاسِ الشَّبَهِ أَوْ قِيَاسِ الْعِلَّةِ قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ جَمِيعٌ مِنْ الْحَقِّ الْمَسْكُوتِ هَاهُنَا بِالْمَنْطُوقِ بِهِ إنَّمَا أَلْحَقَهُ بِقِيَاسِ الشَّبَهِ لَا بِقِيَاسِ الْعِلَّةِ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي ذَلِكَ الْمَالِيَّةِ، وَقَالَ عِلَّةُ مَنْعِ الرِّبَا إنَّمَا هِيَ حِيَاطَةُ الْأَمْوَالِ يُرِيدُ مَنْعَ الْعَيْنِ قَالَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَائِسِينَ دَلِيلٌ فِي اسْتِنْبَاطِ الشَّبَهِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ فِي إلْحَاقِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِالْمَنْطُوقِ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ يَعْنِي مَا عَدَا النَّقْدَيْنِ أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ

«إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» وَهَذِهِ صِيغَةُ حَصْرٍ تَقْتَضِي انْحِصَارَ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ فِي النَّسِيئَةِ فَلَا يَحْرُمُ الْفَضْلُ وَجَوَابُهُمْ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «سُئِلَ عَنْ مُبَادَلَةِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ فَقَالَ إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ وَلَا يَحْرُمُ مَا ذَكَرْتُمْ إلَّا أَنْ يَتَأَخَّرَ» فَسَمِعَ الْجَوَابَ دُونَ السُّؤَالِ، وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ هَذَا فَالْقَاعِدَةُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ مُطْلَقُ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَحْوَالِ وَالْبِقَاعِ وَالْمُتَعَلِّقَاتِ، وَهَذَا النَّصُّ عَامٌّ فِي أَفْرَادِ الرِّبَا مُطْلَقٌ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ فَيُحْمَلُ عَلَى اخْتِلَافِ الْجِنْسِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَالْمُطْلَقُ إذَا عُمِلَ بِهِ فِي صُورَةٍ سَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِهِ فِيمَا عَدَا. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ هُوَ الضَّابِطُ وَالْعِلَّةُ فِي مَنْعِ الرِّبَا فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي جِنْسٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَانَ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ لِذِكْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَجْنَاسًا لَا تَجْمَعُهَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ تَبْقَ إلَّا الْجِنْسِيَّةُ؛ وَلِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَقْتَضِي الْمُقَابَلَةَ وَفِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ يَكُونُ الزَّائِدُ لَا مُقَابِلَ لَهُ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مُوجِبُ الْعَقْدِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ لَا يُفِيدُ مَقْصُودُهُ يَبْطُلُ وَجَوَابُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَاجَرَ إلَيْهِ عَبْدٌ فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ مِنْ سَيِّدِهِ» وَلِقَضَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةِ الْأَسْمَاءِ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْجِنْسِيَّةَ لَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَبِيعُوا جِنْسًا وَاحِدًا بِجِنْسِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ؛ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِفَصَاحَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُعَاوَضَةُ تَتْبَعُ غَرَضَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَقَدْ يُقْصَدُ جَعْلُ الْجُمْلَةِ قُبَالَةَ الْجُمْلَةِ فَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ، وَقَالَ رَبِيعَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الضَّابِطُ لِرِبَا الْفَضْلِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا يُبَاعُ بَعِيرٌ بِبَعِيرٍ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ وُرُودُ النَّصِّ فِي الْمِلْحِ، وَلَيْسَ بِزَكَوِيٍّ وَخَصَّصَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ السِّتَّةِ الْوَارِدَةِ فِي الْحَدِيثِ. وَالْحُكْمُ الْمُشْتَرَكُ تَكُونُ عِلَّتُهُ مُشْتَرَكَةً وَرَجَعَ إلَى الْعِلَّةِ الطَّعْمُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ إنْ كَانَ قُوتًا وَإِدَامًا أَوْ فَاكِهَةً أَوْ دَوَاءَ الْآدَمِيِّينَ دُونَ مَا تَأْكُلُهُ الْبَهَائِمُ فَإِنْ أَكَلَهُ الْآدَمِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ رُوعِيَ الْأَغْلَبُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَعَامًا لِلْآدَمِيِّينَ كَالْوَرْدِ وَالرَّيَاحِينِ وَنَوَى التَّمْرِ لَمْ يَدْخُلْهُ الرِّبَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» رَتَّبَ مَنْعَ التَّفَاضُلِ عَلَى اسْمِ الطَّعَامِ وَتَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ، يَقْتَضِي عِلِّيَّةَ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ نَحْوُ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} [المائدة: 38] وَسَيَأْتِي جَوَابُهُ وَخَصَّصَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي تَثْبِيتِ عِلَّتِهِمْ الشَّبَهِيَّةُ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّقَ بِاسْمٍ مُشْتَقٍّ دَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي اُشْتُقَّ مِنْهُ الِاسْمُ هُوَ عِلَّةُ الْحُكْمِ، وَقَدْ جَاءَ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْن عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ كُنْت أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» فَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ الطَّعْمَ هُوَ الَّذِي عُلِّقَ بِهِ الْحُكْمُ، وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَزَادُوا عَلَى الطَّعْمِ إمَّا صِفَةً وَاحِدَةً وَهُوَ الِادِّخَارُ عَلَى مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَإِمَّا صِفَتَيْنِ وَهُوَ الِادِّخَارُ وَالِاقْتِيَاتُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْبَغْدَادِيِّينَ وَتَمَسَّكُوا فِي اسْتِنْبَاطِ هَذِهِ الْعِلَّةِ (أَوَّلًا) بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ الطَّعْمَ وَحْدَهُ لَاكْتَفَى بِالتَّنْبِيهِ عَلَى ذَلِكَ بِالنَّصِّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَرْبَعَةِ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ لَكِنَّهُ لَمْ يَكْتَفِ بِوَاحِدٍ مِنْهَا، بَلْ ذَكَرَهَا كُلَّهَا لِيُنَبِّهَ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ عَلَى أَصْنَافِ الْحُبُوبِ الْمُدَّخَرَةِ وَبِالتَّمْرِ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحَلَاوَاتِ الْمُدَّخَرَةِ وَبِالْمِلْحِ عَلَى جَمِيعِ التَّوَابِلِ الْمُدَّخَرَةِ لِإِصْلَاحِ الطَّعَامِ (وَثَانِيًا) بِأَنَّ مَعْقُولَ الْمَعْنَى فِي الرِّبَا لَمَّا كَانَ إنَّمَا هُوَ أَنْ لَا يَغْبِنَ بَعْضُ النَّاسِ بَعْضًا وَأَنْ تُحْفَظَ أَمْوَالُهُمْ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْمَعَايِشِ وَهِيَ الْأَقْوَاتُ، وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَعُمْدَتُهُمْ فِي اعْتِبَارِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا عَلَّقَ التَّحْلِيلَ بِاتِّفَاقِ الصِّنْفِ وَاتِّفَاقِ الْقَدْرِ وَعَلَّقَ التَّحْرِيمَ بِاتِّفَاقِ الصِّنْفِ وَاخْتِلَافِ الصِّنْفِ فِي «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَامِلِهِ بِخَيْبَرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ يَدًا بِيَدٍ» رَأَوْا أَنَّ التَّقْدِيرَ أَعْنِي الْكَيْلَ أَوْ الْوَزْنَ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ كَتَأْثِيرِ الصِّنْفِ اهـ. الْمُحْتَاجُ مِنْهُ مُلَخَّصًا. وَقَالَ الْأَصْلُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ قِيَاسِ الْعِلَّةِ لَا مِنْ بَابِ قِيَاسِ الشَّبَهِ وَذَلِكَ أَنَّ قِيَاسَ الشَّبَهِ إمَّا فِي الْحُكْمِ كَقِيَاسِ الْوُضُوءِ عَلَى وُجُوبٍ فِي التَّيَمُّمِ النِّيَّةُ لِأَنَّهُمَا طَهَارَتَانِ وَالطَّهَارَةُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ. وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ كَقِيَاسِ الْخَلِّ عَلَى الدُّهْنِ فِي مَنْعِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِهِ أَوْ فِي الْمَقَاصِدِ كَقِيَاسِ الْأَرُزِّ عَلَى الْبُرِّ بِجَامِعِ اتِّحَادِهِمَا فِي الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا عَادَةً وَإِنْ لَمْ نَطَّلِعْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَقْصِدَ يُنَاسِبُ مَنْعَ الرِّبَا وَقِيَاسُ الْعِلَّةِ لَا يَكُونُ الْجَامِعُ فِيهِ إلَّا وَصْفًا مُنَاسِبًا وَضَابِطُ الْمُنَاسِبِ مَا يُتَوَقَّعُ مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ حُصُولُ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَرْءُ مَفْسَدَةٍ كَتَرْتِيبِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ عَلَى الْإِسْكَارِ لِدَرْءِ مَفْسَدَةِ ذَهَابِ الْعَقْلِ وَكَإِيجَابِ الْقِصَاصِ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ حِفْظِ النَّفْسِ أَيْ الْمُنَاسَبَةُ الْحَاصِلَةُ هُنَا مِنْ كَوْنِ الْأَعْيَانِ شَرِيفَةً بِالْقُوتِ أَوْ رُءُوسُ الْأَمْوَالِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ هِيَ أَظْهَرُ فِي أَنْ يُتَوَقَّعَ مِنْ تَرْتِيبِ مَنْعِ الرِّبَا عَلَيْهَا حُصُولُ مَصْلَحَةِ صَوْنِ الشَّرِيفِ عَنْ الْغَبْنِ بِذَهَابِ الزَّائِدِ هَدَرًا وَتَمْيِيزُهُ عَنْ الْخَسِيسِ بِكَثْرَةِ الشُّرُوطِ مِنْ أَنْ يُقَالَ

أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، وَلَوْ كَانَ تُرَابًا؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْحَدِيثِ الْأَطْعِمَةُ مَكِيلَاتٌ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، وَكَذَا كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ قَالَ سَنَدٌ فِي الطِّرَازِ قَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ وَجَمَاعَةٌ الْعِلَّةُ كَوْنُهُ مُقْتَاتًا فَيَمْتَنِعُ الرِّبَا فِي الْمِلْحِ وَالْبَيْضِ دُونَ الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَاتُ وَهُوَ جَارٍ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَعَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الِادِّخَارُ مَعَ الِاقْتِيَاتِ فَلَا رِبَا فِي الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ كَاللَّوْزِ وَالْجَوْزِ وَلَا فِي الْبَيْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدَّخَرُ قَالَ: وَقَالَ الْبَاجِيَّ هُوَ أُجْرِيَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَنْ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ الْعِلَّةَ الْأَكْلُ وَالِادِّخَارُ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَيَجْرِي الرِّبَا فِي الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ وَعَلَى هَذِهِ يَخْتَلِفُ فِيمَا يَقِلُّ ادِّخَارُهُ كَالْخَوْخِ وَالرُّمَّانِ فَأَجْرَى ابْنُ نَافِعٍ فِيهِ الرِّبَا نَظَرًا لِجِنْسِهِ وَأَجَازَهُ مَالِكٌ فِي الْكِتَابِ نَظَرًا لِلْغَالِبِ وَعَلَى هَذِهِ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثِ فَلَا يَجْرِي الْخِلَافُ فِي التُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ وَالْكُمَّثْرَى وَالْخَوْخِ الرَّطْبِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي يَابِسِهَا وَلِأَصْحَابِنَا فِي الْمِلْحِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ مِنْهُمْ مَنْ عَلَّلَهُ بِالِاقْتِيَاتِ وَصَلَاحِ الْقُوتِ فَأَلْحَقُوا بِهِ التَّوَابِلَ. وَقِيلَ بِالْأَكْلِ وَالِادِّخَارِ، وَقِيلَ بِكَوْنِهِ إدَامًا فَلَا يُلْحَقُ بِهِ الْفِلْفِلُ وَنَحْوُهُ، وَقَالَ أَبُو الطَّاهِرِ، وَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ التَّعْلِيلُ بِالْمَالِيَّةِ، وَقِيلَ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ مَعَ كَوْنِهِ غَالِبَ الْعَيْشِ وَفِي الْجَوَاهِرِ الْمَعْلُولُ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ مَجْمُوعُ الِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ وَأَلْزَمَنَا الشَّافِعِيَّةَ عَلَى تَعْلِيلِ الْمِلْحِ بِإِصْلَاحِ الْأَقْوَاتِ جَرَيَانُ الرِّبَا فِي الْأَقَاوِيَّةِ، وَالْأَحْطَابِ وَالنِّيرَانِ؛ لِأَنَّهَا مُصْلِحَةٌ لِلْأَقْوَاتِ وَجَوَابُهُ أَنَّا لَا نَقْتَصِرُ عَلَى مُطْلَقِ الْإِصْلَاحِ، بَلْ نَقُولُ هُوَ قُوتٌ مُصْلِحٌ وَهَذِهِ لَيْسَتْ قُوتًا وَنَلْزَمُ الرِّبَا فِي الْأَقَاوِيَّةِ فَهَذِهِ اثْنَا عَشَرَ مَذْهَبًا مِنْهَا عَشَرَةٌ فِي عِلَّةِ الرِّبَا مَنْعُ الرِّبَا مُطْلَقًا إلَّا فِي النَّسَاءِ مَنَعَهُ فِي النَّسَاءِ مَعَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَهَذَانِ مَذْهَبَانِ لَا تَعْلِيلَ فِيهِمَا وَالْعَشَرَةُ فِي التَّعْلِيلِ هِيَ تَعْلِيلُهُ بِالْجِنْسِ تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ زَكَوِيًّا تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ مَكِيلًا تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ مَطْعُومًا تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ مُقْتَاتًا تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ مُقْتَاتًا مُدَّخَرًا تَعْلِيلُهُ بِالْأَكْلِ وَالِادِّخَارِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ تَعْلِيلُهُ بِالْمَالِيَّةِ تَعْلِيلُهُ بِالِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ مَعَ الْغَلَبَةِ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ عَلَّلَ الْبُرَّ بِالْقُوتِ غَالِبًا وَالشَّعِيرَ بِالْقُوتِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالتَّمْرَ بِالتَّفَكُّهِ غَالِبًا وَالْمِلْحَ بِإِصْلَاحِ الْقُوتِ فَيَحْصُلُ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ هَلْ الْعِلَّةُ فِي الْجَمِيعِ وَاحِدَةٌ أَوْ مُتَعَدِّدَةٌ، وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ أَيْضًا هَلْ اتِّحَادُ الْجِنْسِ جُزْءُ عِلَّةٍ لِلتَّوَقُّفِ عَلَيْهِ أَوْ شَرْطٌ فِي اعْتِبَارِ الْعِلَّةِ لِعُرُوِّهِ عَنْ الْمُنَاسَبَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا شَبَهٌ فِي مَقْصِدٍ لَمْ نَطَّلِعْ أَنَّهُ يُنَاسِبُ مَنْعَ الرِّبَا فَافْهَمْ هَذَا تَوْضِيحُ خِلَافِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ النَّهْيَ الْمُتَعَلِّقَ بِأَعْيَانِ هَذِهِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ. وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ النَّهْيَ الْمُتَعَلِّقَ بِهَا مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ وَقَصَرُوا الرِّبَا عَلَى السِّتَّةِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْقَوَاعِدِ هُمْ إمَّا مُنْكِرُو الْقِيَاسِ أَيْ اسْتِنْبَاطِ الْعِلَلِ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَهُمْ الظَّاهِرِيَّةُ أَوْ مُنْكِرُو قِيَاسِ الشَّبَهِ خَاصَّةً وَإِنَّ الْقِيَاسَ فِي هَذَا الْبَابِ شَبَهٌ فَلَمْ يَقُولُوا بِهِ وَهُوَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ فَلَا جَرَمَ لَمْ يُلْحَقْ بِمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ إلَّا الزَّبِيبُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ قِيَاسٍ لَا فَارِقٍ وَهُوَ قِيَاسُ الْمَعْنَى وَهُوَ نَوْعٌ آخَرُ غَيْرُ قِيَاسَيْ الشَّبَهِ وَالْعِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ إلْحَاقِ الذُّكُورِ بِالْإِنَاثِ مِنْ الرَّقِيقِ فِي تَشْطِيرٍ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] لَمْ يَتَنَاوَلْ الذُّكُورَ فَأُلْحِقُوا بِهِنَّ لِعَدَمِ الْفَارِقِ خَاصَّةً لَا لِحُصُولِ الْجَامِعِ، وَكَذَلِكَ أُلْحِقَ بِالْعَبْدِ الْأَمَةُ فِي التَّقْوِيمِ فِي الْعِتْقِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ» إلَخْ؛ لِأَنَّهُ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَجْرِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ قِيَاسَ الْمَعْنَى إلَّا بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ دُونَ بَقِيَّةِ السِّتَّةِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي الْأَصْلِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا فِيهِ الرِّبَا وَقَاعِدَةِ مَا لَا رِبَا فِيهِ وَحِكَايَةُ الْمَذَاهِبِ فِي ذَلِكَ وَمَدَارِكُهَا وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الْبِدَايَةِ وَغَيْرِهَا لِيَحْصُلَ الِاطِّلَاعُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَقَاعِدَةِ تَعَدُّدِهِ فِي بَابِ رِبَا الْفَضْلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ تَعَدُّدِهِ) وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) أَنَّ مَقْصُودَ الشَّارِعِ مِنْ الدُّنْيَا أَنْ تَكُونَ مَزْرَعَةَ الْآخِرَةِ وَمَطِيَّةَ السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ، وَأَمَّا مَا عَدَاهُ فَمَعْزُولٌ عَنْ مَقْصِدِ الشَّارِعِ فِي الشَّرَائِعِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ إلَّا مَا هُوَ عِمَادُ الْأَقْوَاتِ وَحَافِظُ قَانُونِ الْحَيَاةِ وَمُقِيمُ بِنْيَةِ الْأَشْبَاحِ الَّتِي هِيَ مَرَاكِبُ الْأَرْوَاحِ إلَى دَارِ الْقَرَارِ وَيُلْغَى فِي نَظَرِهِ تَفَاوُتُ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ دَاعِيَةُ السَّرَفِ وَلَا يُقْصَدُ إلَّا لِلتَّرَفِ فَلَوْ رَتَّبَ الشَّرْعُ عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ لَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ اعْتِبَارِهِ وَمُنَبِّهًا عَلَى رِفْعَةِ قَدْرِهِ وَمَنَارِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ وَالْقَانُونِ الْحُكْمِيِّ فَفُرُوعُ بَابِ اتِّحَادِ الْأَجْنَاسِ وَاخْتِلَافُهَا وَإِنْ كَثُرَتْ وَانْتَشَرَتْ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَعَلَيْهَا بَنَى تِلْكَ الْفُرُوعَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - (فَمِنْ تِلْكَ الْفُرُوعِ) أَنَّ السُّلْتَ وَالشَّعِيرَ عِنْدَ مَالِكٍ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ اخْتَلَفَا جَوْدَةً وَرَدَاءَةً إلَّا أَنَّهُمَا اتَّفَقَا فِي الْمَنَافِعِ وَالْمُتَّفِقَةُ الْمَنَافِعِ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا بِاتِّفَاقٍ (وَمِنْهَا) أَنَّ قَوْمًا ذَهَبُوا إلَى أَنَّ

حُجَّتُنَا عَلَى الْفِرَقِ كُلِّهَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ التَّحْرِيمَ أَصْلًا فِي الْحَدِيثِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْجِنْسِ لِاخْتِلَافِ صِفَاتِهِ فَتَعَيَّنَ الْمِقْدَارُ وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ هِيَ أَقْوَاتُهُمْ بِالْحِجَازِ فَالْبُرُّ لِلرَّفَاهِيَةِ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَقِيلَ الْمُرَادُ قُوتُ الرَّفَاهِيَةِ فَذَكَرَ الشَّعِيرَ لِيُنَبِّهَ بِهِ عَلَى قُوتِ الشِّدَّةِ، وَذَكَرَ التَّمْرَ لِيُنَبِّهَ بِهِ عَلَى الْمُقْتَاتِ مِنْ الْحَلَاوَاتِ كَالزَّيْتِ وَالْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ، وَذَكَرَ الْمِلْحَ لِيُنَبِّهَ بِهِ عَلَى مُصْلِحِ الْأَقْوَاتِ وَاشْتَرَكَتْ كُلُّهَا فِي الِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ وَالطَّعْمِ وَهِيَ صِفَاتُ شَرَفٍ يُنَاسِبُ أَنْ لَا يُبَدَّلَ الْكَثِيرُ مِنْ مَوْصُوفِهَا بِالْقَلِيلِ مِنْهُ صَوْنًا لِلشَّرِيفِ عَنْ الْغَبْنِ فَيَذْهَبُ الزَّائِدُ هَدَرًا؛ وَلِأَنَّ الشَّرَفَ يَقْتَضِي كَثْرَةَ الشُّرُوطِ وَتَمْيِيزَهُ عَنْ الْخَسِيسِ كَتَمْيِيزِ النِّكَاحِ عَنْ مِلْكِ الْيَمِينِ بِالشُّرُوطِ كَالْوَلِيِّ وَالشُّهُودِ وَالصَّدَاقِ وَالْإِعْلَانِ، وَكَذَلِكَ الْمُلُوكُ لَا تَكْثُرُ الْحُرَّاسُ إلَّا عَلَى الْخَزَائِنِ النَّفِيسَةِ فَكُلَّمَا عَظُمَ شَرَفُ الشَّيْءِ عَظُمَ خَطَرُهُ عَقْلًا وَشَرْعًا وَعَادَةً وَجَازَ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسَيْنِ وَإِهْدَارُ الزَّائِدِ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ فِي تَحْصِيلِ الْمَفْقُودِ وَامْتَنَعَ النَّسَاءُ إظْهَارًا لِشَرَفِ الطَّعَامِ، فَيَكُونُ لِلطَّعَامِ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ وَلِلْمُقْتَاتِ مِنْهُ شَرَفٌ عَلَى غَيْرِ الْمُقْتَاتِ لِعِظَمِ مَصْلَحَتِهِ فِي نَوْعِ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَهُوَ سَبَبُ بَقَاءِ الْأَبْنِيَةِ الشَّرِيفَةِ لِطَاعَةِ اللَّهِ مَعَ طُولِ الْأَزْمَانِ فَنَاسَبَ جَمِيعُ ذَلِكَ الصَّوْنَ عَنْ الضَّيَاعِ بِأَنْ لَا يُبَدِّلَ كَثِيرُهَا تَقْلِيلَهَا فَيَضِيعُ الزَّائِدُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ. وَهَذَا أَيْضًا سَبَبُ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا رُءُوسُ الْأَمْوَالِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ، وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ شَرَفًا بِذَلِكَ عَنْ بَذْلِ الْكَثِيرِ فِي الْقَلِيلِ فَيَضِيعُ الزَّائِدُ فَشَدَّدَ فِيهِمَا فَشُرِطَ التَّسَاوِي وَالْحُضُورُ وَالتَّنَاجُزُ فِي الْقَبْضِ، وَتَعْلِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْكَيْلِ طَرْدِيٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْمُنَاسِبُ وَتَعْلِيلُ الشَّافِعِيِّ بِالطَّعْمِ دَاخِلٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فَهُوَ مُهْمَلٌ لِبَعْضِ الْمُنَاسِبِ بِخِلَافِنَا، بَلْ أَهْمَلَ أَفْضَلَ الْأَوْصَافِ وَهُوَ الِاقْتِيَاتُ وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ إلَّا مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تُعْرَفُ بِتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ وَهِيَ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا وَرَدَ مَقْرُونًا بِأَوْصَافٍ فَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا مُنَاسِبَةً كَانَ الْجَمِيعُ عِلَّةً أَوْ بَعْضُهَا كَانَ عِلَّةً وَاحِدَةً فَأَسْعَدُ النَّاسِ أَرْجَحُهُمْ تَخْرِيجًا، وَعِلَّةُ مَالِكٍ أَرْجَحُ لِسَبْعَةِ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا أَنَّهَا صِفَةٌ ثَابِتَةٌ وَالْكَيْلُ عَارِضٌ وَأَنَّهَا صِفَةٌ مُخْتَصَّةٌ وَالْكَيْلُ وَغَيْرُهُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ وَأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ عَادَةً مِنْ هَذِهِ الْأَعْيَانِ وَغَيْرِهَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَنَّهَا جَامِعَةٌ لِلْأَوْصَافِ الْمُنَاسِبَةِ كُلِّهَا وَأَنَّهَا سَابِقَةٌ عَلَى الْحُكْمِ، وَالْكَيْلُ لَاحِقٌ مُخَلِّصٌ مِنْ الرِّبَا كَالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ عِلَّتُهُ وَأَنَّهَا جَامِعَةٌ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَا فِي النَّقْدَيْنِ، ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَمْحَ وَالشَّعِيرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَحَكَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُمْدَةُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ عَمِلَ سُلْفَةً بِالْمَدِينَةِ وَعُمْدَةُ أَصْحَابِهِ فِيهِ أَوَّلًا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّعَامُ مِثْلًا بِمِثْلٍ» وَالطَّعَامُ يَتَنَاوَلُ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ وَثَانِيًا أَنَّهُمْ عَدَّدُوا كَثِيرًا مِنْ اتِّفَاقِهِمَا فِي الْمَنَافِعِ وَالْمُتَّفِقَةُ الْمَنَافِعِ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا بِاتِّفَاقٍ وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّهُمَا صِنْفَانِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعُمْدَتُهُمْ أَوَّلًا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِيعُوا الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» فَجَعَلَهُمَا صِنْفَيْنِ لَا سِيَّمَا وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ «وَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ وَالْمِلْحَ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَوَكِيعٌ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَصَحَّحَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ التِّرْمِذِيُّ وَثَانِيًا قِيَاسُهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا شَيْئَانِ اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهُمَا وَمَنَافِعُهُمَا عَلَى الْفِضَّةِ وَالذَّهَبُ وَسَائِرُ الْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الِاسْمِ وَالْمَنْفَعَةِ فَكَمَا وَجَبَ كَوْنُ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَنَحْوِهِمَا بِذَلِكَ صِنْفَيْنِ كَذَلِكَ وَجَبَ كَوْنُ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ بِذَلِكَ صِنْفَيْنِ. (وَمِنْهَا) أَنَّ الْقُطْنِيَّةَ وَهِيَ الْعَدَسُ وَاللُّوبِيَا وَالْحِمَّصُ وَالْفُولُ وَالتُّرْمُسُ وَالْجُلُبَّانُ وَالْبِسِلَّةُ عِنْدَ مَالِكٍ صِنْفٌ وَاحِدٌ فِي الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْمُجَانَسَةُ الْقَبْلِيَّةُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهَا تَقَارُبُ الْمَنْفَعَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْعَيْنُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي الزَّكَاةِ وَهُمَا جِنْسَانِ فِي الْبَيْعِ، وَعَنْهُ فِي الْبُيُوعِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ الثَّانِي أَنَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ وَالْأُخْرَى قَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَنَّهَا أَصْنَافٌ وَسَبَبُ الْخِلَافِ تَعَارُضُ اتِّفَاقِ الْمَنَافِعِ فِيهَا وَاخْتِلَافُ أَعْيَانِهَا فَمَنْ غَلَّبَ الِاتِّفَاقَ قَالَ صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَمَنْ غَلَّبَ الِاخْتِلَافَ قَالَ صِنْفَانِ أَوْ أَصْنَافٌ قَالَ الْحَطَّابُ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُتَبَايِنَةٌ يَجُوزُ الْفَضْلُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ لِاخْتِلَافِ صُوَرِهَا وَأَسْمَائِهَا الْخَاصَّةِ بِهَا وَمَنَافِعِهَا وَعَدَمِ اسْتِحَالَةِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِي اخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ إلَى الْعُرْفِ وَهِيَ فِي الْعُرْفِ أَجْنَاسٌ، وَقِيلَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الثَّانِي فِي الْبُيُوعِ (وَمِنْهَا) أَنَّ الْأَرُزَّ وَالدُّخْنَ وَالذُّرَةَ عِنْدَ مَالِكٍ صِنْفٌ وَاحِدٌ كَمَا فِي الْبِدَايَةِ وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ يَجُوزُ الْفَضْلُ بَيْنَهَا (وَمِنْهَا) أَنَّ التَّمْرَ بِأَصْنَافِهِ كُلِّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَلِكَ الزَّيْتُ بِأَصْنَافِهِ كُلِّهَا (وَمِنْهَا) أَنَّ اللُّحُومَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ كُلَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَقَوْلُهُ الْآخَرُ يُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهَا أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا إلَّا فِي النَّوْعِ الْوَاحِدِ بِعَيْنِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ اللُّحُومُ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ مُخْتَلِفَةٍ

وَالْكَيْلُ يَمْتَنِعُ فِي التَّمْرَةِ وَالتَّمْرَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِحَالَةِ الرِّبَا دُونَ حَالَةِ كَوْنِ الْحُبُوبِ حَشِيشًا ابْتِدَاءً وَرَمَادًا انْتِهَاءً، وَالْكَيْلُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ. (تَنْبِيهٌ) الْقِيَاسُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ قِيَاسُ شَبَهٍ أَوْ قِيَاسُ عِلَّةٍ فَقِيَاسُ الْعِلَّةِ يَكُونُ الْجَامِعُ فِيهِ وَصْفًا مُنَاسِبًا كَالْإِسْكَارِ بَيْنَ الْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ فَإِنَّ فَسَادَ الْعَقْلِ مُنَاسِبٌ لِلتَّحْرِيمِ لِعِظَمِ الْمَفْسَدَةِ فِيهِ وَقِيَاسِ الشَّبَهِ أَمَّا فِي شَبَهِ الْحُكْمِ كَقِيَاسِ الْوُضُوءِ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا طَهَارَتَانِ، وَالطَّهَارَةُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ أَوْ الشَّبَهُ فِي الصُّورَةِ كَقِيَاسِ الْخَلِّ عَلَى الدُّهْنِ فِي مَنْعِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِهِ أَوْ فِي الْمَقَاصِدِ كَقِيَاسِ الْأَرُزِّ عَلَى الْبُرِّ بِجَامِعِ اتِّحَادِهِمَا فِي الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا عَادَةً وَإِنْ لَمْ نَطَّلِعْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَقْصِدَ يُنَاسِبُ مَنْعَ الرِّبَا فَإِنَّ ضَابِطَ الْمُنَاسِبِ مَا يُتَوَقَّعُ مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ حُصُولُ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَرْءُ مَفْسَدَةٍ كَتَرْتِيبِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ عَلَى الْإِسْكَارِ لِدَرْءِ مَفْسَدَةِ ذَهَابِ الْعَقْلِ وَإِيجَابِ الْقِصَاصِ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ حِفْظِ النَّفْسِ فَهَلْ الْمُنَاسَبَةُ حَاصِلَةٌ مِنْ كَوْنِ هَذِهِ الْأَعْيَانِ شَرِيفَةٌ بِالْقُوتِ أَوْ رُءُوسِ الْأَمْوَالِ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ فَنَاسَبَ أَنْ لَا يُبَدَّلَ وَاحِدٌ مِنْهَا بِاثْنَيْنِ. وَيُنَاسِبُ أَيْضًا تَكْثِيرَ الشُّرُوطِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ أَوْ يُقَالُ هَذَا شَبَهٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ قِيَاسِ الْعِلَّةِ لَا مِنْ بَابِ قِيَاسِ الشَّبَهِ (تَنْبِيهٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْقَوَاعِدِ الَّذِينَ قَصَرُوا الرِّبَا عَلَى السِّتَّةِ إمَّا مُنْكِرُو الْقِيَاسِ وَهُمْ الظَّاهِرِيَّةُ أَوْ مُنْكِرُو قِيَاسِ الشَّبَهِ خَاصَّةً وَأَنَّ الْقِيَاسَ فِي هَذَا الْبَابِ شَبَهٌ فَلَمْ يَقُولُوا بِهِ وَهُوَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ فَلَا جَرَمَ لَمْ يُلْحَقْ بِمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ إلَّا الزَّبِيبُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ لَا فَارِقَ وَهُوَ قِيَاسُ الْمَعْنَى وَهُوَ غَيْرُ قِيَاسِ الشَّبَهِ وَقِيَاسِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ إلْحَاقِ الذُّكُورِ بِالْإِنَاثِ مِنْ الرَّقِيقِ فِي تَشْطِيرِ الْحُدُودِ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] لَمْ يَتَنَاوَلْ الذُّكُورَ فَأُلْحِقُوا بِهِنَّ لِعَدَمِ الْفَارِقِ خَاصَّةً لَا لِحُصُولِ الْجَامِعِ، وَكَذَلِكَ أُلْحِقَ بِالْعَبْدِ الْأَمَةُ فِي التَّقْوِيمِ فِي الْعِتْقِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ» فَلَحِقَ بِهِ الْأَمَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا فَهَذَا نَوْعٌ آخَرُ غَيْرُ قِيَاسِ الشَّبَهِ وَقِيَاسِ الْمَعْنَى لَمْ يُجِزْهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إلَّا بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ دُونَ بَقِيَّةِ السِّتَّةِ فَهَذَا تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا فِيهِ الرِّبَا وَقَاعِدَةِ مَا لَا رِبَا فِيهِ وَحِكَايَةُ الْمَذَاهِبِ فِي ذَلِكَ وَمَدَارِكُهَا لِيَحْصُلَ الِاطِّلَاعُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْهَا فَلَحْمُ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَلَحْمُ ذَوَاتِ الْمَاءِ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَلَحْمُ الطَّيْرِ كُلُّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ فَبَيْعُ الْغَنَمِ لَحْمٌ بِالْبَقَرِ مُتَفَاضِلًا يُجِيزُهُ أَبُو حَنِيفَةَ دُونَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَبَيْعُ لَحْمِ الطَّيْرِ بِلَحْمِ الْغَنَمِ مُتَفَاضِلًا يُجِيزُهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ دُونَ الشَّافِعِيِّ وَعُمْدَةُ الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» ؛ وَلِأَنَّهَا إذَا فَارَقَتْهَا الْحَيَاةُ زَالَتْ الصِّفَاتُ الَّتِي بِهَا تَخْتَلِفُ وَتَنَاوُلُهَا اسْمَ اللَّحْمِ تَنَاوُلًا وَاحِدًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْأَلْوَانِ إلَّا أَنَّهَا مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْجِنْسِيَّةِ؛ لِأَنَّ مُهِمَّهَا الْإِدَامُ وَعُمْدَةُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ هَذِهِ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَحْمُهَا مُخْتَلِفًا وَالْحَنَفِيَّةُ تَعْتَبِرُ الِاخْتِلَافَ الَّذِي فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ هَذِهِ وَتَقُولُ إنَّ الِاخْتِلَافَ الَّذِي بَيْنَ الْأَنْوَاعِ الَّتِي فِي الْحَيَوَانِ أَعْنِي فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ كَالطَّائِرِ وَهُوَ وِزَانُ الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيْنَ التَّمْرِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ (وَمِنْهَا) أَنَّ الْأَخْبَازَ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْجِنْسِيَّةِ؛ لِأَنَّ مُهِمَّهَا الِاغْتِذَاءُ (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ الضَّعَةُ إذَا كَثُرَتْ أَوْ بَعُدَ الزَّمَانُ صَيَّرَتْ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ جِنْسَيْنِ وَإِنْ قَلَّتْ وَقَرُبَ الزَّمَانُ لَمْ تُصَيِّرْهُ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ وَعَلَى هَذَا فَالصِّنَاعَةُ فِي الْجِنْسِ إمَّا بِنَارٍ وَإِمَّا بِغَيْرِ نَارٍ فَإِنْ كَانَتْ بِنَارٍ فَإِمَّا أَنْ تُنْقِصْ الْمِقْدَارَ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ تُنْقِصْهُ صَيَّرَتْ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ جِنْسَيْنِ كَقَلْيِ الْقَمْحِ وَالْخُبْزِ وَإِنْ نَقَصَتْهُ فَإِنْ كَانَتْ بِإِضَافَةِ شَيْءٍ إلَيْهِ صَيَّرَتْهُ جِنْسَيْنِ كَتَخْفِيفِ اللَّحْمِ بِالْأَبْزَارِ وَالطَّبْخِ بِالْمَرَقَةِ. وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ إضَافَةِ شَيْءٍ لَمْ تُصَيِّرْهُ جِنْسَيْنِ كَشَيِّ اللَّحْمِ وَتَجْفِيفِهِ بِلَا إبْرَازٍ وَطَبْخِهِ مِنْ غَيْرِ مَرَقَةٍ وَمِنْهُ تَجْفِيفُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَإِنْ كَانَتْ أَيْ الصِّنَاعَةُ بِغَيْرِ نَارٍ فَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ فَقَوْلَانِ الْمَشْهُورُ تَأْثِيرُهَا كَخَلِّ التَّمْرِ وَخَلِّ الزَّبِيبِ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ التَّأْثِيرِ وَالشَّاذُّ التَّأْثِيرُ كَالنَّبِيذِ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى الْأَغْرَاضِ فِي التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ وَالتَّقَارُبِ فِيهَا هَذَا مَا فِي الْأَصْلِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الْبِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي الْبِدَايَةِ لِلْحَفِيدِ وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِيمَا تَدْخُلُهُ الصَّنْعَةُ مِمَّا أَصْلُهُ مَنْعُ الرِّبَا فِيهِ مِثْلُ الْخُبْزِ بِالْخُبْزِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ ذَلِكَ مُتَفَاضِلًا وَمُتَمَاثِلًا لِأَنَّهُ خَرَجَ بِالصَّنْعَةِ عَنْ الْجِنْسِ الَّذِي فِيهِ الرِّبَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ مُتَمَاثِلًا فَضْلًا عَنْ مُتَفَاضِلٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ غَيَّرَتْهُ الصَّنْعَةُ تَغَيُّرًا جُهِلَتْ بِهِ مَقَادِيرُهُ الَّتِي تُعْتَبَرُ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ وَمِثْلُهُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ عَلَى الْإِقْنَاعِ مَعَ الْمَتْنِ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ حَبٍّ بِدَقِيقِهِ وَلَا بِسَوِيقِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَكِيلٌ وَيُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْمَكِيلِ بِجِنْسِهِ التَّسَاوِي وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ هُنَا؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْحَبِّ تَنْتَشِرُ بِالطَّحْنِ وَالنَّارِ

[الفرق بين قاعدة اتحاد الجنس وتعدده في باب ربا الفضل]

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَتَعَدُّدِهِ فِي بَابِ رِبَا الْفَضْلِ] (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَتَعَدُّدِهِ فِي بَابِ رِبَا الْفَضْلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ تَعَدُّدِهِ) اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الدُّنْيَا مَزْرَعَةً لِلْآخِرَةِ وَمَطِيَّةً لِلسَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ فَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا وَمَا عَدَاهُ فَمَعْزُولٌ عَنْ مَقْصِدِ الشَّارِعِ فِي الشَّرَائِعِ فَلِذَلِكَ يُعْتَبَرُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ مَا هُوَ عِمَادُ الْأَقْوَاتِ وَحَافِظُ قَانُونِ الْحَيَاةِ وَمُقِيمُ بِنْيَةِ الْأَشْبَاحِ الَّتِي هِيَ مَرَاكِبُ الْأَرْوَاحِ إلَى دَارِ الْقَرَارِ وَيُلْغَى تَفَاوُتُ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ دَاعِيَةُ السَّرَفِ وَلَا يُقْصَدُ إلَّا لِلتَّرَفِ فَلَوْ رَتَّبَ الشَّرْعُ عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ لَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ اعْتِبَارِهِ وَمِنْهَا عَلَى رِفْعَةِ قَدْرِهِ وَمَنَارِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ وَالْقَانُونِ الْحُكْمِيِّ فَلِذَلِكَ تَسَاوَتْ الْأَلْوَانُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ فِي الْجِنْسِيَّةِ؛ لِأَنَّ مُهِمَّهَا الْإِدَامُ وَتَسَاوَتْ الْأَخْبَازُ؛ لِأَنَّ مُهِمَّهَا الِاغْتِذَاءُ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بَنَى الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اتِّحَادَ الْأَجْنَاسِ وَاخْتِلَافَهُمَا وَإِنْ كَثُرَتْ فُرُوعُ هَذَا الْبَابِ وَانْتَشَرَتْ فَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَمِنْهَا قَاعِدَةٌ أُخْرَى فِي الْفَرْقِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ الصِّفَةُ إذَا كَثُرَتْ أَوْ بَعُدَ الزَّمَانُ صَيَّرَتْ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ جِنْسَيْنِ وَإِنْ قَلَّتْ وَقَرُبَ الزَّمَانُ لَمْ تُصَيِّرْهُ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَتْ بِنَارٍ وَتُنْقِصُ الْمِقْدَارَ بِغَيْرِ إضَافَةِ شَيْءٍ لَمْ تُصَيِّرْ جِنْسَيْنِ كَشَيِّ اللَّحْمِ وَتَجْفِيفِهِ وَطَبْخِهِ مِنْ غَيْرِ مَرَقَةٍ وَمِنْهُ تَجْفِيفُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ أَوْ بِإِضَافَةِ شَيْءٍ إلَيْهِ صَيَّرَتْهُ جِنْسَيْنِ كَتَخْفِيفِ اللَّحْمِ بِالْأَبْزَارِ وَالطَّبْخِ بِالْمَرَقَةِ وَإِنْ كَانَتْ النَّارُ لَا تُنْقِصُ الْمِقْدَارَ صَيَّرَتْهُ جِنْسَيْنِ كَقَلْيِ الْقَمْحِ وَالْخُبْزِ وَإِنْ كَانَتْ الصِّنَاعَةُ بِغَيْرِ نَارٍ وَطَالَ الزَّمَانُ فَقَوْلَانِ الْمَشْهُورُ تَأْثِيرُهَا كَخَلِّ التَّمْرِ وَخَلِّ الزَّبِيبِ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ التَّأْثِيرِ، وَالشَّاذُّ التَّأْثِيرُ كَالنَّبِيذِ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى الْأَغْرَاضِ فِي التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ وَالتَّقَارُبِ فِيهَا. (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُعَدُّ تَمَاثُلًا شَرْعِيًّا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَمَا لَا يُعَدُّ تَمَاثُلًا) الضَّابِطُ فِي الْمُمَاثَلَةِ فِي الْحُبُوبِ الْجَافَّةِ مَا اعْتَبَرَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْبُرُّ بِصِيغَةِ الْكَيْلِ فِي الْبَيْعِ وَفِي الزَّكَاةِ بِالْأَوْسُقِ وَصَرَّحَ فِي النَّقْدَيْنِ بِالْوَزْنِ لِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْفِضَّةِ صَدَقَةٌ» وَمَا لَيْسَ فِيهِ مِعْيَارٌ شَرْعِيٌّ اُعْتُبِرَتْ فِيهِ الْعَادَةُ الْعَامَّةُ هَلْ يُكَالُ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأُخِذَتْ مِنْ السَّوِيقِ اهـ. الْمُحْتَاجُ مِنْهُ فَانْظُرْهُ. وَأَمَّا مَالِكٌ فَالْأَشْهَرُ فِي الْخُبْزِ عِنْدَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ مُتَمَاثِلًا، وَقَدْ قِيلَ فِيهِ إنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالتَّسَاوِي وَسَبَبُ الْخِلَافِ خِلَافُهُمْ هَلْ الصَّنْعَةُ تَنْقُلُهُ مِنْ جِنْسِ الرِّبَوِيَّاتِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ لَا تَنْقُلُهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَخِلَافُ مَنْ قَالَ بِهَذَا هَلْ تُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ حِينَئِذٍ فِيهِ أَوْ لَا تُمْكِنُ فَكَانَ مَالِكٌ يُجِيزُ اعْتِبَارَ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ بِالتَّقْدِيرِ وَالْحِرْزِ فَضْلًا عَنْ الْوَزْنِ أَيْ بِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ. وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الرِّبَوِيَّيْنِ لَمْ تَدْخُلْهُ صَنْعَةٌ وَالْآخَرُ قَدْ دَخَلَتْهُ الصَّنْعَةُ فَإِنَّ مَالِكًا يَرَى فِي كَثِيرٍ مِنْهَا أَنَّ الصَّنْعَةَ تَنْقُلُهُ مِنْ الْجِنْسِ أَعْنِي مِنْ أَنْ يَكُونَا جِنْسًا وَاحِدًا فَيُجِيزُ فِيهَا التَّفَاضُلَ وَفِي بَعْضِهَا لَا يَرَى ذَلِكَ وَتَفْصِيلُ مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ عَسِيرُ الِانْفِصَالِ فَاللَّحْمُ الْمَشْوِيُّ وَالْمَطْبُوخُ عِنْدَهُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَالْحِنْطَةُ الْمَقْلُوَّةُ عِنْدَهُ وَغَيْرُ الْمَقْلُوَّةِ جِنْسَانِ، وَقَدْ رَامَ أَصْحَابُهُ التَّفْصِيلَ فِي ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ عَنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ قَانُونٌ مِنْ قَوْلٍ حَتَّى يَنْحَصِرَ فِيهِ قَوْلُهُ فِيهَا، وَقَدْ رَامَ حَصْرَهَا الْبَاجِيَّ فِي الْمُنْتَقَى، وَكَذَلِكَ أَيْضًا يَعْسُرُ حَصْرُ الْمَنَافِعِ الَّتِي تُوجِبُ عِنْدَهُ الِاتِّفَاقَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَجْنَاسِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا التَّعَامُلُ وَتَمْيِيزُهَا مِنْ الَّتِي لَا تُوجِبُ ذَلِكَ أَعْنِي فِي الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَالنَّبَاتِ وَسَبَبِ الْعُسْرِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ أَشْيَاءَ مُتَشَابِهَةٍ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ قَانُونٌ يَعْمَلُ عَلَيْهِ فِي تَمْيِيزِهَا إلَّا مَا يُعْطِيهِ بَادِي النَّظَرِ فِي الْحَالِ جَاوَبَ فِيهَا بِجَوَابَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَإِذَا جَاءَ مَنْ بَعْدَهُ أَحَدٌ فَرَامَ أَنْ يُجْرِيَ تِلْكَ الْأَجْوِبَةَ عَلَى قَانُونٍ وَاحِدٍ وَأَصْلٍ وَاحِدٍ عَسُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَأَنْتَ تَتَبَيَّنُ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِهِمْ اهـ. الْمُحْتَاجُ مِنْ الْبِدَايَةِ بِزِيَادَةٍ. وَاَلَّذِي رَامَهُ الْبَاجِيَّ فِي الْمُنْتَقَى مَنْ حَصَرَهَا هُوَ مَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ الْأَصْلُ فِي تَبْيِينِ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ الَّتِي يَتَبَيَّنُ بِهَا مَعْنَى الْجِنْسِ أَنَّ مَعْنَى الْجِنْسِ عِنْدَنَا فِي الْبَابِ أَيْ بَابِ الْبَيْعِ مَا انْفَرَدَ بِالْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ فَإِذَا اخْتَلَفَ الشَّيْئَانِ فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُمَا كَانَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَإِنْ سُمِّيَا بِاسْمٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا اتَّفَقَا فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ وَافْتَرَقَا فِي الِاسْمِ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ أَنْ لَا اعْتِبَارَ بِاخْتِلَافِ الْأَسْمَاءِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُمَا أَيْ الْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ جِنْسَانِ الِاعْتِبَارُ أَيْضًا بِالْأَسْمَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ إنَّنَا إنَّمَا مَنَعْنَا التَّفَاضُلَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لِلزِّيَادَةِ فِي السَّلَفِ وَأَجَزْنَاهُ فِي الْجِنْسَيْنِ لِتَعَرِّيهِ مِنْ ذَلِكَ فَوَجَبَ أَنْ تُرَاعَى الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ مَنْ طَلَبَ الزِّيَادَةَ فِي السَّلَفِ فَإِنَّمَا يَطْلُبُهَا مَعَ اسْتِرْجَاعِ مَا سَلَفَ وَبَقَاءِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ فَإِذَا

يُوزَنُ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْعَوَائِدُ فَعَادَةُ الْبَلَدِ فَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْوَجْهَيْنِ خُيِّرَ فِيهِمَا وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا كَانَ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ بِالْحِجَازِ اُعْتُبِرَ بِتِلْكَ الْحَالَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ» فَذَكَرَ أَحَدَ الْبَلَدَيْنِ تَنْبِيهًا عَلَى الْآخَرِ لِيَرُدَّ الْبِلَادَ إلَيْهِمَا وَمَا تَعَذَّرَ كَيْلُهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْوَزْنُ وَإِنْ أَمْكَنَ الْوَجْهَانِ أُلْحِقَ بِمُشَابِهِهِ فِي الْحِجَازِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ فَإِنْ شَابَهُ أَمْرَيْنِ نُظِرَ إلَى الْأَغْلَبِ فَإِنْ اسْتَوَيَا قِيلَ يُغَلَّبُ الْوَزْنُ؛ لِأَنَّهُ أَحْصَرُ، وَقِيلَ يَجُوزُ الْوَجْهَانِ نَظَرًا لِلتَّسَاوِي، وَقِيلَ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ لِتَعَذُّرِ التَّرْجِيحِ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَنَا أَنَّ لَفْظَ الشَّرْعِ يُحْمَلُ عَلَى عُرْفِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ حَكَمَتْ فِيهِ الْعَوَائِدُ كَالْأَيْمَانِ وَالْوَصَايَا وَغَيْرِهَا فَهَذَا تَلْخِيصُ الْفَرْقِ وَبِاعْتِبَارِهِ يَظْهَرُ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ جَوَّزَ بَيْعَ الْقَمْحِ بِالدَّقِيقِ وَزْنًا فَإِنَّ عَادَةَ الْقَمْحِ الْكَيْلُ فَاعْتِبَارُ التَّمَاثُلِ فِيهِ بِالْوَزْنِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، بَلْ ذَلِكَ سَبَبُ الرِّبَا فَإِنَّ الْقَمْحَ الرَّزِينَ يَقِلُّ كَيْلُهُ وَيَكْثُرُ وَزْنُهُ وَالْخَفِيفُ بِالْعَكْسِ، وَقِسْ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بَقِيَّةَ فُرُوعِهَا وَلَا تَخْرُجْ عَنْهَا. (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَجْهُولِ وَقَاعِدَةِ الْغَرَرِ) اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ يَتَوَسَّعُونَ فِي هَاتَيْنِ الْعِبَارَتَيْنِ فَيَسْتَعْمِلُونَ إحْدَاهُمَا مَوْضِعَ الْأُخْرَى وَأَصْلُ الْغَرَرِ هُوَ الَّذِي لَا يُدْرَى هَلْ يَحْصُلُ أَمْ لَا كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ. وَأَمَّا مَا عُلِمَ حُصُولُهُ وَجُهِلَتْ صِفَتُهُ فَهُوَ الْمَجْهُولُ كَبَيْعِهِ مَا فِي كُمِّهِ فَهُوَ يَحْصُلُ قَطْعًا لَكِنْ لَا يُدْرَى أَيُّ شَيْءٍ هُوَ فَالْغَرَرُ وَالْمَجْهُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمُّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ فَيُوجَدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ الْآخَرِ وَبِدُونِهِ أَمَّا وُجُودُ الْغَرَرِ بِدُونِ الْجَهَالَةِ فَكَشِرَاءِ الْعَبْدِ الْآبِقِ الْمَعْلُومِ قَبْلَ الْإِبَاقِ لَا جَهَالَةَ فِيهِ وَهُوَ غَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَحْصُلُ أَمْ لَا، وَالْجَهَالَةُ بِدُونِ الْغَرَرِ كَشِرَاءِ حَجَرٍ يَرَاهُ لَا يَدْرِي أَزُجَاجٌ هُوَ أَمْ يَاقُوتٌ مُشَاهَدَتُهُ تَقْتَضِي الْقَطْعَ بِحُصُولِهِ فَلَا غَرَرَ، وَعَدَمُ مَعْرِفَتِهِ تَقْتَضِي الْجَهَالَةَ بِهِ. وَأَمَّا اجْتِمَاعُ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ فَكَالْعَبْدِ الْآبِقِ الْمَجْهُولِ الصِّفَةِ قَبْلَ الْإِبَاقِ، ثُمَّ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ يَقَعَانِ فِي سَبْعَةِ أَشْيَاءَ فِي الْوُجُودِ كَالْآبِقِ قَبْلَ الْإِبَاقِ، وَالْحُصُولُ إنْ عُلِمَ الْوُجُودُ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَفِي الْجِنْسِ كَسِلْعَةٍ لَمْ يُسَمِّهَا وَفِي النَّوْعِ كَعَبْدٍ لَمْ يُسَمِّهِ وَفِي الْمِقْدَارِ كَالْبَيْعِ إلَى مَبْلَغِ رَمْيِ الْحَصَاةِ وَفِي التَّعْيِينِ كَثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَفِي الْبَقَاءِ كَالثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا فَهَذِهِ سَبْعَةُ مَوَارِدَ لِلْغُرُورِ وَالْجَهَالَةِ، ثُمَّ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ كَثِيرٌ مُمْتَنِعٌ إجْمَاعًا كَالطَّيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاسْتَرْجَعَ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ أُخْرَى بِغَيْرِ مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ الَّتِي سَلَفَ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ الزِّيَادَةُ فِي السَّلَفِ وَلِذَلِكَ جَوَّزْنَا التَّفَاضُلَ بَيْنَ التَّمْرِ الْعَرَبِيِّ وَالتَّمْرِ الْهِنْدِيِّ أَيْ الْمَعْرُوفِ الْآنَ بِالْجَمْرِ وَبَيْنَ الْجَوْزِ الْهِنْدِيِّ وَاَلَّذِي لَيْسَ بِهِنْدِيٍّ وَفَرَّعَ عَلَى هَذَا ثَلَاثَةَ مَطَالِبَ (الْمَطْلَبُ الْأَوَّلُ) إنَّ اخْتِلَافَ الْمَنَافِعِ فِي الْجِنْسِ يَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ تَخْتَلِفَ لِلصِّغَرِ وَالْكِبَرِ (وَالثَّانِي) أَنْ تَخْتَلِفَ لِلتَّنَاهِي فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَعَدَمِ التَّنَاهِي فَأَمَّا الصِّغَرُ وَالْكِبَرُ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ جِنْسِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَصِحُّ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ كَبَنِي آدَمَ أَوْ يَكُونُ مِمَّا لَا تَصِحُّ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَوَّلِ فَفِي الْوَاضِحَةِ أَنَّ الرَّقِيقَ صِنْفٌ وَاحِدٌ ذُكُورُهُ وَإِنَاثُهُ صِغَارُهُ وَكِبَارُهُ عَجَمِيَّةٌ وَعَرَبِيَّةٌ قَالَ الْبَاجِيَّ وَالْقِيَاسُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ صَغِيرُهُ جِنْسًا مُخَالِفًا لِكَبِيرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا الْجِنْسُ مِنْ التِّجَارَةِ وَالصَّنَائِعِ لَا تَصِحُّ مِنْ الصَّغِيرِ (وَإِنْ كَانَ مِنْ الثَّانِي) أَيْ مِمَّا لَا تَصِحُّ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْأَكْلُ أَوْ مِمَّا لَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْأَكْلُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْأَكْلُ كَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ كَانَ صِغَارُهَا جِنْسًا مُخَالِفًا لِكِبَارِهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ كِبَارِهَا غَيْرُ الْمَقْصُودِ مِنْ صِغَارِهَا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُقْصَدُ مِنْهُ الْأَكْلُ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالطَّيْرِ كَانَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَعَ ذَلِكَ أَيْ قَصْدِ الْأَكْلِ عَمَلٌ مَقْصُودٌ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّ صِغَارَهُ مُخَالِفٌ لِكِبَارِهِ (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ مَعَ ذَلِكَ عَمَلٌ مَقْصُودٌ وَلَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّ صِغَارَهُ مِنْ جِنْسِ كِبَارِهِ كَالْحَجَلِ وَالْيَمَامِ (وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ مَعَ ذَلِكَ عَمَلٌ مَقْصُودٌ، وَلَكِنْ يَكُونُ مَعَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ مِنْ لُبْسٍ وَنَحْوِهِ كَالْغَنَمِ وَفِي هَذَا رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) لَا يَخْتَلِفُ جِنْسُهَا فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْحَيَوَانِ الْأَكْلُ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ صِغَارُهُ وَكِبَارُهُ (وَالثَّانِيَةُ) يَخْتَلِفُ جِنْسُهَا بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ كِبَارِ الْغَنَمِ الدَّرُّ وَالنَّسْلُ وَهُوَ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ كَالْعَمَلِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ، وَكَذَلِكَ الدَّجَاجُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ كُلُّهَا صِنْفٌ ذُكُورُهَا وَإِنَاثُهَا، وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يُسْلَمُ فِي بَعْضٍ إلَّا الدَّجَاجُ ذَاتُ الْبَيْضِ فَإِنَّهَا صِنْفٌ تُسْلَمُ الدَّجَاجَةُ الْبَيُوضُ أَوْ الَّتِي فِيهَا بَيْضٌ فِي الدِّيكَيْنِ (الْمَطْلَبُ الثَّانِي) السِّنّ الَّذِي هُوَ حَدٌّ بَيْنَ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ أَنْ يَبْلُغَ حَدَّ الِانْتِفَاعِ بِهَا الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْهَا وَفِيمَا تَصِحُّ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ كَالرَّقِيقِ إنْ فَرَّقْنَا بَيْنَ صِغَارِهِمْ وَكِبَارِهِمْ أَنْ يَبْلُغَ سِنَّ مَا يُطِيقُ التَّكَسُّبَ بِعَمَلِهِ أَوْ تِجَارَتِهِ وَذَلِكَ عِنْدَ الْبَاجِيَّ الْخَمْسَةَ عَشَرَ سَنَةً وَنَحْوَهَا أَوْ الِاحْتِلَامُ وَفِي الْإِبِلِ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا خَيْرَ فِي ابْنَتَيْ

فِي الْهَوَاءِ وَقَلِيلٌ جَائِزٌ إجْمَاعًا كَأَسَاسِ الدَّارِ وَقُطْنِ الْجُبَّةِ وَمُتَوَسِّطٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يُلْحَقُ بِالْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي فَلِارْتِفَاعِهِ عَنْ الْقَلِيلِ أُلْحِقَ بِالْكَثِيرِ وَلِانْحِطَاطِهِ عَنْ الْكَثِيرِ أُلْحِقَ بِالْقَلِيلِ، وَهَذَا هُوَ سَبَبُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي فُرُوعِ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ (فَائِدَةٌ) أَصْلُ الْغَرَرِ لُغَةً قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ مَا لَهُ ظَاهِرٌ مَحْبُوبٌ وَبَاطِنٌ مَكْرُوهٌ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ الدُّنْيَا مَتَاعَ الْغُرُورِ قَالَ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْغِرَارَةِ وَهِيَ الْخَدِيعَةُ وَمِنْهُ الرَّجُلُ الْغِرُّ بِكَسْرِ الْغَيْنِ لِلْخِدَاعِ وَيُقَالُ لِلْمَخْدُوعِ أَيْضًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ» . (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُسَدُّ مِنْ الذَّرَائِعِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُسَدُّ مِنْهُمَا) اعْلَمْ أَنَّ الذَّرِيعَةَ هِيَ الْوَسِيلَةُ لِلشَّيْءِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى سَدِّهِ وَمِنْهَا مَا أَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ سَدِّهِ وَمِنْهَا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَالْمُجْمَعُ عَلَى عَدَمِ سَدِّهِ كَالْمَنْعِ مِنْ زِرَاعَةِ الْعِنَبِ خَشْيَةَ الْخَمْرِ وَالتَّجَاوُرِ فِي الْبُيُوتِ خَشْيَةَ الزِّنَا فَلَمْ يُمْنَعْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ وَسِيلَةً لِلْمُحَرَّمِ، وَمَا أُجْمِعَ عَلَى سَدِّهِ كَالْمَنْعِ مِنْ سَبِّ الْأَصْنَامِ عِنْدَ مَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَسُبُّ اللَّهَ تَعَالَى حِينَئِذٍ، وَكَحَفْرِ الْآبَارِ فِي طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ إذَا عَلِمَ وُقُوعَهُمْ فِيهَا أَوْ ظَنَّ وَإِلْقَاءِ السُّمِّ فِي أَطْعِمَتِهِمْ إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَهَا فَيَهْلَكُونَ وَالْمُخْتَلَفِ فِيهِ كَالنَّظَرِ إلَى الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ لِلزِّنَا، وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ مَعَهَا وَمِنْهَا بُيُوعُ الْآجَالِ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُحْكَى عَنْ الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ اخْتِصَاصُهُ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مِنْهَا مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ عَدَمُ فَائِدَةِ اسْتِدْلَالِ الْأَصْحَابِ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ فِي سَدِّ الذَّرَائِعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108] وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} [البقرة: 65] فَذَمَّهُمْ لِكَوْنِهِمْ تَذَرَّعُوا لِلصَّيْدِ يَوْمَ السَّبْتِ الْمُحَرَّمِ عَلَيْهِمْ بِحَبْسِ الصَّيْدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا» وَبِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ مُفْتَرِقَيْنِ وَتَحْرِيمُهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ لِذَرِيعَةِ الرِّبَا، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ شَهَادَةَ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ» خَشْيَةَ الشَّهَادَةِ بِالْبَاطِلِ وَمَنَعَ شَهَادَةَ الْآبَاءِ لِلْأَبْنَاءِ وَالْعَكْسَ، فَهَذِهِ وُجُوهٌ كَثِيرَةٌ يَسْتَدِلُّونَ بِهَا وَهِيَ لَا تُفِيدُ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الشَّرْعِ سَدَّ الذَّرَائِعِ فِي الْجُمْلَةِ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الذَّرَائِعِ خَاصَّةً وَهِيَ بُيُوعُ الْآجَالِ وَنَحْوِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ تُذْكَرَ أَدِلَّةٌ خَاصَّةٌ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ وَإِلَّا فَهَذِهِ لَا تُفِيدُ وَإِنْ قَصَدُوا الْقِيَاسَ عَلَى هَذِهِ الذَّرَائِعِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُجَّتُهُمْ الْقِيَاسَ خَاصَّةً وَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ عَلَيْهِمْ إبْدَاءُ الْجَامِعِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَخَاضٍ فِي حِقَّةٍ وَلَا حِقَّةٍ فِي جَذَعَتَيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَنَعَ ابْنَتَيْ مَخَاضٍ فِي حِقَّةٍ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ سِنِّ الصِّغَرِ وَمَنَعَ حِقَّةً فِي جَذَعَتَيْنِ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ مَنَعَ صَغِيرًا فِي كَبِيرٍ فَإِنَّ الْجَذَعَ أَوَّلُ أَسْنَانِ الْكَبِيرِ فِي الْإِبِلِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَنَعَ بِنْتَيْ مَخَاضٍ فِي حِقَّةٍ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ مَنَعَ صَغِيرَيْنِ فِي كَبِيرٍ وَمَنَعَ حِقَّةً فِي جَذَعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ سِنِّ الْكِبَرِ فَتَكُونُ الْحِقَّةُ فِي حَيِّزِ الْكَبِيرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سِنٌّ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ وَهُوَ الْحَمْلُ وَفِي ذُكُورِ الْبَقَرِ أَنْ يَبْلُغَ حَدَّ الْحَرْثِ وَفِي إنَاثِهَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُ ذَلِكَ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنْ يَبْلُغَ سِنَّ الْوَضْعِ وَاللَّبَنِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ الْبَقَرِ الْقُوَّةُ عَلَى الْحَرْثِ؛ لِأَنَّهُ الْعَمَلُ الَّذِي تُتَّخَذُ لَهُ وَلَا خِلَافَ فِي ذُكُورِهَا. وَأَمَّا إنَاثُهَا فَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا كَثْرَةُ اللَّبَنِ وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الذُّكُورِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ إنَاثِ الْبَقَرِ وَإِنَاثِ الْغَنَمِ أَنَّ إنَاثَ الْبَقَرِ لَهَا مَنْفَعَةٌ لَا تُخَصُّ بِذُكُورِهَا، بَلْ تُوجَدُ أَيْضًا فِي إنَاثِهَا وَإِنَاثُ الْغَنَمِ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ جَازَ تَسْلِيمُ الْبَقَرَةِ الْكَثِيرَةِ اللَّبَنِ. وَإِنْ كَانَتْ قَوِيَّةً عَلَى الْحَرْثِ فِي الثَّوْرِ، وَأَمَّا الْغَنَمُ فَمَعْزٌ وَضَأْنٌ فَالْمَعْزُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْهَا إنْ فَرَّقْنَا بَيْنَ صِغَارِهَا وَكِبَارِهَا حَدُّ الْكَبِيرِ أَنْ يَضَعَ مِثْلَهَا وَيَكُونُ فِيهَا اللَّبَنُ وَيَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ ذُكُورُهَا مِنْ جِنْسِ صِغَارِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ اللَّحْمِ إلَّا النَّزْوُ وَلَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي اخْتِلَافِ الْجِنْسِ كَالْخَيْلِ وَالْحُمُرِ وَالضَّأْنِ فِيهَا رِوَايَةُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ كَثْرَةَ اللَّبَنِ لَا يَكَادُ يَتَبَايَنُ إلَّا فِي الْمَاعِزِ. وَأَمَّا الضَّأْنُ فَمُتَقَارِبَةٌ فِي اللَّبَنِ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ اللَّبَنَ مُعْتَبَرٌ فِي الْغَنَمِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ ذُو لَبَنٍ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ الْعَمَلُ فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَلِفَ جِنْسُهُ بِكَثْرَةِ اللَّبَنِ وَقِلَّتُهُ كَالْمَاعِزِ فَافْهَمْ، وَأَمَّا الطَّيْرُ فَضَرْبَانِ مَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْبَيْضُ وَمَا لَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْبَيْضُ ذُكُورُهُ وَإِنَاثُهُ وَصِغَارُهُ وَكِبَارُهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَمَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْبَيْضُ كَالدَّجَاجِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ مِمَّا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْجِنْسُ لِوَجْهَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّ الْبَيْضَ فِي الدَّجَاجِ لَيْسَ مِمَّا يُقْصَدُ بِالِاقْتِنَاءِ لَهُ فِي الْأَغْلَبِ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِاللَّحْمِ وَذَلِكَ مُتَسَاوٍ فِي جَمِيعِهَا (وَالثَّانِي) أَنَّ هَذِهِ وِلَادَةٌ وَالْوِلَادَةُ لَا يُعْتَبَرُ بِهَا فِي الْجِنْسِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ كَسَائِرِ الْحَيَوَانِ، وَقَالَ أَصْبَغُ يَخْتَلِفُ بِهِ الْجِنْسُ وَوَجْهُ أَنَّ الْبَيْضَ مَعْنًى مَقْصُودٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ مِنْ الْحَيَوَانِ كَاللَّبَنِ فِي الْغَنَمِ (الْمَطْلَبُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ الْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى التَّكَسُّبِ بِمَعْنَى يُسْتَفَادُ فِي التَّعْلِيمِ لَا يَكُونُ شَائِعًا فِي الْجِنْسِ كَالتِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَةِ فَالتِّجَارَةُ وَالصِّنَاعَةُ كَالْجِزَارَةِ وَالْبِنَاءِ وَالْخِيَاطَةِ مَعَ الْفَصَاحَةِ وَالْحِسَابِ جِنْسٌ مَقْصُودٌ

حَتَّى يَتَعَرَّضَ الْخَصْمُ لِدَفْعِهِ بِالْفَارِقِ وَيَكُونُ دَلِيلُهُمْ شَيْئًا وَاحِدًا وَهُوَ الْقِيَاسُ وَهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مُدْرِكَهُمْ هَذِهِ النُّصُوصُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَذْكُرُوا نُصُوصًا أُخَرَ خَاصَّةً بِذَرَائِعِ بُيُوعِ الْآجَالِ خَاصَّةً وَيَقْتَصِرُونَ عَلَيْهَا، نَحْوُ مَا فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ أُمَّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَتْ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي بِعْت مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَبْدًا بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى الْعَطَاءِ وَاشْتَرَيْته بِسِتِّمِائَةٍ نَقْدًا فَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِئْسَ مَا شَرَيْت وَبِئْسَ مَا اشْتَرَيْت أَخْبِرِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّهُ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ يَتُوبَ قَالَتْ أَرَأَيْتنِي إنْ أَخَذْته بِرَأْسِ مَالِي فَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 275] فَهَذِهِ هِيَ صُورَةُ النِّزَاعِ، وَهَذَا التَّغْلِيظُ الْعَظِيمُ لَا تَقُولُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ فَتَكُونُ هَذِهِ الذَّرَائِعُ وَاجِبَةَ السَّدِّ وَهُوَ الْمَقْصُودُ (سُؤَالٌ) زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كُلُّهُمْ عُدُولٌ سَادَةٌ أَتْقِيَاءُ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِهِ فِعْلُ مَا يُقَالُ فِيهِ ذَلِكَ (جَوَابُهُ) قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ هَذِهِ الْمُبَايَعَةُ كَانَتْ بَيْنَ أُمِّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَمَوْلَاهَا قَبْلَ الْعِتْقِ فَيَتَخَرَّجُ قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ مَعَ الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ هَذِهِ الذَّرَائِعِ وَلَعَلَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الرِّبَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ قَالَ وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَقِدَ فِي زَيْدٍ أَنَّهُ وَطِئَ أُمَّ وَلَدِهِ عَلَى شِرَاءِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا إلَى أَجَلٍ (سُؤَالٌ) إذَا قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ عَلَى رَأْيِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَمَا مَعْنَى إحْبَاطِ الْجِهَادِ وَإِحْبَاطُ الْأَعْمَالِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالشِّرْكِ (جَوَابُهُ) أَنَّ الْإِحْبَاطَ إحْبَاطَانِ إحْبَاطُ إسْقَاطٍ وَهُوَ إحْبَاطُ الْكُفْرِ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَلَا يُفِيدُ شَيْءٌ مِنْهَا مَعَهُ وَإِحْبَاطُ مُوَازَنَةٍ وَهُوَ وَزْنُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ بِالسَّيِّئِ فَإِنْ رَجَحَ السَّيِّئُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَالصَّالِحُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ كِلَاهُمَا مُعْتَبَرٌ غَيْرَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَمَعَ الْكُفْرِ لَا عِبْرَةَ أَلْبَتَّةَ فَالْإِحْبَاطُ فِي الْأَثَرِ إحْبَاطُ مُوَازَنَةٍ بَقِيَ كَيْفَ يُحْبِطُ هَذَا الْفِعْلُ جُمْلَةَ ثَوَابِ الْجِهَادِ قُلْت لَهُ مَعْنَيَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْمُرَادَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِنْكَارِ لَا التَّحْقِيقُ (وَثَانِيهَا) أَنَّ مَجْمُوعَ الثَّوَابِ الْمُتَحَصِّلِ مِنْ الْجِهَادِ لَيْسَ بَاقِيًا بَعْدَ هَذِهِ السَّبَبِيَّةِ، بَلْ بَعْضُهُ، فَيَكُونُ الْإِحْبَاطُ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ وَظَاهِرُ الْإِحْبَاطِ وَالتَّوْبَةِ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ أَمَّا يَتْرُكُ التَّعَلُّمَ لِحَالِ هَذَا الْعَقْدِ قَبْلَ الْقُدُومِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اجْتَهَدَ فِيهِ وَرَأَتْ أَنَّ اجْتِهَادَهُ مِمَّا يَجِبُ نَقْضُهُ وَعَدَمُ إقْرَارِهِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً لَهُ أَوْ هُوَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَذَلِكَ وَالْكِتَابَةُ وَالْقِرَاءَةُ إذَا تَقَدَّمَهَا نَفَاذٌ يُمْكِنُهُ التَّكَسُّبُ بِهَا وَهَكَذَا مَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى. وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَعْمَالُ الْمُعْتَادَةُ الَّتِي يَعْمَلُهَا أَكْثَرُ النَّاسِ كَالْحَرْثِ وَالْحَصَادِ فِي الرِّجَالِ وَالْغَزْلِ فِي النِّسَاءِ، فَلَيْسَ مَنْ يَعْمَلُهَا بِجِنْسٍ يُبَايِنُ بِهِ مَنْ لَا يَعْمَلُ ذَلِكَ الْعَمَلَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا الْعَمَلُ مُعْتَادًا يُمْكِنُ أَكْثَرُ هَذَا الْجِنْسِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْيِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ الْمُعْتَادِ. وَأَمَّا الصِّنَاعَةُ فِي الْإِمَاءِ فَكَالطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَالرَّقْمِ وَالنَّسْجِ وَكُلُّ نَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْآخَرِ إلَّا الطَّبْخُ وَالْخَبْزُ فَإِنَّهُ صِنَاعَةٌ وَاحِدَةٌ وَجِنْسٌ وَاحِدٌ، وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَتْ بِجِنْسٍ فِي الْإِمَاءِ وَرَوَى عِيسَى عَنْهُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ فَائِقَةً فِيهَا إنَّهُ جِنْسٌ تَبَيَّنَ بِهِ مِنْ غَيْرِهَا وَفِي كَوْنِهِمَا قَوْلًا وَاحِدًا بِحَمْلِهِمَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ النَّفَاذَ فِي ذَلِكَ وَالتَّقَدُّمُ حَتَّى يُمْكِنُ التَّكَسُّبُ بِهِ جِنْسٌ مَقْصُودٌ وَإِنَّ الْكِتَابَةَ الْيَسِيرَةَ الَّتِي لَا يُمْكِنُ الِاكْتِسَابُ بِهَا لَيْسَتْ بِجِنْسٍ مَقْصُودٍ أَوْ قَوْلَيْنِ بِحَمْلِ الْأَوْلَى عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِجِنْسٍ فِي الْإِمَاءِ مَعَ النَّفَاذِ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَالثَّانِيَةُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ حُكْمَ الْإِمَاءِ فِي الْكِتَابَةِ حُكْمُ الْعَبِيدِ وَجْهَانِ وَرَوَى عِيسَى أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ أَنَّ الْجِمَالَ لَيْسَ بِجِنْسٍ وَوَجْهٌ أَنَّهُ مَعْنَى لَا يَتَكَسَّبُ بِهِ الْإِمَاءُ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ جِنْسٌ مَقْصُودٌ وَكَانَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْقَرَوِيِّينَ يَحْكِي أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ. رَوَاهُ وَوَجْهُهُ مِنْ أَنَّ الْأَثْمَانَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ وَتَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِهِ، وَلَيْسَ الْغَزْلُ وَلَا عَمَلُ الطِّيبِ بِجِنْسٍ؛ لِأَنَّ الْغَزْلَ مُعْتَادٌ فِي النِّسَاءِ شَامِلٌ وَعَمَلُ الطِّيبِ لَيْسَ مِمَّا يَكَادُ أَنْ تَنْفَرِدَ بِالتَّكَسُّبِ بِهِ، بَلْ ذَلِكَ شَائِعٌ فِي جَمِيعِ النِّسَاءِ، وَهَذَا مَعْنَى مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْخَيْلِ السَّبْقُ وَالْجَوْدَةُ؛ لِأَنَّهَا بِهَا تُبَايِنُ سَائِرَ الْحَيَوَانِ الْمُتَّحِدِ فَإِذَا كَانَ سَابِقًا فَائِقًا، فَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا لَيْسَ بِسَابِقٍ مِنْ الْخَيْلِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْإِبِلِ الْقُوَّةُ عَلَى الْحَمْلِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُبَايِنُ غَيْرَهَا فِي الْقُوَّةِ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَلَيْسَ السَّبْقُ بِمَقْصُودٍ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُرَادُ لِلسَّبْقِ، وَكَذَلِكَ لَا يُسْهَمُ لَهَا وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا مَا يُسَاقُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَنْفَعَةٍ أَفْضَلَ هَذَا الْجِنْسِ وَأَغْلَبِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ مِنْ الْخَيْلِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْقُوَّةُ عَلَى الْحَمْلِ وَلَا يُتَّخَذُ لِذَلِكَ وَلَا يَتَمَيَّزُ بِهِ فِي الْجِنْسِ عَمَّا لَيْسَ بِقَوِيٍّ عَلَى الْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ مِنْ أَفْضَلِ هَذَا الْجِنْسِ وَلَا أَكْثَرَ. وَأَمَّا الْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّ الْبِغَالَ كُلَّهَا مَعَ الْحُمُرِ الْمِصْرِيَّةِ جِنْسٌ مُخَالِفٌ لِلْأَعْرَابِيَّةِ وَلَا يَخْتَلِفُ بِالسَّيْرِ وَالْقِيَمِ وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الرُّكُوبُ لِلْجِمَالِ وَهِيَ مُتَقَارِبَةٌ فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السَّيْرِ؛ لِأَنَّ السَّيْرَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا فَيَجِبُ أَنْ تَخْتَلِفَ بِاخْتِلَافِهِ قَالَ فَأَبَى ابْنُ الْقَاسِمِ

فَخَشِيَتْ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ النَّاسُ فَيَنْفَتِحَ بَابُ الرِّبَا بِسَبَبِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي صَحِيفَتِهِ فَيَعْظُمُ الْإِحْبَاطُ فِي حَقِّهِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ فِي الْإِحْبَاطِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» أَيْ بِالْمُوَازَنَةِ وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ فِي سَدِّ ذَرَائِعِ بُيُوعِ الْآجَالِ الَّتِي هِيَ صُورَةُ النِّزَاعِ وَإِنْ خَالَفَنَا فِي تَفْصِيلِ بَعْضِهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَمْتَنِعُ بَيْعُ السِّلْعَةِ مِنْ أَبِ الْبَائِعِ بِمَا تَمْتَنِعُ بِهِ مِنْ الْبَائِعِ وَخَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَبِمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُتِيَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ أَتَمْرُ خَيْبَرُ كُلُّهُ هَكَذَا فَقَالُوا إنَّا نَبْتَاعُ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنْ تَمْرِ الْجَمْعِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا تَفْعَلُوا هَذَا، وَلَكِنْ بِيعُوا تَمْرَ الْجَمْعِ بِالدَّرَاهِمِ وَاشْتَرُوا بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» فَهُوَ بَيْعُ صَاعٍ بِصَاعَيْنِ وَإِنَّمَا تَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا عَقْدُ الدَّرَاهِمِ فَأُبِيحَ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ خَاصٌّ وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ عَامٌّ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَعَنْ الثَّانِي إنَّا إنَّمَا امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ الثَّانِي مِنْ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِي الْخَبَرِ مَعَ أَنَّ بَيْعَ النَّقْدِ إذَا تَقَابَضَا فِيهِ ضَعُفَتْ التُّهْمَةُ وَإِنَّمَا الْمَنْعُ حَيْثُ تَقْوَى وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِأَنَّ الْعَقْدَ الْمُقْتَضِيَ لِلْفَسَادِ لَا يَكُونُ فَاسِدًا إذَا صَحَّتْ أَرْكَانُهُ كَبَيْعِ السَّيْفِ مِنْ قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَالْعِنَبِ مِنْ الْخَمَّارِ مَعَ أَنَّ الْفَسَادَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ أَعْظَمُ مِنْ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا لِمَا فِيهِ مِنْ ذَهَابِ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْفَسَادَ لَيْسَ مَقْصُودًا لِلْقَصْدِ بِالذَّاتِ بِخِلَافِ عُقُودِ صُوَرِ النِّزَاعِ فَإِنَّ تِلْكَ الْأَعْرَاضَ الْفَاسِدَةَ هِيَ الْبَاعِثَةُ عَلَى الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَصِّلُ لَهَا وَالْبَيْعُ لَيْسَ مُحَصِّلًا لِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَعَمَلِ الْخَمْرِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ فِي وَجْهِ الْمَنْعِ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ أَبُو الْفَرَجِ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مُعَامَلَاتِ أَهْلِ الرِّبَا. وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: بَلْ سَدًّا لِذَرَائِعِ الرِّبَا فَعَلَى الْأَوَّلِ مَنْ عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ تَعَمُّدُ الْفَسَادِ حُمِلَ عَقْدُهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا أُمْضِيَ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْعَادَةُ مُنِعَ الْجَمِيعُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَإِنَّ زَيْدًا مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ قَصْدِ الرِّبَا قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَضَابِطُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إنْ كَانَا يَقْصِدَانِ إظْهَارَ مَا يَجُوزُ لِيَتَوَصَّلَا بِهِ إلَى مَا لَا يَجُوزُ فَيُفْسَخُ الْعَقْدُ إذَا كَثُرَ الْقَصْدُ إلَيْهِ اتِّفَاقًا مِنْ الْمَذْهَبِ كَبَيْعٍ وَسَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا فَإِنْ بَعُدَتْ التُّهْمَةُ بَعْضَ الْبُعْدِ وَأَمْكَنَ الْقَصْدُ إلَيْهِ كَدَفْعِ الْأَكْثَرِ مِمَّا فِيهِ ضَمَانٌ وَأَخْذِ الْأَقَلِّ مِنْهُ إلَى أَجَلٍ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فَأَمَّا مَعَ ظُهُورِ مَا يُبْرِئُ مِنْ التُّهْمَةِ لَكِنْ فِيهِ صُورَةُ الْمُتَّهَمِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ تَصَوَّرَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ غَيْرَ يَدٍ بِيَدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْأَسْمَاءَ بِهَا، فَلَمَّا اتَّفَقَتْ فِي الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ مِنْهَا كَانَتْ جِنْسًا وَاحِدًا وَإِنْ لَمْ يَشْمَلْهَا اسْمٌ وَاحِدٌ. وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْمَاءِ الْخَاصَّةِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ وَإِنَّمَا يُرَاعَى اخْتِلَافُ الْمَنَافِعِ وَاتِّفَاقُهَا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذُكُورِ الْبَقَرِ الْقُوَّةُ عَلَى الْحَرْثِ وَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ فِي إنَاثِهَا أَوْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا كَثْرَةُ اللَّبَنِ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ حَبِيبٍ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمَعْزِ كَثْرَةُ اللَّبَنِ وَفِي كَوْنِ الضَّأْنِ كَذَلِكَ أَوَّلًا رِوَايَتَا سَحْنُونٌ وَيَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الطَّيْرِ اللَّحْمُ فَقَطْ وَفِي كَوْنِ الْبَيْضِ كَالدَّجَاجِ مَعْنًى مَقْصُودًا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ مِنْ الْحَيَوَانِ أَوَّلًا قَوْلُ أَصْبَغَ وَرِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ اهـ. مُلَخَّصًا مَعَ إصْلَاحٍ. وَلَا يَخْفَاك أَنَّ مَا بَنَى الْأَصْلُ عَلَيْهِ الْفَرْقَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَتَعَدُّدِهِ فِي بَابِ رِبَا الْفَضْلِ مِنْ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْبَاجِيَّ فِي الْمُنْتَقَى هُوَ الْقَانُونُ الَّذِي يَنْحَصِرُ فِيهِ أَقْوَالُ مَالِكٍ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَتَنْحَصِرُ فِيهِ الْمَنَافِعُ الَّتِي تُوجِبُ عِنْدَهُ الِاتِّفَاقَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَجْنَاسِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا التَّعَامُلُ كَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَالنَّبَاتِ وَيَحْصُلُ بِهِ تَفْصِيلُ الْأَقْوَالِ وَتَمَيُّزُ تِلْكَ الْمَنَافِعِ مِنْ الَّتِي لَا تُوجِبُ ذَلِكَ الِاتِّفَاقَ بِدُونِ أَدْنَى عُسْرٍ وَيَتَّحِدُ الْجَوَابُ فِي تَمْيِيزِهَا فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ هَذَا وَالْجِنْسُ الَّذِي يَمْتَنِعُ فِي أَنْوَاعِهِ التَّفَاضُلُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ كَمَا الْإِقْنَاعِ وَشَرْحِهِ كَشَّافِ الْقِنَاعِ لِلشَّيْخِ مَنْصُورِ بْنِ إدْرِيسَ الْحَنْبَلِيِّ هُوَ مَا لَهُ اسْمٌ خَاصٌّ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا أَيْ الْجِنْسُ هُوَ الشَّامِلُ لِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ بِأَنْوَاعِهَا وَالنَّوْعُ هُوَ الشَّامِلُ لِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ بِأَشْخَاصِهَا فَكُلُّ نَوْعَيْنِ اجْتَمَعَا فِي اسْمٍ خَاصٍّ فَهُوَ جِنْسٌ كَذَهَبٍ وَأَنْوَاعُهُ الْمَغْرِبِيُّ وَالدَّكْرُورِيُّ وَفِضَّةٍ وَأَنْوَاعُهَا الرِّيَالُ وَالْبَنَادِقَةُ وَنَحْوُهَا وَبُرٍّ وَأَنْوَاعُهُ الْبُحَيْرِيُّ وَالصَّعِيدِيُّ أَيْ وَالْبَطْرَاوِيُّ وَشَعِيرٍ كَذَلِكَ وَتَمْرٍ وَأَنْوَاعُهُ الْبَرْنِيُّ وَالْمَعْقِلِيُّ وَالصَّيْحَانِيُّ وَغَيْرُهَا وَمِلْحٍ وَأَنْوَاعُهُ الْمَنْزَلَاوِيُّ وَالدِّمْيَاطِيُّ وَكُلُّ شَيْئَيْنِ فَأَكْثَرَ أَصْلُهُمَا وَاحِدٌ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَقَاصِدُهُمَا كَدُهْنِ وَرْدٍ وَدُهْنِ بَنَفْسَجٍ وَدُهْنِ زَنْبَقٍ وَدُهْنِ يَاسَمِينٍ وَدُهْنِ بَانٍ إذَا كَانَتْ كُلُّهَا مِنْ دُهْنٍ وَاحِدٍ كَالشَّيْرَجِ فَهِيَ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ أَصْلِهَا وَإِنَّمَا طُيِّبَتْ بِهَذِهِ الرَّيَاحِينِ فَنُسِبَتْ إلَيْهَا فَلَمْ تَصِرْ أَجْنَاسًا، وَقَدْ يَكُونُ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ مُشْتَمِلًا عَلَى جِنْسَيْنِ كَالتَّمْرِ يَشْتَمِلُ عَلَى النَّوَى وَمَا عَلَيْهِ وَهُمَا جِنْسَانِ بَعْدَ النَّزْعِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا اسْمٌ خَاصٌّ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا وَكَاللَّبَنِ يَشْتَمِلُ عَلَى الْمَخِيضِ

[الفرق بين قاعدة ما يعد تماثلا شرعيا في الجنس الواحد وما لا يعد تماثلا]

وَتَظْهَرُ الْبَرَاءَةُ بِتَعْجِيلِ الْأَكْثَرِ فَجَائِزٌ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ، وَقِيلَ يَمْتَنِعُ حِمَايَةً لِلذَّرِيعَةِ وَالْأَصْلُ أَنْ يُنْظَرَ مَا خَرَجَ مِنْ الْيَدِ وَمَا خَرَجَ إلَيْهَا فَإِنْ جَازَ التَّعَامُلُ بِهِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَلَا تُعْتَبَرُ أَقْوَالُهُمَا، بَلْ أَفْعَالُهُمَا فَقَطْ فَهَذَا هُوَ تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ الذَّرَائِعِ الَّتِي يَجِبُ سَدُّهَا وَالذَّرَائِعِ الَّتِي لَا يَجِبُ سَدُّهَا وَالْخِلَافُ فِيهِ وَالْوِفَاقُ وَالْمُدْرِكُ فِي ذَلِكَ. (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْفَسْخِ وَقَاعِدَةِ الِانْفِسَاخِ) فَالْفَسْخُ قَلْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ وَالِانْفِسَاخُ انْقِلَابُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَالْأَوَّلُ فِعْلُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ الْحَاكِمِ إذَا ظَفِرُوا بِالْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ وَالثَّانِي صِفَةُ الْعِوَضَيْنِ فَالْأَوَّلُ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ وَالثَّانِي حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَهَذَانِ فَرْعَانِ فَالْأَوَّلُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْصُوفَاتِ وَالثَّانِي مِنْ جِهَةِ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ وَبِتَحْرِيمِ هَذَا الْفَرْقِ رَدَدْنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي جَعْلِ الْخُلْعِ فَسْخًا لِعَدَمِ تَعْيِينِ انْقِلَابِ الصَّدَاقِ لِبَاذِلِهِ، بَلْ يَجُوزُ بِغَيْرِ الصَّدَاقِ إجْمَاعًا فَحَقِيقَةُ الْفَسْخِ مُنْتَفِيَةٌ. (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَقَاعِدَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ) الْمَجْلِسُ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ هُوَ مِنْ خَوَاصِّ عَقْدِ الْبَيْعِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، بَلْ هُوَ مِنْ اللُّزُومِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ عَارِضٌ عِنْدَ اشْتِرَاطِهِ وَيَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَاءِ الِاشْتِرَاطِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ اللُّزُومُ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ أَسْبَابٌ لِتَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ مِنْ الْأَعْيَانِ، وَالْأَصْلُ تَرْتِيبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا وَخِيَارُ الْمَجْلِسِ عِنْدَنَا بَاطِلٌ وَالْبَيْعُ لَازِمٌ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ تَفَرُّقًا أَمْ لَا، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِعَدَمِ لُزُومِ الْعَقْدِ وَخِيَارِ الْمَجْلِسِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا أَوْ يَخْتَارَ الْإِمْضَاءَ وَحَكَاهُ أَبُو الطَّاهِرِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مِنَّا، وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ وَالصَّرْفُ وَالسَّلَمُ وَالصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الْحَقِّ وَهُوَ حَطِيطَةٌ لَا بَيْعٌ، وَكَذَلِكَ الْقِسْمَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ وَاعْتَمَدَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الْأَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ اللُّزُومُ لِذَوِي ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَقَاعِدَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ إلَى قَوْلِهِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الِاشْتِرَاطِ) قُلْت مَا قَالَهُ حِكَايَةُ قَوْلٍ وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ قَالَ (وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ اللُّزُومُ إلَى قَوْلِهِ وَلَا تَنْدَفِعُ الْحَاجَةُ إلَّا بِالتَّخْيِيرِ وَاللُّزُومِ) قُلْت يُقَالُ بِمُوجِبِ ذَلِكَ الْأَصْلِ بَعْدَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لَا قَبْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالزُّبْدِ وَهُمَا جِنْسَانِ لِمَا تَقَدَّمَ فَمَا دَامَ التَّمْرُ وَالنَّوَى أَوْ الْمَخِيضُ وَالزُّبْدُ مُتَّصِلَيْنِ اتِّصَالَ خِلْقَةٍ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ الِاسْمِ وَإِذْ مُيِّزَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ صَارَا جِنْسَيْنِ. وَلَوْ خُلِطَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا وَفُرُوعُ الْأَجْنَاسِ أَجْنَاسٌ كَأَدِقَّةٍ وَأَخْبَازٍ وَأَدْهَانٍ وَخُلُولٍ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ يَتْبَعُ أَصْلَهُ، فَلَمَّا كَانَتْ أُصُولُ هَذِهِ أَجْنَاسًا كَانَتْ هَذِهِ أَجْنَاسًا إلْحَاقًا لِلْفُرُوعِ بِأُصُولِهَا فَعَلَى هَذَا دَقِيقُ الْحِنْطَةِ جِنْسٌ وَخُبْزُهَا جِنْسٌ وَدَقِيقُ الشَّعِيرِ جِنْسٌ وَخُبْزُهُ جِنْسٌ وَدُهْنُ السِّمْسِمِ جِنْسٌ وَدُهْنُ الزَّيْتُونِ جِنْسٌ وَخَلُّ التَّمْرِ جِنْسٌ وَخَلُّ الْعِنَبِ جِنْسٌ وَهَكَذَا فَعَسَلُ النَّحْلِ وَعَسَلُ الْقَصَبِ جِنْسَانِ وَاللُّحُومُ أَجْنَاسٌ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهَا؛ لِأَنَّهَا فُرُوعُ أُصُولِهَا وَهِيَ أَجْنَاسٌ فَكَانَتْ أَجْنَاسًا كَالْأَخْبَازِ، وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ أَجْنَاسًا بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ فَضَأْنٌ وَمَعْزٌ نَوْعَا جِنْسٍ لَا يُبَاعُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَكَذَا الْبَقَرُ وَالْجَوَامِيسُ وَالْبَخَاتِيُّ وَالْعِرَابُ وَسَمِينُ ظَهْرٍ وَسَمِينُ جَنْبٍ وَلَحْمٌ أَحْمَرُ جِنْسٌ وَاحِدٌ يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ وَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَالرِّئَةِ وَالرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ وَالدِّمَاغِ وَالْكَرِشِ وَالْمَعْيِ وَالْقَلْبِ وَالْجُلُودِ وَالْأَصْوَافِ وَالْعِظَامِ وَنَحْوِهَا أَجْنَاسٌ؛ لِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ فِي الِاسْمِ وَالْخِلْقَةِ فَكَانَتْ أَجْنَاسًا كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَلَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ بَيْنَ أَجْنَاسِهَا، وَلَوْ شَحْمًا بِلَحْمٍ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ كَالنَّقْدَيْنِ اهـ. الْمُحْتَاجُ مِنْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُعَدُّ تَمَاثُلًا شَرْعِيًّا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَمَا لَا يُعَدُّ تَمَاثُلًا] (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُعَدُّ تَمَاثُلًا شَرْعِيًّا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُعَدُّ تَمَاثُلًا فِيهِ) وَهُوَ عِنْدَنَا أَنَّ لَفْظَ الشَّرْعِ يُحْمَلُ عَلَى عُرْفِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ حَكَمَتْ فِيهِ الْعَوَائِدُ كَالْأَيْمَانِ وَالْوَصَايَا وَغَيْرِهِمَا وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ ضَابِطَ تَمَاثُلِ الْحُبُوبِ الْجَافَّةِ وَالنَّقْدِ هُوَ أَنَّ مَا فِيهِ مِعْيَارٌ شَرْعِيٌّ اُعْتُبِرَ فِيهِ مَا اعْتَبَرَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ مَثَلًا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْبُرُّ بِصِيغَةِ الْكَيْلِ فِي الْبَيْعِ وَفِي الزَّكَاةِ بِالْأَوْسُقِ وَصَرَّحَ فِي النَّقْدَيْنِ بِالْوَزْنِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْفِضَّةِ صَدَقَةٌ» ، فَيَكُونُ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مَا اعْتَبَرَهُ وَمَا لَيْسَ فِيهِ مِعْيَارٌ شَرْعِيٌّ اُعْتُبِرَتْ فِيهِ الْعَادَةُ الْعَامَّةُ هَلْ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْعَوَائِدُ فَعَادَةُ الْبَلَدِ فَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْوَجْهَيْنِ خُيِّرَ فِيهِمَا وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا فِي الْأَصْلِ قَالَ وَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْفَرْقِ يَظْهَرُ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ جَوَّزَ بَيْعَ الْقَمْحِ بِالدَّقِيقِ وَزْنًا فَإِنَّ عَادَةَ الْقَمْحِ الْكَيْلُ فَاعْتِبَارُ التَّمَاثُلِ فِيهِ بِالْوَزْنِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، بَلْ ذَلِكَ سَبَبُ الرِّبَا فَإِنَّ الْقَمْحَ الرَّزِينَ يَقِلُّ كَيْلُهُ وَيَكْثُرُ وَزْنُهُ وَالْخَفِيفُ بِالْعَكْسِ وَقِسْ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بَقِيَّةَ

[الفرق بين قاعدة المجهول وقاعدة الغرر]

الْحَاجَاتِ مِنْ الْأَعْوَاضِ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَقَعُ إلَّا لِحَاجَةٍ وَلَا تَنْدَفِعُ الْحَاجَةُ إلَّا بِالتَّخْيِيرِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ، وَمَنْ وَافَقَهُ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُتَعَاقِدَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بِبَيْعِ الْخِيَارِ أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ» وَلَنَا عَنْهُ عَشَرَةُ أَجْوِبَةٍ (الْأَوَّلُ) حَمْلُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمُتَشَاغِلَيْنِ بِالْبَيْعِ مَجَازًا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي مِنْ الْأَدِلَّةِ وَيَكُونُ الِافْتِرَاقُ بِالْأَقْوَالِ (الثَّانِي) أَنَّ أَحَدَ الْمَجَازَيْنِ لَازِمٌ فِي الْحَدِيثِ لَنَا إنْ حَمَلْنَا الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى حَالَةِ الْمُبَايَعَةِ كَانَ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يَصْدُقُ حَقِيقَةَ الْإِحَاطَةِ الْمُلَابِسَةِ وَبِكَوْنِ الْمَجَازِ فِي الِافْتِرَاقِ فَإِنَّ أَصْلَهُ فِي الْأَجْسَامِ نَحْوُ افْتِرَاقِ الْخَشَبَةِ وَفَرْقِ الْبَحْرِ وَيُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي الْأَقْوَالِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] ، وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «افْتَرَقَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي» ، الْحَدِيثَ. أَيْ بِالْأَقْوَالِ وَالِاعْتِقَادَاتِ وَإِنْ حَمَلْنَا الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ مِنْهُ الْبَيْعُ كَانَ مَجَازًا كَتَسْمِيَةِ الْإِنْسَانِ نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ الِافْتِرَاقُ فِي الْأَجْسَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ إلَى قَوْلِهِ أَوْ بِقَوْلِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ) قُلْت تِلْكَ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ وَالْعَادَةُ غَالِبًا أَنْ لَا يَطُولَ مَجْلِسُ الْمُتَبَايِعَيْنِ طُولًا يَفُوتُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِوَضَيْنِ كَيْفَ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ» أَيْ اخْتَرْ الْإِمْضَاءَ قَالَ (وَلَنَا عَنْهُ عَشَرَةُ أَجْوِبَةٍ الْأَوَّلُ حَمْلُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمُتَشَاغِلَيْنِ بِالْبَيْعِ مَجَازًا إلَى آخِرِهِ) قُلْت يَأْتِي جَوَابُهُ عِنْدَ ذِكْرِ دَلِيلِهِ قَالَ (الثَّانِي أَنَّ أَحَدَ الْمَجَازَيْنِ لَازِمٌ فِي الْحَدِيثِ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يُصَدِّقُ حَقِيقَةَ الْإِحَالَةِ الْمُلَابِسَةِ) قُلْت ذَلِكَ صَحِيحٌ إذَا أُرِيدَ بِالْحَقِيقَةِ كَوْنُ الْفَاعِلِ مُلَابِسًا لِمَا صَدَرَ مِنْهُ أَوْ وُصِفَ بِهِ لَا إذَا أُرِيدَ بِالْحَقِيقَةِ كَوْنُ لَفْظِ مُتَبَايِعَيْنِ مَوْضُوعًا لِمُحَاوِلِي الْبَيْعِ وَالِابْتِيَاعِ فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً إلَّا فِي حَالِ الْمُلَابَسَةِ قَالَ (وَيَكُونُ الْمَجَازُ فِي الِافْتِرَاقِ) قُلْت ذَلِكَ مَذْهَبُهُ قَالَ (فَإِنَّ أَصْلَهُ فِي الْأَجْسَامِ نَحْوُ افْتِرَاقِ الْخَشَبَةِ وَفَرْقِ الْبَحْرِ) قُلْت ذَلِكَ مُسَلَّمٌ قَالَ (وَيُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي الْأَقْوَالِ إلَى قَوْلِهِ أَيْ بِالْأَقْوَالِ وَالِاعْتِقَادَاتِ) قُلْت الْآيَةُ وَالْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِمَا الْأَقْوَالُ كَمَا قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِمَا الْأَفْعَالُ التَّابِعَةُ لِتِلْكَ الْأَقْوَالِ. قَالَ (وَإِنْ حَمَلْنَا الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ مِنْهُ الْبَيْعُ كَانَ مَجَازًا كَتَسْمِيَةِ الْإِنْسَانِ نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ الِافْتِرَاقُ فِي الْأَجْسَامِ حَقِيقَةً إلَى قَوْلِهِ مَعْضُودٌ بِالْقِيَاسِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً إلَّا عِنْدَ الْمُلَابَسَةِ وَذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ اسْمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفُرُوعِهَا وَلَا نَخْرُجُ عَنْهَا اهـ. وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَعَلَيْهِ فَمُعْتَمَدُ مَذْهَبِنَا يُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْعِ بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَكِيلٌ وَالْآخَرَ مَوْزُونٌ وَلَا يَظْهَرُ قَوْلُ الْحَفِيدِ فِي الْبِدَايَةِ الْأَشْهَرُ عَنْ مَالِكٍ جَوَازُ بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي مُوَطَّئِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَيْ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ يُعَلِّلَانِ بِتَعَذُّرِ التَّمَاثُلِ بِخِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ لَيْسَ هُوَ اخْتِلَافًا مِنْ قَوْلِهِ وَإِنَّمَا رِوَايَةُ الْمَنْعِ إذَا كَانَ اعْتِبَارُ الْمِثْلِيَّةِ بِالْكَيْلِ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ إذَا صَارَ دَقِيقًا اخْتَلَفَ كَيْلُهُ وَرِوَايَةُ الْجَوَازِ إذَا كَانَ الِاعْتِبَارُ بِالْوَزْنِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا يَعْتَبِرُ الْكَيْلَ أَوْ الْوَزْنَ وَالْعَدَدَ فِيمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ اهـ بِزِيَادَةٍ فَافْهَمْ. وَأَمَّا الْفَرْقُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَفِي الْأَصْلِ مَا كَانَ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ بِالْحِجَازِ اُعْتُبِرَ بِتِلْكَ الْحَالَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ» فَذَكَرَ أَحَدَ الْبَلَدَيْنِ تَنْبِيهًا عَلَى الْآخَرِ لِيَرُدَّ الْبِلَادَ إلَيْهِمَا وَمَا تَعَذَّرَ كَيْلُهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْوَزْنُ وَإِنْ أَمْكَنَ الْوَجْهَانِ أُلْحِقَ بِمُشَابِهِهِ فِي الْحِجَازِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ فَإِنْ شَابَهُ أَمْرَيْنِ نُظِرَ إلَى الْأَغْلَبِ فَإِنْ اسْتَوَيَا قِيلَ يُغَلَّبُ الْوَزْنُ لِأَنَّهُ أَحْصَرُ، وَقِيلَ يَجُوزُ الْوَجْهَانِ نَظَرًا لِلتَّسَاوِي، وَقِيلَ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ نَظَرًا لِتَعَذُّرِ التَّرْجِيحِ هَذَا فَإِنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَنَا أَنَّ لَفْظَ الشَّرْعِ يُحْمَلُ عَلَى عُرْفِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَتْ حَكَمَتْ فِيهِ الْعَوَائِدُ كَالْأَيْمَانِ وَالْوَصَايَا وَغَيْرِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَجْهُولِ وَقَاعِدَةِ الْغَرَر] (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَجْهُولِ وَقَاعِدَةِ الْغَرَرِ) الْغَرَرُ لُغَةً قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ مَا لَهُ ظَاهِرٌ مَحْبُوبٌ وَبَاطِنٌ مَكْرُوهٌ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ الدُّنْيَا مَتَاعَ الْغُرُورِ قَالَ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْغِرَارَةِ وَهِيَ الْخَدِيعَةُ وَمِنْهُ الرَّجُلُ الْغِرُّ بِكَسْرٍ الْغَيْرَةُ لِلْخِدَاعِ وَيُقَالُ لِلْمَخْدُوعِ أَيْضًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ» اهـ. وَالْمَجْهُولُ لُغَةً ضِدُّ الْمَعْلُومِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ وَالْغَرَرُ اصْطِلَاحًا مَا لَا يَدْرِي هَلْ يَحْصُلُ أَمْ لَا جُهِلَتْ صِفَتُهُ أَمْ لَا كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَالْمَجْهُولُ اصْطِلَاحًا مَا عُلِمَ حُصُولُهُ وَجُهِلَتْ صِفَتُهُ كَبَيْعِ الشَّخْصِ مَا فِي كُمِّهِ فَهُوَ يَحْصُلُ قَطْعًا لَكِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَّ شَيْءٍ هُوَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَرَرِ وَالْمَجْهُولِ اصْطِلَاحًا أَعَمُّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ فَيَجْتَمِعَانِ فِي

حَقِيقَةً، ثُمَّ فِي هَذَا الْمَقَامِ يُمْكِنُنَا الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ وَنَقُولُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مُجْمَلًا فَيَسْقُطُ بِهِ الِاسْتِدْلَال وَلَنَا تَرْجِيحُ الْمَجَازِ الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ مَعْضُودًا بِالْقِيَاسِ وَالْقَوَاعِدِ. (الثَّالِثُ) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ الطُّرُقِ فِي أَبِي دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيِّ «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا إلَّا أَنْ يَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» فَلَوْ كَانَ ـــــــــــــــــــــــــــــSالْفَاعِلِ حَقِيقَةً فِي الْمَاضِي وَفِي الْحَالِ وَفِي الِاسْتِقْبَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَزْمَانِ الثَّلَاثَةِ فِي اللِّسَانِ وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ لِمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فِيمَا أَعْلَمُهُ غَيْرَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ اللُّغَوِيَّةَ تَلْزَمُ الْحَقِيقَةَ الْوُجُودِيَّةَ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ اللُّغَوِيَّةَ الْمُرَادُ بِهَا أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى لَا لِعَلَاقَةٍ بَيْنَ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَمَعْنًى آخَرَ وُضِعَ لَهُ ذَلِكَ اللَّفْظُ قَبْلَ هَذَا وَالْحَقِيقَةُ الْوُجُودِيَّةُ الْمُرَادُ بِهَا كَوْنُ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ مَوْجُودَةٌ فَالْمَعْنَيَانِ مُتَغَايِرَانِ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ قَالَ (الثَّالِثُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي بَعْضِ الطُّرُقِ فِي أَبِي دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيِّ «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» فَلَوْ كَانَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَشْرُوعًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْإِقَالَةِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي الْجَوَابِ الثَّالِثِ) قُلْت لَا دَلَالَةَ لِلَفْظِ الْإِقَالَةِ عَلَى بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ إنَّمَا هِيَ بِالضِّمْنِ لَا بِالصَّرِيحِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ لَفْظَ الْإِقَالَةِ حَقِيقَةٌ لَا مَجَازٌ وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ مُخَالَفَةُ آخِرِ الْكَلَامِ أَوَّلَهُ فَإِنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ يَقْتَضِي صَرِيحًا ثُبُوتَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ. وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ التَّأَكُّدُ لِمَا هُوَ مُقَرَّرٌ مِنْ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ الْمُتَسَاوِمَيْنِ بِالْخِيَارِ وَذَلِكَ مَرْجُوحٌ فَإِنَّ حَمْلَ كَلَامِ الشَّارِعِ عَلَى التَّأْسِيسِ إذَا احْتَمَلَهُ أَوْلَى وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا عَدَمُ الْفَائِدَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَسَاوِمَيْنِ أَوْ الْمُعْتَادَيْنِ لِلْبَيْعِ وَالِابْتِيَاعِ مَا لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا الْعَقْدُ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِمَا وَفِي صَفْقَةِ الْخِيَارِ وَغَيْرِهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَفِي حَمْلِ لَفْظِ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمَجَازِ وَحَمْلِ لَفْظِ الْإِقَالَةِ عَلَى الْحَقِيقَةِ ضُرُوبٌ مِنْ ضَعْفِ الْكَلَامِ وَتَعَارُضِهِ وَعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ غَيْرُ لَائِقٍ بِفَصَاحَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَفِي حَمْلِ الْإِقَالَةِ عَلَى الْمَجَازِ وَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا اخْتِيَارُ الْفَسْخِ وَحَمْلُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ قُوَّةُ الْكَلَامِ وَاسْتِقَامَتُهُ وَثُبُوتُ فَائِدَتِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَحْوِ شِرَاءِ الْعَبْدِ الْآبِقِ الْمَجْهُولِ قَبْلَ إبَاقِهِ صِفَتُهُ فَهُوَ مَجْهُولُ الصِّفَةِ وَغَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَحْصُلُ أَمْ لَا وَيُوجَدُ الْغَرَرُ بِدُونِ الْجَهَالَةِ فِي نَحْوِ شِرَاءِ الْعَبْدِ الْآبِقِ الْمَعْلُومِ قَبْلَ إبَاحَةِ صِفَتِهِ فَهُوَ مَعْلُومٌ قَبْلَ الْإِبَاقِ لَا جَهَالَةَ فِيهِ وَهُوَ غَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَحْصُلُ أَمْ لَا وَتُوجَدُ الْجَهَالَةُ بِدُونِ الْغَرَرِ فِي نَحْوِ شِرَاءِ حَجَرٍ يَرَاهُ لَا يَدْرِي أَهُوَ زُجَاجٌ أَمْ يَاقُوتٌ فَمُشَاهَدَتُهُ تَقْتَضِي الْقَطْعَ بِحُصُولِهِ فَلَا غَرَرَ وَعَدَمُ مَعْرِفَتِهِ تَقْتَضِي الْجَهَالَةَ بِهِ نَعَمْ قَدْ يَتَوَسَّعُ الْعُلَمَاءُ فِيهِمَا فَيَسْتَعْمِلُونَ أَحَدَهُمَا مَوْضِعَ الْآخَرِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْغَرَرَ يُوجَدُ فِي الْمَبِيعَاتِ مِنْ جِهَةِ الْجَهْلِ بِأَحَدِ سَبْعَةِ أَشْيَاءَ (الْأَوَّلُ) الْجَهْلُ بِتَعْيِينِ الْعَقْدِ أَيْ الْجَهْلُ بِوُجُودِ الْمَعْقُودِ بِهِ عَلَيْهِ كَالْآبِقِ قَبْلَ الْإِبَاقِ (وَالثَّانِي) الْجَهْلُ بِتَعْيِينِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ (وَالثَّالِثُ) الْجَهْلُ بِجِنْسِهِ كَسِلْعَةٍ لَمْ يُسَمِّهَا (وَالرَّابِعُ) الْجَهْلُ بِنَوْعِهِ كَعَبْدٍ لَمْ يُسَمِّهِ (الْخَامِسُ) الْجَهْلُ بِالْحُصُولِ إنْ عُلِمَ الْوُجُودُ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّادِسُ الْجَهْلُ بِالْمِقْدَارِ كَالْبَيْعِ إلَى مَبْلَغِ رَمْيِ الْحَصَاةِ وَالسَّابِعُ الْجَهْلُ بِالْبَقَاءِ كَالثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَبَقِيَ الْجَهْلُ بِالْأَجَلِيِّ إنْ كَانَ هُنَاكَ أَجَلٌ وَالْجَهْلُ بِالصِّفَةِ فَهَذِهِ تِسْعَةُ مَوَارِدَ لِلْغَرَرِ مِنْ جِهَةِ الْجَهَالَةِ وَهِيَ تَرْجِعُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ لِلْغَرَرِ مِنْ جِهَةِ الْجَهَالَةِ (الْأَوَّلُ) كَثِيرٌ مُمْتَنِعٌ إجْمَاعًا كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَمِنْ ذَلِكَ جَمِيعُ الْبُيُوعِ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا عِبَارَةٌ عَنْ بَيْعٍ يُؤَجِّلُونَهُ إلَى أَنْ تُنْتِجَ النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا، ثُمَّ يُنْتَجُ مَا فِي بَطْنِهَا وَالْغَرَرُ فِي هَذَا مِنْ جِهَةِ جَهْلِ الْأَجَلِ بَيِّنٌ وَإِمَّا عِبَارَةٌ عَنْ بَيْعِ جَنِينِ النَّاقَةِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَالْمَضَامِينِ هِيَ مَا فِي بُطُونِ الْحَوَامِلِ وَالْمَلَاقِيحُ مَا فِي ظُهُورِ الْفُحُولِ وَكَبَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ وَبَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَكَانَتْ صُورَتُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَلْمِسَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ وَلَا يَنْشُرُهُ أَوْ يَبْتَاعُهُ لَيْلًا وَلَا يَعْلَمُ مَا فِيهِ وَسَبَبُ تَحْرِيمِهِ الْجَهْلُ بِالصِّفَةِ وَكَبَيْعِ الْمُنَابَذَةِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَنْبِذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ إلَى صَاحِبِهِ الثَّوْبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَيِّنَ أَنَّ هَذَا بِهَذَا، بَلْ كَانُوا يَجْعَلُونَ ذَلِكَ رَاجِعًا إلَى الِاتِّفَاقِ وَكَبَيْعِ الْحَصَاةِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي أَيُّ ثَوْبٍ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْحَصَاةُ الَّتِي أَرْمِي بِهَا فَهُوَ لِي، وَقِيلَ أَيْضًا إنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ إذَا وَقَعَتْ الْحَصَاةُ مِنْ يَدِي فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ. وَهَذَا قِمَارٌ فَهَذِهِ وَنَحْوُهَا كُلُّهَا بُيُوعٌ جَاهِلِيَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَى تَحْرِيمِهَا وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ لِكَثِيرِ الْغَرَرِ الْحَاصِلِ مِنْ جِهَاتِ الْجَهَالَةِ الْمَذْكُورَةِ (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) قَلِيلٌ جَائِزٌ إجْمَاعًا كَأَسَاسِ الدَّارِ وَقُطْنِ الْجُبَّةِ وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مُتَوَسِّطٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ هُوَ يُلْحَقُ بِالْأَوَّلِ

خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَشْرُوعًا لَمْ يَحْتَجْ لِلْإِقَالَةِ فَإِنَّ مَنْ تَوَجَّهَتْ نَفْسُهُ يَخْتَارُ الْفَسْخَ وَلَمَّا صَرَّحَ بِمَا يَقْتَضِي احْتِيَاجَهُ لِلْآخَرِ وَهُوَ الْإِقَالَةُ دَلَّ عَلَى بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا هُوَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْعَقْدِ وَإِنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ هُمَا الْمُتَشَاغِلَانِ بِالْبَيْعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا دَلِيلُ ذَلِكَ الْمَجَازِ. الرَّابِعُ الْمُعَارَضَةُ بِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَهَذَا مِنْ الْغَرَرِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَدْرِي مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ (الْخَامِسُ) قَوْله تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ الْمُنَافِي لِلْخِيَارِ (السَّادِسُ) لَوْ صَحَّ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لَتَعَذَّرَ تَوَلِّي وَاحِدٍ طَرَفَيْ الْعَقْدِ كَشِرَاءِ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ وَعَلَى قَوْلِنَا لَا يَلْزَمُ كَذَلِكَ يَلْزَمُ فِيمَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ كَالْهَرَائِسِ وَالْكَنَائِفِ (السَّابِعُ) أَنْ نَقُولَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَجْهُولُ الْعَاقِبَةِ فَيَبْطُلُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ الْمَجْهُولِ الْعَاقِبَةِ أَوْ النِّهَايَةِ فِي الزَّمَانِ فَإِنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ لَيْسَ لَهُ ضَابِطٌ إلَّا الِافْتِرَاقُ، وَقَدْ يَطُولُ، وَقَدْ يَقْصُرُ وَمِثْلُ ذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَى بُطْلَانِهِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَقْتَضِيَ بُطْلَانَ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِي الْعَقْدِ (الثَّامِنُ) عَقْدٌ وَقَعَ الرِّضَى بِهِ فَيَبْطُلُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِيهِ كَمَا بَعْدَ الْإِمْضَاءِ (التَّاسِعُ) يُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى مَاذَا قَالَ الْمُشْتَرِي بِعْنِي ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الرَّابِعُ الْمُعَارَضَةُ بِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ إلَى آخِرِهِ) قُلْت هَذَا مِنْ الْغَرَرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَعْظُمُ فَإِنَّ الْمَجْلِسَ فِي غَالِبِ الْعَادَةِ لَا يَطُولُ طُولًا يَقْتَضِي ذَلِكَ قَالَ (الْخَامِسُ قَوْله تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] إلَى آخِرِهِ) قُلْت الْآيَةُ مُطْلَقَةٌ فَتُحْمَلُ عَلَى مَا بَعْدَ الْخِيَارِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ قَالَ (السَّادِسُ لَوْ صَحَّ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لَتَعَذَّرَ تَوَلِّي طَرْفَيْ الْعَقْدِ إلَى آخِرِهِ) قُلْت إنَّمَا خُرِّجَ كَلَامُ الشَّارِعِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَلَى الْغَائِبِ وَحَيْثُ لَا يَتَعَذَّرُ قَالَ (السَّابِعُ أَنْ نَقُولَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَجْهُولُ الْعَاقِبَةِ إلَى آخِرِهِ) قُلْت هُوَ مَضْبُوطٌ بِالِاعْتِبَارِ وَمَا يَلْزَمُهُ غَالِبًا مِنْ التَّفَاوُتِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا نُظِرَ بِهِ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ لِمَجْهُولِ الزَّمَانِ قَالَ (الثَّامِنُ عَقْدٌ وَقَعَ الرِّضَى بِهِ فَيَبْطُلُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِيهِ كَمَا بَعْدَ الْإِمْضَاءِ) قُلْت هَذَا قِيَاسٌ فَاسِدُ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ فِي مُعَارَضَةِ النَّصِّ قَالَ (التَّاسِعُ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى مَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بِعْنِي فَيَقُولُ بِعْتُك إلَى آخِرِهِ) قُلْت لَا خَفَاءَ بِضَعْفِ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ وُجُوهٍ أَيْسَرُهَا كَوْنُهُ بُنِيَ عَلَى مَذْهَبِ الْغَيْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ الثَّانِي فَلِارْتِفَاعِهِ عَنْ الْقَلِيلِ أُلْحِقَ بِالْكَثِيرِ وَلِانْحِطَاطِهِ عَنْ الْكَثِيرِ أُلْحِقَ بِالْقَلِيلِ. وَهَذَا هُوَ سَبَبُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي فُرُوعِ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي الْأَصْلِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِزِيَادَةٍ مِنْ بِدَايَةِ الْحَفِيدِ قَالَ وَمِنْ الْبُيُوعِ الَّتِي تُوجَدُ فِيهَا هَذِهِ الضُّرُوبُ مِنْ الْغَرَرِ بُيُوعٌ مَنْطُوقٌ بِهَا وَبُيُوعٌ مَسْكُوتٌ عَنْهَا وَالْمَنْطُوقُ بِهِ أَكْثَرُهُ مُتَّفَقٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَبَعْضُهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمِنْهُ مَا جَاءَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ «النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَالْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ» وَذَلِكَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا دُونَ السُّنْبُلِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ وَلَا كَثْرَتُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي بَيْعِ السُّنْبُلِ نَفْسِهِ مَعَ الْحَبِّ فَجَوَّزَ ذَلِكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ السُّنْبُلِ نَفْسِهِ وَإِنْ اشْتَدَّ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ الْغَرَرِ وَقِيَاسًا عَلَى بَيْعِهِ مَخْلُوطًا بِتِبْنِهِ بَعْدَ الدَّرْسِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ مَا رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخِيلِ حَتَّى تُزْهِيَ، وَعَنْ السُّنْبُلِ حَتَّى تَبْيَضَّ وَتُؤْمَنُ الْعَاهَةُ» نُهِيَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَهِيَ زِيَادَةٌ عَلَى مَا. رَوَاهُ مَالِكٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَالزِّيَادَةُ إذَا كَانَتْ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَمَّا وَصَلَتْهُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ قِيَاسٌ مَعَ وُجُودِ الْحَدِيثِ. ثُمَّ قَالَ، وَأَمَّا الْمَسَائِلُ الْمَسْكُوتُ عَنْهَا فِي هَذَا الْبَابِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فَكَثِيرَةٌ لَكِنْ نَذْكُرُ مِنْهَا أَشَرَّهَا لِتَكُونَ كَالْقَانُونِ لِلْمُجْتَهِدِ النَّظَّارِ وَهِيَ خَمْسَةُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الْمَبِيعَاتُ نَوْعَانِ مَبِيعٌ حَاضِرٌ مَرْئِيٌّ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي بَيْعِهِ وَمَبِيعٌ غَائِبٌ أَوْ مُتَعَذِّرُ الرُّؤْيَةِ فَهُنَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فَقَالَ قَوْمٌ بَيْعُ الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ لَا وُصِفَ وَلَا لَمْ يُوصَفْ، وَهَذَا أَشْهَرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْمَنْصُورُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَعْنِي أَنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُجَوِّزُ بَيْعَ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ مِمَّا يُؤْمَنُ أَنْ تَتَغَيَّرَ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ صِفَتُهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ مِنْ غَيْرِ صِفَةٍ، ثُمَّ لَهُ إذَا رَآهَا الْخِيَارَ فَإِنْ شَاءَ نَفَّذَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَكَذَلِكَ الْمَبِيعُ عَلَى الصِّفَةِ مِنْ شَرْطِهِ عِنْدَهُمْ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَإِنْ جَاءَ عَلَى الصِّفَةِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ إنَّهُ إنْ جَاءَ عَلَى الصِّفَةِ فَهُوَ لَازِمٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ أَصْلًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَذْهَبِ يَجُوزُ بَيْعُ الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ صِفَةٍ عَلَى شَرْطِ الْخِيَارِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَقَعَ ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَنْكَرَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَقَالَ هُوَ مُخَالِفٌ لِأُصُولِنَا وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ نُقْصَانُ الْعِلْمِ

فَيَقُولُ الْبَائِعُ بِعْتُك فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ لَهُ الْخِيَارُ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ وَهَذِهِ صُورَةٌ تَفَرَّدَ بِهَا الْحَنَفِيَّةُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَهُمْ اشْتَرَيْت وَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَدْعَى الْبَيْعَ وَحَمَلُوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْبُخَارِيِّ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ «أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ» أَيْ اخْتَرْ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِيجَابِ أَوْ الِاسْتِدْعَاءَ وَنَحْنُ نَحْمِلُهُ عَلَى اخْتِيَارِ شَرْطِ الْخِيَارِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا فَلَا خِيَارَ أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ فَلَا تَنْفَعُ الْفُرْقَةُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَرِدْ إلَّا بَيْعُ الْخِيَارِ مَعَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ (الْعَاشِرُ) عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِنْ تَكَرَّرَ الْبَيْعُ عِنْدَهُمْ مَعَ الْأَنْفَاسِ، فَعَدَمُ الْمَجْلِسِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ دَلَالَةٍ قَاطِعَةٍ وَالْقَطْعُ مُقَدَّمٌ عَلَى الظَّنِّ فَهَذِهِ عَشَرَةُ أَوْجُهٍ تُسْقِطُ دَلَالَةَ الْخَبَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْعَاشِرُ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إلَى آخِرِهِ) قُلْت لَيْسَ لِلْمَالِكِيَّةِ كَلَامٌ يَقْوَى غَيْرَ هَذَا فَإِذَا ثَبَتَ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ رُجِّحَ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُتَعَلِّقُ بِالصِّفَةِ عَنْ الْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْحِسِّ هُوَ جَهْلٌ مُؤَثِّرٌ فِي بَيْعِ الشَّيْءِ، فَيَكُونُ مِنْ الْغَرَرِ الْكَثِيرِ أَمْ لَيْسَ بِمُؤَثِّرٍ وَإِنَّهُ مِنْ الْغَرَرِ الْيَسِيرِ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ رَأَى أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ إنَّهُ لَا غَرَرَ هُنَاكَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ رُؤْيَةٌ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَرَأَى أَنَّ الْجَهْلَ الْمُقْتَرِنَ بِعَدَمِ الصِّفَةِ مُؤَثِّرٌ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ وَلَا خِلَافَ عِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ الصِّفَةَ إنَّمَا تَنُوبُ عَنْ الْمُعَايَنَةِ لِمَكَانِ غَيْبَةِ الْمَبِيعِ أَوْ لِمَكَانِ الْمَشَقَّةِ الَّتِي فِي نَشْرِهِ وَمَا يُخَافُ أَنْ يَلْحَقَهُ مِنْ الْفَسَادِ بِتَكْرَارِ النَّشْرِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا أَجَازَ الْبَيْعَ عَلَى الْبَرْنَامَجِ عَلَى الصِّفَةِ وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ بَيْعُ السِّلَاحِ فِي جِرَابِهِ وَلَا الثَّوْبُ الْمَطْوِيُّ فِي طَيِّهِ حَتَّى يُنْشَرَ أَوْ يُنْظَرَ إلَى مَا فِي جِرَابِهَا وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ إنَّهُ قَالَ قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِدْنَا أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَبَايَعَا حَتَّى نَعْلَمَ أَيَّهمَا أَعْظَمَ جِدًّا فِي التِّجَارَةِ فَاشْتَرَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَرَسًا بِأَرْضٍ لَهُ أُخْرَى بِأَرْبَعِينَ أَلْفًا أَوْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ فَذَكَرَ تَمَامَ الْخَبَرِ وَفِيهِ بَيْعُ الْغَائِبِ مُطْلَقًا وَلَا بُدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْجِنْسِ وَيَدْخُلُ الْبَيْعُ عَلَى الصِّفَةِ أَوْ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ غَائِبٌ غَرَرٌ آخَرُ وَهُوَ هَلْ هُوَ مَوْجُودٌ وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ مَعْدُومٌ وَلِذَلِكَ اشْتَرَطُوا فِيهِ أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْمُونًا كَالْعَقَارِ وَمِنْ هَاهُنَا أَجَازَ مَالِكٌ بَيْعَ الشَّيْءِ بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ أَعْنِي إذَا كَانَ مِنْ الْقُرْبِ بِحَيْثُ يُؤْمَنُ أَنْ تَتَغَيَّرَ فِيهِ فَاعْلَمْهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأَعْيَانِ إلَى أَجَلٍ وَإِنَّ مِنْ شَرْطِهَا تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ إلَى الْمُبْتَاعِ بِأَثَرِ عَقْدِ الصِّفَةِ إلَّا أَنَّ مَالِكًا وَرَبِيعَةَ وَطَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَجَازُوا بَيْعَ الْجَارِيَةِ الرَّفِيعَةِ عَلَى شَرْطِ الْمُوَاضَعَةِ وَلَمْ يُجِيزُوا فِيهَا كَمَا لَمْ يُجِزْهُ مَالِكٌ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ وَإِنَّمَا مَنَعَ ذَلِكَ الْجُمْهُورُ لِمَا يَدْخُلُهُ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَمِنْ عَدَمِ التَّسْلِيمِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَعْنِي لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَرَرِ مِنْ عَدَمِ التَّسْلِيمِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لَا مِنْ بَابِ الرِّبَا وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا كَانَ يَرَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ غَرِيمِهِ فِي دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ ثَمَرًا قَدْ بَدَا صَلَاحُهُ وَيَرَاهُ مِنْ بَابِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَكَانَ أَشْهَبُ يَجْتَزُّ ذَلِكَ وَيَقُولُ إنَّمَا الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي قَبْضِ شَيْءٍ مِنْهُ أَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ مِنْ الْأَثْمَانِ يَقُومُ مَقَامَ قَبْضِ الْأَوَاخِرِ وَهُوَ الْقِيَاسُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْمَالِكِينَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) أَجْمَعَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى بَيْعِ التَّمْرِ الَّذِي يُثْمِرُ بَطْنًا وَاحِدًا يَطِيبُ بَعْضُهُ وَإِنْ لَمْ تَطِبْ جُمْلَتُهُ مَعًا وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُثْمِرُ بُطُونًا مُخْتَلِفَةً وَتَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْبُطُونَ الْمُخْتَلِفَةَ لَا تَخْلُو أَنْ تَتَّصِلَ أَوْ لَا تَتَّصِلَ فَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ لَمْ يَكُنْ بَيْعٌ مَا لَمْ يَخْلُقْ مِنْهَا دَاخِلًا فِيمَا خَلْقٌ كَشَجَرِ التِّينِ يُوجَدُ فِيهِ الْبَاكُورُ وَالْعَصِيرُ، ثُمَّ إنْ اتَّصَلَتْ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَتَمَيَّزَ الْبُطُونُ أَوْ لَا تَتَمَيَّزُ فَمِثَالُ الْمُتَمَيِّزِ جَزُّ الْقَصِيلِ الَّذِي يُجَزُّ مُدَّةً بَعْدَ مُدَّةٍ وَمِثَالُ الْمُتَمَيِّزِ الْمَبَاطِخُ وَالْمَقَاثِي وَالْبَاذِنْجَانُ وَالْقَرْعُ فَفِي الَّذِي يَتَمَيَّزُ عَنْهُ وَيَنْفَصِلُ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا الْجَوَازُ وَالْأُخْرَى الْمَنْعُ وَفِي الَّذِي يَتَّصِلُ وَلَا يَتَمَيَّزُ قَوْلٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْجَوَازُ وَخَالَفَهُ الْكُوفِيُّونَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالشَّافِعِيُّ فِي هَذَا كُلِّهِ فَقَالُوا لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَطْنٍ مِنْهَا بِشَرْطٍ آخَرَ وَحُجَّةُ مَالِكٍ فِيمَا لَا يَتَمَيَّزُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَبْسُ أَوَّلِهِ عَلَى آخِرِهِ فَجَازَ أَنْ يُبَاعَ مَا لَمْ يُخْلَقْ مِنْهَا مَعَ مَا خَالَقَ وَبَدَا صَلَاحُهُ أَصْلُهُ جَوَازُ بَيْعِ مَا لَمْ يَطِبْ مِنْ الثَّمَرِ مَعَ مَا طَابَ؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ فِي الصِّفَةِ شَبَّهَهُ بِالْغَرَرِ فِي عَيْنِ الشَّيْءِ وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الرُّخْصَةَ هَاهُنَا يَجِبُ أَنْ تُقَاسَ عَلَى الرُّخْصَةِ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ أَعْنِي مَا طَابَ مَعَ مَا لَمْ يَطِبْ لِمَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ مِنْ الْغَرَرِ مَا يَجُوزُ لِمَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَلِذَلِكَ مُنِعَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَهُ بَيْعُ الْقَصِيلِ بَطْنًا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ هُنَاكَ إذَا كَانَ مُتَمَيِّزًا، وَأَمَّا وَجْهُ الْجَوَازِ فِي الْقَصِيلِ فَتَشْبِيهًا لَهُ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ عِنْدَهُمْ مِنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ وَمِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ مُعَاوَمَةً (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) بَيْعُ اللُّفْتِ وَالْجَزَرِ وَالْكُرُنْبِ

[الفرق بين قاعدة ما يسد من الذرائع وقاعدة ما لا يسد منهما]

ثُمَّ نَذْكُرُ وَجْهًا حَادِي عَشَرَ يَقْتَضِي الدَّلَالَةَ بِالْخَبَرِ عَلَى بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَكْسُ مَا تَدَّعِيهِ الشَّافِعِيَّةُ وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى ثَلَاثِ قَوَاعِدَ : (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ مَجَازٌ إذَا مَضَى مَعْنَاهُ عَلَى الْأَصَحِّ (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَقْتَضِي عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَصْفَ لِذَلِكَ الْحُكْمِ نَحْوُ اُقْتُلُوا الْكَافِرَ وَارْجُمُوا الزَّانِيَ وَاقْطَعُوا السَّارِقَ وَنَحْوَهَا فَإِنَّ تَرْتِيبَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ عَلَى هَذِهِ الْأَوْصَافِ تَقْتَضِي عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَوْصَافَ الْمُتَقَدِّمَةَ لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ (الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ عِلَّةُ الْمَعْلُولِ لِعَدَمِ الْإِسْكَارِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ التَّحْرِيمِ وَعَدَمُ الْكُفْرِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ إبَاحَةِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَعَدَمُ الْإِسْلَامِ فِي الرِّدَّةِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ هُوَ كَثِيرٌ إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ فَنَقُولُ الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لَا عَلَى ثُبُوتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (ثُمَّ نَذْكُرُ وَجْهًا حَادِي عَشَرَ إلَى آخِرِهِ مَا قَالَ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُولَى وَهِيَ فَاسِدَةٌ فَكُلُّ مَا بُنِيَ عَلَيْهَا فَاسِدٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَجَمِيعُ مَا قَالَ فِي الثَّلَاثَةِ الْفُرُوقِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQجَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُهُ لِلْأَكْلِ وَلَمْ يُقْلَعْ وَلَمْ يُجِزْهُ الشَّافِعِيُّ إلَّا مَقْلُوعًا لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ بَيْعِ الْمُغَيَّبِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ بَيْعُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبَاقِلَّا فِي قِشْرِهِ أَجَازَهُ مَالِكٌ وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ هَلْ هُوَ مِنْ الْغَرَرِ الْمُؤَثِّرِ فِي الْبُيُوعِ أَمْ لَيْسَ مِنْ الْمُؤَثِّرِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْغَرَرَ يَنْقَسِمُ بِهَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ وَإِنَّ غَيْرَ الْمُؤَثِّرِ هُوَ الْيَسِيرُ الَّذِي تَدْعُو إلَيْهِ الضَّرُورَةُ أَوْ مَا جَمَعَ الْأَمْرَيْنِ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) اخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي بَيْعِ السَّمَكِ فِي الْغَدِيرِ أَوْ الْبِرْكَةِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ وَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِيمَا أَحْسَبُ وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِي أُصُولُهُ وَمِنْ ذَلِكَ الْآبِقُ أَجَازَهُ قَوْمٌ بِإِطْلَاقٍ وَمَنَعَهُ قَوْمٌ بِإِطْلَاقٍ وَمِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ مَعْلُومَ الصِّفَةِ مَعْلُومَ الْمَوْضِعِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي جَازَ وَأَظُنُّهُ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْإِبَاقِ وَيَتَوَاضَعَانِ أَعْنِي أَنَّهُ لَا يَقْبِضُهُ الْبَائِعُ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَتَرَدَّدُ عِنْدَ الْعَقْدِ بَيْنَ بَيْعٍ وَسَلَفٍ، وَهَذَا أَصْلٌ مِنْ أُصُولِهِ يُمْنَعُ بِهِ النَّقْدُ فِي بَيْعِ الْمُوَاضَعَةِ وَفِي بَيْعِ الْغَائِبِ غَيْرُ الْمَأْمُونِ وَفِيمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَمِمَّنْ قَالَ بِجَوَازِ بَيْعِ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ وَالشَّارِدِ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَالْحُجَّةُ لِلشَّافِعِيِّ حَدِيثُ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ الْآبِقِ. وَعَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْإِمَاءِ حَتَّى تَضَعَ، وَعَنْ شِرَاءِ مَا فِي ضُرُوعِهَا، وَعَنْ شِرَاءِ الْغَنَائِمِ حَتَّى تُقْسَمَ» وَأَجَازَ مَالِكٌ بَيْعَ لَبَنِ الْغَنَمِ أَيَّامًا مَعْدُودَةً إذَا كَانَ مَا يُحْلَبُ مِنْهَا مَعْرُوفًا فِي الْعَادَةِ وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ. وَقَالَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ بَعْدَ الْحَلْبِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَنَعَ مَالِكٌ بَيْعَ اللَّحْمِ فِي جِلْدِهِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ بَيْعُ الْمَرِيضِ أَجَازَهُ مَالِكٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْئُوسًا مِنْهُ وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَهِيَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْهُ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ بَيْعُ تُرَابِ الْمَعْدِنِ وَالصَّوَّاغِينَ فَأَجَازَ مَالِكٌ بَيْعَ تُرَابِ الْمَعْدِنِ بِنَقْدٍ يُخَالِفُهُ أَوْ يَعْرِضُ وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ تُرَابِ الصَّاغَةِ وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ الْبَيْعَ فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وَأَجَازَهُ قَوْمٌ فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ اهـ. مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْ الْبِدَايَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُسَدُّ مِنْ الذَّرَائِعِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُسَدُّ مِنْهُمَا] (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُسَدُّ مِنْ الذَّرَائِعِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُسَدُّ مِنْهَا) الذَّرِيعَةُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْوَسِيلَةُ إلَى الشَّيْءِ وَأَصْلُهَا عِنْدَ الْعَرَبِ مَا تَأْلَفُهُ النَّاقَةُ الشَّارِدَةُ مِنْ الْحَيَوَانِ لِتُضْبَطَ بِهِ، ثُمَّ نُقِلَتْ إلَى الْبَيْعِ الْجَائِزِ صُورَةً الْمُتَخَيَّلِ بِهِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ وَهُوَ السَّلَفُ الْجَارُّ نَفْعًا، وَكَذَا غَيْرُ الْبَيْعِ عَلَى وَجْهِ التَّخَيُّلِ بِهِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ كَانَ وَسِيلَةً لِشَيْءٍ مَا عَدَا الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ كَأَنْ يُكْرِمَ بَائِعٌ مَنْ أُرِيدَ الشِّرَاءُ مِنْهُ لِأَجْلِ أَنْ يَغُرَّهُ بِالْبَيْعِ لَهُ بِثَمَنٍ مُرْتَفِعٍ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ بِتَشْبِيهِ كُلِّ شَيْءٍ كَانَ وَسِيلَةً لِشَيْءٍ غَيْرِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِجَامِعِ مُطْلَقِ التَّوَسُّلِ فِي كُلٍّ، ثُمَّ صَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَانْقَسَمَتْ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى عَدَمِ سَدِّهِ أَيْ عَلَى إلْغَاءِ حُكْمِهِ كَالْمَنْعِ مِنْ زِرَاعَةِ الْعِنَبِ خَشْيَةَ الْخَمْرِ وَالْمَنْعِ مِنْ التَّجَاوُرِ فِي الْبُيُوتِ خَشْيَةَ الزِّنَى فَلَمْ يُمْنَعْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ وَسِيلَةً وَسَبَبًا لِلْمُحَرَّمِ (الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا أَجْمَعُوا عَلَى سَدِّهِ أَيْ إعْمَالِ حُكْمِهِ كَالْمَنْعِ مِنْ سَبِّ الْأَصْنَامِ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسُبُّ اللَّهَ تَعَالَى حِينَئِذٍ وَالْمَنْعُ مِنْ حَفْرِ الْآبَارِ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ إذَا عَلِمَ وُقُوعَهُمْ فِيهَا أَوْ ظَنَّ وَالْمَنْعُ مِنْ إلْقَاءِ السُّمِّ فِي أَطْعِمَةِ الْمُسْلِمِينَ إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَهَا فَيَهْلَكُونَ وَالْمَنْعُ مِنْ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ مُجْتَمِعَيْنِ خَشْيَةَ الرِّبَا وَحِوَارُهُمَا مُفْتَرِقِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108] وقَوْله تَعَالَى {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} [البقرة: 65] حَيْثُ ذَمَّهُمْ لِكَوْنِهِمْ تَذَرَّعُوا لِلصَّيْدِ يَوْمَ السَّبْتِ الْمُحَرَّمِ عَلَيْهِمْ بِحَبْسِ الصَّيْدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حَرُمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا» . وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ شَهَادَةَ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ» خَشْيَةَ الشَّهَادَةِ بِالْبَاطِلِ وَمَنَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهَادَةَ الْآبَاءِ لِلْأَبْنَاءِ وَالْعَكْسَ فَقَدْ اعْتَبَرَ الشَّرْعُ سَدَّ الذَّرَائِعِ

بَيَانُهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ حَقِيقَةً فِي حَالَةِ الْمُلَابَسَةِ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الْأُولَى وَوَصْفُ الْمُبَايَعَةِ هُوَ عِلَّةُ عَدَمِ الْخِيَارِ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا انْقَطَعَتْ أَصْوَاتُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ انْقَطَعَتْ الْمُبَايَعَةُ فَتَكُونُ الْعِلَّةُ قَدْ عُدِمَتْ فَيُعْدَمُ الْخِيَارُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهَا فَلَا يَبْقَى خِيَارٌ بَعْدَهُ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَهَذِهِ الْقَوَاعِدُ كَمَا دَلَّتْ عَلَى عَدَمِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُمَا عَلَى الْمُتَسَاوِمَيْنِ فَإِنَّ الْخِيَارَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَيَنْقَطِعُ بَعْدَهَا وَهُوَ يُؤَكِّدُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ وَهَذِهِ نُبْذَةٌ حَسَنَةٌ فِي هَذَا الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الْمَجْلِسِ مِنْ جِهَةِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مِنْ الْغَرَرِ وَمُخَالَفَةِ الْقَوَاعِدِ وَالْأَدِلَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَنْتَقِلُ إلَى الْأَقَارِبِ مِنْ الْأَحْكَامِ غَيْرِ الْأَمْوَالِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَنْتَقِلُ مِنْ الْأَحْكَامِ) اعْلَمْ أَنَّهُ يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ مَاتَ عَنْ حَقٍّ فَلِوَرَثَتِهِ» ، وَهَذَا اللَّفْظُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْجُمْلَةِ، وَلَيْسَ الْمَذْهَبُ الْمَالِكِيُّ مُخْتَصًّا بِسَدِّهَا كَمَا يُحْكَى ذَلِكَ عَنْهُ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ كَالنَّظَرِ إلَى الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ذَرِيعَةٌ لِلزِّنَى قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَى الْخَرَشِيِّ أَيْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَمَالِكٌ يُجِيزُهُ وَغَيْرُهُ يَمْنَعُهُ أَمَّا بِشَهْوَةٍ فَمُتَّفَقٌ عَلَى مَنْعِهِ اهـ. وَكَالتَّحَدُّثِ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ حَيْثُ مَا ذُكِرَ قَالَ الْعَدَوِيُّ أَيْضًا فَمَذْهَبُنَا يُجَوِّزُ ذَلِكَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ إنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ وَإِنْ ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ اهـ. أَيْ شُرَّاح خَلِيلٍ وَكَبُيُوعِ الْآجَالِ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ مَنْعُهَا بِخَمْسَةِ شُرُوطٍ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ الْبَيْعَةُ الْأُولَى لِأَجَلٍ ثَانِيهَا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي ثَانِيًا هُوَ الْبَائِعُ أَوْ لَا أَوْ مَنْ تَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ وَثَالِثُهَا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ ثَانِيًا هُوَ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا أَوْ مَنْ تَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ وَالْمُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ كُلِّ وَاحِدٍ وَكِيلُهُ سَوَاءٌ عَلِمَ الْوَكِيلُ أَوْ الْمُوَكِّلُ بَيْعَ الْآخَرِ وَشِرَاءَهُ أَوْ جَهْلًا وَعَبْدُ كُلٍّ إنْ كَانَ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ وَهُوَ يَتَّجِرُ لِلسَّيِّدِ كَوَكِيلِهِ وَرَابِعُهَا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي ثَانِيًا هُوَ الْمَبِيعُ أَوَّلًا وَخَامِسُهَا أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ الثَّانِي مِنْ صِفَةِ ثَمَنِهِ الَّذِي بَاعَ بِهِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ عَلَى صُورَةِ بَيْعٍ جَائِزٌ فِي الظَّاهِرِ إلَّا أَنَّهَا لَمَّا كَثُرَ قَصْدُ النَّاسِ التَّوَصُّلَ إلَى مَمْنُوعٍ فِي الْبَاطِنِ كَبَيْعٍ بِسُلَفٍ وَسَلَفٍ بِمَنْفَعَةٍ مُنِعَتْ قِيَاسًا عَلَى الذَّرَائِعِ الْمُجْمَعِ عَلَى مَنْعِهَا بِجَامِعِ أَنَّ الْأَغْرَاضَ الْفَاسِدَةَ فِي كُلٍّ هِيَ الْبَاعِثَةُ عَلَى عَقْدِهَا؛ لِأَنَّهُ الْمُحَصِّلُ لَهَا بِخِلَافِ نَحْوِ بَيْعِ السَّيْفِ مِنْ نَحْوِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُحَصِّلًا لِقَطْعِ الطَّرِيقِ حَتَّى يُقَالَ إنَّ الْفَسَادَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ أَعْظَمُ مِنْ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا لِمَا فِيهِ مِنْ ذَهَابِ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ إذْ الْفَسَادُ لَيْسَ مَقْصُودًا مِنْ الْبَيْعِ بِالذَّاتِ حَتَّى يَكُونَ بَاعِثًا عَلَى عَقْدِهِ كَصُورَةِ النِّزَاعِ فَافْهَمْ قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ وَالصُّوَرُ الَّتِي يَعْتَبِرُهَا مَالِكٌ فِي الذَّرَائِعِ فِي هَذِهِ الْبُيُوعِ هِيَ أَنْ يَتَذَرَّعَ مِنْهَا إلَى أَنْظِرْنِي أَزِدْك أَوْ إلَى بَيْعِ مَا لَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا أَوْ بَيْعِ مَا لَا يَجُوزُ نَسَاءً أَوْ إلَى بَيْعٍ وَسَلَفٍ أَوْ إلَى ذَهَبٍ وَعَرْضٍ بِذَهَبٍ أَوْلَى ضَعْ وَتَعَجَّلْ أَوْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى أَوْ بَيْعٍ وَصَرْفٍ قَالَ هَذِهِ هِيَ أُصُولُ الرِّبَا اهـ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ صُورَةِ النِّزَاعِ حَدِيثُ الْعَالِيَةِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا سَمِعَتْهَا، وَقَدْ قَالَتْ لَهَا امْرَأَةٌ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي بِعْت مِنْ زَيْدٍ عَبْدًا إلَى الْعَطَاءِ بِثَمَانِمِائَةٍ فَاحْتَاجَ إلَى ثَمَنِهِ فَاشْتَرَيْته مِنْ قِبَلِ مَحَلِّ الْأَجَلِ بِسِتِّمِائَةٍ أَيْ نَقْدًا فَقَالَتْ عَائِشَةُ بِئْسَمَا شَرَيْت وَبِئْسَمَا اشْتَرَيْت أَبْلَغِي زَيْدًا أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ لَمْ يَتُبْ قَالَتْ أَرَأَيْت إنْ تَرَكْت وَأَخَذْت السِّتَّمِائَةِ دِينَارٍ قَالَتْ نَعَمْ وَفِي رِوَايَةِ الْمُوَطَّإِ قَالَتْ أَرَأَيْتنِي إنْ أَخَذْته بِرَأْسِ مَالِي فَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 275] فَهَذَا التَّغْلِيظُ الْعَظِيمُ لَا تَقُولُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ فَتَكُونُ هَذِهِ الذَّرَائِعُ وَاجِبَةُ السَّدِّ وَهُوَ الْمَقْصُودُ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ هَذِهِ الْمُبَايَعَةُ كَانَتْ بَيْنَ أُمِّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَمَوْلَاهَا قَبْلَ الْعِتْقِ فَيَتَخَرَّجُ قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ مَعَ الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ هَذِهِ الذَّرَائِعِ وَلَعَلَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الرِّبَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ قَالَ وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَقِدَ فِي زَيْدٍ أَنَّهُ وَاطَأَ أُمَّ وَلَدِهِ عَلَى شِرَاءِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا إلَى أَجَلٍ اهـ. فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ كَيْفَ يَلِيقُ بِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَهُوَ مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ فِعْلُ مَا يُقَالُ فِيهِ ذَلِكَ وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عُدُولٌ سَادَةٌ أَتْقِيَاءٌ وَالْإِحْبَاطُ إحْبَاطٌ إنَّ أَحَدَهُمَا إحْبَاطُ إسْقَاطٍ وَهُوَ إحْبَاطُ الْكُفْرِ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَلَا يُفِيدُ شَيْءٌ مِنْهَا مَعَهُ وَثَانِيهَا إحْبَاطُ مُوَازَنَةٍ وَهُوَ وَزْنُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ السَّيِّئَ فَإِنْ رَجَحَ السَّيِّئُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ أَوْ الصَّالِحُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ كِلَاهُمَا مُعْتَبَرٌ غَيْرَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَمَعَ الْكُفْرِ لَا عِبْرَةَ أَلْبَتَّةَ وَالْإِحْبَاطُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ إحْبَاطُ مُوَازَنَةٍ كَالْإِحْبَاطِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مِنْ تَرْكِ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» أَيْ بِالْمُوَازَنَةِ وَمُرَادُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إمَّا الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِنْكَارِ لَا التَّحْقِيقُ. وَأَمَّا الْإِحْبَاطُ فِي مَجْمُوعِ الْمُتَحَصِّلِ مِنْ الْجِهَادِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ، فَيَكُونُ الْبَاقِي بَعْدَ هَذِهِ السَّيِّئَةِ بَعْضُهُ وَظَاهِرُ الْإِحْبَاطِ وَالتَّوْبَةِ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ إمَّا بِتَرْكِ التَّعَلُّمِ لِحَالِ هَذَا الْعَقْدِ قَبْلَ الْقُدُومِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اجْتَهَدَ فِيهِ رَأَتْ أَنَّ اجْتِهَادَهُ مِمَّا يَجِبُ

لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، بَلْ مِنْ الْحُقُوقِ مَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ وَمِنْهَا مَا لَا يَنْتَقِلُ فَمِنْ حَقِّ الْإِنْسَانِ أَنْ يُلَاعِنَ عِنْدَ سَبَبِ اللِّعَانِ وَأَنْ يَفِيءَ بَعْدَ الْإِيلَاءِ وَأَنْ يَعُودَ بَعْدَ الظِّهَارِ وَأَنْ يَخْتَارَ مِنْ نِسْوَةٍ إذَا أَسْلَمَ عَلَيْهِنَّ وَهُنَّ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ وَأَنْ يَخْتَارَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ إذَا أَسْلَمَ عَلَيْهِمَا، وَإِذَا جَعَلَ الْمُتَبَايِعَانِ لَهُ الْخِيَارَ فَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَمْلِكَ إمْضَاءَ الْبَيْعِ عَلَيْهِمَا وَفَسْخَهُ وَمِنْ حَقِّهِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ مِنْ الْوِلَايَاتِ وَالْمَنَاصِبِ كَالْقِصَاصِ وَالْإِمَامَةِ وَالْخَطَابَةِ وَغَيْرِهِمَا وَكَالْأَمَانَةِ وَالْوَكَالَةِ فَجَمِيعُ هَذِهِ الْحُقُوقِ لَا يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ مِنْهَا شَيْءٌ وَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً لِلْمُوَرِّثِ، بَلْ الضَّابِطُ لِمَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ مَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْمَالِ أَوْ يَدْفَعُ ضَرَرًا عَنْ الْوَارِثِ فِي عِرْضِهِ بِتَخْفِيفِ أَلَمِهِ وَمَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِنَفْسِ الْمُوَرِّثِ وَعَقْلِهِ وَشَهَوَاتِهِ لَا يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ وَالسِّرُّ فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْوَرَثَةَ يَرِثُونَ الْمَالَ فَيَرِثُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَبَعًا لَهُ وَلَا يَرِثُونَ عَقْلَهُ وَلَا شَهْوَتَهُ وَلَا نَفْسَهُ فَلَا يَرِثُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَمَا لَا يُورَثُ لَا يَرِثُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، فَاللِّعَانُ يَرْجِعُ إلَى أَمْرٍ يَعْتَقِدُهُ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ غَالِبًا وَالِاعْتِقَادَاتُ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْمَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQنَقْضُهُ وَعَدَمُ إقْرَارِهِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً لَهُ أَوْ هُوَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ فَخَشِيت أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ النَّاسُ فَيَنْفَتِحَ بَابُ الرِّبَا بِسَبَبِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي صَحِيفَتِهِ فَيَعْظُمُ الْإِحْبَاطُ فِي حَقِّهِ. قَالَ اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ فِي وَجْهِ الْمَنْعِ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مُعَامَلَاتِ أَهْلِ الرِّبَا. وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ، بَلْ سَدًّا لِذَرَائِعِ الرِّبَا فَعَلَى الْأَوَّلِ مَنْ عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ تَعَمُّدُ الْفَسَادِ حُمِلَ عَقْدُهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا أُمْضِيَ فَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَادَةُ مُنِعَ الْجَمِيعُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَإِنَّ زَيْدًا مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ قَصْدِ الرِّبَا قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَضَابِطُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إنْ كَانَا يَقْصِدَانِ إظْهَارَ مَا يَجُوزُ لِيَتَوَصَّلَا بِهِ إلَى مَا لَا يَجُوزُ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ إذَا كَثُرَ الْقَصْدُ إلَيْهِ اتِّفَاقًا مِنْ الْمَذْهَبِ كَبَيْعٍ وَسَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا فَإِنْ بَعُدَتْ التُّهْمَةُ بَعْضَ الْبُعْدِ وَأَمْكَنَ الْقَصْدُ بِهِ كَدَفْعِ الْأَكْثَرِ مِمَّا فِيهِ ضَمَانٌ وَأُخِذَ الْأَقَلُّ إلَى أَجَلٍ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فَأَمَّا مَعَ ظُهُورِ مَا يُبَرِّئُ مِنْ التُّهْمَةِ لَكِنَّ فِيهِ صُورَةَ الْمُتَّهَمِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ تَصَوَّرَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ غَيْرَ يَدٍ بِيَدٍ وَتَظْهَرُ الْبَرَاءَةُ بِتَعْجِيلِ الْأَكْثَرِ فَجَائِزٌ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ، وَقِيلَ يَمْتَنِعُ حِمَايَةً لِلذَّرِيعَةِ وَالْأَصْلُ أَنْ يُنْظَرَ مَا خَرَجَ مِنْ الْيَدِ وَمَا خَرَجَ إلَيْهَا فَإِنْ جَاءَ الْعَامِلُ بِهِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَلَا تُعْتَبَرُ أَقْوَالُهُمَا، بَلْ أَفْعَالُهُمَا فَقَطْ اهـ. وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ فِي سَدِّ ذَرَائِعِ بُيُوعِ الْآجَالِ الَّتِي هِيَ صُورَةُ النِّزَاعِ وَإِنْ خَالَفَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي تَفْصِيلِ الْبَعْضِ، وَقَالَ يَمْتَنِعُ بَيْعُ السِّلْعَةِ مِنْ أَبٍ الْبَائِعِ بِمَا تَمْتَنِعُ بِهِ مِنْ الْبَائِعِ وَفِي الْإِقْنَاعِ مِنْ شَرْحِهِ. وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِنَسِيئَةٍ أَيْ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ بِثَمَنٍ حَالٍّ لَمْ يَقْبِضْهُ صَحَّ الشِّرَاءُ حَيْثُ لَا مَانِعَ وَحَرُمَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى بَائِعِهَا شِرَاؤُهَا وَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ شِرَاؤُهَا نَصًّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ بِنَقْدٍ مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ أَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا بِهِ بِنَقْدٍ أَيْ حَالٍ أَوْ نَسِيئَتِهِ، وَلَوْ بَعْدَ حَلِّ أَجَلِهَا أَيْ أَجَلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ نَصًّا نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَنَدٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَتِهِ الْعَالِيَةِ قَالَتْ دَخَلْت أَنَا وَأُمُّ وَلَدِ ابْنِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَلَى عَائِشَةَ إلَخْ؛ وَلِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى الرِّبَا لِيَسْتَبِيحَ بَيْعَ أَلْفٍ بِنَحْوِ خَمْسِمِائَةٍ إلَى أَجَلٍ وَالذَّرَائِعُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الشَّرْعِ بِدَلِيلِ مَنْعِ الْقَاتِلِ مِنْ الْإِرْثِ بِهَا إلَّا أَنْ تَتَغَيَّرَ صِفَتُهَا لِمَا يُنْقِصُهَا كَعَبْدٍ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ يُقْبَضُ ثَمَنُهَا بِأَنْ بَاعَ السِّلْعَةَ وَقَبَضَ ثَمَنَهَا، ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَيَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا تَوَسُّلَ بِهِ إلَى الرِّبَا وَإِنْ اشْتَرَاهَا أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ وَنَحْوُهُمَا كَغُلَامِهِ أَوْ مُكَاتَبُهُ أَوْ زَوْجَتُهُ وَلَا حِيلَةَ جَازَ وَصَحَّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْأَجْنَبِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشِّرَاءِ أَوْ اشْتَرَاهَا بَائِعُهَا مِنْ غَيْرِ مُشْتَرِيهَا كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ وَارِثِهِ أَوْ مِمَّنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ مِنْهُ بِتَبِيعٍ أَوْ نَحْوِهِ جَازَ لِعَدَمِ الْمَانِعِ أَوْ اشْتَرَاهَا بَائِعُهَا بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِنَقْدٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ أَوْ اشْتَرَاهَا بِعِوَضٍ أَوْ بَاعَهَا بِعِوَضٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِنَقْدٍ صَحَّ الشِّرَاءُ وَلَمْ يَحْرُمْ لِانْتِفَاءِ الرِّبَا الْمُتَوَسَّلِ إلَيْهِ بِهِ وَإِنْ قُصِدَ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ الْعَقْدُ الثَّانِي بَطَلَا أَيْ الْعَقْدَانِ قَالَهُ الشَّيْخُ. وَقَالَ هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي لِأَجْلِهَا بَطَلَ الثَّانِي وَهُوَ كَوْنُهُ ذَرِيعَةً لِلرِّبَا مَوْجُودَةٌ إذَنْ فِي الْأَوَّلِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى مَسْأَلَةَ الْعِينَةِ؛ لِأَنَّ مُشْتَرِيَ السِّلْعَةِ إلَى أَجَلٍ يَأْخُذُ بِهَا عَيْنًا أَيْ نَقْدًا حَاضِرًا قَالَ الشَّاعِرُ: أَنَعْتَانِ أَمْ نِدَّانِ أَمْ يَنْبَرِي لَنَا ... فَتًى مِثْلُ نَقْلِ السَّيْفِ مُيِّزَتْ مَضَارِبُهُ وَمَعْنَى نَعْتَانِ نَشْتَرِي عِينَةً كَمَا وَصَفْنَا. وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى دِينِكُمْ» اهـ. وَخَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ فَقَالَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ لَا يَثْبُتُ حَدِيثُ عَائِشَةَ عَلَى أَنَّ زَيْدًا قَدْ خَالَفَهَا، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فَمَذْهَبُنَا الْقِيَاسُ وَاحْتَجُّوا بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ (أَحَدُهَا) قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا عَامٌّ وَمَا ذَكَرْنَاهُ خَاصٌّ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ (الْأَمْرُ الثَّانِي) مَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَتَى بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ أَتَمْرُ خَيْبَرُ كُلُّهُ هَكَذَا فَقَالُوا إنَّا نَبْتَاعُ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنْ تَمْرِ الْجَمْعِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا تَفْعَلُوا هَذَا، وَلَكِنْ بِيعُوا تَمْرَ الْجَمْعِ بِالدَّرَاهِمِ وَاشْتَرُوا بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» فَهُوَ بَيْعُ

[الفرق بين قاعدة الفسخ وقاعدة الانفساخ]

وَالْفَيْئَةُ شَهْوَتُهُ وَالْعَوْدُ إرَادَتُهُ وَاخْتِيَارُ الْأُخْتَيْنِ وَالنِّسْوَةِ إرَبُهُ وَمَيْلُهُ وَقَضَاؤُهُ عَلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ عَقْلُهُ وَفِكْرَتُهُ وَرَأْيُهُ وَمَنَاصِبُهُ وَوِلَايَاتُهُ وَآرَاؤُهُ وَاجْتِهَادَاتُهُ وَأَفْعَالُهُ الدِّينِيَّةُ فَهُوَ دِينُهُ وَلَا يَنْتَقِلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِثْ مُسْتَنِدَهُ وَأَصْلَهُ، وَانْتَقَلَ لِلْوَارِثِ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعَاتِ. وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ وَيَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ خِيَارُ الشُّفْعَةِ عِنْدَنَا وَخِيَارُ التَّعْيِينِ إذَا اشْتَرَى مُوَرِّثُهُ عَبْدًا مِنْ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنْ يَخْتَارَ، وَخِيَارُ الْوَصِيَّةِ إذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَخِيَارُ الْإِقَالَةِ وَالْقَبُولِ إذَا أَوْجَبَ الْبَيْعَ لِزَيْدٍ فَلِوَارِثِهِ الْقَبُولُ وَالرَّدُّ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا قَالَ مَنْ جَاءَنِي بِعَشَرَةٍ فَغُلَامِي لَهُ فَمَتَى جَاءَ أَحَدٌ بِذَلِكَ إلَى شَهْرَيْنِ لَزِمَهُ وَخِيَارُ الْهِبَةِ وَفِيهِ خِلَافٌ وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ خِيَارَ الشُّفْعَةِ وَسَلَّمَ خِيَارَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارَ تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ وَحَقُّ الْقِصَاصِ وَحَقُّ الرَّهْنِ وَحَبْسُ الْمَبِيعِ وَخِيَارُ مَا وُجِدَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْغَنِيمَةِ فَمَاتَ رَبُّهُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ أَخْذَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَوَافَقْنَاهُ نَحْنُ عَلَى خِيَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQصَاعٍ بِصَاعَيْنِ وَإِنَّمَا تَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا عَقْدُ الدَّرَاهِمِ فَأُبِيحَ وَجَوَابُهُ إنَّا إنَّمَا نَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ الثَّانِي مِنْ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِي الْخَبَرِ مَعَ أَنَّ بَيْعَ النَّقْدِ إذْ تَقَابَضَا فِيهِ ضَعْفُ التُّهْمَةِ وَإِنَّمَا الْمَنْعُ حَيْثُ تَقْوَى (الْأَمْرُ الثَّالِثُ) إنَّ الْعَقْدَ الْمُقْتَضِي لِلْفَسَادِ لَا يَكُونُ فَاسِدًا إذَا صَحَّتْ أَرْكَانُهُ كَبَيْعِ السَّيْفِ مِنْ قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَالْعِنَبِ مِنْ الْخِمَارِ مَعَ أَنَّ الْفَسَادَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ أَعْظَمُ مِنْ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا لِمَا فِيهِ مِنْ ذَهَابِ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ وَجَوَابُهُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَغْرَاضُ الْفَاسِدَةُ هِيَ الْبَاعِثَةُ عَلَى الْعَقْدِ وَإِلَّا مُنِعَ كَمَا فِي عُقُودِ صُوَرِ النِّزَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ وَرُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ اهـ. هَذَا تَوْضِيحُ مَا فِي الْأَصْلِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الذَّرَائِعِ الَّتِي يَجِبُ سَدُّهَا وَالذَّرَائِعُ الَّتِي لَا يَجِبُ سَدُّهَا وَالْخِلَافُ فِيهِ وَالْوِفَاقُ وَالْمَدَارِكُ فِي ذَلِكَ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الْخَرَشِيِّ وَحَاشِيَتِهِ وَالْبِدَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنَّ صَاحِبَ جَمْعِ الْجَوَامِعِ قَالَ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْقَرَافِيُّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ أَيْ قَاعِدَةَ سَدِّ الذَّرَائِعِ عَلَى أَعَمَّ مِنْهَا، ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَقُولُ بِبَعْضِهَا مَعَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَقُولُ بِشَيْءٍ مِنْهَا كَمَا سَيَتَّضِحُ وَأَنَّ مَا ذُكِرَ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّى سَدِّ الذَّرَائِعِ فِي شَيْءٍ نَعَمْ حَاوَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَخْرِيجَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مِنْ الْأُمِّ عِنْدَ النَّهْيِ عَنْ مَنْعِ الْمَاءِ أَيُمْنَعُ بِهِ الْكَلَأُ إنْ كَانَ ذَرِيعَةً إلَى مَنْعِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَمْ يَحِلَّ، وَكَذَا مَا كَانَ ذَرِيعَةً إلَى إحْلَالِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ اهـ فَقَالَ فِي هَذَا مَا يُثْبِتُ أَنَّ الذَّرَائِعَ إلَى الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ تُشْبِهُ مَعَانِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ اهـ. وَنَازَعَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْوَالِدُ يَعْنِي وَالِدَهُ تَقِيَّ الدِّينِ السُّبْكِيّ، وَقَالَ إنَّمَا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَحْرِيمَ الْوَسَائِلِ لَا سَدَّ الذَّرَائِعِ وَالْوَسَائِلُ تَسْتَلْزِمُ الْمُتَوَسَّلَ إلَيْهِ وَمِنْ هَذَا مَنْعُ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ مَنْعَ الْكَلَأِ الَّذِي هُوَ حَرَامٌ وَنَحْنُ لَا نُنَازِعُ فِيمَا يَسْتَلْزِمُ مِنْ الْوَسَائِلِ وَلِذَلِكَ نَقُولُ مَنْ حَبَسَ شَخْصًا وَمَنَعَهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَهُوَ قَاتِلٌ لَهُ وَمَا هَذَا مِنْ سَدِّ الذَّرَائِعِ فِي شَيْءٍ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي نَفْيِ الذَّرَائِعِ لَا فِي سَدِّهَا وَأَصْلُ النِّزَاعِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي سَدِّهَا اهـ. فَتَنَبَّهْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْفَسْخِ وَقَاعِدَةِ الِانْفِسَاخِ] (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْفَسْخِ وَقَاعِدَةِ الِانْفِسَاخِ) وَهُوَ مِنْ جِهَتَيْنِ الْجِهَةُ (الْأُولَى) أَنَّ الْفَسْخَ فِعْلُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ الْحَاكِمِ إذَا ظَفِرُوا بِالْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ وَالِانْفِسَاخُ صِفَةُ الْعِوَضَيْنِ (الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ الْفَسْخَ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ وَالِانْفِسَاخُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُسَبَّبٌ عَنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْفَسْخَ قَلْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ وَالِانْفِسَاخُ انْقِلَابُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَالْأَوَّلُ مِنْ مَقُولَةِ الْفِعْلِ وَالثَّانِي مِنْ مَقُولَةِ الِانْفِعَالِ وَبِتَحْرِيرِ هَذَا الْفَرْقِ يُعْلَمُ أَنَّ حَقِيقَةَ الْفَسْخِ مُنْتَفِيَةٌ عَنْ الْخُلْعِ لِعَدَمِ تَعْيِينِ انْقِلَابِ الصَّدَاقِ لِبَاذِلِهِ، بَلْ يَجُوزُ بِغَيْرِ الصَّدَاقِ إجْمَاعًا وَبِذَلِكَ يَتَّضِحُ وَجْهُ الرَّدِّ عَلَى مَنْ جَعَلَ الْخُلْعَ فَسْخًا كَمَا فِي الْأَصْلِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ قَالَ الْحَفِيدُ فِي بِدَايَتِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَسَوَّى أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ فَسْخٌ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَمِنْ الصَّحَابَةِ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا وَإِلَّا كَانَ فَسْخًا، وَقَدْ قِيلَ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ أَنَّهُ طَلَاقٌ وَفَائِدَةُ الْفَرْقِ هَلْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي التَّطْلِيقَاتِ أَمْ لَا وَجُمْهُورُ مَنْ رَأَى أَنَّهُ طَلَاقٌ يَجْعَلُهُ بَائِنًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلزَّوْجِ فِي الْعِدَّةِ مِنْهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لِافْتِدَائِهَا مَعْنًى، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ إنْ لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ كَانَ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ احْتَجَّ مَنْ جَعَلَهُ طَلَاقًا بِأَنَّ الْفُسُوخَ إنَّمَا هِيَ الَّتِي تَقْتَضِي الْفُرْقَةَ الْغَالِبَةَ لِلزَّوْجِ فِي الْفِرَاقِ مِمَّا لَيْسَ يَرْجِعُ إلَى اخْتِيَارِهِ. وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى اخْتِيَارٍ، فَلَيْسَ بِفَسْخٍ وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَهُ طَلَاقًا بِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ الطَّلَاقَ فَقَالَ {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] ، ثُمَّ ذَكَرَ الِافْتِدَاءَ

[الفرق بين قاعدة خيار المجلس وقاعدة خيار الشرط]

الْهِبَةِ فِي الْأَبِ لِلِابْنِ بِالِاعْتِصَارِ وَخِيَارِ الْعِتْقِ وَاللِّعَانِ وَالْكِتَابَةِ وَالطَّلَاقِ بِأَنْ يَقُولَ طَلَّقْت امْرَأَتِي مَتَى شِئْت فَيَمُوتُ الْمَقُولُ لَهُ وَسَلَّمَ الشَّافِعِيُّ جَمِيعَ مَا سَلَّمْنَاهُ وَسَلَّمَ خِيَارَ الْإِقَالَةِ وَالْقَبُولِ وَمَدَارِكَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ عِنْدَنَا صِفَةٌ لِلْعَقْدِ فَيَنْتَقِلُ مَعَ الْعَقْدِ فَإِنَّ آثَارَ الْعَقْدِ انْتَقَلَتْ لِلْوَارِثِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ صِفَةٌ لِلْعَاقِدِ؛ لِأَنَّهَا مَشِيئَتُهُ وَاخْتِيَارُهُ فَتَبْطُلُ بِمَوْتِهِ كَمَا تَبْطُلُ سَائِرُ صِفَاتِهِ؛ وَلِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الثَّمَنِ لَا يُورَثُ فَكَذَلِكَ فِي الْخِيَارِ؛ وَلِأَنَّ الْبَائِعَ رَضِيَ بِخِيَارٍ وَاحِدٍ وَأَنْتُمْ تُثْبِتُونَهُ لِجَمَاعَةٍ لَمْ يَرْضَ بِهِمْ وَهُمْ الْوَرَثَةُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَعَدَّى الْخِيَارُ مَنْ اُشْتُرِطَ لَهُ كَمَا لَا يَتَعَدَّى الْأَجَلُ مَنْ اُشْتُرِطَ لَهُ. (وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ) أَنَّ اخْتِيَارَهُ صِفَتُهُ، وَلَكِنْ صِفَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَالِ فَيَنْتَقِلُ كَاخْتِيَارِهِ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَأَنْوَاعَ الِانْتِفَاعِ فِي الْمَالِ فَإِنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ يَنْتَقِلُ تَبَعًا لِلْمَالِ (وَعَنْ الثَّانِي) أَنَّ الْأَجَلَ مَعْنَاهُ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ، وَالْوَارِثُ لَا مُطَالَبَةَ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ صِفَةٌ لِلدَّيْنِ لَا جَرَمَ لِمَا انْتَقَلَ الدَّيْنُ لِلْوَارِثِ انْتَقَلَ مُؤَجَّلًا، وَكَذَلِكَ هَا هُنَا تَنْتَقِلُ الصِّفَةُ لِمَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمَوْصُوفُ فَهَذَا لَنَا لَا عَلَيْنَا (وَعَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ قَالَ {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] فَلَوْ كَانَ الِافْتِدَاءُ طَلَاقًا لَكَانَ الطَّلَاقُ الَّذِي لَا تَحِلُّ لَهُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ هُوَ الطَّلَاقُ الرَّابِعُ، وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ إنَّ الْفُسُوخَ تَقَعُ بِالتَّرَاضِي قِيَاسًا عَلَى فُسُوخِ الْبَيْعِ أَعْنِي الْإِقَالَةَ، وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ أَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا تَضَمَّنَتْ حُكْمَ الِافْتِدَاءِ عَلَى أَنَّهُ شَيْءٌ يَلْحَقُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الطَّلَاقِ لَا أَنَّهُ شَيْءٌ غَيْرُ الطَّلَاقِ فَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ هَلْ اقْتِرَانُ الْعِوَضِ بِهَذِهِ الْفُرْقَةِ يُخْرِجُهَا مِنْ نَوْعِ فُرْقَةِ الطَّلَاقِ إلَى نَوْعِ فُرْقَةِ الْفَسْخِ أَمْ لَيْسَ يُخْرِجُهَا اهـ. كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْوَجْهَ عَدَمُ الْإِخْرَاجِ إذْ الْإِخْرَاجُ يُنَافِي الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِهِ بِغَيْرِ الصَّدَاقِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَقَاعِدَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ] (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَقَاعِدَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ) أَمَّا عِنْدَ مَنْ قَالَ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ كَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَحَكَاهُ أَبُو الطَّاهِرِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مِنَّا فَهُوَ أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ مِنْ خَوَاصِّ عَقْدِ الْبَيْعِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَالْإِجَارَةِ وَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَالصُّلْحِ عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الْحَقِّ وَهُوَ حَطِيطَةٌ لَا بَيْعٌ وَكَالْقِسْمَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ وَمِنْ اللَّوَازِمِ لَهُ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَخِيَارُ الشَّرْطِ عَارِضٌ يَحْصُلُ عِنْدَ اشْتِرَاطِهِ وَيُنْفَى عِنْدَ انْتِفَاءِ الِاشْتِرَاطِ. وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ كَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَهُوَ إنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْغَرَرِ وَمُخَالَفَةُ الْقَوَاعِدِ وَالْأَدِلَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَخِيَارُ الشَّرْطِ لَيْسَ كَذَلِكَ أَمَّا اشْتِمَالُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَلَى الْغَرَرِ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ اللُّزُومُ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْ الْأَعْوَاضِ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَقَعُ إلَّا لِحَاجَةٍ إذْ الْعُقُودُ أَسْبَابٌ لِتَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْأَصْلُ تَرْتِيبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا حَتَّى تَنْدَفِعَ بِذَلِكَ الْحَاجَةُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَنْدَفِعُ بِالتَّخْيِيرِ وَلِلُزُومِ ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ إذْ لَا يَدْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ فَيَحْصُلُ الْغَرَرُ وَلَا تَنْدَفِعُ الْحَاجَةُ فَافْهَمْ. وَأَمَّا اشْتِمَالُهُ عَلَى مُخَالَفَةِ الْقَوَاعِدِ وَالْأَدِلَّةِ فَهُوَ أَنَّ مَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمُتَعَاقِدَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بِبَيْعِ الْخِيَارِ أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ» وَإِنْ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ، وَمَنْ وَافَقَهُ بِظَاهِرِهِ عَلَى ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ إلَّا أَنَّ مُقْتَضَى الْبِنَاءِ عَلَى ثَلَاثِ قَوَاعِدَ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَكْسُ مَا تَدَّعِيهِ الشَّافِعِيَّةُ (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ مَجَازٌ إذَا مَضَى مَعْنَاهُ عَلَى الْأَصَحِّ (الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَقْتَضِي عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَصْفَ لِذَلِكَ الْحُكْمِ نَحْوُ اُقْتُلُوا الْكَافِرَ وَارْجُمُوا الزَّانِيَ وَاقْطَعُوا السَّارِقَ وَنَحْوَهَا فَإِنَّ تَرْتِيبَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ عَلَى هَذِهِ الْأَوْصَافِ يَقْتَضِي عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَوْصَافَ الْمُتَقَدِّمَةَ لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ (الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْمَعْلُومِ فَعَدَمُ الْإِسْكَارِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ التَّحْرِيمِ وَعَدَمُ الْكُفْرِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ إبَاحَةِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَعَدَمُ الْإِسْلَامِ فِي الرِّدَّةِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ وَهُوَ كَثِيرٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ حَقِيقَةٌ فِي حَالَةِ الْمُلَابَسَةِ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الْأُولَى وَوَصْفُ الْمُبَايَعَةِ هُوَ عِلَّةُ عَدَمِ الْخِيَارِ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا انْقَطَعَتْ أَصْوَاتُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ انْقَطَعَتْ الْمُبَايَعَةُ فَتَكُونُ الْعِلَّةُ قَدْ عُدِمَتْ فَيُعْدَمُ الْخِيَار الْمُرَتَّبُ عَلَيْهَا فَلَا يَبْقَى خِيَارٌ بَعْدَهَا عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ عَلَى أَنَّ لَنَا عَشَرَةَ أَوْجُهٍ تَسْقُطُ دَلَالَةُ الْخَبَرِ عَلَى ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) حَمْلُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمُتَفَاعِلَيْنِ بِالْبَيْعِ أَيْ الْمُتَسَاوِمَيْنِ مَجَازًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقَوَاعِدَ كَمَا دَلَّتْ عَلَى عَدَمِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى تَعَيُّنِ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ الْخِيَارَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَيَنْقَطِعُ بَعْدَهَا وَيَكُونُ الِافْتِرَاقُ الْأَقْوَالَ مَجَازًا أَيْضًا (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ أَحَدَ الْمَجَازَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَازِمٌ فِي الْحَدِيثِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا لَمْ يُحْمَلَا عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ الْمَذْكُورِ، بَلْ عَلَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ حَالَةُ الْمُبَايَعَةِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ

الثَّالِثِ) أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِخِيَارِ التَّعْيِينِ وَبِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْأَجْنَبِيِّ، وَقَدْ أَثْبَتُوهُ لِلْوَارِثِ وَبِمَا إذَا جَنَى فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَلِيِّ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ الْبَائِعُ فَهَذَا تَلْخِيصُ مُدْرِكِ الْخِلَافِ وَيَعْضُدُنَا فِي مَوْطِنِ الْخِلَافِ قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12] وَهُوَ عَامٌّ فِي الْحُقُوقِ فَيَتَنَاوَلُهُ صُورَةُ النِّزَاعِ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ حُقُوقِ الْأَمْوَالِ إلَّا صُورَتَانِ فِيمَا عَلِمْت حَدُّ الْقَذْفِ وَقِصَاصُ الْأَطْرَافِ وَالْجَرْحِ وَالْمَنَافِعِ فِي الْأَعْضَاءِ فَإِنَّ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ تَنْتَقِلَانِ لِلْوَارِثِ وَهُمَا لَيْسَتَا بِمَالٍ لِأَجْلِ شِفَاءِ غَلِيلِ الْوَارِثِ بِمَا دَخَلَ عَلَى عِرْضِهِ مِنْ قَذْفِ مُوَرِّثِهِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا قِصَاصُ النَّفْسِ فَإِنَّهُ لَا يُورَثُ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ فَرْعُ زُهُوقِ النَّفْسِ فَلَا يَقَعُ إلَّا لِلْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ فَهَذَا تَلْخِيصُ هَذَا الْفَرْقِ بِبَيَانِ سِرِّهِ وَمَدَارِكِهِ وَالْخِلَافِ فِيهِ. (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ لَا يَتَوَقَّفُ شَيْءٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى الْقَبْضِ إلَّا الْبَيْعُ فَيَمْتَنِعُ بَيْعُ الطَّعَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقِيقَةٌ حَالَةَ الْمُلَابَسَةِ لَزِمَ حَمْلُ الِافْتِرَاقِ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ وَهُوَ الِافْتِرَاقُ فِي الْأَقْوَالِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «افْتَرَقَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي» الْحَدِيثَ أَيْ بِالْأَقْوَالِ وَالِاعْتِقَادَاتِ لَا عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الِافْتِرَاقُ فِي الْأَجْسَامِ نَحْوُ افْتِرَاقِ الْخَشَبَةِ وَفَرْقِ الْبَحْرِ، وَإِذَا حَمَلْنَا الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ الْمَذْكُورِ أَعْنِي مَنْ تَقَدَّمَ مِنْهُ الْبَيْعُ كَتَسْمِيَةِ الْإِنْسَانِ نُطْفَةً لَزِمَ كَوْنُ الِافْتِرَاقِ فِي الْأَجْسَامِ حَقِيقَةً وَحِينَئِذٍ فَإِمَّا أَنْ نَقُولَ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مُجْمَلًا فَيَسْقُطُ بِهِ الِاسْتِدْلَال وَإِمَّا أَنْ تُرَجِّحَ الْمَجَازَ الْأَوَّلَ أَعْنِي فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ لِكَوْنِهِ مَعْضُودًا بِالْقِيَاسِ وَالْقَوَاعِدِ (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ الطُّرُقِ فِي أَبِي دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيِّ «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ يَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبُهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» فَلَوْ كَانَ الْمَجْلِسُ مَشْرُوعًا لَمْ يَحْتَجْ لِلْإِقَالَةِ فَإِنَّ مَنْ تَوَجَّهَتْ نَفْسُهُ يَخْتَارُ الْفَسْخَ، فَلَمَّا صَرَّحَ بِمَا يَقْتَضِي احْتِيَاجَهُ لِلْآخَرِ وَهُوَ الْإِقَالَةُ دَلَّ عَلَى بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا هُوَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْعَقْدِ وَأَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ هُمَا الْمُتَشَاغِلَانِ بِالْبَيْعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا دَلِيلُ ذَلِكَ الْمَجَازِ أَيْضًا (الْوَجْهُ الرَّابِعُ) الْمُعَارَضَةُ بِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَهَذَا مِنْ الْغَرَرِ كَمَا عَلِمْت (الْوَجْهُ الْخَامِسُ) قَوْله تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ الْمُنَافِي لِلْخِيَارِ (الْوَجْهُ السَّادِسُ) لَوْ صَحَّ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِتَعَذُّرِ تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ كَشِرَاءِ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ لَكِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَعَذِّرٍ، بَلْ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ عَلَى صِحَّةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ عَلَى الصِّحَّةِ ذَلِكَ فِيمَا يَسْرُعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ كَالْهَرَائِسِ وَالْكَنَائِفِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى عَدَمِهَا فِيهِ ذَلِكَ (الْوَجْهُ السَّابِعُ) أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ مَجْهُولُ الْعَاقِبَةِ إذْ لَيْسَ لَهُ ضَابِطٌ إلَّا الِافْتِرَاقُ، وَقَدْ يَطُولُ، وَقَدْ يَقْصُرُ وَكُلُّ مَجْهُولِ الْعَاقِبَةِ أَوْ النِّهَايَةِ فِي الزَّمَانِ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ مُجْمَعٌ عَلَى بُطْلَانِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَقْتَضِيَ بُطْلَانَ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِي الْعَقْدِ مِنْ خِيَارِ الْمَجْلِسِ (الْوَجْهُ الثَّامِنُ) عَقْدٌ وَقَعَ الرِّضَى بِهِ فَيَبْطُلُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِيهِ كَمَا بَعْدَ الْإِمْضَاءِ (الْوَجْهُ) التَّاسِعُ أَنَّ الْحَدِيثَ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي بِعْنِي فَيَقُولُ الْبَائِعُ بِعْتُك فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ لَهُ الْخِيَارُ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ وَهَذِهِ صُورَةٌ تَفَرَّدَ بِهَا الْحَنَفِيَّةُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَهُمْ اشْتَرَيْت وَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَدْعَى الْبَيْعَ وَحَمَلُوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْبُخَارِيِّ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ «أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ» أَيْ اخْتَرْ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِيجَابِ أَوْ الِاسْتِدْعَاءِ وَنَحْنُ نَحْمِلُهُ عَلَى اخْتِيَارِ شَرْطِ الْخِيَارِ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا فَلَا خِيَارَ أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ فَلَا تَنْفَعُ الْفُرْقَةُ وَلِذَلِكَ لَمْ يُرْوَ إلَّا بَيْعُ الْخِيَارِ مَعَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ (الْوَجْهُ الْعَاشِرُ) عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِنْ تَكَرَّرَ الْبَيْعُ عِنْدَهُمْ مَعَ الْأَنْفَاسِ فَعَدَمُ الْمَجْلِسِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهِ دَلَالَةً قَطْعِيَّةً وَالْقَطْعُ مُقَدَّمٌ عَلَى الظَّنِّ هَذَا مَا رَجَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قَوْلَ مَالِكٍ، وَمَنْ وَافَقَهُ بِعَدَمِ صِحَّةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَرْتَضِ ابْنُ الشَّاطِّ مِنْ الْأَوْجُهِ الْعَشَرَةِ فِي إسْقَاطِ دَلَالَةِ الْخَبَرِ إلَّا الْعَاشِرَ فَقَدْ قَالَ لَيْسَ لِلْمَالِكِيَّةِ كَلَامٌ يَقْوَى غَيْرَ هَذَا أَيْ الْوَجْهِ الْعَاشِرِ فَإِذَا ثَبَتَ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ رُجِّحَ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ قَالَ. وَأَمَّا كَوْنُ الْأَصْلِ فِي الْعُقُودِ اللُّزُومُ إلَخْ فَيُقَالُ بِمُوجِبِهِ بَعْدَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لَا قَبْلَهُ وَاحْتِجَاجُ الشَّافِعِيِّ بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ قَوِيٌّ وَالْعَادَةُ غَالِبًا لَا يَطُولُ مَجْلِسُ الْمُتَبَايِعَيْنِ طُولًا يُفَوِّتُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِوَضَيْنِ كَيْفَ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ» أَيْ اخْتَرْ الْإِمْضَاءَ وَيَأْتِي جَوَابُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ عِنْدَ ذِكْرِ دَلِيلِهِ أَيْ الَّذِي هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي صَحِيحٌ إذَا أُرِيدَ بِالْحَقِيقَةِ كَوْنُ الْفَاعِلِ مُلَابِسًا لِمَا صَدَرَ مِنْهُ أَوْ وُصِفَ بِهِ لَا إذَا أُرِيدَ بِالْحَقِيقَةِ كَوْنُ

قَبْلَ قَبْضِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الصَّحِيحِ «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» فَيَمْتَنِعُ فِيمَا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ إلَّا فِي غَيْرِ الْمُعَارَضَةِ كَالْقَرْضِ أَوْ الْبَدَلِ، ثُمَّ لَا يَجُوزُ لِمَنْ صَارَ إلَيْهِ هَذَا الطَّعَامُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَأَمَّا مَا بِيعَ جُزَافًا فَيَجُوزُ قَبْلَ النَّقْلِ إذَا خَلَّى الْبَائِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ لِحُصُولِ الِاسْتِيفَاءِ وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ بَيْعَهُ قَبْلَ نَقْلِهِ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَا كُنَّا نَبْتَاعُ الطَّعَامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَبْعَثُ عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا بِنَقْلِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي نَبْتَاعُهُ فِيهِ إلَى مَكَان سِوَاهُ، وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كُنَّا إذَا ابْتَعْنَا الطَّعَامَ جُزَافًا لَمْ نَبِعْهُ حَتَّى نُحَوِّلَهُ مِنْ مَكَانِهِ وَالْمَشْهُورُ اخْتِصَاصُ الْمَنْعِ بِالطَّعَامِ وَتَعْمِيمُهُ فِيهِ يَتَعَدَّى لِمَا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ «لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ» خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَمْتَنِعُ التَّصَرُّفُ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مُطْلَقًا وَاسْتَثْنَى أَبُو حَنِيفَةَ الْعَقَارَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يُخْشَى انْفِسَاخُهُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَوَافَقَ الْمَشْهُورَ ابْنُ حَنْبَلٍ. وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ الْمُتَقَدِّمِ؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا بَعَثَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَفْظِ مُتَبَايِعَيْنِ مَوْضُوعًا لِمُحَاوِلِي الْبَيْعِ وَالِابْتِيَاعِ فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً إلَّا فِي حَالِ الْمُلَابَسَةِ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ حَمَلْنَا الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْبَيْعِ إلَى قَوْلِهِ مَعْضُودًا بِالْقِيَاسِ وَالْقَوَاعِدِ مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةً فِي الْمَاضِي وَفِي الْحَالِ وَفِي الِاسْتِقْبَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَزْمَانِ الثَّلَاثَةِ فِي اللِّسَانِ. وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ لِمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فِيمَا أَعْلَمُهُ غَيْرَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ اللُّغَوِيَّةَ تَلْزَمُ الْحَقِيقَةَ الْوُجُودِيَّةَ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ اللُّغَوِيَّةَ الْمُرَادُ بِهَا أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْمُعَيَّنِ لَا لِعَلَاقَةٍ بَيْنَ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَمَعْنًى آخَرَ وُضِعَ لَهُ ذَلِكَ اللَّفْظُ قَبْلَ هَذَا وَالْحَقِيقَةُ الْوُجُودِيَّةُ الْمُرَادُ بِهَا كَوْنُ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ مَوْجُودَةً فَالْمَعْنَيَانِ مُتَغَايِرَانِ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ اهـ. قُلْت وَاَلَّذِي حَقَّقَهُ ابْنُ قَاسِمٍ فِي آيَاتِهِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ التَّقِيِّ السُّبْكِيّ هُوَ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ عُلَمَاءِ الْمَعَانِي كَالشَّيْخِ عَبْدِ الْقَاهِرِ وَغَيْرِهِ أَنَّ أَصْلَ مَدْلُولِ الْوَصْفِ كَاسْمِ الْفَاعِلِ ذَاتُ مَا مُتَّصِفَةٌ بِمَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ زَمَانٍ أَوْ حُدُوثٍ فِي ذَلِكَ الْمَدْلُولِ فَإِذَا أُطْلِقَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ كَانَ مُتَنَاوِلًا حِينَ الْإِطْلَاقِ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا لِكُلِّ ذَاتٍ ثَبَتَ لَهَا ذَلِكَ الِاتِّصَافُ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ تِلْكَ الصِّفَةِ بِالذَّاتِ بِالْفِعْلِ وَإِنْ تَأَخَّرَ الِاتِّصَافُ عَنْ الْإِطْلَاقِ أَوْ تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي مَدْلُولِهِ وَلَا يَتَنَاوَلُ ذَاتًا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا ذَلِكَ الِاتِّصَافُ أَيْ حِينَ الْإِطْلَاقِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ ثُبُوتِهِ لَهَا وَإِنْ سَبَقَ الِاتِّصَافُ الْإِطْلَاقَ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ وَالْمُرَادُ لَا يَتَنَاوَلُهَا عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ. وَإِنْ تَنَاوَلَهَا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ أَوْ يَكُونُ إنْ ثَبَتَ لَهَا ذَلِكَ الِاتِّصَافُ سَابِقًا أَوْ لَاحِقًا فَإِذَا قِيلَ الزَّانِي عَلَيْهِ الْحَدُّ كَانَ تَعَلُّقُ وُجُوبِ الْحَدِّ بِكُلِّ ذَاتٍ اتَّصَفَتْ بِالزِّنَى بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهَا بِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ اتِّصَافُهَا بِهِ عَنْ النُّطْقِ بِهَذَا الْكَلَامِ أَوْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ زَيْدٌ الْمُتَّصِفُ بِالزِّنَى حَالَ النُّطْقِ بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهِ بِهِ الْآنَ وَالْمُتَّصِفُ بِهِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهِ بِهِ السَّابِقِ أَوْ اللَّاحِقِ وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِمْ اسْمُ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ إنَّهُ حَقِيقَةٌ بِاعْتِبَارِ حَالِ التَّلَبُّسِ أَيْ الِاتِّصَافِ بِالْوَصْفِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الِاتِّصَافُ سَابِقًا عَلَى التَّلَفُّظِ أَوْ مُقَارِنًا لَهُ أَوْ لَاحِقًا وَلَا يَتَنَاوَلُ ذَاتًا لَمْ تَتَّصِفْ بِهِ حَالَ النُّطْقِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ حَقِيقَةً، بَلْ إذَا لُوحِظَ نَحْوُ زَيْدٍ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ اتِّصَافِهِ بِهِ حِينَ النُّطْقِ بِهَذَا الْكَلَامِ وَجَعَلَ الْإِطْلَاقَ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ لَكِنْ بِسَبَبِ أَنَّهُ ذُو حَالَةٍ أُخْرَى سَابِقَةٍ أَوْ لَاحِقَةٍ كَانَ دَاخِلًا فِيهِ مَجَازًا لِعَلَاقَةِ مَا كَانَ أَوْ مَا يَكُونُ وَمِثْلُ هَذَا مَا إذَا لُوحِظَ زَيْدٌ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ اتِّصَافِهِ بِهِ فِي الْمَاضِي وَجَعْلُ الْإِطْلَاقِ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ لَكِنْ بِسَبَبِ أَنَّهُ ذُو حَالَةٍ أُخْرَى وَهِيَ اتِّصَافُهُ بِهِ الْآنَ وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ. فَيَكُونُ دَاخِلًا فِيهِ مَجَازًا لِعَلَاقَةٍ مَا يَكُونُ وَمَا إذَا لُوحِظَ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ اتِّصَافِهِ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَجُعِلَ الْإِطْلَاقُ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ لَكِنْ بِسَبَبِ أَنَّهُ ذُو حَالَةٍ أُخْرَى وَهِيَ اتِّصَافُهُ بِهِ فِي الْمَاضِي أَوْ الْآنَ، فَيَكُونُ دَاخِلًا فِيهِ مَجَازًا لِعَلَاقَةِ مَا كَانَ وَإِنَّمَا كَانَ مَا ذُكِرَ مَجَازًا لِعَلَاقَةِ مَا يَكُونُ أَوْ مَا كَانَ لِمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ السَّبْقَ وَاللُّحُوقَ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمَجَازِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَبِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ بِالنَّظَرِ إلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ الْمَنْسُوبِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ الْحُكْمِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي التَّلْوِيح وَمُقْتَضَى كَلَامِ عُلَمَاءِ النَّحْوِ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ وَنَحْوَهُ يُقْصَدُ بِهِ الْحُدُوثُ أَيْ حُدُوثُ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ مِنْ تِلْكَ الذَّاتِ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ فَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْصَدَ بِهِ الْحُدُوثُ بِالْوَضْعِ كَالْفِعْلِ يَجُوزُ قَصْدُ الْحُدُوثِ بِالْقَرَائِنِ؛ لِأَنَّهَا بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ لَا يُقْصَدُ بِهَا إلَّا مُجَرَّدُ الثُّبُوتِ أَيْ الْحُصُولِ دُونَ الْحُدُوثِ وَبِاعْتِبَارِ الْقَرَائِنِ لَا يُقْصَدُ بِهَا إلَّا مُجَرَّدُ الدَّوَامِ مَعَ الثُّبُوتِ دُونَ الْحُدُوثِ. وَلَمْ يُقْصَدْ بِهَا الْحُدُوثُ مَعَ الْقَرَائِنِ فَإِذَا أُطْلِقَ اسْمُ الْفَاعِلِ وَنَحْوُهُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ أَعْنِي أَنْ يُقْصَدَ بِهِ الْحُدُوثُ

عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ أَمِيرًا عَلَى مَكَّةَ أَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَقْبِضُوا أَوْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنُوا وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الطَّعَامِ (وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي) أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْمُرَادُ بِهَا نَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك فَيُنْهَى الْإِنْسَانُ عَنْ بَيْعِ مِلْكِ غَيْرِهِ وَيَضْمَنُ تَخْلِيصَهُ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي» ، فَيَكُونُ الضَّمَانُ مِنْهُ فَمَا بَاعَ إلَّا مَضْمُونًا فَمَا يَتَنَاوَلُ الْحَدِيثُ مَحَلُّ النِّزَاعِ (وَعَنْ الثَّالِثِ) الْفَرْقُ بِأَنَّ الطَّعَامَ أَشْرَفُ مِنْ غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ سَبَبَ قِيَامِ الْبِنْيَةِ وَعِمَادَ الْحَيَاةِ، فَشَدَّدَ الشَّرْعُ عَلَى عَادَاتِهِ فِي تَكْثِيرِ الشُّرُوطِ فِيمَا عَظُمَ شَرَفُهُ كَاشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ وَالصَّدَاقِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ دُونَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَشَرَطَ فِي الْقَضَاءِ مَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي مَنْصِبِ الشَّهَادَةِ، ثُمَّ يَتَأَكَّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ بِمَفْهُومِ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي زَمَنٍ مَخْصُوصٍ كَانَ الزَّمَانُ مَلْحُوظًا فِيهِ وَمَدْلُولًا لَهُ الْتِزَامًا فَإِذَا قِيلَ الزَّانِي وَجَبَ حَدُّهُ فَإِنْ أُرِيدَ الَّذِي حَدَثَ زِنَاهُ فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لَمْ يَتَنَاوَلْ لَفْظًا مَنْ لَمْ يَحْدُثْ زِنَاهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَلَوْ بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهِ فَالزِّنَا فِي غَيْرِهِ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُهُ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ، وَكَذَا يُقَالُ إذَا أُرِيدَ الَّذِي حَدَثُ زِنَاهُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِابْنِ السُّبْكِيّ مِمَّا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ الْوَصْفُ فِي الزَّمَانِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ ذَاتٌ ثَبَتَ لَهَا هَذَا الْوَصْفُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانَ حَقِيقَةً كَمَا نُرِيدُهَا غَدًا أَوْ أَمْسِ إذَا أُرِيدَ بِضَارِبِ ذَاتٍ يَقَعُ مِنْهَا الضَّرْبُ غَدًا أَوْ وَقَعَ مِنْهَا الضَّرْبُ أَمْسِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ ذَاتٌ ثَبَتَ لَهَا الْوَصْفُ الْآنَ أَيْ مُتَّصِفَةٌ الْآنَ بِهَذَا الْوَصْفِ الَّذِي سَيَقَعُ أَوْ وَقَعَ كَانَ مَجَازًا هُوَ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِالْوَصْفِ ذَاتٌ ثَبَتَ لَهَا الْآنَ وُقُوعُ الْحَدَثِ مِنْهَا فِي الِاسْتِقْبَالِ أَوْ فِي الْمَاضِي كَمَا إذَا قِيلَ زَيْدٌ ضَارِبٌ الْآنَ وَأُرِيدَ أَنَّهُ مُتَّصِفٌ الْآنَ بِأَنَّهُ يَضْرِبُ غَدًا أَوْ ضَرَبَ أَمْسِ وَهُوَ غَيْرُ ضَارِبٍ الْآنَ كَانَ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَرِدْ بِهِ مَا وُضِعَ لَهُ وَهُوَ أَنَّهُ يَحْصُلُ مِنْهُ الْحَدَثُ الْآنَ إذْ وَصْفُ الذَّاتِ فِي هَذَا الزَّمَنِ الْحَالِّ بِوُقُوعِ الْحَدَثِ مِنْهَا إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ مَا يَكُونُ أَوْ مَا كَانَ وَمِثْلُ هَذَا مَا إذَا أُرِيدَ بِالْوَصْفِ ذَاتٌ ثَبَتَ لَهَا فِي الْمَاضِي وُقُوعُ الْحَدَثِ الْآنَ أَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّهُ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا يَكُونُ وَمَا إذَا أُرِيدَ بِهِ ذَاتٌ ثَبَتَ لَهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وُقُوعُ الْحَدَثِ فِي الْمَاضِي أَوْ الْآنَ فَإِنَّهُ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي بَيَانِيَّةِ الصَّبَّانِ والأنبابي عَلَيْهَا قَالَ الأنبابي وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ مُقْتَضَى كَلَامَيْ عُلَمَاءِ الْمَعَانِي وَعُلَمَاءِ النَّحْوِ بِأَنَّ لِلْوَصْفِ اسْتِعْمَالَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَكْثَرُ مَا قَالَهُ أَهْلُ الْمَعَانِي. وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَقَلُّ مَا قَالَهُ أَهْلُ النَّحْوِ كَمَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ قَوْلُ السَّيِّدِ، وَقَدْ يُقْصَدُ بِهِ الْحُدُوثُ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ انْتَهَتْ بِاخْتِصَارٍ لَكِنْ فِي كَلَامِ الرِّضَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ مَوْضُوعٌ لِلْحُدُوثِ وَالْحُدُوثُ فِيهِ أَغْلَبُ قَالَ وَلِهَذَا اطَّرَدَ تَحْوِيلُ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ إنْ قُصِدَ بِهَا الْحُدُوثُ إلَى صِيغَتِهِ كَحَاسِنٍ وَضَائِفٍ إلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ أُخِذَ بِظَاهِرِ كَلَامِ مُصَنِّفِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ كَوْنُهُ بِمَعْنَى الْحُدُوثِ فَقَالَ اسْمُ الْفَاعِلِ مَا اُشْتُقَّ مِنْ فِعْلٍ لِمَنْ قَامَ بِهِ بِمَعْنَى الْحُدُوثِ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. فَإِذَا عَلِمْت هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ كَلَامَ الْأَصْلِ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْأَكْثَرِ فِي الْوَصْفِ الَّذِي لَا يَفْتَقِرُ لِلْقَرَائِنِ بِخِلَافِ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الشَّاطِّ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْأَقَلِّ الْمُفْتَقِرِ لِلْقَرَائِنِ وَلَا يَتِمُّ قَوْلُهُ بِفَسَادِ الْقَاعِدَةِ الْأُولَى مِنْ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثِ الَّتِي قَالَ الْأَصْلُ إنَّ مُقْتَضَى الْبِنَاءِ عَلَيْهَا أَنَّ حَدِيثَ «الْمُتَعَاقِدَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَكْسُ مَا يَدَّعِيهِ الشَّافِعِيَّةُ فَيَسْقُطُ اهـ. قَوْلُ ابْنِ الشَّاطِّ أَنَّ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُولَى وَهِيَ فَاسِدَةٌ فَكُلُّ مَا بُنِيَ عَلَيْهَا فَاسِدٌ اهـ. وَحِينَئِذٍ فَلَا يُتَّجَهُ قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ. وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْوَجْهِ الثَّالِثِ مَا نَصُّهُ لَا دَلَالَةَ لِلَفْظِ الْإِقَالَةِ عَلَى بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ إنَّمَا هِيَ بِالضِّمْنِ لَا بِالصَّرِيحِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ لَفْظَ الْإِقَالَةِ حَقِيقَةٌ لَا مَجَازٌ وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ مُخَالَفَةُ آخِرِ الْكَلَامِ أَوَّلَهُ فَإِنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ يَقْتَضِي صَرِيحًا ثُبُوتَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ التَّأْكِيدُ لِمَا هُوَ مُقَرَّرٌ مِنْ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ الْمُتَسَاوِمَيْنِ بِالْخِيَارِ وَذَلِكَ مَرْجُوحٌ فَإِنَّ حَمْلَ كَلَامِ الشَّارِعِ عَنْ التَّأْسِيسِ إذَا تَحَمَّلَهُ أَوْلَى وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا عَدَمُ الْفَائِدَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَسَاوِمَيْنِ أَوْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِلْبَيْعِ وَالِابْتِيَاعِ مَا لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا الْعَقْدُ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِمَا وَفِي صَفْقَةِ الْخِيَارِ وَغَيْرِهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَفِي حَمْلِ لَفْظِ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمَجَازِ وَحَمْلِ لَفْظِ الْإِقَالَةِ عَلَى الْحَقِيقَةِ ضُرُوبٌ مِنْ ضَعْفِ الْكَلَامِ وَتَعَارُضِهِ وَعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ غَيْرُ لَائِقٍ بِفَصَاحَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَفِي حَمْلِ الْإِقَالَةِ عَلَى الْمَجَازِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا اخْتِيَارُ الْفَسْخِ وَحَمْلُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ قُوَّةً لِلْكَلَامِ أَوْ اسْتِقَامَتُهُ وَثُبُوتُ فَائِدَتِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ بِلَفْظِهِ. وَقَالَ فِي جَوَابِ الْوَجْهِ الرَّابِعِ أَنَّ الْغَرَرَ الْمَعْفُوَّ

وَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الطَّعَامِ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى وقَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] (فَإِنْ قُلْت) أَدِلَّةُ الْخُصُومِ عَامَّةٌ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ، وَالْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ لَا يُخَصَّصُ بِذِكْرِ بَعْضِهِ فَالْحَدِيثُ الْخَاصُّ بِالطَّعَامِ لَا يُخَصِّصُ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُخَصَّصِ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْجُزْءِ وَالْكُلِّ وَالْقَاعِدَةُ أَيْضًا أَنَّ الْخَاصَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ عِنْدَ التَّعَارُضِ وقَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] عَامٌّ وَتِلْكَ الْأَحَادِيثُ خَاصَّةٌ فَتُقَدَّمُ عَلَى الْآيَةِ وَالِاعْتِمَادُ فِي تَخْصِيصِ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ عَلَى عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ لَا يُسَلَّمُ أَنَّهُ حُجَّةٌ فَضْلًا عَنْ تَخْصِيصِ الْأَدِلَّةِ. (قُلْت) أَسْئِلَةٌ صَحِيحَةٌ مُتَّجِهَةُ الْإِيرَادِ لَا يَحْضُرُنِي عَنْهَا جَوَابٌ نَظَائِرُ: قَالَ الْعَبْدُ يَجُوزُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: الْهِبَةُ وَالْمِيرَاثُ عَلَى اخْتِلَافٍ وَالِاسْتِهْلَاكُ وَالْقَرْضُ وَالصُّكُوكُ، وَهِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَعْظُمُ فَإِنَّ الْمَجْلِسَ وَغَالِبَ الْعَادَةِ لَا يَطُولُ طُولًا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَفِي جَوَابِ الْوَجْهِ الْخَامِسِ الْآيَةُ مُطْلَقَةٌ فَتُحْمَلُ عَلَى مَا بَعْدَ الْخِيَارِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَفِي جَوَابِ الْوَجْهِ السَّادِسِ إنَّمَا خَرَجَ كَلَامُ الشَّارِعِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَلَى الْغَائِبِ. وَحَيْثُ لَا يَتَعَذَّرُ أَيْ لَا مُطْلَقًا حَتَّى يُرَدَّ هَذَا الْوَجْهُ وَفِي جَوَابِ الْوَجْهِ السَّابِعِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَضْبُوطٌ بِالِاعْتِبَارِ وَمَا يَلْزَمُهُ غَالِبًا مِنْ التَّفَاوُتِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا نَظَرَ بِهِ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ الْمَجْهُولِ الزَّمَانِ وَفِي جَوَابِ الْوَجْهِ الثَّامِنِ هَذَا قِيَاسٌ فَاسِدُ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ فِي مُعَارَضَةِ النَّصِّ وَفِي جَوَابِ الْوَجْهِ التَّاسِعِ لَا خَفَاءَ بِضَعْفِ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ وُجُوهٍ أَيْسَرُهَا كَوْنُهُ بُنِيَ عَلَى مَذْهَبِ الْغَيْرِ اهـ. قُلْت وَلَا يَخْفَاك أَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى مَذْهَبِ الْغَيْرِ الْمُوَافِقِ لِلْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الدَّعْوَى مِنْ بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَجَعْلِ الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ مِنْ جِهَةِ مَذْهَبِ ذَلِكَ الْغَيْرِ لَا مِنْ جِهَةِ مَذْهَبِنَا لَا يَقْتَضِي ضَعْفَ هَذَا الْوَجْهِ أَصْلًا فَافْهَمْ 2 - (وَصْلٌ) يَتَعَلَّقُ بِالنَّظَرِ فِي أُصُولِ بَابِ الْخِيَارِ أَيْ خِيَارِ الشَّرْطِ سَبْعُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ فِي جَوَازِهِ وَعَدَمِ جَوَازِهِ قَوْلَانِ وَعَلَى الْجَوَازِ الْجُمْهُورُ وَعُمْدَتُهُمْ حَدِيثُ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ وَفِيهِ «وَلَك الْخِيَارُ ثَلَاثًا» وَمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي شُبْرُمَةَ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ وَعُمْدَتُهُمْ أَنَّهُ غَرَرٌ وَأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ اللُّزُومُ فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ عَلَى الْخِيَارِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ أَوْ إجْمَاعٍ قَالُوا وَحَدِيثُ حِبَّانَ إمَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِمَّا أَنَّهُ لَمَّا شُكِيَ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ قَالُوا، وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، وَقَوْلُهُ فِيهِ «إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ» فَقَدْ فَسَّرَ الْمَعْنَى الْمُرَادَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهُوَ مَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ لَفْظٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ اهـ. . 2 - (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الْحَفِيدُ أَيْضًا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ عِنْدَ مَنْ قَالُوا بِجَوَازِهِ خِلَافٌ فَرَأَى مَالِكٌ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ قَدْرٌ مَحْدُودٌ فِي نَفْسِهِ وَأَنَّهُ إنَّمَا يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ إلَى اخْتِلَافِ الْمَبِيعَاتِ وَذَلِكَ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْمَبِيعَاتِ قَالَ فَمِثْلُ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ فِي اخْتِيَارِ الثَّوْبِ وَالْجُمُعَةِ وَالْخَمْسَةِ الْأَيَّامِ فِي اخْتِيَارِ الْجَارِيَةِ وَالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ فِي اخْتِيَارِ الدَّارِ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ الْأَجَلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِيهِ فَضْلٌ عَنْ اخْتِيَارِ الْمَبِيعِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ أَجَلُ الْخِيَارِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَجُوزُ الْخِيَارُ لِأَيِّ مُدَّةٍ اُشْتُرِطَتْ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَاخْتَلَفُوا فِي الْخِيَارِ الْمُطْلَقِ دُونَ الْمُقَيَّدِ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ جِنِّي وَجَمَاعَةٌ بِجَوَازِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ مُطْلَقًا وَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ أَبَدًا، وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ الْخِيَارُ الْمُطْلَقُ وَلَكِنَّ السُّلْطَانَ يَضْرِبُ فِيهِ أَجَلَ مِثْلِهِ وَعُمْدَةُ أَصْحَابِهِ هُوَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْخِيَارِ هُوَ اخْتِيَارُ الْمَبِيعِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَحْدُودًا بِزَمَانِ إمْكَانِ اخْتِيَارِ الْمَبِيعِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ مَبِيعٍ فَكَانَ النَّصُّ إنَّمَا وَرَدَ عِنْدَهُمْ تَنْبِيهًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ بِحَالِ الْخِيَارِ الْمُطْلَقِ وَيَفْسُدُ الْمَبِيعُ. وَاخْتَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ إنْ وَقَعَ الْخِيَارُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ جَازَ وَإِنْ مَضَتْ الثَّلَاثَةُ أَيَّامٍ فَسَدَ الْبَيْعُ وَعُمْدَتُهُ هُوَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يَجُوزَ الْخِيَارُ فَلَا يَجُوزُ مِنْهُ إلَّا مَا وَرَدَ فِيهِ فِي حَدِيثِ مُنْقِذِ بْنِ حِبَّانَ أَوْ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ وَذَلِكَ كَسَائِرِ الرُّخْصِ الْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ الْأُصُولِ مِثْلُ اسْتِثْنَاءِ الْعَرَايَا مِنْ الْمُزَابَنَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالُوا، وَقَدْ جَاءَ تَحْدِيدُ الْخِيَارِ بِالثَّلَاثِ فِي حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» . وَأَمَّا حَدِيثُ مُنْقِذٍ فَأَشْبَهَ طُرُقُهُ الْمُتَّصِلَةُ مَا. رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِمُنْقِذٍ وَكَانَ يُخْدَعُ فِي الْمَبِيعِ إذَا بِعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَأَنْتَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا» ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، بَلْ هُوَ فَاسِدٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَدَلِيلُهُ مَا تَقَدَّمَ فَهَذِهِ هِيَ أَقَاوِيلُ فُقَهَاءِ

أُعْطِيَاتُ النَّاسِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَاخْتُلِفَ فِي طَعَامِ أَهْلِ الصُّلْحِ وَوَقَعَتْ الرُّخْصَةُ فِي الشَّرِكَةِ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَالْإِقَالَةِ وَالتَّوْلِيَةِ تَنْزِيلًا لِلثَّانِي مَنْزِلَةَ الْأَوَّلِ الْمُشْتَرِي عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَفْتَرِقَ الْعَقْدَانِ فِي أَجَلٍ أَوْ مِقْدَارٍ أَوْ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِالْمُكَايَسَةِ، وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْجَمِيعَ نَظَرًا لِلنَّقْلِ وَالْمُعَاوَضَةِ فَهَذَا تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ. (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتْبَعُ الْعَقْدَ عُرْفًا وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَتْبَعُهُ) قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرُهُ إذَا قَالَ أَشْرَكْتُك مَعِي فِي السِّلْعَةِ يُحْمَلُ عَلَى النِّصْفِ وَبَيْعُ الْأَرْضِ يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ الْأَشْجَارُ وَالْبِنَاءُ دُونَ الزَّرْعِ الظَّاهِرِ كَمَا بَوَّرَ الثِّمَارِ فَإِنْ كَانَ كَامِنًا فِي الْأَرْضِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَمْصَارِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَحَاصِلُهَا هَلْ يَجُوزُ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا وَإِنْ جَازَ مُقَيَّدًا فَكَمْ مِقْدَارُهُ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ مُطْلَقًا فَهَلْ مِنْ شَرْطِ ذَلِكَ أَنْ لَا يَقَعَ الْخِيَارُ فِي الثَّلَاثِ أَمْ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ وَإِنْ وَقَعَ فِي الثَّلَاثِ اهـ 2 - (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ الْحَفِيدُ أَيْضًا فِي جَوَازِ اشْتِرَاطِ النَّقْدِ فِيهِ وَعَدَمِ جَوَازِهِ قَوْلَانِ وَالْقَوْلُ بَعْدَ الْجَوَازِ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ لِتَرَدُّدِهِ عِنْدَهُمْ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْبَيْعِ وَفِيهِ ضَعْفٌ اهـ. 2 - (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ الْحَفِيدُ أَيْضًا اخْتَلَفُوا فِي ضَمَانِ الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ مِمَّنْ يَكُونُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ مُصِيبَتُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي أَمِينٌ سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَعُمْدَتُهُمْ أَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَلَمْ يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ عَنْ الْبَائِعِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك وَلَمْ يَقُلْ الْمُشْتَرِي قَبِلْت، وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَذْهَبِ إنَّهُ إنْ كَانَ هَلَكَ بِيَدِ الْبَائِعِ فَلَا خِلَافَ فِي ضَمَانِهِ إيَّاهُ وَإِنْ كَانَ هَلَكَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي فَالْحُكْمُ كَالْحُكْمِ فِي الرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ إنْ كَانَ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَيْهِ فَضَمَانُهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ فَضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ شَرْطُ الْخِيَارِ لِكِلَيْهِمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ فَضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمَبِيعُ عَلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُشْتَرِطُ وَحْدَهُ وَمَعَ الْمُشْتَرِي. وَأَمَّا إنْ كَانَ شَرَطَهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَقَدْ خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَبَقِيَ مُعَلَّقًا حَتَّى يَنْقَضِيَ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَشْتَرِطْ الْبَائِعُ خِيَارًا كَانَ خَارِجًا عَنْ مِلْكِهِ وَلَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي رَدِّ الْآخَرِ لَهُ وَلَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُمَانِعُ الْحُكْمَ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُصِيبَةً مِنْ أَحَدِهِمَا، وَقَدْ قِيلَ عَنْهُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ عِنْدَهُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ هُوَ الْمُشْتَرِطُ فَقَطْ كَانَ الْبَائِعُ قَدْ صَرَفَهُ عَنْ مِلْكِهِ وَأَبَانَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ أَشْهَرُهُمَا أَنَّ الضَّمَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي لِأَيِّهِمَا كَانَ الْخِيَارُ تَشْبِيهًا لِبَيْعِ الْخِيَارِ بِالْبَيْعِ اللَّازِمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِقِيَاسِهِ مَوْضِعَ الْخِلَافِ عَلَى مَوْضِعِ الِاتِّفَاقِ، وَهَذَا الْخِلَافُ آيِلٌ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ هَلْ هُوَ مُشْتَرَطٌ لِإِيقَاعِ الْفَسْخِ فِي الْبَيْعِ أَوْ لِتَتْمِيمِ الْبَيْعِ فَإِذَا قُلْنَا بِفَسْخِ الْبَيْعِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَإِذَا قُلْنَا بِتَتْمِيمِهِ فَهُوَ فِي ضَمَانِهِ اهـ. 2 - (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) قَالَ الْحَفِيدُ أَيْضًا هَلْ يُورَثُ خِيَارُ الْبَيْعِ أَمْ لَا فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا يُورَثُ وَإِنَّهُ إذَا مَاتَ صَاحِبُ الْخِيَارِ فَلِوَرَثَتِهِ مِنْ الْخِيَارِ مِثْلُ مَا كَانَ لَهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَبْطُلُ الْخِيَارُ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ وَيَتِمُّ الْبَيْعُ وَهَكَذَا عِنْدَهُ خِيَارُ الشُّفْعَةِ وَخِيَارُ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ وَخِيَارُ الْإِقَالَةِ وَسَلَّمَ لَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ خِيَارَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَعْنِي أَنَّهُ قَالَ يُورَثُ. وَكَذَلِكَ خِيَارُ اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقَسْمِ وَخِيَارُ الْقِصَاصِ وَخِيَارُ الرَّهْنِ وَسَلَّمَ لَهُمْ مَالِكٌ خِيَارَ رَدِّ الْأَبِ مَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ أَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَرَ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ مِنْ الْخِيَارِ فِي رَدِّ مَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ مَا جَعَلَ الشَّرْعُ مِنْ ذَلِكَ لَهُ أَيْ لِلْأَبِ الْمَيِّتِ، وَكَذَلِكَ خِيَارُ الْكِتَابَةِ وَالطَّلَاقِ وَاللِّعَانِ وَمَعْنَى خِيَارِ الطَّلَاقِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِرَجُلٍ آخَرَ طَلِّقْ امْرَأَتِي مَتَى شِئْت فَيَمُوتُ الرَّجُلُ الْمَجْعُولُ لَهُ الْخِيَارُ فَإِنَّ وَرَثَتَهُ لَا يَتَنَزَّلُونَ مَنْزِلَتَهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَسَلَّمَ الشَّافِعِيُّ مَا سَلَّمَتْ الْمَالِكِيَّةُ لِلْحَنَفِيَّةِ مِنْ هَذِهِ الْخِيَارَاتِ وَسَلَّمَ زَائِدَ خِيَار الْإِقَالَةِ وَالْقَبُولِ قَالَ لَا يُورَثَانِ وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ هَلْ الْأَصْلُ أَنْ تُورَثَ الْحُقُوقُ كَالْأَمْوَالِ أَوْ أَنْ تُورَثَ الْأَمْوَالُ دُونَ الْحُقُوقِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ يُشْبِهُ مِنْ هَذَا مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ لَهُ خَصْمُهُ مِنْهَا بِمَا يُسَلِّمُهُ مِنْهَا لَهُ وَيَحْتَجُّ عَلَى خَصْمِهِ فَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ تَحْتَجُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وِرَاثَةَ خِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَيُشْبِهُ سَائِرَ الْخِيَارَاتِ الَّتِي يُورَثُهَا بِهِ وَالْحَنَفِيَّةُ تَحْتَجُّ أَيْضًا عَلَى الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِمَا تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَرُومُ أَنْ يُعْطِيَ فَارِقًا يَخْتَلِفُ فِيهِ. قَوْلُهُ وَمُشَابِهًا فِيمَا يَتَّفِقُ فِيهِ قَوْلُهُ وَيَرُومُ فِي قَوْلِهِ خَصْمُهُ بِالضِّدِّ أَعْنِي أَنْ يُعْطِيَ فَارِقًا فِيمَا يَمْنَعُهُ الْخَصْمُ مُتَّفِقًا وَيُعْطِي اتِّفَاقًا فِيمَا يَضَعُهُ الْخَصْمُ مُتَبَايِنًا مَثَلًا تَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ إنَّمَا قُلْنَا إنَّ خِيَارَ الْأَبِ فِي رَدِّ هِبَتِهِ لَا يُورَثُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِيَارٌ رَاجِعٌ إلَى صِفَةٍ فِي الْأَبِ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ وَهِيَ الْأُبُوَّةُ فَوَجَبَ أَنْ لَا تُورَثَ إلَى لَا صِفَةَ فِي الْعَقْدِ، وَهَذَا هُوَ سَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي خِيَارٍ أَعْنِي: أَنَّهُ مَنْ انْقَدَحَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْعَقْدِ وَرِثَهُ، وَمَنْ انْقَدَحَ لَهُ أَنَّهُ صِفَةٌ خَاصَّةٌ بِذِي الْخِيَارِ لَمْ يُوَرَّثْهُ هُوَ سَيَأْتِي تَوْضِيحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْفَرْقِ الَّذِي تِلْوُ هَذَا الْفَرْقِ فَتَرَقَّبْ 2 -

[الفرق بين قاعدة ما ينتقل إلى الأقارب من الأحكام غير الأموال وبين قاعدة ما لا ينتقل من الأحكام]

انْدَرَجَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا تَنْدَرِجُ الْحِجَارَةُ الْمَخْلُوقَةُ فِيهَا دُونَ الْمَدْفُونَةِ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ مَلَكَ ظَاهِرَ الْأَرْضِ مَلَكَ بَاطِنَهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَنْدَرِجُ فِي الْأَرْضِ الْبِنَاءُ الْكَثِيرُ وَلَا الْغَرْسُ، وَعِنْدَنَا يَنْدَرِجُ فِي لَفْظِ الدَّارِ الْخَشَبُ الْمُسَمَّرُ وَالسُّلَّمُ الْمُسْتَقِلُّ، وَيَنْدَرِجُ الْمَعْدِنُ فِي لَفْظِ الْأَرْضِ دُونَ الْكَنْزِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ مِنْ الْأَجْزَاءِ، فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يَنْدَرِجُ فِي الْأَرْضِ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ وَفِي لَفْظِ الدَّارِ الْأَبْوَابُ وَالْخَوَابِي الْمَدْفُونَةُ وَالرُّفُوفُ الْمُسَمَّرَةُ وَمَا هُوَ مِنْ مَصَالِحِهَا دُونَ الْحَجَرِ الْمَدْفُونِ؛ لِأَنَّهُ كَالْوَدِيعَةِ وَتَنْدَرِجُ الْحِجَارَةُ الْمَخْلُوقَةُ فِيهَا وَالْمَعْدِنُ دُونَ الْكَنْزِ، وَعِنْدَنَا إذَا بَاعَ الْبِنَاءَ يَنْدَرِجُ فِيهِ الْأَرْضُ كَمَا انْدَرَجَ فِي لَفْظِ الدَّارِ التَّوَابِيتُ وَمَرَافِقُ الْبِنَاءِ كَالْأَبْوَابِ وَالرُّفُوفِ وَالسُّلَّمِ الْمُثَبَّتِ دُونَ الْمَنْقُولَاتِ وَلَفْظُ الْعَبْدِ يَتْبَعُهُ ثِيَابُهُ الَّتِي ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) قَالَ الْحَفِيدُ أَيْضًا اتَّفَقُوا عَلَى صِحَّةِ خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ خِيَارِ الْأَجْنَبِيِّ فَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ ذَلِكَ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ الَّذِي جُعِلَ لَهُ الْخِيَارُ وَلَا يَجُوزُ الْخِيَارُ عِنْدَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ وَبِقَوْلِ مَالِكٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاتَّفَقَ الْمَذْهَبُ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لِلْأَجْنَبِيِّ إذَا جَعَلَهُ اخْتَلَفَ لَهُ الْمُتَبَايِعَانِ وَإِنَّ قَوْلَهُ لَازِمٌ لَهُمَا وَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ إذَا جَعَلَهُ أَحَدُهُمَا فَاخْتَلَفَ الْبَائِعُ، وَمَنْ جَعَلَ لَهُ الْبَائِعُ الْخِيَارَ وَهُوَ الْمُشْتَرِي، وَمَنْ جَعَلَ لَهُ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ فَقِيلَ الْقَوْلُ فِي الْإِمْضَاءِ وَالرَّدِّ قَوْلُ الْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ اشْتَرَطَ خِيَارَهُ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي. وَقَالَ عَكْسُ هَذَا الْقَوْلِ مَنْ جَعَلَ خِيَارَهُ هُنَا كَالْمَشُورَةِ، وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي أَيْ إنَّ الْقَوْلَ فِي الْإِمْضَاءِ وَالرَّدِّ قَوْلُ الْبَائِعِ دُونَ الْأَجْنَبِيِّ وَقَوْلُ الْأَجْنَبِيِّ دُونَ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ مُشْتَرِطُ الْخِيَارِ، وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمَا الْإِمْضَاءَ فَإِنْ أَرَادَ الْبَائِعُ الْإِمْضَاءَ وَأَرَادَ الْأَجْنَبِيُّ الَّذِي اشْتَرَطَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي خِيَارَهُ الرَّدُّ وَوَافَقَهُ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ الرَّدُّ وَأَرَادَ الْأَجْنَبِيُّ الْمَذْكُورُ الْإِمْضَاءَ وَوَافَقَهُ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، وَقِيلَ بِالْفَرْقِ فِي هَذَا بَيْنِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي أَيْ إنْ اشْتَرَطَهُ الْبَائِعُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أَرَادَ الْإِمْضَاءَ مِنْهُمَا وَإِنْ اشْتَرَطَهُ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجْنَبِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ ضَعِيفٌ اهـ. 2 - (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) قَالَ الْحَفِيدُ أَيْضًا اخْتَلَفُوا فِيمَنْ اشْتَرَطَ مِنْ الْخِيَارِ مَا لَا يَجُوزُ مِثْل أَنْ يَشْتَرِطَ أَجَلًا مَجْهُولًا أَوْ خِيَارًا فَوْقَ الثَّلَاثِ عِنْدَ مَنْ لَا يُجَوِّزُ الْخِيَارَ فَوْقَ الثَّلَاثِ أَوْ خِيَارَ رَجُلٍ بَعِيدِ الْمَوْضِعِ بِعَيْنِهِ أَعْنِي أَجْنَبِيًّا فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَإِنْ أَسْقَطَ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ الْبَيْعُ مَعَ إسْقَاطِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ فَأَصْلُ الْخِلَافِ هُوَ الْفَسَادُ الْوَاقِعُ فِي الْبَيْعِ مِنْ قِبَلِ الشَّرْطِ يَتَعَدَّى إلَى الْعَقْدِ أَمْ لَا يَتَعَدَّى وَإِنَّمَا هُوَ فِي الشَّرْطِ فَقَطْ فَمَنْ قَالَ يَتَعَدَّى أَبْطَلَ الْبَيْعَ وَإِنْ أَسْقَطَهُ، وَمَنْ قَالَ لَا يَتَعَدَّى قَالَ الْبَيْعُ يَصِحُّ إذَا أَسْقَطَ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَقَّى الْعَقْدُ صَحِيحًا اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَنْتَقِلُ إلَى الْأَقَارِبِ مِنْ الْأَحْكَامِ غَيْرِ الْأَمْوَالِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَنْتَقِلُ مِنْ الْأَحْكَامِ] (الْفَرَقُ السَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَنْتَقِلُ إلَى الْأَقَارِبِ مِنْ الْأَحْكَامِ غَيْرِ الْأَمْوَالِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَنْتَقِلُ مِنْ الْأَحْكَامِ) قَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِ الْحَفِيدِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ مَسَائِلِ خِيَارِ الشَّرْطِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي انْتِقَالِ الْأَمْوَالِ إلَى الْأَقَارِبِ وَمِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي الْحُقُوقِ وَذَلِكَ أَنَّهُ. وَإِنْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ مَاتَ عَنْ حَقٍّ فَلِوَرَثَتِهِ» إلَّا أَنَّ الْحُقُوقَ لَمَّا لَمْ تَكُنْ كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، بَلْ مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ كَخِيَارِ الشُّفْعَةِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْبِيَاعَاتِ وَخِيَارِ الرَّدِّ فِي الْبَيْعِ وَخِيَارِ تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ وَخِيَارِ التَّعْيِينِ كَأَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا مِنْ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنْ يَخْتَارَ وَخِيَارُ الْوَصِيَّةِ إذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَخِيَارِ الْإِقَالَةِ وَالْقَبُولِ وَمِنْهَا مَا يَدْفَعُ ضَرَرًا عَنْ الْوَارِثِ فِي عِرْضِهِ بِتَخْفِيفِ أَلَمِهِ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَقِصَاصِ الْأَطْرَافِ وَالْجِرَاحِ وَالْمَنَافِعِ فِي الْأَعْضَاءِ وَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْمَوْرُوثِ وَعَقْلِهِ وَشَهْوَتِهِ كَالْوِلَايَاتِ وَالْمَنَاصِبِ وَالْأَمَانَةِ وَالْوَكَالَةِ وَاللِّعَانِ وَالْفَيْئَةِ وَالْعَوْدِ وَاخْتِيَارِ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يُبْقُوا لَفْظَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى عُمُومِهِ، بَلْ خَصُّوهُ بِمَا يَنْتَقِلُ مِنْهَا لِلْوَارِثِ وَضَابِطُهُ أَنَّهُ كُلُّ مَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْمَالِ أَوْ يَدْفَعُ ضَرَرًا عَنْ الْوَارِثِ فِي عِرْضِهِ بِتَخْفِيفِ أَلَمِهِ. وَأَمَّا مَا لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ مِنْهَا فَلَا يَشْمَلُهُ لَفْظُ الْحَدِيثِ وَضَابِطُهُ أَنَّهُ كُلُّ مَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِنَفْسِ الْمَوْرُوثِ وَالسِّرُّ فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْوَرَثَةَ يَرِثُونَ الْمَالَ فَيَرِثُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَبَعًا لَهُ وَلَا يَرِثُونَ عَقْلَ مُوَرِّثِهِمْ وَلَا شَهْوَتَهُ وَلَا نَفْسَهُ فَلَا يَرِثُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ ضَرُورَةً أَنَّ مَا لَا يُورَثُ لَا يُورَثُ كَمَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لَحْمًا أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ كُلَّ مَا يَخْرُجُ عَنْ حُقُوقِ الْأَمْوَالِ إلَّا صُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا الْقَذْفُ وَثَانِيَتهَا قِصَاصُ الْأَطْرَافِ وَالْجِرَاحِ وَالْمَنَافِعِ فَإِنَّ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ وَإِنْ خَرَجَتَا عَنْ حُقُوقِ الْأَمْوَالِ تَنْتَقِلَانِ لِلْوَارِثِ لِأَجْلِ شِفَاءِ غَلِيلِهِ بِمَا دَخَلَ عَلَى عِرْضِهِ مِنْ قَذْفِ مُوَرِّثِهِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قِصَاصُ النَّفْسِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ فَرْعُ زُهُوقِ النَّفْسِ لَمْ يَكُنْ

[الفرق بين قاعدة ما يجوز بيعه قبل قبضه وقاعدة ما لا يجوز بيعه قبل قبضه]

عَلَيْهِ إذَا أَشْبَهَتْ مِهْنَتَهُ دُونَ مَالِهِ وَلَفْظُ الشَّجَرِ تَتْبَعُهُ الْأَرْضُ وَاسْتِحْقَاقُ الْبِنَاءِ مَغْرُوسًا وَالثَّمَرَةُ غَيْرُ الْمُوَبَّرَةِ دُونَ الْمُوَبَّرَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ لَا تَنْدَرِجُ الْأَرْضُ فِي لَفْظِ الشَّجَرِ وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ فِي الثِّمَارِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ لِلْبَائِعِ مُطْلَقًا وَفِي الْمُوَطَّإِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ» ، وَمَفْهُومُهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا إذَا لَمْ تُوَبَّرْ لِلْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا جَعَلَهَا لِلْبَائِعِ بِشَرْطِ الْإِبَارِ فَإِذَا انْتَفَى الشَّرْطُ انْتَفَى الْمَشْرُوطُ فَالْأَوَّلُ مَفْهُومُ الصِّفَةِ وَالثَّانِي مَفْهُومُ الشَّرْطِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَا يَرَوْنَ الْمَفْهُومَ حُجَّةً فَلَا يُحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِهِ، بَلْ نَقِيسُ الثَّمَرَةَ عَلَى الْجَنِينِ إذَا خَرَجَ لَمْ يَتْبَعْ وَإِلَّا اتَّبَعَ أَوْ نَقِيسُهَا عَلَى اللَّبَنِ قَبْلَ الْحِلَابِ، وَاسْتِتَارُ الثِّمَارِ فِي الْأَكْمَامِ كَاسْتِتَارِ الْأَجِنَّةِ فِي الْأَرْحَامِ وَاللَّبَنِ فِي الضُّرُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقِصَاصُ النَّفْسِ مِمَّا يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا لِلْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُورَثِ فَمِنْ هُنَا لَمَّا كَانَ اللِّعَانُ يَرْجِعُ إلَى أَمْرٍ يَعْنِي الْمَوْرُوثَ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ غَالِبًا وَالِاعْتِقَادَاتُ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْمَالِ وَكَانَتْ الْفَيْئَةُ شَهْوَتَهُ وَالْعَوْدُ إرَادَتَهُ. وَكَانَ اخْتِيَارُ نَحْوِ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ مُتَعَلِّقًا بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ النِّسْوَةَ إرَبُهُ وَمَيْلُهُ وَكَانَ قَضَاؤُهُ عَلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ عَقْلَهُ وَفِكْرَتَهُ وَرَأْيَهُ، وَكَذَا سَائِرُ مَنَاصِبِهِ وَوِلَايَاتِهِ وَآرَائِهِ وَاجْتِهَادَاتِهِ وَكَانَتْ أَفْعَالُهُ الدِّينِيَّةُ هِيَ دِينُهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْحُقُوقِ وَإِنْ كَانَتْ لِلْمَوْرُوثِ بِمُنْتَقِلٍ لِوَارِثِهِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إذْ مِنْ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ أَنْ يُلَاعِنَ عِنْدَ سَبَبِ اللِّعَانِ وَأَنْ يَفِيءَ بَعْدَ الْإِيلَاءِ وَأَنْ يَعُودَ بَعْدَ الظِّهَارِ وَأَنْ يَخْتَارَ مِنْ نِسْوَةٍ إذَا أَسْلَمَ عَلَيْهِنَّ وَهُنَّ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ وَأَنْ يَخْتَارَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ إذَا أَسْلَمَ عَلَيْهِمَا وَمِنْ حَقِّهِ إذَا جَعَلَ الْمُتَبَايِعَانِ لَهُ الْخِيَارَ أَنْ يَمْلِكَ إمْضَاءَ الْبَيْعِ عَلَيْهِمَا وَفَسْخَهُ وَمِنْ حَقِّهِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ مِنْ الْوِلَايَاتِ وَالْمَنَاصِبِ كَالْقِصَاصِ وَالْإِمَامَةِ وَالْخَطَابَةِ وَالْإِفْتَاءِ وَغَيْرِهَا وَكَالْأَمَانَةِ وَالْوَكَالَةِ وَمِنْ حَقِّهِ جَمِيعُ أَفْعَالِهِ الدِّينِيَّةِ فَلَا يَنْتَقِلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِلْوَارِثِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِثْ مُسْتَنِدَهُ وَأَصْلَهُ، وَكَذَلِكَ خِيَارُ الْهِبَةِ فِي الْأَبِ لِلِابْنِ بِالِاعْتِصَارِ وَخِيَارِ الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالطَّلَاقِ بِأَنْ يَقُولَ طَلِّقْ امْرَأَتِي مَتَى شِئْت فَيَمُوتُ الْمَقُولُ لَهُ وَلَمَّا كَانَ نَحْوُ خِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارِ تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ وَحَقِّ الْقِصَاصِ وَحَقِّ الرَّهْنِ وَحَبْسِ الْمَبِيعِ وَخِيَارِ مَا وُجِدَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْغَنِيمَةِ فَمَاتَ رَبُّهُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ أَخْذَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مِنْ حُقُوقِ الْمَوْرُوثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَالِ قَطْعًا كَانَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ مِنْ الْحُقُوقِ الْمُنْتَقِلَةِ لِلْوَارِثِ قَطْعِيًّا وَلَمَّا كَانَ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْمَبِيعَاتِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ كَوْنِهِ صِفَةً لِلْعَقْدِ أَوْ صِفَةً لِلْعَاقِدِ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي انْتِقَالِهِ لِلْوَارِثِ وَعَدَمِ انْتِقَالِهِ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إلَى انْتِقَالِهِ لِأَنَّهُ صِفَةُ الْعَقْدِ وَأَثَرٌ مِنْ آثَارِهِ فَيَنْتَقِلُ مَعَهُ لِلْوَارِثِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إلَى عَدَمِ انْتِقَالِهِ لِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْعَاقِدِ لِأَنَّهَا مَشِيئَتُهُ وَاخْتِيَارُهُ فَتَبْطُلُ بِمَوْتِهِ كَمَا تَبْطُلُ سَائِر صِفَاتِهِ وَجَوَابُهُ إنَّ اخْتِيَارَهُ وَإِنْ كَانَتْ صِفَتُهُ إلَّا أَنَّهَا صِفَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَالِ كَاخْتِيَارِهِ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَأَنْوَاعَ الِانْتِفَاعِ فِي الْمَالِ فَيَنْتَقِلُ كَمَا يَنْتَقِلُ جَمِيعُ ذَلِكَ تَبَعًا لِلْمَالِ (الْوَجْهُ الثَّانِي) إنَّ الْأَجَلَ فِي الثَّمَنِ لَا يُورَثُ فَكَذَلِكَ فِي الْخِيَارِ وَجَوَابُهُ إنَّ الْأَجَلَ مَعْنَاهُ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ وَتَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ صِفَةً لِلدَّيْنِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ الدَّيْنَ لَمَّا انْتَقَلَ لِلْوَارِثِ انْتَقَلَ مُؤَجَّلًا ضَرُورَةَ أَنَّ الصِّفَةَ تَنْتَقِلُ لِمَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمَوْصُوفُ، وَكَذَلِكَ هَاهُنَا فَهَذَا لَنَا لَا عَلَيْنَا (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْبَائِعَ رَضِيَ بِخِيَارٍ وَاحِدٍ فَكَيْفَ تُثْبِتُونَهُ أَنْتُمْ لِجَمَاعَةٍ لَمْ يَرْضَ بِهِمْ وَهُمْ الْوَرَثَةُ مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ لَا يَتَعَدَّى الْخِيَارُ مَنْ اُشْتُرِطَ لَهُ كَمَا لَا يَتَعَدَّى الْأَجَلُ مَنْ اُشْتُرِطَ لَهُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِخِيَارِ التَّعْيِينِ وَبِشَرْطِ الْخِيَارِ لَلْأَجْنَبِيّ، وَقَدْ أَثْبَتُوهُ لِلْوَارِثِ وَبِمَا إذَا جَنَى فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَلِيِّ مَا لَمْ يُوصِ بِهِ الْبَائِعُ هَذَا تَهْذِيبُ مَا فِي الْأَصْلِ مِنْ تَلْخِيصِ هَذَا الْفَرْقِ بِبَيَانِ سِرِّهِ وَمَدَارِكِهِ وَالْخِلَافُ فِيهِ وَسَلَّمَهُ الْإِمَامُ ابْنُ الشَّاطِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ] (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ) قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ يَتَحَصَّلُ فِي اشْتِرَاطِ قَبْضِ الْمَبِيعِ، وَمَنْعِ الْبَيْعِ قَبْلَ قَبْضِهِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ (الْأَوَّلُ وَالثَّانِي) رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَشْهَرُهُمَا اشْتِرَاطُهُ فِي الطَّعَامِ بِإِطْلَاقٍ فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى اشْتِرَاطُهُ فِي الرِّبَوِيِّ فَقَطْ فَيَجُوزُ بَيْعُ غَيْرِ الرِّبَوِيِّ مِنْ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ (الثَّالِثُ) لِأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ اشْتِرَاطُهُ فِي الطَّعَامِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَيْ وَالْمَعْدُودِ (الرَّابِعُ) لِأَبِي حَنِيفَةَ اشْتِرَاطُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُنْقَلُ أَمَّا الْمَبِيعَاتُ الَّتِي لَا تَنْتَقِلُ وَلَا تُحَوَّلُ وَهِيَ الدُّورُ وَالْعَقَارُ فَيَجُوزُ فِيهَا الْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ (الْخَامِسُ) لِلشَّافِعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ اشْتِرَاطُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْقَلُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ. (السَّادِسُ) لِأَبِي عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقَ اشْتِرَاطُهُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَكُلُّ شَيْءٍ لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ (السَّابِعُ) لِابْنِ حَبِيبٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَرَبِيعَةَ اشْتِرَاطُهُ

أَوْ نَقِيسُهَا عَلَى الْأَغْصَانِ وَالْوَرَقِ وَنَوَى التَّمْرِ. وَهَذِهِ الْأَقْيِسَةُ أَقْوَى مِنْ قِيَاسِهِمْ بِكَثِيرٍ لِقُوَّةِ جَامِعِهَا، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ عَلَى الْمُؤَبَّرِ فَفَارِقُهُ ظَاهِرٌ وَجَامِعُهُ ضَعِيفٌ وَلَفْظُ إطْلَاقِ الثِّمَارِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ يَقْتَضِي عِنْدَنَا التَّبْقِيَةَ بَعْدَ الزَّهْوِ. وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقْتَضِي الْقَطْعَ كَسَائِرِ الْمَبِيعَاتِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْجَهَالَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَقْدَ مُعَارَضٌ بِالْعَادَةِ وَمِثْلُ هَذِهِ الْجَهَالَةِ لَا تَقْدَحُ فِي الْعُقُودِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا كَثِيرًا فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُهُ زَمَانًا طَوِيلًا لِقَبْضِهِ وَتَحْوِيلِهِ وَيَبِيعُ الدَّارَ فِيهَا الْأَمْتِعَةُ الْكَثِيرَةُ لَا يُمْكِنُ خُلُوُّهَا إلَّا فِي زَمَانٍ طَوِيلٍ وَلَفْظُ الْمُرَابَحَةِ عِنْدَنَا يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ صَنْعَةٍ قَائِمَةٍ كَالصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْكِمَادِ وَالطَّرْزِ وَالْفَتْلِ وَالْغَسْلِ يُحْسَبُ وَيُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ وَمَا لَيْسَ لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ وَلَا يُسَمَّى السِّلْعَةُ ذَاتًا وَلَا سُوقًا لَا يُحْسَبُ وَلَا يُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يُقَابَلُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ اهـ. مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ نَعَمْ يُؤْخَذُ تَقْيِيدُ أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ بِمَا إذَا كَانَ فِي الطَّعَامِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ وَرَخَّصَ مَالِكٌ فِيمَا بِيعَ مِنْ الطَّعَامِ جُزَافًا أَنْ يُبَاعَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَجَازَهُ اهـ. فَتَكُونُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَيْنَ الْقَوْلِ الثَّالِثِ لِابْنِ حَنْبَلٍ وَتَكُونُ الْأَقْوَالُ سِتَّةً لَا سَبْعَةً وَبِالتَّقْيِيدِ وَمُوَافَقَةُ قَوْلِ ابْنِ حَنْبَلٍ صَرَّحَ الْأَصْلُ حَيْثُ قَالَ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ يَمْتَنِعُ أَيْ فِي مَشْهُورِ مَالِكٍ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ إذَا كَانَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الصَّحِيحِ «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ صَارَ إلَيْهِ هَذَا الطَّعَامُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَأَمَّا مَا بِيعَ جُزَافًا فَيَجُوزُ أَيْ لِمُبْتَاعِهِ بَيْعُهُ قَبْلَ نَقْلِهِ إذَا خَلَّى الْبَائِعُ بَيْنَهُ لِحُصُولِ الِاسْتِيفَاءِ وَوَافَقَ مَشْهُورَ مَالِكٍ هَذَا ابْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بَيْعَهُ قَبْلَ نَقْلِهِ وَاحْتَجَّا بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «كُنَّا نَبْتَاعُ الطَّعَامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَبْعَثُ عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا بِنَقْلِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي نَبْتَاعُهُ فِيهِ إلَى مَكَان سِوَاهُ» وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كُنَّا إذَا ابْتَعْنَا الطَّعَامَ جُزَافًا لَمْ نَبِعْهُ حَتَّى نُحَوِّلَهُ مِنْ مَكَانِهِ وَجَوَابُهُ وَأَنَّ مَالِكًا رَوَى حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ نَافِعٍ بِدُونِ ذِكْرِ الْجُزَافِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ فِي حِفْظِ حَدِيثِ نَافِعٍ عَلَى غَيْرِهِ فَرِوَايَةُ جَمَاعَةٍ وُجُودَ الْجُزَافِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ لَا تَرِدُ عَلَى مَذْهَبِهِ عَلَى أَنَّ الْجُزَافَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَيْسَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ فَهُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ نَعَمْ هَذَا مِنْ قَبِيلِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ الْمَظْنُونِ لِلْعِلَّةِ فَافْهَمْ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَمْتَنِعُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مُطْلَقًا إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اسْتَثْنَى الْعَقَارَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يُخْشَى انْفِسَاخُهُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَاحْتَجَّا أَوَّلًا بِأَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ (أَحَدُهَا) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَلَا رِبْحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَلَا بَيْعَ مَا لَيْسَ عِنْدَك» (وَثَانِيهَا) حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَشْتَرِي بُيُوعًا فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا وَمَا يَحْرُمُ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي إذَا اشْتَرَيْت بَيْعًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ» قَالَ أَبُو عُمَرَ وَحَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ. رَوَاهُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِصْمَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَالَ وَيُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِصْمَةَ لَا أَعْرِفُ لَهُمَا جُرْحَةً إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ فَقَطْ وَذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِجُرْحَةٍ وَإِنْ كَرِهَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ (وَثَالِثُهَا) مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ «نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ» (وَرَابِعُهَا) مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا بَعَثَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ أَمِيرًا عَلَى مَكَّةَ أَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَقْبِضُوا أَوْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنُوا» (وَثَانِيًا) بِقِيَاسِ غَيْرِ الطَّعَامِ عَلَى الطَّعَامِ وَجَوَابُ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْمُرَادُ بِهَا نَهْيُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك فَيُنْهَى الْإِنْسَانُ عَنْ بَيْعِ مِلْكِ غَيْرِهِ وَيَضْمَنُ تَخْلِيصَهُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي» . فَيَكُونُ الضَّمَانُ مِنْهُ فَمَا بَاعَ إلَّا مَضْمُونًا فَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْحَدِيثُ مَحَلَّ النِّزَاعِ وَجَوَابُ الثَّانِي أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ فَإِنَّ الطَّعَامَ أَشْرَفُ مِنْ غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ سَبَبَ قِيَامِ الْبُنْيَةِ وَعِمَادَ الْحَيَاةِ فَشَدَّدَ فِيهِ النِّزَاعَ عَلَى عَادَتِهِ فِي تَكْثِيرِ الشُّرُوطِ فِيمَا عَظُمَ شَرَفُهُ كَاشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ وَالصَّدَاقِ وَالشُّهُودِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ دُونَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَشَرْطِهِ فِي مَنْصِبِ الْقَضَاءِ مَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي مَنْصِبِ الشَّهَادَةِ قِيلَ وَيَتَأَكَّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ مَعَاشِرَ الْمَالِكِيَّةِ بِمَفْهُومِ «نَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى» فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ غَيْرَ الطَّعَامِ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] لَكِنْ يُرَدُّ عَلَى تَأْكِيدِهِ بِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَدِيثَ خَاصٌّ بِالطَّعَامِ وَالْأَحَادِيثُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا الْخُصُومُ أَعْنِي الشَّافِعِيَّةَ وَالْأَحْنَافَ عَامَّةٌ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ وَالْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ لَا يُخَصَّصُ بِذِكْرِ بَعْضِهِ إذْ مِنْ شَرْطِ الْمُخَصِّصِ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْجُزْءِ وَالْكُلِّ وَلَا يَسْتَقِيمُ الِاعْتِمَادُ فِي

[الفرق بين قاعدة ما يتبع العقد عرفا وقاعدة ما لا يتبعه]

بِشَيْءٍ وَإِنْ كَانَ مُتَوَلِّي هَذَا الطَّرْزِ وَالصَّبْغِ بِنَفْسِهِ لَمْ يُحْسَبْ وَلَا يُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ وَصَفَ ثَمَنًا عَلَى سِلْعَةٍ بِاجْتِهَادِهِ وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ عِنْدَنَا تَتْبَعُ قَوْلَهُ بِعْتُك هَذِهِ السِّلْعَةَ مُرَابَحَةً لِلْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ أَوْ بِوَضِيعَةٍ لِلْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ أَوْ يَقُولُ لِلْعَشَرَةِ عَشَرَةٌ وَصِيغَةٌ أَوْ مُرَابَحَةٌ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ إذَا قَالَ لِلْعَشَرَةِ اثْنَا عَشَرَ أَيْ يَنْقُصُ السُّدُسُ فِي الْوَضِيعَةِ أَوْ يَزِيدُ السُّدُسُ فِي الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ اثْنَيْنِ سُدُسٌ اثْنَيْ عَشَرَ وَلِلْعَشَرَةِ عَشَرَةٌ مَعْنَاهُ يُضَافُ لِلْعَشَرَةِ عَشَرَةٌ، فَيَكُونُ الزِّيَادَةُ أَوْ النُّقْصَانُ النِّصْفَ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَ عَشَرَةٍ مِنْ عَشَرَةٍ مُحَالٌ، وَهَذَا الْكَلَامُ مَعَ بَقِيَّةِ تَفَارِيعِ هَذَا الْبَابِ كُلُّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعَوَائِدِ وَإِلَّا فَمِنْ أَيْنَ لَنَا مَا يُحْسَبُ وَيُحْسَبُ رِبْحُهُ وَعَكْسُهُ. وَلَوْلَا الْعَوَائِدُ لَكَانَ هَذَا تَحَكُّمًا صِرْفًا وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ وَالْغَرَرِ فِي الثَّمَنِ جَائِزٌ إجْمَاعًا، وَلَوْ أُطْلِقَ هَذَا اللَّفْظُ فِي زَمَانِنَا لَمْ يَصِحَّ بِهِ بَيْعٌ لِعَدَمِ فَهْمِ الْمَقْصُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَخْصِيصِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ عَلَى عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ لَا يُسْلَمُ أَنَّهُ حُجَّةٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مُخَصِّصًا لِلْأَدِلَّةِ وَيُرَدُّ عَلَى تَأْكِيدِهِ بِالْآيَةِ أَنَّ الْآيَةَ أَعَمُّ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْأَرْبَعَةِ وَالْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ أَنَّ الْخَاصَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ عِنْدَ التَّعَارُضِ قَالَ الْأَصْلُ وَهُمَا إيرَادَانِ صَحِيحَانِ مُتَّجَهَانِ لَا يَحْضُرُنِي عَنْهُمَا جَوَابٌ فَتَأَمَّلْ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِي خُصُوصِ الْبَيْعِ. وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ فَقَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ لَا يَتَوَقَّفُ شَيْءٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى الْقَبْضِ إلَّا الْبَيْعُ اهـ. وَقَالَ الْعَبْدِيُّ يَجُوزُ الطَّعَامُ قَبْلَ قَبْضِهِ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ الْهِبَةِ وَالْمِيرَاثِ وَالِاسْتِهْلَاكِ وَالْقَرْضِ وَالصُّكُوكِ وَهِيَ أُعْطِيَاتُ النَّاسِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَاخْتُلِفَ فِي طَعَامِ أَهْلِ الصُّلْحِ وَوَقَعَتْ الرُّخْصَةُ فِي الشَّرِكَةِ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَالْإِقَالَةِ وَالتَّوْلِيَةِ تَنْزِيلًا لِلثَّانِي مَنْزِلَةَ الْأَوَّلِ الْمُشْتَرِي عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَفْتَرِقَ الْعَقْدَانِ فِي أَجَلٍ أَوْ مِقْدَارٍ أَوْ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِالْمُكَايَسَةِ وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْجَمِيعَ نَظَرًا لِلنَّقْلِ وَالْمُعَاوَضَةِ اهـ. وَقَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ وَالْعُقُودُ تَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ يَكُونُ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ كَالْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَقِسْمٌ يَكُونُ بِمُعَاوَضَةٍ وَهُوَ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) يَخْتَصُّ بِقَصْدِ الْمُغَابَنَةِ وَالْمُكَايَسَةِ وَهِيَ الْبُيُوعُ وَالْإِجَارَاتُ وَالْمُهُورُ وَالصُّلْحُ وَالْمَالُ الْمَضْمُونُ بِالتَّعَدِّي وَغَيْرِهِ (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) لَا يَخْتَصُّ بِقَصْدِ الْمُغَابَنَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى جِهَةِ الرِّفْقِ وَهُوَ الْقَرْضُ (وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا يَصِحُّ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا أَعْنِي عَلَى قَصْدِ الْمُغَابَنَةِ وَعَلَى قَصْدِ الرِّفْقِ كَالشَّرِكَةِ وَالْإِقَالَةِ وَالْبَتُولِيَّةِ وَتَحْصِيلِ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ أَنَّ مَا كَانَ بَيْعًا وَبِعِوَضٍ فَلَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِيهِ، وَذَلِكَ فِي الشَّيْءِ الَّذِي يَشْتَرِطُ فِيهِ الْقَبْضَ وَاحِدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأَنَّ مَا كَانَ خَالِصًا لِلرِّفْقِ أَعْنِي الْقَرْضَ فَلَا خِلَافَ أَيْضًا أَنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ شَرْطًا فِي بَيْعِهِ أَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَبِيعَ الْقَرْضَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَاسْتَثْنَى أَبُو حَنِيفَةَ مِمَّا يَكُونُ بِعِوَضِ الْمَهْرِ وَالْخُلْعِ وَالْجُعْلِ فَقَالَ يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي تَتَرَدَّدُ بَيْنَ قَصْدِ الرِّفْقِ وَالْمُغَابَنَةِ وَهِيَ التَّوْلِيَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْإِقَالَةُ إذَا وَقَعَتْ عَلَى وَجْهِ الرِّفْقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ الْإِقَالَةُ أَوْ التَّوْلِيَةُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ فَلَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَلَا التَّوْلِيَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَتَجُوزُ الْإِقَالَةُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَسْخُ بَيْعٍ لَا بَيْعٌ فَعُمْدَةُ مَنْ اشْتَرَطَ الْقَبْضَ فِي جَمِيعِ الْمُعَاوَضَاتِ أَنَّهَا فِي مَعْنَى الْبَيْعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ التَّوْلِيَةَ وَالْإِقَالَةَ وَالشَّرِكَةَ لِلْأَثَرِ وَالْمَعْنَى أَمَّا الْأَثَرُ فَمَا. رَوَاهُ مِنْ مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ إلَّا مَا كَانَ مِنْ شَرِكَةٍ أَوْ تَوْلِيَةٍ أَوْ إقَالَةٍ» . وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى فَإِنَّ هَذِهِ إنَّمَا يُرَادُ بِهَا الرِّفْقُ لَا الْمُغَابَنَةُ مَا لَمْ تَدْخُلْهَا زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ الصَّدَاقَ وَالْخُلْعَ وَالْجُعْلَ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بَيِّنًا إذَا لَمْ يَكُنْ عَيْنًا اهـ. هَذَا تَنْقِيحُ مَا فِي الْأَصْلِ مِنْ تَلْخِيصِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَبَيَانِ الْخِلَافِ وَمَدَارِكِهِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الْبِدَايَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتْبَعُ الْعَقْدَ عُرْفًا وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَتْبَعُهُ] (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتْبَعُ الْعَقْدَ عُرْفًا وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَتْبَعُهُ) وَهُوَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي حَكَمَتْ الْعَوَائِدُ بِأَنَّهَا تَتْبَعُ بِشَيْءٍ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا ثَمَانِيَةٌ لَفْظُ الشَّرِكَةِ وَلَفْظُ الْأَرْضِ وَلَفْظُ الْبِنَاءِ وَلَفْظُ الدَّارِ وَلَفْظُ الْمُرَابَحَةِ وَلَفْظُ الشَّجَرِ وَلَفْظُ الثِّمَارِ وَلَفْظُ الْعَبْدِ وَيَتَعَلَّقُ بِبَيَانِ مَا يَتْبَعُهَا وَالْخِلَافُ فِي الْبَعْضِ ثَمَانِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) لَفْظُ الشَّرِكَةِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرُهُ إذَا قَالَ أَشْرَكْتُك مَعِي فِي السِّلْعَةِ يُحْمَلُ عَلَى النِّصْفِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَفْظُ الْأَرْضِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرُهُ بَيْعُ الْأَرْضِ يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ الْأَشْجَارُ وَالْبِنَاءُ دُونَ الزَّرْعِ الظَّاهِرُ كَمَأْبُورِ الثِّمَارِ فَإِنْ كَانَ كَامِنًا فِي الْأَرْضِ انْدَرَجَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا تَنْدَرِجُ الْحِجَارَةُ الْمَخْلُوقَةُ

مِنْهُ لُغَةً وَلَا عُرْفًا فَجَمِيعُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَهَذِهِ الْأَبْوَابِ الَّتِي سَرَدْتهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعَوَائِدِ غَيْرَ مَسْأَلَةِ الثِّمَارِ الْمُؤَبَّرَةِ بِسَبَبِ أَنَّ مُدْرِكَهَا النَّصُّ وَالْقِيَاسُ وَمَا عَدَاهَا مُدْرِكَةُ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، فَإِذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ أَوْ بَطَلَتْ بَطَلَتْ هَذِهِ الْفَتَاوَى وَحَرُمَتْ الْفَتْوَى بِهَا لِعَدَمِ مُدْرِكِهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، بَلْ تَتْبَعُ الْفَتَاوَى هَذِهِ الْعَوَائِدَ كَيْفَمَا تَقَلَّبَتْ كَمَا تَتْبَعُ النُّقُودَ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَحِينٍ وَتَعْيِينُ الْمَنْفَعَةِ مِنْ الْأَعْيَانِ الْمُسْتَأْجَرَةِ إذَا سَكَتَ عَنْهَا فَتَنْصَرِفُ بِالْعَادَةِ لِلْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهَا عَادَةً لِعَدَمِ اللُّغَةِ فِي الْبَابَيْنِ وَكُلُّ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعَقْدِ وَاقْتَضَتْهُ اللُّغَةُ فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَوَائِدِ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْعُرْفَ اقْتَضَاهُ فَهَذَا تَلْخِيصُ هَذَا الْفَرْقِ، وَقَدْ اشْتَمَلَ عَلَى سِتَّةِ أَلْفَاظٍ لَفْظِ الشَّرِكَةِ وَلَفْظِ الْأَرْضِ وَلَفْظِ الْبِنَاءِ وَلَفْظِ الدَّارِ وَلَفْظِ الْمُرَابَحَةِ وَلَفْظِ الثِّمَارِ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا حَكَمَتْ فِيهَا الْعَوَائِدُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهَا دُونَ الْمَدْفُونَةِ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ مَلَكَ ظَاهِرَ الْأَرْضِ مَلَكَ بَاطِنَهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَنْدَرِجُ فِي الْأَرْضِ الْبِنَاءُ الْكَثِيرُ وَلَا الْغَرْسُ، وَعِنْدَنَا يَنْدَرِجُ الْمَعْدِنُ فِي لَفْظِ الْأَرْضِ دُونَ الْكَنْزِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ مِنْ الْأَجْزَاءِ، فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يَنْدَرِجُ فِي الْأَرْضِ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) لَفْظُ الْبِنَاءِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرُهُ إذَا بَاعَ الْبِنَاءَ يَنْدَرِجُ فِيهِ عِنْدَنَا الْأَرْضُ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) لَفْظُ الدَّارِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرُهُ يَنْدَرِجُ فِي لَفْظِ الدَّارِ عِنْدَنَا الْخَشَبُ الْمُسَمَّرُ وَالتَّوَابِيتُ وَمَرَافِقُ الْبِنَاءِ كَالْأَبْوَابِ وَالرُّفُوفِ وَالسُّلَّمِ الْمُثَبَّتِ دُونَ الْمَنْقُولَاتِ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يَنْدَرِجُ فِي لَفْظِ الدَّارِ الْأَبْوَابُ وَالْخَوَابِي الْمَدْفُونَةُ وَالرُّفُوفُ الْمُسَمَّرَةُ وَمَا هُوَ مِنْ مَصَالِحِهَا دُونَ الْحَجَرِ الْمَدْفُونِ؛ لِأَنَّهُ كَالْوَدِيعَةِ وَتَنْدَرِجُ الْحِجَارَةُ الْمَخْلُوقَةُ فِيهَا وَالْمَعْدِنُ دُونَ الْكَنْزِ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) لَفْظُ الْمُرَابَحَةِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرُهُ لَفْظُ الْمُرَابَحَةِ عِنْدَنَا يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ صَنْعَةٍ قَائِمَةٍ كَالصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْكِمَادِ وَالطَّرْزِ وَالْفَتْلِ وَالْغُسْلِ يُحْسَبُ وَيُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ إذَا لَمْ يَتَوَلَّ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَإِلَّا لَمْ يُحْسَبْ وَلَا يُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ وَصَفَ ثَمَنًا عَلَى سِلْعَةٍ بِاجْتِهَادِهِ وَمَا لَيْسَ لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ وَلَا يُسَمَّى السِّلْعَةُ ذَاتًا وَلَا سَوْمًا لَا يُحْسَبُ وَلَا يُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يُقَابَلُ بِشَيْءٍ فَهَذِهِ الْأَحْكَامُ عِنْدَنَا تَتْبَعُ قَوْلَهُ بِعْتُك هَذِهِ السِّلْعَةَ مُرَابَحَةً لِلْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَةَ أَوْ بِوَضِيعَةٍ لِلْعَشَرَةِ أَوْ عَشَرَةٍ يَقُولُ لِلْعَشَرَةِ عَشَرَةٌ وَضِيعَةً أَوْ مُرَابَحَةً فَإِذَا قَالَ لِلْعَشَرَةِ اثْنَا عَشَرَ كَانَ مَعْنَاهُ فِي الْوَضِيعَةِ يَنْقُصُ السُّدُسُ وَفِي الْمُرَابَحَةِ يَزِيدُ السُّدُسُ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ سُدُسٌ اثْنَيْ عَشَرَ، وَإِذَا قَالَ لِلْعَشَرَةِ عَشَرَةٌ كَانَ مَعْنَاهُ يُضَافُ لِلْعَشَرَةِ عَشَرَةٌ، فَيَكُونُ الزِّيَادَةُ أَوْ النُّقْصَانُ النِّصْفَ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَ عَشَرَةٍ مِنْ عَشَرَةٍ مُحَالٌ قَالَ الْأَصْلُ، وَهَذَا الْكَلَامُ مَعَ بَقِيَّةِ تَفَارِيعِ هَذَا الْبَابِ كُلُّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعَوَائِدِ أَيْ الْقَدِيمِ وَإِلَّا فَمِنْ أَيْنَ لَنَا مَا يُحْسَبُ وَيُحْسَبُ رِبْحُهُ وَعَكْسُهُ، وَلَوْلَا الْعَوَائِدُ الْقَدِيمَةُ لَكَانَ هَذَا تَحَكُّمًا صِرْفًا وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ وَالْغَرَرِ فِي الثَّمَنِ غَيْرُ جَائِزٍ إجْمَاعًا فَلِذَا لَوْ أُطْلِقَ هَذَا اللَّفْظُ فِي زَمَانِنَا لَمْ يَصِحَّ بِهِ بَيْعٌ لِعَدَمِ فَهْمِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ لُغَةً وَلَا عُرْفًا (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) لَفْظُ الشَّجَرِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرُهُ لَفْظُ الشَّجَرِ تَتْبَعُهُ الْأَرْضُ وَاسْتِحْقَاقُ الْبِنَاءِ مَغْرُوسًا وَالثَّمَرَةُ غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ دُونَ الْمُؤَبَّرَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ لَا تَنْدَرِجُ الْأَرْضُ فِي لَفْظِ الشَّجَرِ وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ فِي الثِّمَارِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ لِلْبَائِعِ مُطْلَقًا وَفِي الْمُوَطَّإِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ» وَمَفْهُومُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا لَمْ تُؤَبَّرْ لِلْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا جَعَلَهَا لِلْبَائِعِ بِشَرْطِ الْإِبَارِ فَإِذَا انْتَفَى الشَّرْطُ انْتَفَى الْمَشْرُوطُ فَالْأَوَّلُ مَفْهُومُ الصِّفَةِ وَالثَّانِي مَفْهُومُ الشَّرْطِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَا يَرَوْنَ الْمَفْهُومَ حُجَّةً فَلَا يُحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِهِ، بَلْ نَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا بِقِيَاسِ الثَّمَرَةِ عَلَى الْجَنِينِ إذَا خَرَجَ لَمْ يَتْبَعْ وَإِلَّا اتَّبَعَ وَثَانِيًا بِقِيَاسِ الثَّمَرَةِ عَلَى اللَّبَنِ قَبْلَ الْحِلَابِ فَإِنَّ اسْتِتَارَ الثِّمَارِ فِي الْأَكْمَامِ كَاسْتِتَارِ الْأَجِنَّةِ فِي الْأَرْحَامِ وَاللَّبَنِ فِي الضُّرُوعِ وَثَالِثًا بِقِيَاسِ الثَّمَرَةِ عَلَى الْأَغْصَانِ وَالْوَرَقِ وَنَوَى التَّمْرِ فَهَذِهِ الْأَقْيِسَةُ أَقْوَى مِنْ قِيَاسِهِمْ بِكَثِيرٍ لِقُوَّةِ جَامِعِهَا، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ عَلَى الْمُؤَبَّرَةِ فَفَارِقُهُ ظَاهِرٌ وَجَامِعُهُ ضَعِيفٌ وَفِي بِدَايَةِ الْحَفِيدِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ نَخْلًا فِيهَا ثَمَرٌ قَبْلَ أَنْ يُؤَبَّرَ فَإِنَّ الثَّمَرَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِذَا كَانَ الْبَيْعُ بَعْدَ الْإِبَارِ فَالثَّمَرُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ إلَّا وَالثِّمَارُ كُلُّهَا فِي هَذَا الْمَعْنَى فِي مَعْنَى النَّخِيلِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ هِيَ لِلْبَائِعِ قَبْلَ الْإِبَارِ وَبَعْدَهُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى سَوَاءٌ أُبِّرَ أَوْ لَمْ يُؤَبَّرْ إذَا بِيعَ الْأَصْلُ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرَطَهَا أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ مُعَارَضَةُ دَلِيلِ الْخِطَابِ لِدَلِيلِ مَفْهُومِ الْأُخْرَى وَالْأَوْلَى وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى فَحْوَى الْخِطَابِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ» إلَخْ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ لَمَّا حَكَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالثَّمَرِ لِلْبَائِعِ بَعْدَ الْإِبَارِ

(الْفَرْقُ الْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ مِنْ السَّلَمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ مِنْهُ) السَّلَمُ الْجَائِزُ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَرْطًا (الْأَوَّلُ) تَسْلِيمُ جَمِيعِ رَأْسِ الْمَالِ حَذَرًا مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ (الثَّانِي) السَّلَامَةُ مِنْ السَّلَفِ بِزِيَادَةٍ فَلَا تُسَلَّمُ شَاةٌ فِي شَاتَيْنِ مُتَقَارِبَتَيْ الْمَنْفَعَةِ (الثَّالِثُ) السَّلَامَةُ مِنْ الضَّمَانِ بِجُعْلٍ فَلَا يُسَلَّمُ جَذَعٌ فِي نِصْفِ جَذَعٍ مِنْ جِنْسِهِ (الرَّابِعُ) السَّلَامَةُ مِنْ النَّسَاءِ فِي الرِّبَوِيِّ فَلَا يُسَلَّمُ النَّقْدَانِ فِي تُرَابِ الْمَعَادِنِ (الْخَامِسُ) أَنْ يَكُونَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالصِّفَاتِ فَيَمْتَنِعُ سَلَمُ خَشَبَةٍ فِي تُرَابِ الْمَعَادِنِ (السَّادِسُ) أَنْ يَقْبَلَ النَّقْلَ حَتَّى يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الدُّورِ (السَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْمِقْدَارِ فَلَا يُسَلَّمُ فِي الْجُزَافِ (الثَّامِنُ) ضَبْطُ الْأَوْصَافِ الَّتِي تَخْتَلِفُ الْمَالِيَّةُ بِاخْتِلَافِهَا نَفْيًا لِلْغَرَرِ (التَّاسِعُ) أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا فَيَمْتَنِعُ السَّلَمُ الْحَالُّ (الْعَاشِرُ) أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا نَفْيًا لِلْغَرَرِ (الْحَادِي عَشَرَ) أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ زَمَنَ وُجُودِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ فَلَا يُسَلَّمُ فِي فَاكِهَةِ الصَّيْفِ لِيَأْخُذَهَا فِي الشِّتَاءِ (الثَّانِي عَشَرَ) أَنْ يَكُونَ مَأْمُونَ التَّسْلِيمِ عِنْدَ الْأَجَلِ نَفْيًا لِلْغَرَرِ فَلَا يُسَلَّمُ فِي الْبُسْتَانِ الصَّغِيرِ (الثَّالِثَ عَشَرَ) أَنْ يَكُونَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يُسَلَّمُ فِي مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ فَهُوَ غَرَرٌ (الرَّابِعَ عَشَرَ) تَعْيِينُ مَكَانِ الْقَبْضِ بِاللَّفْظِ أَوْ الْعَادَةِ نَفْيًا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ مِنْ السَّلَمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ مِنْهُ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ وَفِي الشُّرُوطِ سِتُّ مَسَائِلَ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلِمْنَا بِدَلِيلِ الْخِطَابِ أَيْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الْإِبَارِ بِلَا شَرْطٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إذَا وَجَبَتْ لِلْبَائِعِ بَعْدَ الْإِبَارِ فَهِيَ بِالْأَحْرَى أَنْ تَجِبَ لَهُ قَبْلَ الْإِبَارِ وَشَبَّهُوا خُرُوجَ الثَّمَرِ بِالْوِلَادَةِ قَالُوا فَكَمَا أَنَّ مَنْ بَاعَ أَمَةً لَهَا وَلَدٌ فَوَلَدُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ كَذَلِكَ الْأَمْرُ فِي الثَّمَرِ لَكِنَّ مَفْهُومَ الْأَحْرَى هَاهُنَا ضَعِيفٌ. وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ أَقْوَى مِنْ دَلِيلِ الْخِطَابِ، وَأَمَّا سَبَبُ مُخَالَفَةِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَهُمْ فَمُعَارَضَةُ الْقِيَاسِ لِلسَّمَاعِ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الثَّمَرَ جُزْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ فَرَدَّ الْحَدِيثَ بِالْقِيَاسِ وَلَا مَعْنَى لِذَلِكَ إلَّا إنْ كَانَ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ الْحَدِيثُ هَذَا وَالْإِبَارُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُجْعَلَ طَلْعُ ذُكُورِ النَّخْلِ فِي طَلْعِ إنَاثِهَا وَفِي سَائِرِ الشَّجَرِ أَنْ تُنَوَّرَ وَتُعْقَدَ وَالتَّذْكِيرُ فِي شَجَرِ التِّينِ الَّتِي تُذْكَرُ فِي مَعْنَى الْإِبَارِ وَإِبَارُ الزَّرْعِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ إبَارَهُ أَنْ يُفْرَكَ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الثَّمَرِ وَهَلْ الْمُوجِبُ لِهَذَا الْحُكْمِ هُوَ الْإِبَارُ أَوْ وَقْتُ الْإِبَارِ قِيلَ الْوَقْتُ، وَقِيلَ الْإِبَارُ وَعَلَى هَذَا يَنْبَنِي الِاخْتِلَافُ إذَا أُبِّرَ بَعْضُ النَّخْلِ وَلَمْ يُؤَبَّرْ الْبَعْضُ هَلْ يَتْبَعُ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ مَا أُبِّرَ أَوْ لَا يَتْبَعُهُ وَاتَّفَقُوا فِيمَا أَحْسَبُهُ عَلَى أَنَّهُ إذَا بِيعَ ثَمَرٌ، وَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الْإِبَارِ فَلَمْ يُؤَبَّرْ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُؤَبَّرِ اهـ. بِتَلْخِيصٍ (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) لَفْظُ الثِّمَارِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرُهُ لَفْظُ إطْلَاقِ الثِّمَارِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ يَقْتَضِي عِنْدَنَا التَّبْقِيَةُ بَعْدَ الزَّهْوِ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقْتَضِي الْقَطْعَ كَسَائِرِ الْمَبِيعَاتِ وَلَمَّا فِيهِ مِنْ الْجَهَالَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَقْدَ مُعَارَضٌ بِالْعَادَةِ وَمِثْلُ هَذِهِ الْجَهَالَةِ لَا تَقْدَحُ فِي الْعُقُودِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا كَثِيرًا فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُهُ زَمَانًا طَوِيلًا لِقَبْضِهِ وَتَحْوِيلِهِ وَكَبَيْعِ الدَّارِ فِيهَا الْأَمْتِعَةُ الْكَثِيرَةُ لَا يُمْكِنُ خُلُوُّهَا إلَّا فِي زَمَانٍ طَوِيلٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) لَفْظُ الْعَبْدِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرُهُ لَفْظُ الْعَبْدِ يَتْبَعُهُ ثِيَابُهُ الَّتِي عَلَيْهِ إذَا أَشْبَهَتْ مِهْنَتَهُ دُونَ مَالِهِ اهـ. وَفِي بِدَايَةِ الْحَفِيدِ فِي كَوْنِ مَالِ الْعَبْدِ يَتْبَعُهُ فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) لِلشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّينَ أَنَّ مَالَهُ فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ لِسَيِّدِهِ، وَكَذَلِكَ فِي الْمُكَاتَبِ (وَالثَّانِي) لِمَالِكٍ وَاللَّيْثِ أَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ فِي الْعِتْقِ لَا فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ أَيْ الْمُشْتَرِي فَوَافَقَ الْأَوَّلَ فِي الْبَيْعِ وَحُجَّتُهُمَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْمَشْهُورُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» وَخَالَفَهُ فِي الْعِتْقِ حَيْثُ جَعَلَهُ فِيهِ تَابِعًا لِلْعَبْدِ تَغْلِيبًا لِلْقِيَاسِ عَلَى السَّمَاعِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ أُعْتِقَ فَمَالُهُ لَهُ إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ سَيِّدُهُ» وَجَعَلَهُ الْأَوَّلُ فِيهِ لِلسَّيِّدِ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ كَمَا خَالَفَهُ فِيمَا إذَا اشْتَرَطَ مَالَهُ الْمُشْتَرِي فَقَالَ فِي الْمُوَطَّإِ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُبْتَاعَ إذَا اشْتَرَطَ مَالَ الْعَبْدِ فَهُوَ لَهُ نَقْدًا كَانَ أَوْ عَرْضًا أَوْ دَيْنًا فَيَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَبْدَ وَمَالَهُ بِدَرَاهِمَ وَإِنْ كَانَ مَالُ الْعَبْدِ دَرَاهِمَ أَوْ فِيهِ دَرَاهِمُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ إذَا كَانَ مَالُ الْعَبْدِ نَقْدًا، وَقَالُوا الْعَبْدُ وَمَالُهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَاعَ شَيْئَيْنِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِمَا إلَّا مَا يَجُوزُ فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ نَعَمْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي اشْتِرَاطِ الْمُشْتَرِي لِبَعْضِ مَالِ الْعَبْدِ فِي صَفْقَةِ الْبَيْعِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ وَوَجْهُهُ تَشْبِيهُهُ بِثَمَرِ النَّخْلِ بَعْدَ الْإِبَارِ، وَقَالَ أَشْهَبُ جَائِزٌ أَنْ يُشْتَرَطَ بَعْضُهُ وَوَجْهُهُ تَشْبِيهُهُ الْجُزْءِ بِالْكُلِّ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ إنْ كَانَ مَا اُشْتُرِيَ بِهِ الْعَبْدُ عَيْنًا وَفِي مَالِ الْعَبْدِ عَيْنٌ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ دَرَاهِمُ بِعَرْضٍ وَدَرَاهِمَ وَإِنْ كَانَ مَا اُشْتُرِيَ بِهِ عُرُوضًا أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مَالِ الْعَبْدِ دَرَاهِمُ جَازَ (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) لِدَاوُدَ

[الفرق بين قاعدة ما يجوز من السلم وبين قاعدة ما لا يجوز منه]

لِلْغَرَرِ فَمَتَى انْخَرَمَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَهُوَ السَّلَمُ الْمَمْنُوعُ وَبِضَبْطِهَا يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا وَصَلَهَا لِلْعَشَرَةِ وَهِيَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ كَمَا تَرَى وَفُرُوعُ الْمُدَوَّنَةِ شَاهِدَةٌ لَهَا وَفِي الشُّرُوطِ سِتُّ مَسَائِلَ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الْحَذَرُ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَأَصْلُهُ «نَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» وَهَا هُنَا قَاعِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ مَطْلُوبَ صَاحِبِ الشَّرْعِ صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَحَسْمُ مَادَّةِ الْفَسَادِ وَالْفِتَنِ حَتَّى بَالَغَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تَحَابُّوا» ، وَإِذَا اشْتَمَلَتْ الْمُعَامَلَةُ عَلَى شَغْلِ الذِّمَّتَيْنِ تَوَجَّهَتْ الْمُطَالَبَةُ مِنْ الْجِهَتَيْنِ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِكَثْرَةِ الْخُصُومَاتِ وَالْعَدَاوَاتِ فَمَنَعَ الشَّرْعُ مَا يَقْضِي لِذَلِكَ وَهُوَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ (فَائِدَةٌ) الْكَالِئُ مِنْ الْكِلَاءَةِ الَّتِي هِيَ الْحِرَاسَةُ فَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ إمَّا لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَوَاقِبُ صَاحِبِهِ وَيَحْفَظُهُ لِأَجْلِ مَالِهِ عِنْدَهُ، فَيَكُونُ فِي الْكَلَامِ حَذْفُ تَقْدِيرِهِ نَهْيٌ عَنْ بَيْعِ مَالِ الْكَالِئِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَيْنِ لَا يُبَاعُ أَحَدُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ (فَائِدَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَوُرُودُ النَّهْيِ قَبْلَ الْوُقُوعِ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّهُ أُطْلِقَ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةً فِي حَالِ الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَمَا قَالَهُ أَيْضًا مِنْ أَنَّ الْكِلَاءَةَ لَا تَحْصُلُ حَالَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ تَحْصُلُ حَالَةَ الْعَقْدِ وَتَسْتَمِرُّ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ هُوَ سَبَبُهَا وَالْمُسَبَّبُ يَحْصُلُ عِنْدَ حُصُولِ سَبَبِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّ مَالَهُ تَبَعٌ لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِ الْعَبْدِ مَالِكًا عِنْدَهُمْ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا أَعْنِي هَلْ يَمْلِكُ الْعَبْدُ أَوْ لَا يَمْلِكُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ إنَّمَا غَلَّبُوا الْقِيَاسَ عَلَى السَّمَاعِ لِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ هُوَ حَدِيثٌ خَالَفَ فِيهِ نَافِعٌ سَالِمًا؛ لِأَنَّ نَافِعًا. رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ وَسَالِمٍ. رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. بِتَلْخِيصٍ قَالَ الْأَصْلُ فَجَمِيعُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَهَذِهِ الْأَبْوَابُ الَّتِي سَرَدْتهَا مَا عَدَا مَسْأَلَةَ الثِّمَارِ الْمُؤَبَّرَةِ وَغَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعَوَائِدِ فَمُدْرِكُهَا الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ فَإِذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ أَوْ بَطَلَتْ بَطَلَتْ هَذِهِ الْفَتَاوَى وَحَرُمَتْ الْفَتْوَى بِهَا لِعَدَمِ مُدْرِكِهَا، بَلْ تَتْبَعُ الْفَتَاوَى هَذِهِ الْعَوَائِدَ كَيْفَمَا تُقُبِّلَتْ كَمَا تَتْبَعُ النُّقُودُ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَحِينَ وَتَعْيِينُ الْمَنْفَعَةِ مِنْ الْأَعْيَانِ الْمُسْتَأْجَرَةِ إذَا سَكَتَ عَنْهَا فَتَنْصَرِفُ بِالْعَادَةِ لِلْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهَا عَادَةً لِعَدَمِ اللُّغَةِ فِي الْبَابَيْنِ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الثِّمَارِ الْمُؤَبَّرَةِ وَغَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ فَبِسَبَبِ أَنَّ مُدْرِكَهَا النَّصُّ وَالْقِيَاسُ لَا تَتْبَعُ الْعَوَائِدَ وَلَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا وَلَا يُقَالُ إنَّ الْعُرْفَ اقْتَضَاهُ كَكُلِّ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعَقْدِ وَاقْتَضَتْهُ اللُّغَةُ هَذَا تَنْقِيحُ مَا فِي الْأَصْلِ مِنْ تَلْخِيصِ هَذَا الْفَرْقِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الْبِدَايَةِ. 2 - * (تَتِمَّةٌ) قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ مِنْ مَشْهُورِ مَسَائِلِهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ اللَّذَانِ يَقَعَانِ فِي الثَّمَنِ الَّذِي انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ بَعْدَ الْبَيْعِ مِمَّا يَرْضَى بِهِ الْمُتَبَايِعَانِ أَعْنِي أَنْ يَزِيدَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بَعْدَ الْبَيْعِ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ أَوْ يَحُطَّ مِنْهُ الْبَائِعُ هَلْ يَتْبَعُ حُكْمَ الثَّمَنِ أَمْ لَا وَفَائِدَةُ الْفَرْقِ أَنَّ مَنْ قَالَ هِيَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْجَبَ رَدَّهَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَأَيْضًا مَنْ جَعَلَهَا فِي حُكْمِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَتْ فَاسِدَةً فَسَدَ الْبَيْعُ، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْهَا مِنْ الثَّمَنِ أَعْنِي الزِّيَادَةَ لَمْ يُوجِبْ شَيْئًا مِنْ هَذَا فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهَا مِنْ الثَّمَنِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ لَا تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَلَا فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، بَلْ الْحُكْمُ لِلثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَلْحَقُ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ بِالثَّمَنِ أَصْلًا وَهُوَ فِي حُكْمِ الْهِبَةِ وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَلْحَقَ الزِّيَادَةَ بِالثَّمَنِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} [النساء: 24] قَالُوا، وَإِذَا لَحِقَتْ الزِّيَادَةُ فِي الصَّدَاقِ لَحِقَتْ فِي الْبَيْعِ بِالثَّمَنِ وَاحْتَجَّ الْفَرِيقُ الثَّانِي بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهَا لَا تَلْحَقُ فِي الشُّفْعَةِ وَبِالْجُمْلَةِ مَنْ رَأَى أَنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ قَدْ تَقَرَّرَ قَالَ الزِّيَادَةُ هِبَةٌ، وَمَنْ رَأَى أَنَّهَا فَسْخٌ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَعَقْدٌ ثَانٍ عَدَّهَا مِنْ الثَّمَنِ اهـ. بِلَفْظِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ مِنْ السَّلَمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ مِنْهُ] (الْفَرْقُ الْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ مِنْ السَّلَمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ مِنْهُ) وَهُوَ أَنَّ السَّلَمَ يَجُوزُ إذَا اجْتَمَعَ فِيهِ شُرُوطُ الْجَوَازِ وَيَمْتَنِعُ إذَا انْخَرَمَ فِيهِ شَرْطٌ مِنْهَا وَشُرُوطُ جَوَازِهِ أَوْصَلَهَا الْأَصْلُ إلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَةَ، وَقَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ أَوْصَلَهَا لِلْعَشَرَةِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ. قَالَ (الشَّرْطُ الْأَوَّلُ) تَسْلِيمُ جَمِيعِ رَأْسِ الْمَالِ حَذَرًا مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ نَقْدِ الثَّمَنِ فِي الْمُدَّةِ الْكَثِيرَةِ مُطْلَقًا لَا بِاشْتِرَاطٍ وَلَا بِدُونِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ تَأْخِيرِ نَقْدِهِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فَأَجَازَ مَالِكٌ كَمَا أَجَازَ تَأْخِيرَهُ بِلَا شَرْطٍ أَيْ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ كَالصَّرْفِ اهـ. نَعَمْ قَالَ عبق عَلَى الْمُخْتَصَرِ مَعَ الْمَتْنِ وَجَازَ السَّلَمُ عَلَى أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مُلْتَبِسًا بِمَنْفَعَةِ مُعَيَّنٍ كَسُكْنَى دَارٍ وَقُبِضَتْ، وَلَوْ تَأَخَّرَ اسْتِيفَاؤُهَا عَنْ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ

بِالْآخَرِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اسْمًا لِلْمَدِينَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ دَيْنٍ يَحْفَظُ صَاحِبَهُ عِنْدَ الْفَلَسِ عَنْ الضَّيَاعِ وَيُسْتَغْنَى عَنْ الْحَذْفِ أَيْضًا لِقَبُولِهِمَا الْبَيْعَ أَوْ يَكُونُ اسْمُ الْفَاعِلِ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ كَالْمَاءِ الدَّافِقِ بِمَعْنَى الْمَدْفُوقِ وَيُسْتَغْنَى عَنْ الْحَذْفِ أَيْضًا وَعَلَى التَّقَادِيرِ الثَّلَاثَةِ فَهُوَ مَجَازٌ؛ لِأَنَّهُ إطْلَاقُ اسْمِ الْفَاعِلِ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّ الْكِلَاءَةَ لَا تَحْصُلُ حَالَةَ الْعَقْدِ، وَوَرَدَ النَّهْيُ قَبْلَ الْوُقُوعِ فَإِذَا حَصَلَ الدَّيْنُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ فَقَطْ جَازَ بِشُرُوطِهِ؛ لِأَنَّ لَنَا قَاعِدَةً وَهِيَ أَنَّ الْمَصَالِحَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ضَرُورِيَّةً كَنَفَقَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَحَاجِيَّةً كَنَفَقَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى زَوْجَاتِهِ وَتَمَامِيَّةً كَنَفَقَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى أَقَارِبِهِ؛ لِأَنَّهَا تَتِمَّةُ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَالرُّتْبَةُ الْأُولَى مُقَدَّمَةٌ عَلَى الثَّانِيَةِ عِنْدَ التَّعَارُضِ، وَالثَّانِيَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الثَّالِثَةِ وَالسَّلَمُ مِنْ الْمَصَالِحِ التَّمَامِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْمَعَاشِ، وَكَذَلِكَ مِنْ الْمُسَاقَاتِ وَبَيْعِ الْغَائِبِ. . (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي بَيَانِ عِلَّةِ تَحْرِيمِ جَرِّ السَّلَفِ النَّفْعَ لِلْمُسْلِفِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَرَعَ السَّلَفَ قُرْبَةً لِلْمَعْرُوفِ وَلِذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (فَإِذَا حَصَلَ الدَّيْنُ فِي السَّلَمِ فِيهِ فَقَطْ جَازَ بِشُرُوطِهِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قَالَتْ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ السَّلَمَ مِنْ الرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عِنْدِي كَيْفَ، وَقَدْ قَالَ أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْمَعَاشِ وَالْمَعَاشُ كُلُّهُ لِلْإِنْسَانِ ابْتِدَاؤُهُ وَتَمَامُهُ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَمِنْ الْحَاجِيَاتِ فِي حَقِّ عِيَالِهِ وَمِنْ التَّمَامِيَّاتِ فِي حَقِّ أَقَارِبِهِ فَإِطْلَاقُهُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ مِنْ التَّمَامِيَّاتِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي بَيَانِ عِلَّةِ تَحْرِيمِ جَرِّ السَّلَفِ النَّفْعَ لِلْمُسْلَفِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ السَّلَفَ قُرْبَةً لِلْمَعْرُوفِ وَلِذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَقَبْضِ الْأَوَاخِرِ اهـ. قَالَ الرَّهُونِيُّ يَعْنِي، وَلَوْ تَأَخَّرَ عَنْ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بَعْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ إذْ هَذَا هُوَ الْمُتَوَهَّمُ وَبِهِ يُلْغَزُ قَالَ الْمَوَّاقُ، وَعِنْدَ الْقِرَاءَة عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ أَنْشَدَنِي بَعْضُ الْحَاضِرِينَ لِنَفْسِهِ: وَمَا سَلَمٌ قَبْضُ الْمُسَلَّمِ قَبْلَ أَنْ ... يُوَفِّي الَّذِي يُعْطِي الْمُسَلِّمُ جَائِزُ أَجِبْ إنَّ عِلْمَ الْفِقْه رَوْضٌ وَدَوْحَةٌ ... جَنَى ذَاكَ فِي الْأَوْرَاقِ ذُخْرٌ وَنَاجِزُ قَالَ الرَّهُونِيُّ وَالْأَحْسَنُ فِي جَوَابِهِ إذَا نَفْعُ دَارٍ شَهْرًا أُسْلِمَ فِي كَذَا ... لِأَدْنَى فَمُعْطَى ذَاكَ بِالْقَبْضِ فَائِزُ فَهَذَا جَوَابُ مَا سَأَلْت وَقِسْ تُصِبْ ... وَأَخْلِصْ فَبِالْإِخْلَاصِ يُغْبَطُ حَائِزُ وَالْأَصْلُ فِي مَنْعِ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ نَهْيُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَسِرُّهُ قَاعِدَةُ أَنَّ مَطْلُوبَ صَاحِبِ الشَّرْعِ صَلَاحُ ذَاتِ الْعَيْنِ الْبَيْنِ وَحَسْمُ مَادَّةِ الْفَسَادِ وَالْفِتَنِ حَتَّى بَالَغَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تَحَابُّوا» ، وَإِذَا اشْتَمَلَتْ الْمُعَامَلَةُ عَلَى شُغْلِ الذِّمَّتَيْنِ تَوَجَّهَتْ الْمُطَالَبَةُ مِنْ الْجِهَتَيْنِ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِكَثْرَةِ الْخُصُومَاتِ وَالْعَدَاوَاتِ فَمَنَعَ الشَّرْعُ مَا يُفْضِي لِذَلِكَ وَهُوَ بَيْعُ الدَّيْن بِالدَّيْنِ وَالْكَالِئِ بِالْكَالِئِ فِي الْحَدِيثِ. أَمَّا اسْمُ فَاعِلٍ بَاقٍ عَلَى مَعْنَاهُ مِنْ الْكِلَاءَةِ الَّتِي هِيَ الْحِرَاسَةُ، فَيَكُونُ إمَّا رَاجِعًا لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَالِ الْكَالِئِ بِمَالِ الْكَالِئِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَيْنِ لَا يُبَاعُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، بَلْ يُرَاقِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ لِأَجْلِ مَا لَهُ عِنْدَهُ وَإِمَّا رَاجِعًا لِلدَّيْنَيْنِ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ لَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ دَيْنٍ يَحْفَظُ صَاحِبَهُ عِنْدَ الْفَلَسِ عَنْ الضَّيَاعِ فَيُسْتَغْنَى حِينَئِذٍ عَنْ الْحَذْفِ لِقَبُولِهِمَا الْبَيْعَ وَإِمَّا اسْمُ فَاعِلٍ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ كَالْمَاءِ الدَّافِقِ بِمَعْنَى الْمَدْفُوقِ وَحِينَئِذٍ يُسْتَثْنَى عَنْ الْحَذْفِ أَيْضًا وَعَلَى التَّقَادِيرِ الثَّلَاثَةِ فَفِي كَوْنِ الْوَصْفِ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ إطْلَاقُ اسْمِ الْفَاعِلِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ فِي حَالِ التَّلَبُّسِ بِالْحَدَثِ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ لِأَمْرَيْنِ أَحَدهمَا أَنَّ الْكِلَاءَةَ لَا تَحْصُلُ حَالَةَ الْعَقْدِ وَثَانِيهِمَا أَنَّ وُرُودَ النَّهْيِ قَبْلَ الْوُقُوعِ فَإِذَا حَصَلَ الدَّيْنُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ فَقَطْ جَازَ بِشُرُوطِهِ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ لَنَا قَاعِدَةً وَهِيَ أَنَّ الْمَصَالِحَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ضَرُورِيَّةٌ كَنَفَقَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَحَاجِيَّةٍ كَنَفَقَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى زَوْجَاتِهِ وَتَمَامِيَّةٍ كَنَفَقَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى أَقَارِبِهِ؛ لِأَنَّهَا تَتِمَّةُ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالرُّتْبَةُ الْأُولَى مُقَدَّمَةٌ عَلَى الثَّانِيَةِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَالثَّانِيَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الثَّالِثَةِ وَالسَّلَمُ مِنْ الْمَصَالِحِ التَّمَامِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْمَعَاشِ، وَكَذَلِكَ الْمُسَاقَاةُ وَبَيْعُ الْغَائِبِ وَفِي كَوْنِهِ أَيْ وَصْفُ كَالِئٍ فِي الْحَدِيثِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي حَالِ الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْكِلَاءَةَ تَحْصُلُ حَالَ الْعَقْدِ وَتَسْتَمِرُّ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ هُوَ سَبَبُهَا وَالْمُسَبَّبُ يَحْصُلُ عِنْدَ حُصُولِ سَبَبِهِ وَأَنَّ السَّلَمَ وَإِنْ سَلِمَ أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْمَعَاشِ إلَّا أَنَّ الْمَعَاشَ كُلَّهُ لِلْإِنْسَانِ ابْتِدَاؤُهُ وَتَمَامُهُ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَمِنْ الْحَاجِيَّاتِ فِي حَقِّ عِيَالِهِ وَمِنْ التَّمَامِيَّاتِ فِي حَقِّ أَقَارِبِهِ فَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ التَّمَامِيَّاتِ قَوْلَانِ لِلْأَصْلِ وَابْنِ الشَّاطِّ فَافْهَمْ. (الشَّرْطُ الثَّانِي) السَّلَامَةُ مِنْ السَّلَفِ بِزِيَادَةٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُسْلَمَ شَاةٌ فِي شَاتَيْنِ مُتَقَارِبَيْ الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَرَعَ السَّلَفَ قُرْبَةً لِلْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ حَتَّى صَارَ أَصْلًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ

اسْتَثْنَاهُ مِنْ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ فَيَجُوزُ دَفْعُ دِينَارٍ لِيَأْخُذَ عِوَضَهُ دِينَارًا إلَى أَجَلٍ قَرْضًا تَرْجِيحًا لِمَصْلَحَةِ الْإِحْسَانِ عَلَى مَفْسَدَةِ الرِّبَا، وَهَذَا مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي قَدَّمَ الشَّرْعُ فِيهَا الْمَنْدُوبَاتِ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ وَمِنْ الصُّوَرِ الَّتِي مَصْلَحَتُهَا تَقْتَضِي الْإِيجَابَ لَكِنْ تَرَكَ الشَّرْعُ تَرْتِيبَ الْإِيجَابِ عَلَيْهَا رِفْقًا بِالْعِبَادِ كَمَصْلَحَةِ السِّوَاكِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ» ، وَقَدْ بُسِطَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ فِي أَحْكَامِ الْمَوَاقِيتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ نُبْذَةٌ فِي هَذَا الْكِتَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــSاسْتَثْنَاهُ مِنْ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ فَيَجُوزُ دَفْعُ دِينَارٍ لِيَأْخُذَ عِوَضَهُ دِينَارًا إلَى أَجَلٍ قَرْضًا تَرْجِيحًا لِمَصْلَحَةِ الْإِحْسَانِ عَلَى مَفْسَدَةِ الرِّبَا) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْقَرْضَ مُسْتَثْنًى مِنْ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ وَلَا بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الرِّبَا لُغَةً الزِّيَادَةُ وَلَا زِيَادَةَ فِي الْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَالرِّبَا شَرْعًا الْمَمْنُوعُ وَالْقَرْضُ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخَلَلُ مِنْ جِهَةِ اعْتِقَادِ أَنَّ دِينَارًا بِدِينَارٍ إلَى أَجَلٍ مَمْنُوعٌ مُطْلَقًا وَالْأَمْرُ لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ الَّذِي شَأْنُهُ عَادَةً وَعُرْفًا الْمُكَايَسَةُ وَالْمُغَابَنَةُ، وَلَيْسَ بِمَمْنُوعٍ عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ الَّذِي شَأْنُهُ الْمُسَامَحَةُ وَالْمُكَارَمَةُ فَهُمَا أَصْلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَصْلًا لِلْآخَرِ، فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْهُ قَالَ (وَهَذَا مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي قَدَّمَ الشَّرْعُ فِيهَا الْمَنْدُوبَاتِ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ قَالَ (وَمِنْ الصُّوَرِ الَّتِي مَصْلَحَتُهَا تَقْتَضِي الْإِيجَابَ لَكِنْ تَرَكَ الشَّرْعُ تَرْتِيبَ الْإِيجَابِ عَلَيْهَا رِفْقًا بِالْعِبَادِ إلَى قَوْلِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ نُبْذَةٌ فِي هَذَا الْكِتَابِ) ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِ الْبَيْعِ بِحَيْثُ انْدَفَعَ دِينَارٍ لِأَخْذِ عِوَضِهِ دِينَارًا لِأَجْلِ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ عَادَةً وَعُرْفًا الْمُسَامَحَةُ وَالْمُكَارَمَةُ فَلَا يَكُونُ مَمْنُوعًا وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ عَادَةً وَعُرْفًا الْمُكَايَسَةُ وَالْمُغَابَنَةُ، فَيَكُونُ مَمْنُوعًا فَإِذَا دَخَلَ السَّلَفُ غَرَضَ انْتِفَاعِ الْمُسْلَفِ بَطَلَتْ حَقِيقَتُهُ الَّتِي هِيَ قَصْدُ الْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ قُرْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَآلَ الْآمِرُ إلَى حَقِيقَةِ قَصْدِ الْمُكَايَسَةِ وَالْمُغَابَنَةِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا التَّحْرِيمُ وَضَابِطُ هَذَا الشَّرْطِ مَا قَالَهُ أَبُو الطَّاهِرِ مِنْ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ إنْ خَالَفَ الثَّمَنَ جِنْسًا، وَمَنْفَعَةً جَازَ لِبُعْدِ التُّهْمَةِ أَوْ اتَّفَقَا امْتَنَعَ إلَّا أَنْ يُسْلَمَ الشَّيْءُ فِي مِثْلِهِ، فَيَكُونُ قَرْضًا بِلَفْظِ السَّلَمِ فَيَجُوزُ، وَإِذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لِلدَّافِعِ امْتَنَعَ اتِّفَاقًا وَإِنْ دَارَتْ بَيْنَ الِاحْتِمَالَيْنِ فَكَذَلِكَ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ مَقْصُودِ الشَّارِعِ فَإِنْ تَمَحَّضَتْ لِلْقَابِضِ فَالْجَوَازُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْمَنْعُ لِصُورَةِ الْمُبَايَعَةِ وَلِلْمُسْلَفِ رَدُّ الْعَيْنِ وَهَاهُنَا اشْتَرَطَ الدَّافِعُ رَدَّ الْمِثْلِ فَهُوَ غَرَضٌ لَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ دُونَ الْمَنْفَعَةِ فَقَوْلَانِ الْجَوَازُ لِلِاخْتِلَافِ وَالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْأَعْيَانِ مَنَافِعُهَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَنْفَعَةُ دُونَ الْجِنْسِ جَازَ لِتَحَقُّقِ الْمُبَايَعَةِ. (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) السَّلَامَةُ مِنْ الضَّمَانِ بِجُعْلٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ جَذَعٌ فِي نِصْفِ جَذَعٍ مِنْ جِنْسِهِ وَسَرَّهُ قَاعِدَةُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (قِسْمٌ) اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ قَابِلٌ لِلْمُعَاوَضَةِ كَالْبُرِّ وَالْأَنْعَامِ (وَقِسْمٌ) اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِ لِلْمُعَاوَضَةِ كَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْقُبُلِ وَالتَّعَانُقِ وَالنَّظَرِ إلَى الْمَحَاسِنِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمَنَافِعِ وَلِذَلِكَ لَمْ نُوجِبْ فِيهَا شَيْئًا عِنْدَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ شَرْعًا، وَلَوْ كَانَتْ تَقْبَلُ الْقِيمَةَ الشَّرْعِيَّةَ لَوَجَبَ فِيهَا شَيْءٌ عِنْدَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا كَسَائِرِ الْمَنَافِعِ الشَّرْعِيَّةِ (وَقِسْمٌ) اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ هَلْ يَقْبَلُ الْمُعَاوَضَةَ أَمْ لَا كَالْأَزْبَالِ وَأَرْوَاثِ الْحَيَوَانِ مِنْ الْأَعْيَانِ وَكَالْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ مِنْ الْمَنَافِعِ فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ أَجَازَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ وَذَلِكَ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الذِّمَمِ وَإِنْ كَانَ مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً لِلْعُقَلَاءِ إلَّا أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ فِيهَا لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْمُعَاوَضَةِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَتَوَقَّفُ عَلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَلَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَيْهِ فَوَجَبَ نَفْيُهُ، وَأَمَّا؛ لِأَنَّهَا كَالْقُبْلَةِ وَأَنْوَاعُ الِاسْتِمْتَاعِ مِمَّا هُوَ مَقْصُودٌ لِلْعُقَلَاءِ وَلَا تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ (الشَّرْطُ الرَّابِعُ) السَّلَامَةُ مِنْ النَّسَاءِ فِي الرِّبَوِيِّ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ النَّقْدَانِ فِي تُرَابِ الْمَعَادِنِ قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ لَا خِلَافَ فِي امْتِنَاعِ السَّلَمِ فِيمَا لَا يَجُوزُ فِيهِ النَّسَاءُ وَذَلِكَ إمَّا اتِّفَاقُ الْمَنَافِعِ عَلَى مَا يَرَاهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِمَّا اتِّفَاقُ الْجِنْسِ عَلَى مَا يَرَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِمَّا اعْتِبَارُ الطَّعْمِ مَعَ الْجِنْسِ عَلَى مَا يَرَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي عِلَّةِ النَّسَاءِ اهـ. وَإِمَّا عَلَى مَا يَرَاهُ ابْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَفِي الْإِقْنَاعِ مَعَ شَرْحِهِ كُلُّ شَيْئَيْنِ مِنْ جِنْسٍ أَوْ جِنْسَيْنِ لَيْسَ أَحَدُهُمَا نَقْدًا عِلَّةَ رِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ كَمَا تَقَدَّمَ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ كَمَكِيلٍ بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِأَنْ بَاعَ مُدَّ بُرٍّ جِنْسَهُ أَيْ يَبْرَأُ وَبَاعَ مُدَّ بُرٍّ بِشَعِيرٍ وَنَحْوِهِ كَبَاقِلَّا وَعَدَسٍ وَأَرُزٍّ وَمَوْزُونٍ بِمَوْزُونٍ بِأَنْ بَاعَ رِطْلَ حَدِيدٍ بِجِنْسِهِ أَيْ بِحَدِيدٍ أَوْ بَاعَ رِطْلَ حَدِيدٍ بِنُحَاسٍ وَنَحْوِهِ كَرَصَاصٍ وَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ لَا يَجُوزُ النَّسَاءُ فِيهِمَا بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ. (الشَّرْطُ الْخَامِسُ) أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالصِّفَاتِ فَيَمْتَنِعُ سَلَمُ خَشَبَةٍ فِي تُرَابِ الْمَعَادِنِ نَعَمْ سَيَأْتِي عَنْ الْحَفِيدِ فِي الْبِدَايَةِ أَنَّ الضَّبْطَ بِاتِّحَادِ النَّوْعِ يَقُومُ مَقَامَ الضَّبْطِ بِالصِّفَاتِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يُغْنِي عَنْ الشَّرْطِ السَّابِعِ الْآتِي لَا سِيَّمَا إذَا أُرِيدَ الْإِمْكَانُ الْعَامُّ لِقَوْلِ صَاحِبِ سُلَّمِ الْعُلُومِ، وَلَوْ اسْتَقْرَيْت عَلِمْت أَنَّ الْمُمْكِنَةَ الْعَامَّةَ أَعَمُّ الْقَضَايَا وَالْمُمْكِنَةُ الْخَاصَّةُ أَعَمُّ الْمَرْكَبَاتِ وَالْمُطْلَقَةُ الْعَامَّةُ أَعَمُّ الْفِعْلِيَّات وَالضَّرُورِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ أَخَصُّ

يَدُلُّك عَلَى أَنَّ مَصْلَحَةَ السَّلَفِ تَقْتَضِي الْوُجُوبَ مُعَارَضَتُهَا لِلْمُحَرَّمِ، وَمُعَارَضَةُ مَفْسَدَةِ التَّحْرِيمِ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَصْلَحَةَ إيجَابٍ، بَلْ أَعْظَمَ مِنْ أَصْلِ الْإِيجَابِ فَإِنَّ الْمُحَرَّمَ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ عِنْدَ التَّعَارُضِ عَلَى الصَّحِيحِ فَتَقْدِيمُ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ يَقْتَضِي عِظَمَهَا عَلَى أَصْلِ الْوُجُوبِ فَإِذَا وَقَعَ الْقَرْضُ لِيَجُرَّ ـــــــــــــــــــــــــــــSقُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ مَصْلَحَةَ السِّوَاكِ تَقْتَضِي الْإِيجَابَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْمَصَالِحَ وَالْمَفَاسِدَ أَوْصَافٌ ذَاتِيَّةٌ لِلْمَوْصُوفِ بِهَا وَذَلِكَ رَأْيُ الْفَلَاسِفَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَلَيْسَ رَأْيُ الْأَشْعَرِيَّةِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَهُوَ خَطَأٌ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَفْظُهُ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِمُرَادِهِ. قَالَ (وَيَدُلُّك عَلَى أَنَّ مَصْلَحَةَ السَّلَفِ تَقْتَضِي الْوُجُوبَ مُعَارَضَتُهَا لِلْمُحَرَّمِ وَمُعَارَضَةُ مَفْسَدَةِ التَّحْرِيمِ تَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ مَصْلَحَةَ إيجَابٍ، بَلْ أَعْظَمَ مِنْ أَصْلِ الْإِيجَابِ فَإِنَّ الْمُحَرَّمَ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ عِنْدَ التَّعَارُضِ عَلَى الصَّحِيحِ فَتَقْدِيمُ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ عِظَمُهَا عَلَى أَصْلِ الْوُجُوبِ) قُلْت قَدْ تَبَيَّنَ أَنْ لَا مُعَاوَضَةَ لِأَنَّهَا أَصْلَانِ مُتَغَايِرَانِ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْمُعَارَضَةِ فَقَوْلُهُ أَنَّ الْمُعَارَضَةَ هُنَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَصْلَحَةَ السَّلَفِ تَقْتَضِي الْوُجُوبَ دَعْوَى وَلَا حُجَّةَ عَلَيْهَا إلَّا مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْمَصَالِحَ أَوْصَافٌ ذَاتِيَّةٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ تِلْكَ الْمَصْلَحَةَ أَعْظَمُ مِمَّا يَقْتَضِي الْإِيجَابَ مِنْ فُحْشِ الْخَطَأِ وَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَا تَقْتَضِي الْمَصْلَحَةُ الَّتِي هِيَ فَوْقَ مَا يَقْتَضِي الْإِيجَابَ وَهَلْ فَوْقَ الْإِيجَابِ رُتْبَةٌ هِيَ أَعْلَى مِنْهُ هَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ وَفِي مَهْوَاةِ الِاعْتِزَالِ وَالتَّفَلْسُفِ تَوْرِيطٌ. قَالَ (فَإِذَا وَقَعَ الْقَرْضُ لِيَجُرَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْبَسَائِطِ وَالْمَشْرُوطَةُ الْخَاصَّةُ أَخَصُّ الْمُرَكَّبَاتِ عَلَى وَجْهٍ اهـ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الشَّرْطَ السَّابِعَ يَتَضَمَّنُ الْإِطْلَاقَ الْعَامَّ وَالْأَعَمُّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ فَافْهَمْ (الشَّرْطُ السَّادِسُ) أَنْ يَقْبَلَ أَيْ الْمُسْلَمُ فِيهِ النَّقْلَ حَتَّى يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الدُّورِ قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ اتَّفَقُوا عَلَى امْتِنَاعِ السَّلَمِ فِيمَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ الدُّورُ وَالْعَقَارُ وَعَلَى جَوَازِهِ فِي كُلِّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ الْمَدِينَةِ وَهُمْ يُسَلِّمُونَ الثِّمَارَ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَقَالَ مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا سَائِرُ ذَلِكَ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ فَاخْتَلَفُوا فِيهَا فَمَنَعَ ذَلِكَ دَاوُد وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ مَصِيرًا إلَى ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ فِي الْعُرُوضِ الَّتِي تَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ وَالْعَدَدِ وَاخْتَلَفُوا مِنْ ذَلِكَ فِيمَا يَنْضَبِطُ مِمَّا لَا يَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ فَمِنْ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ وَالرَّقِيقُ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ إلَى أَنَّ السَّلَمَ فِيهِمَا جَائِزٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْحَيَوَانِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ وَعُمْدَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ السَّلَفِ فِي الْحَيَوَانِ» ، وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ وَرُبَّمَا احْتَجُّوا بِنَهْيِهِ أَيْضًا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَعُمْدَةُ مَنْ أَجَازَ السَّلَمَ فِي الْحَيَوَانِ مَا رُوِيَ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا فَنَفِدَتْ الْإِبِلُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى قِلَاصِ الصَّدَقَةِ فَأَخَذَ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ» . وَحَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ أَيْضًا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْلَفَ بِكْرًا» قَالُوا، وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ فَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا تُعَارِضُ الْآثَارَ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَالثَّانِي تَرَدُّدُ الْحَيَوَانِ بَيْنَ أَنْ يُضْبَطَ بِالصِّفَةِ أَوْ لَا يُضْبَطُ فَمَنْ نَظَرَ إلَى تَبَايُنِ الْحَيَوَانِ فِي الْخَلْقِ وَالصِّفَاتِ وَبِخَاصَّةِ صِفَاتِ النَّفْسِ قَالَ لَا تَنْضَبِطُ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى تَشَابُهِهَا قَالَ تَنْضَبِطُ وَمِنْ ذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْبَيْضِ وَالدَّرِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ يُجِزْ أَبُو حَنِيفَةَ السَّلَمَ فِي الْبَيْضِ وَأَجَازَهُ مَالِكٌ بِالْعَدَدِ، وَكَذَلِكَ فِي اللَّحْمِ أَجَازَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَكَذَلِكَ فِي الرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ أَجَازَهُ مَالِكٌ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَكَذَلِكَ فِي الدَّرِّ وَالْغُصُوصِ أَجَازَهُ مَالِكٌ وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ اهـ. (الشَّرْطُ السَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْمِقْدَارِ فَلَا يُسْلَمُ فِي الْجُزَافِ قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ أَجْمَعُوا عَلَى اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ أَيْ الْمُسْلَمُ فِيهِ مُقَدَّرًا لَا جُزَافًا، ثُمَّ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مُقَدَّرًا لَا جُزَافًا وَالتَّقْدِيرُ فِي السَّلَمِ يَكُونُ بِالْكَيْلِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الْكَيْلُ وَبِالْوَزْنِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الْوَزْنُ وَبِالذَّرْعِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الذَّرْعُ وَبِالْعَدَدِ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الْعَدَدُ وَمَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ أَحَدُ هَذِهِ التَّقْرِيرَاتِ انْضَبَطَ بِالصِّفَاتِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ الْجِنْسِ مَعَ ذِكْرِ الْجِنْسِ إنْ كَانَ أَنْوَاعًا مُخْتَلِفَةً أَوْ مَعَ تَرْكِهِ إنْ كَانَ نَوْعًا وَاحِدًا فَاشْتُرِطَ ذَلِكَ أَيْ التَّقْدِيرُ فِي الثَّمَنِ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ الشَّافِعِيُّ وَلَا صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ قَالُوا، وَلَيْسَ يُحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ نَصٌّ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَهُ بَيْعُ الْجُزَافِ إلَّا فِيمَا يَعْظُمُ الْغَرَرُ فِيهِ. وَعِنْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ السَّلَمُ عِوَضٌ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَاشْتِرَاطُ الْعِلْمِ بِهِ كَالثَّمَنِ وَطَرِيقُهُ الرُّؤْيَةُ أَوْ الصِّفَةُ وَالْأَوَّلُ يَمْتَنِعُ فَتَعَيَّنَ الْوَصْفُ اهـ. (الشَّرْطُ الثَّامِنُ) ضَبْطُ الْأَوْصَافِ الَّتِي تَخْتَلِفُ الْمَالِيَّةُ

نَفْعًا بَطَلَتْ مَصْلَحَةُ الْإِحْسَانِ بِالْمُكَايَسَةِ فَتَبْقَى مَفْسَدَةُ الرِّبَا سَلِيمَةً عَنْ الْمُعَارِضِ فِيمَا يَحْرُمُ فِيهِ الرِّبَا فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا التَّحْرِيمُ، وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُمَا خَالَفَا مَقْصُودَ الشَّارِعِ وَوَاقِعًا مَا لِلَّهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَهُوَ وَجْهُ تَحْرِيمِ مَا لَا رِبَا فِيهِ كَالْعُرُوضِ وَهُوَ دُونَ الْأَوَّلِ فِي التَّحْرِيمِ. . (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِي الشَّرْطِ الثَّانِي قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ فِي ضَبْطِ هَذَا الشَّرْطِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ إنْ خَالَفَ الثَّمَنَ جِنْسًا وَمَنْفَعَةً جَازَ لِبُعْدِ التُّهْمَةِ أَوْ اتَّفَقَا امْتَنَعَ إلَّا أَنْ يُسَلَّمَ الشَّيْءُ فِي مِثْلِهِ، فَيَكُونُ قَرْضًا بِلَفْظِ السَّلَمِ فَيَجُوزُ، وَإِذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لِلدَّافِعِ امْتَنَعَ اتِّفَاقًا وَإِنْ دَارَتْ بَيْنَ الِاحْتِمَالَيْنِ فَكَذَلِكَ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ مَقْصُودِ الشَّارِعِ فَإِنْ تَمَحَّضَتْ لِلْقَابِضِ فَالْجَوَازُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْمَنْعُ لِصُورَةِ الْمُبَايَعَةِ وَلِلْمُسْلِفِ رَدُّ الْعَيْنِ وَهَا هُنَا اشْتَرَطَ الدَّافِعُ رَدَّ الْمِثْلِ فَهُوَ غَرَضٌ لَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ دُونَ الْمَنْفَعَةِ فَقَوْلَانِ الْجَوَازُ لِلِاخْتِلَافِ وَالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْأَعْيَانِ مَنَافِعُهَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ دُونَ الْجِنْسِ جَازَ لِتَحَقُّقِ الْمُبَايَعَةِ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) فِي الشَّرْطِ الثَّالِثِ وَهُوَ الضَّمَانُ بِجُعْلٍ فِي بَيَانِ سِرِّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSنَفْعًا بَطَلَتْ مَصْلَحَةُ الْإِحْسَانِ بِالْمُكَايَسَةِ فَتَبْقَى مَفْسَدَةُ الرِّبَا سَلِيمَةً عَنْ الْمُعَارِضِ فِيمَا يَحْرُمُ بِهِ الرِّبَا فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا التَّحْرِيمُ) قُلْت إذَا دَخَلَ غَرَضُ انْتِفَاعِ الْمُسْلِفِ بَطَلَتْ حَقِيقَةُ السَّلَفِ كَمَا قَالَ وَلَا مَدْخَلَ لِلْمُعَارَضَةِ هُنَا؛ لِأَنَّهُمَا أَصْلَانِ مُتَغَايِرَانِ عَلَى مَا سَبَقَ قَالَ (وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُمَا خَالَفَا مَقْصُودَ الشَّارِعِ وَأَوْقَعَا مَا لِلَّهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَهُوَ وَجْهُ تَحْرِيمٍ مَا لَا رِبًا فِيهِ كَالْعُرُوضِ وَهُوَ دُونَ الْأَوَّلِ فِي التَّحْرِيمِ) قُلْت فِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَمَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ حِكَايَةُ أَقْوَالٍ وَتَقْسِيمٍ لَا كَلَامَ مَعَهُ فِيهِ وَمَا قَالَهُ بَعْدَهَا إلَى آخِرِ الْفَرْقِ صَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِاخْتِلَافِهَا نَفْيًا لِلْغَرَرِ أَيْ أَوْصَافُ الْمُسْلَمِ فِيهِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِهَا الْأَثْمَانُ عِنْدَ الْمُتَبَايِعَيْنِ اخْتِلَافًا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ عَادَةً كَالنَّوْعِ أَيْ الصِّنْفُ كَرُومِيٍّ وَحَبَشِيٍّ وَالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَالتَّوَسُّطِ فِي كُلِّ مُسْلَمٍ فِيهِ وَاللَّوْنُ فِي الْحَيَوَانِ وَالثَّوْبِ وَالْعَسَلِ وَمَرْعَاهُ وَفِي التَّمْر وَالْحُوتِ وَالنَّاحِيَةِ وَالْقَدْرِ وَفِي الْبُرِّ وَجِدَّتِهِ وَمَلَئِهِ إنْ اخْتَلَفَ الثَّمَنُ بِهِمَا وَسَمْرَاءَ وَمَحْمُولَةٌ بِبَلَدِهِمَا بِهِ، وَلَوْ بِالْحَمْلِ بِخِلَافِ مُصَرِّفًا لِمَحْمُولَةِ وَالشَّامُ فَالسَّمْرَاءُ وَنَفْيُ الْغَلَتِ وَفِي الْحَيَوَانِ وَسِنِّهِ وَالذُّكُورَةِ وَالسِّنِّ وَضِدَّيْهِمَا وَفِي اللَّحْمِ وَخَصِيًّا وَرَاعِيًا وَمَعْلُوفًا لَا مِنْ كَجَنْبٍ وَفِي الرَّقِيقِ وَالْقَدِّ وَالْبَكَارَةِ وَاللَّوْنِ وَكَالدَّعَجِ وَتَكَلْثُمِ الْوَجْهِ وَفِي الثَّوْبِ وَالرِّقَّةِ وَالصَّفَاقَةِ وَضِدَّيْهِمَا وَفِي الزَّيْتِ الْمُعْصَرِ مِنْهُ وَبِمَا يُعْصَرُ اُنْظُرْ خَلِيلًا وَشُرَّاحَهُ وَبِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ وَشَرْحِهِ. (الشَّرْطُ التَّاسِعُ) أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا فَيَمْتَنِعُ السَّلَمُ الْحَالُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِلَا خِلَافٍ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، وَكَذَا عِنْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ وَعَلَى ظَاهِرِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ، وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ يَتَخَرَّجُ مِنْ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ جَوَازُ السَّلَمِ الْحَالِّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ مُحْتَجًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوَّلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وَثَانِيًا بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اشْتَرَى جَمَلًا مِنْ أَعْرَابِيٍّ بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذَّخِرَةُ. فَلَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ لَمْ يَجِدْ التَّمْرَ فَقَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ إنِّي لَمْ أَجِدْ التَّمْرَ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ وَاغَدْرَاه فَاسْتَقْرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسْقًا وَأَعْطَاهُ» فَجَعَلَ الْجَمَلَ قُبَالَةَ وَسْقٍ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ السَّلَمُ الْحَالُّ وَثَالِثًا بِالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ وَرَابِعًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الثَّمَنِ فِي الْبُيُوعِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْأَجَلُ وَخَامِسًا بِأَنَّ السَّلَمَ إذَا جَازَ مُؤَجَّلًا فَلْيَجُزْ مُنَجَّزًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ أَنْفَى لِلْغَرَرِ وَجَوَابُ الْأَوَّلِ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» أَخَصَّ مِنْ الْآيَةِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهَا وَهُوَ أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَجَوَابُ الثَّانِي إنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ سَلَمٌ كَيْفَ، وَقَدْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى تَمْرٍ مُعَيَّنٍ مَوْصُوفٍ إذْ لَا يُقَالُ فِي الَّذِي فِي الذِّمَّةِ لَمْ أَجِدْ شَيْئًا لِتَيَسُّرِهِ بِالشِّرَاءِ لَكِنْ لَمَّا رَأَى رَغْبَةَ الْبَدْوِيِّ فِي التَّمْرِ اقْتَرَضَ لَهُ تَمْرًا آخَرَ عَلَى أَنَّهُ أَدْخَلَ الْبَاءَ عَلَى التَّمْرِ، فَيَكُونُ ثَمَنًا لَا مَثْمُونًا؛ لِأَنَّ الْبَاءَ مِنْ خَصَائِصِ الثَّمَنِ وَجَوَابُ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَالْخَامِسِ أَنَّ الثَّابِتَ فِيهَا التَّبَايُنُ لَا الشَّرِكَةُ وَلَا يَصِحُّ قِيَاسٌ بِدُونِهَا أَمَّا فِي الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ فَبِوَجْهَيْنِ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مَوْضُوعُ الْبَيْعِ الْمُكَايَسَةُ وَالتَّعْجِيلُ يُنَاسِبُهَا وَمَوْضُوعُ السَّلَمِ الرِّفْقُ وَالتَّأْجِيلُ يُنَاسِبُهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ التَّعْجِيلَ يُنَافِي مَوْضُوعَ السَّلَمِ وَبِهِ يَبْطُلُ مَدْلُولُ الِاسْمِ وَالتَّأْجِيلُ لَا يُنَافِي مَوْضُوعَ الْبَيْعِ وَلَا يَبْطُلُ بِهِ مَدْلُولُ الِاسْمِ فَلِذَلِكَ صَحَّتْ مُخَالَفَةُ قَاعِدَةِ الْبَيْعِ فِي الْمُكَايَسَةِ بِالتَّأْجِيلِ وَلَمْ تَصِحَّ مُخَالَفَةُ قَاعِدَةِ السَّلَمِ فِي الرِّفْقِ بِالتَّعْجِيلِ. وَأَمَّا فِي الْخَامِسِ فَلِأَنَّ الْأَوْلَوِيَّةَ فَرْعُ الشَّرِكَةِ وَالرِّفْقُ الَّذِي يَحْصُلُ بِالتَّأْجِيلِ لَا يَحْصُلُ بِالْحُلُولِ فَكَيْفَ يَقُولُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى عَلَى أَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا حُصُولَ الرِّفْقِ بِالْحُلُولِ أَيْضًا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الْغَرَرِ مَعَ الْحُلُولِ، بَلْ الْحُلُولُ فِي السَّلَمِ غَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى بَيْعِهِ مُعَيَّنًا حَالًا فَعُدُولُهُ إلَى السَّلَمِ قَصْدٌ لِلْغَرَرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فَالْأَجَلُ بِعَيْنِهِ عَلَى تَحْصِيلِهِ وَالْحُلُولُ يَمْنَعُ ذَلِكَ وَيُعَيَّنُ الْغَرَرُ، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْمُعَيَّنِ أَكْثَرُ فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ لَعَيَّنَهُ لِتَحْصِيلِ فَضْلِ الثَّمَنِ فَيَنْدَرِجُ الثَّمَنُ الْحَالُّ فِي الْغَرَرِ فَيَمْتَنِعُ قَوْلُهُ أَنَّ جَوَازَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَهَذَا الْكَلَامُ فِي هَذَا الْقِيَاسِ عَزِيزٌ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّةَ يَظُنُّونَ بِهَذَا الْقِيَاسِ أَنَّهُ قَطْعِيٌّ أَنَّهُ يَقْتَضِي الْجَوَازَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَيَحْكُونَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

وَذَلِكَ بَيَانُ قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ قَابِلٌ لِلْمُعَاوَضَةِ كَالْبُرِّ وَالْأَنْعَامِ وَقِسْمٌ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِ لِلْمُعَاوَضَةِ كَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْقُبْلَةِ وَالتَّعَانُقِ مِنْ الْمَنَافِعِ وَكَذَلِكَ النَّظَرُ إلَى الْمَحَاسِنِ، وَلِذَلِكَ لَا نُوجِبُ فِيهَا عِنْدَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ شَرْعًا، وَلَوْ كَانَتْ تَقْبَلُ الْقِيمَةَ الشَّرْعِيَّةَ لَوَجَبَتْ عِنْدَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا كَسَائِرِ الْمَنَافِعِ الشَّرْعِيَّةِ وَمِنْهَا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَقْبَلُ الْمُعَاوَضَةَ أَمْ لَا كَالْأَزْبَالِ وَأَرْوَاثِ الْحَيَوَانِ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ مِنْ الْمَنَافِعِ فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ أَجَازَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَالضَّمَانُ فِي الذِّمَمِ مِنْ قَبِيلِ مَا مَنَعَ الشَّرْعُ الْمُعَاوَضَةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً لِلْعُقَلَاءِ كَالْقُبْلَةِ، وَأَنْوَاعُ الِاسْتِمْتَاعِ مَقْصُودَةٌ لِلْعُقَلَاءِ وَلَا تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا فَإِنَّ صِحَّةَ الْمُعَاوَضَةِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ يَتَوَقَّفُ عَلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَلَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَيْهِ فَوَجَبَ نَفْيُهُ أَوْ يُسْتَدَلُّ بِالدَّلِيلِ النَّافِي لِانْتِفَاءِ الدَّلِيلِ الْمُثْبِتِ وَهُوَ الْقِيَاسُ عَلَى تِلْكَ الصُّوَرِ. . (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) فِي الشَّرْطِ التَّاسِعِ وَهُوَ مَنْعُ السَّلَمِ الْحَالِّ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] ؛ وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اشْتَرَى جَمَلًا مِنْ أَعْرَابِيٍّ بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذَّخِيرَةِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ لَمْ يَجِدْ التَّمْرَ فَقَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ إنِّي لَمْ أَجِدْ التَّمْرَ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ وَاغَدْرَاهُ فَاسْتَقْرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسْقًا وَأَعْطَاهُ» فَجَعَلَ الْجَمَلَ قُبَالَةَ وَسْقٍ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ السَّلَمُ الْحَالُّ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الثَّمَنِ فِي الْبُيُوعِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا الْبَحْثِ انْعِكَاسُهُ عَلَيْهِمْ وَظَهَرَ أَنَّهُ غَرَرٌ لَا أَنَّهُ أَنْفَى لِلْغَرَرِ، بَلْ أَوْجَدُ لِلْغَرَرِ، ثُمَّ نَقُولُ هُوَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِي السَّلَمِ فَلَا يَقَعُ إلَّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ كَالثَّمَنِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْأَجَلُ كَانَ مِنْ بَابِ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْبَائِعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ نَعَمْ وَذَهَبَ اللَّخْمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَى التَّفْصِيلِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إنَّ السَّلَمَ فِي الْمَذْهَبِ يَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ سَلَمٌ حَالٌّ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ مِمَّنْ شَأْنُهُ بَيْعُ تِلْكَ السِّلْعَةِ وَسَلَمٌ مُؤَجَّلٌ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ بَيْعُ تِلْكَ السِّلْعَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَجَلِ فِي مَوْضِعَيْنِ (أَحَدُهُمَا) هَلْ يُقَدَّرُ بِغَيْرِ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ مِثْلُ الْجُذَاذِ وَالْقِطَافِ وَالْحَصَادِ وَالْمَوْسِمِ (وَالثَّانِي) فِي مِقْدَارِ زَمَنِ الْأَيَّامِ وَتَحْصِيلِ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي مِقْدَارِهِ مِنْ الْأَيَّامِ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ يَقْتَضِي بَلَدَ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَضَرْبٌ يَقْتَضِي بِغَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ السَّلَمُ فَإِنْ اقْتَضَاهُ فِي الْبَلَدِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ أَجَلٌ تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَسْوَاقُ وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ نَحْوَهَا وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا بَأْسَ بِهِ إلَى الْيَوْمِ الْوَاحِدِ. وَأَمَّا مَا يُقْتَضَى بِبَلَدٍ آخَرَ فَإِنَّ الْأَجَلَ عِنْدَهُمْ فِيهِ هُوَ قَطْعُ الْمَسَافَةِ الَّتِي بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَمَنْ جَعَلَ الْأَجَلَ شَرْطًا غَيْرَ مُعَلَّلٍ اشْتَرَطَ مِنْهُ أَقَلَّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَمَنْ جَعَلَهُ شَرْطًا مُعَلَّلًا بِاخْتِلَافِ الْأَسْوَاقِ اشْتَرَطَ مِنْ الْأَيَّامِ مَا تَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَسْوَاقُ غَالِبًا. وَأَمَّا الْأَجَلُ إلَى الْجُذَاذِ وَالْحَصَادِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فَمَنْ رَأَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ الَّذِي يَكُونُ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْآجَالِ يَسِيرٌ جَازَ ذَلِكَ إذْ الْغَرَرُ الْيَسِيرُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِي الشَّرْعِ وَشَبَّهَهُ بِالِاخْتِلَافِ الَّذِي يَكُونُ فِي الشُّهُورِ مِنْ قِبَلِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ كَثِيرٌ وَإِنَّمَا كَثُرَ مِنْ الِاخْتِلَافِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ قِبَلِ نُقْصَانِ الشُّهُورِ لَمْ يُجِزْهُ هَذَا مَا فِي الْأَصْلِ وَالْبِدَايَةِ وَقَيَّدَ ابْنُ حَنْبَلٍ الْأَجَلَ بِقَيْدَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَثَانِيهِمَا أَنْ يَكُونَ لَهُ وَقْعٌ فِي الثَّمَنِ عَادَةً كَالشَّهْرِ كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ قَالَ وَفِي الْكَافِي أَوْ نِصْفُهُ أَوْ نَحْوُهُ هـ وَفِي شَرْحِهِ وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَمَا قَارَبَ الشَّهْرَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ يُمَثِّلُ بِالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ فَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ أَقَلُّهُ شَهْرٌ (الشَّرْطُ الْعَاشِرُ) أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا نَفْيًا لِلْغَرَرِ قَالَ الْخَرَشِيُّ وَاشْتُرِطَ فِي الْأَجَلِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لِيُعْلَمَ مِنْهُ الْوَقْتُ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ قَضَاءُ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَالْأَجَلُ الْمَجْهُولُ غَيْرُهُ مُقَيَّدٌ، بَلْ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ اهـ. وَفِي الْإِقْنَاعِ مَعَ شَرْحِهِ وَأَنَّ شَرْطَهُ إلَى الْعِيدِ أَوْ إلَى رَبِيعٍ أَوْ إلَى جُمَادَى أَوْ إلَى النَّفْرِ مِنْ مِنًى وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ شَيْئَانِ لَمْ يَصِحَّ السَّلَمُ حَتَّى يُعَيَّنَ أَحَدُهُمَا لِلْجَهَالَةِ اهـ. وَقَدْ عَلِمْت الْخِلَافَ فِي تَقْدِيرِهِ بِغَيْرِ الْأَيَّامِ مِثْلُ الْجُذَاذِ وَالْحَصَادِ وَنَحْوِهِمَا فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ الشَّافِعِيُّ، وَكَذَا أَحْمَدُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْإِقْنَاعِ الْمُتَقَدِّمِ (الشَّرْطُ الْحَادِي عَشَرَ) أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ زَمَنَ وُجُودِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَلَا يُسْلَمُ فِي فَاكِهَةِ الصَّيْفِ لِيَأْخُذَهَا فِي الشِّتَاءِ قَالَ الْخَرَشِيُّ الشَّرْطُ وُجُودُهُ أَيْ الْمُسْلَمُ فِيهِ عِنْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ، وَلَوْ انْقَطَعَ فِي أَثْنَاءِ الْأَجَلِ، بَلْ، وَلَوْ انْقَطَعَ فِي الْأَجَلِ مَا عَدَا وَقْتَ الْقَبْضِ، بَلْ، وَلَوْ انْقَطَعَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ نَادِرًا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ اهـ بِزِيَادَةٍ مِنْ الْعَدَوِيِّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ لَمْ يَشْتَرِطْ مَالِكٌ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ أَنْ يَكُونَ جِنْسُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَوْجُودًا حِينَ عَقَدَ السَّلَمَ، وَقَالُوا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي غَيْرِ وَقْتِ إبَّانِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَّا فِي إبَّانِ الشَّيْءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَحُجَّةُ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْإِبَّانَ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُسْلِمُونَ فِي الثَّمَرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَأَقَرَّ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْهُوا عَنْهُ» وَعُمْدَةُ الْحَنَفِيَّةِ مَا رُوِيَ

لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْأَجَلُ؛ وَلِأَنَّ السَّلَمَ إذَا جَازَ مُؤَجَّلًا فَلْيَجُزْ مُنَجَّزًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَنْفَى لِلْغَرَرِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْآيَةِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهَا وَهُوَ أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَعَنْ الثَّانِي إنْ صَحَّ، فَلَيْسَ يُسْلَمُ، بَلْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى تَمْرٍ مُعَيَّنٍ مَوْصُوفٍ فَلِذَلِكَ قَالَ لَمْ أَجِدْ شَيْئًا، وَاَلَّذِي فِي الذِّمَّةِ لَا يُقَالُ فِيهِ ذَلِكَ لِتَيَسُّرِهِ بِالشِّرَاءِ، لَكِنْ لَمَّا رَأَى رَغْبَةَ الْبَدْوِيِّ فِي التَّمْرِ اقْتَرَضَ لَهُ تَمْرًا آخَرَ؛ وَلِأَنَّهُ أَدْخَلَ الْبَاءَ عَلَى التَّمْرِ، فَيَكُونُ ثَمَنًا لَا مَثْمُونًا؛ لِأَنَّ الْبَاءَ مِنْ خَصَائِصِ الثَّمَنِ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الْبَيْعَ مَوْضُوعٌ لِلْمُكَايَسَةِ، وَالتَّعْجِيلُ يُنَاسِبُهَا وَالسَّلَمُ مَوْضُوعُهُ الرِّفْقُ وَالتَّأْجِيلُ يُنَاسِبُهُ وَالتَّعْجِيلُ يُنَافِيهِ وَيَبْطُلُ مَدْلُولُ الِاسْمِ بِالْحُلُولِ فِي السَّلَمِ وَلَا يَبْطُلُ مَدْلُولُ الْبَيْعِ بِالتَّأْجِيلِ فَلِذَلِكَ صَحَّتْ مُخَالَفَةُ قَاعِدَةِ الْبَيْعِ فِي الْمُكَايَسَةِ بِالتَّأْجِيلِ، وَلَمْ تَصِحَّ مُخَالَفَةُ السَّلَمِ بِالتَّعْجِيلِ وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ الرَّابِعِ، وَعَنْ الْخَامِسِ أَنَّ الْأَوْلَوِيَّةَ فَرْعُ الشَّرِكَةِ وَلَا شَرِكَةَ هَا هُنَا، بَلْ التَّبَايُنُ؛ لِأَنَّهُ أَجَازَهُ مُؤَجَّلًا لِلرِّفْقِ، وَالرِّفْقُ لَا يَحْصُلُ بِالْحُلُولِ فَكَيْفَ يُقَالُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، بَلْ يَنْتَفِي أَلْبَتَّةَ سَلَّمْنَا أَنَّ بَيْنَهُمَا مُشْتَرَكًا لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الْغَرَرِ مَعَ الْحُلُولِ، بَلْ الْحُلُولُ فِي السَّلَمِ غَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عِنْدَهُ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى بَيْعِهِ مُعَيَّنًا حَالًّا فَعُدُولُهُ إلَى السَّلَمِ قَصْدٌ لِلْغَرَرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فَالْأَجَلُ يُعِينُهُ عَلَى تَحْصِيلِهِ وَالْحُلُولُ يَمْنَعُ ذَلِكَ وَيُعَيِّنُ الْغَرَرَ، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْمُعَيَّنِ أَكْثَرُ فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ لَعَيَّنَهُ لِتَحْصِيلِ فَضْلِ الثَّمَنِ فَيَنْدَرِجُ الثَّمَنُ الْحَالُّ فِي الْغَرَرِ فَيَمْتَنِعُ قَوْلُهُ أَنَّ جَوَازَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَهَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُسْلِمُوا فِي النَّخْلِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» وَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ الْغَرَرَ يَكُونُ فِيهِ أَكْثَرَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي حَالِ الْعَقْدِ وَكَأَنَّهُ يُشْبِهُ بَيْعَ مَا لَمْ يُخْلَقْ أَكْثَرَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُعَيَّنًا، وَهَذَا فِي الذِّمَّةِ وَبِهَذَا فَارَقَ السَّلَمُ بَيْعَ مَا لَمْ يُخْلَقْ اهـ. وَقَالَ الْأَصْلُ السَّلَمُ فِيمَا يَنْقَطِعُ فِي بَعْضِ الْأَجَلِ وَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاشْتَرَطَ اسْتِمْرَارَ وُجُودِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْقَبْضِ مُحْتَجًّا بِوُجُوهٍ (الْأَوَّلُ) احْتِمَالُ مَوْتِ الْبَائِعِ فَيَحِلُّ السَّلَمُ بِمَوْتِهِ فَلَا يُوجِبُ الْمُسْلِمَ وَفِيهِ جَوَابُهُ أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ لَكَانَ الْأَجَلُ فِي السَّلَمِ مَجْهُولًا لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ كُلِّ سَلَمٍ، وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ، بَلْ الْأَصْلُ عَدَمُ تَغْيِيرِ مَا كَانَ عِنْدَ الْعَقْدِ وَبَقَاءُ الْإِنْسَانِ إلَى حِينِ التَّسْلِيمِ فَإِنْ وَقَعَ الْمَوْتُ وَقَفَتْ التَّرِكَةُ إلَى الْإِبَّانِ فَإِنَّ الْمَوْتَ لَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعْدُومًا قَبْلَ الْأَجَلِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا عِنْدَهُ عَمَلًا بِالِاسْتِصْحَابِ، فَيَكُونُ غَرَرًا فَيَمْتَنِعُ إجْمَاعًا وَجَوَابُهُ أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ مُعَارَضٌ بِالْغَالِبِ فَإِنَّ الْغَالِبَ وُجُودُ الْأَعْيَانِ فِي إبَّانِهَا (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ مَعْدُومٌ عِنْدَ الْعَقْدِ فَيَمْتَنِعُ كَبَيْعِ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ إذَا كَانَ مَعْدُومًا وَجَوَابُهُ أَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى الْعَدَمِ فِي السَّلَمِ إذْ لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الشَّارِعِ مِنْ الرِّفْقِ فِي السَّلَمِ إلَّا مَعَ الْعَدَمِ وَإِلَّا فَالْمَوْجُودُ يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ السَّلَمِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ارْتِكَابِ الْغَرَرِ لِلْحَاجَةِ ارْتِكَابُهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ كَمَا فِي بَيْعِ الْغَائِبِ إذْ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى ادِّعَاءِ وُجُودِهِ، بَلْ نَجْعَلُهُ سَلَمًا فَقِيَاسُ بَيْعِ السَّلَمِ عَلَى بَيْعِ الْغَائِبِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ فَلَا يَصِحُّ (الْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ الْمَعْدُومَ أَبْلَغُ فِي الْجَهَالَةِ مِنْ الْمَجْهُولِ الْمَوْجُودِ؛ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ الْمَوْجُودَ لَهُ ثُبُوتٌ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ بِخِلَافِ الْمَعْدُومِ فَإِنَّهُ نَفْيٌ مَحْضٌ وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ الْمَوْجُودِ بَاطِلٌ قَطْعًا فَيَبْطُلُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى بَيْعُ الْمَعْدُومِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَالِيَّةَ مُنْضَبِطَةٌ مَعَ الْعَدَمِ بِالصِّفَاتِ وَهِيَ مَقْصُودُ عُقُودِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ الْجَهَالَةِ عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْنَعُهَا الْجَهَالَةُ دُونَ الْعَدَمِ فَيُنْتَقَضُ بِذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ (الْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعُقُودِ آكَدُ مِنْ انْتِهَائِهَا بِدَلِيلِ اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ وَغَيْرِهِ فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَمُنَافَاةِ اشْتِرَاطِ أَجَلٍ مَعْلُومٍ فِيهِ وَهُوَ الْمُتْعَةُ فَيُنَافِي التَّحْدِيدُ أَوَّلَهُ دُونَ آخِرِهِ، وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا مَعَ شُرُوطٍ كَثِيرَةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ بَعْدَ فَكُلَّمَا يُنَافِي أَوَّلَهُ يُنَافِي آخِرَهُ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ لُغَوِيٍّ وَالْعَدَمُ يُنَافِي آخِرَ الْأَجَلِ فَيُنَافِي أَوَّلَ الْعَقْدِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَجَوَابُهُ إنَّا نُسَلِّمُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعُقُودِ آكَدُ مِنْ اسْتِمْرَارِ آثَارِهَا وَنَظِيرُهُ هَاهُنَا بَعْدَ الْقَبْضِ أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ مَا يُشْتَرَطُ مِنْ أَسْبَابِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَ الْعَقْدِ يُشْتَرَطُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّسْلِيمِ وَعَدَمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَقْدِ مَعَ وُجُودِهِ عِنْدَ التَّسْلِيمِ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْمَالِيَّةِ أَلْبَتَّةَ، بَلْ الْمَالِيَّةُ مَصُونَةٌ بِوُجُودِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّسْلِيمِ فَهَذَا الْعَمَلُ حِينَئِذٍ طَرْدِيٌّ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا فِي الِانْتِهَاءِ مُطْلَقًا. بَلْ يَتَأَكَّدُ مَذْهَبُنَا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَهُمْ يُسْلِمُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» ، وَهَذَا يَدُلُّ لَنَا مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ ثَمَرَ السِّنِينَ مَعْدُومٌ وَثَانِيهَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَطْلَقَ وَلَمْ يُفَرِّقْ وَثَالِثُهَا أَنَّ الْوُجُودَ لَوْ كَانَ شَرْطًا لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ مُمْتَنِعٌ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ وَقَّتَ الْمُتَعَاقِدَانِ مَحَلًّا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ فَلَا يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ كَمَا بَعْدَ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى

الْكَلَامُ فِي هَذَا الْقِيَاسِ عَزِيزٌ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّةَ يَظُنُّونَ بِهَذَا الْقِيَاسِ أَنَّهُ قَطْعِيٌّ وَأَنَّهُ يَقْتَضِي الْجَوَازَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَيَحْكُونَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا الْبَحْثِ انْعِكَاسُهُ عَلَيْهِمْ وَظَهَرَ أَنَّهُ غَرَرٌ لَا أَنَّهُ أَنْفَى لِلْغَرَرِ أَوْجَدُ لِلْغَرَرِ، ثُمَّ نَقُولُ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ فِي السَّلَمِ فَلَا يَقَعُ إلَّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ كَالثَّمَنِ . (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) فِي الشَّرْطِ الثَّانِي عَشَرَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيمَا يَنْقَطِعُ فِي بَعْضِ الْأَجَلِ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاشْتَرَطَ اسْتِمْرَارَ وُجُودِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْقَبْضِ مُحْتَجًّا بِوُجُودِهِ (الْأَوَّلُ) احْتِمَالُ مَوْتِ الْبَائِعِ فَيُحْمَلُ السَّلَمُ بِمَوْتِهِ فَلَا يُوجَدُ الْمُسْلَمُ فِيهِ (الثَّانِي) إذَا كَانَ مُعْدَمًا قَبْلَ الْأَجَلِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُعْدَمًا عِنْدَهُ عَمَلًا بِالِاسْتِصْحَابِ، فَيَكُونُ غَرَرًا فَيَمْتَنِعُ إجْمَاعًا ، (الثَّالِثُ) أَنَّهُ مَعْدُومٌ، وَعِنْدَ الْعَقْدِ فَيَمْتَنِعُ فِي الْمَعْدُومِ كَبَيْعِ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ إذَا كَانَ مَعْدُومًا (الرَّابِعُ) أَنَّ الْمَعْدُومَ أَبْلَغُ فِي الْجَهَالَةِ فَيَبْطُلُ قِيَاسًا عَلَيْهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ الْمَوْجُودَ لَهُ ثُبُوتٌ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ بِخِلَافِ الْمَعْدُومِ هُوَ نَفْيٌ مَحْضٌ (الْخَامِسُ) أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعُقُودِ آكَدُ مِنْ انْتِهَائِهَا بِدَلِيلِ اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ وَغَيْرِهِ فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَمُنَافَاةِ اشْتِرَاطِ أَجَلٍ مَعْلُومٍ فِيهِ وَهُوَ الْمُتْعَةُ فَيُنَافِي التَّحْدِيدَ أَوَّلَهُ دُونَ آخِرِهِ، وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا مَعَ شُرُوطٍ كَثِيرَةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ بَعْدُ، فَكُلَّمَا يُنَافِي أَوَّلَهُ يُنَافِي آخِرَهُ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، وَالْعَدَمُ يُنَافِي آخِرَ الْأَجَلِ فَيُنَافِي أَوَّلَ الْعَقْدِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ لَكَانَ الْأَجَلُ فِي السَّلَمِ مَجْهُولًا لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ كُلِّ سَلَمٍ، وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ، بَلْ الْأَصْلُ عَدَمُ تَغَيُّرِ مَا كَانَ عِنْدَ الْعَقْدِ بَقَاءُ الْإِنْسَانِ إلَى حِينِ التَّسْلِيمِ فَإِنْ وَقَعَ الْمَوْتُ وَقَفَتْ التَّرِكَةُ إلَى الْإِبَّانِ فَإِنَّ الْمَوْتَ لَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ مُعَارَضٌ بِالْغَالِبِ فَإِنَّ الْغَالِبَ وُجُودُ الْأَعْيَانِ فِي إبَّانِهَا، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى الْعَدَمِ فِي السَّلَمِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْغَائِبِ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَى ادِّعَاءِ وُجُودِهِ، بَلْ نَجْعَلُهُ سَلَمًا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ارْتِكَابِ الْغَرَرِ لِلْحَاجَةِ ارْتِكَابُهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الشَّارِعِ مِنْ الرِّفْقِ فِي السَّلَمِ إلَّا مَعَ الْعَدَمِ وَإِلَّا فَالْمَوْجُودُ يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ السَّلَمِ، وَعَنْ الرَّابِعُ أَنَّ الْمَالِيَّةَ مُنْضَبِطَةٌ مَعَ الْعَدَمِ بِالصِّفَاتِ وَهِيَ مَقْصُودُ عُقُودِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِ الْجَهَالَةِ، ثُمَّ يُنْتَقَضُ مَا ذَكَرْتُمْ بِالْإِجَارَةِ تَمْنَعُهَا الْجَهَالَةُ دُونَ الْعَدَمِ، وَعَنْ الْخَامِسِ إنَّا نُسَلِّمُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعُقُودِ آكَدُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ لَكِنْ آكَدُ مِنْ اسْتِمْرَارِ آثَارِهَا وَنَظِيرُهُ هَا هُنَا بَعْضُ الْقَبْضِ وَإِلَّا فَكُلُّ مَا يُشْتَرَطُ مِنْ أَسْبَابِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَ الْعَقْدِ يُشْتَرَطُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّسْلِيمِ، وَعَدَمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَقْدِ مَعَ وُجُودِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّسْلِيمِ لَا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى التَّسْلِيمِ إنَّمَا تُطْلَبُ فِي وَقْتٍ اقْتِضَائِهِ أَمَّا مَا لَا يَقْتَضِيهِ فَيَسْتَوِي فِيهِ قَبْلَ الْأَجَلِ لِتَوَقُّعِ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ لِتَعَذُّرِ الْوُجُودِ فَيَتَأَخَّرُ الْقَبْضُ فَكَمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا مُلْغًى إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ الْآخَرُ وَقِيَاسًا عَلَى بُيُوعِ الْآجَالِ قَبْلَ مَحَلِّهَا اهـ. بِتَصَرُّفٍ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ. (الشَّرْطُ الثَّانِي عَشَرَ) أَنْ يَكُونَ مَأْمُونَ التَّسْلِيمِ عِنْدَ الْأَجَلِ نَفْيًا لِلْغَرَرِ فَلَا يُسْلَمُ فِي الْبُسْتَانِ الصَّغِيرِ (لَا يُقَالُ) يُغْنِي عَنْ هَذَا الشَّرْطِ مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ الشَّخْصُ إذَا اشْتَرَى ثَمَرَ حَائِطٍ مُعَيَّنٍ فَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ السَّلَمِ اُشْتُرِطَ فِيهِ سِتَّةُ شُرُوطٍ (أَحَدُهَا) الْإِزْهَاءُ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَهُ وَالزَّهْوُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ (وَثَانِيهَا) سَعَةُ الْحَائِطِ لِإِمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَى مِنْهُ وَانْتِفَاءِ الْغَرَرِ (وَثَالِثُهَا) كَيْفِيَّةُ قَبْضِهِ مُتَوَالِيًا أَوْ مُتَفَرِّقًا، وَقَدْرُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ لَا مَا شَاءَ (وَرَابِعُهَا) أَنْ يُسْلَمَ لِمَالِكِهِ إذْ قَدْ لَا يُجِيزُ بَيْعَهُ الْمَالِكُ فَيَتَعَذَّرُ التَّسْلِيمُ (وَخَامِسُهَا) شُرُوعُهُ فِي الْأَخْذِ حِينَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَ أَيَّامٍ يَسِيرَةٍ نَحْوِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا أَكْثَرَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَسْتَلْزِمَ أَجَلُ الشُّرُوعِ صَيْرُورَتَهُ تَمْرًا وَإِلَّا فَسَدَ (وَسَادِسُهَا) أَنْ يُشْتَرَطَ أَخْذُهُ لِكُلِّ مَا اشْتَرَاهُ حَالَ كَوْنِهِ بُسْرًا أَوْ رَطْبًا وَيَأْخُذُهُ بِالْفِعْلِ كَذَلِكَ فَيَفْسُدُ إنْ شَرَطَ تَتَمُّرَ الرُّطَبِ وَأَبْقَاهُ بِالْفِعْلِ عَلَى أُصُولِهِ حَتَّى يَتَتَمَّرَ لِبُعْدِ مَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ التَّمْرِ فَيَدْخُلُهُ الْخَطَرُ. وَأَمَّا إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا عَدَا كَيْفِيَّةَ قَبْضِهِ مِنْ الشُّرُوطِ السِّتَّةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو الْحَسَنِ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَالْبَنَّانِيِّ وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وكنون؛ لِأَنَّا نَقُولُ التَّفْرِقَةُ الْمَذْكُورَةُ لَمَّا لَمْ تَكُنْ نَظَرًا لِحَقِيقَةِ السَّلَمِ، بَلْ كَانَتْ نَظَرًا لِلَفْظِهِ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى كُلِّ بَيْعٍ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّ الْحَائِطَ مُعَيَّنٌ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَحَقِيقَةُ السَّلَمِ لَا تَكُونُ فِي مُعَيَّنٍ كَمَا سَيَأْتِي لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ الَّذِي بَعْدَ هَذَا مُغْنِيًا عَنْهُ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ إنَّهُ عَلَى هَذَا لَيْسَ شَرْطًا خَاصًّا بِلَفْظِ السَّلَمِ وَلَا يُعَدُّ مِنْ شُرُوطِ الشَّيْءِ إلَّا مَا كَانَ خَاصًّا بِهِ وَشَرْطُ كَيْفِيَّةِ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِلَفْظِ السَّلَمِ إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَخْذُهُ حَالًا مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ كَمَا فِي الْعَدَوِيِّ عَلَى الْخَرَشِيِّ فَافْهَمْ (الشَّرْطُ الثَّالِثَ عَشَرَ) أَنْ يَكُونَ أَيْ الْمُسْلَمُ فِيهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يُسْلَمُ فِي مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّهُ سَلَمٌ فِي مُعَيَّنٍ بِتَأَخُّرِ قَبْضِهِ فَهُوَ غَرَرٌ قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَى

مَدْخَلَ لَهُ فِي الْمَالِيَّةِ أَلْبَتَّةَ، بَلْ الْمَالِيَّةُ مَصُونَةٌ بِوُجُودِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّسْلِيمِ فَهَذَا الْعَمَلُ حِينَئِذٍ طَرْدِيٌّ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا فِي الِانْتِهَاءِ مُطْلَقًا، بَلْ يَتَأَكَّدُ مَذْهَبُنَا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَهُمْ يُسْلِمُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» ، وَهَذَا يَدُلُّ مِنْ وُجُوهٍ، أَحَدُهَا أَنَّ ثَمَرَ السِّنِينَ مَعْدُومٌ، وَثَانِيهَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَطْلَقَ وَلَمْ يُفَرِّقْ، وَثَالِثُهَا أَنَّ الْوُجُودَ لَوْ كَانَ شَرْطًا لَبَيَّنَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ مُمْتَنِعٌ أَوْ نَقُولُ إنَّهُ وَقْتٌ لَمْ يَجْعَلْهُ الْمُتَعَاقِدَانِ مَحَلًّا لِلسَّلَمِ فِيهِ فَلَا يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ كَمَا بَعْدَ الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ إنَّمَا تُطْلَبُ فِي وَقْتِ اقْتِضَاءِ الْعَقْدِ لَهَا أَمَّا مَا لَا يَقْتَضِيهِ فَيَسْتَوِي فِيهِ قَبْلَ الْأَجَلِ لِتَوَقُّعِ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ لِتَعَذُّرِ الْوُجُودِ، فَيَتَأَخَّرُ الْقَبْضُ فَكَمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا مُلْغًى إجْمَاعًا فَكَذَلِكَ الْآخَرُ وَقِيَاسًا عَلَى أَثْمَانِ بُيُوعِ الْآجَالِ قَبْلَ مَحَلِّهَا. ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَرَشِيِّ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمَ حِين أَسْلَمَ فِي مُعَيَّنٍ صَارَ الضَّمَانُ مِنْهُ لِكَوْنِهِ مُعَيَّنًا وَلَمَّا شَرَطَ تَأْخِيرَهُ فَقَدْ نَقَلَ الضَّمَانَ إلَى الْبَائِعِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَرَأْسُ الْمَالِ حِينَئِذٍ بَعْضُهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ ثَمَنًا وَبَعْضُهُ فِي مُقَابَلَةِ الضَّمَانِ جَعَالَةً قَالَ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُعَيَّنُ عِنْدَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَ عِنْدَ غَيْرِهِ فَفِيهِ بَيْعُ مُعَيَّنٍ لَيْسَ عِنْدَهُ اهـ. قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ السَّلَمَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الذِّمَّةِ وَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِي مُعَيَّنٍ نَعَمْ أَجَازَ مَالِكٌ السَّلَمَ فِي قَرْيَةٍ مُعَيَّنَةٍ إذَا كَانَتْ مَأْمُونَةً وَكَأَنَّهُ رَآهَا مِثْلَ الذِّمَّةِ اهـ وَفِي عبق عَلَى الْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ قِيلَ هَذَا الشَّرْطُ يُغْنِي عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَبْيِينِ صِفَاتِهِ وَلَا تَبْيِينَ فِي الْحَاضِرِ الْمُعَيَّنِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ التَّبْيِينَ إنَّمَا هُوَ لِمَا فِي الذِّمَّةِ فَكَانَ يَنْبَغِي الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ بِمَا قَبْلَهُ وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّبْيِينَ قَدْ يَكُونُ فِي غَائِبٍ مُعَيَّنٍ مَوْجُودٍ عِنْدَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَلِهَذِهِ اُحْتِيجَ لِهَذَا الشَّرْطِ اهـ (الشَّرْطُ الرَّابِعَ عَشَرَ) تَعْيِينُ مَكَانِ الْقَبْضِ بِاللَّفْظِ أَوْ الْعَادَةِ نَفْيًا لِلْغَرَرِ قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ اخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ مَكَانِ دَفْعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَاشْتَرَطَهُ أَبُو حَنِيفَةَ تَشْبِيهًا بِالزَّمَانِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْأَكْثَرُ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَفْضَلُ اشْتِرَاطُهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَيْسَ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ اهـ. فَاقْتَصَرَ الْأَصْلُ عَلَى اشْتِرَاطِهِ مُعْتَمِدًا قَوْلَ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِي اصْطَفَى وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَاتَمِ الرُّسُلِ الْكِرَامِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ السَّادَةِ الْقَادَةِ الْأَعْلَامِ هَذَا مَا يَسَّرَهُ اللَّهُ مِنْ إتْمَامِ الْجُزْءِ الثَّالِثِ مِنْ تَهْذِيبِ الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السُّنِّيَّةِ عَلَى مَا يُرَامُ وَأَسْأَلُ اللَّهَ بِوَجَاهَةِ وَجْهِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَلِّغَنِي إكْمَالَ الْجُزْءِ الرَّابِعِ لِيَكْمُلَ بِكَمَالِهِ الْمَقْصُودُ بِحُسْنِ الْخِتَامِ وَالْفَوْزِ بِرِضَا الْمَوْلَى الْكَرِيمِ الْمُتَفَضِّلِ بِجَزِيلِ الْإِنْعَامِ إنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ وَبِالْإِجَابَةِ لِمَا يُؤْمِلُهُ الْآمِلُ مِنْ فَضْلِهِ حَقِيقٌ وَجَدِيرٌ.

[الفرق بين قاعدة القرض وقاعدة البيع]

الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْقَرْضِ وَقَاعِدَةِ الْبَيْعِ) اعْلَمْ أَنَّ قَاعِدَةَ الْقَرْضِ خُولِفَتْ فِيهَا ثَلَاثُ قَوَاعِدَ شَرْعِيَّةٍ: قَاعِدَةُ الرِّبَا إنْ كَانَ فِي الرِّبَوِيَّاتِ كَالنَّقْدَيْنِ وَالطَّعَامِ وَقَاعِدَةُ الْمُزَابَنَةِ، وَهِيَ بَيْعُ الْمَعْلُومِ بِالْمَجْهُولِ مِنْ جِنْسِهِ إنْ كَانَ فِي الْحَيَوَانِ وَنَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ وَقَاعِدَةُ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك فِي الْمِثْلِيَّاتِ، وَسَبَبُ مُخَالَفَةِ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ مَصْلَحَةُ الْمَعْرُوفِ لِلْعِبَادِ فَلِذَلِكَ مَتَى خَرَجَ عَنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ امْتَنَعَ إمَّا لِتَحْصِيلِ مَنْفَعَةِ الْمُقْرِضِ أَوْ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالسَّلَفِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَعْرُوفِ مَعَ تَعَيُّنِ الْمَحْذُورِ، وَهُوَ مُخَالَفَةُ الْقَوَاعِدِ. (سُؤَالٌ) الْعَارِيَّةُ مَعْرُوفٌ كَالْقَرْضِ، وَإِذَا وَقَعَتْ إلَى أَجَلٍ بِعِوَضٍ جَازَتْ، وَإِنْ خَرَجَتْ بِذَلِكَ عَنْ الْمَعْرُوفِ فَلِمَ لَا يَكُونُ الْقَرْضُ كَذَلِكَ إذَا خَرَجَ بِالْقَصْدِ إلَى نَفْعِ الْمُقْرِضِ عَنْ الْمَعْرُوفِ يَجُوزُ. (جَوَابُهُ) إذَا وَقَعَتْ الْعَارِيَّةُ بِعِوَضٍ صَارَتْ إجَارَةً، وَالْإِجَارَةُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا الرِّبَا وَلَا تِلْكَ الْمَفَاسِدُ الثَّلَاثُ، وَالْقَرْضُ بِالْعِوَضِ بَيْعٌ فَيُتَصَوَّرُ فِيهِ الرِّبَا، وَكَذَلِكَ إذَا وَقَعَ الْقَرْضُ فِي الْعُرُوضِ هُوَ رِبًا فَيَحْرُمُ لِلْآيَةِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ. (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصُّلْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ) اعْلَمْ أَنَّ الصُّلْحَ فِي الْأَمْوَالِ دَائِرٌ بَيْنَ خَمْسَةِ أُمُورٍ: الْبَيْعُ إذَا كَانَتْ الْمُعَاوَضَةُ عَنْ أَعْيَانٍ، وَالصَّرْفُ إنْ كَانَ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، وَالْإِجَارَةُ إنْ كَانَ عَنْ مَنَافِعَ، وَدَفْعُ الْخُصُومَةِ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَالْإِحْسَانُ، وَهُوَ مَا يُعْطِيهِ الْمُصَالِحُ مِنْ غَيْرِ الْجَانِي. فَمَتَى تَعَيَّنَ أَحَدُ هَذِهِ الْأَبْوَابِ رُوعِيَتْ فِيهِ شُرُوطُ ذَلِكَ الْبَابِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» ، وَيَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَجُوزُ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَاحْتَجَّ بِوُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) أَنَّهُ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصُّلْحِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِيهِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْدِ فَرْقًا بَيْنَ الصُّلْحِ وَغَيْرِهِ، وَلَكِنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ الصُّلْحِ، وَكَلَامُهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْقَرْضِ وَقَاعِدَةِ الْبَيْعِ] (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نَعْمَائِهِ الْمُزْهِرَةِ الرِّيَاضِ وَآلَائِهِ الْمُتْرَعَةِ الْحِيَاضِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الْمُوَضِّحِ مَحَجَّةِ الدِّينِ بِأَبْيَنِ حُجَّةٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْمُهْتَدِينَ إلَى تَشْيِيدِ قَوَاعِدِ الْحَقِّ وَقَمْعِ كُلِّ لُجَّةٍ أَمَّا بَعْدُ: فَأَسْأَلُ اللَّهَ بِوَجَاهَةِ وَجْهِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ أَنْ يُسَهِّلَ لِي تَكْمِيلَ هَذَا الْجُزْءِ كَمَا يَسَّرَ لِي تَكْمِيلَ مَا قَبْلَهُ عَلَى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْقَرْضِ وَقَاعِدَةِ الْبَيْعِ) الْقَرْضُ فِي اللُّغَةِ الْقَطْعُ، وَسُمِّيَ الْمَدْلُولُ الشَّرْعِيُّ قَرْضًا لِأَنَّهُ قِطْعَةٌ مِنْ مَالِ الْمُقْرِضْ أَيْ ذُو قِطْعَةٍ مِنْهُ، وَفِي الشَّرْعِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ تَمْلِيكُ شَيْءٍ عَلَى أَنْ يُرَدَّ بَدَلُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ دَفْعُ مُتَمَوَّلٍ فِي عِوَضٍ غَيْرِ مُخَالِفٍ لَهُ لَا عَاجِلًا تَفَضُّلًا فَقَطْ لَا يُوجِبُ إمْكَانَ عَارِيَّةٍ لَا تَحِلُّ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ اهـ. قَالَ

لَيْسَ عَنْ مَالٍ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ، وَلَا عَنْ الْيَمِينِ، وَإِلَّا لَجَازَتْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَهُ، وَلَجَازَ أَخْذُ الْعَقَارِ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ بِغَيْرِ مَالٍ، وَلَا هُوَ مِنْ الْخُصُومَةِ، وَإِلَّا لَجَازَ عَنْ النِّكَاحِ وَالْقَذْفِ. (الثَّانِي) أَنَّهُ عَاوَضَ عَنْ مِلْكِهِ فَيَمْتَنِعُ كَشِرَاءِ مَالِهِ مِنْ وَكِيلِهِ. (الثَّالِثُ) أَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَا تَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ كَالْبَيْعِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَخَذَ الْمَالَ بِحَقٍّ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ثُبُوتِهِ عَدَمُهُ. نَعَمْ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى بَاطِلٍ حَرُمَ عَلَيْهِ أَخْذُ ذَلِكَ الْمَالِ، وَأَمَّا إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَةُ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ تَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ حَلَّفَ خَصْمَهُ، وَلَهُ بَيِّنَةَ فَلَهُ إقَامَتُهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ الْعُذْرِ وَعِنْدَ أَشْهَبَ مُطْلَقًا. وَأَمَّا الْقَذْفُ فَلَا مَدْخَلَ لِلْمَالِ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ الصُّلْحُ مَعَ الْإِقْرَارِ فَكَذَلِكَ مَعَ الْإِنْكَارِ، وَنَلْتَزِمُ الْجَوَازَ فِي النِّكَاحِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ الزَّوْجِيَّةَ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُوجِبُ عَلَيْهَا الْيَمِينَ فَتَفْتَدِي بِيَمِينِهَا، وَنَلْتَزِمُ الشُّفْعَةَ، وَعَنْ الثَّانِي بِالْفَرْقِ بِأَنَّهُ مَعَ وَكِيلِهِ مُتَمَكِّنٌ مِنْ مَالِهِ بِخِلَافِ صُورَةِ النِّزَاعِ فَإِنَّهَا لِدَرْءِ مَفْسَدَةِ الْخُصُومَةِ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الضَّرُورَةَ هُنَا تَدْعُوَا لِلْجَهْلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ مِيرَاثًا مِنْ جِهَةِ مُوَرِّثٍ صَحَّ الصُّلْحُ فِيهِ مَعَ الْجَهْلِ، وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَدْخُلَ دَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ، وَيَأْخُذُ قَدْرَ حَقِّهِ فَكَيْفَ يَمْنَعُ مَعَ الْمُوَافَقَةِ مِنْ الْخَصْمِ عَلَى الْأَخْذِ، وَيَتَأَكَّدُ قَوْلُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1] وَغَيْرِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى بَذْلِ الْمَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ فِي فِدَاءِ الْأَسَارَى وَالْمُخَالَعَةِ وَالظَّلَمَةِ وَالْمُحَارَبِينَ وَالشُّعَرَاءِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا لِدَرْءِ الْخُصُومَةِ، وَلِأَنَّهُ قَاطِعٌ لِلْمُطَالَبَةِ فَيَكُونُ مَعَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ كَالْإِبْرَاءِ، وَيَجُوزُ مَعَ عَدَمِ الْمَالِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ كَالصُّلْحِ عَلَى دَمِ الْعَمْدِ، وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ فِيهِ مَعَ الْإِنْكَارِ فَصَحَّ الصُّلْحُ عَلَيْهِ قِيَاسًا عَلَيْهَا. (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُمْلَكُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِالْإِجَارَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُمْلَكُ مِنْهَا بِالْإِجَارَاتِ) فَأَقُولُ مَتَى اجْتَمَعَتْ فِي الْمَنْفَعَةِ ثَمَانِيَةُ شُرُوطٍ مُلِكَتْ بِالْإِجَارَةِ، وَمَتَى انْخَرَمَ مِنْهَا شَرْطٌ لَا تُمْلَكُ الْأَوَّلُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُمْلَكُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِالْإِجَارَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُمْلَكُ مِنْهَا بِالْإِجَارَاتِ إلَى قَوْلِهِ نَعَمْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ وَالشُّفْعَةِ فِي الْأَرَضِينَ فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ تَبَعًا لِلشَّيْخِ عَلَى الْمِسْنَاوِيِّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ تَمْلِيكُ مُتَمَوِّلٍ إلَخْ لِأَنَّ الْقَرْضَ يُوجَدُ قَبْلَ الدَّفْعِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ بِالْقَوْلِ اهـ قَالَ الْخَرَشِيُّ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ مُتَمَوَّلٌ مَا لَيْسَ بِمُتَمَوَّلٍ أَيْ كَقِطْعَةِ نَارٍ إذْ دَفْعُهُ لَيْسَ بِقَرْضٍ إذْ لَا يُقْرَضُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ فِي عِوَضٍ أَخْرَجَ بِهِ دَفْعَهُ هِبَةً، وَقَوْلُهُ غَيْرِ مُخَالِفٍ لَهُ أَيْ لِذَلِكَ الْمُتَمَوِّلِ، وَقَوْلُهُ لَا عَاجِلًا أَخْرَجَ بِهِ الْمُبَادَلَةَ الْمِثْلِيَّةَ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَيْهَا كَمَا يَصْدُقُ عَلَى الْقَرْضِ الْفَاسِدِ لَوْلَا أَنْ يَخُصَّ الصَّحِيحَ بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ تَفَضُّلًا فَقَطْ إلَخْ أَيْ حَالَ كَوْنِ الدَّفْعِ تَفَضُّلًا بِأَنْ يَقْصِدَ الْمُسَلِّفُ نَفْعَ الْمُتَسَلِّفِ فَقَطْ لَا نَفْعَهُ، وَلَا نَفْعَهُمَا، وَلَا نَفْعَ أَجْنَبِيٍّ بِأَنْ يَقْصِدَ بِالدَّفْعِ لِزَيْدٍ نَفْعَ عَمْرٍو، وَلِكَوْنِ عَمْرٍو يَعُودُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةٌ مِنْ ذَلِكَ الْقَرْضِ كَأَنْ يَكُونَ لِعَمْرٍو دَيْنٌ عَلَى زَيْدٍ فَيُقْرِضَ زَيْدًا لِأَجْلِ أَنْ يَدْفَعَ لِعَمْرٍو دَيْنَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ سَلَفٌ فَاسِدٌ فَانْدَفَعَ تَنْظِيرُ الْبُنَانِيِّ فِي الْحَدِّ بِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الصُّوَرَ الْفَاسِدَةَ، وَشَأْنُ التَّعْرِيفِ شُمُولُ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ اهـ. فَافْهَمْ، وَقَوْلُهُ لَا يُوجِبُ إلَخْ أَيْ حَالَ كَوْنِ الدَّفْعِ لَا يُوجِبُ إمْكَانَ نَفْسِ الْعَارِيَّةِ الَّتِي لَا تَحِلُّ احْتِرَازًا مِنْ قَرْضٍ يُوجِبُ إمْكَانَ الْعَارِيَّةِ الَّتِي لَا تَحِلُّ فَلَا يَجُوزُ قَرْضُ جَارِيَةٍ تَحِلُّ لِلْمُسْتَقْرِضِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ عَارِيَّةِ الْفُرُوجِ اهـ. بِزِيَادَةٍ مِنْ الْعَدَوِيِّ عَلَيْهِ، وَفِي الرَّهُونِيِّ وَكَنُونِ قَالَ الْحَطَّابُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ قَرْضِ جَارِيَةٍ تَحِلُّ إلَخْ مَا لَوْ أَمَرَتْ شَخْصًا يَبْتَاعُ لَك عَبْدَ فُلَانٍ مَثَلًا بِجَارِيَتِهِ هَذِهِ، وَيَكُونُ عَلَيْك مِثْلُهَا، وَكَذَا لَوْ أَمَرْتَهُ أَنْ يَقْضِيَ عَنْك دَيْنًا بِهَا، وَيَكُونُ عَلَيْك مِثْلُهَا إذْ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا غَايَةُ الْفُرُوجِ لِأَنَّهَا لَا تَصِلُ لِيَدِ الْمُسْتَقْرِضِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ، وَرُبَّمَا أَلْغَزَتْ فَيُقَالُ أَيْنَ يَجُوزُ قَرْضُ الْجَارِيَةِ مِنْ غَيْرِ الْمَحْرَمِ مِنْهَا فَيُقَالُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْ الْأُولَى أَوْ تَقْضِي عَنْهُ فِي الدَّيْنِ اهـ. أَيْ الَّتِي هِيَ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ الْبُنَانِيُّ فِي التَّوْضِيحِ أَجَازَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي الْحَمْدِيسِيَّةِ قَرْضَهُنَّ أَيْ الْجَوَارِي إذَا اُشْتُرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرُدَّ عَيْنَهَا، وَإِنَّمَا يَرُدَّ مِثْلَهَا ثُمَّ قَالَ وَعَلَى هَذَا، وَهُوَ نَفْلُ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ لَا تَبْعُدُ مُوَافَقَتُهُ لِلْمَشْهُورِ اهـ. وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ اهـ. قَالَ الْخَرَشِيُّ وَقَوْلُهُ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ صِفَةٌ لِمُتَمَوَّلٍ فَيَجُوزُ جَرُّهُ وَنَصْبُهُ مُرَاعَاةً لِلَفْظِ مُتَمَوَّلٍ وَلِمَحَلِّهِ اهـ قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَيْهِ وَالْأَوْلَى زُورٌ بِمَا يُقَدَّمُ قَوْلُهُ مُتَعَلِّقٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا عَاجِلًا، وَيُقْرَأُ بِالْجَرِّ اهـ وَبِالْجُمْلَةِ قَالَ الْبُنَانِيُّ عَلَى عبق إنَّ كُلَّ مَا يَصِحُّ أَنْ يُسْلَمَ فِيهِ إلَّا الْجَوَارِي يَصِحُّ أَنْ يُقْرَضَ، وَكُلُّ مَا يَصِحُّ أَنْ يُقْرَضَ يَصِحُّ أَنْ يُسْلَمَ فِيهِ غَيْرَ أَنَّ هَذَا الْعَكْسَ لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى اسْتِثْنَاءِ شَيْءٍ، وَلَا يَصِحُّ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ الْقَوْلُ بِأَنَّ جَلْدَ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغِ يَصِحُّ قَرْضُهُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُسْلَمَ فِيهِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ

الْإِبَاحَةُ احْتِرَازًا مِنْ الْغِنَاءِ، وَآلَاتِ الطَّرَبِ وَنَحْوِهِمَا. الثَّانِي قَبُولُ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُعَاوَضَةِ احْتِرَازًا مِنْ النِّكَاحِ. الثَّالِثُ كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مُتَقَوِّمَةً احْتِرَازًا مِنْ التَّافِهِ الْحَقِيرِ الَّذِي لَا يُقَابَلُ بِالْعِوَضِ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِئْجَارِ الْأَشْجَارِ لِتَجْفِيفِ الثِّيَابِ فَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ. الرَّابِعُ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً احْتِرَازًا مِنْ الْأَوْقَافِ عَلَى السُّكْنَى كَبُيُوتِ الْمَدَارِسِ وَالْخَوَانِقِ. الْخَامِسُ أَنْ لَا يَتَضَمَّنَ اسْتِيفَاءَ عَيْنٍ احْتِرَازًا مِنْ إجَارَةِ الْأَشْجَارِ لِثِمَارِهَا أَوْ الْغَنَمِ لِنِتَاجِهَا، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ إجَارَةُ الْمُرْضِعِ لِلَبَنِهَا لِلضَّرُورَةِ فِي الْحَضَانَةِ. السَّادِسُ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى تَسْلِيمِهَا احْتِرَازًا مِنْ اسْتِئْجَارِ الْأَخْرَسِ لِلْكَلَامِ. السَّابِعُ أَنْ تَحْصُلَ لِلْمُسْتَأْجِرِ احْتِرَازًا مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالْإِجَارَةِ عَلَيْهَا كَالصَّوْمِ، وَنَحْوِهِ. الثَّامِنُ كَوْنُهَا مَعْلُومَةً احْتِرَازًا مِنْ الْمَجْهُولَاتِ مِنْ الْمَنَافِعِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ آلَةً لَا يَدْرِي مَا يَعْمَلُ بِهَا أَوْ دَارًا مُدَّةً غَيْرَ مَعْلُومَةٍ فَهَذِهِ الشُّرُوطُ إذَا اجْتَمَعَتْ جَازَتْ الْمُعَاوَضَةُ، وَإِلَّا امْتَنَعَتْ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِرَاءِ دُورِ مَكَّةَ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ الْمَنْعُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَالْجَوَازُ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ فُتِحَتْ صُلْحًا أَوْ مُنَّ بِهَا عَلَى أَهْلِهَا عِنْدَنَا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَلَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَالْكَرَاهَةُ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَتَخْصِيصُهَا بِالْمَوْسِمِ لِكَثْرَةِ النَّاسِ وَاحْتِيَاجِهِمْ لِلْوَقْفِ لِأَنَّ الْعَنْوَةَ عِنْدَنَا وَقْفٌ، وَاتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْجَمِيعِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مَكَّةَ مُجَاهِدًا بِالْأَسْلِحَةِ نَاشِرًا لِلْأَلْوِيَةِ بَاذِلًا لِلْأَمَانِ لِمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ» ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْعَنْوَةِ قَطْعًا، وَإِنَّمَا رُوِيَ أَنَّ «خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ قَتَلَ قَوْمًا فَوَدَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَهُوَ دَلِيلُ الصُّلْحِ. (وَجَوَابُهُ) يَجِبُ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُ أَمَّنَ تِلْكَ الطَّائِفَةَ، وَعَصَمَ دِمَاءَهُمْ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. (سُؤَالٌ) اعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ الْمَبَاحِثِ وَالنُّقُولِ أَنْ يَحْرُمَ كِرَاءُ دُورِ مِصْرَ وَأَرَاضِيهَا لِأَنَّ مَالِكًا قَدْ صَرَّحَ فِي الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَيَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ تَخْطِئَةُ الْقَضَاءِ فِي إثْبَاتِ الْأَمْلَاكِ وَعُقُودِ الْإِجَارَاتِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفُعَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (جَوَابُهُ) إنَّ أَرَاضِيَ الْعَنْوَةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا هَلْ تَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ مَالِكٍ أَوْ لِلْإِمَامِ قِسْمَتُهَا كَسَائِرِ الْغَنَائِمِ أَوْ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ، وَالْقَوَاعِدُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا أَنَّ مَسَائِلَ الْخِلَافِ إذَا اتَّصَلَ بِبَعْضِ أَقْوَالِهَا قَضَاءُ حَاكِمٍ تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِهِ، وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ فَإِذَا مَا حَكَمَ بِثُبُوتِ مِلْكٍ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ ثَبَتَ الْمِلْكُ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ، وَيَتَعَيَّنُ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ يَطَّرِدُ فِي مَكَّةَ وَمِصْرَ وَغَيْرِهِمَا، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الدُّورَ وَقْفٌ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الدُّورَ الَّتِي صَادَفَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQدَفْعُ مُتَمَوِّلٍ إلَخْ. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ قَرْضٍ بِمِكْيَالٍ مَجْهُولٍ عَلَى أَنْ يُرَدَّ مِثْلُهُ، وَمَسْأَلَتُنَا قَرْضُ وَيْبَاتٍ وَحَفَنَاتٍ فَغَيْرُ وَارِدَةٍ لِأَنَّ الطَّعَامَ مَثَلًا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ يَجُوزُ قَرْضُهُ وَالسَّلَمُ فِيهِ، وَالِاخْتِلَافُ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ لَا يَضُرُّ اهـ. قَالَ كنون، وَقَالَ الْبُنَانِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ إلَخْ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مُعَاوَضَةً، وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ أَبُو عَلِيٍّ قَائِلًا، وَالْقَرْضُ نَفْسُ بَيْعٍ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ إلَّا أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى غَيْرِ الْمُكَايَسَةِ فَكَيْفَ يُقْرِضُ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا الْمُبَادَلَةُ فِيهِ أَيْ كَلَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ اهـ. وَلَا يَرِدُ عَلَى قَوْلِ خَلِيلٍ يَجُوزُ قَرْضُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ فَقَطْ إلَّا جَارِيَةً تَحِلُّ لِلْمُسْتَقْرِضِ اهـ الْعَيْنُ لِأَنَّهُ يُسْلَمُ فِيهَا عِنْدَ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَعِيَاضٍ وَالْبَاجِيِّ خِلَافًا لِابْنِ عَرَفَةَ اهـ. وَعَلَى هَذَا قَوْلُ الْأَصْلِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ الْقَرْضُ وَإِنْ كَانَ نَفْسَ بَيْعٍ إلَّا أَنَّهُ خُولِفَ فِيهِ ثَلَاثُ قَوَاعِدَ شَرْعِيَّةٍ (الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) الرِّبَا إنْ كَانَ فِي الرِّبَوِيَّاتِ كَالنَّقْدَيْنِ وَالطَّعَامِ (وَالْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ) الْمُزَابَنَةُ، وَهِيَ بَيْعُ الْمَعْلُومِ بِالْمَجْهُولِ مِنْ جِنْسِهِ إنْ كَانَ فِي الْحَيَوَانِ وَنَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ (وَالْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ) بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك فِي الْمِثْلِيَّاتِ، وَسَبَبُ مُخَالَفَةِ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ مَصْلَحَةُ الْمَعْرُوفِ اهـ. حَتَّى قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَرْضُ شَيْءٍ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَتِهِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا «رَأَيْت لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا: الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ» ، وَعَزَاهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، وَلَفْظُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلْت الْجَنَّةَ فَوَجَدْت عَلَى بَابِهَا الصَّدَقَةُ بِعَشْرٍ وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَقُلْت يَا جِبْرِيلُ كَيْفَ صَارَتْ الصَّدَقَةُ بِعَشَرَةٍ، وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ؟ ، قَالَ الصَّدَقَةُ فِي يَدِ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَالْقَرْضُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي يَدِ مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ» قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ: فِيهِ أَنَّ دِرْهَمَ الْقَرْضِ بِدِرْهَمَيْنِ صَدَقَةٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَنْفِيسَ كُرْبَةٍ وَإِنْظَارًا إلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ وَرَدِّهِ، فَفِيهِ عِبَادَتَانِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ دِرْهَمَيْنِ، وَهُمَا بِعِشْرِينَ حَسَنَةً فَالتَّضْعِيفُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَهُوَ الْبَاقِي فَقَطْ لِأَنَّ الْقَرْضَ يُسْتَرَدُّ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أُبْرِئَ مِنْهُ كَانَ لَهُ عِشْرُونَ: ثَوَابُ الْأَصْلِ وَالْمُضَاعَفَةِ، وَتَمَسَّكَ بِهِ مِنْ فَضَّلَ الْقَرْضِ عَلَى الصَّدَقَةِ اهـ. أَفَادَهُ الرَّهُونِيُّ قَالَ الْأَصْلُ فَلِذَلِكَ مَتَى خَرَجَ عَنْ بَابِ الْمَعْرُوفِ امْتَنَعَ إمَّا لِتَحْصِيلِ مَنْفَعَةِ الْمُقْرِضِ أَوْ لِتَرَدُّدٍ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالسَّلَفِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَعْرُوفِ مَعَ تَعَيُّنِ الْمَحْذُورِ، وَهُوَ مُخَالَفَةُ الْقَوَاعِدِ أَيْ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَكَوْنُ الْعَارِيَّةِ مَعْرُوفًا كَالْقَرْضِ إلَّا أَنَّهَا تُفَارِقُهُ فِي أَنَّهَا تَجُوزُ إذَا وَقَعَتْ إلَى أَجَلٍ بِعِوَضٍ بِخِلَافِ الْقَرْضِ، وَذَلِكَ

[الفرق بين قاعدة الصلح وغيره من العقود]

الْفَتْحُ أَمَّا إذَا انْهَدَمَتْ تِلْكَ الْأَبْنِيَةُ، وَبَنَى أَهْلُ الْإِسْلَامِ دُورًا غَيْرَ دُورِ الْكُفَّارِ فَهَذِهِ الْأَبْنِيَةُ لَا تَكُونُ وَقْفًا إجْمَاعًا، وَحَيْثُ قَالَ مَالِكٌ لَا تُكْرَى دُورُ مَكَّةَ يُرِيدُ مَا كَانَ فِي زَمَانِهِ بَاقِيًا مِنْ دُورِ الْكُفَّارِ الَّتِي صَادَفَهَا الْفَتْحُ، وَالْيَوْمَ قَدْ ذَهَبَتْ تِلْكَ الْأَبْنِيَةُ فَلَا يَكُونُ قَضَاءُ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ خَطَأً نَعَمْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ وَالشُّفْعَةِ فِي الْأَرَضِينَ فَإِنَّهَا بَاقِيَةٌ أَوْ نَقُولُ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ الْبَلَدَ الْفُلَانِيَّ فُتِحَ عَنْوَةً لَيْسَ هَذَا بِفُتْيَا يُقَلَّدُ فِيهَا، وَلَا مَذْهَبًا لَهُ يَجِبُ عَلَى مُقَلِّدِيهِ اتِّبَاعُهُ فِيهِ بَلْ هَذِهِ شَهَادَةٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ مَالِكٌ فُلَانٌ أَخَذَ مَالَهُ غَصْبًا أَوْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فُتْيَا بَلْ شَهَادَةٌ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ إمَامٍ أَخْبَرَ عَنْ حُكْمٍ بِسَبَبٍ اُتُّبِعَ فِيهِ، وَكَانَ فُتْيَا وَمَذْهَبًا أَوْ أَخْبَرَ عَنْ وُقُوعِ ذَلِكَ السَّبَبِ فَهُوَ شَهَادَةٌ، وَأَنَّ الْمَذْهَبَ الَّذِي يُقَلَّدُ فِيهِ الْإِمَامُ خَمْسَةُ أُمُورٍ لَا سَادِسَ لَهَا الْأَحْكَامُ كَوُجُوبِ الْوِتْرِ، وَالْأَسْبَابُ كَالْمُعَاطَاةِ. وَالشُّرُوطُ كَالنِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ، وَالْمَوَانِعُ كَالدَّيْنِ فِي الزَّكَاةِ، وَالْحِجَاجُ كَشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ إنْ اُتُّفِقَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا فَلَيْسَ مَذْهَبًا لِأَحَدٍ بَلْ ذَلِكَ لِلْجَمِيعِ فَلَا يُقَالُ إنَّ وُجُوبَ رَمَضَانَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَلَا غَيْرِهِ بَلْ ذَلِكَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُفْهَمُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِنْسَانِ فِي الْعَادَةِ مَا اخْتَصَّ بِهِ كَقَوْلِك هَذَا طَرِيقُ زَيْدٍ إذَا اخْتَصَّ بِهِ أَوْ هَذِهِ عَادَتُهُ إذَا اخْتَصَّتْ بِهِ، وَإِذَا اُخْتُلِفَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ نُسِبَ إلَى الْقَائِلِ بِهِ، وَمَا عَدَا هَذِهِ الْخَمْسَةِ لَا يُقَالُ إنَّهَا مَذْهَبٌ يُقَلِّدُ فِيهِ بَلْ هُوَ إمَّا رِوَايَةٌ أَوْ شَهَادَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا كَمَا لَوْ قَالَ مَالِكٌ أَنَا جَائِعٌ أَوْ عَطْشَانُ فَلَيْسَ كُلُّ مَا يَقُولُهُ الْإِمَامُ هُوَ مَذْهَبٌ لَهُ بَلْ تِلْكَ الْخَمْسَةُ خَاصَّةٌ، وَلَوْ قَالَ إمَامٌ زَيْدٌ زَنَى لَمْ نُوجِبْ الرَّجْمَ بِقَوْلِهِ بَلْ نَقُولُ هَذِهِ شَهَادَةٌ هُوَ فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (أَوْ نَقُولُ قَوْلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ الْبَلَدَ الْفُلَانِيَّ فُتِحَ عَنْوَةً هَذَا لَيْسَ بِفُتْيَا يُقَلَّدُ فِيهَا إلَى قَوْلِهِ أَوْ أَخْبَرَ عَنْ وُقُوعِ ذَلِكَ السَّبَبِ فَهُوَ شَهَادَةٌ) قُلْت لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ شَهَادَةً بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ شَهَادَةٍ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ خَبَرًا يَقْصِدُ الْمُخْبِرُ بِهِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَصْلُ قَضَاءٍ، وَقَوْلُ مَالِكٍ إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً لَا إشْعَارَ فِيهِ بِذَلِكَ الْقَصْدِ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْخَبَرِ غَيْرِ الشَّهَادَةِ قَالَ (وَإِنَّ الْمَذْهَبَ الَّذِي يُقَلَّدُ فِيهِ الْإِمَامُ خَمْسَةُ إلَى قَوْلِهِ فَلَيْسَ كُلُّ مَا يَقُولُهُ الْإِمَامُ هُوَ مَذْهَبٌ لَهُ بَلْ تِلْكَ الْخَمْسَةُ خَاصَّةً) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ (وَلَوْ قَالَ إمَامٌ زَيْدٌ زَنَى لَمْ نُوجِبْ الرَّجْمَ بَلْ نَقُولُ هَذِهِ شَهَادَةٌ هُوَ فِيهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْعَارِيَّةَ بِعِوَضٍ إجَارَةٌ، وَالْإِجَارَةُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا الرِّبَا، وَلَا تِلْكَ الْمَفَاسِدُ الثَّلَاثُ، وَالْقَرْضُ بِالْعِوَضِ بَيْعٌ فَيُتَصَوَّرُ فِيهِ الرِّبَا، وَكَذَلِكَ إذَا وَقَعَ الْقَرْضُ فِي الْعُرُوضِ هُوَ رِبًا فَيَحْرُمُ لِلْآيَةِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصُّلْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ] الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الصُّلْحِ وَقَاعِدَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ) وَهُوَ كَمَا يُشِيرُ لَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ أَنَّ غَيْرَهُ مِنْ الْعُقُودِ إمَّا مُعَاوَضَةٌ فِي أَعْيَانٍ فَقَطْ، وَهُوَ الْبَيْعُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ أَوْ الصَّرْفُ إنْ كَانَ فِيهِ ذَلِكَ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا شُرُوطٌ تَخُصُّهُ مُوَضَّحَةً فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَإِمَّا مُعَاوَضَةٌ فِي مَنَافِعَ فَقَطْ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَضْمُونَةٍ، وَهُوَ الْإِجَارَةُ، وَلَهَا شُرُوطٌ تَخُصُّهَا مُوَضَّحَةً كَذَلِكَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَإِمَّا إحْسَانٌ، وَهُوَ الْهِبَةُ، وَلَهَا شُرُوطَ تَخُصُّهَا مُوَضَّحَةً كَذَلِكَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَهَكَذَا وَأَمَّا الصُّلْحُ فِي الْأَمْوَالِ فَقَدْ قَالَ عِيَاضٌ هُوَ مُعَاوَضَةٌ عَلَى دَعْوَى اهـ قَالَ كنون أَيْ ثَابِتَةٍ أَمْ لَا اهـ. فَالدَّعْوَى الثَّابِتَةُ كَانَ ثُبُوتُهَا بِإِقْرَارٍ أَوْ بِسُكُوتٍ بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ مَعًا مِنْ أَنَّ حُكْمَ السُّكُوتِ حُكْمُ الْإِقْرَارِ، وَرَجَّحَهُ عِيَاضٌ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا بِبَعْضِ الْمُدَّعَى بِهِ فَيَكُونُ الصُّلْحُ حِينَئِذٍ هِبَةً، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بِغَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُدَّعَى بِهِ إمَّا أَعْيَانٌ، وَإِمَّا مَنَافِعُ فَإِنْ كَانَ أَعْيَانًا فَغَيْرُهُ الْمُصَالَحُ بِهِ إمَّا أَعْيَانٌ فَيَكُونُ الصُّلْحُ بَيْعًا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ وَصَرْفًا إنْ كَانَ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، وَإِمَّا مَنَافِعُ فَيَكُونُ إجَارَةً، وَإِنْ كَانَ أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ مَنَافِعَ فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهَا بِغَيْرِهَا مُطْلَقًا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفِيَهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالصُّلْحُ إجَارَةٌ أَيْضًا، وَإِنْ وَقَعَ بَعْدَ أَنْ اسْتَوْفَاهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي عِوَضِ الْمَنَافِعِ، وَهُوَ فِي الْغَالِبِ عَيْنٌ فَيَكُونُ الصُّلْحُ بِغَيْرِهِ بَيْعًا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، وَصَرْفًا إنْ كَانَ فِيهِ ذَلِكَ، وَبِبَعْضِهِ هِبَةٌ، وَالدَّعْوَى الْغَيْرُ الثَّابِتَةِ، لَا تَكُونُ عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا عَنْ إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الِافْتِدَاءُ بِمَالٍ عَنْ يَمِينٍ تَوَجَّهَتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَوْ عَلِمَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، ابْنُ نَاجِي، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَهُ حَيْثُ عَلِمَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ قَالَ الْبُنَانِيُّ يَجْرِي فِي الْمُعَاوَضَةِ عَلَيْهَا بِالنَّظَرِ لِلْمُدَّعَى بِهِ مَا جَرَى عَلَى الصُّلْحِ عَلَى الْإِقْرَارِ أَيْ، وَلَوْ حُكْمًا مِنْ كَوْنِهِ إمَّا هِبَةً وَإِمَّا بَيْعًا، وَإِمَّا صَرْفًا وَإِمَّا إجَارَةً إلَّا أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ عَلَى غَيْرِ الثَّابِتَةِ تَنْفَرِدُ عَنْ صُلْحِ الْإِقْرَارِ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ كَمَا سَيَأْتِي اهـ. بِزِيَادَةٍ قَدْ سَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ الصُّلْحُ فِي الْأَمْوَالِ

أُسْوَةُ جَمِيعِ الْعُدُولِ إنْ كَمُلَ النِّصَابُ بِشُرُوطِهِ رَجَمْنَاهُ، وَإِلَّا فَلَا فَكَذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ فُتِحَتْ مِصْرُ عَنْوَةً أَوْ مَكَّةُ شَهَادَةٌ، وَإِذَا كَانَتْ شَهَادَةً فَهُوَ لَمْ يُبَاشِرْ الْفَتْحَ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُ نَقَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَا يَدْرِي هَلْ أَذِنَ لَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ فِي النَّقْلِ عَنْهُ أَمْ لَا، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فَقَدْ عَارَضَتْ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةٌ أُخْرَى. وَهِيَ أَنَّ اللَّيْثَ وَابْنَ مَسْعُودٍ وَالشَّافِعِيَّ وَغَيْرَهُمَا قَالُوا الْفَتْحُ وَقَعَ صُلْحًا فَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ أَحَدَ الْبَيِّنَتَيْنِ أَعْدَلُ فَتُقَدَّمُ أَوْ يُقَالُ هَذَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَالْعُلَمَاءُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ نُفَاوِتَ نَحْنُ بَيْنَ عَدَالَتِهِمْ، وَلَوْ سَلَّمْنَا الْهُجُومَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِأَعْدَلَ الْبَيِّنَتَيْنِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ، وَالْعَنْوَةُ وَالصُّلْحُ لَيْسَا مِنْ هَذَا الْبَابِ فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّهُ يُقْضَى فِيهِ بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ لَيْسَتْ نَقْلًا عَنْ أَحَدٍ بَلْ هِيَ اسْتِقْلَالٌ، وَمُسْتَنَدُهَا السَّمَاعُ لِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِمَّا تَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ، وَقَدْ عَدَّ الْأَصْحَابُ مَسَائِلَ السَّمَاعِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ مَسْأَلَةً لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا مِنْهَا لَكِنْ حَصَلَ الْمُعَارِضُ الْمَانِعُ مِنْ الْحُكْمِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ لَك أَنَّ مَنْ أَفْتَى بِتَحْرِيمِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالشُّفْعَةِ فِي هَذِهِ الْبِقَاعِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً خَطَأٌ، وَأَنَّ هَذَا لَيْسَ مَذْهَبًا لِمَالِكٍ بَلْ هِيَ شَهَادَةٌ لَا يُقَلَّدُ فِيهَا بَلْ تَجْرِي مَجْرَى الشَّهَادَاتِ، وَكَمَا يَرِدُ هَذَا السُّؤَالُ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ فِي الْعَنْوَةِ يَرِدُ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا، وَيَبْنُونَ عَلَى ذَلِكَ الْفُتْيَا بِالْإِبَاحَةِ، وَيَجْعَلُونَ هَذَا مِمَّا يُقَلَّدُ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَهَادَةٌ أَيْضًا بِالصُّلْحِ، وَلَيْتَ شِعْرِي لَوْ أَنَّ حَاكِمًا شَافِعِيًّا جَاءَهُ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ لَهُ إنَّ فُلَانًا صَالَحَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ نَقْدًا، وَقَدْ صَارَتْ خُلْعًا مِنْهُ هَلْ يَقْضِي بِقَوْلِهِ وَحْدَهُ فَيَخْرِقَ الْإِجْمَاعَ أَوْ نَقُولُ هَذِهِ شَهَادَةٌ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ آخَرَ مَعَ الشَّافِعِيِّ يَشْهَدُ بِالْخُلْعِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ هُنَا كَذَلِكَ، وَقَدْ بَسَطْت هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي الْفَرْقِ ـــــــــــــــــــــــــــــSأُسْوَةُ جَمِيعِ الْعُدُولِ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ أَوْ نَقُولُ هَذِهِ شَهَادَةٌ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ آخَرَ مَعَ الشَّافِعِيِّ يَشْهَدُ بِالْخُلْعِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ هُنَا كَذَلِكَ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَمَا الْحَامِلُ لَهُ عَلَى دَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَالِكٍ شَهَادَةٌ حَتَّى يَحْتَاجَ فِي ذَلِكَ إلَى آخَرَ مَعَهُ هَذَا كَلَامٌ مَبْنِيٌّ عَلَى تَوَهُّمِ كَوْنِ قَوْلِ مَالِكٍ شَهَادَةٌ، وَذَلِكَ لِتَوَهُّمِ وَهْمٍ لَا شَكَّ فِيهِ قَالَ (وَقَدْ بَسَطْت هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي الْفَرْقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى كُلٍّ إلَّا دَائِرًا بَيْنَ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ الْبَيْعُ إنْ كَانَتْ الْمُعَاوَضَةُ عَنْ أَعْيَانٍ، وَالصَّرْفُ إنْ كَانَ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، وَالْإِجَارَةُ إنْ كَانَ عَنْ مَنَافِعَ، وَالْإِحْسَانُ إنْ كَانَ عَنْ بَعْضِ الْمُدَّعَى بِهِ، وَهُوَ مَا يُسْقِطُهُ الْمُدَّعِي عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ وَبِهِ صَرَّحَ عبق أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ عَلَى غَيْرِ الثَّابِتَةِ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهَا شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ صَرْفٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ هِبَةٍ بَلْ هُوَ دَفْعٌ عَنْ الْخُصُومَةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خَصَّهُ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ (الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ جَائِزًا عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي (وَالثَّانِي) أَنْ يَكُونَ جَائِزًا عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمُنْكِرَ يُقِرُّ (وَالثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ جَائِزًا عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ قَالَ الْبُنَانِيُّ أَيْ عَلَى ظَاهِرِ مَا يَطْرَأُ بَيْنَهُمَا فِي الْمُخَاصَمَةِ، وَمَجْلِسِ الْفَصْلِ، وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ، وَاعْتَبَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ وَأَصْبَغُ أَمْرًا وَاحِدًا، وَهُوَ أَنْ لَا تَتَّفِقَ دَعْوَاهُمَا عَلَى فَسَادٍ اُنْظُرْ شُرَّاحَ الْمُخْتَصَرِ فَلِذَا قَالَ الْأَصْلُ إنَّ الصُّلْحَ فِي الْأَمْوَالِ دَائِرٌ بَيْنَ خَمْسَةِ أُمُورٍ الْبَيْعِ إنْ كَانَتْ الْمُعَاوَضَةُ عَنْ أَعْيَانٍ، وَالصَّرْفِ إنْ كَانَ فِيهِ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، وَالْإِجَارَةِ إنْ كَانَ عَنْ مَنَافِعَ، وَدَفْعِ الْخُصُومَةِ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَالْإِحْسَانِ، وَهُوَ مَا يُعْطِيهِ الْمُصَالَحُ مِنْ غَيْرِ الْجَانِي فَمَتَى تَعَيَّنَ أَحَدُ هَذِهِ الْأَبْوَابِ رُوعِيَتْ فِيهِ شُرُوطُ ذَلِكَ الْبَابِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» اهـ. مِنْهُ بِلَفْظِهِ يَعْنِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَبَطَ شُرُوطَ الصُّلْحِ الْمُخْتَلِفَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَى الْخَرَشِيِّ، وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْإِذْنُ فَلَا يُنَافِي قَوْلَ ابْنِ عَرَفَةَ الصُّلْحُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ مَنْدُوبٌ اهـ. إذَا عَلِمْت هَذَا عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ وَجْهٌ لِقَوْلِ الْإِمَامِ ابْنِ الشَّاطِّ مَا قَالَهُ أَيْ الْأَصْلُ فِيهِ أَيْ فِي هَذَا الْفَرْقِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْدِ فَرْقًا بَيْنَ الصُّلْحِ وَغَيْرِهِ، وَلَكِنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى حُكْمِ الصُّلْحِ، وَكَلَامُهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ اهـ بِلَفْظِهِ فَتَأَمَّلْهُ لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (وَصْلٌ) قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ الصُّلْحِ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ عَلَى الْإِنْكَارِ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ عَلَى الْإِنْكَارِ اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ مَالٍ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ، وَلَا عَنْ الْيَمِينِ، وَإِلَّا لَجَازَتْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَهُ، وَلَجَازَ أَخْذُ الْعَقَارِ، وَالْمُصَالِحَ بِهِ بِالشُّفْعَةِ، وَقَدْ انْتَقَلَ بِغَيْرِ مَالٍ، وَلَا هُوَ عَنْ الْخُصُومَةِ، وَإِلَّا لَجَازَ عَنْ النِّكَاحِ وَالْقَذْفِ (وَجَوَابُهُ)

بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ وَتَصَرُّفِ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ. وَهُوَ كِتَابٌ نَفِيسٌ فِيهِ أَرْبَعُونَ مَسْأَلَةً مِنْ هَذَا النَّوْعِ. (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَخْذُهُ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ) الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ، وَهِيَ أَنَّ الشَّرْعَ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ الْمَقَاصِدِ إلَّا مَا تَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ مُحَصِّلٌ لِمَصْلَحَةٍ أَوْ دَارِئٌ لِمَفْسَدَةٍ لِذَلِكَ لَا يَسْمَعُ الْحَاكِمُ الدَّعْوَى فِي الْأَشْيَاءِ التَّافِهَةِ الْحَقِيرَةِ الَّتِي لَا يَتَشَاحُّ الْعُقَلَاءُ فِيهَا عَادَةً كَالسِّمْسِمَةِ، وَنَحْوِهَا فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَيْضًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ فِي قَلْعِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا قِيمَةَ لَهَا بَعْدَ الْقَلْعِ، وَإِنْ كَانَتْ عَظِيمَةَ الْمَالِيَّةِ قَبْلَ الْقَلْعِ، وَكَذَلِكَ الْبِنَاءُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا قِيمَةَ لَهُ بَعْدَ الْهَدْمِ، وَإِنْ عَظُمَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ الْهَدْمِ، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُ، وَالْغَاصِبُ وَنَحْوُهُمَا الْجَمِيعُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لِأَنَّ قَلْعَهُ لِمُجَرَّدِ الْفَسَادِ لَا لِحُصُولِ مَصْلَحَةٍ تَحْصُلُ لِلْقَالِعِ، وَلَا لِدَرْءِ مَفْسَدَةٍ عَنْهُ فَيَتَعَيَّنُ بَقَاؤُهُ فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ يَنْتَفِعُ بِهِ صَاحِبُ الْأَرْضِ، وَيَحْصُلُ لَهُ بِسَبَبِهِ تِلْكَ الْمَالِيَّةُ الْعَظِيمَةُ، وَيُعْطِيهِ لَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَإِنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الْإِزَالَةَ شَرْعًا، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِزَالَةِ تَبْطُلُ تِلْكَ الْمَالِيَّةُ فَهِيَ مَالِيَّةٌ مُسْتَهْلَكَةٌ عَلَى، وَاضِعِهَا شَرْعًا، وَالْمُسْتَهْلَكُ شَرْعًا لَا يَجِبُ فِيهِ قِيمَةٌ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ «نَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ» ، وَهَدْمُ مِثْلِ هَذَا الْبِنَاءِ. وَقَلْعُ مِثْلِ هَذَا الشَّجَرِ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ فَوَجَبَ الْمَنْعُ مِنْهُ فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الْعُرُوضَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ وَالطَّعَامُ لِأَنَّ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ وَالْأَوْصَافِ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَغْرَاضُ الصَّحِيحَةُ، وَتَمِيلُ إلَيْهِ الْعُقُولُ السَّلِيمَةُ، وَالنُّفُوسُ الْخَالِصَةُ لِمَا فِي تِلْكَ الْمَعْنِيَّاتِ مِنْ الْمَلَاذِّ ـــــــــــــــــــــــــــــSبَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ وَتَصَرُّفِ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ وَهُوَ كِتَابٌ نَفِيسٌ فِيهِ أَرْبَعُونَ مَسْأَلَةً مِنْ هَذَا النَّوْعِ) قُلْت إنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَسَائِلُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ الْكِتَابُ بِنَفِيسٍ قَالَ. (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَخْذُهُ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ انْقِضَاء الْإِجَارَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ) قُلْت فِيهِ نَقْلُ أَقْوَالٍ، وَلَكِنْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ نَظَرٌ فَإِنَّ تَقْدِيرَ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا تَكُونُ لَهُ قِيمَةٌ بَعْدَ الْقَلْعِ بِخِلَافِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQإنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ عَنْ مَالٍ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ثُبُوتِهِ عَدَمُهُ نَعَمْ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى بَاطِلٍ حَرُمَ عَلَيْهِ أَخْذُ ذَلِكَ الْمَالِ، سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ عَنْ مَالٍ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ حِينَئِذٍ بَلْ نَقُولُ هُوَ عِوَضٌ إمَّا عَنْ انْدِفَاعِ الْيَمِينِ عَنْهُ، وَنَلْتَزِمُ جَوَازَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَهُ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ تَتَخَرَّجُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ حَلَّفَ خَصْمَهُ، وَلَهُ بَيِّنَةٌ فَلَهُ إقَامَتُهَا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ الْعُذْرِ، وَعِنْدَ أَشْهَبَ مُطْلَقًا اهـ. وَإِمَّا عَنْ سُقُوطِ الْخُصُومَةِ عَنْهُ، وَنَلْتَزِمُ الْجَوَازَ فِي النِّكَاحِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ الزَّوْجِيَّةَ أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُوجِبُ عَلَيْهَا الْيَمِينَ فَتَفْتَدِي بِيَمِينِهَا اهـ. وَنَلْتَزِمُ الشُّفْعَةَ، وَأَمَّا الْقَذْفُ فَلَا مَدْخَلَ لِلْمَالِ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ الصُّلْحُ مَعَ الْإِقْرَارِ فَكَذَلِكَ مَعَ الْإِنْكَارِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ عَاوَضَ عَنْ مِلْكِهِ فَيَمْتَنِعُ كَشِرَاءِ مَالِهِ مِنْ وَكِيلِهِ (وَجَوَابُهُ) بِالْفَرْقِ بِأَنَّهُ مَعَ وَكِيلِهِ مُتَمَكِّنٌ مِنْ مَالِهِ بِخِلَافِ صُورَةِ النِّزَاعِ فَإِنَّهَا لِدَرْءِ مَفْسَدَةِ الْخُصُومَةِ. (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَا تَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ كَالْبَيْعِ (وَجَوَابُهُ) أَنَّ الضَّرُورَةَ هُنَا تَدْعُو لِلْجَهْلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ مِيرَاثًا مِنْ جِهَةِ مُوَرِّثٍ صَحَّ الصُّلْحُ فِيهِ مَعَ الْجَهْلِ اهـ. وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَدْخُلَ دَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ، وَيَأْخُذَ قَدْرَ حَقِّهِ فَكَيْفَ يَمْنَعُ مَعَ الْمُوَافَقَةِ مِنْ الْخَصْمِ عَلَى الْأَخْذِ عَلَى أَنَّ قَوْلَنَا يَتَأَكَّدُ بِوُجُوهٍ (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) مَا وَرَدَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي الصُّلْحِ فَمِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] وقَوْله تَعَالَى {وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1] وقَوْله تَعَالَى {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114] ، وَمِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِصَدَقَةٍ يَسِيرَةٍ يُحِبُّهَا اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ إذَا تَقَاطَعُوا» ، وَمَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَفْضَلُ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصْلِحُونَ بَيْنَ النَّاسِ، وَمَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ» وَعَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَرَادَ فَضْلَ الْعَابِدِينَ فَلْيُصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِكُلِّ كَلِمَةٍ عِتْقَ رَقَبَةٍ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْقَائِلِ: إنَّ الْفَضَائِلَ كُلَّهَا لَوْ جُمِعَتْ ... رَجَعَتْ بِأَجْمَعِهَا إلَى ثِنْتَيْنِ تَعْظِيمُ أَمْرِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ ... وَالسَّعْيُ فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ

[الفرق بين قاعدة ما يملك من المنفعة بالإجارات وبين قاعدة ما لا يملك منها بالإجارات]

الْخَاصَّةِ فِي تِلْكَ الْأَعْيَانِ، وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّهُ إذَا عَيَّنَ صَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ، وَبَاعَهُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ الصَّحِيحَةَ مُسْتَوِيَةٌ فِي أَجْزَاءِ الصُّبْرَةِ غَيْرَ أَنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِعَدَمِ التَّعَيُّنِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إذَا عُيِّنَتْ هَلْ تَتَعَيَّنُ أَمْ لَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: ثَالِثُهَا إنْ عَيَّنَهَا الدَّافِعُ تَعَيَّنَتْ لِأَنَّهُ أَمْلَكُ بِهَا، وَهُوَ مَالِكُهَا، وَإِنْ عَيَّنَهَا الْقَابِضُ لَا تَتَعَيَّنُ إلَّا أَنْ تَخْتَصَّ بِصِفَةِ حُلِيٍّ أَوْ سِكَّةٍ رَائِجَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ تَعَيَّنَتْ اتِّفَاقًا، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ عِنْدَنَا، وَبِالتَّعْيِينِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَنَا عَدَمُ التَّعْيِينِ فَبِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ مَالِهِ، وَمَا لَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ. (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُضْمَنُ بِالطَّرْحِ مِنْ السُّفُنِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُضْمَنُ) قَالَ مَالِكٌ إذَا طُرِحَ بَعْضُ الْحِمْلِ لِلْهَوْلِ شَارَكَ أَهْلُ الْمَطْرُوحِ مَنْ لَمْ يُطْرَحْ لَهُمْ شَيْءٌ فِي مَتَاعِهِمْ، وَكَانَ مَا طُرِحَ وَسَلِمَ لِجَمِيعِهِمْ فِي نَمَائِهِ وَنَقْصِهِ بِثَمَنِهِ يَوْمَ الشِّرَاءِ إنْ اشْتَرَوْا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ لِأَنَّهُمْ صَانُوا بِالْمَطْرُوحِ مَا لَهُمْ، وَالْعَدْلُ عَدَمُ اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمْ بِالْمَطْرُوحِ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمْ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَهُوَ سَبَبُ سَلَامَةِ جَمِيعِهِمْ فَإِنْ اشْتَرَوْا مِنْ مَوَاضِعَ أَوْ اشْتَرَى بَعْضٌ أَوْ طَالَ زَمَانُ الشِّرَاءِ حَتَّى تَغَيَّرَتْ الْأَسْوَاقُ اشْتَرَكُوا بِالْقِيَمِ يَوْمَ الرُّكُوبِ دُونَ يَوْمِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاخْتِلَاطِ. وَسَوَاءٌ طَرَحَ الرَّجُلُ مَتَاعَهُ أَوْ مَتَاعَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَمْ لَا قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ، وَلَا يُشَارِكُ مَنْ لَمْ يَرْمِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ سَبَبٌ يُوجِبُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَطْرُوحِ لَهُ مَعَ غَيْرِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْمَرْكَبِ وَلَا النَّوَاتِيَّةِ ضَمَانٌ كَانُوا أَحْرَارًا أَوْ عَبِيدًا إلَّا أَنْ يَكُونُوا لِلتِّجَارَةِ فَتُحْسَبُ قِيمَتُهُمْ، وَلَا عَلَى مَنْ لَا مَتَاعَ لَهُ لِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا وَسَائِلُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ إنَّمَا هُوَ مَالُ التِّجَارَةِ، وَيُرْجَعُ بِالْمَقَاصِدِ فِي الْمَقَاصِدِ، وَمَنْ مَعَهُ دَنَانِيرُ كَثِيرَةٌ يُرِيدُ بِهَا التِّجَارَةَ فَكَالتِّجَارَةِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ وَمَا يُرَادُ لِلْقِنْيَةِ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ لَا يَلْزَمُ فِي الْعَيْنِ شَيْءٌ مِنْ الْمَطْرُوحِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْغَرَقُ بِسَبَبِهَا لِخِفَّتِهَا، وَقَالَ سَحْنُونٌ يَدْخُلُ الْمَرْكَبُ فِي قِيمَةِ الْمَطْرُوحِ لِأَنَّهُ مِمَّا سَلِمَ بِسَبَبِ الطَّرْحِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ إنْ خِيفَ عَلَيْهِ بِصَدْمِ قَاعِ الْبَحْرِ فَطُرِحَ لِذَلِكَ دَخَلَ فِي الْقِيمَةِ، وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ يَدْخُلُ الْمَرْكَبُ، وَمَا فِيهِ لِلْقِنْيَةِ أَوْ التِّجَارَةِ مِنْ عَبِيدٍ، وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّ أَثَرَ الْمَطْرُوحِ سَلَامَةُ الْجَمِيعِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ الشَّبْرَخِيتِيُّ وَمِنْ أَجْلِ مَا فِي الصُّلْحِ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمُتَخَاصِمَيْنِ لِوِقَايَتِهِمَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْخِصَامِ مِنْ قَبِيحِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ جَازَ الْكَذِبُ فِيهِ مُبَالَغَةً فِي وُقُوعِ الْأُلْفَةِ لِئَلَّا تَدُومَ الْعَدَاوَةُ اهـ. وَقَالَ الْفَشْنِيُّ وَيَجُوزُ الْكَذِبُ فِي الصُّلْحِ الْجَائِزِ، وَهُوَ مَا لَا يُحِلُّ حَرَامًا، وَلَا يُحَرِّمُ حَلَالًا مُبَالَغَةً فِي وُقُوعِ الْأُلْفَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، قِيلَ تَمَنَّى جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ يَكُونَ فِي الْأَرْضِ يَسْقِي الْمَاءَ وَيُصْلِحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ اهـ كَمَا فِي حَاشِيَةِ كنون عَلَى عبق. قُلْت فَإِذَا جَازَ الْكَذِبُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [النحل: 105] لِلْمُصْلِحِ مِنْ أَجْلِ مَا فِي الصُّلْحِ مِنْ الصَّدَقَةِ إلَخْ فَكَيْفَ لَا يَجُوزُ فِيهِ دَفْعُ أَحَدِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ لِلْآخَرِ الْمَالَ بِغَيْرِ حَقٍّ مَعَ الْجَهْلِ لِدَرْءِ مَفْسَدَةِ الْخُصُومَةِ، وَلَا يَخْفَاك أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ هُنَا فَرْقٌ آخَرُ غَيْرَ مَا مَرَّ بَيْنَ الصُّلْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ، وَهُوَ أَنَّ الصُّلْحَ يَجُوزُ فِيهِ دَفْعُ الْمَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ مَعَ الْجَهْلِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ فَافْهَمْ. (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى بَذْلِ الْمَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ فِي فِدَاءِ الْأُسَارَى وَالْمُخَالَعَةِ وَالظَّلَمَةِ وَالْمُحَارَبِينَ وَالشُّعَرَاءِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا لِدَرْءِ الْخُصُومَةِ. (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ قَاطِعٌ لِلْمُطَالَبَةِ فَيَكُونُ مَعَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ كَالْإِبْرَاءِ فَكَمَا يُصْبِحُ الْإِبْرَاءُ مَعَ الْإِنْكَارِ كَذَلِكَ يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَيْهِ قِيَاسًا، وَلَا يَرِدُ أَنَّ الْإِبْرَاءَ بِغَيْرِ مَالٍ مِنْ الْجِهَتَيْنِ إذْ الصُّلْحُ أَيْضًا يَجُوزُ مَعَ عَدَمِ الْمَالِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ كَالصُّلْحِ عَلَى دَمِ الْعَمْدِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُمْلَكُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِالْإِجَارَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُمْلَكُ مِنْهَا بِالْإِجَارَاتِ] (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُمْلَكُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِالْإِجَارَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُمْلَكُ مِنْهَا بِالْإِجَارَاتِ) وَهُوَ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَتَى اجْتَمَعَتْ فِيهَا ثَمَانِيَةُ شُرُوطٍ مُلِكَتْ بِالْإِجَارَةِ، وَمَتَى انْخَرَمَ مِنْهَا شَرْطٌ مِنْ الثَّمَانِيَةِ لَا تُمْلَكُ وَالْمَنْفَعَةُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مَا لَا تُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ حِسًّا دُونَ إضَافَةٍ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ غَيْرَ جُزْءٍ مِمَّا أُضِيفَ إلَيْهِ فَتَخْرُجُ الْأَعْيَانُ، وَنَحْوُ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَنِصْفِ الْعَبْدِ وَنِصْفِ الدَّابَّةِ مَشَاعًا، وَهِيَ رُكْنٌ لِأَنَّهَا الْمُشْتَرَاةُ اهـ. وَبَاقِي أَرْكَانِهَا أَرْبَعَةٌ كَمَا فِي شُرَّاحِ خَلِيلٍ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ وَالْعِوَضُ وَالصِّيغَةُ. 2 - (الشَّرْطُ الْأَوَّلُ) إبَاحَةُ الْمَنْفَعَةِ، وَذِكْرُ الْمَنْفَعَةِ احْتِرَازٌ مِنْ الْغِنَاءِ وَآلَاتِ الطَّرَبِ وَنَحْوِهِمَا أَيْ كَالْإِجَارَةِ عَلَى إخْرَاجِ الْجَانِّ وَالدُّعَاءِ وَحَلِّ الْمَرْبُوطِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ لِعَدَمِ تَحْقِيقِ الْمَنْفَعَةِ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ قَالَ الْعَدَوِيُّ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ الْمَنْفَعَةَ جَازَ فَقَدْ قَالَ الْأَبِيُّ وَأَمَّا مَا يُؤْخَذُ عَلَى حَلِّ الْمَعْقُودِ فَإِنْ كَانَ يَرْقِيهِ بِالرُّقْيَةِ الْعَرَبِيَّةِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ بِالرُّقَى الْعَجَمِيَّةِ لَمْ يَجُزْ، وَفِيهِ خِلَافٌ، وَكَانَ الشَّيْخُ

وَجَوَابُهُمْ أَنَّ شَأْنَ الْمَرْكَبِ أَنْ يَصِلَ بِرِجَالِهِ سَالِمًا إلَى الْبَرِّ، وَإِنَّمَا يُغْرِقُهُ مَا فِيهِ عَادَةً، وَإِزَالَةُ السَّبَبِ الْمُهْلِكِ لَا يُوجِبُ شَرِكَةً بَلْ فِعْلُ السَّبَبِ الْمُنْجِي، وَهُوَ فَرْقٌ حَسَنٌ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّ فَاعِلَ الضَّرَرِ شَأْنُهُ أَنْ يَضْمَنَ فَإِذَا زَالَ ضَرَرُهُ نَاسَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَ لِعَدَمِ سَبَبِ الضَّمَانِ، وَفَاعِلُ النَّفْعِ مُحَصِّلٌ لِعَيْنِ الْمَالِ فَنَاسَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ أَوْ بَعْضَهُ لِأَنَّ مُوجِدَ الشَّيْءِ شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فَإِنْ صَالَحُوا صَاحِبَ الْمَطْرُوحِ بِدَنَانِيرَ، وَلَا يُشَارِكُهُمْ جَازَ إذَا عَرَفُوا مَا يَلْزَمُهُمْ فِي الْقَضَاءِ فَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ الطَّرْحِ مِنْ الْبَحْرِ سَالِمًا فَهُوَ لَهُ. وَتَزُولُ الشَّرِكَةُ أَوْ خَرَجَ وَقَدْ نَقَصَ نِصْفُ قِيمَتِهِ انْتَقَصَ نِصْفُ الصُّلْحِ وَيَرُدُّ نِصْفَ مَا أَخَذَ. (سُؤَالٌ) إذَا وُجِدَتْ الدَّابَّةُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهَا فِي التَّعَدِّي أَوْ الْعَارِيَّةِ تَكُونُ لِمَنْ صَالَحَ عَلَيْهَا، وَهَا هُنَا الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ لِصَاحِبِهِ فَمَا الْفَرْقُ؟ (جَوَابُهُ) التَّعَدِّي يَنْقُلُ الْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ لِلذِّمَّةِ بِالْقِيمَةِ فَيَكُونُ لَهُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لِلْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ فَلَا يُجْمَعُ لَهُ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ عَنْهُ، وَالْبَحْرُ شَيْءٌ تُوجِبُهُ الضَّرُورَةُ فَلَا يَحْصُلُ الصُّلْحُ فِيهِ بَيْعًا لَا يُنْتَقَضُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي السَّفِينَةِ غَيْرُ الْآدَمِيِّينَ لَمْ يَجُزْ رَمْيُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِطَلَبِ نَجَاةِ الْبَاقِينَ، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ، وَيَبْدَأُ بِطَرْحِ الْأَمْتِعَةِ ثُمَّ الْبَهَائِمِ لِشَرَفِ النُّفُوسِ قَالَ وَهَذَا الطَّرْحُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَاجِبٌ، وَلَا يَجْرِي فِيهِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ لِلْعُلَمَاءِ فِي دَفْعِ الدَّاخِلِ عَلَيْك الْبَيْتَ لِطَلَبِ النَّفْسِ أَوْ الْمَالِ، وَلَا مَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَفِيهِمَا قَوْلَانِ: (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ الدَّفْعُ وَالْأَكْلُ. (وَثَانِيهِمَا) لَا يَجِبَانِ لِقِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ» ، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي تَسْلِيمِ نَفْسِهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّارِكَ لِلْقَتْلِ وَالْأَكْلِ هُنَالِكَ تَارِكٌ لِئَلَّا يَفْعَلَ مُحَرَّمًا، وَهَا هُنَا لِبَقَاءِ الْمَالِ. وَاقْتِنَاؤُهُ لَيْسَ وَاجِبًا، وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَسَفْكُ الدَّمِ مُحَرَّمٌ، وَمَا وُضِعَ الْمَالُ إلَّا وَسِيلَةٌ لِبِنَاءِ النَّفْسِ، وَلَمْ يُوضَعْ قَتْلُ الْغَيْرِ، وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَسِيلَةً لِذَلِكَ، وَلَا يَضْمَنُ الطَّارِحُ هُنَا مَا طَرَحَهُ اتِّفَاقًا وَلِمَالِكٍ فِي أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ لِلْمَجَاعَةِ قَوْلَانِ بِالضَّمَانِ وَعَدَمِهِ، وَلَا يَضْمَنُ بِدَفْعِ الْفَحْلِ إذَا قَتَلَهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ قَتْلُهُ صَوْنًا لِلنَّفْسِ فَقَدْ قَامَ عَنْ صَاحِبِهِ بِوَاجِبٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا يَضْمَنُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السَّفِينَةِ إلَّا الطَّارِحُ إنْ طَرَحَ مَالَ غَيْرِهِ، وَإِنْ طَرَحَ مَالَ نَفْسِهِ فَمُصِيبَتُهُ مِنْهُ وَلَوْ اسْتَدْعَى غَيْرُهُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَوَافَقُونَا إذَا قَالَ اقْضِ عَنِّي دَيْنِي فَقَضَاهُ، وَفِي اقْتِرَاضِ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ وَاقْتِرَاضِ الْوَصِيِّ لِلْيَتِيمِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ ابْنُ عَرَفَةَ يَقُولُ إنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ النَّفْعُ جَازَ انْتَهَى اهـ وَقَالَ خَلِيلٌ فِي الْمُخْتَصَرِ عَاطِفًا عَلَى مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ، وَلَا تَعْلِيمِ غِنَاءٍ أَوْ دُخُولِ حَائِضٍ لِمَسْجِدٍ أَيْ لِخِدْمَتِهِ أَوْ دَارٍ لِتُتَّخَذَ كَنِيسَةً كَبَيْعِهَا لِذَلِكَ اهـ. قَالَ عبق، وَمِثْلُ تَعْلِيمِ الْغِنَاءِ تَعْلِيمُ آلَاتِ الطَّرَبِ كَالْعُودِ وَالْمِزْمَارِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ عَلَى الْعِوَضِ فَرَّعَ ثُبُوتَهُ عَلَى مِلْكِ الْمُعَوَّضِ، وَلِخَبَرِ «أَنَّ اللَّهَ إذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ» اهـ. وَقَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَى الْخَرَشِيِّ قَضِيَّةُ أَنَّ حُكْمَ الْغِنَاءِ الْمُجَرَّدِ عَنْ مُقْتَضَى التَّحْرِيمِ الْكَرَاهَةُ أَنْ تَكُونَ الْإِجَارَةُ عَلَى تَعْلِيمِ الْغِنَاءِ مَكْرُوهَةً لَا حَرَامًا اهـ. وَقَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ أَجْمَعُوا عَلَى إبْطَالِ كُلِّ مَنْفَعَةٍ كَانَتْ لِشَيْءٍ مُحَرَّمِ الْعَيْنِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْفَعَةٍ كَانَتْ مُحَرَّمَةً بِالشَّرْعِ مِثْلُ أَجْرِ النَّوَائِحِ، وَأَجْرِ الْمُغَنِّيَاتِ اهـ. أَيْ، وَمِثْلُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى صَنْعَةِ آنِيَةِ مِنْ نَقْدٍ كَمَا فِي شُرَّاحِ الْمُخْتَصَرِ. 2 - (الشَّرْطُ الثَّانِي) قَبُولُ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُعَاوَضَةِ احْتِرَازًا مِنْ النِّكَاحِ كَذَا فِي الْأَصْلِ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَلَا يَظْهَرُ إلَّا إذَا أَرَادَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ فَفِي بِدَايَةِ الْحَفِيدِ الْمُجْتَهِدِ ابْنِ رُشْدٍ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ، وَجَمِيعُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى تَحْرِيمِهَا لِأَنَّ الْأَخْبَارَ تَوَاتَرَتْ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّحْرِيمُ فَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ حَرَّمَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، وَفِي بَعْضِهَا يَوْمَ الْفَتْحِ، وَفِي بَعْضِهَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَفِي بَعْضِهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَفِي بَعْضِهَا فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَفِي بَعْضِهَا عَامَ أَوْطَاسٍ اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ بِتَصَرُّفٍ. وَأَمَّا إجَارَةُ الْفُحُولِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالدَّوَابِّ لِلنُّزُوِّ فَفِي الْبِدَايَةِ أَيْضًا أَجَازَ مَالِكٌ أَنْ يُكْرِيَ الرَّجُلُ فَحْلَهُ عَلَى أَنْ يَنْزُوَ أَكْوَامًا مَعْلُومَةً، وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلَا الشَّافِعِيُّ، وَحُجَّةُ مَنْ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ مَا جَاءَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ عَسِيبِ الْفَحْلِ، وَمَنْ أَجَازَهُ شَبَّهَهُ بِسَائِرِ الْمَنَافِعِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ تَغْلِيبُ الْقِيَاسِ عَلَى السَّمَاعِ اهـ الْمُحْتَاجِ مِنْهُ. وَأَمَّا الْإِجَارَةُ فِيمَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ شُعَيْبٍ مَعَ مُوسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] فَإِنَّهَا وَإِنْ قُلْنَا إنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ نَاسِخٌ، وَلَمْ يَرِدْ هُنَا نَاسِخٌ إلَّا أَنَّهَا إجَارَةُ عَيْنٍ أَجَّلَهَا، وَسَمَّى عِوَضَهَا، وَهُوَ عَقَدُهُ عَلَى إحْدَى ابْنَتَيْهِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا الصُّغْرَى الَّتِي أَرْسَلَهَا فِي طَلَبِهِ، وَقِيلَ الْكُبْرَى، وَلَا يَرِدُ عَدَمُ تَبْعِيضِ الْبُضْعِ إذْ لَا يَلْزَمُ تَبْعِيضُ الْعِوَضِ فَلِذَا زَادَ ابْنُ عَرَفَةَ لَفْظَةَ بَعْضُهُ فِي تَعْرِيفِ الْإِجَارَةِ بِقَوْلِهِ بَيْعُ مَنْفَعَةِ مَا أَمْكَنَ نَقْلُهُ غَيْرَ سَفِينَةٍ وَلَا حَيَوَانٍ لَا يُعْقَلُ بِعِوَضٍ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْهَا بَعْضُهُ يَتَبَعَّضُ بِتَبَعُّضِهَا اهـ. وَنَمْنَعُ كَوْنَ الِانْتِفَاعِ بِالْبُضْعِ لَيْسَ مُتَمَوِّلًا بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ غَصَبَ امْرَأَةً وَوَطِئَهَا يَلْزَمُهُ مَهْرُهَا كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ وَالْعَدَوِيِّ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ. 2 -

فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ نَظَرًا لَهُ قُلْنَا الْقِيَاسُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ بِجَامِعِ السَّعْيِ فِي الْقِيَامِ عَنْ الْغَيْرِ بِوَاجِبٍ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ حِفْظُ نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَمَنْ بَادَرَ مِنْهُمْ قَامَ بِذَلِكَ الْوَاجِبِ (احْتَجُّوا) بِأَنَّ السَّلَامَةَ بِالطَّرْحِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ بِخِلَافِ الصَّائِلِ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْآدَمِيِّينَ وَأَمْوَالِ الْقِنْيَةِ. (الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ) أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِطَعَامِ الْمُضْطَرِّ فَإِنَّ الْمُضْطَرَّ يَضْمَنُ مَعَ احْتِمَالِ هَلَاكِهِ بِمَا أَكَلَ بَلْ يُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْعَادَةِ فَقَطْ، وَقَدْ شَهِدْت بِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ السَّلَامَةِ فِيهِمَا مَعَ احْتِمَالِ النَّقِيضِ (وَعَنْ الثَّانِي) مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْفَرْقِ مَعَ أَنَّ الطُّرْطُوشِيَّ قَالَ: الْقِيَاسُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْقِنْيَةِ وَالتِّجَارَةِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ صَوْنُ الْأَمْوَالِ، وَالْكُلُّ يُثْقِلُ السَّفِينَةَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ عَمِلَ مِنْ الْأُجَرَاءِ النِّصْفَ مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ يَكُونُ لَهُ النِّصْفُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ عَمِلَ النِّصْفَ لَا يَكُونُ لَهُ النِّصْفُ) اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي الْإِجَارَاتِ أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يَخِيطَ لَهُ ثَوْبَيْنِ أَوْ يَبْنِيَ لَهُ دَارَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَفَعَلَ أَحَدَهُمَا، وَهُوَ النِّصْفُ اسْتَحَقَّ النِّصْفَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَوَقَعَ فِيهَا أَيْضًا أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا عَشَرَةً فِي عَشَرَةٍ تَكُونُ مُرَبَّعَةً مِنْ كُلِّ جِهَةٍ عَشَرَةً، وَيَكُونُ عُمْقُهَا عَشَرَةً فَعَمِلَ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ أَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ صُنْدُوقًا عَشَرَةً فِي عَشَرَةً فَعَمِلَ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَاعِدَةِ أَنَّ لِهَذَيْنِ نِصْفَ الْأُجْرَةِ لِأَنَّهُمَا قَدْ عَمِلَا خَمْسَةً، وَهِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ عَمِلَ مِنْ الْأُجَرَاءِ النِّصْفَ مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ عَمِلَ النِّصْفَ لَا يَكُونُ لَهُ النِّصْفُ) قُلْت هَذَا الْفَرْقُ فَاسِدُ الْوَضْعِ فَاحِشُ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ قَاعِدَةٌ وَاحِدَةٌ لَا غَيْرُ، وَكُلُّ مَنْ عَمِلَ النِّصْفَ فَلَهُ النِّصْفُ لَا مَحَالَةَ، وَإِنَّمَا يَجْرِي الْوَهْمُ عَلَى الْأَغْبِيَاءِ فَيَظُنُّونَ أَنَّ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى عَشَرَةٍ فِي عَشَرَةٍ فَعَمِلَ ذَلِكَ فَقَدْ عَمِلَ جَمِيعَ مَا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَأَنَّهُ مَتَى اُسْتُؤْجِرَ عَلَى ذَلِكَ فَعَمِلَ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ أَنَّهُ عَمِلَ النِّصْفَ، وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ عَمِلَ الثُّمُنَ مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ كَيْفَ، وَقَدْ بَيَّنَ الْمُؤَلِّفُ ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْفَرْقِ، وَالْعَجَبُ مِنْهُ كَيْفَ ظَنَّ أَنَّ التَّرْجَمَةَ صَحِيحَةٌ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ النِّصْفَ، وَلَكِنْ الْغَفْلَةَ لَازِمَةٌ لِمَنْ لَمْ يُعْصَمْ مِنْ الْبَشَرِ، وَلَكِنْ هَذِهِ الْغَفْلَةُ لَا يُعْذَرُ صَاحِبُهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمَا قَالَهُ فِي حِكَايَةِ الْفُرُوقِ الْخَمْسَةِ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مُتَقَوِّمَةً احْتِرَازًا مِنْ التَّافِهِ الْحَقِيرِ الَّذِي لَا يُقَابَلُ بِالْعِوَضِ أَيْ بِالْمَالِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ كَاسْتِئْجَارِ نَارٍ لِيُوقِدَ مِنْهَا سِرَاجًا، وَقَدْ نَصَّ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ مَنْ قَالَ ارْقَ هَذَا الْجَبَلَ وَلَك كَذَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ كَمَا فِي الْحَطَّابِ قَالَ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي فُرُوعٍ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمَنْفَعَةَ هَلْ هِيَ مُتَقَوِّمَةٌ أَمْ لَا كَالْمُصْحَفِ وَالْأَشْجَارِ لِلتَّجْفِيفِ كَمَا فِي الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق قَالَ الْخَرَشِيُّ يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْمُصْحَفِ لِمَنْ يَقْرَأُ فِيهِ لِجَوَازِ بَيْعِهِ خِلَافًا لِابْنِ حَبِيبٍ فِي مَنْعِهِ إجَارَتَهُ اهـ. قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَيْهِ أَيْ لِأَنَّ إجَارَتَهُ كَأَنَّهَا ثَمَنُ الْقُرْآنِ بِخِلَافِ بَيْعِهِ فَإِنَّهُ ثَمَنٌ لِلْوَرَقِ، وَالْخَطِّ فَابْنُ حَبِيبٍ يُوَافِقُ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهِ، وَيُخَالِفُ فِي إجَارَتِهِ فَقَدْ بِيعَتْ الْمَصَاحِفُ فِي أَيَّامِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ذَلِكَ فَكَانَ إجْمَاعًا اهـ. وَفِي الْأَصْلِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِئْجَارِ الْأَشْجَارِ لِتَجْفِيفِ الثِّيَابِ فَمَنَعَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ اهـ أَيْ، وَأَجْزَأَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِمَّا يَتَأَثَّرُ الشَّجَرُ بِهِ، وَيَنْقُصُ مَنْفَعَةُ كَثِيرَةٍ مِنْهُ فَهِيَ مَنْفَعَةٌ تَتَقَوَّمُ كَمَا فِي عبق، وَفِي الْخَرَشِيِّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَالْخِلَافُ فِيهَا خِلَافٌ فِي حَالٍّ هَلْ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ مُتَقَوِّمَةٌ أَمْ لَا اهـ. 2 - (الشَّرْطُ الرَّابِعُ) أَوْ تَكُونُ أَيْ الْمَنْفَعَةُ مَمْلُوكَةً احْتِرَازًا مِنْ الْأَوْقَافِ عَلَى السُّكْنَى كَبُيُوتِ الْمَدَارِسِ وَالْخَوَانِقِ، وَكَذَا كُلُّ بِلَادٍ فَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً، وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي مَكَّةَ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَّا أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا مُحْتَجًّا بِمَا رُوِيَ «أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ قَتَلَ قَوْمًا فَوَدَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» ، وَهُوَ دَلِيلُ الصُّلْحِ، وَلَا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً مُحْتَجِّينَ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مَكَّةَ مُجَاهِدًا بِالْأَسْلِحَةِ نَاشِرًا لِلْأَلْوِيَةِ بَاذِلًا لِلْأَمَانِ لِمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْعَنْوَةِ قَطْعًا قَالُوا وَيَجِبُ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا وَدَى الطَّائِفَةَ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ» لِكَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّنَهُمْ وَعَصَمَ دِمَاءَهُمْ جَمِيعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَكَانَ مُقْتَضَى اتِّفَاقِ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً أَنْ لَا يَقُولُوا بِجَوَازِ كِرَاءِ دُورِهَا لَا سِيَّمَا، وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ أَرْضَ الْعَنْوَةِ تَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا سَوَاءٌ كَانَتْ أَرْضَ زِرَاعَةٍ أَوْ أَرْضَ دُورٍ كَمَا فِي تُحْفَةِ الْمُرِيدِ السَّالِكِ لِلْبُنَانِيِّ الْمَكِّيِّ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِرَاءِ دُورِ مَكَّةَ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ عَنْ مَالِكٍ. (الْأُولَى) الْمَنْعُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْبُنَانِيُّ الْمَكِّيُّ فِي رِسَالَتِهِ تُحْفَةُ الْمُرِيدِ السَّالِكِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ سَمَاعُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ اهـ. وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ (وَالثَّانِيَةُ) الْجَوَازُ قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْبُنَانِيُّ الْمَكِّيُّ أَيْضًا، وَفِي مُقَدِّمَاتِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ إجَازَةُ ذَلِكَ

نِصْفُ الْعَشَرَةِ لَكِنْ قَالَ الْفُضَلَاءُ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ الثُّمُنُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الصُّنْدُوقِ الرُّبْعُ فَلَمْ يَجْرُوا فِي ذَلِكَ عَلَى قَاعِدَةِ الْإِجَارَةِ، وَلَمْ يَجْرُوا أَيْضًا فِي الْمُخَالَفَةِ عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ، وَوَجْهُ صِحَّةِ مَا قَالُوهُ أَنَّ الْبِئْرَ كُلَّمَا نَزَلَ فِيهَا ذِرَاعًا فَقَدْ شَالَ مِنْ التُّرَابِ بِسَاطًا مِسَاحَتُهُ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ، وَذَلِكَ مِائَةٌ فَكُلُّ ذِرَاعٍ يُنْزِلُهُ فِي الْبِئْرِ حِينَئِذٍ مِائَةُ ذِرَاعٍ، وَالْأَذْرُعُ عَشَرَةٌ وَعَشَرَةٌ فِي مِائَةٍ بِأَلْفٍ فَالْمُسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ أَلْفُ ذِرَاعٍ فَلَمَّا عَمِلَ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ شَالَ فِي الذِّرَاعِ الْأَوَّلِ تُرَابَ خَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَكُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ هَذَا الْمَعْمُولِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَالْأَذْرُعُ الْمَعْمُولَةُ خَمْسَةٌ وَخَمْسَةٌ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ بِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ عِشْرِينَ، وَذَلِكَ مَا عَمِلَهُ، وَنِسْبَتُهُ إلَى الْأَلْفِ نِسْبَةُ الثُّمُنِ فَيَسْتَحِقُّ الثُّمُنَ. وَأَمَّا الصُّنْدُوقُ فَلَيْسَ فِيهِ بَقْرٌ، وَإِلَّا اسْتَوَتْ الْمَسْأَلَتَانِ بَلْ أَلْوَاحٌ يُلَفِّقُهَا فَهُوَ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى سِتَّةِ أَلْوَاحٍ كُلٌّ مِنْهَا عَشَرَةٌ، وَذَلِكَ دَائِرُهُ أَرْبَعَةٌ وَقَعْرُهُ وَغِطَاؤُهُ فَكُلُّ لَوْحٍ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ فَهُوَ مِائَةُ ذِرَاعٍ، وَالْأَلْوَاحُ سِتَّةٌ فَالْمُسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ سِتُّمِائَةٍ، عَمِلَ سِتَّةً فِي خَمْسَةٍ فَيَكُونُ كُلُّ لَوْحٍ مِنْهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ الْمُتَحَصِّلَةُ مِنْ ضَرْبِ خَمْسَةٍ فِي سِتَّةٍ، وَعِشْرُونَ فِي سِتَّةٍ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَنِسْبَتُهَا إلَى سِتِّمِائَةٍ كَنِسْبَةِ الرُّبْعِ فَلَهُ الرُّبْعُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهَا مِنْ أَبْدَعِ مَا يُلْقَى فِي مَسَائِلِ الْمُطَارَحَاتِ عَلَى الْفُقَهَاءِ، وَكَمْ يَخْفَى عَلَى الْفَقِيهِ وَالْحَاكِمِ الْحَقُّ فِي الْمَسَائِلِ الْكَثِيرَةِ بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِالْحِسَابِ وَالطِّبِّ وَالْهَنْدَسَةِ فَيَنْبَغِي لِذَوِي الْهِمَمِ الْعَلِيَّةِ أَنْ لَا يَتْرُكُوا الِاطِّلَاعَ عَلَى الْعُلُومِ مَا أَمْكَنَهُمْ: فَلَمْ أَرَى فِي عُيُوبِ النَّاسِ شَيْئًا ... كَنَقْصِ الْقَادِرِينَ عَلَى التَّمَامِ (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَضْمَنُهُ الْأُجَرَاءُ إذَا هَلَكَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَضْمَنُونَهُ) اعْلَمْ أَنَّ الْهَلَاكَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ مَا هَلَكَ بِسَبَبِ حَامِلِهِ مِنْ عِثَارٍ أَوْ ضَعْفِ حَبْلٍ لَمْ يَغْرُرْ بِهِ أَوْ ذَهَابِ دَابَّةٍ أَوْ سَفِينَةٍ بِمَا فِيهِمَا فَلَا ضَمَانَ، وَلَا أُجْرَةَ، وَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ لِيَحْمِلَهُ قَالَهُ مَالِكٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ مَا هَلَكَ بِعِثَارٍ كَالْهَالِكِ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ لِرَبِّ السَّفِينَةِ بِحِسَابِ مَا بَلَغَتْ. (الثَّانِي) مَا غَرَّ فِيهِ بِضَعْفِ حَبْلٍ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ بِمَوْضِعِ الْهَلَاكِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ التَّفْرِيطِ، وَلَهُ مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِهِ، وَقِيلَ بِمَوْضِعِ الْحَمْلِ لِأَنَّهُ مِنْهُ ابْتِدَاءُ التَّعَدِّي. (الثَّالِثُ) مَا هَلَكَ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ بِالْبَيِّنَةِ فَلَهُ الْكِرَاءُ كُلُّهُ، وَعَلَيْهِ حَمْلُ مِثْلِهِمْ مِنْ مَوْضِعِ الْهَلَاكِ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْمَنْفَعَةِ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ. (الرَّابِعُ) مَا هَلَكَ بِقَوْلِهِمْ مِنْ الطَّعَامِ لَا يُصَدَّقُونَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا كَمَا فِي تَبْصِرَةِ اللَّخْمِيِّ ثُمَّ قَالَ، وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي بِهِ الْفَتْوَى، وَعَلَيْهِ جَرَى الْعَمَلُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى وَالْقُضَاةِ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ قَالَ، وَبِهِ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَطَاوُسٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ كَمَا فِي شَرْحِ الْعَيْنِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ اهـ. (وَالثَّالِثَةُ) الْكَرَاهَةُ قَالَ الْبُنَانِيُّ الْمَكِّيُّ فِي تُحْفَةِ الْمُرِيدِ السَّالِكِ وَمِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ مَنْ ذَهَبَ إلَى كَرَاهَةِ بَيْعِ دُورِ مَكَّةَ وَكِرَائِهَا، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ فِيهَا أَيْضًا قَالَ فِي الْمُوَازَنَةِ، وَقَدْ سَمِعْت أَنَّ مَالِكًا ايَكْرَهُ كِرَاءَ بُيُوتِ مَكَّةَ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قَصَدَ بِالْكِرَاءِ الْآلَاتِ وَالْأَخْشَابَ جَازَ، وَإِنْ قَصَدَ فِيهِ الْبُقْعَةَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ اهـ. قَالَ الْحَطَّابُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا أَيْ لِلتَّنْزِيهِ اهـ. (وَالرَّابِعَةُ) تَخْصِيصُهَا أَيْ الْكَرَاهَةِ بِالْمَوْسِمِ لِكَثْرَةِ النَّاسِ، وَاحْتِيَاجِهِمْ لِلْوَقْفِ قَالَ الْبُنَانِيُّ الْمَكِّيُّ أَيْضًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَحَكَى الدَّاوُدِيُّ عَنْهُ أَيْ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ كِرَاءَهَا فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ خَاصَّةً انْتَهَى، وَهَكَذَا حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنْهُ أَيْضًا اهـ. وَذَلِكَ لِأَمْرَيْنِ (الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) أَنَّهُمْ اسْتَثْنَوْا فِي مَشْهُورِهِمْ الْمَذْكُورِ مَكَّةَ نَظَرًا إلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ مَنَّ بِهَا عَلَى أَهْلِهَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا فَتَكُونُ أَرْضُ مَكَّةَ وَدُورُهَا مِلْكًا لِأَهْلِهَا قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي شَرْحِ الْبُرْدَةِ إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً غَيْرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَّ عَلَى أَهْلِهَا أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا فَأَرْضُهَا إذًا وَدُورُهَا لِأَهْلِهَا، وَلَكِنْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ التَّوْسِيعَ عَلَى الْحُجَّاجِ إذَا قَدِمُوهَا فَلَا يَأْخُذُوا مِنْهُمْ كِرَاءً فِي مَسَاكِنِهَا فَهَذَا حُكْمُهَا فَلَا عَلَيْك بَعْدَ هَذَا فُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا، وَإِنْ كَانَتْ ظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً انْتَهَى كَمَا فِي تُحْفَةِ الْمُرِيدِ لِلْبُنَانِيِّ الْمَكِّيِّ (الْأَمْرُ الثَّانِي) قَالَ الْأَصْلُ، وَمِثْلُهُ لِسَنَدٍ فِي الذَّخِيرَةِ كَمَا فِي تُحْفَةِ الْمُرِيدِ السَّالِكِ لِلْبُنَانِيِّ الْمَكِّيِّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ هَلْ تَصِيرُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ مَالِكٍ أَوْ لِلْإِمَامِ قَسْمُهَا كَسَائِرِ الْغَنَائِمِ أَوْ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي ذَلِكَ، وَالْقَاعِدَةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا أَنَّ مَسَائِلَ الْخِلَافِ إذَا اتَّصَلَ بِبَعْضِ أَقْوَالِهَا قَضَاءُ حَاكِمٍ تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِهِ، وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ، وَتَعَيَّنَ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ، وَبِهَذَا يُجَابُ أَيْضًا عَمَّا قِيلَ إنَّ مُقْتَضَى أَنَّ أَرْضَ الْعَنْوَةِ لَا تُمْلَكُ أَنَّهُ يَحْرُمُ كِرَاءُ دُورِ مِصْرَ وَأَرَاضِيهَا فَإِنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَرَّحَ فِي الْكِتَابِ أَيْ فِي كِتَابِ الْمُدَوَّنَةِ، وَغَيْرِهِ بِأَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَيَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ تَخْطِئَةُ الْقُضَاةِ فِي إثْبَاتِ الْأَمْلَاكِ، وَعُقُودِ الْإِجَارَاتِ، وَالْأَخْذِ بِالشُّفَعَاءِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فِيهَا، وَكَذَا فِي كُلِّ مَا قِيلَ إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً كَمَكَّةَ زَادَ الْأَصْلُ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الدُّورَ وَقْفٌ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الدُّورَ الَّتِي صَادَفَهَا الْفَتْحُ

فِيهِ لِقِيَامِ التُّهْمَةِ، وَلَهُمْ الْكِرَاءُ كُلُّهُ لِأَنَّ شَأْنَ الطَّعَامِ امْتِدَادُ الْأَيْدِي إلَيْهِ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوهُ بِالْعَقْدِ. (الْخَامِسُ) مَا هَلَكَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ الْعُرُوضِ يُصَدَّقُونَ فِيهِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، وَلَهُمْ الْكِرَاءُ كُلُّهُ، وَعَلَيْهِمْ حَمْلُ مِثْلِهِ مِنْ مَوْضِعِ الْهَلَاكِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا قَصَدُوا أَشْبَهَ مَا هَلَكَ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَهُمْ مِنْ الْكِرَاءِ بِحَسَبِ مَا بَلَغُوا، وَيُفْسَخُ الْكِرَاءُ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ قَوْلِهِمْ أَشْبَهَ مَا هَلَكَ بِعِثَارٍ (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُمْنَعُ فِيهِ الْجَهَالَةُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْجَهَالَةُ بِحَيْثُ لَوْ فُقِدَتْ فِيهِ الْجَهَالَةُ فَسَدَ) أَمَّا مَا تُفْسِدُهُ الْجَهَالَةُ فَهُوَ الْبِيَاعَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْإِجَارَاتِ، وَمِنْ الْإِجَارَاتِ قِسْمٌ لَا يَجُوزُ تَعْيِينُ الزَّمَانِ فِيهِ بَلْ يُتْرَكُ مَجْهُولًا، وَهُوَ الْأَعْمَالُ فِي الْأَعْيَانِ كَخِيَاطَةِ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَيِّنَ زَمَانَ الْخِيَاطَةِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ الْيَوْمَ مَثَلًا فَتَفْسُدُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْغَرَرَ بِتَوَقُّعِ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، بَلْ مَصْلَحَتُهُ، وَنَفْيُ الْغَرَرِ عَنْهُ أَنْ يَبْقَى مُطْلَقًا، وَكَذَلِكَ الْجَعَالَةُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِيهَا مُحَدَّدًا مَعْلُومًا لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْغَرَرَ فِي الْعَمَلِ بِأَنْ لَا يَجِدَ الْآبِقَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَا بِذَلِكَ السَّفَرِ الْمَعْلُومِ بَلْ نَفْيُ الْغَرَرِ عَنْ الْجَعَالَةِ بِحُصُولِ الْجَهَالَةِ فِيهَا، وَالْجَهَالَةُ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ شَرْطٌ، وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِهِمَا مَانِعًا، وَهَا هُنَا قَاعِدَةٌ شَرْعِيَّةٌ تُعْرَفُ بِجَمْعِ الْفَرْقِ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْمُنَاسِبُ يُنَاسِبُ الْإِثْبَاتَ وَالنَّفْيَ أَوْ يُنَاسِبُ الضِّدَّيْنِ، وَيَتَرَتَّبَانِ عَلَيْهِ فِي الشَّرِيعَةِ، وَهُوَ قَلِيلٌ فِي الْفِقْهِ فَإِنَّ الْوَصْفَ إذَا نَاسَبَ حُكْمًا نَافَى ضِدَّهُ أَمَّا اقْتِضَاؤُهُ لَهُمَا فَبَعِيدٌ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْجَعَالَاتِ وَالْإِجَارَاتِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الْحَجْرُ يَقْتَضِي رَدَّ التَّصَرُّفَاتِ، وَإِطْلَاقُ التَّصَرُّفَاتِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ صَوْنًا لِمَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ عَلَى مَصَالِحِهِ، وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ صَوْنًا لِمَالِهِ عَلَى مَصَالِحِهِ لِأَنَّا لَوْ رَدَدْنَا الْوَصَايَا لَحَصَلَ الْمَالُ لِلْوَارِثِ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فَصَارَ صَوْنُ الْمَالِ عَلَى الْمَصَالِحِ يَقْتَضِي تَنْفِيذَ التَّصَرُّفَاتِ، وَرَدَّ التَّصَرُّفَاتِ، وَكَذَلِكَ الْقَرَابَةُ تُوجِبُ الْبِرَّ بِدَفْعِ الْمَالِ، وَتُوجِبُ الْمَنْعَ مِنْ دَفْعِ الْمَالِ إذَا كَانَ زَكَاةً فَيُحْرَمُوا إيَّاهَا، وَتُعْطَى لِغَيْرِهِمْ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ، وَكَذَلِكَ أَقْرِبَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجِبُ بِرُّهُمْ بِسَدِّ خَلَّاتِهِمْ بِالْمَالِ، وَيَحْرُمُ دَفْعُ الْمَالِ إلَيْهِمْ إذَا كَانَ زَكَاةً فَصَارَ قُرْبُهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوجِبُ دَفْعَ الْمَالِ، وَمَنْعَ الْمَالِ بِاعْتِبَارِ مَالَيْنِ وَنِسْبَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَعْنًى يُوجِبُ مَصْلَحَةً أَوْ مَفْسَدَةً، وَيُوجِبُ نَقِيضَهَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ، وَبِاعْتِبَارِ نِسْبَةٍ أُخْرَى ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَمَّا إذَا انْهَدَمَتْ تِلْكَ الْأَبْنِيَةُ، وَبَنَى أَهْلُ الْإِسْلَامِ دُورًا غَيْرَ دُورِ الْكُفَّارِ فَهَذِهِ الْأَبْنِيَةُ لَا تَكُونُ وَقْفًا إجْمَاعًا، وَحَيْثُ قَالَ مَالِكٌ لَا تُكْرَى دُورُ مَكَّةَ مَثَلًا يُرِيدُ مَا كَانَ فِي زَمَانِهِ بَاقِيًا مِنْ دُورِ الْكُفَّارِ الَّتِي صَادَفَهَا الْفَتْحُ، وَالْيَوْمُ قَدْ ذَهَبَتْ تِلْكَ الْأَبْنِيَةُ فَلَا يَكُونُ قَضَاءُ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ خَطَأً نَعَمْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ أَيْ تَخْطِئَةُ الْقَضَاءِ بِالْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ وَالشُّفْعَةِ فِي الْأَرَضِينَ فَإِنَّهَا بَاقِيَةٌ ثَابِتَةٌ اهـ. كَلَامُ الْأَصْلِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ أَيْ هَذَا الْجَوَابُ صَحِيحٌ، وَأَمَّا جَوَابُهُ عَنْ الْإِيرَادِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً تَخْطِئَةُ الْقُضَاةِ فِيمَا ذُكِرَ إلَّا إذَا سَلَّمْنَا أَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ فُتْيَا يُقَلَّدُ فِيهَا، وَمَذْهَبٌ لَهُ يَجِبُ عَلَى مُقَلِّدِهِ اتِّبَاعُهُ فِيهِ، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ شَهَادَةٌ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فُلَانٌ أَخَذَ مَاله غَصْبًا، وَخَالَعَ امْرَأَتَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَذْهَبَ الَّذِي يُقَلَّدُ فِيهِ الْإِمَامُ مَشْرُوطٌ بِشَرْطَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ أَحَدَ خَمْسَةِ أُمُورٍ لَا سَادِسَ لَهَا (أَحَدُهَا) الْأَحْكَامُ كَوُجُوبِ الْوِتْرِ (وَثَانِيهَا) الْأَسْبَابُ كَالْمُعَاطَاةِ (وَثَالِثُهَا) الشُّرُوطُ كَالنِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ (وَرَابِعُهَا) الْمَوَانِعُ كَالدَّيْنِ فِي الزَّكَاةِ (وَخَامِسُهَا) الْحِجَاجُ كَشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ (وَالثَّانِي) أَنْ يَخْتَصَّ بِالْقَوْلِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ، وَيُخَالِفُهُ غَيْرُهُ فِيهِ إذْ لَا يُفْهَمُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِنْسَانِ فِي الْعَادَةِ إلَّا مَا اخْتَصَّ بِهِ كَقَوْلِك هَذِهِ طَرِيقُ زَيْدٍ إذَا اخْتَصَّ بِهِ أَوْ هَذِهِ عَادَتُهُ إذَا اخْتَصَّتْ بِهِ أَمَّا إذَا انْتَفَى الِاخْتِصَاصُ بِأَنْ اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَذْهَبًا لِأَحَدٍ فَلَا يُقَالُ إنَّ وُجُوبَ رَمَضَانَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَلَا غَيْرِهِ بَلْ ذَلِكَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا مَا عَدَا هَذِهِ الْخَمْسَةِ فَلَا يُقَالُ إنَّهَا مَذْهَبٌ يُقَلَّدُ فِيهِ بَلْ هُوَ إمَّا رِوَايَةٌ أَوْ شَهَادَةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ إمَامٍ زَيْدٌ زَنَى فَكَمَا لَا نُوجِبُ الرَّجْمَ بِذَلِكَ بَلْ نَقُولُ هَذِهِ شَهَادَةٌ هُوَ فِيهَا أُسْوَةُ جَمِيعِ الْعُدُولِ إنْ كَمُلَ النِّصَابُ بِشُرُوطِهِ رَجَمْنَاهُ، وَإِلَّا فَلَا كَذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ فُتِحَتْ مِصْرُ أَوْ مَكَّةُ عَنْوَةً شَهَادَةٌ، وَإِذَا كَانَتْ شَهَادَةً، وَهُوَ لَمْ يُبَاشِرْ الْفَتْحَ تَعَيَّنَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنْ يُقَالَ إنَّهُ نَقَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ عَنْ غَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ لَا يُدْرَى هَلْ أَذِنَ لَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ فِي النَّقْلِ عَنْهُ أَمْ لَا، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فَقَدْ عَارَضَتْ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ وَالشَّافِعِيَّ وَغَيْرَهُمَا قَالُوا الْفَتْحُ وَقَعَ صُلْحًا فَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ أَحَدَ الْبَيِّنَتَيْنِ أَعْدَلُ فَتُقَدَّمَ أَوْ يُقَالُ هَذَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ إذْ الْعُلَمَاءُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ نُفَاوِتَ نَحْنُ بَيْنَ عَدَالَتِهِمْ، وَلَوْ سَلَّمْنَا الْهُجُومَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ، وَلَيْسَ الْعَنْوَةُ، وَالصُّلْحُ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّهُ يُقْضَى فِيهِ بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ (وَالْأَمْرُ الثَّانِي) أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ عَنْ أَحَدٍ بَلْ هِيَ اسْتِقْلَالٌ، وَحِينَئِذٍ لَا يَتَأَتَّى أَنْ يُقَالَ مُسْتَنَدُهَا

فَإِنَّهُ يُوجِبُ الضِّدَّيْنِ، وَهُوَ ضَابِطُ جَمْعِ الْفَرْقِ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الْمُفَرَّقَاتِ، وَهِيَ الْأَضْدَادُ فَكَذَلِكَ الْجَهَالَةُ تُوجِبُ الْإِخْلَالَ بِمَصَالِح الْعُقُودِ فِي الْبِيَاعَاتِ، وَأَكْثَرِ أَنْوَاعِ الْإِجَارَاتِ فَكَانَتْ مَانِعَةً، وَوُجُودُهَا يُوجِبُ تَحْصِيلَ مَصْلَحَةِ عَقْدِ الْجَعَالَةِ حَتَّى يَبْقَى الْمَجْعُولُ لَهُ عَلَى طَلَبِهِ فَيَجِدُ الْآبِقَ فَلَا يَذْهَبُ عَمَلُهُ الْمُتَقَدِّمُ مَجَّانًا فَإِذَا قَيَّدْنَا عَلَيْهِ الْعَمَلَ، وَقَدَّرْنَاهُ مَعْلُومًا فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ الْمَعْلُومَ، وَلَمْ يَجِدْ الْآبِقَ ذَهَبَ عَمَلُهُ مَجَّانًا فَضَاعَتْ مَصْلَحَةُ الْعَقْدِ (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَصْلَحَتُهُ مِنْ الْعُقُودِ فِي اللُّزُومِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَصْلَحَتُهُ عَدَمُ اللُّزُومِ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَقْدِ اللُّزُومُ لِأَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا شُرِعَ لِتَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْمَعْقُودِ بِهِ أَوْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَدَفْعِ الْحَاجَاتِ فَيُنَاسِبُ ذَلِكَ اللُّزُومَ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ، وَتَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودِ غَيْرَ أَنَّ مَعَ هَذَا الْأَصْلِ انْقَسَمَتْ الْعُقُودُ قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ كَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَعُقُودِ الْوِلَايَاتِ فَإِنَّ التَّصَرُّفَ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ يَحْصُلُ عَقِيبَ الْعَقْدِ، وَالْقِسْمُ الْآخَرُ لَا يَسْتَلْزِمُ مَصْلَحَتَهُ مَعَ اللُّزُومِ بَلْ مَعَ الْجَوَازِ وَعَدَمِ اللُّزُومِ، وَهُوَ خَمْسَةٌ عُقُودُ الْجَعَالَةِ، وَالْقِرَاضِ، وَالْمُغَارَسَةِ، وَالْوَكَالَةِ، وَتَحْكِيمِ الْحَاكِمِ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْحُكُومَةِ، وَأَنَّ الْجَعَالَةَ لَوْ شُرِعَتْ لَازِمَةً مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَطَّلِعُ عَلَى فَرْطِ بُعْدِ مَكَانِ الْآبِقِ أَوْ عَدَمِهِ مَعَ دُخُولِهِ عَلَى الْجَهَالَةِ بِمَكَانِهِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ فَجُعِلَتْ جَائِزَةً لِئَلَّا تَجْتَمِعَ الْجَهَالَةُ بِالْمَكَانِ وَاللُّزُومِ، وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ، وَكَذَلِكَ الْقِرَاضُ حُصُولٌ لِرِبْحٍ فِيهِ مَجْهُولٍ فَقَدْ يَتَّصِلُ بِهِ أَنَّ السِّلَعَ مُتَعَذِّرَةٌ أَوْ لَا يَحْصُلُ فِيهَا رِبْحٌ فَإِلْزَامُهُ بِالسَّفَرِ مَضَرَّةٌ بِغَيْرِ حِكْمَةٍ، وَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْعَقْدِ الَّذِي هُوَ الرِّبْحُ، وَكَذَلِكَ الْمُغَارَسَةُ مَجْهُولَةُ الْعَاقِبَةِ فِي نَبَاتِ الشَّجَرِ، وَجَوْدَةِ الْأَرْضِ، وَمَئُونَاتِ الْأَسْبَابِ عَلَى مُعَانَاةِ الشَّجَرِ مَعَ طُولِ الْأَيَّامِ فَقَدْ يَطَّلِعُ عَلَى تَعَذُّرِ ذَلِكَ أَوْ فَرْطِ بُعْدِهِ فَإِلْزَامُهُ بِالْعَمَلِ ضَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَكَذَلِكَ الْوَكَالَةُ قَدْ يَطَّلِعُ فِيمَا وُكِّلَ عَلَيْهِ عَلَى تَعَذُّرٍ أَوْ ضَرَرٍ فَجُعِلَتْ عَلَى الْجَوَازِ، وَتَحْكِيمُ الْحَاكِمِ خَطَرٌ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ اللُّزُومِ إذَا حَكَمَ فَقَدْ يَطَّلِعُ الْخَصْمَانِ عَلَى سُوءِ الْعَاقِبَةِ فِي ذَلِكَ فَلَا يُشْرَعُ اللُّزُومُ فِي حَقَّيْهِمَا نَفْيًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا، وَاشْتَرَكَ الْجَمِيعُ فِي عَدَمِ انْضِبَاطِ الْعَقْدِ بِحُصُولِ مَقْصُودِهِ فَكَانَ الْجَمِيعُ عَلَى الْجَوَازِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّمَاعُ لِأَنَّ الْأَصْحَابَ عَدُّوا الْمَسَائِلَ الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا وَسَلَّمْنَا أَنَّهَا مِنْهَا لَكِنْ حَصَلَ الْمُعَارِضُ الْمَانِعُ مِنْ الْحُكْمِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً شَهَادَةٌ لَا مَذْهَبٌ لَهُ حَتَّى يُقَلَّدَ فِيهِ فَتَجْرِي مَجْرَى الشَّهَادَاتِ ظَهَرَ تَخْطِئَةُ مَنْ أَفْتَى بِتَحْرِيمِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالشُّفْعَةِ فِي هَذِهِ الْبِقَاعِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ فِيهَا ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَظْهَرُ تَخْطِئَةُ مَنْ يُفْتِي مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بِإِبَاحَةِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالشُّفْعَةِ فِي هَذِهِ الْبِقَاعِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا، وَيَجْعَلُونَ هَذَا مِمَّا يُقَلَّدُ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَهَادَةٌ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ آخَرَ مَعَ الشَّافِعِيِّ يَشْهَدُ بِذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَوْ جَاءَ حَاكِمًا شَافِعِيًّا فَقَالَ لَهُ إنَّ فُلَانًا صَالَحَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ نَقْدًا، وَقَدْ صَارَتْ خُلْعًا مِنْهُ هَلْ يَقْضِي بِقَوْلِهِ وَحْدَهُ فَيَخْرِقُ الْإِجْمَاعَ أَوْ يَقُولُ هَذِهِ شَهَادَةٌ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ آخَرَ مَعَ الشَّافِعِيِّ يَشْهَدُ بِالْخُلْعِ فَكَمَا يَقُولُ فِي مِثْلِ هَذَا ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَهُ هُنَا كَذَلِكَ، وَقَدْ بَسَطْت هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ وَتَصَرُّفِ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ، وَهُوَ كِتَابٌ نَفِيسٌ فِيهِ أَرْبَعُونَ مَسْأَلَةً مِنْ هَذَا النَّوْعِ اهـ. بِتَصَرُّفٍ فَقَدْ تَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِمَا مُلَخَّصُهُ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ شَهَادَةً إذْ مِنْ شَرْطِ الشَّهَادَةِ أَنْ تَكُونَ خَبَرًا يَقْصِدُ الْمُخْبِرُ بِهِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَصْلُ قَضَاءٍ، وَلَا إشْعَارَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ الْمَذْكُورِ بِذَلِكَ الْقَصْدِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ نَوْعًا مِنْ الْخَبَرِ غَيْرِ الشَّهَادَةِ فَمَا بَسَطَهُ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ مِنْ الْمَسَائِلِ إنْ كَانَتْ مِنْ نَوْعِ مَا قَالَهُ هُنَا مِمَّا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ الْكِتَابُ بِنَفِيسٍ اهـ. قُلْت وَفِي الْحَوَاشِي الشِّرْبِينِيُّ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ مَعَ الْقَرَائِنِ الْمُنْفَصِلَةِ يُفِيدُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ كَالْمُتَوَاتِرِ إلَّا أَنَّ حُصُولَهُ فِي الْمُتَوَاتِرِ بِوَاسِطَةِ مَا لَا يَنْفَكُّ التَّعْرِيفُ عَنْهُ عَادَةً مِنْ الْقَرَائِنِ الْمُتَّصِلَةِ فَكَأَنَّهُ مِنْ نَفْسِ الْخَبَرِ بِخِلَافِ الْوَاحِدِ الْمَذْكُورِ فَحُصُولُهُ فِيهِ بِوَاسِطَةِ الْقَرَائِنِ الْمُنْفَصِلَةِ اهـ. وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً كَذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَغَيْرَهُمَا قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مَكَّةَ مُجَاهِدًا بِالْأَسْلِحَةِ نَاشِرًا لِلْأَلْوِيَةِ بَاذِلًا لِلْأَمَانِ لِمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ» ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْعَنْوَةِ قَطْعًا عَلَى أَنَّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ بِدُونِ تِلْكَ الْقَرَائِنِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ إجْمَاعًا فِي سَائِرِ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ سَمْعًا اهـ. قَالَ الْمَحَلِّيُّ أَيْ لَا عَقْلًا بِشَرْطِهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَبْعَثُ الْآحَادَ إلَى الْقَبَائِلِ وَالنَّوَاحِي لِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فَلَوْلَا أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِخَبَرِهِمْ لَمْ يَكُنْ لِبَعْثِهِمْ فَائِدَةٌ اهـ. قَالَ الْعَطَّارُ عَنْ زَكَرِيَّا، وَشُرُوطُهُ عَدَالَةٌ وَسَمْعٌ

(الْفَرْقُ الْعَاشِرُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُرَدُّ مِنْ الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُرَدُّ مِنْهُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ الرَّدُّ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ كَسَائِرِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، وَلِأَنَّهُ الْعَمَلُ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ الْقِرَاضِ يُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ إلَّا فِي تِسْعِ مَسَائِلَ الْقِرَاضُ بِالْعُرُوضِ، وَإِلَى أَجَلٍ، وَعَلَى الضَّمَانِ، وَالْمُبْهَمُ، وَبِدِينٍ يَقْتَضِيهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَعَلَى شِرْكٍ فِي الْمَالِ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَرِي إلَّا بِالدَّيْنِ فَاشْتَرَى بِالنَّقْدِ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَرِي إلَّا سِلْعَةً مُعَيَّنَةً لِمَا لَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ فَاشْتَرَى غَيْرَهَا، وَعَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدَ فُلَانٍ بِمَالِ الْقِرَاضِ ثُمَّ يَبِيعُهُ، وَيَتَّجِرُ بِثَمَنِهِ، وَأُلْحِقَ بِالتِّسْعَةِ عَاشِرَةٌ مِنْ غَيْرِ الْفَاسِدِ فَفِي الْكِتَابِ إذَا اخْتَلَفَا وَأَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ لَهُ قِرَاضُ الْمِثْلِ، وَالضَّابِطُ كُلُّ مَنْفَعَةٍ اشْتَرَطَهَا أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لَيْسَتْ خَارِجَةً عَنْ الْمَالِ، وَلَا خَالِصَةً لِمُشْتَرِطِهَا، وَمَتَى كَانَتْ خَارِجَةً عَنْ الْمَالِ أَوْ كَانَتْ غَرَرًا حَرَامًا فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ فَعَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ تَدُورُ الْمَسَائِلُ، وَعَنْ مَالِكٍ قِرَاضُ الْمِثْلِ مُطْلَقًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بِالْأُجْرَةِ مُطْلَقًا نَظَرًا لِاسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ بِغَيْرِ عَقْدٍ صَحِيحٍ وَإِلْغَاءِ الْفَاسِدِ بِالْكُلِّيَّةِ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ فِيهَا خَمْسَةُ أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ الْفَسَادُ فِي الْعَقْدِ فَقِرَاضُ الْمِثْلِ أَوْ لِزِيَادَةٍ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ وَرَابِعُهَا لِمُحَمَّدٍ الْأَقَلُّ مِنْ قِرَاضِ الْمِثْلِ الْمُسَمَّى وَخَامِسُهَا تَفْصِيلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ مَسَائِلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ: وَأُجْرَةُ مِثْلٍ فِي الْقِرَاضِ تَعَيَّنَتْ ... سِوَى تِسْعَةٍ قَدْ خَالَفَ الشَّرْعَ حُكْمُهُ قِرَاضُ عُرُوضٍ وَاشْتِرَاطُ ضَمَانِهِ ... وَتَحْدِيدُ وَقْتٍ وَالْتِبَاسٌ يَعُمُّهُ وَإِنْ شَرَطَا فِي الْمَالِ شِرْكًا لِعَامِلٍ ... وَأَنْ يُشْتَرَى بِالدَّيْنِ فَاخْتَلَّ رَسْمُهُ وَأَنْ يُشْتَرَى غَيْرُ الْمُعَيَّنِ لِلشِّرَا ... وَأَعْطِ قِرَاضَ الْمِثْلِ مِنْ حَالِ غُرْمِهِ وَأَنْ يَقْتَضِي الدَّيْنَ الَّذِي عِنْدَ غَيْرِهِ ... وَيَتَّجِرَ فِيهِ عَامِلًا لَا يَذُمُّهُ وَأَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا لِزَيْدٍ يَبِيعُهُ ... وَيَتَّجِرَ فِيمَا ابْتَاعَهُ وَيَلُمُّهُ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: وَضَابِطُهَا كُلُّ مَا يَشْتَرِطُ فِيهِ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ أَمْرًا قَصَرَهُ بِهِ عَلَى نَظَرِهِ أَوْ يَشْتَرِطُ زِيَادَةً لِنَفْسِهِ أَوْ شَرَطَهَا الْعَامِلُ لِنَفْسِهِ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَإِلَّا فَقِرَاضُ الْمِثْلِ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَمْرَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبَصَرٌ وَغَيْرُهُ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَحَلِّهِ اهـ. فَتَعَيَّنَ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ عَنْ الْإِيرَادِ الْمَذْكُورِ فَتَأَمَّلْ بِدِقَّةٍ وَسَبَبُ الْخِلَافَ فِي كِرَاءِ دُورِ مَكَّةَ أَمْرَانِ (الْأَوَّلُ) مَا مَرَّ مِنْ الْخِلَافِ فِي أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهَلْ يُنْظَرُ إلَى أَنَّهُ قَدْ مَنَّ عَلَى أَهْلِهَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ مُطْلَقًا أَمْ لَا مُطْلَقًا أَمْ يُنْظَرُ إلَيْهِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْمَوْسِمِ. (وَالْأَمْرُ الثَّانِي) تَعَارُضُ الْأَدِلَّةِ قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْبُنَانِيُّ الْمَكِّيُّ فِي رِسَالَتِهِ تُحْفَةِ الْمُرِيدِ السَّالِكِ فَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُ بِالْمَنْعِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: 25] قَالُوا الْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مَكَّةَ لِمَا رَوَى ابْنُ حَاتِمٍ، وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْحَرَمُ كُلُّهُ، وَقَدْ وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً} [الحج: 25] أَيْ الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: 25] أَيْ سَوَاءً الْمُقِيمُ فِي الْحَرَمِ، وَمَنْ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا أَوْ الْمُقِيمُ فِيهِ، وَالْغَرِيبُ سَوَاءٌ فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ دُورِ مَكَّةَ وَإِجَارَتِهَا لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَهَا لِلنَّاسِ سَوَاءً فَلَا يَخْتَصُّ أَحَدٌ بِمِلْكٍ فِيهَا دُونَ أَحَدٍ قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ عَلَى الْبُخَارِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الحج: 25] مَا نَصُّهُ وَأَوَّلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَكَّةَ، وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً} [الحج: 25] عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ دُورِهَا وَإِجَارَتِهَا ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْبَادِي وَالْعَاكِفِ فِي مَنَازِلِ مَكَّةَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فَلَيْسَ الْمُقِيمُ بِهَا أَحَقَّ بِالْمَنْزِلِ مِنْ الْقَادِمِ عَلَيْهَا انْتَهَى، وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْبُخَارِيِّ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ دُورِ مَكَّةَ وَإِجَارَتِهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَالثَّوْرِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٍ وَمَالِكٍ وَإِسْحَاقَ انْتَهَى (وَأَمَّا السُّنَّةُ) فَأَحَادِيثُ مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ فَضْلَةَ الْكِنَانِيِّ قَالَ كَانَتْ الدُّورُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَا تُبَاعُ وَلَا تُكْرَى، وَلَا تُدْعَى إلَّا السَّوَادَ لَمْ تُبَعْ رِبَاعُهَا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا أَبِي بَكْرٍ، وَلَا عُمَرَ فَمَنْ احْتَاجَ سَكَنَ، وَمَنْ اسْتَغْنَى أَسْكَنَ (وَمِنْهَا) مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَحِلُّ بَيْعُ بُيُوتِ مَكَّةَ، وَلَا إجَارَتُهَا» (وَمِنْهَا) مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَتَّخِذُوا لِدُورِكُمْ أَبْوَابًا لِيَنْزِلْ الْبَادِي حَيْثُ شَاءَ (وَمِنْهَا) مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ

(أَحَدُهُمَا) الْمُسْتَثْنَيَاتُ مِنْ الْعُقُودِ إذَا فَسَدَتْ هَلْ تُرَدُّ إلَى صَحِيحِ أَنْفُسِهَا، وَهُوَ الْأَصْلُ كَفَاسِدِ الْبَيْعِ أَوْ إلَى صَحِيحِ أَصْلِهَا لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى إنَّمَا اُسْتُثْنِيَ لِأَجْلِ مَصْلَحَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْأَصْلُ فَيُرَدُّ إلَيْهِ، وَالشَّرْعُ لَمْ يَسْتَثْنِ الْفَاسِدَ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَدَمِ، وَلَهُ أَصْلٌ يَرْجِعُ إلَيْهِ، وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ آخَرُ يَرْجِعُ إلَيْهِ (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ أَسْبَابَ الْفَسَادِ إذَا تَأَكَّدَتْ فِي الْقِرَاضِ أَوْ غَيْرِهِ بَطَلَتْ حَقِيقَةُ الْمُسْتَثْنَى بِالْكُلِّيَّةِ فَتَتَعَيَّنُ الْإِجَارَةُ، وَإِذَا لَمْ تَتَأَكَّدْ اعْتَبَرْنَا الْقِرَاضَ ثُمَّ يَبْقَى النَّظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمُفْسِدِ هَلْ هُوَ مُتَأَكِّدٌ أَمْ لَا نَظَرًا فِي تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ. (الْفَرْقُ الْحَادِي عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُرَدُّ إلَى مُسَاقَاتِ الْمِثْلِ فِي الْمَسَاقَاتِ وَبَيْنَ مَا يُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ) قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ فِي كِتَابِ النَّظَائِرِ يُرَدُّ الْعَامِلُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ إلَّا فِي خَمْسِ مَسَائِلَ فَلَهُ مُسَاقَاتُ الْمِثْلِ إذَا سَاقَاهُ عَلَى حَائِطٍ فِيهِ تَمْرٍ قَدْ أَطْعَمَ، وَإِذَا شَرَطَ الْعَمَلَ مَعَهُ، وَاجْتِمَاعَهَا مَعَ الْبَيْعِ، وَمُسَاقَاةِ سَنَتَيْنِ عَلَى جُزْأَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا، وَأَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ فَحَلَفَا عَلَى دَعْوَاهُمَا أَوْ نَكَلَا، وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: وَأُجْرَةُ مِثْلٍ فِي الْمُسَاقَاةِ عُيِّنَتْ ... سِوَى خَمْسَةٍ قَدْ خَالَفَ الشَّرْعَ حُكْمُهَا مُسَاقَاةٌ إبَّانَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا ... وَجُزْءَانِ فِي عَامَيْنِ شَرْطٌ يَعُمُّهَا وَإِنْ شَرَطَ السَّاقِي عَلَى مَالِكٍ لَهُ ... مُسَاعَدَةً وَالْبَيْعُ مَعَهَا يَضُمُّهَا وَإِنْ حَلَفَا فِي الْخُلْفِ مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ ... أَوْ اجْتَنَبَا الْأَيْمَانَ وَالْحَزْمَ ذَمُّهَا ، وَسِرُّ الْفَرْقِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْقِرَاضِ بِعَيْنِهِ، وَالْقَوَاعِدُ وَاحِدَةٌ فِيهِمَا. (الْفَرْقُ الثَّانِي عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ الْأَهْوِيَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ) اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْأَهْوِيَةِ تَابِعٌ لِحُكْمِ الْأَبْنِيَةِ فَهَوَاءُ الْوَقْفِ وَقْفٌ، وَهَوَاءُ الطَّلْقِ طَلْقٌ، وَهَوَاءُ الْمَوَاتِ مَوَاتٌ، وَهَوَاءُ الْمَمْلُوكِ مَمْلُوكٌ، وَهَوَاءُ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فَلَا يَقْرَبُهُ الْجُنُبُ، وَمُقْتَضَى هَذِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الثَّانِي عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَهْوِيَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ إلَى قَوْلِهِ سَقْفٌ عَلَيْهِ بُنْيَانٌ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ حِكَايَةٌ لِلْمَذْهَبِ فَلَا كَلَامَ مَعَهُ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ عُمَرَ نَهَى أَهْلَ مَكَّةَ أَنْ يُغْلِقُوا أَبْوَابَ دُورِهِمْ دُونَ الْحُجَّاجِ (وَمِنْهَا) مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ مَنْ أَكَلَ كِرَاءَ بُيُوتِ أَهْلِ مَكَّةَ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ نَارًا فِي بَطْنِهِ، وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُ بِالْجَوَازِ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ «عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا فِي دَارِك بِمَكَّةَ فَقَالَ هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ» ، وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ لَمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ، وَلَا عَلِيٌّ شَيْئًا، وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ قَالَ الْفَاكِهِيُّ هَذِهِ الدَّارُ كَانَتْ لِهَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ثُمَّ صَارَتْ لِابْنِهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَسَمَهَا بَيْنَ وَلَدِهِ فَمِنْ ثَمَّ صَارَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقُّ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ، وَفِيهَا وُلِدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكُهُ فَأَضَافَهَا إلَى نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ وَكَانَ قَدْ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا طَالِبٌ وَعَقِيلٌ عَلَى الدَّارِ كُلِّهَا بِاعْتِبَارِ مَا وَرِثَاهُ مِنْ أَبِيهِمَا لِكَوْنِهِمَا كَانَا لَمْ يُسْلِمَا، وَبِاعْتِبَارِ تَرْكِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَقِّهِ مِنْهَا بِالْهِجْرَةِ، وَفَقْدِ طَالِبٍ بِبَدْرٍ فَبَاعَ عَقِيلٌ الدَّارَ كُلَّهَا. وَقَالَ الْعَيْنِيُّ كَانَ أَبُو طَالِبٍ أَكْبَرَ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ احْتَوَى عَلَى أَمْلَاكِهِ وَحْدَهُ عَلَى عَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَسَنِّ فَتَسَلَّطَ عَلَيْهَا عَقِيلٌ بَعْدَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَاعَهَا، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ بَاعَ عَقِيلٌ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِمَنْ هَاجَرَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ بِدُورِ مَنْ هَاجَرَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّمَا أَمْضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَصَرُّفَاتِ عَقِيلٍ إمَّا كَرَمًا وُجُودًا، وَإِمَّا اسْتِمَالَةً لِعَقِيلٍ، وَإِمَّا تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْكِحَةُ الْكُفَّارِ اهـ. حَكَى الْفَاكِهِيُّ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لَمْ تَزَلْ بِيَدِ أَوْلَادِ عَقِيلٍ إلَى أَنْ بَاعُوهَا لِمُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ أَخِي الْحَجَّاجِ بِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ اهـ. كَمَا فِي الْعَيْنِيِّ وَالْقَسْطَلَّانِيِّ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَجَازَ بَيْعَ عَقِيلٍ الدُّورَ الَّتِي وَرِثَهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ دُورِ مَكَّةَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَازَ بَيْعَ عَقِيلٍ الدُّورَ الَّتِي وَرِثَهَا، وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ وَرِثَا أَبَاهُمَا لِأَنَّهُمَا إذْ ذَاكَ كَانَا كَافِرَيْنِ فَوَرِثَاهَا ثُمَّ أَسْلَمَ عَقِيلٌ فَبَاعَهَا اهـ. وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى الْمَنْعِ فَقَدْ أَجَابُوا عَنْهُ فَأَمَّا عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمَارِّ فَهُوَ لِأَنَّهُ يُقَاوِمُ حَدِيثَ أُسَامَةَ هَذَا فِي صِحَّتِهِ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ إسْمَاعِيلَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، وَضَعَّفَهُ يَحْيَى، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْأَصْلُ فِي بَابِ الْمُعَارَضَةِ التَّسَاوِي، وَلَئِنْ

الْقَاعِدَةِ أَنْ يُمْنَعَ بَيْعُ هَوَاءِ الْمَسْجِدِ وَالْأَوْقَافِ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ لِمَنْ أَرَادَ غَرْزَ خَشَبٍ حَوْلَهَا، وَيَبْنِيَ عَلَى رُءُوسِ الْخَشَبِ سَقْفٌ عَلَيْهِ بُنْيَانٌ، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إلَّا فَرْعٌ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ يَجُوزُ إخْرَاجُ الرَّوَاشِنِ وَالْأَجْنِحَةِ عَلَى الْحِيطَانِ إلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَدَّةً فَإِذَا كَانَتْ مُسْتَدَّةً امْتَنَعَ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَهْلُهَا كُلُّهُمْ، وَسَبَبُ خُرُوجِ الرَّوَاشِنِ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ الْأَفْنِيَةَ هِيَ بَقِيَّةُ الْمَوَاتِ الَّذِي كَانَ قَابِلًا لِلْإِحْيَاءِ فَمَنْعُ الْإِحْيَاءِ فِيهِ لِضَرُورَةِ السُّلُوكِ وَرَبْطِ الدَّوَابِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْهَوَاءِ فَيَبْقَى عَلَى حَالِهِ مُبَاحًا فِي السِّكَّةِ النَّافِذَةِ. وَأَمَّا الْمُسْتَدَّةُ فَلَا لِحُصُولِ الِاخْتِصَاصِ وَتَعَيُّنِ الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ. هَذَا تَفْصِيلُ أَحْوَالِ الْأَهْوِيَةِ، وَأَمَّا مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ الَّذِي هُوَ عَكْسُ الْأَهْوِيَةِ إلَى جِهَةِ السُّفْلِ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْأَبْنِيَةِ فَقَدْ نَصَّ صَاحِبُ الطِّرَازِ عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا حُفِرَ تَحْتَهُ مَطْمُورَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَعْبُرَهَا الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ. وَقَالَ لَوْ أَجَزْنَا الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ، وَعَلَى ظَهْرِهَا لَمْ نُجِزْهَا فِي مَطْمُورَةٍ تَحْتَهَا فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمُخَالَفَةِ الْأَهْوِيَةِ لِمَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ مَلَكَ أَرْضًا هَلْ يَمْلِكُ مَا فِيهَا، وَمَا تَحْتَهَا أَمْ لَا، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي مِلْكِ مَا فَوْقَ الْبِنَاءِ مِنْ الْهَوَاءِ عَلَى مَا عَلِمْت، وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى بَيْعِ الْهَوَاءِ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ، وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ أَنَّ النَّاسَ شَأْنُهُمْ تَوَفُّرُ دَوَاعِيهِمْ عَلَى الْعُلُوِّ فِي الْأَبْنِيَةِ لِلِاسْتِشْرَافِ وَالنَّظَرِ إلَى الْمَوَاضِعِ الْبَعِيدَةِ مِنْ الْأَنْهَارِ وَمَوَاضِعِ الْفَرَحِ وَالتَّنَزُّهِ وَالِاحْتِجَابِ عَنْ غَيْرِهِمْ بِعُلُوِّ بِنَائِهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِدِ، وَلَا تَتَوَفَّرُ دَوَاعِيهِمْ فِي بَطْنِ الْأَرْضِ عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَمْسِكُ بِهِ الْبِنَاءُ مِنْ الْأَسَاسَاتِ خَاصَّةً، وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ عَلَى جَبَلٍ أَوْ أَرْضٍ صُلْبَةٍ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إلَّا فَرْعٌ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ، وَيَجُوزُ إخْرَاجُ الرَّوْشَنِ إلَى قَوْلِهِ هَذَا تَفْصِيلُ أَحْوَالِ الْأَهْوِيَةِ) قُلْت تَعْلِيلُهُ بَقَاءُ أَهْوِيَةِ الطُّرُقِ غَيْرِ الْمُسْتَدَّةِ عَلَى حَالِهَا مِنْ قَبُولِهَا لِلْإِحْيَاءِ بِعَدَمِ الضَّرُورَةِ الْمُلْجِئَةِ إلَيْهَا مُشْعِرٌ بِنَقِيضِ مَا حَكَاهُ عَنْ الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْهَوَاءِ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ حُكْمُ الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ تُلْجِئُ إلَى ذَلِكَ فَمُقْتَضَى ذَلِكَ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَا تُلْجِئُ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ، وَالْمُحَكَّمُ فِي ذَلِكَ الْعَادَةُ فَهَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ. قَالَ (وَأَمَّا مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ إلَى قَوْلِهِ، وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى بَيْعِ هَوَاءٍ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ) قُلْت مَا قَالَهُ حِكَايَةُ أَقْوَالٍ لَا كَلَامَ فِيهِ قَالَ (وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ أَنَّ النَّاسَ شَأْنُهُمْ تَوَفُّرُ دَوَاعِيهِمْ عَلَى الْعُلُوِّ فِي الْأَبْنِيَةِ إلَى قَوْلِهِ. وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ عَلَى جَبَلٍ أَوْ أَرْضٍ صُلْبَةٍ اسْتَغْنَوْا عَنْهُ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا تَتَوَفَّرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQسَلَّمْنَا الْمُسَاوَاةَ عَلَى تَقْدِيرِ فَرْضِ صِحَّةِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَلَا يُكْتَفَى بِهَا بَلْ يُكْشَفُ عَنْ وَجْهِ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ فَوَجَدْنَا أَنَّ مَا يَقْضِي بِهِ حَدِيثُ أُسَامَةَ أَوْلَى وَأَصْوَبُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَذَاكَ أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَجَمِيعِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ فِي مِلْكِ أَحَدٍ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا بِنَاءً، وَلَا يَحْجُرَ مَوْضِعًا مِنْهَا أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْضِعَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْبَنِيَ فِيهِ بِنَاءٌ، وَكَذَلِكَ مِنًى لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا دَارًا لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَتَّخِذُ لَك بِمِنًى بَيْتًا أَوْ بِنَاءً يُظِلُّكَ، قَالَ: لَا يَا عَائِشَةُ إنَّهَا مُنَاخٌ لِمَنْ سَبَقَ» فَقَالَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالطَّحَاوِيُّ، وَوَجَدْنَا مَكَّةَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ أُجِيزَ فِيهَا الْبِنَاءُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ يَوْمَ دَخَلَ مَكَّةَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارِهِ فَهُوَ آمِنٌ» فَأَثْبَتَ لِأَبِي سُفْيَانَ مِلْكَ دَارِهِ. وَأَثْبَتَ لَهُمْ أَمْلَاكَهُمْ عَلَى دُورِهِمْ حَيْثُ أَضَافَا إلَيْهِمْ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ مِمَّا يُبْنَى فِيهَا الدُّورُ، وَمِمَّا يُغْلَقُ عَلَيْهَا الْأَبْوَابُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ تَكُونُ صِفَتُهَا صِفَةَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَجْرِي عَلَيْهَا الْأَمْلَاكُ، وَتَقَعُ فِيهَا الْمَوَارِيثُ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَيْعُ الدُّورِ الَّتِي فِيهَا، وَتَجُوزُ إجَارَتُهَا قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ أَضَافَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدَّارَ لِأَبِي سُفْيَانَ إضَافَةَ مِلْكٍ بِقَوْلِهِ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَلِأَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ لَهُمْ دُورٌ بِمَكَّةَ دَارٌ لِأَبِي بَكْرٍ، وَلِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَغَيْرِهِمْ مِمَّا يَكْثُرُ تَعْدَادُهُمْ فَبَعْضٌ بِيعَ، وَبَعْضٌ فِي يَدِ أَعْقَابِهِمْ إلَى الْيَوْمِ، وَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اشْتَرَى مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دَارًا بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَاشْتَرَى مُعَاوِيَةُ مِنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ دَارَيْنِ بِمَكَّةَ إحْدَاهُمَا بِسِتِّينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَالْأُخْرَى بِأَرْبَعِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَهَذِهِ قِصَصٌ اشْتَهَرَتْ فَلَمْ تُنْكَرْ فَصَارَتْ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّهَا أَرْضٌ حَيَّةٌ لَمْ تَرِدْ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ فَجَازَ بَيْعُهَا كَسَائِرِ الْأَرَاضِي اهـ. كَمَا فِي الْعَيْنِيِّ قَالَ الْحَطَّابُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى مَنْسَكِ خَلِيلٍ قَالَ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ الْفَاسِيُّ، وَالْقَوْلُ بِمَنْعِ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَخُلَفَائِهِمْ عَمِلُوا بِخِلَافِهِ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ وَقَائِعَ مِنْ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ الْحَطَّابُ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْبَيْعِ وَالْكِرَاءِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مَنَاسِكِهِ: وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي كِرَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ وَبَيْعِهَا فَذَكَرَ الْخِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ قَالَ، وَأَبَاحَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بَيْعَ رِبَاعِ

وَالشَّرْعُ لَهُ قَاعِدَةٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا يُمْلَكُ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ، وَمَا لَا حَاجَةَ فِيهِ لَا يُشْرَعُ فِيهِ الْمِلْكُ فَلِذَلِكَ لَمْ يُمْلَكْ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ مِنْ تُخُومِ الْأَرْضِ بِخِلَافِ الْهَوَاءِ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ، وَالْمَسَاجِدُ وَالْكَعْبَةُ لَمَّا كَانَتْ بُيُوتًا كَانَتْ الْمَقَاصِدُ فِيهَا لِمَنْ يَدْخُلُهَا مُتَعَلِّقَةً بِهَوَائِهَا دُونَ مَا تَحْتَ بِنَائِهَا كَالْمَمْلُوكَاتِ فَإِنْ قُلْت وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مِلْكِ مَا تَحْتَ ذَلِكَ الشِّبْرِ إلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ قُلْت تَطْوِيقَةُ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ عُقُوبَةً لَا لِأَجْلِ مِلْكِ صَاحِبِ الشِّبْرِ إلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْعُقُوبَةِ بِالشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ـــــــــــــــــــــــــــــSالدَّوَاعِي فِي بَطْنِ الْأَرْضِ عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا يَتَمَسَّكُ بِهِ الْبِنَاءُ مِنْ الْأَسَاسَاتِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَيْفَ وَقَدْ تَوَفَّرَتْ عَلَيْهِ دَوَاعِي كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ كَحَفْرِ الْأَرْضِ لِلْجُبُوبِ وَالْمَصَانِعِ وَالْآبَارِ الْعَمِيقَةِ هَذِهِ غَفْلَةٌ مِنْهُ شَدِيدَةٌ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ الصَّحِيحُ أَنَّ حُكْمَ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ كَحُكْمِ الْأَهْوِيَةِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ مَطْمُورَةً تَحْتَ مِلْكِ غَيْرِهِ يَتَوَصَّلُ إلَيْهَا مِنْ مِلْكِ نَفْسِهِ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ بِلَا رَيْبٍ وَلَا خِلَافَ فَلَوْ كَانَ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْأَبْنِيَةِ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ قَبُولِهِ لِلْإِحْيَاءِ لَمَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَالشَّرْعُ لَهُ قَاعِدَةٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا يُمْلَكُ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ، وَمَا لَا حَاجَةَ فِيهِ لَا يُشْرَعُ فِيهِ الْمِلْكُ فَلِذَلِكَ لَمْ يُمْلَكْ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ مِنْ تُخُومِ الْأَرْضِ بِخِلَافِ الْهَوَاءِ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ) قُلْت إذَا كَانَتْ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ أَنْ لَا يُمْلَكَ إلَّا مَا فِيهِ الْحَاجَةُ، وَأَيُّ حَاجَةٍ فِي الْبُلُوغِ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ، وَإِذَا كَانَتْ الْقَاعِدَةُ أَنَّهُ يُمْلَكُ مِمَّا فِيهِ الْحَاجَةُ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ مِلْكِ مَا تَحْتَ الْبِنَاءِ لِحَفْرِ بِئْرٍ يُعَمِّقُهَا حَافِرُهَا مَا شَاءَ فَمَا ذُكِرَ مِنْ سِرِّ الْفَرْقِ لَمْ يَظْهَرْ، وَبَقِيَ سِرًّا كَمَا كَانَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ مَا هُوَ مَعْلُومٌ لَا شَكَّ فِيهِ مِنْ أَنَّ مَنْ مَلَكَ مَوْضِعًا لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِيهِ، وَيَرْفَعَ فِيهِ الْبِنَاءَ مَا شَاءَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ فِيهِ مَا شَاءَ، وَيُعَمِّقَ مَا شَاءَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ قَالَ (فَإِنْ قُلْت وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي الْجَوَابِ) قُلْت لَا شَكَّ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ إشْعَارًا بِمِلْكِ مَا تَحْتَ الشِّبْرِ مِنْ الْأَرَضِينَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْعُقُوبَةَ تَكُونُ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْعُقُوبَةِ بِأَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ الْإِشْعَارَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمَكَّةَ، وَكِرَاءَ مَنَازِلِهَا مِنْهُمْ طَاوُسٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ ثُمَّ ذَكَرَ حُجَجَ كُلِّ قَوْلٍ، وَقَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ مَالِكٍ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: 8] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفَتْحِ «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ دَارِهِ فَهُوَ آمِنٌ» فَأَثْبَتَ لِأَبِي سُفْيَانَ مِلْكَ دَارِهِ، وَأَثْبَتَ لَهُمْ أَمْلَاكَهُمْ عَلَى دُورِهِمْ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ «هَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا» يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِلْكٌ لِأَرْبَابِهَا، وَأَنَّ عُمَرَ ابْتَاعَ دَارًا بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَأَنَّ دُورَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَيْدِي أَعْقَابِهِمْ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَغَيْرُهُمْ، وَقَدْ بِيعَ بَعْضُهَا، وَتُصُدِّقَ بِبَعْضِهَا، وَلَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إلَّا فِي أَمْلَاكِهِمْ، وَهُمْ أَعْلَمُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ اهـ. (وَأَمَّا) عَنْ قَوْله تَعَالَى {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ} [الحج: 25] الْآيَةَ فَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْجِدِ الْمَسْجِدُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ النُّسُكُ وَالصَّلَاةُ لَا سَائِرُ دُورِ مَكَّةَ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ إذْ لَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَاقِعًا عَلَى جَمِيعِ الْحَرَمِ لَمَا جَازَ حَفْرُ بِئْرٍ وَلَا قَبْرٍ، وَلَا التَّغَوُّطُ، وَلَا الْبَوْلُ، وَلَا إلْقَاءُ الْجِيَفِ وَالنَّتْنِ، وَلَا دُخُولُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ الْحَرَمَ، وَالْجِمَاعُ فِيهِ، وَلَا نَعْلَمُ عَالِمًا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا كَرِهَ لِجُنُبٍ وَحَائِضٍ دُخُولَ الْحَرَمِ وَلَا الْجِمَاعَ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَجَازَ الِاعْتِكَافُ فِي دُورِ مَكَّةَ، وَحَوَانِيتِهَا، وَلَا يَقُولُ بِذَلِكَ أَحَدٌ كَمَا فِي الْقَسْطَلَّانِيِّ (وَأَمَّا) عَنْ حَدِيثِ عَلْقَمَةَ بْنِ فَضْلَةَ الْكِنَانِيِّ الَّذِي أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فَهُوَ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ عَلْقَمَةَ لَيْسَ بِصَحَابِيٍّ، وَالْمُنْقَطِعُ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ كَمَا قَامَتْ بِحَدِيثِ أُسَامَةَ الْمُسْنَدِ الصَّحِيحِ (وَأَمَّا) عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَهُوَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، وَالْمَوْقُوفُ لَا يُقَاوِمُ حَدِيثَ أُسَامَةَ الْمَرْفُوعَ (وَأَمَّا) عَمَّا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُمَا كَرَاهَةُ الْكِرَاءِ رِفْقًا بِالْوُفُودِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مَنْعُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ فِيهَا أَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اشْتَرَى مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دَارِهِ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَوْ كَانَ بَيْعُ دُورِ مَكَّةَ حَرَامًا لَمَا اشْتَرَاهَا مِنْهُ فَدَلَّ شِرَاؤُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْجَوَازِ اهـ. كَلَامُ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْبُنَانِيِّ الْمَكِّيِّ فِي تُحْفَةِ الْمُرِيدِ بِتَصَرُّفٍ وَزِيَادَةٍ مَا (تَنْبِيهٌ) فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ أَكْرَهُ الْبُنْيَانَ الَّذِي أَحْدَثَهُ النَّاسُ بِمِنًى قَالَ سَنَدٌ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مِنًى لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهَا، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْجُرَ فِيهَا مَوْضِعًا يَحُوزُهُ لَهُ إلَّا أَنْ يُنَزِّلَ مِنْهَا مَنْزِلًا فَيَخْتَصَّ بِهِ

(الْفَرْقُ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْلَاكِ النَّاشِئَةِ عَنْ الْإِحْيَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْلَاكِ النَّاشِئَةِ عَنْ غَيْرِ الْإِحْيَاءِ) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ مُشْكِلٌ عَلَى مَذْهَبِنَا فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ فَإِنَّ الْإِحْيَاءَ عِنْدَنَا إذَا ذَهَبَ ذَهَبَ الْمِلْكُ، وَكَانَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُحْيِيَهُ، وَيَصِيرَ مَوَاتًا كَمَا كَانَ. وَقَالَ سَحْنُونٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا يَزُولُ الْمِلْكِ بِزَوَالِ الْإِحْيَاءِ لِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ» فَجَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ الْمِلْكَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ إبْطَالِهِ، وَاسْتِصْحَابُهُ الثَّانِي قِيَاسُ الْإِحْيَاءِ عَلَى الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَسَائِرِ أَسْبَابِ التَّمْلِيكِ. الثَّالِثُ الْقِيَاسُ عَلَى مَنْ تَمَلَّكَ لُقَطَةً ثُمَّ ضَاعَتْ مِنْهُ فَإِنَّ عَوْدَهَا إلَى حَالِ الِالْتِقَاطِ لَا يُسْقِطُ مِلْكَ مُتَمَلِّكِهَا، وَهَذَا مُسَاوٍ لِلْمَسْأَلَةِ فِي الْعَوْدِ لِلْحَالَةِ السَّابِقَةِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ لَنَا بِسَبَبِ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَقَدْ رُتِّبَ الْمِلْكُ عَلَى وَصْفِ الْإِحْيَاءِ فَيَكُونُ الْإِحْيَاءُ سَبَبَهُ، وَعِلَّتَهُ، وَالْحُكْمُ يَنْتَفِي لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ وَسَبَبِهِ فَيَبْطُلُ الْمِلْكُ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِهَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَدُلُّ لَنَا غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهِيَ لَهُ لَفْظٌ يَقْتَضِي ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْلَاكِ النَّاشِئَةِ عَنْ الْإِحْيَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْلَاكِ النَّاشِئَةِ عَنْ غَيْرِ الْإِحْيَاءِ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ، وَهَذَا مُسَاوٍ لِلْمَسْأَلَةِ فِي الْعَوْدِ لِلْحَالَةِ السَّابِقَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ حِكَايَةُ أَقْوَالٍ وَاحْتِجَاجٌ وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ قَالَ (وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ لَنَا بِسَبَبِ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَقَدْ رُتِّبَ الْمِلْكُ عَلَى وَصْفِ الْإِحْيَاءِ فَيَكُونُ الْإِحْيَاءُ سَبَبَهُ، وَعِلَّتَهُ، وَالْحُكْمُ يَنْتَفِي لِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ وَسَبَبِهِ فَيَبْطُلُ الْمِلْكُ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِهَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ) قُلْت أَمَّا الْقَاعِدَتَانِ فَمُسَلَّمَتَانِ صَحِيحَتَانِ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مَا قَالَهُ مِنْ بُطْلَانِ هَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ قَدْ ثَبَتَ فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُسَبِّبُهُ، وَلَمْ يَرْتَفِعْ الْإِحْيَاءُ، وَلَا يَصِحُّ ارْتِفَاعُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ ارْتِفَاعِ الْوَاقِعِ، وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِنَّمَا مَغْزَاهُ أَنَّ الْإِحْيَاءَ لَمْ يَسْتَمِرَّ، وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي الْأَسْبَابِ كُلِّهَا فَإِنَّ الْمِلْكَ الْمُرَتَّبَ عَلَى الشِّرَاءِ أَوْ عَلَى الْإِرْثِ أَوْ عَلَى الْهِبَةِ لَمْ تَسْتَمِرَّ أَسْبَابُهُ فَكَانَ يَلْزَمُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ مَتَى غَفَلَ الْإِنْسَانُ عَنْ تَجْدِيدِ شِرَاءِ مُشْتَرَاهُ أَنْ يَبْطُلَ مِلْكُهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ قَطْعًا فَجَوَابُهُ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ قَالَ (سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَدُلُّ لَنَا غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَهِيَ لَهُ لَفْظٌ يَقْتَضِي ـــــــــــــــــــــــــــــQحَتَّى يَفْرُغَ مِنْ مَنْسَكِهِ وَيَخْرُجَ مِنْهَا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَتْهُ «عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَبْنِي لَك مَوْضِعًا يُظِلُّك بِمِنًى قَالَ لَا مِنًى مُنَاخٌ لِمَنْ سَبَقَ» خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَهَذَا يَمْنَعُ أَنْ يَحْجُرَ أَحَدٌ فِيهَا بُنْيَانًا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَازِلًا بِالْبُنْيَانِ الَّذِي بِهَا ثُمَّ وَإِنْ كَانَ بِهَا كُرِهَ لَهُ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لِأَنَّهُ تَضْيِيقٌ عَلَى النَّاسِ، وَكَرِهَ إجَارَةَ الْبُنْيَانِ الَّذِي بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ الْمَكِّيُّ فِي تُحْفَةِ الْمُرِيدِ. 2 - (الشَّرْطُ الْخَامِسُ) أَنْ لَا يَتَضَمَّنَ اسْتِيفَاءَ عَيْنٍ احْتِرَازًا عَنْ إجَارَةِ الْأَشْجَارِ لِثِمَارِهَا وَالْغَنَمِ لِنِتَاجِهَا قَالَهُ الْأَصْلُ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَمِثْلُهُ فِي مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ إلَّا أَنَّهُ زَادَ قَيْدَ قَصْدٍ حَيْثُ قَالَ بِلَا اسْتِيفَاءِ عَيْنِ قَصْدٍ فَقَالَ بَهْرَامُ اُحْتُرِزَ بِهِ مِنْ إجَارَةِ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ بَعْضَهَا، وَإِنْ ذَهَبَ بِالِاسْتِعْمَالِ لَكِنْ بِحُكْمِ التَّبَعِ، وَلَمْ يُقْصَدْ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ وَالشَّاةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَحَطَّ الْفَائِدَةِ قَوْلُهُ قَصْدٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ فِي الْإِجَارَةِ اسْتِيفَاءُ عَيْنٍ لَكِنْ لَا قَصْدًا أَفَادَهُ الْعَدَوِيُّ عَلَى الْخَرَشِيِّ. وَقَالَ تَبَعًا لعبق لَا يَخْفَى أَنَّ إطْلَاقَ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِمَا أَيْ عَلَى الْأَشْجَارِ وَالْغَنَمِ لِمَا ذُكِرَ مَجَازٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا بَيْعُ مَنْفَعَةٍ، وَإِنَّمَا فِيهِمَا بَيْعُ ذَاتٍ كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ فَلَا يَحْتَاجُ لِذِكْرِهِمَا فِي مُحْتَرِزِ هَذَا الشَّرْطِ نَعَمْ يَصِحُّ جَعْلُهُمَا مُحْتَرَزَهُ إنْ اسْتَأْجَرَ الشَّجَرَ لِأَمْرَيْنِ التَّجْفِيفِ عَلَيْهَا، وَأَخْذُ ثَمَرَتِهَا وَالشَّاةَ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا فِي شَيْءٍ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا فِيهِ، وَلِأَخْذِ لَبَنِهَا اهـ. وَسَلَّمَهُ مَحْشُوًّا عبق قَالَ الْأَصْلُ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ أَيْ مِنْ مَنْعِ مَا يَتَضَمَّنُ اسْتِيفَاءَ عَيْنِ إجَارَةُ الْمُرْضِعِ لِلَبَنِهَا لِلضَّرُورَةِ فِي الْحَضَانَةِ اهـ. قَالَ الْخَرَشِيُّ وَلِنَصِّ الْقُرْآنِ سَوَاءٌ كَانَتْ أُجْرَةُ الظِّئْرِ نَقْدًا أَوْ طَعَامًا، وَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إلَى أَجَلٍ لِلْعِلَّةِ السَّابِقَةِ، وَلَوْ كَانَ الرَّضِيعُ مُحَرَّمَ الْأَكْلِ أَيْ كَجَحْشٍ صَغِيرٍ أَوْ مُهْرٍ صَغِيرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَيَجُوزُ أَنْ تُكْرَى لَهُ حِمَارَةٌ تُرْضِعُهُ لِلضَّرُورَةِ اهـ. قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَيْهِ فَالْوَلَدُ الصَّغِيرُ إذَا لَمْ يَجِدْ امْرَأَةً تُرْضِعُهُ يَرْضَعُ عَلَى الْحِمَارِ قَالَهُ شَيْخُنَا عَبْدُ اللَّهِ اهـ. (الشَّرْطُ السَّادِسُ) أَنْ يَقْدِرَ عَلَى تَسْلِيمِهَا احْتِرَازًا مِنْ اسْتِئْجَارِ الْأَخْرَسِ لِلْكَلَامِ، وَالْأَعْمَى لِلْخَطِّ قَالَ الْخَرَشِيُّ مِنْ شُرُوطِ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي تَحْصُلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ حِسًّا فَلَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْأَعْمَى لِلْخَطِّ، وَالْأَخْرَسِ لِلْكَلَامِ، وَشَرْعًا فَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى إخْرَاجِ الْجَانِّ وَالدُّعَاءِ وَحَلِّ الْمَرْبُوطِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَا عَلَى تَعْلِيمِ الْغِنَاءِ وَدُخُولِ الْحَائِضِ الْمَسْجِدِ اهـ. وَكَتَبَ الْعَدَوِيُّ عَلَى قَوْلِهِ وَشَرْعًا مَا نَصُّهُ قَدْ يُقَالُ يُسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا حَظْرَ كَمَا فِي عبق اهـ. (الشَّرْطُ

مُطْلَقَ الْمِلْكِ فَإِنَّ لَفْظَ لَهُ لَيْسَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ بَلْ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ، وَنَحْنُ حِينَئِذٍ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ فَإِنَّا نُثْبِتُ مُطْلَقَ الْمِلْكِ مِنْ الْإِحْيَاءِ. وَإِنَّمَا يَحْصُلُ مَقْصُودًا أَنْ لَوْ اقْتَضَى الْحَدِيثُ الْمِلْكَ بِوَصْفِ الْعُمُومِ عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَعَنْ الثَّانِي الْفَرْقُ بِأَنَّ الْإِحْيَاءَ سَبَبٌ فِعْلِيٌّ تُمْلَكُ بِهِ الْمُبَاحَاتُ مِنْ الْأَرْضِ، وَأَسْبَابُ تِلْكَ الْمُبَاحَاتِ الْفِعْلِيَّةِ ضَعِيفَةٌ لِوُرُودِهَا عَلَى غَيْرِ مِلْكٍ سَابِقٍ بِخِلَافِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ الْقَوْلِيَّةِ لَا يَبْطُلُ الْمِلْكُ بِبُطْلَانِ أَصْوَاتِهَا وَانْقِطَاعِهَا لِأَنَّهَا تَرِدُ عَلَى مَمْلُوكٍ غَالِبًا فَلِتَأَصُّلِ الْمِلْكِ قَبْلَهَا قَوِيَتْ إفَادَتُهَا لِلْمِلْكِ لِاجْتِمَاعِ إفَادَتِهَا مَعَ إفَادَةِ مَا قَبْلَهَا، وَكَذَلِكَ إذَا وَرَدَ الْبَيْعُ عَلَى الْإِحْيَاءِ لَمْ يُنْتَقَضْ الْمِلْكُ بَعْدَ ذَلِكَ لِتَظَاهُرِ الْأَسْبَابِ فَلِهَذَا الْمَعْنَى قُلْنَا إذَا تَمَلَّكَ الصَّيْدَ بِالِاصْطِيَادِ ثُمَّ تَوَحَّشَ بَطَلَ الْمِلْكُ فِيهِ، وَالسَّمَكُ إذَا انْفَلَتَ فِي النَّهْرِ يَبْطُلُ مِلْكُهُ، وَالْمَاءُ إذَا حِيرَ ثُمَّ اخْتَلَطَ بِالنَّهْرِ أَوْ الطَّيْرُ أَوْ النَّحْلُ أَبْيَنُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إذَا انْفَلَتَ وَتَوَحَّشَ بَطَلَ الْمِلْكُ فِيهِ نَظَرًا لِهَذِهِ الْعِلَّةِ فَإِنْ قُلْت الْإِقْطَاعُ سَبَبٌ قَوْلِيٌّ وَارِدٌ عَلَى مَمْلُوكٍ لِلْمُسْلِمِينَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُمْلَكُ بَيْعُهُ قُلْت هَذَا سُؤَالُ عَكْسٍ لِأَنَّا ادَّعَيْنَا قُصُورَ الْإِحْيَاءِ، وَأَنْتُمْ أَبْدَيْتُمْ حُكْمَ الْقُصُورِ بِدُونِ الْإِحْيَاءِ، وَإِبْدَاءُ الْحُكْمِ بِدُونِ سَبَبٍ أَوْ عِلَّةٍ عَكْسٌ، وَهُوَ عَكْسُ النَّقِيضِ، وَهُوَ إبْدَاءُ الْعِلَّةِ بِدُونِ حُكْمِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــSمُطْلَقَ الْمِلْكِ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ بِوَصْفِ الْعُمُومِ عَلَى وَجْهِ الدَّوَامِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَقْتَضِي الْمِلْكَ بِوَصْفِ الدَّوَامِ صَحِيحٌ، وَلَكِنْ هُنَا قَاعِدَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْمِلْكَ يَدُومُ بَعْدَ ثُبُوتِ سَبَبِهِ إلَّا أَنْ يَلْزَمَهُ مَا يُنَاقِضُهُ قَالَ (وَعَنْ الثَّانِي الْفَرْقُ بِأَنَّ الْإِحْيَاءَ سَبَبٌ فِعْلِيٌّ تُمْلَكُ بِهِ الْمُبَاحَاتُ مِنْ الْأَرْضِ، وَأَسْبَابُ تَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ الْفِعْلِيَّةِ ضَعِيفَةٌ لِوُرُودِهَا عَلَى غَيْرِ مِلْكٍ سَابِقٍ) قُلْت مَا قَالَهُ دَعْوَى يُقَابَلُ بِمِثْلِهَا بِأَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الْأَسْبَابَ الْقَوْلِيَّةَ هِيَ الضَّعِيفَةُ لِوُرُودِهَا عَلَى مِلْكٍ سَابِقٍ فَيُعَارَضُ الْمِلْكَانِ السَّابِقُ وَاللَّاحِقُ وَأَمَّا الْمَمْلُوكُ بِالْإِحْيَاءِ فَلَمْ يَسْبِقْهُ مَا يُعَارِضُهُ فَهُوَ أَقْوَى قَالَ (بِخِلَافِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ الْقَوْلِيَّةِ لَا يَبْطُلُ الْمِلْكُ بِبُطْلَانِ أَصْوَاتِهَا وَانْقِطَاعِهَا لِأَنَّهَا تَرِدُ عَلَى مَمْلُوكٍ غَالِبًا إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ نَظَرًا لِهَذِهِ الْعِلَّةِ) قُلْت كُلُّ ذَلِكَ دَعْوَى، وَهُوَ عَيْنُ الْمَذْهَبِ أَوْ مُرَتَّبَةً عَلَيْهِ، وَقَدْ سَبَقَ جَوَابُهُ. قَالَ (فَإِنْ قُلْتَ الْإِقْطَاعُ سَبَبٌ قَوْلِيٌّ وَارِدٌ عَلَى مَمْلُوكٍ لِلْمُسْلِمِينَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُمْلَكُ بَيْعُهُ) قَالَ (قُلْت هَذَا سُؤَالُ عَكْسٍ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ إبْدَاءُ الْعِلَّةِ بِدُونِ حُكْمِهَا) قُلْت إذَا كَانَ سُؤَالَ عَكْسٍ فَلِمَ لَا يَكُونُ وَارِدًا وَقَادِحًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالسَّابِعُ) أَنْ تَحْصُلَ لِلْمُسْتَأْجِرِ احْتِرَازًا مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِ أَيْ مِمَّا لَا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا عَيْنًا كَصَلَاةِ الْفَرْضِ أَوْ كِفَائِيًّا كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ كَانَ سُنَّةً كَصَلَاةِ الْوِتْرِ أَوْ رَغِيبَةً كَرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَوْ نَفْلًا كَأَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَبَعْدَهُ. وَقَبْلَ الْعَصْرِ قَالَ الْبُنَانِيُّ وَأَمَّا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ مِنْ سَائِرِ الْمَنْدُوبَاتِ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ فَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَيُّنِ الْعِبَادَةِ وُجُوبُهَا لِأَنَّ أَكْثَرَ مَنْدُوبَاتِ الصَّلَاةِ أَيْ وَالصَّوْمِ مُتَعَيِّنَةٌ كَصَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْوِتْرِ وَصِيَامِ عَاشُورَاءَ وَعَرَفَةَ فَهَذِهِ يُمْنَعُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَى الْمُكَلَّفِ، وَمَعْنَى تَعَيُّنِهَا عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وُقُوعُهَا مِنْ غَيْرِ مَنْ خُوطِبَ بِهَا فَلَوْ أُجِيزَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ اهـ. قَالُوا هَذَا حُكْمُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ الْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ وَالْمَنْدُوبِ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَالْإِجَارَةُ عَلَيْهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى وُصُولِ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّاجِحَ وُصُولُ ذَلِكَ لَهُ بِكَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَغَيْرِهِ اُنْظُرْ مُصْطَفَى الرَّمَاصِيَّ اهـ. كَلَامُ الْبُنَانِيِّ قَالَ وَقَدْ نَصَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْعِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فَإِنْ قُلْت صَلَاةُ الْجِنَازَةِ عِبَادَةٌ لَا يَتَعَيَّنُ فِعْلُهَا عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا قُلْت لَمَّا كَانَتْ عِبَادَةً مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ الْمُتَمَيِّزَةِ بِصُورَتِهَا لِلْعِبَادَةِ وَالصَّلَاةِ لَا تُفْعَلُ لِغَيْرِ الْعِبَادَةِ مُنِعَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا. وَأَمَّا الْغُسْلُ فَيَكُونُ لِلْعِبَادَةِ وَالنَّظَافَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَذَا الْحَمْلُ لِلْمَيِّتِ شَارَكَهُ فِي الصُّورَةِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ فَلَمْ يَتَمَحَّضْ بِصُورَتِهِ لِلْعِبَادَةِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِهِ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَأُلْحِقَتْ بِمَا أَشْبَهَتْهُ اهـ. اُنْظُرْ مُصْطَفَى الرَّمَاصِيَّ. اهـ. قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَى الْخَرَشِيِّ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِئْجَارُ فِيهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي حَاشِيَةِ اللَّقَانِيِّ اهـ. أَيْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمَّا لَمْ يُفْعَلْ لِغَيْرِ الْعِبَادَةِ مُنِعَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، وَفِي بِدَايَةِ الْحَفِيدِ وَاتَّفَقُوا عَلَى إبْطَالِ كُلِّ مَنْفَعَةٍ كَانَتْ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى الْإِنْسَانِ بِالشَّرْعِ مِثْلُ الصَّلَاةِ، وَغَيْرِهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي إجَارَةِ الْمُؤَذِّنِ عَلَى الْأَذَانِ فَقَوْمٌ لَمْ يَرَوْا فِيهِ بَأْسًا، وَقَوْمٌ كَرِهُوا ذَلِكَ مُحْتَجِّينَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اتَّخِذُوا مُؤَذِّنًا لَا يَتَّخِذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا» وَالْمُبِيحُونَ قَاسُوهُ عَلَى الْأَفْعَالِ غَيْرِ الْوَاجِبَةِ، وَهَذَا هُوَ سَبَبُ الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَأَجَازَهُ قَوْمٌ مُحْتَجِّينَ بِمَا رُوِيَ عَنْ «خَارِجَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ عَمِّهِ قَالَ أَقْبَلْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ

فَإِنْ قُلْت فَإِذَا أَحْيَا فِي الْإِقْطَاعِ لِمَ لَا يَبْطُلُ مِلْكُهُ بِبُطْلَانِ إحْيَائِهِ قُلْت ذَلِكَ لِسَبَبٍ غَيْرِ الْإِحْيَاءِ، وَهُوَ أَنَّ الْإِقْطَاعَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْأَئِمَّةِ لَا يُنْقَضُ، وَتُصَانُ أَحْكَامُ الْأَئِمَّةِ عَنْ النَّقْضِ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ تَمَلُّكَ الْمُلْتَقَطِ وَرَدَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيهِ الْمِلْكُ، وَتَقَرَّرَ فَكَانَ تَأْثِيرُ السَّبَبِ فِيهِ أَقْوَى لِمَا تَقَدَّمَ، وَيُؤَكِّدُهُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْقَوْلِيَّةَ وَنَحْوَهَا تَرْفَعُ مِلْكَ الْغَيْرِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَهِيَ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ، وَأَمَّا الْفِعْلُ بِمُجَرَّدِهِ فَلَيْسَ لَهُ قُوَّةُ رَفْعِ مِلْكِ الْغَيْرِ بَلْ يَبْطُلُ ذَلِكَ الْفِعْلُ كَمَنْ بَنَى فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ ذَهَبَ أَثَرُهُ بِذَهَابِهِ. وَهَذَا فِقْهٌ حَسَنٌ عَلَى الْقَوَاعِدِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي بَادِئِ الرَّأْيِ أَقْوَى وَأَظْهَرُ، وَبِهَذِهِ الْمَبَاحِثِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ كَمَا تَقَدَّمَ بَسْطُهُ وَتَقْرِيرُهُ. (الْفَرْقُ الرَّابِعَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْكَذِبِ وَقَاعِدَةِ الْوَعْدِ وَمَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ مِنْهُ وَمَا لَا يَجِبُ) قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2] {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] وَالْوَعْدُ إذَا أُخْلِفَ قَوْلٌ لَمْ يُفْعَلْ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا مُحَرَّمًا، وَأَنْ يَحْرُمَ إخْلَافُ الْوَعْدِ مُطْلَقًا. وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ «عَلَامَةِ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ» فَذِكْرُهُ فِي سِيَاقِ الذَّمِّ دَلِيلٌ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَيُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ، وَعْدُ الْمُؤْمِنِ وَاجِبٌ أَيْ وَعْدُهُ وَاجِبُ الْوَفَاءِ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (فَإِنْ قُلْت فَإِذَا أَحْيَا فِي الْإِقْطَاعِ لِمَ لَا يَبْطُلُ مِلْكُهُ بِبُطْلَانِ إحْيَائِهِ قُلْت ذَلِكَ لِسَبَبٍ غَيْرِ الْإِحْيَاءِ إلَى آخِرِ جَوَابِهِ) قُلْت جَوَابُهُ هُنَا صَحِيحٌ قَالَ (وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ تَمَلُّكَ الْمُلْتَقِطِ وَرَدَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيهِ الْمِلْكُ) إلَى آخِرِ قَوْلِهِ، وَهَذَا فِقْهٌ حَسَنٌ عَلَى الْقَوَاعِدِ فَلْيُتَأَمَّلْ قُلْت جَوَابُهُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى دَعْوَاهُ قُوَّةَ الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ فَجَوَابُهُ مَا سَبَقَ قَالَ (وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي بَادِئِ الرَّأْيِ أَقْوَى وَأَظْهَرُ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ فِي هَذَا الْفَرْقِ) قُلْت قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَقْوَى عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ. (الْفَرْقُ الرَّابِعَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْكَذِبِ وَقَاعِدَةِ الْوَعْدِ، وَمَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ مِنْهُ، وَمَا لَا يَجِبُ إلَى آخِرِ قَوْلِهِ، وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «وَأْيُ الْمُؤْمِنِ وَاجِبٌ أَيْ وَعْدُهُ» وَاجِبُ الْوَفَاءِ بِهِ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ، وَلَا كَلَامَ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَيْنَا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَقَالُوا إنَّكُمْ جِئْتُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الْحَبْرِ فَهَلْ عِنْدَكُمْ دَوَاءٌ أَوْ رُقْيَةٌ فَإِنَّ عِنْدَنَا مَعْتُوهًا فِي الْقُيُودِ فَقُلْنَا لَهُمْ نَعَمْ فَجَاءُوا بِهِ فَجَعَلْت أَقْرَأُ عَلَيْهِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً أَجْمَعُ بُزَاقِي ثُمَّ أَتْفُلُ عَلَيْهِ فَكَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَأَعْطَوْنِي جُعَلًا فَقُلْت: لَا حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلْته فَقَالَ كُلْ لَعَمْرِي مَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ فَلَقَدْ أَكَلْت بِرُقْيَةِ حَقٍّ» ، وَبِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا فِي غَزَاةٍ فَمَرُّوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَقَالُوا هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ رَاقٍ فَإِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ قَدْ لُدِغَ أَوْ قَدْ عَرَضَ لَهُ قَالَ فَرَقَى رَجُلٌ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَبَرِئَ فَأُعْطِيَ قَطِيعًا مِنْ الْغَنَمِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ بِمَ رَقَيْته قَالَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَالَ وَمَا يُدْرِيك أَنَّهَا رُقْيَةٌ قَالَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذُوهَا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ فِيهَا بِسَهْمٍ» . وَكَرِهُوهُ أَيْ حَرَّمَهُ قَوْمٌ آخَرُونَ قَائِلِينَ هُوَ مِنْ بَابِ الْجُعْلِ عَلَى تَعْلِيمِ الصَّلَاةِ قَالُوا وَلَمْ يَكُنْ الْجُعْلُ الْمَذْكُورُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى الرَّقْيِ وَالِاسْتِئْجَارِ، وَالرَّقْيُ عِنْدَنَا جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَ بِالْقُرْآنِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ كَالْعِلَاجَاتِ، وَلَيْسَ وَاجِبًا عَلَى النَّاسِ، وَأَمَّا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى النَّاسِ اهـ بِتَصَرُّفٍ فَافْهَمْ. (الشَّرْط الثَّامِنُ) كَوْنُهَا مَعْلُومَةَ احْتِرَازًا مِنْ الْمَجْهُولَاتِ مِنْ الْمَنَافِعِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ آلَةً لَا يَدْرِي مَا يَعْمَلُ بِهَا أَوْ دَارًا لِمُدَّةٍ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّ شَرْطَ الْإِجَارَةِ الَّتِي هِيَ عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ أَنْ تَكُونَ صَادِرَةً مِنْ عَاقِدٍ كَالْعَاقِدِ الصَّادِرِ مِنْهُ الْبَيْعُ، وَأَنْ تَكُونَ بِأَجْرٍ كَالْأَجْرِ الَّذِي مُرَادٌ بِهِ الْعِوَضُ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ، وَأَمَّا الْمُثَمَّنُ، وَهُوَ الْمَنَافِعُ فَلَمَّا كَانَ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَكُونَ وَقْتَ الْعَقْدِ مَعْدُومَةً كَانَ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهَا غَرَرٌ وَبَيْعٌ لِمَا لَمْ يُخْلَقْ حَتَّى حُكِيَ عَنْ الْأَصَمِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ مَنْعُ الْإِجَارَةِ لِذَلِكَ إلَّا أَنَّ جَمِيعَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَالصَّدْرِ الْأَوَّلِ قَالُوا بِجَوَازِهَا نَظَرًا إلَى أَنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ مَعْدُومَةً لَكِنَّهَا مُسْتَوْفَاةٌ فِي الْغَالِبِ، وَالشَّرْعُ إنَّمَا لَحَظَ مِنْ هَذِهِ الْمَنَافِعِ مَا يُسْتَوْفَى فِي الْغَالِبِ أَوْ يَكُونُ اسْتِيفَاؤُهُ، وَعَدَمُ اسْتِيفَائِهِ عَلَى السَّوَاءِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ مَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِتَعَيُّنِهِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى جَوَازِهَا مِنْ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وقَوْله تَعَالَى {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ} [القصص: 27] الْآيَةَ، وَمِنْ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ مَا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «اسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا، وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَدَفَعَا إلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا» ، وَحَدِيثُ «جَابِرٍ أَنَّهُ بَاعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعِيرًا، وَشَرَطَ ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ» ، وَمَا جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ

وَفِي الْمُوَطَّإِ «قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْذِبُ لِامْرَأَتِي فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَأَعِدُهَا، وَأَقُولُ لَهَا فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا جُنَاحَ عَلَيْك» فَمَنَعَهُ مِنْ الْكَذِبِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّ رِضَى النِّسَاءِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِهِ، وَنَفَى الْجُنَاحَ عَلَى الْوَعْدِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَمْرَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ إخْلَافَ الْوَعْدِ لَا يُسَمَّى كَذِبًا لِجَعْلِهِ قَسِيمَ الْكَذِبِ (وَثَانِيهَا) أَنَّ إخْلَافَ الْوَعْدِ لَا حَرَجَ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَفِي الْمُوَطَّإِ «قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْذِبُ لِامْرَأَتِي فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعِدُهَا وَأَقُولُ لَهَا فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا جُنَاحَ عَلَيْك» فَمَنَعَهُ مِنْ الْكَذِبِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّ رِضَى النِّسَاءِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِهِ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْ الْكَذِبِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمُسْتَقْبَلِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَهِيَ دَعْوَى لَمْ يَأْتِ عَلَيْهَا بِحُجَّةٍ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْكَذِبِ لَهَا أَنْ يُخْبِرَهَا عَنْ فِعْلِهِ مَعَ غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ بِمَا لَمْ يَفْعَلْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ فِيهِ تَغْيِيظُهَا بِزَوْجَتِهِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرَهُ كَيْفَ وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُوَ عَيْنُ الْوَعْدِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا يُخْبِرُهَا عَنْ وُقُوعِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُتَعَلِّقًا بِهَا، وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ لَهَا هِيَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهَا. وَمَا مَعْنَى الْحَدِيثِ عِنْدِي إلَّا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَعَهُ مِنْ أَنْ يُخْبِرَهَا بِخَبَرٍ كَذِبٍ يَقْتَضِي تَغْيِيظَهَا بِهِ، وَسَوَّغَ لَهُ الْوَعْدَ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْإِخْلَافُ لِاحْتِمَالِ الْوَفَاءِ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَازِمًا عِنْدَ الْوَعْدِ عَلَى الْوَفَاءِ أَوْ عَلَى الْإِخْلَافِ أَوْ مُضْرِبًا عَنْهُمَا، وَيَتَخَرَّجُ ذَلِكَ فِي قِسْمِ الْعَزْمِ عَلَى الْإِخْلَافِ عَلَى الرَّأْيِ الصَّحِيحِ الْمَنْصُورِ عِنْدِي مِنْ أَنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ لَا مُؤَاخَذَةَ بِهِ إذْ مُعْظَمُ دَلَائِلِ الشَّرِيعَةِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ الْإِخْلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَنَفْيُ الْجُنَاحِ عَنْ الْوَعْدِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ إخْلَافَ الْوَعْدِ لَا يُسَمَّى كَذِبًا لِجَعْلِهِ قَسِيمَ الْكَذِبِ) قُلْت قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ قَسِيمَ الْكَذِبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذِبٌ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ قَسِيمَ الْخَبَرِ عَنْ غَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ الَّذِي هُوَ كَذِبٌ فَكَانَ قَسِيمُهُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مُسْتَقْبَلًا، وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَقْبَلٍ أَوْ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ قَدْ تَعَيَّنَ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَالْوَعْدُ لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ كَذِبًا. قَالَ (وَثَانِيهِمَا أَنَّ إخْلَافَ الْوَعْدِ لَا حَرَجَ فِيهِ) قُلْت بَلْ فِيهِ الْحَرَجُ بِمُقْتَضَى ظَوَاهِرِ الشَّرْعِ إلَّا حَيْثُ يَتَعَذَّرُ الْوَفَاءُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالشَّرْطِ جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ بِالْأَجْرِ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْحَفِيدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهٌ) مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَصْلِ مِنْ أَنَّ الْأَصْحَابَ عَدُّوا الْمَسَائِلَ الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ هُوَ بِحَسَبِ مَا عِنْدَهُ وَحَضَرَهُ، وَإِلَّا فَهِيَ تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَفِي حَاشِيَةِ الصَّاوِيِّ عَلَى شَرْحِ أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ أَنْهَى بَعْضُهُمْ مَسَائِلَ مَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ السَّمَاعِ لِاثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً، وَقَدْ جُمِعَتْ فِي أَبْيَاتٍ، وَنَصُّهَا: أَيَا سَائِلِي عَمَّا يَنْفُذُ حُكْمُهُ ... وَيَثْبُتُ سَمْعًا دُونَ عِلْمٍ بِأَصْلِهِ فَفِي الْعَزْلِ وَالتَّجْرِيحِ وَالْكُفْرِ بَعْدَهُ ... وَفِي سَفَهٍ أَوْ ضِدِّ ذَلِكَ كُلِّهِ وَفِي الْبَيْعِ وَالْأَحْبَاسِ وَالصَّدَقَاتِ ... وَالرَّضَاعِ وَخُلْعِ النِّكَاحِ وَحَلِّهِ وَفِي قِسْمَةٍ أَوْ نِسْبَةٍ وَوِلَايَةٍ ... وَمَوْتٍ وَحَمْلٍ وَالْمُضِرِّ بِأَهْلِهِ وَمِنْهَا الْهِبَاتُ وَالْوَصِيَّةُ فَاعْلَمَنْ ... وَمِلْكٌ قَدِيمٌ قَدْ يُضَنُّ بِمِثْلِهِ وَمِنْهَا وِلَادَاتٌ وَمِنْهَا حِرَابَةٌ ... وَمِنْهَا الْإِبَاقُ فَلْيُضَمَّ لِشَكْلِهِ وَقَدْ زِيدَ فِيهَا الْأَسْرُ وَالْفَقْدُ وَالْمَلَا ... وَلَوْثٌ وَعِتْقٌ فَاظْفَرْنَ بِنَقْلِهِ فَصَارَتْ لَدَيَّ عَدُّ ثَلَاثِينَ اُتُّبِعَتْ ... بِسَنَتَيْنِ فَاطْلُبْ نَصَّهَا فِي مَحَلِّهِ اهـ. وَفِي شَرْحِ التَّاوَدِيِّ عَلَى نَظْمِ ابْنِ عَاصِمٍ جُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ مِنْ مَسَائِلِ مَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ السَّمَاعِ تِسْعَةَ عَشَرَ، وَعَدَّهَا ابْنُ الْعَرَبِيِّ إحْدَى وَعِشْرِينَ فَقَالَ أَيَا سَائِلِي إلَى آخِرِ الْبَيْتِ الرَّابِعِ، وَزَادَ وَلَدُهُ سِتَّةً فَقَالَ مِنْهَا الْهِبَاتُ إلَى قَوْلِهِ فَلْيُضَمَّ لِشَكْلِهِ: فَدُونَكَهَا عِشْرِينَ مِنْ بَعْدِ سَبْعَةٍ ... تَدُلُّ عَلَى حِفْظِ الْفَقِيهِ وَنُبْلِهِ أَبِي نَظَمَ الْعِشْرِينَ مِنْ بَعْدِ وَاحِدٍ ... فَأَتْبَعْتهَا سِتًّا تَمَامًا لِفِعْلِهِ ، وَزَادَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ خَمْسَةً، وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ وَقَدْ زِيدَ فِيهَا إلَى قَوْلِهِ فَاطْلُبْ نَصَّهَا فِي مَحَلِّهِ، وَنَظَمَهَا أَيْضًا الْعَبْدُوسِيُّ، وَذَيَّلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ بِمَا زَادَهُ عَلَيْهِ إلَى أَنْ قَالَ فِي آخِرِهِ: لَوْلَا التَّدَاخُلُ بَعْدَ ذِي فِي الزَّائِدِ ... لَبَلَغَتْ عِشْرِينَ دُونَ وَاحِدٍ اهـ بِإِصْلَاحِ الْبَيْتِ الْأَخِيرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الفرق بين قاعدة ما للمستأجر أخذه من ماله بعد انقضاء الإجارة وبين قاعدة ما ليس له أخذه]

وَلَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْوَعْدَ الَّذِي يَفِي بِهِ لَمَا احْتَاجَ لِلسُّؤَالِ عَنْهُ، وَلَمَا ذَكَرَهُ مَقْرُونًا بِالْكَذِبِ، وَلَكِنْ قَصْدُهُ إصْلَاحُ حَالِ امْرَأَتِهِ بِمَا لَا يَفْعَلُهُ فَتَخَيَّلَ الْحَرَجَ فِي ذَلِكَ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، وَفِي أَبِي دَاوُد قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا وَعَدَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَفِيَ فَلَمْ يَفِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ» فَهَذِهِ الْأَدِلَّةُ تَقْتَضِي عَدَمَ الْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ، وَالْكَذِبُ لَيْسَ بِمُبَاحٍ فَلَا يَكُونُ الْوَعْدُ يَدْخُلُهُ الْكَذِبُ عَكْسُ الْأَدِلَّةِ الْأُوَلِ، وَاعْلَمْ أَنَّا إذَا فَسَّرْنَا الْكَذِبَ بِالْخَبَرِ الَّذِي لَا يُطَابِقُ لَزِمَ دُخُولُ الْكَذِبِ فِي الْوَعْدِ بِالضَّرُورَةِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ يَأْبَاهُ، وَكَذَلِكَ التَّأْثِيمُ فَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَالَ الْكَذِبُ يَخْتَصُّ بِالْمَاضِي وَالْحَاضِرَ، وَالْوَعْدُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَدْخُلُهُ الْكَذِبُ، وَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ وَنَحْوِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَلَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْوَعْدَ الَّذِي يَفِي بِهِ لَمَّا احْتَاجَ لِلسُّؤَالِ عَنْهُ، وَلَمَا ذَكَرَهُ مَقْرُونًا بِالْكَذِبِ) قُلْت لَمْ يَقْصِدْ الْوَعْدَ الَّذِي يَفِي فِيهِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَمِنْ أَيْنَ لَهُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الْوَعْدَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَسَأَلَ عَنْهُ لِأَنَّ الِاحْتِمَالَ فِي عَدَمِ الْوَفَاءِ اضْطِرَارًا أَوْ اخْتِيَارًا قَائِمٌ، وَرَفَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ الْجُنَاحَ لِاحْتِمَالِ الْوَفَاءِ ثُمَّ إنَّهُ إنْ وَفَّى فَلَا جُنَاحَ، وَإِنْ لَمْ يَفِ مُضْطَرًّا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَفِ مُخْتَارًا فَالظَّوَاهِرُ الْمُتَظَاهِرَةُ قَاضِيَةٌ بِالْحَرَجِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَلَكِنْ قَصْدُهُ إصْلَاحُ حَالِ امْرَأَتِهِ بِمَا لَا يَفْعَلُهُ فَتَخَيَّلَ الْحَرَجَ فِي ذَلِكَ فَاسْتَأْذَنَ فِي ذَلِكَ) . قُلْت مَا قَالَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَمِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ، وَعَلَى أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الْوَعْدِ غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ مِمَّا وَعَدَ بِهِ مِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ عَدَمَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ عِلْمُهُ بِذَلِكَ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُهُ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْوَفَاءِ أَوْ الْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْوَفَاءِ فَسَوَّغَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ لِأَنَّ عَدَمَ الْوَفَاءِ لَا يَتَعَيَّنُ أَوْ لِأَنَّ الْعَزْمَ عَلَى عَدَمِ الْوَفَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ عَدَمَ الْوَفَاءِ مَعْصِيَةٌ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ. قَالَ (وَفِي أَبِي دَاوُد قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا وَعَدَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَفِيَ فَلَمْ يَفِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ» إلَى قَوْلِهِ عَكْسُ الْأَدِلَّةِ الْأُوَلُ) قُلْت تُحْمَلُ هَذِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَفِ مُضْطَرًّا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ مَعَ بُعْدِ تَأْوِيلِ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ، وَقُرْبِ تَأْوِيلِ هَذِهِ قَالَ (وَاعْلَمْ أَنَّا إذَا فَسَّرْنَا الْكَذِبَ بِالْخَبْرِ الَّذِي لَا يُطَابِقُ لَزِمَ دُخُولُ الْكَذِبِ فِي الْوَعْدِ بِالضَّرُورَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ (مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ يَأْبَاهُ، وَكَذَلِكَ عَدَمُ التَّأْثِيمِ) قُلْت يَلْزَمُ تَأْوِيلُ ذَلِكَ قَالَ (فَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَالَ الْكَذِبُ يَخْتَصُّ بِالْمَاضِي وَالْحَاضِرِ، وَالْوَعْدُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَدْخُلُهُ الْكَذِبُ، وَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ، وَنَحْوِهَا) قُلْت قَوْلُهُمْ ذَلِكَ دَعْوَى يُكَذِّبُهَا دُخُولُ عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ فِي الْوَعْدِ وَفِي كُلِّ مُسْتَقْبَلٍ سِوَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَخْذُهُ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ] (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَخْذُهُ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ) وَهُوَ أَنَّ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ مِنْ الزَّرْعِ بَعْدَ الْقَلْعِ، وَمِنْ الْبِنَاءِ بَعْدَ الْهَدْمِ، وَإِنْ عَظُمَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ الْقَلْعِ وَالْهَدْمِ لَا يُقْبَلُ فِي قَلْعِهِ أَوْ هَدْمِهِ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إبْقَاؤُهُ فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ يَنْتَفِعُ بِهِ صَاحِبُ الْأَرْضِ، وَيَحْصُلُ لَهُ بِسَبَبِهِ تِلْكَ الْمَالِيَّةُ الْعَظِيمَةُ، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُ وَالْغَاصِبُ، وَنَحْوُهُمَا لِأَنَّ قَلْعَهُ أَوْ هَدْمَهُ بِمُجَرَّدِ الْفَسَادِ لَا لِحُصُولِ مَصْلَحَةٍ تَسْتَحْصِلُ لِلْقَالِعِ وَالْهَادِمِ، وَلَا لِدَرْءِ مَفْسَدَةٍ عَنْهُ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الشَّرْعَ لَا يَعْتَبِرُ مِنْ الْمَقَاصِدِ إلَّا مَا تَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ مُحَصِّلٌ لِمَصْلَحَةٍ أَوْ دَارِئٌ لِمَفْسَدَةٍ، وَلِذَلِكَ لَا يَسْمَعُ الْحَاكِمُ الدَّعْوَى فِي الْأَشْيَاءِ التَّافِهَةِ الْحَقِيرَةِ الَّتِي لَا يَتَشَاحُّ الْعُقَلَاءُ فِيهَا عَادَةً كَالسِّمْسِمَةِ وَنَحْوِهَا، وَإِذَا أَعْطَى الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُ أَوْ الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُمْ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ مَا ذُكِرَ مِنْ الزَّرْعِ أَوْ الْبِنَاءِ اللَّذَيْنِ لَا قِيمَةَ لَهُمَا بَعْدَ الْإِزَالَةِ بِالْقَلْعِ أَوْ الْهَدْمِ فَهُوَ يُعْطِيهِ لَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ضَرُورَةَ أَنَّهُ مُسْتَحِقُّ الْإِزَالَةِ شَرْعًا، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِزَالَةِ تَبْطُلُ تِلْكَ الْمَالِيَّةُ فَهِيَ مَالِيَّةٌ مُسْتَهْلَكَةٌ عَلَى وَاضِعِهَا شَرْعًا، وَالْمُسْتَهْلَكُ شَرْعًا لَا يَجِبُ فِيهِ قِيمَةٌ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ «نَهْيُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ» وَهَدْمُ مِثْلِ هَذَا الْبِنَاءِ وَقَلْعُ مِثْلِ هَذَا الشَّجَرِ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ فَوَجَبَ الْمَنْعُ مِنْهُ، وَأَمَّا مَا لَهُ قِيمَةٌ مِنْ الزَّرْعِ بَعْدَ الْقَلْعِ، وَمِنْ الْبِنَاءِ بَعْدَ الْهَدْمِ فَيُقْبَلُ فِي قَلْعِهِ أَوْ هَدْمِهِ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَحَقُّ مِنْهُ، وَالْغَاصِبُ وَنَحْوُهُمَا لِأَنَّ قَلْعَهُ أَوْ هَدْمَهُ لِحُصُولِ مَصْلَحَةٍ تَحْصُلُ لِلْقَالِعِ وَالْهَادِمِ لَا لِمُجَرَّدِ الْفَسَادِ كَذَا قَالَ الْأَصْلُ، وَفِي فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ مَعَ شَرْحِ عبق وَإِنْ زَرَعَ غَاصِبُ أَرْضٍ أَوْ مَنْفَعَتِهَا فَاسْتُحِقَّتْ الْأَرْضُ أَيْ أَقَامَ مَالِكُهَا فَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالزَّرْعِ قَبْلَ ظُهُورِهِ أَوْ بَعْدَهُ أَخَذَ بِلَا شَيْءٍ فِي مُقَابَلَةِ بَذْرِهِ أَوْ أُجْرَةِ حَرْثِهِ أَوْ غَيْرِهِ أَيْ قُضِيَ لِلْمُسْتَحِقِّ بِأَخْذِهِ إنْ شَاءَ مَجَّانًا، وَنَصُّ التَّوْضِيحِ إنْ أَقَامَ رَبُّ الْأَرْضِ بَعْدَ الْحَرْثِ، وَقَبْلَ الزِّرَاعَةِ فَفِي اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ قِيَامُهُ بَعْدَ الزِّرَاعَةِ، وَقَبْلَ ظُهُورِ الزَّرْعِ أَوْ بَعْدَ ظُهُورِهِ، وَقَبْلَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِهِ أَوْ يَأْخُذَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ وَلَا ذَرِيعَةٍ اهـ. وَلَيْسَ لَهُ إبْقَاؤُهُ وَأَخْذُ كِرَاءِ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ كَمَا يَأْتِي نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ يُونُسَ وَإِلَّا بِأَنْ بَلَغَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ، وَلَوْ لِرَعْيِ الْبَهَائِمِ فَلَهُ أَيْ لِلْمُسْتَحِقِّ بِهِ قَلْعُهُ أَيْ أَمْرُهُ بِذَلِكَ، وَبِتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ، وَذَكَرَ شَرْطًا فِي قَوْلِهِ أَخَذَ بِلَا شَيْءٍ، وَقَوْلُهُ فَلَهُ قَلْعُهُ فَقَالَ إنْ لَمْ يَفُتْ أَيْ إبَّانَ مَا أَيْ زَرْعٍ تُرَادُ لَهُ مِمَّا زُرِعَ فِيهَا كَمَا حَمَلَ عَبْدُ الْحَقِّ وَغَيْرُهُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ

تَعَالَى، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ زَمَانٌ يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، وَلَمْ يَقَعْ فِيهِ بُعْدُ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ فَلَا يُوصَفُ الْخَبَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بِعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ، وَلَا بِالْمُطَابَقَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بَعْدُ مَا يَقْتَضِي أَحَدَهُمَا، وَحَيْثُ قُلْنَا الصِّدْقُ الْقَوْلُ الْمُطَابِقُ، وَالْكَذِبُ الْقَوْلُ الَّذِي لَيْسَ بِمُطَابِقٍ ظَاهِرٌ فِي وُقُوعِ وَصْفِ الْمُطَابَقَةِ أَوْ عَدَمِهَا بِالْفِعْلِ، وَذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْحَالِ وَالْمَاضِي. وَأَمَّا الْمُسْتَقْبَلُ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا قَبُولُ الْمُطَابَقَةِ وَعَدَمِهَا، وَنَحْنُ مَتَى حَدَّدْنَا بِوَصْفٍ نَحْوِ قَوْلِنَا فِي الْإِنْسَانِ الْحَيَوَانُ النَّاطِقُ أَوْ نَحْوُهُ إنَّمَا نُرِيدُ الْحَيَاةَ وَالنُّطْقَ بِالْفِعْلِ لَا بِالْقُوَّةِ، وَإِلَّا لَكَانَ كُلُّهُ إنْسَانًا لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلْحَيَاةِ، وَالنُّطْقِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ زَمَانٌ يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، وَلَمْ يَقَعْ فِيهِ بَعْدُ وُجُودٌ، وَلَا عَدَمٌ فَلَا يُوصَفُ الْخَبَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بِعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ، وَلَا بِالْمُطَابَقَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بَعْدَمَا يَقْتَضِي أَحَدَهُمَا، وَحَيْثُ قُلْنَا الصِّدْقُ الْقَوْلُ الْمُطَابِقُ، وَالْكَذِبُ الْقَوْلُ الَّذِي لَيْسَ بِمُطَابِقٍ ظَاهِرٌ فِي وُقُوعِ وَصْفِ الْمُطَابَقَةِ أَوْ عَدَمِهَا بِالْفِعْلِ، وَذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْحَالِ، وَالْمَاضِي، وَأَمَّا الْمُسْتَقْبَلُ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا قَبُولُ الْمُطَابَقَةِ وَعَدَمُهَا) قُلْت هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ لَمْ يُخَالِفُوا الْأَوَّلَ فِي كَوْنِ الْكَذِبِ لَا يُدْخِلُ الْوَعْدَ، وَلَكِنَّهُمْ عَيَّنُوا السَّبَبَ فِي ذَلِكَ، وَبَسَّطُوهُ، وَمَسَاقُ الْمُؤَلِّفِ لِقَوْلِ هَؤُلَاءِ مَفْصُولًا عَنْ قَوْلِ أُولَئِكَ يُشْعِرُ بِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ قَوْلٌ غَيْرُ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ بِعَيْنِهِ قَالَ (وَنَحْنُ مَتَى حَدَّدْنَا بِوَصْفٍ نَحْوُ قَوْلِنَا فِي الْإِنْسَانِ الْحَيَوَانُ النَّاطِقُ أَوْ نَحْوُهُ إنَّمَا نُرِيدُ الْحَيَاةَ، وَالنُّطْقَ بِالْفِعْلِ لَا بِالْقُوَّةِ، وَإِلَّا لَكَانَ الْجَمَادُ وَالنَّبَاتُ كُلُّهُ إنْسَانًا لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلْحَيَاةِ وَالنُّطْقِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ) قُلْت مَا قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ فِي حَدِّ الْإِنْسَانِ مُشْعِرٌ بِجَهْلِهِ بِالْحُدُودِ وَقَصْدِ أَرْبَابِهَا فَإِنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ حُصُولَ الْوَصْفِ بِالْفِعْلِ فَإِنَّ الطِّفْلَ الرَّضِيعَ عِنْدَهُمْ إنْسَانٌ مَعَ أَنَّ النُّطْقَ الَّذِي هُوَ الْعَقْلُ فِيهِ مَفْقُودٌ فِيهِ بِالْفِعْلِ، وَمَا قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ حَيْثُ قَالَ وَإِلَّا لَكَانَ الْجَمَادُ وَالنَّبَاتُ كُلُّهُ إنْسَانًا لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلْحَيَاةِ مُشْعِرٌ بِجَهْلِهِ بِمَذْهَبِ أَرْبَابِ الْحُدُودِ، وَهُمْ الْفَلَاسِفَةُ فِي الْحَقَائِقِ، وَأَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ بِصِفَاتِهَا الذَّاتِيَّةِ فَلَا تَقْبَلُ حَقِيقَةٌ مِنْهَا صِفَةَ الْأُخْرَى فَالْحَيَوَانُ لَا يَقْبَلُ أَنْ يَكُونَ جَمَادًا، وَالْجَمَادُ لَا يَقْبَلُ أَنْ يَكُونَ حَيَوَانًا، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ (هَذَا التَّعْلِيلَ يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ يُشْعِرُ بِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ) قُلْت، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ فِي الْحُدُودِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ، وَنَصُّ الْعُتْبِيَّةِ، وَمَنْ تَعَدَّى فَزَرَعَ أَرْضَ رَجُلٍ فَقَامَ عَلَيْهِ بَعْدَ إبَّانَ الزَّرْعِ، وَقَدْ كَبِرَ الزَّرْعُ وَاشْتَدَّ فَأَرَادَ قَلْعَ الزَّرْعِ، وَقَالَ أُرِيدُ أُكْرِيهَا مَقْثَأَةً أَوْ أَزْرَعُهَا بَقْلًا، وَهِيَ أَرْضُ سَقْيٍ يُمْكِنُهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ إبَّانِ الزَّرْعِ إلَّا كِرَاؤُهُ وَإِنْ كَانَتْ أَرْضَ سَقْيٍ يُنْتَفَعُ بِهَا لِمَا ذَكَرْت، وَإِنَّمَا لَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَفُتْ إبَّانُ الزَّرْعِ الَّذِي فِيهَا، وَلَا حُجَّةَ لَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ قَلَبَهَا، وَالْكِرَاءُ لَهُ عِوَضٌ مِنْ ذَلِكَ اهـ. وَأَشَارَ لِقَسِيمِ قَوْلِهِ فَلَهُ قَلْعُهُ، وَهُوَ الشِّقُّ الثَّانِي مِنْ التَّخْيِيرِ بِقَوْلِهِ، وَلَهُ أَيْ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ مَقْلُوعًا تَقْدِيرًا، وَيُبْقِيهِ فِي الْأَرْضِ، وَيَسْقُطُ مِنْ قِيمَتِهِ مَقْلُوعًا عَنْهُ كُلْفَةُ قَلْعِهِ أَنْ لَوْ قُلِعَ حَيْثُ كَانَ الْغَاصِبُ شَأْنُهُ أَنْ لَا يَتَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ أَوْ خَدَمِهِ عَلَى مَا لِابْنِ الْمَوَّازِ فِي بِنَاءِ الْغَاصِبِ وَغَرْسَةِ، وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُنَاكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ هُنَا أَيْضًا فَإِذَا كَانَ شَأْنُهُ تَوَلِّيهِ بِنَفْسِهِ أَوْ خَدَمِهِ أَخَذَهُ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا مِنْ غَيْرِ إسْقَاطِ كُلْفَةِ قَلْعِهِ لَوْ قُلِعَ، وَكَمَا لَهُ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا لَهُ إبْقَاؤُهُ لِزَارِعِهِ، وَأَخْذُ كِرَاءِ السَّنَةِ مِنْهُ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ أَيْ بَلَغَ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ، وَلَمْ يَفُتْ وَقْتُ مَا تُرَدُّ لَهُ دُونَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فِي الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ إبْقَاؤُهُ وَأَخْذُ كِرَائِهَا مِنْهُ، وَفَرَّقَ ابْنُ يُونُسَ أَيْ وَابْنُ الْمَوَّازِ بِأَنَّهُ فِيهِ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ لِأَنَّ مَالِكَ الْأَرْضِ لَمَّا مَكَّنَهُ الشَّرْعُ مِنْ أَخْذِهِ بِلَا شَيْءٍ وَإِبْقَاءٍ لِزَارِعِهِ بِكِرَاءٍ فَكَانَ ذَلِكَ الْكِرَاءُ عِوَضًا عَنْهُ فِي الْمَعْنَى فَهُوَ بَيْعٌ لَهُ عَلَى التَّبْقِيَةِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَنْ خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ عُدَّ مُنْتَقِلًا كَمَا قَالَ الْمَازِرِيُّ، وَإِلَّا بِأَنْ فَاتَ وَقْتُ مَا تُرَدُّ لَهُ فَكِرَاءُ مِثْلِهَا فِي السَّنَةِ لَازِمٌ لِلْغَاصِبِ، وَاعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ اللَّخْمِيِّ، وَنَصُّهُ وَإِنْ كَانَ قِيَامُهُ بَعْدَ الْإِبَّانِ فَقَالَ مَالِكُ الزَّرْعِ لِلْغَاصِبِ، وَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْأَرْضِ، وَلَيْسَ لِرَبِّهِ قَلْعُهُ اللَّخْمِيُّ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِهِ وَذَكَرَ رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَقْلَعَهُ، وَيَأْخُذَ أَرْضَهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ» ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّ الزَّرْعَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْأَرْضُ، وَإِنْ طَابَ وَحُصِدَ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الثَّالِثَةَ غَيْرُ وَاحِدٍ لِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ زَرْعٍ أَرْضًا لِقَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَالزَّرْعُ لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ اهـ. وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا أَصَحُّ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ فَظَهَرَ تَرْجِيحُ كُلٍّ مِنْ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ لَكِنْ الثَّالِثَةُ شَاذَّةٌ عَنْ الْإِمَامِ، وَقَدْ بَحَثَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْفَتْوَى بِهَا بِذَلِكَ، وَأُجِيبَ كَمَا فِي الْمِعْيَارِ بِأَنَّ التَّشْدِيدَ عَلَى الظَّلَمَةِ وَالْمُحْدِثِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْفَسَادِ مَأْلُوفٌ مِنْ الشَّرْعِ وَقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ، وَهَلْ فَوَاتُ الْإِبَّانِ بِالنَّظَرِ إلَى زَمَنِ الْخِصَامِ أَوْ إلَى يَوْمِ الْحُكْمِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا

[الفرق بين قاعدة ما يضمن بالطرح من السفن وبين قاعدة ما لا يضمن]

وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ الْكُلُّ يَدْخُلُهُ الْكَذِبُ، وَإِنَّمَا سُومِحَ فِي الْوَعْدِ تَكْثِيرًا لِلْعِدَةِ بِالْمَعْرُوفِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَذِبِ وَالْوَعْدِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي ظَهَرَ لِي لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمُطَابَقَةِ وَعَدَمِهَا اللَّذَيْنِ هُمَا ضَابِطَا الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَعَلَى ذَلِكَ يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَذِبِ وَبَيْنَ الصِّدْقِ فَلَا يُوصَفُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَخْتَصُّ بِالْمَاضِي وَالْحَاضِرِ فَإِنْ قُلْت يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي وَعْدِ الشَّرَائِعِ وَوَعِيدِهَا فَلَا يُوصَفَانِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ} [إبراهيم: 22] ، وَصَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} [الزمر: 74] {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا} [الأعراف: 44] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى دُخُولِ الصِّدْقِ فِي وَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَعِيدِهِ، وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ (قُلْت) اللَّهُ تَعَالَى يُخْبِرُ عَنْ مَعْلُومٍ، وَكُلُّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْعِلْمُ تَجِبُ مُطَابَقَتُهُ بِخِلَافِ وَاحِدٍ مِنْ الْبَشَرِ إنَّمَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَعَ تَجْوِيزِ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَأَنْ لَا يَقَعَ فَلَا تَكُونُ الْمُطَابَقَةُ وَعَدَمُهَا مَعْلُومَيْنِ، وَلَا وَاقِعَيْنِ فَانْتَفَيَا بِالْكُلِّيَّةِ وَقْتَ الْإِخْبَارِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْوَعْدِ هَلْ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ شَرْعًا أَمْ لَا قَالَ مَالِكٌ إذَا سَأَلَك أَنْ تَهَبَ لَهُ دِينَارًا فَقُلْت نَعَمْ ثُمَّ بَدَا لَك ـــــــــــــــــــــــــــــSلَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ تَكُونَ الْأَوْصَافُ فِيهَا بِالْفِعْلِ بَطَلَ كُلُّ مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ مِنْ أَنَّ الْوَعْدَ لَا يَدْخُلُهُ الْكَذِبُ لِأَنَّهُ مُسْتَقْبَلٌ، وَصَحَّ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ يَدْخُلُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَابِلٌ لِذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي لَا يَصِحُّ سِوَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ الْكُلُّ يَدْخُلُهُ الْكَذِبُ، وَإِنَّمَا سُومِحَ فِي الْوَعْدِ تَكْثِيرًا لِلْعِدَةِ بِالْمَعْرُوفِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَذِبِ وَالْوَعْدِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي ظَهَرَ لِي لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمُطَابَقَةِ وَعَدَمِهَا اللَّذَيْنِ هُمَا ضَابِطَا الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَعَلَى ذَلِكَ يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَذِبِ وَبَيْنَ الصِّدْقِ فَلَا يُوصَفُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَخْتَصُّ بِالْمَاضِي وَالْحَاضِرِ) قُلْت الصَّحِيحُ نَقِيضُ مُخْتَارِهِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (فَإِنْ قُلْت يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي وَعْدِ الشَّرَائِعِ وَوَعِيدِهَا فَلَا يُوصَفَانِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ فَانْتَفَيَا بِالْكُلِّيَّةِ وَقْتَ الْإِخْبَارِ) قُلْت السُّؤَالُ، وَارِدٌ لَازِمٌ، وَالْجَوَابُ سَاقِطٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحَقَائِقَ لَا تَتَغَيَّرُ بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ الْمُخْبَرِ بِهَا عَنْهَا، وَلَا بِحَسَبِ حَالٍ دُونَ حَالٍ فَالْخَبَرُ الْقَابِلُ لِلصِّدْقِ أَوْ الْكَذِبِ قَابِلٌ لَهُمَا، وَالْخَبَرُ الْقَابِلُ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ (وَاعْلَمْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْوَعْدِ هَلْ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ شَرْعًا أَمْ لَا إلَى آخِرِ الْفَرْقِ) قُلْت الصَّحِيحُ عِنْدِي الْقَوْلُ بِلُزُومِ الْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ مُطْلَقًا ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ عَرَفَةَ فِي ذِي الشُّبْهَةِ، وَمَالَ إلَى يَوْمِ الْحُكْمِ إنْ كَانَتْ الْمُخَاصَمَةُ بِمَا لَهُ وَجْهٌ اُنْظُرْ الرَّهُونِيَّ اهـ. مَعَ اقْتِصَارٍ عَلَى مَا عَوَّلَ عَلَيْهِ الْبُنَانِيُّ وَالرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ، وَزِيَادَةٌ مِنْهُمْ نَعَمْ اُنْظُرْ ابْنَ الشَّاطِّ فِي كَلَامِ الْأَصْلِ بِأَنَّ تَقْدِيرَ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا تَكُونُ لَهُ قِيمَةٌ بَعْدَ الْقَلْعِ كَفَرْضٍ مُحَالٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ بِلَفْظِهِ. (فَائِدَةٌ) قَالَ الْأَصْلُ الْقَاعِدَةُ أَنَّ الشَّرْعَ لَا يَعْتَبِرُ مِنْ الْمَقَاصِدِ إلَّا مَا تَعَلَّقَ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ إلَخْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الْعُرُوضَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ وَالطَّعَامُ لِأَنَّ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ وَالْأَوْصَافِ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَغْرَاضُ الصَّحِيحَةُ، وَتَمِيلُ إلَيْهِ الْعُقُولُ السَّلِيمَةُ وَالنُّفُوسُ الْخَالِصَةُ لِمَا فِي تِلْكَ الْمُعَيَّنَاتِ مِنْ الْمَلَاذِّ الْخَاصَّةِ فِي تِلْكَ الْأَعْيَانِ، وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّهُ إذَا عَيَّنَ صَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ، وَبَاعَهُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ الصَّحِيحَةَ مُسْتَوِيَةٌ فِي أَجْزَاءِ الصُّبْرَةِ غَيْرَ أَنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِعَدَمِ التَّعْيِينِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إذَا عُيِّنَتْ هَلْ تَتَعَيَّنُ أَمْ لَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا إنْ عَيَّنَهَا الدَّافِعُ تَعَيَّنَتْ لِأَنَّهُ أَمْلَكُ بِهَا، وَهُوَ مَالِكُهَا، وَإِنْ عَيَّنَهَا الْقَابِضُ لَا تَتَعَيَّنُ إلَّا أَنْ تَخْتَصَّ بِصِفَةِ حُلِيٍّ أَوْ سِكَّةٍ رَائِجَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ تَعَيَّنَتْ اتِّفَاقًا، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ عِنْدَنَا، وَبِالتَّعْيِينِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَنَا عَدَمُ التَّعْيِينِ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُضْمَنُ بِالطَّرْحِ مِنْ السُّفُنِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُضْمَنُ] (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُضْمَنُ بِالطَّرْحِ مِنْ السُّفُنِ، وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُضْمَنُ) وَهُوَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِضَمَانِ مَا يُطْرَحُ مِنْهَا لِلْهَوْلِ مِنْ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ فِيمَا سَلِمَ مِنْهَا لَا فِيمَا سَلِمَ مِنْ غَيْرِهَا ضَرُورَةَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ إنَّمَا هُوَ مَالُ التِّجَارَةِ لَا نَفْسُ الْمَرْكَبِ وَلَا صَاحِبُهُ وَلَا النَّوَاتِيَّةُ وَلَوْ عَبِيدًا أَوْ لَا مَا يُرَادُ لِلنَّفَقَةِ أَوْ لِلْقِنْيَةِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا وَسَائِلٌ، وَلَا يُرْجَعُ بِالْمَقَاصِدِ إلَّا فِي الْمَقَاصِدِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ شَأْنَ الْمَرْكَبِ أَنْ يَصِلَ بِرِجَالِهِ سَالِمًا إلَى الْبَرِّ، وَإِنَّمَا يُغْرِقُهُ مَا فِيهِ عَادَةً، وَإِزَالَةُ السَّبَبِ الْمُهْلِكِ لَا يُوجِبُ شَرِكَةً بَلْ فِعْلُ السَّبَبِ الْمُنْجِي هُوَ الَّذِي يُوجِبُهُ أَلَا تَرَى أَنَّ فَاعِلَ الضَّرَرِ شَأْنُهُ أَنْ يَضْمَنَ فَإِذَا زَالَ ضَرَرُهُ نَاسَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَ لِعَدَمِ سَبَبِ الضَّمَانِ، وَفَاعِلُ النَّفْعِ مُحَصِّلٌ لَعَيْنِ الْمَالِ فَنَاسَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ أَوْ بَعْضَهُ لِأَنَّ مُوجِدَ الشَّيْءِ شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ، وَهُوَ فَرْقٌ حَسَنٌ. وَعَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ إذَا طُرِحَ بَعْضُ الْحِمْلِ لِلْهَوْلِ شَارَكَ أَهْلُ الْمَطْرُوحِ مَنْ لَمْ يُطْرَحْ لَهُ شَيْءٌ فِي مَتَاعِهِمْ، وَمَا طُرِحَ وَسَلِمَ لِجَمِيعِهِمْ فِي تَمَامِهِ وَنَقْصِهِ بِثَمَنِهِ يَوْمَ الشِّرَاءِ إنْ اشْتَرَوْا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ بِغَيْرِ مُحَابَاةٍ لِأَنَّهُمْ صَانُوا بِالْمَطْرُوحِ مَا لَهُمْ، وَالْعَدْلُ عَدَمُ اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمْ بِالْمَطْرُوحِ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمْ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَهُوَ سَبَبُ سَلَامَةِ جَمِيعِهِمْ فَإِنْ اشْتَرَوْا مِنْ مَوَاضِعَ أَوْ اشْتَرَى بَعْضٌ دُونَ بَعْضٍ

لَا يَلْزَمُك، وَلَوْ كَانَ افْتِرَاقُ الْغُرَمَاءِ عَنْ وَعْدٍ وَإِشْهَادٍ لِأَجْلِهِ لَزِمَك لِإِبْطَالِك مَغْرَمًا بِالتَّأْخِيرِ قَالَ سَحْنُونٌ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ الْوَعْدِ قَوْلُهُ اهْدِمْ دَارَك، وَأَنَا أُسَلِّفُك مَا تَبْنِي بِهِ أَوْ اُخْرُجْ إلَى الْحَجِّ، وَأَنَا أُسَلِّفُك أَوْ اشْتَرِ سِلْعَةً أَوْ تَزَوَّجْ امْرَأَةً، وَأَنَا أُسَلِّفُك لِأَنَّك أَدْخَلْته بِوَعْدِك فِي ذَلِكَ أَمَّا مُجَرَّدُ الْوَعْدِ فَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ بَلْ الْوَفَاءُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. وَقَالَ أَصْبَغُ يُقْضَى عَلَيْك بِهِ تَزَوَّجَ الْمَوْعُودُ أَمْ لَا، وَكَذَا أَسْلِفْنِي لِأَشْتَرِيَ سِلْعَةَ كَذَا لَزِمَك تَسَبَّبَ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا، وَاَلَّذِي لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَعِدَهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبٍ فَيَقُولَ لَك أَسْلِفْنِي كَذَا فَتَقُولَ نَعَمْ بِذَلِكَ قَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنْ وَعَدْت غَرِيمَك بِتَأَخُّرِ الدَّيْنِ لَزِمَك لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لَازِمٌ لِلْحَقِّ سَوَاءٌ قُلْت لَهُ أُؤَخِّرُك أَوْ أَخَّرْتُك، وَإِذَا أَسْلَفْته فَعَلَيْك تَأْخِيرُهُ مُدَّةً تَصْلُحُ لِذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ نَقُولُ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي يَقْتَضِي بَعْضُهَا الْوَفَاءَ بِهِ، وَبَعْضُهَا عَدَمَ الْوَفَاءِ بِهِ أَنَّهُ إنْ أَدْخَلَهُ فِي سَبَبٍ يَلْزَمُ بِوَعْدِهِ لَزِمَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ أَوْ وَعَدَهُ مَقْرُونًا بِذِكْرِ السَّبَبِ كَمَا قَالَهُ أَصْبَغُ لِتَأَكُّدِ الْعَزْمِ عَلَى الدَّفْعِ حِينَئِذٍ وَيُحْمَلُ عَدَمُ اللُّزُومِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ قِيلَ فِي الْآيَةِ إنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ كَانُوا يَقُولُونَ جَاهَدْنَا، وَمَا جَاهَدُوا، وَفَعَلْنَا أَنْوَاعًا مِنْ الْخَيْرَاتِ، وَمَا فَعَلُوهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ لِأَنَّهُ كَذِبٌ، وَلِأَنَّهُ تَسْمِيعٌ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكِلَاهُمَا مُحَرَّمٌ وَمَعْصِيَةٌ اتِّفَاقًا. وَأَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ الْإِخْلَافِ فِي صِفَةِ الْمُنَافِقِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ سَجِيَّةٌ لَهُ، وَمُقْتَضَى حَالِهِ الْإِخْلَافُ، وَمِثْلُ هَذِهِ السَّجِيَّةِ يَحْسُنُ الذَّمُّ بِهَا كَمَا يُقَالُ سَجِيَّتُهُ تَقْتَضِي الْبُخْلَ وَالْمَنْعَ فَمَنْ كَانَتْ صِفَاتُهُ تَحُثُّ عَلَى الْخَيْرِ مُدِحَ أَوْ تَحُثُّ عَلَى الشَّرِّ ذُمَّ شَرْعًا وَعُرْفًا، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي هَذَا الْفَرْقِ مِنْ مُخَالَفَةِ بَعْضِ الظَّوَاهِرِ إنْ جَعَلْنَا الْوَعْدَ يَدْخُلُهُ الْكَذِبُ بَطَلَ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلسَّائِلِ لَمَّا قَالَ لَهُ أَأَكْذِبُ لِامْرَأَتِي قَالَ لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ» ، وَأَبَاحَ لَهُ الْوَعْدَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِكَذِبٍ، وَلَا يَدْخُلُهُ الْكَذِبُ، وَلِأَنَّ الْكَذِبَ حَرَامٌ إجْمَاعًا فَيَلْزَمُ مَعْصِيَتُهُ فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ نَفْيًا لِلْمَعْصِيَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْكَذِبَ لَا يَدْخُلُهُ، وَرُدَّ عَلَيْنَا ظَوَاهِرُ وَعْدِ اللَّهِ وَوَعِيدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَمَا ذَكَرْته أَقْرَبُ الطُّرُقِ فِي ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــSفَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ، وَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى خِلَافِ الْوَجْهِ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَمَا قَالَهُ بَعْدَ هَذَا فِي الْفُرُوقِ التِّسْعَةِ صَحِيحٌ أَوْ نَقْلٌ، وَتَرْجِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ طَالَ زَمَانُ الشِّرَاءِ حَتَّى تَغَيَّرَتْ الْأَسْوَاقُ اشْتَرَكُوا بِالْقِيَمِ يَوْمَ الرُّكُوبِ دُونَ يَوْمِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاخْتِلَاطِ، وَسَوَاءٌ طَرَحَ الرَّجُلُ مَتَاعَهُ أَوْ مَتَاعَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَمْ لَا قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ، وَلَا يُشَارِكُ مَنْ لَمْ يَرْمِ بَعْضَهُمْ بَعْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ سَبَبٌ يُوجِبُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَطْرُوحِ لَهُ مَعَ غَيْرِهِ اهـ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْمَرْكَبِ، وَلَا النَّوَاتِيَّةِ ضَمَانٌ كَانُوا أَحْرَارًا أَوْ عَبِيدًا إلَّا أَنْ يَكُونُوا لِلتِّجَارَةِ فَتُحْسَبُ قِيمَتُهُمْ، وَلَا عَلَى مَنْ لَا مَتَاعَ لَهُ لِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا، وَسَائِلُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ إنَّمَا هُوَ مَالُ التِّجَارَةِ، وَيُرْجَعُ بِالْمَقَاصِدِ فِي الْمَقَاصِدِ، وَمَنْ مَعَهُ دَنَانِيرُ كَثِيرَةٌ يُرِيدُ بِهَا التِّجَارَةَ فَكَالتِّجَارَةِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ، وَمَا يُرَادُ لِلْقِنْيَةِ اهـ. قَالَ الْأَصْلُ فَإِنْ صَالَحُوا صَاحِبَ الْمَطْرُوحِ بِدَنَانِيرَ، وَلَا يُشَارِكُهُمْ جَازَ إذَا عَرَفُوا مَا يَلْزَمُهُمْ فِي الْقَضَاءِ اهـ. وَبِالْفَرْقِ الْمَذْكُورِ يُجَابُ عَنْ قَوْلِ ابْنِ بَشِيرٍ لَا يَلْزَمُ فِي الْعَيْنِ شَيْءٌ مِنْ الْمَطْرُوحِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْغَرَقُ بِسَبَبِهَا لِخِفَّتِهَا اهـ. وَعَنْ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَيَدْخُلُ الْمَرْكَبُ فِي قِيمَةِ الْمَطْرُوحِ لِأَنَّهُ مِمَّا سَلِمَ بِسَبَبِ الطَّرْحِ اهـ. وَعَنْ قَوْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ إنْ خِيفَ عَلَيْهِ بِصَدْمِ قَاعِ الْبَحْرِ فَطُرِحَ لِذَلِكَ دَخَلَ فِي الْقِيمَةِ اهـ. وَعَنْ قَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ يَدْخُلُ الْمَرْكَبُ، وَمَا فِيهِ لِلْقِنْيَةِ أَوْ التِّجَارَةِ مِنْ عَبِيدٍ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّ أَثَرَ الْمَطْرُوحِ سَلَامَةُ الْجَمِيعِ اهـ. فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَصْلٌ) فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إنْ خَرَجَ الْمَطْرُوحُ بَعْدَ الطَّرْحِ مِنْ الْبَحْرِ سَالِمًا فَهُوَ لِمَالِكِهِ، وَتَزُولُ شَرِكَتُهُ لِمَنْ لَمْ يُطْرَحْ لَهُمْ شَيْءٌ أَوْ خَرَجَ، وَقَدْ نَقَصَ نِصْفُ قِيمَتِهِ انْتَقَصَ نِصْفُ الصُّلْحِ، وَيُرَدُّ نِصْفُ مَا أُخِذَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَطْرُوحِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ هَا هُنَا إذَا خَرَجَ يَكُونُ لِصَاحِبِهِ، وَبَيْنَ الدَّابَّةِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهَا فِي التَّعَدِّي، وَالْعَارِيَّةُ إذَا وُجِدَتْ تَكُونُ لِمَنْ صَالَحَ عَلَيْهَا لَا لِصَاحِبِهَا هُوَ أَنَّ التَّعَدِّيَ يَنْقُلُ الْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ لِلذِّمَّةِ بِالْقِيمَةِ فَيَكُونُ لَهُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لِلْمُتَعَدَّى عَلَيْهِ فَلَا يُجْمَعُ لَهُ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ عَنْهُ، وَالطَّرْحُ فِي الْبَحْرِ شَيْءٌ تُوجِبُهُ الضَّرُورَةُ فَلَا يَحْصُلُ الصُّلْحُ فِيهِ بَيْعًا لَا يُنْتَقَضُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إنْ لَمْ يَكُنْ فِي السَّفِينَةِ غَيْرُ الْآدَمِيِّينَ لَمْ يَجُزْ رَمْيُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِطَلَبِ نَجَاةِ الْبَاقِينَ، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ، وَيَبْدَأُ بِطَرْحِ الْأَمْتِعَةِ ثُمَّ الْبَهَائِمِ لِشَرَفِ النُّفُوسِ قَالَ، وَهَذَا الطَّرْحُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَاجِبٌ، وَلَا يَجْرِي الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ لِلْعُلَمَاءِ فِي دَفْعِ الدَّاخِلِ عَلَيْك الْبَيْتَ لِطَلَبِ النَّفْسِ أَوْ الْمَالِ، وَلَا مَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَإِنَّ فِيهِمَا قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا يَجِبُ الدَّفْعُ، وَالْأَكْلُ، وَثَانِيهِمَا لَا يَجِبَانِ لِقِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «كُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ، وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ» ، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

[الفرق بين قاعدة من عمل من الأجراء النصف مما استؤجر عليه وبين قاعدة من عمل النصف لا يكون له النصف]

(الْفَرْقُ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَقْبَلُهَا) الَّذِي يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ مَا عُرِّيَ عَنْ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ الْغَرَرُ كَمَشْرُوعِيَّةِ الْقُرْعَةِ فِي الْمُخْتَلِفَاتِ فَإِنَّ الْغَرَرَ يَعْظُمُ، الثَّانِي الرِّبَا كَقِسْمَةِ الثِّمَارِ بِشَرْطِ التَّأْخِيرِ إلَى الطِّيبِ بِمَا يَدْخُلُهُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ غَيْرِ مَعْلُومِ التَّمَاثُلِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ فَإِنْ تَبَايَنَ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ بِالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فَفِي جَوَازِهِ بِالْقُرْعَةِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا اللَّخْمِيُّ الثَّالِثُ إضَاعَةُ الْمَالِ كَالْيَاقُوتَةِ. الرَّابِعُ لِحَقِّ آدَمِيٍّ كَقَسْمِ الدَّارِ اللَّطِيفَةِ وَالْحَمَّامِ وَالْخَشَبَةِ وَالثَّوْبِ وَالْمِصْرَاعَيْنِ، وَلِذَلِكَ يَجُوزُ هَذَا الْقَسْمُ بِالتَّرَاضِي لِأَنَّ لِلْآدَمِيِّ إسْقَاطَ حَقِّهِ بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي إضَاعَةِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ، وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَسْمَ مَا فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ تَغْيِيرُ نَوْعِ الْمَقْسُومِ. وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ قَسْمَ الرَّقِيقِ، وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ مَنَافِعَهُ مُخْتَلِفَةٌ بِالْعَقْلِ وَالشَّجَاعَةِ وَغَيْرِهِمَا فَلَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّعْدِيلُ، وَجَوَابُهُ لَوْ امْتَنَعَ تَعْدِيلُهُ لَامْتَنَعَ بَيْعُهُ وَتَقْوِيمُهُ لِأَنَّهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْقِيَمِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ دَارَيْنِ فِي الْقَسْمِ، وَإِنْ تَقَارَبَتَا لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَكُونُ فِي إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَكَذَلِكَ تَكُونُ الْقِسْمَةُ، وَلِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا يُفْضِي إلَى كَثْرَةِ الْغَرَرِ لِأَنَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الدَّارَيْنِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الشَّرِكَةَ إذَا عَمَّتْ فِيهِمَا، وَالْبَيْعُ عَمَّتْ الشُّفْعَةُ فَنَقِيسُ الْقَسْمَ عَلَى الشُّفْعَةِ فَيَنْقَلِبُ الدَّلِيلُ عَلَيْكُمْ، وَلِأَنَّ اسْتِقْلَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِإِحْدَاهُمَا أَتَمُّ فِي الِانْتِفَاعِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِبَعْضِ دَارٍ، وَعَنْ الثَّانِي الْمُعَارَضَةُ، وَالنَّقْضُ بِالِاخْتِلَافِ فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ بَلْ هَا هُنَا أَوْلَى لِأَنَّا إنَّمَا نَجْمَعُ الْمُتَقَارِبَ، وَهُنَالِكَ نَجْمَعُ الْمُخْتَلِفَ. (الْفَرْقُ السَّادِسَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَفْعَالَ قِسْمَانِ مِنْهَا مَا لَا تَحْصُلُ مَصْلَحَتُهُ إلَّا لِلْمُبَاشِرِ فَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهَا لِفَوَاتِ الْمَصْلَحَةِ بِالتَّوْكِيلِ كَالْعِبَادَةِ فَإِنَّ مَصْلَحَتَهَا الْخُضُوعُ، وَإِظْهَارُ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَلْزَمُ مِنْ خُضُوعِ الْوَكِيلِ خُضُوعُ الْمُوَكِّلِ فَتَفُوتُ الْمَصْلَحَةُ، وَمَصْلَحَةُ الْوَطْءِ وَالْإِعْفَافِ وَتَحْصِيلِ وَلَدٍ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي تَسْلِيمِ نَفْسِهِ (وَالْفَرْقُ) بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَا هُنَا مِنْ وَجْهَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّ التَّارِكَ لِلْقَتْلِ وَالْأَكْلِ فِيهِمَا تَارِكٌ لِئَلَّا يَفْعَلَ مُحَرَّمًا، وَهُوَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ، وَسَفْكُ الدَّمِ، وَلَيْسَ طَرْحُ الْمَالِ هَا هُنَا إلَّا لِبَقَاءِ الْمَالِ، وَاقْتِنَاؤُهُ لَيْسَ وَاجِبًا فَافْهَمْ. (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الْمَالَ مَا وُضِعَ إلَّا لِبَقَاءِ النَّفْسِ، وَلَمْ يُوضَعْ قَتْلُ الْغَيْرِ، وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَسِيلَةٌ لِذَلِكَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) لَا يَضْمَنُ الطَّارِحُ هُنَا مَا طَرَحَهُ عِنْدَ مَالِكٍ اتِّفَاقًا كَمَا لَا يَضْمَنُ إذَا قَتَلَ الْفَحْلَ بِدَفْعِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ قَتْلُهُ صَوْنًا لِلنَّفْسِ فَقَدْ قَامَ عَنْ صَاحِبِهِ بِوَاجِبٍ، وَفِي ضَمَانِ مَالِ الْغَيْرِ إذَا أَكَلَ لِلْمَجَاعَةِ وَعَدَمِ ضَمَانِهِ قَوْلَانِ عِنْدَهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا يَضْمَنُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السَّفِينَةِ إلَّا الطَّارِحُ إنْ طَرَحَ مَالَ غَيْرِهِ، وَإِنْ طَرَحَ مَالَ نَفْسِهِ فَمُصِيبَةٌ مِنْهُ، وَلَوْ اسْتَدْعَى غَيْرُهُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَوَافَقُونَا إذَا قَالَ اقْضِ عَنِّي فَقَضَاهُ، وَفِي اقْتِرَاضِ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ وَاقْتِرَاضِ الْوَصِيِّ لِلْيَتِيمِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ نَظَرًا لَهُ، وَحُجَّتُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ بِجَامِعِ السَّعْيِ فِي الْقِيَامِ عَنْ الْغَيْرِ بِوَاجِبٍ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ حِفْظُ نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَمَنْ بَادَرَ مِنْهُمْ قَامَ بِذَلِكَ الْوَاجِبِ، وَحُجَّتُهُمْ أَمْرَانِ (الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) أَنَّ السَّلَامَةَ بِالطَّرْحِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ بِخِلَافِ الصَّائِلِ (الْأَمْرُ الثَّانِي) الْقِيَاسُ عَلَى الْآدَمِيِّينَ وَأَمْوَالِ الْقِنْيَةِ. (وَالْجَوَابُ عَنْ) الْأَوَّلِ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِطَعَامِ الْمُضْطَرِّ فَإِنَّ الْمُضْطَرَّ يَضْمَنُ مَعَ احْتِمَالِ هَلَاكِهِ بِمَا أَكَلَ بَلْ يُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْعَادَةِ فَقَطْ، وَقَدْ شَهِدَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ السَّلَامَةِ فِيهِمَا مَعَ احْتِمَالِ النَّقِيضِ. (وَعَنْ الثَّانِي) مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يُضْمَنُ بِالطَّرْحِ مِنْ السُّفُنِ، وَمَا لَا يُضْمَنُ مَعَ أَنَّ الطُّرْطُوشِيَّ قَالَ الْقِيَاسُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْقِنْيَةِ وَالتِّجَارَةِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ صَوْنُ الْأَمْوَالِ، وَالْكُلُّ يُثْقِلُ السَّفِينَةَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ عَمِلَ مِنْ الْأُجَرَاءِ النِّصْفَ مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ عَمِلَ النِّصْفَ لَا يَكُونُ لَهُ النِّصْفُ] الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ عَمِلَ مِنْ الْأُجَرَاءِ النِّصْفَ مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ يَكُونُ لَهُ النِّصْفُ، وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ عَمِلَ النِّصْفَ لَا يَكُونُ لَهُ النِّصْفُ) . قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّاطِّ مَا خُلَاصَتُهُ هَذَا الْفَرْقُ فَاسِدُ الْوَضْعِ فَاحِشُ الْخَطَأِ بِسَبَبِ بِنَائِهِ عَلَى تَوَهُّمِ الْأَغْبِيَاءِ أَنَّ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا عَشَرَةً فِي عَشَرَةٍ تَكُونُ مُرَبَّعَةً مِنْ كُلِّ جِهَةٍ عَشَرَةٌ، وَيَكُونُ عُمْقُهَا عَشَرَةٌ أَوْ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ صُنْدُوقًا عَشَرَةً فِي عَشَرَةٍ فَعَمِلَ فِيهِمَا خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ فَقَدْ عَمِلَ النِّصْفَ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ إنَّمَا عَمِلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْبِئْرِ

[الفرق بين قاعدة ما يضمنه الأجراء إذا هلك وبين قاعدة ما لا يضمنونه]

يُنْسَبُ إلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ لِلْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ عَقْدِ النِّكَاحِ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ تَحْقِيقُ سَبَبِ الْإِبَاحَةِ، وَهُوَ يَتَحَقَّقُ مِنْ الْوَكِيلِ، وَمَقْصُودُ الْأَيْمَانِ كُلِّهَا وَاللِّعَانِ إظْهَارُ الصِّدْقِ فِيمَا ادَّعَى، وَحَلِفُ زَيْدٍ لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى صِدْقِ عَمْرٍو، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَاتُ مَقْصُودُهَا الْوُثُوقُ بِعَدَالَةِ الْمُتَحَمِّلِ، وَذَلِكَ فَائِتٌ إذَا أَدَّى غَيْرُهُ، وَمَقْصُودُ الْمَعَاصِي إعْدَامُهَا فَلَا يُشْرَعُ التَّوْكِيلُ فِيهَا لِأَنَّ شُرُوعَ التَّوْكِيلِ فِيهَا فَرْعُ تَقْرِيرِهَا شَرْعًا فَضَابِطُ الْفَرْقِ أَنَّ مَقْصُودَ الْفِعْلِ مَتَى كَانَ يَحْصُلُ مِنْ الْوَكِيلِ كَمَا يَحْصُلُ مِنْ الْمُوَكِّلِ، وَهُوَ مِمَّا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ جَازَتْ الْوَكَالَةُ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا. (الْفَرْقُ السَّابِعَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُهُ) أَسْبَابُ الضَّمَانِ ثَلَاثَةٌ فَمَتَى وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا وَجَبَ الضَّمَانُ، وَمَتَى لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهَا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ. (أَحَدُهَا) التَّفْوِيتُ مُبَاشَرَةً كَإِحْرَاقِ الثَّوْبِ، وَقَتْلِ الْحَيَوَانِ، وَأَكْلِ الطَّعَامِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. (وَثَانِيهَا) التَّسَبُّبُ لِلْإِتْلَافِ كَحَفْرِ بِئْرٍ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ، وَوَضْعِ السَّمُومِ فِي الْأَطْعِمَةِ، وَوُقُودِ النَّارِ بِقُرْبِ الزَّرْعِ أَوْ الْأَنْدَرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا شَأْنُهُ فِي الْعَادَةِ أَنْ يُفْضِيَ غَالِبًا لِلْإِتْلَافِ. (وَثَالِثُهَا) وَضْعُ الْيَدِ غَيْرِ الْمُؤْتَمَنَةِ فَيَنْدَرِجُ فِي غَيْرِ الْمُؤْتَمَنَةِ يَدُ الْغَاصِبِ، وَالْبَائِعُ يَضْمَنُ الْمَبِيعَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةِ الْقَبْضِ فَإِنَّ ضَمَانَ الْمَبِيعِ الَّذِي هَذَا شَأْنُهُ مِنْهُ لِأَنَّ يَدَهُ غَيْرُ مُؤْتَمَنَةٍ، وَيَدُ الْمُتَعَدِّي بِالدَّابَّةِ فِي الْإِجَارَةِ، وَنَحْوِهَا، وَيَخْرُجُ بِهَذَا الْقَيْدِ يَدُ الْمُودَعِ، وَعَامِلِ الْقِرَاضِ، وَيَدُ الْمُسَاقِي، وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّهُمْ أُمَنَاءُ فَلَا يَضْمَنُونَ، وَإِنَّمَا يَنْدَرِجُ فِيهِ الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُ، وَحَدُّ السَّبَبِ مَا يُقَالُ عَادَةً حَصَلَ الْهَلَاكُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَسُّطٍ، وَالتَّسَبُّبُ مَا يَحْصُلُ الْهَلَاكُ عِنْدَهُ بِعِلَّةٍ أُخْرَى إذَا كَانَ السَّبَبُ هُوَ الْمُقْتَضِي لِوُقُوعِ الْفِعْلِ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ كَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي مَحَلٍّ عُدْوَانًا فَيَتَرَدَّى فِيهَا بَهِيمَةٌ أَوْ غَيْرُهَا فَإِنْ أَرَادَهَا غَيْرُ الْحَافِرِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ دُونَ الْحَافِرِ تَقْدِيمًا لِلْمُبَاشِرِ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ، وَيَضْمَنُ الْمُكْرَهُ عَلَى إتْلَافِ الْمَالِ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ سَبَبٌ، وَفَاتِحُ الْقَفَصِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ فَيَطِيرُ مَا فِيهِ حَتَّى لَا يَقْدِرَ عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي يَحِلُّ دَابَّةً مِنْ رِبَاطِهَا أَوْ عَبْدًا مُقَيَّدًا خَوْفَ الْهَرَبِ فَيَهْرُبُ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ سَوَاءٌ كَانَ الطَّيَرَانُ أَوْ الْهَرَبُ عَقِيبَ الْفَتْحِ وَالْحَلِّ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ السَّارِقُ يَتْرُكُ الْبَابَ مَفْتُوحًا، وَمَا فِي الدَّارِ أَحَدٌ. وَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثُّمْنَ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ الصُّنْدُوقِ الرُّبْعَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبِئْرَ كُلَّمَا نَزَلَ فِيهَا ذِرَاعًا فَقَدْ شَالَ مِنْ التُّرَابِ بِسَاطًا مِسَاحَتُهُ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ، وَذَلِكَ مِائَةٌ فَكُلُّ ذِرَاعٍ يُنْزِلُهُ فِي الْبِئْرِ حِينَئِذٍ مِائَةُ ذِرَاعٍ، وَالْأَذْرُعُ عَشَرَةٌ وَعَشَرَةٌ فِي مِائَةٍ بِأَلْفٍ فَالْمُسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ أَلْفُ ذِرَاعٍ فَلَمَّا عَمِلَ خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ شَالَ فِي الذِّرَاعِ الْأَوَّلِ تُرَابَ خَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فَكُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ هَذَا الْمَعْمُولِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَالْأَذْرُعُ الْمَعْمُولَةُ خَمْسَةٌ وَخَمْسَةٌ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ بِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، وَذَلِكَ مَا عَمِلَهُ، وَنِسْبَتُهُ إلَى الْأَلْفِ نِسْبَةُ الثَّمَنِ فَيَسْتَحِقُّ الثَّمَنَ. وَأَمَّا الصُّنْدُوقُ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَقْرٌ يَكُونُ قَدْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى سِتَّةِ أَلْوَاحٍ، وَذَلِكَ دَائِرُهُ أَرْبَعَةُ وَقَعْرُهُ وَغِطَاؤُهُ، وَكُلُّ لَوْحٍ مِنْهَا عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ فَهُوَ مِائَةُ ذِرَاعٍ، وَالْأَلْوَاحُ سِتَّةٌ فَالْمُسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ سِتُّمِائَةِ ذِرَاعٍ عَمِلَ سِتَّةً فِي خَمْسَةٍ فَيَكُونُ كُلُّ لَوْحٍ مِنْهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ الْمُتَحَصِّلَةَ مِنْ ضَرْبِ خَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ، وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ فِي سِتَّةٍ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَنِسْبَتُهَا إلَى سِتِّمِائَةٍ كَنِسْبَةِ الرُّبْعِ فَيَسْتَحِقُّ الرُّبْعَ فَظَهَرَ بِهَذَا بُطْلَانُ أَنَّ هُنَاكَ قَاعِدَةً إنْ عَمِلَ النِّصْفَ لَا يَكُونُ لَهُ النِّصْفُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ إلَّا قَاعِدَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَمِلَ النِّصْفَ فَلَهُ النِّصْفُ لَا مَحَالَةَ اهـ. قَالَ الْأَصْلُ، وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ أَعْنِي: مَسْأَلَتَيْ الْبِئْرِ وَالصُّنْدُوقِ مِنْ أَبْدَعِ مَا يُلْقَى فِي مَسَائِلِ الْمُطَارَحَاتِ عَلَى الْفُقَهَاءِ فَتَأَمَّلْهُمَا فَكَمْ يَخْفَى عَلَى الْفَقِيهِ وَالْحَاكِمِ الْحَقُّ فِي الْمَسَائِلِ الْكَثِيرَةِ بِسَبَبِ الْجَهْلِ بِالْحِسَابِ وَالطِّبِّ وَالْهَنْدَسَةِ فَيَنْبَغِي لِذَوِي الْهِمَمِ الْعَلِيَّةِ أَنْ لَا يَتْرُكُوا الِاطِّلَاعَ عَلَى الْعُلُومِ مَا أَمْكَنَهُمْ: فَلَمْ أَرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ شَيْئًا ... كَنَقْصِ الْقَادِرِينَ عَلَى التَّمَامِ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَضْمَنُهُ الْأُجَرَاءُ إذَا هَلَكَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَضْمَنُونَهُ] (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَضْمَنُهُ الْأُجَرَاءُ إذَا هَلَكَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَضْمَنُونَهُ) وَهُوَ أَنَّ الْهَلَاكَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ يَضْمَنُ الْأُجَرَاءُ الْمَهْلُوكَ فِي قِسْمَيْنِ (أَحَدُهُمَا) مَا غَرَّرُوا فِيهِ بِضِعْفِ حَبْلٍ يَضْمَنُونَ قِيمَتَهُ بِمَوْضِعِ الْهَلَاكِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ أَثَرِ التَّفْرِيطِ، وَلَهُمْ مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِهِ، وَقِيلَ بِمَوْضِعِ الْحَمْلِ لِأَنَّهُ مِنْهُ ابْتِدَاءَ التَّعَدِّي (وَثَانِيهِمَا) مَا هَلَكَ بِقَوْلِهِمْ مِنْ الطَّعَامِ لَا يُصَدَّقُونَ فِيهِ لِقِيَامِ التُّهْمَةِ، وَلَهُمْ الْكِرَاءُ كُلُّهُ لِأَنَّ شَأْنَ الطَّعَامِ امْتِدَادُ الْأَيْدِي إلَيْهِ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوهُ بِالْعَقْدِ، وَلَا يَضْمَنُونَهُ فِي ثَلَاثِ أَقْسَامٍ: (أَحَدُهَا) مَا هَلَكَ بِسَبَبِ حَامِلِهِ مِنْ عِثَارٍ أَوْ ضَعْفِ حَبْلٍ لَمْ يُغَرِّرْ بِهِ أَوْ ذَهَابِ دَابَّةٍ

الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنْ طَارَ الْحَيَوَانُ عَقِيبَ الْفَتْحِ ضَمِنَ، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الْحَيَوَانَ طَارَ حِينَئِذٍ بِإِدَارَتِهِ لَا بِالْفَتْحِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَضْمَنُ إلَّا فِي الرِّقِّ إذَا حَلَّهُ فَيَتَبَدَّدُ مَا فِيهِ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ سَبَبُ الْإِتْلَافِ عَادَةً فَتُوجِبُ بِالضَّمَانِ كَسَائِرِ صُوَرِ التَّسَبُّبِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] سَقَطَ خُصُوصُ التَّسَبُّبِ بَقِيَ الْغُرْمُ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا إذَا فَتَحَ مَرَاحَهُ فَخَرَجَتْ مَاشِيَتُهُ فَأَفْسَدَتْ الزَّرْعَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ احْتَجُّوا بِأَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ التَّسَبُّبُ وَالْمُبَاشَرَةُ اُعْتُبِرَتْ الْمُبَاشَرَةُ دُونَهُ، وَالطَّيْرُ مُبَاشِرٌ بِاخْتِيَارِهِ لِحَرَكَةِ نَفْسِهِ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوَانًا فَأَرْدَى فِيهَا غَيْرُهُ إنْسَانًا فَإِنَّ الْمُرْدِيَ يَضْمَنُ دُونَ الْأَوَّلِ، وَالْحَيَوَانُ قَصْدُهُ مُعْتَبَرٌ بِدَلِيلِ جَوَارِحِ الصَّيْدِ إنْ أَمْسَكَتْ لِأَنْفُسِهَا لَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ أَوْ لِلصَّائِدِ أَكَلَ، وَالْجَوَابُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الطَّائِرَ كَانَ مُخْتَارًا لِلطَّيَرَانِ، وَلَعَلَّهُ كَانَ مُخْتَارًا لِلْإِقَامَةِ لِانْتِظَارِ الْعَلَفِ أَوْ خَوْفِ الْجَوَارِحِ الْكَوَاسِرِ، وَإِنَّمَا طَارَ خَوْفًا مِنْ الْفَاتِحِ وَإِذَا احْتَمَلَ، وَاحْتَمَلَ وَالسَّبَبُ مَعْلُومٌ فَيُضَافُ الضَّمَانُ إلَيْهِ كَحَافِرِ الْبِئْرِ يَقَعُ فِيهَا حَيَوَانٌ مَعَ إمْكَانِ اخْتِيَارِهِ لِنُزُولِهَا لِفَزَعٍ خَلْفَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الصَّيْدَ لَا يُؤْكَلُ إذَا أَكَلَ مِنْهُ الْجَارِحُ سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ الضَّمَانُ مُتَعَلِّقٌ بِالسَّبَبِ الَّذِي تَوَصَّلَ بِهِ الطَّائِرُ لِمَقْصِدِهِ كَمَنْ أَرْسَلَ بَازِيًا عَلَى طَائِرِ غَيْرِهِ فَقَتَلَهُ الْبَازِي بِاخْتِيَارِهِ فَإِنَّ الْمُرْسِلَ يَضْمَنُ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقْتَضِي اخْتِيَارَ الْحَيَوَانِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْفَتْحَ سَبَبٌ مُجَرَّدٌ بَلْ هُوَ فِي مَعْنَى الْمُبَاشَرَةِ لِمَا فِي طَبْعِ الطَّائِرِ مِنْ النُّفُورِ مِنْ الْآدَمِيِّ، وَأَمَّا إلْقَاءُ غَيْرِ الْحَافِرِ لِلْبِئْرِ إنْسَانًا، وَإِلْقَاؤُهُ هُوَ نَفْسُهُ فِي الْبِئْرِ فَالْفَرْقُ أَنَّ قَصْدَ الطَّائِرِ وَنَحْوِهِ ضَعِيفٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» ، وَالْآدَمِيُّ يَضْمَنُ قَصَدَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ فَهَذَا هُوَ تَقْرِيرُ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُهُ، وَهَاهُنَا مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا قُلْنَا بِالضَّمَانِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ يَوْمَ الْغَصْبِ دُونَ مَا بَعْدَهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُعْتَبَرُ الْأَحْوَالُ كُلُّهَا فَيُضَمِّنُهُ أَعْلَى الْقِيَمِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ إذَا غَصَبَهَا ضَعِيفَةً مُشَوَّهَةً مَعِيبَةً بِأَنْوَاعٍ مِنْ الْعُيُوبِ فَزَالَتْ تِلْكَ الْعُيُوبُ عِنْدَهُ فَعِنْدَنَا الْقِيمَةُ وَعِنْدَهُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهَا أَعْلَى، وَكَذَلِكَ خَالَفْنَا فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ فَعِنْدَنَا أَوَّلَ يَوْمِ الشُّبْهَةِ وَعِنْدَهُ يُعْتَبَرُ أَعْلَى الرُّتَبِ فَيُوجِبُ لَهَا صَدَاقَ الْمِثْلِ فِي أَشْرَفِ أَحْوَالِهَا كَمَا يُوجِبُ أَعْلَى الْقِيَمِ فِي الْغَصْبِ. لَنَا قَاعِدَةٌ أُصُولِيَّةٌ، وَهِيَ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ سَفِينَةٍ بِمَا فِيهَا فَلَا ضَمَانَ وَلَا أُجْرَةَ، وَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ لِيَحْمِلَهُ قَالَهُ مَالِكٌ وَقَالَ غَيْرُهُ: مَا هَلَكَ بِعِثَارٍ كَالْهَالِكِ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ لِرَبِّ السَّفِينَةِ بِحِسَابِ مَا بَلَغَتْ (وَثَانِيهَا) مَا هَلَكَ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ بِالْبَيِّنَةِ فَلَهُ الْكِرَاءُ كُلُّهُ، وَعَلَيْهِ حَمْلُ مِثْلِهِ مِنْ مَوْضِعِ الْهَلَاكِ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْمَنْفَعَةِ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ (وَثَالِثُهَا) مَا هَلَكَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ الْعُرُوضِ يُصَدَّقُونَ فِيهِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، وَلَهُمْ الْكِرَاءُ كُلُّهُ، وَعَلَيْهِمْ حَمْلُ مِثْلِهِ مِنْ مَوْضِعِ الْهَلَاكِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا صُدِّقُوا أَشْبَهَ مَا هَلَكَ بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَهُمْ مِنْ الْكِرَاءِ بِحَسَبِ مَا بَلَغُوا، وَيُفْسَخُ الْكِرَاءُ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ قَوْلِهِمْ أَشْبَهَ مَا هَلَكَ بِعِثَارٍ، وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الضَّمَانَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَلَى وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) مَا كَانَ بِالتَّعَدِّي، وَهُوَ أَنَّ مَالِكًا جَعَلَ عِثَارَ الدَّابَّةِ لَوْ كَانَتْ عَثُورًا تَعَدِّيًا مِنْ صَاحِبِ الدَّابَّةِ يَضْمَنُ بِهَا الْحِمْلَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْحِبَالُ رَثَّةً. (وَثَانِيهِمَا) مَا كَانَ لِمَكَانِ الْمَصْلَحَةِ وَحِفْظِ الْأَمْوَالِ، وَهُوَ ضَمَانُ الصُّنَّاعِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْأَجِيرَ لَيْسَ بِضَامِنٍ لِمَا هَلَكَ عِنْدَهُ مِمَّا اُسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَعَدَّى مَا عَدَا حَامِلَ الطَّعَامِ وَالطَّحَّانَ فَإِنَّ مَالِكًا ضَمَّنَهُ مَا هَلَكَ عِنْدَهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى هَلَاكِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِهِ، وَمَشْهُورُ مَالِكٍ فِي صَاحِبِ الْحَمَّامِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ. وَقَدْ قِيلَ يَضْمَنُ، وَشَذَّ أَشْهَبُ فَضَمَّنَ الصُّنَّاعَ مَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى هَلَاكِهِ عِنْدَهُمْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُمْ وَلَا تَفْرِيطٍ، وَأَمَّا مَا ادَّعَوْا هَلَاكَهُ مِنْ الْمَصْنُوعَاتِ الْمَدْفُوعَةِ إلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي تَضْمِينِهِمْ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ يَضْمَنُونَ مَا هَلَكَ عِنْدَهُمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَضْمَنُ مَنْ عَمِلَ بِغَيْرِ أَجْرٍ، وَلَا الْخَاصِّ، وَيَضْمَنُ الْمُشْتَرِكُ وَمَنْ عَمِلَ بِأَجْرٍ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ فِي الْمُشْتَرِكِ وَالْخَاصِّ عِنْدَهُمْ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ فِي مَنْزِلِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَقِيلَ هُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَصِبْ لِلنَّاسِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي الْخَاصِّ، وَهُوَ عِنْدَهُ غَيْرُ ضَامِنٍ، وَتَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ عَلَى هَذَا أَنَّ الصَّانِعَ الْمُشْتَرِكَ يَضْمَنُ سَوَاءٌ عَمِلَ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ، وَبِتَضْمِينِ الصُّنَّاعِ قَالَ عَلِيٌّ وَعُمَرُ وَإِنْ كَانَ قَدْ اُخْتُلِفَ عَنْ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ، وَعُمْدَةُ مَنْ لَمْ يَرَ الضَّمَانَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ شَبَّهَ الصَّانِعَ بِالْمُودَعِ عِنْدَهُ وَالشَّرِيكِ وَالْوَكِيلِ وَأَجِيرِ الْغَنَمِ، وَمَنْ ضَمَّنَهُ فَلَا دَلِيلَ لَهُ إلَّا النَّظَرُ إلَى الْمَصْلَحَةِ وَسَدِّ الذَّرِيعَةِ. وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَعْمَلُوا بِأَجْرٍ أَوْ لَا يَعْمَلُوا بِأَجْرٍ فَلِأَنَّ الْعَامِلَ بِغَيْرِ أَجْرٍ إنَّمَا قَبَضَ الْمَعْمُولَ لِمَنْفَعَةِ صَاحِبِهِ فَقَطْ فَأَشْبَهَ الْمُودَعَ، وَإِذَا قَبَضَهَا بِأَجْرٍ فَالْمَنْفَعَةُ لِكِلَيْهِمَا فَغُلِّبَتْ مَنْفَعَةُ الْقَابِضِ فَأَشْبَهَ الْقَرْضَ وَالْعَارِيَّةَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا مَنْ يُنَصِّبُ نَفْسَهُ لَمْ

[الفرق بين قاعدة ما يمنع فيه الجهالة وبين قاعدة ما يشترط فيه الجهالة]

الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ رَتَّبَ الضَّمَانَ عَلَى الْأَخْذِ بِالْيَدِ فَيَكُونُ الْأَخْذُ بِالْيَدِ هُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ غَيْرَهُ سَبَبٌ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ سَبَبِيَّةِ غَيْرِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ» فَهَذِهِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى سَبَبِيَّةِ الْأَخْذِ كَقَوْلِنَا عَلَى الزَّانِي الرَّجْمُ. وَعَلَى السَّارِقِ الْقَطْعُ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى سَبَبِيَّةِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ، وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْغَصْبِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَخَذَ الْآنَ بَلْ أَخَذَ فِيمَا مَضَى فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ السَّبَبُ بِمَا مَضَى، وَفِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ أَوْ لِأَنَّ الصَّدَاقَ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ بِالْوَطْأَةِ الْأُولَى. وَالْأَصْلُ عَدَمُ انْتِقَالِهِ، وَمَا قَالَهُ أَحَدٌ بِوُجُوبِ صَدَاقَيْنِ أَوْ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْغَصْبِ، وَلَنَا قَاعِدَةٌ أُخْرَى أُصُولِيَّةٌ فِقْهِيَّةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْأَصْلَ تَرَتُّبُ الْمُسَبِّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ فَيَتَرَتَّبُ الضَّمَانُ حِينَ وَضْعِ الْيَدِ لَا مَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْمَضْمُونُ لَا يُضْمَنُ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، وَقِيَاسًا عَلَى حَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ فَإِنَّهَا لَا تُضْمَنُ عِنْدَهُمْ، وَقَدْ حَكَى اللَّخْمِيُّ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَحُكِيَ عَنْ أَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ أَخْذُ أَرْفَعِ الْقِيَمِ إذَا حَالَتْ الْأَسْوَاقُ، وَالْفَرْقُ لِلْكُلِّ أَنَّ حَوَالَةَ الْأَسْوَاقِ رَغَبَاتُ النَّاسِ، وَهِيَ بَيْنَ النَّاسِ خَارِجَةٌ عَنْ السِّلَعِ فَلَا تُضْمَنُ بِخِلَافِ زِيَادَةِ صِفَاتِهَا، وَوَافَقَ الشَّافِعِيَّ فِي تَضْمِينِ أَعْلَى الْقِيَمِ أَحْمَدُ بْنِ حَنْبَلٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَوَافَقَ مَشْهُورَنَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ تَعَلَّمَ الْعَبْدُ صَنْعَةً ثُمَّ نَسِيَهَا ضَمِنَهَا الْغَاصِبُ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ (الْأَوَّلُ) بِأَنَّ الْغَاصِبَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مَأْمُورٌ بِالرَّدِّ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِرَدِّ الزِّيَادَةِ، وَمَا رَدَّهَا فَيَكُونُ غَاصِبًا لَهَا فَيَضْمَنُهَا. (الثَّانِي) أَنَّ الزِّيَادَةَ نَشَأَتْ عَنْ مِلْكِهِ، وَفِي مِلْكِهِ فَتَكُونُ مِلْكَهُ، وَيَدُ الْعُدْوَانِ عَلَيْهَا فَتَكُونُ مَغْصُوبَةً فَيَضْمَنُ كَالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ، وَلِأَنَّهُ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ ظَالِمٌ، وَالظُّلْمُ عِلَّةُ الضَّمَانِ فَيَضْمَنُ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ أَنَّهَا مُسَلَّمَةٌ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا سَبَبُ الضَّمَانِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْأَمْرِ وَلَا مِنْ الظُّلْمِ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِمَا الضَّمَانُ فَإِنَّ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ تَفْتَقِرُ إلَى نَصْبٍ شَرْعِيٍّ، وَلَفْظُ صَاحِبِ الشَّرْعِ اقْتَضَى سَبَبِيَّةَ وَضْعِ الْيَدِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ فَلَا بُدَّ لِسَبَبِيَّةِ غَيْرِهِ مِنْ دَلِيلٍ. وَلَمْ يُوجَدْ وَضْعُ الْيَدِ فِي أَثْنَاءِ الْغَصْبِ بَلْ اسْتِصْحَابُهَا وَاسْتِصْحَابُ الشَّيْءِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ بِدَلِيلِ أَنَّ اسْتِصْحَابَ النِّكَاحِ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لِصِحَّتِهِ مَعَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَالْعَقْدُ لَا يَصِحُّ مَعَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ يُوجِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَكُنْ فِي تَضْمِينِهِ سَدُّ ذَرِيعَةٍ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الصُّنَّاعَ لَا يَضْمَنُونَ مَا لَمْ يَقْبِضُوا فِي مَنَازِلِهِمْ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى هَلَاكِ الْمَصْنُوعِ، وَسَقَطَ الضَّمَانُ عَنْهُمْ هَلْ تَجِبُ لَهُمْ الْأُجْرَةُ أَمْ لَا إذَا كَانَ هَلَاكُهُ بَعْدَ إتْمَامِ الصَّنْعَةِ أَوْ بَعْدَ تَمَامِ بَعْضِهَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا أُجْرَةَ لَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَهُمْ الْأُجْرَةُ، وَوَجْهُ مَا قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ الْمُصِيبَةَ إذَا نَزَلَتْ بِالْمُسْتَأْجِرِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَمْضِيَ عَمَلُ الصَّانِعِ بَاطِلًا، وَوَجْهُ مَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْأُجْرَةَ إنَّمَا اسْتَوْجَبَتْ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ فَأَشْبَهَ ذَلِكَ إذَا هَلَكَ بِتَفْرِيطٍ مِنْ الْأَجِيرِ. وَقَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ أَقْيَسُ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَكْثَرُ نَظَرًا إلَى الْمَصْلَحَةِ لِأَنَّهُ رَأَى أَنْ يَشْتَرِكُوا فِي الْمُصِيبَةِ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُهُمْ فِي ضَمَانِ صَاحِبِ السَّفِينَةِ فَقَالَ مَالِكٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ الْمَوْجِ، وَأَصْلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الصُّنَّاعَ يَضْمَنُونَ كُلَّ مَا أَتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ مِنْ خَرْقٍ أَوْ كَسْرٍ فِي الْمَصْنُوعِ أَوْ قَطْعٍ إذَا عَمِلَهُ فِي حَانُوتِهِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ قَاعِدًا مَعَهُ إلَّا فِيمَا كَانَ فِيهِ تَغْرِيرٌ مِنْ الْأَعْمَالِ مِثْلُ ثَقْبِ الْجَوْهَرِ وَنَقْشِ الْفُصُوصِ وَتَقْوِيمِ السُّيُوفِ وَاحْتِرَاقِ الْخُبْزِ عِنْدَ الْفَرَّانِ، وَالطَّبِيبُ يَمُوتُ الْعَلِيلُ مِنْ مُعَالَجَتِهِ، وَكَذَلِكَ الْبَيْطَارُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ تَعَدَّى فَيَضْمَنُ حِينَئِذٍ. وَأَمَّا الطَّبِيبُ وَمَا أَشْبَهَهُ إذَا أَخْطَأَ فِي فِعْلِهِ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِيمَا فَوْقَ الثُّلُثِ، وَفِي مَالِهِ فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَعَلَيْهِ الضَّرْبُ وَالسَّجْنُ وَالدِّيَةُ قِيلَ فِي مَالِهِ، وَقِيلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَمَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ اهـ. الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهُ مَعَ بَعْضِ إصْلَاحٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُمْنَعُ فِيهِ الْجَهَالَةُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْجَهَالَةُ] (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَمْنَعُ فِيهِ الْجَهَالَةُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْجَهَالَةُ بِحَيْثُ لَوْ فُقِدَتْ فِيهِ الْجَهَالَةُ فَسَدَ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْوَصْفَ يَبْعُدُ اقْتِضَاؤُهُ لِلضِّدَّيْنِ أَوْ النَّقِيضَيْنِ فَإِذَا نَاسَبَ حُكْمًا نَافَى ضِدَّهُ، وَقَدْ يُنَاسِبُ الْوَصْفُ الْإِثْبَاتَ وَالنَّفْيَ أَوْ الضِّدَّيْنِ، وَيَتَرَتَّبَانِ عَلَيْهِ فِي الشَّرِيعَةِ، وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فِي الْفِقْهِ إلَّا أَنَّهُمْ جَعَلُوهُ قَاعِدَةً شَرْعِيَّةً تُعْرَفُ عِنْدَهُمْ بِجَمْعِ الْفَرْقِ، وَضَابِطُهَا أَنَّ كُلَّ مُعَيَّنٍ يُوجِبُ مَصْلَحَةً أَوْ مَفْسَدَةً فِي مَحَلٍّ، وَبِاعْتِبَارِ نِسْبَةٍ، وَيُوجِبُ نَقِيضَهَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ، وَبِاعْتِبَارِ نِسْبَةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ يُوجِبُ الضِّدَّيْنِ، وَسُمِّيَ بِجَمْعِ الْفَرْقِ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الْمُفَرَّقَاتِ، وَهِيَ الْأَضْدَادُ، وَلَهُ نَظَائِرُ مِنْهَا الْحَجْرُ فَإِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ صَوْنِ مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ عَلَى مَصَالِحِهِ، وَهُوَ يَقْتَضِي رَدَّ تَصَرُّفَاتِهِ فِي حَالَةِ حَيَاتِهِ، وَتَنْفِيذَهَا بِوَصَايَاهُ لِأَنَّا لَوْ رَدَدْنَا الْوَصَايَا

تَرَتُّبَ الْعِدَّةِ عَقِيبَهُ. وَاسْتِصْحَابُهُ لَا يُوجِبُ عِدَّةً، وَوَضْعُ الْيَدِ عُدْوَانًا يُوجِبُ التَّنْسِيقَ وَالتَّأْثِيمَ، وَلَوْ جُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهِيَ تَحْتَ يَدِهِ لَمْ يَأْثَمْ حِينَئِذٍ، وَلَمْ يَفْسُقْ، وَابْتِدَاءُ الْعِبَادَاتِ يُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّاتُ، وَغَيْرُهَا مِنْ التَّكْبِيرِ وَنَحْوِهِ، وَدَوَامُهَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ فَعَلِمْنَا أَنَّ اسْتِصْحَابَ الشَّيْءِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ لَا سِيَّمَا، وَسَبَبُ الضَّمَانِ هُوَ الْأَخْذُ عُدْوَانًا، وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ بَعْدَ زَمَنِ الْأَخْذِ أَنَّهُ أَخَذَ الْآنَ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْأَخْذِ تَجْرِي مَجْرَى الْمُنَاوَلَةِ، وَالْحَرَكَاتُ الْخَاصَّةُ لَا يَصْدُقُ شَيْءٌ مِنْهَا مَعَ الِاسْتِصْحَابِ فَعُلِمَ أَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ مَنْفِيٌّ فِي زَمَنِ الِاسْتِصْحَابِ قَطْعًا. وَنَحْنُ إنَّمَا نُضَمِّنُهُ الْآنَ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ لَا بِمَا هُوَ حَاصِلٌ الْآنَ فَانْدَفَعَ مَا ذَكَرُوهُ، وَأَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا هُوَ يَوْمَ الْغَصْبِ زَادَتْ الْعَيْنُ أَوْ نَقَصَتْ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا ذَهَبَتْ جُلُّ مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ كَقَطْعِ ذَنَبِ بَغْلَةِ الْقَاضِي، وَنَحْوُ ذَلِكَ فَعِنْدَنَا يَضْمَنُ الْجَمِيعَ، وَهُوَ فَرْعٌ اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْمَذَاهِبُ، وَتَشَعَّبَتْ فِيهِ الْآرَاءُ، وَطُرُقُ الِاجْتِهَادِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْعَبْدِ، وَالثَّوْبِ كَقَوْلِنَا فِي الْأَكْثَرِ فَإِذَا ذَهَبَ النِّصْفُ أَوْ الْأَقَلُّ بِاعْتِبَارِ الْمَنْفَعَةِ عَادَةً فَلَيْسَ لَهُ إلَّا مَا نَقَصَ فَإِنْ قَلَعَ عَيْنَ الْبَهِيمَةِ فَرُبْعُ الْقِيمَةِ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ عِنْدَهُمْ أَنْ لَا يَضْمَنَ إلَّا النَّقْصَ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيلِ هَذَا الْقَوْلِ فَقِيلَ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِالْأَكْلِ وَالرُّكُوبِ فَعَلَى هَذَا يَتَعَدَّى الْحُكْمُ لِلْإِبِلِ وَالْبَقَرِ دُونَ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الرُّكُوبُ فَقَطْ فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ لِلْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ فَيَضْمَنُ أَيْضًا رُبْعَ الْقِيمَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَيْسَ لَهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا مَا نَقَصَ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ فَإِنْ قَطَعَ يَدَيْ الْعَبْدِ أَوْ رِجْلَيْهِ فَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي تَخْيِيرِ السَّيِّدِ تَسْلِيمَ الْعَبْدِ، وَأَخْذَ الْقِيمَةِ كَامِلَةً وَبَيْنَ إمْسَاكِهِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَتَعَيَّنُ الْقِيمَةُ كَامِلَةً، وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْعَبْدِ خِلَافَ قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَأَصْلُ هَذَا الْفِقْهِ أَنَّ الضَّمَانَ الَّذِي سَبَبُهُ عُدْوَانٌ لَا يُوجِبُ مِلْكًا لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلتَّغْلِيطِ لَا سَبَبُ لِلرِّفْقِ وَعِنْدَنَا الْمِلْكُ مُضَافٌ لِلضَّمَانِ لَا لِسَبَبِهِ، وَهُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْعُدْوَانِ، وَغَيْرِهِ، وَبَسْطُ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَنَا وُجُوهٌ (الْأَوَّلُ) أَنْ تَقُولَ إنَّهُ أَتْلَفَ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ فَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا أَمَّا إنَّهُ أَتْلَفَ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ فَلِأَنَّ ذَا الْهَيْئَةِ إذَا قَطَعَ ذَنَبَ بَغْلَتِهِ لَا يَرْكَبُهَا بَعْدُ، وَالرُّكُوبُ هُوَ الْمَقْصُودُ. وَأَمَّا قِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى قَتْلِهَا فَلِأَنَّ إذَا قَتَلَهَا ضَمِنَهَا اتِّفَاقًا مَعَ بَقَاءِ انْتِفَاعِهِ بِإِطْعَامِهَا لِكِلَابِهِ، وَبُزَاتِهِ، وَبِدَبْغِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَحَصَلَ الْمَالُ لِلْوَارِثِ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ (وَمِنْهَا) الْقَرَابَةُ لِلْمُكَلَّفِ تُوجِبُ بِرَّهُمْ بِدَفْعِ مَالِهِ لَهُمْ إذَا كَانَ غَيْرُ زَكَاةٍ وَتُوجِبُ مَنْعَهُمْ مِنْ دَفْعِ مَالِهِ إذَا كَانَ زَكَاةً فَيُحْرَمُوا إيَّاهَا، وَتُعْطَى لِغَيْرِهِمْ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ، وَمِنْهَا أَقْرِبَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجِبُ بِرُّهُمْ بِسَدِّ خَلَّاتِهِمْ بِالْمَالِ إذَا كَانَ غَيْرَ زَكَاةٍ، وَيَحْرُمُ دَفْعُ الْمَالِ إلَيْهِمْ إذَا كَانَ زَكَاةً فَصَارَ قُرْبُهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوجِبُ دَفْعَ الْمَالِ وَمَنْعَ الْمَالِ بِاعْتِبَارِ مَالَيْنِ وَنِسْبَتَيْنِ، وَمِنْهَا الْجَهَالَةُ وُجُودُهَا يُوجِبُ فِي الْبِيَاعَاتِ وَأَكْثَرِ أَنْوَاعِ الْإِجَارَاتِ الْإِخْلَالَ بِمَصَالِحِ الْعُقُودِ فَكَانَتْ فِي ذَلِكَ مَانِعَةً، وَيُوجِبُ فِي قِسْمٍ مِنْ الْإِجَارَاتِ، وَهُوَ الْأَعْمَالُ فِي الْأَعْيَانِ كَخِيَاطَةِ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا. وَفِي الْجَعَالَةِ تَحْصِيلُ مَصْلَحَةِ عَقْدِ ذَلِكَ الْقِسْمِ مِنْ الْإِجَارَاتِ وَعَقْدِ الْجَعَالَةِ فَكَانَتْ فِي ذَلِكَ شَرْطًا بِحَيْثُ لَوْ فُقِدَتْ فِيهِ فَسَدَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَيِّنَ زَمَانَ الْخِيَاطَةِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ الْيَوْمَ مَثَلًا بَلْ يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْغَرَرَ بِتَوَقُّعِ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بَلْ مَصْلَحَتُهُ وَنَفْيُ الْغَرَرِ عَنْهُ أَنْ يَبْقَى مُطْلَقًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِي الْجَعَالَةِ مَحْدُودًا مَعْلُومًا لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْغَرَرَ فِي الْعَمَلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّا إذَا قَيَّدْنَا عَلَيْهِ الْعَمَلَ، وَقَدَّرْنَاهُ مَعْلُومًا فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ الْمَعْلُومَ، وَلَمْ يَجِدْ الْآبِقَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَا بِذَلِكَ السَّفَرِ الْمَعْلُومِ ذَهَبَ عَمَلُهُ مَجَّانًا فَضَاعَتْ مَصْلَحَةُ الْعَقْدِ فَلِذَا كَانَ نَفْيُ الْغَرَرِ عَنْ الْجَعَالَةِ بِحُصُولِ الْجَهَالَةِ فِيهَا، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْجَعَالَةُ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ شَرْطٌ، وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِهِمَا مَانِعًا قَالَ التَّسَوُّلِيُّ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ عَاصِمٍ فِي فَصْلِ وَلَا يُحَدُّ بِزَمَانٍ لَائِقٍ مَا نَصُّهُ أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجَّلَ عَمَلُ الْجُعْلِ بِأَجَلٍ، وَلَا يُقَدَّرُ بِزَمَنٍ كَيَوْمٍ أَوْ عَشَرَةٍ مَثَلًا لِأَنَّهُ لَا يَنْقَضِي الْأَجَلُ قَبْلَ تَمَامِ الْعَمَلِ فَيَذْهَبُ سَعْيُهُ بَاطِلًا قَالَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ بِلَا تَقْدِيرِ زَمَنٍ إلَّا بِشَرْطِ تَرْكٍ مَتَى شَاءَ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ ضَرْبُ الْأَجَلِ فِيهِ كَمَا مَرَّ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ دَخَلَ عَلَى التَّمَامِ فَقَوِيَ الْغَرَرُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَعَ ضَرْبِ الْأَجَلِ بِخِلَافِ مَا إذَا شُرِطَ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ مَعَ الْأَجَلِ فَقَدْ دَخَلَ عَلَى التَّخْيِيرِ فَخَفَّ بِذَلِكَ الْغَرَرُ. وَقَالَ فِيمَا مَرَّ فَالْجَعَالَةُ تُفَارِقُ الْإِجَارَةَ مِنْ وُجُوهٍ (فَمِنْهَا) إنَّ ضَرْبَ الْأَجَلِ يُفْسِدُهَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمَجْهُولُ التَّرْكَ مَتَى شَاءَ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَلَا تَصِحُّ بِدُونِ أَجَلٍ، وَمِنْهَا أَنَّهَا عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ (وَمِنْهَا) أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ لَهُ فِيهَا بِحِسَابِ مَا عَمِلَ اهـ. الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهُ. وَقَالَ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي فَصْلِ أَحْكَامِ الْإِجَارَةِ:

[الفرق بين قاعدة ما مصلحته من العقود في اللزوم وبين قاعدة ما مصلحته عدم اللزوم]

جِلْدِهَا فَيَنْتَفِعُ بِهِ أَوْ بِغَيْرِ دِبَاغٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ غَيْرِ الْمَقْصُودَةِ عَادَةً، وَلَمَّا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ الضَّمَانِ عَلِمْنَا أَنَّ الضَّمَانَ مُضَافٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا مِنْهَا، وَهُوَ ذَهَابُ الْمَقْصُودِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْحُكْمِ عَمَلًا بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمُوجِبِ. (الثَّانِي) أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ عَسَلًا وَشَيْرَجًا وَنَشًا فَعَقَدَ الْجَمِيعَ فَالُوذَجًا ضَمِنَ عِنْدَهُمْ مَعَ بَقَاءِ مَنَافِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْمَالِيَّةِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا (وَثَالِثُهَا) أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبَقَ أَوْ حِنْطَةً فَبَلَّهَا بَلَلًا فَاحِشًا ضَمِنَ عِنْدَهُمْ مَعَ بَقَاءِ التَّقَرُّبِ فِي الْأَوَّلِ بِالْعِتْقِ وَبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ فِي الثَّانِي لَكِنْ جُلُّ الْمَقْصُودِ ذَهَبَ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا، وَلَا يُقَالُ فِي الْآبِقِ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَمِيعِ الْعَيْنِ، وَفِي الْحِنْطَةِ بِتَدَاعِي الْفَسَادِ إلَيْهَا بِالْبَلَلِ لِأَنَّا نَقُولُ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَقْصُودِهِ، وَأَفْسَدَهُ عَلَيْهِ نَاجِزًا مَعَ إمْكَانِ تَجْفِيفِ الْحِنْطَةِ، وَعَمَلِهَا سَوِيقًا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ، وَاحْتَجُّوا بِأَمْرَيْنِ (الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَالِاعْتِدَاءُ حَصَلَ فِي الْبَعْضِ فَتَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْبَعْضِ (وَثَانِيهِمَا) أَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَوْ حَصَلَتْ فِي غَيْرِ بَغْلَةِ الْقَاضِي أَوْ الْأَمِيرِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْقِيمَةُ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى عَبْدِهِ أَوْ دَارِهِ لِأَنَّ تَقْوِيمَ الْمُتْلَفَاتِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ إنَّمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَزْمَانِ، وَيُؤَكِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ ذَنَبَ حِمَارِ التُّرَابِ أَوْ خَرَقَ ثَوْبَ الْحَطَّابِ لَمْ يَلْزَمْهُ جَمِيعُ الْقِيمَةِ مَعَ تَعَذُّرِ بَيْعِهِ مِنْ الْأَمِيرِ، وَالْقَاضِي لِأَنَّهُمَا لَا يَلْبَسَانِهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْقَطْعِ الْيَسِيرِ، وَلَوْ قَطَعَ أُذُنَ الْأَمِيرِ نَفْسِهِ أَوْ أَنْفَ الْقَاضِي لَمَا اخْتَلَفَتْ الْجِنَايَةُ فَكَيْفَ بِدَابَّتِهِ مَعَ أَنَّ شَيْنَ الْقَاضِي بِقَطْعِ أَنْفِهِ أَشَدُّ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ لِاقْتِضَائِهِ أَنْ يَعْوَرَّ فَرَسُ الْجَانِي كَمَا عَوِرَ فَرَسُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إجْمَاعًا، وَقِيلَ إنَّ الْآيَةَ وَرَدَتْ فِي الدِّمَاءِ لَا فِي الْأَمْوَالِ، وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] أَيْ أَنْفُسَكُمْ إنَّمَا تَنَاوَلَ أَنْفُسَنَا لِأَنَّهُ ضَمِيرُ الْأَنْفُسِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الدَّارَ جُلُّ مَقْصُودِهَا حَاصِلٌ بِخِلَافِ الْفَرَسِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَا يَخْتَلِفُ التَّقْوِيمُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ بَلْ يَخْتَلِفُ فَإِنَّ الدَّابَّةَ الصَّالِحَةَ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ كَالْقُضَاةِ وَالْخُطَبَاءِ أَنْفَسُ قِيمَةً لِعُمُومِ الْأَغْرَاضِ فِيهَا، وَلِتَوَقُّعِ الْمُنَافَسَةِ فِي الْمُزَايَدَةِ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ الَّتِي لَا تَصْلُحُ إلَّا لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، وَأَمَّا أُذُنُ الْأَمِيرِ وَأَنْفُ الْقَاضِي فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ مَزَايَا الرِّجَالِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي بَابِ الدِّمَاءِ وَمَزَايَا الْأَمْوَالِ مُتَغَيِّرَةٌ فَدِيَةُ أَشْجَعِ النَّاسِ، وَأَعْلَمِهِمْ كَدِيَةِ أَجْبَنِ النَّاسِ وَأَجْهَلِهِمْ فَأَيْنَ أَحَدُ الْبَابَيْنِ مِنْ الْآخَرِ. (تَمْهِيدٌ) تَحَصَّلَ أَنَّ النَّقْصَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ تَارَةً تَذْهَبُ الْعَيْنُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَهُ طَلَبُ الْقِيمَةِ اتِّفَاقًا، وَتَارَةً ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَمَلُ الْمَعْلُومُ مِنْ تَعْيِينِهِ ... يَجُوزُ فِيهِ الْأَجْرُ مَعَ تَبْيِينِهِ وَلِلْأَجِيرِ أُجْرَةُ مُكَمِّلِهِ ... إنْ تَمَّ أَوْ بِقَدْرِ مَا قَدْ عَمِلَهُ إنَّ الْعَمَلَ الْمَعْلُومَ مِنْ أَجْلِ تَعَيُّنِ حَدِّهِ بِالْعَمَلِ أَوْ بِالْأَجَلِ وَذِكْرِ صِفَتِهِ (فَالْأَوَّلُ) كَقَوْلِهِ أُؤَاجِرُك عَلَى صَبْغِ هَذَا الثَّوْبِ أَوْ دَبْغِ هَذَا الْجِلْدِ أَوْ خِيَاطَةِ هَذَا الثَّوْبِ، وَبَيَّنَ لَهُ صِفَةَ الصَّبْغِ وَالدَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ (وَالثَّانِي) كَقَوْلِهِ أُؤَاجِرُك عَلَى بِنَاءِ يَوْمٍ أَوْ خِيَاطَةِ شَهْرٍ أَوْ حِرَاثَةِ يَوْمَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَالْعَمَلُ الَّذِي هُوَ الدَّبْغُ وَالصَّبْغُ وَنَحْوُهُمَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لَهُمَا، وَلَا بُدَّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَحْدُودًا إمَّا بِالْفَرَاغِ مِنْهُ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَطَحْنِ إرْدَبٍّ، وَإِمَّا بِضَرْبِ أَجَلٍ كَخِيَاطَةِ يَوْمٍ أَوْ صَبْغِهِ أَوْ دَبْغِهِ أَوْ طَحْنِهِ فَالْمَصْنُوعَاتُ إمَّا أَنْ تُحَدَّدَ بِالْفَرَاغِ أَوْ بِالْأَجَلِ وَغَيْرِهَا كَالرِّعَايَةِ وَالْخِدْمَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَنَحْوِهِمَا يُحَدُّ بِضَرْبِ الْأَجَلِ لَا غَيْرُ فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَجَلِ وَالْعَمَلِ كَقَوْلِهِ خِطْ هَذَا الثَّوْبَ فِي هَذَا الْيَوْمِ بِدِرْهَمٍ أَوْ أَكْتَرِي مِنْك دَابَّتَك لِتَرْكَبَهَا إلَى مَحَلِّ كَذَا فِي هَذَا الْيَوْمِ أَوْ أُؤَاجِرُك لِتُوَصِّلَ الْكِتَابَ لِمَحَلِّ كَذَا فِي هَذَا الْيَوْمِ أَوْ الشَّهْرِ بِدِرْهَمٍ فَهَلْ تَفْسُدُ مُطْلَقًا أَوْ إنَّمَا تَفْسُدُ إنْ كَانَ الْأَجَلُ مُسَاوِيًا لِلْعَمَلِ أَوْ أَنْقَصَ مِنْهُ لَا إنْ كَانَ الْأَجَلُ أَكْثَرَ مِنْ الْعَمَلِ فَلَا تَفْسُدُ فِيهِ خِلَافُ خَلِيلٍ، وَهَلْ تَفْسُدُ إنْ جَمَعَهُمَا، وَتُسَاوِي أَوْ مُطْلَقًا خِلَافٌ، وَمِنْ ذَلِكَ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى بَيْعِ ثَوْبٍ مَثَلًا لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ فِي مَقْدُورِ الْأَجِيرِ كَانَ جَعَالَةً إنْ حَدَّهُ بِالْعَمَلِ، وَهُوَ تَمَامُ الْعَمَلِ وَإِجَارَةً إنْ حَدَّهُ بِالزَّمَنِ، وَيَسْتَحِقُّ أَجْرَهُ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ حِينَئِذٍ، وَإِنْ لَمْ يَبِعْ اهـ. الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَصْلَحَتُهُ مِنْ الْعُقُودِ فِي اللُّزُومِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَصْلَحَتُهُ عَدَمُ اللُّزُومِ] (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَصْلَحَتُهُ مِنْ الْعُقُودِ فِي اللُّزُومِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا مَصْلَحَتُهُ مِنْهَا فِي عَدَمِ اللُّزُومِ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَقْدِ اللُّزُومُ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِتَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْمَعْقُودِ بِهِ أَوْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَدَفْعِ الْحَاجَاتِ، وَالْمُنَاسِبُ لِذَلِكَ هُوَ اللُّزُومُ إلَّا أَنَّ الْعُقُودَ مَعَ هَذَا الْأَصْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى لُزُومِهَا بِالْقَوْلِ وَعَدَمِ لُزُومِهَا بِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مَا يَلْزَمُ اتِّفَاقًا أَوْ عَلَى الرَّاجِحِ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ النِّكَاحُ وَالْبَيْعُ وَالْكِرَاءُ وَالْمُسَاقَاةُ، وَمَا لَا يَلْزَمُ بِهِ، وَهُوَ أَرْبَعَةٌ الْجُعَلُ وَالْقِرَاضُ وَالتَّوْكِيلُ وَالتَّحْكِيمُ، وَمَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ يَلْزَمُ بِهِ أَمْ لَا، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ ابْنُ غَازِيٍّ: أَرْبَعَةٌ بِالْقَوْلِ عَقْدُهَا فَرَا ... بَيْعٌ نِكَاحٌ وَسِقَاءٌ وَكِرَا لَا الْجُعْلُ وَالْقِرَاضُ وَالتَّوْكِيلُ ... وَالْحُكْمُ بِالْفِعْلِ بِهَا كَفِيلُ لَكِنْ فِي الْغِرَاسِ وَالْمُزَارَعَهْ ... وَالشَّرِكَاتِ بَيْنَهُمْ مُنَازَعَهْ

يَكُونُ النَّقْصُ يَسِيرًا فَلَيْسَ لَهُ إلْزَامُ الْقِيمَةِ اتِّفَاقًا، وَتَارَةً يَكُونُ الذَّاهِبُ مُخِلًّا بِالْمَقْصُودِ فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ فِي مَذْهَبِنَا إنَّ التَّعَدِّيَ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ يَسِيرٌ لَا يُبْطِلُ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ بِهِ، وَيَسِيرٌ يُبْطِلُهُ، وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ لَا يُبْطِلُ الْمَقْصُودَ مِنْهُ، وَكَثِيرٌ يُبْطِلُهُ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ مُتَقَابِلَةٍ: أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الْيَسِيرُ الَّذِي لَا يُبْطِلُ الْمَقْصُودَ لَا يَضْمَنُ الْعَيْنَ، وَكَذَلِكَ الْكَثِيرُ الَّذِي لَا يُبْطِلُ الْمَقْصُودَ، وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ فَيُخَيَّرُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِتَضْمِينِهِ الْقِيمَةَ لَوْ أَرَادَ رَبُّهُ أَخْذَهُ، وَمَا نَقَصَهُ فَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَ أَنْ يَتَضَمَّنَهُ فَامْتَنَعَ فَذَلِكَ رِضًى. وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي، وَهُوَ الْيَسِيرُ الَّذِي يُبْطِلُ الْمَقْصُودَ فَقَاعِدَةُ مَالِكٍ تَقْتَضِي تَضْمِينَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي ذَنَبِ بَغْلَةِ الْقَاضِي قَالَ، وَتَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْمَرْكُوبَاتُ وَالْمَلْبُوسَاتُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَعَنْ مَالِكٍ لَا يَضْمَنُهُ بِذَلِكَ، وَفَرَّقَ ابْنُ حَبِيبٍ بَيْنَ الذَّنَبِ فَيَضْمَنُ، وَالْأُذُنِ فَلَا يَضْمَنُ لِاخْتِلَافِ الشَّيْنِ فِيهِمَا، وَاتَّفَقُوا فِي حَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ عَلَى عَدَمِ التَّضْمِينِ لِأَنَّهَا رَغَبَاتُ النَّاسِ فَالنَّقْصُ فِي رَغَبَاتِ النَّاسِ لَا فِي الْمَغْصُوبِ (الْفَرْقُ الثَّامِنَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقُ بَعْضِهِ إبْطَالَ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَقْتَضِي إبْطَالَ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ) إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُ مَا اشْتَرَيْتَهُ أَوْ صَالَحْتَ عَلَيْهِ أَوْ وَجَدْتَ بِهِ عَيْبًا فَلَهُ أَحْوَالٌ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلِيًّا أَوْ مُقَوَّمًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَوْ شَائِعًا فَأَمَّا الْمِثْلِيُّ فَهُوَ الْمَكِيلُ، وَالْمَوْزُونُ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ مِنْهُ قَلِيلَهُ لَزِمَك بَاقِيهِ لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ، وَالْأَصْلُ لُزُومُ الْعَقْدِ لَك، وَإِنْ اسْتَحَقَّ كَثِيرَهُ فَإِنَّك تُخَيَّرُ بَيْنَ حَبْسِ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ حَقُّك فِي الْعَقْدِ وَبَيْنَ رَدِّهِ لِذَهَابِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ جُلُّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَقَدْ ذَهَبَ مَقْصُودُ الْعَقْدِ فِي الْمَعْنَى. وَأَمَّا الْمُقَوَّمُ غَيْرُ الْمِثْلِيِّ إنْ اُسْتُحِقَّ أَقَلُّهَا إنْ كَانَتْ ثِيَابًا وَنَحْوَهَا رَجَعَتْ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِبَقَاءِ جُلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَخْتَلَّ مَقْصُودُ الْعَقْدِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ وَجْهُ الصَّفْقَةِ انْتَقَصَتْ كُلُّهَا، وَيُرَدُّ بَاقِيهَا لِفَوَاتِ مَقْصُودِ الْعَقْدِ، وَيَحْرُمُ التَّمَسُّكُ بِمَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ حِصَّتَهُ لَا تُعْرَفُ حَتَّى تُقَوَّمَ فَهُوَ بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ هَذَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُعَيَّنِ، وَكَذَلِكَ فِي الْعَيْبِ إذَا وَجَدْته بِهَا، وَأَمَّا الْجُزْءُ الشَّائِعُ إذَا اسْتَحَقَّ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ فَيُخَيَّرُ فِي التَّمَسُّكِ بِالْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ حِصَّتَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفَرَا آخِرَ الشَّطْرِ الْأَوَّلِ بِالْفَاءِ بِمَعْنَى قَطَعَ، وَمِنْهُ فَرَى الْأَوْدَاجَ أَيْ قَطَعَهَا كَمَا فِي شَرْحِ التَّاوَدِيِّ وَالتُّسُولِيِّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ (فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ) جَرَى عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي غَيْرِ الْمُسَاقَاةِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي نَظْمِ ابْنِ غَازِيٍّ، وَعَلَى الرَّاجِحِ كَمَا فِي الْمُسَاقَاةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيمَا يَلْزَمُ بِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ (الْأَوَّلُ) الْعَقْدُ، وَهُوَ نَقْلُ الْأَكْثَرِ عَنْ الْمَذْهَبِ وَمَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ (وَالثَّانِي) الشُّرُوعُ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَالْمُتَيْطِيِّ وَالصَّقَلِّيِّ (وَالثَّالِثُ) حَوْزُ الْمُسَاقَى فِيهِ، وَهُوَ مَا حَكَاهُ الْبَاجِيَّ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْحَوْزِ بَطَلَتْ الْمُسَاقَاةُ، وَلَيْسَ كَالْعُقُودِ اللَّازِمَةِ وَإِنْ لَمْ تُقْبَضْ، وَلَعَلَّهُ تَعَلَّقَ بِمَا رُوِيَ فِي عَيْنِ السَّقْيِ تَغُورُ إنْ كَانَ قَبْلَ الْعَمَلِ فَلَا شَيْءَ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَزِمَهُ أَنْ يُنْفِقَ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ لَهُ مِنْ الثَّمَرَةِ قُلْت ظَاهِرُهُ إنْ غَارَتْ بَعْدَ الْعَمَلِ لَزِمَ رَبُّ الْحَائِطِ أَنْ يُنْفِقَ بِقَدْرِ حَظِّهِ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهَا فِي أَكْرِيَةِ الدَّوْرِ مَنْ أَخَذَ نَخْلًا مُسَاقَاةً فَغَارَ مَاؤُهَا بَعْدَ أَنْ سَقَى فَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ فِيهَا بِقَدْرِ حَظِّ رَبِّ النَّخْلِ مِنْ ثَمَرَتِهِ تِلْكَ السَّنَةَ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ بِالْعَمَلِ لَا بِالْجَوَازِ (وَالرَّابِعُ) أَوَّلُهَا لَازِمٌ وَآخِرُهَا كَالْجُعْلِ إذَا عَجَزَ، وَتَرَكَ قَبْلَ تَمَامِهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ كَمَا حَكَاهُ عَنْهُ اللَّخْمِيُّ لَكِنْ هَذَا حُكْمُ الْعَجْزِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا قَوْلُ غَيْرِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ اهـ. كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ بِتَصَرُّفٍ قَالَ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ فَالْمُسَلَّمُ عِنْدَهُ إنَّمَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، وَالثَّانِي اهـ. قَالَ الْأَصْلُ، وَهَذَا الْقِسْمُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَعُقُودِ الْوِلَايَاتِ فَإِنَّ التَّصَرُّفَ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ عَقِيبَ الْعَقْدِ اهـ. (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) قَالَ الْأَصْلُ لَا يَسْتَلْزِمُ مَصْلَحَةً مَعَ اللُّزُومِ بَلْ مَعَ الْجَوَازِ وَعَدَمِ اللُّزُومِ، وَهُوَ خَمْسَةُ عُقُودٍ الْجَعَالَةُ وَالْقِرَاضُ وَالْمُغَارَسَةُ وَالْوَكَالَةُ وَتَحْكِيمُ الْحَاكِمِ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْحُكُومَةِ فَاشْتَرَكَ الْجَمِيعُ فِي عَدَمِ انْضِبَاطِ الْعَقْدِ بِحُصُولِ مَقْصُودِهِ فَكَانَ الْجَمِيعُ عَلَى الْجَوَازِ. (أَمَّا الْجِعَالَةُ) فَلِأَنَّهَا لَوْ شُرِعَتْ لَازِمَةً مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَطَّلِعُ عَلَى فَرْطِ بُعْدِ مَكَانِ الْآبِقِ أَوْ عَدَمِهِ مَعَ دُخُولِهِ عَلَى الْجَهَالَةِ بِمَكَانِهِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ فَجُعِلَتْ جَائِزَةً لِئَلَّا تُجْمَعَ الْجَهَالَةُ بِالْمَكَانِ وَاللُّزُومِ، وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ. (وَأَمَّا الْقِرَاضُ) فَلِأَنَّ حُصُولَ الرِّبْحِ فِيهِ مَجْهُولٌ فَقَدْ يَتَّصِلُ بِهِ أَنَّ السِّلَعَ مُتَعَذِّرَةٌ أَوْ لَا يَحْصُلُ فِيهِ رِبْحٌ فَإِلْزَامُهُ بِالسَّفَرِ مَضَرَّةٌ بِغَيْرِ حِكْمَةٍ، وَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْعَقْدِ الَّذِي هُوَ الرِّبْحُ (وَأَمَّا الْمُغَارَسَةُ) وَهِيَ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ لِمَنْ يَغْرِسُ فِيهَا عَدَدًا مِنْ الْأَشْجَارِ فَإِذَا بَلَغَتْ كَذَا وَكَذَا كَانَتْ

[الفرق بين قاعدة ما يرد من القراض الفاسد إلى قراض المثل وبين قاعدة ما يرد منه إلى أجرة المثل]

مَعْلُومَةٌ بِغَيْرِ تَقْوِيمٍ فَاسْتُصْحِبَ الْعَقْدُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَحْوَالٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قَدْ ظَهَرَ (الْفَرْقُ التَّاسِعَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ الْتِقَاطُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجِبُ الْتِقَاطُهُ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ الِالْتِقَاطُ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا وَمُسْتَحَبًّا وَمُحَرَّمًا وَمَكْرُوهًا بِحَسَبِ حَالِ الْمُلْتَقِطِ وَحَالِ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ وَأَهْلِهِ، وَمِقْدَارِ اللُّقَطَةِ فَإِنْ كَانَ الْوَاحِدُ مَأْمُونًا، وَلَا يَخْشَى السُّلْطَانُ إذَا أَشْهَرَهَا، وَهِيَ بَيْنَ قَوْمٍ أُمَنَاءَ لَا يُخْشَى عَلَيْهَا مِنْهُمْ، وَلَهَا قَدْرٌ فَأَخْذُهَا وَتَعْرِيفُهَا مُسْتَحَبٌّ، وَهَذِهِ صُورَةُ السَّائِلِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ خُذْهَا، وَلِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِصَاحِبِهَا خَوْفَ أَنْ يَأْخُذَهَا مَنْ لَيْسَ بِمَأْمُونٍ، وَلَا يَنْتَهِي إلَى الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ بَيْنَ قَوْمٍ أُمَنَاءَ وَبَيْنَ غَيْرِ الْأُمَنَاءِ يَجِبُ الِالْتِقَاطُ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَالِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ وَلِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ غَيْرَ مَأْمُونٍ إذَا أَشْهَرَهَا أَخَذَهَا، أَوْ الْوَاجِدُ غَيْرُ أَمِينٍ حَرُمَ عَلَيْهِ أَخْذُهَا لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ لِضَيَاعِ مَالِ الْمُسْلِمِ، وَإِنْ كَانَتْ حَقِيرَةً كُرِهَ أَخْذُهَا لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْرِيفِ الْحَقِيرِ وَعَدَمُ الِاحْتِفَالِ بِهِ، وَالْحَقِيرُ كَالدِّرْهَمِ، وَنَحْوِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي لُقَطَةِ الْمَالِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْأَفْضَلُ تَرْكُهَا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَمُرُّ بِاللُّقَطَةِ فَلَا يَأْخُذُهَا، وَالْأَفْضَلُ أَخْذُهَا لِأَنَّ فِيهِ صَوْنَ مَالِ الْغَيْرِ الثَّالِثُ أَخْذُ الْجَلِيلِ أَفْضَلُ، وَتَرْكُ الْحَقِيرِ أَفْضَلُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ بَيْنَ قَوْمٍ مَأْمُونِينَ، وَإِمَامٍ عَدْلٍ أَمَّا بَيْنَ الْخَوَنَةِ، وَلَا يُخْشَى السُّلْطَانُ إذَا عُرِّفَتْ فَالْأَخْذُ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا وَبَيْنَ خَوَنَةٍ، وَيَخْشَى مِنْ الْإِمَامِ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِهَا، وَتَرْكِهَا بِحَسَبِ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَيُّ الْخَوْفَيْنِ أَشَدُّ، وَيُسْتَثْنَى لُقَطَةُ الْحَاجِّ فَلَا يَجْرِي فِيهَا هَذَا الْخِلَافُ كُلُّهُ لِأَنَّهَا بِالتَّرْكِ أَوْلَى لِأَنَّ مُلْتَقِطَهَا يَرْحَلُ إلَى قُطْرِهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ التَّعْرِيفِ. (قَاعِدَةٌ) خَمْسٌ اجْتَمَعَتْ الْأُمَمُ مَعَ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ عَلَيْهَا، وَهِيَ وُجُوبُ حِفْظِ النُّفُوسِ وَالْعُقُولِ فَتَحْرُمُ الْمُسْكِرَاتُ بِإِجْمَاعِ الشَّرَائِعِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ فِي شُرْبِ الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُسْكِرُ فَحَرُمَ فِي هَذِهِ الْمِلَّةِ تَحْرِيمَ الْوَسَائِلِ، وَسَدُّ الذَّرِيعَةِ بِتَنَاوُلِ الْقَدْرِ الْمُسْكِرِ، وَأُبِيحَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الشَّرَائِعِ لِعَدَمِ الْمَفْسَدَةِ، وَحِفْظِ الْأَعْرَاضِ فَيَحْرُمُ الْقَذْفُ، وَسَائِرُ السِّبَابِ، وَيَجِبُ حِفْظُ الْأَنْسَابِ فَيَحْرُمُ الزِّنَى فِي جَمِيعِ الشَّرَائِعِ، وَالْأَمْوَالُ يَجِبُ حِفْظُهَا فِي جَمِيعِ الشَّرَائِعِ فَتَحْرُمُ السَّرِقَةُ، وَنَحْوُهَا، وَيَجِبُ حِفْظُ اللُّقَطَةِ عَنْ الضَّيَاعِ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ قَاعِدَةِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَرْضُ وَالْأَشْجَارُ بَيْنَهُمَا اهـ. فَلِأَنَّهَا مَجْهُولَةُ الْعَاقِبَةِ فِي ثَبَاتِ الشَّجَرِ وَجَوْدَةِ الْأَرْضِ، وَمُؤْنَاتُ الْأَسْبَابِ عَلَى مُؤْنَاتِ الشَّجَرِ مَعَ طُولِ الْأَيَّامِ فَقَدْ يَطَّلِعُ عَلَى تَعَذُّرِ ذَلِكَ أَوْ فَرْطِ بُعْدِهِ فَإِلْزَامُهُ بِالْعَمَلِ ضَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ (وَأَمَّا الْوَكَالَةُ) فَقَدْ يَطَّلِعُ فِيمَا وُكِّلَ عَلَيْهِ عَلَى تَعَذُّرٍ أَوْ ضَرَرٍ فَجُعِلَتْ عَلَى الْجَوَازِ (وَأَمَّا تَحْكِيمُ الْحَاكِمِ) فَلِأَنَّهُ خَطَرٌ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ اللُّزُومِ إذَا حَكَمَ، وَقَدْ يَطَّلِعُ الْخَصْمَانِ عَلَى سُوءِ الْعَاقِبَةِ فِي ذَلِكَ فَنَفْيًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا لَمْ يُشْرَعْ اللُّزُومُ فِي حَقَّيْهِمَا اهـ. كَلَامُ الْأَصْلِ بِزِيَادَةٍ (وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَهْمَلَهُ الْأَصْلُ بَلْ عَدَّ الْمُغَارَسَةَ الَّتِي جَعَلَهَا ابْنُ غَازِيٍّ مِنْهُ وَتَبِعَهُ التَّاوَدِيُّ وَالتُّسُولِيُّ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَحَصَرَهُ فِي خَمْسَةِ عُقُودٍ الْمُغَارَسَةُ مَعَ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي فِي نَظْمِ ابْنِ غَازِيٍّ، وَلَمْ يَحْصُرْ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ فِي الْأَرْبَعَةِ الَّتِي حَصَرَهُ فِيهَا ابْنُ غَازِيٍّ بَلْ زَادَ عَلَيْهَا الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَعُقُودَ الْوِلَايَاتِ، وَأَدْخَلَ بِالْكَافِ الْمُزَارَعَةَ وَالشَّرِكَاتِ كَمَا أَدْخَلَ بِهَا الْمُسَاقَاةَ، وَصَحَّحَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّاطِّ كَلَامَهُ حَتَّى صَارَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمَا أَنَّ الَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدَهُمَا مِنْ الْمُنَازَعَةِ فِي الْمُغَارَسَةِ قَوْلٌ بِعَدَمِ اللُّزُومِ بِالْقَوْلِ، وَفِي الْمُزَارَعَةِ وَالشَّرِكَاتِ الْقَوْلُ بِاللُّزُومِ بِالْقَوْلِ، وَكَذَلِكَ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَعُقُودِ الْوِلَايَاتِ فَإِنَّ مُفَادَ كَلَامِ التَّاوَدِيِّ وَالتُّسُولِيِّ أَنَّهَا مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ لِتَصْرِيحِهِمَا بِحَصْرِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا الثَّانِي فِي أَرْبَعَةٍ دُونَ الثَّالِثِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُرَدُّ مِنْ الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُرَدُّ مِنْهُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ] (الْفَرْقُ الْعَاشِرُ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُرَدُّ مِنْ الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُرَدُّ مِنْهُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ) الْقِرَاضُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ هُوَ تَمْكِينُ مَالٍ لِمَنْ يَتَّجِرُ بِهِ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ لَا بِلَفْظِ إجَارَةٍ قَالَ ابْنُ عَاصِمٍ: وَالنَّقْدُ وَالْحُضُورُ وَالتَّعْيِينُ ... مِنْ شَرْطِهِ وَيُمْنَعُ التَّضْمِينُ وَلَا يَسُوغُ جَعْلُهُ إلَى أَجَلٍ ... وَفَسْخُهُ مُسْتَوْجِبٌ إذَا نَزَلَ وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ شَيْءٍ يَنْفَرِدُ ... بِهِ مِنْ الرِّبْحِ وَإِنْ يَقَعْ يُرَدَّ قَالَ التَّسَوُّلِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهِ ذَكَرَ النَّاظِمُ مِنْ شُرُوطِ الْقِرَاضِ ثَلَاثَةً النَّقْدَ وَالْحُضُورَ وَالتَّعْيِينَ، وَمِنْ الْمَوَانِعِ ثَلَاثَةً الضَّمَانَ وَالْأَجَلَ وَاشْتِرَاطَ شَيْءٍ يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا، وَالشَّرْطُ مَا يُطْلَبُ وُجُودُهُ، وَالْمَانِعُ مَا يُطْلَبُ عَدَمُهُ. وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ شُرُوطٌ أُخَرُ، وَمَوَانِعُ أُخَرُ اُنْظُرْهَا فِي خَلِيلٍ، وَغَيْرِهِ اهـ. وَالْأَصْلُ فِي فَاسِدِهِ الرَّدُّ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ كَسَائِرِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، وَلِأَنَّهُ الْعَمَلُ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْقَبَسِ حَكَى فِيهِ خَمْسَةَ أَقْوَالٍ (الْأَوَّلُ) عَنْ مَالِكٍ الرَّدُّ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ مُطْلَقًا جَرْيًا عَلَى

وَفَرْضِ الْأَعْيَانِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ مَا لَا تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ فَتَكْرِيرُ فِعْلِ النُّزُولِ بَعْدَ شَيْلِ الْغَرِيقِ لَا يُحَصِّلُ مَصْلَحَةً بَعْدَ ذَلِكَ، وَفَرْضُ الْأَعْيَانِ هُوَ مَا تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ مَصْلَحَتُهَا الْإِجْلَالُ وَالتَّعْظِيمُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ يَتَكَرَّرُ حُصُولُهُ بِتَكَرُّرِ الصَّلَاةِ، وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ أَنَّ أَخْذَ اللُّقَطَةِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ كَمَا قَالَ بِهِمَا مَالِكٌ قِيَاسًا عَلَى الْوَدِيعَةِ بِجَامِعِ حِفْظِ الْمَالِ فَيَلْزَمُ النَّدْبُ أَوْ قِيَاسًا عَلَى إنْقَاذِ الْمَالِ الْهَالِكِ فَيَلْزَمُ الْوُجُوبُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَخْذُهَا مَنْدُوبٌ إلَّا عِنْدَ خَوْفِ الضَّيَاعِ فَيَجِبُ وَعِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْكَرَاهَةُ لِمَا فِي الِالْتِقَاطِ مِنْ تَعْرِيضِ نَفْسِهِ لِأَكْلِ الْحَرَامِ، وَتَضْيِيعِ الْوَاجِبِ مِنْ التَّعْرِيفِ فَكَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى كَتَوَلِّي مَالِ الْيَتِيمِ وَتَخْلِيلِ الْخَمْرِ، وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى الدُّخُولَ فِي التَّكَالِيفِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} [الأحزاب: 72] أَيْ ظَلُومًا لِنَفْسِهِ بِتَوْرِيطِهَا وَتَعْرِيضِهَا لِلْعِقَابِ وَجَهُولًا بِالْعَوَاقِبِ وَالْحَزْمِ فِيهَا، وَالْأَمَانَةُ قَالَ الْعُلَمَاءُ هِيَ هَا هُنَا التَّكَالِيفُ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا فَصَّلَ وَقَسَّمَ أَخْذَ اللُّقَطَةِ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ إلَّا أَصْحَابَنَا بَلْ كُلُّهُمْ أَطْلَقُوا. (الْفَرْقُ الْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ) قَدْ تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْمَصَالِحَ إمَّا فِي مَحَلِّ الضَّرُورِيَّاتِ أَوْ فِي مَحَلِّ الْحَاجِيَّاتِ أَوْ فِي مَحَلِّ التَّتِمَّاتِ، وَإِمَّا مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ إمَّا لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ، وَإِمَّا لِقِيَامِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ، وَالْفَرْقُ هَا هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَإِنَّ اشْتِرَاطَ الْعَدَالَةِ فِي التَّصَرُّفَاتِ مَصْلَحَةٌ لِحُصُولِ الضَّبْطِ بِهَا وَعَدَمِ الِانْضِبَاطِ مَعَ الْفَسَقَةِ، وَمَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ فَاشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ إمَّا فِي مَحَلِّ الضَّرُورَاتِ كَالشَّهَادَاتِ فَإِنَّ الضَّرُورَةَ تَدْعُو لِحِفْظِ دِمَاءِ النَّاسِ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَبْضَاعِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ عَنْ الضَّيَاعِ فَلَوْ قُبِلَ فِيهَا قَوْلُ الْفَسَقَةِ، وَمَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ لَضَاعَتْ. وَكَذَلِكَ الْوِلَايَاتُ كَالْإِمَامَةِ وَالْقَضَاءِ وَأَمَانَةِ الْحُكْمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوِلَايَاتِ مِمَّا فِي مَعْنَى هَذِهِ لَوْ فُوِّضَتْ لِمَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ لَحَكَمَ بِالْجَوْرِ، وَانْتَشَرَ الظُّلْمُ، وَضَاعَتْ الْمَصَالِحُ، وَكَثُرَتْ الْمَفَاسِدُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ بَعْضُهُمْ فِي الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى الْعَدَالَةَ لِغَلَبَةِ الْفُسُوقِ عَلَى وُلَاتِهَا فَلَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَصْلِ الْمَذْكُورِ (الثَّانِي) عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ الرَّدُّ إلَى الْأُجْرَةِ مُطْلَقًا نَظَرًا لِاسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ بِغَيْرِ عَقْدٍ صَحِيحٍ، وَإِلْغَاءِ الْفَاسِدِ بِالْكُلِّيَّةِ (وَالثَّالِثُ) عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ كَانَ الْفَسَادُ فِي الْعَقْدِ فَقِرَاضُ الْمِثْلِ أَوْ لِزِيَادَةٍ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ (الرَّابِعُ) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ الْأَقَلُّ مِنْ قِرَاضِ الْمِثْلِ وَالْمُسَمَّى. (وَالْخَامِسُ) تَفْصِيلُ ابْنِ الْقَاسِمِ الَّذِي ذَكَرَهُ عِيَاضٌ فِي التَّنْبِيهَاتِ حَيْثُ قَالَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ إنَّ الْفَاسِدَ مِنْ الْقِرَاضِ يُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ إلَّا فِي تِسْعِ مَسَائِلَ الْقِرَاضُ بِالْعُرُوضِ، وَإِلَى أَجَلٍ، وَعَلَى الضَّمَانِ، وَالْمُبْهَمُ، وَبِدَيْنٍ يَقْتَضِيهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَعَلَى شِرْكٍ فِي الْمَالِ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَرِي إلَّا بِالدَّيْنِ فَاشْتَرَى بِالنَّقْدِ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَرِي إلَّا سِلْعَةً مُعَيَّنَةً لِمَا لَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ فَاشْتَرَى غَيْرَهَا، وَعَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدَ فُلَانٍ بِمَالِ الْقِرَاضِ ثُمَّ يَبِيعَهُ، وَيَتَّجِرَ بِثَمَنِهِ قَالَ الْأَصْلُ، وَلَحِقَ بِالتِّسْعَةِ عَاشِرَةٌ مِنْ غَيْرِ الْفَاسِدِ فَفِي الْكِتَابِ أَيْ الْمُدَوَّنَةِ إذَا اخْتَلَفَا أَيْ فِي الرِّبْحِ، وَأَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ لَهُ قِرَاضُ الْمِثْلِ، وَالضَّابِطُ كُلُّ مَنْفَعَةٍ اشْتَرَطَهَا أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لَيْسَتْ خَارِجَةً عَنْ الْمَالِ، وَلَا خَالَفَتْهُ فَهِيَ لِمُشْتَرِطِهَا، وَمَتَى كَانَتْ خَارِجَةً عَنْ الْمَالِ أَوْ كَانَتْ غَرَرًا حَرَامًا فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ فَعَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ تَدُورُ الْمَسَائِلُ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ، وَضَابِطُهَا كُلُّ مَا يَشْتَرِطُ فِيهِ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ أَمْرًا قَصَرَهُ بِهِ عَلَى نَظَرِهِ أَوْ يَشْتَرِطُ زِيَادَةً لِنَفْسِهِ أَوْ شَرَطَهَا الْعَامِلُ لِنَفْسِهِ فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَإِلَّا فَقِرَاضُ الْمِثْلِ. وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَمْرَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْمُسْتَثْنَيَاتِ مِنْ الْعُقُودِ إذَا فَسَدَتْ هَلْ تُرَدُّ إلَى صَحِيحِ أَنْفُسِهَا، وَهُوَ الْأَصْلُ كَفَاسِدِ الْبَيْعِ أَوْ إلَى صَحِيحِ أَصْلِهَا لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى إنَّمَا اُسْتُثْنِيَ لِأَجْلِ مَصْلَحَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْأَصْلُ فَيُرَدُّ إلَيْهِ، وَالشَّرْعُ لَمْ يَسْتَثْنِ الْفَاسِدَ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَدَمِ، وَلَهُ أَصْلٌ يَرْجِعُ إلَيْهِ، وَسِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ آخَرُ يَرْجِعُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْقِرَاضِ (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ أَسْبَابَ الْفَسَادِ إذَا تَأَكَّدَتْ فِي الْقِرَاضِ أَوْ غَيْرِهِ بَطَلَتْ حَقِيقَةُ الْمُسْتَثْنَى بِالْكُلِّيَّةِ فَتَتَعَيَّنُ الْإِجَارَةُ، وَإِذَا لَمْ تَتَأَكَّدْ اعْتَبَرْنَا الْقِرَاضَ ثُمَّ بَقِيَ النَّظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمُفْسِدِ هَلْ هُوَ مُتَأَكِّدٌ أَمْ لَا نَظَرًا فِي تَحْقِيقِ الْمُنَاطِ قَالَ. وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ مَسَائِلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ

اُشْتُرِطَتْ لَتَعَطَّلَتْ التَّصَرُّفَاتُ الْمُوَافِقَةُ لِلْحَقِّ فِي تَوْلِيَةِ مَنْ يُوثَقُ بِهِ مِنْ الْقُضَاةِ وَالسُّعَاةِ، وَأَخْذِ مَا يَأْخُذُونَهُ، وَبَذْلِ مَا يَبْذُلُونَهُ، وَفِي هَذَا ضَرَرٌ عَظِيمٌ أَقْبَحُ مِنْ فَوَاتِ عَدَالَةِ السُّلْطَانِ، وَلَمَّا كَانَ تَصَرُّفُ الْقُضَاةِ أَعَمَّ مِنْ تَصَرُّفِ الْأَوْصِيَاءِ، وَأَخَصَّ مِنْ تَصَرُّفِ الْأَئِمَّةِ اُخْتُلِفَ فِي إلْحَاقِهِمْ بِهِمْ أَوْ بِالْأَوْصِيَاءِ عَلَى الْخِلَافِ فِي عَدَالَةِ الْوَصِيِّ، وَإِذَا نُفِّذَتْ تَصَرُّفَاتُ الْبُغَاةِ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ الْقَطْعِ بِعَدَمِ وِلَايَتِهِمْ فَأَوْلَى نُفُوذُ تَصَرُّفَاتِ الْوُلَاةِ وَالْأَئِمَّةِ مَعَ غَلَبَةِ الْفُجُورِ عَلَيْهِمْ مَعَ قُدْرَةِ الْبُغَاةِ وَعُمُومِ الضَّرُورَةِ لِلْوُلَاةِ، وَأَمَّا مَحَلُّ الْحَاجَاتِ كَإِمَامَةِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ شُفَعَاءُ. وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ لِإِصْلَاحِ حَالِ الشَّفِيعِ عِنْدَ الْمَشْفُوعِ عِنْدَهُ، وَإِلَّا لَا تُقْبَلُ شَفَاعَتُهُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِمْ الْعَدَالَةُ، وَكَذَلِكَ الْمُؤَذِّنُونَ الَّذِينَ يُعْتَمَدُ عَلَى أَقْوَالِهِمْ فِي دُخُولِ الْأَوْقَاتِ وَإِيقَاعِ الصَّلَوَاتِ أَمَّا مَنْ يُؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَالَةٌ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ، وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فَيَصِحُّ جَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ لِأَجْلِ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِ فَقَطْ، وَلَمْ أَرَ فِي هَذَا الْقِسْمِ خِلَافًا بِخِلَافِ الْإِمَامَةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِيهَا فَاشْتَرَطَهَا مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مَعَهُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهَا الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَالصَّلَاةُ مَقْصِدٌ وَالْأَذَانُ وَسِيلَةٌ وَالْعِنَايَةُ بِالْمَقَاصِدِ أَوْلَى مِنْ الْوَسَائِلِ غَيْرَ أَنَّ الْفَرْقَ عِنْدَهُ أَنَّ الْفَاسِقَ تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي نَفْسِهِ إجْمَاعًا، وَكُلُّ مُصَلٍّ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَلَمْ تَدْعُهُ حَاجَةٌ لِصَلَاحِ حَالِ الْإِمَامِ وَمَالِكٌ يَرَى أَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ مُرْتَبِطَةٌ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، وَأَنَّ فِسْقَهُ يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الرَّبْطِ فَهَذَا مَنْشَأُ الْخِلَافِ. وَأَمَّا الْأَذَانُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُؤَذِّنِ غَيْرَ مَوْثُوقٍ بِهِ حَتَّى يُؤَذِّنَ قَبْلَ الْوَقْتِ تَعَدَّى خَلَلُهُ لِلصَّلَاةِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ قَبْلَ وَقْتِهَا بَاطِلَةٌ، وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ الْفَاسِقُ غَيْرَ مُتَطَهِّرٍ أَوْ أَخَلَّ بِشَرْطٍ بَاطِنٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْمَأْمُومُ لَمْ يَقْدَحْ عِنْدَهُ فِي صَلَاةِ الْمَأْمُومِ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ حَصَّلَ ذَلِكَ الشَّرْطَ فَلَا يَقْدَحُ عِنْدَهُ تَضْيِيعُ غَيْرِهِ لَهُ. وَإِنْ أَخَلَّ بِرُكْنٍ ظَاهِرٍ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَنَحْوِهِمَا فَالِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْعَدَالَةِ فِيهِ لِأَنَّ الْعِلْمَ الظَّاهِرَ نَابَ عَنْ الْعَدَالَةِ فِي ضَبْطِ الْمَصْلَحَةِ فَاسْتَغْنَى عَنْهَا فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ، وَأَمَّا مَحَلُّ التَّتِمَّاتِ فَكَالْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهَا تَتِمَّةٌ، وَلَيْسَتْ بِحَاجِيَّةٍ بِسَبَبِ أَنَّ الْوَازِعَ الطَّبِيعِيَّ فِي الشَّفَقَةِ عَلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهَا يَمْنَعُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْعَارِ، وَالسَّعْيِ فِي الْإِضْرَارِ فَقَرَّبَ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ كَالْإِقْرَارَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأُجْرَةُ مِثْلٍ فِي الْقِرَاضِ تَعَيَّنَتْ ... سِوَى تِسْعَةٍ قَدْ خَالَفَ الشَّرْعَ حُكْمُهُ قِرَاضٌ عُرُوضٌ وَاشْتِرَاطُ ضَمَانِهِ ... وَتَحْدِيدُ وَقْتٍ وَالْتِبَاسٌ يَعُمُّهُ وَأَنْ شَرَطَا فِي الْمَالِ شِرْكًا لِعَامِلٍ ... وَأَنْ يَشْتَرِي بِالدَّيْنِ فَاخْتَلَّ رَسْمُهُ وَأَنْ يَشْتَرِي غَيْرَ الْمُعَيَّنِ لِلشِّرَا ... وَأَعْطِ قِرَاضَ الْمِثْلِ مِنْ حَالِ غُرْمِهِ وَأَنْ يَقْتَضِي الدَّيْنُ الَّذِي عِنْدَ غَيْرِهِ ... وَيَتَّجِرَ فِيهِ عَامِلًا لَا يَذُمُّهُ وَأَنْ يَشْتَرِي عَبْدًا لِزَيْدٍ يَبِيعُهُ ... وَيَتَّجِرَ فِيمَا ابْتَاعَهُ وَيَلُمُّهُ اهـ. كَلَامُ الْأَصْلِ قَالَ التَّاوَدِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ، وَفِيمَا يَجِبُ لِعَامِلِ الْقِرَاضِ عِنْدَ فَسَادِهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ كَمَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ عَنْ مَالِكٍ فَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ أَنَّ الْوَاجِبَ قِرَاضُ الْمِثْلِ، وَرَوَى غَيْرُهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَقِرَاضِ الْمِثْلِ مِنْ جِهَتَيْنِ الْأُولَى أَجْرُ الْمِثْلِ فِي الذِّمَّةِ، وَقِرَاضُ الْمِثْلِ فِي الرِّبْحِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا شَيْءَ، وَالثَّانِيَةُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ يُحَاصِصُ بِهَا الْغُرَمَاءَ، وَقِرَاضُ الْمِثْلِ يُقَدَّمُ فِيهِ عَلَيْهِمْ، وَالثَّالِثَةُ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ مَا يُرَدُّ لِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَمَا يُرَدُّ لِقِرَاضِ الْمِثْلِ بِهِ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فَقِيلَ التَّفْصِيلُ بِالْحَدِّ، وَقِيلَ بِالْعَدِّ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَفِي الْقِرَاضِ بِالْعُرُوضِ أَوْ مَنْ وَكَّلَ عَلَى دَيْنٍ أَوْ لِيَصْرِفَ ثُمَّ يَعْمَلَ فَأُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي تَوَلِّيهِ ثُمَّ قِرَاضُ مِثْلِهِ فِي رِبْحِهِ كَلَكَ شِرْكٌ، وَلَا عَادَةَ أَوْ مُبْهَمٌ أَوْ أَجَلٌ أَوْ اشْتَرِ سِلْعَةَ فُلَانٍ ثُمَّ اتَّجِرْ فِي ثَمَنِهَا أَوْ بِدَيْنٍ أَوْ مَا يَقِلُّ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي الرِّبْحِ، وَادَّعَيَا مَا لَا يُشْبِهُ، وَفِيمَا فَسَدَ غَيْرُهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي الذِّمَّةِ، وَنَظَمَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: لِكُلِّ قِرَاضٍ فَاسِدٍ أَجْرُ مِثْلِهِ ... سِوَى تِسْعَةٍ قَدْ فُصِّلَتْ بِبَيَانِ قِرَاضٌ بِدَيْنٍ أَوْ بِعَرْضٍ وَمُبْهَمٍ ... وَبِالشِّرْكِ وَالتَّأْجِيلِ أَوْ بِضَمَانِ وَلَا يَشْتَرِي إلَّا بِدَيْنٍ فَيَشْتَرِي ... بِنَقْدٍ وَأَنْ يَبْتَاعَ عَقْدَ فُلَانِ وَيَتَّجِرَ فِي أَثْمَانِهِ بَعْدَ بَيْعِهِ ... فَهَذِي إنْ عُدْت تَمَامُ ثَمَانِ وَلَا يَشْتَرِي مَا لَا يَقِلُّ وُجُودُهُ ... فَيَشْرِي سِوَاهُ اسْمَعْ لِحُسْنِ بَيَانِ كَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَإِنَّهُ ... خَبِيرٌ بِمَا يَرْوِي فَصِيحُ لِسَانِ ، وَزِيدَتْ عَاشِرَةٌ فَقَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: وَالْحَقُّ بِهَا تَرْكُ الشِّرَاءِ لِبَلْدَةٍ ... بِقَيْدٍ بِهِ أَضْحَى مِقْوَدَ جَرَّانِ

[الفرق بين قاعدة ما يرد إلى مساقات المثل في المساقات وبين ما يرد إلى أجرة المثل]

لِقِيَامِ الْوَازِعِ الطَّبِيعِيِّ فِيهَا غَيْرَ أَنَّ الْفَاسِقَ قَدْ يُوَالِي أَهْلَ شِيعَتِهِ فَيُؤْثِرُهُمْ بِوِلَايَتِهِ كَأُخْتِهِ وَابْنَتِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَحْصُلُ لَهَا الْمَفْسَدَةُ الْعَظِيمَةُ فَاشْتُرِطَتْ الْعَدَالَةُ، وَكَانَ اشْتِرَاطُهَا تَتِمَّةً لِأَجْلِ تَعَارُضِ هَاتَيْنِ الشَّائِبَتَيْنِ، وَهَذَا التَّعَارُضُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الشَّائِبَتَيْنِ هُوَ سَبَبُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَهَلْ تَصِحُّ وِلَايَةُ الْفَاسِقِ أَمْ لَا، وَفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ قَوْلَانِ، وَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فِي الْأَوْصِيَاءِ تَتِمَّةٌ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنَّهُ لَا يُوصِي عَلَى ذُرِّيَّتِهِ إلَّا مَنْ يَثِقُ بِشَفَقَتِهِ فَوَازِعُهُ الطَّبِيعِيُّ يُحَصِّلُ مَصْلَحَةَ الْوَصِيَّةِ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ يُوَالِي أَهْلَ شِيعَتِهِ مِنْ الْفَسَقَةِ فَتَحْصُلُ الْمَفَاسِدُ مِنْ وِلَايَتِهِمْ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالتَّزْوِيجِ فَكَانَ الِاشْتِرَاطُ تَتِمَّةً كَمَا تَقَدَّمَ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَتَعَارُضُ الشَّائِبَتَيْنِ هُوَ سَبَبُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الْأَوْصِيَاءِ. وَأَمَّا مَا خَرَجَ عَنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الضَّرُورَةُ وَالْحَاجَةُ وَالتَّتِمَّةُ فَالْإِقْرَارُ يَصِحُّ مِنْ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ وَالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ عَلَى خِلَافِ الْوَازِعِ الطَّبِيعِيِّ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ فِي مَالِهِ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ أَعْضَائِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالطَّبْعُ يَمْنَعُ مِنْ الْمُسَامَحَةِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ يَقْتَضِيهِ بَلْ هُوَ مَعَ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لَهُ شَأْنُ الطِّبَاعِ جَحْدُهُ فَلَا يُعَارِضُ الطَّبْعَ هُنَا احْتِمَالُ مُوَالَاتِهِ لِأَهْلِ شِيعَةٍ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مَطْبُوعٌ عَلَى تَقْدِيمِ نَفْسِهِ عَلَى غَيْرِهِ كَانَ مِنْ أَهْلِ شِيعَتِهِ وَأَصْدِقَائِهِ أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالْوَصِيَّةُ أَنَّ الْوَالِيَ وَالْوَصِيَّ يَتَصَرَّفَانِ لِغَيْرِهِمَا فَأَمْكَنَ مُرَاعَاةُ الْأَصْدِقَاءِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ لِأَحَدِ الْغِيَرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَأَمَّا هَا هُنَا فَهُوَ يَنْصَرِفُ فِي الْإِقْرَارِ لِنَفْسِهِ فَلَا يُقَدِّمُ عَلَيْهِ أَحَدًا، وَهُوَ سَبَبُ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ فِي الْإِقْرَارِ دُونَهُمَا، وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ الدَّعَاوَى تَصِحُّ مِنْ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ وَالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى وَفْقِ الطَّبْعِ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ إنَّمَا يَدَّعِي لِنَفْسِهِ فَدَعْوَاهُ عَلَى وَفْقِ طَبْعِهِ عَكْسُ الْأَقَارِيرِ غَيْرَ أَنَّ هَا هُنَا فِي الدَّعَاوَى مَا يُغْنِي عَنْ الْعَدَالَةِ، وَيَقُومُ مَقَامَهَا فِي حَقِّ الْمُدَّعِي، وَهُوَ إلْزَامُهُ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ أَوْ الْيَمِينِ مَعَ شَاهِدٍ أَوْ مَعَ نُكُولٍ عَلَى الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ الْقَضَاءِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَالنُّكُولِ لِأَنَّهُمَا يُبْعِدَانِ التُّهْمَةَ مِنْ الدَّعْوَى، وَبِقُرْبَانِهَا مِنْ الصِّحَّةِ فَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ الْعَدَالَةِ لِرُجْحَانِ الصِّدْقِ عَلَى الْكَذِبِ حِينَئِذٍ كَمَا تُرَجَّحُ بِالْعَدَالَةِ. وَقِسْ عَلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ فَيَحْصُلُ لَك الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَبَيْنَ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيُشِيرُ بِهِ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَيُعْطِيهِ الْمَالَ، وَيَقُودُ كَمَا يَقُودُ الْبَعِيرَ اهـ. كَلَامُ التَّاوَدِيِّ بِبَعْضِ تَصَرُّفٍ، وَيَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِ وَكَلَامِ الْأَصْلِ أُمُورٌ: (الْأَوَّلُ) أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ الَّذِي حَكَاهُ فِي الْقَبَسِ عَنْ مَالِكٍ هُوَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْهُ، وَالثَّانِي الَّذِي حَكَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا، وَأَنَّ الثَّالِثَ وَالْخَامِسَ هُمَا رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ التَّفْصِيلُ، وَإِمَّا بِالْحَدِّ أَوْ بِالْعَدِّ، وَأَنَّ الرُّبْعَ لَمْ يُرْوَ عَنْ مَالِكٍ بَلْ حَكَاهُ فِي الْقَبَسِ عَنْ مُحَمَّدٍ (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ الْأَقْوَالِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ التَّفْصِيلُ لَكِنْ بِخُصُوصِ الْعَدِّ لِأَنَّهُ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَسَلَّمَهُ مَنْ كَتَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ، وَإِنْ اقْتَصَرَ ابْنُ عَاصِمٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ حَيْثُ قَالَ: وَأَجْرُ مِثْلٍ أَوْ قِرَاضُ مِثْلٍ ... لِعَامِلٍ عِنْدَ فَسَادِ الْأَصْلِ (الْأَمْرُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْعَاشِرَةَ الَّتِي أَلْحَقَهَا الْأَصْلُ بِالتِّسْعَةِ غَيْرُ الْعَاشِرَةِ الَّتِي أَلْحَقَهَا ابْنُ غَازِيٍّ بِهَا فَإِنَّ عَاشِرَةَ الْأَصْلِ مِنْ غَيْرِ الْفَاسِدِ، وَهِيَ مَا فِي قَوْلِ خَلِيلٍ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي الرِّبْحِ، وَادَّعَيَا مَا لَا يُشْبِهُ، وَعَاشِرُ ابْنُ غَازِيٍّ مِنْ الْفَاسِدِ، وَعَلَيْهِ فَالْمُلْحَقُ مَسْأَلَتَانِ، وَجُمْلَةُ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا لِلْعَامِلِ قِرَاضُ الْمِثْلِ إحْدَى عَشْرَةً، وَمَا عَدَاهَا يَجِبُ فِيهِ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَقَدْ نَظَمْت عَاشِرَةَ الْأَصْلِ بِقَوْلِي (: وَالْحَقُّ بِهَذِي الِاخْتِلَافُ بِرِبْحِهِ ... وَمَا ادَّعَيَا شَبَهًا جَرَى بِزَمَانِ) (وَفِي شَرْحِ) التَّسَوُّلِيِّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ نَصُّهُ مَا ذَكَرَ ابْنُ مُغِيثٍ وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ أَنَّ الْعَمَلَ جَرَى بِقِرَاضِ الْمِثْلِ فِي أَرْبَعَةٍ فَقَطْ، وَهِيَ الْقِرَاضُ بِالْعُرُوضِ أَوْ بِالْجُزْءِ الْمُبْهَمِ أَوْ إلَى أَجَلٍ أَوْ بِضَمَانٍ، وَيَجْمَعُهَا قَوْلُك ضَمِنَ الْعُرُوضَ إلَى أَجَلٍ مُبْهَمٍ، وَمَا عَدَا هَذِهِ لِأَرْبَعٍ فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ يُونُسَ أَنَّ كُلَّ مَا يَرْجِعُ لِقِرَاضِ الْمِثْلِ يَفْسَخُ مَا لَمْ يُشْرَعْ فِي الْعَمَلِ فَيَمْضِي، وَكَذَا الْمُسَاقَاةُ، وَكُلُّ مَا يَرْجِعُ إلَى أَجْرِ الْمِثْلِ بِفَسْخٍ أَبَدًا اهـ. بِلَفْظِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُرَدُّ إلَى مُسَاقَاتِ الْمِثْلِ فِي الْمَسَاقَاتِ وَبَيْنَ مَا يُرَدُّ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ] (الْفَرْقُ الْحَادِي عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُرَدُّ مِنْ الْمُسَاقَاةِ الْفَاسِدَةِ إلَى قِرَاضِ الْمِثْلِ وَبَيْنَ مَا يُرَدُّ مِنْهَا إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ) الْمُسَاقَاةُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ هِيَ عَقْدٌ عَلَى عَمَلِ مُؤْنَةِ النَّبَاتِ بِقَدْرٍ لَا غَيْرِ غَلَّتِهِ لَا بِلَفْظِ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ جُعْلٍ فَيَدْخُلُ قَوْلُهَا لَا بَأْسَ بِالْمُسَاقَاةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ الثَّمَرَةِ لِلْعَامِلِ وَمُسَاقَاةُ الْبَعْلِ اهـ. وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ الْمُخَابَرَةِ أَيْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا عِيَاضٌ، وَلَا تَنْعَقِدُ عِنْدَ

(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ اجْتِمَاعُ الشُّرُوطِ وَالْأَسْبَابِ وَانْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مُقَارَنَةُ شُرُوطِهِ وَأَسْبَابِهِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ) : اعْلَمْ أَنَّ الْإِنْشَاءَاتِ كُلَّهَا كَالْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَاتِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَجَمِيعُ مَا يَنْشَأُ مِنْ ذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِيهِ حَالَةُ إنْشَائِهِنَّ مُقَارَنَةُ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِيهِ حَالَةَ الْإِنْشَاءِ فَهَذِهِ شَأْنُ الْإِنْشَاءَاتِ كُلِّهَا بِخِلَافِ الْإِقْرَارَاتِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا حُضُورُ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي المقربة حَالَةَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ سَبَبًا فِي نَفْسِهِ بَلْ هُوَ دَلِيلُ السَّبَبِ لِاسْتِحْقَاقِ المقربة فِي زَمَنٍ سَابِقٍ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ مَعَ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِيهِ قَدْ تَقَدَّمَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ الشَّرْعِيِّ فَمَنْ قَالَ هُوَ يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ دِينَارًا مِنْ ثَمَنِ دَابَّةٍ حَمَلْنَا هَذَا الْإِقْرَارَ عَلَى تَقَدُّمِ بَيْعٍ صَحِيحٍ عَلَى الْأَوْضَاعِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَاتٍ تَقْبَلُ الْبَيْعَ لَا خَمْرٍ، وَلَا خِنْزِيرٍ عَلَى مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي الْبَيْعِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا إذَا بَاعَهُ بِدِينَارٍ، وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةُ السِّكَّةِ تَعَيَّنَ الْغَالِبُ مِنْهَا هُنَا لِأَنَّ التَّصَرُّفَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِدِينَارٍ فِي بَلَدٍ، وَفِيهَا نَقْدٌ غَالِبٌ لَا يَتَعَيَّنُ الْغَالِبُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ دَلِيلٌ عَلَى تَقَدُّمِ السَّبَبِ لِاسْتِحْقَاقِ الدِّينَارِ فَلَعَلَّ السَّبَبَ وَقَعَ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَزَمَانٍ مُتَقَدِّمٍ تَقَدُّمًا كَثِيرًا يَكُونُ الْوَاقِعُ حِينَئِذٍ سِكَّةً غَيْرَ هَذَا الْغَالِبِ، وَتَكُونُ هِيَ الْغَالِبَةُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَفِي ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَالِاسْتِحْقَاقُ يَتْبَعُ زَمَنَ وُقُوعِ السَّبَبِ لَا زَمَنَ الْإِقْرَارِ بِهِ. وَيَكُونُ هَذَا الْغَالِبُ مُتَجَدِّدًا بَعْدَ تَجَدُّدِ ذَلِكَ الْغَالِبِ، وَنَاسِخًا لَهُ فَمَا تَعَيَّنَ هَذَا الْغَالِبُ الْحَاضِرُ الْآنَ فَيُحْمَلُ الْإِقْرَارُ عَلَيْهِ كَمَا تَعَيَّنَ الْغَالِبُ الْمَوْجُودُ حَالَةَ الْإِقْرَارِ فَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ فِي إقْرَارِهِ بِأَيِّ سِكَّةٍ ذَلِكَ الدِّينَارُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ الْمَجْنُونُ الْآنَ أَوْ سَكْرَانُ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ بِدِينَارٍ مِنْ ثَمَنِ بَيْعٍ قَبْلَ إقْرَارِهِ، وَحُمِلَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ وَقَعَ مِنْ الْمَجْنُونِ حَالَةَ عَقْلِهِ، وَمِنْ السَّكْرَانِ حَالَةَ صَحْوِهِ، وَمِنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ حَالَةَ إفَاقَتِهِ، وَأَنَّ شُرُوطَ الْبَيْعِ الْآنَ مَفْقُودَةٌ فِي حَقِّهِمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ ثَمَنَ بَيْعِ هَذِهِ الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ الْآنَ صَحَّ إقْرَارُهُ، وَحُمِلَ عَلَى حَالَةٍ تَكُونُ فِيهَا هَذِهِ الدَّارُ طَلْقًا، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ هَذِهِ النَّظَائِرِ الَّتِي تَكُونُ الشُّرُوطُ فِيهَا فَائِتَةً حَالَةَ الْإِقْرَارِ، وَيُمْكِنُ اعْتِبَارُهَا فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي أَمَّا لَوْ عُلِمَ التَّعَذُّرُ فِي الْمَاضِي، وَالْحَاضِرِ بَطَلَ الْإِقْرَارُ كَمَا لَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِ هَذَا الْخِنْزِيرِ فَإِنَّ الْخِنْزِيرَ لَا يَكُونُ فِي الْمَاضِي غَيْرَ خِنْزِيرٍ، وَالْوَقْفُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ طَلْقًا، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ النَّظَائِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا بِلَفْظِهَا خَلِيلٌ بِسَاقَيْتُكَ سَحْنُونٍ بِمَا يَدُلُّ اهـ. تَاوَدِيٌّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ، وَفِي التَّسَوُّلِيِّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمُسَاقَاةُ تَجُوزُ بِثَمَانِيَةِ شُرُوطٍ (أَوَّلُهَا) أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا فِي أَصْلٍ بِثَمَرٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَزْهَارِ وَالْأَوْرَاقِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا كَالْوَرْدِ وَالْآسِ يَعْنِي الرَّيْحَانَ (ثَانِيهَا) أَنْ تَكُونَ قَبْلَ طِيبِ الثَّمَرَةِ وَجَوَازِ بَيْعِهَا (وَثَالِثُهَا) أَنْ تَكُونَ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ مَا لَمْ تَطُلْ جِدًّا أَوْ إلَى الْجَذَاذِ إذَا لَمْ يُؤَجَّلَا (رَابِعُهَا) أَنْ تَكُونَ بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ لِأَنَّ الرُّخَصَ تَفْتَقِرُ إلَى أَلْفَاظٍ تَخْتَصُّ بِهَا (خَامِسُهَا) أَنْ تَكُونَ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ لَا عَلَى عَدَدٍ مِنْ آصُعٍ أَوْ أَوْسُقٍ (سَادِسُهَا) أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ كُلُّهُ عَلَى الْعَامِلِ (سَابِعُهَا) أَنْ لَا يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا مِنْ الثَّمَرَةِ، وَلَا مِنْ غَيْرِهَا شَيْئًا مُعَيَّنًا خَاصًّا بِنَفْسِهِ (ثَامِنُهَا) أَنْ لَا يُشْتَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ أَشْيَاءُ خَارِجَةٌ عَنْ الثِّمَارِ أَوْ مُتَعَلِّقَةٌ بِالثَّمَرَةِ، وَلَكِنْ تَبْقَى بَعْدَ الثَّمَرَةِ مِمَّا لَهُ قَدْرٌ وَبَالٌ اهـ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ تَاسِعًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الشَّجَرُ مِمَّا لَا يُخَلَّفُ اهـ. ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ التَّاوَدِيِّ مَا فِي الشَّرْطِ الرَّابِعِ مِنْ الْخِلَافِ، وَالْأَصْلُ فِي فَاسِدِهَا الرَّدُّ إلَى مُسَاقَاةِ الْمِثْلِ كَمَا مَرَّ فِي الْقِرَاضِ إلَّا أَنَّهُمْ خَصُّوا هَذَا الْأَصْلَ بِمَسَائِلَ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ فِي كِتَابِ النَّظَائِرِ يُرَدُّ الْعَامِلُ إلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ إلَّا فِي خَمْسِ مَسَائِلَ فَلَهُ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ إذَا سَاقَاهُ عَلَى حَائِطٍ فِيهِ ثَمَرٌ قَدْ أَطْعَمَ، وَإِذَا شُرِطَ الْعَمَلُ مَعَهُ، وَاجْتِمَاعُهَا مَعَ الْبَيْعِ، وَمُسَاقَاةِ سَنَتَيْنِ عَلَى جُزْأَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا وَأَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ فَحَلَفَا عَلَى دَعْوَاهُمَا أَوْ نَكَلَا، وَقَدْ نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: وَأُجْرَةُ مِثْلٍ فِي الْمُسَاقَاةِ عُيِّنَتْ ... سِوَى خَمْسَةٍ قَدْ خَالَفَ الشَّرْعَ حُكْمُهَا مُسَاقَاةٌ إبَّانَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا ... وَجُزْءَانِ فِي عَامَيْنِ شَرْطٌ يَعُمُّهَا وَإِنْ شَرَطَ السَّاقِي عَلَى مَالِكٍ لَهُ ... مُسَاعَدَةً وَالْبَيْعُ مَعَهَا يَضُمُّهَا وَإِنْ حَلَفَا فِي الْخُلْفِ مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ ... أَوْ اجْتَنَبَا الْأَيْمَانَ وَالْجَزْمَ ذَمُّهَا كَمَا فِي الْأَصْلِ، وَنَصُّ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ وَفُسِخَتْ فَاسِدَةً بِلَا عَمَلٍ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ أَكْثَرَ إنْ وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَبَعْدَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إنْ خَرَجَا عَنْهَا كَأَنْ ازْدَادَ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا، وَإِلَّا فَمُسَاقَاةُ الْمِثْلِ اهـ. يَعْنِي أَنَّ الْمُسَاقَاةَ إذَا وَقَعَتْ فَاسِدَةً لِأَجْلِ خَلَلٍ بِرُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ فَإِنْ عَثَرَ عَلَيْهَا قَبْلَ شُرُوعِ الْعَامِلِ فِي الْعَمَلِ وَجَبَ فَسْخُهَا مُطْلَقًا، وَإِنْ عَثَرَ عَلَيْهَا فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ مِنْ أَكْثَرَ مِنْهَا فَإِنَّهَا تُفْسَخُ، وَيَكُونُ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِيمَا عَمِلَ أَيْ لَهُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ كَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ إنْ وَجَبَتْ

تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ، وَمُقْتَضَى هَذَا الْفَرْقِ، وَهَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنْ تُشْتَرَطَ الْمُقَارَنَةُ إذَا أَوْصَى لِجَنِينٍ أَوْ مَلَّكَهُ، وَيُشْتَرَطُ التَّقَدُّمُ فِيمَا إذَا أَقَرَّ لَهُ لِتَقَدُّمِ السَّبَبِ عَلَى الْإِقْرَارِ فَإِنْ حَصَلَ الشَّكُّ فِي تَقَدُّمِ الْجَنِينِ لَمْ يَلْزَمْ الْإِقْرَارُ لِأَنَّا شَكَكْنَا فِي الْمَحَلِّ الْقَابِلِ لِلْمِلْكِ، وَهُوَ شَرْطٌ، وَالشَّكُّ فِي الشَّرْطِ يَمْنَعُ تَرَتُّبَ الْمَشْرُوطِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفُرُوقِ. (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِقْرَارِ الَّذِي يَقْبَلُ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِقْرَارِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ عَنْهُ) : الْأَصْلُ فِي الْإِقْرَارِ اللُّزُومُ مِنْ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الطَّبْعِ كَمَا تَقَدَّمَ فَضَابِطُ مَا لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ مِنْ الْإِقْرَارِ هُوَ الرُّجُوعُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِيهِ عُذْرٌ عَادِيٌّ، وَضَابِطُ مَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الرُّجُوعِ عَنْهُ عُذْرٌ عَادِيٌّ، وَفِي الْفَرْقِ مَسَائِلُ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا أَقَرَّ الْوَارِثُ لِلْوَرَثَةِ أَنَّ مَا تَرَكَهُ أَبُوهُ مِيرَاثٌ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا عُهِدَ فِي الشَّرِيعَةِ، وَمَا تُحْمَلُ عَلَيْهِ الدِّيَانَةُ ثُمَّ جَاءَ شُهُودٌ أَخْبَرُوهُ أَنَّ أَبَاهُ أَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فِي صِغَرِهِ بِهَذِهِ الدَّارِ، وَحَازَهَا لَهُ أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ مَلَّكَهَا عَلَيْهِ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ فَإِنَّهُ إذَا رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ بِأَنَّ التَّرِكَةَ مُوَرَّثَةٌ إلَّا هَذِهِ الدَّارَ الْمَشْهُودَ بِهَا لَهُ دُونَ الْوَرَثَةِ، وَاعْتَذَرَ بِإِخْبَارِ الْبَيِّنَةِ لَهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِذَلِكَ بَلْ أَقَرَّ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ، وَمُقْتَضَى ظَاهِرِ الشَّرِيعَةِ فَإِنَّهُ يُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَعُذْرُهُ، وَيُقِيمُ بَيِّنَتَهُ، وَلَا يَكُونُ إقْرَارُهُ السَّابِقُ مُكَذِّبًا لِلْبَيِّنَةِ، وَقَادِحًا فِيهَا لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ عَادِيٌّ تُسْمَعُ مِثْلُهُ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي الْجَوَاهِرِ إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إنْ حَلَفَ أَوْ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ مَعَ يَمِينِهِ فَحَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ فَنَكَلَ الْمُقِرُّ، وَقَالَ مَا ظَنَنْت أَنَّهُ يَحْلِفُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ هَذَا الِاشْتِرَاطَ يَقْضِي عَدَمَ اعْتِقَادِ لُزُومِ مَا أَقَرَّ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ إنْ حَلَفَ أَوْ ادَّعَاهَا أَوْ مَهْمَا حَلَفَ بِالْعِتْقِ أَوْ إنْ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ أَوْ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَهُ أَوْ إنْ أَعَارَنِي دَارِهِ فَأَعَارَهُ أَوْ إنْ شَهِدَ عَلَيْهَا فُلَانٌ فَشَهِدَ عَلَيْهِ بِهَا لَا يَلْزَمُهُ فِي هَذَا كُلِّهِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِإِقْرَارٍ فَإِنْ قَالَ إنْ حَكَمَ بِهَا عَلَى فُلَانٍ فَحَكَمَ بِهَا عَلَيْهِ لَزِمَتْهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ سَبَبٌ فَيَلْزَمُهُ عِنْدَ سَبَبِهَا، وَالْأَوَّلُ كُلُّهُ شُرُوطٌ لَا أَسْبَابٌ بَلْ اسْتِبْعَادَاتٌ مَحْضَةٌ مُخِلَّةٌ بِالْإِقْرَارِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا أَقَرَّ فَقَالَ لَهُ عِنْدِي مِائَةٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ مَيْتَةٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ أَمَّا إنْ وَجَبَ لَهُ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ فَإِنَّمَا يُفْسَخُ مَا لَمْ يَعْمَلْ فَإِذَا فَاتَ بِابْتِدَاءِ الْعَمَلِ بِمَا لَهُ بَالٌ لَمْ تُفْسَخْ الْمُسَاقَاةُ إلَى انْقِضَاءِ أَمَدِهَا، وَكَانَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْأَعْوَامِ عَلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ لِلْعَامِلِ نَصِيبَهُ إلَّا مِنْ الثَّمَرَةِ فَلَوْ فُسِخَتْ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْمُسَاقَاةَ كَالْجُعْلِ لَا تُسْتَحَقُّ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ (وَإِنْ) اطَّلَعَ عَلَى فَسَادِهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ (فَإِنْ) خَرَجَا عَنْ الْمُسَاقَاةِ إلَى الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَوْ إلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا كَأَنْ زَادَ رَبُّ الْحَائِطِ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا مِنْ عِنْدِهِ وَجَبَ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا عَنْهَا إلَى ذَلِكَ وَجَبَ لَهُ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ ثُمَّ ذَكَرَ خَلِيلٌ الْمَسَائِلَ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا لَهُ مُسَاقَاةُ الْمِثْلِ، وَعَدَّهَا تِسْعًا فَقَالَ كَمُسَاقَاةٍ مَعَ ثَمَرٍ أَطْعَمَ أَوْ مَعَ بَيْعٍ أَوْ اُشْتُرِطَ عَمَلُ رَبِّهِ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ غُلَامٍ، وَهُوَ صَغِيرٌ أَوْ حَمَلَهُ لِمَنْزِلِهِ أَوْ يَكْفِيهِ مُؤْنَةُ آخَرَ أَوْ اخْتَلَفَ الْجُزْءُ بِسِنِينَ أَوْ حَوَائِطَ اهـ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) أَنْ يُسَاقِيَهُ عَلَى حَائِطَيْنِ أَحَدُهُمَا قَدْ أَطْعَمَ ثَمَرُهُ، وَالْآخَرُ لَمْ يَطْعَمْ أَوْ يُسَاقِيهِ عَلَى حَائِطٍ وَاحِدٍ فِيهِ ثَمَرٌ قَدْ أَطْعَمَ، وَفِيهِ ثَمَرٌ لَمْ يَطْعَمْ، وَلَيْسَ تَبَعًا لِأَنَّهُ بَيْعُ ثَمَرٍ مَجْهُولٍ بِشَيْءٍ مَجْهُولٍ لَا يُقَالُ أَصْلُ الْمُسَاقَاةِ كَذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ خَرَجَتْ مِنْ أَصْلٍ فَاسِدٍ لَا يَتَنَاوَلُ هَذَا فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِهِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ تَجْتَمِعَ مَعَ بَيْعٍ كَأَنْ يَبِيعَهُ سِلْعَةً مَعَ الْمُسَاقَاةِ، وَمِثْلُ الْبَيْعِ الْإِجَارَةُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ الْمُسَاقَاةِ قَالَهُ بَعْضُهُمْ بِلَفْظٍ يَنْبَغِي. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا اشْتَرَطَ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَعْمَلَ مَعَهُ فِي الْحَائِطِ لِجَوَلَانِ يَدِهِ عَلَى حَائِطِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِطُ رَبَّ الْحَائِطِ فَفِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا اشْتَرَطَ الْعَامِلُ عَمَلَ دَابَّةِ رَبِّ الْحَائِطِ، وَالْحَالُ أَنَّ الْحَائِطَ صَغِيرٌ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) إذَا اشْتَرَطَ الْعَامِلُ عَمَلَ غُلَامِ رَبِّ الْحَائِطِ، وَالْحَالُ أَنَّ الْحَائِطَ صَغِيرٌ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ زِيَادَةٌ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْحَائِطُ كَبِيرًا، وَفِي شَرْحِ الشَّبْرَخِيتِيِّ، وَالظَّاهِرُ الْفَسَادُ فِي الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ، وَلَوْ أُسْقِطَ الشَّرْطُ (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) إذَا اشْتَرَطَ رَبُّ الْحَائِطِ عَلَى الْعَامِلِ عِنْدَ عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ أَنْ يَحْمِلَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الثَّمَرَةِ مِنْ الْأَنْدَرِ إلَى مَنْزِلِهِ لِلْعِلَّةِ السَّابِقَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ فِيهِ بُعْدٌ وَمَشَقَّةٌ وَإِلَّا جَازَ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ أَنْ يَحْمِلَ مَا يَخُصُّهُ إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ اشْتَرَطَ رَبُّ الْحَائِطِ عَلَى الْعَامِلِ ذَلِكَ كَانَ لَهُ مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ مَا لَمْ تَكُنْ أَكْثَرَ مِنْ الْجُزْءِ الَّذِي شُرِطَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ الشَّرْطُ لِلْمُسَاقَى بِفَتْحِ الْقَافِ أَوْ أَقَلَّ، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ لِلْمُسَاقِي بِكَسْرِ الْقَافِ كَمَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) إذَا اشْتَرَطَ رَبُّ الْحَائِطِ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَكْفِيَهُ مُؤْنَةَ حَائِطٍ آخَرَ بِأَنْ يَعْمَلَ نَفْسُهُ

الْكَلَامَ بِآخِرِهِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ كَلَامٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ إذَا اتَّصَلَ بِكَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ وَقَوْلُهُ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ الْأَوَّلُ الْمُسْتَقِلُّ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ، وَكَذَلِكَ الصِّفَةُ، وَالِاسْتِثْنَاءُ وَالْغَايَةُ وَالشُّرُوطُ وَنَحْوُهَا (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُنَفَّذُ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُنَفَّذُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ) (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا لَمْ تَتَنَاوَلْهُ الْوِلَايَةُ بِالْأَصَالَةِ اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ وَلِيَ وِلَايَةَ الْخِلَافَةِ فَمَا دُونَهَا إلَى الْوَصِيَّةِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ إلَّا بِجَلْبِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَرْءِ مَفْسَدَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ أُمَّتِي شَيْئًا ثُمَّ لَمْ يَجْتَهِدْ لَهُمْ، وَلَمْ يَنْصَحْ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» فَيَكُونُ الْأَئِمَّةُ وَالْوُلَاةُ مَعْزُولِينَ عَمَّا لَيْسَ فِيهِ بَذْلُ الْجَهْدِ، وَالْمَرْجُوحُ أَبَدًا لَيْسَ بِالْأَحْسَنِ بَلْ الْأَحْسَنُ ضِدُّهُ، وَلَيْسَ الْأَخْذُ بِهِ بَذْلًا لِلِاجْتِهَادِ بَلْ الْأَخْذُ بِضِدِّهِ فَقَدْ حَجَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْأَوْصِيَاءِ التَّصَرُّفَ فِيمَا هُوَ لَيْسَ بِأَحْسَنَ مَعَ قِلَّةِ الْفَائِتِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِي وِلَايَتِهِمْ لِخِسَّتِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ فَأَوْلَى أَنْ يَحْجُرَ عَلَى الْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ فِي ذَلِكَ، وَمُقْتَضَى هَذِهِ النُّصُوصِ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ مَعْزُولِينَ عَنْ الْمَفْسَدَةِ الرَّاجِحَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الْمَرْجُوحَةِ وَالْمُسَاوِيَةِ، وَمَا لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ، وَلَا مَصْلَحَةَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ مَا هُوَ أَحْسَنُ، وَتَكُونُ الْوِلَايَةُ إنَّمَا تَتَنَاوَلُ جَلْبَ الْمَصْلَحَةِ الْخَالِصَةِ أَوْ الرَّاجِحَةِ، وَدَرْءُ الْمَفْسَدَةِ الْخَالِصَةِ أَوْ الرَّاجِحَةِ فَأَرْبَعَةٌ مُعْتَبَرَةٌ، وَأَرْبَعَةٌ سَاقِطَةٌ، وَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَبِيعُ الْوَصِيُّ صَاعًا بِصَاعٍ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَفْعَلُ الْخَلِيفَةُ ذَلِكَ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ عَزْلُ الْحَاكِمِ إذَا ارْتَابَ فِيهِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الرِّيبَةِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ. وَيُعْزَلُ الْمَرْجُوحُ عِنْدَ وُجُودِ الرَّاجِحِ تَحْصِيلًا لِمَزِيدِ الْمَصْلَحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَاخْتُلِفَ فِي عَزْلِ أَحَدِ الْمُسَاوِيَيْنِ بِالْآخَرِ فَقِيلَ يَمْتَنِعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَصْلَحَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلِأَنَّهُ يُؤْذِي الْمَعْزُولَ بِالْعَزْلِ وَالتُّهَمِ مِنْ النَّاسِ، وَلِأَنَّ تَرْكَ الْفَسَادِ أَوْلَى مِنْ تَحْصِيلِ الصَّلَاحِ لِلْمُتَوَلَّى. وَأَمَّا الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ حَصَلَتْ مَصْلَحَةٌ أَمْ لَا فَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يَبِيعَ صَاعًا بِصَاعٍ، وَمَا يُسَاوِي أَلْفًا بِمِائَةٍ فَإِنْ قُلْت تَجْوِيزُ ذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَلْتَبِسَ مَنْ يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِمَنْ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ، وَيَلْتَبِسُ الرَّشِيدُ بِالسَّفِيهِ لِأَنَّ السَّفِيهَ هُوَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ بِكِرَاءٍ فَإِنْ وَقَعَ، وَفَاتَ بِالْعَمَلِ فَلِلْعَامِلِ مُسَاقَاةُ مِثْلِهِ، وَفِي الْحَائِطِ الْآخَرِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) إذَا سَاقَاهُ عَلَى حَائِطٍ وَاحِدٍ سِنِينَ مَعْلُومَةً سَنَةً عَلَى النِّصْفِ وَسَنَةً عَلَى الثُّلُثِ، وَسَنَةً عَلَى الرُّبْعِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْجَمْعِ مَا زَادَ عَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ (الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ) إذَا سَاقَاهُ عَلَى حَوَائِطَ صَفْقَةً وَاحِدَةً حَائِطٌ عَلَى النِّصْفِ، وَآخَرُ عَلَى الثُّلُثِ مَثَلًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يُثْمِرَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، وَأَمَّا فِي صَفَقَاتٍ فَتَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ، وَلَوْ مَعَ اخْتِلَافِ الْجُزْءِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ ثُمَّ أَلْحَقَ بِالتِّسْعَةِ عَاشِرَةً الْمُسَاقَاةُ فِيهَا صَحِيحَةٌ مُشَبِّهًا لَهَا فِي الرُّجُوعِ إلَى مُسَاقَاةِ الْمِثْلِ فَقَالَ كَاخْتِلَافِهِمَا، وَلَمْ يُشْبِهَا اهـ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا بَعْدَ الْعَمَلِ فِي الْجُزْءِ الْمُشْتَرَطِ لِلْعَامِلِ فَقَالَ دَخَلْنَا عَلَى النِّصْفِ مَثَلًا وَقَالَ رَبُّ الْحَائِطِ بَلْ عَلَى الرُّبْعِ مَثَلًا، وَالْحَالُ أَنَّهُمَا لَمْ يُشْبِهْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ أَيْ يَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ مَعَ نَفْيِ دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَيُرَدُّ الْعَامِلُ لِمُسَاقَاةِ مِثْلِهِ وَمِثْلُهُ إذَا نَكَلَا، وَيُقْضَى لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ فَإِنْ أَشْبَهَا مَعًا فَالْقَوْلُ لِلْعَامِلِ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ انْفَرَدَ رَبُّ الْحَائِطِ بِالشَّبَهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَا قَبْلُ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ، وَلَا يُنْظَرُ لِشَبَهٍ وَلَا عَدَمِهِ، وَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْقِرَاضِ فَإِنَّهُ لَا تَحَالُفَ فِيهِ بَلْ الْعَامِلُ يَرُدُّ الْمَالَ لِأَنَّ الْقِرَاضَ عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ اهـ. خَرَشِيٌّ بِتَلْخِيصٍ، وَزِيَادَةٍ مِنْ الْعَدَوِيِّ عَلَيْهِ، وَقَدْ نَظَمْت الْمَسَائِلَ التِّسْعَ وَأَلْحَقْت الْعَاشِرَةَ بِهَا فَقُلْت: وَأُجْرَةُ مِثْلٍ فِي الْمُسَاقَاةِ إنْ عَرَا ... فَسَادٌ سِوَى تِسْعٍ فَفِيهَا تَقَرَّرَا مُسَاقَاةُ مِثْلٍ إنْ مَعَ الْبَيْعِ أَوْ ثَمَرٍ ... غَدَا مَطْعَمًا عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ قَرَّرَا وَإِنْ يَكُ شَرْطًا صُنْعُ رَبٍّ بِحَائِطٍ ... كَذَا مِنْ غُلَامٍ فِي صَغِيرٍ تَحَرَّرَا كَذَلِكَ إنْ مِنْ دَابَّةٍ فِي صَغِيرَةٍ ... غَدَا الشَّرْطُ أَوْ حِمْلًا لِمَنْزِلِهِ جَرَى كَذَا إنْ غَدَا شَرْطًا كِفَايَةُ آخَرَ ... أَوْ الْخُلْفُ فِي جُزْءٍ بِعَامَيْنِ صَوَّرَا كَذَا إنْ جَرَى فِي حَائِطَيْنِ بِصَفْقَةٍ ... وَالْحَقُّ بِذِي أَنْ يَحْلِفَا عِنْدَمَا انْبَرَا بِلَا شُبْهَةِ خُلْفٍ بِجُزْءٍ لِعَامِلٍ ... أَوْ اجْتَنَبَا الْأَيْمَانَ فِي ذَا بِلَا مِرَا قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَسِرُّ الْفَرْقِ أَيْ بَيْنَ مَا يُرَدُّ لِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَمَا يُرَدُّ لِمُسَاقَاةِ الْمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْقِرَاضِ أَيْ مِنْ الضَّابِطَيْنِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ، وَاَلَّذِي حَكَاهُ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ، وَمِنْ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي مَنْشَأِ الْخِلَافِ قَالَ وَالْقَوَاعِدُ وَاحِدَةٌ بَيْنَهُمَا

[الفرق بين الأهوية وبين قاعدة ما تحت الأبنية]

الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّا نَحْجُرُ عَلَى مَنْ يُفَوِّتُ الْمَصْلَحَةَ كَيْفَ كَانَتْ بَلْ ضَابِطُ مَا يُحْجَرُ بِهِ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ، وَلَمْ يَسْتَجْلِبْ بِهِ حَمْدًا شَرْعِيًّا، وَقَدْ تَكَرَّرَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُحْجَرُ بِهِ، وَالْقَيْدُ الثَّانِي احْتِرَازٌ مِنْ اسْتِجْلَابِ حَمْدِ الشُّرَّابِ وَالْمَسَاخِرِ، وَالثَّالِثُ احْتِرَازٌ عَنْ رَمْيِ دِرْهَمٍ فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ تَكَرُّرًا يَدُلُّ عَلَى سَفَهِهِ وَعَدَمِ اكْتِرَائِهِ بِالْمَالِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا الْقِسْمُ الَّذِي لَا يَنْفُذُ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْوِلَايَةِ لَهُ فَيَلْحَقُ بِهِ الْقَضَاءُ مِنْ الْقَاضِي بِغَيْرِ عَمَلِهِ فَإِنَّهُ لَا تَتَنَاوَلُهُ الْوِلَايَةُ لِأَنَّ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ إنَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْ عَقْدِ الْوِلَايَةِ، وَعَقْدُ الْوِلَايَةِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَنْصِبًا مُعَيَّنًا، وَبَلَدًا مُعَيَّنًا فَكَانَ مَعْزُولًا عَمَّا عَدَاهُ لَا يَنْفُذُ فِيهِ حُكْمُهُ، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَمَا عَلِمْت فِيهِ خِلَافًا، وَفِي الْجَوَاهِرِ إنْ شَافَهَ قَاضٍ قَاضِيًا لَمْ يَكْفِ فِي ثُبُوتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا بِغَيْرِ عَمَلِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ إسْمَاعُهُ وَسَمَاعُهُ إلَّا إذَا كَانَا قَاضِيَيْنِ بِبَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ تَجَاذَبَا فِي ذَلِكَ فِي طَرَفَيْ وِلَايَتِهِمَا فَيَكُونُ ذَلِكَ أَقْوَى مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي فَيُعْتَمَدُ، وَفِي هَذَا الْقِسْمِ فُرُوعٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ. (الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا تَتَنَاوَلُهُ الْآيَةُ لَكِنْ حَكَمَ فِيهِ بِمُسْتَنَدٍ بَاطِلٍ فَهَذَا يُنْقَضُ لِفَسَادِ الْمُدْرَكِ لَا لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ فِيهِ، وَهُوَ الْحُكْمُ الَّذِي خَالَفَ أَحَدَ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ إذَا حَكَمَ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ يُنْقَضُ قَضَاؤُهُ أَوْ خِلَافِ النَّصِّ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ أَوْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ أَوْ قَاعِدَةٍ مِنْ الْقَوَاعِدِ السَّالِمَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ، وَلَا بُدَّ فِي الْجَمِيعِ مِنْ اشْتِرَاطِ السَّلَامَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ أَيْ الْمُعَارِضِ وَالرَّاجِحِ فَإِنَّهُ لَوْ قُضِيَ فِي عَقْدِ الرِّبَا بِالْفَسْخِ لَمْ يُنْقَضْ قَضَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ قَضَاؤُهُ عَلَى خِلَافِ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] لِأَنَّهُ عُورِضَ بِالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قُضِيَ فِي لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ بِالثَّمَنِ لَمْ يُنْقَضْ قَضَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ إتْلَافِ الْمِثْلِيَّاتِ أَنْ يَجِبَ جِنْسُهَا لِأَجْلِ وُرُودِ النَّصِّ فِي ذَلِكَ نَعَمْ لَوْ قَضَى بِصِحَّةِ نِكَاحٍ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَسَخْنَاهُ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ» ، وَلَوْ قَضَى بِاسْتِمْرَارِ عِصْمَةِ مَنْ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ بِنَاءً عَلَى الْمَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّةِ نَقَضْنَاهُ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ أَنَّ الشَّرْطَ قَاعِدَتُهُ صِحَّةُ اجْتِمَاعِهِ مَعَ الْمَشْرُوطِ، وَشَرْطُ السُّرَيْجِيَّةِ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ مَشْرُوطِهِ أَبَدًا فَإِنْ تَقَدَّمَ الثَّلَاثِ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ لُزُومِ الطَّلَاقِ بَعْدَهَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَكَمَ حَدْسًا، وَتَخْمِينًا مِنْ غَيْرِ مُدْرَكٍ شَرْعِيٍّ يُنْقَضُ إجْمَاعًا، وَهُوَ فِسْقٌ مِمَّنْ فَعَلَهُ قَالَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَيْ بَيْنَ الْفَرْضِ أَوْ الْمُسَاقَاةِ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَهْوِيَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ] الْفَرْقُ الثَّانِي عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَهْوِيَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الشَّاطِّ مَا خُلَاصَتُهُ إنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أُمُورٌ (مِنْهَا) مَا هُوَ مَعْلُومٌ لَا شَكَّ فِيهِ مِنْ أَنَّ مَنْ مَلَكَ مَوْضِعًا لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِيهِ، وَيَرْفَعَ فِيهِ الْبِنَاءَ مَا شَاءَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ فِيهِ مَا شَاءَ، وَيُعَمِّقَ مَا شَاءَ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ، وَإِذَا كَانَتْ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ أَنْ لَا يَمْلِكَ إلَّا مَا فِيهِ الْحَاجَةُ فَإِنْ قِيلَ لَا حَاجَةَ فِيمَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ مِنْ تُخُومِ الْأَرْضِ فَلَا يُشْرَعُ فِيهِ الْمِلْكُ قُلْنَا أَيُّ حَاجَةٍ فِي الْبُلُوغِ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ، وَإِنْ قِيلَ إنَّ الْبُلُوغَ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ مِمَّا فِيهِ الْحَاجَةُ فَيُمْلَكُ بِخِلَافِ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ مِنْ تُخُومِ الْأَرْضِ فَإِنَّ الدَّوَاعِيَ لَا تَتَوَفَّرُ فِيهِ عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا يَتَمَسَّكُ بِهِ الْبِنَاءُ مِنْ الْأَسَاسَاتِ فَلَا يُمْلَكُ إلَّا مَا أَلْجَأَتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ قُلْنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَيْفَ. وَقَدْ تَوَفَّرَتْ دَوَاعِي كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ عَلَى أَكْثَرَ مِمَّا ذُكِرَ كَحَفْرِ الْأَرْضِ لِلْجُبُوبِ وَالْمَصَانِعِ وَالْآبَارِ الْعَمِيقَةِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ مِلْكِ مَا تَحْتَ الْبِنَاءِ لِنَحْوِ مَا ذُكِرَ مِنْ حَفْرِ بِئْرٍ يُعَمِّقُهَا حَافِرُهَا مَا شَاءَ (وَمِنْهَا) أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ مَطْمُورَةً تَحْتَ مِلْكِ غَيْرِهِ يَتَوَصَّلُ إلَيْهَا مِنْ مِلْكِ نَفْسِهِ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ بِلَا رَيْبٍ وَلَا خِلَافَ فَلَوْ كَانَ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْأَبْنِيَةِ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ قَبُولِهِ لِلْإِحْيَاءِ لَمَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ (وَمِنْهَا) أَنَّ فِيمَا وَرَدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ غَصَبَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» بِلَا رَيْبٍ إشْعَارًا بِمِلْكِ مَا تَحْتَ الشِّبْرِ مِنْ الْأَرْضِينَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْعُقُوبَةَ تَكُونُ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْعُقُوبَةِ بِهِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ الْإِشْعَارَ نَعَمْ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ الَّذِي هُوَ عَكْسُ الْأَهْوِيَةِ إلَى جِهَةِ السُّفْلِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْأَبْنِيَةِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ صَاحِبَ الطِّرَازِ قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا حُفِرَ تَحْتَهُ مَطْمُورَةٍ يَجُوزُ أَنْ يَعْبُرَهُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ، وَقَالَ لَوْ أَجَزْنَا الصَّلَاةَ فِي الْكَعْبَةِ، وَعَلَى ظَهْرِهَا لَمْ نُجِزْهَا فِي مَطْمُورَةٍ تَحْتَهَا اهـ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ مَلَكَ أَرْضًا هَلْ يَمْلِكُ مَا فِيهَا، وَمَا تَحْتَهَا أَمْ لَا، وَأَمَّا الْأَهْوِيَةُ فَقَدْ اتَّفَقُوا فِيهَا عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ حُكْمَهَا تَابِعٌ لِحُكْمِ الْأَبْنِيَةِ فَهَوَاءُ الْوَقْفِ وَقْفٌ وَهَوَاءُ الطَّلْقِ طَلْقٌ، وَهَوَاءُ الْمَوَاتِ مَوَاتٌ، وَهَوَاءُ الْمَمْلُوكِ مَمْلُوكٌ، وَهَوَاءُ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فَلَا يَقْرَبُهُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي مِلْكِ مَا فَوْقَ الْبِنَاءِ مِنْ الْهَوَاءِ اخْتِلَافَهُمْ فِي مِلْكِ مَا تَحْتَهُ مِنْ تُخُومِ الْأَرْضِ بَلْ قَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى بَيْعِ الْهَوَاءِ لِمَنْ يَنْتَفِعُ

[الفرق بين قاعدة الأملاك الناشئة عن الإحياء وبين قاعدة الأملاك الناشئة عن غير الإحياء]

مِنْ أَصْحَابِنَا. وَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ قَالَ يُنْتَقَضُ عِنْدَ مَالِكٍ قَضَاءُ الْقَاضِي لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ كَالْقَضَاءِ بِاسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ لِعِتْقِ بَعْضِهِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَسْعَى، وَكَالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ» أَوْ يُحْكَمُ بِشَهَادَةِ النَّصْرَانِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 106] أَوْ بِمِيرَاثِ الْعَمَّةِ، وَالْخَالَةِ، وَالْمَوْلَى الْأَسْفَلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتْ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ» ، وَكُلُّ مَا هُوَ عَلَى خِلَافِ عَمَلِ الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا شُذُوذُ الْعُلَمَاءِ، وَخَالَفَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَقَالَ لَا تُنْقَضُ شُفْعَةُ الْجَارِ، وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ مِنْ الْفُرُوعِ لِضَعْفِ مُوجِبِ النَّقْصِ عِنْدَهُ، وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِهِ، وَفِي النَّوَادِرِ لِأَبِي مُحَمَّدٍ قَالَ مُحَمَّدٌ مِمَّا يُنْقَضُ نَقَضُ مَا لَا يُنْقَضُ فَإِذَا قَضَى قَاضٍ بِأَنْ يُنْقَضَ حُكْمُ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مِمَّا لَا يُنْقَضُ نَقَضَ الثَّالِثُ حُكْمَ الثَّانِي لِأَنَّ نَقْضَهُ خَطَأٌ، وَيُقِرُّ الْأَوَّلَ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَصَرَّفَ السَّفِيهُ الَّذِي تَحْتَ حَجْرِ الْقَاضِي بِالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِمَا فَرَدَّهُ فَجَاءَ قَاضٍ ثَانٍ فَأَنْفَذَهُ نَقَضَ الثَّالِثُ هَذَا التَّنْفِيذَ، وَأَقَرَّ الْأَوَّلَ، وَكَذَلِكَ لَوْ فَسَخَ الثَّانِي الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ، وَالْيَمِينِ رَدَّهُ الثَّالِثُ لِأَنَّ النَّقْضَ فِي مَوَاطِنِ الِاجْتِهَادِ خَطَأٌ، وَنَقْضُ الْخَطَأِ مُتَعَيِّنٌ. (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا حَكَمَ بِهِ عَلَى خِلَافِ السَّبَبِ: وَالْقِسْمُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَسْبَابِ، وَالْأَدِلَّةِ وَالْحِجَاجِ، وَأَنَّ الْقُضَاةَ يَعْتَمِدُونَ الْحِجَاجَ، وَالْمُجْتَهِدِينَ يَعْتَمِدُونَ الْأَدِلَّةَ، وَأَنَّ الْمُكَلَّفِينَ يَعْتَمِدُونَ الْأَسْبَابَ فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْقَتْلِ عَلَى مَنْ لَمْ يَقْتُلْ أَوْ لِلْبَيْعِ عَلَى مَنْ لَمْ يَبِعْ أَوْ الطَّلَاقِ عَلَى مَنْ لَمْ يُطَلِّقْ أَوْ الدَّيْنِ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْتَدِنْ فَهَذَا قَضَاءٌ عَلَى خِلَافِ الْأَسْبَابِ فَإِذَا اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ وَجَبَ نَقْضُهُ عِنْدَ الْكُلِّ إلَّا قِسْمًا مِنْهُ خَالَفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ مَا كَانَ فِيهِ عَقْدٌ، وَفُسِخَ فَيُجْعَلُ حُكْمُ الْحَاكِمِ كَالْعَقْدِ فِيمَا لَا عَقْدَ فِيهِ أَوْ كَالْفَسْخِ فِيمَا لَا فَسْخَ فِيهِ فَإِذَا شَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَا زُورٍ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ فَحَكَمَ بِطَلَاقِهَا جَازَ لِذَلِكَ الشَّاهِدِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِ نَفْسِهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فَسْخٌ لِذَلِكَ النِّكَاحِ، وَكَذَلِكَ إذَا شُهِدَ عِنْدَهُ بِبَيْعِ جَارِيَةٍ فَحَكَمَ بِبَيْعِهَا جَازَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْبَيِّنَةِ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِمَّنْ حَكَمَ لَهُ بِهَا، وَيَطَأَهَا هَذَا الشَّاهِدُ مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِ نَفْسِهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ تَنَزَّلَ مَنْزِلَةَ الْبَيْعِ لِمَنْ حُكِمَ لَهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا فِيهِ عَقْدٌ أَوْ فَسْخٌ. وَأَمَّا الدُّيُونُ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا مِمَّا لَا عَقْدَ فِيهِ، وَلَا فَسْخَ فَيُوَافِقُنَا فِيهِ، وَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحُكْمِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ حُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُحِلُّ حَرَامًا، وَلَا يُحَرِّمُ حَلَالًا فِي نَفْسٍ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ، وَمُقْتَضَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنْ يُمْنَعَ بَيْعُ هَوَاءِ الْمَسْجِدِ وَالْأَوْقَافِ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ لِمَنْ أَرَادَ غَرْزَ خَشَبٍ حَوْلَهَا لِيَجْعَلَ عَلَى رُءُوسِ الْخَشَبِ سَقْفًا عَلَيْهِ بِنَاءٌ، وَأَنْ يُمْنَعَ إخْرَاجُ الرَّوَاشِنِ وَالْأَجْنِحَةِ عَلَى الْحِيطَانِ إلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَدَّةً إلَّا أَنْ يَرْضَى أَهْلُهَا كُلُّهُمْ أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى مَا تُلْجِئُ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ، وَالْمُحَكَّمُ فِي ذَلِكَ الْعَادَةُ فَيَكُونُ قَوْلُ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ يَجُوزُ إخْرَاجُ الرَّوَاشِنِ وَالْأَجْنِحَةِ عَلَى الْحِيطَانِ إلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَدَّةً فَإِذَا كَانَتْ مُسْتَدَّةً امْتَنَعَ إلَّا أَنْ يَرْضَى أَهْلُهَا كُلُّهُمْ اهـ. مَوْضِعُ نَظَرٍ فَهَذَا كُلُّهُ لَا شَكَّ تَصْرِيحٌ بِمُخَالَفَةِ الْأَهْوِيَةِ لِمَا تَحْتَ الْأَبْنِيَةِ، وَأَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا إلَّا أَنَّ سِرَّهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشِّهَابُ لَمْ يَظْهَرْ بَلْ بَقِيَ سِرًّا كَمَا كَانَ اهـ. فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ لَعَلَّك تَظْفَرُ بِسِرِّهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْلَاكِ النَّاشِئَةِ عَنْ الْإِحْيَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْلَاكِ النَّاشِئَةِ عَنْ غَيْرِ الْإِحْيَاءِ] (الْفَرْقُ الثَّالِثَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْلَاكِ النَّاشِئَةِ عَنْ الْإِحْيَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْأَمْلَاكِ النَّاشِئَةِ عَنْ غَيْرِ الْإِحْيَاءِ) بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِنَا فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ أَنَّهُ إذَا ذَهَبَ الْمِلْكُ، وَصَارَ مَوَاتًا كَمَا كَانَ، وَكَانَ لِغَيْرِ مَنْ أَحْيَاهُ أَوَّلًا أَنْ يُحْيِيَهُ فَهُوَ عِنْدَنَا مُخَالِفٌ لِغَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ الْقَوْلِيَّةِ فَإِنَّهَا لَا يَبْطُلُ الْمِلْكُ بِبُطْلَانِ أَصْوَاتِهَا وَانْقِطَاعِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِحْيَاءَ لَمَّا كَانَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْفِعْلِيَّةِ الَّتِي لَا تُرَدُّ إلَّا عَلَى غَيْرِ مِلْكٍ سَابِقٍ ضَرُورَةَ أَنَّهُ سَبَبٌ تُمَلَّكُ بِهِ الْمُبَاحَاتُ مِنْ الْأَرْضِ كَانَ ضَعِيفًا يَذْهَبُ الْمِلْكُ النَّاشِئُ عَنْهُ بِذَهَابِهِ كَمَا يَبْطُلُ تَمَلُّكُ الصَّيْدِ الْحَاصِلِ بِالِاصْطِيَادِ بِتَوَحُّشِهِ وَتَمَلُّكِ السَّمَكِ بِرُجُوعِهِ فِي النَّهْرِ، وَتَمَلُّكِ الْمَاءِ بِاخْتِلَاطِهِ بِالنَّهْرِ وَتَمَلُّكِ الطَّيْرِ وَالنَّحْلِ بِانْفِلَاتِهِ وَتَوَحُّشِهِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْإِحْيَاءِ مِنْ الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ يَرِدُ غَالِبًا عَلَى مَمْلُوكٍ قَدْ تَأَصَّلَ فِيهِ الْمِلْكُ قَبْلَهُ قَوِيَتْ إفَادَتُهُ لِلْمِلْكِ لِاجْتِمَاعِ إفَادَتِهِ مَعَ إفَادَةِ مَا قَبْلَهُ حَتَّى إنَّ الْمِلْكَ الْحَاصِلَ بِهِ لَا يُنْقَضُ بَعْدَ بُطْلَانِ أَصْوَاتِ تِلْكَ الْأَسْبَابِ الْقَوْلِيَّةِ وَانْقِطَاعِهَا. وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَمْرَانِ (الْأَوَّلُ) مَا إذَا وَرَدَ الْبَيْعُ عَلَى الْإِحْيَاءِ فَإِنَّ الْمِلْكَ الْحَاصِلَ بِهِ لَا يُنْتَقَضُ بَعْدَ ذَلِكَ لِتَظَافُرِ الْأَسْبَابِ (وَالثَّانِي) تَمَلُّكُ الْمُلْتَقَطِ فَإِنَّهُ لَمَّا وَرَدَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيهِ الْمِلْكُ وَتَقَرَّرَ قَوِيَ بِحَيْثُ لَا يُنْتَقَضُ بِعَوْدِ اللُّقَطَةِ إلَى حَالِ الِالْتِقَاطِ، وَيُؤَكِّدُ لَك ذَلِكَ أَنَّ الْأَسْبَابَ الْقَوْلِيَّةَ وَنَحْوَهَا تَرْفَعُ مِلْكَ الْغَيْرِ كَالْبَيْعِ، وَنَحْوِهِ فَهِيَ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ. وَأَمَّا الْفِعْلُ بِمُجَرَّدِهِ فَلَيْسَ لَهُ قُوَّةُ رَفْعِ مِلْكِ الْغَيْرِ بَلْ يَبْطُلُ ذَلِكَ الْفِعْلُ كَمَنْ بَنَى فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ ذَهَبَ أَثَرُهُ بِذَهَابِهِ، وَالْإِقْطَاعُ وَإِنْ كَانَ سَبَبًا قَوْلِيًّا وَارِدًا عَلَى مَمْلُوكٍ لِلْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنَّهُ بِدُونِ الْإِحْيَاءِ حُكْمٌ بِدُونِ سَبَبٍ أَوْ عِلَّةٍ فَلِذَا لَا يَمْلِكُ بَيْعُهُ فَهُوَ عَكْسُ

الْأَمْرِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا فِيمَا إذَا قَضَى بِنِكَاحِ أُخْتِ الْمَقْضِيِّ لَهُ أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ فَإِنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ فَفَاتَ قَبُولُ الْمَحِلِّ. وَكَذَلِكَ وَافَقَنَا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الشُّهُودَ عَبِيدٌ وَالْحُكْمُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، وَفُرِّقَ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ، وَلَمْ تُوجَدْ فِي الْأَمْوَالِ، وَلَمْ يَحْكُمْ الْحَاكِمُ بِالْمِلْكِ بَلْ بِالتَّسْلِيمِ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْمِلْكَ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذُهُ فَإِنَّمَا أَقْتَطِعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» ، وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ، وَقِيَاسًا عَلَى الْأَمْوَالِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْأَمْوَالَ أَضْعَفُ فَإِذَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا فَأَوْلَى الْفُرُوجُ احْتَجُّوا بِقَضِيَّةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حِينَ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ بِاللِّعَانِ قَالَ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى صِفَةِ كَذَا فَهُوَ لِشَرِيكٍ فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ» ، وَتَبَيَّنَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَ هِلَالٌ، وَأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَفْسَخْ تِلْكَ الْفُرْقَةَ. وَأَمْضَاهَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَقُومُ مَقَامَ الْفَسْخِ وَالْعَقْدِ، وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ ادَّعَى عِنْدَهُ رَجُلٌ نِكَاحَ امْرَأَةٍ، وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ فَقَضَى بَيْنَهُمَا بِالزَّوْجِيَّةِ فَقَالَتْ، وَاَللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا تَزَوَّجْت فَاعْقِدْ بَيْنَنَا عَقْدًا حَتَّى أَحِلَّ لَهُ فَقَالَ شَاهِدَاك زَوَّجَاك فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ ثَبَتَ بِحُكْمِهِ، وَلِأَنَّ اللِّعَانَ يُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا فَالْحُكْمُ أَوْلَى لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ وِلَايَةً عَامَّةً عَلَى النَّاسِ فِي الْعُقُودِ، وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْعَقْدِ وَالْفَسْخِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَوْقَعَ الْعَقْدَ عَلَى وَجْهِ لَوْ فَعَلَهُ الْمَالِكُ نَفَذَ، وَلِأَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمُخَالَفَةُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ فَصَارَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّهِ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ. وَإِنْ عَلِمَ خِلَافَهُ فَكَذَلِكَ غَيْرُهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْفُرْقَةَ فِي اللِّعَانِ لَيْسَتْ بِسَبَبِ صِدْقِ الزَّوْجِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِصِدْقِهِ لَمْ تَعُدْ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ بِسَبَبِ أَنَّهُمَا وَصَلَا إلَى أَسْوَأِ الْأَحْوَالِ فِي الْمُقَابَحَةِ بِالتَّلَاعُنِ فَلَمْ يَرَ الشَّارِعُ اجْتِمَاعَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ مَبْنَاهَا السُّكُونُ وَالْمَوَدَّةُ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ اللِّعَانِ يَمْنَعُ ذَلِكَ فَعَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَذِبَ، وَكَالْبَيِّنَةِ إذَا قَامَتْ، وَعَنْ الثَّانِي إنْ صَحَّ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَضَافَ التَّزَوُّجَ لِلشُّهُودِ لَا لِحُكْمِهِ، وَمَنَعَهَا مِنْ الْعَقْدِ لِمَا فِيهِ مِنْ الطَّعْنِ عَلَى الشُّهُودِ فَأَخْبَرَهَا بِأَنَّهُ زَوْجُهَا ظَاهِرًا، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْفُتْيَا، وَمَا النِّزَاعُ إلَّا فِيهَا (وَعَنْ الثَّالِثِ) أَنَّ كَذِبَ أَحَدِهِمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ بِاللِّعَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّقِيضِ لِلَّذِي ادَّعَيْنَاهُ، وَهُوَ إبْدَاءُ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ الْإِحْيَاءُ بِدُونِ حُكْمِهَا الَّذِي هُوَ اسْتِمْرَارُ الْمِلْكِ، وَعَدَمُ قُصُورِهِ لِضَعْفِهَا، وَعَدَمُ بُطْلَانِ مِلْكِ الْإِقْطَاعِ إذَا أَحْيَا فِيهِ بِبُطْلَانِ إحْيَائِهِ إنَّمَا هُوَ لِتَحَقُّقِ سَبَبٍ غَيْرِ الْإِحْيَاءِ حِينَئِذٍ، وَهُوَ أَنَّ الْإِقْطَاعَ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْأَئِمَّةِ فَلَا يُنْقَضُ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْأَئِمَّةِ تُصَانُ عَنْ النَّقْضِ، وَالْمِلْكُ الَّذِي جَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُحْيِي بِقَوْلِهِ «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» مُرَتَّبٌ عَلَى وَصْفِ الْإِحْيَاءِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَصْفُ لِذَلِكَ الْحُكْمِ فَيَكُونُ الْإِحْيَاءُ سَبَبَهُ وَعِلِّيَّتَهُ. وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْحُكْمَ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ وَسَبَبِهِ فَهَذَا الْحَدِيثُ لِهَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ إنَّمَا يَقْتَضِي الْمِلْكَ عِنْدَ ذَلِكَ كَمَا يَدَّعِي الْخَصْمُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ لَهُ لَفْظٌ يَقْتَضِي مُطْلَقَ الْمِلْكِ لِأَنَّ لَفْظَ لَهُ لَيْسَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ بَلْ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ، وَلَا دَاعٍ فِي ثُبُوتِ مُطْلَقِ الْمِلْكِ بِالْإِحْيَاءِ بَلْ نَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ أَيْضًا، وَلَا يَقْتَضِي الْمِلْكَ بِوَصْفِ الدَّوَامِ حَتَّى يَحْصُلَ بِهِ مَقْصُودُ الْخَصْمِ إذَا عَلِمْت هَذَا ظَهَرَ لَك انْدِفَاعُ الْإِشْكَالِ الْوَارِدِ عَلَى مَذْهَبِنَا فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَأَنَّهُ فِقْهٌ حَسَنٌ عَلَى الْقَوَاعِدِ، وَأَنَّ مُقَابِلَهُ لَمْ يَكُنْ أَقْوَى مِنْهُ إلَّا فِي بَادِئِ الرَّأْيِ فَتَأَمَّلْ كَذَا قَالَ الْأَصْلُ. وَأَمَّا عَلَى مُقَابِلِ مَذْهَبِنَا، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا يَزُولُ الْمِلْكُ بِزَوَالِ الْإِحْيَاءِ لِوُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ الْمِلْكَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ إبْطَالِهِ، وَاسْتِصْحَابُهُ (وَالثَّانِي) قِيَاسُ الْإِحْيَاءِ عَلَى الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَسَائِرِ أَسْبَابِ التَّمْلِيكِ (وَالثَّالِثُ) الْقِيَاسُ عَلَى مَنْ تَمَلَّكَ لُقَطَةً ثُمَّ ضَاعَتْ مِنْهُ فَإِنَّ عَوْدَهَا إلَى حَالِ الِالْتِقَاطِ لَا يُسْقِطُ مِلْكَ مُتَمَلِّكِهَا فَلَا يُسَلَّمُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِحْيَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَسْبَابِ التَّمْلِيكِ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّاطِّ مَا خُلَاصَتُهُ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَقْوَى مِنْ مَذْهَبِنَا عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا فِي بَادِئِ الرَّأْيِ فَقَطْ كَمَا زَعَمَ الشِّهَابُ لِوَجْهَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّ مَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مُجَرَّدُ دَعْوَى يُقَابَلُ بِمِثْلِهَا بِأَنْ يُقَالَ إنَّ الْأَسْبَابَ الْقَوْلِيَّةَ هِيَ الضَّعِيفَةُ لِوُرُودِهَا عَلَى مِلْكٍ سَابِقٍ فَيَتَعَارَضُ الْمِلْكَانِ السَّابِقُ وَاللَّاحِقُ. وَأَمَّا الْمَمْلُوكُ بِالْإِحْيَاءِ فَلَمْ يَسْبِقْهُ مَا يُعَارِضُهُ فَهُوَ أَقْوَى (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ مَا قَالَهُ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْحَدِيثِ السَّابِقِ مِنْ أَنَّهُ يَدُلُّ بِسَبَبِ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ عَلَى بُطْلَانِ الْمِلْكِ بِذَهَابِ الْإِحْيَاءِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ الْقَاعِدَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتَا صَحِيحَتَيْنِ مُسَلَّمَتَيْنِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُمَا مَا قَالَهُ مِنْ بُطْلَانِ هَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ قَدْ ثَبَتَ فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُسَبِّبُهُ، وَلَمْ يَرْتَفِعْ الْإِحْيَاءُ بَلْ لَا يَصِحُّ ارْتِفَاعُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِارْتِفَاعِ الْوَاقِعِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِنَّمَا مَغْزَاهُ أَنَّ الْإِحْيَاءَ لَمْ يَسْتَمِرَّ، وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي الْأَسْبَابِ كُلِّهَا

[الفرق بين قاعدة الكذب وقاعدة الوعد وما يجب الوفاء به منه وما لا يجب]

وَلَمْ يَخْتَصَّ بِهِ أَمَّا عَدَمُ تَعْيِينِهِ فَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُسْتَنَدُهُ فِي اللِّعَانِ كَوْنَهُ لَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ حَيْضَتِهَا مَعَ أَنَّ الْحَامِلَ قَدْ تَحِيضُ أَوْ قَرَائِنُ حَالِيَّةٌ مِثْلُ كَوْنِهِ رَأَى رَجُلًا بَيْنَ فَخِذَيْهَا، وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ لَمْ يُولِجْ أَوْ أَوْلَجَ، وَمَا أَنْزَلَ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقَرَائِنُ قَدْ تَكْذِبُ. وَأَمَّا عَدَمُ اخْتِصَاصِهِ بِاللِّعَانِ فَلِأَنَّ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِي النِّكَاحِ أَوْ غَيْرِهِ قَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا فَاجِرًا يَطْلُبُ مَا يَعْلَمُ خِلَافَهُ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ يَقُومُ مَقَامَ الْفَسْخِ وَالْعَقْدِ بَلْ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّلَاعُنَ يَمْنَعُ الزَّوْجِيَّةَ. (وَعَنْ الرَّابِعِ) أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ إنَّمَا جَعَلَ لِلْحَاكِمِ الْعَقْدَ لِلْغَائِبِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ وَنَحْوِهِمْ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ لِتَعَذُّرِ الْمُبَاشَرَةِ مِنْهُمْ، وَهَا هُنَا لَا ضَرُورَةَ لِذَلِكَ، وَالْأَصْلُ أَنْ يَلِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مَصَالِحَ نَفْسِهِ فَلَا يُتْرَكُ الْأَصْلُ عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ. (وَعَنْ الْخَامِسِ) أَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ إنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْمُخَالَفَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَفْسَدَةِ مَشَاقَّةِ الْحُكَّامِ وَانْخِرَامِ النِّظَامِ وَتَشْوِيشِ نُفُوذِ الْمَصَالِحِ، وَإِمَّا مُخَالَفَةٌ بِحَيْثُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ حَاكِمٌ، وَلَا غَيْرُهُ فَجَائِزَةٌ (الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مَا تَتَنَاوَلُهُ الْوِلَايَةُ، وَصَادَفَ فِيهِ الْحُجَّةُ، وَالدَّلِيلُ وَالسَّبَبُ غَيْرَ أَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ كَقَضَائِهِ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ التُّهْمَةَ تَقْدَحُ فِي التَّصَرُّفَاتِ إجْمَاعًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَهِيَ مُخْتَلِفَةُ الْمَرَاتِبِ فَأَعْلَى رُتَبِ التُّهْمَةِ مُعْتَبَرٌ إجْمَاعًا كَقَضَائِهِ لِنَفْسِهِ، وَأَدْنَى رُتَبِ التُّهَمِ مَرْدُودٌ إجْمَاعًا كَقَضَائِهِ لِجِيرَانِهِ وَأَهْلِ صَقْعِهِ وَقَبِيلَتِهِ، وَالْمُتَوَسِّطُ مِنْ التُّهَمِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ يَلْحَقُ بِالْأَوَّلِ أَوْ بِالثَّانِي وَأَصْلِهَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ» أَيْ مُتَّهَمٍ قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ كُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ لَهُ. وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَازِمٌ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى بِالرَّدِّ مِنْ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ فَوْقَ الشَّاهِدِ مَنْ يَنْظُرُ عَلَيْهِ فَيَضْعُفُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْبَاطِلِ فَتَضْعُفُ التُّهْمَةُ قَالَ وَلَا يَحْكُمُ لِعَمِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُبَرِّزًا وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَحْكُمُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ يَتِيمِهِ أَوْ امْرَأَتِهِ، وَيَجُوزُ لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ كَالْأَبِ وَالِابْنِ الْكَبِيرِ، وَإِنْ امْتَنَعَتْ الشَّهَادَةُ فَإِنَّ مُنَصَّبَ الْقَضَاءِ أَبْعَدُ عَنْ التُّهَمِ لِوُفُورِ جَلَالَةِ الْقَاضِي دُونَ الشَّاهِدِ. وَقَالَ أَصْبَغُ فَإِنْ قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي، وَلَا نَعْلَمُ أَثَبَتَ أَمْ لَا، وَلَمْ يَحْضُرْهُ الشُّهُودُ، لَمْ يَنْفُذْ فَإِنْ حَضَرَ الشُّهُودُ، وَكَانَتْ شَهَادَةً ظَاهِرَةً بِحَقٍّ بَيِّنٍ جَازَ فِيمَا عَدَا الثَّلَاثَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ هَذِهِ الْأُمُورِ تُضْعِفُ التُّهْمَةَ، وَهُوَ الْفَرْقُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ الْمِلْكَ الْمُرَتَّبَ عَلَى الشِّرَاءِ أَوْ عَلَى الْإِرْثِ أَوْ عَلَى الْهِبَةِ لَمْ تَسْتَمِرَّ أَسْبَابُهُ فَكَانَ يَلْزَمُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ أَنَّهُ مَتَى غَفَلَ الْإِنْسَانُ عَنْ تَجْدِيدِ شِرَاءِ مُشْتَرَاهُ أَنْ يَبْطُلَ مِلْكُهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بَاطِلٌ قَطْعًا، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَقْتَضِي الْمِلْكَ بِوَصْفِ الدَّوَامِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا إلَّا أَنَّ هُنَا قَاعِدَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْمِلْكَ يَدُومُ بَعْدَ ثُبُوتِ سَبَبِهِ إلَّا أَنْ يَلْزَمَهُ مَا يُنَاقِضُهُ اهـ. فَتَأَمَّلْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْكَذِبِ وَقَاعِدَةِ الْوَعْدِ وَمَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ مِنْهُ وَمَا لَا يَجِبُ] الْفَرْقُ الرَّابِعَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْكَذِبِ، وَقَاعِدَةِ الْوَعْدِ، وَمَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ مِنْهُ وَمَا لَا يَجِبُ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ عَلَى قِسْمَيْنِ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا ظَاهِرُهُ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْكَذِبِ وَقَاعِدَةِ الْوَعْدِ كَحَدِيثِ الْمُوَطَّإِ «قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَأَكْذِبُ لِامْرَأَتِي فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعِدُهَا وَأَقُولُ لَهَا فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا جُنَاحَ عَلَيْك» ، وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُد قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا وَعَدَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَفِيَ فَلَمْ يَفِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ» وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الَّتِي تَقْتَضِي عَدَمَ الْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ وَأَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ، وَالْكَذِبُ لَيْسَ بِمُبَاحٍ فَلَا يَدْخُلُ الْكَذِبُ فِي الْوَعْدِ (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) مَا ظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2] {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3] فَإِنَّ الْوَعْدَ إذَا أُخْلِفَ قَوْلٌ لَمْ يُفْعَلْ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا مُحَرَّمًا، وَأَنْ يَحْرُمَ إخْلَافُ الْوَعْدِ مُطْلَقًا. وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ عَلَامَةِ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ» فَذِكْرُهُ فِي سِيَاقِ الذَّمِّ دَلِيلٌ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «وَأْيُ الْمُؤْمِنِ وَاجِبٌ أَيْ وَعْدُهُ» وَاجِبُ الْوَفَاءِ بِهِ فَلَمَّا كَانَ ظَاهِرُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مُعَارِضًا لِظَاهِرِ الْقِسْمِ الثَّانِي حِينَ صَارَ بِحَيْثُ لَوْ أُخِذَ بِهِ، وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّ الْوَعْدَ لَا يَدْخُلُهُ الْكَذِبُ لَزِمَ مُخَالَفَةُ ظَاهِرِ الْقِسْمِ الثَّانِي بَلْ. وقَوْله تَعَالَى {وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ} [إبراهيم: 22] وَصَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} [الزمر: 74] {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا} [الأعراف: 44] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى دُخُولِ الصِّدْقِ فِي وَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَعِيدِهِ، وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ، وَكَانَ ظَاهِرُ الثَّانِي كَذَلِكَ مُعَارِضًا لِظَاهِرِ الْأَوَّلِ حَتَّى صَارَ بِحَيْثُ لَوْ أُخِذَ بِهِ، وَقِيلَ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ الْوَعْدَ

بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ، وَعَنْ أَصْبَغَ الْجَوَازُ فِي الْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ وَالْأَخِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمِدْيَانِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِيَامِ بِالْحَقِّ، وَصَحَّ الْحُكْمُ، وَقَدْ يَحْكُمُ لِلْخَلِيفَةِ، وَهُوَ فَوْقَهُ، وَتُهْمَتُهُ أَقْوَى، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ الْقَضَاءُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ عَشِيرَتِهِ وَخَصْمِهِ، وَإِنْ رَضِيَ الْخَصْمُ بِخِلَافِ رَجُلَيْنِ رَضِيَا بِحُكْمِ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ فَيَنْفُذُ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا، وَلَا يَقْضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَإِنْ رَضِيَ الْخَصْمُ بِذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ فَيُشْهِدُ عَلَى رِضَاهُ، وَيَجْتَهِدُ فِي الْحَقِّ فَإِنْ قَضَى لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ يَمْتَنِعُ قَضَاؤُهُ فَلْيَذْكُرْ الْقِصَّةَ كُلَّهَا، وَرِضَى خَصْمِهِ، وَشَهَادَةَ مَنْ شَهِدَ بِرِضَى الْخَصْمِ. وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي مَوَاطِنِ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ، وَرَأَى أَفْضَلَ مِنْهُ فَالْأَحْسَنُ فَسْخُهُ فَإِنْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ فَلَا يَفْسَخُهُ غَيْرُهُ إلَّا فِي الْخَطَأِ الْبَيِّنِ فَإِنْ اجْتَمَعَ فِي الْقَضِيَّةِ حَقُّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَالسَّرِقَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ يَقْطَعُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَرْفَعُهُ لِمَنْ فَوْقَهُ، وَأَمَّا مَا لَهُ فَلَا يَحْكُمُ لَهُ (الْقِسْمُ الْخَامِسُ) مَا اجْتَمَعَ فِيهِ أَنَّهُ تَنَاوَلَتْهُ الْوِلَايَةُ، وَصَادَفَ السَّبَبَ وَالدَّلِيلَ وَالْحُجَّةَ، وَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ فِيهِ غَيْرَ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْحُجَّةِ هَلْ هِيَ حُجَّةٌ أَمْ لَا، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الْقَضَاءُ بِعِلْمِ الْحَاكِمِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ يَمْتَنِعُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحْكُمُ فِي الْحُدُودِ بِمَا شَاهَدَهُ مِنْ أَسْبَابِهَا إلَّا فِي الْقَذْفِ، وَلَا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فِيمَا عَلِمَهُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَوَازُ الْحُكْمِ فِي الْجَمِيعِ، وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى جَوَازِ حُكْمِهِ بِعِلْمِهِ فِي التَّجْرِيحِ وَالتَّعْدِيلِ لَنَا وُجُوهٌ: (الْأَوَّلُ) قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ» الْحَدِيثَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ بِحَسَبِ الْمَسْمُوعِ لَا بِحَسَبِ الْمَعْلُومِ. (الثَّانِي) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَك إلَّا ذَلِكَ» فَحَصَرَ الْحُجَّةَ فِي الْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينَ دُونَ عِلْمِ الْحَاكِمِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (الثَّالِثُ) رَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَبَا جَهْمٍ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَاحَاهُ رَجُلٌ فِي فَرِيضَةٍ فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا شِجَاجٌ فَأَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْطَاهُمْ الْأَرْشَ ثُمَّ قَالَ أَفَأَخْطُبُ النَّاسَ فَأُعْلِمَهُمْ بِرِضَاكُمْ قَالُوا نَعَمْ فَخَطَبَ فَأَعْلَمَ فَقَالُوا مَا رَضِينَا فَأَرَادَهُمْ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا وَنَزَلَ فَجَلَسُوا إلَيْهِ فَأَرْضَاهُمْ فَقَالَ أَأَخْطُبُ النَّاسَ فَأُعْلِمُهُمْ بِرِضَاكُمْ قَالُوا نَعَمْ فَخَطَبَ فَأَعْلَمَ النَّاسَ فَقَالُوا رَضِينَا» ، وَهُوَ نَصٌّ فِي عَدَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَدْخُلُهُ الْكَذِبُ لَزِمَ مُخَالَفَةُ ظَاهِرِ الْأَوَّلِ، وَتَعَيَّنَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ الْمُتَعَارِضَةِ، اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَقْرُبُ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ مِنْهُمَا، وَمَا يُؤَوَّلُ عَلَى قَوْلَيْنِ (الْقَوْلُ الْأَوَّلُ) تَمَسَّكَ بَعْضُهُمْ بِظَاهِرِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَتَأْوِيلِ ظَاهِرِ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَالْفَرْقُ بَيْنَ وَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَعِيدِهِ وَبَيْنَ وَعْدِ غَيْرِهِ تَعَالَى، قَالَ الْكَذِبُ يَخْتَصُّ بِالْمَاضِي وَالْحَاضِرِ، وَالْوَعْدُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَنَا الصِّدْقُ الْقَوْلُ الْمُطَابِقُ لِلْوَاقِعِ، وَالْكَذِبُ الْقَوْلُ الَّذِي لَيْسَ بِمُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ ظَاهِرٌ فِي وُقُوعِ وَصْفِ الْمُطَابَقَةِ، وَعَدَمِهَا بِالْفِعْلِ، وَذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْحَالِ وَالْمَاضِي. وَأَمَّا الْمُسْتَقْبَلُ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا قَبُولُ الْمُطَابَقَةِ، وَعَدَمُهَا أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّا إذَا حَدَّدْنَا بِوَصْفٍ بِأَنْ قُلْنَا فِي الْإِنْسَانِ مَثَلًا الْحَيَوَانُ النَّاطِقُ إنَّمَا نُرِيدُ الْحَيَاةَ وَالنُّطْقَ بِالْفِعْلِ لَا بِالْقُوَّةِ، وَإِلَّا كَانَ الْجَمَادُ وَالنَّبَاتُ كُلُّهُ إنْسَانًا لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلْحَيَاةِ وَالنُّطْقِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ حَدِيثَ الْمُوَطَّإِ يَدُلُّ عَلَى أَمْرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ إخْلَافَ الْوَعْدِ لَا يُسَمَّى كَذِبًا لِجَعْلِهِ قَسِيمَ الْكَذِبِ (وَثَانِيهِمَا) أَنَّ إخْلَافَ الْوَعْدِ لَا حَرَجَ فِيهِ إذْ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْوَعْدُ الَّذِي يَفِي بِهِ لَمَا احْتَاجَ لِلسُّؤَالِ عَنْهُ، وَلَمَا ذَكَرَهُ مَقْرُونًا بِالْكَذِبِ، وَلَكِنْ قَصْدُهُ إصْلَاحُ حَالِ امْرَأَتِهِ بِمَا لَا يَفْعَلُهُ فَتَخَيَّلَ الْحَرَجَ فِي ذَلِكَ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد يَقْتَضِي أَنَّ عَدَمَ الْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ مُبَاحٌ عَكْسُ ظَاهِرِ الْآيَةِ وَنَحْوِهَا فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَوَّلًا بِاخْتِصَاصِ الْوَعْدِ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَالْكَذِبِ بِالْمَاضِي وَالْحَالِ. وَثَانِيًا بِعَدَمِ التَّأْثِيمِ فِي الْأَوَّلِ وَالتَّأْثِيمِ فِي الثَّانِي كَمَا هُوَ ظَاهِرُ حَدِيثَيْ الْمُوَطَّإِ وَأَبِي دَاوُد السَّابِقَيْنِ، وَالْجَوَابُ عَنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ وَنَحْوِهَا أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ مَحْمُولٌ إمَّا عَلَى أَنَّ الْمُوعِدَ أَدْخَلَ الْمَوْعُودَ فِي سَبَبٍ يُلْزِمُهُ بِوَعْدِهِ كَمَا لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ أَمَّا مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فَقَالَا إذَا سَأَلَك أَنْ تَهَبَ لَهُ دِينَارًا فَقُلْت نَعَمْ ثُمَّ بَدَا لَك لَا يَلْزَمُك، وَلَوْ كَانَ افْتِرَاقُ الْغُرَمَاءِ عَنْ وَعْدٍ وَإِشْهَادٍ لِأَجْلِهِ لَزِمَك لِإِبْطَالِهِ مَغْرَمًا بِالتَّأْخِيرِ. وَأَمَّا سَحْنُونٌ فَقَالَ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ الْوَعْدِ قَوْلُهُ اهْدِمْ دَارَك، وَأَنَا أُسَلِّفُك مَا يُبْنَى بِهِ أَوْ اُخْرُجْ إلَى الْحَجِّ، وَأَنَا أُسَلِّفُك أَوْ اشْتَرِ سِلْعَةً أَوْ تَزَوَّجْ امْرَأَةً، وَأَنَا أُسَلِّفُك لِأَنَّك أَدْخَلْته بِوَعْدِك فِي ذَلِكَ أَمَّا مُجَرَّدُ الْوَعْدِ فَلَا يَلْزَمُك الْوَفَاءُ بِهِ بَلْ الْوَفَاءُ بِهِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ اهـ. وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ وَعَدَهُ مَقْرُونًا بِذِكْرِ السَّبَبِ كَمَا لِأَصْبَغَ حَيْثُ قَالَ يُقْضَى عَلَيْك بِهِ تَزَوَّجَ الْمَوْعُودُ أَمْ لَا، وَكَذَا أَسْلِفْنِي لِأَشْتَرِيَ سِلْعَةَ كَذَا لَزِمَك تَسَبَّبَ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا، وَاَلَّذِي لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَعِدَهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبٍ فَيَقُولَ لَك أَسْلِفْنِي كَذَا فَتَقُولَ نَعَمْ بِذَلِكَ قَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ

الْحُكْمِ بِالْعِلْمِ. (الرَّابِعُ) جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي قِصَّةِ هِلَالٍ وَشَرِيكٍ إنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِهِلَالٍ يَعْنِيَ الزَّوْجَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ يَعْنِي الْمَقْذُوفَ فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ كُنْت رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتهَا» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْضِي فِي الْحُدُودِ بِعِلْمِهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقُولُ إلَّا حَقًّا، وَقَدْ وَقَعَ مَا قَالَ فَيَكُونُ الْعِلْمُ حَاصِلًا لَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ مَا رَجَمَ، وَعَلَّلَ بِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ. (الْخَامِسُ) قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] فَأَمَرَ بِجَلْدِهِمْ عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ، وَإِنْ عَلِمَ صِدْقَهُمْ. (السَّادِسُ) أَنَّ الْحَاكِمَ غَيْرُ مَعْصُومٍ فَيُتَّهَمُ بِالْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ فَلَعَلَّ الْمَحْكُومَ لَهُ وَلِيٌّ أَوْ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ صَدِيقٌ، وَلَا نَعْلَمُ نَحْنُ ذَلِكَ فَحَسَمْنَا الْمَادَّةَ صَوْنًا لِمَنْصِبِ الْقَضَاءِ عَنْ التُّهَمِ. (السَّابِعُ) قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَتَلَ أَخَاهُ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ قَاتِلٌ أَنَّهُ كَالْقَتْلِ عَمْدًا لَا يَرِثُ مِنْهُ شَيْئًا لِلتُّهْمَةِ فِي الْمِيرَاثِ فَنَقِيسُ عَلَيْهِ بَقِيَّةَ الصُّوَرِ بِجَامِعِ التُّهْمَةِ، احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ (أَحَدُهَا) مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى عَلَى أَبِي سُفْيَانَ بِالنَّفَقَةِ بِعِلْمِهِ فَقَالَ لِهِنْدَ خُذِي لَك، وَلِوَلَدِك مَا يَكْفِيك بِالْمَعْرُوفِ» ، وَلَمْ يُكَلِّفْهَا الْبَيِّنَةَ (وَثَانِيهَا) مَا رَوَاهُ صَاحِبُ الِاسْتِذْكَارِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ ادَّعَى عَلَى أَبِي سُفْيَانَ عِنْدَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ ظَلَمَهُ حَدًّا فِي مَوْضِعٍ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ انْهَضْ إلَى الْمَوْضِعِ فَنَظَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى الْمَوْضِعِ فَقَالَ يَا أَبَا سُفْيَانَ خُذْ هَذَا الْحَجَرَ مِنْ هَا هُنَا فَضَعْهُ هَا هُنَا فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ فَقَالَ لَا أَفْعَلُ فَعَلَاهُ عُمَرُ بِالدِّرَةِ، وَقَالَ خُذْهُ لَا أُمَّ لَك وَضَعْهُ هُنَا فَإِنَّك مَا عَلِمْت قَدِيمَ الظُّلْمِ فَأَخَذَهُ فَوَضَعَهُ حَيْثُ قَالَ فَاسْتَقْبَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقِبْلَةَ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ إذْ لَمْ تُمِتْنِي حَتَّى غَلَبْتُ أَبَا سُفْيَانَ عَلَى رَأْيِهِ، وَأَذْلَلْتَهُ لِي بِالْإِسْلَامِ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ إذْ لَمْ تُمِتْنِي حَتَّى جَعَلْت فِي قَلْبِي مَا ذَلَلْتُ لِعُمَرَ (وَثَالِثُهَا) قَوْله تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] وَقَدْ عَلِمَ الْقِسْطُ فَيُقَوِّمُ بِهِ (وَرَابِعُهَا) أَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَحْكُمَ بِالظَّنِّ النَّاشِئِ عَنْ قَوْلِ الْبَيِّنَةِ فَالْعِلْمُ أَوْلَى، وَمِنْ الْعَجَبِ جَعْلُ الظَّنِّ خَيْرًا مِنْ الْعِلْمِ. (وَخَامِسُهَا) أَنَّ التُّهْمَةَ قَدْ تَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْبَيِّنَةِ فَيَقْبَلُ قَوْلَ مَنْ لَا يُقْبَلُ (سَادِسُهَا) أَنَّ الْعَمَلَ وَاجِبٌ بِمَا نَقَلَتْهُ الرُّوَاةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَإِنْ وَعَدْت غَرِيمَك بِتَأْخِيرِ الدَّيْنِ لَزِمَك لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لَازِمٌ لِلْحَقِّ سَوَاءٌ قُلْت لَهُ أُؤَخِّرُك أَوْ أَخَّرْتُك، وَإِذَا أَسْلَفْته فَعَلَيْك تَأْخِيرُهُ مُدَّةً تَصْلُحُ لِذَلِكَ اهـ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ إنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ كَانُوا يَقُولُونَ جَاهَدْنَا وَمَا جَاهَدُوا، وَفَعَلْنَا أَنْوَاعًا مِنْ الْخَيْرَاتِ، وَمَا فَعَلُوهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ لِأَنَّهُ كَذِبٌ، وَتَسْمِيعٌ بِطَاعَةٍ، وَكِلَاهُمَا مُحَرَّمٌ وَمَعْصِيَةٌ اتِّفَاقًا، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْإِخْلَافِ فِي صِفَةِ الْمُنَافِقِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ سَجِيَّةٌ لَهُ، وَمُقْتَضَى حَالِهِ الْإِخْلَافُ، وَمِثْلُ هَذِهِ السَّجِيَّةِ يَحْسُنُ الذَّمُّ بِهَا كَمَا يُقَالُ سَجِيَّةٌ تَقْتَضِي الْبُخْلَ وَالْمَنْعَ فَمَنْ كَانَ صِفَتُهُ تَحُثُّ عَلَى الْخَيْرِ مُدِحَ أَوْ تَحُثُّ عَلَى الشَّرِّ ذُمَّ شَرْعًا وَعُرْفًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ وَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَعِيدِهِ وَبَيْنَ وَعْدِ غَيْرِهِ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخْبِرُ عَنْ مَعْلُومٍ، وَكُلُّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْعِلْمُ تَجِبُ مُطَابَقَتُهُ بِخِلَافِ وَاحِدٍ مِنْ الْبَشَرِ فَإِنَّهُ إنَّمَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَعَ تَجْوِيزِ أَنْ يَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَأَنْ لَا يَقَعَ فَلَا تَكُونُ الْمُطَابَقَةُ وَعَدَمُهَا مَعْلُومَيْنِ، وَلَا وَاقِعَيْنِ فَانْتَفَيَا بِالْكُلِّيَّةِ وَقْتَ الْإِخْبَارِ. وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ الْأَصْلُ فَقَالَ هَذَا هُوَ الَّذِي ظَهَرَ لِي لِأَنَّهُ أَقْرَبُ الطُّرُقِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ الْمُتَعَارِضَةِ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) تَمَسَّكَ بَعْضُهُمْ بِظَاهِرِ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَتَأْوِيلُ ظَاهِرِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ قَالَ يُفَسَّرُ الْكَذِبُ بِالْخَبَرِ الَّذِي لَا يُطَاقُ الْوَاقِعُ، وَكُلٌّ مِنْ الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمَاضِي وَالْحَالِ يَدْخُلُهُ وَصْفُ الْمُطَابَقَةِ وَعَدَمُهَا، وَلَيْسَ الْوُقُوعُ بِالْفِعْلِ شَرْطًا فَيَدْخُلُ الْكَذِبُ فِي الْكُلِّ، وَيَلْزَمُ دُخُولُ الْكَذِبِ فِي الْوَعْدِ بِالضَّرُورَةِ، وَإِنَّمَا سُومِحَ فِي الْوَعْدِ تَكْثِيرًا لِلْعِدَةِ بِالْمَعْرُوفِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَذِبِ، وَالْوَعْدِ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّاطِّ مَا خُلَاصَتُهُ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ لِوُجُوهٍ: (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُدُودَ تَسْتَلْزِمُ أَنْ تَكُونَ الْأَوْصَافُ فِيهَا بِالْفِعْلِ إذْ لَوْ اسْتَلْزَمَتْ ذَلِكَ لَخَرَجَ الطِّفْلُ الرَّضِيعُ عَنْ الْإِنْسَانِ ضَرُورَةَ أَنَّ النُّطْقَ الَّذِي هُوَ الْعَقْلُ مَفْقُودٌ فِيهِ بِالْفِعْلِ مَعَ أَنَّهُ عِنْدَ أَرْبَابِ الْحُدُودِ، وَهُمْ الْفَلَاسِفَةُ إنْسَانٌ، وَدَعْوَى أَنَّهُ إذَا لَمْ تَسْتَلْزِمْ ذَلِكَ كَانَ الْجَمَادُ وَالنَّبَاتُ كُلُّهُ إنْسَانًا لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلْحَيَاةِ وَالنُّطْقِ جَهْلٌ بِمَذْهَبِ أَرْبَابِ الْحُدُودِ، وَهُمْ الْفَلَاسِفَةُ فِي الْحَقَائِقِ، وَأَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ بِصِفَاتِهَا الذَّاتِيَّةِ فَلَا تَقْبَلُ حَقِيقَةٌ مِنْهَا صِفَةَ الْأُخْرَى فَالْحَيَوَانُ لَا يَقْبَلُ أَنْ يَكُونَ جَمَادًا، وَالْجَمَادُ لَا يَقْبَلُ أَنْ يَكُونَ حَيَوَانًا، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ فِي الْحُدُودِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ تَكُونَ الْأَوْصَافُ فِيهَا بِالْفِعْلِ بَطَلَ كُلُّ مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ مِنْ أَنَّ الْوَعْدَ لَا يَدْخُلُهُ الْكَذِبُ لِأَنَّهُ مُسْتَقْبَلٌ، وَصَحَّ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ يَدْخُلُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَابِلٌ لِذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي لَا يَصِحُّ سِوَاهُ. (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِحَدِيثِ الْمُوَطَّإِ عِنْدِي إلَّا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَعَ السَّائِلَ

فَمَا سَمِعَهُ الْمُكَلَّفُ أَوْلَى أَنْ يَعْمَلَ بِهِ، وَيَحْكُمَ بِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْفُتْيَا تُثْبِتُ شَرْعًا عَامًّا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالْقَضَاءُ فِي فَرْدٍ لَا يَتَعَدَّى لِغَيْرِهِ فَخَطَرُهُ أَقَلُّ. (وَسَابِعُهَا) أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْكُمْ بِعِلْمِهِ لَفَسَقَ فِي صُوَرٍ مِنْهَا أَنْ يَعْلَمَ وِلَادَةَ امْرَأَةٍ عَلَى فِرَاشِ رَجُلٍ فَيَشْهَدَ أَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ فَإِنْ قَبِلَ الْبَيِّنَةَ مَكَّنَهُ مِنْ وَطْئِهَا، وَهِيَ ابْنَتُهُ، وَهُوَ فِسْقٌ، وَإِلَّا حَكَمَ بِعِلْمِهِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَمِنْهَا أَنْ يَعْلَمَ قَتْلَ زَيْدٍ لِعَمْرٍو فَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ الْقَاتِلَ غَيْرُهُ فَإِنْ قَتَلَهُ قَتَلَ الْبَرِيءَ، وَهُوَ فِسْقٌ، وَإِلَّا حَكَمَ بِعِلْمِهِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَمِنْهَا لَوْ سَمِعَهُ يُطَلِّقُ ثَلَاثًا فَأَنْكَرَ فَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِوَاحِدَةٍ إنْ قَبِلَ الْبَيِّنَةَ مَكَّنَ مِنْ الْحَرَامِ، وَإِلَّا حَكَمَ بِعِلْمِهِ (وَثَامِنُهَا) «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى فَرَسًا فَجَحَدَهُ الْبَائِعُ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ يَشْهَدُ لِي فَقَالَ خُزَيْمَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَشْهَدُ لَك فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ تَشْهَدُ، وَلَا حَضَرْت فَقَالَ خُزَيْمَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْبِرُنَا عَنْ خَبَرِ السَّمَاءِ فَنُصَدِّقُك أَفَلَا نُصَدِّقُك فِي هَذَا فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَا الشَّهَادَتَيْنِ» فَهَذَا، وَإِنْ اسْتَدَلَّ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى عَدَمِ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ فَهُوَ يَدُلُّ لَنَا مِنْ جِهَةِ حُكْمِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِنَفْسِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لِغَيْرِهِ بِعِلْمِهِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ فِي التُّهْمَةِ مِنْ الْقَضَاءِ لِنَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ (وَتَاسِعُهَا) الْقِيَاسُ عَلَى التَّجْرِيحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ قِصَّةَ هِنْدَ فُتْيَا لَا حُكْمٌ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّهُ مُبَلِّغٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّبْلِيغُ فُتْيَا لَا حُكْمٌ وَالتَّصَرُّفُ بِغَيْرِهَا قَلِيلٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ، وَلِأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَى حَاضِرٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِفَ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ مِنْ بَابِ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ الَّذِي يَحْسُنُ مِنْ آحَادِ النَّاسِ لَا مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّهُ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهَا وَاقِعَةٌ غَيْرَ مُتَرَدِّدَةٍ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَتَكُونُ مُجْمَلَةً فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَا، وَعَنْ الثَّالِثِ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّ الْحُكْمَ بِالْعِلْمِ مِنْ الْقِسْطِ بَلْ هُوَ عِنْدَنَا مُحَرَّمٌ، وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّ الْعِلْمَ أَفْضَلُ مِنْ الظَّنِّ إلَّا أَنَّ اسْتِلْزَامَهُ لِلتُّهْمَةِ وَفَسَادِ مَنْصِبِ الْقَضَاءِ أَوْجَبَ مَرْجُوحِيَّتَهُ لِأَنَّ الظَّنَّ فِي الْقَضَاءِ يَخْرِقُ الْأُبَّهَةَ، وَيَمْنَعُ مِنْ نُفُوذِ الْمَصَالِحِ، وَعَنْ الْخَامِسِ أَنَّ التُّهْمَةَ مَعَ مُشَارَكَةِ الْغَيْرِ أَضْعَفُ بِخِلَافِ مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التُّهَمَ كُلَّهَا لَيْسَتْ مُعْتَبَرَةً بَلْ بَعْضُهَا، وَعَنْ السَّادِسِ أَنَّ الرِّوَايَةَ وَالسَّمَاعَ وَالرُّؤْيَةَ اسْتَوَى الْجَمِيعُ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْعِلْمِ بِخِلَافِ الْحُكْمِ، وَعَنْ السَّابِعِ أَنَّ تِلْكَ الصُّوَرِ لَمْ يَحْكُمْ فِيهَا بِعِلْمِهِ بَلْ تَرَكَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ مِنْ أَنْ يُخْبِرَ زَوْجَتَهُ بِخَبَرٍ يَقْتَضِي تَغَيُّظَهَا بِهِ كَأَنْ يُخْبِرَهَا عَنْ فِعْلِهِ مَعَ غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ بِمَا لَمْ يَفْعَلْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ فِيهِ تَغَيُّظًا بِزَوْجَتِهِ، وَسُوِّغَ لَهُ الْوَعْدُ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْإِخْلَافُ لِاحْتِمَالِ الْوَفَاءِ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَازِمًا عِنْدَ الْوَعْدِ عَلَى الْوَفَاءِ أَوْ عَلَى الْإِخْلَافِ أَوْ مُضْرِبًا عَنْهُمَا، وَيَتَخَرَّجُ ذَلِكَ فِي قِسْمِ الْعَزْمِ عَلَى الْإِخْلَافِ عَلَى الرَّأْيِ الصَّحِيحِ الْمُتَصَوَّرِ عِنْدِي مِنْ أَنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ لَا مُؤَاخَذَةَ بِهِ إذْ مُعْظَمُ دَلَائِلِ الشَّرِيعَةِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ الْإِخْلَافِ، وَأَنَّ السَّائِلَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا قَصَدَ الْوَعْدَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَسَأَلَ عَنْهُ لِأَنَّ الِاحْتِمَالَ فِي عَدَمِ الْوَفَاءِ إضْرَارًا أَوْ اخْتِيَارًا قَائِمٌ، وَرَفَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ الْجُنَاحَ لِاحْتِمَالِ الْوَفَاءِ ثُمَّ إنَّهُ إنْ وَفَى فَلَا جُنَاحَ، وَإِنْ لَمْ يَفِ مُضْطَرًّا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَفِ مُخْتَارًا فَالظَّوَاهِرُ الْمُتَضَافِرَةُ قَاضِيَةٌ بِالْحَرَجِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْعَلْ الْوَعْدَ قَسِيمًا لِلْكَذِبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذِبٌ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ قَسِيمًا لِلْخَبَرِ عَنْ غَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ الَّذِي هُوَ كَذِبٌ فَكَانَ قَسِيمَهُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ مُسْتَقْبَلًا، وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَقْبَلٍ أَوْ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ قَدْ تَعَيَّنَ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَالْوَعْدُ لَا يَتَعَيَّنُ أَنَّهُ كَذِبٌ. وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَعَ السَّائِلَ مِنْ الْكَذِبِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمُسْتَقْبَلِ فَمُجَرَّدُ دَعْوَى لَمْ تَقُمْ عَلَيْهَا حُجَّةٌ، وَلَا يَتَعَيَّنُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا قَالَهُ كَيْفَ، وَأَنَّ مَا قَالَهُ هُوَ عَيْنُ الْوَعْدِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا يُخْبِرُهَا عَنْ وُقُوعِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُتَعَلِّقًا بِهَا، وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ لَهَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهَا، وَمَا قِيلَ إنَّ السَّائِلَ لَمْ يَقْصِدْ الْوَعْدَ الَّذِي نَفَى بِهِ بَلْ قَصَدَ الْوَعْدَ الَّذِي لَا نَفْيَ فِيهِ عَلَى التَّعْيِينِ فَمُجَرَّدُ دَعْوَى كَذَلِكَ إذْ مِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ، وَعَلَى أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الْوَعْدِ غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ مِمَّا وَعَدَ بِهِ مِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ عَدَمَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ عِلْمُهُ بِذَلِكَ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ سِوَاهُ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْوَفَاءِ أَوْ الْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْوَفَاءِ فَسُوِّغَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ، وَأَنَّ عَدَمَ الْوَفَاءِ لَا يَتَعَيَّنُ أَوْ لِأَنَّ الْعَزْمَ عَلَى عَدَمِ الْوَفَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ عَدَمَ الْوَفَاءِ مَعْصِيَةٌ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ. (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ فِي حَمْلِ حَدِيثِ الْمُوَطَّإِ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَحَمْلِ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَفِ مُضْطَرًّا قُرْبًا، وَفِي حَمْلِ الْآيَةِ وَنَحْوِهَا عَلَى مَا قَالَهُ الشِّهَابُ بُعْدًا أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ النُّصُوصَ الدَّالَّةَ عَلَى دُخُولِ الصِّدْقِ فِي وَعْدِهِ تَعَالَى وَوَعِيدِهِ، وَأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ وَارِدٌ لَازِمٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الشِّهَابُ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ سَاقِطٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحَقَائِقَ لَا تَتَغَيَّرُ بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ الْمُخْبَرِ بِهَا عَنْهَا، وَلَا بِحَسَبِ حَالٍ دُونَ حَالٍ فَالْخَبَرُ الْقَابِلُ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ قَابِلٌ لَهُمَا، وَالْخَبَرُ الْقَابِلُ

الْحُكْمَ، وَتَرْكُهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ لَيْسَ فِسْقًا، وَتَرْكُ الْحُكْمِ لَيْسَ بِحُكْمٍ، وَعَنْ الثَّامِنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا حَكَمَ لِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَخَذَ الْفَرَسَ قَهْرًا مِنْ الْأَعْرَابِيِّ فَقَدْ اُخْتُلِفَ هَلْ حَكَمَ أَمْ لَا، وَهَلْ جَعْلَ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ بِشَهَادَتَيْنِ حَقِيقَةً أَوْ مُبَالَغَةً فَمَا تَعَيَّنَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا سُمِّيَ خُزَيْمَةُ ذَا الشَّهَادَتَيْنِ مُبَالَغَةً لَا حَقِيقَةً، وَعَنْ التَّاسِعِ أَنَّهُ يَحْكُمُ فِيهِ بِالْعِلْمِ نَفْيًا لِلتَّسَلْسُلِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِالْجَرْحِ أَوْ التَّعْدِيلِ، وَتَحْتَاجُ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةً أُخْرَى إلَّا أَنْ يُقْبَلَ بِعِلْمِهِ بِخِلَافِ صُورَةِ النِّزَاعِ مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ فِي الْمَعُونَةِ قَدْ قِيلَ هَذَا لَيْسَ حُكْمًا، وَإِلَّا يَتَمَكَّنُ غَيْرُهُ مِنْ نَقْضِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ تَرَكَ شَهَادَتَهُ وَتَفْسِيقَهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ حُكْمًا لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَهِيَ مُرَتَّبَةٌ عَلَى الْأُولَى قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ إذَا حَكَمَ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ قَبْلَ الْوِلَايَةِ أَوْ بَعْدَهَا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكُومَةِ أَوْ فِيهِ فَلِلْقَاضِي الثَّانِي نَقْضُهُ فَإِنْ أَقَرَّ الْخَصْمُ بَعْدَ جُلُوسِهِمَا لِلْحُكُومَةِ ثُمَّ أَنْكَرَ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُحْكَمُ بِهِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يُحْكَمُ بِهِ فَلَوْ جَحَدَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَقَرَّ فِي مَوْضِعٍ يَقْبَلُ مَا رَجَعَ إلَيْهِ مِنْ حُجَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا بَعْدَ الْجُحُودِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ، وَلَا أَرَى أَنْ يُبَاحَ هَذَا الْيَوْمُ لِأَحَدٍ مِنْ الْقُضَاةِ، وَاخْتَلَفَ إذَا حَكَمَ فَقَالَ مُحَمَّدٌ أَرَى أَنْ يَنْقُضَ حُكْمَهُ هُوَ نَفْسُهُ مَا كَانَ قَاضِيًا لَمْ يُعْزَلْ فَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْقُضَاةِ فَلَا أُحِبُّ لَهُ نَقْضَهُ قَالَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ يَنْقُضُهُ هُوَ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ رَأْيِهِ، وَقِيلَ لَا يَنْقُضُهُ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ رَأْيٍ إلَى رَأْيٍ فَإِنْ كَانَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ لَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ الْأَوَّلُ شَيْئًا، وَيَنْظُرُ إلَى مَنْ يُقَلِّدُهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَرَى الْحُكْمَ بِمِثْلِ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْقُضْهُ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يُؤَدِّي مَعَ فَسَادِ حَالِ الْقَضَاءِ الْيَوْمَ إلَى الْقَضَاءِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّ كُلَّهُمْ حِينَئِذٍ يَدَّعِي الْعَدَالَةَ فَيَنْقُضُهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الذَّرِيعَةِ فَهَذَا ضَرْبٌ مِنْ الِاجْتِهَادِ قُلْت فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ يُنْقَضُ. وَإِنْ كَانَ مُدْرَكًا مُخْتَلَفًا فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْمُدْرَكُ فِي النَّقْضِ كَوْنَهُ مُدْرَكًا مُخْتَلَفًا فِيهِ فَاَلَّذِي يُنْقَضُ بِهِ لَا يَعْتَقِدُهُ فَالْحُكْمُ وَقَعَ عِنْدَهُ بِغَيْرِ مُدْرَكٍ، وَالْحُكْمُ بِغَيْرِ مُدْرَكٍ يُنْقَضُ فَيَنْقُضُهُ لِذَلِكَ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا نَقْضُ الْحُكْمِ إذَا وَقَعَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى نَقْضِهِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَالَ هُوَ بِدْعَةٌ أَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهِ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَيْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَذَلِكَ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدِي الْقَوْلُ بِلُزُومِ الْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ مُطْلَقًا أَيْ، وَلَوْ لَمْ يُدْخِلْهُ فِي سَبَبٍ يَلْزَمُ بِوَعْدِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مَقْرُونًا بِذِكْرِ السَّبَبِ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى خِلَافِ الْوَجْهِ الَّذِي اخْتَارَهُ الشِّهَابُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. قُلْت وَفِي قَوْلِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ الشَّاطِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذْ لَوْ اسْتَلْزَمَتْ ذَلِكَ لَخَرَجَ ذَلِكَ الطِّفْلُ الرَّضِيعُ عَنْ حَدِّ الْإِنْسَانِ ضَرُورَةً إلَخْ نَظَرٌ إذْ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ النُّطْقِ هُوَ الْعَقْلُ دُخُولُ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ فِي حَدِّ الْإِنْسَانِ لِقَوْلِهِمْ الْعُقَلَاءُ ثَلَاثَةٌ الْإِنْسَانُ وَالْمَلَائِكَةُ وَالْجِنُّ فَيَكُونُ غَيْرَ مَانِعٍ، وَالْحَقُّ كَمَا فِي شَرْحِ الزُّلْفَى وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّاطِقِ فِي حَدِّ الْإِنْسَانِ مَا هُوَ مَبْدَأُ النُّطْقِ، وَالتَّكَلُّمِ أَوْ الْإِدْرَاكُ الْمَخْصُوصُ الَّذِي هُوَ الصُّورَةُ النَّوْعِيَّةُ الْإِنْسَانِيَّةُ اهـ. وَهَذِهِ الصُّورَةُ جَوْهَرٌ عِنْدَ الْمَشَّائِينَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي مَرْتَبَةٍ لَا يُشْتَرَطُ شَيْءٌ عَلَى مَا حُقِّقَ فِي مَحِلِّهِ، وَلَا تُوجَدُ فِي غَيْرِ الْإِنْسَانِ كَمَا فِي رِسَالَتِي السَّوَانِحِ الْجَازِمَةِ فِي التَّعَارِيفِ اللَّازِمَةِ، وَحِينَئِذٍ فَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ إذْ لَوْ اسْتَلْزَمَتْ ذَلِكَ لَخَرَجَ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِ النُّطْقُ بِمَعْنَى الصُّورَةِ النَّوْعِيَّةِ بِالْفِعْلِ مِنْ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ الَّتِي لَمْ تُوجَدْ مَعَ أَنَّ مَنْ شَرَطَ عِنْدَ أَرْبَابِ عِلْمِ الْمَنْطِقِ، وَهُمْ الْحُكَمَاءُ لِأَنَّهُ إمَّا جُزْءٌ مِنْ الْحِكْمَةِ أَوْ مُقَدِّمَةٌ لَهَا كَمَا قَالُوا أَنْ يَكُونَ جَامِعًا لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْمَاهِيَّةِ مَا تَحَقَّقَ مِنْهَا فِي الْخَارِجِ، وَمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فَمَنْ تَرَاهُمْ بَعْدَ تَعْرِيفِهِمْ الْكُلِّيِّ بِمَا يَمْنَعُ نَفْسَ تَصَوُّرِ مَفْهُومِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُتَصَوَّرُ وُقُوعِ الشَّرِكَةِ فِيهِ بِحَيْثُ يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ يَقُولُونَ سَوَاءٌ وُجِدَتْ أَفْرَادُهُ فِي الْخَارِجِ، وَتَنَاهَتْ كَالْكَوْكَبِ فَإِنَّ أَفْرَادَهُ السَّيَّارَةُ وَالثَّوَابِتُ وَالسَّيَّارَةُ سَبْعَةٌ مَجْمُوعَةٌ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ: زُحَلُ شَرُّ مِرِّيخِهِ مِنْ شَمْسِهِ ... فَتَزَاهَرَتْ لِعُطَارِدٍ الْأَقْمَارُ وَعَدَدُ الْمَرْصُودِ مِنْ الثَّوَابِتِ ذُكِرَ فِي الْهَيْئَةِ، وَالسَّيَّارَةُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي تِلْكَ، وَالثَّوَابِتُ كُلُّهَا فِي الْفَلَكِ الثَّامِنِ كَمَا حُقِّقَ فِي عِلْمِ الْهَيْئَةِ أَمْ وُجِدَتْ فِيهِ، وَلَمْ تَتَنَاهَ كَكَمَالِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ أَفْرَادَهُ مَوْجُودَةٌ قَدِيمَةٌ لَا تَتَنَاهَى، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحَالَةِ عَدَمِ التَّنَاهِي فِي الْقَدِيمِ أَمْ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ أَمَّا مَعَ امْتِنَاعِهَا كَالْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ. وَأَمَّا مَعَ إمْكَانِهَا كَجَبَلٍ مِنْ يَاقُوتٍ وَبَحْرٍ مِنْ زِئْبَقٍ أَمْ وُجِدَ مِنْهَا فَرْدٌ وَاحِدٌ فَقَطْ أَمَّا مَعَ امْتِنَاعِ وُجُودِ غَيْرِهِ كَالْإِلَهِ عِنْدَ مَنْ يُفَسِّرُهُ بِالْمَعْبُودِ بِحَقٍّ، وَأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ صِفَةٌ ثُمَّ غَلَبَتْ عَلَيْهَا الْعِلْمِيَّةُ إذْ الدَّلِيلُ الْخَارِجِيُّ قَطَعَ عَنْهُ عِرْقَ الشَّرِيكِ لَكِنَّهُ عِنْدَ الْعَقْلِ لَمْ يَمْتَنِعْ صِدْقُهُ عَلَى كَثِيرِينَ، وَإِلَّا لَمْ يَفْتَقِرْ إلَى دَلِيلِ الْوَحْدَانِيَّةِ، وَأَمَّا

[الفرق بين قاعدة ما يقبل القسمة وقاعدة ما لا يقبلها]

الْأَمْرُ كَمَا قَالَ بَلْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْقَضَاءِ بِهِ، وَكَذَلِكَ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يُجِيزُ الْحُكْمَ إلَّا بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ، وَالْحُكْمُ الْوَاقِعُ بِشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَغَيْرِهِ فَإِنَّهَا مُدْرَكٌ ضَعِيفٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَيَتَطَرَّقُ النَّقْضُ لِجَمِيعِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَ الْمُخَالِفِ بِغَيْرِ مُدْرَكٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَنَدُ فِي نَقْضِ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ لَيْسَ كَوْنَهُ مُدْرَكًا مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَأَنَّا لَا نَعْتَقِدُهُ مُدْرَكًا بَلْ مُسْتَنَدًا لِنَفْيِ التُّهْمَةِ كَمَا نَنْقُضُهُ إذَا حَكَمَ لِنَفْسِهِ فَلَا يُشَارِكُهُ فِي النَّقْضِ غَيْرُهُ مِنْ الْمَدَارِكِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَعَ أَنِّي قَدْ تَرَجَّحَ عِنْدِي فِيمَا، وَضَعْته فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتَاوَى، وَالْأَحْكَامِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْمُدْرَكِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ فِيهِ، وَيُعَيِّنُهُ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ الْمُدْرَكِ مَوْطِنُ اجْتِهَادٍ فَيَتَعَيَّنُ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ بِالْحُكْمِ فِيهِ كَمَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ فِي الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا الْمُخْتَلَفِ فِيهَا فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الْخَمْسَةُ هِيَ ضَابِطُ مَا يُنْتَقَضُ مِنْ قَضَاءِ الْقَاضِي، وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ لَا يُنْقَضُ، وَهُوَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ تَنَاوُلُ الْوِلَايَةِ لَهُ، وَالدَّلِيلِ، وَالسَّبَبِ، وَالْحُجَّةِ، وَانْتَفَتْ فِيهِ التُّهْمَةُ، وَوَقَعَ عَلَى الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ كَانَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْفَتْوَى وَقَاعِدَةِ الْحُكْمِ) : وَيَنْبَنِي عَلَى الْفَرْقِ تَمْكِينُ غَيْرِهِ مِنْ الْحُكْمِ بِغَيْرِ مَا قَالَ فِي الْفُتْيَا فِي مَوَاضِعِ الْخِلَافِ بِخِلَافِ الْحُكْمِ اعْلَمْ أَنَّ الْعِبَادَاتِ كُلَّهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا يَدْخُلُهَا الْحُكْمُ أَلْبَتَّةَ بَلْ الْفُتْيَا فَقَطْ فَكُلُّ مَا وُجِدَ فِيهَا مِنْ الْإِخْبَارَاتِ فَهِيَ فُتْيَا فَقَطْ فَلَيْسَ لِحَاكِمٍ أَنْ يَحْكُمَ بِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ، وَلَا أَنَّ هَذَا الْمَاءَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ فَيَكُونُ نَجِسًا فَيَحْرُمُ عَلَى الْمَالِكِيِّ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِعْمَالُهُ بَلْ مَا يُقَالُ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فُتْيَا إنْ كَانَتْ مَذْهَبَ السَّامِعِ عَمِلَ بِهَا، وَإِلَّا فَلَهُ تَرْكُهَا، وَالْعَمَلُ بِمَذْهَبِهِ، وَيَلْحَقُ بِالْعِبَادَاتِ أَسْبَابُهَا فَإِذَا شَهِدَ بِهِلَالِ رَمَضَانَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَأَثْبَتَهُ حَاكِمٌ شَافِعِيٌّ، وَنَادَى فِي الْمَدِينَةِ بِالصَّوْمِ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْمَالِكِيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ قَاعِدَةُ الْفَتْوَى وَقَاعِدَةُ الْحُكْمِ إلَى قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَهُ تَرْكُهَا، وَالْعَمَلُ بِمَذْهَبِهِ) : قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ (وَيَلْحَقُ بِالْعِبَادَاتِ أَسْبَابُهَا فَإِذَا شَهِدَ بِهِلَالِ رَمَضَانَ وَاحِدٌ فَأَثْبَتَهُ حَاكِمٌ شَافِعِيٌّ، وَنَادَى فِي الْمَدِينَةِ بِالصَّوْمِ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْمَالِكِيَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ إمْكَانِ وُجُودِ غَيْرِهِ كَالشَّمْسِ أَيْ الْكَوْكَبِ النَّهَارِيِّ الْمُضِيءِ مِنْهَا وَاحِدٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ مِنْهَا شُمُوسٌ كَثِيرَةٌ كَمَا فِي شَرْحِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلَى أيسا غوجي الْمَنْطِق وَحَاشِيَةِ الْعَطَّارِ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ، وَلَا تَأْخُذَ الْحَقَّ بِالرِّجَالِ بَلْ الرِّجَالَ بِالْحَقِّ كَمَا هُوَ أَدَبُ أَهْلِ الْكَمَالِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَقْبَلُهَا] (الْفَرْقُ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَقْبَلُهَا) الْقِسْمَةُ قَالَ التَّسَوُّلِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ تَصْيِيرُ مَشَاعٍ مَمْلُوكٍ لِمَالِكَيْنِ فَأَكْثَرَ مُعَيَّنًا بِقُرْعَةٍ أَوْ تَرَاضٍ بَلْ وَلَوْ بِاخْتِصَاصِ تَصَرُّفٍ فِيهِ وَقَوْلُهُ مُعَيَّنًا مَفْعُولٌ ثَانٍ لِتَصْيِيرٍ، وَقَوْلُهُ بِقُرْعَةٍ أَوْ تَرَاضٍ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، وَقَوْلُهُ بَلْ وَلَوْ بِاخْتِصَاصٍ إلَخْ مُبَالَغَةٌ عَلَيْهِ يَعْنِي هِيَ أَنْ يَصِيرَ الْقَاسِمُ الْمَشَاعُ الْمَمْلُوكُ لِمَالِكَيْنِ فَأَكْثَرَ مُعَيَّنًا بِاخْتِصَاصٍ فِي الرِّقَابِ بِقُرْعَةٍ أَوْ تَرَاضٍ بَلْ وَلَوْ كَانَ التَّعْيِينُ بِاخْتِصَاصٍ فِي الْمَنَافِعِ فَقَطْ أَيْ بِقُرْعَةٍ أَوْ تَرَاضٍ مَعَ بَقَاءِ الْأَصْلِ مَشَاعًا كَسُكْنَى دَارٍ وَخِدْمَةِ عَبْدٍ هَذَا شَهْرًا وَهَذَا شَهْرًا. قَالَ ثُمَّ هِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ (الْأَوَّلُ) قِسْمَةُ قُرْعَةٍ بَعْدَ تَعْدِيلٍ وَتَقْوِيمٍ وَهِيَ بَيْعٌ عِنْدَ مَالِكٍ، وَصَوَّبَهُ اللَّخْمِيُّ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ عِيَاضٍ وَابْنِ رُشْدٍ أَنَّهَا تَمْيِيزُ حَقٍّ، وَعَلَيْهِ عَوَّلَ خَلِيلٌ إذْ قَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَهِيَ تَمْيِيزُ حَقٍّ (النَّوْعُ الثَّانِي) قِسْمَةُ مُرَاضَاةٍ بَعْدَ تَعْدِيلٍ وَتَقْوِيمٍ كَذَلِكَ، وَهِيَ بَيْعٌ عَلَى الْمَشْهُورِ (النَّوْعُ الثَّالِثُ) قِسْمَةُ مُرَاضَاةٍ مِنْ غَيْرِ تَعْدِيلٍ، وَلَا تَقْوِيمٍ، وَهِيَ بَيْعٌ بِلَا خِلَافٍ اهـ. الْمُرَادُ بِتَصَرُّفٍ وَزِيَادَةٍ، وَفِي شَرْحِ عَبْدِ الْبَاقِي عَلَى مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَمُرَاضَاةٍ فَكَالْبَيْعِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ فَكَالْبَيْعِ أَفَادَ أَمْرَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّهُ يَجُوزُ هُنَا بِالتَّرَاضِي مَا لَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ، وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ مِنْهَا مَا عَارَضَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلَهُمْ إنَّهَا بَيْعٌ، وَسَلَّمَهُ فِي التَّوْضِيحِ مِنْ مَسْأَلَةِ، وَفِي قَفِيزٍ أَخَذَ أَحَدُهُمَا ثُلُثَهُ، وَالْآخَرُ ثُلُثَيْهِ نَعَمْ قَالَ الرَّمَاصِيُّ إنَّ مَسْأَلَةَ الْقَفِيزِ صُبْرَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَدْ قَالُوا إنَّ قِسْمَةَ الصُّبْرَةِ الْوَاحِدَةِ لَيْسَتْ حَقِيقَةً لِاتِّحَادِ الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ اُنْظُرْهُ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يَجُوزُ قِسْمَةُ مَا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ مَكِيلًا مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ مَعَ مَا أَصْلُهُ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا مَعَ خُرُوجِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ أَصْلِهِ كَأَنْ يَقْتَسِمَا فَدَّانًا مِنْ الزَّعْفَرَانِ مُزَارَعَةً مَا فِيهِ مِنْ الزَّعْفَرَانِ فَقَدْ قُسِمَ الزَّعْفَرَانُ جُزَافًا، وَأَصْلُهُ الْوَزْنُ، وَالْأَرْضُ كَيْلًا وَأَصْلُهَا الْجُزَافُ، وَلَا يَجُوزُ جَمْعُهُمَا فِي الْبَيْعِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يَجُوزُ قَسْمُ مَا زَادَ غَلَّتُهُ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَمْ يُجِيزُوا بَيْعَهُ. (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّهُ يَجُوزُ بِالتَّرَاضِي مَا لَا يَجُوزُ، وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ مِنْهَا أَنَّ قِسْمَةَ التَّرَاضِي

لِأَنَّ ذَلِكَ فُتْيَا لَا حُكْمٌ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ حَاكِمٌ قَدْ ثَبَتَ عِنْدِي الدَّيْنُ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ أَوْ لَا يُسْقِطُهَا أَوْ مِلْكُ نِصَابٍ مِنْ الْحُلِيِّ الْمُتَّخَذِ بِاسْتِعْمَالِ الْمُبَاحِ سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ أَوْ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الزَّكَاةَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْأَضَاحِيِّ، وَالْعَقِيقَةِ، وَالْكَفَّارَاتِ، وَالنُّذُورِ، وَنَحْوِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا أَوْ فِي أَسْبَابِهَا لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ بَلْ يَتَّبِعُ مَذْهَبَهُ فِي نَفْسِهِ. وَلَا يَلْزَمُهُ قَوْلُ ذَلِكَ الْقَائِلِ لَا فِي عِبَادَةٍ، وَلَا فِي سَبَبِهَا وَلَا شَرْطِهَا، وَلَا مَانِعِهَا، وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ قَالَ لَا تُقِيمُوا الْجُمُعَةَ إلَّا بِإِذْنِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُكْمًا، وَإِنْ كَانَتْ مَسْأَلَةً مُخْتَلَفًا فِيهَا هَلْ تَفْتَقِرُ الْجُمُعَةُ إلَى إذْنِ السُّلْطَانِ أَمْ لَا، وَلِلنَّاسِ أَنْ يُقِيمُوا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ صُورَةُ الْمَشَاقَّةِ، وَخَرْقُ أُبَّهَةِ الْوِلَايَةِ، وَإِظْهَارُ الْعِنَادِ وَالْمُخَالَفَةِ فَتُمْنَعُ إقَامَتُهَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ لِأَجْلِ ذَلِكَ لَا لِأَنَّهُ مَوْطِنُ خِلَافٍ اتَّصَلَ بِهِ حُكْمُ حَاكِمٍ، وَقَدْ قَالَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ حُكْمُ الْحَاكِمِ إنَّمَا يُؤَثِّرُ إذَا أَنْشَأَهُ فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ تَتَقَارَبُ فِيهَا الْمَدَارِكُ لِأَجْلِ مَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ فَاشْتِرَاطِي قَيْدَ الْإِنْشَاءِ احْتِرَازٌ مِنْ حُكْمِهِ فِي مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ ذَلِكَ إخْبَارٌ، وَتَنْفِيذٌ مَحْضٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSلِأَنَّ ذَلِكَ فُتْيَا لَا حُكْمٌ) قُلْت فِيمَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ إذْ لِقَائِلٍ أَنَّهُ يَقُولُ إنَّهُ حُكْمٌ يَلْزَمُ جَمِيعَ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ قَالَ (وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ حَاكِمٌ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ الدَّيْنَ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ أَوْ لَا يُسْقِطُهَا أَوْ مِلْكَ نِصَابٍ مِنْ الْحُلِيِّ الْمُتَّخَذِ لِاسْتِعْمَالٍ مُبَاحٍ سَبَبُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ أَوْ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الزَّكَاةَ إلَى قَوْلِهِ لَا فِي عِبَادَةٍ، وَلَا فِي سَبَبِهَا، وَلَا شَرْطِهَا وَلَا مَانِعِهَا) قُلْت لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ يَلْزَمُ غَيْرَ ذَلِكَ الْحَاكِمَ مِمَّنْ يُخَالِفُ مَذْهَبُهُ مَذْهَبَهُ مَا بُنِيَ عَلَى ذَلِكَ الثُّبُوتِ كَمَا إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ، وَأَرَادَ أَخْذَهَا مِمَّنْ يُخَالِفُ مَذْهَبُهُ مَذْهَبَهُ أَنَّهُ لَا يَسُوغُ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ دَفْعِهَا لَا لَهُ، وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ (وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ قَالَ لَا تُقِيمُوا الْجُمُعَةَ إلَّا بِإِذْنِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُكْمًا إلَى قَوْلِهِ، وَقَدْ قَالَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ) قُلْت بَلْ هُوَ صَحِيحٌ كَمَا قَالَ ذَلِكَ الْفَقِيهُ لِأَنَّهُ حُكْمُ حَاكِمٍ اتَّصَلَ بِأَمْرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَتَعَيَّنَ الْوُقُوفُ عِنْدَ حُكْمِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (بَلْ حُكْمُ الْحَاكِمِ إنَّمَا يُؤَثِّرُ إذَا أَنْشَأَهُ فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ تَتَقَارَبُ فِيهَا الْمَدَارِكُ لِأَجْلِ مَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ فَاشْتِرَاطِي قَيْدَ الْإِنْشَاءِ احْتِرَازٌ مِنْ حُكْمِهِ فِي مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ ذَلِكَ إخْبَارٌ وَتَنْفِيذٌ مَحْضٌ) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ إخْبَارٌ بِصَحِيحٍ بَلْ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَكُونُ فِيهَا تَمَاثُلٌ أَوْ اخْتِلَافُ جِنْسٍ، وَمِنْهَا أَنَّهَا تَكُونُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَفِي غَيْرِهِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يُقَامُ فِيهَا بِالْغَبْنِ حَيْثُ لَمْ يُدْخِلَا مُقَوَّمًا، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يُجْبِرُ عَلَيْهَا أَبَاهُ، وَمِنْهَا أَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ لِتَعْدِيلٍ وَتَقْوِيمٍ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ حَظِّ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ بِخِلَافِ الْقُرْعَةِ فِي الْجَمِيعِ عَلَى خِلَافِ مَنَافِعَ فِي الْبَعْضِ كَمَا سَيَأْتِي اهـ. بِبَعْضِ إصْلَاحٍ مِنْ الْبُنَانِيِّ فَالْمَقْسُومُ نَوْعَانِ: (الْأَوَّلُ) رِقَابُ الْأَمْوَالِ (وَالثَّانِي) الرِّقَابُ، وَهُمَا إمَّا قَابِلَانِ لِلْقِسْمَةِ بِالْقُرْعَةِ، وَإِمَّا غَيْرُ قَابِلَيْنِ لَهَا فَمَا لَا يَقْبَلُهَا أَحَدٌ أَرْبَعَةُ أُمُورٍ (الْأَوَّلُ) مَا فِي قِسْمَةِ الْغَرَرِ كَمَشْرُوعِيَّةِ الْقُرْعَةِ فِي الْمُخْتَلِفَاتِ فَإِنَّ الْغَرَرَ يَعْظُمُ، وَالْمُخْتَلِفَاتُ إمَّا مِنْ الرِّبَاعِ، وَإِمَّا مِنْ الْعُرُوضِ، وَإِمَّا مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الرِّبَاعِ فَقَالَ حَفِيدٌ ابْنُ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ أَنْوَاعِ الرِّبَاعِ الْمُخْتَلِفَةِ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا دُورٌ، وَمِنْهَا حَوَائِطُ، وَمِنْهَا أَرْضٌ فِي الْقِسْمَةِ بِالسُّهْمَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْعُرُوضِ فَقَالَ التَّسَوُّلِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا الْبَقَرَ مَثَلًا فِي نَاحِيَةِ الْعَقَارِ أَوْ الْإِبِلِ الَّتِي تُعَادِلُهَا فِي الْقِيمَةِ فِي نَاحِيَةٍ، وَيَقْتَرِعُونَ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ لَا يُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ جِنْسَيْنِ، وَلَا بَيْنَ نَوْعَيْنِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْغَرَرِ اهـ. مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ، وَقَالَ حَفِيدٌ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبِدَايَةِ، وَإِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى قِسْمَتِهَا عَلَى التَّرَاضِي، وَاخْتَلَفُوا فِي قِسْمَتِهَا بِالتَّعْدِيلِ وَالسُّهْمَةِ فَمَنَعَهَا مَالِكٌ فِي غَيْرِ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ، وَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ إلَّا أَنَّهُ يُجْمَعُ فِي الْقِسْمَةِ مَا تَقَارَبَ مِنْ الصِّنْفَيْنِ مِثْلُ الْقَزِّ وَالْحَرِيرِ وَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ، وَأَجَازَ أَشْهَبُ جَمْعَ صِنْفَيْنِ فِي الْقِسْمَةِ بِالسُّهْمَةِ مَعَ التَّرَاضِي، وَذَلِكَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْغَرَرَ لَا يَجُوزُ بِالتَّرَاضِي، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَقَالَ الْحَفِيدُ أَيْضًا أَمَّا مَا كَانَ مِنْهَا صُبْرَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَعَلَى جِهَةِ الْجَمْعِ لَا تَجُوزُ قِسْمَتُهَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ إلَّا بِالْكَيْلِ الْمَعْلُومِ فِيمَا يُكَالُ، وَبِالْوَزْنِ بِالصَّنْجَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِيمَا يُوزَنُ لِأَنَّ أَصْلَ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ فِي الصِّنْفَيْنِ إذَا تَقَارَبَتْ مَنَافِعُهَا مِثْلُ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ، وَإِذَا كَانَتْ بِمِكْيَالٍ مَجْهُولٍ لَمْ يَدْرِ كَمْ يَحْصُلْ فِيهِ مِنْ الْكَيْلِ الْمَعْلُومِ مِنْ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْهُمَا. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَعَلَى جِهَةِ الْجَمْعِ تَجُوزُ قِسْمَتُهَا عَلَى الِاعْتِدَالِ وَالتَّفَاضُلِ الْبَيِّنِ الْمَعْرُوفِ بِالْكَيْلِ الْمَعْلُومِ أَوْ الصَّنْجَةِ الْمَعْرُوفَةِ، وَهَذَا الْجَوَازُ كُلُّهُ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى جِهَةِ الرِّضَاءِ. وَأَمَّا فِي وَاجِبِ الْحُكْمِ فَلَا تَنْقَسِمُ كُلُّ صُبْرَةٍ إلَّا عَلَى حِدَةٍ بِالْمِكْيَالِ الْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُولِ اهـ بِتَلْخِيصٍ وَإِصْلَاحٍ. (الْأَمْرُ الثَّانِي) مَا فِي قِسْمَةِ الرِّبَا كَقَسْمِ الثِّمَارِ بِشَرْطِ التَّأْخِيرِ إلَى الطِّيبِ بِمَا يَدْخُلُهُ مِنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ غَيْرِ مَعْلُومِ التَّمَاثُلِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إمَّا بَيْعٌ بِاتِّفَاقٍ أَوْ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا عَلِمْت

وَفِي مَوَاقِعِ الْخِلَافِ يُنْشِئُ حُكْمًا، وَهُوَ إلْزَامُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ قِيلَ بِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ، وَيَكُونُ إنْشَاؤُهُ إخْبَارًا خَاصًّا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي تِلْكَ الصُّورَةِ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ، وَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى إنْشَاءَهُ فِي مَوَاطِنِ الْخِلَافِ نَصًّا، وَرَدَ مِنْ قِبَلِهِ فِي خُصُوصِ تِلْكَ الصُّورَةِ كَمَا لَوْ قَضَى فِي امْرَأَةٍ عُلِّقَ طَلَاقُهَا قَبْلَ الْمِلْكِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فَيَتَنَاوَلُ هَذِهِ الصُّورَةَ الدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَحُكْمُ الْمَالِكِيِّ بِالنَّقْضِ، وَلُزُومِ الطَّلَاقِ نَصٌّ خَاصٌّ تَخْتَصُّ بِهِ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الْمُعَيَّنَةُ، وَهُوَ نَصٌّ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ ذَلِكَ لِلْحَاكِمِ رَفْعًا لِلْخُصُومَاتِ وَالْمُشَاجَرَاتِ، وَهَذَا النَّصُّ الْوَارِدُ مِنْ هَذَا الْحَاكِمِ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ الدَّلِيلِ الْعَامِّ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الْأُصُولِيَّةَ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ قُدِّمَ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ فَلِذَلِكَ لَا يَرْجِعُ الشَّافِعِيُّ يُفْتِي بِمُقْتَضَى دَلِيلِهِ الْعَامِّ الشَّامِلِ لِجُمْلَةِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْهَا لِتَنَاوُلِهَا نَصٌّ خَاصٌّ بِهَا مُخْرِجٌ لَهَا عَنْ مُقْتَضَى ذَلِكَ الدَّلِيلِ الْعَامِّ، وَيُفْتِي الشَّافِعِيُّ بِمُقْتَضَى دَلِيلِهِ الْعَامِّ فِيمَا عَدَا هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ. وَكَذَلِكَ لَوْ حَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِاسْتِمْرَارِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا خَرَجَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ عَنْ دَلِيلِ الْمَالِكِيِّ وَأَفْتَى فِيهِ بِلُزُومِ النِّكَاحِ وَدَوَامِهِ، وَفِي غَيْرِهَا بِلُزُومِ الطَّلَاقِ لِأَجَلِ مَا أَنْشَأَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ الْحُكْمِ تَقْدِيمًا لِلْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِنْشَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــSهُوَ تَنْفِيذٌ مَحْضٌ، وَهُوَ الْحُكْمُ بِعَيْنِهِ إذْ لَا مَعْنَى لِلْحُكْمِ إلَّا التَّنْفِيذُ، وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَنَّ حَاكِمًا ثَبَتَ عِنْدَهُ بِوَجْهِ الثُّبُوتِ أَنَّ لِزَيْدٍ عِنْدَ عَمْرٍو مِائَةَ دِينَارٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهَا أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ أَنْ يَكُونَ إخْبَارًا، وَهَذَا الْمَوْضِعُ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ إنَّ مَوَاقِعَ الْإِجْمَاعِ لَا يَدْخُلُهَا الْحُكْمُ بَلْ الْإِخْبَارُ بِوَجْهٍ أَصْلًا قَالَ (وَفِي مَوَاقِعِ الْخِلَافِ يُنْشِئُ حُكْمًا، وَهُوَ إلْزَامُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ قِيلَ بِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ) قُلْت إلْزَامُهُ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ هُوَ تَنْفِيذُ الْحُكْمِ وَإِمْضَاؤُهُ بِعَيْنِهِ قَالَ (وَيَكُونُ إنْشَاؤُهُ إخْبَارًا خَاصًّا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي تِلْكَ الصُّورَةِ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ) قُلْت وَكَيْفَ يَكُونُ إنْشَاءً، وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ خَبَرًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ هَذَا مَا لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ قَالَ (وَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى إنْشَاءَهُ فِي مَوَاطِنِ الْخِلَافِ نَصًّا، وَرَدَ مِنْ قِبَلِهِ فِي خُصُوصِ تِلْكَ الصُّورَةِ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِنْشَاءِ) قُلْت لَا كَلَامَ أَشَدَّ فَسَادًا مِنْ كَلَامِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنْ تَبَايَنَ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ بِالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ فَفِي جَوَازِهِ بِالْقُرْعَةِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا اللَّخْمِيُّ كَمَا فِي الْأَصْلِ، وَفِي بِدَايَةِ حَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ لَا تَجُوزُ الْقُرْعَةُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بِاتِّفَاقٍ إلَّا مَا حَكَى اللَّخْمِيُّ اهـ. فَمُفَادُ الْأَصْلِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ بِجَوَازِ الْقُرْعَةِ وَمَنْعِهَا حَكَاهُمَا اللَّخْمِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ فِي خُصُوصِ مَا إذَا تَبَايَنَ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ بِالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ بِلَا تَرْجِيحٍ لِأَحَدِهِمَا، وَمَفَادُ الْحَفِيدِ أَنَّ الْقَوْلَ بِمَنْعِهَا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مُطْلَقًا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَذْهَبِ، وَأَنَّ الْقَوْلَ بِجَوَازِهَا فِي ذَلِكَ ضَعِيفٌ حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ مُخَالِفًا لِإِجْمَاعِهِمْ، وَسَيَأْتِي عَنْ الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق مَا سَلَّمَ لَهُ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مُطْلَقًا بِلَا تَرْجِيحٍ لِأَحَدِهِمَا، وَأَنَّ الْقَوْلَ بِالْجَوَازِ أَخَذَهُ اللَّخْمِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ مُقَيَّدًا بِمَا إذَا اسْتَوَى الْوَزْنُ وَالْقِيمَةُ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْقِيمَةُ مُنِعَتْ الْقُرْعَةُ فَانْظُرْ ذَلِكَ (الْأَمْرُ الثَّالِثُ) مَا كَانَ فِي قَسْمِهِ إضَاعَةُ الْمَالِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَقَسْمِ الْيَاقُوتِيَّةِ (الْأَمْرُ الرَّابِعُ) مَا كَانَ فِي قَسْمِهِ إضَاعَةُ الْمَالِ لِحَقٍّ آدَمِيٍّ كَقَسْمِ الدَّارِ اللَّطِيفَةِ وَالْحَمَّامِ وَالْخَشَبَةِ وَالثَّوْبِ وَالْمِصْرَاعَيْنِ قَالَ الْأَصْلُ: وَلِكَوْنِ إضَاعَةِ الْمَالِ فِي هَذَا الْأَمْرِ لِحَقٍّ آدَمِيٍّ يَجُوزُ عِنْدَنَا قَسْمُهُ بِالتَّرَاضِي لِأَنَّ لِلْآدَمِيِّ إسْقَاطُ حَقِّهِ بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي إضَاعَةِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَسْمَ مَا فِيهِ ضَرَرٌ أَوْ تَغَيُّرُ نَوْعِ الْمَقْسُومِ اهـ. بِتَوْضِيحٍ مَا، وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِسْمَةُ وَاحِدٍ مِنْ الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ لِلْفَسَادِ الدَّاخِلِ فِي ذَلِكَ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى مَنْعِ قِسْمَةِ ذَلِكَ لِمُطْلَقِ الْفَسَادِ كَانَ لِحَقِّ اللَّهِ أَوْ لِحَقٍّ آدَمِيٍّ، وَلَكِنْ الْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى الْفَسَادِ لِحَقِّ اللَّهِ فَقَطْ كَمَا فِي الْأَصْلِ فَافْهَمْ قَالَ الْحَفِيدُ، وَاخْتَلَفُوا إذَا تَشَاحَّ الشَّرِيكَانِ فِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ مِنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا بِالِانْتِفَاعِ بِهَا عَلَى الشِّيَاعِ، وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَبِيعَ صَاحِبُهُ مَعَهُ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَ أَحَدَهُمَا أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْقِيمَةِ الَّتِي أَعْطَى فِيهَا أَخَذَهُ. وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ لَا يُجْبَرُ لِأَنَّ الْأُصُولَ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَخْرُجَ مِلْكُ أَحَدٍ مِنْ يَدِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ، وَحُجَّةُ مَالِكٍ أَنَّ فِي تَرْكِ الْإِجْبَارِ ضَرَرًا، وَهَذَا مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ الْمُرْسَلِ، وَقَدْ قُلْنَا فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إلَّا مَالِكٍ، وَلَكِنَّهُ كَالضَّرُورِيِّ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ اهـ. قُلْت، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِالْقِيَاسِ الْمُرْسَلِ الْمَصْلَحَةُ الْمُرْسَلَةُ، وَقَدْ حَقَّقْت فِي رِسَالَتِي انْتِصَارِ الِاعْتِصَامِ وَجْهَهَا، وَأَنَّ مَالِكًا لَمْ يَخْتَصَّ بِالْقَوْلِ بِهَا فَانْظُرْهَا إنْ شِئْت. وَأَمَّا مَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ بِالْقُرْعَةِ فَهُوَ مَا عُرِّيَ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ (وَتَوْضِيحُ

وَقَوْلِي فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ احْتِرَازٌ مِنْ مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ الْحُكْمَ هُنَالِكَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَتَعَذَّرُ فِيهِ الْإِنْشَاءُ لِتَعَيُّنِهِ وَثُبُوتِهِ إجْمَاعًا، وَقَوْلِي تَتَقَارَبُ مَدَارِكُهَا احْتِرَازٌ مِنْ الْخِلَافِ الشَّاذِّ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْمُدْرَكِ الضَّعِيفِ فَإِنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ بَلْ يُنْقَضُ فِي نَفْسِهِ إذَا حَكَمَ بِالْفَتْوَى الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْمُدْرَكِ، وَقَوْلِي لِأَجْلِ مَصَالِحِ الدُّنْيَا احْتِرَازٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالْفَتْوَى بِتَحْرِيمِ السِّبَاعِ، وَطَهَارَةِ الْأَوَانِي ـــــــــــــــــــــــــــــSفِي هَذَا الْفَصْلِ. وَكَيْفَ يَكُونُ إنْشَاءُ الْحَاكِمِ الْحُكْمَ فِي مَوَاقِعِ الْخِلَافِ نَصًّا خَاصًّا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اجْتَهَدَ أَحَدُكُمْ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِنْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ» وَكَيْفَ يَصِحُّ الْخَطَأُ فِيمَا فِيهِ النَّصُّ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا كَلَامٌ بَيِّنُ الْخَطَأِ بِلَا شَكٍّ فِيهِ، وَمَا تَخَيَّلَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ يُعَيِّنُ فِي الْقَضِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِي نُفُوذِ الْحُكْمِ وَثَبَاتِهِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ لَوْ لَمْ يُنَفَّذْ لَا لِمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ إنْشَاءٌ مِنْ الْحَاكِمِ مَوْضُوعٌ كَنَصٍّ خَاصٍّ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (وَقَوْلِي فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ احْتِرَازٌ مِنْ مَوْقِعِ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ الْحُكْمَ هُنَالِكَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَتَعَذَّرُ فِيهِ الْإِنْشَاءُ لِتَعَيُّنِهِ وَثُبُوتِهِ إجْمَاعًا) قُلْت هَذَا كَلَامٌ سَاقِطٌ أَيْضًا، وَكَمَا أَنَّ الْحُكْمَ فِي مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ فَالْحُكْمُ فِي مَوَاقِعِ الْخِلَافِ ثَابِتٌ بِالْخِلَافِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّصْوِيبِ كِلَاهُمَا حَقٌّ وَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّصْوِيبِ أَحَدُهُمَا حَقٌّ، وَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَكِنْ ثَبَتَ الْعُذْرُ لِلْمُكَلَّفِ فِي ذَلِكَ، وَمَا أَوْقَعَهُ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ إلَّا الِاشْتِرَاكُ الَّذِي فِي لَفْظِ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ يُقَالُ الْحُكْمُ فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى النِّكَاحِ اللُّزُومُ لِلْمُقَلِّدِ الْمَالِكِيِّ، وَيُقَالُ الْحُكْمُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ الْفُلَانِيُّ عَلَى فُلَانٍ مُعَلِّقِ الطَّلَاقِ لُزُومُ الطَّلَاقِ، وَالْمُرَادُ بِالْحُكْمِ الْأَوَّلِ لُزُومُ الطَّلَاقِ لِكُلِّ مُعَلِّقٍ لِلطَّلَاقِ مِنْ مَالِكِيٍّ أَوْ مُقَلِّدٍ لِمَالِكِيٍّ، وَالْمُرَادُ بِالْحُكْمِ الثَّانِي لُزُومُ الطَّلَاقِ بِإِلْزَامِ الْحَاكِمِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِكِيٍّ أَوْ غَيْرِ الْمَالِكِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (وَقَوْلِي تَتَقَارَبُ مَدَارِكُهَا احْتِرَازٌ مِنْ الْخِلَافِ الشَّاذِّ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْمُدْرَكِ الضَّعِيفِ فَإِنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ بَلْ يُنْقَضُ فِي نَفْسِهِ إذَا حُكِمَ بِالْفَتْوَى الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْمُدْرَكِ الضَّعِيفِ) قُلْت لِلْكَلَامِ فِي الْقَوْلِ الشَّاذِّ وَالْمُدْرَكِ الضَّعِيفِ مَجَالٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهُ قَالَ (وَقَوْلِي لِأَجْلِ مَصَالِحِ الدُّنْيَا احْتِرَازٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالْفَتْوَى بِتَحْرِيمِ السِّبَاعِ وَطَهَارَةِ الْأَوَانِي ـــــــــــــــــــــــــــــQالْكَلَامِ) فِيهِ أَنَّ الْمَقْسُومَ كَمَا مَرَّ إمَّا رِقَابُ أَمْوَالٍ، وَإِمَّا مَنَافِعُ الرِّقَابِ، وَأَقْسَامُ الرِّقَابِ ثَلَاثَةٌ لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تُنْقَلَ وَتُحَوَّلَ أَمْ لَا، وَالثَّانِي هُوَ الرِّبَاعُ، وَالْأُصُولُ وَالْأَوَّلُ إمَّا مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ، وَإِمَّا غَيْرُ مَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ، وَهُوَ الْحَيَوَانُ وَالْعُرُوضُ أَمَّا الْحَيَوَانُ وَالْعُرُوضُ فَقَالَ حَفِيدُ ابْنِ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ قِسْمَةِ الْمُتَعَدِّدِ مِنْهُمَا عَلَى التَّرَاضِي، وَاخْتَلَفُوا فِي قِسْمَتِهِ بِالتَّعْدِيلِ وَالسُّهْمَةِ فَأَجَازَهَا مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ، وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي تَمْيِيزِ الصِّنْفِ الْوَاحِدِ الَّذِي تَجُوزُ فِيهِ السُّهْمَةُ مِنْ الَّذِي لَا تَجُوزُ فِيهِ فَاعْتَبَرَ أَشْهَبُ بِمَا لَا يَجُوزُ تَسْلِيمُ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ. وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ فَاضْطَرَبَ فَمَرَّةً أَجَازَ الْقَسْمَ بِالسُّهْمَةِ فِيمَا لَا يَجُوزُ تَسْلِيمُ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ فَجَعَلَ الْقِسْمَةَ أَخَفَّ مِنْ السَّلَمِ، وَمَرَّةً مَنَعَ الْقِسْمَةَ فِيمَا مَنَعَ فِيهِ السَّلَمُ، وَقَدْ قِيلَ إنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الْقِسْمَةَ فِي ذَلِكَ أَخَفُّ، وَأَنَّ مَسَائِلَهُ الَّتِي يُظَنُّ مِنْ قِبَلِهَا أَنَّ الْقِسْمَةَ عِنْدَهُ أَشَدُّ مِنْ السَّلَمِ تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ عَلَى أَصْلِهِ الثَّانِي اهـ. مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ، وَقَالَ التَّسَوُّلِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ، وَلَا بُدَّ فِيمَا تَفَاوَتَتْ أَجْزَاؤُهُ مِنْ التَّقْوِيمِ فَتُجْمَعُ الدُّورُ عَلَى حِدَتِهَا، وَالْأَقْرِحَةُ أَيْ الْفَدَّادِينَ عَلَى حِدَتِهَا وَالْأَجِنَاتُ عَلَى حِدَتِهَا، وَالْبَقَرُ صَغِيرُهَا وَكَبِيرُهَا عَلَى حِدَتِهَا وَالْإِبِلُ كَذَلِكَ عَلَى حِدَتِهَا، وَالرَّقِيقُ كَذَلِكَ عَلَى حِدَتِهَا، وَالْحَمِيرُ صَغِيرُهَا وَكَبِيرُهَا عَلَى حِدَتِهِ، وَالْبِغَالُ كَذَلِكَ، وَهَكَذَا ثُمَّ يُجَزَّأُ الْمَقْسُومُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِالْقِسْمَةِ عَلَى أَقَلِّهِمْ نَصِيبًا، وَيَقْتَرِعُونَ اهـ. بِلَفْظِهِ، وَقَالَ الْأَصْلُ مَنْعُ أَبُو حَنِيفَةَ قَسْمَ الرَّقِيقِ، وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيِّ، وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَنَافِعَهُ مُخْتَلِفَةٌ بِالْعَقْلِ وَالشَّجَاعَةِ وَغَيْرِهِمَا فَلَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّعْدِيلُ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ تَعْدِيلُهُ لَامْتَنَعَ بَيْعُهُ وَتَقْوِيمُهُ لِأَنَّهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْقِيمَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ. (وَأَمَّا) الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ فَإِمَّا أَنْ يَقَعَ قَسْمُهُمَا بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ الْمَعْلُومِ أَوْ الْمَجْهُولِ أَوْ جُزَافًا بِلَا تَحَرٍّ أَوْ بِتَحَرٍّ فَمَا وَقَعَ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ الْمَعْلُومِ أَوْ الْمَجْهُولِ يَجُوزُ بِالتَّرَاضِي بِلَا خِلَافٍ كَانَا مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ أَمْ لَا قَالَ الرَّمَاصِيُّ، وَمَا فِي الْحَطَّابِ مَنْ مَنَعَ الْمُرَاضَاةَ فِيمَا فِيهِ التَّفَاضُلُ مَحْمُولٌ عَلَى قَسْمِ مَا لَيْسَ صُبْرَةً وَاحِدَةً كَقَمْحٍ وَشَعِيرٍ أَوْ مَحْمُولَةٍ وَسَمْرَاءَ أَوْ مَغْلُوتٍ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ اهـ. وَفِي جَوَازِهِ بِالْقُرْعَةِ وَمَنْعِهِ بِهَا قَوْلَانِ الْأَوَّلُ لِلَّخْمِيِّ فِي قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ هَلَكَ، وَتَرَكَ مَتَاعًا وَحُلِيًّا قُسِّمَ الْمَتَاعُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ بِالْقِيمَةِ، وَالْحُلِيُّ بِالْوَزْنِ فَإِنَّهُ قَالَ يُرِيدُ أَوْ يَتَرَاضَيَانِ أَحَدُهُمَا هَذَا، وَالْآخَرُ هَذَا أَوْ بِالْقُرْعَةِ إذَا اسْتَوَى الْوَزْنُ، وَالْقِيمَةُ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْقِيمَةُ لَمْ يَجُزْ

وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ اخْتِلَافُ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهِ لَا لِلدُّنْيَا بَلْ لِلْآخِرَةِ بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي الْعُقُودِ وَالْأَمْلَاكِ وَالرُّهُونِ وَالْأَوْقَافِ وَنَحْوِهَا إنَّمَا ذَلِكَ لِمَصَالِحِ الدُّنْيَا، وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ قِسْمَانِ مِنْهَا مَا يَقْبَلُ حُكْمَ الْحَاكِمِ مَعَ الْفُتْيَا فَيُجْمَعُ الْحُكْمَانِ، وَمِنْهَا لَا يَقْبَلُ إلَّا الْفَتْوَى، وَيَظْهَرُ لَك بِهَذَا أَيْضًا تَصَرُّفُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا وَقَعَ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْفَتْوَى أَوْ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ، وَالْإِنْشَاءِ، وَأَيْضًا يَظْهَرُ أَنَّ إخْبَارَ الْحَاكِمِ عَنْ نِصَابٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ أَنَّهُ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فَتْوَى، وَأَمَّا أَخْذُهُ لِلزَّكَاةِ فِي مَوَاطِنِ الْخِلَافِ فَحُكْمٌ، وَفَتْوَى مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ تَنَازُعٌ بَيْنَ الْفُقَرَاءِ. وَالْأَغْنِيَاءِ فِي الْمَالِ الَّذِي هُوَ مَصْلَحَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ، وَلِذَلِكَ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ السُّعَاةِ، وَالْجُبَاةِ فِي الزَّكَاةِ أَحْكَامٌ لَا نَنْقُضُهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْفَتْوَى عِنْدَنَا عَلَى خِلَافِهَا، وَيَصِيرُ حِينَئِذٍ مَذْهَبَنَا، وَيَظْهَرُ بِهَذَا التَّقْرِيرِ أَيْضًا سِرُّ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ إنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ لَا يُنْقَضُ، وَأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ، وَتَصِيرُ هَذِهِ الصُّورَةُ مُسْتَثْنَاةً مِنْ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ الْعَامَّةِ كَاسْتِثْنَاءِ الْمُصَرَّاةِ، وَالْعَرَايَا، وَالْمُسَاقَاةِ، وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ، وَيَظْهَرُ بِهَذَا أَيْضًا أَنَّ التَّقْرِيرَاتِ مِنْ الْحُكَّامِ لَيْسَتْ أَحْكَامًا فَتَبْقَى الصُّورَةُ قَابِلَةً لِحُكْمِ جَمِيعِ تِلْكَ الْأَقْوَالِ الْمَنْقُولَةِ فِيهَا قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ مَا قَضَى بِهِ مِنْ نَقْلِ الْأَمْلَاكِ، وَفَسْخِ الْعُقُودِ فَهُوَ حُكْمٌ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَكْثَرَ مِنْ تَقْرِيرِ الْحَادِثَةِ لَمَا رُفِعَتْ إلَيْهِ كَامْرَأَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَأَقَرَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ اخْتِلَافُ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهِ لَا لِلدُّنْيَا إلَى قَوْلِهِ لَا نَنْقُضُهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْفَتْوَى عِنْدَنَا عَلَى خِلَافِهَا) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ (وَيَصِيرُ حِينَئِذٍ مَذْهَبَنَا) قُلْت لَا يَصِيرُ مَذْهَبَنَا، وَلَكِنَّا لَا نَنْقُضُهُ لِمَصْلَحَةِ الْأَحْكَامِ قَالَ (وَيَظْهَرُ بِهَذَا التَّقْرِيرِ أَيْضًا سِرُّ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ إنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ لَا يُنْقَضُ، وَأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ إلَى قَوْلِهِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُسْتَثْنَيَاتِ) قُلْت لَا رُجُوعَ هُنَا لِلْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ إنْ كَانَ يَعْنِي قَاعِدَةَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، وَلَكِنْ يَرْجِعُ إلَى قَاعِدَةٍ فِقْهِيَّةٍ، وَهِيَ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا نُفِّذَ عَلَى مَذْهَبٍ مَا لَا يُنْقَضُ، وَلَا يُرَدُّ، وَذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الْأَحْكَامِ وَرَفْعِ التَّشَاجُرِ وَالْخِصَامِ قَالَ (وَيَظْهَرُ بِهَذَا أَيْضًا أَنَّ التَّقْرِيرَاتِ مِنْ الْحُكَّامِ لَيْسَتْ أَحْكَامًا إلَى قَوْلِهِ فَهُوَ مَوْكُولٌ إلَى مَنْ يَأْتِي مِنْ الْحُكَّامِ وَالْفُقَهَاءِ) قُلْت ذَلِكَ صَحِيحٌ، وَأَكْثَرُهُ أَوْ كُلُّهُ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْقُرْعَةِ اهـ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَقِبَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ يَقُومُ مِنْهُ جَوَازُ الْقُرْعَةِ فِي الْوَدِيعَةِ إذَا اسْتَوَتْ فِي الْوَزْنِ وَالْقِيمَةِ، وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْمُدَّخَرَاتِ اهـ. وَالثَّانِي لِابْنِ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ، وَعَزَاهُ ابْنُ زَرْقُونٍ لِسَحْنُونٍ اهـ. عَلَيْهِ اقْتَصَرَ صَاحِبُ الْمُعِينِ وَصَاحِبُ التُّحْفَةِ، وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهُ إذَا كِيلَ أَوْ وُزِنَ فَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْ الْقُرْعَةِ فَلَا مَعْنَى لِدُخُولِهَا، وَمَا وَقَعَ جُزَافًا بِلَا تَحَرٍّ قَالَ فِي الْبِدَايَةِ لَا يَجُوزُ يَعْنِي كَانَ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِالْقُرْعَةِ كَمَا يُفِيدُهُ تَفْصِيلُ ابْنِ رُشْدٍ الْآتِي فَتَنَبَّهْ، وَمَا وَقَعَ بِالتَّحَرِّي قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ عَبْدِ الْبَاقِي مَا يُفِيدُ جَوَازَهُ بِالتَّرَاضِي فَلَا تَغْفُلْ، وَقَدْ حَكَى الْبُنَانِيُّ عَلَى عبق فِي جَوَازِهِ بِالْقُرْعَةِ أَقْوَالًا الْجَوَازُ مُطْلَقًا عَنْ الْبَاجِيَّ قَالَ فَقَدْ سُئِلَ سَيِّدِي عِيسَى بْنُ عَلَّالٍ عَنْ صِفَةِ قِسْمَةِ الْوَزِيعَةِ بِالْقُرْعَةِ الَّتِي جَرَى بِهَا الْعُرْفُ عِنْدَنَا فَقَالَ كَانَ شَيْخُنَا سَيِّدِي مُوسَى الْعَبْدُوسِيُّ يَقُولُ إنْ قُسِمَتْ وَزْنًا فَإِنْ شَاءُوا اقْتَرَعُوا أَوْ تَرَكُوا عَلَى مَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ فِي قِسْمَةِ الْحُلِيِّ، وَإِنْ قُسِمَتْ تَحَرَّيَا فَهَذَا مَوْضِعُ الْقُرْعَةِ ثُمَّ قَالَ قَالَ الْبَاجِيَّ فِي قِسْمَةِ الثِّمَارِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّحَرِّي عِنْدِي أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْقُرْعَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهَا تَمْيِيزُ حَقٍّ اهـ. وَالْمَنْعُ مُطْلَقًا عَنْ ابْنِ زَرْقُونٍ فَقَدْ قَالَ وَمِثْلُ مَا قُسِمَ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فِي مَنْعِ الْقُرْعَةِ عِنْدِي مَا قُسِمَ بِالتَّحَرِّي لِأَنَّ مَا يَتَسَاوَى فِي الْجِنْسَيْنِ وَالْجُودَةِ وَالْقَدْرِ لَا يَحْتَاجُ إلَى سَهْمٍ كَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ اهـ. قَالَ الْعَبْدُوسِيُّ، وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ الْبَاجِيَّ، وَالْوَزِيعَةُ تَجْرِي عَلَيْهِ اهـ. نَقَلَهُ فِي تَكْمِيلِ التَّقْيِيدِ، وَعَنْ ابْنِ رُشْدٍ الْقَوْلُ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ الْقَسْمِ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ فَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ أَوْ بِالتَّحَرِّي فَيَجُوزُ أَيْ التَّفَاضُلُ فِي الْمَوْزُونِ دُونَ الْمَكِيلِ أَوْ بِدُونِهِمَا فَيَمْتَنِعُ مُطْلَقًا لِلْمُزَابَنَةِ قَالَ وَذَلِكَ التَّفْصِيلُ إنَّمَا هُوَ فِي الصُّبْرَةِ الْوَاحِدَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّ قَسْمَ الصُّبْرَةِ الْوَاحِدَةِ غَيْرُ حَقِيقِيٍّ لِاتِّحَادِ الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ اهـ. بِتَلْخِيصٍ، وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ، وَأَنَّ مَا وكنو الرِّبَاع وَالْأُصُول فَقَالَ حَفِيدُ ابْنُ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ اتِّفَاقًا مُجْمَلًا عَلَى جَوَازِ قِسْمَةِ الرِّبَاعِ وَالْأُصُولِ بِالتَّرَاضِي سَوَاءٌ كَانَتْ بَعْدَ تَقْوِيمٍ وَتَعْدِيلٍ أَوْ بِدُونِ ذَلِكَ كَانَتْ الرِّقَابُ مُتَّفِقَةً أَوْ مُخْتَلِفَةً لِأَنَّهَا بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ فَلَا يَحْرُمُ فِيهَا إلَّا مَا يَحْرُمُ فِيهَا فِي الْبُيُوعِ، وَكَذَا عَلَى جَوَازِهَا بِالسُّهْمَةِ إذَا عُدِّلَتْ بِالْقِيمَةِ لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّ ذَلِكَ وَشُرُوطِهِ فَأَمَّا بَيَانُهُ فِي مَحَلِّهِ أَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَحَالَّ كَثِيرَةٍ فَإِذَا كَانَتْ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَإِنْ انْقَسَمَتْ إلَى أَجْزَاءَ مُتَسَاوِيَةٍ بِالصِّفَةِ، وَلَمْ تَنْقُصْ بِالِانْقِسَامِ مَنْفَعَةُ الْأَجْزَاءِ فَلَا

وَأَجَازَهُ ثُمَّ عُزِلَ، وَجَاءَ قَاضٍ بَعْدَهُ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَيْسَ بِحُكْمٍ، وَلِغَيْرِهِ فَسْخُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ حُكْمٌ لِأَنَّهُ أَمْضَاهُ، وَالْإِقْرَارُ عَلَيْهِ كَالْحُكْمِ بِإِجَازَتِهِ فَلَا يُنْقَضُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ، وَقَالَ إنَّهُ حُكْمٌ فِي حَادِثَةٍ بِاجْتِهَادِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ فِيهِ بِإِمْضَائِهِ أَوْ فَسْخِهِ أَمَّا لَوْ رُفِعَ إلَيْهِ هَذَا النِّكَاحُ فَقَالَ أَنَا لَا أُجِيزُ هَذَا النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْكُمَ بِفَسْخِ هَذَا النِّكَاحِ بِعَيْنِهِ فَهَذِهِ فَتْوَى، وَلَيْسَتْ بِحُكْمٍ أَوْ رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمٌ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَقَالَ أَنَا لَا أُجِيزُ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ فَهُوَ فَتْوَى مَا لَمْ يَقَعْ حُكْمٌ عَلَى عَيْنِ الْحُكْمِ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْوَجْهِ خِلَافًا قَالَ وَإِنْ حَكَمَ بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا طَرِيقُهُ التَّحْرِيمُ وَالتَّحْلِيلُ، وَلَيْسَ بِنَقْلِ مِلْكٍ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ إلَى الْآخَرِ، وَلَا فَصْلِ خُصُومَةٍ بَيْنَهُمَا، وَلَا إثْبَاتِ عَقْدٍ، وَلَا فَسْخِهِ مِثْلُ رَضَاعِ كَبِيرٍ فَيَحْكُمُ بِأَنَّهُ رَضَاعٌ مُحَرَّمٌ. وَيُفْسَخُ النِّكَاحُ لِأَجْلِهِ فَالْفَسْخُ حُكْمٌ، وَالتَّحْرِيمُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَثْبُتُ بِحُكْمِهِ بَلْ هُوَ مَعْرِضٌ لِلِاجْتِهَادِ أَوْ رُفِعَتْ إلَيْهِ امْرَأَةٌ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا فَفَسَخَ نِكَاحَهَا، وَحَرَّمَهَا عَلَى زَوْجِهَا فَفَسْخُهُ حُكْمٌ دُونَ تَحْرِيمِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَحُكْمُهُ بِنَجَاسَةِ مَاءٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ تَحْرِيمِ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ إجَارَةٍ فَهُوَ فَتْوَى لَيْسَ حُكْمًا عَلَى التَّأْبِيدِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَهِدَهُ، وَمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ مَوْكُولٌ لِمَنْ يَأْتِي مِنْ الْحُكَّامِ وَالْفُقَهَاءِ فَظَهَرَ أَيْضًا مِنْ هَذِهِ الْفَتَاوِي، وَالْمَبَاحِثِ أَنَّ الْفَتْوَى وَالْحُكْمَ كِلَاهُمَا إخْبَارٌ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَجِبُ عَلَى السَّامِعِ اعْتِقَادُهُمَا، وَكِلَاهُمَا يَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَكِنْ الْفَتْوَى إخْبَارٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي إلْزَامٍ أَوْ إبَاحَةٍ، وَالْحُكْمُ إخْبَارٌ مَعْنَاهُ الْإِنْشَاءُ وَالْإِلْزَامُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيَانُ ذَلِكَ بِالتَّمْثِيلِ أَنَّ الْمُفْتِيَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمُتَرْجِمِ مَعَ الْقَاضِي يَنْقُلُ مَا وَجَدَهُ عَنْ الْقَاضِي، وَاسْتَفَادَهُ مِنْهُ بِإِشَارَةٍ أَوْ عِبَارَةٍ أَوْ فِعْلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (فَظَهَرَ أَيْضًا مِنْ هَذِهِ الْفَتَاوَى وَالْمَبَاحِثِ أَنَّ الْفَتْوَى، وَالْحُكْمَ كِلَاهُمَا إخْبَارٌ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَجِبُ عَلَى السَّامِعِ اعْتِقَادُهُمَا، وَكِلَاهُمَا يَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَكِنْ الْفَتْوَى إخْبَارٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي إلْزَامٍ أَوْ إبَاحَةٍ، وَالْحُكْمُ إخْبَارٌ مَعْنَاهُ الْإِنْشَاءُ، وَالْإِلْزَامُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى) قُلْت كَيْفَ يَكُونُ الْإِخْبَارُ إنْشَاءً، وَقَدْ فَرَّقَ هُوَ قَبْلَ هَذَا فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ بَيْنَهُمَا، وَكَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ إلْزَامًا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مُمْكِنُ الْخَطَأِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الْحَدِيثِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ هَذَا مَا لَا يَصِحُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (وَبَيَانُ ذَلِكَ بِالتَّمْثِيلِ أَنَّ الْمُفْتِيَ مَعَ اللَّهِ كَالْمُتَرْجِمِ مَعَ الْقَاضِي بِنَقْلِ مَا وَجَدَهُ عَنْ الْقَاضِي، وَاسْتَفَادَهُ مِنْهُ بِإِشَارَةٍ أَوْ عِبَارَةٍ أَوْ فِعْلٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQخِلَافَ فِي جَوَازِهَا، وَيُجْبَرُ الشَّرِيكَانِ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنْ انْقَسَمَتْ عَلَى مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فَقَالَ مَالِكٌ إنَّهَا تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ إذَا دَعَا أَحَدُهُمَا لِذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَصِرْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ مِثْلُ قَدْرِ الْقَدَمِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَطْ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَعُمْدَتُهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7] . وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُقْسَمُ إلَّا أَنْ يَصِيرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِي حَظِّهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ دَاخِلَةٍ عَلَيْهِ فِي الِانْتِفَاعِ مِنْ قِبَلِ الْقِسْمَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُرَاعِي فِي ذَلِكَ نُقْصَانَ الثَّمَنِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُقْسَمُ إذَا صَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي الِاشْتِرَاكِ أَوْ كَانَتْ أَقَلَّ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ مِنْ أَصْحَابِهِ إنْ لَمْ يَصِرْ فِي حَظِّ كُلِّ وَاحِدٍ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ لَمْ يُقْسَمْ، وَإِنْ صَارَ فِي حَظِّ بَعْضِهِمْ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَفِي حَظِّ بَعْضِهِمْ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ قُسِمَ، وَجُبِرُوا عَلَى ذَلِكَ سَوَاءٌ دَعَا إلَى ذَلِكَ صَاحِبُ النَّصِيبِ الْقَلِيلِ أَوْ الْكَثِيرِ، وَقِيلَ يُجْبَرُ إنْ دَعَا صَاحِبُ النَّصِيبِ الْقَلِيلِ، وَلَا يُجْبَرُ إنْ دَعَا صَاحِبُ النَّصِيبِ الْكَثِيرِ، وَقِيلَ بِعَكْسِ هَذَا، وَهُوَ ضَعِيفٌ، هَذَا وَبَقِيَ مَا إذَا انْتَقَلَتْ مَنْفَعَةُ الْمَقْسُومِ إلَى مَنْفَعَةٍ أُخْرَى مِثْلُ الْحَمَّامِ فَقَالَ مَالِكٌ يُقْسَمُ إذَا طُلِبَ كَأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ، وَعُمْدَتُهُمَا ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7] . وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُقْسَمُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَعُمْدَتُهُمَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ، وَلَا ضِرَارَ» ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ لَا تَعْضِيَةَ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ إلَّا مَا حَمَلَ الْقَسْمَ، وَالتَّعْضِيَةُ التَّفْرِقَةُ يَقُولُ لَا قِسْمَةَ بَيْنَهُمْ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَتْ الْمَحَالُّ مُخْتَلِفَةَ الْأَنْوَاعِ كَأَنْ يَكُونَ مِنْهَا دُورٌ، وَمِنْهَا حَوَائِطُ، وَمِنْهَا أَرْضٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُتَّفِقَةَ الْأَنْوَاعِ قُسِمَتْ بِالتَّقْوِيمِ وَالتَّعْدِيلِ وَالسُّهْمَةِ عِنْدَ مَالِكٍ لِأَنَّهُ أَقَلُّ لِلضَّرَرِ الدَّاخِلِ عَلَى الشُّرَكَاءِ مِنْ الْقِسْمَةِ، نَعَمْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الْأَنْوَاعُ الْمُتَّفِقَةُ فِي النَّفَاقِ، وَإِنْ تَبَاعَدَتْ مَوَاضِعُهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ بَلْ يُقْسَمُ كُلُّ عَقَارٍ عَلَى حِدَةٍ لِأَنَّ كُلَّ عَقَارٍ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الشُّفْعَةُ اهـ. كَلَامُ الْحَفِيدِ فِي الْبِدَايَةِ بِتَصَرُّفٍ، وَفِي الْأَصْلِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ دَارَيْنِ فِي الْقَسْمِ وَإِنْ تَقَارَبَتَا لِأَمْرَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّ الشُّفْعَةَ تَكُونُ فِي إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَكَذَلِكَ تَكُونُ الْقِسْمَةُ (الثَّانِي) أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا يُفْضِي إلَى كَثْرَةِ الْغَرَرِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الدَّارَيْنِ بِغَيْرِ رِضَاهُ. وَالْجَوَابُ (عَنْ الْأَوَّلِ) أَنَّ الشَّرِكَةَ إذَا عَمَّتْ فِيهِمَا، وَالْبَيْعُ عَمَّتْ الشُّفْعَةُ فَنَقِيسُ الْقَسْمَ عَلَى الشُّفْعَةِ فَيَنْقَلِبُ الدَّلِيلُ عَلَيْكُمْ، وَلِأَنَّ اسْتِقْلَالَ كُلِّ وَاحِدٍ

أَوْ تَقْرِيرٍ أَوْ تَرْكٍ، وَالْحَاكِمُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى كَنَائِبِ الْحَاكِمِ يُنْشِئُ الْأَحْكَامَ، وَالْإِلْزَامَ بَيْنَ الْخُصُومِ، وَلَيْسَ بِنَاقِلٍ ذَلِكَ عَنْ مُسْتَنِيبِهِ بَلْ مُسْتَنِيبُهُ قَالَ لَهُ أَيُّ شَيْءٍ حَكَمْت بِهِ عَلَى الْقَوَاعِدِ فَقَدْ جَعَلْته حُكْمِي فَكِلَاهُمَا مُوَافِقٌ لِلْقَاضِي، وَمُطِيعٌ لَهُ، وَسَاعٍ فِي تَنْفِيذِ مَوَادِّهِ غَيْرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا يُنْشِئُ، وَالْآخَرُ يَنْقُلُ نَقْلًا مَحْضًا مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ لَهُ فِي الْإِنْشَاءِ كَذَلِكَ الْمُفْتِي، وَالْحَاكِمُ كِلَاهُمَا مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى قَابِلٌ لِحُكْمِهِ غَيْرَ أَنَّ الْحَاكِمَ مُنْشِئٌ، وَالْمُفْتِيَ مُخْبِرٌ مَحْضٌ، وَقَدْ، وَضَعْت فِي هَذَا الْمَقْصِدِ كِتَابًا سَمَّيْته الْإِحْكَامَ فِي الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ، وَتَصَرُّفِ الْقَاضِي، وَالْإِمَامِ، وَفِيهِ أَرْبَعُونَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَذَكَرْت فِيهِ نَحْوَ ثَلَاثِينَ نَوْعًا مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْحَاكِمِ لَيْسَ فِيهَا حُكْمٌ، وَلْنَقْتَصِرْ هُنَا عَلَى هَذَا الْقَدْرِ فِي هَذَا الْفَرْقِ. (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحُكْمِ وَقَاعِدَةِ الثُّبُوتِ) اُخْتُلِفَ فِيهِمَا هَلْ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَوْ الثُّبُوتُ غَيْرُ الْحُكْمِ، وَالْعَجَبُ أَنَّ الثُّبُوتَ يُوجِبُ فِي الْعِبَادَاتِ الْمَوَاطِنَ الَّتِي لَا حُكْمَ فِيهَا بِالضَّرُورَةِ إجْمَاعًا فَيَثْبُتُ هِلَالُ شَوَّالٍ، وَهِلَالُ رَمَضَانَ، وَتَثْبُتُ طَهَارَةُ الْمِيَاهِ، وَنَجَاسَتُهَا، وَيَثْبُتُ عِنْدَ الْحَاكِمِ التَّحْرِيمُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ، وَالتَّحْلِيلُ بِسَبَبِ الْعَقْدِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حُكْمًا. وَإِذَا وُجِدَ الثُّبُوتُ بِدُونِ الْحُكْمِ كَانَ أَعَمَّ مِنْ الْحُكْمِ، وَالْأَعَمُّ مِنْ الشَّيْءِ غَيْرُهُ بِالضَّرُورَةِ ثُمَّ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ الثُّبُوتِ هُوَ نُهُوضُ الْحُجَّةِ كَالْبَيِّنَةِ، وَغَيْرِهَا السَّالِمَةِ مِنْ الْمَطَاعِنِ فَمَتَى وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يُقَالُ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يُوجَدُ الْحُكْمُ بِدُونِ الثُّبُوتِ أَيْضًا كَالْحُكْمِ بِالِاجْتِهَادِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ، وَأَخَصَّ مِنْ وَجْهٍ ثُمَّ ثُبُوتُ الْحُجَّةِ مُغَايِرٌ لِلْكَلَامِ النَّفْسَانِيِّ وَالْإِنْشَائِيِّ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ فَيَكُونَانِ غَيْرَيْنِ بِالضَّرُورَةِ، وَيَكُونُ الثُّبُوتُ نُهُوضَ الْحُجَّةِ، وَالْحُكْمُ إنْشَاءُ كَلَامٍ فِي النَّفْسِ هُوَ إلْزَامٌ أَوْ إطْلَاقٌ يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الثُّبُوتِ، وَهَذَا فَرْقٌ آخَرُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الثُّبُوتَ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ بِأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الثُّبُوتُ لَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــSأَوْ تَقْرِيرٍ أَوْ تَرْكٍ، وَالْحَاكِمُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى كَنَائِبِ الْحَاكِمِ يُنْشِئُ الْأَحْكَامَ وَالْإِلْزَامَ بَيْنَ الْخُصُومِ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ، وَمَا مَثَّلَ بِهِ كَذَلِكَ إنْ كَانَ يُرِيدُ بِالْإِنْشَاءِ التَّنْفِيذَ، وَالْإِمْضَاءَ لِمَا كَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ فَتْوَى، وَإِلَّا فَلَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ. (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحُكْمِ وَقَاعِدَةِ الثُّبُوتِ) . قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الثُّبُوتِ حُكْمٌ فَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ لَفْظِيٌّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْهُمَا بِإِحْدَاهُمَا أَتَمُّ فِي الِانْتِفَاعِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِبَعْضِ دَارٍ (وَعَنْ الثَّانِي) الْمُعَارَضَةُ، وَالنَّقْضُ بِالِاخْتِلَافِ فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ بَلْ هَا هُنَا أَوْلَى لِأَنَّا إنَّمَا نَجْمَعُ الْمُتَقَارِبَ، وَهُنَالِكَ نَجْمَعُ الْمُخْتَلِفَ اهـ. وَأَمَّا بَيَانُ الْخِلَافِ فِي الشُّرُوطِ فَهُوَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ قِسْمَةِ الْحَوَائِطِ الْمُثْمِرَةِ أَنْ لَا تُقْسَمَ مَعَ الثَّمَرَةِ إذَا بَدَا صَلَاحٌ بِاتِّفَاقٍ فِي الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْعُ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ، وَذَلِكَ مُزَابَنَةٌ. وَأَمَّا قِسْمَتُهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَاخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ فَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُجِيزُ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِبَّانِ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ، وَيُعْتَلُّ لِذَلِكَ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ طَعَامٍ بِطَعَامٍ مُتَفَاضِلًا، وَلِذَلِكَ زَعَمَ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يُجِزْ شِرَاءَ الثَّمَرِ الَّذِي لَمْ يَطِبْ بِالطَّعَامِ لَا نَسِيئَةً، وَلَا نَقْدًا. وَأَمَّا إنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِبَّانِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ الثَّمَرِ فِي نَصِيبِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي نَصِيبِهِ، وَمَا لَمْ يَدْخُلْ فَهُوَ فِيهِ عَلَى الشَّرِكَةِ وَالْعِلَّةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاطُ الْمُشْتَرِي الثَّمَرَ بَعْدَ الْإِبَّانِ، وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْإِبَّانِ فَكَانَ أَحَدُهُمَا اشْتَرَطَ حَظَّ صَاحِبِهِ مِنْ جَمِيعِ الثَّمَرَاتِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي الْقِسْمَةِ بِحَظِّهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ الَّتِي وَقَعَتْ لِشَرِيكِهِ، وَاشْتَرَطَ الثَّمَرَ، وَصِفَةُ الْقَسَمِ بِالْقُرْعَةِ أَنْ تُقْسَمَ الْفَرِيضَةُ وَتُحَقَّقَ وَتُضْرَبَ إنْ كَانَ فِي سِهَامِهَا كَسْرٌ إلَى أَنْ تَصِحَّ السِّهَامُ ثُمَّ يُقَوِّمُ كُلَّ مَوْضِعٍ مِنْهَا، وَكُلَّ نَوْعٍ مِنْ غِرَاسَاتِهَا ثُمَّ يُعَدِّلُ عَلَى أَقَلِّ السِّهَامِ بِالْقِيمَةِ فَرُبَّمَا عُدِّلَ جُزْءٌ مِنْ مَوْضِعِ ثَلَاثِ أَجْزَاءٍ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى قِيَمِ الْأَرْضِينَ وَمَوَاضِعُهَا فَإِذَا قُسِمَتْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَعُدِّلَتْ كُتِبَتْ فِي بَطَائِقَ أَسْمَاءُ الِاشْتِرَاكِ، وَأَسْمَاءُ الْجِهَاتِ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ عَلَى جِهَةٍ أَخَذَ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ السَّهْمِ ضُوعِفَ لَهُ حَتَّى يَتِمَّ حَظُّهُ فَهَذِهِ هِيَ حَالُ قُرْعَةِ السُّهْمَةِ فِي الرِّقَابِ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدٍ ابْنِ رُشْدٍ (وَأَمَّا قِسْمَةُ) مَنَافِعِ الرِّقَابِ فَقَالَ الْحَفِيدُ أَيْضًا هِيَ عِنْدَ الْجَمِيعِ بِالْمُهَايَأَةِ، وَالْمُهَايَأَةُ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِالْأَزْمَانِ بِأَنْ يَنْتَفِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْعَيْنِ مُدَّةً مُسَاوِيَةً لِمُدَّةِ انْتِفَاعِ صَاحِبِهِ، وَتَجُوزُ فِيمَا لَا يُنْقَلُ، وَلَا يُحَوَّلُ فِي الْمُدَّةِ الْبَعِيدَةِ وَالْأَجَلِ الْبَعِيدِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَلَا تَجُوزُ فِيمَا يَنْتَقِلُ، وَيُحَوَّلُ إلَّا فِي الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ، وَاخْتُلِفَ فِيهَا أَمَّا فِي الِاغْتِلَالِ فَقِيلَ الْيَوْمُ الْوَاحِدُ، وَنَحْوُهُ، وَقِيلَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الدَّابَّةِ وَالْعَبْدِ. وَأَمَّا فِي الِانْتِفَاعِ فَقِيلَ مِثْلُ الْخَمْسَةِ أَيَّامٍ، وَقِيلَ الشَّهْرُ، وَأَكْثَرُ مِنْ الشَّهْرِ قَلِيلًا، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بِالْأَعْيَانِ بِأَنْ يَسْتَعْمِلَ هَذَا دَارًا مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ، وَهَذَا دَارًا تِلْكَ الْمُدَّةَ بِعَيْنِهَا فَقِيلَ تَجُوزُ فِي سُكْنَى الدَّارِ وَزِرَاعَةِ الْأَرْضِينَ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْغَلَّةِ وَالْكِرَاءِ، وَقِيلَ يَجُوزُ عَلَى قِيَاسِ التَّهَايُؤِ بِالْأَزْمَانِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ

[الفرق بين قاعدة ما يجوز التوكيل فيه وبين قاعدة ما لا يجوز التوكيل فيه]

يَتَحَقَّقْ لَهُ مَعْنَى مَا هُوَ الْحُكْمُ. (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدًا فِي التَّحَمُّلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدًا) قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ كُلُّ مَنْ عَلِمَ شَيْئًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْمُوجِبَةِ لِلْعِلْمِ يَشْهَدُ بِهِ؛ فَلِذَلِكَ صَحَّتْ شَهَادَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ لِنُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلِغَيْرِهِ عَلَى أُمَمِهِمْ بِإِخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، وَصَحَّتْ شَهَادَةُ خُزَيْمَةَ. وَلَمْ يَحْضُرْ شِرَاءَ الْفَرَسِ، وَمَدَارِكُ الْعِلْمِ أَرْبَعَةٌ الْعَقْلُ وَأَحَدُ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ وَالنَّقْلُ الْمُتَوَاتِرُ وَالِاسْتِدْلَالُ؛ فَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِمَا عُلِمَ بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ، وَشَهَادَةُ خُزَيْمَةَ كَانَتْ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَمِثْلُهُ شَهَادَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَاءَ خَمْرًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ تَشْهَدُ أَنَّهُ شَرِبَهَا قَالَ أَشْهَدُ أَنَّهُ قَاءَهَا فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا هَذَا التَّعَمُّقُ فَلَا وَرَبِّك مَا قَاءَهَا حَتَّى شَرِبَهَا، وَمِنْهَا شَهَادَةُ الطَّبِيبِ بِقِدَمِ الْعَيْبِ وَالشَّهَادَةُ بِالتَّوَاتُرِ كَالنَّسَبِ وَوِلَايَةِ الْقَاضِي وَعَزْلِهِ وَضَرَرِ الزَّوْجَيْنِ، وَالْأَصْلُ فِي الشَّهَادَةِ الْعِلْمُ وَالْيَقِينُ لِقَوْلِهِ {وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: 81] وقَوْله تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «عَلَى مِثْلِ هَذَا فَاشْهَدْ أَيْ مِثْلَ الشَّمْسِ» فَهَذَا ضَابِطُ مَا يَجُوزُ التَّحَمُّلُ فِي الشَّهَادَةِ بِهِ، وَقَدْ يَجُوزُ بِالظَّنِّ وَالسَّمَاعِ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ مَا اتَّسَعَ أَحَدٌ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ كَاتِّسَاعِ الْمَالِكِيَّةِ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ الْحَاضِرُ مِنْهَا عَلَى الْخَاطِرِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مَوْضِعًا الْأَحْبَاسُ الْمِلْكُ الْمُتَقَادِمُ، الْوَلَاءُ، النَّسَبُ، الْمَوْتُ، الْوِلَايَةُ، الْعَزْلُ، الْعَدَالَةُ، الْجُرْحَةُ، وَمَنَعَ سَحْنُونٌ ذَلِكَ فِيهِمَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا، وَذَلِكَ إذَا لَمْ يُدْرِكْ زَمَانَ الْمَجْرُوحِ وَالْمُعَدَّلِ فَإِنْ أَدْرَكَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ، الْإِسْلَام، الْكُفْرِ، الْحَمْلِ، الْوِلَادَةِ، التَّرْشِيدِ السَّفَهِ، الصَّدَقَةِ، الْهِبَةِ، الْبَيْعِ، فِي حَالَةِ الْمُتَقَادِمِ الرَّضَاعِ، النِّكَاحِ، الطَّلَاقِ، الضَّرَرِ، الْوَصِيَّةِ، إبَاقِ الْعَبْدِ الْحِرَابَةُ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ الْبُنُوَّةَ، وَالْأُخُوَّةَ، وَزَادَ الْعَبْدِيُّ فِي الْحُرِّيَّةَ الْقَسَامَةَ فَهَذِهِ مَوَاطِنُ رَأَى الْأَصْحَابُ أَنَّهَا مَوَاطِنُ ضَرُورَةٍ فَيَجُوزُ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ بِالظَّنِّ الْغَالِبِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ مَا لَا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدًا فِي التَّحَمُّلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا مُدْرَكُ التَّنَازُعِ) : قُلْت أَكْثَرُ مَا قَالَ نُقِلَ وَمَا قَالَهُ فِيهِ صَحِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي اسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ وَالدَّوَابِّ يَجْرِي عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي قِسْمَتِهَا بِالزَّمَانِ اهـ. مُلَخَّصًا، وَفِي شَرْحِ عَبْدِ الْبَاقِي عَلَى مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ عِنْدَ قَوْلِهِ الْقِسْمَةُ تَهَايُؤٌ كَخِدْمَةِ عَبْدٍ شَهْرًا، وَسُكْنَى دَارٍ سِنِينَ كَالْإِجَارَةِ مَا نَصُّهُ فُهِمَ مِنْ التَّشْبِيهِ أَيْ بِالْإِجَارَةِ أَنَّ الْمُهَايَأَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِتَرَاضٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ كَالْبَيْعِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا مَنْ أَبَاهَا، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ جَعْلُ الْمُصَنِّفِ قِسْمَةَ الْمُرَاضَاةِ قَسِيمًا لَهَا لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهَا بِمِلْكِ الذَّاتِ، وَالْمُهَايَأَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمِلْكِ الْمَنَافِعِ مَعَ بَقَاءِ الذَّاتِ بَيْنَهُمَا اهـ. بِلَفْظِهِ، وَفِي الرَّهُونِيِّ وَكَنُونِ، وَقَسِيمُ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ هُوَ قِسْمَةُ الذَّوَاتِ، وَأَمَّا الْمُرَاضَاتُ وَالْقُرْعَةُ فَتَكُونَانِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا اهـ. مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُمَا بِلَفْظِهِمَا. (فَائِدَةٌ) فِي بِدَايَةِ حَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ إنَّمَا جَعَلَ الْفُقَهَاءُ السُّهْمَةَ فِي الْقِسْمَةِ تَطْيِيبًا لِنُفُوسِ الْمُتَقَاسِمِينَ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الشَّرْعِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141] وقَوْله تَعَالَى {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 44] وَمِنْ ذَلِكَ الْأَثَرُ الثَّابِتُ الَّذِي جَاءَ فِيهِ أَنَّ «رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ ثُلُثَ ذَلِكَ الرَّقِيقِ» اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ] (الْفَرْقُ السَّادِسَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ مِنْ الْأَفْعَالِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ مِنْهَا) كَتَبَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّاطِّ فِيمَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِ الْأَصْلِ الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ إلَخْ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ قَرِيبٌ مِنْ الْفَرْقِ الْعَاشِرِ وَالْمِائَةِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ. وَقَاعِدَةُ مَا لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ أَوْ هُوَ هُوَ اهـ قُلْت، وَأَوْفَى كَلَامُهُ لِحِكَايَةِ الْخِلَافِ فَفِي شَرْحِ عبق عَلَى خَلِيلٍ وَالْبَنَّانِيِّ عَلَيْهِ مَا خُلَاصَتُهُ وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ أَنَّ قَوْلَ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ صَحَّتْ الْوَكَالَةُ فِي قَابِلِ النِّيَابَةِ إلَخْ أَيْ شَرْعًا، وَهُوَ مَا لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمُبَاشَرَةُ أَيْ مَا تَجُوزُ فِيهِ النِّيَابَةُ تَصِحُّ فِيهِ الْوَكَالَةُ، وَمَا لَا تَجُوزُ فِيهِ النِّيَابَةُ لَا تَصِحُّ فِيهِ الْوَكَالَةُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا لِابْنِ رُشْدٍ وَعِيَاضٍ مِنْ مُسَاوَاةِ النِّيَابَةِ لِلْوَكَالَةِ كَمَا نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهُمَا مِنْ جَعْلِهِمَا نِيَابَةَ الْأُمَرَاءِ وَكَالَةً لَا عَلَى أَنَّ النِّيَابَةَ أَعَمُّ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى تَعْرِيفِ ابْنِ عَرَفَةَ لِلْوَكَالَةِ بِقَوْلِهِ نِيَابَةُ ذِي حَقٍّ غَيْرِ ذِي إمْرَةٍ، وَلَا عِبَادَةٍ لِغَيْرِهِ فِيهِ غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ بِمَوْتِهِ فَتَخْرُجُ نِيَابَةُ إمَامِ الطَّاعَةِ أَمِيرًا أَوْ قَاضِيًا أَوْ صَاحِبَ شُرْطَةٍ، أَوْ إمَامَ الصَّلَاةِ وَالْوَصِيَّ اهـ. قَالَ الْبُنَانِيُّ وَلَوْ أَسْقَطَ ذِي مِنْ قَوْلِهِ ذِي إمْرَةٍ، وَجَعَلَ غَيْرَ نَعْتًا لِحَقٍّ لَكَانَ تَعْرِيفُهُ شَامِلًا لِتَوْكِيلِ الْإِمَامِ فِي حَقٍّ لَهُ قِبَلَ شَخْصٍ تَأَمَّلْ اهـ. قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ هُنَا أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ شَرْطَ النِّيَابَةِ بِمُقْتَضَى دَلَالَةِ الِاسْتِقْرَاءِ وَالِاسْتِعْمَالِ اسْتِحْقَاقُ جَاعِلِهَا فِعْلَ مَا

يَثْبُتُ بِالْحِسِّ بَلْ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ كَالْإِعْسَارِ يُدْرَكُ بِالْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ بِقَرَائِنَ كَالصَّبْرِ عَلَى الْجُوعِ وَالضُّرِّ فَيَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ الْقَرِيبُ مِنْ الْيَقِينِ، وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي شَهَادَةِ الْأَعْمَى، وَالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَيْسَ خِلَافًا فِي الشَّهَادَةِ بِالظَّنِّ بَلْ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِي تَحْقِيقِ مَنَاطٍ فَالْمَالِكِيَّةُ يَقُولُونَ الْأَعْمَى قَدْ يَحْصُلُ لَهُ الْقَطْعُ بِتَمْيِيزِ بَعْضِ الْأَقْوَالِ فَيَشْهَدُ بِهَا، وَيَحْصُلُ لِلْبَصِيرِ الْقَطْعُ بِبَعْضِ الْخُطُوطِ فَيَشْهَدُ بِهَا فَمَا شَهِدَ إلَّا بِالْعِلْمِ، وَالشَّافِعِيَّةُ يَقُولُونَ لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ فِي ذَلِكَ لِالْتِبَاسِ الْأَصْوَاتِ وَكَثْرَةِ التَّزْوِيرِ فِي الْخُطُوطِ فَهَذَا هُوَ مُدْرَكُ التَّنَازُعِ بَيْنَهُمْ. (تَنْبِيهٌ) : اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْعُلَمَاءِ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ إلَّا بِالْعِلْمِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَّا مَا هُوَ قَاطِعٌ بِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ لَهُ الْأَدَاءُ بِمَا عِنْدَهُ مِنْ الظَّنِّ الضَّعِيفِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ بَلْ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْمُدْرِكِ عِلْمًا فَقَطْ فَلَوْ شَهِدَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ جَازَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ قَدْ دَفَعَهُ فَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِصْحَابِ الَّذِي لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ الضَّعِيفَ، وَكَذَلِكَ الثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ مَعَ احْتِمَالِ دَفْعِهِ، وَيَشْهَدُ بِالْمِلْكِ الْمَوْرُوثِ لِوَارِثِهِ مَعَ جَوَازِ بَيْعِهِ بَعْدَ أَنْ وَرِثَهُ، وَيَشْهَدُ بِالْإِجَارَةِ، وَلُزُومُ الْأُجْرَةِ مَعَ جَوَازِ الْإِقَالَةِ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِصْحَابِ. وَالْحَاصِلُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا إنَّمَا هُوَ الظَّنُّ الضَّعِيفُ، وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ مَا يَبْقَى فِيهِ الْعِلْمُ إلَّا الْقَلِيلُ مِنْ الصُّوَرِ مِنْ ذَلِكَ النَّسَبُ وَالْوَلَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ فَيَبْقَى الْعِلْمُ عَلَى حَالِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ الشَّهَادَةُ بِالْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ وُقُوعِ النُّطْقِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، وَذَلِكَ لَا يَرْتَفِعُ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْفُ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ أَمَّا إذَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا يَحْصُلُ فِيهَا الظَّنُّ فَقَطْ إذَا شَهِدَ بِأَنَّ هَذِهِ الدَّارَ وَقْفٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ حَكَمَ بِنَقْضِهِ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَوَاطِنَ فَأَكْثَرُهَا إنَّمَا فِيهَا الظَّنُّ فَقَطْ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ فِي أَصْلِ الْمُدْرِكِ لَا فِي دَوَامِهِ فَقَدْ تَلَخَّصَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (تَنْبِيهُهُ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الشَّاهِدَ فِي أَكْثَرِ الشَّهَادَاتِ لَا يَشْهَدُ إلَّا بِالظَّنِّ الضَّعِيفِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنَّمَا يَشْهَدُ بِأَنَّ زَيْدًا وَرِثَ الْمَوْضِعَ الْفُلَانِيَّ مَثَلًا أَوْ اشْتَرَاهُ جَازِمًا بِذَلِكَ لَا ظَانًّا وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ بَاعَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَا تَتَعَرَّضُ لَهُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ بِالْجَزْمِ لَا فِي نَفْيِهِ وَلَا فِي إثْبَاتِهِ وَلَكِنْ تَتَعَرَّضُ لَهُ بِنَفْيِ الْعِلْمِ بِبَيْعِهِ أَوْ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ عَلَى الْجُمْلَةِ فَمَا تَوَهَّمَ أَنَّهُ مُضَمَّنُ الشَّهَادَةِ لَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَ فَهَذَا التَّنْبِيهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَعَتْ النِّيَابَةُ فِيهِ قَالَ فَإِذَا جَعَلَ الْإِنْسَانُ غَيْرَهُ فَاعِلًا أَمْرًا فَإِنْ كَانَ يَمْتَنِعُ أَنْ يُبَاشِرَهُ أَوْ لَا حَقَّ لَهُ فِي مُبَاشَرَتِهِ فَهُوَ أَمْرٌ، وَإِنْ صَحَّتْ مُبَاشَرَتُهُ، وَكَانَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ فَهُوَ نِيَابَةٌ فَجَعْلُ الْإِنْسَانِ غَيْرَهُ يَقْتُلُ رَجُلًا عَمْدًا عُدْوَانًا هُوَ أَمْرٌ لَا نِيَابَةٌ، وَجَعْلُهُ يَقْتُلُهُ قِصَاصًا نِيَابَةً، وَوَكَالَةً اهـ. وَرُدَّ بِهَذَا عَلَى ابْنِ هَارُونَ الَّذِي أَبْطَلَ طَرْدَ تَعْرِيفِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْوَكَالَةَ بِأَنَّهَا نِيَابَةٌ فِيمَا لَا تَتَعَيَّنُ الْمُبَاشَرَةُ بِالنِّيَابَةِ فِي الْمَعَاصِي كَالسَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ وَقَتْلِ الْعُدْوَانِ ثُمَّ نَاقَضَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَهُ بِمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ مِنْ أَنَّ الْوَكَالَةَ الَّتِي هِيَ أَخَصُّ مِنْ النِّيَابَةِ تُعْرَضُ لَهَا الْحُرْمَةُ بِحَسَبِ مُتَعَلِّقِهَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ الْحَرَامِ، وَهُوَ مَمْنُوعُ الْمُبَاشَرَةِ فَتَأَمَّلْهُ قَالَهُ الشَّيْخُ الْمُنَاوِيُّ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ الْعَاشِرِ وَالْمِائَةِ تَوْضِيحُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ وَبَيْنَ مَا لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهِ، وَفِي الْفَرْقِ الْحَادِي وَالسَّبْعِينَ وَالْمِائَةِ مَا يُوَضِّحُهُ مِنْ الْمَسَائِلِ، وَبَقِيَ هُنَا مَسْأَلَةٌ، وَهِيَ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْعِبَادَةِ كَالصَّلَاةِ الْعَيْنِيَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَصْلَحَتَهَا الْخُضُوعُ، وَالْخُشُوعُ، وَإِجْلَالُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَإِظْهَارُ الْعُبُودِيَّةِ لَهُ لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا لِذَاتِهَا فَرْضًا أَوْ سُنَّةً أَوْ رَغِيبَةً أَوْ مَنْدُوبَةً لِعَدَمِ سُقُوطِهَا عَنْ الْمُسْتَنِيبِ إذَا فَعَلَهَا النَّائِبُ عَنْهُ لِفَوَاتِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي طَلَبَهَا الشَّارِعُ حِينَئِذٍ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ خُضُوعِ الْوَكِيلِ خُضُوعُ الْمُوَكِّلِ، وَقَالَ عبق عَلَى خَلِيلٍ، وَأَمَّا النِّيَابَةُ عَلَى إيقَاعِهَا بِمَكَانٍ وَزَمَنٍ مَخْصُوصَيْنِ فَتَصِحُّ كَالْقَارِئِ مُطْلَقًا، وَكَنِيَابَةٍ فِي أَذَانٍ وَإِمَامَةٍ، وَنَحْوِهِمَا كَقِرَاءَةٍ بِمُصْحَفٍ بِمَكَانٍ مَخْصُوصٍ لِضَرُورَةٍ اهـ. الْمُرَادُ قَالَ الْبُنَانِيُّ، وَفِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْحَجِّ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ أَجِيرَ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ إلَّا فِي الْحَجِّ، وَلَا يَقْضِي بِهَا دَيْنَهُ، وَيَسْأَلُ النَّاسَ، وَأَنَّ ذَلِكَ جِنَايَةٌ مِنْهُ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ غَرَضِ الْمَيِّتِ الْمُوصِي كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ، وَجَنَى إنْ وَفَى دَيْنَهُ، وَمَشَى مَا نَصُّهُ، وَكَانَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْمَنُوفِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ، وَمِثْلُ هَذَا الْمَسَاجِدُ وَنَحْوُهَا يَأْخُذُهَا الْوَجِيهُ بِوَجَاهَتِهِ ثُمَّ يَدْفَعُ مِنْ مُرَتَّبَاتِهَا شَيْئًا قَلِيلًا لِمَنْ يَنُوبُ عَنْهُ فَأَرَى أَنَّ الَّذِي أَبْقَاهُ لِنَفْسِهِ حَرَامٌ لِأَنَّهُ اتَّخَذَ عِبَادَةَ اللَّهِ مَتْجَرًا، وَلَمْ يُوفِ بِقَصْدِ صَاحِبِهَا إذْ مُرَادُهُ التَّوْسِعَةُ لِيَأْتِيَ الْأَجِيرُ بِذَلِكَ مَشْرُوحَ الصَّدْرِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَمَّا إنْ اُضْطُرَّ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْإِجَارَةِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنِّي أَعْذُرُهُ لِضَرُورَتِهِ اهـ. فَكَلَامُ الْمَنُوفِيِّ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَمْرَيْنِ: (الْأَوَّلُ) أَنَّ النَّائِبَ مَعَ الضَّرُورَةِ لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ مَعَ الْمَنُوبِ عَنْهُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ. (الثَّانِي) أَنَّ النَّائِبَ مَعَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ مُسْتَحِقٌّ لِجَمِيعِ الْخَرَاجِ، وَصَرِيحُ كَلَامِ الْقَرَافِيِّ الْمُوَافَقَةُ لِلْمَنُوفِيِّ فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ

الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُوَ مُدْرَكٌ لِلتَّحَمُّلِ، وَمَا لَيْسَ بِمُدْرَكٍ مَعَ مُسَبِّبَاتِهِ، وَالتَّنْبِيهُ عَلَى عَدَدِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى الْحَوَاسِّ فَقَطْ كَمَا يَعْتَقِدُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ بَلْ لَوْ أَفَادَتْ الْقَرَائِنُ الْقَطْعَ جَازَتْ الشَّهَادَةُ بِهَا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ. (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ اللَّفْظِ الَّذِي يَصِحُّ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَصِحُّ أَدَاؤُهَا بِهِ) اعْلَمْ أَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ لَا يَصِحُّ بِالْخَبَرِ أَلْبَتَّةَ فَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ لِلْقَاضِي أَنَا أُخْبِرُك أَيُّهَا الْقَاضِي بِأَنَّ لِزَيْدٍ عِنْدَ عَمْرٍو دِينَارًا عَنْ يَقِينٍ مِنِّي، وَعِلْمٍ فِي ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ شَهَادَةً بَلْ هَذَا وَعْدٌ مِنْ الشَّاهِدِ لِلْقَاضِي أَنَّهُ سَيُخْبِرُهُ بِذَلِكَ عَنْ يَقِينٍ فَلَا يَجُوزُ اعْتِمَادُ الْقَاضِي عَلَى هَذَا الْوَعْدِ، وَلَوْ قَالَ قَدْ أَخْبَرْتُك أَيُّهَا الْقَاضِي بِكَذَا كَانَ كَذِبًا لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ تَقَدُّمُ الْأَخْبَارِ مِنْهُ وَلَمْ يَقَعْ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْكَذِبِ لَا يَجُوزُ فَالْمُسْتَقْبَلُ وَعْدٌ، وَالْمَاضِي كَذِبٌ، وَكَذَلِكَ اسْمُ الْفَاعِلِ الْمُقْتَضِي لِلْحَالِ كَقَوْلِهِ أَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ اللَّفْظِ الَّذِي يَصِحُّ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَصِحُّ أَدَاؤُهَا بِهِ) قُلْت هَذَا الْفَرْقُ لَيْسَ بِجَارٍ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ مُعَيَّنَاتِ الْأَلْفَاظِ لَا فِي الْعُقُودِ وَلَا فِي غَيْرِهَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ (اعْلَمْ أَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ لَا يَصِحُّ بِالْخَبَرِ أَلْبَتَّةَ) قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ لَهُ فِي أَوَّلِ فَرْقٍ مِنْ الْكِتَابِ حِكَايَةً عَنْ الْإِمَامِ الْمَازِرِيِّ أَنَّ الرِّوَايَةَ وَالشَّهَادَةَ خَبَرَانِ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ وَلَا رَدَّهُ بَلْ جَرَى فِي مَسَاقِ كَلَامِهِ عَلَى قَبُولِ ذَلِكَ وَصِحَّتِهِ قَالَ (فَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ لِلْقَاضِي أَنَا أُخْبِرُك أَيُّهَا الْقَاضِي إلَى قَوْلِهِ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ شَهَادَةٌ) قُلْت ذَلِكَ لِقَرِينَةِ قَوْلِهِ أُخْبِرُك وَلَمْ يَقُلْ أَشْهَدُ عِنْدَك قَالَ (بَلْ هَذَا وَعْدٌ مِنْ الشَّاهِدِ لِلْقَاضِي أَنَّهُ سَيُخْبِرُهُ بِذَلِكَ عَنْ يَقِينٍ فَلَا يَجُوزُ اعْتِمَادُ الْقَاضِي عَلَى هَذَا الْوَعْدِ) قُلْت وَمِنْ أَيْنَ يَتَعَيَّنُ أَنَّهُ وَعْدٌ وَلَعَلَّهُ إنْشَاءُ أَخْبَارٍ فَيَكُونُ شَهَادَةً إذْ الشَّهَادَةُ خَبَرٌ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ هُنَالِكَ قَرِينَةً تَقْتَضِي ذَلِكَ مِنْ حُضُورِ مَطَالِبٍ وَشَبَهِ ذَلِكَ فَمَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ قَالَ (وَلَوْ قَالَ قَدْ أَخْبَرْتُك أَيُّهَا الْقَاضِي بِكَذَا كَانَ كَذِبًا إلَى قَوْلِهِ فَالْمُسْتَقْبَلُ وَعْدٌ وَالْمَاضِي كَذِبٌ) قُلْت إنْ كَانَ لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ مِنْهُ أَخْبَارٌ فَذَلِكَ كَذِبٌ كَمَا قَالَ قَالَ (وَكَذَلِكَ اسْمُ الْفَاعِلِ الْمُقْتَضِي لِلْحَالِ كَقَوْلِهِ أَنَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمُخَالَفَتُهُ فِي الْأَمْرِ الثَّانِي، وَأَنَّ الِاسْتِنَابَةَ إذَا وَقَعَتْ مَعَ عَدَمِ الْغَدْرِ لَمْ يَكُنْ لِلنَّائِبِ، وَلَا لِلْمَنُوبِ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ خَرَاجِ الْوَقْفِ حَيْثُ قَالَ فِي الْفَرْقِ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالْمِائَةِ مَا نَصُّهُ إذَا وَقَفَ الْوَاقِفُ عَلَى مَنْ يَقُومُ بِوَظِيفَةِ الْإِمَامَةِ أَوْ الْأَذَانِ أَوْ الْخَطَابَةِ أَوْ التَّدْرِيسِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ رِيعِ ذَلِكَ شَيْئًا إلَّا إذَا قَامَ بِذَلِكَ الشَّرْطِ عَلَى مُقْتَضَى مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ فَإِنْ اسْتَنَابَ غَيْرَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَنْهُ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الْأَعْذَارِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ رِيعِ ذَلِكَ الْوَقْفِ أَمَّا النَّائِبُ فَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِ اسْتِحْقَاقِهِ صِحَّةُ وِلَايَتِهِ، وَهِيَ مَشْرُوطَةٌ بِأَنْ تَكُونَ مِمَّنْ لَهُ النَّظَرُ، وَهَذَا الْمُسْتَنِيبُ لَيْسَ لَهُ نَظَرٌ إنَّمَا هُوَ إمَامٌ أَوْ مُؤَذِّنٌ أَوْ خَطِيبٌ أَوْ مُدَرِّسٌ فَلَا تَصِحُّ الْوِلَايَةُ الصَّادِرَةُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْمُسْتَنِيبُ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا أَيْضًا بِسَبَبِ أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فَإِنْ اسْتَنَابَ فِي أَيَّامِ الْأَعْذَارِ جَازَ لَهُ تَنَاوُلُ رِيعِ الْوَقْفِ، وَأَنْ يُطْلِقَ لِنَائِبِهِ مَا أَحَبَّ مِنْ ذَلِكَ الرِّيعِ اهـ. وَسَلَّمَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُورِيُّ اهـ. كَلَامُ الْبُنَانِيِّ بِتَصَرُّفٍ، وَفِي حَاشِيَةِ كنون قَالَ الشَّيْخُ الْمِسْنَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَيَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا يُعَدُّ عُذْرًا، وَيُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ شَرْعًا فَإِنَّ الْأَسْبَابَ الْعَارِضَةَ لِلْمَرْءِ مِنْهَا مَا تَتَعَذَّرُ مَعَهُ مُبَاشَرَةُ الْوَظِيفَةِ عَادَةً كَالْمَرَضِ الشَّدِيدِ وَالْحَبْسِ وَالْغَيْبَةِ الْجَبْرِيَّةِ، وَمِنْهَا مَا تُمْكِنُ الْمُبَاشَرَةُ مَعَهُ بِتَرْكِ ذَلِكَ الْعَارِضِ غَيْرَ أَنَّ فِي تَرْكِهِ فَوَاتَ مَنْفَعَةٍ أَوْ تَرْتِيبَ مَضَرَّةٍ كَخُرُوجِ مَنْ لَا كَافِيَ لَهُ إلَى مُطَالَعَةِ ضَيْعَتِهِ أَوْ تَفَقُّدِ بَعْضِ شُئُونِهِ أَوْ شُهُودِ وَلِيمَةٍ دُعِيَ إلَيْهَا فِي وَقْتِ الْوَظِيفَةِ أَوْ تَشْيِيعِ جِنَازَةِ قَرِيبٍ أَوْ صِدِّيقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَمِنْهَا مَا تُمْكِنُ مَعَهُ أَيْضًا مَعَ عَدَمِ تَرَتُّبِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَقَصْدِ الِاسْتِرَاحَةِ، وَكَتَعَاطِي أَسْبَابِ غَيْرِ حَاجِيَّتِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْقِسْمَانِ الْأَوَّلَانِ دُونَ الثَّالِثِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ مَا نَقَلَهُ فِي آخِرِ نَوَازِلِ الصَّلَاةِ مِنْ الْمِعْيَارِ عَنْ إمَامَيْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَمُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ مِنْ قَوْلِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَسْتَنِيبُ إلَّا لِعُذْرٍ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالِاسْتِنَابَةِ فِيهِ كَالْمَرَضِ وَالْحَبْسِ، وَقَوْلُ الثَّانِي لِعُذْرٍ لَا يُعَدُّ بِسَبَبِهِ مُقَصِّرًا، وَمَا نَقَلَهُ أَيْضًا فِي أَثْنَاءِ نَوَازِلِ الْحَبْسِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْدُوسِيِّ مِنْ تَمْثِيلِهِ لِلْعُذْرِ بِالْخُرُوجِ إلَى الضَّيْعَةِ، وَانْظُرْ السَّفَرَ لِلزِّيَارَةِ هَلْ هُوَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ أَوْ مِنْ الثَّانِي لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُتَوَلِّيَ الْوَظِيفَةِ إذَا عَطَّلَهَا رَأْسًا بِأَنْ لَمْ يُبَاشِرْ الْقِيَامَ بِهَا بِنَفْسِهِ، وَلَا اسْتَنَابَ فِيهَا مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ لَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ كَثِيرَةً أَوْ يَسِيرَةً، وَالْحُكْمُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ الْمُرَتَّبُ

[الفرق بين قاعدة ما يوجب الضمان وبين قاعدة ما لا يوجبه]

مُخْبِرُك أَيُّهَا الْقَاضِي بِكَذَا فَإِنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ اتِّصَافِهِ بِالْخَبَرِ لِلْقَاضِي، وَذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي الْحَالِ إنَّمَا وَقَعَ الْإِخْبَارُ عَنْ هَذَا الْخَبَرِ فَظَهَرَ أَنَّ الْخَبَرَ كَيْفَمَا تَصَرَّفَ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْحَاكِمُ لِلشَّاهِدِ بِأَيِّ شَيْءٍ تَشْهَدُ قَالَ حَضَرْت عِنْدَ فُلَانٍ فَسَمِعْته يُقِرُّ بِكَذَا أَوْ أَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ بِكَذَا أَوْ شَهِدْتُ بَيْنَهُمَا بِصُدُورِ الْبَيْعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ لَا يَكُونُ هَذَا أَدَاءَ شَهَادَةٍ، وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ أَنَّ هَذَا مُخْبِرٌ عَنْ أَمْرٍ تَقَدَّمَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَا مَنَعَ مِنْ الشَّهَادَةِ بِهِ مِنْ فَسْخٍ أَوْ إقَالَةٍ أَوْ حُدُوثِ رِيبَةٍ لِلشَّاهِدِ تَمْنَعُ الْأَدَاءَ فَلَا يَجُوزُ لِأَجْلِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ الِاعْتِمَادُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إذَا صَدَرَ مِنْ الشَّاهِدِ فَالْخَبَرُ كَيْفَمَا تَقَلَّبَ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ الْأَخْبَارِ عَنْ الْوَاقِعَةِ الْمَشْهُودِ بِهَا، وَالْإِنْشَاءُ لَيْسَ بِخَبَرٍ، وَلِذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــSمُخْبِرُك أَيُّهَا الْقَاضِي بِكَذَا فَإِنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ اتِّصَافِهِ بِالْخَبَرِ لِلْقَاضِي وَذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي الْحَالِ إنَّمَا وَقَعَ الْإِخْبَارُ عَنْ هَذَا الْخَبَرِ) . قُلْت هَذَا كَلَامُ مَنْ لَا يَفْهَمُ مُقْتَضَى الْكَلَامِ وَكَيْفَ لَا يَكُونُ مَنْ يَقُولُ لِلْقَاضِي أَنَا أُخْبِرُك بِأَنَّ لِزَيْدٍ عِنْدَ عَمْرٍو دِينَارًا مُخْبِرًا لِلْقَاضِي أَنَّ لِزَيْدٍ عِنْدَ عَمْرٍو دِينَارًا بَلْ مُخْبِرًا بِأَنَّهُ مُخْبِرٌ وَهَلْ الْعِبَارَةُ عَنْ إخْبَارِهِ عَنْ الْخَبَرِ إلَّا عَيْنَ تِلْكَ، وَهِيَ أَنَا مُخْبِرُك أَنِّي مُخْبِرُك لَا أَنَا مُخْبِرُك بِكَذَا، هَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ لَا يَفُوهُ بِهِ مَنْ يَفْهَمُ شَيْئًا مِنْ مُضَمَّنَاتِ الْأَلْفَاظِ وَمُقْتَضَى مَسَاقِهَا قَالَ (فَظَهَرَ أَنَّ الْخَبَرَ كَيْفَمَا تَصَرَّفَ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ) قُلْت لَمْ يَظْهَرْ مَا قَالَهُ أَصْلًا وَلَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ وَلَا حَالٍ قَالَ (وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْحَاكِمُ لِلشَّاهِدِ بِأَيِّ شَيْءٍ تَشْهَدُ قَالَ حَضَرْت عِنْدَ فُلَانٍ فَسَمِعْته يُقِرُّ بِكَذَا وَأَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ بِكَذَا أَوْ شَهِدْت بَيْنَهُمَا بِصُدُورِ الْبَيْعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ لَا يَكُونُ هَذَا أَدَاءَ شَهَادَةٍ إلَى قَوْلِهِ فَالْخَبَرُ كَيْفَمَا تَقَلَّبَ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ) قُلْت إذَا لَمْ يَكُنْ قَوْلُ الشَّاهِدِ حَضَرْت عِنْدَ فُلَانٍ فَسَمِعْته يُقِرُّ بِكَذَا أَوْ أَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ بِكَذَا بَعْدَ قَوْلِ الْقَاضِي لَهُ بِأَيِّ شَيْءٍ تَشْهَدُ شَهَادَةً فَلَا أَدْرِي بِأَيِّ لَفْظٍ تُؤَدَّى الشَّهَادَةُ وَمَا هَذَا كُلُّهُ إلَّا تَخْلِيطٌ وَوَسْوَاسٌ لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ قَالَ (بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ الْأَخْبَارِ عَنْ الْوَاقِعَةِ الْمَشْهُودِ بِهَا) قُلْت يَا لِلْعَجَبِ وَهَلْ إنْشَاءُ الْأَخْبَارِ إلَّا الْإِخْبَارَ بِعَيْنِهِ قَالَ (وَالْإِنْشَاءُ لَيْسَ بِخَبَرٍ إلَى قَوْلِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ) قُلْت مِنْ هُنَا دَخَلَ عَلَيْهِ الْوَهْمُ وَهُوَ أَنَّهُ أَطْلَقَ لَفْظَ الْإِنْشَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَجْعُولُ لِمُتَوَلِّيهَا إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ قِيَامِهِ بِهَا لِعُذْرٍ لَا يُعَدُّ بِسَبَبِهِ مُقَصِّرًا عَادَةً، وَالْمُدَّةُ مَعَ ذَلِكَ يَسِيرَةٌ عُرْفًا كَمَا أَفَادَهُ السَّيِّدُ عَبْدُ اللَّهِ الْعَبْدُوسِيُّ فِي جَوَابٍ لَهُ مَذْكُورٍ فِي الْمِعْيَارِ، وَنَصُّهُ قَالَ عُلَمَاؤُنَا كُلُّ مَنْ جُعِلَ لَهُ مُرَتَّبٌ عَلَى قِرَاءَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِذَلِكَ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ خَوْفٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الْمُرَتَّبَ كَالْأَجِيرِ عَلَى شَيْءٍ لَا يَقُومُ بِحَقِّ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا عَطَّلَ مُدَّةً يَسِيرَةً كَخُرُوجِهِ إلَى ضَيْعَتِهِ، وَتَفَقُّدِ شُئُونِهِ أَوْ يَمْرَضُ الْمُدَّةَ الْيَسِيرَةَ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْأُجْرَةُ اهـ. وَمَثَّلَ لِلْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ فِي جَوَابٍ لَهُ آخَرَ مَذْكُورٍ فِيهِ أَيْضًا بِالْجُمْلَةِ وَنَحْوِهَا، وَكَذَا نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ فَتُّوحٍ اُنْظُرْ الْقَوْلَ الْكَاشِفَ اهـ. بِلَفْظِهَا، وَقَدْ قَدَّمْت فِي الْفَرْقِ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالْمِائَةِ عَنْ الشَّيْخِ مَنْصُورٍ الْحَنْبَلِيِّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْإِقْنَاعِ أَنَّ مَذْهَبَهُمْ جَوَازُ اسْتِنَابَةِ الْأَجِيرِ فِي مِثْلِ تَدْرِيسٍ وَإِمَامَةٍ وَخَطَابَةٍ وَنَحْوِهَا جَائِزَةٌ، وَلَوْ نَهَى الْوَاقِفُ عَنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ النَّائِبُ مِثْلَ مُسْتَنِيبِهِ فِي كَوْنِهِ أَهْلًا لِمَا اُسْتُنِيبَ فِيهِ فَلَا تَغْفُلْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) فِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ عَلَى عبق مَا نَصَّهُ ابْنُ يُونُسَ الْأَصْلُ فِي جَوَازِ الْوَكَالَةِ قَوْله تَعَالَى {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: 19] وَقَوْلُهُ {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] وَالْأَوْصِيَاءُ كَالْوُكَلَاءِ، وَمِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ حِينَ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، وَجَعَلَ وَكِيلُهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا، وَأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَّةً بِدِينَارٍ فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ بِدِينَارٍ فَبَاعَ وَاحِدَةً بِدِينَارٍ فَأَتَاهُ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْبَرَكَةِ» ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ الْوَكَالَةِ لِلْمَرِيضِ وَالْغَائِبِ وَالْحَاضِرُ مِثْلُ ذَلِكَ اهـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ اهـ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُهُ] (الْفَرْقُ السَّابِعَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُهُ) أَقُولُ هَذَا الْفَرْقُ مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَرْقِ الْحَادِي عَشَرَ وَالْمِائَةِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُضْمَنُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُضْمَنُ. وَقَدْ وَضَّحْته هُنَاكَ أَتَمَّ تَوْضِيحٍ، وَضَمَمْت مَا زَادَهُ هَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ هُنَاكَ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ، وَغَيْرِهِ لَكِنَّهُ ذَكَرَ هُنَا مَسْأَلَتَيْنِ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ، وَلَمْ أَذْكُرْهَا هُنَاكَ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) مَشْهُورُ مَذْهَبِنَا الَّذِي حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ يَوْمَ الْغَصْبِ دُونَ مَا بَعْدَهُ، وَأَنَّ صَدَاقَ الْمِثْلِ يَجِبُ لِلْمَوْطُوءَةِ فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ أَوَّلَ يَوْمِ الشُّبْهَةِ دُونَ مَا بَعْدَهُ، وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَحُجَّتُنَا فِي الْغَصْبِ أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ: (الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) الْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ، وَهِيَ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

فَإِذَا قَالَ الشَّاهِدُ أَشْهَدُ عِنْدَك أَيُّهَا الْقَاضِي بِكَذَا كَانَ إنْشَاءً، وَلَوْ قَالَ شَهِدْت لَمْ يَكُنْ إنْشَاءً عَكْسُهُ فِي الْبَيْعِ لَوْ قَالَ أَبِيعُك لَمْ يَكُنْ إنْشَاءً لِلْبَيْعِ بَلْ إخْبَارَتُهُ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ بَيْعٌ بَلْ وَعْدٌ بِالْبَيْعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُك كَانَ إنْشَاءً لِلْبَيْعِ فَالْإِنْشَاءُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْمُضَارِعِ، وَفِي الْعُقُودِ بِالْمَاضِي، وَفِي الطَّلَاقِ بِالْمَاضِي، وَاسْمُ الْفَاعِلِ نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ، وَأَنْتَ حُرٌّ، وَلَا يَقَعُ الْإِنْشَاءُ فِي الْبَيْعِ، وَالشَّهَادَةِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ، وَلَوْ قَالَ أَنَا شَاهِدٌ عِنْدَك بِكَذَا، وَأَنَا بَائِعُك بِكَذَا لَمْ يَكُنْ إنْشَاءً، وَسَبَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ الْوَضْعُ الْعُرْفِيُّ فَمَا وَضَعَهُ أَهْلُ الْعُرْفِ لِلْإِنْشَاءِ كَانَ إنْشَاءً، وَمَا لَا فَلَا فَاتَّفَقُوا أَنَّهُمْ وَضَعُوا لِلْإِنْشَاءِ الْمَاضِيَ فِي الْعُقُودِ وَالْمُضَارِعَ فِي الشَّهَادَةِ وَاسْمَ الْفَاعِلِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَوْضُوعَةً لِلْإِنْشَاءِ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ صَحَّ مِنْ الْحَاكِمِ اعْتِمَادُهُ عَلَى الْمُضَارِعِ فِي الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ صَرِيحٌ فِيهِ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الصَّرِيحِ هُوَ الْأَصْلُ، وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى غَيْرِ الصَّرِيحِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمُرَادِ مِنْهُ فَإِنْ اتَّفَقَ أَنَّ الْعَوَائِدَ تَغَيَّرَتْ. وَصَارَ الْمَاضِي مَوْضُوعًا لِإِنْشَاءِ الشَّهَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSعَلَى جَمِيعِ الْكَلَامِ وَمِنْ جُمْلَتِهِ الْخَبَرُ وَأَطْلَقَ لَفْظَ الْإِنْشَاءِ عَلَى قَسِيمِ الْخَبَرِ ثُمَّ تَخَيَّلَ أَنَّهُ أَطْلَقَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَحَكَمَ بِأَنَّ الْإِنْشَاءَ لَا يَدْخُلُهُ التَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ ذَلِكَ صَحِيحٌ فِي الْإِنْشَاءِ الَّذِي هُوَ قَسِيمُ الْخَبَرِ وَغَيْرُ صَحِيحٍ فِي الْإِنْشَاءِ الَّذِي هُوَ إنْشَاءُ الْخَبَرِ وَأَنْ يَكُونَ وَعْدًا بِأَنَّهُ يَشْهَدُ عِنْدَهُ لَا أَعْلَمُ لَهُ مَا الْخَبَرُ. قَالَ (فَإِذَا قَالَ الشَّاهِدُ أَشْهَدُ عِنْدَك أَيُّهَا الْقَاضِي بِكَذَا كَانَ إنْشَاءً) قُلْت وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَعْدًا بِأَنَّهُ سَيَشْهَدُ عِنْدَهُ لَا أَعْلَمُ لَهُ مَانِعًا إلَّا التَّحَكُّمَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ لَفْظِ الْخَبَرِ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَهَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ فَاحِشٌ قَالَ (وَلَوْ قَالَ شَهِدْت لَمْ يَكُنْ إنْشَاءً عَكْسُهُ فِي الْبَيْعِ لَوْ قَالَ أَبِيعُك لَمْ يَكُنْ إنْشَاءً إلَى قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ أَنَا شَاهِدٌ عِنْدَك بِكَذَا أَوْ أَنَا بَائِعُك بِكَذَا لَمْ يَكُنْ إنْشَاءً) قُلْت لَقَدْ كَلَّفَ هَذَا الرَّجُلَ نَفْسَهُ شَطَطًا وَأَلْزَمَهَا مَا لَمْ يُلْزِمْهَا كَيْفَ وَهُوَ مَالِكِيٌّ وَالْمَالِكِيَّةُ يُجِيزُونَ الْعُقُودَ بِغَيْرِ لَفْظٍ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ لَفْظٍ مُعَيَّنٍ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ حَيْثُ يَشْتَرِطُونَ مُعَيِّنَاتِ الْأَلْفَاظِ قَالَ (وَسَبَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ الْوَضْعُ الْعُرْفِيُّ إلَى قَوْلِهِ وَفِي الْفَرْقِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ مُسَلَّمٌ وَصَحِيحٌ إلَّا قَوْلَهُ أَرَادَ الشَّهَادَةَ بِالْإِنْشَاءِ لَا بِالْخَبَرِ فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّهَادَةَ خَبَرٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ مِنْهُ الْغَلَطُ وَالْوَهْمُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ فِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ صَحِيحٌ أَوْ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ نَقْلٌ وَتَرْجِيحٌ وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي قَوْلِهِ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ» قَدْ رَتَّبَ الضَّمَانَ عَلَى الْأَخْذِ بِالْيَدِ فَيَكُونُ الْأَخْذُ بِالْيَدِ هُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَخَذَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا يَدُلُّ قَوْلُنَا: عَلَى الزَّانِي الرَّجْمُ، وَعَلَى السَّارِقِ الْقَطْعُ عَلَى سَبَبِيَّةِ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ غَيْرَ الْأَخْذِ بِالْيَدِ سَبَبًا بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ سَبَبِيَّةِ غَيْرِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا ذُكِرَ. (الْأَمْرُ الثَّانِي) الْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ الْفِقْهِيَّةُ، وَهِيَ أَنَّ الْأَصْلَ تَرَتُّبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ فَيَتَرَتَّبُ حِينَ وَضْعِ الْيَدِ لَا مَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْمَضْمُونُ لَا يُضْمَنُ لِأَنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ. (الْأَمْرُ الثَّالِثُ) الْقِيَاسُ عَلَى حَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ فَإِنَّهَا كَمَا لَا تُضْمَنُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَذَلِكَ لَا يُضْمَنُ الْمَغْصُوبُ بَعْدَ يَوْمِ الْغَصْبِ، وَحُجَّتُنَا فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ إمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الْغَصْبِ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَإِمَّا لِأَنَّ الصَّدَاقَ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ بِالْوَطْأَةِ الْأُولَى. وَالْأَصْلُ عَدَمُ انْتِقَالِهِ، وَمَا قَالَ أَحَدٌ بِوُجُوبِ صَدَاقَيْنِ، وَخَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ فِيهِمَا فَقَالَ تُعْتَبَرُ فِي الْمَغْصُوبِ الْأَحْوَالُ كُلُّهَا، وَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ أَعْلَى الْقِيَمِ، وَيُعْتَبَرُ فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ أَعْلَى الرُّتَبِ فَيَجِبُ لَهَا صَدَاقُ الْمِثْلِ فِي أَشْرَفِ أَحْوَالِهَا كَمَا يَجِبُ أَعْلَى الْقِيَمِ فِي الْغَصْبِ، وَوَافَقَهُ فِي تَضْمِينِ أَعْلَى الْقِيَمِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إلَّا أَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ الْأَصْحَابِ اعْتَبَرُوا الْأَخْذَ بِأَرْفَعِ الْقِيَمِ فِي حَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ حَكَى اللَّخْمِيُّ عَنْ أَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ أَخْذَ أَرْفَعِ الْقِيَمِ إذَا حَالَتْ الْأَسْوَاقُ وَالشَّافِعِيُّ لَمْ يَعْتَبِرْ التَّضْمِينَ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ كَمَا عَلِمْت، وَقَدْ يُفَرَّقُ لَهُ بَيْنَ حَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ وَزِيَادَةُ صِفَاتِ السِّلَعِ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ وَالْأَسْوَاقَ رَغَبَاتُ النَّاسِ، وَهِيَ بَيْنَ النَّاسِ خَارِجَةٌ عَنْ السِّلَعِ فَلَا تُضْمَنُ بِخِلَافِ زِيَادَةِ صِفَاتِهَا، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي مَسَائِلَ: (مِنْهَا) مَا إذَا غَصَبَهَا ضَعِيفَةً مُشَوَّهَةً مَعِيبَةً بِأَنْوَاعٍ مِنْ الْعُيُوبِ فَزَالَتْ تِلْكَ الْعُيُوبُ عِنْدَهُ فَعِنْدَنَا الْقِيمَةُ الْأُولَى، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهَا أَعْلَى، وَعَلَى مَذْهَبِهِ لَوْ تَعَلَّمَ الْعَبْدُ صَنْعَةً ثُمَّ نَسِيَهَا ضَمِنَهَا الْغَاصِبُ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ بِوُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) بِأَنَّ الْغَاصِبَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مَأْمُورٌ بِالرَّدِّ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِرَدِّ الزِّيَادَةِ فَمَا لَمْ يَرُدَّهَا يَكُونُ غَاصِبًا لَهَا فَيَضْمَنُهَا. (الثَّانِي) أَنَّ الزِّيَادَةَ نَشَأَتْ عَنْ مِلْكِهِ، وَفِي مِلْكِهِ فَتَكُونُ مِلْكَهُ، وَيَدُ الْعُدْوَانِ عَلَيْهَا فَتَكُونُ مَغْصُوبَةً فَيَضْمَنُ كَالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ. (الثَّالِثُ) أَنَّهُ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ ظَالِمٌ، وَالظُّلْمُ عِلَّةُ الضَّمَانِ فَيَضْمَنُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْوُجُوهَ الثَّلَاثَةَ، وَإِنْ كَانَتْ مُسَلَّمَةً إلَّا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا سَبَبُ الضَّمَانِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْأَمْرِ، وَلَا مِنْ الظُّلْمِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمَا الضَّمَانُ لِعَدَمِ نَصْبِهَا شَرْعًا سَبَبًا لَهُ، وَالْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ تَفْتَقِرُ إلَى نَصْبٍ شَرْعِيٍّ، وَلَفْظُ صَاحِبِ الشَّرْعِ إنَّمَا اقْتَضَى

[المسألة الثالثة شهدوا بالأرض ولم يحدوها وشهد آخرون بالحدود دون الملك]

وَالْمُضَارِعُ لِإِنْشَاءِ الْعُقُودِ جَازَ لِلْحَاكِمِ الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا صَارَ مَوْضُوعًا لِلْإِنْشَاءِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْعُرْفِ الْأَوَّلِ فَتَلَخَّصَ لَك أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ نَاشِئٌ عَنْ الْعَوَائِدِ، وَتَابِعٌ لَهَا، وَأَنَّهُ يَنْقَلِبُ وَيُنْتَسَخُ بِتَغَيُّرِهَا وَانْتِقَالِهَا فَلَا يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ خَفَاءٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَصِحُّ أَنْ تُؤَدَّى بِهِ الشَّهَادَةُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَصِحُّ بِهِ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ، وَفِي الْفَرْقِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الشَّهَادَةُ قِسْمَانِ تَارَةٌ يَكُونُ مَقْصِدُهَا مُجَرَّدُ الْإِثْبَاتِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ نَحْوُ أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ وَنَحْوُهُ، وَتَارَةً يَكُونُ الْمَقْصُودُ الْجَمْعُ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَهُوَ الْحَصْرُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهِمَا فِي الْعِبَارَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي التَّهْذِيبِ لَا يَكْفِي أَنَّهُ ابْنٌ لِلْمَيِّتِ حَتَّى يَقُولُوا فِي حَصْرِ الْوَرَثَةِ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ هَذِهِ الدَّارُ لِأَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ حَتَّى يَقُولُوا، وَلَا نَعْلَمُ خُرُوجَهَا عَنْ مِلْكِهِ إلَى الْمَوْتِ حَتَّى يُحْكَمَ بِالْمِلْكِ فِي الْحَالِ. فَإِنْ قَالُوا هَذَا وَارِثٌ مَعَ وَرَثَةٍ آخَرِينَ أَعْطَى هَذَا نَصِيبَهُ وَتَرَكَ الْبَاقِيَ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ مُسْتَحِقُّهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ يَدِهِ، وَلِأَنَّ الْغَائِبَ قَدْ يُقِرُّ لَهُ بِهَا قَالَ سَحْنُونٌ، وَقَدْ كَانَ يَقُولُ غَيْرَ هَذَا، وَعَنْ مِلْكٍ يُنْزَعُ مِنْ الْمَطْلُوبِ. وَيُوقَفُ لِتَيَقُّنِهَا أَنَّهَا لِغَيْرِهِ فَإِنْ قَالُوا لَا نَعْرِفُ عَدَدَ الْوَرَثَةِ لَمْ يَقْضِ لِهَذَا بِشَيْءٍ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى تَسْمِيَةِ الْوَرَثَةِ، وَتَبْقَى الدَّارُ بِيَدِ صَاحِبِ الْيَدِ حَتَّى يَثْبُتَ عَدَدُ الْوَرَثَةِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ لِنَقْضِ الْقِسْمَةِ وَتَشْوِيشِ الْأَحْكَامِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَقُولُ فُلَانٌ وَارِثٌ أَوْ هَذَا الْعَبْدُ لَهُ مَا بَاعَ، وَلَا وَهَبَ، وَلَا يَدْرِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ جَزَمَ بِالنَّفْيِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ بَلْ يَقُولُ لَا أَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ وَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُ بَاعَ، وَلَا وَهَبَ قَالَهُ مَالِكٌ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَجُوزُ إلَّا الْجَزْمُ بِأَنْ يَقُولَ مَا بَاعَ، وَلَا وَهَبَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِغَيْرِ الْجَزْمِ لَا تَجُوزُ قَالَ وَقَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَظْهَرُ، وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْأَمْسِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْحَالِ لَمْ يُسْمَعْ حَتَّى يَقُولَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِي، وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَمْسِ ثَبَتَ الْقَرَارُ، وَاسْتُصْحِبَ مُوجِبُهُ، وَلَوْ قَالَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَانَ مِلْكُهُ بِالْأَمْسِ نُزِعَ مِنْ يَدِهِ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ تَحْقِيقٍ فَيُسْتَصْحَبُ كَمَا لَوْ قَالَ الشَّاهِدُ هُوَ مِلْكُهُ بِالْأَمْسِ بِشِرَاءٍ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَمْسِ لَمْ يُفِدْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَلَوْ شَهِدَتْ أَنَّهُ غَصَبَهُ جَعَلَ الْمُدَّعِي صَاحِبَ الْيَدِ، وَلَوْ اُدُّعِيَتْ مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدَتْ بِالْمِلْكِ وَالسَّبَبِ لَمْ يَضُرَّ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ شَهِدُوا بِالْأَرْضِ وَلَمْ يَحُدُّوهَا وَشَهِدَ آخَرُونَ بِالْحُدُودِ دُونَ الْمِلْكِ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ لَوْ شَهِدُوا بِالْأَرْضِ، وَلَمْ يَحُدُّوهَا، وَشَهِدَ آخَرُونَ بِالْحُدُودِ دُونَ الْمِلْكِ قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQسَبَبِيَّةَ وَضْعِ الْيَدِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ فَلَا بُدَّ لِسَبَبِيَّةِ غَيْرِهِ مِنْ دَلِيلٍ، وَلَمْ يُوجَدْ وَضْعُ الْيَدِ فِي أَثْنَاءِ الْغَصْبِ بَلْ اسْتِصْحَابُهَا، وَاسْتِصْحَابُ الشَّيْءِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ بِدَلِيلِ نَظَائِرَ: (مِنْهَا) أَنَّ اسْتِصْحَابَ النِّكَاحِ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لِصِحَّتِهِ مَعَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَالْعَقْدُ لَا يَصِحُّ مَعَ الِاسْتِبْرَاءِ. (وَمِنْهَا) أَنَّ الطَّلَاقَ يُوجِبُ تَرَتُّبَ الْعِدَّةِ عَقِيبَهُ، وَاسْتِصْحَابُهُ لَا يُوجِبُ عِدَّةً. (وَمِنْهَا) وَضْعُ الْيَدِ عُدْوَانًا يُوجِبُ التَّفْسِيقَ، وَالتَّأْثِيمَ، وَلَوْ جُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهِيَ تَحْتَ يَدِهِ لَمْ يَأْثَمْ حِينَئِذٍ، وَلَمْ يَفْسُقْ. (وَمِنْهَا) ابْتِدَاءُ الْعِبَادَةِ يُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّاتُ، وَغَيْرُهَا مِنْ التَّكْبِيرِ وَنَحْوِهِ، وَدَوَامُهَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ فَعَلِمْنَا أَنَّ اسْتِصْحَابَ الشَّيْءِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ لَا سِيَّمَا، وَسَبَبُ الضَّمَانِ هُوَ الْأَخْذُ عُدْوَانًا، وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ بَعْد زَمَن الْأَخْذِ أَنَّهُ أَخَذَ الْآنَ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْأَخْذِ تَجْرِي مَجْرَى الْمُنَاوَلَةِ، وَالْحَرَكَاتُ الْخَاصَّةِ لَا يَصْدُقُ شَيْءٌ مِنْهَا مَعَ الِاسْتِصْحَابِ فَعُلِمَ أَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ مَنْفِيٌّ فِي زَمَنِ الِاسْتِصْحَابِ قَطْعًا، وَنَحْنُ إنَّمَا نَضْمَنُهُ الْآنَ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ لَا بِمَا هُوَ حَاصِلٌ الْآنَ فَانْدَفَعَ مَا ذَكَرُوهُ، وَأَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا هِيَ يَوْمَ الْغَصْبِ زَادَتْ الْعَيْنُ أَوْ نَقَصَتْ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) اخْتَلَفَتْ الْمَذَاهِبُ وَتَشَعَّبَتْ الْآرَاءُ، وَطُرُقُ الِاجْتِهَادِ فِيمَا إذَا ذَهَبَ جُلُّ مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ كَقَطْعِ ذَنَبِ بَغْلَةِ الْقَاضِي، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعِنْدَنَا يَضْمَنُ الْجَمِيعَ فِي جَمِيعِ صُوَرِ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَيْسَ لَهُ فِي جَمِيعِ صُوَرِ ذَلِكَ إلَّا مَا نَقَصَ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْعَبْدِ، وَالثَّوْبِ كَقَوْلِنَا فِي الْأَكْثَرِ فِي أَنَّهُ إذَا ذَهَبَ النِّصْفُ أَوْ الْأَقَلُّ بِاعْتِبَارِ الْمَنْفَعَةِ عَادَةً فَلَيْسَ لَهُ إلَّا مَا نَقَصَ، وَقَالَ فَإِنْ قَلَعَ عَيْنَ الْبَهِيمَةِ فَرُبْعُ الْقِيمَةِ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ عِنْدَهُمْ أَنْ لَا يَضْمَنَ إلَّا النَّقْصَ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيلِ هَذَا الْقَوْلِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِالْأَكْلِ وَالرُّكُوبِ مَعًا، وَعَلَيْهِ فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ لِلْإِبِلِ وَالْبَقَرِ دُونَ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالرُّكُوبِ فَقَطْ، وَعَلَيْهِ فَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ لِلْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ أَيْضًا فَيَضْمَنُ رُبْعَ الْقِيمَةِ فَإِذَا قَطَعَ يَدَيْ الْعَبْدِ أَوْ رِجْلَيْهِ فَأَبُو حَنِيفَةَ يُوَافِقُنَا فِي تَخْيِيرِ السَّيِّدِ بَيْنَ تَسْلِيمِ الْعَبْدِ، وَأَخْذِ الْقِيمَةِ كَامِلَةً وَبَيْنَ إمْسَاكِهِ، وَلَا شَيْءَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَتَعَيَّنُ الْقِيمَةُ كَامِلَةً، وَلَا يَلْزَمُ تَسْلِيمُ الْعَبْدِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَعْنِي مَسْأَلَةَ قَطْعِ ذَنَبِ بَغْلَةِ الْقَاضِي، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ خِلَافُهُمْ فِي الْمِلْكِ هَلْ يُضَافُ لِلضَّمَانِ وَسَبَبِهِ مَعًا، وَهُوَ قَوْلُ الْمُخَالِفِ فَلِذَا قَالَ الضَّمَانُ الَّذِي سَبَبُهُ عُدْوَانٌ لَا يُوجِبُ مِلْكًا لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلتَّغْلِيطِ لَا سَبَبٌ لِلرِّفْقِ أَوْ يُضَافُ لِلضَّمَانِ فَقَطْ لَا لِسَبَبِهِ، وَهُوَ قَوْلُنَا وَعَلَيْهِ فَالضَّمَانُ قَدْرٌ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْعُدْوَانِ وَغَيْرِهِ، وَبَسْطُ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى

[المسألة الرابعة الشهادة على النفي]

مَالِكٌ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ، وَقَضَى بِهِمْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْمَجْمُوعِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ شَهِدَتْ بِغَصْبِ الْأَرْضِ، وَلَمْ يَحُدُّوهَا قِيلَ لِلْمُدَّعِي حَدِّدْ مَا غُصِبَ مِنْك، وَاحْلِفْ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ، وَإِنْ شَهِدَتْ بِالْحَقِّ، وَقَالَتْ لَا نَعْرِفُ عَدَدَهُ قِيلَ لِلْمَطْلُوبِ قِرْ بِحَقٍّ وَاحْلِفْ عَلَيْهِ فَتُعْطِيهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْك غَيْرَهُ فَإِنْ جَحَدَ قِيلَ لِلطَّالِبِ إنْ عَرَفْته احْلِفْ عَلَيْهِ وَخُذْهُ فَإِنْ قَالَ لَا أَعْرِفُهُ أَوْ أَعْرِفُهُ، وَلَا أَحْلِفُ عَلَيْهِ سُجِنَ الْمَطْلُوبُ حَتَّى يُقِرَّ بِالشَّيْءِ، وَيَحْلِفَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهِ أُخِذَ الْمُقِرُّ بِهِ، وَحُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي دَارٍ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَتَّى يَحْلِفَ، وَلَا يُحِسُّ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ قَالَ الْبَاجِيَّ فِي الْمُنْتَقَى. وَعَنْ مَالِكٍ تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِنِسْيَانِ الْعَدَدِ وَجَهْلِهِ لِأَنَّهُ نَقْضٌ فِي الشَّهَادَةِ قَالَ الْبَاجِيَّ نِسْيَانُ بَعْضِ الشَّهَادَةِ يَمْنَعُ مِنْ أَدَاءِ ذَلِكَ الْبَعْضِ إلَّا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْهِبَةِ وَالْحِسّ الْإِقْرَارُ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا يَلْزَمُ الشَّاهِدَ حِفْظُهُ بَلْ مُرَاعَاةُ الشَّهَادَةِ فِي آخِرِهِ، وَكَذَلِكَ سِجِلَّاتُ الْحَاكِمِ لَا يَلْزَمُ حِفْظُهَا عِنْدَ الْأَدَاءِ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ بِمَا عَلِمَ مِنْ تَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ. [الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ] (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) اشْتَهَرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ فَإِنَّ النَّفْيَ قَدْ يَكُونُ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ أَوْ بِالظَّنِّ الْغَالِبِ النَّاشِئِ عَنْ الْفَحْصِ، وَقَدْ يَعْرَى عَنْهُمَا فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِهِ اتِّفَاقًا كَمَا لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْبُقْعَةِ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ أَفْرُسٌ، وَنَحْوُهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ مَعَ الْقَطْعِ مَطْلَبٌ آخَرُ (وَالثَّانِي) نَحْوَ الشَّهَادَةِ فِي صُوَرٍ مِنْهَا التَّفْلِيسُ، وَحَصَرُ الْوَرَثَةِ فَإِنَّ الْحَاصِلَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ الظَّنُّ الْغَالِبُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ عَقْلًا حُصُولُ الْمَالِ لِلْمُفْلِسِ، وَهُوَ يَكْتُمُهُ، وَحُصُولُ وَارِثٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ، وَمِنْ هَاهُنَا قَوْلُ الْمُحَدِّثِينَ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِصَحِيحٍ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِقْرَاءِ، وَمِنْهَا قَوْلُ النَّحْوِيِّينَ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ اسْمٌ آخِرُهُ وَاوٌ قَبْلَهَا ضَمَّةٌ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ نَحْوُ أَنَّ زَيْدًا مَا وَفَّى الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ أَوْ مَا بَاعَ سِلْعَتَهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ نَفْيٌ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي النَّفْيِ الْمُنْضَبِطِ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا. وَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يَقْتُلْ عَمْرًا أَمْسِ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ فِي الْبَيْتِ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يُسَافِرْ لِأَنَّهُ رَآهُ فِي الْبَلَدِ فَهَذِهِ كُلُّهَا شَهَادَةٌ صَحِيحَةٌ بِالنَّفْيِ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ غَيْرُ الْمُنْضَبِطِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ، وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُمْ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، وَيَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ مِنْ النَّفْيِ، وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ مِنْهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَنَا وُجُوهٌ (الْأَوَّلُ) أَنْ نَقُولَ إنَّهُ أَتْلَفَ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ فَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا أَمَّا أَنَّهُ أَتْلَفَ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ فَلِأَنَّ ذَا الْهَيْئَةِ إذَا قُطِعَ ذَنَبُ بَغْلَتِهِ لَا يَرْكَبُهَا بَعْدُ، وَالرُّكُوبُ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَأَمَّا قِيَاسُ ذَلِكَ عَلَى قَتْلِهَا فَلِأَنَّهُ إذَا قَتَلَهَا ضَمِنَهَا اتِّفَاقًا مَعَ بَقَاءِ انْتِفَاعِهِ بِإِطْعَامِهَا لِكِلَابِهِ وَبُزَاتِهِ، وَبِدَبْغِ جِلْدِهَا فَيَنْتَفِعُ بِهِ أَوْ بِغَيْرِ دِبَاغٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ غَيْرِ الْمَقْصُودَةِ عَادَةً فَلَمَّا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ الضَّمَانِ عَلِمْنَا أَنَّ الضَّمَانَ مُضَافٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا مِنْهَا، وَهُوَ ذَهَابُ الْمَقْصُودِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْحُكْمِ عَمَلًا بِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمُوجِبِ. (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ عَسَلًا وَشَيْرَجًا وَنَشًا فَعَقَدَ الْجَمِيعُ فَالُوذَجًا ضَمِنَ عِنْدَهُمْ مَعَ بَقَاءِ مَنَافِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْمَالِيَّةِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا. (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبَقَ أَوْ حِنْطَةً فَبَلَّهَا بَلَلًا فَاحِشًا ضَمِنَ عِنْدَهُمْ مَعَ بَقَاءِ التَّقَرُّبِ فِي الْأَوَّلِ بِالْعِتْقِ وَبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ فِي الثَّانِي لَكِنْ جُلُّ الْمَقْصُودِ ذَهَبَ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا، وَكَمَا أَنَّهُ فِي الْآبِقِ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَمِيعِ الْعَيْنِ، وَفِي الْحِنْطَةِ أَفْسَدَهَا عَلَيْهِ نَاجِزًا بِالْبَلَلِ لِتَدَاعِي الْفَسَادِ إلَيْهَا بِهِ كَذَلِكَ صُورَةُ النِّزَاعِ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَقْصُودِهِ، وَأَفْسَدَهُ عَلَيْهِ نَاجِزًا مَعَ إمْكَانِ تَجْفِيفِ الْحِنْطَةِ، وَعَمَلِهَا سَوِيقًا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ، وَأَمَّا مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ الْأَمْرَيْنِ: (الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَالِاعْتِدَاءُ حَصَلَ فِي الْبَعْضِ فَتَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْبَعْضِ. (وَالثَّانِي) أَنَّ مُقْتَضَى أَنَّ تَقْوِيمَ الْمُتْلَفَاتِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ بَلْ إنَّمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَزْمَانِ أَنْ تَكُونَ الْجَنَابَةُ فِي بَغْلَةِ الْقَاضِي أَوْ الْأَمِيرِ مِثْلُهَا فِي غَيْرِهَا كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى عَبْدِهِ أَوْ دَارِهِ فِي عَدَمِ لُزُومِ قِيمَةِ الْجَمِيعِ بَلْ الْبَعْضِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ ذَنَبَ حِمَارِ التَّرَّابِ أَوْ خَرَقَ ثَوْبَ الْحَطَّابِ لَمْ يَلْزَمْهُ جَمِيعُ الْقِيمَةِ مَعَ تَعَذُّرِ بَيْعِ ذَلِكَ مِنْ الْأَمِيرِ وَالْقَاضِي فَإِنَّهُمَا لَا يَلْبَسَانِ ذَلِكَ الثَّوْبَ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْقَطْعِ الْيَسِيرِ، وَأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ أُذُنَ الْأَمِيرِ نَفْسِهِ أَوْ أَنْفَ الْقَاضِي لَمَا اخْتَلَفَتْ الْجِنَايَةُ فَكَيْفَ بِدَابَّتِهِ مَعَ أَنَّ شَيْنَ الْقَاضِي بِقَطْعِ أَنْفِهِ أَشَدُّ فَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنْ يَعْوَرَّ فَرَسُ الْجَانِي كَمَا عَوِرَ فَرَسُهُ، وَهَذَا الظَّاهِرُ مَتْرُوكٌ إجْمَاعًا. (الثَّانِي) أَنَّهَا وَرَدَتْ فِي الدِّمَاءِ لَا فِي الْأَمْوَالِ. (الثَّالِثُ) أَنَّ قَوْله تَعَالَى {عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] أَيْ أَنْفُسَكُمْ إنَّمَا تَنَاوَلَ أَنْفُسَنَا لِأَنَّهُ ضَمِيرُ الْأَنْفُسِ، وَعَنْ الثَّانِي بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) أَنَّ الدَّارَ جُلُّ مَقْصُودِهَا حَاصِلٌ بِخِلَافِ الْفَرَسِ. (الثَّانِي) أَنَّا لَا نُسَلِّمُ قَوْلَهُمْ لَا يَخْتَلِفُ التَّقْوِيمُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ بَلْ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَزْمَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّابَّةَ الصَّالِحَةَ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ كَالْقُضَاةِ وَالْخُطَبَاءِ أَنْفَسُ قِيمَةً لِعُمُومِ الْأَغْرَاضِ فِيهَا، وَلِتَوَقُّعِ

[الفرق بين قاعدة ما يقع به الترجيح بين البينات عند التعارض وقاعدة ما لا يقع به الترجيح]

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ بَيْنَ الْبَيِّنَاتِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ] الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ بَيْنَ الْبَيِّنَاتِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ) قُلْت يَقَعُ التَّرْجِيحُ بِأَحَدِ ثَمَانِيَةِ أَشْيَاءَ وَقَعَ فِي الْجَوَاهِرِ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ فَقَالَ يَقَعُ التَّرْجِيحُ بِزِيَادَةِ الْعَدَالَةِ وَقُوَّةِ الْحُجَّةِ كَالشَّاهِدَيْنِ يُقَدَّمَانِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَالْيَدِ عِنْدَ التَّعَادُلِ وَزِيَادَةِ التَّارِيخِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ وَتَرَجُّحُ الْبَيِّنَةِ الْمُفَصَّلَةِ عَلَى الْمُجْمَلَةِ وَالنَّظَرُ فِي التَّفْصِيلِ وَالْإِجْمَالِ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّظَرِ فِي الْأَعْدَلِيَّةِ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي التَّفْصِيلِ وَالْإِجْمَالِ نَظَرَ فِي الْأَعْدَلِيَّةِ، وَمِنْهَا شَهَادَةُ إحْدَاهُمَا بِحَوْزِ الصَّدَقَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَشَهِدَتْ الْأُخْرَى بِرُؤْيَتِهِ يَخْدُمُهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ عَدَمِ الْحَوْزِ إذْ لَمْ تَتَعَرَّضْ الْأُخْرَى لِرَدِّ هَذَا الْقَوْلِ السَّادِسِ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ إنْ اخْتَصَّتْ أَحَدُهُمَا بِمَزِيدِ الِاطِّلَاعِ كَشَهَادَةِ إحْدَاهُمَا بِحَوْزِ الرَّهْنِ، وَالْأُخْرَى بِعَدَمِ الْحَوْزِ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ لِلْحَوْزِ، وَهِيَ زِيَادَةُ اطِّلَاعٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَقْضِي بِهِ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ. السَّابِعُ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ، وَالْغَالِبُ وَمِنْهُ شَهَادَةُ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ أَوْصَى، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَشَهِدْت الْأُخْرَى أَنَّهُ أَوْصَى، وَهُوَ مَرِيضٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الصِّحَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ وَالْغَالِبُ. وَقَالَ سَحْنُونٌ إذَا شَهِدَتْ بِأَنَّهُ زَنَى عَاقِلًا، وَشَهِدَتْ الْأُخْرَى بِأَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا إنْ كَانَ الْقِيَامُ عَلَيْهِ، وَهُوَ عَاقِلٌ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْعَقْلِ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَامُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَجْنُونٌ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْجُنُونِ، وَهُوَ تَرْجِيحٌ بِشَهَادَةِ الْحَالِ وَهُوَ الثَّامِنُ. وَقَالَ ابْنُ اللَّبَّادِ يُعْتَبَرُ وَقْتُ الرُّؤْيَةِ لَا وَقْتُ الْقِيَامِ فَلَمْ يُعْتَبَرُ ظَاهِرًا لِحَالٍ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي إثْبَاتِ الزِّيَادَةِ إذَا شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا بِالْقَتْلِ أَوْ السَّرِقَةِ أَوْ بِالزِّنَا، وَشَهِدَتْ الْأُخْرَى أَنَّهُ كَانَ بِمَكَانٍ بَعِيدٍ أَنَّهُ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْقَتْلِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ زِيَادَةً، وَلَا يَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ قَالَ سَحْنُونٌ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ الْجَمْعُ الْعَظِيمُ كَالْحَجِيجِ وَنَحْوِهِمْ أَنَّهُ وَقَفَ بِهِمْ أَوْ صَلَّى بِهِمْ الْعِيدَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَلَا يُحَدُّ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُ بِخِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ فَهَذِهِ الثَّمَانِيَةُ الْأَوْجُهِ هِيَ ضَابِطُ قَاعِدَةِ تَرْجِيحِ الْبَيِّنَاتِ، وَمَا خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ لَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ، وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي هَذِهِ التَّرْجِيحَاتِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَعِنْدَنَا يُقَدَّمُ صَاحِبُ الْيَدِ عِنْدَ التَّسَاوِي أَوْ هُوَ مَعَ الْبَيِّنَةِ الْأَعْدَلِ كَانَتْ الدَّعْوَةُ أَوْ الشَّهَادَةُ بِمُطْلَقِ الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى سَبَبٍ نَحْوَ هُوَ مِلْكِي نَسَجَتْهُ أَوْ وَلَدَتْهُ الدَّابَّةُ عِنْدِي فِي مِلْكِي كَانَ السَّبَبُ الْمُضَافُ إلَيْهِ الْمِلْكُ يَتَكَرَّرُ كَنَسْجِ الْخَزِّ وَغَرْسِ النَّخْلِ أَمْ لَا. وَقَالَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُنَافِسَةِ فِي الْمُزَايَدَةِ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ الَّتِي لَا تَصْلُحُ إلَّا لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ. (الثَّالِثُ) أَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى أُذُنِ الْأَمِيرِ وَأَنْفِ الْقَاضِي بَاطِلٌ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي بَابِ الدِّمَاءِ مَزَايَا الْأَمْوَالِ لَا مَزَايَا الرِّجَالِ فَإِنَّ دِيَةَ أَشْجَعِ النَّاسِ وَأَعْلَمِهِمْ كَدِيَةِ أَجْبَنِ النَّاسِ وَأَجْهَلِهِمْ فَأَيْنَ أَحَدُ الْبَابَيْنِ مِنْ الْآخَرِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالنَّقْصُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: (الْأَوَّلُ) مَا تَذْهَبُ بِهِ الْعَيْنُ بِالْكُلِّيَّةِ فَيُوجِبُ طَلَبَ الْقِيمَةِ اتِّفَاقًا. (وَالثَّانِي) مَا لَا يُبْطِلُ الْمَقْصُودَ فَلَا تَلْزَمُ بِهِ الْقِيمَةُ اتِّفَاقًا. (وَالثَّالِثُ) مَا يُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ فِي مَذْهَبِنَا إنَّ التَّعَدِّيَ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ يَسِيرٌ لَا يُبْطِلُ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ بِهِ، وَيَسِيرٌ يُبْطِلُهُ، وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ لَا يُبْطِلُ الْمَقْصُودَ، وَكَثِيرٌ يُبْطِلُهُ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ مُتَقَابِلَةٍ (أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْيَسِيرُ الَّذِي لَا يُبْطِلُ الْمَقْصُودَ فَلَا يَضْمَنُ الْعَيْنَ، وَكَذَلِكَ الْكَثِيرُ الَّذِي لَا يُبْطِلُ الْمَقْصُودَ، وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ، وَأَمَّا الْقِسْمُ (الرَّابِعُ) وَهُوَ الْكَثِيرُ الَّذِي يُبْطِلُ الْمَقْصُودَ فَيُخَيَّرُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِتَضْمِينِهِ الْقِيمَةَ لَوْ أَرَادَ بِهِ أَخْذَهُ، وَمَا نَقَصَهُ فَذَلِكَ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّهُ مَلَكَ أَنْ يَضْمَنَهُ فَامْتَنَعَ فَذَلِكَ رِضًى بِنَقْصِهِ (وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي) وَهُوَ الْيَسِيرُ الَّذِي يُبْطِلُ الْمَقْصُودَ فَقَاعِدَةُ مَالِكٍ تَقْتَضِي تَضْمِينَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي ذَنَبِ بَغْلَةِ الْقَاضِي قَالَ وَتَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْمَرْكُوبَاتُ وَالْمَلْبُوسَاتُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَعَنْ مَالِكٍ لَا يَضْمَنُهُ بِذَلِكَ، وَفَرَّقَ ابْنُ حَبِيبٍ بَيْنَ الذَّنَبِ فَيَضْمَنُ وَبَيْنَ الْأُذُنِ فَلَا يَضْمَنُ لِاخْتِلَافِ الشَّيْنِ فِيهِمَا، وَاتَّفَقُوا فِي حَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ عَلَى عَدَمِ التَّضْمِينِ لِأَنَّهَا رَغَبَاتُ النَّاسِ فَالنَّقْصُ فِي رَغَبَاتِ النَّاسِ لَا فِي الْمَغْصُوبِ هَذَا تَهْذِيبُ مَا فِي الْأَصْلِ، وَسَلَّمَهُ أَبُو الْقَاسِمِ ابْنُ الشَّاطِّ، وَفِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ، وَالنُّقْصَانُ الطَّارِئُ عَلَى الْمَغْصُوبِ إمَّا مِنْ قِبَلِ الْمَخْلُوقِ، وَإِمَّا مِنْ قِبَلِ الْخَالِقِ كَأَنْ يَكُونَ بِأَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الثَّانِي إلَّا أَنْ يَأْخُذَهُ نَاقِصًا أَوْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَقِيلَ إنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَيَضْمَنَ الْغَاصِبُ قِيمَةَ الْعَيْبِ. وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِجِنَايَةِ الْغَاصِبِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَالْمَغْصُوبُ فِي الْأَوَّلِ مُخَيَّرٌ فِي الْمَذْهَبِ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْغَصْبِ أَوْ يَأْخُذَهُ، وَمَا نَقَصَتْهُ الْجِنَايَةُ يَوْمَ الْجِنَايَةَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعِنْدَ سَحْنُونٍ مَا نَقَصَتْهُ الْجِنَايَةُ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَذَهَبَ أَشْهَبُ إلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ الْقِيمَةَ أَوْ يَأْخُذَهُ نَاقِصًا، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْجِنَايَةِ كَاَلَّذِي يُصَابُ بِأَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَسَبَبٍ إلَّا فِي اخْتِلَافِ الْخِلَافِ

[الفرق بين قاعدة ما يوجب استحقاق بعضه إبطال العقد في الكل وبين قاعدة ما لا يقتضي إبطال العقد في الكل]

الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ الْخَارِجُ أَوْلَى، وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ أَصْلًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ إنْ ادَّعَى مُطْلَقَ مِلْكٍ فَإِنْ كَانَ مُضَافًا إلَى سَبَبٍ يَتَكَرَّرُ فَأَعَادَهُ كِلَاهُمَا فَكَذَلِكَ أَوْ لَا يَتَكَرَّرُ كَالْوِلَادَةِ، وَادَّعَيَاهُ، وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِهِ فَقَالَتْ كُلُّ بَيِّنَةٍ وَلَدٌ عَلَى مِلْكِهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ لَنَا عَلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا رُوِيَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ تَحَاكَمَ إلَيْهِ رَجُلَانِ فِي دَابَّةٍ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَاحِبِ الْيَدِ» ؛ وَلِأَنَّ الْيَدَ مُرَجَّحَةٌ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا، وَلَنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا تَقَدَّمَ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمُضَافِ إلَى سَبَبٍ لَا يَتَكَرَّرُ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ، وَهُوَ يَقْتَضِي صِنْفَيْنِ مُدَّعِيًا، وَالْبَيِّنَةُ حُجَّتُهُ، وَمُدَّعًى عَلَيْهِ، وَالْيَمِينُ حُجَّتُهُ فَبَيِّنَتُهُ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ فَلَا تُسْمَعُ كَمَا أَنَّ الْيَمِينَ فِي الْجِهَةِ الْأُخْرَى لَا تُفِيدُ شَيْئًا. (الثَّانِي) وَلِأَنَّهُمَا لَمَّا تَعَارَضَتَا فِي سَبَبٍ لَا يَتَكَرَّرُ كَالْوِلَادَةِ شَهِدَتْ هَذِهِ بِالْوِلَادَةِ، وَالْأُخْرَى بِالْوِلَادَةِ تَعَيَّنَ كَذِبُهُمَا فَسَقَطَتَا فَبَقِيَتْ الْيَدُ فَلَمْ يَحْكُمْ لَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَأَمَّا مَا يَتَكَرَّرُ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْكَذِبُ فَلَمْ تَفْدِ بَيِّنَتُهُ إلَّا مَا أَفَادَتْهُ يَدُهُ فَسَقَطَتْ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ (الثَّالِثُ) وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ إذَا لَمْ يُقِمْ الطَّالِبُ بَيِّنَةً لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ، وَإِذَا لَمْ تُسْمَعْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهِيَ أَحْسَنُ حَالَتَيْهِ فَكَيْفَ إذَا أَقَامَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً لَا تُسْمَعُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَضْعَفُ (الرَّابِعُ) إنَّا إنَّمَا أَعْمَلْنَا بَيِّنَتَهُ فِي صُورَةِ النِّتَاجِ لِأَنَّ دَعْوَاهُ أَفَادَتْ الْوِلَادَةَ، وَلَمْ تُفِدْهَا يَدُهُ، وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ فَأَفَادَتْ الْبَيِّنَةُ غَيْرَ مَا أَفَادَتْ الْيَدُ فَقُبِلَتْ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ جَعَلَ بَيِّنَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ بِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي عَلَيْهِ سَلَّمْنَا عَدَمَ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ لَكِنَّ الْمُدَّعِيَ إنْ فُسِّرَ بِالطَّالِبِ فَصَاحِبُ الْيَدِ طَالِبٌ لِنَفْسِهِ مَا طَلَبَهُ الْآخَرُ لِنَفْسِهِ فَتَكُونُ الْبَيِّنَةُ مَشْرُوعَةً فِي حَقِّهِ، وَإِنْ فُسِّرَ بِأَضْعَفَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ سَبَبًا فَالْخَارِجُ لَمَّا أَقَامَ بَيِّنَةً صَارَ الدَّاخِلُ أَضْعَفَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيًا تُشْرَعُ الْبَيِّنَةُ فِي حَقِّهِ سَلَّمْنَا دَلَالَتَهُ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل: 90] وَالْعَدْلُ التَّسْوِيَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَقُومَ الْمُخَصَّصُ فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ إحْدَاهُمَا دُونَ الْآخَرِ «، وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَقْضِ لِأَحَدِهِمَا حَتَّى تَسْمَعَ مِنْ الْآخَرِ» ، وَهُوَ يُفِيدُ وُجُوبَ الِاسْتِمَاعِ مِنْهُمَا وَأَنْ مَنْ قَوِيَتْ حُجَّتُهُ حُكِمَ بِهَا، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ لَا نَسْمَعُ بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِمَا إذَا تَعَارَضَتَا فِي ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQجَعْلِ مَا حَصَلَ فِي الْمَغْصُوبِ مِنْ نَمَاءٍ وَنُقْصَانٍ كَأَنَّهُ حَدَثَ فِي مِلْكٍ صَحِيحٍ فَتَجِبُ لِلْغَاصِبِ الْغَلَّةُ. وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي النُّقْصَانِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ سَبَبِهِ أَوْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ مَنْ يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ فَقَطْ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَسَحْنُونٍ أَوْ جَعْلِ الْمَغْصُوبِ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ فِي كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَشْهَبَ وَابْنِ الْمَوَّازِ أَوْ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ يَدُهُ عَلَيْهِ أَخَذَهُ بِأَرْفَعِ الْقِيَمِ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ رَدَّ الْغَلَّةِ، وَضَمَانَ النُّقْصَانِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ فِعْلِهِ أَوْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَوْ قِيَاسُ قَوْلِهِ أَوْ أَنَّ جِنَايَةَ الْغَاصِبِ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي غَصَبَهُ هُوَ غَصْبٌ ثَانٍ مُتَكَرِّرٌ مِنْهُ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ، وَهُوَ قِيَاسُ الشَّبَهِ الَّذِي هُوَ عُمْدَةُ مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْجِنَايَةِ الَّتِي تَكُونُ مِنْ الْغَاصِبِ وَبَيْنَ الْجِنَايَةِ الَّتِي تَكُونُ بِأَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ، وَالْمَغْصُوبُ فِي الثَّانِي، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ نَقْصُ الشَّيْءِ الَّذِي غُصِبَ مِنْهُ بِجِنَايَةِ غَيْرِ الْغَاصِبِ عَلَيْهِ وَهُوَ عِنْدَ الْغَاصِبِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَيَتْبَعُ الْغَاصِبُ الْجَانِيَ وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَ الْغَاصِبَ، وَيَتْبَعَ الْجَانِيَ بِحُكْمِ الْجِنَايَاتِ فَهَذَا حُكْمُ الْجِنَايَاتِ عَلَى الْعَيْنِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ. وَأَمَّا الْجِنَايَاتُ عَلَى الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَغْصِبَهَا غَاصِبٌ فَإِنَّهَا تَنْقَسِمُ عِنْدَ مَالِكٍ إلَى قِسْمَيْنِ جِنَايَةٌ تُبْطِلُ يَسِيرًا مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الشَّيْءِ بَاقٍ فَهَذَا يَجِبُ فِيهِ مَا نَقَصَ يَوْمَ الْجِنَايَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَوَّمَ صَحِيحًا، وَيُقَوَّمَ بِالْجِنَايَةِ فَيُعْطِي مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، وَجِنَايَةٌ تُبْطِلُ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ فَصَاحِبُهُ يَكُونُ مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ أَسْلَمَهُ لِلْجَانِي، وَأَخَذَ قِيمَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ الْجِنَايَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ إلَّا قِيمَةُ الْجِنَايَةِ، وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ الِالْتِفَاتُ إلَى الْحَمْلِ عَلَى الْغَاصِبِ، وَتَشْبِيهُ إتْلَافِ أَكْثَرِ الْمَنْفَعَةِ بِإِتْلَافِ الْعَيْنِ اهـ. بِتَخْلِيصٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقُ بَعْضِهِ إبْطَالَ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَقْتَضِي إبْطَالَ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ] (الْفَرْقُ الثَّامِنَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقُ بَعْضِهِ إبْطَالَ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَقْتَضِي إبْطَالَ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ) وَهُوَ أَنَّ مَا اشْتَرَيْته أَوْ صَالَحْت عَلَيْهِ إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ أَوْ، وَجَدْت بِهِ عَيْبًا فَلَهُ سِتَّةُ أَحْوَالٍ تَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا يَقْتَضِي فِيهِ ذَلِكَ تَخْيِيرُك فِي التَّمَاسُكِ وَالرُّجُوعِ بِحِصَّةِ الْبَعْضِ الْمُسْتَحَقِّ أَوْ الْمَعِيبِ مِنْ الثَّمَنِ، وَفِي رَدِّهِ، وَذَلِكَ فِي ثَلَاثِ حَالَاتٍ: (الْحَالَةُ الْأُولَى) أَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ الْمُسْتَحَقُّ أَوْ الْمَعِيبُ شَائِعًا مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ، وَلَيْسَ مِنْ رِبَاعِ الْغَلَّةِ فَيُخَيَّرُ فِيمَا

دَعْوَى طَعَامٍ ادَّعَيَا زِرَاعَتَهُ، وَشَهِدْنَا بِذَلِكَ، وَالزَّرْعُ لَا يُزْرَعُ مَرَّتَيْنِ كَالْوِلَادَةِ، وَلَمْ يَحْكُمُوا بِهِ لِصَاحِبِ الْيَدِ، وَبِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فِي الْحَالِ لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِهِ لَهُمَا فِي الْحَالِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ حُكِمَ لَهُ بِالْيَدِ دُونَ الْبَيِّنَةِ لَمَا حُكِمَ لَهُ إلَّا بِالْيَمِينِ لِأَنَّهُ شَأْنُ الْيَدِ الْمُنْفَرِدَةِ. وَلَمَّا لَمْ يُحْتَجْ إلَى الْيَمِينِ عُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا حُكِمَ بِالْبَيِّنَةِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا حُكِمَ لَهُ حَيْثُ كَذَبَتْ بَيِّنَتُهُ كَانَ أَوْلَى أَنْ يُحْكَمَ بِهِ إذَا لَمْ تَكَذَّبَتْ بَيِّنَتُهُ، وَلِأَنَّ الْيَدَ أَضْعَفُ مِنْ الْبَيِّنَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْيَدَ لَا يُقْضَى بِهَا إلَّا بِالْيَمِينِ، وَالْبَيِّنَةُ يُقْضَى بِهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَلَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً قُدِّمَتْ عَلَى يَدِ الدَّاخِلِ إجْمَاعًا فَعَلِمْنَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُفِيدُ مَا لَا تُفِيدُهُ الْيَدُ وَعَنْ (الثَّالِثِ) أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ عِنْدَ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَوِيٌّ بِالْيَدِ، وَالْبَيِّنَةُ إنَّمَا تُسْمَعُ مِنْ الضَّعِيفِ فَوَجَبَ سَمَاعُهَا لِلضَّعْفِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ إلَّا عِنْدَ إقَامَةِ الْخَارِجِ بَيِّنَتَهُ، وَعَنْ (الرَّابِعِ) أَنَّ الدَّعْوَى، وَالْيَدَ لَا يُفِيدَانِ مُطْلَقًا شَيْئًا، وَإِلَّا لَكَانَ مَعَ الْمُدَّعِي حُجَجُ الْيَدِ، وَالدَّعْوَى، وَالْبَيِّنَةُ يُخَيِّرُهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا أَيُّهَا شَاءَ أَقَامَ كَمَنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ، وَشَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ خُيِّرَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْيَمِينِ مَعَ إحْدَاهُمَا فَعُلِمَ أَنَّ الْمُفِيدَ إنَّمَا هُوَ الْبَيِّنَةُ، وَالْيَدُ لَا تُفِيدُ مِلْكًا، وَإِلَّا لَمْ يُحْتَجْ مَعَهَا لِلْيَمِينِ كَالْبَيِّنَةِ بَلْ تُفِيدُ التَّبْقِيَةَ عِنْدَهُ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ، وَلِأَنَّهَا لَوْ أَفَادَتْ، وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى يَمِينٍ. وَأَمَّا الْأَعْدَلِيَّةُ فَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - التَّرْجِيحَ بِهَا لَنَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا اُعْتُبِرَتْ لِمَا تُثِيرُهُ مِنْ الظَّنِّ، وَالظَّنُّ فِي الْأَعْدَلِ أَقْوَى فَيُقَدَّمُ كَأَخْبَارِ الْآحَادِ إذَا رَجَّحَ إحْدَاهُمَا، وَلِأَنَّ مُقِيمَ الْأَعْدَلِ أَقْرَبُ لِلصِّدْقِ فَيَكُونُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْتُ أَنْ أَحْكُمَ بِالظَّاهِرِ» ، وَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ مَطْلُوبٌ فِي الشَّهَادَةِ أَكْثَرُ مِنْ الرِّوَايَةِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُنْفَرِدِ فِي الرِّوَايَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ فَإِذَا كَانَ الِاحْتِيَاطُ مَطْلُوبًا أَكْثَرَ فِي الشَّهَادَةِ وَجَبَ أَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْ الْأَعْدَلِ، وَالظَّنُّ أَقْوَى فِيهَا قِيَاسًا عَلَى الْخَبَرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَالْمُدْرَكُ فِي هَذَا الْوَجْهِ الِاحْتِيَاطُ، وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْجَامِعِ إنَّمَا هُوَ الظَّنُّ. وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْجَوَامِعُ فِي الْقِيَاسَاتِ تَعَدَّدَتْ. احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ. (الْأَوَّلُ) أَنَّ الشَّهَادَةَ مُقَدَّرَةٌ فِي الشَّرْعِ فَلَا تَخْتَلِفُ بِالزِّيَادَةِ كَالدِّيَةِ، وَلَا تَخْتَلِفُ بِزِيَادَةِ الْمَأْخُوذِ فِيهِ فَدِيَةُ الصَّغِيرِ الْحَقِيرِ كَدِيَةِ الْكَبِيرِ الشَّرِيفِ الْعَالِمِ الْعَظِيمِ. (وَثَانِيهَا) أَنَّ الْجَمْعَ الْعَظِيمَ مِنْ الْفَسَقَةِ يَحْصُلُ الظَّنُّ أَكْثَرُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَعُلِمَ أَنَّهَا تَعَبُّدٌ لَا يَدْخُلُهَا الِاجْتِهَادُ، وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ إذَا كَثُرُوا، وَثَالِثُهَا أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَتْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQذُكِرَ لِأَنَّ حِصَّةَ ذَلِكَ الْبَعْضِ مَعْلُومَةٌ بِغَيْرِ تَقْوِيمٍ فَيُسْتَصْحَبُ الْعَقْدُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَلِضَرَرِ الشَّرِكَةِ سَوَاءٌ اُسْتُحِقَّ الْأَقَلُّ أَوْ الْأَكْثَرُ. (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مُعَيَّنًا مِثْلِيًّا، وَهُوَ الْأَكْثَرُ فَتُخُيِّرَ فِيمَا ذُكِرَ لِذَهَابِ مَقْصُودِ الْعَقْدِ فِي الْمَعْنَى. (الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبَعْضُ شَائِعًا مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ مِنْ الْمُتَّخَذِ لِلْغَلَّةِ، وَهُوَ الثُّلُثُ فَتُخُيِّرَ فِيمَا ذُكِرَ أَيْضًا لِأَنَّ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُومَةٌ قَبْلَ الرِّضَا بِهِ. (الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا لَا يَقْتَضِي فِيهِ ذَلِكَ إبْطَالَ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ بَلْ لُزُومُ التَّمَسُّكِ بِالْبَاقِي، وَذَلِكَ فِي حَالَتَيْنِ: (الْحَالَةُ الْأُولَى) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبَعْضُ شَائِعًا مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ مُتَّخَذًا لِغَلَّةٍ، وَهُوَ دُونَ الثُّلُثِ فَيَجِبُ التَّمَسُّكُ، وَالرُّجُوعُ بِحِصَّةِ ذَلِكَ الْبَعْضِ مِنْ الثَّمَنِ. (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مُعَيَّنًا، وَهُوَ الْأَقَلُّ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ مُقَوَّمٍ كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ أَوْ مِنْ مِثْلِيٍّ أَيْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فَيَجِبُ التَّمَسُّكُ وَالرُّجُوعُ فِي الْمُقَوَّمِ بِحِصَّةِ ذَلِكَ الْبَعْضِ بِالْقِيمَةِ لَا بِالْقِسْمَةِ، وَفِي الْمِثْلِيِّ بِحِصَّةِ ذَلِكَ الْبَعْضِ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ الْأَصْلُ لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ لِبَقَاءِ جُلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ لُزُومُ الْعَقْدِ لَك. (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا يَقْتَضِي تَعَيُّنَ رَدِّ الْبَاقِي، وَذَلِكَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مُعَيَّنًا مِنْ الْمُقَوَّمِ، وَهُوَ وَجْهُ الصَّفْقَةِ فَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ إبْطَالُ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ، وَيُرَدُّ الْبَاقِي لِفَوَاتِ مَقْصُودِ الْعَقْدِ، وَيَحْرُمُ التَّمَسُّكُ بِمَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ حِصَّتَهُ لَا تُعْرَفُ حَتَّى تُقَوَّمَ فَهُوَ بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ فَفِي حَاشِيَةِ الْبُنَانِيِّ عَلَى عبق عِنْدَ قَوْلِ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ مِنْ فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ فَكَالْبَيْعِ أَيْ الْمَعِيبِ مَا نَصُّهُ حَاصِلُ اسْتِحْقَاقِ الْبَعْضِ أَنْ تَقُولَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ شَائِعًا أَوْ مُعَيَّنًا فَإِنْ كَانَ شَائِعًا مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ، وَلَيْسَ مِنْ رِبَاعِ الْغَلَّةِ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي فِي التَّمَاسُكِ وَالرُّجُوعِ بِحِصَّةِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ الثَّمَنِ، وَفِي رَدِّهِ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ سَوَاءٌ اُسْتُحِقَّ الْأَقَلُّ أَوْ الْأَكْثَرُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ كَانَ مُتَّخَذًا لِغَلَّةٍ خُيِّرَ فِي اسْتِحْقَاقِ الثُّلُثِ، وَوَجَبَ التَّمَسُّكُ فِيمَا دُونَهُ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ فَإِنْ كَانَ خُصُوصًا كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ رَجَعَ بِحِصَّةِ الْبَعْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْقِيمَةِ لَا بِالتَّسْمِيَةِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ وَجْهُ الصَّفْقَةِ تَعَيَّنَ رَدُّ الْبُنَانِيُّ. وَلَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِالْأَقَلِّ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا فَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْأَقَلُّ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْأَكْثَرُ خُيِّرَ فِي التَّمَسُّكِ وَالرُّجُوعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَفِي الرَّدِّ، وَكَذَلِكَ يُخَيَّرُ فِي التَّمَسُّكِ وَالرَّدِّ فِي جُزْءٍ شَائِعٍ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ لِأَنَّ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ مَعْلُومَةٌ قَبْلَ الرِّضَا بِهِ اُنْظُرْ الْحَطَّابَ اهـ. كَلَامُ الْبُنَانِيِّ بِلَفْظِهِ، وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ، وَهُوَ عَيْنُ مَا فِي الْأَصْلِ، وَسَلَّمَهُ

[الفرق بين قاعدة ما يجب التقاطه وبين قاعدة ما لا يجب التقاطه]

زِيَادَةُ الْعَدَالَةِ، وَهِيَ صِفَةٌ لَاعْتُبِرَتْ زِيَادَةُ الْعَدَدِ، وَهِيَ بَيِّنَاتٌ مُعْتَبَرَةٌ إجْمَاعًا فَيَكُونُ اعْتِبَارُهَا أَوْلَى مِنْ الصِّفَةِ، وَالْعَدَدُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَالصِّفَةُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ وَصْفَ الْعَدَالَةِ مَطْلُوبٌ فِي الشَّهَادَةِ، وَهُوَ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِنَا، وَهُوَ يَتَزَايَدُ فِي نَفْسِهِ فَمَا رَجَّحْنَا إلَّا فِي مَوْطِنِ اجْتِهَادٍ لَا فِي مَوْضِعِ تَقْدِيرٍ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّا لَا نَدَّعِي أَنَّ الظَّنَّ كَيْفَ كَانَ يُعْتَبَرُ بَلْ نَدَّعِي أَنَّ مَزِيدَ الظَّنِّ بَعْدَ حُصُولِ أَصْلٍ مُعْتَبَرٍ كَمَا أَنَّ قَرَائِنَ الْأَحْوَالِ لَا نُثْبِتُ بِهَا الْأَحْكَامَ وَالْفَتَاوَى، وَإِنْ حَصَّلَتْ ظَنًّا أَكْثَرَ مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْأَقْيِسَةِ وَأَخْبَارِ الْآحَادِ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَجْعَلْهَا مُدْرِكًا لِلْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ، وَلَمَّا جَعَلَ الْأَخْبَارَ وَالْأَقْيِسَةَ مُدْرِكًا لِلْفُتْيَا دَخَلَهَا التَّرْجِيحُ فَكَذَا هَاهُنَا أَصْلُ الْبَيِّنَةِ مُعْتَبَرٌ بَعْدَ الْعَدَالَةِ وَالشُّرُوطِ الْمَخْصُوصَةِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا التَّرْجِيحُ. وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْعَدَدِ يُفْضِي إلَى كَثْرَةِ النِّزَاعِ وَطُولِ الْخُصُومَاتِ فَإِذَا تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا بِمَزِيدِ عَدَدٍ سَعَى الْآخَرُ فِي زِيَادَةِ عَدَدِ بَيِّنَتِهِ، وَتَطُولُ الْخُصُومَةُ، وَتُعَطَّلُ الْأَحْكَامُ، وَلَيْسَ فِي قُدْرَتِهِ أَنْ يَجْعَلَ بَيِّنَتَهُ أَعْدَلَ فَلَا يَطُولُ النِّزَاعُ، وَلِأَنَّ الْعَدَدَ يُعَيِّنُ مَا تَقَدَّمَ فَيَمْتَنِعُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ بِخِلَافِ وَصْفِ الْعَدَالَةِ، وَلِذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ فَعُدُولُ زَمَانِنَا لَمْ يَكُونُوا مَقْبُولِينَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -، وَأَمَّا الْعَدَدُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَلْبَتَّةَ مَعَ أَنَّا نَلْتَزِمُ التَّرْجِيحَ بِالْعَدَدِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا. (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ كَبِيرَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَقَاعِدَةِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِكَبِيرَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ الشَّهَادَةِ) اعْلَمْ أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ فِي أُصُولِ الدِّينِ قَدْ مَنَعَ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ الصَّغِيرَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ كَبِيرَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَقَاعِدَةِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِكَبِيرَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ الشَّهَادَةِ إلَى قَوْلِهِ وَهُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ) قُلْت مَا قَالَهُ وَنَقَلَهُ صَحِيحٌ إلَّا مَا قَالَهُ فِي ضَبْطِ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ بِالنَّظَرِ إلَى مَقَادِيرِ الْمَفَاسِدِ فَإِنَّهُ أَصْلٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى قَوَاعِدِ الْمُعْتَزِلَةِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ بَنَى عَلَى ذَلِكَ بَلْ عَلَى أَنَّ الشُّرُوعَ فَهِمْنَا مِنْهُ مُرَاعَاةَ الْمَصَالِحِ تَفَضُّلًا فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا الْفَرْقُ بِالنَّظَرِ إلَى مَقَادِيرِ الْمَفَاسِدِ لِجَهْلِنَا ذَلِكَ وَعَدَمِ وُصُولِنَا إلَى الْعِلْمِ بِحَقِيقَتِهِ وَإِنَّمَا الضَّابِطُ لِمَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ مَا دَلَّ عَلَى الْجُرْأَةِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ الشَّارِعَ فِي أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQابْنُ الشَّاطِّ إلَّا أَنَّهُ زَادَ عَلَى مَا فِي الْأَصْلِ بَيَانَ حُكْمِ حَالَتَيْ الْبَعْضِ الشَّائِعِ إنْ كَانَ مِمَّا يَنْقَسِمُ أَوْ كَانَ مُتَّخَذًا لِغَلَّةٍ، وَهُوَ ثُلُثٌ أَوْ دُونَهُ فَلِذَا عَوَّلْت عَلَيْهِ فِي بَيَانِ الْفَرْقِ لَا عَلَى مَا فِي الْأَصْلِ فَتَنَبَّهْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ الْتِقَاطُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجِبُ الْتِقَاطُهُ] (الْفَرْقُ التَّاسِعَ عَشَرَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ الْتِقَاطُهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجِبُ الْتِقَاطُهُ) وَهُوَ أَنَّ الِالْتِقَاطَ بِحَسَبِ حَالِ الْمُلْتَقِطِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَحَالِ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ، وَأَهْلِهِ يَنْقَسِمُ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ إجْمَالًا وَأَرْبَعَةً تَفْصِيلًا: (الْأَوَّلُ) أَنْ يَعْلَمَ مِنْ نَفْسِهِ الْخِيَانَةَ فَيَحْرُمُ الْتِقَاطُهَا. (الثَّانِي) أَنْ يَخَافَ، وَلَا يَتَحَقَّقُ أَيْ بِأَنْ يَشُكَّ فَيُكْرَهُ. (الثَّالِثُ) أَنْ يَتَيَقَّنَ أَمَانَةَ نَفْسِهِ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ إمَّا أَنْ يَخَافَ عَلَيْهَا الْخَوَنَةَ أَمْ لَا فَإِنْ خَافَ وَجَبَ عَلَيْهِ الِالْتِقَاطُ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِمَالِكٍ الِاسْتِحْبَابُ وَالْكَرَاهَةُ وَالِاسْتِحْبَابُ فِيمَا لَهُ بَالٌ، وَالتَّرْكُ لِغَيْرِهِ أَفْضَلُ اهـ. بِاخْتِصَارٍ أَفَادَهُ الْبُنَانِيُّ عَلَى عبق يَعْنِي أَنَّ التَّرْكَ لِغَيْرِ مَا لَهُ بَالٌ أَفْضَلُ مِنْ الِالْتِقَاطِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْرِيفِ الْحَقِيرِ وَعَدَمُ الِاحْتِفَالِ بِهِ، وَالْحَقِيرُ كَالدِّرْهَمِ، وَنَحْوِهِ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ اللَّخْمِيِّ قَالَ الْبُنَانِيُّ، وَاخْتَارَ التُّونُسِيُّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْكَرَاهَةَ أَيْ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي الشَّيْخَ خَلِيلًا بِقَوْلِهِ الْخِيَانَةَ فِيمَا إذَا عَلِمَ خِيَانَةً عَلَى الْأَحْسَنِ، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وُجُوبَ الِالْتِقَاطِ عَلَيْهِ، وَتَرَكَهُ نَفْسُهُ أَيْ وَهُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ الَّذِي قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِيهِ بِحُرْمَةِ الْتِقَاطِهَا، وَفِيمَا إذَا شَكَّ فِيهَا أَنَّهُ هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي الَّذِي قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِيهِ بِكَرَاهَتِهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا يُسْقِطُ عَنْهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ حِفْظِ مَالِ الْغَيْرِ قَالَ الْحَطَّابُ، وَمَا قَالَهُ حَسَنٌ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. كَلَامُ الْبُنَانِيِّ، وَسَلَّمَهُ الرَّهُونِيُّ وَكَنُونِ، وَيَتَحَصَّلُ مِنْ هَذَا أَنَّ وُجُوبَ الِالْتِقَاطِ عَلَى كَلَامِ التَّوْضِيحِ فِي قِسْمٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ، وَهُوَ مَا تَحَقَّقَ فِيهِ أَمْرَانِ الْأَوَّلُ أَنْ يَتَيَقَّنَ أَمَانَةَ نَفْسِهِ، وَالثَّانِي أَنْ يَخَافَ عَلَى اللُّقَطَةِ الْخَوَنَةَ، وَأَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ فِيمَا عَدَاهُ فَيَحْرُمُ فِي قِسْمٍ، وَهُوَ مَا إذَا عَلِمَ خِيَانَةَ نَفْسِهِ، وَيُكْرَهُ جَزْمًا فِي قِسْمٍ، وَهُوَ مَا إذَا شَكَّ فِي خِيَانَةِ نَفْسِهِ، وَيُكْرَهُ عَلَى الْأَحْسَنِ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي قِسْمٍ، وَهُوَ مَا تَحَقَّقَ فِيهِ أَمْرَانِ الْأَوَّلُ أَنْ يَتَيَقَّنَ أَمَانَةَ نَفْسِهِ، وَالثَّانِي أَنْ لَا يَخَافَ عَلَى اللُّقَطَةِ الْخَوَنَةَ. وَأَمَّا وُجُوبُ الِالْتِقَاطِ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَاسْتَحْسَنَهُ الْحَطَّابُ فَفِي ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ مَا تَحَقَّقَ فِيهِ أَمْرَانِ تَيَقُّنُ أَمَانَةِ نَفْسِهِ، وَخَوْفُ الْخَوَنَةِ عَلَى اللُّقَطَةِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ مَا إذَا عَلِمَ خِيَانَةَ نَفْسِهِ أَوْ شَكَّ فِيهَا، وَلَا يَكُونُ عِلْمُ

تَعَالَى، وَكَذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَقَالُوا لَا يُقَالُ فِي شَيْءٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ صَغِيرَةً بَلْ جَمِيعُ الْمَعَاصِي كَبَائِرُ لِعَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ جَمِيعُ مَعَاصِيهِ كَبَائِرَ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ الْمَعَاصِيَ تَخْتَلِفُ بِالْقَدْحِ فِي الْعَدَالَةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَعْصِيَةٍ يَسْقُطُ بِهَا الْعَدْلُ عَنْ مَرْتَبَةِ الْعَدَالَةِ فَالْخِلَافُ حِينَئِذٍ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِطْلَاقِ. وَقَدْ وَرَدَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ بِالْإِشَارَةِ إلَى الْفَرْقِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: 7] فَجَعَلَ لِلْمَعْصِيَةِ رُتَبًا ثَلَاثًا كُفْرًا وَفُسُوقًا، وَهُوَ الْكَبِيرَةُ، وَعِصْيَانًا، وَهِيَ الصَّغِيرَةُ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا لَكَانَ اللَّفْظُ فِي الْآيَةِ مُتَكَرِّرًا إلَّا بِمَعْنًى مُسْتَأْنَفٍ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ؛ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ فِي الْمَعَاصِي لَيْسَ مِنْ جِهَةِ مَنْ عَصَى بَلْ مِنْ جِهَةِ الْمَفْسَدَةِ الْكَائِنَةِ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ فَالْكَبِيرَةُ مَا عَظُمَتْ مَفْسَدَتُهَا، وَالصَّغِيرَةُ مَا قَلَّتْ مَفْسَدَتُهَا، وَرُتَبُ الْمَفَاسِدِ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَدْنَى رُتَبِ الْمَفَاسِدِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْكَرَاهَةُ ثُمَّ كُلَّمَا ارْتَقَتْ الْمَفْسَدَةُ عَظُمَتْ الْكَرَاهَةُ حَتَّى تَكُونَ أَعْلَى رُتَبِ الْمَكْرُوهَاتِ تَلِيهَا أَدْنَى رُتَبِ الْمُحَرَّمَاتِ ثُمَّ تَرْتَقِي رُتَبُ الْمُحَرَّمَاتِ حَتَّى تَكُونَ أَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ يَلِيهِ أَدْنَى الْكَبَائِرِ ثُمَّ تَرْتَقِي رُتَبُ الْكَبَائِرِ بِعِظَمِ الْمَفْسَدَةِ حَتَّى تَكُونَ أَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ يَلِيهَا الْكُفْرُ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا. وَأَرَدْنَا ضَبْطَ مَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ لِعِظَمِهِ نَنْظُرُ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ أَوْ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ بِجَعْلِهِ كَبِيرَةً أَوْ أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ أَوْ ثَبَتَ فِيهِ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى كَقَطْعِ السَّرِقَةِ وَجَلْدِ الشُّرْبِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّهَا كُلَّهَا كَبَائِرُ قَادِحَةٌ فِي الْعَدَالَةِ إجْمَاعًا، وَكَذَلِكَ مَا فِيهِ وَعِيدٌ صَرَّحَ بِهِ فِي الْكِتَابِ أَوْ فِي السُّنَّةِ فَنَجْعَلُهُ أَصْلًا، وَنَنْظُرُ فَمَا سَاوَى أَدْنَاهُ مَفْسَدَةً أَوْ رَجَحَ عَلَيْهَا مِمَّا لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ أَلْحَقْنَاهُ بِهِ، وَرَدَدْنَا بِهِ الشَّهَادَةَ، وَأَثْبَتْنَا بِهِ الْفُسُوقَ، وَالْجَرْحَ، وَمَا وَجَدْنَاهُ قَاصِرًا عَنْ أَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ الَّتِي شَهِدَتْ لَهَا الْأُصُولُ جَعَلْنَاهُ ـــــــــــــــــــــــــــــSأَوْ احْتَمَلَ الْجُرْأَةَ فَمَنْ دَلَّتْ قَرَائِنُ حَالِهِ عَلَى الْجُرْأَةِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ كَمُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ الْمَعْلُومِ مِنْ دَلَائِلِ الشَّرْعِ أَنَّهَا كَبِيرَةٌ أَوْ الْمُصِرُّ عَلَى الصَّغِيرَةِ إصْرَارًا يُؤْذِنُ بِالْجُرْأَةِ وَمَنْ احْتَمَلَ حَالُهُ إنْ فَعَلَ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ جُرْأَةً أَوْ فَلْتَةً تَوَقَّفَ عَنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَإِنْ دَلَّتْ دَلَائِلُ حَالِهِ أَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَهُ مِنْ ذَلِكَ، أَعْنِي مَا لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ مَعْلُومَةٍ الْكَبِيرُ مِنْ الشَّرْعِ فَلْتَةٌ غَيْرُ مُتَّصِفٍ بِالْجُرْأَةِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ لَيْسَ إلَّا التُّهْمَةَ بِالِاجْتِرَاءِ عَلَى مَا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْمُخَالَفَةِ فَإِذَا عَرِيَ مِنْ الِاتِّصَافِ بِالْجُرْأَةِ وَاحْتِمَالِ الِاتِّصَافِ بِهَا بِظَاهِرِ حَالِهِ سَقَطَتْ التُّهْمَةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخِيَانَةِ أَوْ الشَّكِّ فِيهَا عُذْرًا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُهَا وَعَدَمُ وُجُوبِ الِالْتِقَاطِ فِي قِسْمٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَا تَحَقَّقَ فِيهِ أَمْرَانِ تَيَقُّنُ أَمَانَةِ نَفْسِهِ وَعَدَمُ خَوْفِ الْخَوَنَةِ عَلَى اللُّقَطَةِ فَفِي كَرَاهَتِهِ ثَالِثُهَا إنْ كَانَتْ حَقِيرَةً كَالدِّرْهَمِ وَنَحْوِهِ، وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ. وَانْظُرْ وَجْهَ عَدَمِ اسْتِحْسَانِهِ وُجُوبُ الِالْتِقَاطِ فِي هَذَا الْقِسْمِ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ حَتَّى فِيمَا إذَا كَانَتْ حَقِيرَةً ضَرُورَةَ أَنَّ كَوْنَ الْغَالِبِ عَدَمُ الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْرِيفِ الْحَقِيرِ وَعَدَمُ الِاحْتِفَالِ بِهِ لَيْسَ أَوْلَى مِنْ تَيَقُّنِ خِيَانَةِ نَفْسِهِ الَّتِي أَوْجَبَ عَلَيْهِ تَرْكَهَا فَلْيُتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ إنَّمَا يَجْرِي عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ حَيْثُ قَالَ فِي الْأَصْلِ فِي لُقَطَةِ الْمَالِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ الْأَفْضَلُ تَرْكُهَا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَمُرُّ بِاللُّقَطَةِ فَلَا يَأْخُذُهَا، وَالْأَفْضَلُ أَخْذُهَا لِأَنَّ فِيهِ صَوْنُ مَالِ الْغَيْرِ الثَّالِثُ أَخْذُ الْجَلِيلِ أَفْضَلُ وَتَرْكُ الْحَقِيرِ أَفْضَلُ، وَهَذَا إذَا كَانَ بَيْنَ قَوْمٍ مَأْمُونِينَ، وَالْإِمَامُ عَدْلٌ أَمَّا بَيْنَ الْخَوَنَةِ، وَلَا يَخْشَى السُّلْطَانَ إذَا عُرِّفَتْ فَالْأَخْذُ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا وَبَيْنَ خَوَنَةٍ، وَيَخْشَى مِنْ الْإِمَامِ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِهَا وَتَرْكِهَا بِحَسَبِ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَيُّ الْخَوْفَيْنِ أَشَدُّ، وَيُسْتَثْنَى لُقَطَةُ الْحَاجِّ فَلَا يَجْرِي فِيهَا هَذَا الْخِلَافُ كُلُّهُ لِأَنَّهَا بِالتَّرْكِ أَوْلَى لِأَنَّ مُلْتَقِطَهَا يَرْحَلُ إلَى قُطْرِهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ التَّعْرِيفِ اهـ. بِلَفْظِهِ نَعَمْ التَّفْصِيلُ فِي الْقَوْلِ الثَّالِثِ فِي كَلَامِ أَبِي الْوَلِيدِ غَيْرُهُ فِي كَلَامِ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ، وَإِنَّمَا يُقَرَّرُ مِنْهُ فِي كَلَامِ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ التَّفْصِيلُ فِي قَوْلِ اللَّخْمِيِّ الِالْتِقَاطُ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا وَمُسْتَحَبًّا وَمُحَرَّمًا وَمَكْرُوهًا بِحَسَبِ حَالِ الْمُلْتَقِطِ وَحَالِ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ وَأَهْلِهِ، وَمِقْدَارَ اللُّقْطَةِ فَإِنْ كَانَ الْوَاجِدُ مَأْمُونًا، وَلَا يَخْشَى السُّلْطَانَ إذَا أَشْهَرَهَا، وَهِيَ بَيْنَ قَوْمٍ أُمَنَاءَ لَا يُخْشَى عَلَيْهَا مِنْهُمْ، وَلَهَا قَدْرٌ فَأَخْذُهَا وَتَعْرِيفُهَا مُسْتَحَبٌّ، وَهَذِهِ صُورَةُ السَّائِلِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ خُذْهَا وَلِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِصَاحِبِهَا خَوْفَ أَنْ يَأْخُذَهَا مَنْ لَيْسَ بِمَأْمُونٍ، وَلَا يَنْتَهِي إلَى الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ بَيْنَ قَوْمٍ أُمَنَاءَ وَبَيْنَ غَيْرِ الْأُمَنَاءِ يَجِبُ الِالْتِقَاطُ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَالِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ، وَلِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ غَيْرَ مَأْمُونٍ إذَا أَشْهَرَهَا أَخَذَهَا أَوْ الْوَاجِدُ غَيْرَ أَمِينٍ حَرُمَ عَلَيْهِ أَخْذُهَا لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ لِضَيَاعِ مَالِ الْمُسْلِمِ، وَإِنْ كَانَتْ حَقِيرَةً كُرِهَ أَخْذُهَا لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْرِيفِ الْحَقِيرِ وَعَدَمُ الِاحْتِفَالِ بِهِ، وَالْحَقِيرُ كَالدِّرْهَمِ، وَنَحْوِهِ كَمَا فِي الْأَصْلِ. (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ الْأَصْلُ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا فَصَّلَ، وَقَسَّمَ أَخَذَ اللُّقَطَةَ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ إلَّا أَصْحَابَنَا بَلْ كُلُّهُمْ أَطْلَقُوا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

[الفرق بين قاعدة ما يشترط فيه العدالة وبين قاعدة ما لا يشترط فيه العدالة]

صَغِيرَةً لَا تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ، وَلَا تُوجِبُ فُسُوقًا إلَّا أَنْ يُصِرَّ عَلَيْهِ فَيَكُونُ كَبِيرَةً إنْ وَصَلَ بِالْإِصْرَارِ إلَى تِلْكَ الْغَايَةِ فَإِنَّهُ لَا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ. وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ كَمَا قَالَهُ السَّلَفُ، وَيَعْنُونَ بِالِاسْتِغْفَارِ التَّوْبَةَ بِشُرُوطِهَا لَا طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ مَعَ بَقَاءِ الْعَزْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُزِيلُ كِبَرَ الْكَبِيرَةِ أَلْبَتَّةَ فَفِي الْكِتَابِ فِيهِ ذِكْرُ الْكِبَرِ أَوْ الْعِظَمِ عَقِبَ ذِكْرِ جَرِيمَةٍ، وَفِي السُّنَّةِ فِي مُسْلِمٍ «قَالُوا مَا أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ شَرِيكًا وَقَدْ خَلَقَك قُلْت ثُمَّ أَيُّ قَالَ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك خَوْفًا أَنْ يَأْكُلَ مَعَك قُلْت ثُمَّ أَيُّ قَالَ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِك» ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قِيلَ، وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَشَهَادَةُ الزُّورِ» وَفِي بَعْضِ الطُّرُقِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَاسْتِحْلَالُ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْقُبْلَةَ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ صَغِيرَةً» فَيَلْحَقُ بِهَا مَا فِي مَعْنَاهَا، وَهُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) مَا حَقِيقَةُ الْإِصْرَارِ الَّذِي يُصَيِّرُ الصَّغِيرَةَ كَبِيرَةً وَقَعَ الْبَحْثُ فِيهِ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَنْ يَتَكَرَّرَ الذَّنْبُ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ يَعْزِمُ عَلَى الْعَوْدِ أَمْ لَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ تَكَرَّرَ مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ لَمْ يَكُنْ إصْرَارًا بِأَنْ يَفْعَلَ الذَّنْبَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَهُوَ لَا يَخْطُرُ لَهُ مُعَاوَدَتُهُ لِدَاعِيَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ فَيَفْعَلُهُ كَذَلِكَ مِرَارًا فَهَذَا لَيْسَ إصْرَارًا، وَتَارَةً يَفْعَلُ الذَّنْبَ، وَهُوَ عَازِمٌ عَلَى مُعَاوَدَتِهِ فَيُعَاوِدُهُ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْعَزْمِ السَّابِقِ فَهَذَا هُوَ الْإِصْرَارُ النَّاقِلُ لِلصَّغِيرَةِ لِدَرَجَةِ الْكَبِيرَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا} [آل عمران: 135] وَيُقَالُ فُلَانٌ مُصِرٌّ عَلَى الْعَدَاوَةِ أَيْ مُصَمِّمٌ بِقَلْبِهِ عَلَيْهَا، وَعَلَى مُصَاحَبَتِهَا، وَمُدَاوَمَتِهَا، وَلَا يُفْهَمُ فِي ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مَا حَقِيقَةُ الْإِصْرَارِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت الْإِصْرَارُ لُغَةً الْمُقَامُ عَلَى الشَّيْءِ وَالْمُعَاوَدَةُ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِعْلًا أَوْ غَيْرَهُ، لَا مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ، مِنْ أَنَّهُ الْعَزْمُ وَالتَّصْمِيمُ عَلَى الشَّيْءِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَالْإِصْرَارُ الْمُصَيِّرُ لِلصَّغِيرَةِ كَبِيرَةً مَانِعَةً مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ إنَّمَا هُوَ الْمُعَاوَدَةُ لَهَا مُعَاوَدَةً تُشْعِرُ بِالْجُرْأَةِ عَلَى الْمُخَالَفَةِ لَا الْمُعَاوَدَةُ الْمُقْتَرِنَةُ بِالْعَزْمِ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْعَزْمَ مِمَّا لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بَاطِنٌ. فَإِنْ قِيلَ الْجُرْأَةُ أَمْرٌ بَاطِنٌ قُلْت لِمَ اشْتَرَطَ الْجُرْأَةَ بِنَفْسِهَا وَإِنَّمَا اشْتَرَطَتْ الْإِشْعَارَ بِهَا وَهُوَ مِمَّا يُدْرِكُهُ مَنْ يَتَأَمَّلُ أَحْوَالَ الْمَوَاقِعِ لِلْمُخَالَفَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ كَمَا قَالَ بِهِمَا مَالِكٌ قِيَاسًا عَلَى الْوَدِيعَةِ بِجَامِعِ حِفْظِ الْمَالِ فَيَلْزَمُ النَّدْبُ أَوْ قِيَاسًا عَلَى إنْقَاذِ الْمَالِ الْهَالِكِ فَيَلْزَمُ الْوُجُوبُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَخْذُهَا مَنْدُوبٌ إلَّا عِنْدَ خَوْفِ الضِّيَاعِ فَيَجِبُ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْكَرَاهَةُ لِمَا فِي الِالْتِقَاطِ مِنْ تَعْرِيضِ نَفْسِهِ لِأَكْلِ الْحَرَامِ وَتَضْيِيعِ الْوَاجِبِ مِنْ التَّعْرِيفِ فَكَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى كَتَوَلِّي مَالِ الْيَتِيمِ، وَتَخْلِيلِ الْخَمْرِ، وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى الدُّخُولَ فِي التَّكَالِيفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} [الأحزاب: 72] أَيْ ظَلُومًا لِنَفْسِهِ بِتَوْرِيطِهَا وَتَعْرِيضِهَا لِلْعِقَابِ، وَجَهُولًا بِالْعَوَاقِبِ وَالْحَزْمِ فِيهَا، وَالْأَمَانَةُ قَالَ الْعُلَمَاءُ هِيَ هَا هُنَا التَّكَالِيفُ اهـ. (التَّنْبِيهُ الثَّانِي) قَالَ الْأَصْلُ أَيْضًا وُجُوبُ حِفْظِ اللُّقَطَةِ عَنْ الضَّيَاعِ لِقَاعِدَةِ أَنَّ خَمْسًا أَجْمَعَتْ الْأُمَمُ مَعَ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ عَلَيْهَا، وَهِيَ وُجُوبُ حِفْظِ النُّفُوسِ فَيَحْرُمُ الْقَتْلُ بِإِجْمَاعِ الشَّرَائِعِ، وَيَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ، وَوُجُوبُ حِفْظِ الْعُقُولِ فَتَحْرُمُ الْمُسْكِرَاتُ بِإِجْمَاعِ الشَّرَائِعِ، وَيَجِبُ فِيهَا الْحَدُّ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ فِي شُرْبِ الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُسْكِرُ فَحُرِّمَ فِي هَذِهِ الْمِلَّةِ تَحْرِيمَ الْوَسَائِلِ، وَسَدُّ الذَّرِيعَةِ بِتَنَاوُلِ الْقَدْرِ الْمُسْكِرِ، وَأُبِيحَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الشَّرَائِعِ لِعَدَمِ الْمَفْسَدَةِ فِيهِ، وَوُجُوبُ حِفْظِ الْأَعْرَاضِ فَيَحْرُمُ الْقَذْفُ، وَسَائِرُ السِّبَابِ، وَيَجِبُ فِي ذَلِكَ الْحَدُّ أَوْ التَّعْذِيرُ، وَوُجُوبُ حِفْظِ الْأَنْسَابِ فَيَحْرُمُ الزِّنَا فِي جَمِيعِ الشَّرَائِعِ، وَيَجِبُ فِيهِ إمَّا الرَّجْمُ أَوْ الْحَدُّ، وَوُجُوبُ حِفْظِ الْأَمْوَالِ فِي جَمِيعِ الشَّرَائِعِ فَتَحْرُمُ السَّرِقَةُ، وَيَجِبُ فِيهَا الْقَطْعُ أَوْ التَّعْزِيرُ، وَكَذَا نَحْوُهَا اهـ بِزِيَادَةٍ مِنْ مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ، وَزَادَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ سَادِسًا، وَهُوَ وُجُوبُ حِفْظِ الدِّينِ الْمَشْرُوعِ لَهُ قَتْلُ الْكُفَّارِ، وَعُقُوبَةُ الدَّاعِينَ إلَى الْبِدَعِ اهـ. مَعَ شَرْحِ الْمُحَلَّى فَافْهَمْ. (التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ) قَالَ الْأَصْلُ أَيْضًا أَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَفَرْضِ الْعَيْنِ بِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ مَا لَا يَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ فَإِنَّ تَكْرِيرَ فِعْلِ النُّزُولِ بَعْدَ شَيْلِ الْغَرِيقِ لَا يُحَصِّلُ مَصْلَحَةً بَعْدَ ذَلِكَ، وَفَرْضُ الْأَعْيَانِ مَا تَتَكَرَّرُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِهِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَإِنَّ مَصْلَحَتَهَا الْإِجْلَالُ، وَالتَّعْظِيمُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ يَتَكَرَّرُ حُصُولُهُ بِتَكَرُّرِ الصَّلَاةِ وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ أَخْذَ اللُّقَطَةِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ] (الْفَرْقُ الْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ) وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ، وَهِيَ أَنَّ الْمَصَالِحَ الَّتِي مِنْهَا اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فِي التَّصَرُّفَاتِ لِحُصُولِ الضَّبْطِ بِهَا ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا انْضِبَاطَ

عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ الْإِصْرَارِ إلَّا الْعَزْمُ وَالتَّصْمِيمُ عَلَى الشَّيْءِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ النَّقْلِ وَالتَّغْيِيرِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُون ذَلِكَ مَعْنَاهُ لُغَةً وَشَرْعًا هَذَا هُوَ الَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدِي. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مَا ضَابِطُ التَّكَرُّرِ فِي الْإِصْرَارِ الَّذِي يُصَيِّرُ الصَّغِيرَةَ كَبِيرَةً فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ مِنْ الْكِتَابِ وَلَا مِنْ السُّنَّةِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يُنْظَرُ إلَى مَا يَحْصُلُ مِنْ مُلَابَسَةِ أَدْنَى الْكَبَائِرِ مِنْ عَدَمِ الْوُثُوقِ بِمُلَابَسَتِهَا فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَالْوُقُوفِ عِنْدَ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ يُنْظَرُ لِذَلِكَ التَّكَرُّرِ فِي الصَّغِيرَةِ فَإِنْ حَصَلَ فِي النَّفْسِ مِنْ عَدَمِ الْوُثُوقِ مَا حَصَلَ مِنْ أَدْنَى الْكَبَائِرِ كَانَ هَذَا الْإِصْرَارُ كَبِيرَةً تُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ، وَهَذَا يُؤَكِّدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْعَزْمِ فَإِنَّ الْفَلَتَاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْتَمِرَّ لَا تَكَادُ تُخِلُّ بِالْوُثُوقِ نَعَمْ قَدْ تَدُلُّ كَثْرَةُ التَّكْرَارِ عَلَى فِرَارِ الْعَزْمِ فِي النَّفْسِ، وَبِهَذَا الضَّابِطُ أَيْضًا يُعْلَمُ الْمُبَاحُ الْمُخِلُّ بِقَبُولِ الشَّهَادَةِ كَالْأَكْلِ فِي الْأَسْوَاقِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ يَصْدُرُ مِنْهُ صُدُورًا يُوجِبُ عَدَمَ الْوُثُوقِ بِهِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ ذَلِكَ مُخِلًّا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إلَى قَوْلِهِ كَانَ هَذَا الْإِصْرَارُ كَبِيرَةً تُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ هَذَا الْعَالِمُ هُوَ الَّذِي أَشَرْت إلَيْهِ مِنْ الْإِشْعَارِ بِالْجُرْأَةِ وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ لَا رَيْبَ فِيهِ قَالَ (وَهَذَا يُؤَكِّدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْعَزْمِ فَإِنَّ الْفَلَتَاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْتَمِرَّ لَا تَكَادُ تُخِلُّ بِالْوُثُوقِ) قُلْت إنْ أَرَادَ أَنْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِنَا بِعَزْمِهِ فَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْحَالَةَ الْمُشْعِرَةَ بِالْجُرْأَةِ لَا تَخْلُو عَنْ الْإِشْعَارِ بِالْعَزْمِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا عَاوَدَ الْمُخَالَفَةَ مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ عَلَى الْمُعَاوَدَةِ تَكُونُ حَالُهُ هَذِهِ مُشْعِرَةً بِجُرْأَتِهِ عَلَى الْمُخَالَفَةِ فَالْعَزْمُ لَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِهِ بِوَجْهٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (وَبِهَذَا الضَّبْطِ أَيْضًا يُعْلَمُ الْمُبَاحُ الْمُخِلُّ بِقَبُولِ الشَّهَادَةِ كَالْأَكْلِ فِي الْأَسْوَاقِ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنْ يَصْدُرُ مِنْهُ صُدُورًا يُوجِبُ عَدَمَ الْوُثُوقِ بِهِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ ذَلِكَ بُخْلًا) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَأَنَّ الْمُبَاحَ الْمُخِلَّ بِقَبُولِ الشَّهَادَةِ رُبَّمَا لَا يُخِلُّ بِهَا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي تُخِلُّ بِهِ الْمُخَالَفَةُ فَإِنَّ إخْلَالَ الْمُخَالَفَةِ إنَّمَا هُوَ بِالْعَدَالَةِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ رُكْنَيْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَإِخْلَالِ الْمُبَاحِ إنَّمَا هُوَ بِالْوُثُوقِ بِالضَّبْطِ الَّذِي هُوَ الرُّكْنُ الثَّانِي لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ ضَابِطُ الْأَمْرَيْنِ ضَابِطًا وَاحِدًا هَذَا لَا يَصِحُّ بَلْ الضَّابِطُ أَنَّ مُخَالَفَةَ الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ مِنْ الشَّاهِدِ فِي أُمُورِهِ الْمُبَاحَةِ رُبَّمَا أَشْعَرَتْ بِخَلَلٍ فِي عَقْلِهِ فَيَتَطَرَّقُ الْخَلَلُ إلَى ضَبْطِهِ وَرُبَّمَا لَمْ تُشْعِرْ وَذَلِكَ بِحَسَبِ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ فَإِنْ أَشْعَرَ بِذَلِكَ أَوْ احْتَمَلَ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ فِي قَبُولِهَا أَوْ تَوَقَّفَ وَإِلَّا فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعَ الْفَسَقَةِ، وَمَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلِّ الضَّرُورِيَّاتِ فَيَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ اشْتِرَاطُهَا فِيهِ، وَلِهَذَا هُنَا نَظَائِرُ (مِنْهَا) الشَّهَادَاتُ فَإِنَّ الضَّرُورَةَ تَدْعُو لِحِفْظِ دِمَاءِ النَّاسِ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَبْضَاعِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ عَنْ الضَّيَاعِ فَلَوْ قُبِلَ فِيهَا قَوْلُ الْفَسَقَةِ وَمَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ لَضَاعَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا مِمَّا أَجْمَعَتْ الْأُمَمُ مَعَ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ عَلَى وُجُوبِ حِفْظِهِ (وَمِنْهَا) الْوِلَايَاتُ كَالْإِمَامَةِ وَالْقَضَاءِ وَأَمَانَةِ الْحُكْمِ فَإِنَّ هَذِهِ الْوِلَايَاتِ وَغَيْرَهَا مِمَّا فِي مَعْنَى هَذِهِ لَوْ فُوِّضَتْ لِمَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ لَحُكِمَ بِالْجَوْرِ، وَانْتَشَرَ الظُّلْمُ، وَضَاعَتْ الْمَصَالِحُ، وَكَثُرَتْ الْمَفَاسِدُ، نَعَمْ لَمْ يَشْتَرِطْ بَعْضُهُمْ فِي الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى الْعَدَالَةَ لِغَلَبَةِ الْفُسُوقِ عَلَى وُلَاتِهَا فَلَوْ اُشْتُرِطَتْ لَتَعَطَّلَتْ التَّصَرُّفَاتُ الْمُوَافِقَةُ لِلْحَقِّ فِي تَوْلِيَةِ مَنْ يُوثَقُ بِهِ مِنْ الْقُضَاةِ وَالسُّعَاةِ، وَأَخْذِ مَا يَأْخُذُونَهُ، وَبَذْلِ مَا يَبْذُلُونَهُ، وَفِي هَذَا ضَرَرٌ عَظِيمٌ فَلِذَا أُفْسِحَ مِنْ فَوَاتِ عَدَالَةِ السُّلْطَانِ، وَلَمَّا كَانَ تَصَرُّفُ الْقُضَاةِ أَعَمُّ مِنْ تَصَرُّفِ الْأَوْصِيَاءِ، وَأَخَصُّ مِنْ تَصَرُّفِ الْأَئِمَّةِ اُخْتُلِفَ فِي إلْحَاقِهِمْ بِالْأَئِمَّةِ أَوْ بِالْأَوْصِيَاءِ فَيَجْرِي فِيهِمْ الْخِلَافُ فِي عَدَالَةِ الْوَصِيِّ، وَإِذَا نَفَذَتْ تَصَرُّفَاتُ الْقُضَاةِ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ الْقَطْعِ بِعَدَمِ وِلَايَتِهِمْ فَأَوْلَى نُفُوذُ تَصَرُّفَاتِ الْوُلَاةِ وَالْأَئِمَّةِ مَعَ غَلَبَةِ الْفُجُورِ عَلَيْهِمْ، وَمَعَ قُدْرَةِ الْبُغَاةِ وَعُمُومِ الضَّرُورَةِ لِلْوُلَاةِ. (الْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلِّ الْحَاجِيَّاتِ فَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِهَا نَظَرًا لِدَاعِيَةِ الْحَاجَةِ أَوْ عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا نَظَرًا لِمَا يُعَارِضُ دَاعِيَتَهَا إنْ كَانَ، وَلِهَذَا هُنَا نَظَائِرُ مِنْهَا إمَامَةُ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ شُفَعَاءُ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ لِإِصْلَاحِ حَالِ الشَّفِيعِ عِنْدَ الْمَشْفُوعِ عِنْدَهُ، وَإِلَّا لَا تُقْبَلُ شَفَاعَتُهُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِمْ الْعَدَالَةُ لَكِنْ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمَاعَةٍ مَعَهُ نَظَرًا لِمَا ذُكِرَ، وَأَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ مُرْتَبِطَةٌ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، وَأَنَّ فِسْقَهُ يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الرَّبْطِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهَا الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَظَرًا إلَى أَنَّ الْفَاسِقَ تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي نَفْسِهِ إجْمَاعًا، وَكُلُّ مُصَلٍّ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ عِنْدَهُ فَلَمْ تَدْعُهُ حَاجَةٌ لِصَلَاحِ حَالِ الْإِمَامِ. (وَمِنْهَا) الْمُؤَذِّنُونَ الَّذِينَ يُعْتَمَدُ عَلَى أَقْوَالِهِمْ فِي دُخُولِ الْأَوْقَاتِ وَإِيقَاعِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّ حَاجَةَ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ فَقَطْ تَدْعُو إلَى اشْتِرَاطِ عَدَالَتِهِ إذْ لَوْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ غَيْرَ مَوْثُوقٍ بِهِ حَتَّى يُؤَذِّنَ قَبْلَ الْوَقْتِ لَتَعَدَّى خَلَلُهُ لِلصَّلَاةِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ قَبْلَ وَقْتِهَا بَاطِلَةٌ فَلِذَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الْأَذَانِ، وَهُوَ وَسِيلَةٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي إمَامَةِ الصَّلَاةِ، وَهِيَ مَقْصِدٌ، وَالْعِنَايَةُ بِالْمَقَاصِدِ أَوْلَى مِنْ الْوَسَائِلِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ الْفَاسِقُ غَيْرَ مُتَطَهِّرٍ، وَأَخَلَّ بِشَرْطٍ بَاطِنٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْمَأْمُومُ لَمْ يَقْدَحْ عِنْدَهُ فِي صَلَاةِ الْمَأْمُومِ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ حَصَّلَ ذَلِكَ الشَّرْطَ فَلَا

وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ الْمُقْتَرِنَةِ وَالْقَرَائِنِ الْمُصَاحِبَةِ وَصُورَةِ الْفَاعِلِ وَهَيْئَةِ الْفِعْلِ، وَالْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ مَا يُؤَدِّي إلَى مَا يُوجَدُ فِي الْقَلْبِ السَّلِيمِ عَنْ الْهَوَاءِ الْمُعْتَدِلِ الْمِزَاجِ وَالْعَقْلِ وَالدِّيَانَةِ الْعَارِفِ بِالْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ فَهَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ لِوَزْنِ هَذِهِ الْأُمُورِ فَإِنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ التَّسَاهُلُ فِي طَبْعِهِ لَا يَعُدُّ الْكَبِيرَةَ شَيْئًا، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ التَّشْدِيدُ فِي طَبْعِهِ يَجْعَلُ الصَّغِيرَةَ كَبِيرَةً فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْعَقْلِ الْوَازِنِ لِهَذِهِ الِاعْتِبَارَاتِ، وَمَتَى تَخَلَّلَتْ التَّوْبَةُ الصَّغَائِرَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي إذَا كَانَتْ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الشَّبَهُ وَاللَّبْسُ إذَا تَقَرَّرَتْ مِنْ النَّوْعِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مَوْضُوعُ النَّظَرِ الَّذِي تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا قَبُولُ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ قَبْلَ جَلْدِهِ، وَإِنْ كَانَ الْقَذْفُ كَبِيرَةً اتِّفَاقًا، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَدَّهَا عَبْدُ الْمَلِكِ وَمُطَرِّفٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَنَا أَنَّهُ قَبْلَ الْجَلْدِ غَيْرُ فَاسِقٍ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ جَلْدِهِ يَجُوزُ رُجُوعُ الْبَيِّنَةِ أَوْ تَصْدِيقُ الْمَقْذُوفِ لَهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْفِسْقُ إلَّا بَعْدَ الْجَلْدِ، وَالْأَصْلُ اسْتِصْحَابُ الْعَدَالَةِ وَالْحَالَةِ السَّابِقَةِ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) أَنَّ الْآيَةَ اقْتَضَتْ تَرْتِيبَ الْفِسْقِ عَلَى الْقَذْفِ، وَقَدْ تَحَقَّقَ الْقَذْفُ فَيَتَحَقَّقُ الْفِسْقُ سَوَاءٌ جُلِدَ أَمْ لَا. (الثَّانِي) أَنَّ الْجَلْدَ فَرْعُ ثُبُوتِ الْفِسْقِ فَلَوْ تَوَقَّفَ الْفِسْقُ عَلَى الْجَلْدِ لَزِمَ الدَّوْرُ. (الثَّالِثُ) أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ إلَّا حَيْثُ تَيَقُّنِ الْعَدَالَةِ، وَلَمْ تُتَيَقَّنْ هُنَا فَتُرَدُّ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْآيَةَ اقْتَضَتْ صِحَّةَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَبُطْلَانَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] فَرَتَّبَ رَدَّ الشَّهَادَةِ وَالْفِسْقِ عَلَى الْجَلْدِ وَتَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ فَيَكُونُ الْجَلْدُ هُوَ السَّبَبَ الْمُفَسِّقَ فَحَيْثُ لَا جَلْدَ لَا فُسُوقَ. وَهُوَ مَطْلُوبُنَا أَوْ عَكْسُ مَطْلُوبِكُمْ، وَعَنْ الْوَجْهِ الثَّانِي أَنَّ الْجَلْدَ فَرْعُ ثُبُوتِ الْفِسْقِ ظَاهِرًا ظُهُورًا ضَعِيفًا لِجَوَازِ رُجُوعِ الْبَيِّنَةِ أَوْ تَصْدِيقِ الْمَقْذُوفِ فَإِذَا أُقِيمَ الْجَلْدُ قَوِيَ الظُّهُورُ بِإِقْدَامِ الْبَيِّنَةِ وَتَصْمِيمِهَا عَلَى أَذِيَّتِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَقْذُوفُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ الْمُقْتَرِنَةِ وَالْقَرَائِنِ الْمُصَاحِبَةِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بَعْدَهَا نَقْلٌ وَتَوْجِيهٌ وَلَا كَلَامَ فِيهِ وَجَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي الْفُرُوقِ السِّتَّةِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ أَوْ نَقْلٌ وَتَرْجِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقْدَحُ عِنْدَهُ تَضْيِيعُ غَيْرِهِ لَهُ، وَإِنْ أَخَلَّ بِرُكْنٍ ظَاهِرٍ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَنَحْوِهِمَا فَالِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْعَدَالَةِ فِيهِ لِأَنَّ الْعِلْمَ الظَّاهِرَ نَابَ عَنْ الْعَدَالَةِ فِي ضَبْطِ الْمَصْلَحَةِ فَاسْتَغْنَى عَنْهَا فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ، وَأَمَّا مَنْ يُؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَالَةٌ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فَإِنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ يَصِحُّ مِنْ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ. (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلِّ التَّتِمَّاتِ فَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِهَا وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهَا لِتَعَارُضِ شَائِبَتَيْنِ فِيهِ، وَلِهَذَا نَظَائِرُ هُنَا أَيْضًا مِنْهَا الْوِلَايَةُ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهَا تَتِمَّةٌ، وَلَيْسَتْ بِحَاجِيَّةٍ بِسَبَبِ أَنَّ الْوَازِعَ الطَّبِيعِيَّ فِي الشَّفَقَةِ عَلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهَا يَمْنَعُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْعَارِ، وَمِنْ السَّعْيِ فِي الْإِضْرَارِ فَقَرَّبَ ذَلِكَ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِيهَا كَالْإِقْرَارَاتِ لِقِيَامِ الْوَازِعِ الطَّبِيعِيِّ فِيهَا إلَّا أَنَّ الْفَاسِقَ لَمَّا كَانَ قَدْ يُوَالِي أَهْلَ شِيعَتِهِ فَيُؤْثِرُهُمْ بِتَوْلِيَتِهِ كَأُخْتِهِ وَابْنَتِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَحْصُلُ لَهَا الْمَفْسَدَةُ الْعَظِيمَةُ فَاشْتُرِطَتْ الْعَدَالَةُ تَتِمَّةً لِأَجْلِ تَعَارُضِ هَاتَيْنِ الشَّائِبَتَيْنِ، وَلِهَذَا التَّعَارُضِ وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَهَلْ تَصِحُّ وِلَايَةُ الْفَاسِقِ أَمْ لَا، وَفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ قَوْلَانِ، وَمِنْهَا الْأَوْصِيَاءُ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنَّهُ لَا يُوصِي عَلَى ذُرِّيَّتِهِ إلَّا مَنْ يَثِقُ بِشَفَقَتِهِ فَوَازِعُهُ الطَّبِيعِيُّ يُحَصِّلُ مَصْلَحَةَ الْوَصِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَدْ يُوَلِّي أَهْلَ شِيعَتِهِ مِنْ الْفَسَقَةِ فَتَحْصُلُ الْمَفَاسِدُ مِنْ وِلَايَتِهِمْ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالتَّزْوِيجِ تَعَارَضَتْ هَاتَانِ الشَّائِبَتَانِ فَكَانَ تَعَارُضُهُمَا سَبَبًا فِي كَوْنِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الْأَوْصِيَاءِ تَتِمَّةً كَمَا تَقَدَّمَ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَفِي الْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الْأَوْصِيَاءِ (الْقِسْمُ الرَّابِعُ) أَنْ تَكُونَ فِيمَا خَرَجَ عَنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الضَّرُورَةُ، وَالْحَاجَةُ وَالتَّتِمَّةُ فَيَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا فِيهِ، وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ هُنَا (مِنْهَا) الْإِقْرَارُ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْوَازِعِ الطَّبِيعِيِّ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ فِي مَالِهِ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ أَعْضَائِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَالطَّبْعُ يَمْنَعُ مِنْ الْمُسَامَحَةِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ يَقْتَضِيهِ بَلْ هُوَ مَعَ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لَهُ شَأْنُ الطِّبَاعِ جَحْدُهُ فَلَا يُعَارِضُ الطَّبْعَ هُنَا مُوَالَاتُهُ لِأَهْلِ شِيعَتِهِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مَطْبُوعٌ عَلَى تَقْدِيمِ نَفْسِهِ عَلَى غَيْرِهِ كَانَ مِنْ أَهْلِ شِيعَتِهِ وَأَصْدِقَائِهِ أَمْ لَا فَلِذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا فِيهِ، وَلَمْ يَنْعَقِدْ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالْوَصِيَّةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْوَلِيَّ وَالْوَصِيَّ يَتَصَرَّفَانِ لِغَيْرِهِمَا فَيُمْكِنُ فِيهِمَا مُرَاعَاةُ الْأَصْدِقَاءِ فِي ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ لِأَحَدِ الْغَيْرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ. (وَمِنْهَا) الدَّعَاوَى فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يَدَّعِي لِنَفْسِهِ فَدَعْوَاهُ عَلَى، وَفْقِ طَبْعِهِ عَكْسُ الْأَقَارِيرِ إلَّا أَنَّ إلْزَامَهُ الْبَيِّنَةَ

[الفرق بين قاعدة التهمة التي ترد بها الشهادة بعد ثبوت العدالة وبين قاعدة ما لا ترد به]

وَحِينَئِذٍ نَقُولُ إنَّ مُدْرَكَ رَدِّ الشَّهَادَةِ إنَّمَا هُوَ الظُّهُورُ الْقَوِيُّ لِأَنَّهُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعَدَالَةِ السَّابِقَةِ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ الْبَاجِيَّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَالشَّافِعِيُّ لَا بُدَّ فِي تَوْبَةِ الْقَاذِفِ مِنْ تَكْذِيبِهِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّا قَضَيْنَا بِكَذِبِهِ فِي الظَّاهِرِ لَمَّا فَسَّقْنَاهُ فَلَوْ لَمْ يُكَذِّبْ نَفْسَهُ لَكَانَ مُصِرًّا عَلَى الْكَذِبِ الَّذِي فَسَّقْنَاهُ لِأَجْلِهِ فِي الظَّاهِرِ، وَعَلَيْهِ إشْكَالَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ صَادِقًا فِي قَذْفِهِ فَتَكْذِيبُهُ لِنَفْسِهِ كَذِبٌ فَكَيْفَ تُشْتَرَطُ الْمَعْصِيَةُ فِي التَّوْبَةِ الَّتِي هِيَ ضِدُّهَا، وَنَجْعَلُ الْمَعَاصِيَ سَبَبَ صَلَاحِ الْعَبْدِ وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ وَرِفْعَتِهِ. (ثَانِيهِمَا) أَنَّهُ إنْ كَانَ كَاذِبًا فِي قَذْفِهِ فَهُوَ فَاسِقٌ أَوْ صَادِقًا فَهُوَ عَاصٍ لِأَنَّ تَعْيِيرَ الزَّانِي بِزِنَاهُ مَعْصِيَةٌ فَكَيْفَ يَنْفَعُهُ تَكْذِيبُ نَفْسِهِ مَعَ كَوْنِهِ عَاصِيًا بِكُلِّ حَالٍ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْكَذِبَ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ كَالرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ، وَلِلْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ، وَهَذَا التَّكْذِيبُ فِيهِ مَصْلَحَةُ السَّتْرِ عَلَى الْمَقْذُوفِ، وَتَقْلِيلُ الْأَذِيَّةِ وَالْفَضِيحَةِ عِنْدَ النَّاسِ، وَقَبُولُ شَهَادَتِهِ فِي نَفْسِهِ، وَعَوْدُهُ إلَى الْوِلَايَةِ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَالَةُ، وَتَصَرُّفُهُ فِي أَمْوَالِ أَوْلَادِهِ وَتَزْوِيجُهُ لِمَنْ يَلِي عَلَيْهِ، وَتَعَرُّضُهُ لِلْوِلَايَاتِ الشَّرْعِيَّةِ (وَعَنْ الثَّانِي) أَنَّ تَعْيِيرَ الزَّانِي بِزِنَاهُ صَغِيرَةٌ لَا تَمْنَعُ الشَّهَادَةَ، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ وَلَا قَبُولِ شَهَادَتِهِ تَكْذِيبُهُ لِنَفْسِهِ بَلْ صَلَاحُ حَالِهِ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ كَسَائِرِ الذُّنُوبِ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التُّهْمَةِ الَّتِي تُرَدُّ بِهَا الشَّهَادَةُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا تُرَدُّ بِهِ] (الْفَرْقُ الثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ التُّهْمَةِ الَّتِي تُرَدُّ بِهَا الشَّهَادَةُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا تُرَدُّ بِهِ) اعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى رَدِّ الشَّهَادَةِ بِالتُّهْمَةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَكِنْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي بَعْضِ الرُّتَبِ، وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ أَنَّ التُّهْمَةَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مُجْمَعٌ عَلَى اعْتِبَارِهَا لِقُوَّتِهَا، وَمُجْمَعٌ عَلَى إلْغَائِهَا لِخِفَّتِهَا، وَمُخْتَلَفٌ فِيهَا هَلْ تَلْحَقُ بِالرُّتْبَةِ الْعُلْيَا فَتَمْنَعُ أَوْ بِالرُّتْبَةِ الدُّنْيَا فَلَا تَمْنَعُ فَأَعْلَاهَا شَهَادَةُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ مُجْمَعٌ عَلَى رَدِّهَا، وَأَدْنَاهَا شَهَادَةُ الْإِنْسَانِ لِرَجُلٍ مِنْ قَبِيلَتِهِ أُجْمِعَ عَلَى اعْتِبَارِهَا، وَبُطْلَانِ هَذِهِ التُّهْمَةِ، وَمِثَالُ الْمُتَوَسِّطِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الرُّتْبَتَيْنِ شَهَادَتُهُ لِأَخِيهِ أَوْ لِصَدِيقِهِ الْمُلَاطِفِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي عَمُودَيْ النَّسَبِ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ لَا يَشْهَدُ لَهُمْ، وَخَالَفُونَا فِي الْأَخِ وَالصَّدِيقِ الْمُلَاطِفِ، وَوَافَقَنَا ابْنُ حَنْبَلٍ فِي الزَّوْجَيْنِ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ لَهُمَا، وَخَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ فَقَبِلَ، وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ فِي اعْتِبَارِ الْعَدَاوَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي الدِّينِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ أَوْ الْيَمِينَ مَعَ شَاهِدٍ أَوْ مَعَ نُكُولٍ عَلَى الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ الْقَضَاءِ بِالشَّاهِدِ مَعَ الْيَمِينِ أَوْ النُّكُولِ لِأَنَّهُمَا يُبْعِدَانِ التُّهْمَةَ عَنْ الدَّعْوَى، وَيُقِرُّ بِأَنَّهَا مِنْ الصِّحَّةِ قَائِمٌ مَقَامَ الْعَدَالَةِ لِرُجْحَانِ الصِّدْقِ عَلَى الْكَذِبِ حِينَئِذٍ كَمَا تُرَجَّحُ بِالْعَدَالَةِ، وَقِسْ عَلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا فَيَحْصُلُ لَك الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ إجْمَاعًا إذَا كَانَ مِنْ الضَّرُورَةِ أَوْ عَلَى الْخِلَافِ إذَا كَانَ مِنْ الْحَاجَةِ وَثَمَّ مُعَارِضٌ، وَإِلَّا فَلَا خِلَافَ أَوْ كَانَ مِنْ التَّتِمَّةِ لِتَعَارُضِ الشَّائِبَيْنِ فِيهِ وَبَيْنَ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ إذَا كَانَ مِمَّا خَرَجَ عَنْ الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي الْأَصْلِ، وَسَلَّمَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنِ الشَّاطِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الشِّرْبِينِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ، وَلَيْسَ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْمُرْسَلِ أَيْ الْمُطْلَقِ عَنْ الِاعْتِبَارِ وَالْإِلْغَاءِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ مَصْلَحَةٌ ضَرُورِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ قَطْعِيَّةٌ لِأَنَّهَا مِمَّا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِهَا فَهِيَ حَقٌّ قَطْعًا، وَاشْتَرَطَهَا الْغَزَالِيُّ لِلْقَطْعِ بِالْقَوْلِ بِهِ لَا لِأَصْلِ الْقَوْلِ بِهِ قَالَ، وَالظَّنُّ الْقَرِيبُ مِنْ الْقَطْعِ كَالْقَطْعِ اهـ. مَا خُلَاصَتُهُ نَقْلًا عَنْ السَّعْدِ فِي التَّلْوِيحِ أَنَّ الْإِمَامَ الْغَزَالِيَّ قَسَمَ الْمَصَالِحَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا شَهِدَ الشَّرْعُ بِاعْتِبَارِهِ، وَهِيَ أَصْلٌ فِي الْقِيَاسِ وَحُجَّةٌ، وَهِيَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى مَقْصُودِ الشَّرْعِ مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْخَمْسَةِ الضَّرُورِيَّةِ أَيْ الَّتِي هِيَ حِفْظُ الدِّينِ وَالنَّفْسِ وَالْعَقْلِ وَالنَّسَبِ وَالْمَالِ فَكُلُّ مَا يَتَضَمَّنُ حِفْظَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ الضَّرُورِيَّةِ، وَكُلُّ مَا يُقَوِّيهَا فَهِيَ مَصْلَحَةٌ، وَدَفْعُهَا مَفْسَدَةٌ، وَإِذَا أَطْلَقْنَا الْمُعَيَّنَ الْمُخَيَّلَ، وَالْمُنَاسِبَ فِي بَابِ الْقِيَاسِ أَرَدْنَا بِهِ هَذَا الْجِنْسَ. (الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا شَهِدَ الشَّرْعُ بِبُطْلَانِهِ كَنَفْيِ الصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ الْمَلِكِ أَيْ السُّلْطَانِ. (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا لَمْ يَشْهَدْ لَهُ الشَّرْعُ بِالِاعْتِبَارِ وَلَا بِالْبُطْلَانِ، وَهَذَا فِي مَحَلِّ النَّظَرِ، وَهِيَ الْمَصَالِحُ الْحَاجِيَّةُ وَالتَّحْسِينِيَّة فَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِمُجَرَّدِهَا مَا لَمْ تُعَضَّدْ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى وَضْعِ الشَّرْعِ بِالرَّأْيِ، وَإِذَا اعْتَضَدَ بِأَصْلٍ فَهُوَ قِيَاسٌ اهـ. وَمَا مَشْي عَلَيْهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ الْمُسَمَّى بِالْمُرْسَلِ، وَبِالْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ هُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ فِي كِتَابِهِ الِاعْتِصَامِ، وَعَزَى هَذَا الْقَوْلَ إلَى الْقَاضِي وَطَائِفَةٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ. (وَالثَّانِي) وَهُوَ اعْتِبَارُ ذَلِكَ وَبِنَاءُ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِمَالِكٍ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ اعْتِبَارُ ذَلِكَ بِشَرْطِ قُرْبِهِ مِنْ مَعَانِي الْأُصُولِ لِلشَّافِعِيِّ، وَمُعْظَمِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ هَذَا مَا حَكَى الْإِمَامُ الْجُوَيْنِيُّ اهـ. وَمِنْ نَظَائِرِ هَذَا الْقِسْمِ رَمْيُ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ السَّفِينَةِ فِي الْبَحْرِ لِنَجَاةِ الْبَاقِينَ فَعِنْدَ أَصْحَابِنَا يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ مِنْ

الْعَدَاوَةُ مُطْلَقًا، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَوَسِّطَاتِ لَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ» احْتَجُّوا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَبِقَوْلِهِ {ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الظَّوَاهِرِ وَالْفِقْهِ مَعَ مَنْ كَانَتْ الْقَوَاعِدُ وَالنُّصُوصُ مَعَهُ أَظْهَرُ، وَمِنْ ذَلِكَ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِفِسْقِهِ أَوْ كُفْرِهِ أَوْ صِغَرِهِ أَوْ رَقِّهِ ثُمَّ أَدَّاهَا بَعْدَ زَوَالِ هَذِهِ الصِّفَاتِ فَإِنَّهُ يُتَّهَمُ فِي تَنْفِيذِ مَا رُدَّ فِيهِ مَنَعْنَاهَا نَحْنُ وَابْنُ حَنْبَلٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يُقْبَلُ الْكُلَّ إلَّا الْفَاسِقَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفَاسِقَ تُسْمَعُ شَهَادَتُهُ ثُمَّ يُنْظَرُ فِي عَدَالَتِهِ فَيَتَحَقَّقُ الرَّدُّ بِالظُّهُورِ عَلَى الْفِسْقِ، وَأُولَئِكَ لَمْ تُسْمَعْ شَهَادَتُهُمْ لِمَا عُلِمَ مِنْ صِفَاتِهِمْ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرَّدُّ الْبَاعِثُ عَلَى التُّهْمَةِ، وَلَنَا شَهَادَةُ الْعَوَائِدِ، وَلِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلِأَنَّ الْعِلْمَ بِصِفَاتِهِمْ لَوْ وَقَعَ قَبْلَ الْأَدَاءِ لَمَا وَقَعَ الْأَدَاءُ، وَإِنَّمَا مَنَعْنَا حَيْثُ وَقَعَ الْأَدَاءُ فَصِفَاتُهُمْ حِينَئِذٍ تَكُونُ مَجْهُولَةً فَسَقَطَ الْفَرْقُ، وَعَكْسُهُ لَوْ حَصَلَ الْبَحْثُ عَنْ الْفِسْقِ قَبْلَ الْأَدَاءِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ إذَا لَمْ تُرَدَّ، وَصَلَحَتْ حَالُهُ، وَمَنَعْنَا شَهَادَةَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ إذَا قُصِدُوا فِي التَّحَمُّلِ دُونَ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ فِي الْبِيَاعَاتِ وَالنِّكَاحِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ الْعُدُولَ إلَيْهِمْ مَعَ إمْكَانِ غَيْرِهِمْ تُهْمَةٌ فِي إبْطَالِ مَا شَهِدُوا بِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ لَا يُقْبَلُ بَدْوِيٌّ مُطْلَقًا عَلَى قَرَوِيٍّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ تُقْبَلُ مُطْلَقًا، لَنَا الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ، وَفِي أَبِي دَاوُد «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَدْوِيٍّ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ» ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى مَوْضِعِ التُّهْمَةِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُمُومَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى قَبُولِ الشَّهَادَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ، وَحَمَّلُوهُمْ الْحَدِيثَ عَلَى مَنْ لَمْ تُعْلَمْ عَدَالَتُهُ مِنْ الْأَعْرَابِ قَالُوا وَهُوَ أَوْلَى لِقِلَّةِ التَّخْصِيصِ حِينَئِذٍ فِي تِلْكَ الْعُمُومَاتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا شَهِدَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَقَبِلَ شَهَادَتَهُ عَلَى النَّاسِ» ، وَلِأَنَّ مَنْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي الْجِرَاحِ قُبِلَتْ فِي غَيْرِهَا كَالْحَضَرِيِّ، وَلِأَنَّ الْجِرَاحَ آكَدُ مِنْ الْمَالِ فَفِي الْمَالِ أَوْلَى. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ جَمْعَنَا أَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِأَجْلِ عَدَمِ الْعَدَالَةِ لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِهِ بِصَاحِبِ الْقَرْيَةِ فَائِدَةٌ بَلْ لِلتُّهْمَةِ، وَعَنْ الثَّانِي نَحْنُ نَقْبَلُهُ فِي الْهِلَالِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الْجِرَاحَ يُقْصَدُ الْخِلْوَاتِ دُونَ الْمُعَامَلَاتِ فَكَانَتْ التُّهْمَةُ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَوْجُودَةً دُونَ الْجِرَاحِ. ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ الْحُرِّ وَالرَّقِيقِ لِأَجْلِ نَجَاةِ الْبَاقِينَ لَكِنْ بَعْدَ رَمْيِ الْأَمْوَالِ غَيْرِ الرَّقِيقِ، وَقَالَ الْمَحَلِّيُّ لَا يَجُوزُ رَمْيُ الْبَعْضِ بِالْقُرْعَةِ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ لَا أَصْلَ لَهَا فِي الشَّرْعِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ نَجَاةَ الْبَاقِينَ لَيْسَ كُلِّيًّا أَيْ مُتَعَلِّقًا بِكُلِّ الْأُمَّةِ اهـ. وَفِي الْعَطَّارِ عَلَيْهِ ذَكَرَ الصَّلَاحُ الصَّفَدِيُّ أَنَّ مَرْكَبًا كَانَ فِي الْبَحْرِ وَفِيهِ مُسْلِمُونَ وَكُفَّارٌ فَأَشْرَفُوا عَلَى الْغَرَقِ، وَأَرَادُوا لِيَرْمُوا بَعْضَهُمْ إلَى الْبَحْرِ لِتَخِفَّ الْمَرْكَبُ، وَيَنْجُوَ الْبَاقِي فَقَالُوا نَقْتَرِعُ، وَمَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ أَلْقَيْنَاهُ فَقَالَ الرَّيِّسُ نَعُدُّ الْجَمَاعَةَ فَكُلُّ مَنْ كَانَ تَاسِعًا فِي الْعَدَدِ أَلْقَيْنَاهُ فَارْتَضَوْا بِذَلِكَ فَلَمْ يَزَلْ يَعُدُّهُمْ، وَيُلْقِي التَّاسِعَ فَالتَّاسِعَ إلَى أَنْ أَلْقَى الْكُفَّارَ أَجْمَعِينَ، وَسَلِمَ الْمُسْلِمُونَ، وَكَانَ وَضَعَهُمْ عَلَى هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ بِأَنْ وَضَعَ أَرْبَعَةً مُسْلِمِينَ، وَخَمْسَةً كُفَّارًا ثُمَّ مُسْلِمَيْنِ ثُمَّ كَافِرًا إلَى آخِرِ ذَلِكَ، وَوَضَعَ لَهُمْ ضَابِطًا، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: اللَّهُ يَقْضِي بِكُلِّ يُسْرٍ ... وَيَرْزُقُ الضَّعِيفَ حَيْثُ كَانَا فَمُهْمَلُ الْحُرُوفِ لِلْمُسْلِمِينَ وَمُعْجَمُهَا لِلْكُفَّارِ، وَالِابْتِدَاءُ بِالْمُسْلِمِينَ، وَالسَّيْرُ إلَى جِهَةِ الشِّمَالِ بِالْعَدَدِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَفِيهِ أَيْضًا قَبْلَ ذَلِكَ عَنْ اللُّغْزِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْمُرْسَلِ فِي الشَّرْعِ لَا يُتَصَوَّرُ حَتَّى يُتَكَلَّمَ فِيهِ بِنَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ إذْ الْوَقَائِعُ لَا حَصْرَ لَهَا، وَكَذَا الْمَصَالِحُ، وَمَا مِنْ مَسْأَلَةٍ تَعْرِضُ إلَّا وَفِي الشَّرْعِ دَلِيلٌ عَلَيْهَا إمَّا بِالْقَبُولِ أَوْ بِالرَّدِّ فَإِنَّا نَعْتَقِدُ اسْتِحَالَةَ خُلُوِّ وَاقِعَةٍ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ الدِّينَ قَدْ كَمُلَ. وَقَدْ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِرَسُولِهِ، وَانْقَطَعَ الْوَحْيُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ كَمَالِ الدِّينِ قَالَ تَعَالَى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَصَوُّرِهِ أَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ تَنْقَسِمُ إلَى مَوَاقِعِ التَّعَبُّدَاتِ، وَالْمُتَّبَعُ فِيهَا النُّصُوصُ وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَمَا لَمْ تُرْشِدْ النُّصُوصُ إلَيْهِ فَلَا تَعَبُّدَ بِهِ. وَإِلَى مَا لَيْسَ مِنْ التَّعَبُّدَاتِ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَلْفَاظِ كَالْأَيْمَانِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَالطَّلَاقِ؛ وَقَدْ أَحَالَهَا الشَّرْعُ فِي مُوجِبَاتِهَا إلَى قَضَايَا الْعُرْفِ فِيهَا بِنَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَالِاكْتِفَاءِ بِالْعِثْكَالِ الَّذِي عَلَيْهِ مِائَةُ شُمْرُوخٍ إذَا حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَ مِائَةً لِمَا وَرَدَ فِي قِصَّةِ أَيُّوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يُنْسَخْ فِي شَرْعِنَا، وَإِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِ الْأَلْفَاظِ، وَهُوَ مُنْقَسِمٌ إلَى مَا يَنْضَبِطُ فِي نَفْسِهِ كَالنَّجَاسَاتِ وَالْمَحْظُورَاتِ وَطُرُقِ تَلَقِّي الْمِلْكِ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ مُنْضَبِطَةٌ، وَمُسْتَنَدَاتُهَا مَعْلُومَةٌ، وَإِلَى مَا لَا يَنْضَبِطُ إلَّا بِالضَّبْطِ فِي مُقَابِلِهِ كَالْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ، وَالْأَفْعَالُ الْمُبَاحَةُ تَنْضَبِطُ بِضَبْطِ النَّجَاسَةِ وَالْحَظْرِ، وَكَذَلِكَ الْأَمْلَاكُ مُنْتَشِرَةٌ تَنْضَبِطُ بِضَبْطِ طُرُقِ النَّقْلِ، وَالْإِيذَاءُ مُحَرَّمٌ عَلَى الِاسْتِرْسَالِ مِنْ غَيْرِ ضَبْطٍ، وَيَنْضَبِطُ بِضَبْطِ مَا اسْتَثْنَى الشَّرْعُ فِي مُقَابَلَتِهِ فَالْوَقَائِعُ إنْ وَقَعَتْ فِي جَانِبِ الضَّبْطِ أُلْحِقَتْ بِهِ

(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ وَقَاعِدَةِ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ) فَضَابِطُ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ أَنَّهَا طَلَبٌ مُعَيَّنٌ أَوْ مَا فِي ذِمَّةِ مُعَيَّنٍ أَوْ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا لَا تُكَذِّبُهَا الْعَادَةُ فَالْأَوَّلُ كَدَعْوَى أَنَّ السِّلْعَةَ الْمُعَيَّنَةَ اشْتَرَاهَا مِنْهُ أَوْ غُصِبَتْ مِنْهُ، وَالثَّانِي كَالدُّيُونِ وَالسَّلَمِ ثُمَّ الْمُعَيَّنُ الَّذِي يَدَّعِي فِي ذِمَّتِهِ قَدْ يَكُونُ مُعَيَّنًا بِالشَّخْصِ كَزَيْدٍ أَوْ بِالصِّفَةِ كَدَعْوَى الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْقَتْلِ عَلَى جَمَاعَةٍ أَوْ أَنَّهُمْ أَتْلَفُوا مُتَمَوِّلًا، وَالثَّالِثُ كَدَعْوَى الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ أَوْ الرِّدَّةَ عَلَى زَوْجِهَا فَيَتَرَتَّبُ لَهَا حَوْزُ نَفْسِهَا، وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ أَوْ الْوَارِثُ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فَيَتَرَتَّبُ لَهُ الْمِيرَاثُ الْمُعَيَّنُ فَهِيَ مَقَاصِدُ صَحِيحَةٌ، وَقَوْلُنَا مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا احْتِرَازٌ مِنْ دَعْوَى عُشْرِ سِمْسِمَةٍ فَإِنَّ الْحَاكِمَ لَا يَسْمَعُ مِثْلَ هَذِهِ الدَّعْوَى لِأَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ نَفْعٌ شَرْعِيٌّ، وَلِهَذِهِ الدَّعْوَى أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً مُحَقَّقَةً لَا تُكَذِّبُهَا الْعَادَةُ يَتَعَلَّقُ بِهَا غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ قَالَ: لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ لِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ، وَكَذَلِكَ: أَظُنُّ أَنَّ لِي عَلَيْك أَلْفًا أَوْ: لَك عَلَيَّ أَلْفٌ، وَأَظُنُّ أَنِّي قَضَيْتهَا لَمْ تُسْمَعْ لِتَعَذُّرِ الْحُكْمِ بِالْمَجْهُولِ إذْ لَيْسَ بَعْضُ الْمَرَاتِبِ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْخَطَرِ بِمُجَرَّدِ الْوَهْمِ مِنْ الْمُدَّعِي، وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ لَا يَصِحُّ دَعْوَى الْمَجْهُولِ إلَّا فِي الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ لِصِحَّةِ الْقَضَاءِ بِالْوَصِيَّةِ الْمَجْهُولَةِ كَثُلُثِ الْمَالِ، وَالْمَالُ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَصِحَّةُ الْمِلْكِ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ، وَيَلْزَمُهُ الْحَاكِمُ بِالتَّعْيِينِ، وَقَالَهُ أَصْحَابُنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ إنْ ادَّعَى بِدَيْنٍ مِنْ الْأَثْمَانِ ذَكَرَ الْجِنْسَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ، وَالنَّوْعَ مِصْرِيَّةً أَوْ مَغْرِبِيَّةً، وَالصِّفَةَ صِحَاحًا أَوْ مُكَسَّرَةً وَالْمِقْدَارَ وَالسِّكَّةَ، وَيَذْكُرُ فِي غَيْرِ الْأَثْمَانِ الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةَ فِي السَّلَمِ، وَذِكْرُ الْقِيمَةِ مَعَ الصِّفَاتِ أَحْوَطُ، وَمَا لَا تَضْبِطُهُ الصِّفَةُ كَالْجَوَاهِرِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْقِيمَةِ مِنْ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَيَذْكُرُ فِي الْأَرْضِ وَالدَّارِ اسْمَ الصُّقْعِ وَالْبَلَدِ، وَفِي السَّيْفِ الْمُحَلَّى بِالذَّهَبِ قِيمَتَهُ فِضَّةً، وَبِالْفِضَّةِ قِيمَتَهُ ذَهَبًا أَوْ بِهِمَا قَوَّمَهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ، وَلَا يَلْزَمُ ذِكْرُ سَبَبِ مِلْكِ الْمَالِ بِخِلَافِ سَبَبِ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ هَاهُنَا دُونَ الْمَالِ بِالْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَهَلْ قَتَلَهُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ إتْلَافَهُ لَا يُسْتَدْرَكُ بِخِلَافِ الْمَالِ، وَهَذَا كُلُّهُ لَا يُخَالِفُهُ أَصْحَابُنَا، وَقَوَاعِدُنَا تَقْتَضِيهِ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ وَقَوْلَ أَصْحَابِنَا إنَّ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ أُلْحِقَتْ بِهِ، وَإِنْ تَرَدَّدَتْ بَيْنَهُمَا، وَتَجَاذَبَهَا الطَّرَفَانِ أُلْحِقَتْ بِأَقْرَبِهِمَا، وَلَا بُدَّ وَأَنْ يَلُوحَ التَّرْجِيحُ لَا مَحَالَةَ فَخَرَجَ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَصْلَحَةٍ تُتَخَيَّلُ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ مَحْبُوسَةٍ بِالْأُصُولِ الْمُتَعَارِضَةِ لَا بُدَّ أَنْ تَشْهَدَ الْأُصُولُ بِرَدِّهَا أَوْ قَبُولِهَا اهـ. وَفِي التَّلْوِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ وَأَمَّا الْمَصْلَحَةُ الضَّرُورِيَّةُ فَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهَا رَأْيُ مُجْتَهِدٍ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ، وَلَهَا نَظَائِرُ مِنْهَا رَمْيُ الْكُفَّارِ الْمُتَتَرِّسِينَ بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْحَرْبِ الْمُؤَدِّي إلَى قَتْلِ التُّرْسِ مَعَهُمْ إذَا قُطِعَ أَوْ ظَنَّ ظَنًّا قَرِيبًا مِنْ الْقَطْعِ بِأَنَّهُمْ إنْ لَمْ يَرْمُوا اسْتَأْصَلُوا الْمُسْلِمِينَ بِالْقَتْلِ التُّرْسَ، وَغَيْرَهُ، وَإِنْ رَمَوْا سَلِمَ غَيْرُ التُّرْسِ فَيَجُوزُ رَمْيُهُمْ لِحِفْظِ بَاقِي الْأُمَّةِ فَإِنَّا نَعْلَمُ قَطْعًا بِأَدِلَّةٍ خَارِجَةٍ عَنْ الْحَصْرِ أَنَّ تَعْلِيلَ الْقَتْلِ مَقْصُودٌ لِلشَّارِعِ كَمَنْعِهِ بِالْكُلِّيَّةِ لَكِنْ قَتْلُ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ غَرِيبٌ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ أَصْلٌ مَعَنَا، وَنَحْنُ إنَّمَا نُجَوِّزُ عِنْدَ الْقَطْعِ أَوْ ظَنٍّ قَرِيبٍ مِنْ الْقَطْعِ، وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ تَخَصَّصَ الْحُكْمُ مِنْ الْعُمَومَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْمَنْعِ عَنْ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ لِمَا نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الشَّرْعَ يُؤْثِرُ الْحُكْمَ الْكُلِّيَّ عَلَى الْجُزْئِيِّ، وَأَنَّ حِفْظَ أَصْلِ الْإِسْلَامِ أَهَمُّ مِنْ حِفْظِ دَمِ مُسْلِمٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا، وَإِنْ سَمَّيْنَاهُ مَصْلَحَةً مُرْسَلَةً لَكِنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّ مُرَجِّحَ الْمَصْلَحَةِ إلَى حِفْظِ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ الْمَعْلُومَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّ كَوْنَ هَذِهِ الْمَعَانِي عُرِفَتْ لَا بِدَلِيلٍ وَاحِدٍ بَلْ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ لَا حَصْرَ لَهَا مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ وَتَفَارِيقِ الْأَمَارَاتِ سَمَّيْنَاهَا مَصْلَحَةً مُرْسَلَةً لَا قِيَاسًا إذْ الْقِيَاسُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ. اهـ بِتَوْضِيحٍ مِنْ الْمَحَلِّيّ قَالَ الشِّرْبِينِيُّ فَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَنَحْنُ إنَّمَا نُجَوِّزُهُ إلَخْ أَنَّهُ هُوَ لَا يَقُولُ بِهِ أَيْ الْمُرْسَلِ عِنْدَ فَقْدِ الشُّرُوطِ أَمَّا غَيْرُهُ فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ بِهِ عِنْدَ الْفَقْدِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهَا رَأْيُ مُجْتَهِدٍ، وَمِنْ قَوْلِهِ، وَلِأَنَّ كَوْنَ هَذِهِ الْمَعَانِي إلَخْ أَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ هَذِهِ مِنْ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الدَّلِيلِ، وَإِنْ رَجَعَتْ إلَى الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ لَا لِعَدَمِ الدَّلِيلِ كَمَا فِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ فَإِطْلَاقُ الْمُرْسَلِ عَلَيْهَا بِطَرِيقِ الْمُشَابَهَةِ فِي عَدَمِ تَعَيُّنِ الدَّلِيلِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا لَا لِعَدَمِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الْعَطَّارِ عَنْهُ فِي الْمَنْخُولِ أَنَّهُ ذَكَرَ مِنْ نَظَائِرِهَا أَنَّا لَوْ فَرَضْنَا انْقِلَابَ أَمْوَالِ الْعَالَمِ بِجُمْلَتِهَا مُحَرَّمَةً لِكَثْرَةِ الْمُعَامَلَاتِ الْفَاسِدَةِ وَاشْتِبَاهِ الْغُصُوبِ بِغَيْرِهَا عَسِرَ الْوُصُولُ إلَى الْحَلَالِ الْمَحْضِ. وَقَدْ وَقَعَ فَنُبِيحُ لِكُلِّ مُحْتَاجٍ أَنْ يَأْخُذَ مِقْدَارَ كِفَايَتِهِ مِنْ كُلِّ مَالٍ لِأَنَّ تَحْرِيمَ التَّنَاوُلِ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ، وَتَخْصِيصُهُ بِمِقْدَارِ سَدِّ الرَّمَقِ يُكَفُّ النَّاسَ عَنْ مُعَامَلَاتِهِمْ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، وَيَتَدَاعَى ذَلِكَ إلَى فَسَادِ الدُّنْيَا وَخَرَابِ

[المسألة الثانية الدعاوى ثلاثة أقسام]

الْإِنْسَانَ لَوْ وَجَدَ وَثِيقَةً فِي تَرِكَةِ مُوَرِّثِهِ أَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِحَقٍّ لَهُ فَالْمَنْقُولُ جَوَازُ الدَّعْوَى بِمِثْلِ هَذَا، وَالْحَلِفُ بِمُجَرَّدِهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ لَا تُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ فَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ الْعِلْمَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عِنْدَ الطَّالِبِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ التَّصْرِيحَ بِالظَّنِّ يَمْنَعُ الصِّحَّةَ، وَالسُّكُوتُ عَنْهُ لَا يَقْدَحُ فَهَذَا مَانِعٌ لِأَنَّ عَدَمَهُ شَرْطٌ، وَأَيْضًا فَمَا جَازَ الْإِقْدَامُ مَعَهُ لَا يَكُونُ التَّصْرِيحُ بِهِ مَانِعًا كَمَا لَوْ شَهِدُوا بِالِاسْتِفَاضَةِ وَبِالسَّمَاعِ وَبِالظَّنِّ فِي الْفَلَسِ وَحَصْرِ الْوَرَثَةِ، وَصَرَّحَ بِمُسْتَنَدِهِ فِي الشَّهَادَةِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَادِحًا عَلَى الصَّحِيحِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ يَقْدَحُ تَصْرِيحُ الشَّاهِدِ بِمُسْتَنَدِهِ فِي ذَلِكَ. وَلَيْسَ لَهُ وَجْهٌ فَإِنَّ مَا جَوَّزَهُ الشَّرْعُ لَا يَكُونُ النُّطْقُ بِهِ مُنْكَرًا، وَهَذَا مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ، وَقَوْلِي لَا تُكَذِّبُهُمَا الْعَادَةُ سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَسَائِلِ هَذَا الْفَرْقِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُسْمَعُ، وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُسْمَعُ مِنْ الدَّعَاوَى مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَيَكْمُلُ الْبَيَانُ فِي ذَلِكَ بِمَسْأَلَتَيْنِ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) تُسْمَعُ الدَّعَاوَى عِنْدَنَا فِي النِّكَاحِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ تَزَوَّجْتهَا بِوَلِيٍّ وَبِرِضَاهَا بَلْ يَقُولُ هِيَ زَوْجَتِي فَيَكْفِيهِ، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا تُسْمَعُ حَتَّى يَقُولَ بِوَلِيٍّ وَبِرِضَاهَا وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ بِخِلَافِ دَعْوَى الْمَالِ وَغَيْرِهِ لَنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْبَيْعِ وَالرِّدَّةِ وَالْعِدَّةِ فَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لَهُمَا فَكَذَلِكَ غَيْرُهُمَا، وَلِأَنَّ ظَاهِرَ عُقُودِ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ أَنَّ النِّكَاحَ خَطَرٌ، وَالْوَطْءُ لَا يُسْتَدْرَكُ فَأَشْبَهَ الْقَتْلَ (الثَّانِي) أَنَّ النِّكَاحَ لَمَّا اخْتَصَّ بِشُرُوطٍ زَائِدَةٍ عَلَى الْبَيْعِ مِنْ الصَّدَاقِ وَغَيْرِهِ خَالَفَتْ دَعْوَاهُ الدَّعَاوَى قِيَاسًا لِلدَّعْوَى عَلَى الْمُدَّعَى بِهِ. (الثَّالِثُ) أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ جَمِيعِ الْعُقُودِ يَدْخُلُهُ الْبَدَلُ وَالْإِبَاحَةُ بِخِلَافِهِ فَكَانَ خَطَرًا فَيُحْتَاطُ فِيهِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ غَالِبَ دَعْوَى الْمُسْلِمِ الصِّحَّةُ فَالِاسْتِدْرَاكُ حِينَئِذٍ نَادِرٌ لَا عِبْرَةَ بِهِ. وَالْقَتْلُ خَطَرُهُ أَعَدُّ مِنْ حُرْمَةِ النِّكَاحِ، وَالنَّادِرُ وَهُوَ الْفَرْقُ الْمَانِعُ مِنْ الْقِيَاسِ. (وَعَنْ الثَّانِي) أَنَّ دَعْوَى الشَّيْءِ يَتَنَاوَلُ شُرُوطَهُ بِدَلِيلِ الْبَيْعِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الشُّرُوطِ كَالْبَيْعِ لَهُ شُرُوطٌ لَا تُشْتَرَطُ فِي دَعْوَاهُ (وَعَنْ الثَّالِثِ) أَنَّ الرِّدَّةَ وَالْعِدَّةَ لَا يَدْخُلُهُمَا الْبَدَلُ، وَيَكْفِي الْإِطْلَاقُ فِيهِمَا. [الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الدَّعَاوَى ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي بَيَانِ قَوْلِي لَا تُكَذِّبُهَا الْعَادَةُ وَالدَّعَاوَى ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: (قِسْمٌ) تُصَدِّقُهُ الْعَادَةُ كَدَعْوَى الْقَرِيبِ الْوَدِيعَةَ (وَقِسْمٌ) تُكَذِّبُهُ الْعَادَةُ كَدَعْوَى الْحَاضِرِ الْأَجْنَبِيِّ مِلْكَ دَارٍ فِي يَدِ زَيْدٍ، وَهُوَ حَاضِرٌ يَرَاهُ يَهْدِمُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَالَمِ فَلَا يَتَفَرَّغُونَ، وَهُمْ عَلَى حَالَتِهِمْ مُشْرِفُونَ عَلَى الْمَوْتِ إلَى صِنَاعَتِهِمْ، وَأَشْغَالِهِمْ، وَالشَّرْعُ لَا يَرْضَى بِمِثْلِهِ قَطْعًا فَنُبِيحُ لِكُلِّ غَنِيٍّ مِنْ مَالِهِ مِقْدَارَ كِفَايَتِهِ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا اقْتِصَارٍ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ، وَنُبِيحُ لِكُلِّ مُقَتِّرٍ فِي مَالِ مَنْ فَضَلَ مِنْهُ هَذَا الْقَدْرَ مِثْلَهُ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَاعِدَةٌ، وَهُوَ أَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ إذَا اُضْطُرَّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ أَوْ إلَى مَيْتَةٍ يُبَاحُ لَهُ مِقْدَارُ الِاسْتِقْلَالِ مُحَافَظَةً عَلَى الرُّوحِ فَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الْأَرْوَاحِ أَوْلَى وَأَحَقُّ اهـ. قَالَ الْعَطَّارُ. وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ، وَقَدْ وَقَعَ أَيْ هَذَا حَصَلَ فِي عَصْرِهِ، وَأَمَّا الْعَصْرُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ الْآنَ فَالْحَالُ أَقْوَى وَأَشَدُّ نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ وَالسَّلَامَةَ فَالتَّمَسُّكُ بِمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِيهِ أَحْرَى سِيَّمَا وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي كِتَابِهِ تَوْشِيحُ التَّرْشِيحِ كَلَامًا يَقْرُبُ مِمَّا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ حَيْثُ نَقَلَ عَنْ وَالِدِهِ الْإِمَامِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي ذِكْرِ الْمَسَائِلِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا، وَاسْتَخْرَجَهَا قَالَ: مَنْ جَاءَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ، وَهُوَ غَيْرُ مُشْرِفٍ، وَلَا سَائِلٍ يَأْخُذُهُ حَرَامًا كَانَ أَمْ حَلَالًا ثُمَّ إنْ كَانَ حَلَالًا لَا تَبِعَةَ فِيهِ تَمَوَّلَهُ، وَإِلَّا رَدَّهُ فِي مَرَدِّهِ إنْ عَرَفَ مُسْتَحِقَّهُ، وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمَالِ الضَّائِعِ قَالَ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا أَتَاك مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ، وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَإِلَّا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ» قَالَ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا مَا يَدْفَعُ مَا نَقُولُهُ لِأَنَّا عَلَى الْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْنِ خُصُوصَ ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي دَفَعَهُ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَعَمُّ مِنْهُ مِنْ كُلِّ حَلَالٍ أَوْ الْأَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ كُلِّ مَالٍ قَالَ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ الْمُتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ اهـ. الْمُرَادُ، وَفِي حَاشِيَةِ كنون عَلَى عبق وَبَنَان أَوَّلَ بَابِ الْبُيُوعِ قَالَ الْقَلْشَانِيُّ اُخْتُلِفَ فِي تَعْرِيفِ الْحَلَالِ فَقِيلَ هُوَ مَا لَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ حَرَامٌ، وَقِيلَ مَا عُرِفَ أَصْلُهُ، وَالْأَوَّلُ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ وَعِنْدِي فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنَّ مَنْ أَخَذَ قَدْرَ الضَّرُورَةِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ، وَلَا زِيَادَةٍ عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لَمْ يَأْكُلْ حَرَامًا، وَلَا شُبْهَةً، وَقَدْ قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا حَرَامًا لَمَا كَانَ لَك بُدٌّ مِنْ الْعَيْشِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَمَالِ الْغَيْرِ لِلْمُضْطَرِّ فَمَا ظَنُّك بِمَا ظَاهِرُهُ الْإِبَاحَةُ هَذَا مِمَّا لَا يَكَادُ يُخْتَلَفُ فِيهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُطْلَبُ الْأَشْبَهُ فَالْأَشْبَهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ اهـ. وَمُرَادُهُ بِبَعْضِ الْأَئِمَّةِ الْفَاكِهَانِيِّ كَمَا فِي ابْنِ نَاجِي اهـ. الْمُرَادُ وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ فَانْظُرْهُ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فِي كَلَامِ الْغَزَالِيِّ، وَهُوَ مَا شَهِدَ الشَّرْعُ بِبُطْلَانِهِ فَهُوَ الْغَرِيبُ لِبُعْدِهِ عَنْ الِاعْتِبَارِ كَمَا فِي الْمَحَلِّيّ، وَإِلَى تَمْثِيلِ الْغَزَالِيِّ لَهُ بِقَوْلِهِ كَنَفْيِ الصَّوْمِ إلَخْ يُشِيرُ إلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ فِي كِتَابِهِ الِاعْتِصَامِ حَكَى ابْنُ بَشْكُوَالَ أَنَّ الْحَكَمَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَرْسَلَ فِي الْفُقَهَاءِ، وَشَاوَرَهُمْ فِي مَسْأَلَةٍ نَزَلَتْ بِهِ فَذَكَرَ لَهُمْ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ

[الفرق بين قاعدة المدعي وقاعدة المدعى عليه]

وَيَبْنِي، وَيُؤَاجِرُ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ مِنْ غَيْرِ وَازِعٍ يَزَعُهُ عَنْ الطَّلَبِ مِنْ رَهْبَةٍ أَوْ رَغْبَةٍ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِظُهُورِ كَذِبِهَا، وَالسَّمَاعُ إنَّمَا هُوَ لِتَوَقُّعِ الصِّدْقِ فَإِذَا تَبَيَّنَ الْكَذِبُ عَادَةً امْتَنَعَ تَوَقُّعُ الصِّدْقِ. (وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا لَمْ تَقْضِ الْعَادَةُ بِصِدْقِهَا، وَلَا بِكَذِبِهَا كَدَعْوَى الْمُعَامَلَةِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا الْخُلْطَةُ، وَبَيَانُ الْخُلْطَةِ يَكُونُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَيَانِ قَاعِدَةِ مَنْ يَحْلِفُ، وَمَنْ لَا يَحْلِفُ، وَأَمَّا مَا تُكَذِّبُهُ الْعَادَةُ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْأَجَانِبِ سِنِينَ، وَلَمْ يُحَدُّ بِالْعَشَرَةِ. وَقَالَ رَبِيعَةُ عَشْرَ سِنِينَ تَقْطَعُ الدَّعْوَى لِلْحَاضِرِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَكْرَى أَوْ أَسْكَنَ أَوْ أَعَارَ، وَلَا حِيَازَةَ عَلَى غَائِبٍ، وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ حَازَ شَيْئًا عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ لَهُ» ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199] فَكُلُّ شَيْءٍ يُكَذِّبُهُ الْعُرْفُ وَجَبَ أَنْ لَا يُؤْمَرَ بِهِ بَلْ يُؤْمَرُ بِالْمِلْكِ لِحَائِزِهِ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْحِيَازَةُ مِنْ الثَّمَانِيَةِ إلَى الْعَشَرَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ مَنْ قَامَتْ بِيَدِهِ دَارٌ سِنِينَ يَكْرِي، وَيَهْدِمُ وَيَبْنِي فَأَقَمْت بَيِّنَةً أَنَّهَا لَك أَوْ لِأَبِيك أَوْ لِجَدِّك وَثَبَتَتْ الْمَوَارِيثُ، وَأَنْتَ حَاضِرٌ تَرَاهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَلَا حُجَّةَ لَك فَإِنْ كُنْت غَائِبًا أَفَادَك إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَالرَّقِيقِ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ إذَا ادَّعَى بِأُجْرَةٍ مِنْ سِنِينَ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ إنْ كَانَ حَاضِرًا، وَلَا مَانِعَ لَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى بِثَمَنِ سِلْعَةٍ مِنْ زَمَنٍ قَدِيمٍ، وَلَا مَانِعَ مِنْ طَلَبِهِ، وَعَادَتُهَا تُبَاعُ بِالنَّقْدِ، وَشَهِدَتْ الْعَادَةُ أَنَّ هَذَا الثَّمَنَ لَا يَتَأَخَّرُ، وَأَمَّا فِي الْأَقَارِبِ فَقَالَ مَالِكٌ الْحِيَازَةِ الْمُكَذِّبَةُ لِلدَّعْوَى فِي الْعَقَارِ نَحْوُ الْخَمْسِينَ سَنَةً لِأَنَّ الْأَقَارِبَ يَتَسَامَحُونَ لِبِرِّ الْقَرَابَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْأَجَانِبِ أَمَّا لِدُونِ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الطُّولِ فَلَا تَكُونُ الدَّعْوَى كَاذِبَةً، وَخَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَسَمِعَ الدَّعْوَى فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ لَنَا النُّصُوصُ الْمُتَقَدِّمَةُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُدَّعِي وَقَاعِدَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ] (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُدَّعِي وَقَاعِدَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) فَإِنَّهُمَا يَلْتَبِسَانِ فَلَيْسَ كُلُّ طَالِبٍ مُدَّعِيًا، وَلَيْسَ كُلُّ مَطْلُوبٍ مِنْهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَلِأَجْلِ ذَلِكَ وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِيهِمَا فِي عِدَّةِ مَسَائِلَ، وَالْبَحْثُ فِي هَذَا الْفَرْقِ بَحْثٌ عَنْ تَحْقِيقِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» مَنْ هُوَ الْمُدَّعِي الَّذِي عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَمَنْ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّذِي يَحْلِفُ فَضَابِطُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهِ عِبَارَتَانِ لِلْأَصْحَابِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ أَبْعَدُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ سَبَبًا، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَمَدَ إلَى إحْدَى كَرَائِمِهِ أَيْ عَقَائِلِ نِسَائِهِ الْحَرَائِرِ وَوَطِئَهَا فِي رَمَضَانَ فَأَفْتَوْا بِالْإِطْعَامِ وَإِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ سَاكِنٌ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَا يَقُولُ الشَّيْخُ فِي فَتْوَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُ لَا أَقُولُ بِقَوْلِهِمْ، وَأَقُولُ بِالصِّيَامِ فَقِيلَ لَهُ أَلَيْسَ مَذْهَبُ مَالِكٍ الْإِطْعَامَ فَقَالَ لَهُمْ تَحْفَظُونَ مَذْهَبَهُ إلَّا أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُصَانَعَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إنَّمَا أَمَرَ مَالِكٌ بِالْإِطْعَامِ لِمَنْ لَهُ مَالٌ، وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَا مَالَ لَهُ إنَّمَا هُوَ بَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَأَخَذَ بِقَوْلِهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَشَكَرَ لَهُ عَلَيْهِ اهـ وَهُوَ صَحِيحٌ اهـ. أَيْ لِأَنَّ إفْتَاءَهُ بِغَيْرِ الصَّوْمِ مَعَ ذَلِكَ مِمَّا شَهِدَ الشَّرْعُ بِبُطْلَانِهِ كَمَا أَنَّ إفْتَاءَهُ بِالصَّوْمِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ يَرْتَدِعُ بِهِ إذْ يَسْهُلُ بَذْلُ الْمَالِ فِي شَهْوَةِ الْفَرْجِ كَذَلِكَ مِمَّا شَهِدَ الشَّرْعُ بِبُطْلَانِهِ كَمَا فِي الْمَحَلِّيّ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ أَيْضًا حَكَى ابْنُ بَشْكُوَالَ أَنَّهُ اتَّفَقَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ مِثْلُ هَذَا فِي رَمَضَانَ فَسَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ تَوْبَتِهِ مِنْ ذَلِكَ وَكَفَّارَتِهِ فَقَالَ يَحْيَى أَيْ ابْنُ يَحْيَى الْمَغْرِبِيُّ الْأَنْدَلُسِيُّ تَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، وَلَمَّا سُئِلَ عَنْ حِكْمَةِ مُخَالَفَتِهِ لِإِمَامِ مَذْهَبِهِ الْإِمَامِ مَالِكٍ، وَهُوَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ فَقَالَ لَوْ فَتَحْنَا لَهُ هَذَا الْبَابَ سَهُلَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَ كُلَّ يَوْمٍ، وَيُعْتِقَ فَحَمَلْته عَلَى أَصْعَبِ الْأُمُورِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّوْمُ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ فَإِنْ صَحَّ هَذَا عَنْ يَحْيَى - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَكَانَ كَلَامُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ كَانَ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ اهـ. نَعَمْ قَالَ الْقَرَافِيُّ إفْتَاءُ يَحْيَى لَهُ بِالصَّوْمِ هُوَ الْأَوْفَقُ بِكَوْنِ مَشْرُوعِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ لِلزَّجْرِ، وَلَمْ يُفْتِهِ يَحْيَى عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ اهـ. أَيْ حَتَّى يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ فَاحْتُفِظَ عَلَى هَذَا التَّحْقِيقِ. (التَّنْبِيهُ الثَّانِي) نَظَمَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الرِّيَاحِيُّ التُّونُسِيُّ نَظَائِرَ الصَّلَاةِ الَّتِي تَفْسُدُ عَلَى الْإِمَامِ دُونَ الْمَأْمُومِ بِقَوْلِهِ: وَأَيُّ صَلَاةٍ لِلْإِمَامِ فَسَادُهَا ... تَبَيَّنَ فَالْمَأْمُومُ فِي ذَاكَ تَابِعُ سِوَى عِدَّةٍ سَاوَتْ كَوَاكِبَ يُوسُفَ ... وَهَا أَنَا مُبْدِيهَا إلَيْك وَجَامِعُ فَفِي حَدَثٍ يُنْسِي الْإِمَامَ وَسَبْقِهِ ... وَقَهْقَهَةٍ وَالْخَوْفِ فِي الْعَدِّ رَابِعُ وَإِعْلَامُ مَأْمُومٍ يَفُوزُ إمَامُهُ ... بِتَنْجِيسِهِ وَالْبَعْضُ فِيهِ مُنَازِعُ وَقَطْعُ إمَامٍ حِينَ كَشْفٍ لِعَوْرَةٍ ... عَلَى مَا لِسَحْنُونٍ وَقَدْ قِيلَ وَاسِعُ وَمُسْتَخْلِفٌ لَفْظًا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ ... لِأَجْلِ رُعَافٍ وَهِيَ فِي الْعَدِّ سَابِعُ وَمُسْتَخْلَفٌ بِالْفَتْحِ لَمْ يَنْوِ ثُمَّ مَنْ ... بِتَسْلِيمِهِ فَاتَ التَّدَارُكُ تَابِعُ وَتَارِكٌ قِبْلِيَّ الثَّلَاثِ وَطَالَ إنْ ... هُمُو فَعَلُوا لَكِنْ بِهِ الْخُلْفُ وَاقِعُ وَمُنْحَرِفٌ لَا يُسْتَجَازُ انْحِرَافُهُ ... وَهَذَا غَرِيبٌ بِالتَّمْتَمَةِ طَالِعُ وَذَا فِي صَلَاةٍ مَا الْجَمَاعَةُ شَرَطَهَا ... وَإِلَّا فَبُطْلَانٌ عَلَى الْكُلِّ شَائِعُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الفرق بين قاعدة ما يشترط فيه اجتماع الشروط والأسباب وانتفاء الموانع وقاعدة ما لا يشترط فيه مقارنة شروطه وأسبابه وانتفاء موانعه]

هُوَ أَقْرَبُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ سَبَبًا، وَالْعِبَارَةُ الثَّانِيَةُ، وَهِيَ تُوَضِّحُ الْأُولَى الْمُدَّعِي مَنْ كَانَ قَوْلُهُ عَلَى خِلَافِ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ كَانَ قَوْلُهُ عَلَى وَفْقِ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ، وَبَيَانُ ذَلِكَ بِالْمِثْلِ أَنَّ الْيَتِيمَ إذَا بَلَغَ، وَطَلَبَ الْوَصِيَّ بِمَا لَهُ تَحْتَ يَدِهِ فَقَالَ أَوْصَلْتُك فَإِنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَالْوَصِيُّ الْمَطْلُوبُ مُدَّعٍ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ الْأَوْصِيَاءَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى الْيَتَامَى إذَا دَفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَلَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَى الدَّفْعِ بَلْ عَلَى التَّصَرُّفِ وَالْإِنْفَاقِ خَاصَّةً، وَإِذَا لَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ الدَّفْعِ، وَهُوَ يُعَضِّدُ الْيَتِيمَ، وَيُخَالِفُ الْوَصِيَّ فَهَذَا طَالِبٌ، وَالْيَمِينُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَالْوَصِيُّ مَطْلُوبٌ، وَهُوَ مُدَّعٍ، وَكَذَلِكَ طَالِبُ الْوَدِيعَةِ الَّتِي سَلَّمَهَا لِلْمُودِعِ عِنْدَ بَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْ الْمُودَعَ عِنْدَهُ لَمَّا أَشْهَدَ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ مَعَ بَيِّنَةٍ، وَإِنْ كَانَ طَالِبًا لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِ الْمُودَعِ عِنْدَهُ لَمَّا قَبَضَ بِبَيِّنَةِ أَنَّهُ لَا يُعْطِي إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَالْأَصْلُ أَيْضًا عَدَمُ الدَّفْعِ فَاجْتَمَعَ الْأَصْلُ وَالْغَالِبُ، وَهُمَا يُعَضِّدَانِ صَاحِبَ الْوَدِيعَةِ، وَيُخَالِفَانِ الْقَابِضَ لَهَا، وَكَذَلِكَ الْقِرَاضُ إذَا قُبِضَ بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ قُبِضَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ الْقِرَاضُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ وَالْمُودَعِ عِنْدَهُ لِأَنَّ يَدَهُمَا يَدُ أَمَانَةٍ صِرْفَةً، وَالْأَمِينُ مُصَدَّقٌ، وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ يَكُونُ الطَّالِبُ فِيهَا مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَيَعْتَمِدُ أَبَدًا التَّرْجِيحُ بِالْعَوَائِدِ وَظَوَاهِرِ الْأَحْوَالِ وَالْقَرَائِنِ فَيَحْصُلُ لَك مِنْ هَذَا النَّوْعِ مَا لَا يَنْحَصِرُ عَدَدُهُ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ إذَا تَدَاعَى بَزَّازٌ وَدَبَّاغٌ جِلْدًا كَانَ الدَّبَّاغُ مُدَّعًى عَلَيْهِ أَوْ قَاضٍ وَجُنْدِيٌّ رُمْحًا كَانَ الْجُنْدِيُّ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الزَّوْجَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ أَنْ يَقُولَ قَوْلُ الرَّجُلِ فِيمَا يُشْبِهُ قُمَاشَ الرِّجَالِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِيمَا يُشْبِهُ قُمَاشَ النِّسَاءِ، وَإِذَا تَنَازَعَ عَطَّارٌ وَصَبَّاغٌ فِي مِسْكٍ وَصِبْغٍ قُدِّمَ الْعَطَّارُ فِي الْمِسْكِ وَالصَّبَّاغُ فِي الصِّبْغِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَالْخِلَافُ فِيهَا مَعَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَذَلِكَ خَالَفَنَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ كُلِّهَا، وَحُجَّتُنَا النُّصُوصُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَأَمَّا الْأَصْلُ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ ظَاهِرٍ وَلَا عُرْفٍ فَمَنْ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ دَيْنًا أَوْ غَصْبًا أَوْ جِنَايَةً وَنَحْوَهَا فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ يُعَضِّدُهُ، وَيُخَالِفُ الطَّالِبَ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الظَّوَاهِرِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَظَهَرَ لَك بِهَذَا قَوْلُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ أَضْعَفُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ سَبَبًا، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ سَبَبًا. (تَنْبِيهٌ) مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الظَّوَاهِرِ يَنْتَقِضُ بِمَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ مِنْ أَنَّ الصَّالِحَ التَّقِيَّ الْكَبِيرَ الْعَظِيمَ الْمَنْزِلَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الفرق بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ اجْتِمَاعُ الشُّرُوطِ وَالْأَسْبَابِ وَانْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مُقَارَنَة شُرُوطهِ وَأَسْبَابهِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ] (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ اجْتِمَاعُ الشُّرُوطِ وَالْأَسْبَابِ وَانْتِفَاءُ الْمَوَانِعِ وَقَاعِدَةُ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مُقَارَنَةُ شُرُوطِهِ وَأَسْبَابِهِ وَانْتِفَاءُ مَوَانِعِهِ) وَهُوَ أَنَّ مَا كَانَ سَبَبًا فِي مُعَامَلَةٍ يُشْتَرَطُ حَالَ وُقُوعِهِ مُقَارَنَةُ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِيمَا يَنْشَأُ مِنْهُ مِنْ اجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ وَالْأَسْبَابِ وَانْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ، وَمَا كَانَ دَلِيلُ تَقَدُّمِ سَبَبٍ لِمُعَامَلَةٍ لَا يُشْتَرَطُ حَالَ وُقُوعِهِ مُقَارَنَةُ شُرُوطِ ذَلِكَ الْمُسَبِّبِ وَأَسْبَابِهِ وَانْتِفَاءُ مَوَانِعِهِ (وَالْأَوَّلُ) هُوَ الْإِنْشَاءَاتُ كُلُّهَا كَالْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَاتِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ فَشَأْنُ الْإِنْشَاءَاتِ كُلِّهَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي جَمِيعِ مَا يَنْشَأُ مِنْهَا مُقَارَنَةُ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِيهِ حَالَةَ الْإِنْشَاءِ. (وَالثَّانِي) هُوَ الْإِقْرَارَاتُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا حُضُورُ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي الْمُقَرِّ بِهِ حَالَةَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ الْمُقَرِّ بِهِ بَلْ هُوَ دَلِيلُ تَقَدُّمِ السَّبَبِ لِاسْتِحْقَاقِهِ فِي زَمَنٍ سَابِقٍ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ مَعَ مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِيهِ قَدْ تَقَدَّمَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ الشَّرْعِيِّ فَمَنْ قَالَ هُوَ يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ دِينَارًا مِنْ ثَمَنِ دَابَّةٍ حَمَلْنَا هَذَا الْإِقْرَارَ عَلَى تَقَدُّمِ بَيْعٍ صَحِيحٍ عَلَى الْأَوْضَاعِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَاتٍ تَقْبَلُ الْبَيْعَ لَا خَمْرٍ وَلَا خِنْزِيرٍ عَلَى مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ، وَعَلَى مُقْتَضَى هَذَا الْفَرْقِ تَتَفَرَّعُ مَسْأَلَتَانِ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إذَا بَاعَهُ بِدِينَارٍ، وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةُ السِّكَّةِ تَعَيَّنَ الْغَالِبُ مِنْهَا هُنَا لِأَنَّ التَّصَرُّفَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِدِينَارٍ فِي بَلَدٍ، وَفِيهَا نَقْدٌ غَالِبٌ لَا يَتَعَيَّنُ الْغَالِبُ بَلْ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ فِي إقْرَارِهِ بِأَيِّ سِكَّةٍ ذَلِكَ الدِّينَارُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ دَلِيلٌ عَلَى تَقَدَّمَ السَّبَبُ لِاسْتِحْقَاقِ الدِّينَارِ فَلَعَلَّ السَّبَبَ وَاقِعٌ فِي بَلَدٍ آخَرَ فِي زَمَانٍ مُتَقَدِّمٍ تَقَدُّمًا كَثِيرًا، وَالْغَالِبُ حِينَئِذٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَفِي ذَلِكَ الْبَلَدِ سِكَّةُ غَيْرِ هَذَا الْغَالِبِ الْمُتَجَدِّدِ نَاسِخًا لِذَلِكَ الْغَالِبِ الْوَاقِعِ قَبْلَهُ، وَالِاسْتِحْقَاقُ يَتْبَعُ زَمَنَ وُقُوعِ السَّبَبِ لَا زَمَنَ الْإِقْرَارِ بِهِ، وَهَكَذَا جَمِيعُ النَّظَائِرِ الَّتِي تَكُونُ الشُّرُوطُ فِيهَا فَائِتَةً حَالَةَ الْإِقْرَارِ، وَيُمْكِنُ اعْتِبَارُهَا فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي الَّذِي هُوَ زَمَنُ وُقُوعِ السَّبَبِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ الْمَجْنُونُ الْآنَ

[الفرق بين قاعدة ما يحتاج للدعوى وبين قاعدة ما لا يحتاج إليها]

وَالشَّأْنِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ بَلْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَوْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَوْ ادَّعَى عَلَى أَفْسَقِ النَّاسِ وَأَدْنَاهُمْ دِرْهَمًا لَا يُصَدَّقُ فِيهِ، وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَهُوَ مُدَّعٍ، وَالْمَطْلُوبُ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَعَكْسُهُ لَوْ ادَّعَى الطَّالِحُ عَلَى الصَّالِحِ لَكَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَبِهَذَا يَحْتَجُّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْنَا، وَيُجِيبُ عَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ بِذَلِكَ، وَكَمَا أَنَّ هَذِهِ الصُّوَرَ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ فَهُوَ نَقْضٌ عَلَى قَوْلِنَا الْمُدَّعِي مَنْ خَالَفَ قَوْلَهُ أَصْلًا أَوْ عُرْفًا، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ أَصْلًا أَوْ عُرْفًا فَإِنَّ الْعُرْفَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ شَاهِدٌ، وَكَذَلِكَ الظَّاهِرُ، وَقَدْ أُلْغِيَا إجْمَاعًا فَكَانَ ذَلِكَ مُبْطِلًا لِلْحُدُودِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَنَقْصًا عَلَى الْمَذْهَبِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ (تَنْبِيهٌ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ إذَا تَعَارَضَا الْأَصْلُ وَالْغَالِبُ يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ اجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَصْلِ وَإِلْغَاءِ الْغَالِبِ فِي دَعْوَى الدِّينِ وَنَحْوِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ أَصْلَحَ النَّاسِ وَأَتْقَاهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَمِنْ الْغَالِبِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَدَّعِيَ إلَّا مَالَهُ فَهَذَا الْغَالِبُ مُلْغًى إجْمَاعًا، وَاتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى تَقْدِيمِ الْغَالِبِ وَإِلْغَاءِ الْأَصْلِ فِي الْبَيِّنَةِ إذَا شَهِدَتْ فَإِنَّ الْغَالِبَ صِدْقُهَا، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَأُلْغِيَ الْأَصْلُ هُنَا إجْمَاعًا عَكْسُ الْأَوَّلِ فَلَيْسَ الْخِلَافُ عَلَى الْإِطْلَاقِ. (تَنْبِيهٌ) خُولِفَتْ قَاعِدَةُ الدَّعَاوَى فِي خَمْسِ مَوَاطِنَ يُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الطَّالِبِ (أَحَدُهَا) اللِّعَانُ يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الرَّجُلَ يَنْفِي عَنْ زَوْجِهِ الْفَوَاحِشَ فَحَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى رَمْيِهَا بِالْفَاحِشَةِ مَعَ إيمَانِهِ أَيْضًا قَدَّمَهُ الشَّرْعُ (وَثَانِيهَا) الْقَسَامَةُ يُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الطَّالِبِ لِتَرَجُّحِهِ بِاللَّوْثِ، وَ (ثَالِثُهَا) قَبُولُ قَوْلِ الْأُمَنَاءِ فِي التَّلَفِ لِئَلَّا يُزْهَدَ فِي قَبُولِ الْأَمَانَاتِ فَتَوَقَّفَ مَصَالِحُهَا الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى حِفْظِ الْأَمَانَاتِ (وَرَابِعُهَا) يَقْبَلُ قَوْلَ الْحَاكِمِ فِي التَّجْرِيحِ وَالتَّعْدِيلِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِئَلَّا تَفُوتَ الْمَصَالِحُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الْوِلَايَةِ لِلْأَحْكَامِ. (وَخَامِسُهَا) قَبُولُ قَوْلِ الْغَاصِبِ فِي التَّلَفِ مَعَ يَمِينِهِ لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ لِئَلَّا يَخْلُدَ فِي الْحَبْسِ ثُمَّ الْأَمِينُ قَدْ يَكُونُ أَمِينًا مِنْ جِهَةِ مُسْتَحَقِّ الْأَمَانَةِ أَوْ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ كَالْوَصِيِّ وَالْمُلْتَقِطِ، وَمَنْ أَلْقَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا فِي بَيْتِهِ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْتَاجُ لِلدَّعْوَى وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا] (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْتَاجُ لِلدَّعْوَى وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا) وَتَلْخِيصُ الْفَرْقِ أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ مُجْمَعٌ عَلَى ثُبُوتِهِ، وَتَعَيَّنَ الْحَقُّ فِيهِ، وَلَا يُؤَدِّي أَخْذُهُ لِفِتْنَةٍ، وَلَا تَشَاجُرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ سَكْرَانُ الْآنَ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ الْآنَ بِدِينَارٍ مِنْ ثَمَنِ بَيْعٍ قَبْلَ إقْرَارِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ وَقَعَ مِنْ الْمَجْنُونِ حَالَةَ عَقْلِهِ، وَمِنْ السَّكْرَانِ حَالَةَ صَحْوِهِ، وَمِنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ حَالَةَ إفَاقَتِهِ، وَأَنَّ شُرُوطَ الْبَيْعِ الْآنَ مَفْقُودَةٌ فِي حَقِّهِمْ، وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ ثَمَنَ بَيْعِ هَذِهِ الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ الْآنَ فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ، وَيُحْمَلُ عَلَى حَالَةٍ تَكُونُ فِيهِ هَذِهِ الدَّارُ طَلْقًا، وَأَمَّا النَّظَائِرُ الَّتِي تَتَعَذَّرُ فِيهَا الشُّرُوطُ فِي الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدِينَارٍ مِنْ ثَمَنِ هَذَا الْخِنْزِيرِ فَإِنَّ الْخِنْزِيرَ لَا يَكُونُ فِي الْمَاضِي غَيْرَ خِنْزِيرٍ فَيَبْطُلُ الْإِقْرَارُ فِي ذَلِكَ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا أَوْصَى لِجَنِينٍ أَوْ مَلَّكَهُ فَالشَّرْطُ الْمُقَارَنَةُ، وَإِذَا أَقَرَّ لَهُ فَالشَّرْطُ تَقَدُّمُ السَّبَبِ عَلَى الْإِقْرَارِ فَإِنْ حَصَلَ الشَّكُّ فِي تَقَدُّمِ الْجَنِينِ لَمْ يَلْزَمْ الْإِقْرَارُ لِأَنَّا شَكَكْنَا فِي الْمَحَلِّ الْقَابِلِ لِلْمِلْكِ، وَهُوَ شَرْطٌ، وَالشَّكُّ فِي الشَّرْطِ يَمْنَعُ تَرَتُّبَ الْمَشْرُوطِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفُرُوقِ أَفَادَهُ الْأَصْلُ، وَسَلَّمَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنِ الشَّاطِّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِقْرَارِ الَّذِي يَقْبَلُ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِقْرَارِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ عَنْهُ] (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِقْرَارِ الَّذِي يُقْبَلُ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِقْرَارِ الَّذِي لَا يُقْبَلُ الرُّجُوعُ عَنْهُ) وَهُوَ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ فِي الْإِقْرَارِ اللُّزُومَ مِنْ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الطَّبْعِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْإِقْرَارُ خَبَرٌ يُوجِبُ حُكْمَ صِدْقِهِ عَلَى قَائِلِهِ فَقَطْ بِلَفْظِهِ أَوْ لَفْظِ نَائِبِهِ لَكِنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْمُقِرِّ فِي الرُّجُوعِ عَنْهُ عُذْرٌ عَادِيٌّ، وَقَدْ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ انْقَسَمَ قِسْمَيْنِ: (الْأَوَّلُ) مَا لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَضَابِطُهُ مَا لَيْسَ لِلْمُقِرِّ فِي رُجُوعِهِ عَنْهُ عُذْرٌ عَادِيٌّ، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ إلَّا أَنَّ فِي نُفُوذِهِ تَفْصِيلًا أَشَارَ لَهُ ابْنُ عَاصِمٍ بِقَوْلِهِ: وَمَالِكٌ لِأَمْرِهِ أَقَرَّ فِي ... صِحَّتِهِ لِأَجْنَبِيٍّ اُقْتُفِيَ وَمَا لِوَارِثٍ فَفِيهِ اُخْتُلِفَا ... وَمَنْفَذٌ لَهُ لِتُهْمَةٍ نَفَى وَرَأْسُ مَتْرُوكِ الْمُقِرِّ أُلْزِمَا ... وَهُوَ بِهِ فِي فَلَسٍ كَالْغُرَمَا وَإِنْ يَكُنْ لِأَجْنَبِيٍّ فِي الْمَرَضْ ... غَيْرَ صَدِيقٍ فَهُوَ نَافِذُ الْغَرَضْ وَلِصَدِيقٍ أَوْ قَرِيبٍ لَا يَرِثْ ... يَبْطُلُ مِمَّنْ بِكَلَالَةٍ وَرِثْ وَقِيلَ بَلْ يَمْضِي بِكُلِّ حَالِ ... وَعِنْدَمَا يُؤْخَذُ بِالْإِبْطَالِ قِيلَ بِإِطْلَاقٍ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ ... يَمْضِي مِنْ الثُّلْثِ بِحُكْمٍ جَازِمِ

وَلَا فَسَادِ عَرْضٍ أَوْ عُضْوٍ فَيَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ لِلْحَاكِمِ فَمَنْ أَخَذَ عَيْنَ الْمَغْصُوبِ أَوْ وَجَدَ عَيْنَ سِلْعَتِهِ الَّتِي اشْتَرَاهَا أَوْ وَرِثَهَا، وَلَا يَخَافُ مِنْ أَخْذِهَا ضَرَرًا فَلَهُ أَخْذُهَا، وَمَا يَحْتَاجُ لِلْحَاكِمِ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ (النَّوْعُ الْأَوَّلُ) الْمُخْتَلَفُ فِيهِ هَلْ هُوَ ثَابِتٌ أَمْ لَا فَلَا بُدَّ مِنْ رَفْعٍ لِلْحَاكِمِ حَتَّى يَتَوَجَّهَ ثُبُوتُهُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَهَذَا النَّوْعُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ يَفْتَقِرُ إلَى الْحَاكِمِ فِي بَعْضِ مَسَائِلِهِ دُونَ بَعْضٍ كَاسْتِحْقَاقِ الْغُرَمَاءِ لِرَدِّ عِتْقِ الْمِدْيَانِ وَتَبَرُّعَاتِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُثْبِتُ لَهُمْ حَقًّا فِي ذَلِكَ وَمَالِكٌ يُثْبِتُهُ فَيَحْتَاجُ لِقَضَاءِ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ، وَقَدْ لَا يَفْتَقِرُ هَذَا النَّوْعُ لِلْحَاكِمِ كَمَنْ وُهِبَ لَهُ مَشَاعٌ فِي عَقَارٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ اشْتَرَى مَبِيعًا عَلَى الصِّفَةِ أَوْ أَسْلَمَ فِي حَيَوَانٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ الْمُعْتَقِدَ لِصِحَّةِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْأُمُورَ مِنْ غَيْرِ حَاكِمٍ، وَهُوَ كَثِيرٌ، وَالْمُفْتَقِرُ مِنْهُ لِلْحَاكِمِ قَلِيلٌ، وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَفْتَقِرُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَمَا لَا يَفْتَقِرُ عُسْرٌ. (النَّوْعُ الثَّانِي) مَا يَحْتَاجُ لِلِاجْتِهَادِ وَالتَّحْرِيرِ فَإِنَّهُ يَفْتَقِرُ لِلْحَاكِمِ كَتَقْوِيمِ الرَّقِيقِ فِي إعْتَاقِ الْبَعْضِ عَلَى الْمُعْتِقِ وَتَقْدِيرِ النَّفَقَاتِ لِلزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ، وَالطَّلَاقُ عَلَى الْمُولِي بِعَدَمِ الْفَيْئَةِ فَإِنَّ فِيهِ تَحْرِيرَ عَدَمِ فَيْئَتِهِ، وَالْمُعْسِرُ بِالنَّفَقَةِ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَمَنَعَهُ الْحَنَفِيَّةُ، وَلِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ لِتَحْرِيرِ إعْسَارِهِ وَتَقْدِيرِهِ، وَمَا مِقْدَارُ الْإِعْسَارِ الَّذِي يُطْلَقُ بِهِ فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَعِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُطْلَقُ بِالْعَجْزِ عَنْ أَصْلِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ اللَّتَانِ يُفْرَضَانِ بَلْ بِالْعَجْزِ عَنْ الضَّرُورِيِّ الْمُقِيمِ لِلْبَيِّنَةِ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَفْرِضُهُ ابْتِدَاءً. (النَّوْعُ الثَّالِثُ) مَا يُؤَدِّي أَخْذُهُ لِلْفِتْنَةِ كَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَالْأَعْضَاءِ يُرْفَعُ ذَلِكَ لِلْأَئِمَّةِ لِئَلَّا يَقَعَ لِسَبَبِ تَنَاوُلِهِ تَمَانُعٌ وَقَتْلٌ وَفِتْنَةٌ أَعْظَمُ مِنْ الْأُولَى، وَكَذَلِكَ التَّعْزِيرُ، وَفِيهِ أَيْضًا الْحَاجَةُ لِلِاجْتِهَادِ فِي مِقْدَارِهِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ فِي الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ. (النَّوْعُ الرَّابِعُ) مَا يُؤَدِّي إلَى فَسَادِ الْعِرْضِ وَسُوءِ الْعَاقِبَةِ كَمَنْ ظَفِرَ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ الْمُشْتَرَاةِ أَوْ الْمَوْرُوثَةِ لَكِنْ يَخَافُ مِنْ أَخْذِهَا أَنْ يُنْسَبَ إلَى السَّرِقَةِ فَلَا يَأْخُذُهَا بِنَفْسِهِ، وَيَرْفَعُهَا لِلْحَاكِمِ دَفْعًا لِهَذِهِ الْمَفْسَدَةِ. (النَّوْعُ الْخَامِسُ) مَا يُؤَدِّي إلَى خِيَانَةِ الْأَمَانَةِ إذَا أَوْدَعَ عِنْدَك مَنْ لَك عَلَيْهِ حَقٌّ، وَعَجَزْتَ عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ لِعَدَمِ اعْتِرَافِهِ أَوْ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَهَلْ لَك جَحْدُ وَدِيعَتِهِ إذَا كَانَتْ قَدْرَ حَقِّك مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» ، وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَخْ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْمَالِكَ لِأَمْرِهِ تَارَةً يُقِرُّ فِي صِحَّتِهِ، وَتَارَةً فِي مَرَضِهِ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ لَهُ وَارِثًا أَوْ أَجْنَبِيًّا اُنْظُرْ شُرُوحَ الْعَاصِمِيَّةِ (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) مَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ، وَضَابِطُهُ مَا لِلْمُقِرِّ عُذْرٌ عَادِيٌّ فِي رُجُوعِهِ عَنْهُ، وَمَثَّلَ لَهُ الْأَصْلُ بِثَلَاثِ مَسَائِلَ فَقَالَ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) إذَا أَقَرَّ الْوَارِثُ لِلْوَرَثَةِ أَنَّ مَا تَرَكَهُ أَبُوهُ مِيرَاثٌ بَيْنَهُمْ عَلَى مَا عُهِدَ فِي الشَّرِيعَةِ، وَمَا تُحْمَلُ عَلَيْهِ الدِّيَانَةُ ثُمَّ جَاءَ شُهُودٌ أَخْبَرُوهُ أَنَّ أَبَاهُ أَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فِي صِغَرِهِ بِهَذِهِ الدَّارِ، وَحَازَهَا لَهُ أَوْ أَنَّ وَالِدَهُ أَقَرَّ أَنَّهُ مَلَّكَهَا عَلَيْهِ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْ إقْرَارِهِ، وَأَنَّهُ كَانَ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ، وَمُقْتَضَى ظَاهِرِ الشَّرِيعَةِ، وَعُذْرُهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِمَا أَخْبَرَتْهُ الْبَيِّنَةُ بِهِ مِنْ أَنَّ التَّرِكَةَ كُلَّهَا مَوْرُوثَةٌ إلَّا هَذِهِ الدَّارَ الْمَشْهُودَ بِهَا لَهُ دُونَ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ عُذْرٌ عَادِيٌّ يُسْمَعُ مِثْلُهُ فَيُقِيمُ بَيِّنَتَهُ، وَلَا يَكُونُ إقْرَارُهُ السَّابِقُ مُكَذِّبًا لِلْبَيِّنَةِ وَقَادِحًا فِيهَا اهـ. وَسَلَّمَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنِ الشَّاطِّ، وَفِي شَرْحِ التَّسَوُّلِيِّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ مَا نَصُّهُ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَلَوِيُّ اعْتَمَدَ مَا لِلْقَرَافِيِّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَتَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ مِنْهُمْ أَبُو سَالِمٍ إبْرَاهِيمُ الْيَزَنَاسَنِيُّ اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ ضَعْفُ مَا فِي الْحَطَّابِ عَنْ سَحْنُونٍ مِنْ أَنَّ إقْرَارَهُ الْأَوَّلَ مُكَذِّبٌ لِلْبَيِّنَةِ فَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا نَقَلَهُ فِي بَابَيْ الْإِقْرَارِ وَالْقِسْمَةِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ أَفْتَى بِمِثْلِ مَا لِلْقَرَافِيِّ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُعْتَمَدُ مَا لِلْقَرَافِيِّ، وَبِهِ كُنْت أَفْتَيْت اُنْظُرْ شَرْحَنَا لِلشَّامِلِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ أَوَّلَ الِاسْتِحْقَاقِ اهـ. بِلَفْظِهِ، وَمَا مَرَّ أَوَّلَ الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ مَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الِاسْتِحْقَاقِ الْوُجُوبُ عِنْدَ تَيَسُّرِ أَسْبَابِهِ فِي الرَّبْعِ وَالْعَقَارِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ يَمِينِ مُسْتَحِقِّهِ، وَعَلَى يَمِينِهِ هُوَ مُبَاحٌ كَغَيْرِ الْعَقَارِ وَالرَّبْعِ لِأَنَّ الْحَلِفَ مَشَقَّةٌ اهـ. قَالَ وَمُرَادُ ابْنِ عَرَفَةَ إذَا لَمْ تَسْمَحْ نَفْسُهُ بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ حِينَئِذٍ مِنْ إطْعَامِ الْحَرَامِ لِغَيْرِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى مَنْعِهِ مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» . وَقَالَ «اُنْصُرْ أَخَاك وَإِنْ ظَالِمًا، وَنَصْرُهُ أَنْ تَمْنَعَهُ عَنْ ظُلْمِهِ» فَالْمُسْتَحِقُّ حِينَئِذٍ آثِمٌ بِعَدَمِ قِيَامِهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَالْمُسْتَحِقُّ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ، وَهَذَا عَامٌّ سَوَاءٌ كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ مِنْ ذِي الشُّبْهَةِ أَوْ مِنْ غَاصِبٍ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَ ذَا الشُّبْهَةِ بِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ، وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَسْمَحْ نَفْسُهُ بِهِ، وَيُطْلِعُهُ عَلَى بَيَانِ مِلْكِهِ لِلشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ، وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْهُ كَانَ قَدْ تَرَكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ آثِمًا بِذَلِكَ، وَهُوَ مَعْنَى وُجُوبِ قِيَامِهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ خِلَافًا لِمَا لِلشَّيْخِ الرَّهُونِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ وُجُوبُهُ بِالنِّسْبَةِ لِذِي

[الفرق بين قاعدة ما تجب إجابة الحاكم فيه إذا دعاه إليه وبين قاعدة ما لا تجب إجابته فيه]

لِهِنْدَ ابْنَةِ عُتْبَةَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ لَمَّا شَكَتْ إلَيْهِ أَنَّهُ بَخِيلٌ لَا يُعْطِيهَا وَوَلَدَهَا مَا يَكْفِيهِمَا فَقَالَ لَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خُذِي لَك وَلِوَلَدِك مَا يَكْفِيك بِالْمَعْرُوفِ» ، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ هَلْ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فُتْيَا فَيَصِحُّ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَوْ قَضَاءٌ فَيَصِحُّ مَا قَالَهُ مَالِكٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ ظَفَرِك بِجِنْسِ حَقِّك فَلَكَ أَخْذُهُ أَوْ غَيْرُ جِنْسِهِ فَلَيْسَ لَك أَخْذُهُ فَهَذَا تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ. (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْيَدِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمُرَجِّحَةِ لِقَوْلِ صَاحِبِهَا، وَقَاعِدَةِ الْيَدِ الَّتِي لَا تُعْتَبَرُ) اعْلَمْ أَنَّ الْيَدَ إنَّمَا تَكُونُ مُرَجِّحَةً إذَا جُهِلَ أَصْلُهَا أَوْ عُلِمَ أَصْلُهَا بِحَقٍّ أَمَّا إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَوْ عَلِمْنَا نَحْنُ ذَلِكَ أَنَّهَا بِغَصْبٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الطُّرُقِ الْمُقْتَضِيَةِ وَضْعَ الْيَدِ مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ مُرَجِّحَةً أَلْبَتَّةَ. (تَنْبِيهٌ) الْيَدُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُرْبِ وَالِاتِّصَالِ، وَأَعْظَمُهَا ثِيَابُ الْإِنْسَانِ الَّتِي عَلَيْهِ وَنَعْلُهُ وَمِنْطَقَتُهُ، وَيَلِيهِ الْبِسَاطُ الَّذِي هُوَ جَالِسٌ عَلَيْهِ، وَالدَّابَّةُ الَّتِي هُوَ رَاكِبُهَا، وَيَلِيهِ الدَّابَّةُ الَّتِي هُوَ سَائِقُهَا أَوْ قَائِدُهَا، وَيَلِيهِ الدَّارُ الَّتِي هُوَ سَاكِنُهَا فَهِيَ دُونَ الدَّابَّةِ لِعَدَمِ اسْتِيلَائِهِ عَلَى جَمِيعِهَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَتُقَدَّمُ أَقْوَى الْيَدَيْنِ عَلَى أَضْعَفِهِمَا فَلَوْ تَنَازَعَ السَّاكِنَانِ الدَّارَ سَوَّى بَيْنَهُمَا بَعْدَ إيمَانِهِمَا، وَيُقَدَّمُ رَاكِبُ الدَّابَّةِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى السَّائِقِ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ إذَا ادَّعَيَاهَا فِي يَدِ ثَالِثٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَجَرْته إيَّاهَا، وَقَالَ الْآخَرُ: أَوْدَعْته إيَّاهَا صُدِّقَ مَنْ عُلِمَ سَبْقَ كِرَائِهِ أَوْ إيدَاعِهِ، وَيُسْتَصْحَبُ الْحَالُ لَهُ وَالْمِلْكُ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ لِلْآخَرِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِحِيَازَةٍ عَنْ الْأَوَّلِ وَحُضُورِهِ، وَلَمْ يُنْكِرْ فَيُقْضَى لَهُ فَإِنْ جُهِلَ السَّبْقُ قُسِّمَتْ بَيْنَهُمَا قَالَ أَشْهَبُ فَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا بِغَصْبِ الثَّالِثِ مِنْهُ، وَبَيِّنَةُ الْآخَرِ أَنَّ الثَّالِثَ أَقَرَّ لَهُ بِالْإِيدَاعِ قَضَى لِصَاحِبِ الْغَصْبِ لِتَضْمِينِ بَيِّنَةِ الْيَدِ السَّابِقَةِ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: لَوْ كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ، وَفِي يَدِ عَبْدٍ لِأَحَدِهِمَا فَادَّعَاهَا الثَّلَاثَةُ قُسِّمَتْ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا إنْ كَانَ الْعَبْدُ تَاجِرًا، وَإِلَّا فَنِصْفَيْنِ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِ مَوْلَاهُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَجِبُ إجَابَةُ الْحَاكِمِ فِيهِ إذَا دَعَاهُ إلَيْهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا تَجِبُ إجَابَتُهُ فِيهِ] (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَجِبُ إجَابَةُ الْحَاكِمِ فِيهِ إذَا دَعَاهُ إلَيْهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا تَجِبُ إجَابَتُهُ فِيهِ) إنْ ادَّعَى مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَمَا دُونَهَا وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ لِأَنَّهُ لَا تَتِمُّ مَصَالِحُ الْأَحْكَامِ، وَإِنْصَافُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالشُّبْهَةِ اهـ انْتَهَى الْمُرَادُ بِلَفْظِهِ وَقَالَ الْأَصْلُ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي الْجَوَاهِرِ إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إنْ حَلَفَ أَوْ إذَا حَلَفَ أَوْ مَتَى حَلَفَ أَوْ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ مَعَ يَمِينِهِ أَوْ بَعْدَ يَمِينِهِ فَحَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ فَنَكَلَ الْمُقِرُّ، وَقَالَ مَا ظَنَنْت أَنَّهُ يَحْلِفُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ هَذَا الِاشْتِرَاطَ يَقْتَضِي عَدَمَ اعْتِقَادِ لُزُومِ مَا أَقَرَّ لَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ إنْ حَلَفَ أَوْ دَعَاهَا أَوْ مَهْمَا حَلَفَ بِالْعِتْقِ أَوْ إنْ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ أَوْ إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَهُ أَوْ إنْ أَعَارَنِي دَارِهِ فَأَعَارَهُ أَوْ إنْ شَهِدَ عَلَيَّ بِهَا فُلَانٌ فَشَهِدَ عَلَيْهِ بِهَا لَا يَلْزَمُهُ فِي هَذَا كُلِّهِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِإِقْرَارِهِ فَإِنْ قَالَ إنْ حَكَمَ بِهَا عَلَى فُلَانٍ فَحَكَمَ بِهَا عَلَيْهِ لَزِمَتْهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ سَبَبٌ فَيَلْزَمُهُ عِنْدَ سَبَبِهَا، وَالْأَوَّلُ كُلُّهُ شُرُوطٌ لَا أَسْبَابٌ بَلْ اسْتِبْعَادَاتٌ مَحْضَةٌ مُخِلَّةٌ بِالْإِقْرَارِ اهـ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا أَقَرَّ فَقَالَ لَهُ عِنْدِي مِائَةٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ مَيْتَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ بِآخِرِهِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ كَلَامٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ إذَا اتَّصَلَ بِكَلَامٍ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ الْأَوَّلُ الْمُسْتَقِلُّ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ، وَكَذَلِكَ الصِّفَةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ وَالْغَايَةُ وَالشَّرْطُ وَنَحْوُهَا مِمَّا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ اهـ. كَلَامُ الْأَصْلِ، وَسَلَّمَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ التَّسَوُّلِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالْكَلَالَةِ هُنَا الْفَرِيضَةُ الَّتِي لَا، وَلَدَ فِيهَا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَإِنْ سَفَلَ بِأَنْ كَانَ فِيهَا أَبَوَانِ أَوْ زَوْجَةٌ أَوْ عُصْبَةٌ، وَأَمَّا الْكَلَالَةُ فِي بَابِ الْمِيرَاثِ فَهِيَ الْفَرِيضَةُ الَّتِي لَا وَلَدَ وَلَا وَالِدَ، وَفِيهَا يَقُولُ الْقَائِلُ: وَيُسْئِلُونَك عَنْ الْكَلَالَهْ ... هِيَ انْقِطَاعُ النَّسْلِ لَا مَحَالَّهْ لَا وَالِدٌ يَبْقَى وَلَا مَوْلُودُ ... فَانْقَطَعَ الْأَبْنَاءُ وَالْجُدُودُ اهـ بِلَفْظِهِ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُنَفَّذُ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُنَفَّذُ مِنْ ذَلِكَ] (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَنْفُذُ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْوُلَاتِ وَالْقُضَاةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَنْفُذُ مِنْ ذَلِكَ) وَهُوَ أَنَّ مَا نَفَذَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يُنْقَضُ هُوَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ خَمْسَةُ أُمُورٍ: (الْأَوَّلُ) مَا تَتَنَاوَلُهُ الْوِلَايَةُ بِالْأَصَالَةِ مِمَّا دَلَّ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا ثُمَّ لَمْ يَجْتَهِدْ لَهُمْ، وَلَمْ يَنْصَحْ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ وَلِيَ وِلَايَةَ الْخِلَافَةِ فَمَا دُونَهَا إلَى الْوَصِيَّةِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ إلَّا بِمَا هُوَ أَحْسَنُ أَوْ مَا فِيهِ بَذْلُ الْجَهْدِ، وَعَلَى أَنَّ قَاعِدَةَ الْوِلَايَةِ أَنَّهَا إنَّمَا تَتَنَاوَلُ وَاحِدًا مِنْ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ هِيَ جَلْبُ الْمَصْلَحَةِ الْخَالِصَةِ

[الفرق بين قاعدة ما يشرع من الحبس وقاعدة ما لا يشرع]

الْمَظْلُومِينَ مِنْ الظَّالِمِينَ إلَّا بِذَلِكَ، وَمِنْ أَبْعَدِ مِنْ الْمَسَافَةِ لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ أَوْ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ، وَلَكِنْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْحَاكِمِ لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَدَائِهِ لَزِمَهُ أَدَاؤُهُ، وَلَا يَذْهَبُ إلَيْهِ، وَمَتَى عَلِمَ خَصْمُهُ إعْسَارُهُ حَرُمَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ، وَدَعْوَاهُ إلَى الْحَاكِمِ، وَإِنْ دَعَاهُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِجَوْرٍ لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ، وَتَحْرُمُ فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ وَالْحُدُودِ وَسَائِرِ الْعُقُوبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مَوْقُوفًا عَلَى الْحَاكِمِ كَأَجْلِ الْعِنِّينِ يُخَيَّرُ الزَّوْجُ بَيْنَ الطَّلَاقِ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ، وَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ الْقِسْمَةُ الْمُتَوَقِّفَةُ عَلَى الْحَاكِمِ يُخَيَّرُ بَيْنَ تَمْلِيكِ حِصَّتِهِ لِغَرِيمِهِ وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ، وَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ الْفُسُوخُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَى الْحَاكِمِ، وَإِنْ دَعَاهُ إلَى حَقٍّ مُخْتَلَفٍ فِي ثُبُوتِهِ، وَخَصْمُهُ يَعْتَقِدُ ثُبُوتَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا دَعْوَى حَقٍّ أَوْ يَعْتَقِدُ عَدَمَ ثُبُوتِهِ لَا تَجِبُ لِأَنَّهُ مُبْطِلٌ، وَإِنْ دَعَاهُ الْحَاكِمُ وَجَبَ لِأَنَّ الْمَحِلَّ قَابِلٌ لِلْحُكْمِ وَالتَّصَرُّفِ وَالِاجْتِهَادِ، وَمَتَى طُولِبَ بِحَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ عَلَى الْفَوْرِ كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَا أَدْفَعُهُ إلَّا بِالْحُكْمِ لِأَنَّ الْمَطْلَ ظُلْمٌ وَوُقُوفُ النَّاسِ عِنْدَ الْحَاكِمِ صَعْبٌ، وَأَمَّا النَّفَقَاتُ فَيَجِبُ الْحُضُورُ فِيهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ لِتَقْدِيرِهَا إنْ كَانَتْ لِلْأَقَارِبِ، وَإِنْ كَانَتْ لِلزَّوْجَةِ أَوْ لِلرَّقِيقِ يُخَيَّرُ بَيْنَ إبَانَةِ الزَّوْجَةِ وَعِتْقِ الرَّقِيقِ وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْرَعُ مِنْ الْحَبْسِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُشْرَعُ] (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْرَعُ مِنْ الْحَبْسِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُشْرَعُ) الْمَشْرُوعُ مِنْ الْحَبْسِ ثَمَانِيَةُ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ يُحْبَسُ الْجَانِي لِغَيْبَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ حِفْظًا لِمَحَلِّ الْقِصَاصِ الثَّانِي حَبْسُ الْآبِقِ سَنَةً حِفْظًا لِلْمَالِيَّةِ رَجَاءَ أَنْ يُعْرَفَ رَبُّهُ الثَّالِثُ يُحْبَسُ الْمُمْتَنِعُ عَنْ دَفْعِ الْحَقِّ إلْجَاءً إلَيْهِ الرَّابِعُ يُحْبَسُ مَنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ فِي الْعُسْرِ، وَالْيُسْرِ اخْتِبَارًا لِحَالِهِ فَإِذَا ظَهَرَ حَالُهُ حَكَمَ بِمُوجِبِهِ عُسْرًا أَوْ يُسْرًا الْخَامِسُ الْحَبْسُ لِلْجَانِي تَعْزِيرًا وَرَدْعًا عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى السَّادِسُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْرَعُ مِنْ الْحَبْسِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُشْرَعُ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ مِنْ انْحِصَارِ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَبْسِ فِي ثَمَانِيَةِ أَقْسَامٍ كَمَا قَالَ لَيْسَ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَمَا قَالَهُ فِي الْفُرُوقِ الْأَرْبَعَةِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ أَوْ نَقْلٌ وَتَرْجِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ الرَّاجِحَةِ، وَدَرْءُ الْمَفْسَدَةِ الْخَالِصَةِ أَوْ الرَّاجِحَةِ. (وَالثَّانِي) الْمُوَافَقَةُ لِدَلِيلِ الْحُكْمِ (وَالثَّالِثُ) الْمُوَافَقَةُ لِسَبَبِهِ وَحُجَّتِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَسْبَابِ وَالْأَدِلَّةِ وَالْحِجَاجِ، وَأَنَّ الْقُضَاةَ يَعْتَمِدُونَ الْحِجَاجَ، وَالْمُجْتَهِدِينَ يَعْتَمِدُونَ الْأَدِلَّةَ، وَأَنَّ الْمُكَلَّفِينَ يَعْتَمِدُونَ الْأَسْبَابَ (وَالرَّابِعُ) انْتِفَاءُ التُّهْمَةِ فِيهِ (وَالْخَامِسُ) وُقُوعُهُ عَلَى الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ كَانَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَأَمَّا مَا لَا يَنْفُذُ مِنْ ذَلِكَ، وَيُنْقَضُ فَهُوَ مَا انْتَفَى فِيهِ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلِذَا انْقَسَمَ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ: (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا لَا تَتَنَاوَلُهُ الْوِلَايَةُ بِالْأَصَالَةِ، وَهُوَ نَوْعَانِ (النَّوْعُ الْأَوَّلُ) مَا دَلَّتْ النُّصُوصُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ وَلِيَ وِلَايَةَ الْخِلَافَةِ فَمَا دُونَهَا إلَى الْوَصِيَّةِ يَكُونُ مَعْزُولًا عَنْهَا إذَا أَجْرَاهُ فِي وِلَايَتِهِ، وَذَلِكَ كُلُّ مَا لَيْسَ هُوَ بِأَحْسَنَ، وَلَيْسَ فِيهِ بَذْلُ الْجَهْدِ مِمَّا خَرَجَ عَنْ قَاعِدَةِ الْوِلَايَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَصَارَ وَاحِدًا مِنْ الْأَرْبَعَةِ السَّاقِطَةِ الَّتِي هِيَ الْمَفْسَدَةُ الرَّاجِحَةُ، وَالْمَصْلَحَةُ الْمَرْجُوحَةُ وَالْمُسَاوِيَةُ، وَمَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ، وَلَا مَفْسَدَةَ فَمِنْ هُنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَبِيعُ الْوَصِيُّ صَاعًا بِصَاعٍ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَفْعَلُ الْخَلِيفَةُ ذَلِكَ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ عَزْلُ الْحَاكِمِ إذَا ارْتَابَ فِيهِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الرِّيبَةِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، وَيُعْزَلُ الْمَرْجُوحُ عِنْدَ وُجُودِ الرَّاجِحِ تَحْصِيلًا لِمَزِيدِ الْمَصْلَحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ. وَاخْتُلِفَ فِي عَزْلِ أَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ بِالْآخَرِ فَقِيلَ يَمْتَنِعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَصْلَحَ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ يُؤْذِي الْمَعْزُولَ بِالْعَزْلِ وَالتُّهَمِ مِنْ النَّاسِ، وَلِأَنَّ تَرْكَ الْفَسَادِ أَوْلَى مِنْ تَحْصِيلِ الصَّلَاحِ لِلْمُتَوَلَّى. وَأَمَّا الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ أَيْ بَيْعُ صَاعٍ بِصَاعٍ، وَمَا يُسَاوِي أَلْفًا بِمِائَةٍ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ حَصَلَتْ مَصْلَحَةٌ أَمْ لَا، وَضَابِطُ مَا يُحْجَرُ بِهِ أَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ، وَلَمْ يَسْتَجْلِبْ بِهِ الْمُتَصَرِّفُ حَمْدًا شَرْعِيًّا، وَقَدْ تَكَرَّرَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُحْجَرُ بِهِ فَخَرَجَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ مَا فَوَّتَ مَصْلَحَةً لَمْ تَخْرُجْ عَنْ الْعَادَةِ كَمَا هُنَا، وَبِالثَّانِي مَا اسْتَجْلَبَ بِهِ حَمْدَ الشَّرَابِ وَالْمَسَاخِرِ، وَبِالثَّالِثِ مَا لَمْ يَتَكَرَّرْ كَمَنْ رَمَى دِرْهَمًا فِي الْبَحْرِ فَإِنَّهُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ تَكَرُّرًا يَدُلُّ عَلَى سَفَهِهِ وَعَدَمِ اكْتِرَاثه بِالْمَالِ (النَّوْعُ الثَّانِي) الْقَضَاءُ مِنْ الْقَاضِي بِغَيْرِ عَمَلِهِ فَإِنَّهُ لَا تَتَنَاوَلُهُ الْوِلَايَةُ لِأَنَّ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ إنَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْ عَقْدِ الْوِلَايَةِ، وَعَقْدُ الْوِلَايَةِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَنْصِبًا مُعَيَّنًا فَكَانَ مَعْزُولًا عَمَّا عَدَاهُ لَا يَنْفُذُ فِيهِ حُكْمُهُ، وَعَلَى هَذَا أَصْحَابُنَا فَفِي الْجَوَاهِرِ إنْ شَافَهَ قَاضٍ قَاضِيًا لَمْ يَكْفِ فِي ثُبُوتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا بِغَيْرِ عَمَلِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ إسْمَاعُهُ وَسَمَاعُهُ إلَّا إذَا كَانَا قَاضِيَيْنِ بِبَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ تَجَاذَبَا فِي ذَلِكَ فِي طَرَفَيْ وِلَايَتِهِمَا فَيَكُونُ ذَلِكَ أَقْوَى مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي

[الفرق بين قاعدة من يشرع إلزامه بالحلف وقاعدة من لا يلزمه الحلف]

يُحْبَسُ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ التَّصَرُّفِ الْوَاجِبِ الَّذِي لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ كَحَبْسِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أُخْتَيْنِ أَوْ عَشْرِ نِسْوَةٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا، وَامْتَنَعَ مِنْ التَّعْيِينِ السَّابِعُ مَنْ أَقَرَّ بِمَجْهُولِ عَيْنٍ أَوْ فِي الذِّمَّةِ، وَامْتَنَعَ مِنْ تَعْيِينِهِ فَيُحْبَسُ حَتَّى يُعَيِّنُهُمَا فَيَقُولُ الْعَيْنُ هُوَ هَذَا الثَّوْبُ أَوْ هَذِهِ الدَّابَّةُ، وَنَحْوُهُمَا أَوْ الشَّيْءُ الَّذِي أَقَرَرْت بِهِ هُوَ دِينَارٌ فِي ذِمَّتِي الثَّامِنُ يُحْبَسُ الْمُمْتَنِعُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَالصَّوْمِ، وَعِنْدَنَا يُقْتَلُ كَالصَّلَاةِ، وَمَا عَدَا هَذِهِ الثَّمَانِيَةَ لَا يَجُوزُ الْحَبْسُ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ الْحَبْسُ فِي الْحَقِّ إذَا تَمَلَّكَ الْحَاكِمُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الدَّيْنِ، وَنَحْنُ نَعْرِفُ مَالَهُ أَخَذْنَا مِنْهُ مِقْدَارَ الدَّيْنِ، وَلَا يَجُوزُ لَنَا حَبْسُهُ، وَكَذَلِكَ إذَا ظَفِرْنَا بِمَالِهِ أَوْ دَارِهِ أَوْ شَيْءٍ يُبَاعُ لَهُ فِي الدَّيْنِ كَانَ رَهْنًا أَمْ لَا فَعَلْنَا ذَلِكَ، وَلَا نَحْبِسُهُ لِأَنَّ فِي حَبْسِهِ اسْتِمْرَارَ ظُلْمِهِ، وَدَوَامَ الْمُنْكَرِ فِي الظُّلْمِ، وَضَرَرُهُ هُوَ مَعَ إمْكَانِ أَنْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَكَذَلِكَ إذَا رَأَى الْحَاكِمُ عَلَى الْخَصْمِ فِي الْحَبْسِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْقُمَاشِ مَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ عَنْهُ أَخَذَهُ مِنْ عَلَيْهِ قَهْرًا، وَبَاعَهُ فِيمَا عَلَيْهِ، وَلَا يَحْبِسُهُ تَعْجِيلًا لِدَفْعِ الظُّلْمِ، وَإِيصَالِ الْحَقِّ لِمُسْتَحِقِّهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ. (سُؤَالٌ) كَيْفَ يَخْلُدُ فِي الْحَبْسِ مَنْ امْتَنَعَ مَنْ دَفْعِ دِرْهَمٍ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ، وَعَجَزْنَا عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ عَظِيمَةٌ فِي جِنَايَةٍ حَقِيرَةٍ، وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ تَقْتَضِي تَقْدِيرَ الْعُقُوبَاتِ بِقَدْرِ الْجِنَايَاتِ (جَوَابُهُ) أَنَّهَا عُقُوبَةٌ صَغِيرَةٌ بِإِزَاءِ جِنَايَةٍ صَغِيرَةٍ، وَلَمْ تُخَالِفْ الْقَوَاعِدَ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ يَمْتَنِعُ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ فَتُقَابَلُ كُلُّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الِامْتِنَاعِ بِسَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْحَبْسِ فَهِيَ جِنَايَاتٌ، وَعُقُوبَاتٌ مُتَكَرِّرَةٌ مُتَقَابِلَةٌ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ، وَلَمْ تُخَالِفْ الْقَوَاعِدَ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يُشْرَعُ إلْزَامُهُ بِالْحَلِفِ وَقَاعِدَةِ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْحَلِفُ] الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يُشْرَعُ إلْزَامُهُ بِالْحَلِفِ وَقَاعِدَةِ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْحَلِفُ) فَاَلَّذِي يَلْزَمُهُ الْحَلِفُ كُلُّ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى صَحِيحَةٌ مُشَبَّهَةٌ فَقَوْلُنَا صَحِيحَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَجْهُولَةِ أَوْ غَيْرُ الْمُحَرَّرَةِ، وَمَا فَاتَ فِيهِ شَرْطٌ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَقَوْلُنَا مُشَبَّهَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الَّتِي يُكَذِّبُهَا الْعُرْفُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الدَّعْوَى عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مَا يُكَذِّبُهَا الْعُرْفُ، وَمَا يَشْهَدُ بِهَا، وَمَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَكْذِبِيهَا وَتَصْدِيقِهَا؛ فَمَا شَهِدَ لَهَا كَدَعْوَى سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ بِيَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَيُعْتَمَدُ اهـ. وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ الْأَصْلُ، وَمَا عَلِمْت فِيهِ خِلَافًا، وَفِي هَذَا الْقِسْمِ فُرُوعٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ. (الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا تَتَنَاوَلُهُ الْوِلَايَةُ لَكِنْ حَكَمَ بِمُسْتَنَدٍ بَاطِلٍ بِأَنْ حَكَمَ فِيهِ عَلَى خِلَافِ أَحَدِ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ الْإِجْمَاعِ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ، وَالنَّصِّ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ، وَالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ. وَقَاعِدَةِ مِنْ الْقَوَاعِدِ السَّالِمَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ فَلَا بُدَّ فِي نَقْضِ الْحُكْمِ الْمُخَالِفِ لِوَاحِدٍ مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ اشْتِرَاطِ السَّلَامَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ أَيْ الْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ فَإِنْ خَالَفَهُ، وَثَمَّ مُعَارِضٌ أَرْجَحُ لَمْ يُنْقَضْ قَضَاؤُهُ (وَلِكُلٍّ) مِنْ الْمُخَالَفَةِ لِوَاحِدٍ مِنْهَا مَعَ الْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ أَوْ مَعَ عَدَمِهِ نَظَائِرُ. (أَمَّا الْأَوَّلُ) فَمِنْ نَظَائِرِهِ أَنَّهُ لَوْ قَضَى فِي عَقْدِ الرِّبَا بِالْفَسْخِ لَمْ يُنْقَضْ قَضَاؤُهُ عَلَى خِلَافِ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] لِأَنَّهُ عُورِضَ بِالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا (وَمِنْهَا) أَنَّهُ لَوْ قَضَى فِي لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ بِالثَّمَنِ لَمْ يُنْقَضْ قَضَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ إتْلَافِ الْمِثْلِيَّاتِ أَنَّهُ يَجِبُ جِنْسُهَا لِأَجْلِ وُرُودِ النَّصِّ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا الثَّانِي فَعَلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ: (الْأَوَّلُ) مَا قَضَى فِيهِ بِمُدْرَكٍ شَاذٍّ مُخَالِفٍ لِمُدْرَكِ إمَامِهِ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ جَمِيعِ أَصْحَابِهِ لَهُ مُعَارِضٌ رَاجِحٌ، وَمِنْ نَظَائِرِهِ أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِصِحَّةِ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ فَسَخْنَاهُ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ» (وَمِنْهَا) أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِاسْتِمْرَارِ عِصْمَةِ مَنْ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ أَيْ الثَّلَاثَةُ بِنَاءً عَلَى الْمَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّةِ نَقَضْنَاهُ لِكَوْنِ شَرْطِ السُّرَيْجِيَّةِ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَ مَشْرُوطِهِ أَبَدًا فَإِنْ تَقَدَّمَ الثَّلَاثُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ لُزُومِ الطَّلَاقِ بَعْدَهَا فَكَانَ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ صِحَّةِ اجْتِمَاعِ الشَّرْطِ مَعَ مَشْرُوطِهِ. (وَالنَّوْعُ الثَّانِي) مَا قَضَى فِيهِ بِالشَّاذِّ الْمُخَالِفِ لِمُدْرَكِ إمَامِهِ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ لَهُ مُعَارِضٌ رَاجِحٌ، وَمِنْ نَظَائِرِهِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّهُ قَالَ يُنْقَضُ عِنْدَ مَالِكٍ قَضَاءُ الْقَاضِي لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ كَالْقَضَاءِ بِاسْتِسْعَاءِ الْعَبْدِ لِعِتْقِ بَعْضِهِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ، وَرَدَ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَسْعَى، وَكَالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ أَوْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ» أَوْ يُحْكَمْ بِشَهَادَةِ النَّصْرَانِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] أَوْ بِمِيرَاثِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَالْمَوْلَى الْأَسْفَلِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتْ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ» ، وَكُلُّ مَا هُوَ عَلَى خِلَافِ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا شُذُوذُ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّ جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ عَلَى نَقْضِهِ، وَخَالَفَهُمْ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَقَالَ لَا تُنْقَضُ شُفْعَةُ الْجَارِ، وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ مِنْ الْفُرُوعِ لِضَعْفِ مُوجِبِ النَّقْضِ عِنْدَهُ. (وَالنَّوْعُ

رَجُلٍ أَوْ دَعْوَى غَرِيبٍ وَدِيعَةً عِنْدَ جَارِهِ أَوْ مُسَافِرٍ أَنَّهُ أَوْدَعَ أَحَدُ رُفَقَائِهِ. وَكَالدَّعْوَى عَلَى الصَّانِعِ الْمُنْتَصِبِ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ مَتَاعًا لِيَصْنَعَهُ أَوْ عَلَى أَهْلِ السُّوقِ الْمُنْتَصِبِينَ لِلْبَيْعِ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ أَحَدِهِمْ أَوْ يُوصِي فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَنَّ لَهُ دَيْنًا عِنْدَ رَجُلٍ فَيُشْرَعُ التَّحْلِيفُ هَاهُنَا بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَتَتَّفِقُ الْأَئِمَّةُ فِيهَا، وَاَلَّتِي شَهِدَ بِأَنَّهَا غَيْرُ مُشَبَّهَةٍ فَهِيَ كَدَعْوَى دَيْنٍ لَيْسَ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ فَلَا يُسْتَخْلَفُ إلَّا بِإِثْبَاتِ خُلْطَتِهِ لَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَهِيَ أَنْ يُسَالِفَهُ أَوْ يُبَايِعَهُ مِرَارًا، وَإِنْ تَقَابَضَا فِي ذَلِكَ الثَّمَنَ أَوْ السِّلْعَةَ، وَتَفَاضَلَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ، وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ هِيَ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى تُشْبِهُ أَنْ يَدَّعِيَ مِثْلَهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا يَحْلِفُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْمُدَّعِي بِلَطْخٍ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُشْبِهُ أَنْ يُعَامِلَ الْمُدَّعِيَ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ فِي تَفْسِيرِ الْخُلْطَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي هَذَا الْقِسْمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَحْلِفُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَنَا مَا رَوَاهُ سَحْنُونٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ» وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَدَّعِي الْحَاكِمُ عَلَى الْخَصْمِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةً، وَلَمْ يُرْوَ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَكَانَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ عَمَلَ الْمَدِينَةِ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ لَتَجَرَّأَ السُّفَهَاءُ عَلَى ذَوِي الْأَقْدَارِ بِتَبْذِيلِهِمْ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِالتَّحْلِيفِ، وَذَلِكَ شَاقٌّ عَلَى ذَوِي الْهَيْئَاتِ، وَرُبَّمَا الْتَزَمُوا مَا لَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ الْجُمَلِ الْعَظِيمَةِ مِنْ الْمَالِ فِرَارًا مِنْ الْحَلِفِ كَمَا فَعَلَهُ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَدْ يُصَادِفُهُ عَقِبَ الْحَلِفِ مُصِيبَةٌ فَيُقَالُ هِيَ بِسَبَبِ الْحَلِفِ فَيَتَعَيَّنُ حَسْمُ الْبَابِ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ مُرَجِّحٍ لِأَنَّ صِيَانَةَ الْأَعْرَاضِ وَاجِبَةٌ، وَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي دَرْءَ مِثْلِ هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ احْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ بِدُونِ زِيَادَةٍ، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَيُسْقِطُ اعْتِبَارَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ الشَّرْطِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُخَالَطَةً، وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ قَدْ تَثْبُتُ بِدُونِ الْخُلْطَةِ فَاشْتِرَاطُهَا يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ، وَتَخْتَلُّ حُكْمَهُ الْحُكَّامُ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ مَقْصُودَ الْحَدِيثِ بَيَانُ مَنْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَمَنْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لَا بَيَانُ حَالِ مَنْ تَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ اللَّفْظَ إذَا وَرَدَ لِمَعْنًى لَا يَحْتَجْ بِهِ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ مُعْرِضٌ عَنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ، وَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَقَعَ الرَّدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي اسْتِدْلَالِهِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْخَضْرَاوَات بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالثَّالِثُ) مَا قُضِيَ فِيهِ بِنَقْضِ مَا لَمْ يُنْقَضْ فَفِي النَّوَادِرِ لِأَبِي مُحَمَّدٍ قَالَ مُحَمَّدٌ مِمَّا يُنْقَضُ نَقْضُ مَا لَا يُنْقَضُ فَإِذَا قَضَى قَاضٍ بِأَنْ يُنْقَضَ حُكْمُ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مِمَّا لَا يُنْقَضُ نَقَضَ الثَّالِثُ حُكْمَ الثَّانِي لِأَنَّ نَقْضَهُ خَطَأٌ وَيُقِرُّ الْأَوَّلَ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَصَرَّفَ السَّفِيهُ الَّذِي تَحْتَ حَجْرِ الْقَاضِي بِالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِمَا فَرَدُّهُ فَجَاءَ قَاضٍ ثَانٍ فَأَنْفَذَهُ نَقَضَ الثَّالِثُ هَذَا التَّنْفِيذَ، وَأَقَرَّ الْأَوَّلَ، وَكَذَلِكَ لَوْ فَسَخَ الثَّانِي الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ رَدَّهُ الثَّالِثُ لِأَنَّ النَّقْضَ فِي مَوَاطِنِ الِاجْتِهَادِ خَطَأٌ، وَنَقْضُ الْخَطَأِ مُتَعَيِّنٌ (وَالنَّوْعُ الرَّابِعُ) مَا لَوْ حَكَمَ حَدْسًا وَتَخْمِينًا مِنْ غَيْرِ مُدْرَكٍ شَرْعِيٍّ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ إجْمَاعًا، وَهُوَ فِسْقٌ مِمَّنْ فَعَلَهُ قَالَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا حُكِمَ بِهِ عَلَى خِلَافِ السَّبَبِ فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْقَتْلِ عَلَى مَنْ لَمْ يَقْتُلْ أَوْ بِالْبَيْعِ عَلَى مَنْ لَمْ يَبِعْ أَوْ الطَّلَاقِ عَلَى مَنْ لَمْ يُطَلِّقْ أَوْ الدَّيْنِ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْتَدِنْ كَانَ قَضَاءً عَلَى خِلَافِ الْأَسْبَابِ فَإِذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَجَبَ نَقْضُهُ عِنْدَ الْكُلِّ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَالَفَ فِي قِسْمٍ مِنْهُ، وَهُوَ مَا كَانَ فِيهِ عَقْدٌ أَوْ فَسْخٌ فَيُجْعَلُ حُكْمُ الْحَاكِمِ كَالْعَقْدِ فِيمَا لَا عَقْدَ فِيهِ أَوْ كَالْفَسْخِ فِيمَا لَا فَسْخَ فِيهِ فَإِذَا شَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَا زُورٍ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ فَحَكَمَ بِطَلَاقِهَا جَازَ لِذَلِكَ الشَّاهِدِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِ نَفْسِهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فَسْخٌ لِذَلِكَ النِّكَاحِ، وَإِذَا شَهِدَا عِنْدَهُ بِبَيْعِ جَارِيَةٍ فَحَكَمَ بِبَيْعِهَا جَازَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِمَّنْ حُكِمَ لَهُ بِهَا، وَيَطَأَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِ نَفْسِهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ تَنَزَّلَ مَنْزِلَةَ الْبَيْعِ لِمَنْ حُكِمَ لَهُ، وَهَكَذَا كُلُّ مَا فِيهِ عَقْدٌ أَوْ فَسْخٌ، وَوَافَقْنَا فِيمَا لَا عَقْدَ فِيهِ، وَلَا فَسْخَ مِنْ الدُّيُونِ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا فَقَالَ إنَّهُ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحُكْمِ. وَقَالَ إذَا قَضَى بِنِكَاحِ أُخْتِ الْمَقْضِيِّ لَهُ أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ فَلَا تَحِلُّ لَهُ لِفَوَاتِ قَبُولِ الْمَحَلِّ لِلنِّكَاحِ بِالْمَحْرَمِيَّةِ. وَقَالَ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الشُّهُودَ عَبِيدٌ، وَالْحُكْمُ فِي عَقْدِ نِكَاحٍ لَمْ يُنَزَّلْ حُكْمُهُ مَنْزِلَةَ الْعَقْدِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ هُنَا شَرْطٌ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ، وَلِأَنَّ الْحَاكِمَ لَمْ يَحْكُمْ بِالْمِلْكِ بَلْ بِالتَّسْلِيمِ، وَهُوَ لَا يُوجِبُ الْمِلْكَ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ حُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُحِلُّ حَرَامًا، وَلَا يُحَرِّمُ حَلَالًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَحُجَّتُنَا أَمْرَانِ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْتَطِعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» ، وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ. (وَالثَّانِي) الْقِيَاسُ عَلَى الْأَمْوَالِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْأَمْوَالَ أَضْعَفُ فَإِذَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا فَأَوْلَى الْفُرُوجُ (وَحُجَّتُهُمْ) خَمْسَةُ أُمُورٍ

«فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» أَنَّ مَقْصُودَ الْحَدِيثِ بَيَانُ الْجُزْءِ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ لَا بَيَانُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. وَعَنْ الْأَوَّلِ أَيْضًا جَوَابٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ غَيْرُ عَامٍّ فِي الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْبِقَاعِ وَالْمُتَعَلِّقَاتِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مُطْلَقًا فِي أَحْوَالِ الْحَالِفِينَ فَيُحْمَلُ عَلَى الْحَالَةِ الْمُحْتَمَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهِيَ الْحَالَةُ الَّتِي فِيهَا الْخُلْطَةُ لِأَنَّهَا الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي غَيْرِهَا، وَإِلَّا لَكَانَ عَامًّا فِي الْأَحْوَالِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي أَنَّ مَقْصُودَهُ بَيَانُ الْحَصْرِ، وَبَيَانُ مَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْهُمَا لَا بَيَانُ شَرْطِ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ شَرْطِ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا، أَوْ نَقُولُ لَيْسَ هُوَ عَامًّا فِي الْأَشْخَاصِ لِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ لِلشَّخْصِ الْوَاحِدِ لَا تَعُمُّ فَيُحْمَلُ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَيْنَاهُ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّهُ مُعَارِضٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَسَلُّطِ الْفَسَقَةِ السَّفَلَةِ عَلَى الْأَتْقِيَاءِ الْأَخْيَارِ بِالتَّحْلِيفِ عِنْدَ الْقُضَاةِ، وَأَنَّهُ يُفْتَحُ بَابُ دَعْوَى أَحَدِ الْعَامَّةِ عَلَى الْخَلِيفَةِ أَوْ الْقَاضِي أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ أَوْ أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَاوَلَهُ، وَعَاقَدَهُ عَلَى كَنْسِ مِرْحَاضِهِ أَوْ خِيَاطَةِ قَلَنْسُوَتِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ فِيهِ فَطَرِيقُ الْجَمِيعِ بَيْنَ النُّصُوصِ وَالْقَوَاعِدِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْخُلْطَةِ فَهَذَا هُوَ الْمَنْهَجُ الْقَوِيمُ، وَهَاهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ: (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) أَنَّ الْخُلْطَةَ حَيْثُ اُشْتُرِطَتْ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ فَثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ وَالشَّاهِدَيْنِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لِأَنَّهَا أَسْبَابُ الْأَمْوَالِ فَتَلْحَقُ بِهَا فِي الْحِجَاجِ، وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَامْرَأَةٍ، وَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا دَفَعَ الدَّعْوَى بِعَدَاوَةٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ مُقْتَضَاهَا الْإِضْرَارُ بِالتَّحْلِيفِ وَالْبِذْلَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَقِيلَ يَحْلِفُ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ أَبُو عُمَرَ أَنَّ خَمْسَ مَوَاطِنَ لَا تُشْتَرَطُ فِيهَا الْخُلْطَةُ الصَّانِعُ، وَالْمُتَّهَمُ بِالسَّرِقَةِ، وَالْقَائِلُ عِنْدَ مَوْتِهِ لِي عِنْدَ فُلَانٍ دَيْنٌ، وَالْمُتَضَيِّفُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَيَدَّعِي عَلَيْهِ وَالْعَارِيَّةُ، الْوَدِيعَةُ. (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْحُكَّامِ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُمْ) قَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَالْأَسْبَابِ وَالْحِجَاجِ، وَأَنَّ الْأَدِلَّةَ شَأْنُ الْمُجْتَهِدِينَ، وَالْحِجَاجَ شَأْنُ الْقُضَاةِ وَالْمُتَحَاكِمِينَ وَالْأَسْبَابَ تَعْتَمِدُ الْمُكَلَّفِينَ، وَالْمَقْصُودُ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ الْحِجَاجُ فَنَقُولُ، وَبِاَللَّهِ نَسْتَعِينُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوَّلُ «قَضِيَّةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ بِاللِّعَانِ قَالَ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى صِفَةِ كَذَا فَهُوَ لِشَرِيكٍ فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ» ، وَتَبَيَّنَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَ هِلَالٌ، وَأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَفْسَخْ تِلْكَ الْفُرْقَةَ، وَأَمْضَاهَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَقُومُ مَقَامَ الْفَسْخِ وَالْعَقْدِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْفُرْقَةَ فِي اللِّعَانِ لَيْسَتْ بِسَبَبِ صِدْقِ الزَّوْجِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِصِدْقِهِ لَمْ تَعُدْ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ بِسَبَبِ أَنَّهُمَا وَصَلَا إلَى أَسْوَأِ الْأَحْوَالِ فِي الْمُقَابَحَةِ بِالتَّلَاعُنِ فَلَمْ يَرَ الشَّارِعُ اجْتِمَاعَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ مَبْنَاهَا السُّكُونُ وَالْمَوَدَّةُ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ اللِّعَانِ يَمْنَعُ ذَلِكَ فَعَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْكَذِبِ كَالْبَيِّنَةِ إذَا قَامَتْ (وَالثَّانِي) مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ ادَّعَى عِنْدَهُ رَجُلٌ نِكَاحَ امْرَأَةٍ، وَشَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ فَقَضَى بَيْنَهُمَا بِالزَّوْجِيَّةِ فَقَالَتْ: وَاَللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا تَزَوَّجَنِي فَاعْقِدْ بَيْنَنَا عَقْدًا حَتَّى أَحِلَّ لَهُ فَقَالَ شَاهِدَاك زَوَّجَاك فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ ثَبَتَ بِحُكْمِهِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ وَإِنْ صَحَّ فَلَا حُجَّةَ لَهُ لِأَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَضَافَ التَّزَوُّجَ لِلشُّهُودِ لَا لِحُكْمِهَا، وَمَنَعَهَا مِنْ الْعَقْدِ لِمَا فِيهِ مِنْ الطَّعْنِ عَلَى الشُّهُودِ فَأَخْبَرَهَا بِأَنَّهُ زَوْجُهَا ظَاهِرًا، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْفُتْيَا، وَمَا النِّزَاعُ إلَّا فِيهَا. (وَالثَّالِثُ) الْقِيَاسُ عَلَى اللِّعَانِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا فَالْحُكْمُ أَوْلَى لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ وِلَايَةً عَامَّةً عَلَى النَّاسِ فِي الْعُقُودِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ كَذِبَ أَحَدِهِمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ بِاللِّعَانِ، وَلَمْ يَخْتَصَّ بِهِ أَمَّا عَدَمُ تَعْيِينِهِ فَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُسْتَنَدُهُ فِي اللِّعَانِ كَوْنَهُ لَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ حَيْضَتِهَا مَعَ أَنَّ الْحَامِلَ قَدْ تَحِيضُ أَوْ قَرَائِنَ حَالِيَّةً مِثْلُ كَوْنِهِ رَأَى رَجُلًا بَيْنَ فَخِذَيْهَا مَعَ أَنَّ الْقَرَائِنَ قَدْ تَكْذِبُ كَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لَمْ يُولِجْ أَوْ أَوْلَجَ، وَمَا أَنْزَلَ، وَأَمَّا عَدَمُ اخْتِصَاصِهِ بِاللِّعَانِ فَلِأَنَّ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِي النِّكَاحِ أَوْ غَيْرِهِ قَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا فَاجِرًا يَطْلُبُ مَا يَعْلَمُ خِلَافَهُ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ يَقُومُ مَقَامَ الْفَسْخِ وَالْعَقْدِ بَلْ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّلَاعُنَ يَمْنَعُ الزَّوْجِيَّةَ (وَالرَّابِعُ) أَنَّ الْحَاكِمَ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْعَقْدِ وَالْفَسْخِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَوْقَعَ الْعَقْدَ عَلَى وَجْهٍ لَوْ فَعَلَهُ الْمَالِكُ نَفَذَ، وَجَوَابُهُ أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ إنَّمَا جَعَلَ لِلْحَاكِمِ الْعَقْدَ لِلْغَائِبِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ وَنَحْوِهِمْ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ لِتَعَذُّرِ الْمُبَاشَرَةِ مِنْهُمْ، وَهَا هُنَا لَا ضَرُورَةَ لِذَلِكَ، وَالْأَصْلُ أَنْ يَلِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مَصَالِحَ نَفْسِهِ، وَلَا يَتْرُكُ الْأَصْلَ عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ (وَالْخَامِسُ) أَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمُخَالَفَةُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ فَصَارَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّهِ مَا حَكَمَ لَهُ الْحَاكِمُ، وَإِنْ عَلِمَ خِلَافَهُ فَكَذَلِكَ غَيْرُهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ إنَّمَا حَرُمَتْ

الْحِجَاجُ الَّتِي يَقْضِي بِهَا الْحَاكِمُ سَبْعَ عَشْرَةَ حُجَّةً الشَّاهِدَانِ، الشَّاهِدَانِ وَالْيَمِينُ، وَالْأَرْبَعَةُ فِي الزِّنَا، وَالشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ وَالْمَرْأَتَانِ، وَالْيَمِينُ وَالشَّاهِدُ وَالنُّكُولُ، وَالْمَرْأَتَانِ وَالنُّكُولُ، وَالْيَمِينُ وَالنُّكُولُ، وَأَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ فِي اللِّعَانِ، وَخَمْسُونَ يَمِينًا فِي الْقَسَامَةِ، وَالْمَرْأَتَانِ فَقَطْ فِي الْعُيُوبِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّسَاءِ، وَالْيَمِينُ وَحْدَهَا بِأَنْ يَتَحَالَفَا، وَيُقَسِّمُ بَيْنَهُمَا فَيَقْضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَمِينِهِ وَالْإِقْرَارُ، وَشَهَادَةُ الصِّبْيَانِ، وَالْقَافَةُ، وَقُمُطُ الْحِيطَانِ، وَشَوَاهِدُهَا، وَالْيَدُ فَهَذِهِ هِيَ الْحِجَاجُ الَّتِي يَقْضِي بِهَا الْحَاكِمُ، وَمَا عَدَاهُ لَا يَقْضِي بِهِ عِنْدَنَا، وَفِيهَا شُبُهَاتٌ، وَاخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أُنَبِّهُ عَلَيْهِ فَأَذْكُرُ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ حُجَّةً حُجَّةً بِانْفِرَادِهَا، وَأُورِدُ الْكَلَامَ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحُجَّةُ (الْأُولَى الشَّاهِدَانِ) وَالْعَدَالَةُ فِيهِمَا شَرْطٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْعَدَالَةُ حَقٌّ لِلْخَصْمِ فَإِنْ طَلَبَهَا فَحَصَ الْحَاكِمُ عَنْهَا، وَإِلَّا فَلَا، وَعِنْدَنَا هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ لَا يَحْكُمَ حَتَّى يُحَقِّقَهَا، وَقَالَ مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ إنَّمَا كَانَ قَوْلُ الْمَجْهُولِ مَقْبُولًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ كَانَ الْغَالِبُ الْعَدَالَةَ فَأُلْحِقَ النَّادِرُ بِالْغَالِبِ فَجَعَلَ الْكُلَّ عُدُولًا. وَأَمَّا الْيَوْمُ فَالْغَالِبُ الْفُسُوقُ فَيُلْحَقُ النَّادِرُ بِالْغَالِبِ حَتَّى تَثْبُتَ الْعَدَالَةُ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الْأَوَّلُ، وَاسْتَثْنَى الْحُدُودَ فَلَا يَكْتَفِي فِيهَا بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَالَةِ لِأَنَّ الْحُدُودَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ ثَابِتٌ فَتُطْلَبُ الْعَدَالَةُ، وَإِذَا كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ حَقًّا لِآدَمِيٍّ يَجْرَحُهَا وَجَبَ الْبَحْثُ عَنْهُمَا لَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ رَجُلَيْنِ شَهِدَا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ لَا أَعْرِفُكُمَا، وَلَا يَضُرُّكُمَا أَنْ لَا أَعْرِفَكُمَا فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ أَتَعْرِفُهُمَا قَالَ نَعَمْ قَالَ لَهُ أَكُنْت مَعَهُمَا فِي سَفَرٍ يَتَبَيَّنُ عَنْ جَوَاهِرِ النَّاسِ قَالَ لَا قَالَ فَأَنْتَ جَارُهُمَا تَعْرِفُ صَبَاحَهُمَا، وَمَسَاءَهُمَا قَالَ لَا قَالَ أَعَامَلْتهمَا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي تَقْطَعُ بَيْنَهُمَا الْأَرْحَامَ قَالَ لَا فَقَالَ ابْنُ أَخِي مَا تَعْرِفُهُمَا ائْتِيَانِي بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا، وَهَذَا بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَحْكُمُ إلَّا بِحَضْرَتِهِمْ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَا سَأَلَ عَنْ تِلْكَ الْأَسْبَابِ مِنْ السَّفَرِ وَغَيْرِهِ إلَّا وَقَدْ عُرِفَ إسْلَامُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَتَعْرِفُهُمَا مُسْلِمَيْنِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ اسْتِحْبَابًا لِأَنَّ تَعْجِيلَ الْحُكْمِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ وُجُودِ الْحُجَّةِ لِأَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ عَلَى مُنْكِرٌ غَالِبًا، وَإِزَالَةُ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَالْوَاجِبُ لَا يُؤَخَّرُ إلَّا لِوَاجِبٍ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] مَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْعَدْلِ لَا يُسْتَشْهَدُ، وَقَوْلُهُ {مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] إشَارَةٌ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَوْ كَانَ الْإِسْلَامُ كَافِيًا لَمْ يَبْقَ فِي لِتَقْيِيدِ فَائِدَةٍ. وَالْعَدْلُ مَأْخُوذٌ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَيْهِ الْمُخَالَفَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ مَفْسَدَةِ مُشَاقَةِ الْحُكَّامِ وَانْخِرَامِ النِّظَامِ وَتَشْوِيشِ نُفُوذِ الْمَصَالِحِ، وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُ بِحَيْثُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ حَاكِمٌ وَلَا غَيْرُهُ فَجَائِزَةٌ. 2 - (الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مَا تَتَنَاوَلُهُ الْوِلَايَةُ، وَصَادَفَ فِيهِ الْحُجَّةَ وَالدَّلِيلَ وَالسَّبَبَ غَيْرَ أَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهِ كَقَضَائِهِ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ التُّهْمَةَ تَقْدَحُ فِي التَّصَرُّفَاتِ إجْمَاعًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَإِلَّا فَالتُّهْمَةُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ أَعْلَاهَا كَقَضَائِهِ لِنَفْسِهِ مُعْتَبَرٌ إجْمَاعًا وَأَدْنَاهَا كَقَضَائِهِ لِجِيرَانِهِ وَأَهْلِ صَقْعِهِ وَقَبِيلَتِهِ مَرْدُودٌ إجْمَاعًا، وَالْمُتَوَسِّطُ مِنْهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ يَلْحَقُ بِالْأَوَّلِ أَوْ بِالثَّانِي، وَأَصْلُهَا أَيْ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ» أَيْ مُتَّهَمٍ قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ كُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ لَهُ. وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَازِمٌ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى بِالرَّدِّ مِنْ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ فَوْقَ الشَّاهِدِ مَنْ يَنْظُرُ عَلَيْهِ فَيَضْعُفُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْبَاطِلِ فَتَضْعُفُ التُّهْمَةُ قَالَ وَلَا يُحْكَمُ لِعَمِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُبَرِّزًا وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يُحْكَمُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ يَتِيمِهِ أَوْ امْرَأَتِهِ، وَيَجُوزُ لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ كَالْأَبِ وَالِابْنِ الْكَبِيرِ، وَإِنْ امْتَنَعَتْ الشَّهَادَةُ فَإِنَّ مَنْصِبَ الْقَضَاءِ أَبْعَدُ عَنْ التُّهَمِ لِوُفُورِ جَلَالَةِ الْقَاضِي دُونَ الشَّاهِدِ. وَقَالَ أَصْبَغُ إنْ قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي، وَلَا نَعْلَمُ أَثْبَتَ أَمْ لَا، وَلَمْ يَحْضُرْهُ الشُّهُودُ لَمْ يَنْفُذْ فَإِنْ حَضَرَ الشُّهُودُ، وَكَانَتْ شَهَادَةً ظَاهِرَةً بِحَقٍّ بَيِّنٍ جَازَ فِيمَا عَدَا الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَعْنِي حُكْمَهُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ يَتِيمِهِ أَوْ امْرَأَتِهِ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ هَذِهِ الْأُمُورِ أَيْ حُضُورَ الشُّهُودِ، وَكَوْنَ الشَّهَادَةِ ظَاهِرَةً، وَبِحَقٍّ بَيِّنٍ تَضْعُفُ التُّهْمَةُ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ، وَعَنْ أَصْبَغَ الْجَوَازُ فِي الْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ وَالْأَخِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمِدْيَانِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِيَامِ بِالْحَقِّ، وَصَحَّ الْحُكْمُ، وَقَدْ يَحْكُمُ لِلْخَلِيفَةِ، وَهُوَ فَوْقَهُ، وَتُهْمَتُهُ أَقْوَى، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ الْقَضَاءُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ عَشِيرَتِهِ وَخَصْمِهِ، وَإِنْ رَضِيَ الْخَصْمُ بِخِلَافِ رَجُلَيْنِ رَضِيَا بِحُكْمِ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ فَيَنْفُذُ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا، وَلَا يَقْضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، وَإِنْ رَضِيَ الْخَصْمُ بِذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ فَيُشْهِدُ عَلَى رِضَاهُ، وَيَجْتَهِدُ فِي الْحَقِّ فَإِنْ قَضَى لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ يَمْتَنِعُ قَضَاؤُهُ لَهُ فَلْيَذْكُرْ الْقِصَّةَ كُلَّهَا، وَرَضِيَ خَصْمِهِ، وَشَهَادَةَ مَنْ شَهِدَ بِرِضَى الْخَصْمِ. وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي مَوَاطِنِ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ، وَرَأَى أَفْضَلَ مِنْهُ فَالْأَحْسَنُ فَسْخُهُ فَإِنْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ فَلَا يَفْسَخُهُ غَيْرُهُ إلَّا فِي الْخَطَأِ الْبَيِّنِ فَإِنْ اجْتَمَعَ فِي الْقَضِيَّةِ حَقُّهُ، وَحَقُّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَالسَّرِقَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ يَقْطَعُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يَرْفَعُهُ لِمَنْ

مِنْ الِاعْتِدَالِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَالِاعْتِقَادِ فَهُوَ وَصْفٌ زَائِدٌ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَغَيْرُ مَعْلُومٍ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ وقَوْله تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] ، وَرِضَاءُ الْحَاكِمِ بِهِمْ فَرْعُ مَعْرِفَتِهِمْ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْحُدُودِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى طَلَبِ الْخَصْمِ الْعَدَالَةَ فَإِنْ فَرَّقُوا بِأَنَّ الْعَدَالَةَ حَقٌّ لِلْخَصْمِ فَإِذَا طَلَبَهَا تَعَيَّنَتْ، وَأَنَّ الْحُدُودَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ اللَّهِ مَنَعْنَا أَنَّ الْعَدَالَةَ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ بَلْ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْجَمِيعِ فَيَتَّجِهُ الْقِيَاسُ، وَيَنْدَفِعُ الْفَرْقُ بِالْمَنْعِ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْعَدَالَةَ، وَبِقَوْلٍ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَحْدُودًا فِي حَدٍّ «وَقَبِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهَادَةَ الْأَعْرَابِيِّ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَهُ أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ» فَلَمْ يَعْتَبِرْ غَيْرَ الْإِسْلَامِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ بِحَضْرَتِنَا جَازَ قَبُولُ قَوْلِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامَ، وَلِأَنَّ الْبَحْثَ لَا يُؤَدِّي إلَى تَحَقُّقِ الْعَدَالَةِ، وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الظَّاهِرَ فَالْإِسْلَامُ كَافٍ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَتَمُّ وَازِعٍ، وَلِأَنَّ صَرْفَ الصَّدَقَةِ يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ، وَعُمُومَاتُ النُّصُوصِ وَالْأَوَامِرِ تُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا يَتَوَضَّأُ بِالْمِيَاهِ، وَيُصَلِّي بِالثِّيَابِ بِنَاءً عَلَى الظَّوَاهِرِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا قِيَاسًا عَلَيْهَا، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَهُوَ قَوْلُهُ ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ فَقَيَّدَ بِالْعَدَالَةِ، وَإِلَّا لَضَاعَتْ الْفَائِدَةُ فِي هَذَا الْقَيْد، وَقَيَّدَ أَيْضًا بِرِضَاءِ الْحَاكِمِ. وَهُوَ مَشْرُوطٌ بِالْبَحْثِ، وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَكْفِي فِيهِ ظَاهِرُ الدَّارِ فَكَذَلِكَ لَا يَكْفِي الْإِسْلَامُ فِي الْعَدَالَةِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ وَصْفِ الْعَدَالَةِ بِقَوْلِهِ عُدُولٌ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرُ السَّكْتِ عَنْهُ، وَهُوَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ لَا يُؤْمَرُ مُسْلِمٌ بِغَيْرِ الْعُدُولِ، وَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ لِلْمُتَقَدِّمِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ الْعَدَالَةُ غَالِبَةٌ بِخِلَافِ غَيْره (وَعَنْ الثَّالِثِ) أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ الْإِسْلَامِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ سُؤَالِهِ عَنْ غَيْرِهِ فَلَعَلَّهُ سَأَلَ أَوْ كَانَ غَيْرُ هَذَا الْوَصْفِ مَعْلُومًا عِنْدَهُ (وَعَنْ الرَّابِعِ) أَنَّا لَا نَقْبَلُ شَهَادَتَهُ حَتَّى نَعْلَمَ سَجَايَاهُ، وَعَدَمَ جُرْأَتِهِ عَلَى الْكَذِبِ، وَإِنْ قَبِلْنَاهُ فَذَلِكَ لِأَجْلِ تَيَقُّنِنَا عَدَمَ مُلَابَسَتِهِ مَا يُنَافِي الْعَدَالَةَ بَعْدَ إسْلَامِهِ (وَعَنْ الْخَامِسِ) أَنَّهُ بَاطِلٌ بِالْإِسْلَامِ فَإِنَّ الْبَحْثَ عَنْهُ لَا يُؤَدِّي إلَى يَقِينٍ، وَيَحْكُمُ الْحَاكِمُ فِي الْقَضِيَّةِ الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا، وَلَا إجْمَاعَ فَإِنَّ بَحْثَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى يَقِينٍ. وَأَمَّا الْفَقْرُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَحْثِ عَنْهُ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْفَقْرُ بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ بَلْ وِزَانُهُ هَاهُنَا أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَوْقَهُ، وَأَمَّا مَا لَهُ فَلَا يَحْكُمُ لَهُ. (الْقِسْمُ الْخَامِسُ) مَا اجْتَمَعَ فِيهِ أَنَّهُ تَنَاوَلَتْهُ الْوِلَايَةُ، وَصَادَفَ السَّبَبَ وَالدَّلِيلَ وَالْحُجَّةَ وَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ فِيهِ غَيْرَ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْحُجَّةِ هَلْ هِيَ حُجَّةٌ أَمْ لَا، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) اتَّفَقَ جَمِيعُ الْأَئِمَّةِ عَلَى جَوَازِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِعِلْمِهِ فِي التَّجْرِيحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَنْعِهِ فِيمَا عَدَاهُمَا مُطْلَقًا، وَهُوَ مَذْهَبُنَا، وَمَذْهَبُ ابْنِ حَنْبَلٍ، وَجَوَازُهُ فِي ذَلِكَ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُحْكَمُ فِي الْحُدُودِ بِمَا شَاهَدَهُ مِنْ أَسْبَابِهَا إلَّا فِي الْقَذْفِ، وَلَا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فِيمَا عَلِمَهُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ، لَنَا سَبْعَةُ وُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ» الْحَدِيثَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ بِحَسَبِ الْمَسْمُوعِ لَا بِحَسَبِ الْمَعْلُومِ (الثَّانِي) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَك إلَّا ذَلِكَ» فَحَصَرَ الْحُجَّةَ فِي الْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينَ دُونَ عِلْمِ الْحَاكِمِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. (الثَّالِثُ) مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَعَثَ أَبَا جَهْمٍ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَاحَاهُ رَجُلٌ فِي فَرِيضَةٍ فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا شِجَاجٌ فَأَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْطَاهُمْ الْأَرْشَ ثُمَّ قَالَ أَفَأَخْطُبُ فَأُعْلِمُ النَّاسَ بِرِضَاكُمْ؟ قَالُوا نَعَمْ فَخَطَبَ فَأَعْلَمَ فَقَالُوا مَا رَضِينَا فَأَرَادَهُمْ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا، وَنَزَلَ فَجَلَسُوا إلَيْهِ فَأَرْضَاهُمْ فَقَالَ أَأَخْطُبُ النَّاسَ فَأُعْلِمُهُمْ بِرِضَاكُمْ قَالُوا نَعَمْ فَخَطَبَ فَأَعْلَمَ النَّاسَ فَقَالُوا رَضِينَا» ، وَهُوَ نَصٌّ فِي عَدَمِ الْحُكْمِ بِالْعِلْمِ. (الرَّابِعُ) مَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي قِصَّةِ هِلَالٍ وَشَرِيكٍ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِهِلَالٍ يَعْنِي الزَّوْجَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ يَعْنِي الْمَقْذُوفَ فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ كُنْت رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُهَا» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْضِي فِي الْحُدُودِ بِعِلْمِهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقُولُ إلَّا حَقًّا. وَقَدْ وَقَعَ مَا قَالَ فَيَكُونُ الْعِلْمُ حَاصِلًا لَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ مَا رَجَمَ، وَعَلَّلَ بِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ (الْخَامِسُ) قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] فَأَمَرَ بِجَلْدِهِمْ عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ، وَإِنْ عُلِمَ صِدْقُهُمْ. (السَّادِسُ) أَنَّ الْحَاكِمَ غَيْرُ مَعْصُومٍ فَيُتَّهَمُ بِالْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ فَلَعَلَّ الْمَحْكُومَ لَهُ وَلِيٌّ أَوْ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ صَدِيقٌ، وَلَا نَعْلَمُ نَحْنُ ذَلِكَ فَحَسَمْنَا الْمَادَّةَ صَوْنًا لِمَنْصِبِ الْقَضَاءِ عَنْ الْمُتَّهَمِ. (السَّابِعُ) أَنَّ أَبَا عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ

تَعْلَمَ عَدَالَتُهُ فِي الْأَصْلِ فَإِنَّا لَا نَبْحَثُ عَنْ مُزِيلِهَا، وَكَذَلِكَ أَصْلُ الْمَاءِ الطَّهَارَةُ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِتَغَيُّرِ لَوْنِهِ أَوْ طَعْمِهِ أَوْ رِيحِهِ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالْقَطْعِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَحْثِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ، وَأَمَّا الْعُمُومَاتُ وَالْأَوَامِرُ فَإِنَّا لَا نَكْتَفِي بِظَاهِرِهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَحْثِ عَنْ الصَّارِفِ الْمُخَصِّصِ، وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا. (مَسْأَلَةٌ) لَا تُقْبَلُ عِنْدَنَا شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَوْ الْكَافِرِ عَلَى أَهْلِ مِلَّتِهِ، وَلَا غَيْرِهَا، وَلَا فِي وَصِيَّةِ مَيْتٍ مَاتَ فِي السَّفَرِ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ مُسْلِمُونَ، وَتُمْنَعُ شَهَادَةُ نِسَائِهِمْ فِي الِاسْتِهْلَالِ وَالْوِلَادَةِ، وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ إذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُمْ، وَهُمْ ذِمَّةٌ، وَيَحْلِفَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ مَا خَانَا، وَلَا كَتَمَا، وَلَا اشْتَرَيَا بِهِ ثَمَنًا، وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى، وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إنَّا إذًا لِمَنْ الْآثِمِينَ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى التَّحَمُّلِ دُونَ الْأَدَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] أَيْ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ، وَقِيلَ الشَّهَادَةُ فِي الْآيَةِ هِيَ الْيَمِينُ، وَلَا تُقْبَلُ فِي غَيْرِ هَذَا عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْبَلُ الْيَهُودِيُّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ، وَالنَّصْرَانِيُّ عَلَى الْيَهُودِيِّ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَنْ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ يُقْبَلُ عَلَى مِلَّتِهِ دُونَ غَيْرِهَا لَنَا قَوْله تَعَالَى {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة: 64] وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَدُوٍّ عَلَى عَدُوِّهِ» ، وَقِيَاسًا عَلَى الْفَاسِقِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالتَّوَقُّفِ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ، وَهَذَا أَوْلَى إذْ الشَّهَادَةُ آكَدُ مِنْ الْخَبَرِ وقَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] . وَفِي الْحَدِيثِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ دِينٍ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ دِينِهِ إلَّا الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّهُمْ عُدُولٌ عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ» ، وَلِأَنَّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا تُقْبَلُ عَلَى غَيْرِهِ كَالْعَبْدِ وَغَيْرِهِ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَغَيْرِهِ، وَإِذَا جَازَتْ عَلَى الْمُسْلِمِ جَازَتْ عَلَى الْكَافِرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَفِي الصَّحِيحِ «أَنَّ الْيَهُودَ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَمَعَهُمْ يَهُودِيَّانِ فَذَكَرَتْ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُمَا زَنَيَا فَرَجَمَهُمَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ رَجْمَهُمَا بِشَهَادَتِهِمْ، وَرَوَى الشَّعْبِيُّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «إنْ شَهِدَ مِنْكُمْ أَرْبَعَةٌ رَجَمْتُهُمَا» ، وَلِأَنَّ الْكَافِرَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ لِأَنَّهُ يُزَوِّجُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَتَلَ أَخَاهُ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ قَاتِلٌ أَنَّهُ كَالْقَاتِلِ عَمْدًا لَا يَرِثُ مِنْهُ شَيْئًا لِلتُّهْمَةِ، وَاحْتَجُّوا بِتِسْعَةِ وُجُوهٍ: (أَحَدُهَا) مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى عَلَى أَبِي سُفْيَانَ بِالنَّفَقَةِ بِعِلْمِهِ فَقَالَ لِهِنْدَ خُذِي لَك وَلِوَلَدِك مَا يَكْفِيك بِالْمَعْرُوفِ» ، وَلَمْ يُكَلِّفْهَا الْبَيِّنَةَ، وَجَوَابُهُ أَنَّ قِصَّةَ هِنْدَ فُتْيَا لَا حُكْمٌ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ مُبَلِّغٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّبْلِيغُ فُتْيَا لَا حُكْمٌ، وَالتَّصَرُّفُ بِغَيْرِهَا قَلِيلٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ، وَلِأَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَى حَاضِرٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِفَ. (وَثَانِيهَا) مَا رَوَاهُ الِاسْتِذْكَارُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ ادَّعَى عَلَى أَبِي سُفْيَانَ عِنْدَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ ظَلَمَهُ حَدًّا فِي مَوْضِعٍ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسَ بِذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ انْهَضْ إلَى الْمَوْضِعِ فَنَظَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى الْمَوْضِعِ فَقَالَ يَا أَبَا سُفْيَانَ خُذْ هَذَا الْحَجَرَ مِنْ هَا هُنَا فَضَعْهُ هَا هُنَا فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ فَقَالَ لَا أَفْعَلُ فَعَلَاهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ، وَقَالَ خُذْهُ لَا أُمَّ لَك وَضَعْهُ هُنَا فَإِنَّك مَا عَلِمْت قَدِيمَ الظُّلْمِ فَأَخَذَهُ فَوَضَعَهُ حَيْثُ قَالَ، وَاسْتَقْبَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْقِبْلَةَ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ إذْ لَمْ تُمِتْنِي حَتَّى غَلَبْت أَبَا سُفْيَانَ عَلَى رَأْيِهِ وَأَذْلَلْته لِي بِالْإِسْلَامِ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ إذْ لَمْ تُمِتْنِي حَتَّى جَعَلْت فِي قَلْبِي مَا ذَلَلْتُ بِهِ لِعُمَرَ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ الَّذِي يَحْسُنُ مِنْ آحَادِ النَّاسِ لَا مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّهُ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا وَاقِعَةٌ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لَكَانَتْ مُجْمَلَةً فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَا. (وَثَالِثُهَا) قَوْله تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] وَقَدْ عُلِمَ الْقِسْطُ فَيُقَوِّمُ بِهِ، وَجَوَابُهُ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّ الْحُكْمَ بِالْعِلْمِ مِنْ الْقِسْطِ بَلْ هُوَ عِنْدَنَا مُحَرَّمٌ. (وَرَابِعُهَا) أَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يُحْكَمَ بِالظَّنِّ النَّاشِئِ عَنْ قَوْلِ الْبَيِّنَةِ فَالْعِلْمُ أَوْلَى، وَمِنْ الْعَجَبِ جَعْلُ الظَّنِّ خَيْرًا مِنْ الْعِلْمِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْعِلْمَ أَفْضَلُ مِنْ الظَّنِّ إلَّا أَنَّ اسْتِلْزَامَهُ لِلتُّهْمَةِ، وَفَسَادِ مَنْصِبِ الْقَضَاءِ أَوْجَبَ مَرْجُوحِيَّتِهِ لِأَنَّ الظَّنَّ فِي الْقَضَاءِ يَخْرِقُ الْأُبَّهَةَ، وَيَمْنَعُ مِنْ نُفُوذِ الْمَصَالِحِ. (وَخَامِسُهَا) أَنَّ التُّهْمَةَ قَدْ تَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْبَيِّنَةِ فَيَقْبَلُ مَنْ لَا يُقْبَلُ، وَجَوَابُهُ أَنَّ التُّهْمَةَ مَعَ مُشَارَكَةِ الْغَيْرِ أَضْعَفُ بِخِلَافِ مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التُّهَمَ كُلَّهَا لَيْسَتْ مُعْتَبَرَةٌ بَلْ بَعْضُهَا. (وَسَادِسُهَا) أَنَّ الْعَمَلَ وَاجِبٌ بِمَا نَقَلَتْهُ الرُّوَاةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا سَمِعَهُ الْمُكَلَّفُ أَوْلَى أَنْ يَعْمَلَ بِهِ، وَيَحْكُمَ بِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْفُتْيَا تُثْبِتُ شَرْعًا عَامًّا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالْقَضَاءُ فِي

أَوْلَادَهُ، وَلِأَنَّهُمْ يَتَدَيَّنُونَ فِي الْحُقُوقِ قَالَ تَعَالَى {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75] وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ، وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ مِنْ غَيْرِ حِلْفِكُمْ. فَمَا تَعَيَّنَ مَا قُلْتُمُوهُ، وَمَعْنَى الشَّهَادَةِ التَّحَمُّلُ، وَنَحْنُ نُجِيزُهُ أَوْ الْيَمِينُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 106] كَمَا قَالَ فِي اللِّعَانِ أَوْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَيَّرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَدَلَّ عَلَى نَسْخِهِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ مِنْ شَرْطِهِ الْإِسْلَامُ مَعَ أَنَّهُ نَقَلَ أَنَّهُمَا اعْتَرَفَا بِالزِّنَا فَلَمْ يَرْجُمْهُمَا بِالشَّهَادَةِ مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ إنَّمَا رَجَمَهُمَا بِالْوَحْيِ لِأَنَّ التَّوْرَاةَ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا لِمَا فِيهَا مِنْ التَّحْرِيفِ، وَشَهَادَةُ الْكُفَّارِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ كَانَ حَدُّ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ الْجَلْدُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْوَحْيُ الَّذِي يَخُصُّهُمَا، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الْفِسْقَ. وَإِنْ نَافَى الشَّهَادَةَ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي الْوِلَايَةَ لِأَنَّ وَازِعَهَا طَبِيعِيٌّ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ وَازِعُهَا دِينِيٌّ فَافْتَرَقَا لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْكُفَّارِ عِنْدَنَا فَاسِدٌ، وَالْإِسْلَامُ يُصَحِّحُهُ، وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران: 75] فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ مَا لَنَا، وَجَمِيعُ أَدِلَّتِكُمْ مُعَارَضَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الجاثية: 21] فَنَفَى تَعَالَى التَّسْوِيَةَ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَإِلَّا لَحَصَلَتْ التَّسْوِيَةُ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20] قَالَ الْأَصْحَابُ، وَنَاسِخُ الْآيَةِ قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] (فَرْعٌ مُرَتَّبٌ) قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ لَوْ رَضِيَ الْخَصْمُ بِالْحُكْمِ بِالْكَافِرِ أَوْ الْمَسْخُوطِ لَمْ يَحْكُمْ لَهُ بِهِ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. (الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ) الشَّاهِدَانِ وَالْيَمِينُ مَا عَلِمْتُ عِنْدَنَا، وَلَا عِنْدَ غَيْرِنَا خِلَافًا فِي قَبُولِ شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ فِي الدِّمَاءِ وَالدُّيُونِ. وَقَالَ مَالِكٌ إنْ شَهِدَا لَهُ بِعَيْنٍ فِي يَدِ أَحَدٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا حَتَّى يَحْلِفَ مَا بَاعَ، وَلَا وَهَبَ، وَلَا خَرَجَتْ عَنْ يَدِهِ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ الْمُزِيلَةِ لِلْمِلْكِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَالْقَضَاءُ، وَعَلَّلَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَاعَهَا لِهَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ لِمَنْ اشْتَرَاهَا هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْهُ، وَمَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ، وَهَذَا مُشْكِلٌ بِالدُّيُونِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ دَفَعَهُ لَهُ أَوْ عَاوَضَهُ عَلَيْهِ. وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا اعْتِبَارَ بِهَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لَا سِيَّمَا، وَجُلُّ الشَّهَادَاتِ فِي الدِّمَاءِ، وَغَيْرِهَا الِاسْتِصْحَابُ، وَإِذَا قَبِلْنَاهُمَا فِي الْقَتْلِ، وَيُقْتَلُ بِهِمَا مَعَ جَوَازِ الْعَفْوِ فَلَأَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَرْدٍ لَا يَتَعَدَّى لِغَيْرِهِ فَخَطَرُهُ أَقَلُّ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ وَالسَّمَاعَ وَالرُّؤْيَةَ اسْتَوَى الْجَمِيعُ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْعِلْمِ بِخِلَافِ الْحُكْمِ. (وَسَابِعُهَا) أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْكَمْ بِعِلْمِهِ لِفِسْقٍ فِي صُوَرٍ: (مِنْهَا) أَنْ يَعْلَمَ وِلَادَةَ امْرَأَةٍ عَلَى فِرَاشِ رَجُلٍ فَتَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ فَإِنْ قَبِلَ الْبَيِّنَةَ مَكَّنَهُ مِنْ وَطْئِهَا، وَهِيَ ابْنَتُهُ، وَهُوَ فِسْقٌ، وَإِلَّا حَكَمَ بِعِلْمِهِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. (وَمِنْهَا) أَنْ يَعْلَمَ قَتْلَ زَيْدٍ لِعَمْرٍو فَتَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ الْقَاتِلَ غَيْرُهُ فَإِنْ قَبِلَهَا، وَقَتَلَهُ قَتَلَ الْبَرِيءَ، وَهُوَ فِسْقٌ، وَإِلَّا حَكَمَ بِعِلْمِهِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. (وَمِنْهَا) لَوْ سَمِعَهُ يُطَلِّقُ ثَلَاثًا فَأَنْكَرَ فَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِوَاحِدَةٍ فَإِنْ قَبِلَ الْبَيِّنَةَ مَكَّنَ مِنْ الْحَرَامِ، وَهُوَ فِسْقٌ، وَإِلَّا حَكَمَ بِعِلْمِهِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَجَوَابُهُ أَنَّ تِلْكَ الصُّوَرِ لَمْ يَحْكُمْ فِيهَا بِعِلْمِهِ بَلْ تَرْكُ الْحُكْمِ، وَتَرْكُهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ لَيْسَ فِسْقًا، وَتَرْكُ الْحُكْمِ لَيْسَ بِحُكْمٍ (وَثَامِنُهَا) «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى فَرَسًا فَجَحَدَهُ الْبَائِعُ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ يَشْهَدُ لِي فَقَالَ خُزَيْمَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَشْهَدُ لَك فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ تَشْهَدُ وَلَا حَضَرْت فَقَالَ خُزَيْمَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْبِرُنَا عَنْ خَبَرِ السَّمَاءِ فَنُصَدِّقُك أَفَلَا نُصَدِّقُك فِي هَذَا فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَا الشَّهَادَتَيْنِ» فَهَذَا وَإِنْ اسْتَدَلَّ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى عَدَمِ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ فَهُوَ يَدُلُّ لَنَا مِنْ جِهَةِ حُكْمِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِنَفْسِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لِغَيْرِهِ بِعِلْمِهِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ فِي التُّهْمَةِ مِنْ الْقَضَاءِ لِنَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا حَكَمَ لِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَخَذَ الْفَرَسَ قَهْرًا مِنْ الْأَعْرَابِيِّ فَقَدْ اُخْتُلِفَ هَلْ حَكَمَ أَمْ لَا، وَهَلْ جَعَلَ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ بِشَهَادَتَيْنِ حَقِيقَةً أَوْ مُبَالَغَةً فَمَا تَعَيَّنَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ. وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا سَمَّى خُزَيْمَةَ ذَا الشَّهَادَتَيْنِ مُبَالَغَةً لَا حَقِيقَةً. (وَتَاسِعُهَا) الْقِيَاسُ عَلَى التَّجْرِيحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ لِأَنَّهُ فِي التَّجْرِيحِ أَوْ التَّعْدِيلِ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ نَفْيًا لِلتَّسَلْسُلِ الْحَاصِلِ إذَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِالْجَرْحِ أَوْ التَّعْدِيلِ، وَتَحْتَاجُ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةً أُخْرَى، وَهَكَذَا بِخِلَافِ صُورَةِ النِّزَاعِ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ فِي الْمَعُونَةِ قَدْ قِيلَ هَذَا لَيْسَ حُكْمًا، وَإِلَّا لَمْ يَتَمَكَّنْ غَيْرُهُ مِنْ نَقْضِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ تَرْكُ شَهَادَتِهِ، وَتَفْسِيقُهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ حُكْمًا لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَهِيَ مُرَتَّبَةٌ عَلَى الْأُولَى قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ: إذَا حَكَمَ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ قَبْلَ الْوِلَايَةِ أَوْ بَعْدَهَا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكُومَةِ أَوْ فِيهِ فَلِلْقَاضِي الثَّانِي نَقْضُهُ فَإِنْ أَقَرَّ الْخَصْمُ بَعْدَ جُلُوسَهُمَا لِلْحُكُومَةِ ثُمَّ أَنْكَرَ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَحْكُمُ بِهِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ

يَقْضِيَ بِهِمَا فِي الْأَمْوَالِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَبِالْجُمْلَةِ فَاشْتِرَاطُ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ ضَعِيفٌ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] ، وَظَاهِرُ هَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّهُمَا حُجَّةٌ تَامَّةٌ، وَمَا عَلِمْت أَنَّهُ وَرَدَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي اشْتِرَاطِ الْيَمِينِ وَإِثْبَاتُ الْمَشْرُوطِ بِمُجَرَّدِ الْمُنَاسَبَاتِ وَالِاحْتِمَالَاتِ صَعْبٌ فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ لَا نَقْبَلُ فِي الدِّمَاءِ مَنْ فِي طَبْعِهِ خَوَرٌ أَوْ خَوْفٌ مِنْ الْقَتْلِ مَعَ تَبْرِيزِهِ فِي الْعَدَالَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَبْعَثُهُ عَلَى حَسْمِ مَادَّةِ الْقَتْلِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الدِّمَاءِ وَأَحْكَامِ الْأَبْدَانِ الشُّبَّانُ مِنْ الْعُدُولِ بَلْ الشُّيُوخُ لِعِظَمِ الْخَطَرِ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْمُسَبَّبَاتِ وَالْمُنَاسَبَاتِ كَانَ هَذَا مُرُوقًا مِنْ الْقَوَاعِدِ، وَمُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ لَا سِيَّمَا، وَالْقِيَاسُ عَلَى الدَّيْنِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ فِي غَايَةِ الْعُسْرِ، وَإِثْبَاتُ شَرْطٍ بِغَيْرِ حُجَّةٍ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ ثَبَتَ الْفَرْقُ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَغَيْرِهِ عَدَمُ هَذَا الشَّرْطِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. (الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ) الْأَرْبَعَةُ فِي الزِّنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] (تَنْبِيهٌ) فِي نَظَائِرِ أَبِي عِمْرَانَ يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُ الشُّهُودِ عِنْدَ الْأَدَاءِ فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي غَيْرِهِمَا، وَصَعْبٌ عَلَى دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُنَاسَبَاتِ بِمُجَرَّدِهَا لَا تَكْفِي فِي اشْتِرَاطِ الشُّرُوطِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قِيَاسٍ صَحِيحٍ أَوْ نَصٍّ صَرِيحٍ، وَأَمَّا قَوْلُنَا ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي طَلَبِ السَّتْرِ عَلَى الزُّنَاةِ وَحِفْظِ الْأَعْضَاءِ عَنْ الضَّيَاعِ فَهَذَا لَا يَكْفِي فِي هَذَا الشَّرْطِ فَيُمْكِنُ أَيْضًا عَلَى هَذَا السِّيَاقِ أَنْ نَشْتَرِطَ التَّبْرِيزَ فِي الْعَدَالَةِ لَوْ يَكُونُ الشَّاهِدُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْوِلَايَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ الْمُنَاسَبَاتِ، وَهِيَ عَلَى خِلَافِ الِاجْتِمَاعِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا اتِّبَاعُ مَوَارِدِ النُّصُوصِ وَالْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ صَعْبٌ جِدًّا. (الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ) الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَبَالَغَ فِي نَقْضِ الْحُكْمِ أَنْ حَكَمَ بِهِ قَائِلًا هُوَ بِدْعَةٌ، وَأَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهِ مُعَاوِيَةُ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ بِهِ، وَالْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ، وَغَيْرُهُمْ لَنَا وُجُوهٌ (الْأَوَّلُ) مَا فِي الْمُوَطَّإِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» ، وَرُوِيَ فِي الْمَسَانِيدِ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ رِوَايَةً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ (الثَّانِي) إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ، وَعَدَدٍ كَثِيرٍ مِنْ غَيْرِ مُخَالِفٍ رَوَى ذَلِكَ النَّسَائِيّ، وَغَيْرُهُ (الثَّالِثُ) وَلِأَنَّ الْيَمِينَ تُشْرَعُ فِي حَقِّ مَنْ ظَهَرَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَحْكُمُ بِهِ فَلَوْ جَحَدَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَقَرَّ فِي مَوْضِعٍ يَقْبَلُ مَا رَجَعَ إلَيْهِ مِنْ حُجَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا بَعْدَ الْجُحُودِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٍ قَالَ اللَّخْمِيُّ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ، وَلَا أَرَى أَنْ يُبَاحَ هَذَا الْيَوْمَ لِأَحَدٍ مِنْ الْقُضَاةِ، وَاخْتُلِفَ إذَا حَكَمَ فَقَالَ مُحَمَّدٌ أَرَى أَنْ يَنْقُضَ حُكْمَهُ هُوَ نَفْسُهُ مَا كَانَ قَاضِيًا لَمْ يُعْزَلْ فَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْقُضَاةِ فَلَا أُحِبُّ لَهُ نَقْضَهُ قَالَ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ يَنْقُضُهُ هُوَ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ رَأْيِهِ، وَقِيلَ لَا يَنْقُضُهُ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ رَأْيٍ إلَى رَأْيٍ فَإِنْ كَانَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ لَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ الْأَوَّلُ شَيْئًا، وَيَنْظُرُ إلَى مَنْ يُقَلِّدُهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَرَى الْحُكْمَ بِمِثْلِ الْأَوَّلِ لَمْ يَنْقُضْهُ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يُؤَدِّي مَعَ فَسَادِ حَالِ الْقُضَاةِ الْيَوْمَ إلَى الْقَضَاءِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّ كُلَّهُمْ حِينَئِذٍ يَدَّعِي الْعَدَالَةَ فَيَنْقُضُهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الذَّرِيعَةِ فَهَذَا ضَرْبٌ مِنْ الِاجْتِهَادِ اهـ. قَالَ الْأَصْلُ فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ يُنْقَضُ، وَإِنْ كَانَ مُدْرَكًا مُخْتَلَفًا فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْمُدْرَكُ فِي النَّقْضِ كَوْنَهُ مُدْرَكًا مُخْتَلَفًا فِيهِ فَاَلَّذِي يَنْقُضُ بِهِ لَا يَعْتَقِدُهُ فَالْحُكْمُ وَقَعَ عِنْدَهُ بِغَيْرِ مُدْرَكٍ، وَالْحُكْمُ بِغَيْرِ مُدْرَكٍ يُنْقَضُ فَنَقَضَهُ لِذَلِكَ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا نَقْضُ الْحُكْمِ إذَا وَقَعَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ. وَقَدْ نَصَّ عَلَى نَقْضِهِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَالَ هُوَ بِدْعَةٌ أَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهِ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ بَلْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْقَضَاءِ بِهِ، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يُجِيزُ الْحُكْمَ إلَّا بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَالْحُكْمُ الْوَاقِعُ بِشَهَادَةِ الصِّبْيَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَغَيْرِهِ فَإِنَّهَا مُدْرَكٌ ضَعِيفٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَيَتَطَرَّقُ النَّقْضُ لِجَمِيعِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَ الْمُخَالِفِ بِغَيْرِ مُدْرَكٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَنَدُ فِي نَقْضِ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ لَيْسَ كَوْنَهُ مُدْرَكًا مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَأَنَّا لَا نَعْتَقِدُهُ مُدْرَكًا بَلْ مُسْتَنَدًا لِنَفْيِ التُّهْمَةِ كَمَا يَنْقُضُهُ إذَا حَكَمَ لِنَفْسِهِ فَلَا يُشَارِكُهُ فِي النَّقْضِ جَمِيعُ غَيْرِهِ مِنْ الْمَدَارِكِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَعَ أَنِّي قَدْ تُرَجَّحُ عِنْدِي فِيمَا وَضَعْته فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْمُدْرَكِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ فِيهِ، وَيُعَيِّنُهُ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ الْمُدْرَكِ مَوْطِنُ اجْتِهَادٍ فَيَتَعَيَّنُ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ بِالْحُكْمِ فِيهِ كَمَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ فِي الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا الْمُخْتَلَفِ فِيهَا اهـ. كَلَامُ الْأَصْلِ بِلَفْظِهِ وَسَلَّمَهُ، وَسَائِرَ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ، وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُ التَّسَوُّلِيِّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ إنْ حَكَمَ فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ تَتَقَارَبُ فِيهَا الْمَدَارِكُ لِأَجْلِ مَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ فَحُكْمُهُ إنْشَاءُ رَفْعٍ لِلْخِلَافِ فَإِذَا قَضَى الْمَالِكِيُّ مَثَلًا بِلُزُومِ الطَّلَاقِ فِي الَّتِي عُلِّقَ طَلَاقُهَا عَلَى نِكَاحِهَا فَقَضَاؤُهُ إنْشَاءُ نَصٍّ خَاصٍّ وَارِدٍ مِنْ قِبَلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يُفْتِيَ فِيهَا

صِدْقُهُ وَقَوِيَ جَانِبُهُ، وَقَدْ ظَهَرَ لَك فِي حَقِّهِ بِشَاهِدِهِ (الرَّابِعُ) أَنَّهُ أَحَدُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فَتُشْرَعُ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ إذَا رَجَحَ جَانِبُهُ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ (الْخَامِسُ) قِيَاسًا لِلشَّاهِدِ عَلَى الْيَدِ (السَّادِسُ) وَلِأَنَّ الْيَمِينَ أَقْوَى مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ لِدُخُولِهَا فِي اللِّعَانِ دُونَ الْمَرْأَتَيْنِ، وَقَدْ حَكَمَ بِالْمَرْأَتَيْنِ مَعَ الشَّاهِدِ فَيَحْكُمُ بِالْيَمِينِ (السَّابِعُ) وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْبَيَانِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ يُبَيِّنُ الْحَقَّ (الثَّامِنُ) قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] وَهَذَا لَيْسَ بِفَاسِقٍ فَوَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] فَحَصَرَ الْمَشْرُوعَ عِنْدَ عَدَمِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ زِيَادَةً فِي النَّصِّ، وَالزِّيَادَةُ نَسْخٌ، وَهُوَ لَا يُقْبَلُ فِي الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (الثَّانِي) «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِحَضْرَمِيِّ ادَّعَى عَلَى كِنْدِيٍّ شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» ، وَلَمْ يَقُلْ شَاهِدُك، وَيَمِينُك (الثَّالِثُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَحَصَرَ الْبَيِّنَةَ فِي جِهَةِ الْمُدَّعَى، وَالْيَمِينَ فِي جِهَةِ الْمُنْكِرِ لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ مَحْصُورٌ فِي خَبَرِهِ، وَاللَّامُ لِلْعُمُومِ فَلَمْ تَبْقَ يَمِينٌ فِي جِهَةِ الْمُدَّعِي (الرَّابِعُ) أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ نَقْلُ الْبَيِّنَةِ لِلْمُنْكِرِ تَعَذَّرَ نَقْلُ الْيَمِينِ لِلْمُدَّعِي (الْخَامِسُ) الْقِيَاسُ عَلَى أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ (السَّادِسُ) أَنَّ الْيَمِينَ لَوْ كَانَ كَالشَّاهِدِ لَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الشَّاهِدِ كَأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ مَعَ الْآخَرِ، وَلَجَازَ إثْبَاتُ الدَّعْوَى بِيَمِينٍ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ زِيَادَةٌ سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ تَمْنَعُ أَنَّهُ نَسْخٌ لِأَنَّ النَّسْخَ الرَّفْعُ، وَلَمْ يَرْتَفِعْ شَيْءٌ، وَارْتِفَاعُ الْحَصْرِ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ غَيْرَ الْمَذْكُورِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَكَوْنُهُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ يَرْجِعُ إلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصِيلَةِ، وَالْبَرَاءَةُ الْأَصِيلَةُ تَرْجِعُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْآيَةَ وَارِدَةٌ فِي التَّحَمُّلِ دُونَ الْأَدَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] ، وَالشَّرْطُ لِلِاسْتِقْبَالِ فَهُوَ لِلتَّحَمُّلِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282] ، وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ لَا تَدْخُلُ فِي التَّحَمُّلِ فَالْحَصْرُ فِي التَّحَمُّلِ بَاقٍ، وَلَا نَسْخَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ تُشْرَعُ فِي حَقِّ مَنْ ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ، وَجَمِيعُ الْأُمَنَاءِ وَالْقَسَامَةِ، وَاخْتِلَافُ الْمُتَبَايِعَيْنِ، وَيُنْتَقَضُ مَا ذَكَرْتُمُوهُ بِالنُّكُولِ، وَهُوَ زِيَادَةٌ فِي حُكْمِ الْآيَةِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْحَصْرَ لَيْسَ مُرَادًا بِدَلِيلِ الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَلِأَنَّهُ قَضَاءٌ يَخُصُّ بِاثْنَيْنِ لِخُصُوصِ حَالِهِمَا فَيَعُمُّ ذَلِكَ النَّوْعُ، وَنَحْنُ نَقُولُ كُلُّ مَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِعَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ اسْتِنَادًا لِدَلِيلِهِ الْعَامِّ الشَّامِلِ لِهَذِهِ الصُّورَةِ وَلِغَيْرِهَا لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى نَصًّا خَالِصًا وَارِدًا مِنْ قِبَلِهِ رَفْعًا لِلْخُصُومَاتِ، وَقَطْعًا لِلْمُشَاجَرَةِ، وَالْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ إذَا تَعَارَضَ خَاصٌّ وَعَامٌّ قُدِّمَ الْخَاصُّ نَعَمْ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يُفْتِيَ وَيَحْكُمَ فِي غَيْرِهَا بِمُقْتَضَى دَلِيلِهِ كَذَا لَوْ حَكَمَ الشَّافِعِيُّ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ بِاسْتِمْرَارِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا خَرَجَتْ عَنْ دَلِيلِ الْمَالِكِيِّ، وَلَزِمَهُ أَنْ يُفْتِيَ فِيهَا بِلُزُومِ النِّكَاحِ وَدَوَامِهِ، وَفِي غَيْرِهَا بِلُزُومِ الطَّلَاقِ، وَهَكَذَا حُكْمُهُ فِي مَوَاطِنِ الْخِلَافِ كَانَ دَاخِلَ الْمَذْهَبِ أَوْ خَارِجَهُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ خَلِيلٍ، وَرُفِعَ الْخِلَافُ إلَخْ قُلْت وَهَذَا فِي الْمُجْتَهِدِ أَوْ الْمُقَلِّدِ الَّذِي مَعَهُ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ مِنْ النَّظَرِ مَا يُرَجِّحُ بِهِ أَحَدَ الدَّلِيلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ. وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَمُحْجَرٌ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ أَوْ الرَّاجِحُ أَوْ مَا بِهِ الْعَمَلُ فَحُكْمُهُ بِذَلِكَ إخْبَارٌ وَتَنْفِيذٌ مَحْضٌ نَعَمْ إذَا تَسَاوَى الْقَوْلَانِ فِي التَّرْجِيحِ فَحُكْمُهُ إنْشَاءُ رَفْعٍ لِلْخِلَافِ، وَخَرَجَ بِاجْتِهَادِيَّةٍ حُكْمُ حُكْمِهِ فِي مَوَاضِعِ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُ إخْبَارٌ مَحْضٌ لَا إنْشَاءَ فِيهِ لِتَعْيِينِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ وَثُبُوتِهِ، وَيُقَيِّدُ التَّقَارُبُ إلَخْ الْمُدْرَكَ الضَّعِيفَ كَالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ وَاسْتِسْعَاءِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ فَالْحُكْمُ بِسُقُوطِهِمَا إخْبَارٌ مَحْضٌ، وَالْحُكْمُ بِثُبُوتِهِمَا يُنْقَضُ لِضَعْفِ الْمُدْرَكِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ، وَيُقَيِّدُ الْمَصْلَحَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ الْعِبَادَاتُ، وَتَحْرِيمُ السِّبَاعِ، وَطَهَارَةُ الْأَوَانِي وَالْمِيَاهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الِاجْتِهَادِ لَا لِلدُّنْيَا بَلْ لِلْآخِرَةِ فَهَذِهِ تَدْخُلُهَا الْفَتْوَى فَقَطْ إذْ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ بِخِلَافِ الْمُنَازَعَةِ فِي الْأَمْلَاكِ وَالْأَوْقَافِ وَالرُّهُونِ وَنَحْوِهَا مِمَّا اخْتَلَفَتْ فِيهَا الْمَصْلَحَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ، وَكَذَا أَخْذُهُ لِلزَّكَاةِ فِي مَوَاطِنِ الْخِلَافِ فَهُوَ حُكْمٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ تَنَازُعٌ بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ لَا إنْ أَخْبَرَ عَنْ نِصَابٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ أَنَّهُ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فَفَتْوَى فَقَطْ اهـ. الْمُرَادُ بِتَوْضِيحِ مَا هُوَ عَيْنُ مَا يَأْتِي لِلْأَصْلِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ، وَيَأْتِي فِيهِ مَا لِأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الشَّاطِّ مِنْ الْبَحْثِ فَتَرَقَّبْ. 2 - (فَائِدَتَانِ الْأُولَى) الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ بِفَتْحِ الْجِيمِ مَا يَقْتَضِيهِ الدَّلِيلُ، وَبِكَسْرِهَا الدَّلِيلُ، وَهُوَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ تَسْلِيمُ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ بِأَنْ يَظْهَرَ عَدَمُ اسْتِلْزَامِهِ الدَّلِيلَ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ وَشَاهِدُهُ أَيْ الدَّالُّ عَلَى اعْتِبَارِهِ قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ} [المنافقون: 8] فِي جَوَابِ {لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون: 8] الْمَحْكِيِّ عَنْ الْمُنَافِقِينَ أَيْ صَحِيحُ ذَلِكَ لَكِنْ هُمْ الْأَذَلُّ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ الْأَعَزُّ، وَقَدْ أَخْرَجَاهُمْ فَقَدْ سَلِمَ مُوجَبُ الدَّلِيلِ وَمُقْتَضَاهُ مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ فِي الْأَعَزِّ مَنْ هُوَ، وَالْأَذَلُّ مَنْ هُوَ، وَلَيْسَ هُوَ تَلَقِّي الْمُخَاطَبِ بِغَيْرِ مَا يَتَرَقَّبُ فَقَطْ الَّذِي اصْطَلَحَ عَلَيْهِ أَرْبَابُ الْمَعَانِي كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَشَرْحِ الْمَحَلِّيّ وَعَطَّارِهِ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135]

[الفرق بين قاعدة الفتوى وقاعدة الحكم]

وُجِدَ فِي حَقِّهِ تِلْكَ الصِّفَةُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا شَاهِدَانِ، وَعَلَيْكُمْ أَنْ تُبَيِّنُوا تِلْكَ الْحَالَةَ مِمَّا قُلْنَا نَحْنُ فِيهَا بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي عَلَى الْمُنْكِرِ لَا تَتَعَدَّاهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي عَلَيْهِ هِيَ الْيَمِينُ الدَّافِعَةُ وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ هِيَ الْجَالِبَةُ فَهِيَ غَيْرُهَا فَلَمْ يَبْطُلْ الْحَصْرُ، وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِكُمْ لَمَّا لَمْ تَتَحَوَّلْ الْبَيِّنَةُ لَمْ تَتَحَوَّلْ الْيَمِينُ فَإِنَّا لَمْ نُحَوِّلْ تِلْكَ الْيَمِينَ بَلْ أَثْبَتْنَا يَمِينًا أُخْرَى بِالسُّنَّةِ مَعَ أَنَّ التَّحْوِيلَ وَاقِعٌ غَيْرُ مُنْكَرٍ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُنْكِرِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، وَلَوْ ادَّعَى الْقَضَاءَ كَانَ لَهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ مَعَ أَنَّهَا بَيِّنَةٌ ثَابِتَةٌ فِي الْحَالَيْنِ، وَعَنْ الرَّابِعِ بِأَنَّ أَحْكَامَ الْأَبْدَانِ أَعْظَمُ، وَلِذَلِكَ لَا يُقْبَلَ فِيهَا النِّسَاءَ، وَعَنْ الْخَامِسِ الْفَرْقُ بِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ مَعْنَاهُمَا مُسْتَوِيَانِ فَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي التَّقْدِيمِ، وَأَمَّا الْيَمِينُ فَإِنَّمَا تَدْخُلُ لِتَقْوِيَةِ جِهَةِ الشَّاهِدِ فَقَبْلَهُ لَا قُوَّةَ فَلَا تَدْخُلُ، وَلَا تُشْرَعُ، وَالشَّاهِدَانِ شَرْعًا لِأَنَّهُمَا حُجَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ مَعَ الضَّعْفِ (تَنْبِيهٌ) وَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ، وَخَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ قِيَامِ شَاهِدٍ فَإِنْ نَكَلَ حَلِفُ الْمُدَّعِي لَنَا وُجُوهٌ (الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ، وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» فَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِمَا فَمَنْ قَالَ بِالْيَمِينِ مَعَ النُّكُولِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ (الثَّانِي) قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَإِنَّمَا أَمَرَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا سَبَبُ الثُّبُوتِ فَيَنْحَصِرُ الثُّبُوتُ فِيهَا، وَإِلَّا لَزِمَ الْبَيَانُ فِي تَأْسِيسِ الْقَوَاعِدِ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَعَمَلًا بِالْمَفْهُومِ (الثَّالِثُ) أَنَّ الشَّاهِدَ، وَالْمَرْأَتَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْيَمِينِ وَالنُّكُولِ لِأَنَّهَا حُجَّةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعِي، وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهَا فَلَا يَثْبُتُ بِالْآخَرِ (الرَّابِعُ) مَا ذَكَرُوهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِبَاحَةِ الْفُرُوجِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّهُ إذَا أَحَبَّهَا ادَّعَى عَلَيْهَا فَتُنْكِرُ فَيُحَلِّفُهَا فَتَنْكُلُ فَيَحْلِفُ، وَيَسْتَحِقُّهَا بِتَوَاطُؤٍ مِنْهُمَا (الْخَامِسُ) أَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَكْرَهُ زَوْجَهَا فَتَدَّعِي عَلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَتُحَلِّفُهُ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ تَدَّعِي الْعِتْقَ، وَهَذَا ضَرَرٌ عَظِيمٌ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ (أَحَدُهَا) قَضِيَّةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ، وَهِيَ فِي الصِّحَاحِ، وَقَالَ فِيهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ خَمْسِينَ يَمِينًا (الثَّانِي) أَنَّ كُلَّ حَقٍّ تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِذَا نَكَلَ رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعِي قِيَاسًا عَلَى الْمَالِ (الثَّالِثُ) الْقِيَاسُ عَلَى اللِّعَانِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تُحَدُّ بِيَمِينِ الزَّوْجِ، وَنُكُولِهَا مِنْ الْيَمِينِ (الرَّابِعُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ، وَهُوَ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ صُورَةَ النِّزَاعِ (الْخَامِسُ) «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لِرُكَانَةَ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ مَا أَرَدْت بِالْبَتَّةِ قَالَ وَاحِدَةً فَقَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُسَلَّمٌ مُقْتَضَاهُ، وَهُوَ وُجُوبُ الْقِيَامِ بِالْقِسْطِ أَيْ الْعَدْلِ مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ فِي كَوْنِ الْحُكْمِ بِالْعِلْمِ مِنْهُ أَمْ لَا، وَهُوَ الَّذِي نَقُولُهُ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عِنْدَنَا فَتَنَبَّهْ قَالَ الْعَطَّارُ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ، وَجَعَلَ الْأُصُولِيُّونَ الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ مِنْ الْقَوَادِحِ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي تَسْلِيمَهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَسْلِيمَ الدَّلِيلِ عَلَى مُدَّعِي الْمُسْتَدِلِّ بَلْ تَسْلِيمُ صِحَّتِهِ عَلَى خِلَافِهِ فَهُوَ قَادِحٌ فِي الْعِلَّةِ اهـ. بِتَوْضِيحٍ (الثَّانِيَةُ) فِي شَرْحِ التَّسَوُّلِيِّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ مِثْلُ التَّجْرِيحِ وَالتَّعْدِيلِ فِي جَوَازِ الْحُكْمِ بِعِلْمِهِ تَأْدِيبُ مَنْ أَسَاءَ عَلَيْهِ، وَضَرْبُ خَصْمٍ لَهُ إلَخْ فَمَا يُسْتَنَدُ فِيهِ لِعِلْمِهِ جِنْسٌ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ اهـ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْفَتْوَى وَقَاعِدَةِ الْحُكْمِ] (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْفَتْوَى وَقَاعِدَةِ الْحُكْمِ) : وَهُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ خَبَرًا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَجِبُ عَلَى السَّامِعِ اعْتِقَادُ ذَلِكَ، وَيَلْزَمُ ذَلِكَ الْمُكَلَّفَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ إلَّا أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا مِنْ جِهَتَيْنِ: (الْجِهَةُ الْأُولَى) أَنَّ الْفَتْوَى مَحْضُ إخْبَارٍ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي إلْزَامٍ أَوْ إبَاحَةٍ، وَالْحُكْمُ إخْبَارُ مَا لَهُ الْإِنْشَاءُ وَالْإِلْزَامُ أَيْ التَّنْفِيذُ وَالْإِمْضَاءُ لِمَا كَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ فَتْوَى فَالْمُفْتِي مَعَ اللَّهِ تَعَالَى كَالْمُتَرْجِمِ مَعَ الْقَاضِي يَنْقُلُ عَنْهُ مَا، وَجَدَهُ عِنْدَهُ، وَاسْتَفَادَهُ مِنْهُ بِإِشَارَةٍ أَوْ عِبَارَةٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ تَقْرِيرٍ أَوْ تَرْكٍ، وَالْحَاكِمُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى كَنَائِبِ الْحَاكِمِ يُنَفِّذُ وَيُمْضِي بَيْنَ الْخُصُومِ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فَتْوَى، وَلَيْسَ بِنَاقِلٍ ذَلِكَ عَنْ مُسْتَنِيبِهِ بَلْ مُسْتَنِيبُهُ قَالَ لَهُ أَيُّ شَيْءٍ حَكَمْت بِهِ عَلَى الْقَوَاعِدِ فَقَدْ جَعَلْته حُكْمِي فَكَمَا أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَرْجَمِ عَنْ الْقَاضِي، وَنَائِبِ الْقَاضِي مُوَافِقٌ لِلْقَاضِي وَمُطِيعٌ لَهُ وَسَاعٍ فِي تَنْفِيذِ مُرَادِهِ غَيْرَ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَنْقُلُ نَقْلًا مَحْضًا مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ لَهُ فِي التَّنْفِيذِ وَالْإِمْضَاءِ بَيْنَ الْخُصُومِ، وَالْآخَرُ يُنَفِّذُ، وَيُمْضِي مَا يَجْتَهِدُ فِيهِ مِنْ الْأَحْكَامِ عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ بَيْنَ الْخُصُومِ كَذَلِكَ الْمُفْتِي، وَالْحَاكِمُ كِلَاهُمَا مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى قَابِلٌ لِحُكْمِهِ غَيْرَ أَنَّ الْمُفْتِيَ مُخْبِرٌ مَحْضٌ، وَالْحَاكِمُ مُنَفِّذٌ وَمُمْضٍ هَذَا، وَتَقْرِيرُ هَذِهِ الْجِهَةِ عَلَى مَا ذُكِرَ هُوَ مَا صَحَّحَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ التَّسَوُّلِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ، وَمِنْ قَوْلِهِ، وَيَجِبُ عَلَى السَّامِعِ اعْتِقَادُ ذَلِكَ إلَخْ قَالَ قَاضٍ لِخَصْمِهِ اتَّهَمَهُ فِي حُكْمِهِ أَيْ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ لَسْت بِمُؤْمِنٍ فَقَالَ، وَبِمَ كَفَّرْتنِي قَالَ لَهُ قَالَ تَعَالَى {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] اهـ. (الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ كُلَّ مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْحُكْمُ تَتَأَتَّى فِيهِ الْفَتْوَى، وَلَا عَكْسَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعِبَادَاتِ كُلَّهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ

لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاَللَّهِ مَا أَرَدْتَ إلَّا وَاحِدَةً فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْتُ إلَّا وَاحِدَةً» فَحَلَّفَهُ بَعْدَ دَعْوَى امْرَأَتِهِ الثَّلَاثِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأَيْمَانَ تَثْبُتُ بَعْدَ اللَّوْثِ، وَهُوَ وُجُودُهُ مَطْرُوحًا بَيْنَهُمْ، وَهُمْ أَعْدَاؤُهُ، وَغَلَّظَتْ خَمْسِينَ يَمِينًا بِخِلَافِ صُورَةِ النِّزَاعِ فِي الْمَقِيسِ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ نَادِرٌ، وَفِي الْخَلَوَاتِ حَيْثُ يَتَعَذَّرُ الْإِشْهَادُ فَغَلُظَ أَمْرُهُ لِحُرْمَةِ الدِّمَاءِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَاهُنَا لَا يَحْلِفُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى فَانْحَسَمَتْ الْمَادَّةُ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ اللِّعَانَ مُسْتَثْنًى لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ هَاهُنَا فَجُعِلَتْ الْأَيْمَانُ مَقَامُ الشَّهَادَةِ لِتَعَذُّرِهَا، وَضَرُورَةِ الْأَزْوَاجِ لِنَفْيِ الْعَارِ وَحِفْظِ النَّسَبِ، وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الضَّرُورَاتِ، وَخَطَرِ الْبَابِ، وَعَنْ الْخَامِسِ، وَإِنْ صَحَّ الْفَرْقُ أَنَّ أَصْلَ الطَّلَاقِ يَثْبُتُ بِلَفْظٍ صَالِحٍ بَلْ ظَاهِرٍ لِلثَّلَاثِ، وَدَعْوَى الْمَرْأَةِ أَصْلَ الطَّلَاقِ لَيْسَ فِيهِ ظُهُورٌ بَلْ مَرْجُوحٌ بِاسْتِصْحَابِ الْعِصْمَةِ (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْعَبْدِيُّ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَرْبَعَةٌ الْأَمْوَالُ وَالْكَفَالَةُ وَالْقِصَاصُ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ وَالْخُلْطَةُ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي التَّحْلِيفِ فِي بَعْضِ الْأَمْوَالِ، وَاَلَّذِي لَا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ ثَلَاثَةُ عَشَرَ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالْوَلَاءُ وَالْأَحْبَاسُ، وَالْوَصَايَا لِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَهِلَالُ رَمَضَانَ وَذِي الْحِجَّةِ، وَالْمَوْتُ وَالْقَذْفُ وَالْإِيصَاءُ، وَتَرْشِيدُ السَّفِيهِ، وَنَقْلُ الشَّهَادَةِ، وَالْمُخْتَلَفُ فِيهَا هَلْ نُثْبِتُ بِهِمَا أَمْ لَا خَمْسَةٌ الْوَكَالَةُ، وَنِكَاحُ امْرَأَةٍ قَدْ مَاتَتْ وَالتَّجْرِيحُ وَالتَّعْدِيلُ (تَنْبِيهٌ) قَبُولُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ فِي الْقِصَاصِ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهَا يُصَالَحُ عَلَيْهَا بِالْمَالِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ مُشْكِلٌ جِدًّا فَإِنَّهُ إلْغَاءٌ لِلْأَصْلِ، وَاعْتِبَارٌ لِلطَّوَارِئِ الْبَعِيدَةِ، وَذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ فِي النَّفْسِ أَيْضًا، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِمَا فِي الْأَحْبَاسِ مَعَ أَنَّهَا مَنَافِعُ، وَلَا فِي الْوَلَاءِ، وَمَآلُهُ إلَى الْإِرْثِ، وَهُوَ مَالٌ وَالْوَصَايَا، وَهِيَ مَالٌ، وَتَرْشِيدُ السَّفِيهِ يَئُولُ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَالٌ، وَالْمَالُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَقْرَبُ مِنْ الْمَالِ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ لَا سِيَّمَا وَهُوَ يُبِيحُ الْقِصَاصَ بِذَلِكَ، وَمَتَى يَقَعُ الصُّلْحُ فِيهَا فَهِيَ مُشْكِلَةٌ، وَعَدَمُ قَبُولِهِ هَذِهِ الْحُجَّةَ فِي الْأَحْبَاسِ، وَمَا ذَكَرَ مَعَهَا مُشْكِلٌ مَعَ أَنَّ قَاعِدَةَ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَكَالَةَ إذَا كَانَتْ تَئُولُ إلَى مَالٍ تَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا مَآلُهُ إلَى الْمَالِ عَكْسُهُ لَا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ فِي الْحَبْسِ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَدْخُلُهَا الْحُكْمُ أَلْبَتَّةَ بَلْ إنَّمَا تَدْخُلُهَا الْفُتْيَا فَقَطْ فَكُلُّ مَا وُجِدَ بِهَا مِنْ الْإِخْبَارَاتِ فَهِيَ فُتْيَا فَقَطْ فَلَيْسَ لِحَاكِمٍ أَنْ يَحْكُمَ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ، وَلَا أَنَّ هَذَا الْمَاءَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ فَيَكُونُ بِحُلُولِ قَلِيلِ نَجَاسَةٍ فِيهِ لَمْ تُغَيِّرْهُ نَجِسًا فَيَحْرُمُ عَلَى الْمَالِكِيِّ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِعْمَالُهُ بَلْ مَا يُقَالُ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فُتْيَا إنْ كَانَتْ مَذْهَبَ السَّامِعِ عَمِلَ بِهَا، وَإِلَّا فَلَهُ تَرْكُهَا، وَالْعَمَلُ بِمَذْهَبِهِ قَالَهُ الْأَصْلُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ الْأَصْلُ، وَيَلْحَقُ بِالْعِبَادَاتِ أَسْبَابُهَا فَإِذَا شَهِدَ بِهِلَالِ رَمَضَانَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَأَثْبَتَهُ حَاكِمٌ شَافِعِيٌّ، وَنَادَى فِي الْمَدِينَةِ بِالصَّوْمِ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْمَالِكِيَّ لِأَنَّ ذَلِكَ فُتْيَا لَا حُكْمٌ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ حَاكِمٌ قَدْ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ الدَّيْنَ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ أَوْ لَا يُسْقِطُهَا أَوْ مِلْكُ نِصَابٍ مِنْ الْحُلِيِّ الْمُتَّخَذِ لِاسْتِعْمَالِ مُبَاحٍ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ أَوْ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الزَّكَاةَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْأَضَاحِيِّ وَالْعَقِيقَةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا أَوْ فِي أَسْبَابِهَا لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَنْ لَا يَعْتَقِدُهُ بَلْ يَتْبَعُ مَذْهَبَهُ فِي نَفْسِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَوْلُ ذَلِكَ الْقَائِلِ لَا فِي عِبَادَةٍ، وَلَا فِي سَبَبِهَا وَلَا شَرْطِهَا وَلَا مَانِعِهَا، وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ قَالَ لَا تُقِيمُوا الْجُمُعَةَ إلَّا بِإِذْنِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُكْمًا، وَإِنْ كَانَتْ مَسْأَلَةً مُخْتَلَفًا فِيهَا هَلْ تَفْتَقِرُ الْجُمُعَةِ إلَى إذْنِ السُّلْطَانِ أَمْ لَا، وَلِلنَّاسِ أَنْ يُقِيمُوهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ صُورَةُ الْمُشَاقَّةِ، وَخَرْقُ أُبَّهَةِ الْوِلَايَةِ، وَإِظْهَارُ الْعِنَادِ وَالْمُخَالَفَةِ فَتَمْتَنِعُ إقَامَتُهَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ لِأَجْلِ ذَلِكَ لَا لِأَنَّهُ مَوْطِنُ خِلَافٍ اتَّصَلَ بِهِ حُكْمُ حَاكِمٍ، وَقَدْ قَالَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ اهـ بِلَفْظِهِ. قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَفِيمَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ إذْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ حُكْمَ الشَّافِعِيِّ بِثُبُوتِ هِلَالِ رَمَضَانَ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ حُكْمٌ يَلْزَمُ جَمِيعَ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ غَيْرَ ذَلِكَ الْحَاكِمَ مِمَّنْ يُخَالِفُ مَذْهَبُهُ مَذْهَبَهُ مَا بُنِيَ عَلَى ذَلِكَ الثُّبُوتِ كَمَا إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ، وَأَرَادَ أَخْذَهَا مِمَّنْ يُخَالِفُ مَذْهَبُهُ مَذْهَبَهُ أَنَّهُ لَا يَسُوغُ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ دَفْعِهَا لَهُ، وَكَذَلِكَ مَا أَشْبَهَ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْإِمَامِ لَا تُقِيمُوا الْجُمُعَةَ إلَّا بِإِذْنِي حُكْمُ حَاكِمٍ اتَّصَلَ بِأَمْرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَيَتَعَيَّنُ الْوُقُوفُ عِنْدَ حُكْمِهِ كَمَا قَالَهُ ذَلِكَ الْفَقِيهُ فَهُوَ الصَّحِيحُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. قُلْت وَخَالَفَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فِي قَوْلِهِ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْإِمَامِ إلَخْ حَيْثُ وَافَقَ مَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ عُمَرَ الْبُلْقِينِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ قَوْلِهِ وَلَقَدْ عَجِبْت مِنْ قَاضٍ حَضَرَ عِنْدَ سُلْطَانٍ، وَوَقَعَ الْكَلَامُ فِي صِحَّةِ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي جَامِعٍ بَنَاهُ ذَلِكَ السُّلْطَانُ فَلَمَّا تَكَلَّمُوا فِي الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي نَحْكُمُ بِصِحَّةِ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِيهِ، وَهَذَا الْكَلَامُ بَاطِلٌ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ

يَتَعَذَّرُ الْحَلِفُ مِنْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَالْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ. (الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ) الْمَرْأَتَانِ وَالْيَمِينُ هِيَ حُجَّةٌ فِي الْأَمْوَالِ يَحْلِفُ مَعَ الْمَرْأَتَيْنِ وَيَسْتَحِقُّ، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ، وَوَافَقَنَا فِي الشَّاهِدِ، وَالْيَمِينِ لَنَا وُجُوهٌ (الْأَوَّلُ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقَامَ الْمَرْأَتَيْنِ مُقَامَ الرَّجُلِ فَيَقْضِي بِهِمَا مَعَ الْيَمِينِ كَالرَّجُلِ، وَلَمَّا عَلَّلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نُقْصَانَ عَقْلِهِنَّ قَالَ عَدَلَتْ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ، وَلَمْ يَخُصَّ مَوْضِعًا دُونَ مَوْضِعٍ. (الثَّانِي) أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَمَعَ الْمَرْأَتَيْنِ أَقْوَى الثَّالِثُ أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ يَمِينٌ مَعَهُمَا، وَيَتَوَجَّهُ مَعَ الرَّجُلِ، وَإِذَا لَمْ يُعَرَّجْ عَلَى الْيَمِينِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِهِمَا كَانَتَا أَقْوَى فَيَكُونَانِ كَالرَّجُلِ فَيَحْلِفُ مَعَهُمَا احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ (الْأَوَّلُ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا شَرَعَ شَهَادَتَهُنَّ مَعَ الرَّجُلِ فَإِذَا عَدِمَ الرَّجُلُ الْعَيْبَ (الثَّانِي) أَنَّ الْبَيِّنَةَ فِي الْمَالِ إذَا خَلَتْ عَنْ رَجُلٍ لَمْ تُقْبَلْ كَمَا لَوْ أَشْهَدَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ فَلَوْ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ كَالرَّجُلِ لَتَمَّ الْحُكْمُ بِأَرْبَعٍ، وَيَقْبِلْنَ فِي غَيْرِ الْمَالِ كَمَا يُقْبَلُ الرَّجُلُ، وَيُقْبَلُ فِي غَيْرِ الْمَالِ رَجُلٌ، وَامْرَأَتَانِ. (الثَّالِثُ) أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ ضَعِيفَةٌ فَتُقَوَّى بِالرَّجُلِ، وَالْيَمِينُ ضَعِيفَةٌ فَيُضَمُّ ضَعِيفٌ إلَى ضَعِيفٍ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا يَقُومَانِ مَقَامَ الرَّجُلِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهِمَا لَا يَقُومَانِ مَقَامَهُ مَعَ الْيَمِينِ فَهُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الِاعْتِبَارُ الْمُتَقَدِّمُ كَمَا دَلَّ الِاعْتِبَارُ عَلَى اعْتِبَارِ الْقُمُطِ فِي الْبُنْيَانِ وَالْجُذُوعِ وَغَيْرِهَا، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْيَمِينِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَقِلَّ النِّسْوَةُ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ لِأَنَّهَا لَا يَدْخُلُهَا الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ، وَلِأَنَّ تَخْصِيصَ الرِّجَالِ بِمَوْضِعٍ لَا يَدُلُّ عَلَى قُوَّتِهِمْ لِأَنَّ النِّسَاءَ قَدْ خُصِّصْنَ بِعُيُوبِ الْفَرْجِ وَغَيْرِهَا، وَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى رُجْحَانِهِنَّ عَلَى الرِّجَالِ، وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ الثَّالِثِ. (الْحُجَّةُ السَّادِسَةُ) الشَّاهِدُ وَالنُّكُولُ حُجَّةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَنَا وُجُوهٌ: (الْأَوَّلُ) أَنَّ النُّكُولَ سَبَبٌ مُؤَثِّرٌ فِي الْحُكْمِ فَيَحْكُمُ بِهِ مَعَ الشَّاهِدِ كَالْيَمِينِ مِنْ الْمُدَّعِي، وَتَأْثِيرُهُ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْقُلُ الْيَمِينَ لِلْمُدَّعِي. (الثَّانِي) أَنَّ الشَّاهِدَ أَقْوَى مِنْ يَمِينِ الْمُدَّعِي بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِلْيَمِينِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّاهِدِ. (الثَّالِثُ) أَنَّ الشَّاهِدَ يَدْخُلُ فِي الْحُقُوقِ كُلِّهَا بِخِلَافِ الْيَمِينِ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) بِأَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا وَرَدَتْ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَهُوَ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالنُّكُولُ لَا تَعْظِيمَ فِيهِ. (وَثَانِيهَا) أَنَّ الْحِنْثَ فِيهِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَيَذْرُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ إذَا أَقْدَمَ عَلَيْهَا غَمُوسًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ النُّكُولُ (الثَّالِثُ) أَنَّ النُّكُولَ لَا يَكُونُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَدْخُلَ ذَلِكَ، وَلَا نَحْوُهُ تَحْتَ الْحُكْمِ اسْتِقْلَالًا، وَلَا تَضَمُّنًا عَلَى الْإِطْلَاقِ لَكِنْ يَدْخُلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَاقِعَةٍ خَاصَّةٍ مِنْ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى صِحَّةِ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي هَذَا الْمَكَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى إلْزَامِ الشَّخْصِ لَا مُطْلَقًا اهـ. وَأَمَّا مَا يَتَأَتَّى فِيهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ فَضَبَطَهُ الْأَصْلُ بِأَرْبَعَةِ قُيُودٍ فَقَالَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ حُكْمُ الْحَاكِمِ إذَا أَنْشَأَهُ فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ تَتَقَارَبُ فِي الْمَدَارِكِ لِأَجْلِ مَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ قَالَ فَقَيْدُ الْإِنْشَاءِ احْتِرَازٌ مِنْ حُكْمِهِ فِي مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ ذَلِكَ إخْبَارٌ وَتَنْفِيذٌ مَحْضٌ، وَأَمَّا فِي مَوَاضِعِ الْخِلَافِ فَهُوَ يُنْشِئُ حُكْمًا، وَهُوَ إلْزَامُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ قِيلَ بِهِمَا فِي الْمَسْأَلَةِ، وَيَكُونُ إنْشَاؤُهُ إخْبَارًا خَاصًّا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي تِلْكَ الصُّورَةِ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاطِنِ الْخِلَافِ نَصًّا وَرَدَ مِنْ قِبَلِهِ فِي خُصُوصِ تِلْكَ الصُّورَةِ فَإِذَا قَضَى الْمَالِكِيُّ فِيمَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ بَعْدَ وُضُوءُهُ بِنَقْضِ وُضُوئِهِ أَوْ قَضَى فِي امْرَأَةٍ عُلِّقَ طَلَاقُهَا قَبْلَ الْمِلْكِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ تَنَاوَلَ هَذِهِ الصُّورَةَ الدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى عَدَمِ نَقْضِ الْوُضُوءِ وَعَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ وَالشَّافِعِيِّ، وَكَانَ حُكْمُ الْمَالِكِيِّ بِالنَّقْضِ وَلُزُومِ الطَّلَاقِ نَصًّا خَاصًّا تَخْتَصُّ بِهِ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الْمُعَيَّنَةُ، وَهُوَ نَصٌّ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ ذَلِكَ لِلْحُكَّامِ رَفْعًا لِلْخُصُومَاتِ وَالْمُشَاجَرَاتِ، وَهَذَا النَّصُّ الْوَارِدُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ الدَّلِيلِ الْعَامِّ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَيَصِيرُ حُكْمُ الْمَالِكِيِّ مَثَلًا مَذْهَبًا لِغَيْرِهِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الْأُصُولِيَّةَ تَقْدِيمُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ إذَا تَعَارَضَا فَلِذَلِكَ لَا يَرْجِعُ الشَّافِعِيُّ يُفْتِي بِمُقْتَضَى دَلِيلِهِ الْعَامِّ الشَّامِلِ لِجُمْلَةِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْهَا لِأَنَّهَا قَدْ تَنَاوَلَهَا نَصٌّ خَاصٌّ بِهَا مُخْرِجٌ لَهَا عَنْ مُقْتَضَى ذَلِكَ الدَّلِيلِ الْعَامِّ، وَإِنَّمَا يُفْتِي الشَّافِعِيُّ بِمُقْتَضَى دَلِيلِهِ الْعَامِّ فِيمَا عَدَا هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ. وَكَذَلِكَ إذَا حَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِاسْتِمْرَارِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا خَرَجَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ عَنْ دَلِيلِ الْمَالِكِيِّ، وَلَزِمَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِهَا بِلُزُومِ النِّكَاحِ وَدَوَامِهِ، وَفِي غَيْرِهَا بِلُزُومِ الطَّلَاقِ لِأَجْلِ مَا أَنْشَأَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ الْحُكْمِ تَقْدِيمًا لِلْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْإِنْشَاءِ، وَقُيِّدَ فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ احْتِرَازًا عَنْ مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّ الْحُكْمَ هُنَالِكَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ فَيَتَعَذَّرُ فِيهِ الْإِنْشَاءُ لِتَعَيُّنِهِ وَثُبُوتِهِ إجْمَاعًا، وَقُيِّدَ تَتَقَارَبُ مَدَارِكُهَا احْتِرَازًا مِنْ الْخِلَافِ الشَّاذِّ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْمُدْرَكِ الضَّعِيفِ فَإِنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ بَلْ يُنْقَضُ فِي نَفْسِهِ إذَا حُكِمَ بِالْفَتْوَى الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْمُدْرَكِ الضَّعِيفِ، وَقُيِّدَ لِأَجْلِ مَصَالِحِ الدُّنْيَا احْتِرَازًا مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالْفَتْوَى بِتَحْرِيمِ السِّبَاعِ وَطَهَارَةِ الْأَوَانِي، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ اخْتِلَافُ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهِ لَا لِلدُّنْيَا بَلْ لِلْآخِرَةِ بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي الْعُقُودِ وَالْأَمْلَاكِ وَالرُّهُونِ وَالْأَوْقَافِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَكُونُ إلَّا لِمَصَالِحِ الدُّنْيَا. وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْأَحْكَامَ

أَقْوَى حُجَّةً مِنْ جَحْدِهِ أَصْلَ الْحَقِّ، وَجَحْدُهُ لَا يُقْضَى بِهِ مَعَ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَضَاءً بِالشَّاهِدِ وَحْدَهُ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَكَذَلِكَ النُّكُولُ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ التَّعْظِيمَ لَا مَدْخَلَ لَهُ هَاهُنَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ سَبَّحَ، وَهَلَّلَ أَلْفَ مَرَّةٍ لَا يَكُونُ حُجَّةً مَعَ الشَّاهِدِ، وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ فِي إقْدَامِهِ عَلَى مُوجِبِ الْعُقُوبَةِ عَلَى تَقْدِيرِ الْكَذِبِ، وَهَذَا كَمَا هُوَ وَازِعٌ دِينِيٌّ فَالنُّكُولُ فِيهِ وَازِعٌ طَبِيعِيٌّ لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ لَهُ إنْ حَلَفْت بَرِئْت، وَإِنْ نَكَلْت غَرِمْت فَإِذَا نَكَلَ كَانَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الطَّبْعِ، وَالْوَازِعُ الطَّبِيعِيُّ أَقْوَى عِنْدَنَا إثَارَةً لِلظُّنُونِ مِنْ الْوَازِعِ الشَّرْعِيِّ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِقْرَارَ يُقْبَلُ مِنْ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ الْوَازِعِ الطَّبِيعِيِّ، وَالشَّهَادَةُ لَا تُقْبَلُ إلَّا مِنْ الْعَدْلِ لِأَنَّ وَازِعَهَا شَرْعِيٌّ فَلَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي الْمُتَّقِينَ مِنْ النَّاسِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْكَفَّارَةَ قَدْ تَكُونُ أَوْلَى مِنْ الْحَقِّ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ الْمُجْتَلَبِ، وَهُوَ الْغَالِبُ فَتُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ لِأَنَّ الْوَازِعَ حِينَئِذٍ إنَّمَا هُوَ الْوَازِعُ الشَّرْعِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ دُونَ الْوَازِعِ الطَّبِيعِيِّ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ مُجَرَّدَ الْجَحْدِ لَا يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ فَلَا يَخَافُهُ، وَالنُّكُولُ يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْيَمِينِ فَخَافَهُ طَبْعُهُ فَظَهَرَ أَنَّ النُّكُولَ أَقْوَى مِنْ الْيَمِينِ، وَأَقْوَى مِنْ الْجَحْدِ (الْحُجَّةُ السَّابِعَةُ) الْمَرْأَتَانِ، وَالنُّكُولُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالْمَدْرَكُ هُوَ مَا تَقَدَّمَ سُؤَالًا وَجَوَابًا، وَعُمْدَتُهُ أَنَّهُ قِيَاسٌ عَلَى الْيَمِينِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ. (الْحُجَّةُ الثَّامِنَةُ) الْيَمِينُ وَالنُّكُولُ وَصُورَتُهُ أَنْ يُطَالِبَ الْمَطْلُوبُ بِالْيَمِينِ الدَّافِعَةِ فَيَنْكُلُ فَيَحْلِفُ الطَّالِبُ، وَيَسْتَحِقُّ بِالنُّكُولِ وَالْيَمِينِ فَإِنْ جَهِلَ الْمَطْلُوبُ رَدَّهَا فَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُعْلِمَهُ بِذَلِكَ، وَلَا يَقْضِي حَتَّى يَرُدَّهَا فَإِنْ نَكَلَ الطَّالِبُ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ يَقْضِي بِالنُّكُولِ، وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الطَّالِبِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة إنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي مَالٍ كَرَّرَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَزِمَهُ الْحَقُّ، وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي عَقْدٍ فَلَا يَحْكُمُ بِالنُّكُولِ بَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يَعْتَرِفَ، وَفِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالنَّسَبِ وَغَيْرِهِ لَا مَدْخَلَ لِلْيَمِينِ فِيهِ فَلَا نُكُولَ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُحْبَسُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ حَتَّى يَحْلِفَ لَنَا وُجُوهٌ: (الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ، وَلَا يَمِينَ بَعْدَ يَمِينٍ إلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ غَيْرَ أَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي يَمِينًا بَعْدَ يَمِينٍ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى يَمِينٍ بَعْدَ رَدِّ يَمِينٍ عَلَى حَذْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّرْعِيَّةَ قِسْمَانِ: (الْأَوَّلُ) مَا يَقْبَلُ حُكْمَ الْحَاكِمِ مَعَ الْفَتْوَى فَيَجْتَمِعُ الْحُكْمَانِ (وَالثَّانِي) مَا لَا يَقْبَلُ إلَّا الْفَتْوَى، وَيَظْهَرُ لَك بِهَذَا أَيْضًا تَصَرُّفُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا وَقَعَ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْفَتْوَى أَوْ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ وَالْإِنْشَاءِ، وَأَيْضًا يَظْهَرُ أَنَّ إخْبَارَ الْحَاكِمِ عَنْ نِصَابٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ أَنَّهُ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فَتْوَى، وَأَمَّا أَخْذُهُ لِلزَّكَاةِ فِي مَوَاطِنِ الْخِلَافِ فَحُكْمٌ وَفَتْوَى مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ تَنَازُعٌ بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ فِي الْمَالِ الَّذِي هُوَ مَصْلَحَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ، وَلِذَلِكَ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ السُّعَاةِ وَالْجُبَاةِ فِي الزَّكَاةِ أَحْكَامٌ لَا نَنْقُضُهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْفَتْوَى عِنْدَنَا عَلَى خِلَافِهَا اهـ. وَوَافَقَهُ عَلَى هَذَا الضَّابِطُ الْعَلَّامَةُ التَّسَوُّلِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ الْقُيُودَ ثَلَاثَةً مُسْتَغْنِيًا عَنْ قَيْدِ الْإِنْشَاءِ بِقَيْدٍ فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ لِاتِّحَادِ الْمَخْرَجِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا تُرْشِدُ لِذَلِكَ عِبَارَةُ الْأَصْلِ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ عِبَارَةُ التَّسَوُّلِيِّ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا فَلَا تَغْفُلْ، وَخَالَفَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ أَوَّلًا فِي كَوْنِ غَيْرِ الْعِبَادَاتِ يَدْخُلُهَا الْحُكْمُ مُطْلَقًا كَانَتْ مِنْ مَوَاطِنِ الْخِلَافِ أَوْ الْإِجْمَاعِ فَقَالَ إنَّ دُخُولَ الْحُكْمِ فِي النِّكَاحِ وَتَوَابِعِهِ بِالصِّحَّةِ، وَالْمُوجِبُ اسْتِقْلَالٌ وَاضِحٌ، وَكَذَا سَائِرُ الْمُعَاوَضَاتِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْقِرَاضِ وَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاتِ وَالْقِسْمَةِ وَالشُّفْعَةِ وَالْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ وَالْحَبْسِ وَالْوَكَالَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالْحَمَالَةِ وَالضَّمَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الْمُعَاوَضَاتِ كُلِّهَا يَدْخُلُهَا الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ، وَبِالْمُوجِبِ فَلَا نُطَوِّلُ بِالتَّمْثِيلِ، وَمِنْهَا الصَّيْدُ فَإِذَا تَنَازَعَ اثْنَانِ فِي صَيْدٍ، وَتَرَافَعَا إلَى الْحَاكِمِ، وَتَصَادَقَا عَلَى فِعْلَيْنِ صَدَرَا مِنْهُمَا عَلَى التَّرْتِيبِ مَثَلًا أَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ أَوْ لِلثَّانِي فَحَكَمَ لَهُ بِأَنَّهُ الْمَالِكُ كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا مُسْتَقِلًّا صَحِيحًا، وَثَابِتًا فِي الْعِبَادَاتِ، فَقَسَمَهَا بِاعْتِبَارِ دُخُولِ الْحُكْمِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: (الْأَوَّلُ) مَا يَدْخُلُهُ الْحُكْمُ اسْتِقْلَالًا، وَهُوَ الزَّكَاةُ وَالصَّوْمُ قَالَ أَمَّا الزَّكَاةُ فَيَدْخُلُهَا الْحُكْمُ اسْتِقْلَالًا، وَذَلِكَ مِثْلُ مَا لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ يَرَى جَوَازَ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ بِصِحَّةِ الْإِخْرَاجِ أَوْ بِمُوجِبِهِ عِنْدَهُ، وَهُوَ سُقُوطُ الْفَرْضِ بِذَلِكَ كَانَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ، وَالْمُوجِبُ فِي ذَلِكَ سَوَاءً، وَلَيْسَ لِلسَّاعِي إذَا كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ مُخَالِفًا لِمَذْهَبِهِ أَنْ يُطَالِبَ الْمَالِكَ بِإِخْرَاجِ الْوَاجِبِ عِنْدَهُ سَوَاءٌ حَكَمَ بِالصِّحَّةِ أَوْ حَكَمَ بِالْمُوجِبِ. وَأَمَّا الصَّوْمُ فَيَدْخُلُهُ أَيْضًا، وَذَلِكَ إذَا صَامَ الْوَلِيُّ الْوَارِثُ عَنْ الْمَيِّتِ، وَطَلَبَ الْوَصِيُّ أَنْ يُخْرَجَ الطَّعَامُ فَامْتَنَعَ الْوَارِثُ مِنْهُ، وَتَرَافَعَا إلَى حَاكِمٍ يَرَى صِحَّةَ الصَّوْمِ عَنْ الْمَيِّتِ فَحَكَمَ بِصِحَّتِهِ أَوْ بِمُوجِبِهِ فَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُخْرِجَ الطَّعَامَ حِينَئِذٍ، وَلَا أَنْ يُطَالِبَ الْوَارِثَ بِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْحُكْمِ. 2 -

الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مُقَامَهُ لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا تَرَكَ مِنْ وَجْهٍ بَقِيَ حُجَّةً فِي الْبَاقِي. (الثَّانِي) مَا رُوِيَ «أَنَّ الْأَنْصَارَ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَتْ إنَّ الْيَهُودَ قَتَلَتْ عَبْدَ اللَّهِ، وَطَرَحَتْهُ فِي نَقِيرٍ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ قَالُوا لَا قَالَ فَتَحْلِفُ الْيَهُودُ قَالُوا كَيْفَ يَحْلِفُونَ، وَهُمْ كُفَّارٌ» فَجَعَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْيَمِينَ فِي جِهَةِ الْخَصْمِ خَرَّجَهُ صَاحِبُ الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ (وَالثَّالِثُ) مَا رُوِيَ أَنَّ الْمِقْدَادَ اقْتَرَضَ مِنْ عُثْمَانَ سَبْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الْقَضَاءِ جَاءَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَقَالَ عُثْمَانُ أَقْرَضْتُك سَبْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَتَرَافَعَا إلَى عُمَرَ فَقَالَ الْمِقْدَادُ يَحْلِفُ عُثْمَانُ فَقَالَ عُمَرُ لِعُثْمَانَ لَقَدْ أَنْصَفَك. فَلَمْ يَحْلِفْ عُثْمَانُ فَنَقَلَ عُمَرُ الْيَمِينَ إلَى الْمُدَّعِي، وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَالْمِقْدَادُ وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ غَيْرُهُمْ فَكَانَ إجْمَاعًا. (الرَّابِعُ) الْقِيَاسُ عَلَى النُّكُولِ فِي بَابِ الْقَوَدِ وَالْمُلَاعَنَةِ لَا تُحَدُّ بِنُكُولِ الزَّوْجِ. (الْخَامِسُ) لَوْ نَكَلَ عَنْ الْجَوَابِ فِي الدَّعْوَى لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ نُكُولٌ عَنْ الْيَمِينِ وَالْجَوَابِ فَالْيَمِينُ وَحْدَهُ أَوْلَى بِعَدَمِ الْحُكْمِ. (السَّادِسُ) أَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةُ الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ حُجَّةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي النَّفْيِ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُدَّعِي مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ. (السَّابِعُ) أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَانَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إقَامَتُهَا فَكَذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ فَيَكُونُ لِلْآخَرِ فِعْلُهَا. (الثَّامِنُ) أَنَّ النُّكُولَ إذَا كَانَ حُجَّةً تَامَّةً كَالشَّاهِدَيْنِ وَجَبَ الْقَضَاءُ بِهِ فِي الدِّمَاءِ أَوْ نَاقِصَةً كَالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ أَوْ يَمِينٍ وَجَبَ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ التَّكْرَارِ أَوْ كَالِاعْتِرَافِ يُقْبَلُ فِي الْقَوَدِ بِخِلَافِهِ فَالِاعْتِرَافُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى تَكْرَارٍ بِخِلَافِهِ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] فَمَنَعَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِيَمِينِهِ عَلَى غَيْرِهِ حَقًّا فَلَا تُرَدُّ الْيَمِينَ لِئَلَّا يَسْتَحِقَّ بِيَمِينِهِ مَالَ غَيْرِهِ (الثَّانِي) الْمُلَاعِنُ إذَا نَكَلَ حُدَّ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ (الثَّالِثُ) أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَلَّى ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ قَضَاءَ الْيَمَنِ فَجَاءَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ إنَّ هَذَا الرَّجُلَ وَلَّانِي هَذَا الْبَلَدَ، وَإِنَّهُ لَا غَنَاءَ لِي عَنْهُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: اُكْتُبْ لِي بِمَا يَبْدُو لَك قَالَ فَكَتَبَ إلَيْهِ فِي جَارِيَتَيْنِ جَرَحَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فِي كَفِّهَا فَكَتَبَ إلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ احْبِسْهَا إلَى بَعْدَ الْعَصْرِ، وَاقْرَأْ عَلَيْهَا {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] قَالَ فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَاسْتَحْلَفَهَا فَأَبَتْ فَأَلْزَمَهَا ذَلِكَ (الرَّابِعُ) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (وَالثَّانِي) مَا لَا يَدْخُلُهُ الْحُكْمُ اسْتِقْلَالًا بَلْ بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ فَقَطْ، وَهُوَ الطَّهَارَةُ وَالصَّلَاةُ وَالْأُضْحِيَّةُ قَالَ (أَمَّا الطَّهَارَةُ) فَلَا يَدْخُلُهَا شَيْءٌ مِنْ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَلَا بِالْمُوجِبِ اسْتِقْلَالًا لَكِنْ يَدْخُلُهَا الْحُكْمُ بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ كَتَعْلِيقِ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ عَلَى طَهَارَةِ مَاءٍ أَوْ نَجَاسَةٍ فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ فَحَكَمَ بِصِحَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ بِمُوجِبِ مَا صَدَرَ مِنْ الْمُعَلَّقِ لِوُجُودِ صِفَتِهِ كَانَ ذَلِكَ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِالنَّجَاسَةِ أَوْ بِالطَّهَارَةِ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَيَدْخُلُهَا الْحُكْمُ بِالتَّضَمُّنِ مِثْلُ مَنْ صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ بِوُضُوءٍ خَالٍ عَنْ النِّيَّةِ أَوْ مَعَ وُجُودِ مَسِّ الذَّكَرِ لِاعْتِقَادِهِ صِحَّةَ الصَّلَاةِ مَعَ ذَلِكَ فَإِذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِعَدَالَةِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَالْحَاكِمُ مُعْتَقِدٌ صِحَّةَ ذَلِكَ كَانَ حُكْمُهُ مُتَضَمِّنًا صِحَّةَ وُضُوءُهُ، وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ الصَّلَاةِ الْخَالِيَةِ عَنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَعَنْ الطُّمَأْنِينَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ فَهِيَ عِبَادَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الْحُكْمُ اسْتِقْلَالًا، وَقَدْ يَدْخُلُهَا بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ فِي التَّعْلِيقِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَالثَّالِثُ) مَا يَدْخُلُهُ الْحُكْمُ اسْتِقْلَالًا وَتَضَمُّنًا، وَهُوَ الِاعْتِكَافُ وَالْحَجُّ قَالَ أَمَّا الِاعْتِكَافُ فَيَدْخُلُهُ اسْتِقْلَالًا فِي مَسَائِلَ مِنْهَا أَنَّهُ يَقْضِي لِلْمُكَاتَبِ عَلَى سَيِّدِهِ بِالِاعْتِكَافِ الْيَسِيرِ، وَمِنْهَا مَنْ اعْتَكَفَتْ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا فَلَهُ مَنْعُهَا، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ، وَكَذَا لَوْ اعْتَكَفَ الْمِدْيَانُ هُرُوبًا مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَرَى فِيهِ رَأْيَهُ، وَمِنْهَا إذَا وَطِئَ الْمُعْتَكِفُ أَدَّبَهُ الْحَاكِمُ، وَيَدْخُلُهُ تَضَمُّنًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ أَيْ مِثْلُ مَا إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِعَدَالَةِ مَنْ اعْتَكَفَ بِدُونِ صَوْمٍ، وَالْحَاكِمُ مُعْتَقِدٌ صِحَّةَ ذَلِكَ الِاعْتِكَافِ كَانَ حُكْمُهُ بِعَدَالَتِهِ مُتَضَمِّنًا صِحَّةَ اعْتِكَافِهِ. وَأَمَّا الْحَجُّ فَيَدْخُلُهُ اسْتِقْلَالًا فِي نَحْوِ مَا لَوْ فَسَخَ حَنْبَلِيٌّ حَجَّهُ إلَى عُمْرَةٍ حَيْثُ يَسُوغُ عِنْدَهُ ذَلِكَ، وَلَهُ زَوْجَةٌ لَيْسَ مُعْتَقَدُهَا ذَلِكَ فَامْتَنَعَتْ مِنْ تَمْكِينِهِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ فَارْتَفَعَا إلَى حَاكِمٍ حَنْبَلِيٍّ فَحَكَمَ عَلَيْهَا بِصِحَّةِ مَا فَعَلَ زَوْجُهَا الْحَنْبَلِيُّ أَوْ بِمُوجِبِ ذَلِكَ عِنْدَهُ فَهُمَا مُسْتَوِيَانِ، وَيَدْخُلُهُ تَضَمُّنًا فِيمَا إذَا حَكَمَ عَلَيْهَا بِالتَّمْكِينِ لِتَضَمُّنِهِ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ مَا فَعَلَهُ الزَّوْجُ، وَهُوَ نَفْسُ الْمُوجِبِ اهـ. قُلْت وَمُخَالَفَتُهُ فِي غَيْرِ الْعِبَادَاتِ سَيَتَّضِحُ لَك وَجْهُهَا، وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُ لَهُ فِي الْعِبَادَةِ فَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُهَا، وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِتَلْخِيصِ بَعْضِ كَلَامِهِ فِي الْعِبَادَاتِ، وَغَيْرِهَا مِنْ كَلَامِ الْبُلْقِينِيِّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَبَعْضِهِ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَلَعَلَّ مِمَّا لَخَصَّهُ مِنْ كَلَامِ الْبُلْقِينِيِّ مُخَالَفَتُهُ لِلْأَصْلِ فِي الْعِبَادَاتِ فَافْهَمْ. وَأَمَّا الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ فَنَظَرَ فِي كَلَامِهِ فِي مَوَاضِعَ: (الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ إنَّ مَوَاقِعَ الْإِجْمَاعِ لَا يَدْخُلُهَا الْحُكْمُ بَلْ الْإِخْبَارُ حَيْثُ قَالَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ أَصْلًا إذْ لَا مَعْنَى لِلْحُكْمِ إلَّا التَّنْفِيذُ، وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ

مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَجَعَلَ الْيَمِينَ فِي جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْقَ يَمِينٌ تُجْعَلُ فِي جِهَةِ الْمُدَّعِي، وَجَعَلَ حُجَّةَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ، وَحَجَّةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ، وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ نَقْلُ حُجَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا نَقْلُ جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى جِهَةِ الْمُدَّعِي (الْخَامِسُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «شَاهِدَاك وَيَمِينُهُ» ، وَلَمْ يَقُلْ أَوْ يَمِينُك (السَّادِسُ) أَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْإِثْبَاتِ، وَيَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلنَّفْيِ فَلَمَّا تَعَذَّرَ جَعْلُ الْبَيِّنَةِ لِلنَّفْيِ تَعَذَّرَ أَيْضًا جَعْلُ الْيَمِينِ لِلْإِثْبَاتِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنْ لَا تَنْفُذَ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ لِيَقْطَعَ بِهَا مَالَ غَيْرِهِ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَمُجَرَّدُ الِاحْتِمَالِ لَا يَمْنَعُ، وَإِلَّا مُنِعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْيَمِينِ الدَّافِعَةِ لِئَلَّا يَأْخُذَ بِهَا مَالَ غَيْرِهِ بَلْ يَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ، وَهُوَ الصِّدْقُ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْمُوجِبَ لِحَدِّ الْمُلَاعِنِ قَذْفُهُ، وَإِنَّمَا أَيْمَانُهُ مُسْقِطَةٌ فَإِذَا فُقِدَ الْمَانِعُ عُمِلَ بِالْمُقْتَضَى، وَالنُّكُولُ عِنْدَكُمْ مُقْتَضَى فَلَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّهُ رَوَى عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ قَالَ اعْتَرَفَتْ فَأَلْزَمْتهَا ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْحُكْمِ عَلَيْهَا بِذَلِكَ، وَالتَّابِعِيُّ لَا حُجَّةَ فِي فِعْلِهِ، وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّهُ وَرَدَ لِمَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ ابْتِدَاءً، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ، وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْحَدِيثُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُنْكِرَ قَدْ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ إذَا ادَّعَى وَفَاءَ الدَّيْنِ فَكَذَلِكَ الْيَمِينُ قَدْ تُوجَدُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ، وَعَنْ الْخَامِسِ أَنَّهُ لِبَيَانِ مَنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ ابْتِدَاءً فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، وَعَنْ السَّادِسِ أَنَّا لَمْ نَجْعَلْ الْيَمِينَ وَحْدَهَا لِلْإِثْبَاتِ بَلْ الْيَمِينُ مَعَ النُّكُولِ ثُمَّ إنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ تَكُونُ لِلنَّفْيِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ مِثْلُ بَيِّنَةِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ نَفْيٌ. (الْحُجَّةُ التَّاسِعَةُ) أَيْمَانُ اللِّعَانِ وَهِيَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا أَيْضًا فِيمَا عَلِمْت مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ. (الْحُجَّةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) الْمَرْأَتَانِ فَقَطْ أَمَّا شَهَادَةُ النِّسَاءِ فَوَقَعَ الْخِلَافُ فِيهَا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ لَا يُقْبَلْنَ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْبَلُ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ إلَّا فِي الْجِرَاحِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَوَدِ فِي النُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ لَنَا وُجُوهٌ: (الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى فِي مَسَائِلِ الْمُدَايَنَاتِ {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] فَكَانَ كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ مِثْلُهُ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ فَلَا تَجُوزُ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ (الثَّانِي) قَوْلُهُ فِي الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] الْآيَةَ، وَهُوَ حُكْمٌ بَدَنِيٌّ فَكَانَتْ الْأَحْكَامُ الْبَدَنِيَّةُ كُلُّهَا كَذَلِكَ إلَّا مَوْضِعَ لَا يَطَّلِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْحَاكِمَ لَوْ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِوَجْهِ الثُّبُوتِ أَنَّ لِزَيْدٍ عِنْدَ عَمْرٍو مِائَةَ دِينَارٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهَا أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ أَنْ يَكُونَ إخْبَارًا، وَهَذَا الْمَوْضِعُ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ قَالَ وَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْحُكْمِ فِي مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ وَفِي مَوَاقِعِ الْخِلَافِ بِتَعَذُّرِ الْإِنْشَاءِ فِي الْأَوَّلِ لِتَعَيُّنِهِ وَثُبُوتِهِ إجْمَاعًا بِخِلَافِ الثَّانِي سَاقِطٌ إذْ كَمَا أَنَّ الْحُكْمَ فِي مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ فَالْحُكْمُ فِي مَوَاقِعِ الْخِلَافِ ثَابِتٌ بِالْخِلَافِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّصْوِيبِ كِلَاهُمَا حَقٌّ، وَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ التَّصْوِيبِ أَحَدُهُمَا حَقٌّ، وَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَكِنْ ثَبَتَ الْعُذْرُ لِلْمُكَلَّفِ فِي ذَلِكَ، وَمَا أَوْقَعَهُ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ إلَّا الِاشْتِرَاكَ الَّذِي فِي لَفْظِ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ يُقَالُ الْحُكْمُ فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى النِّكَاحِ اللُّزُومُ لِلْمُقَلِّدِ الْمَالِكِيِّ، وَيُقَالُ الْحُكْمُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ الْفُلَانِيُّ عَلَى فُلَانٍ مُعَلِّقِ الطَّلَاقِ لُزُومُ الطَّلَاقِ، وَالْمُرَادُ بِالْحُكْمِ الْأَوَّلِ لُزُومُ الطَّلَاقِ لِكُلِّ مُعَلِّقٍ لِلطَّلَاقِ مِنْ مَالِكِيٍّ أَوْ مُقَلِّدٍ لِمَالِكِيٍّ، وَالْمُرَادُ بِالْحُكْمِ الثَّانِي لُزُومُ الطَّلَاقِ بِإِلْزَامِ الْحَاكِمِ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِكِيٍّ أَوْ غَيْرِ مَالِكِيٍّ اهـ. قُلْت وَيُوَافِقُهُ إطْلَاقُ ابْنِ فَرْحُونٍ أَنَّ غَيْرَ الْعِبَادَاتِ يَدْخُلُهُ الْحُكْمُ مُطْلَقًا كَمَا تَقَدَّمَ (الْمَوْضِعُ الثَّانِي) قَوْلُهُ وَيَكُونُ إنْشَاؤُهُ إخْبَارًا خَاصًّا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي تِلْكَ الصُّورَةِ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ إذْ كَيْفَ يَكُونُ إنْشَاءً، وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ خَبَرًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِنْشَاءِ وَالْخَبَرِ (الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ) قَوْلُهُ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى إنْشَاءَهُ فِي مَوَاطِنِ الْخِلَافِ نَصًّا وَرَدَ مِنْ قِبَلِهِ فِي خُصُوصِ تِلْكَ الصُّورَةِ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا مَعْنَى الْإِنْشَاءِ حَيْثُ قَالَ لَا كَلَامَ أَشَدَّ فَسَادًا مِنْ قَوْلِهِ هَذَا فِي هَذَا الْفَصْلِ إذْ كَيْفَ يَكُونُ إنْشَاءُ الْحَاكِمِ الْحُكْمَ فِي مَوَاقِعِ الْخِلَافِ نَصًّا خَاصًّا مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اجْتَهَدَ أَحَدُكُمْ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِنْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ» ، وَكَيْفَ يَصِحُّ الْخَطَأُ فِيمَا فِيهِ النَّصُّ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا بَيِّنُ الْخَطَأِ بِلَا شَكٍّ فِيهِ، وَمَا تَخَيَّلَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ يُعَيِّنُ فِي الْقَضِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِي نُفُوذِ الْحُكْمِ وَثَبَاتِهِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ لَوْ لَمْ يَنْفُذْ لَا لِمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ إنْشَاءٌ مِنْ الْحَاكِمِ مَوْضُوعٌ كَنَصٍّ خَاصٍّ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِيرُ حُكْمُ الشَّافِعِيِّ مَثَلًا مَذْهَبًا لَنَا وَلِغَيْرِنَا مِنْ الْأَحْنَافِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَلَكِنَّا لَا نَنْقُضُهُ، وَلَا رُجُوعَ هُنَا لِلْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ الَّتِي هِيَ قَاعِدَةُ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، وَلَكِنْ مَا هُنَا يَرْجِعُ إلَى قَاعِدَةٍ فِقْهِيَّةٍ، وَهِيَ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا

عَلَيْهِ الرِّجَالُ لِلضَّرُورَةِ فِي ذَلِكَ (الثَّالِثُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» وَهُوَ حُكْمٌ بَدَنِيٌّ فَكَانَتْ الْأَحْكَامُ الْبَدَنِيَّةُ كُلُّهَا كَذَلِكَ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] الْآيَةَ فَأَقَامَ الْمَرْأَتَيْنِ وَالرَّجُلَ مُقَامَ الرَّجُلَيْنِ فِي ذَلِكَ أَمَّا عِنْدَ عَدَمِ الشَّاهِدَيْنِ فَهُوَ بَاطِلٌ لِجَوَازِهِمَا مَعَ وُجُودِ الشَّاهِدَيْنِ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ أَنَّهُمَا يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا فِي التَّسْوِيَةِ فَيَكُونَانِ مُرَادَيْنِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ لِوُجُودِ الِاسْمِ. (الثَّانِي) قَوْله تَعَالَى {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] أَطْلَقَ، وَمَا خَصَّ مَوْضِعًا فَيَعُمُّ. (الثَّالِثُ) أَنَّهُمَا أُمُورٌ لَا تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ فَتُقْبَلُ فِيهَا النِّسَاءُ كَالْأَمْوَالِ. (الرَّابِعُ) أَنَّ النِّكَاحَ وَالرَّجْعَةَ عَقْدُ مَنَافِعَ فَيُقْبَلُ فِيهِمَا النِّسَاءُ كَالْإِجَارَاتِ. (الْخَامِسُ) أَنَّ الْخِيَارَ وَالْآجَالَ لَيْسَتْ أَمْوَالًا، وَيُقْبَلُ فِيهَا النِّسَاءُ فَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ صُوَرِ النِّزَاعِ. (السَّادِسُ) أَنَّ الطَّلَاقَ رَافِعٌ لِعَقْدٍ سَابِقٍ فَأَشْبَهَ الْإِقَالَةَ. (السَّابِعُ) أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ تَحْرِيمٌ كَالرَّضَاعِ. (الثَّامِنُ) أَنَّ الْعِتْقَ إزَالَةُ مِلْكٍ كَالْبَيْعِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُمَا يَقُومَانِ مَقَامَ الرَّجُلِ فِي الْحُكْمِ بِدَلِيلِ الرَّفْعِ فِي لَفْظِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا ذَكَرْتُمْ لَقَالَ فَرَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُ خَبَرُ كَانَ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الشَّاهِدُ إنْ رَجُلَيْنِ فَيَكُونَا رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ فَلَمَّا رَفَعَ عَلَى الِابْتِدَاءِ كَانَ تَقْدِيرُهُ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ يَقُومَانِ مَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ بِحَذْفِ الْخَبَرِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ آخِرَ الْآيَةِ مُرْتَبِطٌ بِأَوَّلِهَا، وَأَوَّلُهَا: إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ لَوْ سَلَّمْنَاهُ خَصَّصْنَاهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى جِرَاحِ الْقَوَدِ بِجَامِعِ عَدَمِ قَبُولِهِنَّ مُنْفَرِدَاتٍ، وَلِأَنَّ الْحُدُودَ أَعْلَاهَا الزِّنَا، وَأَدْنَاهُ السَّرِقَةُ، وَلَمْ يُقْبَلْ فِي أَحَدِهِمَا مَا يُقْبَلُ فِي الْآخَرِ فَكَذَلِكَ الْأَبْدَانُ أَعْلَى مِنْ الْأَمْوَالِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا مَا يُقْبَلُ فِي الْأَمْوَالِ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ، وَحَدُّ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وَحَدُّ الْخَمْرِ لَيْسَ ثَابِتًا بِالنَّصِّ، وَلَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الزِّنَا لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ أَرْبَعَةٍ فِيهِ، وَلَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَمْوَالِ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ بِالنِّسَاءِ فَتَعَيَّنَ قِيَاسُهَا عَلَى الطَّلَاقِ، وَعَنْ الثَّالِثِ الْفَرْقُ أَنَّ أَحْكَامَ الْأَبْدَانِ أَعْظَمُ رُتْبَةً لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَنَحْوَهُ لَا يُقْبَلْنَ فِيهِ مُنْفَرِدَاتٍ فَلَا يُقْبَلْنَ فِيهِ مُطْلَقًا كَالْقِصَاصِ، وَلِأَنَّا وَجَدْنَا النِّكَاحَ آكَدُ مِنْ الْأَمْوَالِ لِاشْتِرَاطِ الْوِلَايَةِ، وَلَمْ يَدْخُلْهُ الْأَجَلُ وَالْخِيَارُ وَالْهِبَةُ، وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِجَارَةِ الْمَالُ، وَعَنْ الْخَامِسِ أَنَّ مَقْصُودَهُ أَيْضًا الْمَالُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَجَلَ وَالْخِيَارَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQنُفِّذَ عَلَى مَذْهَبٍ مَا لَا يُنْتَقَضُ، وَلَا يُرَدُّ، وَذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الْأَحْكَامِ وَرَفْعِ التَّشَاجُرِ وَالْخِصَامِ قَالَ وَلِلْكَلَامِ فِي الْقَوْلِ الشَّاذِّ وَالْمُدْرَكِ الضَّعِيفِ مَجَالٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهُ اهـ. قَالَ وَمَا قَالَهُ فِي الِاحْتِرَازِ بِقَيْدِ لِأَجْلِ مَصَالِحِ الدُّنْيَا إلَى قَوْلِهِ لَا نَنْقُضُهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْفَتْوَى عِنْدَنَا عَلَى خِلَافِهَا صَحِيحٌ اهـ كَلَامُ ابْنِ الشَّاطِّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ ضَابِطَ الْفُتْيَا أَنَّهَا مُجَرَّدُ إخْبَارٍ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقِ بِمَصَالِحِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا يَخْتَصُّ لُزُومُهُ بِالْمُقَلِّدِ لِلْمَذْهَبِ الْمُفْتَى بِهِ، وَضَابِطُ الْحُكْمِ إخْبَارٌ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقِ بِمَصَالِحِ الدُّنْيَا، وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ إسْنَادِ الْعِبَادَاتِ فَقَطْ، وَتَنْفِيذٌ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ أَوْ مِنْ مَوَاقِعِ الْخِلَافِ بِحَيْثُ لَا يُخَصُّ لُزُومُهُ بِمُقَلِّدِ أَيِّ مَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ لَكِنْ لَا لِلْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ مِنْ تَقْدِيمِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ إذَا تَعَارَضَا بَلْ لِلْقَاعِدَةِ الْفِقْهِيَّةِ، وَهِيَ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا نُفِّذَ عَلَى مَذْهَبٍ لَا يُنْتَقَضُ إلَخْ فَالْفُتْيَا أَعَمُّ مِنْ الْحُكْمِ مَوْقِعًا وَأَخَصُّ لُزُومًا، وَالْحُكْمُ بِالْعَكْسِ ثُمَّ هَلْ يَتَرَتَّبُ حُكْمُهُ عَلَى قَوْلِهِ حَكَمْت فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ أَكْثَرَ مِنْ تَقْرِيرِ الْحَادِثَةِ أَوْ سُكُوتِهِ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَوْ لَا يَتَوَقَّفُ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ أَكْثَرَ مِنْ تَقْرِيرِ الْحَادِثَةِ أَوْ سُكُوتِهِ كَانَ حُكْمًا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ مَا قُضِيَ بِهِ مِنْ نَقْلِ الْأَمْلَاكِ وَفَسْخِ الْعُقُودِ فَهُوَ حُكْمٌ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَكْثَرَ مِنْ تَقْرِيرِ الْحَادِثَةِ لَمَا رُفِعَتْ إلَيْهِ كَامْرَأَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَأَقَرَّهُ، وَأَجَازَهُ ثُمَّ عُزِلَ، وَجَاءَ قَاضٍ بَعْدَهُ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَيْسَ بِحُكْمٍ، وَلِغَيْرِهِ فَسْخُهُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ هُوَ حُكْمٌ لِأَنَّهُ أَمْضَاهُ، وَالْإِقْرَارُ عَلَيْهِ كَالْحُكْمِ بِإِجَازَتِهِ فَلَا يُنْقَضُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ، وَقَالَ إنَّهُ حُكْمٌ فِي حَادِثَةٍ بِاجْتِهَادِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ فِيهَا بِإِمْضَائِهِ أَوْ فَسْخِهِ أَمَّا لَوْ رُفِعَ إلَيْهِ هَذَا النِّكَاحُ فَقَالَ أَنَا لَا أُجِيزَ هَذَا النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْكُمَ بِفَسْخِ هَذَا النِّكَاحِ بِعَيْنِهِ فَهُوَ فَتْوَى، وَلَيْسَ بِحُكْمٍ أَوْ رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمٌ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَقَالَ أَنَا لَا أُجِيزَ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ فَهُوَ فَتْوَى مَا لَمْ يَقَعْ حُكْمٌ عَلَى عَيْنِ الْحُكْمِ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْوَجْهِ خِلَافًا قَالَ، وَإِنْ حَكَمَ بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا طَرِيقِهِ التَّحْرِيمُ وَالتَّحْلِيلُ، وَلَيْسَ بِنَقْلِ مِلْكٍ لِأَحَدِ الْخَصْمَانِ إلَى الْآخَرِ، وَلَا فَصْلِ خُصُومَةٍ بَيْنَهُمَا، وَلَا إثْبَاتِ عَقْدٍ وَلَا فَسْخِهِ مِثْلُ رَضَاعِ كَبِيرٍ فَيَحْكُمُ بِأَنَّهُ رَضَاعٌ مُحَرَّمٌ، وَيَفْسَخُ النِّكَاحَ لِأَجْلِهِ فَالْفَسْخُ حُكْمٌ، وَالتَّحْرِيمُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَثْبُتُ بِحُكْمِهِ بَلْ هُوَ مَعْرِضٌ لِلِاجْتِهَادِ أَوْ رُفِعَتْ إلَيْهِ امْرَأَةٌ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا فَفَسَخَ نِكَاحَهَا وَحَرَّمَهَا عَلَى زَوْجِهَا فَفَسْخُهُ حُكْمٌ دُونَ تَحْرِيمِهِمَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَحُكْمُهُ

لَا يَثْبُتَانِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ فِيهِ الْمَالُ، وَعَنْ السَّادِسِ أَنَّ حِلَّ عَقْدٍ لَا يَثْبُتُ بِالنِّسَاءِ وَالنُّكُولِ أَيْضًا مَقْصُودُ الطَّلَاقِ غَيْرُ الْمَالِ، وَمَقْصُودُ الْإِقَالَةِ الْمَالُ، وَعَنْ السَّابِعِ أَنَّ الرَّضَاعَ يَثْبُتُ بِالنِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ الثَّامِنِ، وَلِأَنَّ الْعِتْقَ مَالُهُ إلَى غَيْرِ مِلْكٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) خَالَفَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي قَبُولِ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ فِي الرَّضَاعِ وَلَنَا أَنَّهُ مَعْنًى لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا فَتَجُوزُ مُنْفَرِدَاتٍ كَالْوِلَادِ وَالِاسْتِهْلَالِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) خَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ فِي قَبُولِ الْمَرْأَتَيْنِ فِيمَا يَنْفَرِدَانِ فِيهِ. وَقَالَ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ قُبِلَتْ فِيهِ وَاحِدَةٌ، وَقَبِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَاحِدَةً مُطْلَقًا فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، وَعِنْدَنَا لَا بُدَّ مِنْ اثْنَتَيْنِ مُطْلَقًا، وَيَكْفِيَانِ لَنَا وُجُوهٌ: (الْأَوَّلُ) أَنَّ كُلَّ جِنْسٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي شَيْءٍ عَلَى الِانْفِرَادِ كَفَى مِنْهُ اثْنَانِ، وَلَا يَكْفِي مِنْهُ وَاحِدٌ كَالرَّجُلِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ. (الثَّانِي) أَنَّ شَهَادَةَ الرِّجَالِ أَقْوَى، وَأَكْثَرَ، وَلَمْ يَكْفِ وَاحِدٌ فَالنِّسَاءُ أَوْلَى احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) مَا «رَوَى عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ تَزَوَّجَتْ أُمُّ يَحْيَى بِنْتُ أَبِي إيهَابٍ فَأَتَتْ أُمُّ سَوْرَةَ فَقَالَتْ أَرْضَعْتُكُمَا فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنِّي ثُمَّ أَتَيْته فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا كَاذِبَةٌ قَالَ كَيْفَ، وَقَدْ عَلِمْت، وَزَعَمْت ذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ. (الثَّانِي) عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَبِلَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا فِي الِاسْتِهْلَالِ. (الثَّالِثُ) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «فِي الرَّضَاعِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تُجْزِئُ» . (الرَّابِعُ) الْقِيَاسُ عَلَى الرِّوَايَةِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ حُجَّةٌ لَنَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ لَوْ كَفَتْ لَأَمَرَهُ بِالتَّفْرِيقِ مِنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ كَمَا شَهِدَ عَدْلَانِ لِأَنَّ التَّنْفِيذَ عِنْدَ كَمَالِ الْحُجَّةِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ لَا سِيَّمَا فِي اسْتِبَاحَةِ الْفُرُوجِ فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَةَ كَافِيَةٌ فِي الْحُكْمِ بَلْ مَعْنَاهُ مِنْ قَاعِدَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ تَحْرِيمُ شَيْءٍ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ كَانَ ذَلِكَ الطَّرِيقُ يُفْضِي بِهِ إلَى الْحُكْمِ أَمْ لَا فَإِنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ فَمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ حَرُمَ عَلَيْهِ الْأَكْلُ أَوْ الطَّعَامُ نَجَسٌ حَرُمَ عَلَيْهِ أَكْلُهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَإِخْبَارُ الْوَاحِدَةِ يُفِيدُ الظَّنَّ فَأَمْرُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِطَرِيقِ الْفُتْيَا لَا بِطَرِيقِ الْحُكْمِ، وَالْإِلْزَامِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَدِلَّتِنَا الْمُتَقَدِّمَةِ أَوْ بِحَمْلِهِ عَلَى الْفُتْيَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَعَنْ الثَّالِثِ كَذَلِكَ أَيْضًا، وَعَنْ الرَّابِعِ الْفَرْقُ أَنَّ الرِّوَايَةَ تُثْبِتُ حُكْمًا عَامًّا فِي ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِنَجَاسَةِ مَاءٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ تَحْرِيمِ بَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ إجَارَةٍ فَهُوَ فَتْوَى لَيْسَ حُكْمًا عَلَى التَّأْبِيدِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاهَدَهُ، وَمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ مَوْكُولٌ لِمَنْ يَأْتِي مِنْ الْحُكَّامِ وَالْفُقَهَاءِ اهـ. قَالَ الْأَصْلُ، وَقَدْ وَضَعْت فِي هَذَا الْمَقْصِدِ كِتَابًا سَمَّيْته الْإِحْكَامَ فِي الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامِ، وَتَصَرُّفِ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ، وَفِيهِ أَرْبَعُونَ مَسْأَلَةً فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَذَكَرْت فِيهِ نَحْوَ ثَلَاثِينَ نَوْعًا مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْحُكَّامِ لَيْسَ فِيهَا حُكْمٌ، وَلْنَقْتَصِرْ هُنَا عَلَى هَذَا الْقَدْرِ فِي هَذَا الْفَرْقِ اهـ. قُلْت، وَقَوْلُ ابْنِ مُحْرِزٍ أَمَّا لَوْ رُفِعَ إلَيْهِ هَذَا النِّكَاحُ فَقَالَ أَنَا لَا أُجِيزُ هَذَا النِّكَاحَ إلَى قَوْلِهِ، وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْوَجْهِ خِلَافًا هُوَ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ، وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ حُكْمٌ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ قَالَ التَّسَوُّلِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ، وَقَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنَا لَا أُجِيزُ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ إخْبَارٌ عَنْ رَأْيِهِ وَمُعْتَقَدِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ فَسْخُهُ، وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ بَقِيَ سَاكِتًا عَنْهُ، وَالسُّكُوتُ تَقْرِيرٌ لَهُ، وَهُوَ حُكْمٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ اهـ. الْمُرَادُ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْأَصْلِ أَنَّ التَّقْرِيرَاتِ مِنْ الْحُكَّامِ لَيْسَتْ أَحْكَامًا فَتَبْقَى الصُّورَةُ قَابِلَةً لِحُكْمِ جَمِيعِ تِلْكَ الْأَقْوَالِ الْمَنْقُولَةِ فِيهَا أَنَّهُ اخْتَارَ قَوْلَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي اهـ. فَتَحَصَّلَ مِمَّا ذُكِرَ فِي هَذَا الْفَرْقِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الشَّاطِّ أُمُورٌ: (الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ بِأَنَّ الْفَتْوَى أَعَمُّ مَوْقِعًا وَأَخَصُّ لُزُومًا، وَالْحُكْمُ بِالْعَكْسِ. (الْأَمْرُ الثَّانِي) الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يَدْخُلُهُ الْحُكْمُ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ كَالنِّكَاحِ وَتَوَابِعِهِ وَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَمَا لَا يَدْخُلُهُ كَالْعِبَادَاتِ بِأَنَّ مَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَصَالِحِ الْآخِرَةِ لَا يَدْخُلُهُ بِخِلَافِ مَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَصَالِح الدُّنْيَا فَيَدْخُلُهُ. (الْأَمْرُ الثَّالِثُ) الْفَرْقُ بَيْنَ أَلْفَاظِ الْحُكْمِ الَّتِي جَرَتْ بِهَا عَادَةُ الْحُكَّامِ وَبَيْنَ مَا لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَتُهُمْ لَكِنْ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَالَ التَّسَوُّلِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ الَّتِي جَرَتْ بِهَا عَادَتُهُمْ نَحْوُ قَوْلِهِ حَكَمْت بِثُبُوتِ الْعَقْدِ وَصِحَّتِهِ فَيَلْزَمُ ذَلِكَ وَقْفًا كَانَ الْعَقْدُ أَوْ بَيْعًا أَوْ غَيْرَهُمَا، وَاَلَّتِي لَمْ تَجْرِ بِهَا نَحْوُ قَوْلِهِ أَسْفَلَ الرَّسْمِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ وَرَدَ عَلَيَّ هَذَا الْكِتَابَ فَقَبِلْتُهُ قَبُولَ مِثْلِهِ، وَأَلْزَمْت الْعَمَلَ بِمُوجِبِهِ أَوْ بِمَضْمُونِهِ فَلَيْسَ بِحُكْمِ لِاحْتِمَالِ عَوْدِ الضَّمِيرِ فِي مُوجِبِهِ وَمَضْمُونِهِ عَلَى الْكِتَابِ، وَأَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْشَاءٍ لَيْسَ بِزُورٍ مَثَلًا فَيَكُونُ مُرَادُهُ تَصْحِيحَ الْكِتَابِ، وَإِثْبَاتَ الْحُجَّةِ فَلِمَنْ بَعْدَهُ النَّظَرُ فِيهِ فَإِنْ قَالَ حَكَمْتُ بِمُوجِبِ الْإِقْرَارِ أَوْ الْوَقْفِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْكِتَابُ فَهُوَ حُكْمٌ بِصِحَّةِ ذَلِكَ اهـ. وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ مَا كَانَ

فِي الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ لَا عَلَى مُعَيَّنٍ فَلَيْسَتْ مَظِنَّةَ الْعَدَاوَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَدُ فَتُقْبَلُ الْوَاحِدَةُ فِي الرِّوَايَةِ، وَلَا تُقْبَلُ فِي الشَّهَادَةِ اتِّفَاقًا. (الْحُجَّةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) الْيَمِينُ الْوَاحِدَةُ إذَا تَنَازَعَا دَارًا لَيْسَتْ فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ فِي أَيْدِيهِمَا قُسِّمَتْ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا فَيَقْضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُجَرَّدِ يَمِينِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهِيَ أَقَلُّ حُجَّةٍ فِي الشَّرِيعَةِ بِسَبَبِ أَنَّا لَمْ نَجِدْ مُرَجِّحًا عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ إلَّا الْيَمِينَ، وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَوَتْ الْبَيِّنَتَانِ، وَالْأَيْدِي أَوْ الْبَيِّنَتَانِ مِنْ غَيْرِ يَدٍ بَلْ هِيَ فِي يَدِ ثَالِثٍ قُسِّمَتْ بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا لِوُجُودِ التَّرْجِيحِ بِالْيَمِينِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أُمِرْت أَنْ أَقْضِيَ بِالظَّاهِرِ، وَاَللَّهُ مُتَوَلِّي السَّرَائِرِ» ، وَهَذَا قَدْ صَارَ ظَاهِرًا بِالْيَمِينِ فَيَقْضِي بِهِ لِصَاحِبِهِ، وَلِأَنَّهُمَا إنْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا فَكُلُّ وَاحِدٍ يَدُهُ عَلَى النِّصْفِ فَدَفَعَ عَنْهُ يَمِينَهُ كَسَائِرِ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ ثَالِثٍ فَأَقَرَّ لَهُمَا عَلَى نِسْبَةٍ اتَّفَقَا عَلَيْهَا قَسَّمَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَإِنْ تَنَازَعَا، وَالثَّالِثُ يَقُولُ هِيَ لَا تَعْدُوهُمَا فَهِيَ كَمَا لَوْ كَانَتْ بِأَيْدِيهِمَا بِسَبَبِ إقْرَارِهِ لَهُمَا، وَإِنْ قَالَ الثَّالِثُ لَا أَعْلَمُ هِيَ لَهُمَا أَمْ لِغَيْرِهِمَا فَهُوَ مَوْضِعُ نَظَرٍ وَتَوَقُّفٍ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَكُونُ الْأَيْمَانَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ دَافِعَةً لَا جَالِبَةً، وَلَا يَقْضِي فِيهَا بِمِلْكٍ بَلْ بِالدَّفْعِ كَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ، وَحَلَفَ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا جَالِبَةٌ، وَأَنَّهَا تَقْضِي بِالْمِلْكِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَيْضًا تَنْدَرِجُ هَذِهِ الْيَمِينُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْيَمِينُ الدَّافِعَةُ، وَهِيَ هَذِهِ بِعَيْنِهَا فَتَنْدَرِجُ. (الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ) الْإِقْرَارُ مَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِحَقٍّ أَوْ عَيْنٍ قَضَى عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ كَانَ الْمُقِرُّ بَرًّا أَوْ فَاجِرًا فَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ فِي الذِّمَّةِ كَالدَّيْنِ أَوْ عَيْنًا أَقَرَّ بِهَا مَنْ سَلَّمَ أُخِذَتْ مِنْهُ، وَقَضَى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِالْمِلْكِ لِلْمُقِرِّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ عَيْنًا قَضَى عَلَى الْمُقِرِّ بِتَسْلِيمِهَا لِلْمُقِرِّ لَهُ إنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُقِرِّ، وَلَا يَقْضِي بِالْمِلْكِ بَلْ بِإِلْزَامِ التَّسْلِيمِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِثَالِثٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ بِيَدِ الْغَيْرِ لَمْ يَقْضِ بِهِ، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ الْإِقْرَارُ فِيمَا فِي يَدِ الْمُقِرِّ أَوْ يَنْتَقِلُ بِيَدِهِ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَيَقْضِي عَلَيْهِ حِينَئِذٍ بِمُوجَبِ إقْرَارِهِ. (الْحُجَّةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ خَاصَّةً، وَلِقَبُولِهَا عَشَرَةُ شُرُوطٍ: (الْأَوَّلُ) الْعَقْلُ لِيَفْهَمُوا مَا رَأَوْا (الثَّانِي) الذُّكُورِيَّةُ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ لَا تَحْصُلُ فِي اجْتِمَاعِ الْإِنَاثِ، وَرُوِيَ عَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQنَصًّا فِي الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْشَاءِ فَهُوَ لَفْظُ الْحُكْمِ الَّذِي جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ فَيَلْزَمُ، وَمَا كَانَ مُحْتَمَلًا لِصِحَّةِ مَضْمُونِ الْإِقْرَارِ وَنَحْوِهِ، وَصِحَّةُ مَضْمُونِ الْكِتَابِ فَلَيْسَ بِلَفْظِ الْحُكْمِ الَّذِي جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ فَلَا يَلْزَمُ بَلْ لِمَنْ بَعْدَهُ النَّظَرُ فِيهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (فَائِدَةٌ) قَالَ التَّسَوُّلِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ عِلْمَا الْقَضَاءِ، وَالْفَتْوَى أَخَصُّ مِنْ الْعِلْمِ بِالْفِقْهِ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْفِقْهِ كُلِّيٌّ مِنْ حَيْثُ صِدْقُ كُلِّيَّتِهِ عَلَى جُزْئِيَّاتٍ فَحَالُ الْفَقِيهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَقِيهٌ كَحَالِ عَالِمٍ بِكُبْرَى قِيَاسِ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ فَقَطْ، وَحَالُ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي كَحَالِ عَالِمٍ بِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِصُغْرَاهُ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْعِلْمَ بِهَا أَشَقُّ وَأَخَصُّ، وَأَيْضًا فِقْهَا الْقَضَاءِ وَالْفَتْوَى مَبْنِيَّانِ عَلَى إعْمَالِ النَّظَرِ فِي الصُّوَرِ الْجُزْئِيَّةِ وَإِدْرَاكِ مَا اسْتَمَلْت عَلَيْهِ مِنْ الْأَوْصَافِ الْكَائِنَةِ فِيهَا فَيُلْغِي طَرْدِيَّهَا، وَيُعْمِلُ مُعْتَبَرُهَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَوْلُهُ، وَأَيْضًا فِقْهَا إلَخْ هُوَ بَيَانُ وَجْهِ كَوْنِهِمَا بَعْدَ أَنْ بَيَّنَهُ بِالْمِثَالِ. وَقَوْلُهُ طَرْدِيُّهَا أَيْ الْأَوْصَافَ الطَّرْدِيَّةَ الَّتِي لَا تَنْبَنِي عَلَى وُجُودِهَا أَوْ فَقْدِهَا ثَمَرَةٌ، وَهَذَا وَجْهُ تَخْطِئَةِ الْمُفْتِينَ وَالْقُضَاةِ لِبَعْضِهِمْ بَعْضًا فَقَدْ يَبْنِي الْقَاضِي وَالْمُفْتِي حُكْمَهُ وَفَتْوَاهُ عَلَى الْأَوْصَافِ الطَّرْدِيَّةِ الْمُخْتَلِفَةِ بِالنَّازِلَةِ، وَيَغْفُلُ عَنْ أَوْصَافِهَا الْمُعْتَبَرَةِ، وَأَصْلُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَصُّهُ وَعِلْمُ الْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ أَحَدَ أَنْوَاعِ عِلْمِ الْفِقْهِ، وَلَكِنَّهُ يَتَمَيَّزُ بِأُمُورٍ لَا يُحْسِنُهَا كُلُّ الْفُقَهَاءِ، وَرُبَّمَا كَانَ بَعْضُ النَّاسِ عَارِفًا بِفَصْلِ الْخِصَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَاعٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ كَمَا أَنَّ عِلْمَ الْفَرَائِضِ كَذَلِكَ، وَلَا غَرَابَةَ فِي امْتِيَازِ عِلْمِ الْقَضَاءِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْفِقْهِ، وَإِنَّمَا الْغَرَابَةُ فِي اسْتِعْمَالِ كُلِّيَّاتِ الْفِقْهِ وَتَطْبِيقِهَا عَلَى جُزْئِيَّاتِ الْوَقَائِعِ، وَهُوَ عَسِيرٌ فَتَجِدُ الرَّجُلَ يَحْفَظُ كَثِيرًا مِنْ الْعِلْمِ، وَيَفْهَمُ وَيُعَلِّمُ غَيْرَهُ، وَإِذَا سُئِلَ عَنْ وَاقِعَةٍ بِبَعْضِ الْعَوَامّ مِنْ مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ وَنَحْوِهَا لَا يُحْسِنُ الْجَوَابَ عَنْهَا، وَلِلشُّيُوخِ فِي ذَلِكَ حِكَايَاتٌ نَبَّهَ ابْنُ سَهْلٍ أَوَّلَ كِتَابِهِ عَلَى بَعْضِهَا اهـ. وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ خَلِيلٍ فِي التَّوْضِيحِ: وَعِلْمُ الْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ أَحَد أَنْوَاعَ الْفِقْهِ لَكِنَّهُ يَتَمَيَّزُ بِأُمُورٍ لَا يُحْسِنُهَا كُلُّ الْفُقَهَاءِ، وَقَدْ يُحْسِنُهَا مَنْ لَا بَاعَ لَهُ فِي الْفِقْهِ اهـ. هُوَ أَنَّهُ مَنْ لَا بَاعَ لَهُ فِي حِفْظِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ لَكِنْ مَعَهُ مِنْ الْفَطِنَةِ مَا يُدْخِلُ بِهِ الْجُزْئِيَّاتِ تَحْتَ كُلِّيَّاتِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرَ الْحِفْظِ لِمَسَائِلِهِ لَكِنْ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ تِلْكَ الْفَطِنَةِ شَيْءٌ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلِذَلِكَ نَقَلْته بِرُمَّتِهِ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْحَمْقَاءِ اغْتَرَّ بِظَاهِرِ كَلَامِ التَّوْضِيحِ حَتَّى قَالَ إنَّ الْقَضَاءَ صِنَاعَةٌ يُحْسِنُهُ مَنْ لَا شَيْءَ مَعَهُ مِنْ الْفِقْهِ، وَجَرَى ذَلِكَ عَلَى أَلْسِنَةِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ ابْنِ عَاصِمٍ

[الفرق بين قاعدة الحكم وقاعدة الثبوت]

مَالِكٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ اعْتِبَارًا لَهُنَّ بِالْبَالِغَاتِ لَوْثًا فِي الْقَسَامَةِ. (الثَّالِثُ) الْحُرِّيَّةُ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَشْهَدُ. (الرَّابِعُ) الْإِسْلَامُ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُقْبَلُ فِي قِتَالٍ، وَلَا جِرَاحٍ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ إنَّمَا دَعَتْ لِاجْتِمَاعِ الصِّبْيَانِ لِأَجْلِ الْكُفَّارِ، وَقِيلَ تُقْبَلُ فِي الْجِرَاحِ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ ضَعِيفَةٌ فَاقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى أَضْعَفِ الْأَمْرَيْنِ (الْخَامِسُ) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ لِعَدَمِ ضَرُورَةِ مُخَالَطَةِ الْكَبِيرِ لَهُمْ (السَّادِسُ) أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لِئَلَّا يُلَقِّنُوا الْكَذِبَ (السَّابِعُ) اتِّفَاقُ أَقْوَالِهِمْ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ يُخِلُّ بِالثِّقَةِ (الثَّامِنُ) أَنْ يَكُونُوا اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا لِأَنَّهُمْ لَا يَكُونُ حَالُهُمْ أَتَمَّ مِنْ الْكِبَارِ هَذَا هُوَ نَقْلُ الْقَاضِي فِي الْمَعُونَةِ، وَزَادَ ابْنُ يُونُسَ (التَّاسِعُ) أَنْ لَا يَحْضُرَ كِبَارٌ فَمَتَى حَضَرَ كِبَارٌ فَشَهِدُوا سَقَطَ اعْتِبَارُ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ كَانَ الْكِبَارُ رِجَالًا أَوْ نِسَاءً لِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ تَجُوزُ فِي الْخَطَأِ، وَعَمْدُ الصَّبِيِّ كَالْخَطَأِ. (الْعَاشِرُ) رَأَيْت بَعْضَ الْمُعْتَبَرِينَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ يَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْجَسَدِ الْمَشْهُودِ بِقَتْلِهِ، وَإِلَّا فَلَا تُسْمَعُ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالُوا لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ الْعُدُولِ عَلَى رُؤْيَةِ الْبَدَنِ مَقْتُولًا تَحْقِيقًا لِلْقَتْلِ، وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَشْهَبُ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ، وَقَالَ بِقَبُولِهَا عَلِيٌّ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَمُعَاوِيَةُ، وَخَالَفَهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ لَنَا قَوْله تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] وَاجْتِمَاعُ الصِّبْيَانِ لِلتَّدْرِيبِ عَلَى الْحَرْبِ مِنْ أَعْظَمِ الِاسْتِعْدَادِ لِيَكُونُوا كِبَارًا أَهْلًا لِذَلِكَ، وَيَحْتَاجُونَ فِي ذَلِكَ لِحَمْلِ السِّلَاحِ حَيْثُ لَا يَكُونُ مَعَهُمْ كَبِيرٌ فَلَا يَجُوزُ هَدْرُ دِمَائِهِمْ فَتَدْعُو الضَّرُورَةُ لِقَبُولِ شَهَادَتِهِمْ عَلَى الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالْغَالِبُ مَعَ تِلْكَ الشُّرُوطِ الصِّدْقُ، وَنُدْرَةُ الْكَذِبِ فَتُقَدَّمُ الْمَصْلَحَةُ الْغَالِبَةُ عَلَى الْمَفْسَدَةِ النَّادِرَةِ لِأَنَّهُ دَأْبُ صَاحِبِ الشَّرْعِ كَمَا جَوَّزَ الشَّرْعُ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ فِي الْوَضْعِ الَّذِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ لِلضَّرُورَةِ، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ الصَّحَابَةِ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَهُوَ يَمْنَعُ شَهَادَةَ غَيْرِ الْبَالِغِ (الثَّانِي) قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَالصَّبِيُّ لَيْسَ بِعَدْلٍ (الثَّالِثُ) قَوْله تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] ، وَهُوَ نَهْيٌ، وَلَا يَتَنَاوَلُ النَّهْيُ الصَّبِيَّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الشُّهَدَاءِ (الرَّابِعُ) أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ فَلَا تُعْتَبَرُ شَهَادَتُهُ كَالْمَجْنُونِ (الْخَامِسُ) أَنَّ الْإِقْرَارَ أَوْسَعُ مِنْ الشَّهَادَةِ لِقَبُولِهِ مِنْ الْبَرِّ، وَالْفَاجِرِ فَإِذَا كَانَ لَا يُقْبَلُ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ (السَّادِسُ) الْقِيَاسُ عَلَى غَيْرِ الْجِرَاحِ (السَّابِعُ) لَوْ قُبِلَتْ لَقُبِلَتْ إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَيُسْتَحَبُّ الْعِلْمُ فِيهِ وَالْوَرَعُ مَعَ كَوْنِهِ الْحَدِيثَ لِلْفِقْهِ جَمْعٌ، وَهُوَ احْتِجَاجٌ سَاقِطٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لَيْسَ الْعِلْمُ الَّذِي هُوَ الْفِقْهُ فِي الدِّينِ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ وَالْحِفْظِ إنَّمَا هُوَ نُورٌ يَضَعُهُ اللَّهُ حَيْثُ شَاءَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ قُلْت وَمِنْ هَذَا تَعْلَمُ حَقِيقَةَ الْقَاضِي الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْقَضَاءِ السِّتَّةِ الْآتِيَةِ فَتَنَبَّهْ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحُكْمِ وَقَاعِدَةِ الثُّبُوتِ] (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحُكْمِ وَقَاعِدَةِ الثُّبُوتِ) وَهُوَ مِنْ وَجْهَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّ الثُّبُوتَ نُهُوضُ الْحُجَّةِ كَالْبَيِّنَةِ وَغَيْرِهَا السَّالِمَةِ مِنْ الْمَطَاعِنِ يَعْنِي فِي ظَنِّهِ وَاعْتِقَادِهِ لِأَنَّهُ يَسْتَنِدُ لِعِلْمِهِ فِي ذَلِكَ قَالَهُ التَّسَوُّلِيُّ فَمَتَى وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يُقَالُ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي ذَلِكَ، وَالْحُكْمُ إنْشَاءُ كَلَامٍ فِي النَّفْسِ هُوَ إلْزَامٌ أَوْ إطْلَاقٌ يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الثُّبُوتِ أَعْنِي نُهُوضَ الْحُجَّةِ فَالثُّبُوتُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحُكْمِ فَهُوَ غَيْرُهُ قَطْعًا قَالَ التَّسَوُّلِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ، وَتَعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي أَعْلَمُ بِثُبُوتِهِ أَوْ بِاسْتِقْلَالِهِ أَوْ ثَبَتَ عِنْدِي، وَنَحْوَهُ يَكُونُ بَعْدَ كَمَالِ الْبَيِّنَةِ، وَقَبْلَ الْإِعْذَارِ فِيهَا لِأَنَّ الْإِعْذَارَ فَرْعُ ثُبُوتِهَا وَقَبُولِهَا فَلَا يُعْذَرُ لِلْخَصْمِ فِي شَيْءٍ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ، وَفِعْلُهُ جَهْلٌ إذْ الْإِعْذَارُ سُؤَالُ الْحَاكِمِ مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ هَلْ لَهُ مَا يُسْقِطُهُ، وَيَمْتَنِعُ سُؤَالُهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَالْقَبُولِ وَالثُّبُوتِ اهـ. (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمُّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ، وَالْأَعَمُّ مِنْ الشَّيْءِ كَذَلِكَ غَيْرُهُ بِالضَّرُورَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الثُّبُوتَ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ يُوجَدُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمَوَاطِنِ الَّتِي لَا حُكْمَ فِيهَا بِالضَّرُورَةِ إجْمَاعًا فَيَثْبُتُ هِلَالُ شَوَّالٍ وَهِلَالُ رَمَضَانَ، وَتَثْبُتُ طَهَارَةُ الْمِيَاهِ وَنَجَاسَتُهَا، وَيَثْبُتُ عِنْدَ الْحَاكِمِ التَّحْرِيمُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ وَالتَّحَلُّلِ بِسَبَبِ الْعَقْدِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حُكْمًا، وَالْحُكْمُ أَيْضًا يُوجَدُ بِدُونِ الثُّبُوتِ كَالْحُكْمِ بِالِاجْتِهَادِ، وَيَجْتَمِعَانِ فِيمَا عَدَا مَا ذُكِرَ قَالَهُ الْأَصْلُ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ نَعَمْ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الثُّبُوتِ حُكْمٌ فَالْخِلَافُ فِيهِمَا هَلْ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَوْ الثُّبُوتُ غَيْرُ الْحُكْمِ لَفْظِيٌّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. بِتَوْضِيحٍ قُلْت وَقَوْلُهُ نَعَمْ قَدْ يُطْلَقُ إلَخْ أَيْ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ بِأَنَّ تَقْرِيرَهُ الْحَادِثَةَ أَوْ سُكُوتَهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ حُكْمٌ كَمَا تَقَدَّمَ فَافْهَمْ. (تَتِمَّةٌ) التَّنْفِيذُ غَيْرُ الثُّبُوتِ وَالْحُكْمِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْ كَانَ تَنْفِيذُ حُكْمِ غَيْرِهِ فَإِمَّا أَنْ يُوَافِقَهُ فِي الْمَذْهَبِ وَيَقُولَ فِي تَنْفِيذِ حُكْمِهِ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَ فُلَانٍ مِنْ الْحُكْمِ كَذَا فَهَذَا لَيْسَ حُكْمًا مِنْ الْمُنَفِّذِ أَلْبَتَّةَ، وَكَذَا إذَا قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ فُلَانًا حَكَمَ بِكَذَا، وَكَذَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ

[الفرق بين قاعدة ما يصلح أن يكون مستندا في التحمل وبين قاعدة ما لا يصلح أن يكون مستندا]

افْتَرَقُوا كَالْكِبَارِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثَّامِنُ أَنَّهَا لَوْ قُبِلَتْ لَقُبِلَتْ فِي تَخْرِيقِ ثِيَابِهِمْ فِي الْخَلَوَاتِ أَوْ لَجَازَتْ شَهَادَةُ النِّسَاءِ بَعْضُهُنَّ عَلَى بَعْضٍ فِي الْجِرَاحِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ إنَّمَا نَمْنَعُ الْإِنَاثَ لِانْدِرَاجِ الصِّبْيَانِ مَعَ الرِّجَالِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] ، وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالِاسْتِشْهَادِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُمْكِنُ إنْشَاءُ الشَّهَادَةِ فِيهَا اخْتِيَارًا لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ النَّهْيِ الْإِمْكَانَ، وَهَذَا مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ تَقَعُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بَغْتَةً فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْأَمْرُ فَيَكُونُ مَسْكُوتًا عَنْهُ. وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ، وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ الْآيَةُ الثَّالِثَةُ فِي الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ اُسْتُشْهِدُوا اخْتِيَارًا مَعَ أَنَّ هَذِهِ الظَّوَاهِرَ عَامَّةٌ، وَدَلِيلُنَا خَاصٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهَا، وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّ إقْرَارَ الصَّبِيِّ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ فَنَحْنُ نُسَوِّيهِ بِالشَّهَادَةِ فَإِنَّهُمَا لَا يُقْبَلَانِ فِي الْمَالِ أَوْ فِي الدِّمَاءِ إنْ كَانَتْ عَمْدًا خَطَأً فَيَئُولُ إلَى الدِّيَةِ فَيَكُونُ إقْرَارًا عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يُقْبَلُ كَالْبَالِغِ، وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ الْخَامِسِ، وَعَنْ السَّادِسِ أَنَّ الْفَرْقَ تَعْظِيمُ حُرْمَةِ الدِّمَاءِ بِدَلِيلِ قَبُولِ الْقَسَامَةِ، وَلَا يُقَسَّمُ عَلَى دِرْهَمٍ، وَعَنْ السَّابِعِ أَنَّ الِافْتِرَاقَ يَحْتَمِلُ التَّعْلِيمَ وَالتَّغْيِيرَ وَالصَّغِيرَ إذَا خُلِّيَ، وَسَجِيَّتَهُ الْأُولَى لَا يَكَادُ يَكْذِبُ، وَالرِّجَالُ لَهُمْ وَازِعٌ شَرْعِيٌّ إذَا افْتَرَقُوا بِخِلَافِ الصِّبْيَانِ، وَعَنْ الثَّامِنِ التَّفْرِيقُ لِعِظَمٍ حُرِّمَتْ الدِّمَاءُ، وَلِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ لَيْسَ لِتَخْرِيقِ ثِيَابِهِمْ بِخِلَافِ الضَّرْبِ وَالْجِرَاحِ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَا يَجْتَمِعْنَ لِلْقِتَالِ، وَلَا هُوَ مَطْلُوبٌ مِنْهُنَّ. (الْحُجَّةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) الْقَافَةُ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ عِنْدَنَا فِي الْقَضَاءِ بِثُبُوتِ الْأَنْسَابِ، وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْحُكْمُ بِالْقَافَةِ بَاطِلٌ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ، وَإِنَّمَا يُجِيزُهُ مَالِكٌ فِي وَلَدِ الْأَمَةِ يَطَؤُهَا رَجُلَانِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، وَتَأْتِي بِوَلَدٍ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا، وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ قَبُولِهِ فِي وَلَدِ الزَّوْجَةِ، وَعَنْهُ قَبُولُهُ، وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ فِيهِمَا لَنَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فَقَالَ أَلَمْ تَرَيْ إلَى مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ نَظَرَ إلَى أُسَامَةَ وَزَيْدٍ عَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا، وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَالَ إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ تَبَنَّى زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَكَانَ أَبْيَضَ وَابْنُهُ أُسَامَةُ أَسْوَدُ فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَطْعَنُونَ فِي نَسَبِهِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُكَانَتِهِ مِنْهُ فَلَمَّا قَالَ مُجَزِّزٌ ذَلِكَ سُرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ يَدُلُّ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ، وَلَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ الْفَاسِدَ وَالْحَرَامَ قَدْ يَثْبُتُ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ مُوجِبَ ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُعْتَدُّ بِكَثْرَةِ الْإِثْبَاتِ عِنْدَ الْحُكَّامِ فَهُوَ كُلُّهُ كَحُكْمٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الثَّانِي حَكَمْت بِمَا حَكَمَ بِهِ الْأَوَّلُ، وَأَلْزَمْت بِمُوجِبِهِ وَمُقْتَضَاهُ، وَإِمَّا أَنْ يُخَالِفَهُ فِي الْمَذْهَبِ فَفِي كَوْنِهِ يَقِفُ عَنْ تَنْفِيذِهِ وَإِبْطَالِهِ لِأَنَّهُ إنْ نَفَّذَهُ، وَأَلْزَمَ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ مَا فِيهِ أَلْزَمَهُ مَا لَا يَرَى أَنَّهُ الْحَقُّ عِنْدَهُ أَوْ كَوْنَهُ يُنَفِّذُهُ، وَيَلْزَمُ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ مَا تَضَمَّنَهُ الْحُكْمُ لِأَنَّ تَوَقُّفَهُ عَنْ إنْفَاذِهِ كَإِبْطَالِهِ. وَقَدْ قُلْنَا إنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ نَقْضِ الْأَحْكَامِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ تَنْفِيذُ حُكْمِ نَفْسِهِ كَانَ مَعْنَاهُ الْإِلْزَامَ بِالْحَبْسِ، وَأَخْذَ الْمَالِ بِيَدِ الْقُوَّةِ، وَدَفْعَهُ لِمُسْتَحِقِّهِ، وَتَخْلِيصَ سَائِرِ الْحُقُوقِ وَإِيقَاعَ الطَّلَاقِ عَلَى مَنْ يَجُوزُ لَهُ إيقَاعُهُ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ، وَهُوَ غَيْرُ الثُّبُوتِ وَالْحُكْمِ فَالثُّبُوتُ هُوَ الرُّتْبَةُ الْأُولَى، وَالْحُكْمُ هُوَ الرُّتْبَةُ الْوُسْطَى وَالتَّنْفِيذُ هُوَ الرُّتْبَةُ الثَّالِثَةُ، وَلَيْسَ كُلُّ الْحُكَّامِ لَهُمْ قُوَّةُ التَّنْفِيذِ لَا سِيَّمَا لِلْحَاكِمِ الضَّعِيفِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْجَبَابِرَةِ فَهُوَ يُنْشِئُ الْإِلْزَامَ، وَلَا يَخْطِرُ لَهُ تَنْفِيذُهُ لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَالْحَاكِمُ مِنْ حَيْثُ هُوَ حَاكِمٌ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْإِنْشَاءُ، وَأَمَّا قُوَّةُ التَّنْفِيذِ فَأَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى كَوْنِهِ حَاكِمًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحَكَّمَ لَيْسَ لَهُ قُوَّةُ التَّنْفِيذِ اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ ابْنِ فَرْحُونٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدًا فِي التَّحَمُّلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدًا] (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدًا فِي التَّحَمُّلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدًا) وَهُوَ أَنَّ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدًا فِي التَّحَمُّلِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: (الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) الْعِلْمُ وَالْيَقِينُ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ: كُلُّ مَنْ عَلِمَ شَيْئًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْمُوجِبَةِ لِلْعِلْمِ يَشْهَدُ بِهِ قَالَ: وَمَدَارِكُ الْعِلْمِ أَرْبَعَةٌ الْعَقْلُ وَإِحْدَى حَوَاسِّ الْخَمْسِ وَالنَّقْلُ الْمُتَوَاتِرُ وَالِاسْتِدْلَالُ فَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِمَا عُلِمَ بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ قَالَ وَشَهَادَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ لِنُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلِغَيْرِهِ عَلَى أُمَمِهِمْ بِإِخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ أَيْ فَهِيَ مِنْ قَبِيلِ الشَّهَادَةِ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ كَشَهَادَةِ النَّسَبِ وَوِلَايَةِ الْقَاضِي وَعَزْلِهِ وَضَرَرِ الزَّوْجَيْنِ قَالَ وَصَحَّتْ شَهَادَةُ خُزَيْمَةَ، وَلَمْ يَحْضُرْ شِرَاءَ الْفَرَسِ أَيْ شِرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْفَرَسَ مِنْ خَصْمِهِ الْمُنْكِرِ ذَلِكَ، لِأَنَّهَا كَانَتْ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ كَشَهَادَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَاءَ خَمْرًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ تَشْهَدُ أَنَّهُ شَرِبَهَا. قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّهُ قَاءَهَا فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا هَذَا التَّعَمُّقُ؟ فَلَا وَرَبِّك مَا قَاءَهَا حَتَّى شَرِبَهَا.، وَكَشَهَادَةِ الطَّبِيبِ بِعَدَمِ الْعَيْبِ. (الْأَمْرُ الثَّانِي) الظَّنُّ الْقَرِيبُ مِنْ الْيَقِينِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ مَا لَا يَثْبُتُ بِالْحِسِّ بَلْ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ كَالْإِعْسَارِ يُدْرَكُ بِالْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ بِقَرَائِنَ كَالصَّبْرِ عَلَى الْجُوعِ

لَوْ كَانَ الْحَدْسُ بَاطِلًا شَرْعًا لَمَا سُرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يُسَرُّ بِالْبَاطِلِ. وَثَانِيهَا أَنَّ إقْرَارَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الشَّيْءِ مِنْ جُمْلَةِ الْأَدِلَّةِ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَقَدْ أَقَرَّ مُجَزِّزًا عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ حَقًّا مَشْرُوعًا لَا يُقَالُ النِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي إلْحَاقِ الْوَلَدِ، وَهَذَا كَانَ مُلْحَقًا بِأَبِيهِ فِي الْفِرَاشِ فَمَا تَعَيَّنَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَأَيْضًا سُرُورُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِتَكْذِيبِ الْمُنَافِقِينَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ صِحَّةَ الْقِيَافَةِ، وَتَكْذِيبُ الْمُنَافِقِينَ سَارٌّ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ لِيُؤَيِّدَ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» فَقَدْ يُفْضِي الْبَاطِلُ لِلْخَيْرِ وَالْمَصْلَحَةِ. وَأَمَّا عَدَمُ إنْكَارِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلِأَنَّ مُجَزِّزًا لَمْ يَتَعَيَّنْ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ لِأَجْلِ الْقِيَافَةِ فَلَعَلَّهُ أَخْبَرَ بِهِ بِنَاءً عَلَى الْقَرَائِنِ لِأَنَّهُ يَكُونُ رَآهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ مُرَادُنَا هَاهُنَا لَيْسَ أَنَّهُ ثَبَتَ النَّسَبُ بِمُجَزِّزٍ إنَّمَا مَقْصُودُنَا أَنَّ الشَّبَهَ الْخَاصَّ مُعْتَبَرٌ، وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا سُرُورُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِتَكْذِيبِ الْمُنَافِقِينَ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ السُّرُورُ مَعَ بُطْلَانِ مُسْتَنَدِ التَّكْذِيبِ كَمَا لَوْ أَخْبَرَ عَنْ كَذِبِهِمْ رَجُلٌ كَاذِبٌ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ كَذِبُهُمْ إذَا كَانَ الْمُسْتَنَدُ حَقًّا فَيَكُونُ الشَّبَهُ حَقًّا، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ قَوْلُكُمْ إنَّ الْبَاطِلَ قَدْ يَأْتِي بِالْحَسَنِ وَالْمَصْلَحَةِ فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مَا أَتَى بِشَيْءٍ. وَأَمَّا قَوْلُكُمْ أَخْبَرَ بِهِ لِرُؤْيَةٍ سَابِقَةٍ لِأَجْلِ الْفِرَاشِ فَالنَّاسُ كُلُّهُمْ يُشَارِكُونَهُ فِي ذَلِكَ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي اخْتِصَاصِ السُّرُورِ بِقَوْلِهِ لَوْلَا أَنَّهُ حَكَمَ بِشَيْءٍ غَيْرِ الَّذِي كَانَ طَعْنُ الْمُشْرِكِينَ ثَابِتًا مَعَهُ، وَلَا كَانَ لِذِكْرِ الْأَقْدَامِ فَائِدَةٌ، وَحَدِيثُ الْعَجْلَانِيُّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى نَعْتِ كَذَا، وَكَذَا فَأَرَاهُ قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا وَإِنْ أَتَتْ بِهِ عَلَى نَعْتِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِشَرِيكٍ فَلَمَّا أَتَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» فَصَرَّحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّ وُجُودَ صِفَاتِ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ نَسَبٍ وَاحِدٍ، وَلَا يُقَالُ إنَّ إخْبَارَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ مِنْ جِهَةِ الْوَحْيِ لِأَنَّ الْقِيَافَةَ لَيْسَتْ فِي بَنِي هَاشِمٍ إنَّمَا هِيَ فِي بَنِي مُدْلِجٍ، وَلَا قَالَ أَحَدٌ إنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ قَائِفًا، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَحْكُمْ بِهِ لِشَرِيكٍ، وَأَنْتُمْ تُوجِبُونَ الْحُكْمَ بِمَا أَشْبَهَ أَيْضًا لَمْ تُحَدَّ الْمَرْأَةُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الشَّبَهِ لِأَنَّا نَقُولُ إنْ جَاءَ الْوَحْيُ بِأَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ يُشْبِهُهُ فَهُوَ مُؤَسِّسٌ لِمَا يَقُولُهُ، وَصَارَ الْحُكْمُ بِالشَّبَهِ أَوْلَى مِنْ الْحُكْمِ فِي الْفِرَاشِ لِأَنَّ الْفِرَاشَ يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ ظَاهِرِ الْحَالِ، وَالشَّبَهَ يَدُلُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالضَّرَرِ فَيَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ الْقَرِيبُ مِنْ الْيَقِينِ. وَأَمَّا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي شَهَادَةِ الْأَعْمَى وَشَهَادَةِ الْبَصِيرِ، عَلَى الْخَطِّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَيْسَ خِلَافًا فِي الشَّهَادَةِ بِالظَّنِّ، بَلْ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِي تَحْقِيقِ مَنَاطٍ فَالْمَالِكِيَّةُ يَقُولُونَ: الْأَعْمَى قَدْ يَحْصُلُ لَهُ الْقَطْعُ بِتَمْيِيزِ بَعْضِ الْأَقْوَالِ فَيَشْهَدُ بِهَا، وَيَحْصُلُ لِلْبَصِيرِ الْقَطْعُ بِبَعْضِ الْخُطُوطِ فَيَشْهَدُ بِهَا فَمَا شَهِدَ إلَّا بِالْعِلْمِ، وَالشَّافِعِيَّةُ يَقُولُونَ لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ فِي ذَلِكَ لِالْتِبَاسِ الْأَصْوَاتِ وَكَثْرَةِ التَّزْوِيرِ فِي الْخُطُوطِ فَهَذَا هُوَ مُدْرَكُ التَّنَازُعِ بَيْنَهُمْ قَالَ الْأَصْلُ: وَالْأَصْلُ فِي الشَّهَادَةِ الْعِلْمُ وَالْيَقِينُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إخْوَةِ يُوسُفَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - {وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: 81] وقَوْله تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى مِثْلِ هَذَا فَاشْهَدْ أَيْ مِثْلُ الشَّمْسِ فَهَذَا ضَابِطُ مَا يَجُوزُ التَّحَمُّلُ فِي الشَّهَادَةِ بِهِ، وَقَدْ يَجُوزُ بِالظَّنِّ وَالسَّمَاعِ قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ: مَا اتَّسَعَ أَحَدٌ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ كَاتِّسَاعِ الْمَالِكِيَّةِ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ، الْحَاضِرُ مِنْهَا عَلَى الْخَاطِرِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مَوْضِعًا الْأَحْبَاسُ الْمِلْكُ الْمُتَقَادِمُ الْوَلَاءُ النَّسَبُ الْمَوْتُ الْوِلَايَةُ الْعَزْلُ الْعَدَالَةُ الْجُرْحَةُ، وَمَنَعَ سَحْنُونٌ ذَلِكَ فِيهِمَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَذَلِكَ إذَا لَمْ يُدْرِكْ زَمَانَ الْمَجْرُوحِ وَالْعَدْلِ فَإِنْ أَدْرَكَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ، الْإِسْلَامِ، الْكُفْرِ، الْحَمْلِ، الْوِلَادَةِ، التَّرْشِيدِ، السَّفَهِ، الصَّدَقَةِ، الْهِبَةِ، الْبَيْعِ فِي حَالِهِ الْمُتَقَادِمِ، الرَّضَاعِ، النِّكَاحِ، الطَّلَاقِ، الضَّرَرِ، الْوَصِيَّةِ، إبَاقِ الْعَبْدِ، الْحِرَابَةِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ الْبُنُوَّةَ، وَالْأُخُوَّةَ، وَزَادَ الْعَبْدِيُّ فِي الْحُرِّيَّةِ الْقَسَامَةَ فَهَذِهِ مَوَاطِنُ أَرَى الْأَصْحَابُ أَنَّهَا مَوَاطِنُ ضَرُورَةٍ فَيَجُوزُ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ بِالظَّنِّ الْغَالِبِ انْتَهَى بِلَفْظِهِ قَالَ التَّاوَدِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ وَتَرْجِعُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ كَمَا فِي الْمُتَيْطِيِّ لِلشَّهَادَةِ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مَعَ الْيَمِينِ. ابْنُ عَرَفَةَ: هِيَ لَقَبٌ لِمَا يُصَرِّحُ فِيهِ الشَّاهِدُ بِاسْتِنَادِ شَهَادَتِهِ لِسَمَاعٍ مِنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَتَخْرُجُ شَهَادَةُ الْبَتِّ وَالنَّقْلِ أَيْ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ فِي شَهَادَةِ النَّقْلِ مُعَيَّنٌ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَشَهَادَةُ السَّمَاعِ لَهَا ثَلَاثُ مَرَاتِبَ الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى تُفِيدُ الْعِلْمَ، وَهِيَ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِالتَّوَاتُرِ كَالسَّمَاعِ بِأَنَّ مَكَّةَ مَوْجُودَةٌ فَهَذِهِ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ بِالْمَرْوِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُفِيدُ الْعِلْمَ. (الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ) شَهَادَةُ الِاسْتِفَاضَةِ، وَهِيَ تُفِيدُ ظَنًّا، يَقْرَبُ مِنْ الْقَطْعِ، وَيَرْتَفِعُ عَنْ السَّمَاعِ، مِثْلُ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَأَنَّ ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْهِلَالُ إذَا رَآهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَاسْتِفَاضَةِ الْعَدَالَةِ أَوْ الْجَرْحِ فَيَسْتَنِدُ لِذَلِكَ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ عَدَالَةِ الْمَشْهُودِينَ (الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ) شَهَادَةُ السَّمَاعِ، وَهِيَ الَّتِي تَكَلَّمَ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ، وَهِيَ الْمُرَادَةُ هُنَا، وَالْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي صِفَتِهَا، وَفِي مَحَالِّهَا، وَفِي شُرُوطِهَا فَأَمَّا صِفَتُهَا فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْبَاجِيِّ شَرْطُ شَهَادَةِ السَّمَاعِ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا سَمَاعًا فَاشِيًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ، وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْأَخَوَيْنِ، وَقَالَهُ مُحَمَّدٌ قَالَا: وَلَا يُسَمُّوا مَنْ سَمِعُوا مِنْهُ فَإِنْ سَمَّوْا خَرَجَتْ مِنْ شَهَادَةِ السَّمَاعِ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ، وَفِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الْمَسْمُوعِ ثَالِثُهَا إلَّا فِي الرَّضَاعِ اهـ وَسَيَقُولُ النَّاظِمُ

وَأَمَّا كَوْنُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُعْطَ عِلْمَ الْقِيَافَةِ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُعْطِيَ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ أَخْبَرَ عَنْ ضَابِطِ الْقَائِفِينَ أَنَّ الشَّبَهَ مَتَى كَانَ كَذَا فَهُمْ يَحْكُمُونَ بِكَذَا إلَّا أَنَّهُ ادَّعَى عِلْمَ الْقِيَافَةِ كَمَا نَقُولُ يَقُولُ الْإِنْسَانُ الْأَطِبَّاءُ يُدَاوُونَ الْمَحْمُومَ بِكَذَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَبِيبًا، وَلَمْ يَحْكُمْ بِالْوَلَدِ لِشَرِيكٍ لِأَنَّهُ زَانٍ، وَإِنَّمَا يَحْكُمُ بِالْوَلَدِ فِي وَطْءِ الشُّبْهَةِ، وَإِنَّمَا وَطِئَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي الْأَمَةَ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا عَدَمُ الْحَدِّ فَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَكُونُ مِنْ جِهَتِهَا شُبْهَةً أَوْ مُكْرَهَةً أَوْ لِأَنَّ اللِّعَانَ يُسْقِطُ الْحَدَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 8] الْآيَةَ أَوْ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَحَدِيثُ الْمُدْلِجِيِّ يَدُلُّ دَلَالَةً قَوِيَّةً عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَدَلَّ بِالشَّبَهِ عَلَى النَّسَبِ، وَلَوْ كَانَ بِالْوَحْيِ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ تَرْدِيدٌ فِي ظَاهِرِ الْحَالِ بَلْ كَانَ يَقُولُ هِيَ تَأْتِي بِهِ عَلَى نَعْتِ كَذَا، وَهُوَ لِفُلَانٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّرْدِيدِ الَّذِي لَا يَحْسُنُ إلَّا فِي مَوَاطِنِ الشَّكِّ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ هَذَا بِالْوَحْيِ إذَا كَانَ لِتَأْسِيسِ قَاعِدَةِ الْقِيَافَةِ وَبَسْطِ صُوَرِهَا بِالْأَشْبَاهِ، وَذَلِكَ مَطْلُوبُنَا فَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا سُرَّ إلَّا بِسَبَبٍ حَقٍّ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ فِي الْحَدِيثِ «تَرِبَتْ يَدَاك، وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ» فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمَنِيَّ يُوجِبُ الشَّبَهَ فَيَكُونُ دَلِيلَ النَّسَبِ، وَلَنَا أَيْضًا أَنَّ رَجُلَيْنِ تَدَاعَيَا وَلَدًا فَاخْتَصَمَا لِعُمَرَ فَاسْتَدْعَى لَهُ الْقَافَةَ فَأَلْحَقُوهُ بِهِمَا فَعَلَاهُمَا بِالدِّرَّةِ، وَاسْتَدْعَى حَرَائِرَ مِنْ قُرَيْشٍ فَقُلْنَ خُلِقَ مِنْ مَاءِ الْأَوَّلِ، وَحَاضَتْ عَلَى الْحَمْلِ فَاسْتَخْشَفَ الْحَمْلُ فَلَمَّا وَطِئَهَا الثَّانِي انْتَعَشَ بِمَائِهِ فَأَخَذَ شَبَهًا مِنْهَا فَقَالَ عُمَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْأَوَّلِ، وَلِأَنَّهُ عِلْمٌ عِنْدَ الْقَافَةِ مِنْ بَابِ الِاجْتِهَادِ فَيُعْتَمَدُ عَلَيْهِ كَالتَّقْوِيمِ فِي الْمُتْلَفَاتِ وَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَخَرْصِ الثِّمَارِ فِي الزَّكَوَاتِ وَتَحْرِيرِ جِهَةِ الْكَعْبَةِ فِي الصَّلَوَاتِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَخْمِينٌ وَتَقْرِيبٌ. وَلَمَّا لَمْ يَعْتَبِرْ أَبُو حَنِيفَةَ الشَّبَهَ أَلْحَقَ الْوَلَدَ بِجَمِيعِ الْمُتَنَازِعِينَ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: 13] فَالْأَبُ وَاحِدٌ وقَوْله تَعَالَى {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} [النساء: 11] فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ آبَاءً. وَعَارَضَ أَبُو حَنِيفَةَ حَدِيثَ الْعَجْلَانِيُّ بِوُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) بِمَا فِي الصِّحَاحِ «أَنَّ رَجُلًا حَضَرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَادَّعَى أَنَّ امْرَأَتَهُ وَلَدَتْ وَلَدًا أَسْوَدَ فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هَلْ فِي إبِلِك مِنْ أَوْرَقَ فَقَالَ لَهُ نَعَمْ قَالَ لَهُ مَا أَلْوَانُهَا قَالَ سُودٌ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَشَرْطُهَا اسْتِفَاضَةٌ حَيْثُ لَا ... يَحْضُرُ مَنْ عَنْهُ السَّمَاعُ نُقِلَا مَعَ السَّلَامَةِ مِنْ ارْتِيَابٍ ... يُفْضِي إلَى تَغْلِيطٍ أَوْ إكْذَابٍ وَيُكْتَفَى فِيهَا بِعَدْلَيْنِ عَلَى ... مَا تَابَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ الْعَمَلَا (وَأَمَّا مَحَالُّهَا) وَمَا تُقْبَلُ فِيهِ فَفِيهِ طُرُقٌ (إحْدَاهَا) لِعَبْدِ الْوَهَّابِ أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِمَا لَا يَتَغَيَّرُ حَالُهُ، وَلَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِيهِ كَالْمَوْتِ وَالنَّسَبِ وَالْوَقْفِ قَالَ وَفِي قَبُولِهَا فِي النِّكَاحِ قَوْلَانِ (الثَّانِيَةُ) لِابْنِ رُشْدٍ أَنَّ فِيهَا أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ تَصِحُّ فِي كُلِّ شَيْءٍ أَلَّا تَصِحَّ فِي شَيْءٍ. الثَّالِثُ تَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: النَّسَبُ، وَالْقَضَاءُ، وَالنِّكَاحُ، وَالْمَوْتُ؛ إذْ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَسْتَفِيضَ فَيَشْهَدَ فِيهَا عَلَى الْقَطْعِ. الرَّابِعُ عَكْسُهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ وَيَجْمَعُهَا قَوْلُك فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ الْقَاضِي نَكَحَ فَمَاتَ (الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ) لِابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّهَا تَجُوزُ فِي مَسَائِلَ مَعْدُودَةٍ وَقَعَ النَّصُّ عَلَيْهَا، وَإِيَّاهَا سَلَكَ النَّاظِمِ فَقَالَ: وَأُعْمِلْت شَهَادَةُ السَّمَاعِ ... فِي الْحَمْلِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّضَاعِ وَالْحَيْضِ وَالْمِيرَاثِ وَالْمِيلَادِ ... وَحَالِ إسْلَامٍ أَوْ ارْتِدَادِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَالْوَلَاءِ ... وَالرُّشْدِ وَالتَّسْفِيهِ وَالْإِيصَاءِ وَفِي تَمَلُّكٍ لِمِلْكٍ بِيَدِ ... يُقَامُ فِيهِ بَعْدَ طُولِ الْمَدَدِ وَحَبْسِ مَنْ حَازَ مِنْ السِّنِينَ ... عَلَيْهِ مَا يُنَاهِزُ الْعِشْرِينَ وَعَزْلِ حَاكِمٍ وَفِي تَقْدِيمِهِ ... وَضَرَرِ الزَّوْجَيْنِ مِنْ تَتْمِيمِهِ وَجُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ تِسْعَةَ عَشَرَ وَهَذَا فِيمَا عِنْدَهُ، وَحَضَرَهُ الْآنَ، وَعَدَّهَا ابْنُ الْعَرَبِيِّ إحْدَى وَعِشْرِينَ فَقَالَ: أَيَا سَائِلِي عَمَّا يُنَفَّذُ حُكْمُهُ ... وَيَثْبُتُ سَمْعًا دُونَ عِلْمٍ بِأَصْلِهِ فَفِي الْعَزْلِ وَالتَّجْرِيحِ وَالْكُفْرِ بَعْدَهُ ... وَفِي سَفَهٍ أَوْ ضِدِّ ذَلِكَ كُلِّهِ وَفِي الْبَيْعِ وَالْأَحْبَاسِ وَالصَّدَقَاتِ وَالرَّضَاعِ ... وَخُلْعٍ وَالنِّكَاحِ وَحِلِّهِ وَزَادَ وَلَدُهُ سِتَّةً فَقَالَ: وَفِي قِسْمَةٍ أَوْ نِسْبَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ ... وَمَوْتٍ وَحَمْلٍ وَالْمُقِرِّ بِأَهْلِهِ وَمِنْهَا الْهِبَاتُ الْوَصِيَّةُ فَاعْلَمَنْ ... وَمُلْكٍ قَدِيمٍ قَدْ يُظَنُّ بِمِثْلِهِ وَمِنْهَا وِلَادَاتٌ وَمِنْهَا حِرَابَةٌ ... وَمِنْهَا الْإِبَاقُ فَلْيُضَمَّ بِشَكْلِهِ فَدُونَكُمَا عِشْرِينَ مِنْ بَعْدِ سَبْعَةٍ ... تَدُلُّ عَلَى حِفْظِ الْفَقِيهِ وَنُبْلِهِ أَبِي نَظَمَ الْعِشْرِينَ مِنْ بَعْدِ وَاحِدٍ ... وَأَتْبَعْتهَا سِتًّا تَمَامًا لِفِعْلِهِ

فَقَالَ مَا السَّبَبُ فَقَالَ الرَّجُلُ لَعَلَّ عِرْقًا نَزَعَ» فَلَمْ يَعْتَبِرْ الشَّبَهُ. (الثَّانِي) بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» ، وَلَمْ يُفَرِّقْ. (الثَّالِثُ) أَنَّ خَلْقَ الْوَلَدِ مُغَيَّبٌ عَنَّا فَجَازَ أَنْ يُخْلَقَ مِنْ رَجُلَيْنِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ بُقْرَاطُ فِي كِتَابٍ سَمَّاهُ الْحَمْلُ عَلَى الْحَمْلِ. (الرَّابِعُ) وَلِأَنَّ الشَّبَهَ لَوْ كَانَ مُعْتَبَرًا مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ مِنْ الْوَلَدِ وَجَمَاعَةٍ لَوَجَبَ إلْحَاقُهُ بِهِمْ بِسَبَبِ الشَّبَهِ، وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ. (الْخَامِسُ) وَلِأَنَّ الشَّبَهَ لَوْ كَانَ مُعْتَبَرًا لَبَطَلَتْ مَشْرُوعِيَّةُ اللِّعَانِ، وَاكْتُفِيَ بِهِ. (السَّادِسُ) أَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهُ مَعَ الْفِرَاشِ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا عِنْدَ عَدَمِهِ كَغَيْرِهِ. (السَّابِعُ) أَنَّ الْقِيَافَةَ لَوْ كَانَتْ عِلْمًا لَأَمْكَنَ اكْتِسَابُهُ كَسَائِرِ الْعُلُومِ وَالصَّنَائِعِ. (الثَّامِنُ) أَنَّهُ حَزْرٌ وَتَخْمِينٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا كَأَحْكَامِ النُّجُومِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ تِلْكَ الصُّورَةَ لَيْسَتْ صُورَةَ النِّزَاعِ لِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ، وَإِنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ اخْتِلَافِ اللَّوْنِ فَعَرَّفَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - السَّبَبَ، وَلِأَنَّا لَا نَقُولُ إنَّ الْقِيَافَةَ هِيَ اعْتِبَارُ الشَّبَهِ كَيْفَمَا كَانَ، وَالْمُنَاسَبَةُ كَيْفَ كَانَتْ بَلْ شَبَهٌ خَاصٌّ، وَلِذَلِكَ أَلْحَقُوا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ مَعَ سَوَادِهِ بِأَبِيهِ الشَّدِيدِ الْبَيَاضِ بَلْ حَقِيقَتُهَا شَبَهٌ خَاصٌّ، وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْأَلْوَانِ وَغَيْرِهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ يُعَرِّجْ مُجَزِّزٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَلْوَانِ، وَهَذَا الرَّجُلُ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا مُجَرَّدَ اللَّوْنِ فَلَيْسَ فِيهِ شَرْطُ الْقِيَافَةِ حَتَّى يَدُلَّ إلْغَاؤُهُ عَلَى إلْغَاءِ الْقِيَافَةِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَادَةِ وَالْغَالِبِ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّهُ خِلَافُ الْعَوَائِدِ، وَظَوَاهِرُ النُّصُوصِ الْمُتَقَدِّمَةُ تَأْبَاهُ، وَالشَّرْعُ إنَّمَا يَبْنِي أَحْكَامَهُ عَلَى الْغَالِبِ، وَبُقْرَاطُ تَكَلَّمَ عَلَى النَّادِرِ فَلَا تَعَارُضَ، وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ مُضَافًا لِمَا يُشَاهَدُ مِنْ شَبَهِ الْإِنْسَانِ لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا يُضَافُ لِشَبَهٍ خَاصٍّ يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْقِيَافَةِ، وَعَنْ الْخَامِسِ أَنَّ الْقِيَافَةَ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ حَيْثُ يَسْتَوِي الْفِرَاشَانِ، وَاللِّعَانُ يَكُونُ لِمَا يُشَاهِدُ الزَّوْجُ فَهُمَا بَابَانِ مُتَبَايِنَانِ لَا يَسُدُّ أَحَدُهُمَا مَسَدَ الْآخَرِ، وَعَنْ السَّادِسِ الْفَرْقُ بِأَنَّ وُجُودَ الْفِرَاشِ وَحْدَهُ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ يَقْتَضِي اسْتِقْلَالَهُ بِخِلَافِ تَعَارُضِ الْفِرَاشَيْنِ، وَعَنْ السَّابِعِ أَنَّهُ قُوَّةٌ فِي النَّفْسِ، وَقُوَى النَّفْسِ وَخَوَاصُّهَا لَا يُمْكِنُ اكْتِسَابُهَا كَالْعَيْنِ الَّتِي يُصَابُ بِهَا فَتُدْخِلُ الْجَمَلَ الْقِدْرَ، وَالرَّجُلَ الْقَبْرَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا دَلَّ الْوُجُودُ عَلَيْهِ مِنْ الْخَوَاصِّ فَالْقِيَافَةُ كَذَلِكَ حَتَّى يَتَعَذَّرَ اكْتِسَابُهَا. وَعَنْ الثَّامِنِ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَتْ أَحْكَامُ النُّجُومِ كَمَا ثَبَتَتْ الْقِيَافَةُ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَبَطَ بِهَا أَحْكَامًا لَاعْتُبِرَتْ فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ الْمُرْتَبِطَةِ بِهَا كَمَا اُعْتُبِرَتْ الشَّمْسُ فِي الْفُصُولِ وَنُضْجِ الثِّمَارِ وَتَجْفِيفِ الْحُبُوبِ وَالْكُسُوفَاتِ وَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُعْتَبَرٌ مِنْ أَحْكَامِ النُّجُومِ، وَإِنَّمَا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَزَادَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ خَمْسَةً، وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ: وَقَدْ زِيدَ فِيهَا الْفَقْرُ وَالْأَسْرُ وَالْمَلَا ... وَلَوْثٌ وَعِتْقٌ فَاظْفَرَنَّ بِنَقْلِهِ فَصَارَتْ لَدَى عَدٍّ ثَلَاثِينَ أُتْبِعَتْ ... بِثِنْتَيْنِ فَاطْلُبْ نَصَّهَا فِي مَحَلِّهِ وَنَظَمَهَا أَيْضًا الْعَبْدُوسِيُّ وَذَيَّلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ بِمَا زَادَهُ عَلَيْهِ إلَى أَنْ قَالَ فِي آخِرِهِ: لَوْلَا التَّدَاخُلُ عِنْدَ عَدِّ الزَّائِدِ ... لَبَلَغَتْ خَمْسِينَ دُونَ وَاحِدِ اهـ كَلَامُ التَّاوَدِيِّ مَعَ بَعْضِ إصْلَاحٍ. وَحَذَفَ شَرْحَهُ لِأَبْيَاتِ الْعَاصِمِيَّةِ فَانْظُرْهُ، وَأَمَّا مَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدًا فَهُوَ مَا عَدَا الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورِينَ، وَمِنْهُ الظَّنُّ الضَّعِيفُ، وَقَوْلُ الْأَصْلِ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ الْأَدَاءُ بِمَا عِنْدَهُ مِنْ الظَّنِّ الضَّعِيفِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ فَلَوْ شَهِدَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ جَازَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ قَدْ دَفَعَهُ فَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِصْحَابِ الَّذِي لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ الضَّعِيفَ، وَكَذَلِكَ الثَّمَنُ فِي الْبَيْعِ مَعَ احْتِمَالِ دَفْعِهِ، وَيَشْهَدُ بِالْمِلْكِ الْمَوْرُوثِ لِوَارِثِهِ مَعَ جَوَازِ بَيْعِهِ بَعْدَ أَنْ وَرِثَهُ، وَيَشْهَدُ بِالْإِجَازَةِ وَلُزُومِ الْأُجْرَةِ مَعَ جَوَازِ الْإِقَالَةِ بَعْدَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِصْحَابِ فَالْحَاصِلُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا إنَّمَا هُوَ الظَّنُّ الضَّعِيفُ بَلْ لَا يَكَادُ يُوجَدُ مَا يَبْقَى فِيهِ الْعِلْمُ إلَّا الْقَلِيلُ مِنْ الصُّوَرِ، وَمِنْ ذَلِكَ النَّسَبُ وَالْوَلَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ فَيَبْقَى الْعِلْمُ عَلَى حَالِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ الشَّهَادَةُ بِالْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ وُقُوعِ النُّطْقِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، وَذَلِكَ لَا يَرْتَفِعُ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْفُ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ أَمَّا إذَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا يَحْصُلُ فِيهَا الظَّنُّ فَقَطْ إذَا شَهِدَ بِأَنَّ هَذِهِ الدَّارَ وَقْفٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ حَكَمَ بِنَقْضِهِ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَوَاطِنَ فَأَكْثَرُهَا إنَّمَا فِيهَا الظَّنُّ فَقَطْ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ فِي أَصْلِ الْمُدْرَكِ لَا فِي دَوَامِهِ فَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ إلَّا بِالْعِلْمِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَّا مَا هُوَ قَاطِعٌ بِهِ بَلْ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْمُدْرَكِ عِلْمًا فَقَطْ اهـ بِتَصَرُّفٍ. قَالَ الْمُحَقِّقُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الشَّاهِدَ فِي أَكْثَرِ الشَّهَادَاتِ لَا يَشْهَدُ إلَّا بِالظَّنِّ الضَّعِيفِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِنَّمَا يَشْهَدُ بِأَنَّ زَيْدًا وَرِثَ الْمَوْضِعَ الْفُلَانِيَّ مَثَلًا أَوْ اشْتَرَاهُ جَازِمًا بِذَلِكَ لَا ظَانًّا، وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ بَاعَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَا تَتَعَرَّضُ لَهُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ بِالْجَزْمِ لَا فِي نَفْيِهِ، وَلَا فِي إثْبَاتِهِ، وَلَكِنْ تَتَعَرَّضُ لَهُ بِنَفْيِ الْعِلْمِ بِبَيْعِهِ أَوْ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ عَلَى الْجُمْلَةِ فَمَا تَوَهَّمَ أَنَّهُ مُضَمَّنُ الشَّهَادَةِ لَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ.

[الفرق بين قاعدة اللفظ الذي يصح أداء الشهادة به وبين قاعدة ما لا يصح أداؤها به]

أُلْغِيَ مِنْهَا مَا هُوَ كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رَبْطِ الشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ وَالْأَمَانَةِ وَالْإِحْيَاءِ بِمُثَلَّثِهَا وَتَرْبِيعِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَصِحَّ فِيهَا، وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ، وَالْقِيَافَةُ صَحَّتْ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ. (الْحُجَّةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) الْقُمُطُ وَشَوَاهِدُ الْحِيطَانِ قَالَ بِهَا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ قَالَ أَشْهَبُ إذَا تَدَاعَيَا جِدَارًا مُتَّصِلًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا، وَعَلَيْهِ جُذُوعٌ لِلْآخَرِ فَهُوَ لِمَنْ اتَّصَلَ بِبِنَائِهِ. وَلِصَاحِبِ الْجُذُوعِ مَوْضِعُ جُذُوعِهِ لِأَنَّهُ جَوَّزَهُ، وَيَقْضِي بِالْجِدَارِ لِمَنْ إلَيْهِ عُقُودُ الْأَرْبِطَةِ، وَلِلْآخَرِ مَوْضِعُ جُذُوعِهِ، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ عَشْرُ خَشَبَاتٍ، وَلِلْآخَرِ خَمْسُ خَشَبَاتٍ وَلَا رَبْطَ، وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لَا عَلَى عَدَدِ الْخُشُبِ، وَبَقِيَتْ خَشَبَاتُهُمَا بِحَالِهَا، وَإِذَا انْكَسَرَتْ خُشُبُ أَحَدِهِمَا رَدَّ مِثْلَ مَا كَانَ، وَلَا يُجْعَلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا تَحْتَ خُشُبِهِ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ عَقَدَهُ لِأَحَدِهِمَا مِنْ ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ، وَلِلْآخَرِ مِنْ مَوْضِعٍ قُسِّمَ بَيْنَهُمَا عَلَى عَدَدِ الْعُقُودِ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ لِوَاحِدٍ، وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ خُشُبٌ مَعْقُودَةٌ بِعَقْدِ الْبِنَاءِ أَوْ مَثْقُوبَةٌ فَعَقْدُ الْبِنَاءِ يُوجِبُ مِلْكَ الْحَائِطِ لِأَنَّهُ فِي الْعَادَةِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمَالِكِ، وَقِيلَ لَا يُوجِبُهُ، وَقَالَ فِي الْمَثْقُوبَةِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا طَارِئَةٌ عَلَى الْحَائِطِ، وَالْكُوَى كَعَقْدِ الْبِنَاءِ تُوجِبُ الْمِلْكَ، وَكُوَى الضَّوْءِ الْمَنْفُوذَةُ لَا دَلِيلَ فِيهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا عَقْدٌ، وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ خُشُبٌ، وَلَوْ وَاحِدَةً فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا كُوًى غَيْرَ مَنْفُوذَةٍ أَوْجَبَتْ الْمِلْكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَخَصُّ الْقَصَبُ لِأَحَدِهِمَا، وَالْقَصَبُ وَالطُّوبُ سَوَاهُ قُلْت الْمُدْرَكُ فِي هَذِهِ الْفَتَاوَى كُلِّهَا شَوَاهِدُ الْعَادَاتِ فَمَنْ ثَبَتَتْ عِنْدَهُ عَادَةٌ قَضَى بِهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْعَوَائِدُ فِي الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ وَجَبَ اخْتِلَافُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ مَبْنِيٍّ عَلَى عَادَةٍ إذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ تَغَيَّرَ كَالنُّقُودِ وَمَنَافِعِ الْأَعْيَانِ وَغَيْرِهِمَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إذَا تَنَازَعَا حَائِطًا مُبَيَّضًا هَلْ هُوَ مُنْعَطِفٌ لِدَارِك أَوْ لِدَارِهِ فَأَمَرَ الْحَاكِمُ بِكَشْفِ الْبَيَاضِ لِيُنْظَرَ إنْ جُعِلَتْ الْأُجْرَةُ فِي الْكَشْفِ عَلَيْهِ فَمُشْكِلٌ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ يَكُونُ لِخَصْمِك، وَالْأُجْرَةُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَلَى مَنْ يَقَعُ لَهُ الْعَمَلُ وَنَفْعُهُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَقَعَ الْإِجَارَةُ عَلَى مَنْ يُثْبِتُ لَهُ الْمِلْكَ لِأَنَّكُمَا جَزَمْتُمَا بِالْمِلْكِيَّةِ فَمَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ إلَّا جَازِمَةً. وَكَذَلِكَ الْقَائِفُ لَوْ امْتَنَعَ إلَّا بِأَجْرٍ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُ الْحَاكِمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِاسْتِجَارَةٍ، وَيَلْزَمُ الْأُجْرَةَ فِي الْأَخِيرِ لِمَنْ يَثْبُتُ لَهُ ذَلِكَ الْحَقُّ كَمَا يَحْلِفُ فِي اللِّعَانِ، وَغَيْرِهِ، وَأَحَدُهُمَا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اللَّفْظِ الَّذِي يَصِحُّ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَصِحُّ أَدَاؤُهَا بِهِ] [الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الشَّهَادَةُ قِسْمَانِ] (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ اللَّفْظِ الَّذِي يَصِحُّ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَصِحُّ أَدَاؤُهَا بِهِ) وَهُوَ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ اشْتِرَاطِ أَلْفَاظٍ مُعَيَّنَةٍ فِي الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا لَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ مُعَيَّنَاتِ الْأَلْفَاظِ لَا فِي الْعُقُودِ، وَلَا غَيْرِهَا، وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعُرْفَ لَمَّا وَضَعَ فِي الشَّهَادَةِ الْمُضَارِعَ لِلْإِخْبَارِ الْخَاصِّ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ فَصْلُ الْقَضَاءِ وَفِي الْعُقُودِ الْمَاضِي لِإِنْشَائِهَا وَفِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ الْوَصْفَ أَعْنِي اسْمَيْ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ لِإِنْشَائِهَا صَحَّ مِنْ الْحَاكِمِ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْمُضَارِعِ فِي الشَّهَادَةِ دُونَ غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرِ صَرِيحٍ فِيهَا عُرْفًا، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الصَّرِيحِ هُوَ الْأَصْلُ، وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى غَيْرِ الصَّرِيحِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمُرَادِ مِنْهُ فَلَوْ اتَّفَقَ أَنَّ الْعَوَائِدَ تَغَيَّرَتْ، وَصَارَ الْمَاضِي مَوْضُوعًا فِي الشَّهَادَةِ لِلْإِخْبَارِ الْخَاصِّ الَّذِي يَقْصَدُ بِهِ فَصْلَ الْقَضَاءِ، وَالْمُضَارِعُ مَوْضُوعًا فِي الْعُقُودِ لِإِنْشَائِهَا جَازَ لِلْحَاكِمِ الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا صَارَ مَوْضُوعًا فِي الْبَابَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْعُرْفِ الْأَوَّلِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ نَاشِئٌ عَنْ الْعَوَائِدِ، وَتَابِعٌ لَهَا بِحَيْثُ يَنْقَلِبُ، وَيَنْفَسِخُ بِتَغَيُّرِهَا وَانْتِقَالِهَا فَلَا يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ خَفَاءٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَصِحُّ أَنْ تُؤَدَّى بِهِ الشَّهَادَةُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَصِحُّ بِهِ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا صَحَّحَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ هُنَا، وَسَلَّمَهُ قُلْت لَكِنْ مِنْ حَيْثُ جَرَيَانُهُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كَانَ عَلَى الْأَصْلِ أَنْ يُبَدَّلَ هَذَا الْفَرْقُ بِقَوْلِهِ الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ مِنْ النَّفْيِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ مِنْهُ وَهُوَ أَنَّهُ وَإِنْ اشْتَهَرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ إطْلَاقُ عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ عَلَى النَّفْيِ إلَّا أَنَّ فِي قَبُولِهَا، وَعَدَمِهِ تَفْصِيلًا يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ، وَيَظْهَرُ بِهِ أَنَّ قَوْلَهُمْ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، وَهُوَ أَنَّ النَّفْيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) نَفْيٌ يَكُونُ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ فَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِهِ اتِّفَاقًا كَمَا لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْبُقْعَةِ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ فَرَسٌ، وَنَحْوُهُ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ مَعَ الْقَطْعِ مَطْلَبٌ آخَرُ. (الْقِسْمُ الثَّانِي) نَفْيٌ يَكُونُ مَعْلُومًا بِالظَّنِّ الْغَالِبِ النَّاشِئِ عَنْ الْفَحْصِ فَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِهِ فِي صُوَرٍ مِنْهَا التَّفْلِيسُ، وَحَصْرُ الْوَرَثَةِ فَإِنَّ الْحَاصِلَ فِيهِ إنَّمَا هُوَ الظَّنُّ الْغَالِبُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ عَقْلًا حُصُولُ الْمَالِ لِلْمُفْلِسِ، وَهُوَ يَكْتُمُهُ، وَحُصُولُ، وَارِثٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا قَوْلُ الْمُحَدِّثِينَ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِصَحِيحٍ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِقْرَاءِ. (وَمِنْهَا) قَوْلُ النَّحْوِيِّينَ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ اسْمٌ آخِرُهُ وَاوٌ قَبْلَهَا ضَمَّةٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ قُلْت، وَمُرَادُهُمْ اسْمٌ عَرَبِيٌّ أَصَالَةً لَيْسَ مَنْقُولًا مِنْ فِعْلٍ مُعْتَلٍ كَيَدْعُو، وَلَا مِنْ اسْمٍ عَجَمِيٍّ

كَاذِبٌ (الْحُجَّةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) الْيَدُ، وَهِيَ يُرَجَّحُ بِهَا، وَيَبْقَى الْمُدَّعِي بِهِ لِصَاحِبِهَا، وَلَا يُقْضَى لَهُ بِمِلْكٍ بَلْ يُرَجَّحُ التَّعَدِّي فَقَطْ، وَتُرَجَّحُ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْحِجَاجِ، وَهِيَ لِلتَّرْجِيحِ لَا لِلْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ فَهَذِهِ هِيَ الْحِجَجُ الَّتِي يَقْضِي بِهَا الْحَاكِمُ، وَمَا عَدَاهَا لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهِ فِي الْقَضَاءِ. (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا اُعْتُبِرَ مِنْ الْغَالِبِ وَبَيْنَ مَا أُلْغِيَ مِنْ الْغَالِبِ) : وَقَدْ يُعْتَبَرُ النَّادِرُ مَعَهُ، وَقَدْ يُلْغَيَانِ مَعًا اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْغَالِبِ، وَتَقْدِيمُهُ عَلَى النَّادِرِ، وَهُوَ شَأْنُ الشَّرِيعَةِ كَمَا يُقَدَّمُ الْغَالِبُ فِي طَهَارَةِ الْمِيَاهِ وَعُقُودِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَقْصِرُ فِي السَّفَرِ، وَيُفْطِرُ بِنَاءً عَلَى غَالِبِ الْحَالِ، وَهُوَ الْمَشَقَّةُ، وَيَمْنَعُ شَهَادَةَ الْأَعْدَاءِ وَالْخُصُومِ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْهُمْ الْحَيْفُ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ لَا يُحْصَى كَثْرَةً، وَقَدْ يُلْغِي الشَّرْعُ الْغَالِبَ رَحْمَةً بِالْعِبَادِ، وَتَقْدِيمُهُ قِسْمَانِ قِسْمٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ النَّادِرُ، وَقِسْمٌ يُلْغَيَانِ فِيهِ مَعًا. وَأَنَا أَذْكُرُ مِنْ كُلِّ قِسْمٍ مَثَلًا لِيَتَهَذَّبَ بِهَا الْفَقِيهُ، وَيَتَنَبَّهُ إلَى وُقُوعِهَا فِي الشَّرِيعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يَخْطُرُ ذَلِكَ بِالْبَالِ، وَلَا سِيَّمَا تَقْدِيمُ النَّادِرِ عَلَى الْغَالِبِ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا أُلْغِيَ فِيهِ الْغَالِبُ، وَقُدِّمَ النَّادِرُ عَلَيْهِ، وَأَثْبَتَ حُكْمَهُ دُونَهُ رَحْمَةً بِالْعِبَادِ، وَأَنَا أَذْكُرُ مِنْهُ عِشْرِينَ مِثَالًا: (الْأَوَّلُ) غَالِبُ الْوَلَدِ أَنْ يُوضَعَ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا جَاءَ بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا دَارَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ زِنًى وَهُوَ الْغَالِبُ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ تَأَخَّرَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَهُوَ نَادِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى وُقُوعِ الزِّنَا فِي الْوُجُودِ أَلْغَى الشَّارِعُ الْغَالِبَ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ، وَهُوَ تَأَخُّرُ الْحَمْلِ رَحْمَةً بِالْعِبَادِ لِحُصُولِ السَّتْرِ عَلَيْهِمْ، وَصَوْنِ أَعْرَاضِهِمْ عَنْ الْهَتْكِ. (الثَّانِي) إذَا تَزَوَّجَتْ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَطْءٍ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْغَالِبُ أَوْ مِنْ وَطْءٍ بَعْدَهُ، وَهُوَ النَّادِرُ فَإِنَّ غَالِبَ الْأَجِنَّةِ لَا تُوضَعُ إلَّا لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَإِنَّمَا يُوضَعُ فِي السِّتَّةِ سِقْطًا فِي الْغَالِبِ أَلْغَى الشَّرْعُ حُكْمَ الْغَالِبِ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ، وَجَعَلَهُ مِنْ الْوَطْءِ بَعْدَ الْعَقْدِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ لِحُصُولِ السَّتْرِ عَلَيْهِمْ وَصَوْنِ أَعْرَاضِهِمْ. (الثَّالِثُ) نَدَبَ الشَّرْعُ النِّكَاحَ لِحُصُولِ الذُّرِّيَّةِ مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْأَوْلَادِ الْجَهْلُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْمَعَاصِي، وَعَلَى رَأْيِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ اللَّهَ تَعَالَى بِالْبُرْهَانِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا إلَّا أَهْلُ الظَّاهِرِ كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ فِي الشَّامِلِ وَالْإسْفَرايِينِيّ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ يُنْهَى مِنْ الذُّرِّيَّةِ لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ عَلَيْهِمْ فَأَلْغَى الشَّرْعُ حُكْمَ الْغَالِبِ، وَاعْتَبَرَ حُكْمَ النَّادِرِ تَرْجِيحًا لِقَلِيلِ الْإِيمَانِ عَلَى كَثِيرِ الْكُفْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكمسمند ووقمدوا فَافْهَمْ (وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) نَفْيٌ يَعْرَى عَمَّا ذُكِرَ مِنْ الضَّرُورَةِ وَالظَّنِّ الْغَالِبِ النَّاشِئِ عَنْ الْفَحْصِ نَحْوُ أَنَّ زَيْدًا مَا وَفَّى الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ أَوْ مَا بَاعَ سِلْعَتَهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ مَحْمَلُ مَا اشْتَهَرَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهُ نَفْيٌ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي النَّفْيِ الْمُنْضَبِطِ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا غَالِبًا كَمَا فِي الْأَمْثِلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَكَمَا فِي نَحْوِ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يَقْتُلْ عَمْرًا أَمْسِ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ فِي الْبَيْتِ أَوْ إنَّهُ لَمْ يُسَافِرْ لِأَنَّهُ رَآهُ فِي الْبَلَدِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ لِيَظْهَرَ لَك أَنَّ قَوْلَهُمْ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، وَيَظْهَرُ لَك الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ مِنْ النَّفْيِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ مِنْهُ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ حَاصِلُ الشَّهَادَةِ بِاعْتِبَارِ قَصْدِ النَّفْيِ مِنْهَا أَوْ الْإِثْبَاتِ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا عَرَفْته مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا مُجَرَّدُ النَّفْيِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ. (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) مَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا مُجَرَّدُ الْإِثْبَاتِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ نَحْوُ أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ نَعَمْ قَالَ ابْنُ يُونُسَ لَوْ شَهِدُوا بِالْأَرْضِ وَلَمْ يُحِدُّوهَا، وَشَهِدَ آخَرُونَ بِالْحُدُودِ دُونَ الْمِلْكِ قَالَ مَالِكٌ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ، وَقَضَى بِهِمْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْمَجْمُوعِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ شَهِدُوا بِغَصْبِ الْأَرْضِ، وَلَمْ يُحِدُّوهَا قِيلَ لِلْمُدَّعِي حَدِّدْ مَا غُصِبَ مِنْك، وَاحْلِفْ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ، وَإِنْ شَهِدَتْ بِالْحَقِّ، وَقَالَتْ لَا نَعْرِفُ عَدَدَهُ قِيلَ لِلْمَطْلُوبِ قِرْ بِحَقٍّ، وَاحْلِفْ عَلَيْهِ فَتُعْطِيهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْك غَيْرُهُ فَإِنْ جَحَدَ قِيلَ لِلطَّالِبِ إنْ عَرَفْته احْلِفْ عَلَيْهِ وَخُذْهُ فَإِنْ قَالَ لَا أَعْرِفُهُ أَوْ أَعْرِفُهُ، وَلَا أَحْلِفُ عَلَيْهِ سُجِنَ الْمَطْلُوبُ حَتَّى يُقِرَّ بِشَيْءٍ، وَيَحْلِفُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ أَخَذَ الْمُقِرُّ بِهِ، وَحَبَسَ حَتَّى يَحْلِفَ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي دَارٍ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَتَّى يَحْلِفَ، وَلَا يُحْبَسُ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ قَالَ الْبَاجِيَّ فِي الْمُنْتَقَى، وَعَنْ مَالِكٍ رَدُّ الشَّهَادَةِ بِنِسْيَانِ الْعَدَدِ وَجَهْلِهِ لِأَنَّهُ نَقْصٌ فِي الشَّهَادَةِ قَالَ الْبَاجِيَّ نِسْيَانُ بَعْضِ الشَّهَادَةِ يَمْنَعُ مِنْ أَدَاءِ ذَلِكَ الْبَعْضِ إلَّا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْهِبَةِ وَالْحَبْسِ وَالْإِقْرَارِ، وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَلْزَمُ الشَّاهِدُ حِفْظُهُ بَلْ مُرَاعَاةُ الشَّهَادَةِ فِي آخِرِهِ، وَكَذَلِكَ سِجِلَّاتُ الْحَاكِمِ لَا يَلْزَمُ حِفْظُهَا عِنْدَ الْأَدَاءِ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ بِمَا عَلِمَ مِنْ تَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ (وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الْجَمْعُ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَهُوَ الْحَصْرُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهِمَا فِي الْعِبَارَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي التَّهْذِيبِ لَا يَكْفِي أَنَّهُ ابْنٌ لِلْمَيِّتِ حَتَّى يَقُولُوا فِي حَصْرِ الْوَرَثَةِ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ، وَكَذَلِكَ هَذِهِ الدَّارُ لِأَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ حَتَّى يَقُولُوا، وَلَا نَعْلَمُ خُرُوجَهَا عَنْ مِلْكِهِ إلَى الْمَوْتِ حَتَّى يُحْكَمَ بِالْمِلْكِ فِي الْحَالِ فَإِنْ قَالُوا هَذَا وَارِثٌ مَعَ وَرَثَةٍ آخَرِينَ أُعْطِيَ هَذَا نَصِيبَهُ، وَتُرِكَ الْبَاقِيَ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ مُسْتَحِقُّهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ يَدِهِ، وَلِأَنَّ الْغَائِبَ

وَالْمَعَاصِي تَعْظِيمًا لِحَسَنَاتِ الْخَلْقِ عَلَى سَيِّئَاتِهِمْ رَحْمَةً بِهِمْ. (الرَّابِعُ) طِينُ الْمَطَرِ الْوَاقِعُ فِي الطَّرَقَاتِ وَمَمَرِّ الدَّوَابِّ وَالْمَشْيِ بِالْأَمْدِسَةِ الَّتِي يُجْلَسُ بِهَا فِي الْمَرَاحِيضِ الْغَالِبُ عَلَيْهَا وُجُودُ النَّجَاسَةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَإِنْ كُنَّا لَا نُشَاهِدُ عَيْنَهَا، وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهَا مِنْهَا، وَمَعَ ذَلِكَ أَلْغَى الشَّارِعُ حُكْمَ الْغَالِبِ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ تَوْسِعَةً وَرَحْمَةً بِالْعِبَادِ فَيُصَلِّي بِهِ مِنْ غَيْرِ غَسْلٍ. (الْخَامِسُ) النِّعَالُ الْغَالِبُ عَلَيْهَا مُصَادَفَةُ النَّجَاسَاتِ لَا سِيَّمَا نَعْلٌ مَشَى بِهَا سَنَةً، وَجَلَسَ بِهَا فِي مَوَاضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ سَنَةً، وَنَحْوَهَا فَالْغَالِبُ النَّجَاسَةُ وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهَا مِنْ النَّجَاسَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ أَلْغَى الشَّرْعُ حُكْمَ الْغَالِبِ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ فَجَاءَتْ السُّنَّةُ بِالصَّلَاةِ فِي النِّعَالِ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ قَلْعَ النِّعَالِ فِي الصَّلَاةِ بِدْعَةٌ كُلُّ ذَلِكَ رَحْمَةٌ وَتَوْسِعَةٌ عَلَى الْعِبَادِ. (السَّادِسُ) الْغَالِبُ عَلَى ثِيَابِ الصِّبْيَانِ النَّجَاسَةُ لَا سِيَّمَا مَعَ طُولِ لُبْسِهِمْ لَهَا، وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهَا، وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِصَلَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأُمَامَةَ يَحْمِلُهَا فِي الصَّلَاةِ إلْغَاءً لِحُكْمِ الْغَالِبِ وَإِثْبَاتًا لِحُكْمِ النَّادِرِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ. (السَّابِعُ) ثِيَابُ الْكُفَّارِ الَّتِي يَنْسِجُونَهَا بِأَيْدِيهِمْ مَعَ عَدَمِ تَحَرُّزِهِمْ مِنْ النَّجَاسَاتِ فَالْغَالِبُ نَجَاسَةُ أَيْدِيهِمْ لِمَا يُبَاشِرُونَهُ عِنْدَ قَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَمُبَاشَرَتِهِمْ الْخُمُورَ وَالْخَنَازِيرَ، وَلُحُومَ الْمَيْتَاتِ، وَجَمِيعُ أَوَانِيهِمْ نَجِسَةٌ بِمُلَابَسَةِ ذَلِكَ، وَيُبَاشِرُونَ النَّسْجَ وَالْعَمَلَ مَعَ بِلَّةِ أَيْدِيهِمْ، وَعَرَقِهَا حَالَةَ الْعَمَلِ، وَيَبُلُّونَ تِلْكَ الْأَمْتِعَةَ بِالنَّشَا وَغَيْرِهِ مِمَّا يُقَوِّي لَهُمْ الْخُيُوطَ وَيُعِينُهُمْ عَلَى النَّسْجِ فَالْغَالِبُ نَجَاسَةُ هَذَا الْقُمَاشِ، وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهُ عَنْ النَّجَاسَةِ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْهُ مَالِكٌ فَقَالَ مَا أَدْرَكْت أَحَدًا يَتَحَرَّزُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مِثْلِ هَذَا فَأَثْبَتَ الشَّارِعُ حُكْمَ النَّادِرِ، وَأَلْغَى حُكْمَ الْغَالِبِ، وَجَوَّزَ لُبْسَهُ تَوْسِعَةً عَلَى الْعِبَادِ. (الثَّامِنُ) مَا يَصْنَعُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ فِي أَوَانِيهِمْ، وَبِأَيْدِيهِمْ الْغَالِبُ نَجَاسَتُهُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَالنَّادِرُ طَهَارَتُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ أَثْبَتَ الشَّرْعُ حُكْمَ النَّادِرِ، وَأَلْغَى حُكْمَ الْغَالِبِ، وَجَوَّزَ أَكْلَهُ تَوْسِعَةً عَلَى الْعِبَادِ. (التَّاسِعُ) مَا يَصْنَعُهُ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ لَا يُصَلُّونَ، وَلَا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ، وَلَا يَتَحَرَّزُونَ مِنْ النَّجَاسَاتِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ الْغَالِبُ نَجَاسَتُهَا، وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهَا فَأَلْغَى الشَّارِعُ حُكْمَ الْغَالِبِ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ، وَجَوَّزَ أَكْلَهَا تَوْسِعَةً وَرَحْمَةً عَلَى الْعِبَادِ. (الْعَاشِرُ) مَا يَنْسِجُهُ الْمُسْلِمُونَ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُمْ الْغَالِبُ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ، وَقَدْ أَثْبَتَ الشَّرْعُ حُكْمَ النَّادِرِ، وَأَلْغَى حُكْمَ الْغَالِبِ، وَجَوَّزَ الصَّلَاةَ فِيهِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ (الْحَادِيَ عَشَرَ) مَا يَصْبُغُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ الْغَالِبُ نَجَاسَتُهُ، وَهُوَ أَشَدُّ مِمَّا يَنْسِجُونَهُ لِكَثْرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدْ يُقِرُّ لَهُ بِهَا قَالَ سَحْنُونٌ، وَقَدْ كَانَ يَقُولُ غَيْرَ هَذَا، وَعَنْ مَالِكٍ يُنْزَعُ مِنْ الْمَطْلُوبِ، وَيُوقَفُ لِتَيَقُّنِهَا أَنَّهَا لِغَيْرِهِ فَإِنْ قَالُوا لَا نَعْرِفُ عَدَدَ الْوَرَثَةِ لَمْ يَقْضِ لِهَذَا بِشَيْءٍ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى تَسْمِيَةِ الْوَرَثَةِ، وَتَبْقَى الدَّارُ بِيَدِ صَاحِبِ الْيَدِ حَتَّى يَثْبُتَ عَدَدُ الْوَرَثَةِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ لِنَقْضِ الْقِسْمَةِ وَتَشْوِيشِ الْأَحْكَامِ ثُمَّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْجَزْمِ بِالنَّفْيِ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ لَا نَقْبَلُ شَهَادَةَ مَنْ يَقُولُ فُلَانٌ وَارِثٌ، وَهَذَا الْعَبْدُ لَهُ مَا بَاعَ، وَلَا وَهَبَ، وَلَا يَدْرِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ جَزَمَ بِالنَّفْيِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ نَعَمْ قَالَ مَالِكٌ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ لَا أَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ، وَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُ بَاعَ، وَلَا وَهَبَ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَجُوزُ إلَّا الْجَزْمُ بِأَنْ يَقُولَ مَا بَاعَ، وَلَا وَهَبَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِغَيْرِ الْجَزْمِ لَا تَجُوزُ قَالَ وَقَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَظْهَرُ. وَفِي الْجَوَاهِرِ لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْأَمْسِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْحَالِ لَمْ يُسْمَعْ حَتَّى يَقُولَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِي، وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَمْسِ ثَبَتَ الْإِقْرَارُ، وَاسْتُصْحِبَ مُوجِبُهُ، وَلَوْ قَالَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَانَ مِلْكُهُ بِالْأَمْسِ نَزَعَ مِنْ يَدِهِ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ تَحْقِيقٍ فَيُسْتَصْحَبُ كَمَا لَوْ قَالَ الشَّاهِدُ هُوَ مِلْكُهُ بِالْأَمْسِ بِشِرَاءٍ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَمْسِ لَمْ يُفْدِ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّهُ مَلَكَهُ، وَلَوْ شَهِدَتْ أَنَّهُ غَصَبَهُ جَعَلَ الْمُدَّعِيَ صَاحِبَ الْيَدِ، وَلَوْ اُدُّعِيَتْ مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدَتْ بِالْمِلْكِ وَالسَّبَبِ لَمْ يَضُرَّ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ هَذَا تَهْذِيبُ مَا قَالَهُ الْأَصْلُ فِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ، وَمَا قَالَهُ فِيهَا صَحِيحٌ أَوْ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ اهـ. قُلْت: وَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِاعْتِبَارِ مَا يَكْفِي مِنْهَا فِي الْمَشْهُورِ فَلِابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَخَلِيلٍ أَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ، وَسَمُّوهَا مَرَاتِبُ عَدْلَانِ عَدْلٌ، وَامْرَأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَعَ الْيَمِينِ امْرَأَتَانِ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ مَا تُوجِبُهُ فَلِلْجَزِيرِيِّ فِي وَثَائِقِهِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ عَاصِمٍ فِي نَظْمِهِ أَنَّهَا بِالِاسْتِقْرَاءِ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْعَاصِمِيَّةِ: تَخْتَصُّ أُولَاهَا عَلَى التَّعْيِينِ ... أَنْ تُوجِبَ الْحَقَّ بِلَا يَمِينِ وَالثَّانِي قَالَ فِي الْعَاصِمِيَّةِ: ثَانِيَةٌ تُوجِبُ حَقًّا مَعَ قَسَمْ ... فِي الْمَالِ أَوْ مَا آلَ لِلْمَالِ تُؤَمْ وَالثَّالِثُ قَالَ فِيهَا: ثَالِثَةٌ لَا تُوجِبُ الْحَقَّ نَعَمْ ... تُوجِبُ تَوْقِيفًا بِهِ حُكْمُ الْحَكَمْ وَالرَّابِعُ قَالَ فِيهَا: رَابِعَةٌ مَا تَلْزَمُ الْيَمِينَا ... لَا الْحَقَّ لَكِنْ لِلْمُطَالِبِينَا ، وَالْخَامِسُ قَالَ فِيهَا: خَامِسَةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا عَمَلُ ... وَهِيَ الشَّهَادَةُ الَّتِي لَا تَقْبَلُ

[المسألة الثانية شهادة من يقول فلان وارث أو هذا العبد له ما باع ولا وهب ولا يدري ذلك]

الرُّطُوبَاتِ النَّاقِلَةِ لِلنَّجَاسَةِ، وَأَلْغَى الشَّارِعُ حُكْمَ الْغَالِبِ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ رِفْقًا بِالْعِبَادِ فَجَوَّزَ الصَّلَاةَ فِيهَا. (الثَّانِي عَشَرَ) مَا يَصْنَعُهُ الْعَوَامُّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَا يُصَلُّونَ، وَلَا يَتَحَرَّزُونَ مِنْ النَّجَاسَاتِ الْغَالِبِ نَجَاسَتُهُ، وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهُ فَجَوَّزَ الشَّرْعُ الصَّلَاةَ فِيهِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ النَّادِرِ عَلَى الْغَالِبِ تَوْسِعَةً وَلُطْفًا بِالْعِبَادِ (الثَّالِثَ عَشَرَ) مَا يَلْبَسُهُ النَّاسُ، وَيُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يُعْلَمُ لَابِسُهُ كَافِرٌ أَوْ مُسْلِمٌ يُحْتَاطُ وَيُتَحَرَّزُ مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَهْلِ الْبِلَادِ الْعَوَامُّ وَالْفَسَقَةُ وَتُرَّاكُ الصَّلَاةِ فِيهَا، وَمَنْ لَا يَتَحَرَّزُ مِنْ النَّجَاسَاتِ فَالْغَالِبُ نَجَاسَةُ هَذَا الْمَلْبُوسِ، وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهُ فَأَثْبَتَ الشَّارِعُ حُكْمَ النَّادِرِ، وَأَلْغَى حُكْمَ الْغَالِبِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ. (الرَّابِعَ عَشَرَ) الْحُصْرُ وَالْبُسُطُ الَّتِي قَدْ اسْوَدَّتْ مِنْ طُولِ مَا قَدْ لُبِسَتْ يَمْشِي عَلَيْهَا الْحُفَاةُ وَالصِّبْيَانُ، وَمَنْ يُصَلِّي، وَمَنْ لَا يُصَلِّي الْغَالِبُ مُصَادَفَتُهَا لِلنَّجَاسَةِ، وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهَا، وَمَعَ ذَلِكَ قَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ صَلَّى عَلَى حَصِيرٍ قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ بَعْدَ أَنْ نَضَحَهُ بِمَاءٍ، وَالنَّضْحُ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ بَلْ يَنْشُرُهَا فَقَدَّمَ الشَّرْعُ حُكْمَ النَّادِرِ عَلَى حُكْمِ الْغَالِبِ. (الْخَامِسَ عَشَرَ) الْحُفَاةُ الْغَالِبُ مُصَادَفَتُهُمْ النَّجَاسَةَ، وَلَوْ فِي الطَّرَقَاتِ وَمَوَاضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَاتِ، وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهُمْ، وَمَعَ ذَلِكَ جَوَّزَ الشَّرْعُ صَلَاةَ الْحَافِي كَمَا جَوَّزَ لَهُ الصَّلَاةَ بِنَعْلِهِ مِنْ غَيْرِ غَسْلِ رِجْلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَمْشِي حَافِيًا، وَلَا يَعِيبُ ذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِنَعْلِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَفَاءَ أَخَفُّ مِنْ تَحَمُّلِ النَّجَاسَةِ مِنْ النِّعَالِ فَقَدَّمَ الشَّارِعُ حُكْمَ النَّادِرِ عَلَى الْغَالِبِ تَوْسِعَةً عَلَى الْعِبَادِ (السَّادِسَ عَشَرَ) دَعْوَى الصَّالِحِ الْوَلِيِّ التَّقِيِّ عَلَى الْفَاجِرِ الشَّقِيِّ الْغَاصِبِ الظَّالِمِ دِرْهَمًا الْغَالِبُ صِدْقُهُ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدَّمَ الشَّرْعُ حُكْمَ النَّادِرِ عَلَى الْغَالِبِ، وَجَعَلَ الشَّرْعُ الْقَوْلَ قَوْلُ الْفَاجِرِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ بِإِسْقَاطِ الدَّعَاوَى عَنْهُمْ، وَانْدِرَاجُ الصَّالِحِ مَعَ غَيْرِهِ سَدًّا لِبَابِ الْفَسَادِ وَالظُّلْمِ بِالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ. (السَّابِعَ عَشَرَ) عَقْدُ الْجِزْيَةِ لِتَوَقُّعِ إسْلَامِ بَعْضِهِمْ، وَهُوَ نَادِرٌ، وَالْغَالِبُ اسْتِمْرَارُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ وَمَوْتُهُمْ عَلَيْهِ بَعْدَ الِاسْتِمْرَارِ فَأَلْغَى الشَّارِعُ حُكْمَ الْغَالِبِ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ رَحْمَةً بِالْعِبَادِ فِي عَدَمِ تَعْجِيلِ الْقَتْلِ وَحَسْمِ مَادَّةِ الْإِيمَانِ عَنْهُمْ. (الثَّامِنَ عَشَرُ) الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ مَأْمُورٌ بِهِ مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى النَّاسِ الرِّيَاءُ، وَعَدَمُ الْإِخْلَاصِ، وَالنَّادِرُ الْإِخْلَاصُ، وَمُقْتَضَى الْغَالِبِ النَّهْيُ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِلرِّيَاءِ، وَوَسِيلَةُ الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ فَلَمْ يَعْتَبِرْهُ الشَّارِعُ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQاُنْظُرْ الْعَاصِمِيَّةَ وَشُرَّاحَهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ شَهَادَةُ مَنْ يَقُولُ فُلَانٌ وَارِثٌ أَوْ هَذَا الْعَبْدُ لَهُ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا يَدْرِي ذَلِكَ] (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ بَيْنَ الْبَيِّنَاتِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ) وَهُوَ أَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ ضَابِطِ قَاعِدَةِ تَرْجِيحِ الْبَيِّنَاتِ لَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ، وَمَا كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ ذَلِكَ الضَّابِطِ يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ، وَضَابِطُ قَاعِدَةِ تَرْجِيحِ الْبَيِّنَاتِ أَنَّهُ كُلُّ مَا تَحَقَّقَ فِيهِ مِنْ الْبَيِّنَاتِ أَحَدُ ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ ثَبَتَ تَرْجِيحُهُ عِنْدَ تَعَارُضِهَا (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) زِيَادَةُ الْعَدَالَةِ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ وَإِنْ مَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - التَّرْجِيحَ بِهَا مُحْتَجِّينَ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) أَنَّ الشَّهَادَةَ مُقَدَّرَةٌ فِي الشَّرْعِ فَلَا تَخْتَلِفُ بِالزِّيَادَةِ كَالدِّيَةِ لَا تَخْتَلِفُ بِزِيَادَةِ الْمَأْخُوذِ فِيهِ فَدِيَةُ الصَّغِيرِ الْحَقِيرِ كَدِيَةِ الْكَبِيرِ الشَّرِيفِ الْعَالِمِ الْعَظِيمِ. (وَالثَّانِي) أَنَّ الْجَمْعَ الْعَظِيمَ مِنْ الْفَسَقَةِ يَحْصُلُ الظَّنُّ أَكْثَرُ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَعُلِمَ أَنَّهَا تَعَبُّدٌ لَا يَدْخُلُهَا الِاجْتِهَادُ، وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ إذَا كَثُرُوا، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَتْ زِيَادَةُ الْعَدَالَةِ، وَهِيَ صِفَةٌ لَاعْتُبِرَتْ زِيَادَةُ الْعَدَدِ، وَهِيَ بَيِّنَاتٌ مُعْتَبَرَةٌ إجْمَاعًا فَيَكُونُ اعْتِبَارُهَا أَوْلَى مِنْ الصِّفَةِ، وَالْعَدَدُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَالصِّفَةُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ لَنَا وَجْهَيْنِ (الْأَوَّلُ) أَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا اُعْتُبِرَتْ لَمَّا تُثِيرُهُ مِنْ الظَّنِّ، وَالظَّنُّ فِي الْأَعْدَلِ أَقْوَى لِأَنَّ مُقِيمَ الْأَعْدَلِ أَقْرَبُ لِلصِّدْقِ فَيَكُونُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْتُ أَنْ أَحْكُمَ بِالظَّاهِرِ» فَيُقَدَّمُ حِينَئِذٍ كَأَخْبَارِ الْآحَادِ إذَا رَجَّحَ أَحَدُهُمَا. (وَالثَّانِي) أَنَّ الِاحْتِيَاطَ مَطْلُوبٌ فِي الشَّهَادَةِ أَكْثَرُ مِنْ الرِّوَايَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ فَإِذَا كَانَ الِاحْتِيَاطُ مَطْلُوبًا أَكْثَرُ فِي الشَّهَادَةِ وَجَبَ أَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْ الْأَعْدَلِ، وَالظَّنُّ أَقْوَى فِيهَا قِيَاسًا عَلَى الْخَبَرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَالْمُدْرَكُ فِي هَذَا الْوَجْهِ الِاحْتِيَاطِ، وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْجَامِعِ إنَّمَا هُوَ الظَّنُّ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْجَوَامِعُ فِي الْقِيَاسَاتِ تَعَدَّدَتْ، وَأَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ وَصْفَ الْعَدَالَةِ مَطْلُوبٌ فِي الشَّهَادَةِ، وَهُوَ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِنَا، وَهُوَ يَتَزَايَدُ فِي نَفْسِهِ فَمَا رَجَّحْنَا فِي مَوْطِنِ تَقْدِيرٍ، وَإِنَّمَا رَجَّحْنَا فِي مَوْطِنِ اجْتِهَادٍ. (وَعَنْ الثَّانِي) إنَّا لَا نَدَّعِي أَنَّ الظَّنَّ يُعْتَبَرُ كَيْفَ كَانَ بَلْ نَدَّعِي أَنَّ مَزِيدَ الظَّنِّ مُعْتَبَرٌ فِي التَّرْجِيحِ بَعْدَ حُصُولِ أَصْلٍ مُعْتَبَرٍ أَلَا تَرَى أَنَّ قَرَائِنَ الْأَحْوَالِ لَا تَثْبُتُ بِهَا الْأَحْكَامُ وَالْفَتَاوَى، وَإِنْ حَصَلَتْ ظَنًّا أَكْثَرَ مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْأَقْيِسَةِ وَأَخْبَارِ الْآحَادِ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَجْعَلْهَا مُدْرَكًا لِلْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ، وَأَنَّ الْأَخْبَارَ وَالْأَقْيِسَةَ لَمَّا جُعِلَتْ مُدْرَكًا لِلْفُتْيَا دَخَلَهَا

النَّادِرِ (التَّاسِعَ عَشَرَ) الْمُتَدَاعِيَانِ أَحَدُهُمَا كَاذِبٌ قَطْعًا، وَالْغَالِبُ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَعْلَمُ بِكَذِبِهِ، وَالنَّادِرُ أَنْ يَكُونَ قَدْ وَقَعَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شُبْهَةٌ، وَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ يَكُونُ تَحْلِيفُهُ سَعْيًا فِي وُقُوعِ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ الْمُحَرَّمَةِ فَيَكُونُ حَرَامًا غَايَتُهُ أَنَّهُ يُعَارِضُهُ أَخْذُ الْحَقِّ، وَإِلْجَاؤُهُ إلَيْهِ، وَذَلِكَ إمَّا مُبَاحٌ أَوْ وَاجِبٌ، وَإِذَا تَعَارَضَ الْمُحَرَّمُ، وَالْوَاجِبُ قُدِّمَ الْمُحَرَّمُ، وَمَعَ ذَلِكَ أَلْغَى الشَّارِعُ حُكْمَ الْغَالِبِ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ عَلَى تَخْلِيصِ حُقُوقِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي اللِّعَانِ الْغَالِبِ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ يُعْلَمُ كَذِبُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ يُشْرَعُ اللِّعَانُ. (الْعِشْرُونَ) غَالِبُ الْمَوْتِ فِي الشَّبَابِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ، وَلِذَلِكَ الشُّيُوخُ أَقَلُّ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الشُّبَّانُ يَعِيشُونَ لَصَارُوا شُيُوخًا فَتَكْثُرُ الشُّيُوخُ فَلَمَّا كَانَ الشُّيُوخُ فِي الْوُجُودِ أَقَلَّ كَانَ مَوْتُ الْإِنْسَانِ شَابًّا أَكْثَرَ، وَحَيَاتُهُ لِلشَّيْخُوخَةِ نَادِرًا، وَمَعَ ذَلِكَ شَرَعَ صَاحِبُ الشَّرْعِ التَّعْمِيرَ فِي الْغَائِبِينَ إلَى سَبْعِينَ سَنَةً إلْغَاءً لِحُكْمِ الْغَالِبِ وَإِثْبَاتًا لِحُكْمِ النَّادِرِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ فِي إبْقَاءِ مَصَالِحِهِمْ عَلَيْهِمْ، وَنَظَائِرُ هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَتَأَمَّلَ وَتَعْلَمَ فَقَدْ غَفَلَ عَنْهَا قَوْمٌ فِي الطِّهَارَاتِ فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ الْوَسْوَاسُ، وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ عَلَى قَاعِدَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَهِيَ الْحُكْمُ بِالْغَالِبِ فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَى النَّاسِ وَالْأَوَانِي وَالْكُتُبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُلَابِسُونَهُ النَّجَاسَةُ فَيَغْسِلُونَ ثِيَابَهُمْ، وَأَنْفُسَهُمْ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ، وَهُوَ غَالِبٌ كَمَا قَالُوا، وَلَكِنَّهُ قَدَّمَ النَّادِرَ الْمُوَافِقَ لِلْأَصْلِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا فِي النَّفْسِ، وَظَنُّهُ مَعْدُومُ النِّسْبَةِ لِلظَّنِّ النَّاشِئِ عَنْ الْغَالِبِ لَكِنْ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ أَنْ يَضَعَ فِي شَرْعِهِ مَا شَاءَ، وَيَسْتَثْنِي مِنْ قَوَاعِدِهِ مَا شَاءَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَصَالِح عِبَادِهِ فَيَنْبَغِي لِمَنْ قَصَدَ إثْبَاتَ حُكْمِ الْغَالِبِ دُونَ النَّادِرِ أَنْ يَنْظُرَ هَلْ ذَلِكَ الْغَالِبُ مِمَّا أَلْغَاهُ الشَّرْعُ أَمْ لَا، وَحِينَئِذٍ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مُطْلَقُ الْغَالِبِ كَيْفَ كَانَ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ فَخِلَافُ الْإِجْمَاعِ. (تَنْبِيهٌ) لَيْسَ مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ النَّادِرِ عَلَى الْغَالِبِ حَمَلَ اللَّفْظَ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ مَجَازِهِ، وَعَلَى الْعُمُومِ دُونَ الْخُصُوصِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مِنْهُ لِغَلَبَةِ الْمَجَازِ عَلَى كَلَامِ الْعَرَبِ حَتَّى قَالَ ابْنُ جِنِّي كَلَامُ الْعَرَبِ كُلُّهُ مَجَازٌ، وَغَلَبَةُ الْخُصُوصَاتِ عَلَى الْعُمُومَاتِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَا مِنْ عَامٍّ إلَّا، وَقَدْ خُصَّ إلَّا قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] وَإِذَا غَلَبَ الْمَجَازُ وَالتَّخْصِيصُ فَيَنْبَغِي إذَا ظَفِرْنَا بِلَفْظٍ ابْتِدَاءً أَنْ نَحْمِلَهُ عَلَى مَجَازِهِ تَغْلِيبًا لِلْغَالِبِ عَلَى النَّادِرِ، وَلَا نَحْمِلْهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ لِأَنَّهُ النَّادِرُ، وَنَحْمِلُ الْعُمُومَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّرْجِيحُ فَكَذَا هُنَا أَصْلُ الْبَيِّنَةِ مُعْتَبَرٌ بَعْدَ الْعَدَالَةِ وَالشُّرُوطِ الْمَخْصُوصَةِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا التَّرْجِيحُ. (وَعَنْ الثَّالِثِ) أَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْعَدَدِ يُفَارِقُ التَّرْجِيحَ بِالْأَعْدَلِيَّةِ مِنْ جِهَتَيْنِ: (الْأُولَى) أَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْعَدَدِ يُفْضِي إلَى كَثْرَةِ النِّزَاعِ وَطُولِ الْخُصُومَاتِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ إذَا تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا بِمَزِيدِ عَدَدٍ سَعَى الْآخَرُ فِي زِيَادَةِ عَدَدِ بَيِّنَتِهِ فَتَطُولُ الْخُصُومَةُ، وَتُعَطَّلُ الْأَحْكَامُ، وَلَيْسَ الْأَعْدَلِيَّةُ كَذَلِكَ إذْ لَيْسَ فِي قُدْرَتِهِ أَنْ يَجْعَلَ بَيِّنَتَهُ أَعْدَلَ فَلَا يَطُولُ النِّزَاعُ. (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّ الْعَدَدَ يَمْتَنِعُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ وَصْفِ الْعَدَالَةِ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ فَعُدُولُ زَمَانِنَا لَمْ يَكُونُوا مَقْبُولِينَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - عَلَى أَنَّا نَلْتَزِمُ التَّرْجِيحَ بِالْعَدَدِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا (الْوَجْهُ الثَّانِي) قُوَّةُ الْحُجَّةِ كَالشَّاهِدَيْنِ يُقَدَّمَانِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ. (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) الْيَدُ عِنْدَ التَّعَادُلِ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ قَالَ الْأَصْلُ فَعِنْدَنَا يُقَدَّمُ صَاحِبُ الْيَدِ عِنْدَ التَّسَاوِي أَوْ هُوَ مَعَ الْبَيِّنَةِ الْأَعْدَلِ كَانَتْ الدَّعْوَى أَوْ الشَّهَادَةُ بِمُطْلَقِ الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَى سَبَبٍ نَحْوَ هُوَ مِلْكِي نَسَجَتْهُ أَوْ وَلَدَتْهُ الدَّابَّةُ عِنْدِي فِي مِلْكِي كَانَ السَّبَبُ الْمُضَافُ إلَيْهِ الْمِلْكُ يَتَكَرَّرُ كَنَسْجِ الْخَزِّ، وَغَرْسِ النَّخْلِ أَوْ لَا يَتَكَرَّرُ كَالْوِلَادَةِ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ الْخَارِجُ أَوْلَى، وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ أَصْلًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ إنْ ادَّعَى مُطْلَقَ الْمِلْكِ فَإِنْ كَانَ إلَى سَبَبٍ يَتَكَرَّرُ فَادَّعَاهُ كِلَاهُمَا فَكَذَلِكَ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْ لَا يَتَكَرَّرُ كَالْوِلَادَةِ وَادَّعَيَاهُ، وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِهِ فَقَالَتْ كُلُّ بَيِّنَةٍ وُلِدَ عَلَى مِلْكِهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ. لَنَا عَلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا رُوِيَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ تَحَاكَمَ إلَيْهِ رَجُلَانِ فِي دَابَّةٍ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَاحِبِ الْيَدِ» ، وَلِأَنَّ الْيَدَ مُرَجَّحَةٌ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا، وَلَنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجْهَانِ الْأَوَّلُ مَا تَقَدَّمَ، وَالثَّانِي الْقِيَاسُ عَلَى الْمُضَافِ إلَى سَبَبٍ لَا يَتَكَرَّرُ، وَاحْتَجُّوا بِأَرْبَعَةِ وُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، وَهُوَ يَقْتَضِي صِنْفَيْنِ مُدَّعِيًا، وَالْبَيِّنَةُ حُجَّتُهُ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ، وَالْيَمِينُ حُجَّتُهُ فَبَيِّنَتُهُ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ فَلَا تُسْمَعُ كَمَا أَنَّ الْيَمِينَ فِي الْجِهَةِ الْأُخْرَى لَا تُفِيدُ شَيْئًا، وَجَوَابُهُ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ جَعَلَ بَيِّنَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ بِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي عَلَيْهِ سَلَّمْنَا عَدَمَ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ لَكِنَّ الْمُدَّعِيَ إنْ فُسِّرَ بِالطَّالِبِ فَصَاحِبُ الْيَدِ طَالِبٌ لِنَفْسِهِ مَا طَلَبَهُ الْآخَرُ

ابْتِدَاءً عَلَى التَّخْصِيصِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ، وَلَا نَحْمِلُهُ عَلَى الْعُمُومِ لِأَنَّهُ نَادِرٌ فَحَيْثُ عَكَسْنَا كَانَ ذَلِكَ تَغْلِيبًا لِلنَّادِرِ عَلَى الْغَالِبِ (وَالْجَوَابُ) عَنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَسَبَبُهُ أَنَّ شَرْطَ الْفَرْدِ الْمُتَرَدِّدِ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ بَيَانُهُ بِالْمِثَالِ أَنَّ الشُّقَّةَ إذَا جَاءَتْ مِنْ الْقَصَّارِ جَازَ أَنْ تَكُونَ طَاهِرَةً، وَهُوَ الْغَالِبُ أَوْ نَجِسَةً، وَهُوَ النَّادِرُ أَنْ يُصِيبَهَا بَوْلُ فَأْرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ فَإِنَّا نَحْكُمُ بِطَهَارَتِهَا بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ لِأَنَّ حُكْمَنَا بِطَهَارَةِ الثِّيَابِ الْمَقْصُورَةِ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ الْقِصَارَةِ، وَهَذَا الثَّوْبُ الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ خَرَجَ مِنْ الْقِصَارَةِ فَكَانَ مِنْ جِنْسِ الْغَالِبِ الَّذِي قَضَيْنَا بِطَهَارَتِهِ فَيُلْحَقُ بِهِ أَمَّا لَوْ كُنَّا لَا نَقْضِي بِطَهَارَةِ الثِّيَابِ الْمَقْصُورَةِ لِكَوْنِهَا خَرَجَتْ مِنْ الْقِصَارَةِ بَلْ لِأَنَّهَا تُغْسَلُ بَعْد ذَلِكَ، وَهَذَا الثَّوْبُ الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ لَمْ يُغْسَلْ فَإِنَّا هُنَا لَا نَقْضِي بِطَهَارَتِهِ لِأَجْلِ عَدَمِ الْغُسْلِ بَعْدَ الْقِصَارَةِ الَّذِي لِأَجْلِهِ حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ فَهُوَ حِينَئِذٍ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْغَالِبِ الَّذِي قَضَيْنَا بِطَهَارَتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَغْسُولٌ بَعْدَ الْقِصَارَةِ، وَهَذَا الثَّوْبُ غَيْرُ مَغْسُولٍ كَذَلِكَ فِي الْأَلْفَاظِ فَإِذَا لَمْ نَقْضِ عَلَى لَفْظٍ بِأَنَّهُ مَجَازٌ أَوْ مَخْصُوصٌ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ لَفْظًا بَلْ لِأَجْلِ اقْتِرَانِهِ بِالْقَرِينَةِ الصَّادِرَةِ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ، وَاقْتِرَانُ الْمُخَصِّصِ الصَّارِفِ عَنْ الْعُمُومِ لِلتَّخْصِيصِ، وَهَذَا اللَّفْظُ الْوَارِدُ ابْتِدَاءً الَّذِي حَمَلْنَاهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ مَجَازِهِ، وَالْعُمُومُ دُونَ الْخُصُوصِ لَيْسَ مَعَهُ صَارِفٌ مِنْ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنْ الْحَقِيقَةِ، وَلَا مُخَصِّصٌ صَارِفٌ عَنْ الْعُمُومِ فَهُوَ حِينَئِذٍ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْغَالِبِ فَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْمَجَازِ أَوْ التَّخْصِيصِ لَحَمَلْنَاهُ عَلَى غَيْرِ غَالِبٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لَفْظٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَفْظٌ حُمِلَ عَلَى الْمَجَازِ، وَلَا عَلَى الْخُصُوصِ أَلْبَتَّةَ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ غَالِبًا بَلْ هَذَا اللَّفْظُ قَاعِدَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا لَيْسَ فِيهَا غَالِبٌ، وَنَادِرٌ بَلْ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْحَقِيقَةُ مُطْلَقًا، وَالْعُمُومُ مُطْلَقًا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ شَرْطٌ خَفِيٌّ فِي حَمْلِ الشَّيْءِ عَلَى غَالِبِهِ دُونَ نَادِرِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِهِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ بِالْمِثَالِ فَظَهَرَ أَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ مَجَازِهِ ابْتِدَاءً، وَالْعُمُومُ دُونَ الْخُصُوصِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْحَمْلِ عَلَى النَّادِرِ دُونَ الْغَالِبِ، وَلَقَدْ أَوْرَدْت هَذَا السُّؤَالَ عَلَى جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فَلَمْ يَحْصُلْ عَنْهُ جَوَابٌ، وَهُوَ سُؤَالٌ حَسَنٌ، وَجَوَابُهُ حَسَنٌ جِدًّا. (الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا أَلْغَى الشَّارِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِنَفْسِهِ فَتَكُونُ الْبَيِّنَةُ مَشْرُوعَةً فِي حَقِّهِ، وَإِنْ فُسِّرَ بِأَضْعَفِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ سَبَبًا فَالْخَارِجُ لَمَّا أَقَامَ بَيِّنَةً صَارَ الدَّاخِلُ أَضْعَفَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيًا تُشْرَعُ الْبَيِّنَةُ فِي حَقِّهِ سَلَّمْنَا دَلَالَتُهُ أَيْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل: 90] وَالْعَدْلُ التَّسْوِيَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَقُومَ الْمُخَصَّصُ فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَقْضِ لِأَحَدِهِمَا حَتَّى تَسْمَعَ مِنْ الْآخَرِ، وَهُوَ يُفِيدُ وُجُوبَ الِاسْتِمَاعِ مِنْهُمَا، وَأَنَّ مَنْ قَوِيَتْ حُجَّتُهُ حَكَمَ بِهَا، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ. (الثَّانِي) أَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ لَمَّا تَعَارَضَتَا فِي سَبَبٍ لَا يَتَكَرَّرُ كَالْوِلَادَةِ شَهِدَتْ هَذِهِ بِالْوِلَادَةِ، وَالْأُخْرَى بِالْوِلَادَةِ تَعَيَّنَ كَذِبُهُمَا فَسَقَطَتَا فَبَقِيَتْ الْيَدُ فَلَمْ يَحْكُمْ لَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَأَمَّا مَا يَتَكَرَّرُ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْكَذِبُ فَلَمْ تُفِدْ بِبَيِّنَتِهِ إلَّا مَا أَفَادَتْهُ يَدُهُ فَسَقَطَتْ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِمَا إذَا تَعَارَضَتَا فِي دَعْوَى طَعَامٍ ادَّعَيَا زِرَاعَتَهُ، وَشَهِدَا بِذَلِكَ، وَالزَّرْعُ لَا يُزْرَعُ مَرَّتَيْنِ كَالْوِلَادَةِ، وَلَمْ يَحْكُمُوا بِهِ لِصَاحِبِ الْيَدِ، وَبِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فِي الْحَالِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ حُكِمَ بِالْيَدِ دُونَ الْبَيِّنَةِ لَمَا حُكِمَ لَهُ إلَّا بِالْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ لَهُ حَيْثُ كَذَبَتْ بَيِّنَتُهُ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُحْكَمَ لَهُ إذَا لَمْ تَكْذِبْ بَيِّنَتُهُ، وَلِأَنَّ الْيَدَ أَضْعَفُ مِنْ الْبَيِّنَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْيَدَ لَا يُقْضَى بِهَا إلَّا بِالْيَمِينِ، وَالْبَيِّنَةَ يُقْضَى بِهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَلَوْ أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً قُدِّمَتْ عَلَى يَدِ الدَّاخِلِ إجْمَاعًا فَعَلِمْنَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُفِيدُ مَا لَا تُفِيدُهُ الْيَدُ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ إذَا لَمْ يُقِمْ الطَّالِبُ بَيِّنَةً لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ، وَإِذَا لَمْ تُسْمَعْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهِيَ أَحْسَنُ حَالَتَيْهِ فَكَيْفَ إذَا أَقَامَ الطَّالِبُ بَيِّنَتَهُ، وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَضْعَفُ فَعَدَمُ سَمَاعِهَا حِينَئِذٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَجَوَابُهُ) أَنَّهُ إنَّمَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ عِنْدَ عَدَمِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَوِيٌّ بِالْيَدِ، وَالْبَيِّنَةُ إنَّمَا تُسْمَعُ مِنْ الضَّعِيفِ فَوَجَبَ سَمَاعُهَا لِلضَّعْفِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ إلَّا عِنْدَ إقَامَةِ الْخَارِجِ بَيِّنَتَهُ. (وَالرَّابِعُ) أَنَّا إنَّمَا أَعْلَمْنَا بَيِّنَتَهُ فِي صُورَةِ النِّتَاجِ لِأَنَّ دَعْوَاهُ أَفَادَتْ الْوِلَادَةَ، وَلَمْ تُفِدْهَا يَدُهُ، وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ فَأَفَادَتْ الْبَيِّنَةُ غَيْرَ مَا أَفَادَتْ الْيَدُ فَقُبِلَتْ. (وَجَوَابُهُ) أَنَّ الدَّعْوَى، وَالْيَدَ لَا يُفِيدَانِ مُطْلَقًا شَيْئًا، وَإِلَّا لَكَانَ مَعَ الْمُدَّعِي حُجَجُ الْيَدِ وَالدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ يُخَيِّرُهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهَا أَيُّهَا شَاءَ أَقَامَ كَمَنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ وَشَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ خُيِّرَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْيَمِينِ مَعَ إحْدَاهُمَا فَعَلِمَ أَنَّ الْمُفِيدَ إنَّمَا هُوَ الْبَيِّنَةُ، وَالْيَدُ لَا تُفِيدُ مِلْكًا، وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ مَعَهَا لِلْيَمِينِ كَالْبَيِّنَةِ بَلْ تُفِيدُ التَّبْقِيَةَ عِنْدَهُ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ، وَلِأَنَّهَا لَوْ أَفَادَتْ، وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ لَمْ يُحْتَجْ إلَى يَمِينٍ. (الْوَجْهُ الرَّابِعُ) زِيَادَةُ التَّارِيخِ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ. (الْوَجْهُ الْخَامِسُ) الزِّيَادَةُ

[الفرق بين قاعدة المعصية التي هي كبيرة مانعة من قبول الشهادة وقاعدة المعصية التي ليست بكبيرة مانعة من الشهادة]

الْغَالِبَ وَالنَّادِرَ مَعًا فِيهِ، وَأَنَا أَذْكُرُ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عِشْرِينَ مِثَالًا (الْأَوَّلُ) شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِي الْأَمْوَالِ إذَا كَثُرَ عَدَدُهُمْ جِدًّا الْغَالِبُ صِدْقُهُمْ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُمْ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ الشَّرْعُ صِدْقَهُمْ، وَلَا قَضَى بِكَذِبِهِمْ بَلْ أَهْمَلَهُمْ رَحْمَةً بِالْعِبَادِ، وَرَحْمَةً بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَمَّا فِي الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ فَقَبِلَهُمْ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. (الثَّانِي) شَهَادَةُ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ مِنْ جَمَاعَةِ النِّسْوَانِ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ الْغَالِبُ صِدْقُهُنَّ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُنَّ لَا سِيَّمَا مَعَ الْعَدَالَةِ، وَقَدْ أَلْغَى صَاحِبُ الشَّرْعِ صِدْقُهُنَّ فَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ، وَلَا حَكَمَ بِكَذِبِهِنَّ لُطْفًا بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (الثَّالِثُ) الْجَمْعُ الْكَثِيرُ مِنْ الْكُفَّارِ وَالرُّهْبَانِ وَالْأَحْبَارِ إذَا شَهِدُوا الْغَالِبُ صِدْقُهُمْ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُمْ فَأَلْغَى صَاحِبُ الشَّرْعِ صِدْقَهُمْ لُطْفًا بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِكَذِبِهِمْ. (الرَّابِعُ) شَهَادَةُ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ مِنْ الْفَسَقَةِ الْغَالِبُ صِدْقُهُمْ، وَلَمْ يَحْكُمْ الشَّرْعُ بِهِ لُطْفًا بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِكَذِبِهِمْ (الْخَامِسُ) شَهَادَةُ ثَلَاثَةِ عُدُولٍ فِي الزِّنَا الْغَالِبُ صِدْقُهُمْ، وَلَمْ يَحْكُمْ الشَّرْعُ بِهِ سَتْرًا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِكَذِبِهِمْ بَلْ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ قَذَفُوهُ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ شُهُودُ زُورٍ (السَّادِسُ) شَهَادَةُ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ الْغَالِبُ صِدْقُهُ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُ، وَلَمْ يَحْكُمْ الشَّرْعُ بِصِدْقِهِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ، وَلُطْفًا بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَمْ يُكَذِّبْهُ. (السَّابِعُ) حَلَّفَ الْمُدَّعِي الطَّالِبَ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ الْغَالِبُ صِدْقُهُ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُ، وَلَمْ يَقْضِ الشَّارِعُ بِصِدْقِهِ فَيَحْكُمُ لَهُ بِيَمِينِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِكَذِبِهِ لُطْفًا بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (الثَّامِنُ) رِوَايَةُ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ لِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ الْمُتَدَيِّنِينَ الْمُعْتَقِدِينَ لِتَحْرِيمِ الْكَذِبِ فِي دِينِهِمْ الْغَالِبِ صِدْقُهُمْ وَالنَّادِرُ كَذِبُهُمْ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ الشَّرْعُ صِدْقَهُمْ لُطْفًا بِالْعِبَادِ وَسَدًّا لِذَرِيعَةِ أَنْ يَدْخُلَ فِي دِينِهِمْ مَا لَيْسَ مِنْهُ. (التَّاسِعُ) رِوَايَةُ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ مِنْ الْفَسَقَةِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَنَهْبِ الْأَمْوَالِ، وَهُمْ رُؤَسَاءُ عُظَمَاءُ فِي الْوُجُودِ كَالْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ الْغَالِبُ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الرِّوَايَةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صِدْقُهُمْ فَإِنْ أَتَاهُمْ وَازِعٌ طَبِيعِيٌّ يَمْنَعُهُمْ الْكَذِبَ، وَغَيْرَهُ لَا تَدَيُّنًا، وَمَعَ ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ صَوْنًا لِلْعِبَادِ عَنْ أَنْ يَدْخُلَ فِي دِينِهِمْ مَا لَيْسَ مِنْهُ بَلْ جَعَلَ الضَّابِطَ الْعَدَالَةَ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِكَذِبِ هَؤُلَاءِ (الْعَاشِرُ) رِوَايَةُ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ مِنْ الْجَاهِلِينَ لِلْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ الْغَالِبُ صِدْقُهُمْ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالتَّفْصِيلِ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ وَتُرَجَّحُ الْبَيِّنَةُ الْمُفَصَّلَةُ عَلَى الْمُجْمَلَةِ، وَالنَّظَرُ فِي التَّفْصِيلِ وَالْإِجْمَالِ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّظَرِ فِي الْأَعْدَلِيَّةِ، وَمِنْهَا شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا بِحَوْزِ الصَّدَقَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَشَهِدَتْ الْأُخْرَى بِرُؤْيَتِهِ يَخْدُمُهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ عَدَمِ الْحَوْزِ إذْ لَمْ تَتَعَرَّضْ الْأُخْرَى لِرَدِّ هَذَا الْقَوْلِ. (الْوَجْهُ السَّادِسُ) الِاخْتِصَاصُ بِمَزِيدِ الِاطِّلَاعِ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ إنْ اخْتَصَّتْ إحْدَاهُمَا بِمَزِيدِ الِاطِّلَاعِ كَشَهَادَةِ إحْدَاهُمَا بِحَوْزِ الرَّهْنِ، وَالْأُخْرَى بِعَدَمِ الْحَوْزِ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ لِلْحَوْزِ، وَهِيَ زِيَادَةُ اطِّلَاعٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُقْضَى بِهِ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، وَمِنْ هَذَا مَا إذَا شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا بِالْقَتْلِ أَوْ السَّرِقَةِ أَوْ الزِّنَا، وَشَهِدَتْ الْأُخْرَى أَنَّهُ كَانَ بِمَكَانٍ بَعِيدٍ فَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْقَتْلِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ زِيَادَةً، وَلَا يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ قَالَ سَحْنُونٌ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ الْجَمْعُ الْعَظِيمُ كَالْحَجِيجِ وَنَحْوِهِمْ أَنَّهُ وَقَفَ بِهِمْ أَوْ صَلَّى بِهِمْ الْعِيدَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَلَا يُحَدُّ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يُشْتَبَهُ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُ بِخِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ اهـ قُلْت وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا قَوْلُ النَّحْوِيِّينَ: مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ. (الْوَجْهُ السَّابِعُ) اسْتِصْحَابُ الْحَالِ وَالْغَالِبِ، وَمِنْهُ شَهَادَةُ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ أَوْصَى، وَشَهِدَتْ الْأُخْرَى أَنَّهُ أَوْصَى، وَهُوَ مَرِيضٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الصِّحَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ وَالْغَالِبُ. (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) ظَاهِرُ الْحَالِ اعْتَبَرَهُ سَحْنُونٌ فَقَالَ إذَا شَهِدَتْ بِأَنَّهُ زَنَى عَاقِلًا، وَشَهِدَتْ الْأُخْرَى بِأَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا إنْ كَانَ الْقِيَامُ عَلَيْهِ، وَهُوَ عَاقِلٌ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْعَقْلِ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَامُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَجْنُونٌ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْجُنُونِ اهـ. وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ ابْنُ اللَّبَّادِ فَقَالَ يُعْتَبَرُ وَقْتُ الرُّؤْيَةِ لَا وَقْتُ الْقِيَامِ اهـ هَذَا تَنْقِيحٌ مَا قَالَهُ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْفَرْقِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ، وَمَا قَالَهُ فِيهِ نَقْلٌ وَتَرْجِيحٌ، وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الفرق بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ كَبِيرَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَقَاعِدَةِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِكَبِيرَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ الشَّهَادَةِ] (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْفَرْقُ الثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعْصِيَةُ الَّتِي هِيَ كَبِيرَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَقَاعِدَةِ الْمَعْصِيَةُ الَّتِي لَيْسَتْ بِكَبِيرَةٍ مَانِعَةً مِنْ الشَّهَادَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُبَاحِ الْمُخِلِّ بِقَبُولِ الشَّهَادَةِ وَالْمُبَاحِ الَّذِي لَا يُخِلُّ بِقَبُولِهَا) : اعْلَمْ أَنَّ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ رُكْنَيْنِ: (الرُّكْنُ الْأَوَّلُ) الْعَدَالَةُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي بِدَايَتِهِ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ بِدُونِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْفَاسِقِ لَا تُقْبَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} [الحجرات: 6] الْآيَةَ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ الْفَاسِقَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا عُرِفَتْ تَوْبَتُهُ إلَّا مَنْ كَانَ فِسْقُهُ مِنْ قَبْلِ

وَلَمْ يَحْكُمْ الشَّرْعُ بِصِدْقِهِمْ وَلَا بِكَذِبِهِمْ. (الْحَادِيَ عَشَرَ) أَخْذُ السُّرَّاقِ الْمُتَّهَمِينَ بِالتُّهَمِ وَقَرَائِنِ أَحْوَالِهِمْ كَمَا يَفْعَلُهُ الْأُمَرَاءُ الْيَوْمَ دُونَ الْإِقْرَارِ الصَّحِيحِ وَالْبَيِّنَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ الْغَالِبُ مُصَادَفَتُهُ لِلصَّوَابِ، وَالنَّادِرُ خَطَؤُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ أَلْغَاهُ الشَّرْعُ صَوْنًا لِلْأَعْرَاضِ وَالْأَطْرَافِ عَنْ الْقَطْعِ (الثَّانِيَ عَشَرَ) أَخْذُ الْحَاكِمُ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مِنْ التَّظَلُّمِ وَكَثْرَةِ الشَّكْوَى وَالْبُكَاءِ مَعَ كَوْنِ الْخَصْمِ مَشْهُورًا بِالْفَسَادِ وَالْعِنَادِ الْغَالِبُ مُصَادَفَتُهُ لِلْحَقِّ، وَالنَّادِرُ خَطَؤُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ مَنَعَهُ الشَّارِعُ مِنْهُ وَحَرَّمَهُ، وَلَا يَضُرُّ الْحَاكِمَ ضَيَاعُ حَقٍّ لَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ. (الثَّالِثَ عَشَرَ) الْغَالِبُ عَلَى مَنْ وُجِدَ بَيْنَ فَخِذَيْ امْرَأَةِ، وَهُوَ مُتَحَرِّكٌ حَرَكَةَ الْوَاطِئِ، وَطَالَ الزَّمَانُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَوْلَجَ، وَالنَّادِرُ عَدَمُ ذَلِكَ فَإِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَلْغَى الشَّارِعُ هَذَا الْغَالِبَ سَتْرًا عَلَى عِبَادِهِ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِوَطْئِهِ، وَلَا بِعَدَمِهِ (الرَّابِعَ عَشَرَ) شَهَادَةُ الْعَدْلِ الْمُبَرَّزِ لِوَلَدِهِ الْغَالِبُ صِدْقُهُ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُ، وَقَدْ أَلْغَاهُ الشَّارِعُ، وَأَلْغَى كَذِبَهُ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. (الْخَامِسَ عَشَرَ) شَهَادَةُ الْعَدْلِ الْمُبَرَّزِ لِوَالِدِهِ الْغَالِبُ صِدْقُهُ، وَلَمْ يَحْكُمْ الشَّرْعُ بِصِدْقِهِ وَلَا بِكَذِبِهِ بَلْ أَلْغَاهُمَا جُمْلَةً. (السَّادِسَ عَشَرَ) شَهَادَةُ الْعَدْلِ الْمُبَرَّزِ عَلَى خَصْمِهِ الْغَالِبُ صِدْقُهُ، وَقَدْ أَلْغَى الشَّارِعُ صِدْقَهُ وَكَذِبَهُ. (السَّابِعَ عَشَرَ) شَهَادَةُ الْحَاكِمِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ إذَا عُزِلَ، وَشَهَادَةُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ مُطْلَقًا إذَا وَقَعَتْ مِنْ الْعَدْلِ الْمُبَرَّزِ الْغَالِبُ صِدْقُهُ، وَقَدْ أَلْغَاهُ الشَّارِعُ فِي صِدْقِهِ وَكَذِبِهِ (الثَّامِنَ عَشَرَ) حُكْمُ الْقَاضِي لِنَفْسِهِ، وَهُوَ عَدْلٌ مُبْرِزٌ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ الْغَالِبُ أَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ بِالْحَقِّ، وَالنَّادِرُ خِلَافُهُ، وَقَدْ أَلْغَى الشَّرْعُ ذَلِكَ الْحُكْمَ بِبُطْلَانِهِ وَصِحَّتِهِ مَعًا (التَّاسِعَ عَشَرَ) الْقُرْءُ الْوَاحِدُ فِي الْعَدَدِ الْغَالِبُ مَعَهُ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ، وَالنَّادِرُ شَغْلُهُ، وَلَمْ يَحْكُمْ الشَّارِعُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يَنْضَافَ إلَيْهِ قُرْءَانِ آخَرَانِ. (الْعِشْرُونَ) مَنْ غَابَ عَنْ امْرَأَتِهِ سِنِينَ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا الْغَالِبُ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا، وَالنَّادِرُ شُغْلُهُ بِالْوَلَدِ، وَقَدْ أَلْغَاهُمَا صَاحِبُ الشَّرْعِ مَعًا، وَأَوْجَبَ عَلَيْهَا اسْتِئْنَافَ الْعِدَّةِ بَعْدَ الْوَفَاءِ أَوْ الطَّلَاقِ لِأَنَّ وُقُوعَ الْحُكْمِ قَبْلَ سَبَبِهِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ، وَنَظَائِرُ فِي الشَّرْعِ كَثِيرَةٌ مِنْ الْغَالِبِ أَلْغَاهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ، وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ، وَتَارَةً بَالَغَ فِي إلْغَائِهِ فَاعْتُبِرَ نَادِرُهُ دُونَهُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَهَذِهِ أَرْبَعُونَ مِثَالًا قَدْ سَرَدْتهَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَرْبَعِينَ جِنْسًا فَهِيَ أَرْبَعُونَ جِنْسًا قَدْ أُلْغِيَتْ (فَإِنْ قُلْت) أَنْتَ تَعَرَّضْت لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَا أُلْغِيَ مِنْهُ، وَمَا لَمْ يَلْغُ، وَلَمْ تَذْكُرْهُ بَلْ ذَكَرْت ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَذْفِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ تَابَ، وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ تُقْبِلُ إذَا تَابَ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ يَعُودُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} [النور: 5] إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ إلَيْهِ أَوْ عَلَى الْجُمْلَةِ إلَّا مَا خَصَّصَهُ الْإِجْمَاعُ، وَهُوَ أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تَسْقُطُ عِنْدَ الْحَدِّ اهـ. قَالَ الْبَاجِيَّ قَالَ مَالِكٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الْقَاذِفِ وَلَا قَبُولِ شَهَادَتِهِ تَكْذِيبُهُ لِنَفْسِهِ بَلْ صَلَاحُ حَالِهِ بِالِاسْتِغْفَارِ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ كَسَائِرِ الذُّنُوبِ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَالشَّافِعِيُّ لَا بُدَّ فِي تَوْبَةِ الْقَاذِفِ مِنْ تَكْذِيبِهِ نَفْسَهُ لِأَنَّا قَضَيْنَا بِكَذِبِهِ فِي الظَّاهِرِ، وَإِلَّا لَمَا فَسَّقْنَاهُ فَلَوْ لَمْ يُكَذِّبْ نَفْسَهُ لَكَانَ مُصِرًّا عَلَى الْكَذِبِ الَّذِي فَسَّقْنَاهُ لِأَجْلِهِ فِي الظَّاهِرِ، وَعَلَيْهِ إشْكَالَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ صَادِقًا فِي قَذْفِهِ فَتَكْذِيبُهُ لِنَفْسِهِ كَذِبٌ فَكَيْفَ تُشْتَرَطُ الْمَعْصِيَةُ فِي التَّوْبَةِ، وَهِيَ ضِدُّهَا، وَكَيْفَ نَجْعَلُ الْمَعَاصِيَ سَبَبَ صَلَاحِ الْعَبْدِ وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ وَرِفْعَتِهِ، وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ إنْ كَانَ كَاذِبًا فِي قَذْفِهِ فَهُوَ فَاسِقٌ أَوْ صَادِقًا فَهُوَ عَاصٍ لِأَنَّ تَعْبِيرَ الزَّانِي بِزِنَاهُ مَعْصِيَةٌ فَكَيْفَ يَنْفَعُهُ تَكْذِيبُ نَفْسِهِ مَعَ كَوْنِهِ عَاصِيًا بِكُلِّ حَالٍ. (وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ) أَنَّ الْكَذِبَ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ كَالرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ، وَلِلْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ، وَهَذَا التَّكْذِيبُ فِيهِ مَصْلَحَةُ السَّتْرِ عَلَى الْمَقْذُوفِ، وَتَقْلِيلُ الْأَذِيَّةِ وَالْفَضِيحَةِ عِنْدَ النَّاسِ، وَقَبُولُ شَهَادَتِهِ فِي نَفْسِهِ وَعَوْدُهُ إلَى الْوِلَايَةِ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَالَةُ، وَتَصَرُّفُهُ فِي أَمْوَالِ أَوْلَادِهِ، وَتَزْوِيجُهُ لِمَنْ يَلِي عَلَيْهِ، وَتَعَرُّضُهُ لِلْوِلَايَاتِ الشَّرْعِيَّةِ (وَعَنْ الثَّانِي) تَعْيِيرُ الزَّانِي بِزِنَاهُ صَغِيرَةٌ لَا تَمْنَعُ الشَّهَادَةَ اهـ، وَقَالَ فِي الْبِدَايَةِ قَبْلَ مَا ذُكِرَ، وَإِنَّمَا تَرَدَّدَ الْفُقَهَاءُ فِي مَفْهُومِ اسْمِ الْعَدَالَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْفِسْقِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ هِيَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُلْتَزِمًا لِوَاجِبَاتِ الشَّرْعِ وَمُسْتَحَبَّاتِهِ مُجْتَنِبًا لِلْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَكْفِي فِي الْعَدَالَةِ ظَاهِرُ الْإِسْلَامِ، وَأَنْ لَا تُعْلَمُ مِنْهُ جُرْحَةٌ اهـ وَقَالَ الْأَصْلُ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَعَاصِيَ تَخْتَلِفُ بِالْقَدْحِ فِي الْعَدَالَةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَعْصِيَةٍ يَسْقُطُ بِهَا الْعَدْلُ عَنْ مَرْتَبَةِ الْعَدَالَةِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي الْإِطْلَاقِ فَقَطْ فَمَنَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي أُصُولِ الدِّينِ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ الصَّغِيرَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ، وَكَذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَقَالُوا لَا يُقَالُ فِي شَيْءٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ صَغِيرَةً بَلْ جَمِيعُ الْمَعَاصِي كَبَائِرُ لِعَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ جَمِيعُ مَعَاصِيهِ كَبَائِرَ. وَقَالَ غَيْرُهُمْ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَقَدْ وَرَدَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ بِالْإِشَارَةِ إلَى الْفَرْقِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: 7] فَجَعَلَ لِلْمَعْصِيَةِ رُتَبًا ثَلَاثًا كُفْرًا وَفُسُوقًا وَهُوَ الْكَبِيرَةُ، وَعِصْيَانًا وَهِيَ الصَّغِيرَةُ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا لَكَانَ اللَّفْظُ فِي الْآيَةِ

أَجْنَاسًا أُلْغِيَتْ خَاصَّةً فَمَا الْفَرْقُ، وَكَيْفَ الِاعْتِمَادُ فِي ذَلِكَ (قُلْت) الْفَرْقُ فِي ذَلِكَ الْمَقَامُ لَا يَتَيَسَّرُ عَلَى الْمُبْتَدَئِينَ، وَلَا عَلَى ضَعَفَةِ الْفُقَهَاءِ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْغَالِبِ، وَهَذِهِ الْأَجْنَاسُ الَّتِي ذَكَرْت اسْتِثْنَاؤُهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَإِذَا وَقَعَ لَك غَالِبٌ، وَلَا تَدْرِي هَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا أُلْغِيَ أَوْ مِنْ قَبِيلِ مَا اُعْتُبِرَ فَالطَّرِيقُ فِي ذَلِكَ أَنْ تَسْتَقْرِيَ مَوَارِدَ النُّصُوصِ، وَالْفَتَاوَى اسْتِقْرَاءً حَسَنًا مَعَ أَنَّك تَكُونُ حِينَئِذٍ وَاسِعَ الْحِفْظِ جَيِّدَ الْفَهْمِ فَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ لَك إلْغَاؤُهُ فَاعْتَقِدْ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ، وَهَذَا الْفَرْقُ لَا يَحْصُلُ إلَّا لِمُتَّسِعٍ فِي الْفِقْهِيَّاتِ وَالْمَوَارِدِ الشَّرْعِيَّةِ، وَإِنَّمَا أَوْرَدْت هَذِهِ الْأَجْنَاسَ حَتَّى تَعْتَقِدَ أَنَّ الْغَالِبَ وَقَعَ مُعْتَبَرًا شَرْعًا، وَنَجْزِمُ أَيْضًا بِشَيْئَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ إذَا دَارَ الشَّيْءُ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُ بِالْغَالِبِ (ثَانِيهِمَا) قَوْلُ الْفُقَهَاءِ إذَا اجْتَمَعَ الْأَصْلُ، وَالْغَالِبُ فَهَلْ يَغْلِبُ الْأَصْلُ عَلَى الْغَالِبِ أَوْ الْغَالِبُ عَلَى الْأَصْلِ قَوْلَانِ فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَجْنَاسٌ كَثِيرَةٌ اتَّفَقَ النَّاسُ فِيهَا عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقَلِّ، وَأَلْغَاهُ الْغَالِبُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الَّذِي اعْتَبَرْنَا رَدَّهُ فَلَا تَكُونُ تِلْكَ الدَّعْوَى عَلَى عُمُومِهَا، وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ أَيْضًا عَلَى تَقْدِيمِ الْغَالِبِ عَلَى الْأَوَّلِ فِي أَمْرِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّ الْغَالِبَ صِدْقُهَا، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَمَعَ ذَلِكَ تَقَدُّمُ الْبَيِّنَةِ إجْمَاعًا فَهُوَ أَيْضًا تَخْصِيصٌ لِعُمُومِ تِلْكَ الدَّعْوَى فَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ بَيَانِ هَذَا الْفَرْقِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاطِنِ. (الْفَرْقُ الْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَصِحُّ الْإِقْرَاعُ فِيهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَصِحُّ الْإِقْرَاعُ فِيهِ) اعْلَمْ أَنَّهُ مَتَى تَعَيَّنَتْ الْمَصْلَحَةُ أَوْ الْحَقُّ فِي جِهَةٍ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَاعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِأَنَّ فِي الْقُرْعَةِ ضَيَاعَ ذَلِكَ الْحَقِّ الْمُتَعَيَّنِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ الْمُتَعَيِّنَةِ، وَمَتَى تَسَاوَتْ الْحُقُوقُ أَوْ الْمَصَالِحُ فَهَذَا هُوَ مَوْضِعُ الْقُرْعَةِ عِنْدَ التَّنَازُعِ دَفْعًا لِلضَّغَائِنِ وَالْأَحْقَادِ، وَالرِّضَا بِمَا جَرَتْ بِهِ الْأَقْدَارُ، وَقَضَى بِهِ الْمَلِكُ الْجَبَّارُ فَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بَيْنَ الْخُلَفَاءِ إذَا اسْتَوَتْ فِيهِمْ الْأَهْلِيَّةُ لِلْوِلَايَةِ، وَالْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ إذَا اسْتَوَوْا، وَالتَّقَدُّمُ لِلصَّفِّ الْأَوَّلِ عِنْدَ الِازْدِحَامِ وَتَغْسِيلِ الْأَمْوَاتِ عِنْدَ تَزَاحُمِ الْأَوْلِيَاءِ، وَتَسَاوِيهِمْ فِي الطَّبَقَاتِ وَبَيْنَ الْحَاضِنَاتِ وَالزَّوْجَاتِ فِي السَّفَرِ وَالْقِسْمَةِ وَالْخُصُومِ عِنْدَ الْحُكَّامِ، وَفِي عِتْقِ الْعَبِيدِ إذَا أَوْصَى بِعِتْقِهِمْ أَوْ بِثُلُثِهِمْ فِي الْمَرَضِ ثُمَّ مَاتَ، وَلَمْ يَحْمِلْهُمْ الثُّلُثُ عَتَقَ مَبْلَغُ الثُّلُثِ مِنْهُمْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُتَكَرِّرًا لَا بِمَعْنًى مُسْتَأْنَفٍ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ اهـ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالضَّابِطُ لِمَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ مِنْ الْمَعَاصِي الَّذِي بِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ هُوَ مَا دَلَّ عَلَى الْجُرْأَةِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ الشَّارِعَ فِي أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ أَوْ احْتَمَلَ الْجُرْأَةَ كَمَا اخْتَارَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ قَالَ فَمَنْ دَلَّتْ قَرَائِنُ حَالِهِ عَلَى الْجُرْأَةِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ كَمُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ الْمَعْلُومِ مِنْ دَلَائِلِ الشَّرْعِ أَنَّهَا كَبِيرَةٌ أَوْ الْمُصِرُّ عَلَى الصَّغِيرَةِ إصْرَارًا يُؤْذِنُ بِالْجُرْأَةِ، وَمَنْ احْتَمَلَ حَالُهُ إنْ فَعَلَ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ جُرْأَةً أَوْ فَلْتَةً تُوَقِّفَ عَنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ، وَمَنْ دَلَّتْ دَلَائِلُ حَالِهِ أَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَهُ مِنْ ذَلِكَ أَعْنِي مَا لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ مَعْلُومَةِ الْكِبَرِ مِنْ الشَّرْعِ فَلْتَةً غَيْرَ مُتَّصِفٍ بِالْجُرْأَةِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ السَّبَبَ رَدُّ الشَّهَادَةِ لَيْسَ إلَّا التُّهْمَةَ بِالِاجْتِرَاءِ عَلَى الْكَذِبِ كَالِاجْتِرَاءِ عَلَى مَا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْمُخَالَفَةِ فَإِذَا عَرِيَ عَنْ الِاتِّصَافِ بِالْجُرْأَةِ وَاحْتِمَالِ الِاتِّصَافِ بِهَا بِظَاهِرِ حَالِهِ سَقَطَتْ التُّهْمَةُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. قَالَ الْأَصْلُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَبِالْجُمْلَةِ فَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ الْمُقْتَرِنَةِ وَالْقَرَائِنِ الْمُصَاحِبَةِ وَصُورَةِ الْفَاعِلِ وَهَيْئَةِ الْفِعْلِ، وَالْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ مَا يُؤَدِّي إلَى مَا يُوجَدُ فِي الْقَلْبِ السَّلِيمِ عَنْ الْأَهْوَاءِ الْمُعْتَدِلِ الْمِزَاجِ وَالْعَقْلِ وَالدِّيَانَةِ الْعَارِفِ بِالْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ فَهَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ لِوَزْنِ هَذِهِ الْأُمُورِ فَإِنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ التَّسَاهُلُ فِي طَبْعِهِ لَا يَعُدُّ الْكَبِيرَةَ شَيْئًا، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ التَّشْدِيدُ فِي طَبْعِهِ يَجْعَلُ الصَّغِيرَةَ كَبِيرَةً فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْعَقْلِ الْوَازِنِ بِهَذِهِ الِاعْتِبَارَاتِ اهـ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَالْإِصْرَارُ الْمُصَيِّرُ لِلصَّغِيرَةِ كَبِيرَةً مَانِعَةً مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ إنَّمَا هُوَ الْمُعَاوَدَةُ لَهَا مُعَاوَدَةً تُشْعِرُ بِالْجُرْأَةِ عَلَى الْمُخَالَفَةِ لَا الْمُعَاوَدَةُ الْمُقْتَرِنَةُ بِالْعَزْمِ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْعَزْمَ مِمَّا لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بَاطِنٌ كَالْجُرْأَةِ نَفْسِهَا بِخِلَافِ الْإِشْعَارِ بِهَا الَّذِي اشْتَرَطْته فَإِنَّهُ مِمَّا يُدْرِكُهُ مَنْ يَتَأَمَّلُ أَحْوَالَ الْمَوَاقِعِ لِلْمُخَالَفَةِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يُنْظَرُ إلَى مَا يَحْصُلُ مِنْ مُلَابَسَةِ أَدْنَى الْكَبَائِرِ مِنْ عَدَمِ الْوُثُوقِ بِمُلَابَسَتِهَا فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَالْوُقُوفِ عِنْدَ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ يُنْظَرُ لِذَلِكَ التَّكَرُّرِ فِي الصَّغِيرَةِ فَإِنْ حَصَلَ فِي النَّفْسِ مِنْ عَدَمِ الْوُثُوقِ مَا حَصَلَ مِنْ أَدْنَى الْكَبَائِرِ كَانَ هَذَا الْإِصْرَارُ كَبِيرَةً تُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ إلَخْ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. قَالَ الْأَصْلُ وَمَتَى تَخَلَّلَتْ التَّوْبَةُ الصَّغَائِرَ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي إذَا كَانَتْ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الشَّبَهُ وَاللُّبْسُ إذَا تَكَرَّرَتْ مِنْ النَّوْعِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مَوْضِعُ النَّظَرِ اهـ (الرُّكْنُ الثَّانِي) الْوُثُوقُ بِالضَّبْطِ فَلِذَا اشْتَرَطُوا الْبُلُوغَ فِيهَا وَالْحُرِّيَّةَ وَنَفْيَ التُّهْمَةِ أَمَّا الْبُلُوغُ فَقَالَ فِي الْبِدَايَةِ اتَّفَقُوا عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِيهَا

بِالْقُرْعَةِ، وَلَوْ لَمْ يَدَعْ غَيْرَهُمْ عَتَقَ ثُلُثُهُمْ أَيْضًا بِالْقُرْعَةِ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَجُوزُ الْقُرْعَةُ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِهِمْ وَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ، وَيُسْتَسْعَى فِي بَاقِي قِيمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا فَيَعْتَقَ، لَنَا وُجُوهٌ: (الْأَوَّلُ) مَا فِي الْمُوَطَّإِ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبِيدًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَعْتَقَ ثُلُثَ الْعَبِيدِ» قَالَ مَالِكٌ، وَبَلَغَنِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ الرَّجُلِ مَالٌ غَيْرَهُمْ (الثَّانِي) فِي الصِّحَاحِ أَنَّ «رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمَالِيكَ لَهُ فِي مَرَضِهِ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ فَدَعَاهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَزَّاهُمْ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَرَقَّ أَرْبَعَةً» (الثَّالِثُ) إجْمَاعُ التَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى ذَلِكَ قَالَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَابْنُ سِيرِينَ وَغَيْرُهُمْ، وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ مِنْ عَصْرِهِمْ أَحَدٌ (الرَّابِعُ) وَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قِسْمَةِ الْأَرْضِ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ، وَذَلِكَ هُنَا مَوْجُودٌ فَثَبَتَ قِيَاسًا عَلَيْهِ (الْخَامِسُ) أَنَّ فِي الِاسْتِسْعَاءِ مَشَقَّةً وَضَرَرًا عَلَى الْعَبِيدِ بِالْإِلْزَامِ، وَعَلَى الْوَرَثَةِ بِتَأْخِيرِ الْحَقِّ وَتَعْجِيلِ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ، وَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي تَقْدِيمَ حَقِّ الْوَارِثِ لِأَنَّ لَهُ الثُّلُثَيْنِ (السَّادِسُ) أَنَّ مَقْصُودَ الْوَصِيِّ كَمَالُ الْعِتْقِ فِي الْعَبْدِ لِيَتَفَرَّغَ لِلطَّاعَاتِ، وَيَجُوزُ الِاكْتِسَابُ وَالْمَنَافِعُ مِنْ نَفْسِهِ، وَتَجْزِئَةُ الْعِتْقِ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ لَا يَحْصُلُ الْكَمَالُ أَبَدًا احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا عِتْقَ إلَّا فِيمَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» ، وَالْمَرِيضُ مَالِكُ الثُّلُثِ مِنْ كُلِّ عَبْدٍ فَيَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ فِيهَا، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ اثْنَيْنِ يَحْتَمِلُ شَائِعَيْنِ لَا مُعَيَّنَيْنِ، وَيُؤَكِّدُهُ أَنَّ الْعَادَةَ تُحْصِي اخْتِلَافَ قِيَمِ الْعَبِيدِ فَيَتَعَذَّرُ أَنْ يَكُونَ اثْنَانِ مُعَيِّنَانِ ثُلُثِ مَالِهِ. (الثَّانِي) أَنَّ الْقُرْعَةَ عَلَى خِلَافِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهَا مِنْ الْمُيَسَّرِ، وَعَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ لِأَنَّ فِيهِ نَقْلُ الْحُرِّيَّةِ بِالْقُرْعَةِ. (الثَّالِثُ) أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ كُلِّ وَاحِدٍ صَحَّ فَيَنْفُذُ هَاهُنَا قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى حَالِ الصِّحَّةِ. (الرَّابِعُ) أَنَّهُ لَوْ بَاعَ ثُلُثَ كُلِّ عَبْدٍ جَازَ، وَالْبَيْعُ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ، وَالْعِتْقُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ فَهُوَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْقُرْعَةِ لِأَنَّ فِيهَا تَحْوِيلَ الْعِتْقِ. (الْخَامِسُ) أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَالِكًا لِثُلُثِهِمْ فَأَعْتَقَهُ لَمْ يَجْتَمِعْ ذَلِكَ فِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ، وَالْمَرِيضُ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَ الثُّلُثِ فَلَا يَجْتَمِعُ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَدَمِ الْمَالِكِ، وَالْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي نُفُوذِ الْعِتْقِ. (السَّادِسُ) أَنَّ الْقُرْعَةَ إنَّمَا تَدْخُلُ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ فِيمَا يَجُوزُ التَّرَاضِي عَلَيْهِ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحَيْثُ تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ، وَاخْتَلَفُوا فِي شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْجِرَاحِ، وَفِي الْقَتْلِ فَرَدَّهَا جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ وُقُوعِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ الشَّهَادَةِ الْعَدَالَةُ، وَمِنْ شَرْطِ الْعَدَالَةِ الْبُلُوغُ، وَلَك لَيْسَتْ فِي الْحَقِيقَةِ شَهَادَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ، وَإِنَّمَا هِيَ قَرِينَةُ حَالٍ، وَلِذَلِكَ اشْتَرَطَ فِيهَا أَنْ لَا يَتَفَرَّقُوا لِئَلَّا يُجَنَّبُوا، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ هَلْ تَجُوزُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ كَبِيرٌ أَمْ لَا، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعِدَّةُ الْمُشْتَرَطَةُ فِي الشَّهَادَةِ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهَا الذُّكُورَةُ أَمْ لَا، وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ تَجُوزُ فِي الْقَتْلِ الْوَاقِعِ بَيْنَهُمْ، وَلَا عُمْدَةَ لِمَالِكٍ فِي هَذَا إلَّا أَنَّهُ مِنْ بَابِ إجَازَتِهِ قِيَاسَ الْمَصْلَحَةِ، وَإِمَّا أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَدْ رَدَّهَا، وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهَا نَعَمْ قَالَ بِقَوْلِ مَالِكٍ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَقَوْمٌ مِنْ التَّابِعِينَ اهـ. بِتَصَرُّفٍ، وَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَفِي الْبِدَايَةِ أَيْضًا جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى اشْتِرَاطِهَا فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْأَصْلَ إنَّمَا هُوَ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ، وَالْعُبُودِيَّةُ لَيْسَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي الرَّدِّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ، وَكَأَنَّ الْجُمْهُورَ رَأَوْا أَنَّ الْعُبُودِيَّةَ أَثَرٌ مِنْ أَثَرِ الْكُفْرِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ اهـ. وَأَمَّا نَفْيُ التُّهْمَةِ فَأَمَّا التُّهَمُ بِالِاجْتِرَاءِ عَلَى الْكَذِبِ الَّتِي سَبَبُهَا ارْتِكَابُ بَعْضِ الْمَعَاصِي فَقَدْ تَضَمَّنَهَا اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ كَمَا عَرَفَتْ، وَأَمَّا التُّهْمَةُ الَّتِي سَبَبُهَا الْمَحَبَّةُ وَالْقَرَابَةُ أَوْ الْبِغْضَةُ لِلْعَدَاوَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَفِي الْبِدَايَةِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ فِي إسْقَاطِ الشَّهَادَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي رَدِّ شَهَادَةِ الْعَدْلِ بِالتُّهْمَةِ لِمَوْضِعِ الْمَحَبَّةِ أَوْ الْبِغْضَةِ الَّتِي سَبَبُهَا الْعَدَاوَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ فَقَالَ بِرَدِّهَا فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ إلَّا أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا فِي مَوَاضِعَ عَلَى أَعْمَالِ التُّهْمَةِ، وَفِي مَوَاضِعَ عَلَى إسْقَاطِهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي مَوَاضِعَ فَأَعْمَلَهَا بَعْضُهُمْ، وَأَسْقَطَهَا بَعْضُهُمْ اهـ. الْمُرَادُ فَانْظُرْهَا، وَسَيَأْتِي فِي الْفَرْقِ بَعْدَ تَوْضِيحِ ذَلِكَ فَتَرَقَّبْ، وَأَمَّا التُّهْمَةُ الْمُشْعِرَةُ بِخَلَلٍ فِي عَقْلِهِ فَبِفِعْلِ بَعْضِ الْمُبَاحِ الْمُخِلِّ بِقَبُولِ الشَّهَادَةِ كَالْأَكْلِ فِي الْأَسْوَاقِ وَنَحْوِهِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ، وَالضَّابِطُ أَنَّ مُخَالَفَةَ الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ مِنْ الشَّاهِدِ فِي أُمُورِهِ الْمُبَاحَةِ رُبَّمَا أَشْعَرَتْ بِخَلَلٍ فِي عَقْلِهِ فَيَتَطَرَّقُ الْخَلَلُ إلَى ضَبْطِهِ، وَرُبَّمَا لَمْ تُشْعِرْ، وَذَلِكَ بِحَسَبِ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ فَإِنْ أَشْعَرَ بِذَلِكَ أَوْ احْتَمَلَ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ أَوْ تُوُقِّفَ فِي قَبُولِهَا، وَإِلَّا فَلَا اهـ بِلَفْظِهِ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْأَصْلُ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا قَبُولُ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ قَبْلَ جَلْدِهِ بِدُونِ تَوْبَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْقَذْفُ كَبِيرَةً اتِّفَاقًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَدَّهَا عَبْدُ الْمَلِكِ وَمُطَرِّفٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَنَا أَنَّهُ قَبْلَ الْجَلْدِ غَيْرُ فَاسِقٍ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ جَلْدِهِ يَجُوزُ رُجُوعُ الْبَيِّنَةِ أَوْ تَصْدِيقُ الْمَقْذُوفِ لَهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْفِسْقُ إلَّا بَعْدَ

الْحُرِّيَّةَ حَالَةَ الصِّحَّةِ لَمَّا لَمْ يَجُزْ التَّرَاضِي عَلَى انْتِفَاضِهَا لَمْ تَجُزْ الْقُرْعَةُ فِيهَا، وَالْأَمْوَالُ يَجُوزُ التَّرَاضِي فِيهَا فَدَخَلَتْ الْقُرْعَةُ فِيهَا. وَالْجَوَابُ (عَنْ الْأَوَّلِ) أَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا وَقَعَ فِيمَا يَمْلِكُ، وَمَا قَالَ الْعِتْقُ فِي كُلِّ مَا يَمْلِكُ فَإِذَا نَفَذَ الْعِتْقُ فِي عَبْدَيْنِ وَقَعَ الْعِتْقُ فِيمَا يَمْلِكُ. وَقَوْلُهُمْ إنَّهَا قَضِيَّةُ عَيْنٍ فَنَقُولُ هِيَ وَرَدَتْ فِي تَمْهِيدِ قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ كَالرَّجْمِ وَغَيْرِهِ فَتَعُمُّ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» ، وَقَوْلُهُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ شَائِعًا بَاطِلًا بِالْقُرْعَةِ لِأَنَّهَا لَا مَعْنَى لَهَا مَعَ الْإِشَاعَةِ، وَاتِّفَاقُهُمْ فِي الْقِيمَةِ لَيْسَ مُتَعَذَّرًا عَادَةً لَا سِيَّمَا مَعَ الْجَلْبِ وَوَخْشِ الرَّقِيقِ (وَعَنْ الثَّانِي) أَنَّ الْمَيْسِرَ هُوَ الْقِمَارُ، وَتَمْيِيزُ الْحُقُوقِ لَيْسَ قِمَارًا، وَقَدْ أَقْرَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَزْوَاجِهِ وَغَيْرِهِمْ، وَاسْتُعْمِلَتْ الْقُرْعَةُ فِي شَرَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141] الْآيَةَ، وَ {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 44] وَلَيْسَ فِيهَا نَقْلُ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ عِتْقَ الْمَرِيضِ لَمْ يَتَحَقَّقْ لِأَنَّهُ إنْ صَحَّ عَتَقَ الْجَمِيعُ، وَإِنْ طَرَأَتْ دُيُونٌ بَطَلَ، وَإِنْ مَاتَ، وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ فَلَمْ يَقَعْ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْعِتْقِ إلَّا مَا أَخْرَجَتْهُ الْقُرْعَةُ (وَعَنْ الثَّالِثِ) أَنَّ مَقْصُودَ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ التَّمْلِيكُ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِي مِلْكِ الشَّائِعِ كَغَيْرِهِ، وَمَقْصُودُ الْعِتْقِ التَّخْلِيصُ لِلطَّاعَاتِ. وَالِاكْتِسَابُ، وَلَا يَحْصُلُ مَعَ التَّبْعِيضِ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ شَائِعًا لَا يُؤَخِّرُ حَقَّ الْوَارِثِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَصِيَّةِ، وَهَاهُنَا يَتَأَخَّرُ بِالِاسْتِسْعَاءِ (وَعَنْ الرَّابِعِ) أَنَّ الْبَيْعَ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْوَارِثِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجَلْدِ، وَالْأَصْلُ اسْتِصْحَابُ الْعَدَالَةِ وَالْحَالَةُ السَّابِقَةُ، وَاحْتَجُّوا بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ أَنَّ الْآيَةَ اقْتَضَتْ تَرْتِيبَ الْفِسْقِ عَلَى الْقَذْفِ. وَقَدْ تَحَقَّقَ الْقَذْفُ فَيَتَحَقَّقُ الْفِسْقُ سَوَاءٌ جُلِدَ أَمْ لَا، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْآيَةَ اقْتَضَتْ صِحَّةَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَبُطْلَانَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] فَرَتَّبَ رَدَّ الشَّهَادَةِ وَالْفِسْقَ عَلَى الْجَلْدِ، وَتَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى عَلِيَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ فَيَكُونُ الْجَلْدُ هُوَ السَّبَبُ الْمُفَسِّقُ فَحَيْثُ لَا جَلْدَ لَا فُسُوقَ، وَهُوَ مَطْلُوبُنَا، وَعَكْسُ مَطْلُوبِكُمْ، وَالْوَجْهُ (الثَّانِي) أَنَّ الْجَلْدَ فَرْعُ ثُبُوتِ الْفِسْقِ فَلَوْ تَوَقَّفَ الْفِسْقُ عَلَيْهِ لَزِمَ الدَّوْرُ، وَالْوَجْهُ (الثَّالِثُ) أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ إلَى حَيْثُ تَيَقُّنِ الْعَدَالَةَ، وَلَمْ تُتَيَقَّنْ هُنَا فَتُرَدُّ، وَجَوَابُهُمْ أَنَّ كَوْنَ الْجَلْدِ فَرْعُ ثُبُوتِ الْفِسْقِ ظَاهِرٌ ظُهُورًا ضَعِيفًا لِجَوَازِ رُجُوعِ الْبَيِّنَةِ أَوْ تَصْدِيقِ الْمَقْذُوفِ فَإِذَا أُقِيمَ الْجَلْدُ قَوِيَ الظُّهُورُ بِإِقْدَامِ الْبَيِّنَةِ وَتَصْمِيمِهَا عَلَى أَذِيَّتِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَقْذُوفُ، وَحِينَئِذٍ نَقُولُ أَنَّ مُدْرَكَ رَدِّ الشَّهَادَةِ إنَّمَا هُوَ الظُّهُورُ الْقَوِيُّ لِأَنَّهُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعَدَالَةِ السَّابِقَةِ اهـ بِإِصْلَاحٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ التُّهْمَةِ الَّتِي تُرَدُّ بِهَا الشَّهَادَةُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُرَدُّ بِهِ) قَدْ عَلِمْت مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ التُّهْمَةَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: (الْأَوَّلُ) تُهْمَةُ الِاجْتِرَاءِ عَلَى الْكَذِبِ الَّتِي سَبَبُهَا ارْتِكَابُ بَعْضِ الْمَعَاصِي، وَقَدْ تَضَمَّنَهَا الرُّكْنُ الْأَوَّلُ مِنْ رُكْنَيْ الشَّهَادَةِ، وَالثَّانِي تُهْمَةُ خَلَلِ الْعَقْلِ الَّتِي سَبَبُهَا فِعْلُ بَعْضِ الْمُبَاحَاتِ، وَالثَّالِثُ تُهْمَةُ الِاجْتِرَاءِ عَلَى الْكَذِبِ الَّتِي سَبَبُهَا الْمَحَبَّةُ بِنَحْوِ الْقَرَابَةِ أَوْ الْبِغْضَةِ بِالْعَدَاوَةِ، وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْهُمَا، وَالْمُرَادُ هُنَا الْقِسْمُ الثَّالِثُ، وَالْأُمَّةُ مُجْمِعَةٌ عَلَى رَدِّ الشَّهَادَةِ بِتُهْمَةٍ سَبَبُهَا مَا ذُكِرَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ التُّهْمَةَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَيْضًا: (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مُجْمَعٌ عَلَى اعْتِبَارِهَا لِفَوْتِهَا كَشَهَادَةِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ، وَكَشَهَادَةِ الْأَبِ لِابْنِهِ، وَالْأُمِّ لِابْنِهَا، وَبِالْعَكْسِ فَقَدْ ذَهَبَ شُرَيْحٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد إلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْأَبِ لِابْنِهِ تُقْبَلُ فَضْلًا عَمَّنْ سِوَاهُ إذَا كَانَ الْأَبُ عَدْلًا لِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء: 135] فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي إجْرَاءَ الْمَأْمُورِ إلَّا مَا خَصَّصَهُ الْإِجْمَاعُ مِنْ شَهَادَةِ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ الثَّانِي إنْ رَدَّ الشَّهَادَةَ بِالْجُمْلَةِ إنَّمَا هُوَ لِمَوْضِعِ اتِّهَامِ الْكَذِبِ، وَهَذِهِ التُّهْمَةُ إنَّمَا اعْتَمَلَهَا الشَّرْعُ فِي الْفَاسِقِ، وَمَنَعَ إعْمَالَهَا فِي الْعَادِلِ فَلَا تَجْتَمِعُ الْعَدَالَةُ مَعَ التُّهْمَةِ (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) مُجْمَعٌ عَلَى إلْغَائِهَا لِخِفَّتِهَا كَشَهَادَةِ الْإِنْسَانِ لِرَجُلٍ مِنْ قَبِيلَتِهِ قَالَ فِي الْبِدَايَةِ، وَمِنْهُ شَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ مَا لَمْ يَدْفَعْ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ عَارًا عَلَى مَا قَالَ مَالِكٌ وَمَا لَمْ يَكُنْ مُنْقَطِعًا إلَى أَخِيهِ يَنَالُهُ بِرُّهُ، وَصِلَتُهُ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى إسْقَاطِ التُّهْمَةِ فِيهَا مَا عَدَا الْأَوْزَاعِيَّ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ، وَمُفَادُ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّ التُّهْمَةَ فِيهَا تُلْغَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ، وَتُعْتَبَرُ عِنْدَنَا مُطْلَقًا، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ فَانْظُرْ ذَلِكَ (وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) مُخْتَلَفٌ فِيهَا هَلْ تَلْحَقُ بِالرُّتْبَةِ الْعُلْيَا فَتُمْنَعُ أَوْ بِالرُّتْبَةِ الدُّنْيَا فَلَا تُمْنَعُ، وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ شَهَادَةُ الزَّوْجَيْنِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ فَإِنَّ مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ وَابْنَ حَنْبَلٍ رَدُّوهَا، وَأَجَازَهَا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْحَسَنُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى تُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ لِزَوْجَتَيْهِ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا لَهُ، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَمِنْهَا شَهَادَةُ الشَّاهِدِ لِصَدِيقِهِ الْمُلَاطِفِ فَتُرَدُّ عِنْدَنَا، وَتُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

[الفرق بين قاعدة الدعوى الصحيحة وقاعدة الدعوى الباطلة]

يَحْصُلُ تَحْوِيلُ الْعِتْقِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَعَنْ الْخَامِسِ) أَنَّهُ إذَا مَلَكَ الثُّلُثَ فَقَطْ لَمْ يَحْصُلْ تَنَازُعُ الْعِتْقِ فِي، وَلَا حِرْمَانَ مِنْ تَنَاوُلِهِ لَفْظَ الْعِتْقِ (وَعَنْ السَّادِسِ) أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ رَضِيَ بِتَنْفِيذِ عِتْقِ الْجَمِيعِ لَصَحَّ فَهُوَ يَدْخُلُهُ الرِّضَا فَهَذِهِ الْمَبَاحِثُ، وَهَذِهِ الِاخْتِلَافَاتُ وَالِاتِّفَاقَاتُ يَتَخَلَّصُ مِنْهَا الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَدْخُلُهُ الْقُرْعَةُ، وَمَا لَا تَدْخُلُهُ الْقُرْعَةُ، وَأَنَّ ضَابِطَهُ التَّسَاوِي مَعَ قَبُولِ الرِّضَا بِالنَّقْلِ، وَمَا فُقِدَ فِيهِ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ تَعَذَّرَتْ فِيهِ الْقُرْعَةُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ كُفْرٌ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ) : اعْلَمْ أَنَّ النَّهْيَ يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ كَمَا أَنَّ الْأَوَامِرَ تَعْتَمِدُ الْمَصَالِحَ فَأَعْلَى رُتَبِ الْمَفَاسِدِ الْكُفْرُ، وَأَدْنَاهَا الصَّغَائِرُ وَالْكَبَائِرُ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ، وَأَكْثَرُ الْتِبَاسِ الْكُفْرِ إنَّمَا هُوَ بِالْكَبَائِرِ فَأَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ يَلِيهَا أَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ، وَأَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ يَلِيهَا أَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ كُفْرٌ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ إلَى قَوْلِهِ وَالْكَبَائِرُ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ) : قُلْتُ: إنْ أَرَادَ الْمَفَاسِدَ بِمُقْتَضَى الشَّرْعِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْكُفْرَ أَعْظَمُ الْمَفَاسِدِ، وَمَا عَدَاهُ تَتَفَاوَتْ رُتَبُهُ. قَالَ: (وَأَكْثَرُ الْتِبَاسِ الْكُفْرِ إنَّمَا هُوَ بِالْكَبَائِرِ إلَى قَوْلِهِ، وَأَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ يَلِيهَا أَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ أَكْثَرَ الْتِبَاسِ الْكُفْرِ إنَّمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ، وَمِنْهَا شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُقْبَلُ مُطْلَقًا، وَقَالَ مَالِكٌ لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تُقْبَلُ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي الدَّيْنِ. لَنَا وُجُوهٌ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ» الثَّانِي مَا خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَدَوِيٍّ عَلَى حَضَرِيٍّ» لِقِلَّةِ شُهُودِ الْبَدَوِيِّ مَا يَقَعُ فِي الْمِصْرِ الثَّالِثِ الْقِيَاسُ عَلَى مَا أَجْمَعَ الْجُمْهُورُ عَلَيْهِ مِنْ تَأْثِيرِ الْعَدَاوَةِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِثْلُ إجْمَاعِهِمْ عَلَى عَدَمِ تَوْرِيثِ الْقَاتِلِ الْمَقْتُولَ، وَعَلَى تَوْرِيثِ الْمَبْتُوتَةِ فِي الْمَرَضِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ، وَاحْتَجُّوا بِظَوَاهِرَ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وقَوْله تَعَالَى {ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَالْفِقْهُ مَعَ مَنْ كَانَتْ الْقَوَاعِدُ وَالنُّصُوصُ مَعَهُ أَظْهَرُ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا الْقِسْمِ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِفِسْقِهِ أَوْ كُفْرِهِ أَوْ صِغَرِهِ أَوْ رِقِّهِ ثُمَّ أَدَّاهَا بَعْدَ زَوَالِ هَذِهِ الصِّفَاتِ فَإِنَّهُ يَتَّهِمُ فِي تَنْفِيذِ مَا رُدَّ فِيهِ فَنَحْنُ وَابْنُ حَنْبَلٍ مَنَعْنَاهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يُقْبَلُ الْكُلُّ إلَّا الْفَاسِقَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفَاسِقَ تُسْمَعُ شَهَادَتُهُ ثُمَّ يُنْظَرُ فِي عَدَالَتِهِ فَيَتَحَقَّقُ الرَّدُّ بِالظُّهُورِ عَلَى الْفِسْقِ، وَأُولَئِكَ لَمْ تُسْمَعْ شَهَادَتُهُمْ لِمَا عُلِمَ مِنْ صِفَاتِهِمْ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرَّدُّ الْبَاعِثُ عَلَى التُّهْمَةِ، وَلَنَا وُجُوهٌ الْأَوَّلُ شَهَادَةُ الْعَوَائِدِ الثَّانِي أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. (الثَّالِثُ) أَنَّ الْعِلْمَ بِفِسْقِهِمْ لَوْ وَقَعَ قَبْلَ الْأَدَاءِ لَمَا وَقَعَ الْأَدَاءُ، وَإِنَّمَا مَنَعْنَا حَيْثُ وَقَعَ الْأَدَاءُ فَصِفَاتُهُمْ حِينَئِذٍ تَكُونُ مَجْهُولَةً فَسَقَطَ الْفَرْقُ، وَعَكْسُهُ لَوْ حَصَلَ الْبَحْثُ عَنْ الْفِسْقِ قَبْلَ الْأَدَاءِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ إذَا لَمْ تُرَدَّ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ شَهَادَةُ أَهْلِ الْبَادِيَةِ إذَا قَصَدُوا فِي التَّحَمُّلِ دُونَ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ فَنَحْنُ مَنَعْنَاهَا فِي الْبِيَاعَاتِ وَالنِّكَاحِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ الْعُدُولَ إلَيْهِمْ مَعَ إمْكَانِ غَيْرِهِمْ تُهْمَةٌ فِي إبْطَالِ مَا شَهِدُوا بِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَدَوِيٍّ عَلَى قَرَوِيٍّ مُطْلَقًا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ تُقْبَلُ مُطْلَقًا لَنَا، وَجْهَانِ الْأَوَّلُ حَدِيثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَصْمٍ إلَخْ، وَالثَّانِي حَمْلُ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَلَى مَوْضِعِ التُّهْمَةِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُمُومَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ الدَّالَّةِ عَلَى قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَحُجَّتُهُمْ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ حَمْلُ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَلَى مَنْ لَمْ تُعْلَمْ عَدَالَتُهُ مِنْ الْأَعْرَابِ قَالُوا: وَهُوَ أَوْلَى لِقِلَّةِ التَّخْصِيصِ حِينَئِذٍ فِي تِلْكَ الْعُمُومَاتِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ جَمْعَنَا أَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِأَجْلِ عَدَمِ الْعَدَالَةِ لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِهِ بِصَاحِبِ الْقَرْيَةِ بَلْ لِلتُّهْمَةِ، وَالثَّانِي مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا شَهِدَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَقَبِلَ شَهَادَتَهُ عَلَى النَّاسِ» ، وَجَوَابُهُ أَنَّا نَقْبَلُهُ فِي الْهِلَالِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا، وَالثَّالِثُ أَنَّ مَنْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي الْجِرَاحِ قُبِلَتْ فِي غَيْرِهَا كَالْحَضَرِيِّ، وَلِأَنَّ الْجِرَاحَ آكَدُ مِنْ الْمَالِ فَفِي الْمَالِ أَوْلَى، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْجِرَاحَ يَقْصِدُ لَهَا الْخِلْوَاتِ دُونَ الْمُعَامَلَاتِ فَكَانَتْ التُّهْمَةُ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَوْجُودَةً دُونَ الْجِرَاحِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا قَالَهُ الْأَصْلُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ بِدَايَةِ الْحَفِيدِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ وَقَاعِدَةِ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ] (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ، وَالدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ) وَهُوَ أَنَّ الْبَاطِلَةَ مَا كَانَتْ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ شَرْعًا بِأَنْ اخْتَلَّ مِنْهَا شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِهَا، وَالصَّحِيحَةُ مَا كَانَتْ مُعْتَبَرَةً شَرْعًا بِأَنْ اسْتَوْفَتْ شُرُوطَهَا وَشُرُوطُهَا خَمْسَةٌ: (الشَّرْطُ الْأَوَّلُ) بَيَانُ الْمُدَّعِي فِيهِ بِأَنْ يَكُونَ مُتَصَوَّرًا فِي ذِهْنِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْقَاضِي

وَأَصْلُ الْكُفْرِ إنَّمَا هُوَ انْتِهَاكٌ خَاصٌّ لِحُرْمَةِ الرُّبُوبِيَّةِ إمَّا بِالْجَهْلِ بِوُجُودِ الصَّانِعِ أَوْ صِفَاتِهِ الْعُلَى وَيَكُونُ الْكُفْرُ بِفِعْلٍ كَرَمْيِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ أَوْ السُّجُودِ لِلصَّنَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــSهُوَ بِالْكَبَائِرِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَكَيْفَ يَلْتَبِسُ الْكُفْرُ بِالْكَبَائِرِ وَالْكُفْرُ أَمْرٌ اعْتِقَادِيٌّ وَالْكَبَائِرُ أَعْمَالٌ، وَلَيْسَتْ بِاعْتِقَادٍ سَوَاءٌ كَانَتْ أَعْمَالًا قَلْبِيَّةً أَوْ بَدَنِيَّةً. قَالَ: (وَأَصْلُ الْكُفْرِ أَنَّهُ انْتِهَاكٌ خَاصٌّ لِحُرْمَةِ الرُّبُوبِيَّةِ) قُلْتُ: لَيْسَ الْكُفْرُ انْتِهَاكَ حُرْمَةِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَلَكِنَّهُ الْجَهْلُ بِالرُّبُوبِيَّةِ فَلَا يَصْدُرُ عَادَةً مِمَّنْ يَدِينُ بِالرُّبُوبِيَّةِ. قَالَ: (أَمَّا الْجَهْلُ بِوُجُودِ الصَّانِعِ أَوْ صِفَاتِهِ الْعُلَى) قُلْتُ: الْجَهْلُ بِذَلِكَ هُوَ الْكُفْرُ خَاصَّةً عِنْدَ مَنْ لَا يُصَحِّحُ الْكُفْرَ عِنَادًا، وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ يُصَحِّحُهُ فَالْكُفْرُ إمَّا الْجَهْلُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَإِمَّا جَحْدُهُ وَانْتِهَاكُ الْحُرْمَةِ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْجَهْلِ أَمَّا مَعَ الْعِلْمِ فَيَتَعَذَّرُ عَادَةً وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ: (وَيَكُونُ الْكُفْرُ بِفِعْلٍ كَرَمْيِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ) قُلْتُ: رَمْيُ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَعَ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ مَعَ الْجَهْلِ بِهِ فَإِنْ كَانَ مَعَ الْجَهْلِ فَالْكُفْرُ هُوَ الْجَهْلُ لَا عَيْنُ رَمْيِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَعَ التَّكْذِيبِ بِهِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ مَعَ التَّكْذِيبِ بِهِ فَهُوَ كُفْرٌ، وَإِلَّا فَهُوَ مَعْصِيَةٌ غَيْرُ كُفْرٍ. قَالَ: (وَالسُّجُودُ لِلصَّنَمِ) قُلْتُ: إنْ كَانَ السُّجُودُ لِلصَّنَمِ مَعَ اعْتِقَادِ كَوْنِهِ إلَهًا فَهُوَ كُفْرٌ، وَإِلَّا فَلَا، بَلْ يَكُونُ مَعْصِيَةً إنْ كَانَ لِغَيْرِهِ إكْرَاهٌ أَوْ جَائِزٌ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَحَدِ نَوْعَيْنِ: (النَّوْعُ الْأَوَّلُ) بِبَيَانِ عَيْنِهِ كَدَعْوَى أَنَّ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ الْفَرَسَ اشْتَرَاهُ مِنْهُ أَوْ أَنَّ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ غُصِبَتْ مِنْهُ أَوْ بَيَانُ صِفَتِهِ كَلِيِّ فِي ذِمَّتِهِ ثَوْبٌ أَوْ فَرَسٌ صِفَتُهُمَا كَذَا أَوْ دَرَاهِمُ يَزِيدِيَّةٌ أَوْ مُحَمَّدِيَّةٌ أَوْ سَبَّنِي أَوْ شَتَمَنِي أَوْ قَذَفَنِي بِلَفْظِ كَذَا إذْ لَيْسَ كُلُّ سَبٍّ وَشَتْمٍ يُوجِبُ الْحَدَّ (وَالنَّوْعُ الثَّانِي) بَيَانُ سَبَبِ الْمُدَّعِي فِيهِ الْمُعَيَّنُ كَدَعْوَى الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ أَوْ الرِّدَّةَ لِتَحَرُّرِ نَفْسِهَا، وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ أَوْ بَيَانُ سَبَبِ مَا فِي ذِمَّةِ الْمُعَيَّنِ كَدَعْوَى الْمَرْأَةِ الْمَسِيسَ أَوْ الْقَتْلَ خَطَأً لِيَتَرَتَّبَ الصَّدَاقُ أَوْ الدِّيَةُ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ أَوْ الْعَاقِلَةِ الْمُعَيَّنَةِ بِالنَّوْعِ قَالَ تَسْتَوِي الْعَاصِمِيَّةُ، وَهَذَا النَّوْعُ بِمِثَالَيْهِ رَاجِعٌ فِي الْمَعْنَى لِلنَّوْعِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَقُولُ فِيهِمَا أَحْرَزْت نَفْسِي لِأَنَّك طَلَّقْتنِي، وَلِي عَلَيْك صَدَاقٌ أَوْ دِيَةٌ لِأَنَّك مَسِسْتنِي أَوْ قَتَلَتْ وَلِيِّي، وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْت لَك دَارِي أَوْ أَجَرْتهَا مِنْك فَادْفَعْ لِي ثَمَنَهَا أَوْ أُجْرَتَهَا، وَلِذِكْرِ السَّبَبِ فِي هَذَا النَّوْعِ لَا يَحْتَاجُ الْمُدَّعِي فِيهِ لِبَيَانِ السَّبَبِ بِخِلَافِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ فِي كَوْنِ بَيَانِ السَّبَبِ فِيهِ كَانَ يَقُولُ مَنْ تَعَدٍّ أَوْ بِيعَ قَالَ خَلِيلٌ وَكَفَى بِعْت وَتَزَوَّجْت، وَحَمَلَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِلَّا فَلْيَسْأَلْهُ الْحَاكِمُ عَنْ السَّبَبِ ثُمَّ قَالَ وَلِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنْ السَّبَبِ اهـ. لَيْسَ مِنْ تَمَامِ صِحَّةِ الدَّعْوَى أَوْ مِنْ تَمَامِ صِحَّتِهَا خِلَافَانِ الْأَوَّلُ لِلْحَطَّابِ قَالَ بِدَلِيلِ قَوْلِ خَلِيلٍ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَخْ، وَالثَّانِي الرَّمَّاحِيُّ مُحْتَجًّا بِكَلَامِ الْمَجْمُوعَةِ وَابْنِ عَرَفَةَ قَالَ التَّسَوُّلِيُّ، وَاعْتِرَاضُ بَنَّانِيٍّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَرْطًا لَبَطَلَتْ الدَّعْوَى مَعَ عَدَمِ ادِّعَاءِ النِّسْيَانِ سَاقِطٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ شَرْطُ صِحَّةٍ إذَا لَمْ يَدَّعِ النِّسْيَانَ كَمَا أَنَّ الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ سَاقِطَةٌ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّفْسِيرِ عِنْدَ الْمَازِرِيِّ، وَغَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي ثُمَّ قَالَ وَيُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِأَنَّ بَيَانَ السَّبَبِ مِنْ تَمَامِ صِحَّةِ الدَّعْوَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ مَا يَدَّعِيهِ فَاسِدًا كَوْنُهُ ثَمَنَ خَمْرٍ أَوْ رِبًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَلِذَا قَالَ ابْنُ حَارِثٍ إذَا لَمْ يَسْأَلْهُ الْقَاضِي عَنْهُ أَيْ السَّبَبِ كَانَ كَالْخَابِطِ خَبْطَ عَشْوَاءَ قَالَ فَإِنْ سَأَلَهُ الْحَاكِمُ أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْهُ، وَامْتَنَعَ مِنْ بَيَانِهِ لَمْ يُكَلَّفْ الْمَطْلُوبُ بِالْجَوَابِ فَإِنْ ادَّعَى نِسْيَانَهُ قُبِلَ بِغَيْرِ يَمِينٍ اهـ. قَالَ التَّسَوُّلِيُّ وَيَنْبَنِي عَلَى بَيَانِهِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ إذَا قَالَ فِي جَوَابِهِ لَا حَقَّ لَك عَلَيَّ لَا يُكْتَفَى مِنْهُ بِذَلِكَ بَلْ حَتَّى يَنْفِيَ السَّبَبَ الَّذِي بَيَّنَهُ الْمُدَّعِي اهـ. وَفِي الْأَصْلِ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ، وَلَا يَلْزَمُ ذِكْرُ سَبَبِ مِلْكِ الْمَالِ بِخِلَافِ سَبَبِ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ هَاهُنَا بِالْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَهَلْ قَتَلَهُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمَالِ، وَلِأَنَّ إتْلَافَهُ لَا يُسْتَدْرَكُ بِخِلَافِ الْمَالِ، وَهَذَا لَا يُخَالِفُهُ أَصْحَابُنَا وَقَوَاعِدُنَا تَقْتَضِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَا تُسْمَعُ الدَّعَاوَى فِي النِّكَاحِ حَتَّى يَقُولَ تَزَوَّجْتهَا بِوَلِيٍّ وَرِضَاهَا وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ بِخِلَافِ دَعْوَى الْمَالِ وَغَيْرِهِ مُحْتَجِّينَ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ النِّكَاحَ خَطَرٌ كَالْقَتْلِ إذْ الْوَطْءُ لَا يُسْتَدْرَكُ. الثَّانِي أَنَّ النِّكَاحَ لَمَّا اخْتَصَّ بِشُرُوطٍ زَائِدَةٍ عَلَى الْبَيْعِ مِنْ الصِّدْقِ وَغَيْرِهِ خَالَفْت دَعْوَاهُ الدَّعَاوَى قِيَاسًا لِلدَّعْوَى عَلَى الْمُدَّعَى بِهِ الثَّالِثُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ جَمِيعِ الْعُقُودِ يَدْخُلُهُ الْبَدَلُ وَالْإِبَاحَةُ بِخِلَافِهِ فَكَانَ خَطَرًا فَيُحْتَاطُ فِيهِ فَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِنَا مِنْ أَنَّ الدَّعْوَى فِي النِّكَاحِ تُسْمَعُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ تَزَوَّجْتُهَا بِوَلِيٍّ، وَبِرِضَاهَا بَلْ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ هِيَ زَوْجَتِي. وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَنَا وَجْهَانِ الْأَوَّلُ الْقِيَاسُ عَلَى الْبَيْعِ وَالرِّدَّةُ وَالْعِدَّةُ فَلَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لَهُمَا فَكَذَلِكَ غَيْرُهُمَا الثَّانِي أَنَّ ظَاهِرَ عُقُودِ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ وَأَمَّا مَا احْتَجُّوا بِهِ فَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ غَالِبَ دَعْوَى الْمُسْلِمِ الصِّحَّةُ كَمَا عَلِمْت فَالِاسْتِدْرَاكُ حِينَئِذٍ نَادِرٌ لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَالْقَتْلُ خَطَرُهُ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ النِّكَاحِ

أَوْ التَّرَدُّدِ لِلْكَنَائِسِ فِي أَعْيَادِهِمْ بِزِيِّ النَّصَارَى، وَمُبَاشَرَةِ أَحْوَالِهِمْ أَوْ جَحْدِ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَقَوْلُنَا انْتِهَاكٌ خَاصٌّ احْتِرَازٌ مِنْ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ فَإِنَّهَا انْتِهَاكٌ، وَلَيْسَتْ كُفْرًا وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا الْخُصُوصِ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَجَحْدُ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَجَحْدِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْوَاجِبَاتِ وَالْقُرُبَاتِ بَلْ لَوْ جَحَدَ بَعْضَ الْإِبَاحَاتِ الْمَعْلُومَةِ بِالضَّرُورَةِ كَفَرَ كَمَا لَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (أَوْ التَّرَدُّدُ إلَى الْكَنَائِسِ فِي أَعْيَادِهِمْ، وَمُبَاشَرَةُ أَحْوَالِهِمْ) قُلْتُ: هَذَا لَيْسَ بِكُفْرٍ إلَّا أَنْ يَعْتَقِدَ مُعْتَقَدَهُمْ. قَالَ: (أَوْ جَحَدَ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ) قُلْتُ: هَذَا كُفْرٌ إنْ كَانَ جَحَدَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ فَيَكُونُ تَكْذِيبًا، وَإِلَّا فَهُوَ جَهْلٌ وَذَلِكَ الْجَهْلُ مَعْصِيَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ بِإِزَالَةِ مِثْلِ هَذَا الْجَهْلِ عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ. قَالَ: (فَقَوْلُنَا انْتِهَاكٌ خَاصٌّ احْتِرَازٌ مِنْ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ فَإِنَّهَا انْتِهَاكٌ، وَلَيْسَتْ كُفْرًا وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا الْخُصُوصِ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) قُلْتُ: لَيْسَتْ الْكَبَائِرُ وَالصَّغَائِرُ انْتِهَاكًا لِحُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا هِيَ جُرْأَةٌ عَلَى مُخَالَفَةٍ تُحْمَلُ عَلَيْهَا الْأَغْرَاضُ وَالشَّهَوَاتُ. قَالَ: (وَجَحْدُ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ إلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ كُنَّا نُكَفِّرُ بِذَلِكَ الْجَحْدِ غَيْرَهُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ إلَّا كَوْنَهُ اقْتَصَرَ عَلَى اشْتِرَاطِ شُهْرَةِ ذَلِكَ الْأَمْرِ مِنْ الدِّينِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اشْتِهَارِ ذَلِكَ مِنْ وُصُولِ ذَلِكَ إلَى هَذَا الشَّخْصِ وَعِلْمِهِ بِهِ فَيَكُونُ إذْ ذَاكَ مُكَذِّبًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ فَيَكُونُ بِذَلِكَ كَافِرًا أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ الْأَمْرَ، وَكَانَ مِنْ مَعَالِمِ الدِّينِ الْمُشْتَهِرَةِ فَهُوَ عَاصٍ بِتَرْكِ التَّسَبُّبِ إلَى عِلْمِهِ لَيْسَ بِكَافِرٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالنَّذْرِ وَهُوَ الْفَرْقُ الْمَانِعُ مِنْ الْقِيَاسِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ دَعْوَى الشَّيْءِ يَتَنَاوَلُ شُرُوطَهُ بِدَلِيلِ الْبَيْعِ فَكَمَا لَا يَحْتَاجُ الْبَيْعُ فِي دَعْوَاهُ إلَى الشُّرُوطِ كَذَلِكَ النِّكَاحُ لَا يَحْتَاجُ فِي دَعْوَاهُ إلَيْهَا وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الرِّدَّةَ وَالْعُدَّةَ لَا يَدْخُلُهُمَا الْبَدْلَ وَيَكْفِي الْإِطْلَاقُ فِيهِمَا اهـ. قَالَ تُسُولِيُّ الْعَاصِمِيَّةِ وَخَرَجَ بِهَذَا الشَّرْطِ الدَّعْوَى بِمَجْهُولِ الْعَيْنِ أَوْ الصِّفَةِ كَلِيِّ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَا يَدْرِي جِنْسَهُ وَنَوْعَهُ أَوْ أَرْضٌ لَا يَدْرِي حُدُودَهَا أَوْ ثَوْبٌ لَا يَدْرِي صِفَتَهُ أَوْ دَرَاهِمُ لَا يَدْرِي صِفَتَهَا وَلَا قَدْرَهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَا نَسْمَعُ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ لَوْ أَقَرَّ وَقَالَ نَعَمْ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ أَوْ أَنْكَرَ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِهَذَا الْإِقْرَارِ وَلَا بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ إذْ الْكُلُّ مَجْهُولٌ وَالْحُكْمُ بِهِ مُتَعَذِّرٌ فَلَيْسَ الْحُكْمُ بِالْهَرَوِيِّ بِأَوْلَى مِنْ الْمَرْوِيِّ مَثَلًا وَلَا بِالْيَزِيدِيَّةِ بِأَوْلَى مِنْ الْمُحَمَّدِيَّةِ إذْ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْحُكْمِ تَعْيِينُ الْمَحْكُومِ بِهِ وَلَا تَعْيِينَ هَاهُنَا وَهَكَذَا نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي قَوْلِ ابْنِ عَاصِمٍ: وَمَنْ لِطَالِبٍ بِحَقٍّ شَهِدَا وَلَمْ يُحَقَّقْ عِنْدَ ذَاكَ الْعَدَدُ إلَخْ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ الْبِسَاطِيِّ وَهُوَ الصَّوَابُ لِقَوْلِهِمْ يَلْزَمُ الْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ وَيُؤْمَرُ بِتَفْسِيرِهِ فَكَذَلِكَ هَذَا يُؤْمَرُ بِالْجَوَابِ لَعَلَّهُ يُقِرُّ فَيُؤْمَرُ بِالتَّفْسِيرِ وَيُسْجَنُ لَهُ. فَإِنْ ادَّعَى الْمُقِرُّ الْجَهْلَ أَيْضًا فَانْظُرْ مَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ لِطَالِبٍ بِحَقٍّ شَهِدَا إلَخْ وَانْظُرْ شَرْحَنَا لِلشَّامِلِ أَوَّلَ بَابِ الصُّلْحِ قَالَ الْحَطَّابُ مَسَائِلُ الْمُدَوَّنَةِ مُرِيحَةٌ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ الْمَازِرِيِّ وَلَيْسَ مِنْهُ الدَّعْوَى عَلَى سِمْسَارٍ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا لِيَبِيعَهُ بِدِينَارَيْنِ وَقِيمَتُهُ دِينَارٌ وَنِصْفٌ لِأَنَّ الدَّعْوَى هُنَا تَعَلَّقَتْ بِأَمْرٍ مَعْلُومٍ فِي الْأَصْلِ وَلَا يَضُرُّهُ كَوْنُهُ لَا يَدْرِي مَا يَجِبُ لَهُ عَلَى السِّمْسَارِ هَلْ الثَّمَنُ الَّذِي سَمَّاهُ إنْ بَاعَ أَوْ قِيمَتُهُ إنْ اسْتَهْلَكَهُ أَوْ غَيَّبَهُ إنْ لَمْ يَبِعْ اهـ إلَخْ. قُلْتُ الدَّعْوَى هُنَا إنَّمَا هِيَ فِي الثَّوْبِ وَهُوَ مُعَيَّنٌ فَهُوَ يُطَالِبُهُ بِرَدِّهِ لَكِنْ إنْ اسْتَهْلَكَ أَوْ بَاعَ فَيُرَدُّ الثَّمَنُ أَوْ الْقِيمَةُ لِقِيَامِهِمَا مَقَامَهُ تَأَمَّلْ. اهـ. كَلَامُ التَّسَوُّلِيِّ وَفِي الْأَصْلِ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ لَا يَصِحُّ دَعْوَى الْمَجْهُولِ إلَّا فِي الْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ لِصِحَّةِ الْقَضَاءِ بِالْوَصِيَّةِ الْمَجْهُولَةِ كَثُلُثِ الْمَالِ وَالْمَالُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَصِحَّةُ الْمِلْكِ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ وَيُلْزِمُهُ الْحَاكِمُ بِالتَّعْيِينِ وَقَالَهُ أَصْحَابُنَا وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ إنْ ادَّعَى بِدَيْنٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَثْمَانِ ذَكَرَ الْجِنْسَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ وَالنَّوْعَ مِصْرِيَّةً أَوْ مَغْرِبِيَّةً وَالصِّفَةَ صِحَاحًا أَوْ مُكَسَّرَةً وَالْمِقْدَارَ وَالسِّكَّةَ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْأَثْمَانِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا تَضْبِطُهُ الصِّفَةُ ذَكَرَ الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةَ فِي السَّلَمِ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَذْكُرَ مَعَهَا الْقِيمَةَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا تَضْبِطُهُ الصِّفَةُ كَالْجَوَاهِرِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْقِيمَةِ مِنْ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَيَذْكُرُ فِي الْأَرْضِ وَالدَّارَ اسْمَ الصُّقْعِ وَالْبَلَدِ وَفِي السَّيْفِ الْمُحَلَّى بِالذَّهَبِ قِيمَتَهُ فِضَّةً وَبِالْفِضَّةِ قِيمَتَهُ ذَهَبًا أَوْ بِهِمَا قَوَّمَهُ بِمَا يَشَاءُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ وَهَذَا لَا يُخَالِفُهُ أَصْحَابُنَا وَقَوَاعِدُنَا تَقْتَضِيهِ اهـ. (الشَّرْطُ الثَّانِي) تَحَقُّقُ الدَّعْوَى بِالْمُدَّعَى فِيهِ أَيْ جَزْمُهَا وَقَطْعُهَا بِأَنْ يَقُولَ لِي عَلَيْهِ كَذَا احْتِرَازًا مِنْ نَحْوِ أَشُكُّ أَوْ أَظُنُّ أَنَّ لِي كَذَا فَإِنَّهَا لَا تَسْمَعُ قَالَ الْأَصِيلُ وَفِي اشْتِرَاطِ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيَّةُ هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّ مَنْ وَجَدَ وَثِيقَةً فِي تَرِكَةِ مَوْرُوثِهِ أَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِحَقٍّ لَهُ فَلَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ إلَّا الظَّنَّ وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ الدَّعْوَى بِهِ وَإِنْ شَهِدَ بِالظَّنِّ كَمَا لَوْ شَهِدَ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَالسَّمَاعِ وَالْفَلَسِ وَحَصَرَ الْوَرَثَةَ وَصَرَّحَ بِالظَّنِّ الَّذِي هُوَ مُسْتَنَدُهُ فِي الشَّهَادَةِ فَلَا يَكُونُ قَادِحًا فَكَذَلِكَ هَاهُنَا لِأَنَّ مَا جَازَ الْإِقْدَامُ مَعَهُ لَا يَكُونُ النُّطْقُ بِهِ قَادِحًا قَالَ التَّسَوُّلِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الظَّنَّ هَاهُنَا لِقُوَّتِهِ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْقَطْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ جَازَ لَهُ الْحَلِفُ مَعَهُ. قَالَ خَلِيلٌ وَاعْتَمَدَ الْبَابَ عَلَى ظَنٍّ قَوِيٍّ كَخَطِّهِ أَوْ خَطِّ

قَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُبِحْ التِّينَ، وَلَا الْعِنَبَ، وَلَا يَعْتَقِدُ أَنَّ جَاحِدَ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ يَكْفُرُ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ مُشْتَهِرًا فِي الدِّينِ حَتَّى صَارَ ضَرُورِيًّا فَكَمْ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا إجْمَاعًا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا خَوَاصُّ الْفُقَهَاءِ فَجَحْدُ مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَخْفَى الْإِجْمَاعُ فِيهَا لَيْسَ كُفْرًا بَلْ قَدْ جَحَدَ أَصْلَ الْإِجْمَاعِ جَمَاعَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ الرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِجِ كَالنَّظَّامِ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا قَالَ بِكُفْرِهِمْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ جَحَدُوا أَصْلَ الْإِجْمَاعِ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ بَذَلُوا جُهْدَهُمْ فِي أَدِلَّتِهِ فَمَا ظَفِرُوا بِهَا كَمَا ظَفِرَ بِهَا الْجُمْهُورُ فَكَانَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي حَقِّهِمْ. كَمَا أَنَّ مُتَجَدِّدَ الْإِسْلَامِ إذَا قَدِمَ مِنْ أَرْضِ الْكُفْرِ وَجَحَدَ فِي مَبَادِئِ أَمْرِهِ بَعْضَ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الْمَعْلُومَةِ لَنَا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ لَا نُكَفِّرُهُ لِعُذْرِهِ بِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ، وَإِنْ كُنَّا نُكَفِّرُ بِذَلِكَ الْجَحْدِ غَيْرَهُ وَبِهَذَا التَّقْرِيبِ نُجِيبُ عَنْ سُؤَالِ السَّائِلِ كَيْفَ تُكَفِّرُونَ جَاحِدَ الْمَسَائِلِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، وَلَا تُكَفِّرُونَ جَاحِدَ أَصْلِ الْإِجْمَاعِ؟ وَكَيْفَ يَكُونُ الْفَرْعُ أَقْوَى مِنْ الْأَصْلِ؟ . وَالْجَوَابُ بِأَنْ نَقُولَ إنَّا لَمْ نُكَفِّرْ بِالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَلْ مِنْ حَيْثُ الشُّهْرَةُ الْمُحَصِّلَةُ لِلضَّرُورَةِ فَمَتَى انْضَافَتْ هَذِهِ الشُّهْرَةُ لِلْإِجْمَاعِ كَفَرَ جَاحِدُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ تَنْضَفْ لَمْ نُكَفِّرْهُ وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ لَمْ يُجْعَلْ الْفَرْعُ أَقْوَى مِنْ الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَفَّرْنَا بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ مُشْتَهِرٌ فَمَنْ جَحَدَ إبَاحَةَ الْفَرَائِضِ لَا نُكَفِّرُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَإِنَّ انْعِقَادَ الْإِجْمَاعِ فِيهِ إنَّمَا يَعْلَمُهُ خَوَاصُّ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ نُجِيبُ عَلَى سُؤَالِ السَّائِلِ إلَى قَوْلِهِ الْإِجْمَاعُ فِيهِ إنَّمَا يَعْلَمُهُ خَوَاصُّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِيهِ إلَخْ ثُمَّ عَدَمُ سَمَاعِهَا فِي الظَّنِّ الَّذِي لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَطْعِ بِأَنَّ يَمِينَ التُّهْمَةِ لَا تَتَوَجَّهُ أَبُو الْحَسَنِ وَالْمَشْهُورُ تَوَجُّهُهَا ابْنُ فَرْحُونٍ يُرِيدُ بَعْدَ إثْبَاتِ كَوْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّنْ تَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ اهـ. وَعَلَيْهِ فَتُسْمَعُ فِيمَنْ ثَبَتَتْ تُهْمَتُهُ، وَإِلَّا فَلَا خَلِيلٌ، وَاسْتَحَقَّ بِهِ بِيَمِينٍ إنْ حَقَّقَ وَيَمِينِ تُهْمَةٍ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ إلَخْ. وَقَالَ ابْنُ عَاصِمٍ وَتُهْمَةٍ إنْ قَوِيَتْ بِهَا تَجِبْ يَمِينُ مَتْهُومٍ إلَخْ قَالَ التَّسَوُّلِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الدَّعْوَى تُسْمَعُ هَاهُنَا، وَلَوْ قُلْنَا بِعَدَمِ تَوَجُّهِ عَيْنِ التُّهْمَةِ فَيُؤْمَرُ بِالْجَوَابِ لَعَلَّهُ يُقِرُّ فَتَأَمَّلْهُ فَلَوْ قَالَ أَظُنُّ أَنَّ لِي عَلَيْهِ أَلْفًا فَقَالَ الْآخَرُ أَظُنُّ أَنِّي قَضَيْته لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِالْمَجْهُولِ إذْ كُلٌّ مِنْهَا شَاكٌّ فِي وُجُوبِ الْحَقِّ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ فَلَيْسَ الْقَضَاءُ بِقَوْلِ الْمُدَّعِي بِأَوْلَى مِنْ الْقَضَاءِ بِقَوْلِ الْآخَرِ فَلَوْ قَالَ الْمَطْلُوبُ نَعَمْ كَانَ لَهُ الْأَلْفُ عَلَيَّ، وَأَظُنُّ أَنِّي قَضَيْته لَزِمَهُ الْأَلْفُ قَطْعًا، وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَضَاهُ ثُمَّ قَالَ التَّاوَدِيُّ وَالتُّسُولِيُّ، وَالتَّحَقُّقُ فِي هَذَا الشَّرْطِ رَاجِعٌ لِلتَّصْدِيقِ، وَالْعِلْمُ وَالْبَيَانُ فِي الشَّرْطِ الْأَوَّلِ رَاجِعٌ لِلتَّصَوُّرِ فَلَا يُغْنِي أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَمَا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ اهـ. (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) كَوْنُ الْمُدَّعَى فِيهِ ذَا غَرَضٍ صَحِيحٍ أَيْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ نَفْعٌ شَرْعِيٌّ احْتِرَازٌ مِنْ الدَّعْوَى بِقَمْحَةٍ أَوْ شَعِيرَةٍ أَوْ عُشْرِ سِمْسِمَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلِذَا لَا يُمَكَّنُ الْمُسْتَأْجِرُ لِلْبِنَاءِ وَنَحْوِهِ مِنْ قَلْعِ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ. (الشَّرْطُ الرَّابِعُ) كَوْنُ الْمُدَّعِي فِيهِ مِمَّا لَوْ أَقَرَّ بِهِ الْمَطْلُوبُ لَقَضَى عَلَيْهِ بِهِ احْتِرَازًا مِنْ الدَّعْوَى بِأَنَّهُ قَالَ دَارِي صُدِّقُوا بِيَمِينٍ مُطْلَقًا أَوْ بِغَيْرِهَا، وَلَمْ يُعَيِّنْ إلَخْ، وَمِنْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِالْوَصِيَّةِ لِلْمَسَاكِينِ، وَمِمَّا يُؤْمَرُ فِيهِ بِالطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ كَقَوْلِهِ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي أَوْ تُبْغِضِينِي، وَمِنْ الدَّعْوَى عَلَى الْمَحْجُورِ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ فَلَا يَلْزَمُهُ، وَلَوْ ثَبَتَ بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ الِاسْتِهْلَاكُ أَوْ الْغَصْبُ، وَنَحْوُهُمَا خَلِيلٌ، وَضَمِنَ مَا أَفْسَدَ إنْ لَمْ يُؤْمَنْ عَلَيْهِ اهـ. قَالَ التَّسَوُّلِيُّ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْمَحْجُورَ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَلَوْ نَصَبَهُ وَلِيُّهُ لِمُعَامَلَاتِ النَّاسِ بِمَالٍ دَفَعَهُ إلَيْهِ لِلتِّجَارَةِ لِيَخْتَبِرَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ الدَّيْنُ اللَّاحِقُ لَا يَلْزَمُهُ لَا فِيمَا دُفِعَ إلَيْهِ، وَلَا فِيمَا بَقِيَ، وَلَا فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِذَلِكَ مِنْ الْوِلَايَةِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي الْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ خَاصَّةً، وَهَذَا إذَا لَمْ يُصَنْ بِهِ مَالُهُ، وَإِلَّا فَيَضْمَنُ فِي الْمَالِ الْمَصُونِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ التَّصْوِينِ، وَانْظُرْ مَا يَأْتِي لَنَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَجَارٍ لِلْوَصِيِّ فِيمَا حَجَرَا إعْطَاءُ بَعْضِ مَالِهِ مُخْتَبَرًا " قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُغْنِي عَنْ الَّذِي قَبْلَهُ، وَلَا يَحْتَرِزُ بِهِ عَنْ دَعْوَى الْهِبَةِ وَالْوَعْدِ لِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْجَوَابِ فِيهِمَا، وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ لُزُومِهِمَا بِالْقَوْلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ، وَلَا يَرْجِعُ عَنْ الْهِبَةِ، وَلَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ اهـ كَلَامُ التَّسَوُّلِيِّ قُلْت وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَلَا يُحْتَرَزُ بِهِ إلَخْ لِدَفْعِ قَوْلِ التَّاوَدِيِّ أَنَّهُ احْتِرَازٌ مِنْ دَعْوَى الْهِبَةِ عَلَى الْقَوْلِ الشَّاذِّ، وَهُوَ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِالْقَوْلِ اهـ. (الشَّرْطُ الْخَامِسُ) كَوْنُ الْعَادَةِ لَا تُكَذَّبُ الدَّعْوَى بِالْمُدَّعَى فِيهِ قَالَ التَّسَوُّلِيُّ وَاحْتُرِزَ بِهِ مِنْ الدَّعْوَى بِالْغَصْبِ وَالْفَسَادِ عَلَى رَجُلٍ صَالِحٍ خَلِيلٌ وَأَدَبٍ مُمَيَّزٍ كَمُدَّعِيهِ عَلَى صَالِحٍ اهـ وَمِنْ مَسْأَلَةِ الْحِيَازَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فَإِنَّ الدَّعْوَى لَا تُسْمَعُ فِيهَا، وَقِيلَ تُسْمَعُ، وَيُؤْمَرُ الْمَطْلُوبُ بِجَوَابِهَا لَعَلَّهُ يُقِرُّ أَوْ يُنْكِرُ فَيَحْلِفُ قَالَهُ الْحَطَّابُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ. وَفِي الْأَصْلِ أَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ الدَّعْوَى الَّتِي تُكَذِّبُهَا الْعَادَةُ كَدَعْوَى الْحَاضِرِ الْأَجْنَبِيِّ مِلْكَ دَارٍ فِي يَدِ زَيْدٍ، وَهُوَ حَاضِرٌ يَرَاهُ يَهْدِمُ وَيَبْنِي وَيُؤَاجِرُ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ مِنْ غَيْرِ وَازِعٍ يَزَعُهُ عَنْ الطَّلَبِ مِنْ رَهْبَةِ أَوْ رَغْبَةٍ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِظُهُورِ كَذِبِهَا، وَالسَّمَاعُ إنَّمَا هُوَ لِتَوَقُّعِ الصِّدْقِ فَإِذَا تَبَيَّنَ الْكَذِبُ عَادَةً امْتَنَعَ تَوَقُّعُ الصِّدْقِ. وَاخْتَلَفُوا فِي طُولِ الزَّمَانِ الَّذِي تُكَذِّبُ بِهِ الْعَادَةُ دَعْوَى

[المسألة الأولى تسمع الدعاوى في النكاح وإن لم يقل تزوجتها بولي وبرضاها]

الْفُقَهَاءِ أَوْ الْفُقَهَاءُ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَأَلْحَقَ الْأَشْعَرِيُّ بِالْكُفْرِ إرَادَةَ الْكُفْرِ كَبِنَاءِ الْكَنَائِسِ لِيَكْفُرَ فِيهَا أَوْ قَتْلِ نَبِيٍّ مَعَ اعْتِقَادِهِ صِحَّةَ رِسَالَتِهِ لِيُمِيتَ شَرِيعَتَهُ، وَمِنْهُ تَأْخِيرُ إسْلَامِ مَنْ أَتَى لِيُسْلِمَ عَلَى يَدَيْك فَتُشِيرُ عَلَيْهِ بِتَأْخِيرِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ إرَادَةٌ لِبَقَاءِ الْكُفْرِ. وَلَا يَنْدَرِجُ فِي إرَادَةِ الْكُفْرِ الدُّعَاءُ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ عَلَى مَنْ تُعَادِيهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إرَادَةُ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــSالْفُقَهَاءِ أَوْ الْفُقَهَاءُ دُونَ غَيْرِهِمْ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ إلَّا مَا نَقَضَهُ مِنْ شَرْطِ عِلْمِ هَذَا الشَّخْصِ بِذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُشْتَهَرِ. قَالَ: (وَأَلْحَقَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِالْكُفْرِ إرَادَةَ الْكُفْرَ كَبِنَاءِ الْكَنَائِسِ لِيَكْفُرَ فِيهَا) قُلْتُ: إنْ كَانَ بَنَاهَا الشَّخْصُ لِاعْتِقَادِهِ رُجْحَانَ الْكُفْرِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَهُوَ كُفْرٌ لَا شَكَّ، وَإِنْ كَانَ بَنَاهَا الْكَافِرُ إرَادَةَ التَّقَرُّبِ إلَيْهِ وَالتَّوَدُّدِ لَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ لَا كُفْرٌ. قَالَ: (أَوْ قَتْلِ نَبِيٍّ مَعَ اعْتِقَادِهِ صِحَّةَ رِسَالَتِهِ لِيُمِيتَ شَرِيعَتَهُ) قُلْتُ: ذَلِكَ كُفْرٌ، وَلَكِنْ لَا يَتَأَتَّى فَرْضُهُ إلَّا عَلَى قَوْلِ مِنْ يُجَوِّزُ الْكُفْرَ عِنَادًا. قَالَ: (وَمِنْهُ تَأْخِيرُ إسْلَامِ مَنْ أَتَى لِيُسْلِمَ عَلَى يَدَيْكَ فَتُشِيرُ عَلَيْهِ بِتَأْخِيرِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ إرَادَةٌ لِبَقَاءِ الْكُفْرِ) قُلْتُ: ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ كُفْرًا إنْ كَانَ إنَّمَا أَشَارَ بِالتَّأْخِيرِ لِاعْتِقَادِهِ رُجْحَانَ الْكُفْرِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ كُفْرًا إنْ كَانَ إنَّمَا أَرَادَ بِالتَّأْخِيرِ لِكَوْنِهِ لَا يُرِيدُ لِهَذَا الْإِسْلَامِ لِحِقْدٍ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَعْتَقِدَ الْمُشِيرُ رُجْحَانَ الْكُفْرِ. قَالَ: (وَلَا يَنْدَرِجُ فِي إرَادَةِ الْكُفْرِ الدُّعَاءُ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ عَلَى مَنْ تُعَادِيهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إرَادَةُ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَاضِرِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَمْ يَحُدَّهُ مَالِكٌ بِالْعَشِيرَةِ بَلْ قَالَ مَنْ أَقَامَتْ بِيَدِهِ دَارٌ سِنِينَ يَكْرِي وَيَهْدِمُ وَيَبْنِي فَأَقَمْت بِبَيِّنَةِ أَنَّهَا لَك أَوْ لِأَبِيك أَوْ لِجَدِّك، وَثَبَتَتْ الْمَوَارِيثُ، وَأَنْتَ حَاضِرٌ تَرَاهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَلَا حُجَّةَ لَك فَإِنْ كُنْت غَائِبًا أَفَادَك إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَالْعُرُوضِ، وَالْحَيَوَانُ وَالرَّقِيقُ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ إذَا ادَّعَى بِأُجْرَةٍ مِنْ سِنِينَ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ إنْ كَانَ حَاضِرًا، وَلَا مَانِعَ لَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى بِثَمَنِ سِلْعَةٍ مِنْ زَمَنٍ قَدِيمٍ، وَلَا مَانِعَ مِنْ طَلَبِهِ، وَعَادَتُهَا تُبَاعُ بِالنَّقْدِ، وَشَهِدَتْ الْعَادَةُ أَنَّ هَذَا الثَّمَنَ لَا يَتَأَخَّرُ، وَقَالَ رَبِيعَةُ عَشْرُ سِنِينَ تَقْطَعُ الدَّعْوَى لِلْحَاضِرِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ أَكْرَى أَوْ أَسْكَنَ أَوْ أَعَارَ، وَلَا حِيَازَةَ عَلَى غَائِبٍ، وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ حَازَ شَيْئًا عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ لَهُ» ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199] فَكُلُّ شَيْءٍ يُكَذِّبُهُ الْعُرْفُ وَجَبَ أَنْ لَا يُؤْمَرَ بِهِ بَلْ يُؤْمَرُ بِالْمِلْكِ لِحَائِزِهِ لِأَنَّ الْعُرْفَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْحِيَازَةُ مِنْ الثَّمَانِيَةِ إلَى الْعَشَرَةِ، وَأَمَّا فِي الْأَقَارِبِ فَقَالَ مَالِكٌ الْحِيَازَةُ الْمُكَذِّبَةُ لِلدَّعْوَى فِي الْعَقَارِ نَحْوُ الْخَمْسِينَ سَنَةً لِأَنَّ الْأَقَارِبَ يَتَسَامَحُونَ لِبِرِّ الْقَرَابَةِ أَكْثَرَ مِنْ الْأَجَانِبِ إمَّا لِدُونِ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الطُّولِ فَلَا تَكُونُ الدَّعْوَى كَاذِبَةً، وَخَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَسَمِعَ الدَّعْوَى فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ لَنَا النُّصُوصُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَهَذَا قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ الدَّعْوَى الثَّلَاثَةِ، وَيَبْقَى قِسْمَانِ دَاخِلَانِ تَحْتَ قَاعِدَةِ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ: (الْأَوَّلُ) مَا تُصَدِّقُهَا الْعَادَةُ كَدَعْوَى الْقَرِيبِ الْوَدِيعَةَ. (وَالثَّانِي) مَا لَمْ تَقْضِ الْعَادَةُ بِصِدْقِهَا، وَلَا بِكَذِبِهَا كَدَعْوَى الْمُعَامَلَةِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا الْخُلْطَةُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَيَانِ قَاعِدَتَيْ مَنْ يَحْلِفُ وَمَنْ لَا اهـ كَلَامُ الْأَصْلِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ. (تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ) قَالَ التَّسَوُّلِيُّ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ كُلَّهَا مَبْحُوثٌ فِيهَا مَا عَدَا الشَّرْطَ الرَّابِعَ اهـ فَافْهَمْ. (التَّنْبِيهُ الثَّانِي) قَالَ التَّاوَدِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ هَذِهِ شُرُوطُ الدَّعْوَى، وَأَمَّا الدَّعْوَى نَفْسُهَا فَقَالَ الْقَرَافِيُّ هِيَ طَلَبٌ مُعَيَّنٌ كَهَذَا الثَّوْبِ، وَمَا فِي ذِمَّةِ مُعَيَّنٌ كَالدَّيْنِ وَالسَّلَمِ، وَادِّعَاءِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا أَيْ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنُ كَدَعْوَى الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا الطَّلَاقَ أَوْ الرِّدَّةَ لِتُحَرِّرَ نَفْسَهَا، وَهِيَ مُعَيَّنَةٌ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا فِي ذِمَّةِ مُعَيَّنٍ كَدَعْوَى الْمَسِيسِ أَوْ الْقَتْلِ لِيَتَرَتَّبَ الصَّدَاقُ وَالدِّيَةُ فِي ذِمَّةِ الْعَاقِلَةِ الْمُعَيَّنَةِ بِالنَّوْعِ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى تُسْمَعُ الدَّعَاوَى فِي النِّكَاحِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ تَزَوَّجْتهَا بِوَلِيٍّ وَبِرِضَاهَا] (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ) : وَفِيهِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ الْعُلَمَاءِ تَحْقِيقًا لِمَنْ هُوَ الْمُدَّعِي الَّذِي عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَلِمَنْ هُوَ الْمُدَّعِي الَّذِي يَحْلِفُ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» لِأَنَّ بَيْنَهُمَا الْتِبَاسًا، وَعِلْمُ الْقَضَاءِ يَدُورُ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ مَيَّزَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ عَرَفَ وَجْهَ الْقَضَاءِ كَمَا فِي تُسُولِيِّ الْعَاصِمِيَّةِ فَقِيلَ كُلُّ طَالِبٍ فَهُوَ مَدْفُوعٌ، وَكُلُّ مَطْلُوبٍ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كُلُّ مَنْ قَالَ قَدْ كَانَ فَهُوَ مُدَّعٍ، وَكُلُّ مَنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ اهـ. وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ عِبَارَتَانِ تُوَضِّحُ ثَانِيَهُمَا الْأُولَى أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ أَبْعَدُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ سَبَبًا، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ أَقْرَبُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ سَبَبًا، وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مَنْ كَانَ قَوْلُهُ عَلَى خِلَافِ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ أَيْ مُجَرَّدًا عَنْهُمَا مَعًا فَأَوْ هُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ كَانَ قَوْلُهُ عَلَى وَفْقِ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ قَالَ التَّسَوُّلِيُّ

مَقْصُودًا فِيهِ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ إذَايَةُ الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مِنْهُ أَيْضًا اخْتِيَارُ الْإِمَامِ عَقْدَ الْجِزْيَةِ عَلَى الْأُسَارَى عَلَى الْقَتْلِ الْمُوجِبِ لِمَحْوِ الْكُفْرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَفِي عَقْدِ الْجِزْيَةِ إرَادَةُ اسْتِمْرَارِ الْكُفْرِ فِي قُلُوبِهِمْ فَهُوَ فِيهِ إرَادَةُ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ تَوَقُّعُ الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ إذَا بَقُوا أَحْيَاءَ وَفِي تَعْجِيلِ الْقَتْلِ عَلَيْهِمْ سَدُّ بَابِ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمْ فَالْمَقْصُودُ تَوَقُّعُ الْإِيمَانِ وَحُصُولُ الْكُفْرِ وَقَعَ بِالْعَرَضِ فَهُوَ مَشْرُوعٌ مَأْمُورٌ بِهِ وَاجِبٌ عِنْدَ تَعْيِينِ مُقْتَضِيهِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْفَاعِلُ لَهُ بِخِلَافِ الدُّعَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــSمَقْصُودًا فِيهِ انْتِهَاكَ حُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ إذَايَةَ الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ) قُلْتُ: هَذَا الَّذِي قَالَهُ هُنَا مُوَافِقٌ لِمَا قُلْتُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِشَارَةِ بِتَأْخِيرِ الْإِسْلَامِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يُشِرْ بِذَلِكَ عَلَيْهِ إلَّا بِقَصْدِ إذَايَتِهِ لَا لِاعْتِقَادِهِ رُجْحَانَ الْكُفْرِ. قَالَ: (وَلَيْسَ مِنْهُ أَيْضًا اخْتِيَارُ الْإِمَامِ عَقْدَ الْجِزْيَةِ عَلَى الْأُسَارَى عَلَى الْقَتْلِ الْمُوجِبِ لِمَحْوِ الْكُفْرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَفِي عَقْدِ الْجِزْيَةِ إرَادَةُ اسْتِمْرَارِ الْكُفْرِ فِي قُلُوبِهِمْ فَهُوَ فِيهِ إرَادَةُ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ تَوَقُّعُ الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ إذَا بَقُوا أَحْيَاءَ وَفِي تَعْجِيلِ الْقَتْلِ عَلَيْهِمْ سَدُّ بَابِ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ، وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمْ فَالْمَقْصُودُ تَوَقُّعُ الْإِيمَانِ، وَحُصُولُ الْكُفْرِ وَقَعَ بِالْعَرَضِ) قُلْتُ: مَا حَامَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْفَصْلِ كُلُّهُ صَحِيحٌ وَهُوَ أَنَّ اسْتِبْقَاءَ الْأُسَارَى وَضَرْبَ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ لَا يَتَعَيَّنُ أَنَّهُ إيثَارٌ لِاسْتِمْرَارِ الْكُفْرِ، وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا. قَالَ: (فَهُوَ مَشْرُوعٌ مَأْمُورٌ بِهِ وَاجِبٌ عِنْدَ تَعْيِينِ مُقْتَضِيهِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الْفَاعِلُ لَهُ بِخِلَافِ الدُّعَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَبِمَعْنَى الْعُرْفِ الْعَادَةُ، وَالشَّبَهُ، وَالْغَالِبُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي مِنْ الْأَمْثِلَةِ، وَأَوْ هُنَا مَانِعَةُ خُلُوٍّ فَقَطْ فَتَجُوزُ الْجَمْعُ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا وَافَقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهِ الْأَصْلَ وَحْدَهُ، وَخَالَفَهُ الْمُدَّعِي مَنْ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ دَيْنًا أَوْ غَصْبًا أَوْ جِنَايَةً، وَنَحْوَهُمَا فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ هَذِهِ الْأُمُورِ. وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ يُعَضِّدُهُ، وَيُخَالِفُ الطَّالِبَ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا اخْتِلَافُ الْيَتِيمِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَرُشْدِهِ مَعَ وَصِيَّةٍ فِي الدَّفْعِ فَإِنَّ الْيَتِيمَ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الدَّفْعِ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ طَالِبًا فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَالْوَصِيُّ مُدَّعٍ، وَإِنْ كَانَ مَطْلُوبًا لِأَنَّهُ غَيْرُ أَمِينٍ فِي الدَّفْعِ عِنْدَ التَّنَازُعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6] فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا وَافَقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهِ الْعُرْفَ وَحْدَهُ مَنْ ادَّعَى الشِّرَاءَ أَوْ الْهِبَةَ مِنْ حَائِزٍ لِلْمُدَّعِي فِيهِ مُدَّةَ الْحِيَازَةِ فَالْحَائِزُ مُدَّعًى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَقَوَّى جَانِبُهُ بِالْحِيَازَةِ، وَالْقَائِمُ مُدَّعٍ، وَمِنْهَا جَزَّارٌ وَدَبَّاغٌ تَدَاعَيَا جِلْدًا تَحْتَ يَدِهِمَا، وَلَا يَدَ عَلَيْهِ فَالْجَزَّارُ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَالدَّبَّاغُ مُدَّعٍ فَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِ أَحَدِهِمَا فَالْحَائِزُ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَمِنْهَا قَاضٍ وَجُنْدِيٌّ تَدَاعَيَا رُمْحًا تَحْتَ يَدِهِمَا أَوْ لَا يَدَ عَلَيْهِ فَالْجُنْدِيُّ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَالْقَاضِي مُدَّعٍ، وَمِنْهَا عَطَّارٌ وَصَبَّاغٌ تَدَاعَيَا مِسْكًا وَصِبْغًا فَالْعَطَّارُ مُدَّعٍ فِي الصِّبْغِ مُدَّعًى عَلَيْهِ فِي الْمِسْكِ وَالصَّبَّاغُ بِالْعَكْسِ، وَمِنْهَا اخْتِلَافُ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَلِلْمَرْأَةِ الْمُعْتَادُ لِلنِّسَاءِ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى نَقْدِ صَدَاقِهَا، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ بِالْفَقْرِ، وَمِنْهُ النُّكُولُ، وَدَعْوَى الشَّبَهِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الصَّدَاقِ أَوْ الْبَيْعِ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَمِنْهَا دَعْوَى الْعَامِلِ فِي الْقِرَاضِ أَوْ الْمُودَعِ عِنْدَهُ الرَّدُّ حَيْثُ قُبِضَا بِغَيْرِ إشْهَادٍ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ هُوَ مِنْ تَقْوَى جَانِبُهُ بِسَبَبٍ مِنْ حِيَازَةٍ أَوْ شَبَهٍ أَوْ نُكُولِ صَاحِبِهِ أَوْ أَمَانَةٍ أَوْ كَوْنِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ، وَالْمُدَّعِي مَنْ تَجَرَّدَ قَوْلُهُ عَنْ ذَلِكَ السَّبَبِ كَمَا فِي التَّسَوُّلِيِّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ. وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا وَافَقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهِ الْأَصْلَ وَالْعُرْفَ مَعًا طَالِبُ الْوَدِيعَةِ الَّتِي سَلَّمَهَا لِلْمُودِعِ عِنْدَهُ بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ ائْتَمَنَ الْمُودِعُ عِنْدَهُ لَمَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ بِيَمِينِهِ فَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ طَالِبًا وَالْمُودِعُ عِنْدَهُ مُدَّعٍ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَإِنْ كَانَ مَطْلُوبًا لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِهِ لَمَّا قَبَضَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ لَا يُعْطِي إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَالْأَصْلُ أَيْضًا عَدَمُ الدَّفْعِ فَالْأَصْلُ، وَالْغَالِبُ مَعًا يُعَضِّدَانِ صَاحِبَ الْوَدِيعَةِ وَيُخَالِفَانِ الْمُودَعَ عِنْدَهُ، وَكَذَلِكَ الْقِرَاضُ إذَا قُبِضَ بِبَيِّنَةٍ قَالَ التَّسَوُّلِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ، وَإِذَا تَمَسَّكَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْعُرْفِ كَمَا إذَا أَشْبَهَا مَعًا فِيمَا يَرْجِعُ فِيهِ لِلشَّبَهِ كَتَنَازُعِ جَزَّارٍ مَعَ جَزَّارٍ فِي جِلْدٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا حَلَفَا وَقُسِمَ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا تَمَسَّكَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْأَصْلِ كَدَعْوَى الْمُكْتَرِي لِلرَّحَى أَوْ الدَّارِ أَنَّهُ انْهَدَمَتْ أَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَقَالَ الْمُكْتَرِي شَهْرَانِ فَقَطْ اخْتَلَفَ فِيمَنْ يَكُونُ مُدَّعًى عَلَيْهِ مِنْهُمَا فَقِيلَ الْمُكْتَرِي لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ الْغَرَامَةِ فَيُسْتَصْحَبُ ذَلِكَ، وَقِيلَ الْمُكْرِي لِأَنَّ عَقْدَ الْكِرَاءِ أَوْجَبَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُكْتَرِي، وَهُوَ يَدَّعِي إسْقَاطَ بَعْضِهِ فَلَا يَصْدُقُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَضَ شَخْصٌ مِنْ رَجُلٍ دَنَانِيرَ فَلَمَّا طَلَبَهُ بِهَا الدَّافِعُ زَعَمَ أَنَّهُ قَبَضَهَا مِنْ مِثْلِهَا الْمُرَتَّبِ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنْ اعْتَبَرْنَا كَوْنَ الدَّافِعِ بَرِيءُ الذِّمَّةِ مِنْ سَلَفِ هَذَا الْقَابِضِ كَانَ الدَّافِعُ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا لِابْنِ رُشْدٍ وَأَبِي الْحَسَنِ وَغَيْرِهِمَا، وَإِنْ اعْتَبَرْنَا حَالَ الْقَابِضِ، وَأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ أَيْضًا بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ جَعَلْنَاهُ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَافْهَمْ فَبِهَذِهِ الْوُجُوهِ صَعُبَ عِلْمُ الْقَضَاءِ قَالَ وَإِذَا تَعَارَضَ الْأَصْلُ، وَالْغَالِبُ قَدَّمَ الشَّافِعِيَّةُ الْأَصْلَ فِي جَمِيعِ صُوَرِ التَّعَارُضِ. وَقَدَّمَ الْمَالِكِيَّةَ الْغَالِبَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199] فَكُلُّ أَصْلٍ كَذَّبَهُ الْعُرْفُ كَمَا إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِدَيْنٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ الْغَالِبَ

بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَيَأْثَمُ قَائِلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكْفُرْ بِذَلِكَ. وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْفَرْقَ بَيْنَ السُّجُودِ لِلشَّجَرَةِ وَالسُّجُودِ لِلْوَالِدِ فِي أَنَّ الْأَوَّلَ كُفْرٌ دُونَ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ السَّاجِدُ فِي الْحَالَتَيْنِ مُعْتَقِدًا مَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَمَا يَسْتَحِيلُ، وَمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّشْرِيكَ فِي السُّجُودِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ بِذَلِكَ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يَعْتَقِدُهُ السَّاجِدُ لِلْوَالِدِ وَقَدْ قَالَتْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] ـــــــــــــــــــــــــــــSبِسُوءِ الْخَاتِمَةِ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَيَأْثَمُ قَائِلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكْفُرْ بِذَلِكَ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ مَأْمُورٌ بِهِ عِنْدَ تَعَيُّنِ مُقْتَضِيهِ كَذَلِكَ يَكُونُ لَوْ تَعَيَّنَ الْمُقْتَضِي، وَمَتَى يَتَعَيَّنُ الْمُقْتَضِي عِنْدَنَا وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ عَاقِبَةَ أَمْرِ الْأَسِيرِ (وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْفَرْقَ بَيْنَ السُّجُودِ لِلشَّجَرَةِ وَالسُّجُودِ لِلْوَالِدِ: فِي الْأَوَّلِ كُفْرٌ دُونَ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ السَّاجِدُ فِي الْحَالَتَيْنِ مُعْتَقِدًا مَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى. وَمَا يَسْتَحِيلُ، وَمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّشْرِيكَ فِي السُّجُودِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ بِذَلِكَ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يَعْتَقِدُهُ السَّاجِدُ لِلْوَالِدِ وَقَدْ قَالَتْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] قُلْتُ السَّاجِدُ لِلشَّجَرَةِ وَالسَّاجِدُ لِلْوَالِدِ إنْ سَجَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ الْمَسْجُودَ لَهُ شَرِيكُ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ كُفْرٌ، وَإِنْ سَجَدَ لَا مَعَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ بَلْ تَعْظِيمًا عَارِيًّا عَنْ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ لَا كُفْرٌ، وَإِنْ سَجَدَ السَّاجِدُ لِلشَّجَرَةِ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ شَرِيكٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَسَجَدَ السَّاجِدُ لِلْوَالِدِ لَا مَعَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ بَلْ تَعْظِيمًا فَالْأَوَّلُ كُفْرٌ وَالثَّانِي مَعْصِيَةٌ غَيْرُ كُفْرٍ أَوْ بِالْعَكْسِ إلَّا أَنْ نَقُولَ أَنَّ مُجَرَّدَ السُّجُودِ لِلشَّجَرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQصِدْقُهَا، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ لَا يَعْمَلَ بِهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا ادَّعَى الصَّالِحُ التَّقِيُّ الْكَبِيرُ الْعَظِيمُ الْمَنْزِلَةِ وَالشَّأْنِ مِنْ الْعِلْمِ وَالدِّينِ بَلْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَوْ عُمَرُ الْفَارُوقُ ابْنُ الْخَطَّابِ عَلَى أَفْسَقِ النَّاسِ وَأَدْنَاهُمْ دِرْهَمًا وَاحِدًا فَإِنَّ الْغَالِبَ صِدْقُهُ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَيُقَدَّمُ الْأَصْلُ عَلَى الْغَالِبِ فِي هَذِهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ اهـ بِتَصَرُّفٍ وَتَوْضِيحٍ. لَكِنْ قَالَ الْأَصْلُ أَنَّ إلْغَاءَ الْأَصْلِ فِي الْبَيِّنَةِ إذَا شَهِدَتْ بِدَيْنٍ وَنَحْوِهِ أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ كَمَا أَنَّ إلْغَاءَ الْغَالِبِ فِي مُجَرَّدِ دَعْوَى الدَّيْنِ، وَنَحْوُهُ، وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ أَصْلَحَ النَّاسِ وَأَتْقَاهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى أَفْسَقِ النَّاسِ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ كَذَلِكَ أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ فَلَيْسَ فِي كَوْنِ الْمُلْغَى الْأَصْلَ أَوْ الْغَالِبَ عِنْدَ تَعَرُّضِهِمَا عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَبِهَذَا الْإِجْمَاعِ احْتَجَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَيْنَا فِي تَقْدِيمِ الْغَالِبِ عَلَى الْأَصْلِ فِي دَعْوَى الْمَرْأَةِ الْمَسِيسَ وَعَدَمَ الْإِنْفَاقِ وَنَحْوَهُمَا مِمَّا شَهِدَ الْعُرْفُ فِيهِ لِلْمُدَّعِي كَمَا مَرَّ، وَيُوَضِّحُهُ مَا فِي حَاشِيَةِ الْعَطَّارِ عَلَى مَحَلِّي جَمْعِ الْجَوَامِعِ قَالَ زَكَرِيَّا، وَفِي قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ تَعَارَضَ الْأَصْلُ، وَالْغَالِبُ فِيهِ قَوْلَانِ، وَلِجَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ (أَحَدُهَا) أَنْ لَا تَطَّرِدَ الْعَادَةُ بِمُخَالَفَةِ الْأَصْلِ، وَإِلَّا قُدِّمَتْ قَطْعًا، وَلِذَا حَكَمَ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْهَارِبِ فِي الْحَمَّامِ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِالْبَوْلِ فِيهِ الثَّانِي أَنْ تَكْثُرَ أَسْبَابُ الظَّاهِرِ فَإِنْ نَدَرَتْ لَمْ يُنْظَرْ إلَيْهِ قَطْعًا، وَلِذَا اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ بِالْأَخْذِ بِالْوُضُوءِ فِيمَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْحَدَثُ مَعَ إجْزَائِهِمْ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ نَجَاسَتُهُ هَلْ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ، وَفَرَّقَ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْأَسْبَابَ الَّتِي تَظْهَرُ بِهَا النَّجَاسَةُ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَهِيَ فِي الْأَحْدَاثِ قَلِيلَةٌ، وَلَا أَثَرَ لِلنَّادِرِ، وَالتَّمَسُّكُ بِاسْتِصْحَابِ الْيَقِينِ أَوْلَى. (الثَّالِثُ) أَنْ لَا يَكُونَ مَعَ أَحَدِهِمَا مَا يَعْتَضِدُ بِهِ، وَإِلَّا فَالْعَمَلُ بِالتَّرْجِيحِ مُتَعَيَّنٌ، وَالضَّابِطُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الظَّاهِرُ حُجَّةً يَجِبُ قَبُولُهَا شَرْعًا كَالشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَصْلِ قَطْعًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ كَانَ سَنَدُهُ، الْعُرْفُ أَوْ الْقَرَائِنُ أَوْ غَلَبَةُ الظَّنِّ فَهَذِهِ يَتَفَاوَتُ أَمْرُهَا فَتَارَةً يُعْمَلُ بِالْأَصْلِ، وَتَارَةً يُعْمَلُ بِالظَّاهِرِ وَتَارَةً يُخَرَّجُ خِلَافٌ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ مَا قَطَعُوا فِيهِ بِالظَّاهِرِ كَالْبَيِّنَةِ الثَّانِي مَا فِيهِ خِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ تَقَدُّمُ الظَّاهِرِ كَمَا فِي اخْتِلَافِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ عَلَى الْأَظْهَرِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَهَا الثَّالِثُ مَا قَطَعُوا فِيهِ بِالْأَصْلِ وَإِلْغَاءِ الْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ كَمَا لَوْ اشْتَبَهَ مُحْرِمَةٌ بِنِسْوَةِ قَرْيَةٍ كَبِيرَةٍ فَإِنَّ لَهُ نِكَاحَ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ. الرَّابِعُ مَا فِيهِ خِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ الْأَصْلِ كَمَا فِي ثِيَابِ مُدْمِنِي النَّجَاسَةِ وَطِينِ الشَّارِعِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ اخْتِلَاطُهُ بِالنَّجَاسَةِ، وَالْمَقَابِرِ الَّتِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ نَبْشُهَا فَإِنَّ الْأَصَحَّ فِيهَا الطَّهَارَةُ اهـ الْمُرَادُ بِتَلْخِيصٍ فَافْهَمْ. هَذَا، وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ بَيَانِ مَا لِلْأَصْحَابِ مِنْ الْفَرْقَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ بَيْنَ الْمُدَّعِي، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَنَّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَأَنَّهُمَا مُطَّرِدَانِ، وَأَنَّ الْفَرْقَ الْأَوَّلَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِنَقْضِهِ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَدِيعَةِ مَعَ الْإِشْهَادِ وَالْيَتِيمِ مَعَ وَصِيَّةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ كَدَعْوَى الْمَرْأَةِ الْمَسِيسَ عَلَى زَوْجِهَا فِي خَلْوَةِ الِاهْتِدَاءِ، وَادَّعَى هُوَ عَدَمُهُ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمْ طَالِبٌ مَعَ أَنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَلِذَا قَالَ الْأَصْلُ فَلَيْسَ كُلُّ طَالِبٍ مُدَّعِيًا، وَلَيْسَ كُلُّ مَطْلُوبٍ مِنْهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ اهـ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ. وَأَمَّا فَرْقُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فَكَذَلِكَ قِيلَ أَنَّهُ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِنَقْضِهِ بِدَعْوَى الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْحَاضِرِ أَنَّهُ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا، وَقَالَ هُوَ أَنْفَقْت، وَبِدَعْوَى الْمَرْأَةِ الْمَسِيسَ عَلَى زَوْجِهَا فِي خَلْوَةِ الِاهْتِدَاءِ، وَادَّعَى عَدَمَهُ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ فِي

مَعَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْكَبِيرَةِ إنَّمَا هُوَ بِعِظَمِ الْمَفْسَدَةِ وَصِغَرِهَا لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي الْمَفْسَدَةِ وَالنَّهْيِ وَالتَّحْرِيمِ، وَمَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي نَعْلَمُهَا مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ فِي إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ فَسَجَدُوا لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ قِبْلَةً عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بَلْ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالتَّعْظِيمِ بِذَلِكَ السُّجُودِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ هُنَالِكَ بِمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ الْكُفْرِ، وَلَا أَنَّهُ أَبَاحَ الْكُفْرَ لِأَجْلِ آدَمَ، وَلَا أَنَّ فِي السُّجُودِ لِآدَمَ مَفْسَدَةً تَقْتَضِي كُفْرًا. وَلَوْ فَعَلَ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ رَبِّهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ عَنْهُمَا سَبَبَا الْمَفَاسِدِ وَالْمَصَالِحِ ـــــــــــــــــــــــــــــSكُفْرٌ؛ لِأَنَّهَا قَدْ عُبِدَتْ مُدَّةً، وَمُجَرَّدُ السُّجُودِ لِلْوَالِدِ لَيْسَ بِكُفْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْبُدْ مُدَّةً فَيَفْتَقِرُ ذَلِكَ إلَى تَوْقِيفٍ. قَالَ: (مَعَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْكَبِيرَةِ إنَّمَا هُوَ بِعِظَمِ الْمَفْسَدَةِ وَصِغَرِهَا لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي الْمَفْسَدَةِ وَالنَّهْيِ وَالتَّحْرِيمِ، وَمَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي نَعْلَمُهَا مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ فِي إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ فَسَجَدُوا لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ قِبْلَةً عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بَلْ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالتَّعْظِيمِ بِذَلِكَ السُّجُودِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ هُنَالِكَ بِمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ الْكُفْرِ، وَلَا أَنَّهُ أَبَاحَ الْكُفْرَ لِأَجْلِ آدَمَ، وَلَا أَنَّ فِي السُّجُودِ لِآدَمَ مَفْسَدَةً تَقْتَضِي كُفْرًا لَوْ فَعَلَ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ رَبِّهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ عَنْهُمَا سَبَبَا الْمَفَاسِدِ وَالْمَصَالِحِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأُولَى لِشَهَادَةِ الْعُرْفِ لَهُ، وَهِيَ مُدَّعِيَةٌ، وَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْعَكْسِ، وَفَرْقُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ يَقْتَضِي أَنَّهَا فِي الْأُولَى مُدَّعًى عَلَيْهَا لِأَنَّهَا تَقُولُ لَمْ يَكُنْ، وَفِي الثَّانِيَةِ مُدَّعِيَةٌ لِأَنَّهَا تَقُولُ قَدْ كَانَ كَمَا فِي التَّسَوُّلِيِّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ قَالَ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الرَّدَّ الْمَذْكُورَ لِلتَّعْرِيفَيْنِ أَيْ لِلْمُدَّعِي، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ أَيْ الْفَرْقُ الْأَوَّلُ. وَفَرَقُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ إنَّمَا يَتِمُّ وَلَوْ كَانَ الْقَائِلُ بِهِمَا يُسَلِّمُ أَنَّ الطَّالِبَ، وَمَنْ يَقُولُ قَدْ كَانَ فِيمَا ذُكِرَ أَيْ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَقْضِي بِهَا الرَّادُّ كُلًّا مِنْ التَّعْرِيفَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَقَدْ يَقُولُ إنَّهُ مُدَّعٍ قَامَ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ عُرْفٍ أَوْ أَصْلٍ، وَلَا يُحْتَجُّ عَلَى الْإِنْسَانِ بِمَذْهَبٍ مِثْلِهِ، وَاخْتَارَ هَذَا الْجَوَابَ ابْنُ رَحَّالٍ وَالْحَاصِلُ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَهُوَ الَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ أَنَّ الْمُتَدَاعِيَيْنِ أَنْ يَتَمَسَّكَ أَحَدُهُمَا بِالْعُرْفِ فَقَطْ كَالِاخْتِلَافِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ، وَدَعْوَى الشَّبَهِ وَاخْتِلَافِ الْقَاضِي وَالْجُنْدِيِّ فِي الرُّمْحِ، وَالْجَزَّارِ وَالدَّبَّاغِ فِي الْجِلْدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَتَعَارَضْ فِيهِ الْعُرْفُ وَالْأَصْلُ، وَأَمَّا أَنْ يَتَمَسَّكَ بِالْأَصْلِ فَقَطْ كَالِاخْتِلَافِ فِي أَصْلِ الدَّيْنِ وَفِي قَضَائِهِ، وَفِي دَعْوَى الْحَائِزِ نَفْسَهُ الْحُرِّيَّةَ، وَدَعْوَى رَبِّ الْمَالِ وَالْمُودِعِ عَدَمَ الرَّدِّ مَعَ دَفْعِهِمَا بِإِشْهَادٍ، وَدَعْوَى الْيَتِيمِ عَدَمَ الْقَبْضِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذَيْنِ أَيْ أَمْثِلَةُ شَهَادَةِ الْعُرْفِ فَقَطْ أَوْ الْأَصْلِ فَقَطْ، هُوَ الْمُتَمَسِّكُ بِذَلِكَ الْعُرْفِ أَوْ الْأَصْلِ عَلَى تَعْرِيفِ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَمَنْ يَقُولُ لَمْ يَكُنْ عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَإِمَّا أَنْ يَتَمَسَّكَ أَحَدُهُمَا بِالْأَصْلِ، وَالْآخَرُ بِالْعُرْفِ فَيَأْتِي الْخِلَافُ كَدَعْوَى الزَّوْجِ عَلَى سَيِّدِ الْأَمَةِ أَنَّهُ غَرَّهُ بِتَزْوِيجِهَا فَالْأَصْلُ عَدَمُ الْغُرُورِ، وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ، وَالْغَالِبُ عَدَمُ رِضَا الْحُرِّ بِتَزْوِيجِ الْأَمَةِ، وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ، وَهُوَ الرَّاجِحُ، وَكَمَسْأَلَةِ اخْتِلَافِ الْمُتَرَاهِنَيْنِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ فَإِنَّ الرَّهْنَ شَاهِدٌ عُرْفِيٌّ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الرَّاهِنِ، وَكَمَسْأَلَةِ الْحِيَازَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَدَعْوَى عَامِلِ الْقِرَاضِ وَالْمُودِعِ عِنْدَهُ الرَّدَّ مَعَ عَدَمِ الْإِشْهَادِ لِأَنَّ الْغَالِبَ صِدْقُ الْأَمِينِ، وَدَعْوَى الْمَرْأَةِ الْمَسِيسَ، وَعَدَمَ الْإِنْفَاقِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا عَلَى تَعْرِيفِ الْأَصْحَابِ هُوَ الْمُتَمَسِّكُ بِالْعُرْفِ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ أَوْ عُرْفٌ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ عَارَضَهُ أَصْلٌ أَمْ لَا، وَعَلَى التَّعْرِيفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ. هُوَ الْمَطْلُوبُ، وَمَنْ يَقُولُ لَمْ يَكُنْ لَكِنْ لَمَّا تَرَجَّحَ جَانِبُ الْمُدَّعِي فِيهَا بِشَهَادَةِ الْعُرْفِ لِأَنَّهُ أَقْوَى صَارَ الْمُدَّعِي مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ مَا نَصُّهُ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ وَجَبَ عَلَى الْمُدَّعِي إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ تُجَرَّدُ دَعْوَاهُ مِنْ سَبَبٍ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا يَدَّعِيهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ سَبَبٌ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ أَقْوَى مِنْ سَبَبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ أَوْ الرَّهْنِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ إرْخَاءِ السِّتْرِ وَجَبَ أَنْ يَبْدَأَ بِالْيَمِينِ دُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ. وَنَقَلَهُ الْقَلْشَانِيُّ، وَغَيْرُهُ فَتَأَمَّلْ كَيْفَ سَمَّاهُ مُدَّعِيًا، وَجَعَلَ الرَّهْنَ وَإِرْخَاءَ السُّتُورِ وَالشَّاهِدَ الْحَقِيقِيَّ سَبَبًا لِصَيْرُورَتِهِ مُدَّعًى عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ فِي ذَلِكَ أَقْوَى مِنْ سَبَبِ خَصْمِهِ الْمُتَمَسِّكِ بِالْأَصْلِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْعُرْفِ هَلْ هُوَ شَاهِدٌ أَوْ كَشَاهِدٍ أَنَّ الْبُرْزُلِيَّ الْقَاعِدَةُ إحْلَافُ مَنْ شَهِدَ لَهُ الْعُرْفُ فَيَكُونُ بِمَثَابَةِ الشَّاهِدِ، وَقِيلَ هُوَ كَالشَّاهِدَيْنِ اهـ. وَقَدْ دَرَجَ خَلِيلٌ فِي مَوَاضِعَ عَلَى أَنَّهُ كَالشَّاهِدِ مِنْهَا قَوْلُهُ فِي الرَّهْنِ، وَهُوَ كَالشَّاهِدِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ، وَقَدْ عَقَدَ فِي التَّبْصِرَةِ بَابًا فِي رُجْحَانِ قَوْلِ الْمُدَّعِي بِالْعَوَائِدِ، وَقَالَ الْقَرَافِيُّ أَجْمَعُوا عَلَى اعْتِبَارِ الْغَالِبِ وَإِلْغَاءِ الْأَصْلِ فِي الْبَيِّنَةِ إذَا شَهِدَتْ فَإِنَّ الْغَالِبَ صِدْقُهَا، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ اهـ فَهَذَا كُلُّهُ يُوَضِّحُ لَك الْجَوَابَ الْمُتَقَدِّمَ عَمَّا وَرَدَ عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ. وَيَدُلُّك عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّعَارِيفِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ قَدْ يَنْقَلِبُ مُدَّعًى عَلَيْهِ لِقِيَامِ سَبَبٍ أَقْوَى مِنْ سَبَبِ خَصْمِهِ كَانَ ذَلِكَ السَّبَبُ حَقِيقِيًّا أَوْ عُرْفِيًّا

فَإِنْ نَهَى عَنْ السُّجُودِ كَانَ مَفْسَدَةً، وَإِنْ أَمَرَ بِهِ كَانَ مَصْلَحَةً؛ لِأَنَّ هَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ الدَّوْرُ؛ لِأَنَّ الْمَفْسَدَةَ تَكُونُ حِينَئِذٍ تَابِعَةً لِلنَّهْيِ مَعَ أَنَّ النَّهْيَ يَتْبَعُ الْمَفْسَدَةَ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَابِعًا لِصَاحِبِهِ فَيَلْزَمْ الدَّوْرَ بَلْ الْحَقُّ أَنَّ الْمَفْسَدَةَ يَتْبَعُهَا النَّهْيُ، وَمَا لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ لَا يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَاسْتِقْرَاءُ الشَّرَائِعِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ السَّرِقَةَ لَمَّا كَانَ فِيهَا ضَيَاعُ الْمَالِ نَهَى عَنْهَا، وَلَمَّا كَانَ فِي الْقَتْلِ فَوَاتُ الْحَيَاةِ نَهَى عَنْهُ وَلَمَّا كَانَ فِي الزِّنَا مَفْسَدَةُ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ نَهَى عَنْهُ، وَلَمَّا كَانَ فِي الْخَمْرِ ذَهَابُ الْعُقُولِ نَهَى عَنْهُ فَلَا جَرَمَ لَمَّا صَارَ الْخَمْرُ خَلًّا ذَهَبَ عَنْهُ النَّهْيُ وَلَمَّا كَانَ عَصِيرًا لَا يُفْسِدُ الْعَقْلَ لَمْ يَكُنْ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَالِاسْتِقْرَاءُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَفَاسِدَ وَالْمَصَالِحَ سَابِقَةٌ عَلَى الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَالثَّوَابَ ـــــــــــــــــــــــــــــSفَإِنْ نَهَى عَنْ السُّجُودِ كَانَ مَفْسَدَةً، وَإِنْ أَمَرَ بِهِ كَانَ مَصْلَحَةً؛ لِأَنَّ هَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ الدَّوْرُ؛ لِأَنَّ الْمَفْسَدَةَ تَكُونُ حِينَئِذٍ تَابِعَةً لِلنَّهْيِ مَعَ أَنَّ النَّهْيَ يَتْبَعُ الْمَفْسَدَةَ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَابِعًا لِصَاحِبِهِ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ بَلْ الْحَقُّ أَنَّ الْمَفْسَدَةَ يَتْبَعُهَا النَّهْيُ، وَمَا لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ لَا يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَاسْتِقْرَاءُ الشَّرَائِعِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ السَّرِقَةَ لَمَّا كَانَ فِيهَا ضَيَاعُ الْمَالِ نَهَى عَنْهَا وَلَمَّا كَانَ فِي الْقَتْلِ فَوَاتُ الْحَيَاةِ نَهَى عَنْهُ وَلَمَّا كَانَ فِي الزِّنَا مَفْسَدَةُ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ نَهَى عَنْهُ وَلَمَّا كَانَ فِي الْخَمْرِ ذَهَابُ الْعُقُولِ نَهَى عَنْهُ فَلَا جَرَمَ لَمَّا صَارَ الْخَمْرُ خَلًّا ذَهَبَ النَّهْيُ عَنْهُ، وَلَمَّا كَانَ عَصِيرًا لَا يُفْسِدُ الْعَقْلَ لَمْ يَكُنْ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَالِاسْتِقْرَاءُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَفَاسِدَ وَالْمَصَالِحَ سَابِقَةٌ عَلَى الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَالثَّوَابُ ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَّا أَنَّ الْعُرْفِيَّ لَا يَقْوَى عِنْدَهُمْ قُوَّةَ الْحَقِيقِيِّ فَلَيْسَتْ الْيَمِينُ مَعَهُ تَكْمِلَةً لِلنِّصَابِ حَتَّى يُؤَدِّيَ ذَلِكَ لِنَفْيِ يَمِينِ الْإِنْكَارِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ شَاهِدٌ حَقِيقِيٌّ لَا يَثْبُتُ الْحَقُّ بِدُونِ الْيَمِينِ كَمَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ عِنْدَ قَوْلِ خَلِيلٍ، وَهُوَ كَالشَّاهِدِ إلَخْ فَاعْتِرَاضُ التَّاوَدِيِّ عَلَى الْجَوَابِ السَّابِقِ بِكَوْنِهِ يُؤَدِّي لِنَفْيِ يَمِينِ الْإِنْكَارِ إلَخْ سَاقِطٌ اهـ بِتَوْضِيحِ الْمُرَادِ فَانْهَمْ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْأَصْلُ خُولِفَتْ قَاعِدَةُ الدَّعَاوَى أَيْ مِنْ قَبُولِ قَوْلِ الْمَطْلُوبِ دُونَ الطَّالِبِ فِي خَمْسِ مَوَاطِنَ يُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الطَّالِبِ: (أَحَدُهَا) اللِّعَانُ يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الرَّجُلَ يَنْفِي عَنْ زَوْجِهِ الْفَوَاحِش فَحَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى رَمْيِهَا بِالْفَاحِشَةِ مَعَ أَيْمَانِهِ أَيْضًا قَدَّمَهُ الشَّرْعُ. (وَثَانِيهَا) فِي الْقَسَامَةِ يُقْبَلُ فِيهَا قَوْلُ الطَّالِبِ لِتَرَجُّحِهِ بِاللَّوْثِ. (وَثَالِثُهَا) قَبُولُ قَوْلِ الْأُمَنَاءِ فِي التَّلَفِ لِئَلَّا يَزْهَدَ النَّاسُ فِي قَبُولِ الْأَمَانَاتِ فَتَفُوتَ مَصَالِحُهَا الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى حِفْظِ الْأَمَانَاتِ، وَالْأَمِينُ قَدْ يَكُونُ أَمِينًا مِنْ جِهَةِ مُسْتَحِقِّ الْأَمَانَةِ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ كَالْوَصِيِّ وَالْمُتَلَقِّطِ، وَمَنْ أَلْقَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا فِي بَيْتِهِ. (وَرَابِعُهَا) قَبُولُ قَوْلِ الْحَاكِمِ فِي التَّجْرِيحِ وَالتَّعْدِيلِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِئَلَّا تَفُوتُ الْمَصَالِحُ الْمُرَتَّبَةُ عَلَى الْوِلَايَةِ لِلْأَحْكَامِ. (وَخَامِسُهَا) قَبُولُ قَوْلِ الْغَاصِبِ فِي التَّلَفِ مَعَ يَمِينِهِ لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ لِئَلَّا يَخْلُدَ فِي الْحَبْسِ اهـ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ لَكِنْ قَالَ التَّسَوُّلِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ فَتَأَمَّلْ عَدَّهُ اللِّعَانَ وَالْقَسَامَةَ وَالْأَمَانَةَ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا قُدِّمَ فِيهِ الْغَالِبُ عَلَى الْأَصْلِ كَمَا مَرَّ فَلَمْ تَكُنْ فِيهِ مُخَالَفَةٌ، وَبَعْضُهُمْ يُعَبِّرُ عَنْ الْأَمِينِ أَنَّ الْغَالِبَ صِدْقُهُ أَيْ فِي الرَّدِّ وَالتَّلَفِ، وَبَعْدَ أَنْ ذَكَرَهَا الْمِكْنَاسِيُّ فِي مَجَالِسِهِ قَالَ، وَمِنْهَا اللُّصُوصُ إذَا قَدِمُوا بِمَتَاعٍ، وَادَّعَى شَخْصٌ أَنَّهُ لَهُ، وَأَنَّهُمْ نَزَعُوهُ مِنْهُ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَيَأْخُذُهُ، وَمِنْهَا السِّمْسَارُ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيَّبَ مَا أَعْطَى لَهُ لِلْبَيْعِ، وَكَانَ مَعْلُومًا بِالْعَدَاءِ، وَبِإِنْكَارِ النَّاسِ فَيَصْدُقُ الْمُدَّعِي بِيَمِينِهِ، وَيَغْرَمُ السِّمْسَارُ، وَمِنْهَا السَّارِقُ إذَا سَرَقَ مَتَاعَ رَجُلٍ، وَانْتَهَبَ مَالَهُ، وَأَرَادَ قَتْلَهُ، وَقَالَ الْمَسْرُوقُ أَنَا أَعْرِفُهُ فَيُصَدَّقُ الْمَسْرُوقُ بِيَمِينِهِ، وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الَّتِي زَادَهَا لَا تَحْمِلُهَا الْأُصُولُ كَمَا لِأَبِي الْحَسَنِ، وَلَا يُخَالِفُ مَا لِلْمِكْنَاسِيِّ مِنْ قَبُولِ قَوْلِ مَنْ ادَّعَى عَلَى اللُّصُوصِ أَنَّهُمْ أَخَذُوا مَا قَدِمُوا بِهِ مِنْهُ، وَيَأْخُذُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ قَوْلُ الْقَرَافِيِّ الْآتِي فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يُقَدَّمُ فِيهِ النَّادِرُ عَلَى الْغَالِبِ، وَمَا لَا مَا نَصُّهُ: أَخْذُ السُّرَّاقِ الْمَنْهُومِينَ بِالتُّهَمِ وَقَرَائِنِ أَحْوَالِهِمْ كَمَا يَفْعَلُهُ الْأُمَرَاءُ الْيَوْمَ دُونَ الْإِقْرَارِ الصَّحِيحِ، وَالْبَيِّنَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ الْغَالِبُ مُصَادَفَتُهُ لِلصَّوَابِ، وَالنَّادِرُ خَطَؤُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ أَلْغَى الشَّارِعُ هَذَا الْغَالِبَ صَوْنًا لِلْأَعْرَاضِ وَالْأَطْرَافِ عَنْ الْقَطْعِ اهـ. فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إنَّمَا أَلْغَى الشَّارِعُ هَذَا الْغَالِبَ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَعْرَاضِ وَالْأَطْرَافِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْغَرَامَةِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ فَيُوَافِقُ مَا لِلْمِكْنَاسِيِّ، وَلِهَذَا دَرَجَ نَاظِمُ الْعَمَلِ عَلَى ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: لِوَالِدِ الْقَتِيلِ مَعَ يَمِينِ ... الْقَوْلُ فِي الدَّعْوَى بِلَا تَبْيِينِ إذَا ادَّعَى دَرَاهِمًا وَأَنْكَرَا ... الْقَاتِلُونَ مَا ادَّعَاهُ وَطَرَا فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ الْقَتِيلِ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى كَوْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْرُوفًا بِالْغَصْبِ وَالْعَدَاءِ اُنْظُرْ شَرْحُهُ، وَانْظُرْ مَا يَأْتِي فِي الْغَصْبِ وَلَا بُدَّ اهـ. وَفِي الْغَصْبِ لَمَّا ذَكَرَ كَلَامَ نَاظِمٍ الْعَمَلُ فِي شَرْحِهِ لِلْبَيْتَيْنِ، وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ النَّعِيمِ مَا نَصُّهُ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا فِي هَذِهِ

وَالْعِقَابَ تَابِعٌ لِلْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي فَمَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ يَنْهَى عَنْهُ فَإِذَا فَعَلَ حَصَلَ الْعِقَابُ، وَمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَمَرَ بِهِ فَإِذَا فَعَلَ حَصَلَ الثَّوَابُ فَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى فَلَوْ عَلَّلَ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ لَزِمَ تَقَدُّمُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ بِرُتْبَتَيْنِ وَلِذَلِكَ يَقُولُ الْأَغْبِيَاءُ مِنْ الطَّلَبَةِ مَصْلَحَةُ هَذَا الْأَمْرِ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ فَيُعَلِّلُونَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَهُوَ غَلَطٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَالْعِقَابُ تَابِعٌ لِلْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي فَمَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ نَهَى عَنْهُ فَإِذَا فَعَلَ حَصَلَ الْعِقَابُ، وَمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَمَرَ بِهِ فَإِذَا فَعَلَ حَصَلَ الثَّوَابُ فَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ فِي الرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ، وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ، وَالْمَفْسَدَةُ وَالْمَصْلَحَةُ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى فَلَوْ عَلَّلَ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ لَزِمَ تَقَدُّمُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ بِرُتْبَتَيْنِ وَلِذَلِكَ يَقُولُ الْأَغْبِيَاءُ مِنْ الطَّلَبَةِ مَصْلَحَةُ هَذَا الْأَمْرِ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ فَيُعَلِّلُونَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَهُوَ غَلَطٌ) . قُلْتُ: تَبَعِيَّةُ الْأَمْرِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ الْوَاجِبِ مَثَلًا لِمَصْلَحَتِهِ إنَّمَا مَعْنَاهَا وَالْمُرَادُ بِهَا أَنَّهُ لَوْلَا الْقَصْدُ إلَى تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ مَا شُرِعَ وَتَبَعِيَّةُ الْمَصْلَحَةِ لِلْأَمْرِ إنَّمَا مَعْنَاهَا وَالْمُرَادُ بِهَا أَنَّهُ لَوْلَا شَرْعِيَّةُ الْأَمْرِ الْبَاعِثِ عَلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ مَا حَصَلَتْ فَالْمَأْمُورُ بِهِ تَابِعٌ لِلْمَصْلَحَةِ وُجُوبًا وَالْمَصْلَحَةُ تَابِعَةٌ لَهُ وُجُودًا، وَلَا غَرْوَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ تَابِعًا لِلثَّانِي مِنْ وَجْهٍ وَيَكُونَ الثَّانِي تَابِعًا لَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ كَالشَّجَرَةِ وَالثَّمَرَةِ، الشَّجَرَةُ تَابِعَةٌ لِلثَّمَرَةِ أَيْ لَوْلَا الْمَقْصِدُ إلَى تَحْصِيلِ الثَّمَرَةِ مَا زُرِعَتْ الشَّجَرَةُ وَالثَّمَرَةُ تَابِعَةٌ لِلشَّجَرَةِ أَيْ لَوْلَا زَرْعُ الشَّجَرَةِ مَا حَصَلَتْ الثَّمَرَةُ وَعَلَى هَذَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّازِلَةِ، وَمِثْلُهَا أَنَّ الْقَوْلَ لِوَالِدِ الْقَتِيلِ مَعَ يَمِينِهِ أَيْ إذَا ادَّعَى دَرَاهِمَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَنْهُوبِ، وَأَنْكَرَهَا الْقَاتِلُونَ، وَالظَّالِمُ أَحَقُّ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ خِلَافَهُ أَيْ مِنْ الْقَوْلِ لِلْغَاصِبِ فِي الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ كَمَا فِي خَلِيلٍ، وَكَمْ مِنْ مَسْأَلَةٍ جَرَى الْحُكْمُ فِيهَا بِخِلَافِ الْمَشْهُورِ، وَرَجَّحَهَا الْعُلَمَاءُ لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ اهـ، وَعَنْ الْعَرَبِيِّ الْفَاسِيِّ فِي تَأْيِيدِهِ سَاقَ بَعْدَهُ كَلَامًا طَوِيلًا فَرَاجِعْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْتَاجُ لِلدَّعْوَى وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا) وَهُوَ أَنَّ مَا لَا يَحْتَاجُ لِلدَّعْوَى، وَيَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ إلَى الْحَاكِمِ هُوَ مَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ خَمْسَةُ قُيُودٍ الْقَيْدُ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَى ثُبُوتِهِ. الْقَيْدُ الثَّانِي أَنْ يَتَعَيَّنَ الْحَقُّ فِيهِ بِحَيْثُ لَا يَحْتَاجُ لِلِاجْتِهَادِ وَالتَّحْرِيرِ فِي تَحْقِيقِ سَبَبِهِ وَمِقْدَارِ مُسَبِّبِهِ. الْقَيْدُ الثَّالِثُ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ أَخْذُهُ لِفِتْنَةٍ وَشَحْنَاءَ. الْقَيْدُ الرَّابِعُ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى فَسَادِ عِرْضٍ أَوْ عُضْوٍ. الْقَيْدُ الْخَامِسُ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى خِيَانَةِ الْأَمَانَةِ، وَمَثَّلَ لَهُ الْأَصْلُ بِمَنْ وَجَدَ عَيْنَ سِلْعَتِهِ الَّتِي اشْتَرَاهَا أَوْ وَرِثَهَا فَأَخَذَهَا أَوْ أَخَذَ عَيْنَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَهُوَ لَا يَخَافُ مِنْ الْأَخْذِ ضَرَرًا تُسُولِيُّ الْعَاصِمِيَّةِ نَقْلًا عَنْ ابْنِ فَرْحُونٍ بِتَحْرِيمِ الْمُحَرَّمَاتِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، وَرَدِّ الْوَدَائِعِ وَالْغُصُوبِ قَالَ وَمِنْهُ الْعِتْقُ بِالْقَرَابَةِ، وَمَنْ أَعْتَقَ جُزْءًا فِي عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَيَكْمُلُ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ عَلَى الْمَشْهُورِ اهـ، وَمَا يَحْتَاجُ لِلدَّعْوَى، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُهُ إلَّا بَعْدَ الرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ هُوَ مَا خَلَا عَنْ قَيْدٍ مِنْ الْقُيُودِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ فَهُوَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ (النَّوْعُ الْأَوَّلُ) مَا اخْتَلَفَ فِي كَوْنِهِ ثَابِتًا أَمْ لَا فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ حَتَّى يَتَوَجَّهَ بِثُبُوتِهِ لَعَمَّ افْتِقَارُ هَذَا النَّوْعِ إلَى الْحَاكِمِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ، وَإِلَّا فَالْكَثِيرُ مِنْ مَسَائِلِهِ لَا يَفْتَقِرُ لِلْحَاكِمِ مِنْهَا مَنْ وُهِبَ لَهُ مُشَاعٌ فِي عَقَارٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ اشْتَرَى مَبِيعًا عَلَى الصِّفَةِ أَوْ أَسْلَمَ فِي حَيَوَانٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ الْمُعْتَقِدَ لِصِحَّةِ هَذِهِ الْأَسْبَابِ يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْأُمُورَ مِنْ غَيْرِ حَاكِمٍ، وَالْمُفْتَقِرُ مِنْ مَسَائِلِهِ لِلْحَاكِمِ قَلِيلٌ مِنْهَا اسْتِحْقَاقُ الْغُرَمَاءِ لِرَدِّ عِتْقِ الْمِدْيَانِ، وَتَبَرُّعَاتِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُثْبِتُ لَهُمْ حَقًا فِي ذَلِكَ وَمَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُثْبِتُ فَيَحْتَاجُ لِقَضَاءِ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ، وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَفْتَقِرُ مِنْ مَسَائِلِهِ لِلْحَاكِمِ وَمَا لَا يَفْتَقِرُ مِنْهَا لَهُ عُسْرٌ (النَّوْعُ الثَّانِي) مَا يَحْتَاجُ لِلِاجْتِهَادِ وَالتَّحْرِيرِ فِي تَحْقِيقِ سَبَبِهِ وَمِقْدَارِ مُسَبِّبِهِ فَإِنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى الْحَاكِمِ، وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ الطَّلَاقُ بِالْإِعْسَارِ، وَالطَّلَاقُ بِالْإِضْرَارِ، وَالطَّلَاقُ عَلَى الْمُولِي، وَعَلَى نَحْوِ الْغَالِبِ وَالْمُعْتَرِضِ قَالَ الْأَصْلُ فَإِنَّ فِي الطَّلَاقِ عَلَى الْمُولِي تَحْرِيرَ عَدَمِ فَيْئَتِهِ، وَعَلَى الْمُعْسِرِ مَعَ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ بِمَنْعِهِ تَحْرِيرَ إعْسَارِهِ، وَتَقْدِيرَهُ، وَمَا مِقْدَارُ الْإِعْسَارِ الَّذِي يُطْلَقُ بِهِ فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَعِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُطْلَقُ بِالْعَجْزِ عَنْ أَصْلِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ اللَّتَيْنِ تُفْرَضَانِ بَلْ بِالْعَجْزِ عَنْ الضَّرُورِيِّ الْمُقِيمِ لِلْبَيِّنَةِ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَفْرِضُهُ ابْتِدَاءً اهـ. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى تَحْقِيقِ الْإِعْسَارِ، وَهَلْ هُوَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ أَمْ لَا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ فَقِيرًا عَلِمَتْ بِفَقْرِهِ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِالْإِعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ، وَكَذَلِكَ تَحْقِيقُ حَالِهِ، وَهَلْ هُوَ مِمَّا يُرْجَى لَهُ شَيْءٌ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ تَحْقِيقُ صُورَةِ الْإِضْرَارِ، وَكَذَلِكَ يَمِينُ الْمُولِي يُنْظَرُ هَلْ هِيَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ كَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَهَا، وَهِيَ مُرْضِعٌ خَوْفًا عَلَى، وَلَدِهِ فَيُنْظَرُ فِيمَا ادَّعَاهُ فَإِنْ كَانَ مَقْصُودُهُ الْإِضْرَارَ طَلُقَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِمَصْلَحَةٍ لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ التَّطْلِيقُ عَلَى الْغَائِبِ، وَكَذَلِكَ التَّطْلِيقُ عَلَى الْمُفْتَرِضِ، وَنَحْوِ هَؤُلَاءِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَتَّابٍ مَا خُلَاصَتُهُ أَنَّ الْحَقَّ إذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ خَالِصًا فَإِنْقَاذُ الطَّلَاقِ إلَيْهَا مَعَ إبَاحَةِ الْحَاكِمِ لَهَا ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ لِلْقَائِمَةِ عِنْدَهُ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ بَعْدَ كَمَالِ نَظَرِهِ بِمَا يَجِبُ إنْ شِئْت أَنْ تُطَلِّقِي نَفْسَك

وَأَمَّا الْجَهْلُ بِاَللَّهِ تَعَالَى عَشَرَةُ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) مَا لَمْ نُؤْمَرْ بِإِزَالَتِهِ أَصْلًا، وَلَمْ نُؤَاخَذْ بِبَقَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَنَا لَا يُمْكِنُ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ وَهُوَ جَلَالُ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتُهُ الَّتِي لَمْ تَدُلَّ عَلَيْهَا الصَّنْعَةُ، وَلَمْ يَقْدِرْ الْعَبْدُ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِالنَّظَرِ فَعَفَا عَنْهُ لِعَجْزِنَا عَنْهُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِك» وَقَوْلِ الصِّدِّيقِ الْعَجْزُ عَنْ دَرْكِ الْإِدْرَاكِ إدْرَاكٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSالتَّقْرِيرَيْنِ يَبْطُلُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الدَّوْرِ وَيَصِحُّ مَا قَالَهُ الْأَغْبِيَاءُ مِنْ أَنَّ الثَّوَابَ هِيَ الْمَصْلَحَةُ وَهِيَ تَابِعَةٌ وُجُودَ الْفِعْلِ الْوَاجِبِ وَفِعْلُ الْوَاجِبِ تَابِعٌ وُجُوبًا لِتَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ، وَالْمُوجِبُ لِتَوَهُّمِهِ الدَّوْرُ الْمُمْتَنِعُ إنَّمَا هُوَ الْغَفْلَةُ عَنْ تَغَايُرِ جِهَتَيْ التَّبَعِيَّةِ، وَقَدْ انْزَاحَ الْإِشْكَالُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْمَنِّ وَالْإِفْضَالِ. قَالَ (وَأَمَّا الْجَهْلُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ عَشَرَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهُمَا مَا لَمْ نُؤْمَرُ بِإِزَالَتِهِ أَصْلًا، وَلَمْ نُؤَاخَذْ بِبَقَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَنَا لَا يُمْكِنُ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ وَهُوَ جَلَالُ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتُهُ الَّتِي لَمْ تَدُلَّ عَلَيْهَا الصَّنْعَةُ، وَلَمْ يَقْدِرْ الْعَبْدُ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِالنَّظَرِ فَعَفَا عَنْهُ لِعَجْزِنَا عَنْهُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِك» وَقَوْلُ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْعَجْزُ عَنْ دَرْكِ الْإِدْرَاكِ إدْرَاكٌ) . قُلْتُ كَلَامُهُ هَذَا يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِأَنَّ هُنَاكَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الصَّنْعَةُ لَكِنَّا لَا نَعْلَمُهَا فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا نَعْلَمُهَا لَا جُمْلَةً وَلَا تَفْصِيلًا فَقَدْ تَنَاقَضَ كَلَامُهُ إذْ مَسَاقُهُ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِثُبُوتِهَا عَلَى الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْلَمُهَا عَلَى التَّفْصِيلِ، وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنَّا لَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ شِئْت التَّرَبُّصَ عَلَيْهِ فَإِنْ طَلُقَتْ أَشْهَدَتْ عَلَى ذَلِكَ، وَحُجَّةُ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ بَرِيرَةَ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتِ أَمْلَكُ بِنَفْسِك إنْ شِئْت أَقَمْت مَعَ زَوْجِك، وَإِنْ شِئْت فَارَقْتِيهِ» ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي امْرَأَةِ الْمُعْتَرِضِ تَقُولُ لَا تُطَلِّقُونِي، وَأَنَا أَصْبِرُ إلَى أَجَلٍ آخَرَ قَالَ ذَلِكَ لَهَا ثُمَّ تُطَلِّقُ نَفْسَهَا مَتَى شَاءَتْ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ، وَكَذَلِكَ الَّذِي يَحْلِفُ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ أَنَّهُ يُوقَفُ عَنْ امْرَأَتِهِ فَإِذَا جَاءَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ قِيلَ لَهُ فَيْءٌ، وَإِلَّا طَلَّقْنَا عَلَيْك فَتَقُولُ امْرَأَتُهُ أَنَا أُنْظِرُهُ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَذَلِكَ لَهَا ثُمَّ تَطْلُقُ مَتَى شَاءَتْ بِغَيْرِ أَمْرِ سُلْطَانٍ اهـ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ تُطَلِّقُ نَفْسَهَا، وَلَا اعْتِرَاضَ بِمَا فِي السُّؤَالِ مِنْ قَوْلِ الْمَرْأَةِ لَا تُطَلِّقُونِي لِأَنَّهَا جَهِلَتْ أَنَّ ذَلِكَ لَهَا، وَلِأَنَّهُ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِالْبَيَانِ بِأَنَّهَا هِيَ الْمُطَلِّقَةُ بَعْدَ التَّأْخِيرِ فَكَذَلِكَ تَكُونُ هِيَ الْمُطَلِّقَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ إنْ أَحَبَّتْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَا اعْتِرَاضَ بِقَوْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُولِي، وَإِلَّا طَلَّقْنَا عَلَيْك لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّا نَجْعَلُ ذَلِكَ إلَى الْمَرْأَةِ فَتُنَفِّذُ هِيَ طَلَاقَهَا إنْ شَاءَتْ، وَطَلَاقُ الْمُولِي عَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ تُوقِعُهُ الْمَرْأَةُ، وَهُوَ فِي الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَقِسْمٌ يُوقِعُهُ الْحَاكِمُ. وَهُوَ إذَا قَالَ لَهَا إنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَفِيهَا أَقْوَالٌ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ مُولٍ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ وَطْئِهَا لِأَنَّ بَاقِيَ وَطْئِهِ بَعْدَ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ حَرَامٌ فَإِذَا رَفَعَتْهُ إلَى الْحَاكِمِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُنَجِّزُ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَإِنْ لَمْ تَرْفَعْهُ وَرَضِيَتْ بِالْمَقَامِ بِلَا وَطْءٍ فَلَهَا ذَلِكَ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ سَمِعْت أَبَا مَرْوَانَ بْنَ مَالِكٍ الْقُرْطُبِيَّ يَسْتَحْسِنُ إيرَادَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الشَّيْخِ ابْنِ عَتَّابٍ وَيَقُولُ: لَوْ كَانَتْ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ لَعُدَّتْ مِنْ فَضَائِلِهِ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ، وَفِي سَمَاعِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَزَوَّجَ حُرَّةً عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ قَالَ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ قَبْلَ أَنْ تَرْفَعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ فَمَا طَلَّقَتْ بِهِ نَفْسَهَا جَازَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَجْزُومُ فَلَا خِيَارَ لَهَا حَتَّى تَرْفَعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ ثُمَّ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهَا أَمْرَهَا تَطْلُقُ مَتَى شَاءَتْ، وَلَكِنْ عَلَى السُّلْطَانِ إذَا كَرِهَتْهُ، وَأَرَادَتْ فِرَاقَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِوَاحِدَةٍ إذَا يَئِسَ مِنْ بُرْئِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ إلَّا أَنَّهُ يَضْرِبُ لَهُ أَجَلَ سَنَةٍ كَانَ مُوَسْوِسًا أَوْ يَغِيبُ مَرَّةً، وَيُفِيقُ أُخْرَى، وَهَذَا يُوَضِّحُ الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَتَّابٍ مِنْ تَقْسِيمِ الطَّلَاقِ الْمَحْكُومِ بِهِ إلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ تُوَقِّعُ الْمَرْأَةُ خَاصَّةً دُونَ الْحَاكِمِ، وَقِسْمٌ يُنَفِّذُهُ الْحَاكِمُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَرْأَةِ، وَإِنْ كَرِهَتْ إيقَاعَهُ كَزَوَاجِهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَتَزْوِيجِهَا مِمَّنْ لَيْسَ بِكُفْءٍ، وَنِكَاحِهَا لِلْفَاسِقِ، وَمَنْ تَزَوَّجَتْ مَعَ وُجُودِ وَلَدِهَا، وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ وَلِيُّهَا الَّذِي زَوَّجَهَا عَلَى مَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ وَأَنْوَاعِ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ، وَهُوَ بَابٌ يَطُولُ تَعَدُّدُهُ اهـ كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ قَالَ وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا النَّوْعِ أَيْضًا تَفْلِيسُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ، وَكَذَا بَيْعٌ أَعْتَقَهُ الْمِدْيَانُ لِتَعَارُضِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعِتْقِ، وَحَقِّ الْغُرَمَاءِ فِي الْمَالِيَّةِ. وَكَذَلِكَ إذَا هَرَبَ الْجَمَّالُ، وَكَانَ الزَّمَانُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَلَمْ يَفُتْ الْمَقْصُودُ فَإِذَا رَفَعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ نَظَرَ فِي ذَلِكَ فَيَفْسَخُهُ عَنْهُ إنْ كَانَ فِي الصَّبْرِ مَضَرَّةٌ، وَلَا يَنْفَسِخُ بِغَيْرِ حُكْمِ الْحَاكِمِ مِنْ كِتَابِ قَيْدِ الْمُشْكِلِ وَحَلِّ الْمُعْضَلِ لِابْنِ يَاسِين، وَمِنْهَا مَنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْعَبْدِ إلَّا بِالْحُكْمِ لِتَعَارُضِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعِتْقِ، وَحَقِّ السَّيِّدِ فِي الْمِلْكِ، وَحَقِّ الْعَبْدِ فِي تَخْلِيصِ الْكَسْبِ، وَأَيْضًا لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِي التَّكْمِيلِ عَلَيْهِ (وَمِنْهَا) تَعْجِيزُ الْمُكَاتَبِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْحُكْمِ فَلَوْ رَضِيَ بِتَعْجِيزِ نَفْسِهِ، هُوَ وَسَيِّدُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا ذَلِكَ (وَمِنْهَا) مَا إذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا

وَقِسْمٌ) أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ كُفْرٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِ الشِّفَاءِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ جَحَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ أَوْ مُتَكَلِّمٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ فَإِنْ جَهِلَ الصِّفَةَ، وَلَمْ يَنْفِهَا كَفَّرَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ لَا يَكْفُرُ، وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْأَشْعَرِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَمِّمْ عَلَى اعْتِقَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــSنَعْلَمَهَا عَلَى التَّفْصِيلِ، وَإِنْ عَلِمْنَاهَا عَلَى الْجُمْلَةِ فَقَوْلُهُ ذَلِكَ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَهَذَا الْمَقَامُ مِمَّا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْتَضِي كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا صِفَةَ وَرَاءَ مَا عَلِمْنَاهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْتَضِي كَلَامُهُ أَنَّ هُنَاكَ صِفَاتٌ لَا نَعْلَمُهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْتَضِي كَلَامُهُ الْوَقْفَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ لَا تَكْلِيفَ بِإِزَالَةِ هَذَا الْجَهْلِ، وَلَا مُؤَاخَذَةَ بِبَقَائِهِ كَمَا قَالَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَلَا دَلِيلَ لَهُ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ لَا أَسْتَطِيعُ الْمُدَاوَمَةَ وَالِاسْتِمْرَارَ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَيْكَ لِلْقَوَاطِعِ عَنْ ذَلِكَ كَالنَّوْمِ وَشَبَهِهِ، وَلَا فِي كَلَامِ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ: الْعَجْزُ عَنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى جَمِيعِ مَعْلُومَاتِ اللَّهِ تَعَالَى اطِّلَاعٌ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّبِّ وَالْمَرْبُوبِ وَالْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكِ وَالْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ وَذَلِكَ هُوَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ، وَصَحِيحُ الْإِيقَانِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ: (وَقِسْمٌ أَجْمَعُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ كُفْرٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِ الشِّفَاءِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ جَحَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ أَوْ مُتَكَلِّمٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ فَإِنْ جَهِلَ الصِّفَةَ، وَلَمْ يَنْفِهَا كَفَّرَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ لَا يَكْفُرُ، وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْأَشْعَرِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَمِّمْ عَلَى اعْتِقَادِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَعِتْقُهُ عَلَيْهِ يَفْتَقِرُ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ ثَمَّ جِنَايَةٌ تَقْتَضِي مِثْلَ هَذَا الضَّرْبِ أَمْ لَا، وَيَحْتَاجُ بَعْدَ وُقُوعِ الضَّرْبِ مِنْ السَّيِّدِ إلَى تَحْقِيقِ كَوْنِ ذَلِكَ الضَّرْبِ مُبَرِّحًا بِذَلِكَ الْعَبْدِ، وَهَلْ السَّيِّدُ عَاصٍ بِهِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ يُوجِبُ تَعْجِيلَ الْعِتْقِ أَوْ لَيْسَ عَاصِيًا فَلَا يَلْزَمُهُ عِتْقٌ اهـ (وَمِنْهَا) كَمَا فِي الْأَصْلِ تَقْدِيرُ النَّفَقَاتِ لِلزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ. (النَّوْعُ الثَّالِثُ) مَا يُؤَدِّي أَخْذُهُ لِلْفِتْنَةِ وَالشَّحْنَاءِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ، وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ الْحُدُودُ فَإِنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ، وَإِنْ كَانَتْ مَقَادِيرُهَا مَعْلُومَةً لِأَنَّ تَفْوِيضَهَا لِجَمِيعِ النَّاسِ يُؤَدِّي إلَى الْفِتَنِ وَالشَّحْنَاءِ وَالْقَتْلِ وَفَسَادِ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ قَالَ وَمِنْهَا قِسْمَةُ الْغَنَائِمِ. وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةَ الْمَقَادِيرِ وَأَسْبَابِ الِاسْتِحْقَاقَاتِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْحَاكِمِ إذْ لَوْ فُوِّضَتْ لِجَمِيعِ النَّاسِ لَدَخَلَهُمْ الطَّمَعُ، وَأَحَبَّ كُلُّ إنْسَانٍ لِنَفْسِهِ مِنْ كَرَائِمِ الْأَمْوَالِ مَا يَطْلُبُهُ غَيْرُهُ فَيُؤَدِّي إلَى الْفِتَنِ، وَمِنْهَا جِبَايَةُ الْجِزْيَةِ، وَأَخْذُ الْخُرَاجَاتِ مِنْ أَرَاضِي الْعَنْوَةِ، وَلَوْ جُعِلَتْ لِلْعَامَّةِ لَفَسَدَ الْحَالُ اهـ، وَمِنْهَا كَمَا فِي الْأَصْلِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَالْأَعْضَاءِ إذْ لَوْ لَمْ يُرْفَعْ لِلْأَئِمَّةِ لَأَدَّى بِسَبَبِ تَنَاوُلِهِ تَمَانُعٌ وَقَتْلٌ وَفِتْنَةٌ أَعْظَمُ مِنْ الْأُولَى، وَكَذَلِكَ التَّعْزِيرُ، وَفِيهِ أَيْضًا الْحَاجَةُ لِلِاجْتِهَادِ فِي تَحْرِيرِ مِقْدَارِ الْجِنَايَةِ، وَحَالُ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ فِي الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ. (النَّوْعُ الرَّابِعُ) مَا يُؤَدِّي إلَى فَسَادِ عِرْضٍ أَوْ عُضْوٍ كَمَنْ ظَفِرَ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ أَوْ الْمُشْتَرَاةِ أَوْ الْمَوْرُوثَةِ، وَخَافَ مِنْ أَخْذِهَا بِنَفْسِهِ أَنْ يُنْسَبَ إلَى السَّرِقَةِ فَلَا يَأْخُذُهَا إلَّا بَعْدَ رَفْعِهَا لِلْحَاكِمِ دَفْعًا لِهَذِهِ الْمَفْسَدَةِ. (النَّوْعُ الْخَامِسُ) مَا يُؤَدِّي إلَى خِيَانَةِ الْأَمَانَةِ، وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ مَا إذَا أَوْدَعَ عِنْدَك مَنْ لَك عَلَيْهِ حَقٌّ، وَعَجَزْتَ عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ لِعَدَمِ اعْتِرَافِهِ أَوْ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَفِي مَنْعِ جَحْدِ وَدِيعَتِهِ إذَا كَانَتْ قَدْرَ حَقِّك مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» ، وَهُوَ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِجَازَتِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدَ ابْنَةِ عُتْبَةَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ لَمَّا شَكَتْ إلَيْهِ أَنَّهُ بَخِيلٌ لَا يُعْطِيهَا وَوَلَدَهَا مَا يَكْفِيهِمَا فَقَالَ لَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خُذِي لَك، وَلِوَلَدِك مَا يَكْفِيك بِالْمَعْرُوفِ» بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ فُتْيَا، وَهُوَ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ قَضَاءٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيَصِحُّ مَا قَالَهُ مَالِكٌ قَوْلَانِ ثَالِثُهَا لِبَعْضِهِمْ الْجِوَازُ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّك. وَالْمَنْعُ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ هَذَا تَوْضِيحُ مَا قَالَهُ الْأَصْلُ، وَصَحَّحَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ بِزِيَادَةٍ مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ (وَبَقِيَ مَا اُخْتُلِفَ) فِي كَوْنِهِ يَحْتَاجُ إلَى الْحَاكِمِ أَوْ لَا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ (وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ) قَبْضُ الْمَغْصُوبِ مِنْ الْغَاصِبِ إذَا كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ غَائِبًا أَيْ فِي افْتِقَارِهِ إلَى الْحَاكِمِ، وَعَدَمِ افْتِقَارِهِ خِلَافٌ (وَمِنْهَا) مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قَالَ ابْنُ يُونُسَ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ بَاقِيَهُ يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِ التَّقْوِيمِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ، وَقَالَ غَيْرُهُ يَفْتَقِرُ عِتْقُ بَاقِيهِ إلَى الْحَاكِمِ (وَمِنْهَا) عِتْقُ الْقَرِيبِ إذَا مَلَكَهُ الْحُرُّ الْمَلِيءُ الْمَشْهُورُ عَدَمُ افْتِقَارِهِ لِلْحُكْمِ، وَقِيلَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْحُكْمِ (وَمِنْهَا) الْعِتْقُ بِالْمُثْلَةِ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُعْتَقُ إلَّا بِالْحُكْمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَفْتَقِرُ (وَمِنْهَا) فَسْخُ الْبَيْعِ بَعْدَ تَخَالُفِ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ (وَمِنْهَا) فَسْخُ النِّكَاحِ بَعْدَ التَّخَالُفِ فِيهِ الْخِلَافُ أَيْضًا. (وَمِنْهَا) الْيَتِيمُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِوَصِيٍّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ هَلْ يَكْفِي إطْلَاقُهُ لِلْيَتِيمِ مِنْ الْحَجْرِ دُونَ مُطَالَعَةِ الْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ إطْلَاقُ الْوَصِيِّ لَهُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ فِيهِ خِلَافٌ (وَمِنْهَا) وُقُوعُ الْفُرْقَةِ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ

[الفرق بين قاعدة ما يلزم فيه الإعذار وقاعدة ما لا يلزم فيه الإعذار]

ذَلِكَ وَيَعْضُدُهُ حَدِيثُ الْقَائِلِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِّي الْحَدِيثَ. وَحَدِيثُ «السَّوْدَاءِ لَمَّا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ» قَالَ، وَلَوْ كُوشِفَ أَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى الصِّفَاتِ لَمْ يَعْلَمْهَا (قُلْتُ) فَنَفْيُ الصِّفَاتِ وَالْجَزْمُ بِنَفْيِهَا هُوَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْيَ الْعِلْمِ أَوْ الْكَلَامِ أَوْ الْإِرَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَلْ الْعَالِمُ وَالْمُتَكَلِّمُ وَالْمُرِيدُ فَمَنْ نَفَى أَصْلَ الْمَعْنَى وَحُكْمَهُ هُوَ الْمُجْمَعُ عَلَى كُفْرِهِ وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَالدَّهْرِيَّةِ دُونَ أَرْبَابِ الشَّرَائِعِ. ـــــــــــــــــــــــــــــSذَلِكَ وَيُعَضِّدُهُ حَدِيثُ الْقَائِلِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لِيُعَذِّبَنِّي، الْحَدِيثَ. وَحَدِيثُ «السَّوْدَاءِ لَمَّا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْنَ اللَّهُ فَقَالَتْ فِي السَّمَاءِ» قَالَ وَلَوْ كُوشِفَ أَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى الصِّفَاتِ لَمْ يَعْلَمْهَا قَالَ شِهَابُ الدِّينِ قُلْتُ: فَنَفْيُ الصِّفَاتِ وَالْجَزْمُ بِنَفْيِهَا هُوَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْيَ الْعِلْمِ أَوْ الْكَلَامِ أَوْ الْإِرَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَلْ الْعَالِمُ وَالْمُتَكَلِّمُ وَالْمُرِيدُ فَمَنْ نَفَى أَصْلَ الْمَعْنَى وَحُكْمَهُ هُوَ الْمُجْمَعُ عَلَى كُفْرِهِ وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَالدَّهْرِيَّةِ دُونَ أَرْبَابِ الشَّرَائِعِ) قُلْتُ: أَكْثَرُ ذَلِكَ كُلِّهِ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ إلَّا الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ فَإِنَّهُ مَوْضِعٌ لَا يَكْفِي فِي مِثْلِهِ الظَّوَاهِرُ مَعَ تَعَيُّنِ التَّأْوِيلِ فِي الْحَدِيثَيْنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ حَدِيثَ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ ظَاهِرُهُ يَنْفِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ وَاحْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ تَارَةً قَادِرًا وَتَارَةً غَيْرَ قَادِرٍ، وَلَيْسَ ظَاهِرُهُ نَفْيَ أَنَّهُ قَادِرٌ بِقُدْرَةٍ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ السَّوْدَاءِ ظَاهِرُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُسْتَقِرٌّ فِي السَّمَاءِ اسْتِقْرَارَ الْأَجْسَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ دُونَ حُكْمِ حَاكِمٍ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِتَمَامِ تَلَاعُنِهِمَا حَتَّى يُفَرِّقَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا. (وَمِنْهَا) مَا إذَا تَزَوَّجَتْ الْحَاضِنَةُ فَهَلْ يَسْقُطُ حَقُّهَا مِنْ الْحَضَانَةِ بِالدُّخُولِ أَوْ بِالْحُكْمِ بِأَخْذِ الْوَلَدِ مِنْهَا قَوْلَانِ (وَمِنْهَا) مَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ لَمْ تَحِيضِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَفْتَقِرُ الطَّلَاقُ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ نُطْقِهِ قَوْلَانِ اخْتَارَ اللَّخْمِيُّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا بِالْحُكْمِ (وَمِنْهَا) السَّلَمُ الْمُخْتَلَفُ فِي فَسَادِهِ اُخْتُلِفَ هَلْ يَفْتَقِرُ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ لَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ كَالسَّلَمِ الصَّحِيحِ حَتَّى يُبَاشِرَهُ الْحُكْمُ بِالْفَسْخِ (وَمِنْهَا) مَا إذَا هَرَبَ الْجَمَّالُ، وَكَانَ الْكِرَاءُ لِقَصْدِ أَمْرٍ لَهُ أَبَانَ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ كَالْحَجِّ وَالْخُرُوجِ إلَى الْبِلَادِ الشَّاسِعَةِ مَعَ الرُّفْقَةِ الْعَظِيمَةِ فَجَاءَهُ الْجَمَّالُ بِالْجِمَالِ بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ قِيلَ يَنْفَسِخُ بِفَوَاتِ ذَلِكَ كَالزَّمَنِ الْمُعَيَّنِ، وَقِيلَ لَا يَنْفَسِخُ لِتَوَقُّعِ الْحَجِّ وَالسَّفَرِ فِي وَقْتٍ ثَانٍ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَنْفَسِخُ إلَّا فِي الْحَجِّ وَحْدَهُ، وَلَا يَخْتَلِفُ أَنَّهُ إذَا رَفَعَهُ إلَى الْحَاكِمِ فَفَسَخَهُ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ مِنْ كِتَابِ قَيْدِ الْمُشْكِلِ (وَمِنْهَا) الْقَاضِي إذَا فَسَقَ هَلْ يَنْعَزِلُ بِمُجَرَّدِ فِسْقِهِ أَوْ لَا حَتَّى يَعْزِلَهُ الْإِمَامُ قَوْلَانِ. (وَمِنْهَا) الْمُفْلِسُ إذَا قَسَّمَ مَالَهُ، وَحَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَكْتُمْ شَيْئًا، وَوَافَقَهُ الْغُرَمَاءُ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يَنْفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ، وَيَكُونُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيمَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُزِيلَ عَنْهُ الْحَاكِمُ حَجْرَ التَّفْلِيسِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ نُصُوصِهِمْ، وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ أَوْ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ إلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَالْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْقَصَّارِ، وَتَتَبُّعُ هَذَا يُخْرِجُ عَنْ الْمَقْصُودِ اهـ كَلَامَ ابْنِ فَرْحُونٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الفرق بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ] 2 (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ) وَهُوَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ أَنَّ مَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ (الْأَوَّلُ) كُلُّ مَا قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِحَقٍّ مِنْ مُعَامَلَةٍ أَوْ نَحْوِهَا (وَالنَّوْعُ الثَّانِي) كُلُّ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى بِفَسَادٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ تَعَدٍّ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ الظَّاهِرِ، وَلَا مِنْ الزَّنَادِقَةِ الْمَشْهُورِينَ بِمَا يُنْسَبُ إلَيْهِمْ (النَّوْعُ الثَّالِثُ) كُلُّ مَا قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ غَيْرُ مُسْتَفِيضَةٍ بِالْأَسْبَابِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ، وَبِالْمَوْتِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ وَبِالنِّكَاحَاتِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ، وَبِالْوَلَاءِ الْقَدِيمِ، وَالْأَحْبَاسِ الْقَدِيمَةِ، وَبِالضَّرَرِ يَكُونُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ (وَأَمَّا مَا لَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ) فَثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَيْضًا (الْأَوَّلُ) كُلُّ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِغَيْرِ حَقٍّ مُعَامَلَةً وَنَحْوَهَا انْتَفَتْ الظُّنُونُ وَالتُّهْمَةُ عَنْهُمْ وَيَتَحَقَّقُ بِمَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التُّجِيبِيِّ، وَمِمَّا لَا إعْذَارَ فِيهِ اسْتِفَاضَةُ الشَّهَادَاتِ الْمَشْهُودِ بِهَا عِنْدَ الْحُكَّامِ فِي الْأَسْبَابِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ، وَفِي الْمَوْتِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ، وَفِي النِّكَاحَاتِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ، وَفِي الْوَلَاءِ الْقَدِيمِ، وَفِي الْأَحْبَاسِ الْقَدِيمَةِ، وَفِي الضَّرَرِ يَكُونُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَفِي أَشْيَاءَ غَيْرِهَا يَطُولُ ذِكْرُهَا قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ قَوْلُهُ، وَالضَّرَرُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُسْقِطُ الْإِعْذَارَ فِي الشَّهَادَةِ بِالضَّرَرِ لِهَذِهِ الشَّهَادَاتِ بَابٌ مُسْتَوْعِبٌ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ إذَا انْعَقَدَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي مَقَالٌ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ، وَشَهِدَتْ بِهِ شُهُودُ الْمَجْلِسِ عِنْدَ الْقَاضِي أَنْفَذَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ عَلَى قَائِلِهَا، وَلَمْ يَعْذُرْ إلَيْهِ فِي شَهَادَةِ شُهُودِهَا لِكَوْنِهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعِلْمِهِ بِهَا، وَقَطْعِهِ بِحَقِيقَتِهَا، وَهَذَا هُوَ الْإِجْمَاعُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ قَالَهُ أَبُو إبْرَاهِيمَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التُّجِيبِيِّ. وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ، وَبِهِ جَرَى الْحُكْمُ وَالْعَمَلُ عِنْدَ الْحُكَّامِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ، وَرَأَيْت فِي غَيْرِ كِتَابِ ابْنِ الْعَطَّارِ أَنَّ شُهُودَ الْمَجْلِسِ

الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا اُخْتُلِفَ فِي التَّكْفِيرِ بِهِ وَهُوَ مَنْ أَثْبَتَ الْأَحْكَامَ دُونَ الصِّفَاتِ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَمُتَكَلِّمٌ بِغَيْرِ كَلَامٍ، وَمُرِيدٌ بِغَيْرِ إرَادَةٍ وَحَيٌّ بِغَيْرِ حَيَاةٍ وَكَذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ الصِّفَاتِ فَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ وَلِلْأَشْعَرِيِّ، وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالْبَاقِلَّانِيّ فِي تَكْفِيرِهِمْ قَوْلَانِ. (الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْحَقِّ فِيهِ هَلْ هُوَ جَهْلٌ تَجِبُ إزَالَتُهُ أَمْ هُوَ حَقٌّ لَا تَجِبُ إزَالَتُهُ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ هُوَ مَعْصِيَةٌ، وَمَا رَأَيْتُ مَنْ يُكَفِّرُ بِهِ وَذَلِكَ كَالْقِدَمِ وَالْبَقَاءِ فَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَاقٍ بِبَقَاءٍ قَدِيمٍ وَيَعْصِي مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ أَوْ يَجِبُ أَنْ لَا يَعْتَقِدَ ذَلِكَ بَلْ اللَّهُ تَعَالَى بَاقٍ بِغَيْرِ بَقَاءٍ وَقَدِيمٌ بِغَيْرِ قِدَمٍ، وَاعْتِقَادُ خِلَافِ ذَلِكَ جَهْلٌ حَرَامٌ عَكْسُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَهَذَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُجْمَعٍ عَلَى أَنَّهُ كُفْرٌ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ قَطْعًا لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ أَقَرَّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقِرَّ عَلَى بَاطِلٍ قَطْعًا فَتَعَيَّنَ التَّأْوِيلُ هُنَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْبَاطِلِ لَا يَجُوزُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ: (شِهَابُ الدِّينِ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مَا اُخْتُلِفَ فِي التَّكْفِيرِ بِهِ وَهُوَ مَنْ أَثْبَتَ الْأَحْكَامَ دُونَ الصِّفَاتِ إلَى آخِرِهِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَهُوَ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ، وَمَا قَالَهُ فِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ صَحِيحٌ غَيْرَ مَا فِي قَوْلِ بَاقٍ بِغَيْرِ بَقَاءٍ مِنْ إيهَامِ التَّنَاقُضِ، وَمُرَادُ مَنْ عَبَّرَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ لَيْسَ ظَاهِرُهَا بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ الْبَقَاءَ لَيْسَ بِصِفَةٍ ثُبُوتِيَّةٍ، وَمَا قَالَهُ فِي الْقِسْمِ الْخَامِسِ صَحِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَا كَتَبُوا شَهَادَتَهُمْ عَلَى مَقَالِ مُقِرٍّ أَوْ مُنْكِرٍ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَلَمْ يَشْهَدُوا بِهَا عِنْدَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ ثُمَّ أَرَادُوا الشَّهَادَةَ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَهُ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهَا فَإِنَّهُ يُعْذَرُ فِي شَهَادَتِهِ إلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِمْ إذَا أَدَّوْهَا فِي الْمَجْلِسِ نَفْسِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْمَقَالُ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَفِظُوهَا، وَلَمْ يَكْتُبُوهَا ثُمَّ أَدَّوْهَا بَعْدَ ذَلِكَ إذَا طَلَبُوا بِهَا، وَكَانُوا عُدُولًا فَإِنَّهُ يُعْذَرُ فِيهَا إلَى مَنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِهَا اهـ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ الشُّهُودُ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ تَطْلِيقَ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا، وَأَخْذِهَا بِشَرْطِهَا فِي الطَّلَاقِ فِي مَسَائِلِ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَتِهِمْ لِأَنَّهُ لَا إعْذَارَ فِيهِمْ اهـ (وَالنَّوْعُ الثَّانِي) كُلُّ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقِّ مُعَامَلَةٍ، وَنَحْوِهَا بَيِّنَةٌ أَقَامَهُمْ الْحَاكِمُ مُقَامَ نَفْسِهِ، وَيَتَّضِحُ بِمَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ لَا يُعْذَرُ الْقَاضِي فِيمَنْ أَعْذَرَهُ إلَى مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ مَرِيضٍ لَا يَخْرُجَانِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ لَا يُعْذَرُ فِي الشَّاهِدَيْنِ الَّذِينَ يُوَجِّهُهُمَا الْحَاكِمُ لِحُضُورِ حِيَازَةِ الشُّهُودِ لِمَا شَهِدُوا فِيهِ مِنْ دَارٍ أَوْ عَقَارٍ، وَقَالَ ابْنُ سَهْلٍ، وَسَأَلْت ابْنَ عَتَّابٍ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا إعْذَارَ فِيمَنْ وَجَّهَ لِلْإِعْذَارِ، وَأَمَّا الْمُوَجِّهَانِ لِلْحِيَازَةِ فَيُعْذَرُ فِيهِمَا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ الشَّاهِدَانِ الْمُوَجَّهَانِ لِحُضُورِ الْيَمِينِ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَسْمِيَتِهِمْ لِأَنَّهُ لَا إعْذَارَ فِيهِمَا فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْقَوْلِ لِأَنَّ الْحَاكِمَ أَقَامَهُمَا مُقَامَ نَفْسِهِ، وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ الْإِعْذَارِ فِيهِمَا، وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ تَعْدِيلُ السِّرِّ فَلَا يُعْذَرُ الْقَاضِي فِي الْمُعَدِّلِينَ سِرًّا كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهُ أَيْضًا حُكْمُ الْحُكْمَيْنِ فَيُسْقِطُ الْإِعْذَارَ فِيهِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّهُمَا يَحْكُمَانِ فِي ذَلِكَ بِمَا خَلَصَ إلَيْهِمَا بَعْدَ النَّظَرِ وَالْكَشْفِ، وَلَيْسَ حُكْمُهُمَا بِالشَّهَادَةِ الْقَاطِعَةِ اهـ (وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ) كُلُّ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى بِفَسَادٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ تَعَدٍّ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ الظَّاهِرِ أَوْ مِنْ الزَّنَادِقَةِ الْمَشْهُورِينَ بِمَا يُنْسَبُ إلَيْهِمْ فَلَا يُعْذَرُ إلَيْهِمْ فِيمَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِمْ فَفِي آخِرِ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَهْلٍ أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ الزِّنْدِيقَ لَمَّا شَهِدَ عَلَيْهِ بِمَا يَتَعَاطَاهُ مِنْ الْقَوْلِ الْمُصَرِّحِ بِالْكُفْرِ وَالِانْسِلَاخِ مِنْ الْإِيمَانِ، وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَكَانُوا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَاهِدًا، وَكَانَ الْقَاضِي يَوْمَئِذٍ مُنْذِرَ بْنَ سَعِيدٍ قَاضِي الْجَمَاعَةِ فَأَشَارَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنْ يُعْذَرَ إلَيْهِ فِيمَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ، وَأَشَارَ قَاضِي الْجَمَاعَةِ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التُّجِيبِيِّ، وَصَاحِبُ الصَّلَاةِ أَحْمَدُ بْنُ مُطَرِّفٍ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِغَيْرِ إعْذَارٍ لِأَنَّهُ مُلْحِدٌ كَافِرٌ، وَقَدْ وَجَبَ بِدُونِ مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ فَقُتِلَ بِغَيْرِ إعْذَارٍ فَقِيلَ لِأَبِي إبْرَاهِيمَ اشْرَحْ أَصْلَ الْفُتْيَا فِي قَتْلِهِ بِغَيْرِ إعْذَارٍ الَّذِي اعْتَمَدْت عَلَيْهِ فَذَكَرَ أَنَّهُ اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى قَاعِدَةِ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَطْعِ الْإِعْذَارِ عَمَّنْ اسْتَفَاضَتْ عَلَيْهِ الشَّهَادَاتُ فِي الظُّلْمِ، وَعَلَى مَذْهَبِهِ فِي السَّلَّابَةِ وَالْمُغِيرِينَ، وَأَشْبَاهِهِمْ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ الْمَسْلُوبُونَ وَالْمُنْتَهَبُونَ بِأَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ، وَمِنْ قَبُولِهَا عَلَيْهِمْ سَفْكُ دِمَائِهِمْ، وَفِي الرَّجُلِ يَتَعَلَّقُ بِالرَّجُلِ، وَجَرْحُهُ يَدْمَى فَيُصَدَّقُ عَلَيْهِ. وَفِي الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالرَّجُلِ فِي الْمَكَانِ الْخَالِي، وَقَدْ فَضَحَتْ نَفْسَهَا بِإِصَابَتِهِ لَهَا فَتُصَدَّقُ بِفَضِيحَةِ نَفْسِهَا، وَفِي الَّذِي وَجَدَهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عِنْدَ أَحَدِ الْحُكَّامِ، وَهُوَ يُضْرَبُ بِدَعْوَى صَبِيٍّ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ، وَهُوَ يَدْمَى فَضَرَبَهُ الْحَاكِمُ فِيمَا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ مِنْ إصَابَتِهِ لَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُضْرَبُ وَمَالِكٌ جَالِسٌ عِنْدَهُ حَتَّى ضُرِبَ ثَلَاثَمِائَةِ سَوْطٍ، وَهُوَ سَاكِتٌ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ الضَّرْبِ قَبْلَ وُصُولِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ انْتَهَى بِهِ الضَّرْبُ إلَى سِتِّمِائَةِ سَوْطٍ. وَفِي أَهْلِ حِصْنٍ مِنْ الْعَدُوِّ يَأْتُونَ مُسْلِمِينَ رِجَالًا وَنِسَاءً حَوَامِلَ فَيُصَدَّقُونَ فِي أَنْسَابِهِمْ وَيَتَوَارَثُونَ إذَا كَانُوا جَمَاعَةً لَهُمْ عَدَدٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْعِشْرُونَ عِنْدِي جَمَاعَةٌ فَأَيْنَ الْإِعْذَارُ فِي هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَقَاءِ وَالْقِدَمِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصِّفَاتِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ أُصُولِ الدِّينِ، وَالصَّحِيحُ هُنَالِكَ أَنَّ الْبَقَاءَ وَالْقِدَمَ لَا وُجُودَ لَهُمَا فِي الْخَارِجِ بِخِلَافِ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصِّفَاتِ السَّبْعَةِ الَّتِي هِيَ الْحَيَاةُ وَالْعِلْمُ وَالْإِرَادَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالْكَلَامُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ. (الْقِسْمُ الْخَامِسُ) جَهْلٌ يَتَعَلَّقُ بِالصِّفَاتِ لَا بِالذَّاتِ نَحْوَ تَعَلُّقِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِأَفْعَالِ الْحَيَوَانَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَكَتَعَلُّقِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِتَخْصِيصِ جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَوْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِأَفْعَالِ الْحَيَوَانَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَفِي تَكْفِيرِهِمْ بِذَلِكَ لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ، وَالصَّحِيحُ عَدَمُ تَكْفِيرِهِمْ. (الْقِسْمُ السَّادِسُ) جَهْلٌ يَتَعَلَّقُ بِالذَّاتِ لَا بِصِفَةٍ مِنْ الصِّفَاتِ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِوُجُودِهَا كَالْجَهْلِ بِسَلْبِ الْجِسْمِيَّةِ وَالْجِهَةِ وَالْمَكَانِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَشَوِيَّةِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ اسْتِحَالَةُ جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَفِي تَكْفِيرِ الْحَشَوِيَّةِ بِذَلِكَ قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ التَّكْفِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْقِسْمُ السَّادِسُ: جَهْلٌ يَتَعَلَّقُ بِالذَّاتِ لَا بِصِفَةٍ مِنْ الصِّفَاتِ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِوُجُودِهَا كَالْجَهْلِ بِسَلْبِ الْجِسْمِيَّةِ وَالْجِهَةِ وَالْمَكَانِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَشَوِيَّةِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ اسْتِحَالَةُ جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَفِي تَكْفِيرِ الْحَشَوِيَّةِ بِذَلِكَ قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ تَكْفِيرِهِمْ) قُلْتُ: كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ جَهْلٌ بِالصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ لَا جَهْلٌ يَتَعَلَّقُ بِالذَّاتِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِوُجُودِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ، وَإِذَا كَانَ مَالِكٌ يَرَى فِي أَهْلِ الظُّلْمِ لِلنَّاسِ وَالسَّلَّابِينَ وَالْمُحَارِبِينَ وَنَحْوِهِمْ أَنْ يُقْطَعَ عَنْهُمْ الْإِعْذَارُ فَالظَّالِمُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقُّ بِأَنْ يُقْطَعَ عَنْهُ الْإِعْذَارُ فِيمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ، وَأَنِّي مُتَقَرِّبٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِإِسْقَاطِ التَّوْسِعَةِ عَلَيْهِ فِي طَلَبِ الْمَخَارِجِ لَهُ بِالْإِعْذَارِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّهُ قَالَ «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إلَيَّ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ» ، وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ أُمُّ الْقَضَايَا، وَلَا إعْذَارَ فِيهِ. وَكَذَلِكَ كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَإِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَهُمَا أَيْضًا مَلَاذُ الْحُكَّامِ فِي الْأَحْكَامِ، وَلَا إعْذَارَ فِيهِ، وَلَا إقَالَةَ مِنْ حُجَّةٍ، وَلَا مِنْ كَلِمَةٍ غَيْرَ أَنَّ الْإِعْذَارَ فِيمَا يَتَحَاكَمُ النَّاسُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَسْبَابِ الدِّيَانَاتِ اسْتِحْسَانٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا، وَأَنَا عَلَى اتِّبَاعِهِمْ فِيهِ، وَالْأَخْذُ بِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ مُسْتَحْكِمَةٍ فِيمَا أَوْجَبُوا الْإِعْذَارَ فِيهِ مِنْ الْحُقُوقِ، وَأَلْتَزِمُ التَّسْلِيمَ لِمَا اسْتَحْسَنُوهُ إذْ هُمْ الْقُدْوَةُ وَالْهُدَاةُ فَأَمَّا فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ فِي الْإِلْحَادِ وَالزَّنْدَقَةِ وَتَكْذِيبِ الْقُرْآنِ وَالرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَمْ أَسْمَعْ بِهِ، وَلَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ مِمَّنْ وَصَلَ إلَيْنَا عِلْمُهُ قَالَ فَإِلَى هَذِهِ الْأُمُورِ نَزَعْت فِي تَرْكِ الْإِعْذَارِ إلَى هَذَا الْمُلْحِدِ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ لَقَدْ أَحْسَنَ أَبُو إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذَا التَّبْيِينِ وَالنُّصْحِ لِلْمُسْلِمِينَ. وَإِنْ كَانَ فِي فُصُولٍ مِنْ كَلَامِهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْأُصُولِ، وَفِي بَعْضِهَا اخْتِلَافٌ، وَالْحَقُّ الْبَيِّنُ أَنَّ مَنْ تَظَاهَرَتْ الشَّهَادَاتُ عَلَيْهِ فِي إلْحَادٍ أَوْ غَيْرِهِ هَذَا التَّظَاهُرُ وَكَثُرَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْكَثْرَةُ فَالْإِعْذَارُ إلَيْهِ مَعْدُومُ الْفَائِدَةِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ تَجْرِيحَ جَمِيعِهِمْ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِمَا يُسْقِطُ بِهِ شَهَادَتَهُمْ، وَمَنْ قَالَ بِالْإِعْذَارِ أَفَادَ أَصْلَهُ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَالْحُكَّامِ فِي لُزُومِ الْإِعْذَارِ فِي الْأَمْوَالِ، وَمَنْ اجْتَهَدَ أَصَابَ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ اهـ كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ وَكُلُّهُ بِنَصِّ لَفْظِهِ إلَّا النَّوْعَ الثَّالِثَ مِمَّا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ مَفْهُومِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ مِمَّا لَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعْذَارُ فَافْهَمْ قَالَ وَالْإِعْذَارُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ وَتَمَامِ النَّظَرِ فَإِنَّ الْإِعْذَارَ فِي شَيْءٍ نَاقِصٍ لَا يُفِيدُ شَيْئًا قَالَهُ ابْنُ سَهْلٍ. وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي وَقْتِ الْإِعْذَارِ إلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فَقِيلَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يُعْذَرُ إلَيْهِ، وَاَلَّذِي بِهِ الْعَمَلُ أَنَّهُ يُعْذَرُ إلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يَحْكُمُ عَلَيْهِ اهـ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَيَحْكُمُ بَعْدَ أَنْ يَسْأَلَهُ أَبَقِيَتْ لَك حُجَّةٌ؟ فَيَقُولُ لَا فَإِنْ قَالَ نَعَمْ أَنْظَرَهُ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَدَدُهُ، وَالْمَحْكُومُ عَلَيْهِ أَعَمُّ مِنْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْمُتَبَادَرُ لِلذِّهْنِ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ تَقْوَى حُجَّةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَتَوَجَّهُ الْحُكْمُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ وُجُوهِ الْحُكْمِ اهـ. وَإِذَا حَصَلَتْ التَّزْكِيَةُ لِلشُّهُودِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعْذَارِ فِي الْمُزَكِّي، وَالْمُزَكَّى ثُمَّ هَلْ يُعْذَرُ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَ أَنْ يَسْأَلَهُ فِي الْمَذْهَبِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ يَقُولُ لَهُ دُونَك فَجُرْحٌ، وَإِلَّا حَكَمْت عَلَيْك. وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ لَا قَوْلَ لَهُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ وَهَنٌ لِلشَّاهِدِ، وَقَالَ أَشْهَبُ يَقُولُهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ قَبُولُهُمْ بِالتَّزْكِيَةِ، وَلَا يَقُولُهُ فِي الْمُبَرَّزِينَ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُهُ لِمَنْ لَا يَدْرِي ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ وَالضَّعِيفِ ثُمَّ حَيْثُ قُلْنَا بِالْإِعْذَارِ فَمَا الَّذِي يُسْمَعُ مِنْهُ قَالَ ابْنُ شَاسٍ يُسْمَعُ فِي مُتَوَسِّطِ الْعَدَالَةِ الْقَدْحُ فِيهَا، وَأَمَّا الْمُبَرَّزُ الْمَعْرُوفُ بِالصَّلَاحِ فَيُسْمَعُ فِيهِ الْقَدْحُ بِالْعَدَاوَةِ وَالْقَرَابَةِ وَالْهِجْرَةِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ يُمَكَّنُ مِنْ التَّجْرِيحِ وَلَمْ يُفَرِّقْ. وَإِذَا قُلْنَا بِسَمَاعِ الْجَرْحِ فِي الْمُبَرَّزِ

وَأَمَّا سَلْبُ الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ يُجَوِّزُ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ تَجْوِيزِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْتَحِيلَاتِ كَالْجِهَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ أَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ الَّذِي هُوَ الْجِسْمِيَّةُ وَنَحْوُهَا فِيهِ عُذْرٌ عَادِيٌّ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَنْشَأُ عُمُرَهُ كُلَّهُ وَهُوَ لَا يُدْرِكُ مَوْجُودًا إلَّا فِي جِهَةٍ وَهُوَ جِسْمٌ أَوْ قَائِمٌ بِجِسْمٍ فَكَانَ هَذَا عُذْرًا عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يُضْطَرَّ الْإِنْسَانُ فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ إلَى الْبُنُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ وَالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ وَنَحْوِهَا فَكَمْ مِنْ مَوْجُودٍ فِي الْعَالَمِ لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ كَالْأَمْلَاكِ وَالْأَفْلَاكِ ـــــــــــــــــــــــــــــSفَإِنَّهُ فِي كَلَامِهِ كَالْمُتَنَاقِضِ مَعَ أَنَّ الْحَشَوِيَّةَ لَيْسَ مَذْهَبُهُمْ الْجَهْلَ بِسَلْبِ الْجِسْمِيَّةِ بَلْ مَذْهَبُهُمْ إثْبَاتُ الْجِسْمِيَّةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا إلَّا أَنْ يُطْلَقَ عَلَى كُلِّ مَذْهَبٍ بَاطِلٍ أَنَّهُ جَهْلٌ فَذَلِكَ لَهُ وَجْهٌ. قَالَ: (وَأَمَّا سَلْبُ الْبُنُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ وَالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ يُجَوِّزُ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ تَجْوِيزِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْتَحِيلَاتِ كَالْجِهَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ أَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ الَّذِي هُوَ الْجِسْمِيَّةُ وَنَحْوُهَا فِيهِ عُذْرٌ عَادِيٌّ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَنْشَأُ عُمُرَهُ كُلَّهُ وَهُوَ لَا يُدْرِكُ مَوْجُودًا إلَّا فِي جِهَةٍ، وَهُوَ جِسْمٌ أَوْ قَائِمٌ بِجِسْمٍ فَكَانَ عُذْرًا عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يُضْطَرَّ الْإِنْسَانُ فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ إلَى الْبُنُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ وَالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ وَنَحْوِهَا فَكَمْ مِنْ مَوْجُودٍ فِي الْعَالَمِ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ كَالْأَمْلَاكِ وَالْأَفْلَاكِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ الْمُبَرَّزِ فِي الْعَدَالَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَجْرَحُ الشَّاهِدُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ وَفَوْقَهُ، وَلَا يَجْرَحُ مَنْ هُوَ دُونَهُ إلَّا بِالْعَدَاوَةِ وَالْهِجْرَةِ أَمَّا الْقَدْحُ فِي الْعَدَالَةِ فَلَا، وَقَالَ مُطَرِّفٌ يَجْرَحُهُ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ، وَفَوْقَهُ وَدُونَهُ بِالْإِسْفَاهِ وَبِالْعَدَاوَةِ إذَا كَانَ عَدْلًا عَارِفًا بِوُجُوهِ الْجِرَاحِ، وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَقَالَ عِنْدَ الْحُكْمِ لَا يُقْبَلُ التَّجْرِيحُ فِي الْمُبَرَّزِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَجْرُوحُونَ مَعْرُوفِينَ بِالْعَدَالَةِ وَأَعْدَلَ مِنْهُ، وَيَذْكُرُونَ مَا جَرَحُوهُ بِهِ مِمَّا يَثْبُتُ بِالْكَشْفِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ لَا يَجْرَحُ الشَّاهِدُ مَنْ دُونَهُ بِالْعَدَاوَةِ، وَأَجَازَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ، وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ، وَيُعْذَرُ فِي تَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ دُونَ تَعْدِيلِ السِّرِّ فَلَا يَعْذُرُ الْقَاضِي فِي الْمُعَدَّلِينَ سِرًّا، وَالْأَصْلُ فِي الْإِعْذَارِ قَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ الْهُدْهُدِ {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل: 21] وقَوْله تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] وقَوْله تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا} [طه: 134] الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ وَالْإِعْذَارُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْعُذْرِ، وَمِنْهُ قَدْ أَعْذَرَ مَنْ أَنْذَرَ قَدْ بَالَغَ فِي الْإِعْذَارِ مَنْ تَقَدَّمَ إلَيْك فَأَنْذَرَك. وَمَنَعَ إعْذَارَ الْقَاضِي إلَى مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُ فَنَعْذُرُ عَلَيْهِ فِيمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ اهـ الْمُرَادُ مِنْ التَّبْصِرَةِ مِنْ مَوَاضِعَ. (تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ) زِدْت هَذَا الْفَرْقَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَجْزَاءِ كَيْفِيَّةِ الْقَضَاءِ التِّسْعَةِ لِتَكْمُلَ، وَتَتَّضِحَ بِهَا كَيْفِيَّتُهُ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِهِ السِّتَّةِ الَّتِي تُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ، وَالْآتِي، وَذَكَرَهَا تُسُولِيُّ الْعَاصِمِيَّةِ تَبَعًا لِابْنِ فَرْحُونٍ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلُ الْقَاضِي. وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَالَ وَالْحُكْمُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِأَنَّهُ مُدَّعٍ أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَرْعُ تَصَوُّرِهِ، وَتَعَرُّفِ حَالِهِ فَافْهَمْ، وَالرَّابِعُ الْمُدَّعَى فِيهِ، وَالْخَامِسُ الْمَقْضِيُّ بِهِ يَعْنِي مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُجْتَهِدِ أَوْ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَوْ الْمَشْهُورِ أَوْ الرَّاجِحِ أَوْ مَا بِهِ الْعَمَلُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُقَلِّدِ، وَالسَّادِسُ كَيْفِيَّةُ الْقَضَاءِ قَالَ وَهِيَ تَتَوَقَّفُ عَلَى تِسْعَةِ أَشْيَاءَ الْأَوَّلُ مَعْرِفَةُ مَا هُوَ حُكْمٌ فَلَا يُتَعَقَّبُ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُجْتَهِدِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ، وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَلَا يَرْفَعُ حُكْمُهُ الْخِلَافَ، وَمَا لَيْسَ بِحُكْمٍ كَقَوْلِهِ أَنَا لَا أُجِيزُ النِّكَاحَ بِغَيْرِ، وَلِيٍّ أَوْ لَا أَحْكُمُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَيَتَعَقَّبُ فَلِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ حَنَفِيٍّ أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ أَوْ مَالِكِيٍّ أَنْ يَحْكُمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ الثَّانِي مَعْرِفَةُ مَا يَفْتَقِرُ لِحُكْمِ، وَمَا لَا يَفْتَقِرُ الثَّالِثُ مَعْرِفَةُ مَا يَدْخُلُهُ الْحُكْمُ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، وَمَا لَا يَدْخُلُهُ الرَّابِعُ مَعْرِفَةُ الْفَرْقِ بَيْنَ أَلْفَاظِ الْحُكْمِ الَّتِي جَرَتْ بِهَا عَادَةُ الْحُكَّامِ. وَمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ الْخَامِسُ مَعْرِفَةُ الْفَرْقِ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالْحُكْمِ السَّادِسُ مَعْرِفَةُ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ، وَشُرُوطِهَا السَّابِعُ مَعْرِفَةُ حُكْمِ جَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ أَوْ امْتِنَاعٍ مِنْهُمَا الثَّامِنُ مَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ الْإِعْذَارِ التَّاسِعُ مَعْرِفَةُ صِفَةِ الْيَمِينِ وَمَكَانِهَا، وَالتَّغْلِيظُ فِيهَا اهـ الْمُرَادُ بِتَوْضِيحِ مَا (التَّنْبِيهُ الثَّانِي) قَالَ تُسُولِيُّ الْعَاصِمِيَّةِ رِسَالَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَعْرُوفَةُ بِرِسَالَةِ الْقَضَاءِ هِيَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْك أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ، وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ فَافْهَمْ إذَا أُدْلِيَ إلَيْكَ، وَأَنْفِذْ إذَا تَبَيَّنَ لَك فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ تَكَلُّمٌ بِحَقٍّ لَا نَفَاذَ لَهُ، وَسَوِّ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِك وَعَدْلِك وَمَجْلِسِك حَتَّى لَا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِك، وَلَا يَيْأَسَ ضَعِيفٌ مِنْ عَدْلِك. الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا، وَلَا يَمْنَعُك

[الفرق بين قاعدة اليد المعتبرة المرجحة لقول صاحبها وقاعدة اليد التي لا تعتبر]

وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ وَالْبِحَارِ فَلَمَّا انْتَفَتْ الشُّبْهَةُ الْمُوجِبَةُ لِلضَّلَالِ انْتَفَى الْعُذْرُ فَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى التَّكْفِيرِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ، وَعَلَيْهِ تَدُورُ الْفَتَاوَى فَمَنْ جَوَّزَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا هُوَ مُسْتَحِيلٌ عَلَيْهِ يَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ. (الْقِسْمُ السَّابِعُ) الْجَهْلُ بِقِدَمِ الصِّفَاتِ لَا بِوُجُودِهَا وَتَعَلُّقِهَا كَقَوْلِ الْكَرَّامِيَّةِ بِحُدُوثِ الْإِرَادَةِ وَنَحْوِهَا، وَفِي التَّكْفِيرِ بِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلَانِ الصَّحِيحُ عَدَمُ التَّكْفِيرِ. (الْقِسْمُ الثَّامِنُ) الْجَهْلُ بِمَا وَقَعَ أَوْ يَقَعُ مِنْ مُتَعَلَّقَاتِ الصِّفَاتِ وَهُوَ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا كُفْرٌ إجْمَاعًا وَهُوَ الْمُرَادُ هَاهُنَا كَالْجَهْلِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بَعْثَةَ الرُّسُلِ، وَأَرْسَلَهُمْ لِخَلْقِهِ بِالرَّسَائِلِ الرَّبَّانِيَّةِ وَكَالْجَهْلِ بِبَعْثَةِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِحْيَائِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ وَجَزَائِهِمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ عَلَى التَّفْصِيلِ الْوَارِدِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَالْجَهْلُ بِهَذَا كُفْرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ وَالْبِحَارِ فَلَمَّا انْتَفَتْ الشُّبْهَةُ الْمُوجِبَةُ لِلضَّلَالِ انْتَفَى الْعُذْرُ فَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى التَّكْفِيرِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ وَعَلَيْهِ تَدُورُ الْفَتَاوَى فَمَنْ جَوَّزَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا هُوَ مُسْتَحِيلٌ عَلَيْهِ يَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ نَقْلٌ وَتَوْجِيهٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ: (شِهَابُ الدِّينِ الْقِسْمُ السَّابِعُ الْجَهْلُ بِقِدَمِ الصِّفَاتِ لَا بِوُجُودِهَا وَتَعَلُّقِهَا كَقَوْلِ الْكَرَّامِيَّةِ بِحُدُوثِ الْإِرَادَةِ وَنَحْوِهَا، وَفِي التَّكْفِيرِ بِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلَانِ الصَّحِيحُ عَدَمُ التَّكْفِيرِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ نَقْلٌ وَتَرْجِيحٌ لَا كَلَامَ فِيهِ، وَمَا قَالَهُ فِي الْقِسْمِ الثَّامِنِ صَحِيحٌ أَيْضًا لَكِنْ فِيهِ إطْلَاقُ لَفْظِ الْجَهْلِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْبَاطِلِ فَإِنَّ الْفَلَاسِفَةَ مَذْهَبُهُمْ الْجَزْمُ بِأَنَّ لَا بَعْثَةَ لِلْأَجْسَامِ، وَمَا قَالَهُ فِي الْقِسْمِ التَّاسِعِ نَقْلٌ وَتَرْجِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَضَاءٌ قَضَيْته ثُمَّ رَاجَعْت فِيهِ نَفْسَك وَهُدِيت فِيهِ لِرُشْدِك أَنْ تَرْجِعَ إلَى الْحَقِّ، وَمُرَاجَعَتُهُ خَيْرٌ مِنْ الْبَاطِلِ وَالتَّمَادِي فِيهِ. الْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا تَلَجْلَجَ فِي صَدْرِك مِمَّا لَمْ يَبْلُغْك فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. اعْرِفْ الْأَمْثَالَ وَالْأَشْبَاهَ، وَقِسْ الْأُمُورَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَاعْمِدْ إلَى أَقْرَبِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ فِيمَا تَرَى، وَاجْعَلْ لِمَنْ ادَّعَى حَقًّا غَائِبًا أَوْ بَيِّنَةً أَمَدًا يَنْتَهِي إلَيْهِ فَإِنْ أَحْضَرَ بَيِّنَةً أُخِذَتْ لَهُ بِحَقِّهِ، وَإِلَّا أَوْجَبْت لَهُ الْقَضَاءَ فَإِنَّ ذَلِكَ أَنْفَى لِلشَّكِّ، وَأَبْلَغُ لِلْعُذْرِ. النَّاسُ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَجْلُودًا فِي حَدٍّ أَوْ مَجْرِيًّا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ أَوْ ظَنِينًا فِي وَلَاءٍ أَوْ نَسَبٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّى مِنْكُمْ السَّرَائِرَ، وَدَرَأَ عَنْكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَالْأَيْمَانِ، وَإِيَّاكَ وَالْقَلَقَ وَالضَّجَرَ وَالتَّأَذِّي بِالنَّاسِ وَالتَّنْكِيرَ عِنْدَ الْخُصُومَاتِ فَإِنَّ الْحَقَّ فِي مَوَاطِنِ الْحَقِّ يَعْظُمُ بِهِ الْأَجْرُ، وَيَحْسُنُ عَلَيْهِ الذُّخْرُ فَإِنَّ مَنْ يُصْلِحْ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ عَلَى نَفْسِهِ يَكْفِهِ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ تَزَيَّنَ بِمَا يَعْلَمُ اللَّهُ مِنْهُ غَيْرَهُ شَانَهُ اللَّهُ، فَمَا ظَنُّك بِثَوَابِ اللَّهِ فِي عَاجِلِ رِزْقِهِ وَخَزَائِنِ رَحْمَتِهِ، وَالسَّلَامُ. قَالَ ابْنُ سَهْلٍ هَذِهِ الرِّسَالَةُ أَصْلٌ فِيهِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ فُصُولِ الْقَضَاءِ وَمَعَانِي الْأَحْكَامِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فَيَنْبَغِي حِفْظُهَا وَالِاعْتِنَاءُ بِهَا ابْنُ سَهْلٍ، وَقَوْلُهُ فِيهَا: الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَخْ رَجَعَ عَنْهُ بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ قَالَ رَبِيعَةُ «قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ قَدْ جِئْتُك عَلَى أَمْرٍ لَا رَأْسَ لَهُ، وَلَا ذَنَبَ فَقَالَ عُمَرُ: مَا هُوَ؟ فَقَالَ شَهَادَةُ الزُّورِ ظَهَرَتْ بِأَرْضِنَا فَقَالَ عُمَرُ وَاَللَّهِ لَا يُؤْسَرُ رَجُلٌ فِي الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ عُدُولٍ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ عَمَّا فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ، وَأَخَذَ الْحَسَنُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ مِنْ التَّابِعِينَ بِمَا فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ مِنْ أَمْرِ الشُّهُودِ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى خِلَافِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْيَدِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمُرَجِّحَةِ لِقَوْلِ صَاحِبِهَا وَقَاعِدَةِ الْيَدِ الَّتِي لَا تُعْتَبَرُ] (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْيَدِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمُرَجِّحَةِ لِقَوْلِ صَاحِبِهَا وَقَاعِدَةِ الْيَدِ الَّتِي لَا تُعْتَبَرُ) وَهُوَ أَنَّ الْيَدَ الْمُرَجِّحَةَ عِبَارَةٌ عَنْ حِيَازَةٍ أَيْ قُرْبٌ وَاتِّصَالٌ إمَّا مَعَ جَهْلِ أَصْلِ الْمِلْكِ لِمَنْ هُوَ فَيَكْفِي فِيهَا عَشَرَةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ كَانَ الْمُحَوَّزُ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ، وَأَمَّا مَعَ عِلْمِنَا نَحْنُ بِأَنْفُسِنَا أَوْ بِالْبَيِّنَةِ بِأَنَّ أَصْلَ مِلْكِهَا يَحِقُّ لِلْحَائِزِ فَيَكْفِي فِيهَا عَشْرَةُ سِنِينَ فَأَكْثَرُ فِي الْعَقَارِ، وَعَامَانِ فَأَكْثَرُ فِي الدَّوَابِّ وَالْعَبِيدِ وَالثِّيَابِ قُلْت لَكِنْ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْقَرِيبِ فَتَنَبَّهْ، وَلِلْيَدِ مَرَاتِبُ مُتَرَتِّبَةٌ فَأَعْظَمُهَا ثِيَابُ الْإِنْسَانِ الَّتِي عَلَيْهِ، وَمِنْطَقَتُهُ، وَيَلِيهِ الْبِسَاطُ الَّذِي هُوَ جَالِسٌ عَلَيْهِ، وَالدَّابَّةُ الَّتِي هُوَ رَاكِبُهَا، وَيَلِيهِ الدَّابَّةُ الَّتِي هُوَ سَائِقُهَا أَوْ قَائِدُهَا، وَيَلِيهِ الدَّارُ الَّتِي هُوَ سَاكِنُهَا فَهِيَ دُونَ الدَّابَّةِ لِعَدَمِ اسْتِيلَائِهِ عَلَى جَمِيعِهَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَتُقَدَّمُ أَقْوَى الْيَدَيْنِ عَلَى أَضْعَفِهِمَا فَرَاكِبُ الدَّابَّةِ يُقَدَّمُ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى السَّائِقِ عِنْدَ تَنَازُعِهِمَا، وَإِذَا تَنَازَعَ السَّاكِنَانِ الدَّارَ سَوَّى بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَأَمَّا الْيَدُ الَّتِي لَا تُعْتَبَرُ فِي التَّرْجِيحِ أَلْبَتَّةَ فَعِبَارَةٌ عَنْ حِيَازَةٍ أَيْ قُرْبٍ وَاتِّصَالٍ عَلِمْنَا نَحْنُ بِأَنْفُسِنَا أَوْ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهَا بِطَرِيقٍ تَقْتَضِي عَدَمَ الْمِلْكِ بِحَقٍّ كَالْغَصْبِ، وَالْعَارِيَّةِ هَذَا تَهْذِيبُ مَا قَالَهُ الْأَصْلُ، وَصَحَّحَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ تُسُولِيِّ الْعَاصِمِيَّةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَصْلٌ) فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ إذَا ادَّعَيَاهَا فِي يَدِ ثَالِثٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا آجَرْتُهُ إيَّاهَا، وَقَالَ الْآخَرُ أَوْدَعْته إيَّاهَا صُدِّقَ مَنْ عُلِمَ سَبْقُ كِرَائِهِ

إجْمَاعًا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْفَلَاسِفَةِ، وَمَنْ تَابَعَهُمْ. (الْقِسْمُ التَّاسِعُ) الْجَهْلُ بِمَا وَقَعَ مِنْ مُتَعَلَّقَاتِ الصِّفَاتِ وَهُوَ تَعَلُّقُهَا بِإِيجَادِ مَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ لِلْخَلْقِ هَلْ يَجُوزُ هَذَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَمْ لَا فَأَهْلُ الْحَقِّ يُجَوِّزُونَهُ، وَأَنْ يَفْعَلَ لِعِبَادِهِ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ لَهُمْ، وَأَنْ لَا يَفْعَلَهُ كُلُّ ذَلِكَ لَهُ تَعَالَى فَكُلُّ نِعْمَةٍ مِنْهُ فَضْلٌ وَكُلُّ نِقْمَةٍ مِنْهُ عَدْلٌ وَالْخَلَائِقُ دَائِرُونَ بَيْنَ فَضْلِهِ وَعَدْلِهِ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، وَفِي تَكْفِيرِ الْمُعْتَزِلَةِ بِذَلِكَ قَوْلَانِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالصَّحِيحُ عَدَمُ تَكْفِيرِهِمْ. (الْقِسْمُ الْعَاشِرُ) مَا وَقَعَ مِنْ مُتَعَلَّقَاتِ الصِّفَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ أَوْ يَقَعُ مِمَّا لَمْ يُكَلَّفْ بِهِ كَخَلْقِ حَيَوَانٍ فِي الْعَالَمِ أَوْ إجْرَاءِ نَهْرٍ أَوْ إمَاتَةِ حَيَوَانٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا الْقِسْمُ لَا خِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَهُوَ جَهْلٌ بَلْ قَدْ يُكَلَّفُ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الشَّرَائِعِ لِأَمْرٍ يَخُصُّ تِلْكَ الصُّورَةَ لَا؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْقِسْمُ الْعَاشِرُ مَا وَقَعَ مِنْ مُتَعَلَّقَاتِ الصِّفَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ أَوْ يَقَعُ مَا لَمْ يُكَلَّفْ بِهِ كَخَلْقِ حَيَوَانٍ فِي الْعَالَمِ أَوْ إجْرَاءِ نَهْرٍ أَوْ إمَاتَةِ حَيَوَانٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا الْقِسْمُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَهُوَ جَهْلٌ) قُلْتُ: إنْ أَرَادَ الْجَهْلَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الْمَوْجُودَاتِ الْمَعْلُومِ وُجُودُهَا فَذَلِكَ كُفْرٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَإِنْ أَرَادَ الْجَهْلَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ حَيَوَانًا لَا يَعْلَمُ وُجُودَهُ فَذَلِكَ لَيْسَ بِكُفْرٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَهْلَ لَيْسَ بِرَاجِعٍ إلَى الْجَهْلِ بِتَعَلُّقِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ بَلْ بِوُجُودِ هَذَا الْمُتَعَلِّقِ. قَالَ: (بَلْ قَدْ يُكَلَّفُ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الشَّرَائِعِ لِأَمْرٍ يَخُصُّ تِلْكَ الصُّورَةَ لَا لِأَنَّ الْجَهْلَ بِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ إيدَاعِهِ، وَيُسْتَصْحَبُ الْحَالُ لَهُ، وَالْمِلْكُ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ لِلْآخَرِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِحِيَازَةٍ عَنْ الْأَوَّلِ وَحُضُورِهِ، وَلَمْ يُنْكِرْ فَيَقْضِي لَهُ فَإِنْ جُهِلَ السَّبْقُ قُسِّمَتْ بَيْنَهُمَا قَالَ أَشْهَدْت فَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا بِغَصْبِ الثَّالِثِ مِنْهُ، وَبَيِّنَةُ الْآخَرِ أَنَّ الثَّالِثَ أَقَرَّ لَهُ بِالْإِيدَاعِ قُضِيَ لِصَاحِبِ الْغَصْبِ لِتَضْمِينِ بَيِّنَتِهِ الْيَدَ السَّابِقَةَ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ لَوْ كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ، وَفِي يَدِ عَبْدٍ لِأَحَدِهِمَا فَادَّعَاهَا الثَّلَاثَةُ قُسِّمَتْ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا إنْ كَانَ الْعَبْدُ تَاجِرًا، وَإِلَّا فَنِصْفَيْنِ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِ مَوْلَاهُ أَفَادَهُمَا الْأَصْلُ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ تُسُولِيُّ الْعَاصِمِيَّةِ لَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ بِكُلِّ قِسْمٍ مِنْ قِسْمَيْ الْحِيَازَةِ الْمُرَجِّحَةِ مِنْ ذِكْرِ الْيَدِ وَتَصَرُّفِ الْحَائِزِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ وَالنِّسْبَةُ وَعَدَمِ الْمُنَازِعِ وَطُولِ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ فِي الْأُولَى يَعْنِي الْحِيَازَةَ مَعَ جَهْلِ أَصْلِ الْمِلْكِ لِمَنْ هُوَ، وَعَشْرُ سِنِينَ فِي الثَّانِيَةِ يَعْنِي الْحِيَازَةَ مَعَ عِلْمِ أَصْلِ الْمِلْكِ لِمَنْ هُوَ، وَعَدَمُ التَّفْوِيتِ فِي عِلْمِهِمْ فَإِذَا فُقِدَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ أَوْ وَاحِدٌ مِنْهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ عَلَى الْمَعْمُولِ بِهِ إلَّا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي حَاشِيَةِ اللَّامِيَّةِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ زِيَادَةُ مَالٍ مِنْ أَمْوَالِهِ ابْنِ عَرَفَةَ، وَفِي لَغْوِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ فِي دَارٍ بِأَنَّهَا مِلْكُ فُلَانٍ حَتَّى يَقُولَ، وَمَالٍ مِنْ أَمْوَالِهِ وَقَبُولِهَا مُطْلَقًا ثَالِثُهَا إنْ كَانَ الشُّهُودُ لَهُمْ نَبَاهَةٌ وَيَقَظَةٌ الْأَوَّلُ لِابْنِ سَهْل عَنْ مَالِكٍ قَائِلًا شَاهَدْت الْقَضَاءَ بِهِ. اهـ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) قَالَ تُسُولِيُّ الْعَاصِمِيَّةِ كَيْفِيَّةُ وَثْقِيَّةِ ذَلِكَ أَنْ تَقُولَ يَشْهَدُ الْوَاضِعُ شَكَاهُ أَثَرُهُ بِمَعْرِفَتِهِ لِفُلَانٍ، وَمَعَهَا يَشْهَدُ بِأَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ، وَعَلَى مِلْكِهِ مَالًا مِنْ أَمْوَالِهِ، وَمِلْكًا خَالِصًا مِنْ جُمْلَةِ أَمْلَاكِهِ جَمِيعُ كَذَا الْمَحْدُودِ بِكَذَا يُعْرَفُ فِيهِ تَصَرُّفُ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ، وَيَنْسُبُهُ لِنَفْسِهِ، وَالنَّاسُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ مُنَازِعٍ، وَلَا مُعَارِضَ مُدَّةً مِنْ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ أَوْ عَشْرِ سِنِينَ، وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهَا أُخْرِجَتْ عَنْ مِلْكِهِ إلَى الْآنَ أَوْ إلَى أَنْ تَعْتَدِيَ عَلَيْهَا فُلَانٌ أَوْ إلَى أَنْ غَابَ أَوْ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ، وَتَرَكَهَا لِمَنْ أَحَاطَ بِمِيرَاثِهِ إلَخْ فَإِذَا ثَبَتَ هَذِهِ الْوَثِيقَةُ هَكَذَا، وَأَعْذَرَ فِيهَا لِلْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجِدْ مَطْعَنًا فَلَا إشْكَالَ أَنَّهَا تَدُلُّ دَلَالَةً ظَنِّيَّةً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لِهَذَا الْقَائِمِ، وَلَا تُفِيدُ الْقَطْعَ لِأَنَّ الشَّهَادَاتِ مِنْ حَيْثُ هِيَ إنَّمَا تُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ فَقَطْ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّمَا تُقْبَلُ فِيمَا جُهِلَ أَصْلُ مِلْكِهِ لِأَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ لِمَنْ هُوَ مَجْهُولٌ عِنْدَنَا حَتَّى شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ لِهَذَا الْقَائِمِ. وَحِينَئِذٍ فَيَقْضِي لَهُ بِهِ حَيْثُ لَا مَطْعَنَ بَعْدَ أَنْ يَسْأَلَ الْحَائِزَ أَوْ لَا هَلْ لَك حُجَّةٌ، وَلَعَلَّهُ يُقِرُّ أَنَّ الْمِلْكَ لِلْقَائِمِ، وَأَنَّهُ دَخَلَ بِكِرَاءٍ أَوْ عَارِيَّةٍ فَإِنْ قَالَ حَوْزِي وَمِلْكِي، وَبِيَدِي وَأَثْبَتَ حِيَازَةَ ذَلِكَ عَنْهُ عَشْرَ سِنِينَ فِي الْأُصُولِ أَوْ عَامَيْنِ فِي غَيْرِهَا بِالْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا مِنْ الْيَدِ وَالنِّسْبَةِ، وَدَعْوَى الْمِلْكِ وَالتَّصَرُّفِ، وَعَدَمِ الْمُنَازِعِ إلَخْ، وَالْحَالُ أَنَّ الْقَائِمَ حَاضِرٌ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ إلَخْ فَقَدْ سَقَطَ حَقُّ الْقَائِمِ، وَتَبْقَى الْأَمْلَاكُ بِيَدِ حَائِزِهَا، وَلَا يُكَلَّفُ بَيَانُ وَجْهِ تَمَلُّكِهِ، وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ، وَبِالْجُمْلَةِ فَمَهْمَا ثَبَتَتْ الْحِيَازَةُ عَشَرَةَ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ بِالْقُيُودِ أَوَّلًا لَا تَقْطَعُهَا الْحِيَازَةُ الْوَاقِعَةُ بَعْدَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ عَشْرَ سِنِينَ فَأَكْثَرَ بِالْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا، وَمَهْمَا ثَبَتَتْ الْحِيَازَةُ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ مَعَ عِلْمِ أَصْلِ الْمِلْكِ لِمَنْ هُوَ قُطِعَتْ حُجَّةُ الْقَائِمِ مَعَ عِلْمِ أَصْلِ مِلْكِهِ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ أَصْلُ مَدْخَلِهِ أَمَّا إذَا عُلِمَ كَكَوْنِهِ دَخَلَ بِكِرَاءٍ مِنْ الْقَائِمِ أَوْ إسْكَانٍ أَوْ مُسَاقَاتٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهَا لَا تَقْطَعُهَا، وَلَوْ طَالَتْ فَأَصْلُ الْمِلْكِ، وَأَصْلُ الْمَدْخَلِ شَيْئَانِ مُتَغَايِرَانِ، وَهُمَا وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَشْتَرِطُ جَهْلَهُ لَكِنَّ الْأَوَّلَ شَرْطٌ فِي قَبُولِ بَيِّنَةِ الْقَائِمِ إذْ هِيَ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ، وَالثَّانِي شَرْطٌ فِي أَعْمَالِ حِيَازَةِ الْمُقَوِّمِ عَلَيْهِ إذْ لَا يَعْلَمُ بِحِيَازَتِهِ إلَّا إذَا جَهِلَ مَدْخَلَهُ. أَمَّا إذَا عَلِمَ

فِي حَقِّ اللَّهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ أَحَدُ الْقِسْمَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي الْقِسْمِ الثَّامِنِ فَهَذِهِ عَشَرَةُ أَقْسَامٍ فِي الْجَهْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِذَاتِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ الْعُلَى، وَمُتَعَلَّقَاتِ الصِّفَاتِ وَبَيَانِ الْكُفْرِ فِيهَا مِنْ غَيْرِهِ وَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ مِنْهَا مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ مُفَصَّلًا، وَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ مَا هُوَ كُفْرٌ مِنْهَا مِمَّا لَيْسَ بِكُفْرٍ، هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَهْلِ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَرَاءَةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ الْمَجَالُ الصَّعْبُ فِي التَّحْرِيرِ وَذَلِكَ أَنَّ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ وَجَمِيعَ الْمَعَاصِي كُلَّهَا جُرْأَةٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مُخَالَفَةَ أَمْرِ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ جَرَاءَةٌ عَلَيْهِ كَيْفَ كَانَ فَتَمْيِيزُ مَا هُوَ كُفْرٌ مِنْهَا مُبِيحٌ لِلدَّمِ مُوجِبٌ لِلْخُلُودِ هَذَا هُوَ الْمَكَانُ الْحَرِجُ فِي التَّحْرِيرِ وَالْفَتْوَى، وَالتَّعَرُّضُ إلَى الْحَدِّ الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــSفِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مَنْهِيٌّ عَنْهُ) قُلْتُ: إنْ أَرَادَ مِثْلَ السِّحْرِ الَّذِي يَكْفُرُ بِهِ فَذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا أَدْرِي مَا أَرَادَ. قَالَ: (وَهَذَا الْقِسْمُ الثَّانِي هُوَ أَحَدُ الْقِسْمَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي الْقِسْمِ الثَّامِنِ فَهَذِهِ عَشَرَةُ أَقْسَامٍ مِنْ الْجَهْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى وَمُتَعَلَّقَاتِ الصِّفَاتِ وَبَيَانِ الْكُفْرِ فِيهَا مِنْ غَيْرِهِ وَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ مِنْهَا مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ مُفَصَّلًا وَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ مَا هُوَ كُفْرٌ مِنْهَا مِمَّا لَيْسَ بِكُفْرٍ) قُلْتُ: فِيمَا قَالَهُ إنْ أَرَادَ حَصْرَ الْكُفْرِ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ. قَالَ: (هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَهْلِ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَرَاءَةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ الْمَجَالُ الصَّعْبُ فِي التَّحْرِيرِ، وَذَلِكَ أَنَّ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ وَجَمِيعَ الْمَعَاصِي كُلَّهَا جَرَاءَةٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مُخَالَفَةَ أَمْرِ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ جَرَاءَةٌ عَلَيْهِ كَيْفَ كَانَ فَتَمْيِيزُ مَا هُوَ كُفْرٌ مِنْهَا مُبِيحٌ لِلدَّمِ مُوجِبٌ لِلْخُلُودِ هَذَا هُوَ الْمَكَانُ الْحَرِجُ فِي التَّحْرِيرِ وَالْفَتْوَى، وَالتَّعَرُّضُ إلَى الْحُدُودِ الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــQبِإِسْكَانٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهَا لَا تَنْقَطِعُ حُجَّةُ الْأَوَّلِ بَلْ هِيَ حِينَئِذٍ كَالْعَدَمِ، وَانْظُرْ الْكَلَامَ عَلَى الْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الْيَدِ وَالنِّسْبَةِ وَغَيْرِهِمَا فِي حَاشِيَتِنَا عَلَى اللَّامِيَّةِ اهـ كَلَامُ التَّسَوُّلِيِّ بِتَصَرُّفٍ، وَسَتَأْتِي مَسَائِلُ أُخَرُ فِي الْحِيَازَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا هُوَ حُجَّةٌ، وَمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْحُكَّامِ فَتَرَقَّبْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَجِبُ إجَابَةُ الْحَاكِمِ فِيهِ إذَا دَعَاهُ إلَيْهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا تَجِبُ إجَابَتُهُ فِيهِ) اعْلَمْ أَنَّ دَعْوَى الْمُدَّعِي الَّتِي يَذْكُرُهَا لِلْحَاكِمِ وَيُوَجِّهُهَا عَلَى الْمَطْلُوبِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) أَنْ تَكُونَ مُجَرَّدَةً عَمَّا يَظْهَرُ بِهِ صِحَّتُهَا مِمَّا مَرَّ، وَعَنْ دَلِيلٍ وَشُبْهَةٍ، وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الْقِسْمِ هَلْ يَجِبُ بِهِ الْإِجَابَةُ عَلَى مَنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَمَا دُونَهَا لِأَعْلَى مِنْ فَوْقِهَا، وَهُوَ مَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ، وَلَا تَجِبُ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَفِي الْحَطَّابِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ نَقْلًا عَنْ الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ، وَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّ الدَّعْوَى قَدْ لَا تَتَوَجَّهُ فَيَبْعَثُ إلَيْهِ مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى، وَيُحْضِرُهُ لِمَا لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ، وَيَفُوتُ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ مَصَالِحِهِ، وَرُبَّمَا كَانَ حُضُورُ بَعْضِ النَّاسِ، وَالدَّعْوَى عَلَيْهِ بِمَجْلِسِ الْحُكَّامِ مُزْرِيَةً فَيَقْصِدُ مَنْ لَهُ غَرَضٌ فَاسِدٌ أَذَى مَنْ يُرِيدُ بِذَلِكَ مِنْ التَّبْصِرَةِ اهـ. (الْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ مَعَ مَا تَظْهَرُ بِهِ صِحَّتُهَا مِمَّا مَرَّ دُونَ أَنْ يَأْتِيَ بِدَلِيلٍ وَشُبْهَةٍ، وَفِي هَذَا الْقِسْمِ قَالَ الْأَصْلُ إنْ دَعَا مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَمَا دُونَ وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ لِأَنَّهُ لَا تَتِمُّ مَصَالِحُ الْأَحْكَامِ وَإِنْصَافِ الْمَظْلُومِينَ مِنْ الظَّالِمِينَ إلَّا بِذَلِكَ، وَمِنْ أَبْعَدِ مِنْ الْمَسَافَةِ لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ اهـ. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَيُجْلَبُ الْخَصْمُ مَعَ مُدَّعِيهِ بِخَاتَمٍ أَوْ رَسُولٍ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَإِنْ زَادَ لَمْ يَجْلِبْهُ اهـ وَقَالَ خَلِيلٌ وَجَلْبُ الْخَصْمِ بِخَاتَمٍ أَوْ رَسُولٍ إنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى لَا بِأَكْثَرَ كَسِتِّينَ مِيلًا اهـ يَعْنِي أَنَّ الْخَصْمَ إذَا كَانَ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ يُرْفَعُ بِالْإِرْسَالِ إلَيْهِ لَا بِالْخَاتَمِ عَلَى مَا بِهِ الْعَمَلُ كَمَا فِي الْيَزْنَاسِيِّ، وَظَاهِرُهُ وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ أَنَّهُ يُرْفَعُ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِشُبْهَةٍ ابْنُ عَرَفَةَ، وَبِهِ الْعَمَلُ، وَإِذَا كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى يُرْفَعُ بِكِتَابَةِ كِتَابٍ إلَيْهِ أَنْ اُحْضُرْ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَيُطِيعُ وَيُدْفَعُ لِلطَّالِبِ الْآتِي بِالدَّعْوَى الْمَذْكُورَةِ كَمَا فِي تُسُولِيِّ الْعَاصِمِيَّةِ قَالَ وَمَسَافَةُ الْعَدْوَى ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا فَهِيَ مَسَافَةُ الْقَصْرِ كَمَا فِي التَّبْصِرَةِ الْجَوْهَرِيُّ الْعَدْوَى طَلَبُك إلَى وَالٍ لِيُعْدِيَك عَلَى مَنْ ظَلَمَك أَيْ يَنْتَقِمُ مِنْهُ يُقَال اسْتَعْدَيْت عَلَى فُلَانٍ الْأَمِيرَ فَأَعْدَانِي أَيْ اسْتَعَنْت بِهِ فَأَعَانَنِي عَلَيْهِ اهـ. (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ تَكُونَ مَعَ مَا تَظْهَرُ بِهِ صِحَّتُهَا مِمَّا مَرَّ، وَمَعَ الْإِتْيَانِ بِدَلِيلٍ وَشُبْهَةٍ أَيْ لَطْخٍ كَجَرْحٍ أَوْ شَاهِدٍ أَوْ أَثَرِ ضَرْبٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَفِي هَذَا الْقِسْمِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فَإِنْ زَادَ أَيْ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى لَمْ يَجْلِبْهُ مَا لَمْ يَشْهَدْ شَاهِدٌ فَيَكْتُبُ إلَيْهِ إمَّا أَنْ يَحْضُرَ أَوْ يَرْضَى أَيْ خَصْمُهُ اهـ يَعْنِي أَنَّهُ تَجِبُ فِيهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا يَزِيدُ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى إمَّا الْإِجَابَةُ أَوْ إرْضَاءُ خَصْمِهِ لَكِنْ مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ الَّذِي عَلَى مَا يَزِيدُ عَلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى مِنْ مَحَلِّ وِلَايَةِ الْحَاكِمِ أَمَّا إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَاصِمٍ: ، وَالْحُكْمُ فِي الْمَشْهُورِ حَيْثُ الْمُدَّعَى ... عَلَيْهِ فِي الْأُصُولِ وَالْمَالِ مَعَا وَحَيْثُ يُلْفِيهِ بِمَا فِي الذِّمَّهْ ... يَطْلُبُهُ وَحَيْثُ أَصْلٌ ثَمَّهْ

يَمْتَازُ بِهِ أَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ مِنْ أَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ عَسِيرٌ جِدًّا بَلْ الطَّرِيقُ الْمُحَصِّلُ لِذَلِكَ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ حِفْظِ فَتَاوَى الْمُتَقَدِّمِينَ الْمُقْتَدَى بِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ وَيَنْظُرَ مَا وَقَعَ لَهُ هَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا أَفْتَوْا فِيهِ بِالْكُفْرِ أَوْ مِنْ جِنْسِ مَا أَفْتَوْا فِيهِ بِعَدَمِ الْكُفْرِ فَيُلْحِقَهُ بَعْدَ إمْعَانِ النَّظَرِ وَجَوْدَةِ الْفِكْرِ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ أَوْ وَقَعَتْ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ لِقُصُورِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّوْفِيقُ، وَلَا يُفْتِي بِشَيْءٍ فَهَذَا هُوَ الضَّابِطُ لِهَذَا الْبَابِ. أَمَّا عِبَارَةٌ مَانِعَةٌ جَامِعَةٌ لِهَذَا الْمَعْنَى فَهِيَ مِنْ الْمُتَعَذِّرَاتِ عِنْدَ مَنْ عَرَفَ غَوْرَ هَذَا الْمَوْضِعِ ـــــــــــــــــــــــــــــSيَمْتَازُ بِهِ أَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ مِنْ أَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ عَسِيرٌ جِدًّا بَلْ الطَّرِيقُ الْمُحَصِّلُ لِذَلِكَ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ حِفْظِ فَتَاوَى الْمُقْتَدَى بِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ وَيَنْظُرَ مَا وَقَعَ لَهُ هَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا أَفْتَوْا فِيهِ بِالْكُفْرِ أَوْ مِنْ جِنْسِ مَا أَفْتَوْا فِيهِ بِعَدَمِ الْكُفْرِ فَيُلْحِقَهُ بَعْدَ إمْعَانِ النَّظَرِ وَجَوْدَةِ الْفِكْرِ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ أَوْ وَقَعَتْ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ لِقُصُورِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّوَقُّفُ، وَلَا يُفْتِي بِشَيْءٍ فَهَذَا هُوَ الضَّابِطُ لِهَذَا الْبَابِ. أَمَّا عِبَارَةٌ جَامِعَةٌ لِهَذَا الْمَعْنَى فَهِيَ مِنْ الْمُتَعَذِّرَاتِ عِنْدَ مَنْ عَرَفَ غَوْرَ هَذَا الْمَوْضِعِ) قُلْتُ: لَيْسَ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ التَّكْفِيرَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِقَاطِعٍ سَمْعِيٍّ وَمَا ذَكَرَهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا مُعَوَّلَ عَلَيْهِ، وَلَا مُسْتَنَدَ فِيهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَلَدِهِ فَلَيْسَتْ الدَّعْوَى إلَّا هُنَالِكَ كَانَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ هُنَاكَ أَمْ لَا، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ فَإِمَّا أَنْ يَلْقَاهُ فِي مَحَلِّ الْأَصْلِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ أَوْ يَكُونُ الْمَالُ الْمُعَيَّنُ مَعَهُ أَوْ لَا فَيُجِيبُهُ لِمُخَاصَمَتِهِ هُنَاكَ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَأَمَّا مَا فِي الذِّمَّةِ فَيُخَاصِمُهُ حَيْثُ مَا لَقِيَهُ كَمَا فِي شَرْحِ التَّسَوُّلِيِّ. (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْأَصْلُ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَالْحَطَّابُ مَتَى طُولِبَ الشَّخْصُ بِحَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ عَلَى الْفَوْرِ كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَا يَدْفَعُهُ إلَّا بِالْحَاكِمِ لِأَنَّ الْمَطْلَ ظُلْمٌ، وَوُقُوفُ النَّاسِ عِنْدَ الْحَاكِمِ صَعْبٌ، نَعَمْ إذَا كَانَ الْحَقُّ نَفَقَةً لِلْأَقَارِبِ، وَجَبَ الْحُضُورُ فِيهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ لِتَقْدِيرِهَا فَإِنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ لِلزَّوْجَةِ أَوْ لِلرَّقِيقِ خُيِّرَ بَيْنَ إبَانَةِ الزَّوْجَةِ وَعِتْقِ الرَّقِيقِ وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ كَمَا يُخْبَرُ فِي كُلِّ حَقٍّ مَوْقُوفٍ عَلَى الْحَاكِمِ أَيْ أَوْ يُمْكِنُ فِيهِ التَّخْيِيرُ كَأَجَلِ الْعِنِّينِ يُخَيِّرُ الزَّوْجَ بَيْنَ الطَّلَاقِ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ فَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهَا، وَكَالْقِسْمَةِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى الْحَاكِمِ يُخْبَرُ بَيْنَ تَمْلِيكِ حِصَّتِهِ لِغَرِيمِهِ وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ فَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهَا وَكَالْفُسُوخِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى الْحَاكِمِ أَمَّا إنْ كَانَ الْحَقُّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْحَاكِمِ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ بَلْ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَدَائِهِ لَزِمَهُ أَدَاءٌ، وَلَا يَذْهَبُ إلَيْهِ، وَمَتَى عَلِمَ خَصْمُهُ إعْسَارَهُ حَرُمَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ، وَدَعْوَاهُ إلَى الْحَاكِمِ فَإِنْ دَعَاهُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِحَوْزٍ لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ، وَتَحْرُمُ فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ وَالْحُدُودِ وَسَائِرِ الْعُقُوبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ. هَذَا إذَا كَانَ الْحَقُّ مُتَّفِقًا عَلَى ثُبُوتِهِ أَمَّا إنْ دَعَاهُ إلَى حَقٍّ مُخْتَلَفٍ فِي ثُبُوتِهِ فَإِنْ كَانَ خَصْمُهُ يَعْتَقِدُ ثُبُوتَهُ وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا دَعْوَى حَقٍّ، وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ عَدَمَ ثُبُوتِهِ لَمْ تَجِبْ لِأَنَّهُ مُبْطِلٌ نَعَمْ إنْ دَعَاهُ الْحَاكِمُ وَجَبَ لِأَنَّ الْمَحَلَّ قَابِلٌ لِلْحُكْمِ وَالتَّصَرُّفِ وَالِاجْتِهَادِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ اهـ بِتَصَرُّفٍ قَالَ التَّسَوُّلِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ وَمَحَلُّ هَذَا التَّفْصِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يُعِينُهُ عَلَى الْحَقِّ، وَيَتَثَبَّتُ فِي أَمْرِهِ، وَأَمَّا إذَا فُقِدَ ذَلِكَ كَمَا فِي زَمَانِنَا الْيَوْمَ فَتَجِبُ الْإِجَابَةُ فِي الْجَمِيعِ لِئَلَّا يَقَعَ فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُشْرَعُ مِنْ الْحَبْسِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُشْرَعُ مِنْهُ) الْحَبْسُ عَشَرَةُ أَقْسَامٍ بِمَا زَادَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ عَلَى مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْأَصْلُ: (الْأَوَّلُ) حَبْسُ الْجَانِي لِغَيْبَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ حِفْظًا لِمَحَلِّ الْقِصَاصِ (الثَّانِي) حَبْسُ الْآبِقِ سَنَةً حِفْظًا لِلْمَالِيَّةِ رَجَاءَ أَنْ يَعْرِفَ رَبَّهُ (الثَّالِثُ) حَبْسُ الْمُمْتَنِعِ مِنْ دَفْعِ الْحَقِّ، وَلَوْ دِرْهَمًا، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَفْعُهُ وَعَجَزْنَا عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ إلَّا بِهِ لَجَاءَ إلَيْهِ فَلَا يُطْلَقُ حَتَّى يَدْفَعَهُ، وَلَا يُقَالُ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ تَقْتَضِي تَقْدِيرَ الْعُقُوبَاتِ بِقَدْرِ الْجِنَايَاتِ، وَتَخْلِيدُهُ فِي الْحَبْسِ عُقُوبَةٌ عَظِيمَةٌ كَيْفَ تَكُونُ فِي جِنَايَةٍ حَقِيرَةٍ، وَهِيَ الِامْتِنَاعُ مِنْ دَفْعِ دِرْهَمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّخْلِيدَ عُقُوبَةٌ وَاحِدَةٌ عَظِيمَةٌ حَتَّى يَرُدَّ مُخَالَفَةَ الْقَوَاعِدِ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تُقَابِلَ كُلُّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْحَبْسِ كُلَّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الِامْتِنَاعِ فَهِيَ جِنَايَاتٌ وَعُقُوبَاتٌ مُتَكَرِّرَةٌ مُتَقَابِلَةٌ فَلَمْ تُخَالِفْ الْقَوَاعِدَ كَمَا لِلْأَصْلِ سَلَّمْنَا أَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَاحِدَةٌ عَظِيمَةٌ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ دَفْعِ دِرْهَمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ جِنَايَةٌ حَقِيرَةٌ بَلْ هُوَ جِنَايَةٌ عَظِيمَةٌ فَإِنَّ مَطْلَ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَالْإِصْرَارَ عَلَى الظُّلْمِ وَالتَّمَادِي عَلَيْهِ جِنَايَةٌ عَظِيمَةٌ فَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ التَّخْلِيدَ، وَالظَّالِمُ أَحَقُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ كَمَا لِابْنِ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ

مَسْأَلَةٌ) . اتَّفَقَ النَّاسُ فِيمَا عَلِمْتُ عَلَى تَكْفِيرِ إبْلِيسَ بِقَضِيَّتِهِ مَعَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَيْسَ مُدْرَكُ الْكُفْرِ فِيهَا الِامْتِنَاعَ مِنْ السُّجُودِ، وَإِلَّا لَكَانَ كُلُّ مَنْ أُمِرَ بِالسُّجُودِ فَامْتَنَعَ مِنْهُ كَافِرًا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَلَا كَانَ كُفْرُهُ لِكَوْنِهِ حَسَدَ آدَمَ عَلَى مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِلَّا لَكَانَ كُلُّ حَاسِدٍ كَافِرًا، وَلَا كَانَ كُفْرُهُ لِعِصْيَانِهِ وَفُسُوقِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ عِصْيَانٌ وَفُسُوقٌ، وَإِلَّا كَانَ كُلُّ عَاصٍ وَفَاسِقٍ كَافِرًا وَقَدْ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ إبْلِيسَ إنَّمَا كَفَرَ بِنِسْبَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (مَسْأَلَةٌ اتَّفَقَ النَّاسُ فِيمَا عَلِمْتُ عَلَى تَكْفِيرِ إبْلِيسَ بِقَضِيَّتِهِ مَعَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَيْسَ مُدْرَكُ الْكُفْرِ فِيهَا الِامْتِنَاعَ مِنْ السُّجُودِ، وَإِلَّا لَكَانَ كُلُّ مَنْ أُمِرَ بِالسُّجُودِ فَامْتَنَعَ مِنْهُ كَافِرًا، وَلَا بِحَسَدِهِ لِآدَمَ لِمَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِلَّا لَكَانَ كُلُّ حَاسِدٍ كَافِرًا، وَلَا كَانَ كُفْرُهُ لِعِصْيَانِهِ وَفُسُوقِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ عِصْيَانٌ وَفُسُوقٌ، وَإِلَّا لَكَانَ كُلُّ عَاصٍ وَفَاسِقٍ كَافِرًا) . قُلْتُ: مَا قَالَهُ مِنْ لُزُومِ الْكُفْرِ لِكُلِّ مُمْتَنِعٍ مِنْ السُّجُودِ وَلِكُلِّ حَاسِدٍ وَلِكُلِّ عَاصٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ فِي الْعَقْلِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ تَعَالَى حَسَدًا مَا وَامْتِنَاعًا مَا وَعِصْيَانًا مَا دُونَ سَائِرِ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ كُفْرًا إذْ كَوْنُ أَمْرٍ مَا كُفْرًا أَوْ غَيْرَ كُفْرٍ أَمْرٌ وَضْعِيٌّ وَضَعَهُ الشَّارِعُ لِذَلِكَ فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ كُفْرُهُ لِامْتِنَاعِهِ أَوْ لِحَسَدِهِ. قَالَ: (وَقَدْ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ إبْلِيسَ إنَّمَا كَفَرَ بِنِسْبَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى ـــــــــــــــــــــــــــــQ (الرَّابِعُ) حَبْسُ مَنْ أَشْكَلَ أَمْرُهُ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ اخْتِبَارٌ لِحَالِهِ فَإِذَا ظَهَرَ حَالُهُ حُكِمَ بِمُوجِبِهِ عُسْرًا أَوْ يُسْرًا. (الْخَامِسُ) حَبْسُ الْجَانِي تَعْزِيرًا أَوْ رَدْعًا عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى. (السَّادِسُ) حَبْسُ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ التَّصَرُّفِ الْوَاجِبِ الَّذِي لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ كَحَبْسِ مَنْ أَسْلَمَ عَنْ أُخْتَيْنِ أَوْ عَشْرَةِ نِسْوَةٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا، وَامْتَنَعَ مِنْ التَّعْيِينِ. (السَّابِعُ) حَبْسُ مَنْ أَقَرَّ بِمَجْهُولِ عَيْنٍ أَوْ فِي الذِّمَّةِ، وَامْتَنَعَ مِنْ تَعْيِينِهِ فَيُحْبَسُ حَتَّى يُعَيِّنَهُ فَيَقُولُ الْمُقِرُّ بِهِ هُوَ هَذَا الثَّوَابُ أَوْ هَذِهِ الدَّابَّةُ أَوْ الشَّيْءُ الَّذِي أَقْرَرْت بِهِ فِي ذِمَّتِي هُوَ دِينَارٌ. (الثَّامِنُ) حَبْسُ الْمُمْتَنِعِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَيُقْتَلُ فِيهِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَنْ امْتَنَعَ مِنْ فِعْلِ الْحَجِّ، وَإِنْ قُلْنَا أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي، وَأَمَّا تَرْكُ السُّنَنِ فَمِثَالُهُ تَرْكُ الْوِتْرِ قَالَ أَصْبَغُ بِتَأْدِيبِ تَارِكِ الْوِتْرِ اهـ هَذَا مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْأَصْلُ. (التَّاسِعُ) مَنْ يُحْبَسُ اخْتِبَارٌ لِمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ السَّرِقَةِ وَالْفَسَادِ. (الْعَاشِرُ) حَبْسُ الْمُتَدَاعِي فِيهِ قَالَ تُسُولِيُّ الْعَاصِمِيَّةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الطَّالِبَ إمَّا أَنْ يَأْتِيَ بِعَدْلَيْنِ أَوْ بِعَدْلٍ أَوْ بِمَجْهُولٍ مَرْجُوٍّ تَزْكِيَتُهُ أَوْ بِمَجْهُولَيْنِ كَذَلِكَ أَوْ بِلَطْخٍ أَوْ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى فَالتَّوْقِيفُ فِي الْأَوَّلِ لَيْسَ إلَّا لِلْإِعْذَارِ مَا لَا خَرَاجَ لَهُ مِنْ الْعَقَارِ بِالْغَلْقِ، وَمَا لَهُ خَرَاجٌ يُوقَفُ خَرَاجُهُ، وَغَيْرُ الْعَقَارِ مِنْ الْعُرُوضِ وَالثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ بِالْوَضْعِ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ، وَبِيعَ وَوُضِعَ ثَمَنُهُ عِنْدَهُ فِي الثِّمَارِ إنْ كَانَ مِمَّا يَفْسُدُ، وَفِي الثَّانِي لِلْإِعْذَارِ فِيهِ أَوْ لِإِقَامَةِ ثَانٍ إنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ لِرَجَاءِ شَاهِدٍ آخَرَ فَالْمَنْعُ مِنْ التَّفْوِيتِ فَقَطْ فِي الْعَقَارِ، وَلَا يَنْزِعُ مِنْ يَدِهِ لَكِنْ يُوقِفُ مَالَهُ خَرَاجٌ مِنْهُ، وَفِي غَيْرِ الْعَقَارِ بِالْوَضْعِ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ، وَبَيْعِ مَا يَفْسُدُ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ أَجِدْ ثَانِيًا فَلَا أَحْلِفُ مَعَ هَذَا أَلْبَتَّةَ فَلَا يُبَاعُ حِينَئِذٍ بَلْ يُتْرَكُ لِلْمَطْلُوبِ، وَفِي الثَّالِثِ التَّزْكِيَةُ وَالْإِعْذَارُ بَعْدَهَا، وَحُكْمُهُ عَلَى مَا لِابْنِ رُشْدٍ وَأَبِي الْحَسَنِ وَابْنِ الْحَاجِبِ حُكْمُ الَّذِي قَبْلَهُ فِي سَائِرِ الْوُجُوهِ قَالَ ابْنُ رَحَّالٍ فِي شَرْحِهِ هُوَ كَالْعَدْلِ الْمَقْبُولِ فِي وُجُوبِ الْإِيقَافِ بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ مَعَهُ، وَفِي الرَّابِعِ التَّزْكِيَةُ وَالْإِعْذَارُ أَيْضًا، وَحُكْمُهُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ إلَّا فِي بَيْعِ مَا يَفْسُدُ فَيُبَاعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَفِي الْخَامِسِ، وَلَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي غَيْرِ الْعَقَارِ بِالْوَضْعِ عِنْدَ أَمِينٍ مَا لَمْ يَكُنْ مِمَّا يَفْسُدُ فَيُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَائِزِهِ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ كَالْعَدْلِ الَّذِي لَا يُرِيدُ صَاحِبُهُ الْحَلِفَ مَعَهُ، وَفِي السَّادِسِ لَا عَقْلَ أَيْ لَا حَبْسَ أَصْلًا إذْ لَا يُعْقَلُ عَلَى أَحَدٍ بِشَيْءٍ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْغَيْرِ فِيهِ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَجَرَى الْعَمَلُ بِالْإِيقَافِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى فِي غَيْرِ الْعَقَارِ قَالَ نَاظِمُهُ: وَكُلُّ مُدَّعٍ لِلِاسْتِحْقَاقِ ... مُكِّنَ مِنْ الْإِثْبَاتِ بِالْإِطْلَاقِ لَكِنْ حَكَى ابْنُ نَاجِي الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ هَذَا إنْ صَحَّ مُسْتَنَدُهُ فَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى مِنْ الْإِخْلَالِ بِحَقٍّ، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى حَقِّ الطَّالِبِ فَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَضَعَ قِيمَةَ كِرَائِهَا فِي أَيَّامِ الذَّهَابِ وَالْإِيقَافِ زِيَادَةً عَلَى قِيمَتِهَا فَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ شَيْئًا أَخَذَهُ الْمَطْلُوبُ لِأَنَّ هَذَا قَدْ اعْتَرَضَ مَالَ غَيْرِهِ، وَعَطَّلَهُ عَنْ مَنَافِعِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى لَطْخٍ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَنَدَ لَهُ فَلَا يَضْمَنُ الْكِرَاءَ الشُّبْهَةِ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ مَنْصُوصًا لِأَحَدٍ مِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْعَمَلِ، وَقَدْ حَكَى كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ الْمَعَاشُ يَذْهَبُونَ لِلْفَنَادِقِ فَيَعْتَرِضُونَ دَوَابَّ الْوَارِدِينَ حَتَّى يُصَالِحُوهُمْ بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ رَبُّ الدَّابَّةِ مَزْعُوجًا يُرِيدُ الْخُرُوجَ فِي الْحِينِ، وَقَدْ شَاهَدْنَا مِنْ ذَلِكَ

الْجَوْرِ وَالتَّصَرُّفِ الَّذِي لَيْسَ بِمَرْضِيٍّ ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْ فَحْوَى قَوْلِهِ {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12] وَمُرَادٌ أَنَّ إلْزَامَ الْعَظِيمِ الْجَلِيلِ بِالسُّجُودِ لِلْحَقِيرِ مِنْ التَّصَرُّفِ الرَّدِيءِ وَالْجَوْرِ وَالظُّلْمِ فَهَذَا وَجْهُ كُفْرِهِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ نَسَبَ اللَّهَ تَعَالَى لِذَلِكَ فَقَدْ كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْجُرْأَةِ الْعَظِيمَةِ. (مَسْأَلَةٌ) . أَطْلَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَجَمَاعَةٌ مَعَهُمْ الْكُفْرَ عَلَى السَّاحِرِ، وَأَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا قَرِيبٌ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ غَيْرَ أَنَّهُ عِنْدَ الْفُتْيَا فِي جُزْئِيَّاتِ الْوَقَائِعِ يَقَعُ فِيهِ الْغَلَطُ الْعَظِيمُ الْمُؤَدِّي إلَى هَلَاكِ الْمُفْتِي وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قِيلَ لِلْفَقِيهِ مَا هُوَ السِّحْرُ، وَمَا حَقِيقَتُهُ؟ حَتَّى يُقْضَى ـــــــــــــــــــــــــــــSالْجَوْرِ وَالتَّصَرُّفِ الَّذِي لَيْسَ بِمَرْضِيٍّ، ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْ فَحْوَى قَوْلِهِ {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12] وَمُرَادُهُ أَنَّ إلْزَامَ الْعَظِيمِ الْجَلِيلِ بِالسُّجُودِ لِلْحَقِيرِ مِنْ التَّصَرُّفِ الرَّدِيءِ وَالْجَوْرِ وَالظُّلْمِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ كُفْرُهُ لِامْتِنَاعِهِ أَوْ لِحَسَدِهِ أَوْ لَهُمَا مَعَ ذِكْرِهِ مِنْ التَّجْوِيرِ أَوْ التَّجْوِيرِ خَاصَّةً فَلَا مَانِعَ مِنْ عَقْلٍ وَلَا نَقْلٍ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: (فَهَذَا وَجْهُ كُفْرِهِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ نَسَبَ اللَّهَ تَعَالَى لِذَلِكَ فَقَدْ كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْجُرْأَةِ الْعَظِيمَةِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ صَحِيحٌ، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْجُرْأَةِ الْعَظِيمَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ الْجَهْلِ الْعَظِيمِ بِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِأَنَّهُ مُنَزَّهٌ مِنْ التَّصَرُّفِ الرَّدِيءِ وَالْجَوْرِ وَالظُّلْمِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّهِ عَقْلًا وَسَمْعًا، وَمَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ صَحِيحٌ إنْ كَانَ مَا بَنَى عَلَيْهِ كَلَامًا صَحِيحًا ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَجَبَ الْعُجَابَ، وَقَدْ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا الْتَزَمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إحْضَارَ الْمُدَّعِي فِيهِ لِتَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهِ فَإِنْ ثَبَتَ الْحَقُّ فَالْمُؤْنَةُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُبْطِلٌ، وَإِلَّا فَعَلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ مُبْطِلٌ فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ. وَلَا تَجِبُ أُجْرَةُ تَعْطِيلِ الْمُدَّعَى بِهِ فِي مُدَّةِ الْإِحْضَارِ انْتَهَى فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ مُبْطِلٌ فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ إلَخْ مَعَ أَنَّ مَا قَالَهُ مِنْ وُجُوبِ الْإِحْضَارِ إنَّمَا هُوَ مَعَ قِيَامِ اللَّطْخِ انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْ كَلَامِ التَّسَوُّلِيِّ هَذَا مَا زَادَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ عَلَى مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْأَصْلُ مِنْ حَصْرِ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَبْسِ فِي الْأَقْسَامِ الثَّمَانِيَةِ الْأَوَّلُ فَلِذَا قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ لَيْسَ كَمَا قَالَهُ، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ أَهُوَ مَا عَدَا هَذِهِ الْأَقْسَامَ الْعَشَرَةَ لَا يَجُوزُ الْحَبْسُ فِيهِ. قَالَ الْأَصْلُ: وَلَا يَجُوزُ الْحَبْسُ فِي الْحَقِّ إذَا تَمَكَّنَ الْحَاكِمُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ مِثْلُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ دَفْعِ الدَّيْنِ، وَنَحْنُ نَعْرِفُ مَالَهُ فَإِنَّا نَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ الدَّيْنِ، وَلَا يَجُوزُ لَنَا حَبْسُهُ، وَكَذَلِكَ إذْ ظَفِرْنَا بِدَارِهِ أَوْ بِشَيْءٍ يُبَاعُ لَهُ فِي الدَّيْنِ كَانَ هُنَا أَمْ لَا فَإِنَّا نَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَا نَحْبِسُهُ فَإِنَّ فِي حَبْسِهِ اسْتِمْرَارَ ظُلْمِهِ، وَدَوَامَ الْمُنْكَرِ مِنْ الْمَطْلِ، وَضَرَرُهُ هُوَ مَعَ إمْكَانِ أَنْ يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ، وَكَذَلِكَ إذَا رَأَى الْحَاكِمُ عَلَى الْخَصْمِ فِي الْحَبْسِ مِنْ الثِّيَابِ وَالْقُمَاشِ مَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ عَنْهُ أَخَذَهُ مَنْ عَلَيْهِ قَهْرًا، وَبَاعَهُ فِيمَا عَلَيْهِ، وَلَا يَحْبِسُهُ تَعْجِيلًا ابْنُ الْمُنَاصِفِ فِي تَنْبِيهِ الْحُكَّامِ عَلَى مَأْخَذِ الْأَحْكَامِ، وَإِذَا ضَرَبَ الْأَجَلَ لِلطَّالِبِ فِي إثْبَاتِ مَا ادَّعَاهُ قَبْلَ الْمَطْلُوبِ فَسَأَلَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَطْلُوبِ كَفِيلًا بِوَجْهِهِ لِأَجْلِ الْخُصُومَةِ فَعَلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْكَفِيلِ لَمْ يُحْبَسْ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَقِيلَ لِلطَّالِبِ لَازِمْهُ إنْ شِئْت، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا أَوْ شَيْئًا مُسْتَهْلَكًا، وَسَأَلَ الْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ لَهُ مِنْهُ كَفِيلًا بِذَلِكَ الْحَقِّ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ عَلَى الْمُخَالَطَةِ وَالْمُعَامَلَةِ. وَمَا يُوجِبُ اللَّطْخَ، وَهُمْ حُضُورٌ فَإِنَّهُ يُوَكَّلُ بِالْمَطْلُوبِ حَتَّى يَأْتِيَ بِذَلِكَ اللَّطْخِ فِيمَا قَرُبَ مِنْ يَوْمِهِ، وَشَبَهُهُ اُنْظُرْ تَمَامُهَا فِي التَّهْذِيبِ أَفَادَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ، وَقَدْ عَقَدَ فَصْلًا لِأَمْثِلَةِ الْأَقْسَامِ الْعَشَرَةِ مَعَ تَقْسِيمِهِ الْقِسْمَ الثَّالِثَ، وَهُوَ حَبْسُ الْمُمْتَنِعِ مِنْ دَفْعِ الْحَقِّ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ حَبْسُ تَضْيِيقٍ وَتَنْكِيلٍ، وَحَبْسُ تَعْزِيرٍ وَتَنْكِيلٍ، وَحَبْسُ تَعْزِيرٍ وَتَأْدِيبٍ، وَحَبْسُ مَلُومٍ وَاخْتِيَارٍ، وَبَيَانُ مَنْ لِكُلِّ قِسْمٍ، وَأَمْثِلَتُهُ، وَفَصْلًا لِبَيَانِ أَنَّ قَدْرَ مُدَّةِ الْحَبْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهِ وَمُوجِبَاتِهِ فَانْظُرْ. (فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ فِي وَثَائِقِ ابْنِ الْهِنْدِيِّ أَنَّ السِّجْنَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَصْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسراء: 8] أَيْ سِجْنًا وَحَبْسًا قَالَ أَوْ السِّجْنُ، وَإِنْ كَانَ أَسْلَمَ الْعُقُوبَاتِ فَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ قَوْله تَعَالَى {إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يوسف: 25] أَنَّ السِّجْنَ مِنْ الْعُقُوبَاتِ الْبَلِيغَةِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَرَنَهُ مَعَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَقَدْ عَدَّ يُوسُفُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الِانْطِلَاقَ مِنْ السِّجْنِ إحْسَانًا إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} [يوسف: 100] وَلَا شَكَّ أَنَّ السِّجْنَ الطَّوِيلَ عَذَابٌ، وَقَدْ حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ فِرْعَوْنَ إذْ أَوْعَدَ مُوسَى {لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء: 29] وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ، وَلَمَّا اسْتَخْلَفَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ ابْنَهُ عَلَى بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَوْصَاهُ أَنْ لَا يُعَاقِبَ فِي حِينِ الْغَضَبِ، وَحَضَّهُ عَلَى أَنْ لَا يَسْجُنَ حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُهُ ثُمَّ يَرَى رَأْيَهُ، وَكَانَ يَقُولُ إنَّ أَوَّلَ مَنْ اتَّخَذَ السِّجْنَ كَانَ حَلِيمًا، وَلَمْ يُرِدْ مَرْوَانُ طُولَ السِّجْنِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ السِّجْنَ الْخَفِيفَ حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُهُ، وَقَالَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ الْحَنْبَلِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الْحَبْسَ الشَّرْعِيَّ لَيْسَ هُوَ السِّجْنُ فِي مَكَان ضَيِّقٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْوِيقُ الشَّخْصِ وَمَنْعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ حَيْثُ شَاءَ سَوَاءٌ كَانَ فِي بَيْتٍ أَوْ فِي مَسْجِدٍ أَوْ كَانَ يَتَوَكَّلُ نَفْسَ الْغَرِيمِ أَوْ وَكِيلَهُ عَلَيْهِ، وَمُلَازَمَتُهُ لَهُ. وَلِهَذَا أَسْمَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

بِوُجُودِهِ عَلَى كُفْرِ فَاعِلِيهِ يَعْسُرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ جِدًّا فَإِنَّك إذَا قُلْتُ لَهُ: السِّحْرُ وَالرُّقَى وَالْخَوَاصُّ وَالسِّيمْيَا وَالْهِيمْيَا وَقُوَى النُّفُوسِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَكُلُّهَا سِحْرٌ أَوْ بَعْضُ هَذِهِ الْأُمُورِ سِحْرٌ وَبَعْضُهَا لَيْسَ بِسِحْرٍ فَإِنْ قَالَ الْكُلُّ سِحْرٌ يَلْزَمُهُ أَنَّ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ سِحْرٌ؛ لِأَنَّهَا رُقْيَةٌ إجْمَاعًا، وَإِنْ قَالَ بَلْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ خَاصِّيَّةٌ يَخْتَصُّ بِهَا فَيُقَالُ بَيِّنْ لَنَا خُصُوصَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَمَا بِهِ تَمْتَازُ وَهَذَا لَا يَكَادُ يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُتَعَرِّضِينَ لِلْفُتْيَا، وَأَنَا طُولَ عُمُرِي مَا رَأَيْتُ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ فَكَيْفَ يُفْتِي أَحَدٌ بَعْدَ هَذَا بِكُفْرِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ سِحْرٌ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ السِّحْرَ مَا هُوَ؟ ، وَلَقَدْ وُجِدَ فِي بَعْضِ الْمَدَارِسِ بَعْضُ الطَّلَبَةِ عِنْدَهُ كُرَّاسَةٌ فِيهَا آيَاتٌ لِلْمَحَبَّةِ وَالْبِغْضَةِ وَالتَّهْيِيجِ وَالنَّزِيفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تُسَمِّيهَا الْمَغَارِبَةُ عِلْمَ الْمِخْلَاةِ فَأَفْتَوْا بِكُفْرِهِ، وَإِخْرَاجِهِ مِنْ الْمَدْرَسَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأُمُورَ سِحْرٌ، وَأَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ وَهَذَا جَهْلٌ عَظِيمٌ وَإِقْدَامٌ عَلَى شَرِيعَةِ اللَّهِ بِجَهْلٍ وَعَلَى عِبَادِهِ بِالْفَسَادِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ فَاحْذَرْ هَذِهِ الْخُطَّةَ الرَّدِيَّةَ الْمُهْلِكَةَ عِنْدَ اللَّهِ وَسَتَقِفُ فِي الْفَرْقِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا عَلَى الصَّوَابِ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ سِحْرٌ يَكْفُرُ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ) : ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ سِحْرٌ يَكْفُرُ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ فَهَذِهِ أَنْوَاعُ السَّحَرِ الثَّلَاثَةِ) : قُلْتُ ذَلِكَ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ إلَّا أَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَسِيرًا فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ «عَنْ الْهِرْمَاسِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِغَرِيمٍ لِي فَقَالَ الْزَمْهُ ثُمَّ قَالَ لِي يَا أَخَا بَنِي تَمِيمٍ مَا تُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ بِأَسِيرِك» ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ مَرَّ بِي آخَرَ النَّهَارِ فَقَالَ مَا فَعَلَ أَسِيرُك يَا أَخَا بَنِي تَمِيمٍ، وَهَذَا كَانَ هُوَ الْحَبْسُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَبْسٌ مُعَدٌّ لِحَبْسِ الْخُصُومِ فَلَمَّا انْتَشَرَتْ الرَّعِيَّةُ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ابْتَاعَ بِمَكَّةَ دَارًا، وَجَعَلَهَا سِجْنًا يَحْبِسُ فِيهَا، وَجَاءَ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دَارًا بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَجَعَلَهَا حَبْسًا، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الْحَبْسِ اهـ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَرَجِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الطَّلَّاعِ الْأَنْدَلُسِيِّ الْمَالِكِيِّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِأَحْكَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتَلَفَتْ الْآثَارُ هَلْ سَجَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَحَدًا أَمْ لَا فَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا سِجْنٌ، وَلَا سَجَنَا أَحَدًا، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَنَ فِي الْمَدِينَةِ فِي تُهْمَةِ دَمٍ» رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالنَّسَائِيُّ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا، وَفِي غَيْرِ الْمُصَنَّفِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ خَلَّى عَنْهُ» . وَوَقَعَ فِي أَحْكَامِ ابْنِ زِيَادٍ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَنَ رَجُلًا أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ» فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ اسْتِتْمَامَ عِتْقِهِ قَالَ فِي الْحَدِيثِ حَتَّى بَاعَ غَنِيمَةً لَهُ. وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي كِتَابِهِ وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ حَكَمَ بِالضَّرْبِ وَالسِّجْنِ» فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَنَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي سِجْنٍ مُتَّخَذٍ لِذَلِكَ، وَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ لَهُ سِجْنٌ، وَأَنَّهُ سَجَنَ الْحُطَيْئَةَ عَلَى الْهَجْوِ، وَسَجَنَ ضَبُعًا عَلَى سُؤَالِهِ عَنْ الذَّارِيَاتِ وَالْمُرْسَلَاتِ وَالنَّازِعَاتِ، وَشَبَهِهِنَّ وَأَمْرِهِ النَّاسَ بِالتَّفَقُّهِ فِي ذَلِكَ، وَضَرَبَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وَنَفَاهُ إلَى الْعِرَاقِ، وَقِيلَ إلَى الْبَصْرَةِ، وَكَتَبَ أَنْ لَا يُجَالِسَهُ أَحَدٌ قَالَ الْمُحَدِّثُ فَلَوْ جَاءَنَا، وَنَحْنُ مِائَةٌ لَتَفَرَّقْنَا عَنْهُ ثُمَّ كَتَبَ أَبُو مُوسَى إلَى عُمَرَ أَنَّهُ قَدْ حَسُنَتْ تَوْبَتُهُ فَأَمَرَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَسَجَنَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صَابِئَ بْنَ حَارِثٍ، وَكَانَ مِنْ لُصُوصِ بَنِي تَمِيمٍ وَفُتَّاكِهِمْ حَتَّى مَاتَ فِي الْحَبْسِ، وَسَجَنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْكُوفَةِ، وَسَجَنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي مَكَّةَ، وَسَجَنَ أَيْضًا فِي سِجْنِ عَارِمَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ إذْ امْتَنَعَ مِنْ بَيْعَتِهِ اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَنْ يُشْرَعُ إلْزَامُهُ بِالْحَلِفِ وَقَاعِدَةِ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الْحَلِفُ) وَهُوَ أَنَّ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةَ الْمُسْتَكْمِلَةَ لِشُرُوطِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ إمَّا أَنْ تَثْبُتَ بِدُونِ الشَّاهِدَيْنِ، وَإِمَّا أَنْ لَا تَثْبُتَ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ فَهِيَ قِسْمَانِ، وَفِي الْقِسْمِ الثَّانِي قَالَ أَبُو عَمْرُو بْنُ الْحَاجِبِ كُلُّ دَعْوَى لَا تَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ فَلَا يَمِينَ بِمُجَرَّدِهَا، وَلَا تُرَدُّ كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالنَّسَبِ وَالْوَلَاءِ وَالرَّجْعَةِ، وَأَلْحَقَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ بِهَذِهِ أَمْثِلَةً كَثِيرَةً، وَقَالَ، وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ، وَسَيَأْتِي كَثِيرٌ مِنْهُ فِي بَابِ الْقَضَاءِ بِقَوْلِ الْمُدَّعِي، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ فَانْظُرْهُ. وَفِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ قَالَ الْأَصْلُ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ كُلُّ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى صَحِيحَةٌ أَيْ مُسْتَكْمِلَةٌ لِشُرُوطِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي مِنْهَا أَنْ لَا يُكَذِّبَهَا الْعُرْفُ، وَكَانَتْ مِمَّا تَثْبُتُ بِدُونِ الشَّاهِدَيْنِ

وَاعْلَمْ أَنَّ السِّحْرَ يَلْتَبِسُ بِالْهِيمْيَاءِ وَالسِّيمْيَاءِ وَالطَّلْسَمَاتِ وَالْأَوْفَاقِ وَالْخَوَاصِّ الْمَنْسُوبَةِ لِلْحَقَائِقِ وَالْخَوَاصِّ الْمَنْسُوبَةِ لِلنُّفُوسِ وَالرُّقَى وَالْعَزَائِمِ وَالِاسْتِخْدَامَات فَهَذِهِ عَشْرُ حَقَائِقَ. (الْحَقِيقَةُ الْأُولَى) السِّحْرُ وَقَدْ وَرَدَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ بِذَمِّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69] وَفِي السُّنَّةِ أَيْضًا لَمَّا عَدَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْكَبَائِرَ قَالَ وَالسِّحْرُ غَيْرَ أَنَّ الْكُتُبَ الْمَوْضُوعَةَ فِي السِّحْرِ وُضِعَ فِيهَا هَذَا الِاسْمُ عَلَى مَا هُوَ كَذَلِكَ كُفْرٌ وَمُحَرَّمٌ وَعَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ السَّحَرَةُ يُطْلِقُونَ لَفْظَ السِّحْرِ عَلَى الْقِسْمَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعَرُّضِ لِبَيَانِ ذَلِكَ فَنَقُولُ السِّحْرُ اسْمُ جِنْسٍ لِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ. (النَّوْعُ الْأَوَّلُ) السِّيمِيَاءُ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا يُرَكَّبُ مِنْ خَوَاصَّ أَرْضِيَّةٍ كَدُهْنٍ خَاصٍّ أَوْ مَائِعَاتٍ خَاصَّةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ خَاصَّةٍ تُوجِبُ تَخَيُّلَاتٍ خَاصَّةً وَإِدْرَاكَ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ أَوْ بَعْضًا لِحَقَائِقَ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَشْمُومَاتِ وَالْمُبْصَرَاتِ وَالْمَلْمُوسَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــSالسِّحْرَ عَلَى الْجُمْلَةِ مِنْهُ مَا هُوَ خَارِقٌ لِلْعَوَائِدِ، وَمِنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَجَمِيعُهُ مِنْ جُمْلَةِ أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى الْجَائِزَةِ عَقْلًا فَلَا غَرْوَ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَالِكَ مَانِعٌ سَمْعِيٌّ مِنْ وُقُوعِ بَعْضِ تِلْكَ الْجَائِزَاتِ وَقَدْ سَبَقَتْ لَهُ حِكَايَةُ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى إحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَفَلْقِ الْبَحْرِ، وَإِنْطَاقِ الْبَهَائِمِ وَهَذَا الْإِجْمَاعُ الَّذِي حَكَاهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُ إلَّا التَّوْقِيفَ، وَلَا أَعْرِفُ الْآنَ صِحَّةَ ذَلِكَ الْإِجْمَاعِ، وَلَا التَّوْقِيفَ الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQنَوْعَانِ: الْأَوَّلُ مَا يَشْهَدُ بِهَا الْعُرْفُ فَيُشْرَعُ التَّحْلِيفُ بِمُجَرَّدِهَا بِلَا شَرْطِ خُلْطَةٍ وَنَحْوِهَا، وَتَتَّفِقُ الْأَئِمَّةُ فِيهَا، وَحَصَرَ أَبُو عُمَرَ هَذَا النَّوْعَ فِي خَمْسِ مَوَاطِنَ: (الْمَوْطِنُ الْأَوَّلُ) أَهْلُ التُّهَمِ وَالْعَدَاءِ وَالظُّلْمِ لِكُلِّ مَنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِمَا ادَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ. (الْمَوْطِنُ الثَّانِي) الصُّنَّاعُ فِيمَا ادَّعَى عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ أَنَّهُمْ اسْتَصْنَعُوهُمْ، وَالتُّجَّارُ لِمَنْ تَاجَرَهُمْ، وَأَهْلُ الْأَسْوَاقِ، وَأَهْلُ الْحَوَانِيتِ فِيمَا ادَّعَى عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ بَاعُوهُ مِمَّا يُرِيدُونَهُ، وَيَتَّجِرُونَ فِيهِ بِخِلَافِ غَيْرِ مَا يُرِيدُونَهُ وَيَتَّجِرُونَ فِيهِ فَلَا يَمِينَ فِيهِ إلَّا بِشُبْهَةٍ. (الْمَوْطِنُ الثَّالِثُ) الْقَائِلُ عِنْدَ مَوْتِهِ لِي عِنْدَ فُلَانٍ دَيْنٌ أَوْ تَدَّعِي وَرَثَةُ الْمُتَوَفَّى عَلَى رَجُلٍ بِأَنَّ لِمُوَرِّثِهِمْ مَالًا عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ نَصُّوهُ لِأَنَّ مَنْ ادَّعَى بِسَبَبٍ مُتَوَفًّى فَهُوَ بِخِلَافِ الْحَيِّ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. (الْمَوْطِنُ الرَّابِعُ) الْمُتَضَيِّفُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَيَدَّعِي عَلَيْهِ. (الْمَوْطِنُ الْخَامِسُ) الْعَارِيَّةُ الْوَدِيعَةُ كَأَنْ يَنْزِلَ الْغَرِيبُ الْمَدِينَةَ فَيَدَّعِي أَنَّهُ اسْتَوْدَعَ رَجُلًا مَالًا، وَزَادَ فِي التَّبْصِرَةِ مَوْطِنًا سَادِسًا، وَهُوَ الْقَاتِلُ يَدَّعِي أَنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ عَفَا عَنْهُ فَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَحْلِفُ، وَأَنْكَرَهُ أَشْهَبُ وَمَوْطِنًا سَابِعًا، وَهُوَ مَنْ بَاعَ سِلْعَةَ رَجُلٍ، وَادَّعَى أَنَّهُ أَمَرَهُ بِبَيْعِهَا، وَأَنْكَرَهُ صَاحِبُهَا، وَهِيَ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ، وَيَأْخُذُهَا، وَمَوْضِعًا ثَامِنًا، وَهُوَ مَنْ ادَّعَى عَلَى مَنْ لَقِيَهُ بَقِيَّةَ كِرَاءٍ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ مَا اكْتَرَى مِنْهُ شَيْئًا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ حَلَفَ إنْ كَانَ مُنْكِرًا. (النَّوْعُ الثَّانِي) مَا لَمْ يَتَعَرَّضْ الْعُرْفُ لِتَكْذِيبِهَا، وَلَا تَصْدِيقِهَا فَلَا يُشْرَعُ فِيهَا التَّحْلِيفُ إلَّا بِإِثْبَاتِ خُلْطَةِ مَشْهُورِ الدَّعْوَى دَيْنٌ عَلَى غَيْرِ مَنْ تَقَدَّمَ فِي الْمَوَاطِنِ الْمَذْكُورَةِ، وَكَمَا إذَا ادَّعَى عَلَى الرَّجُلِ الْمُبَرَّزِ مَنْ لَيْسَ مِنْ شَكْلِهِ وَلَا نَمَطِهِ لَمْ تَجِبْ لَهُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ إلَّا بِثُبُوتِ الْخُلْطَةِ كَمَا فِي التَّبْصِرَةِ عَنْ وَثَائِقِ ابْنِ الْهِنْدِيِّ، وَلِأَصْحَابِنَا فِي الْخُلْطَةِ الَّتِي اُشْتُرِطَتْ فِي هَذَا النَّوْعِ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: (الْأَوَّلُ) لِابْنِ الْقَاسِمِ هِيَ أَنْ يُسَالِفَهُ أَوْ يُبَايِعَهُ مِرَارًا، وَإِنْ تَقَابَضَا فِي ذَلِكَ الثَّمَنِ أَوْ السِّلْعَةِ، وَتَفَاصَلَا قَبْلَ التَّفْرِقَةِ. (وَالثَّانِي) لِسَحْنُونٍ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيْعِ بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ. (وَالثَّالِثُ) لِلْأَبْهَرِيِّ هِيَ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى تَشْبِيهٌ أَنْ يَدَّعِيَ مِثْلَهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا يَحْلِفُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْمُدَّعِي بِلَطْخٍ. (وَالرَّابِعُ) لِلْقَاضِي أَبِي حَسَنِ بْنِ الْقَصَّارِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُشْبِهُ أَنْ يُعَامَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْأَصْلِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَفَسَّرَ أَصْبَغُ الْخُلْطَةَ فَلَمْ يَرَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، وَلَا الْجُلَسَاءُ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا الْجِيرَانُ خُلْطَةً، وَلَمْ يَرَهَا إلَّا بِتَكَرُّرِ الْمُبَايَعَةِ، وَأَنْ يَبِيعَ مِنْهُ بِالنَّسِيئَةِ اهـ. قُلْت وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ سَحْنُونٍ فَافْهَمْ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ، وَفَائِدَةُ اشْتِرَاطِ كُلٍّ مِنْ تَكْرَارِ الْمُبَايَعَةِ وَالنَّسِيئَةِ أَنَّهُ لَوْ بَايَعَهُ مَرَّةً بِالنَّقْدِ، وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَتَفَاصَلَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خُلْطَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا بَقِيَّةٌ تُوجِبُ الْيَمِينَ قَالَ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ رَاشِدٍ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ خُلْطَةِ الْمُبَايَعَةِ وَبَيْنَ خُلْطَةِ الْمُصَاحَبَةِ وَالْمُؤَاخَاةِ فَإِنَّهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ كَفَالَةً فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بُدَّ مِنْ الْخُلْطَةِ قَالَ يُرِيدُ خُلْطَةَ صُحْبَةٍ وَمُؤَاخَاةٍ لَا خُلْطَةَ مُبَايَعَةٍ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْخُلْطَةَ تُعْتَبَرُ بِصُحْبَةِ مُدَّعِي الدَّيْنِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْحَمَالَةِ، وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُ يُرَاعِي ذَلِكَ مِنْ الْغَرِيمِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحَمَالَةُ. وَوَجْهُ ابْنِ يُونُسَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ يَقُولُ إنَّمَا وَثِقْت بِمُبَايَعَةِ مَنْ لَا أَعْرِفُ لِكَفَالَتِك إيَّاهُ فَلِذَلِكَ تَوَجَّهَتْ لَهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ اهـ. قُلْت، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ خَامِسٌ فِي الْخُلْطَةِ

وَالْمَسْمُوعَاتِ وَقَدْ يَكُونُ لِذَلِكَ وُجُودٌ حَقِيقِيٌّ يَخْلُقُ اللَّهُ تِلْكَ الْأَعْيَانَ عِنْدَ تِلْكَ الْمُحَاوَلَاتِ وَقَدْ لَا تَكُونُ لَهُ حَقِيقَةٌ بَلْ تَخَيُّلُ صَرْفٍ وَقَدْ يَسْتَوْلِي ذَلِكَ عَلَى الْأَوْهَامِ حَتَّى يَتَخَيَّلَ الْوَهْمُ مُضِيَّ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ وَتَكَرُّرَ الْفُصُولِ وَتَخَيَّلَ السِّنَّ وَحُدُوثَ الْأَوْلَادِ وَانْقِضَاءَ الْأَعْمَارِ فِي الْوَقْتِ الْمُتَقَارِبِ مِنْ السَّاعَةِ وَنَحْوِهَا وَيَسْلُبُ الْفِكْرَ الصَّحِيحَ بِالْكُلِّيَّةِ وَيَصِيرُ أَحْوَالُ الْإِنْسَانِ مَعَ تِلْكَ الْمُحَاوَلَاتِ كَحَالَاتِ النَّائِمِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ كُلُّهُ بِمَنْ عُمِلَ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يُعْمَلْ لَهُ لَا يَجِدُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. (النَّوْعِ الثَّانِي) الْهِيمْيَاءِ وَامْتِيَازُهَا عَنْ السِّيمِيَاءِ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ يُضَافُ لِلْآثَارِ السَّمَاوِيَّةِ مِنْ الِاتِّصَالَاتِ الْفَلَكِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَحْوَالِ الْأَفْلَاكِ فَيَحْدُثُ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَخَصَّصُوا هَذَا النَّوْعَ لِهَذَا الِاسْمِ تَمْيِيزًا بَيْنَ الْحَقَائِقِ. (النَّوْعُ الثَّالِثُ) بَعْضُ خَوَاصِّ الْحَقَائِقِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَغَيْرِهَا كَمَا تُؤْخَذُ سَبْعٌ مِنْ الْحِجَارَةِ فَيُرْجَمُ بِهَا نَوْعٌ مِنْ الْكِلَابِ شَأْنُهُ إذَا رَمَى بِحَجَرٍ عَضَّهُ وَبَعْضُ الْكِلَابِ لَا يَعَضُّهُ فَالنَّوْعُ الْأَوَّلُ إذَا رُمِيَ بِهَذِهِ السَّبْعَةِ الْأَحْجَارِ فَيَعَضُّهَا كُلَّهَا لُقِطَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَطُرِحَتْ فِي مَاءٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ ظَهَرَتْ فِيهِ آثَارٌ عَجِيبَةٌ خَاصَّةٌ نَصَّ عَلَيْهَا السَّحَرَةُ وَنَحْوُ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْخَوَاصِّ الْمُغَيِّرَةِ لِأَحْوَالِ النُّفُوسِ، وَأَمَّا خَوَاصُّ الْحَقَائِقِ الْمُخْتَصَّةِ بِانْفِعَالَاتِ الْأَمْزِجَةِ صِحَّةً أَوْ سَقَمًا نَحْوَ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ مِنْ الْجَمَادِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ الْمَسْطُورَةِ فِي كُتُبِ الْأَطِبَّاءِ وَالْعَشَّابِينَ والطبائعيين فَلَيْسَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ بَلْ هَذَا مِنْ عِلْمِ الطِّبِّ لَا مِنْ عِلْمِ السِّحْرِ وَيَخْتَصُّ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّ الْخُلْطَةَ لَا تُشْتَرَطُ فِي هَذَا النَّوْعِ كَمَا فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ قَالَ وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مِثْلُهُ، وَأَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دُونَ خُلْطَةٍ، وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ لُبَابَةَ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» اهـ. وَفِي الْأَصْلِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَنَا مَا رَوَاهُ سَحْنُونٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ» ، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَدَّعِي الْحَاكِمُ عَلَى الْخَصْمِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةً، وَلَمْ يُرْوَ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَكَانَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ عَمَلَ الْمَدِينَةِ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ لَتَجَرَّأَ السُّفَهَاءُ عَلَى ذَوِي الْأَقْدَارِ بِتَبْذِيلِهِمْ عِنْدَ الْأَحْكَامِ بِالتَّحْلِيفِ، وَذَلِكَ شَاقٌّ عَلَى ذَوِي الْهَيْئَاتِ، وَرُبَّمَا الْتَزَمُوا مَا لَا يَلْزَمْهُمْ مِنْ الْجُمَلِ الْعَظِيمَةُ مِنْ الْمَالِ فِرَارًا مِنْ الْحَلِفِ كَمَا فَعَلَهُ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَقَدْ يُصَادِفُهُ عَقِبَ الْحَلِفِ مُصِيبَةٌ فَيُقَالُ هِيَ بِسَبَبِ الْحَلِفِ فَيَتَعَيَّنُ حَسْمُ الْبَابِ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ مُرَجِّحٍ لِأَنَّ صِيَانَةَ الْأَعْرَاضِ وَاجِبَةٌ، وَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي دَرْءَ مِثْلِ هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ بِدُونِ زِيَادَةٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ مَا ذَكَرَ مِنْ الشَّرْطِ فَجَوَابُهُ مِنْ جِهَتَيْنِ: (الْأُولَى) أَنَّ مَقْصُودَ الْحَدِيثِ بَيَانُ مَنْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَمَنْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لَا بَيَانُ حَالِ مَنْ تَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ اللَّفْظَ إذَا وَرَدَ لِمَعْنًى لَا يَحْتَجُّ بِهِ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ مُعْرِضٌ عَنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ، وَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَقَعَ الرَّدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي اسْتِدْلَالِهِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْخَضْرَاوَاتِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» بِأَنَّ مَقْصُودَ الْحَدِيثِ بَيَانُ الْجُزْءِ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ لَا بَيَانُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ. (الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ) أَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ غَيْرُ عَامٍّ فِي الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْبِقَاعِ وَالْمُتَعَلِّقَاتِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مُطْلَقًا فِي أَحْوَالِ الْحَالِفِينَ الْمُحْتَمِلَةِ عَلَى الْحَالَةِ الْمُحْتَمِلَةِ، وَهِيَ الْمُتَقَدِّمَةُ الَّتِي فِيهَا الْخُلْطَةُ لِأَنَّهَا الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا فَلَا يَحْتَجَّ بِهِ فِي غَيْرِهَا، وَإِلَّا لَكَانَ عَامًّا فِي الْأَحْوَالِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُخَالَطَةً فَجَوَابُهُ مِنْ جِهَتَيْنِ أَيْضًا: (الْأُولَى) أَنَّ مَقْصُودَهُ بَيَانُ الْحَصْرِ، وَبَيَانُ مَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْهُمَا لَا بَيَانُ شَرْطِ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ شَرْطِ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا (الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ) أَنَّهُ لَيْسَ عَامًّا فِي الْأَشْخَاصِ لِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ لِلشَّخْصِ الْوَاحِدِ لَا تَعُمُّ فَيُحْمَلُ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ الْحُقُوقَ قَدْ تَثْبُتُ بِدُونِ الْخُلْطَةِ فَاشْتِرَاطُهَا يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ، وَتَخْتَلُّ حِكْمَةُ الْحُكَّامِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَسَلُّطِ الْفَسَقَةِ السَّفَلَةِ عَلَى الْأَتْقِيَاءِ الْأَخْيَارِ عِنْدَ الْقُضَاةِ، وَأَنَّهُ يَفْتَحُ بَابَ دَعْوَى أَحَدِ الْعَامَّةِ عَلَى الْخَلِيفَةِ أَوْ الْقَاضِي أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ أَوْ عَلَى أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَاوَلَهُ، وَعَاقَدَهُ عَلَى كَنْسِ مِرْحَاضِهِ أَوْ خِيَاطَةِ قَلَنْسُوَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْطَعُ بِكَذِبِهِ فِيهِ فَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْخُلْطَةِ هُوَ الْمَنْهَجُ الْقَوِيمُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ النُّصُوصِ وَالْقَوَاعِدِ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَصْلٌ) فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ تَثْبُتُ الْخُلْطَةُ حَيْثُ اشْتَرَطَتْ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ وَالشَّاهِدَيْنِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لِأَنَّهَا أَسْبَابُ الْأَمْوَالِ فَتَلْحَقُ بِهَا فِي الْحِجَاجِ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ مَنْ أَقَامَ بِالْخُلْطَةِ شَاهِدًا وَاحِدًا حَلَفَ مَعَهُ، وَتَثْبُتُ الْخُلْطَةُ ثُمَّ يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ حِينَئِذٍ، وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ وَابْنُ كِنَانَةَ، وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ بَطَّالٍ أَنَّ

[الفرق بين قاعدة ما هو حجة عند الحكام وقاعدة ما ليس بحجة عندهم]

بِالسِّحْرِ مَا كَانَ سُلْطَانُهُ عَلَى النُّفُوسِ خَاصَّةً. قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ: فِي تَعْلِيقِهِ وَقَعَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ مَنْ قَطَعَ أُذُنًا ثُمَّ أَلْصَقَهَا أَوْ أَدْخَلَ السَّكَاكِينَ فِي بَطْنِهِ فَقَدْ يَكُونُ هَذَا سِحْرًا وَقَدْ لَا يَكُونُ سِحْرًا اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَكُونُ السِّحْرُ إلَّا رُقًى أَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى عَادَتَهُ أَنْ يَخْلُقَ عِنْدَهَا افْتِرَاقَ الْمُتَحَابِّينَ وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَقَدْ يَقَعُ بِهِ التَّغْيِيرُ وَالضَّنَى، وَرُبَّمَا أَتْلَفَ وَأَوْجَبَ الْحُبَّ وَالْبُغْضَ وَالْبَلَهَ وَفِيهِ أَدْوِيَةٌ مِثْلُ الْمَرَائِرِ وَالْأَكْبَادِ وَالْأَدْمِغَةِ فَهَذَا الَّذِي يَجُوزُ عَادَةً. وَأَمَّا طُلُوعُ الزَّرْعِ فِي الْحَالِ أَوْ نَقْلُ الْأَمْتِعَةِ وَالْقَتْلُ عَلَى الْفَوْرِ وَالْعَمَى وَالصَّمَمُ وَنَحْوُهُ وَعِلْمُ الْغَيْبِ فَمُمْتَنِعٌ، وَإِلَّا لَمْ يَأْمَنْ أَحَدٌ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ الْعَدَاوَةِ وَقَدْ وَقَعَ الْقَتْلُ وَالْعِنَادُ مِنْ السَّحَرَةِ، وَلَمْ يَبْلُغْ فِيهَا أَحَدٌ هَذَا الْمَبْلَغَ، وَقَدْ وَصَلَ الْقِبْطُ فِيهِ إلَى الْغَايَةِ وَقَطَعَ فِرْعَوْنُ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ الدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَالتَّغَيُّبِ وَالْهُرُوبِ وَحَكَى ابْنُ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّ أَكْثَرَ عُلَمَائِنَا جَوَّزُوا أَنْ يُسْتَدَقَّ جِسْمُ السَّاحِرِ حَتَّى يَلِجَ فِي الْكَوَّةِ وَيَجْرِيَ عَلَى خَيْطٍ مُسْتَدَقٍّ وَيَطِيرَ فِي الْهَوَاءِ وَيَقْتُلَ غَيْرَهُ، قَالَ الْقَاضِي: وَلَا يَقَعُ فِيهِ إلَّا مَا هُوَ مَقْدُورٌ لِلْبَشَرِ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى إحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَفَلْقِ الْبَحْرِ، وَإِنْطَاقِ الْبَهَائِمِ قُلْتُ وَوُصُولُهُ إلَى الْقَتْلِ وَتَغْيِيرِ الْخَلْقِ وَنَقْلِ الْإِنْسَانِ إلَى صُورَةِ الْبَهَائِمِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْقُولُ عَنْهُمْ وَقَدْ كَانَ الْقِبْطُ فِي أَيَّامِ دَلُوكَا مَلِكَةَ مِصْرَ بَعْدَ فِرْعَوْنَ وَضَعُوا السِّحْرَ فِي الْبَرَابِي وَصَوَّرُوا فِيهِ عَسَاكِرَ الدُّنْيَا فَأَيُّ عَسْكَرٍ قَصَدَهُمْ، وَأَيُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ تَخَيَّلَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُدَّعِيَ إذَا حَضَرَ خَطَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَثَبَتَ أَنَّهُ خَطُّهُ فَهُوَ كَثُبُوتِ إقْرَارِهِ تَجِبُ بِهِ الْخُلْطَةُ. وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَامْرَأَةٍ، وَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَوْلُ ابْنِ لُبَابَةَ هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ أَيْضًا تَثْبُتُ الْخُلْطَةُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِغَيْرِ يَمِينٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَقَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ أَحْسَنُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ الْمُرَادَ إثْبَاتُ لَطْخِ الدَّعْوَى، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْمَرْأَةِ اهـ مِنْ الْأَصْلِ وَابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي التَّبْصِرَةِ ثُبُوتُ الْخُلْطَةِ يُوجِبُ الْيَمِينَ عَلَى الْمَطْلُوبِ فِي دَعْوَى السَّلَفِ الْوَدِيعَةَ أَوْ الْمُقَارَضَةَ أَوْ الشَّرِكَةَ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ هَذِهِ الدَّعْوَى بَعْدَ الْمُدَّةِ الَّتِي يَحُدُّهَا الشُّهُودُ، وَلِذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى تَحْدِيدِهَا، وَيَعْقِدُ فِي إثْبَاتِ الْخَلْطِ شَهِدَ مَنْ يُسَمَّى أَسْفَلَ هَذَا الْعَقْدِ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ فُلَانًا وَفُلَانًا مَعْرِفَةً صَحِيحَةً تَامَّةً بِعَيْنِهِمَا وَاسْمِهِمَا، وَيَعْرِفُونَ فُلَانًا مُخَالِطًا لِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ، وَمُدَاخِلًا لَهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا عَامًا، وَلَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ انْقَطَعَ بَيْنَهُمَا فِي عِلْمِهِمْ إلَى حِينِ إيقَاعِ شَهَادَتِهِمْ فِي تَارِيخِ كَذَا، وَيَذْكُرُ فِيهِ تَعْرِيفَ الشَّاهِدَيْنِ بِهِمَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي يَعْرِفُهُمَا، وَفَائِدَةُ التَّحْدِيدِ بِالتَّارِيخِ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى دَاخِلَةً فِي هَذَا التَّحْدِيدِ فَلَوْ كَانَتْ قَبْلَهَا لَمْ تَجِبْ الْيَمِينُ إلَّا بِثُبُوتِ الْخُلْطَةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ تَحْدِيدِ الْأَمَدِ فِيهَا، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِي الْحَبْسِ، وَشَهَادَةُ الضَّرَرِ لِلِاخْتِلَافِ فِي مُدَّةِ الْحِيَازَةِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ إنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مُدَّةِ الْأَمَدِ الَّذِي تَحُدُّهُ الشُّهُودُ لِلْخُلْطَةِ لَمْ يَجِبْ الْيَمِينُ فِيهِ إلَّا بِثُبُوتِ الْخُلْطَةِ فِي مُدَّةِ الدَّعْوَةِ، وَلَا تَجِبُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْخُلْطَةِ يَمِينٌ فِي دَعْوَى مُبَايَعَةٍ فِي عَقَارٍ أَوْ مَتَاعٍ أَوْ عَبِيدٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ عُرُوضٍ اهـ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِي التَّبْصِرَةِ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّمَا تُرَاعَى الْخُلْطَةُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَمِ مِنْ الْحُقُوقِ، وَأَمَّا الْأَشْيَاءُ الْمُعَيَّنَةُ الَّتِي يَقَعُ التَّدَاعِي فِيهَا بَيْنَهُمَا فَالْيَمِينُ لَاحِقَةٌ مِنْ غَيْرِ خُلْطَةٍ، وَقِيلَ لَا تَجِبُ الْيَمِينُ إلَّا بِالْخُلْطَةِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُعَيَّنَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ، وَهَذَا أَبْيَنُ عِنْدِي لِأَنَّ الْخُلْطَةَ إنَّمَا رَآهَا الْعُلَمَاءُ لِلْمَضَرَّةِ الدَّاخِلَةِ لَوْ سَمِعَ مَعَ كُلِّ مُدَّعٍ اهـ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) فِي التَّبْصِرَةِ اخْتَلَفَ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ فَدَفَعَهُمَا بِدَعْوَى الْعَدَاوَةِ هَلْ تَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ يَمِينٌ بِغَيْرِ خُلْطَةٍ أَمْ لَا قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ لَا يَجِبُ اهـ قَالَ الْأَصْلُ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ مُقْتَضَاهَا الْإِصْرَارُ بِالتَّحْلِيفِ وَالْبِذْلَةِ عِنْدَ الْحُكَّامِ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْحُكَّامِ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُمْ] [الْحُجَّةُ الْأُولَى الشَّاهِدَانِ] (الْفَرْقُ الْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْحُكَّامِ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُمْ) وَهُوَ أَنَّ الْحُجَّةَ وَاحِدُ الْحِجَاجِ الَّتِي هِيَ شَأْنُ الْقُضَاةِ وَالْمُتَحَاكِمِينَ بِخِلَافِ الْأَدِلَّةِ فَشَأْنُ الْمُجْتَهِدِينَ، وَبِخِلَافِ الْأَسْبَابِ فَإِنَّهَا تَعْتَمِدُ الْمُكَلَّفِينَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهَا فَلَا تُغْفَلُ، وَالْحِجَاجُ الَّتِي يَقْضِي بِهَا الْحَاكِمُ مُنْحَصِرَةٌ عِنْدَنَا فِي سَبْعَ عَشْرَةَ حُجَّةً (الْأُولَى) الْأَرْبَعَةُ الشُّهُودُ (الثَّانِيَةُ) الشَّاهِدَانِ (الثَّالِثَةُ) الشَّاهِدَانِ وَالْيَمِينُ (الرَّابِعَةُ) الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ (الْخَامِسَةُ) الْمَرْأَتَانِ وَالْيَمِينُ (السَّادِسَةُ) الشَّاهِدُ وَالنُّكُولُ (السَّابِعَةُ) الْمَرْأَتَانِ وَالنُّكُولُ (الثَّامِنَةُ) الْيَمِينُ وَالنُّكُولُ (التَّاسِعَةُ) أَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ (الْعَاشِرَةُ) خَمْسُونَ يَمِينًا (الْحَادِيَةَ عَشَرَةَ) الْمَرْأَتَانِ فَقَطْ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) الْيَمِينُ وَحْدَهَا (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) الْإِقْرَارُ (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) الْقَافَةُ (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) قُمُطُ الْحِيطَانِ وَشَوَاهِدِهَا (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) الْيَدُ وَمَا عَدَا هَذِهِ السَّبْعَ عَشْرَةَ لَا يُقْضَى بِهِ عِنْدَنَا، وَبَيَانُ كُلِّ حُجَّةٍ مِنْ السَّبْعَ عَشْرَةَ بِانْفِرَادِهَا بِتَوْضِيحِ مَا تَكُونُ فِيهِ، وَمَا فِيهَا مِنْ اشْتِبَاهٍ وَاخْتِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ يَسْتَدْعِي أَبْوَابًا، وَوُصُولًا لِيَحْصُلَ بِذَلِكَ

ذَلِكَ الْجَيْشَ الْمُصَوَّرَ أَوْ رِجَالَهُ مِنْ قَلْعِ الْأَعْيُنِ أَوْ ضَرْبِ الرِّقَابِ وَقَعَ بِذَلِكَ الْعَسْكَرِ فِي مَوْضِعِهِ فَتُحَاشِيهِمْ الْعَسَاكِرُ فَأَقَامُوا سِتَّمِائَةِ سَنَةً وَالنِّسَاءُ هُنَّ الْمُلُوكُ وَالْأُمَرَاءُ بِمِصْرَ بَعْدَ غَرَقِ فِرْعَوْنَ وَجُيُوشِهِ كَذَلِكَ حَكَاهُ الْمُؤَرِّخُونَ. وَأَمَّا سَحَرَةُ فِرْعَوْنَ فَالْجَوَابُ عَنْهُمْ مِنْ وُجُوهٍ. (الْأَوَّلِ) أَنَّهُمْ تَابُوا فَمَنَعَتْهُمْ التَّوْبَةُ وَالْإِسْلَامُ الْعَوْدَةَ إلَى مُعَاوَدَةِ الْكُفْرِ الَّذِي تَكُونُ بِهِ تِلْكَ الْآثَارُ وَرَغِبُوا فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ وَلِذَلِكَ قَالُوا {لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 50] (الثَّانِي) لَعَلَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِمَّا وَصَلُوا لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ مِنْ السَّحَرَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى قَلْبِ الْعَصَا حَيَّةً لِأَجْلِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (الثَّالِثِ) أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِرْعَوْنُ قَدْ عَلَّمَهُ بَعْضُ السَّحَرَةِ حُجُبًا وَمَوَانِعَ يُبْطِلُ بِهَا سِحْرَ السَّحَرَةِ اعْتِنَاءً بِهِ وَالْحُجُبُ وَالْمُبْطِلَاتُ فِيهِ مُشْتَهِرَةٌ عِنْدَ أَهْلِهِ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ فَهَذِهِ أَنْوَاعُ السِّحْرِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ هَذِهِ الْأَنْوَاعُ قَدْ تَقَعُ بِلَفْظٍ وَهُوَ كُفْرٌ أَوْ اعْتِقَادٍ هُوَ كُفْرٌ أَوْ فِعْلٍ هُوَ كُفْرٌ فَالْأَوَّلُ كَالسَّبِّ الْمُتَعَلِّقِ بِمَنْ سَبَّهُ كُفْرٌ وَالثَّانِي كَاعْتِقَادِ انْفِرَادِ الْكَوَاكِبِ أَوْ بَعْضِهَا بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَالثَّالِثِ كَإِهَانَةِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعْظِيمَهُ مِنْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَتَى وَقَعَ شَيْءٌ مِنْهَا فِي السِّحْرِ فَذَلِكَ السِّحْرُ كُفْرٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ وَقَدْ يَقَعُ السِّحْرُ بِشَيْءٍ مُبَاحٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي وَضْعِ الْأَحْجَارِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهَا مُبَاحَةٌ وَكَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (ثُمَّ هَذِهِ الْأَنْوَاعُ قَدْ تَقَعُ بِلَفْظٍ هُوَ كُفْرٌ أَوْ اعْتِقَادٍ هُوَ كُفْرٌ أَوْ فِعْلٍ هُوَ كُفْرٌ إلَى آخِرِهِ) قُلْتُ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَمَامُ الْفَائِدَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (الْبَابُ الْأَوَّلُ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ الْأُولَى، وَدَلِيلُهَا وَشُرُوطُهَا، وَفِيهِ وَصْلَانِ: (الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) تَكُونُ هَذِهِ الْحُجَّةُ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ كَمَا فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ (الْأَوَّلُ) الزِّنَا فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] وَهِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: (الْأَوَّلُ) عَلَى مُعَايَنَتِهِ، وَهُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ. (الْوَجْهُ الثَّانِي) عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ وَلَوْ مَرَّةً خِلَافًا لِمَنْ يَشْتَرِطُ الْإِقْرَارَ بِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَاخْتُلِفَ هَلْ لَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ أَرْبَعَةً لِأَنَّهَا تَئُولُ إلَى إقَامَةِ الْحَدِّ فَسَاوَتْ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمُعَايَنَةِ لِتَسَاوِي مُوجِبِهَا أَوْ يَكْفِي فِيهَا رَجُلَانِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الشَّهَادَاتِ عَلَى الْإِقْرَارَاتِ إجْرَاءً لِلْإِقْرَارِ بِالزِّنَا عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ؟ (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) عَلَى الشَّهَادَةِ بِهِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ يَكْفِي اثْنَانِ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُعَايَنَةِ أَيْ فَتَكُونُ ثَمَانِيَةً أَوْ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ فَتَكُونُ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ يَكْفِي أَرْبَعَةٌ فَقَطْ يَشْهَدُونَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ (الْوَجْهُ الرَّابِعُ) عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي بِثُبُوتِهِ، وَالْحُكْمُ بِهِ، وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي ذَلِكَ هَلْ يَكْفِي اثْنَانِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ. (الْمَوْضِعُ الثَّانِي) الْمُلَاعَنَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ أَقَلَّ مَنْ يَحْضُرُ لِعَانَ الزَّوْجَيْنِ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ (الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ) شَهَادَةُ الْأَبْدَانِ فِي النِّكَاحِ، وَهِيَ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَنْ يُنْكِحَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ مِنْ رَجُلٍ، وَلَمْ يَحْضُرْهُمَا شُهُودٌ بَلْ إنَّمَا عَقَدَ النِّكَاحَ وَتَفَرَّقَا، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ أَشْهِدْ مَنْ لَاقَيْت فَلَا تَتِمُّ الشَّهَادَةُ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ شَاهِدَانِ عَلَى الْأَبِ وَشَاهِدَانِ عَلَى الزَّوْجِ فَإِنْ أَشْهَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا الشُّهُودَ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ صَاحِبُهُ لَمْ تُسَمَّ هَذِهِ أَبْدَادًا فَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مَالِكَةً أَمْرَ نَفْسِهَا لَمْ تَكْمُلْ الشَّهَادَةُ عَلَى النِّكَاحِ إلَّا بِسِتَّةٍ اثْنَانِ عَلَى النَّاكِحِ وَاثْنَانِ عَلَى الْمُنْكَحِ، وَاثْنَانِ عَلَى الزَّوْجَةِ. (الْمَوْضِعُ الرَّابِعُ) شَهَادَةُ جَلْدِ حَدِّ الزِّنَا لِمَنْ قَذَفَهُ شَخْصٌ فَلَا تَنْفَعُ الْقَاذِفُ إلَّا إذَا كَانَ الشُّهُودُ بِذَلِكَ أَرْبَعَةً نَعَمْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ فِي كِتَابِ الْقَاضِي بِثُبُوتِ الزِّنَا أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ اثْنَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ (الْمَوْضِعُ الْخَامِسُ) شَهَادَةُ عُقُوبَةِ الزَّانِي فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ يَحْضُرُونَهُ. (الْمَوْضِعُ السَّادِسُ) شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِي الْأَحْبَاسِ، وَغَيْرِهِمَا فَلَا يَجْزِي فِيهَا أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ نَعَمْ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُجْزِئُ فِيهَا اثْنَانِ. (الْمَوْضِعُ السَّابِعُ) الشَّهَادَةُ فِي بَابِ الِاسْتِرْعَاءِ فَأَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَالْمَشْهُورُ اثْنَانِ. (الْمَوْضِعُ الثَّامِنُ) مِنْ الشَّهَادَةِ فِي التَّرْشِيدِ وَالتَّسْفِيهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ يَشْتَرِطُ فِيهِمْ الْكَثْرَةَ وَأَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ اثْنَانِ. (الْمَوْضِعُ التَّاسِعُ) شَهَادَةُ مَنْ قَطَعَ اللُّصُوصُ عَلَيْهِمْ الطَّرِيقَ قَالَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا كَثِيرًا وَأَقَلُّ الْكَثِيرِ أَرْبَعَةٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَالْمُغِيرَةُ وَابْنُ دِينَارٍ لَا يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ يَجُوزُ عَدْلَانِ. (الْمَوْضِعُ الْعَاشِرُ) الشَّهَادَةُ فِي الرَّضَاعِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حَكَى بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْجَهْمِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ وَبِامْرَأَتَيْنِ اهـ الْمُرَادُ مِنْ التَّبْصِرَةِ فَانْظُرْهَا (الْوَصْلُ الثَّانِي) فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا أَنْ يَكُونُوا أَرْبَعَةَ رِجَالٍ ذُكُورٍ عُدُولٍ يَشْهَدُونَ بِزِنًا وَاحِدٍ مُجْتَمِعِينَ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ غَيْرَ مُفْتَرِقِينَ بِأَنَّهُ أَدْخَلَ فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ جَوَازُ النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ قَصْدًا لِلتَّحَمُّلِ، وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ كَمَا يَسْأَلُ الشُّهُودَ فِي السَّرِقَةِ مَا هِيَ، وَمِنْ أَيْنَ، وَإِلَى أَيْنَ، وَفُرُوعُ

رَأَيْت بَعْضَ السَّحَرَةِ يَسْحَرُ الْحَيَّاتِ الْعِظَامَ فَتُقْبِلُ إلَيْهِ وَتَمُوتُ بَيْنَ يَدَيْهِ سَاعَةً ثُمَّ تُفِيقُ ثُمَّ يُعَاوِدُ ذَلِكَ الْكَلَامَ فَيَعُودُ حَالُهَا كَذَلِكَ أَبَدًا وَكَانَ فِي ذَلِكَ يَقُولُ مُوسَى بِعَصَاهُ مُحَمَّدٌ بِفُرْقَانِهِ يَا مُعَلِّمَ الصِّغَارِ عَلِّمْنِي كَيْفَ آخُذُ الْحَيَّةَ وَالْحَوِيَّةَ وَكَانَتْ لَهُ قُوَّةُ نَفْسٍ يَحْصُلُ مِنْهَا مَعَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ هَذَا الْأَثَرُ وَهَذِهِ الْكَلِمَاتُ مُبَاحَةٌ لَيْسَ فِيهَا كُفْرٌ وَقُوَّةُ نَفْسِهِ الَّتِي جُبِلَ عَلَيْهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِ فَلَا يَكْفُرُ بِهَا كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَعْصِي بِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ مِنْ الْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ وَتَأْثِيرِهَا فِي قَتْلِ الْحَيَوَانَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَأْثَمُ بِتَصَدِّيهِ وَاكْتِسَابِهِ لِذَاكَ حَرَّمَ الشَّرْعُ أَذِيَّتَهُ أَوْ قَتْلَهُ أَمَّا لَوْ تَصَدَّى صَاحِبُ الْعَيْنِ لِقَتْلِ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ السِّبَاعِ الْمُهْلِكَةِ كَانَ طَائِعًا لِلَّهِ تَعَالَى بِإِصَابَتِهِ بِالْعَيْنِ الَّتِي طُبِعَتْ عَلَيْهَا نَفْسُهُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا وَكَذَلِكَ سُحِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَكَوْرِ طَلْعٍ مِنْ النَّخْلِ وَجُعِلَ الْجَمِيعُ فِي بِئْرٍ فَهَذِهِ الْأُمُورُ فِي جَمْعِهَا وَجَعْلِهَا فِي الْبِئْرِ أَمْرٌ مُبَاحٌ إلَّا مِنْ جِهَةِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَوَجَبَ التَّفْصِيلُ فَقَدْ يَكُونُ كُفْرًا وَاجِبًا فِي صُورَةٍ أُخْرَى اقْتَضَتْ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ وُجُوبَهَا فَإِنْ كَانَ مَعَ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الْبِئْرِ كَلِمَاتٌ أُخْرَى أَوْ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ الظَّاهِرُ نَظَرَ فِيهِ هَلْ يَقْتَضِي كُفْرًا أَوْ هُوَ مُبَاحٌ مِثْلُهَا وَلِلسَّحَرَةِ فُصُولٌ كَثِيرَةٌ فِي كُتُبِهِمْ يُقْطَعُ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَعَاصِيَ، وَلَا كُفْرًا كَمَا أَنَّ لَهُمْ مَا يَقْطَعُ بِأَنَّهُ كُفْرٌ فَيَجِبُ حِينَئِذٍ التَّفْصِيلُ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَّا الْإِطْلَاقُ بِأَنَّ كُلَّ مَا يُسَمَّى سِحْرًا كُفْرٌ فَصَعْبٌ جِدًّا فَقَدْ تَقَرَّرَ بَيَانُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQهَذَا الْبَابِ مَشْهُورَةٌ فِي مَحَالِّهَا اهـ بِلَفْظِهِ. وَقَالَ الْأَصْلُ فِي نَظَائِرِ أَبِي عِمْرَانَ يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُ الشُّهُودِ عِنْدَ الْأَدَاءِ فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي غَيْرِهِمَا، وَصَعُبَ عَلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُنَاسَبَاتِ بِمُجَرَّدِهَا لَا تَكْفِي فِي اشْتِرَاطِ الشُّرُوطِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قِيَاسٍ صَحِيحٍ أَوْ نَصٍّ، وَأَمَّا قَوْلُنَا ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي طَلَبِ السَّتْرِ عَلَى الزُّنَاةِ وَحِفْظِ الْأَعْضَاءِ عَنْ الضَّيَاعِ فَهَذَا لَا يَكْفِي فِي هَذَا الشَّرْطِ، وَإِلَّا لَأَمْكَنَ عَلَى هَذَا السِّيَاقِ أَنْ يَشْتَرِطَ التَّبْرِيزَ فِي الْعَدَالَةِ أَوْ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْوِلَايَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُنَاسَبَاتِ أَيْضًا، وَهِيَ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا اتِّبَاعُ مَوَارِدِ النُّصُوصِ وَالْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ صَعْبٌ جِدًّا اهـ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْبَابُ الثَّانِي فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ وَشُرُوطِهَا، وَفِيهِ وَصْلَانِ) : (الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي التَّبْصِرَةِ الْقَضَاءُ بِشَاهِدَيْنِ لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُمَا فِي النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالتَّمْلِيكِ وَالْمُبَارَأَةِ وَالْعِتْقِ وَالْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ وَالْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْبُلُوغِ وَالْعِدَّةِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَالشُّرْبِ وَالْقَذْفِ وَالْحِرَابَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْإِحْلَالِ وَالْإِحْصَانِ وَقَتْلِ الْعَمْدِ، وَكَذَلِكَ الْوَكَالَةُ وَالْوَصِيَّةُ عِنْدَ أَشْهَبَ، وَفِي التَّنْبِيهِ لِابْنِ الْمُنَاصِفِ، وَاخْتُلِفَ فِي الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالْمَالِ عَنْ غَائِبٍ هَلْ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ مَعَهُ لِيُثْبِتَ التَّوْكِيلَ أَوْ لَا؟ الْأَشْهَرُ الْمَنْعُ، وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِذَلِكَ التَّوْكِيلِ حَقٌّ لِلْوَكِيلِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْغَائِبِ دَيْنٌ أَوْ لِأَنَّهُ يُقِرُّ الْمَالَ فِي يَدِهِ قِرَاضًا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَيَحْلِفُ، وَيَسْتَحِقُّ اهـ الْمُرَادُ (الْوَصْلُ الثَّانِي) فِي التَّبْصِرَةِ هَذِهِ الْأَحْكَامُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ ذَكَرَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَغَيْرُهُ اهـ وَفِي الْأَصْلِ وَالْعَدَالَةِ فِيهِمَا شَرْطٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَهِيَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ لَا يَحْكُمَ حَتَّى يُحَقِّقَهَا، وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَدَالَةَ حَقٌّ لِلْخَصْمِ فَإِنْ طَلَبَهَا فَحَصَ الْحَاكِمُ عَنْهَا، وَإِلَّا فَلَا؛ وَقَالَ مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ إنَّمَا كَانَ قَوْلُ الْمَجْهُولِ مَقْبُولًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ كَانَ الْغَالِبُ الْعَدَالَةُ فَأُلْحِقَ النَّادِرُ بِالْغَالِبِ فَجَعَلَ الْكُلَّ عُدُولًا، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَالْغَالِبُ الْفُسُوقُ فَيَلْحَقُ النَّادِرُ بِالْغَالِبِ حَتَّى تَثْبُتَ الْعَدَالَةُ نَعَمْ اسْتَثْنَى أَبُو حَنِيفَةَ الْحُدُودَ فَقَالَ لَا يُكْتَفَى فِيهَا بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ بَلْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْعَدَالَةِ لِأَنَّ الْحُدُودَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ ثَابِتٌ فَتُطْلَبُ الْعَدَالَةُ، وَإِذَا كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ حَقًّا لِآدَمِيٍّ وَجَبَ بِجَرْحِهَا الْبَحْثُ عَنْهَا لَنَا أَرْبَعَةُ وُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلَيْنِ شَهِدَا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ لَا أَعْرِفُكُمَا، وَلَا يَضُرُّكُمَا فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ أَتَعْرِفُهُمَا قَالَ نَعَمْ قَالَ لَهُ أَكُنْت مَعَهُمَا فِي سَفَرٍ يَتَبَيَّنُ عَنْ جَوَاهِرِ النَّاسِ قَالَ لَا قَالَ فَأَنْتَ جَارُهُمَا تَعْرِفُ صَبَاحَهُمَا وَمَسَاءَهُمَا قَالَ لَا قَالَ أَعَامَلْتهمَا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي تُقْطَعُ بِهِمَا الْأَرْحَامُ قَالَ لَا قَالَ ابْنَ أَخِي مَا تَعْرِفُهُمَا ائْتِيَانِي بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا، وَهَذَا بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَحْكُمُ إلَّا بِحَضْرَتِهِمْ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَا سَأَلَ عَنْ تِلْكَ الْأَسْبَابِ مِنْ السَّفَرِ وَغَيْرِهِ إلَّا، وَقَدْ عَرَفَ إسْلَامَهُمَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَتَعْرِفُهُمَا مُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ اسْتِحْبَابًا لِأَنَّ تَعْجِيلَ الْحُكْمِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ وُجُودِ الْحُجَّةِ لِأَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ عَلَى مُنْكَرٍ غَالِبًا، وَإِزَالَةُ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَالْوَاجِبُ لَا يُؤَخَّرُ إلَّا لِوَاجِبٍ. (الْوَجْهُ الثَّانِي) قَوْلُهُ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ غَيْرَ الْعَدْلِ لَا يُسْتَشْهَدْ، وَقَوْلُهُ مِنْكُمْ إشَارَةٌ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَوْ كَانَ الْإِسْلَامُ كَافِيًا لَمْ يَبْقَ فِي التَّقْيِيدِ فَائِدَةٌ، وَالْعَدْلُ مَأْخُوذٌ مِنْ الِاعْتِدَالِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَالِاعْتِقَادِ فَهُوَ وَصْفٌ

[الحجة الثانية الشاهدان واليمين]

أَرْبَعَةِ حَقَائِقَ مِنْ الْعَشَرَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ السِّحْرُ الَّذِي هُوَ الْجِنْسُ الْعَامُّ، وَأَنْوَاعُهُ الثَّلَاثَةُ السِّيمِيَاءُ وَالْهِيمْيَاءُ وَالْخَوَاصُّ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا. (الْحَقِيقَةُ الْخَامِسَةُ) الطَّلْمَسَاتُ وَحَقِيقَتُهَا نَفْسُ أَسْمَاءٍ خَاصَّةٍ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْأَفْلَاكِ وَالْكَوَاكِبِ عَلَى زَعْمِ أَهْلِ هَذَا الْعِلْمِ فِي أَجْسَامٍ مِنْ الْمَعَادِنِ أَوْ غَيْرِهَا تَحْدُثُ لَهَا آثَارٌ خَاصَّةٌ رُبِطَتْ بِهَا فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ فَلَا بُدَّ فِي الطَّلْسَمِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَسْمَاءِ الْمَخْصُوصَةِ وَتَعَلُّقِهَا بِبَعْضِ أَجْزَاءِ الْفَلَكِ وَجَعْلِهَا فِي جِسْمٍ مِنْ الْأَجْسَامِ، وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ قُوَّةِ نَفْسٍ صَالِحَةٍ لِهَذِهِ الْأَعْمَالِ فَلَيْسَ كُلُّ النُّفُوسِ مَجْبُولَةً عَلَى ذَلِكَ. (الْحَقِيقَةُ السَّادِسَةُ) الْأَوْفَاقُ وَهِيَ الَّتِي تَرْجِعُ إلَى مُنَاسَبَاتِ الْأَعْدَادِ وَجَعْلِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْحَقِيقَةُ الْخَامِسَةُ الطَّلْمَسَاتُ وَحَقِيقَتُهَا نَقْشُ أَسْمَاءٍ خَاصَّةٍ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْأَفْلَاكِ وَالْكَوَاكِبِ عَلَى زَعْمِ أَهْلِ هَذَا الْعِلْمِ فِي أَجْسَامٍ مِنْ الْمَعَادِنِ أَوْ غَيْرِهَا تَحْدُثُ لَهَا آثَارٌ خَاصَّةٌ رُبِطَتْ بِهَا فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ فَلَا بُدَّ فِي الطَّلْسَمِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَسْمَاءِ الْمَخْصُوصَةِ وَتَعَلُّقِهَا بِبَعْضِ أَجْزَاءِ الْفَلَكِ وَجَعْلِهَا فِي جِسْمٍ مِنْ الْأَجْسَامِ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ مِنْ قُوَّةِ نَفْسٍ صَالِحَةٍ لِهَذِهِ الْأَعْمَالِ فَلَيْسَ كُلُّ النُّفُوسِ مَجْبُولَةً عَلَى ذَلِكَ) . قُلْتُ ذَكَرَ أَوْصَافَ الطَّلْسَمَاتِ وَرَسْمَهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَهَا وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ شَرْعًا ثُمَّ مَنْ اعْتَقَدَ لَهَا فِعْلًا وَتَأْثِيرًا فَذَلِكَ كُفْرٌ، وَإِلَّا فَعِلْمُهَا مَعْصِيَةٌ غَيْرُ كُفْرٍ إمَّا مُطْلَقًا، وَإِمَّا مَا يُؤَدِّي مِنْهَا إلَى مَضَرَّةٍ دُونَ مَا يُؤَدِّي إلَى مَنْفَعَةٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ: (الْحَقِيقَةُ السَّادِسَةُ الْأَوْفَاقُ وَهِيَ تَرْجِعُ إلَى مُنَاسَبَاتِ الْأَعْدَادِ وَجَعْلِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQزَائِدٌ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَغَيْرُ مَعْلُومٍ بِمُجَرَّدِ السَّلَامِ (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) قَوْله تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَرِضَاءُ الْحَاكِمِ بِهِمْ فَرْعُ مَعْرِفَتِهِمْ. (الْوَجْهُ الرَّابِعُ) الْقِيَاسُ عَلَى الْحُدُودِ وَعَلَى طَلَبِ الْخَصْمِ الْعَدَالَةَ فَإِنْ فَرَّقُوا بِأَنَّ الْعَدَالَةَ حَقٌّ لِلْخَصْمِ فَإِذَا طَلَبَهَا تَعَيَّنَتْ، وَأَنَّ الْحُدُودَ حَقٌّ لِلَّهِ، وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ اللَّهِ مَنَعْنَا أَنَّ الْعَدَالَةَ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ بَلْ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْجَمِيعِ فَيَتَّجِهُ الْقِيَاسُ وَيَنْدَفِعُ الْفَرْقُ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْعَدَالَةَ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَهُوَ قَوْلُهُ {ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فَقَيَّدَ بِالْعَدَالَةِ، وَإِلَّا لَضَاعَتْ الْفَائِدَةُ فِي هَذَا التَّقْيِيدِ، وَأَيْضًا بِرِضَاءِ الْحَاكِمِ، وَهُوَ مَشْرُوطٌ بِالْبَحْثِ، وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَكْفِي فِيهِ ظَاهِرُ الدَّارِ فَكَذَلِكَ لَا يَكْفِي الْإِسْلَامُ فِي الْعَدَالَةِ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَحْدُودًا فِي حَدٍّ فَجَوَابُهُ أَنَّ قَوْلَهُ عُدُولٌ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ وَصْفِ الْعَدَالَةِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا لَسَكَتَ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ لَا يُؤْسَرُ مُسْلِمٌ بِغَيْرِ الْعُدُولِ وَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ لِلْمُتَقَدِّمِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ الْعَدَالَةُ غَالِبَةٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبِلَ شَهَادَةَ الْأَعْرَابِيِّ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَهُ أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَلَمْ يَعْتَبِرْ غَيْرَ الْإِسْلَامِ فَجَوَابُهُ أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ الْإِسْلَامِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ سُؤَالِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَعَلَّهُ سَأَلَ أَوْ كَانَ غَيْرُ هَذَا الْوَصْفِ مَعْلُومًا عِنْدَهُ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ الْكَافِرَ لَوْ أَسْلَمَ بِحَضْرَتِنَا جَازَ قَبُولُ قَوْلِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ فَجَوَابُهُ أَنَّا لَا نَقْبَلُ شَهَادَتَهُ حَتَّى نَعْلَمَ سَجَايَاهُ، وَعَدَمَ جُرْأَتِهِ عَلَى الْكَذِبِ أَوْ أَنَّا قَبِلْنَاهُ لِأَجْلِ تَيَقُّنِنَا عَدَمَ مُلَابَسَتِهِ مَا يُنَافِي الْعَدَالَةَ بَعْدَ إسْلَامِهِ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ الْبَحْثَ لَا يُؤَدِّي إلَى تَحَقُّقِ الْعَدَالَةِ، وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الظَّاهِرُ فَالْإِسْلَامُ كَافٍ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَتَمُّ وَازِعٍ، وَلِأَنَّ صَرْفَ الصَّدَقَةِ يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ، وَعُمُومَاتُ النُّصُوصِ وَالْأَوَامِرِ تُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا يَتَوَضَّأُ بِالْمِيَاهِ، وَيُصَلِّي بِالثِّيَابِ بِنَاءً عَلَى الظَّوَاهِرِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ فَلِذَلِكَ هَاهُنَا قِيَاسًا عَلَيْهَا فَجَوَابُهُ أَنَّ الْبَحْثَ كَمَا لَا يُؤَدِّي إلَى تَحَقُّقِ الْعَدَالَةِ كَذَلِكَ لَا يُؤَدِّي إلَى تَحَقُّقِ الْإِسْلَامِ، وَالْقَضِيَّةُ الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا، وَلَا إجْمَاعَ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ فِيهَا مَعَ أَنَّ بَحْثَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى يَقِينٍ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْفَقْرِ وَالْمَاءِ وَالثَّوْبِ وَبَيْنَ الْعَدَالَةِ بِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَيْسَتْ هِيَ الْأَصْلَ بَلْ إذَا عُلِمَتْ عَدَالَتُهُ فِي الْأَصْلِ فَلَا تَبْحَثُ عَنْ مُزِيلِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. وَأَمَّا الْفَقْرُ فَهُوَ الْأَصْلُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَحْثِ عَنْهُ، وَأَمَّا الْمَاءُ فَأَصْلُهُ الطَّهَارَةُ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِتَغَيُّرِ لَوْنِهِ أَوْ طَعْمِهِ أَوْ رِيحِهِ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالْقَطْعِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَحْثِ، وَكَذَلِكَ أَصْلُ الثَّوْبِ الطَّهَارَةُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا، وَلَا يَبْحَثُ عَنْ مُزِيلِهَا، وَلَا نُسَلِّمُ الِاكْتِفَاءَ بِظَاهِرِ الْعُمُومَاتِ وَالْأَوَامِرِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَحْثِ عَنْ الصَّارِفِ الْمُخَصِّصِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا. [الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ الشَّاهِدَانِ وَالْيَمِينُ] (مَسْأَلَةٌ) فِي بِدَايَةِ حَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ، وَفِي الْأَصْلِ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَأَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ إلَّا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ جَوَازِهَا فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ أَيْ وَعَلَى أَهْلِ مِلَّتِهِ فَعِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَوْ الْكَافِرِ عَلَى أَهْلِ مِلَّتِهِ، وَلَا غَيْرِهَا، وَلَا فِي وَصِيَّةِ مَيِّتٍ مَاتَ فِي سَفَرٍ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ مُسْلِمُونَ، وَتُمْنَعُ شَهَادَةُ نِسَائِهِمْ فِي الِاسْتِهْلَالِ، وَالْوِلَادَةِ بَلْ قَالَ أَبُو زَيْدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ النَّوَادِرِ لَوْ رَضِيَ الْخَصْمُ بِالْحُكْمِ بِالْكَافِرِ وَالْمَسْخُوطِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْبَلُ الْيَهُودِيُّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ، وَالنَّصْرَانِيُّ عَلَى الْيَهُودِيِّ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ

[الحجة الثالثة الأربعة في الزنا]

عَلَى شَكْلٍ مَخْصُوصٍ مُرَبَّعٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمُرَبَّعُ مَقْسُومًا بُيُوتًا فَيُوضَعُ فِي كُلِّ بَيْتٍ عَدَدٌ حَتَّى تَكْمُلَ الْبُيُوتُ فَإِذَا جُمِعَ صَفٌّ كَامِلٌ مِنْ أَضْلَاعِ الْمُرَبَّعِ فَكَانَ مَجْمُوعُهُ عَدَدًا وَلْيَكُنْ عِشْرِينَ مَثَلًا فَلْتَكُنْ الْأَضْلَاعُ الْأَرْبَعَةُ إذَا جُمِعَتْ كَذَلِكَ وَيَكُونُ الْمُرَبَّعُ الَّذِي هُوَ مِنْ الرُّكْنِ إلَى الرُّكْنِ كَذَلِكَ فَهَذَا وَفْقٌ فَإِنْ كَانَ الْعَدَدُ مِائَةً وَمِنْ كُلِّ جِهَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ مِائَةٌ فَهَذَا لَهُ آثَارٌ مَخْصُوصَةٌ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْحُرُوبِ وَنُصِرَ مَنْ يَكُونُ فِي لِوَائِهِ، وَإِنْ كَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فَهُوَ خَاصٌّ بِتَيْسِيرِ الْعَسِيرِ، وَإِخْرَاجِ الْمَسْجُونِ، وَأَيْضًا الْجَنِينِ مِنْ الْحَامِلِ وَتَيْسِيرِ الْوَضْعِ وَكُلِّ مَا هُوَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَكَانَ الْغَزَالِيُّ يَعْتَنِي بِهِ كَثِيرًا حَتَّى أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ وَضَابِطُهُ (ب ط د ز هـ ج وا ح) فَكُلُّ حَرْفٍ مِنْهَا لَهُ عَدَدٌ إذَا جُمِعَ عَدَدُ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا كَانَ مِثْلَ عَدَدِ الثَّلَاثَةِ الْأُخَرِ فَالْبَاءُ بِاثْنَيْنِ وَالطَّاءُ بِتِسْعَةٍ وَالدَّالُ بِأَرْبَعَةٍ صَارَ الْجَمِيعُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ وَكَذَلِكَ تَقُولُ الْبَاءُ بِاثْنَيْنِ وَالزَّايُ بِسَبْعَةٍ وَالْوَاوُ بِسِتَّةٍ صَارَ الْجَمِيعُ مِنْ الضِّلْعِ الْآخَرِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَكَذَلِكَ الْفِطْرُ مِنْ الرُّكْنِ إلَى الرُّكْنِ تَقُولُ الْبَاءُ بِاثْنَيْنِ وَالْهَاءُ بِخَمْسَةٍ وَالْحَاءُ بِثَمَانِيَةٍ الْجَمِيعُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَهُوَ مِنْ حِسَابِ الْجُمَلِ وَعَلَى هَذَا الْمِثَالِ وَهِيَ الْأَوْفَاقُ وَلَهَا كُتُبٌ مَوْضُوعَةٌ لِتَعْرِيفِ ـــــــــــــــــــــــــــــSعَلَى شَكْلٍ مَخْصُوصٍ) إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِيهَا قُلْتُ مَا قَالَهُ فِيهَا صَحِيحٌ مَعَ أَنَّهُ تَسَامَحَ فِي قَوْلِهِ أَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى مُنَاسَبَاتِ الْأَعْدَادِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ رَاجِعَةٌ إلَى الْمُسَاوَاةِ بِحَسَبِ جَمْعِ مَا فِي كُلِّ سَطْرٍ مِنْ بُيُوتِ مُرَبَّعَاتِهَا وَجَمِيعِ مَا فِي الْبُيُوتِ الْوَاقِعَةِ عَلَى الْقُطْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ إذَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُمْ، وَهُمْ ذِمَّةٌ يَحْلِفَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ مَا خَانَا، وَلَا كَتَمَا، وَلَا اشْتَرَيَا بِهِ ثَمَنًا، وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى، وَلَا نَكْتُم شَهَادَةَ اللَّهِ إنَّا إذًا لَمِنْ الْآثِمِينَ، وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ يُقْبَلُ الْكَافِرُ عَلَى مِلَّتِهِ دُونَ غَيْرِهَا لَنَا قَوْله تَعَالَى {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة: 64] وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَدُوٍّ عَلَى عَدُوِّهِ» ، وَقِيَاسًا عَلَى الْفَاسِقِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالتَّوَقُّفِ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ، وَهُنَا أَوْلَى إذْ الشَّهَادَةُ آكَدُ مِنْ الْخَبَرِ وقَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَفِي الْحَدِيثِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ دِينٍ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ دِينِهِ إلَّا الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ عُدُولٌ عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ» ؛ وَلِأَنَّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا تُقْبَلُ عَلَى غَيْرِهِ كَالْعَبْدِ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106] قَالُوا فَإِنَّ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ حَنْبَلٍ وَإِذَا جَازَ عَلَى الْمُسْلِمِ جَازَتْ عَلَى الْكَافِرِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَجَوَابُهُ بِوُجُوبِهِ (الْأَوَّلُ) أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ، وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ مِنْ غَيْرِ حِلْفِكُمْ فَمَا تَعَيَّنَ مَا قَالُوهُ. (الثَّانِي) أَنَّ مَعْنَى الشَّهَادَةِ التَّحَمُّلُ، وَنَحْنُ نُجِيزُهُ أَوْ الْيَمِينُ {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 106] كَمَا قَالَ فِي اللِّعَانِ. (الثَّالِثُ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَيَّرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَدَلَّ عَلَى نَسْخِهِ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ «الْيَهُودَ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَهُمْ يَهُودِيَّانِ فَذَكَرَتْ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُمَا زَنَيَا فَرَجَمَهُمَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ رَجْمَهُمَا بِشَهَادَتِهِمْ، وَرَوَى الشَّعْبِيُّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ إنْ شَهِدَ مِنْكُمْ أَرْبَعَةٌ رَجَمْتهمَا فَجَوَابُهُ بِوُجُوهٍ: (الْأَوَّلُ) إنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ مِنْ شَرْطِ الْإِسْلَامِ. (الثَّانِي) أَنَّهُ نُقِلَ أَنَّهُمَا اعْتَرَفَا بِالزِّنَا فَلَمْ يَرْجُمْهُمَا بِالشَّهَادَةِ. (الثَّالِثُ) أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ إنَّمَا رَجَمَهُمَا بِالْوَحْيِ لِأَنَّ التَّوْرَاةَ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْرِيفِ، وَشَهَادَةُ الْكُفَّارِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ كَانَ حَدُّ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ الْجَلْدُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْوَحْيُ الَّذِي يَخُصُّهُمَا، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ الْكَافِرَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ لِأَنَّهُ يُزَوِّجُ أَوْلَادَهُ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْفِسْقَ عِنْدَنَا لَا يُنَافِي الْوِلَايَةَ لِأَنَّ وَازِعَهَا طَبِيعِيٌّ، وَيُنَافِي الشَّهَادَةَ لِأَنَّ وَازِعَهَا دِينِيٌّ فَافْتَرَقَا لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْكُفَّارِ عِنْدَنَا فَاسِدٌ، وَالْإِسْلَامُ يُصَحِّحُهُ. وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّهُمْ يَدِينُونَ فِي الْحُقُوقِ قَالَ تَعَالَى {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75] فَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران: 75] فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَسْتَحِلُّونَ مَا لَنَا بَلْ جَمِيعُ أَدِلَّتِكُمْ مُعَارَضَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الجاثية: 21] وقَوْله تَعَالَى {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20] فَنَفَى تَعَالَى التَّسْوِيَةَ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَإِلَّا حَصَلَتْ التَّسْوِيَةُ قَالَ الْأَصْحَابُ، وَنَاسِخُ الْآيَةِ قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ الْأَرْبَعَةُ فِي الزِّنَا] (الْبَابُ الثَّالِثُ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ وَشُرُوطُهَا الْيَمِينُ زِيَادَةً عَلَى شُرُوطِ الشَّاهِدَيْنِ الْمَذْكُورَةِ وَالْمُدْرَكِ وَفِيهِ وُصُولٌ (الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي التَّبْصِرَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَيَمِينُ الْقَضَاءِ مُتَوَجِّهَةٌ عَلَى مَنْ يَقُومُ أَيْ بِالنِّيَّةِ التَّامَّةِ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ عَلَى الْيَتِيمِ أَوْ عَلَى الْإِحْبَاسِ أَوْ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَعَلَى كُلِّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ، وَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَعَلَى مَنْ اسْتَحَقَّ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ

كَيْفَ تُوضَعُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ مِنْ الِاسْتِوَاءِ، وَهِيَ كُلَّمَا كَثُرَتْ كَانَ أَعْسَرَ، وَالضَّوَابِطُ الْمَوْضُوعَةُ لَهَا حَسَنَةٌ لَا تَنْخَرِمُ إذَا عُرِفَتْ أَعْنِي فِي الصُّورَةِ الْوَضْعَ، وَأَمَّا مَا نُسِبَ إلَيْهَا مِنْ الْآثَارِ قَلِيلَةُ الْوُقُوعِ أَوْ عَدِيمَتُهُ. (الْحَقِيقَةُ السَّابِعَةُ) الْخَوَاصُّ الْمَنْسُوبَةُ إلَى الْحَقَائِقِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْدَعَ فِي أَجْزَاءِ هَذَا الْعَالَمِ أَسْرَارًا وَخَوَاصَّ عَظِيمَةً وَكَثِيرَةً حَتَّى لَا يَكَادَ يَعْرَى شَيْءٌ عَنْ خَاصِّيَّةٍ فَمِنْهَا مَا هُوَ مَعْلُومٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَإِرْوَاءِ الْمَاءِ، وَإِحْرَاقِ النَّارِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مَجْهُولٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَمِنْهُ مَا يَعْلَمُهُ الْأَفْرَادُ مِنْ النَّاسِ كَالْجُحْرِ وَالْمُكَرَّمِ، وَمَا يُصْنَعُ مِنْهُ الْكِيمْيَاءُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ كَمَا يُقَالُ إنَّ بِالْهِنْدِ شَجَرًا إذَا عُمِلَ مِنْهُ دُهْنٌ وَدَهَنَ بِهِ إنْسَانٌ لَا يَقْطَعُ فِيهِ الْحَدِيدُ، وَشَجَرًا إذَا اُسْتُخْرِجَ مِنْهُ دُهْنٌ وَشُرِبَ عَلَى صُورَةٍ خَاصَّةٍ مَذْكُورَةٍ عِنْدَهُمْ فِي الْعَمَلِيَّاتِ اسْتَغْنَى عَنْ الْغِذَاءِ وَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِ الْأَمْرَاضُ وَاسْتَقَامَ، وَلَا يَمُوتُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَطَالَتْ حَيَاتُهُ أَبَدًا حَتَّى يَأْتِيَ مَنْ يَقْتُلُهُ أَمَّا مَوْتُهُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ الْعَادِيَّةِ فَلَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهَذَا شَيْءٌ مُودَعٌ فِي أَجْزَاءِ الْعَالَمِ لَا يَدْخُلُهُ فِعْلُ الْبَشَرِ بَلْ هُوَ ثَابِتٌ كَامِلٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْحَقِيقَةُ السَّابِعَةُ الْخَوَاصُّ الْمَنْسُوبَةُ إلَى الْحَقَائِقِ) إلَى آخِرِ مَا قَالَ فِي هَذِهِ الْحَقِيقَةِ قُلْتُ مَا قَالَهُ فِيهَا صَحِيحٌ إلَّا مَا قَالَهُ مِنْ تَعْيِينِ الْآثَارِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَنَسْبِهِ إلَى بَعْضِ الْأَحْجَارِ فَذَلِكَ شَيْءٌ سَمِعْنَاهُ، وَلَا نَعْلَمُ صِحَّتَهُ مِنْ سَقَمِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَا يَتِمُّ الْحُكْمُ إلَّا بِهَا اهـ. قَالَ الْبَاجِيَّ فِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ أَجْمَعَ مَنْ عَلِمْت مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ لِمُسْتَحِقِّ غَيْرِ الرِّبَاعِ وَالْعَقَارِ حُكْمٌ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ قَالَ وَرَأَى بَعْضُ مَشَايِخِنَا ذَلِكَ لَازِمًا فِي الْعَقَارِ وَالرِّبَاعِ، وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَرَ فِي ذَلِكَ يَمِينًا اهـ. وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ اسْتَحَقَّ شَيْئًا مِنْ الرِّبَاعِ أَوْ الْأُصُولِ هَلْ عَلَيْهِ يَمِينٌ أَمْ لَا، وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الرِّبَاعَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِكَتْبِ الْوَثَائِقِ فِيهَا عِنْدَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ عَلَيْهَا، وَالْإِعْلَانِ بِالشَّهَادَةِ فِيهَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْعُقُودِ، وَالْمَكَاتِبِ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ لِلطَّالِبِ قَوِيَتْ حُجَّتُهُ، وَاكْتُفِيَ بِالْبَيِّنَةِ عَنْ إحْلَافِهِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمُتَمَوِّلَاتِ الَّتِي يَخْفَى وَجْهُ انْتِقَالِهَا، وَيَقِلُّ حِرْصُ النَّاسِ عَلَى الْمُشَاحَنَةِ فِي كَتْبِ الْوَثَاقِ فِيهَا فَتَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ لِذَلِكَ، وَعَلَى أَنَّ عَلَيْهِ يَمِينًا مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينِ مَنْ اسْتَحَقَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ مَا بَاعَ وَمَا وَهَبَ كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ. وَاتَّفَقُوا فِي غَيْرِ الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا يَقْضِي لِمُسْتَحِقٍّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ لَيْسَ عَلَى مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً فِي أَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ سِلْعَةٍ يَمِينٌ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الَّذِي ذَلِكَ فِي يَدَيْهِ أَمْرًا يَظُنُّ بِصَاحِبِهِ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ فَيَحْلِفُ مَا فَعَلَهُ، وَيَأْخُذُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ هَذَا إذَا اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِ غَيْرِ غَاصِبٍ، وَأَمَّا إنْ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِ غَاصِبٍ فَلَا يَمِينَ عَلَى مُسْتَحِقِّهَا إذَا ثَبَتَ مِلْكُهَا لَهُ اهـ. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ، وَمِمَّا يُحْكَمُ فِيهِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ كَمَا فِي الطُّرَرِ مَنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ عَلَى خَطِّ غَرِيمِهِ بِمَا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ، وَالْغَرِيمُ جَاحِدٌ فَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّهِ حَتَّى يَحْلِفَ مَعَهُمَا فَإِذَا حَلَفَ أَنَّهُ لِحَقٍّ، وَمَا اقْتَضَيْت شَيْئًا مِمَّا كَتَبَ بِهِ خَطُّهُ أَعْطَى حَقَّهُ، وَمِنْ ذَلِكَ شَهَادَةُ السَّمَاعِ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ لَا يَقْضِي لِأَحَدٍ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ السَّمَاعِ مِنْ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَالشَّاهِدُ الْوَاحِدُ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ الْيَمِينِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا إذَا جَعَلَ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ إنْ غَابَ عَنْهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ مَثَلًا فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا، وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ وَغَابَ فَأَرَادَتْ الْأَخْذَ بِشَرْطِهَا عِنْدَ الْأَجَلِ، وَأَثْبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ الزَّوْجِيَّةَ وَالْغَيْبَةَ وَاتِّصَالَهَا، وَالشَّرْطُ بِذَلِكَ فَلَا بُدَّ أَنْ تَحْلِفَ أَنَّهَا مَا تَرَكْت مَا جَعَلَهُ بِيَدِهَا، وَأَنَّهُ غَابَ أَكْثَرَ مِنْ الْمُدَّةِ الَّتِي شَرَطَهَا، وَهَذِهِ يَمِينُ اسْتِبْرَاءٍ، وَمِنْ ذَلِكَ إذَا أَقَامَتْ لِلْغَرِيمِ الْمَجْهُولِ الْحَالِ بِأَنَّهُ مُعْدَمٌ فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ. وَإِنْ وَجَدَ مَالًا لَيُؤَدِّيَنَّ حَقَّهُ عَاجِلًا لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا شَهِدَتْ عَلَى الظَّاهِرِ، وَلَعَلَّهُ غَيَّبَ مَالًا، وَمِنْ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ تَدَّعِي عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ النَّفَقَةَ، وَتُقِيمُ الْبَيِّنَةَ بِإِثْبَاتِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْغَيْبَةِ وَاتِّصَالِهَا، وَأَنَّهُمْ مَا عَلِمُوهُ تَرَكَ لَهَا نَفَقَةً فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهَا عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي مَحَلِّهِ، وَضَابِطُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ بِظَاهِرٍ فَإِنَّهُ يُسْتَظْهَرُ بِيَمِينِ الطَّالِبِ عَلَى بَاطِنِ الْأَمْرِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ اهـ (الْوَصْلُ الثَّانِي) يَمِينُ الْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْبَتِّ أَنَّهُ مَا بَاعَ، وَلَا وَهَبَ، وَيَمِينُ الْوَرَثَةِ عَلَى الْعِلْمِ أَنَّهُ مَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِ مُوَرِّثِهِمْ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَأَنَّ مِلْكَ جَمِيعِهِمْ يَعْنِي الْوَرَثَةَ بَاقٍ إلَى حِينِ يَمِينِهِمْ، وَهَذِهِ التَّتِمَّةُ فِي الْيَمِينِ تَكُونُ عَلَى الْبَتِّ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ وَإِذَا شَهِدَ لِرَجُلٍ شَاهِدَانِ عَلَى دَيْنٍ لِأَبِيهِ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ أَبَاهُ اقْتَضَى مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا مُعَيَّنًا فَاسْتَحَقَّهُ بِشَاهِدَيْنِ حَلَفَ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّ أَبَاهُ مَا بَاعَ، وَلَا وَهَبَ، وَلَا خَرَجَ مِنْ يَدِهِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْمِلْكِ، وَالْيَمِينُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَظُنُّ بِهِ عِلْمُ ذَلِكَ، وَلَا يَمِينَ عَلَى مَنْ لَا يَظُنُّ بِهِ عَلِمَ ذَلِكَ، وَلَا عَلَى صَغِيرٍ، وَمَنْ نَكَلَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ مِنْهُمْ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ

مُسْتَقِلٌّ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى. (الْحَقِيقَةُ الثَّامِنَةُ) خَوَاصُّ النُّفُوسِ وَهُوَ نَوْعٌ خَاصٌّ مِنْ الْخَوَاصِّ الْمُودَعَةِ فِي الْعَالَمِ فَطَبِيعَةُ الْحَيَوَانَاتِ طَبَائِعُ مُخْتَلِفَةٌ حَتَّى لَا تَكَادَ تَتَّفِقُ بَلْ نَقْطَعُ أَنَّهُ لَا يَسْتَوِي اثْنَانِ مِنْ الْأَنَاسِيِّ فِي مِزَاجٍ وَاحِدٍ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّك لَا تَجِدُ أَحَدًا يُشْبِهُ أَحَدًا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، وَلَوْ عَظُمَ الشَّبَهُ لَا بُدَّ مِنْ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ صِفَاتِ الصُّوَرِ فِي الْوُجُوهِ وَغَيْرِهَا تَابِعَةٌ لِلْأَمْزِجَةِ فَلَمَّا حَصَلَ التَّبَايُنُ فِي الصِّفَاتِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَجَبَ التَّبَايُنُ فِي الْأَمْزِجَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَنَفْسٌ طُبِعَتْ عَلَى الشَّجَاعَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْحَقِيقَةُ الثَّامِنَةُ خَوَاصُّ النُّفُوسِ وَهُوَ نَوْعٌ خَاصٌّ مِنْ الْخَوَاصِّ الْمُودَعَةِ فِي الْعَالَمِ فَطَبِيعَةُ الْحَيَوَانَاتِ طَبَائِعُ مُخْتَلِفَةٌ حَتَّى لَا تَكَادَ تَتَّفِقُ) إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْحَقِيقَةِ قُلْتُ فِي كَلَامِهِ ذَلِكَ تَسَامُحٌ فِي إطْلَاقِ لَفْظِ الْخَوَاصِّ، وَهُوَ يُرِيدُ مُقْتَضَى الْأَمْزِجَةِ وَالطَّبَائِعِ، وَلَفْظُ الْخَوَاصِّ لَا يُطْلِقُهُ أَهْلُ عِلْمِ الْخَوَاصِّ، وَهُمْ الطَّبِيعِيُّونَ عَلَى ذَلِكَ مُطْلَقًا بَلْ عَلَى أَمْرٍ لَا يَنْسُبُونَهُ إلَى الْأَمْزِجَةِ وَالطَّبَائِعِ، وَمَا حَكَاهُ عَنْ الْهِنْدِ لَا أَدْرِي صِحَّتَهُ مِنْ سَقَمِهِ، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ إشَارَةً إلَى تَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ وَالْخَلْقِ وَالسَّجَايَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْهُ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَمَا قَالَهُ فِي الْحَقِيقَةِ التَّاسِعَةِ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَقِيقَةِ الْعَاشِرَةِ مُمْكِنٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْعَزَائِمِ فِي الشَّرْعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا حُكْمَ الرُّقِيِّ إذَا تَحَقَّقَتْ وَتَحَقَّقَ أَنْ لَا مَحْذُورَ فِي تِلْكَ الْأَلْفَاظِ قَالَ ـــــــــــــــــــــــــــــQحِصَّتُهُ فَقَطْ قَالَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بَعْدَ يَمِينِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ مِنْ ابْنِ يُونُسَ مِنْ قَوْلِهِ وَالْيَمِينُ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ سَهْلٌ، وَلَا يُكَلِّفُ الْوَرَثَةَ أَنْ يَزِيدُوا فِي يَمِينِهِمْ أَنَّ الشَّيْءَ الْمُسْتَحَقَّ كَانَ فِي مِلْكِ مُوَرِّثِهِمْ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ شَهِدُوا بِذَلِكَ، وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَدْ أُنْكِرَ هَذَا عَلَى بَعْضِ الْقُضَاةِ لَمَّا فَعَلَهُ فَلَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ إلَّا فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَيَنْبَغِي التَّحَفُّظُ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَشَبَهِهَا، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ أَقَامَ بِبَيِّنَةٍ عَلَى حَاضِرٍ بِدَيْنٍ فَلَا يَحْلِفُ مَعَ بَيِّنَتِهِ عَلَى إثْبَاتِ الْحَقِّ، وَلَا عَلَى أَنَّهُ مَا قَبَضَ مِنْهُ حَتَّى يَدَّعِيَ الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ أَوْ دَفَعَهُ عَنْهُ دَافِعٌ مِنْ وَكِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ اهـ مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ (الْوَصْلُ الثَّالِثُ) فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ يَمِينُ الْقَضَاءِ لَا نَصَّ عَلَى وُجُوبِهَا لِعَدَمِ الدَّعْوَى عَلَى الْحَالِفِ بِمَا يُوجِبُهَا إلَّا أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ رَأَوْا ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْسَانِ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ، وَحِيَاطَةً عَلَيْهِ، وَحِفْظًا لِمَالِهِ لِلشَّكِّ فِي بَقَاءِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ اهـ فَمِنْ هُنَا قَالَ الْأَصْلُ قَوْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ لِشَخْصٍ بِعَيْنٍ فِي يَدِ وَاحِدٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا حَتَّى يَحْلِفَ مَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ، وَلَا خَرَجَتْ عَنْ يَدِهِ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ الْمُزِيلَةِ لِلْمِلْكِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَالْقَضَاءُ، وَإِنْ عَلَّلَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَاعَهَا لِهَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ لِمَنْ اشْتَرَاهَا هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْهُ، وَمَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ مُشْكِلٌ بِأَنَّا لَا نَعْلَمُ عِنْدَنَا، وَلَا عِنْدَ غَيْرِنَا خِلَافًا فِي قَبُولِ شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ فِي الدِّمَاءِ وَالدُّيُونِ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ دَفَعَهُ لَهُ أَوْ عَارَضَهُ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ أَيْضًا الْعَفْوُ عَنْ الْقَاتِلِ الَّذِي يُقْتَلُ بِهِمَا فَكَمَا لَا اعْتِبَارَ بِهَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ فِي الدِّمَاءِ وَالدُّيُونِ لَا سِيَّمَا، وَجُلُّ الشَّهَادَاتِ فِي الدِّمَاءِ وَغَيْرِهَا الِاسْتِصْحَابُ كَذَلِكَ لَا اعْتِبَارَ بِهَا فِي الْأَمْوَالِ فَكَانَ الشَّأْنُ أَنْ يَقْضِيَ بِمُجَرَّدِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الْأَمْوَالِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى مِنْ الْقَضَاءِ بِمُجَرَّدِهَا فِي الدِّمَاءِ وَالدُّيُونِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَاشْتِرَاطُ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدَيْنِ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ النُّصُوصِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» وقَوْله تَعَالَى {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا ظَهَرَهُ أَنَّهُمَا حُجَّةٌ تَامَّةٌ وَمَا عَلِمْت أَنَّهُ وَرَدَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي اشْتِرَاطِ الْيَمِينِ. وَإِثْبَاتُ شَرْطٍ بِغَيْرِ حُجَّةٍ بَلْ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالَاتِ وَالْمُسَبِّبَاتِ وَالْمُنَاسَبَاتِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْأَمْوَالِ أَوْ فِي الدِّمَاءِ كَأَنْ يُقَالُ لَا نَقْبَلُ فِي الدِّمَاءِ مَنْ فِي طَبْعِهِ خَوَرٌ أَوْ خَوْفٌ مِنْ الْقَتْلِ مَعَ تَبْرِيزِهِ فِي الْعَدَالَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَبْعَثُهُ عَلَى حَسْمِ مَادَّةِ الْقَتْلِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الدِّمَاءِ وَأَحْكَامِ الْأَبْدَانِ الشُّبَّانِ مِنْ الْعُدُولِ فِي الشُّيُوخِ لِعِظَمِ الْخَطَرِ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَمُرُوقٌ مِنْ الْقَوَاعِدِ، وَمُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ لَا سِيَّمَا، وَالْقِيَاسُ عَلَى الدَّيْنِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ فِي غَايَةِ الْعُسْرِ، وَإِنْ ثَبَتَ الْفَرْقُ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ عَدَمُ هَذَا الشَّرْطِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ كَلَامُ الْأَصْلِ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ. قُلْت لَكِنْ فِي قَوْلِهِ، وَإِنْ ثَبَتَ الْفَرْقُ إلَخْ نَظَرٌ فَإِنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْفَرْقُ ظَهَرَ وَجْهُ اشْتِرَاطِ هَذَا الشَّرْطِ فِي الْأَمْوَالِ دُونَ الدِّمَاءِ وَالدُّيُونِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالِاسْتِحْسَانِ كَمَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ كَلَامُ الْإِمَامِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ فِي كِتَابِهِ الِاعْتِصَامِ حَيْثُ قَالَ إنَّ الِاسْتِحْسَانَ يَرَاهُ مُعْتَبَرًا فِي الْأَحْكَامِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ بِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ مُنْكِرٌ لَهُ جِدًّا حَتَّى قَالَ مَنْ اسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَّعَ، وَاَلَّذِي يَسْتَقْرِي مِنْ مَذْهَبِهِمَا أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْعَمَلِ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ هَكَذَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَالَ فَالْعُمُومُ إذَا اسْتَمَرَّ. وَالْقِيَاسُ إذَا اطَّرَدَ فَإِنَّ مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ يَرَيَانِ تَخْصِيصَ الْعُمُومِ بِأَيِّ دَلِيلٍ كَانَ مِنْ ظَاهِرٍ أَوْ مَعْنًى قَالَ وَيَسْتَحْسِنُ مَالِكٌ أَنْ يَخْتَصَّ بِالْمَصْلَحَةِ، وَيَسْتَحْسِنُ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يَخُصَّ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ

[الحجة الرابعة الشاهد واليمين]

إلَى الْغَايَةِ وَأُخْرَى عَلَى الْجُبْنِ إلَى الْغَايَةِ وَأُخْرَى عَلَى الشَّرِّ إلَى الْغَايَةِ وَأُخْرَى عَلَى الْخَيْرِ إلَى الْغَايَةِ وَأُخْرَى أَيُّ شَيْءٍ عَظَّمَتْهُ هَلَكَ وَهَذَا هُوَ الْمُسَمَّى بِالْعَيْنِ وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُؤْذِي بِالْعَيْنِ وَاَلَّذِينَ يُؤْذُونَ بِهَا تَخْتَلِفُ أَحْوَالُهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَصِيدُ بِالْعَيْنِ الطَّيْرَ فِي الْهَوَى وَيَقْلَعُ الشَّجَرَ الْعَظِيمَ مِنْ الثَّرَى أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ الْعُدُولُ وَغَيْرُهُمْ وَآخَرُ لَا يَصِلُ بِعَيْنِهِ إلَى ذَلِكَ بَلْ التَّمْرِيضُ اللَّطِيفُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ طُبِعَ عَلَى صِحَّةِ الْحَزْرِ فَلَا يُخْطِئُ الْغَيْبَ عِنْدَ شَيْءٍ مَخْصُوصٍ، وَلَا يَتَأَتَّى لَهُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ تَجِدُ بَعْضَهُمْ لَا يُخْطِئُ فِي عِلْمِ الرَّمَلِ أَبَدًا وَآخَرُ لَا يُخْطِئُ فِي أَحْكَامِ النُّجُومِ أَبَدًا وَآخَرُ لَا يُخْطِئُ فِي عِلْمِ الْكَتِفِ أَبَدًا، وَآخَرُ لَا يُخْطِئُ فِي عِلْمِ السَّيْرِ أَبَدًا؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ طُبِعَتْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُطْبَعْ عَلَى غَيْرِهِ فَمَنْ تَوَجَّهَتْ نَفْسُهُ لِطَلَبِ الْغَيْبِ عِنْدَ ذَلِكَ الْفِعْلِ الْخَاصِّ أَدْرَكَتْهُ بِخَاصِّيَّتِهَا لَا؛ لِأَنَّ النُّجُومَ فِيهَا شَيْءٌ، وَلَا الْكَتِفَ، وَلَا الرَّمَلَ، وَلَا بَقِيَّتَهَا بَلْ هِيَ خَوَاصُّ نُفُوسٍ، وَبَعْضُهُمْ يَجِدُ صِحَّةَ أَعْمَالِهِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ شَابٌّ فَإِذَا صَارَ كَبِيرًا فَقَدَهَا؛ لِأَنَّ الْقُوَّةَ نَقَصَتْ عَنْ تِلْكَ الْحِدَّةِ الَّتِي كَانَتْ فِي الشُّبُوبِيَّةِ وَقَدْ ذَهَبَتْ، وَمِنْ خَوَاصِّ النُّفُوسِ مَا يَقْتُلُ فَفِي الْهِنْدِ جَمَاعَةٌ إذَا وَجَّهُوا أَنْفُسَهُمْ لِقَتْلِ شَخْصٍ مَاتَ وَيُشَقُّ صَدْرُهُ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ قَلْبُهُ بَلْ انْتَزَعُوهُ مِنْ صَدْرِهِ بِالْهِمَّةِ وَالْعَزْمِ وَقُوَّةِ النَّفْسِ وَيُجَرِّبُونَ بِالرُّمَّانِ فَيَجْمَعُونَ عَلَيْهِ هِمَمَهُمْ فَلَا تُوجَدُ فِيهِ حَبَّةٌ وَخَوَاصُّ النُّفُوسِ كَثِيرَةٌ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، وَإِلَيْهِ مَعَ غَيْرِهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ» ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الصَّحَابَةِ الْوَارِدِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ قَالَ وَيَرَيَانِ مَعًا تَخْصِيصَ الْقِيَاسِ، وَنَقْصَ الْعِلَّةِ، وَلَا يَرَى الشَّافِعِيُّ لِعِلَّةِ الشَّرْعِ إذَا ثَبَتَتْ تَخْصِيصًا. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الِاسْتِحْسَانُ إيثَارُك مُقْتَضَى الدَّلِيلِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَالتَّرَخُّصُ لِمُعَارَضَةِ مَا يُعَارَضُ بِهِ فِي بَعْضِ مُقْتَضَيَاتِهِ، وَقَسَّمَهُ أَقْسَامًا عَدَّ مِنْهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ، وَهِيَ تَرْكُ الدَّلِيلِ لِلْعُرْفِ، وَتَرْكُهُ لِلْمَصْلَحَةِ، وَتَرْكُهُ لِلْيَسِيرِ لِرَفْعِ الْمَشَقَّةِ، وَإِيثَارِ التَّوْسِعَةِ وَحَدَّهُ غَيْرُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّهُ عِنْدَ مَالِكٍ اسْتِعْمَالُ مَصْلَحَةٍ جُزْئِيَّةٍ فِي مُقَابَلَةِ قِيَاسٍ كُلِّيٍّ قَالَ فَهُوَ تَقْوِيمُ الِاسْتِدْلَالِ الْمُرْسَلِ عَلَى الْقِيَاسِ، وَعَرَّفَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَقَالَ الِاسْتِحْسَانُ الَّذِي يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُ حَتَّى يَكُونَ أَعَمَّ مِنْ الْقِيَاسِ هُوَ أَنْ يَكُونَ طَرْحًا لِقِيَاسٍ يُؤَدِّي إلَى عُلُوٍّ فِي الْحُكْمِ وَمُبَالَغَةٍ فِيهِ فَعُدِلَ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لِمَعْنًى يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ، وَهَذِهِ تَعْرِيفَاتٌ قَرِيبٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْنَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ فَلَيْسَ بِخَارِجٍ عَنْ الْأَدِلَّةِ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ يُقَيَّدُ بَعْضُهَا، وَيُخَصَّصُ بَعْضُهَا كَمَا فِي الْأَدِلَّةِ السُّنِّيَّةِ مَعَ الْقُرْآنِيَّةِ، وَلَا يَرُدُّ الشَّافِعِيُّ مِثْلَ هَذَا أَصْلًا كَيْفَ وَقَدْ جَاءَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْعِلْمِ، وَرَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الِاسْتِحْسَانِ قَدْ يَكُونُ أَغْلَبَ مِنْ الْقِيَاسِ، وَجَاءَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْفَرْقَ فِي الْقِيَاسِ يَكَادُ يُفَارِقُ السُّنَّةَ اهـ. الْمُرَادُ بِلَفْظِهِ مَعَ تَقْدِيمٍ، وَتَأْخِيرٍ وَقَوْلِ ابْنِ السُّبْكِيّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ بِتَوْضِيحِ مِنْ الْمَحَلِّيِّ، وَفَسَّرَ الِاسْتِحْسَانَ بِعُدُولٍ عَنْ الدَّلِيلِ إلَى الْعَادَةِ لِلْمَصْلَحَةِ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ إنْ ثَبَتَ أَنَّهَا أَيْ الْعَادَةَ حَقٌّ لِجَرَيَانِهَا فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ مِنْهُ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ فَقَدْ قَامَ دَلِيلٌ مِنْ السُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ فَيُعْمَلُ بِهَا قَطْعًا، وَإِلَّا ثَبَتَتْ حَقِيقَتُهَا رُدَّتْ قَطْعًا أَيْ فَلَا تَصِحُّ مَحَلًّا لِلنِّزَاعِ لَمْ يُسَلِّمْهُ الْعَلَّامَةُ الْعَطَّارُ بَلْ قَالَ فِيهِ أَنَّ مِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ، وَإِذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ فَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ بِلَفْظِهِ اهـ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ الْعَلَّامَةُ الشِّرْبِينِيُّ فَتَأَمَّلْهُ بِإِنْصَافٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ] (الْبَابُ الرَّابِعُ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ، وَالْخِلَافُ فِي قَبُولِهَا، وَدَلِيلُهُ، وَفِيهِ وَصْلَانِ (الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي التَّبْصِرَةِ قَالَ الرُّعَيْنِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ، وَيَحْكُمُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي كُلِّ حَقٍّ يَدَّعِيهِ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ مِنْ أَيِّ السِّلَعِ كَانَ مِنْ دُورٍ أَوْ أَرَضِينَ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ ثِيَابٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ كِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ شَرِكَةٍ أَوْ مُعَاوَضَةٍ أَوْ مُسَاقَاةٍ أَوْ مُقَارَضَةٍ أَوْ جُعْلٍ أَوْ صِنَاعَةٍ أَوْ تَسَلُّفٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ هِبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلثَّوَابِ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نِحْلَةٍ أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ بِضَاعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ حَبْسٍ أَيْ عَلَى مُعَيَّنِينَ أَوْ سُكْنَى أَوْ خُدَّامٍ أَوْ صَدَاقٍ أَوْ صُلْحٍ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ فِي عَمْدٍ، وَخَطَأٍ أَوْ جِرَاحَةٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ جِرَاحَةٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ تَوْلِيَةٍ أَوْ إقَالَةٍ أَوْ خِيَارٍ أَوْ تَبَرٍّ مِنْ عَيْبٍ أَوْ رَضِيَ بِهِ بَعْد الْعِلْمِ مِنْ غَيْرِ تَبَرٍّ أَوْ وَكَالَةٍ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ مِمَّا يَكُونُ مَالًا أَوْ يَئُولُ إلَى مَالٍ فَإِذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي عَلَى شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَدْلًا، وَحَلَفَ مَعَهُ أَخْذًا مَا يَدَّعِي، وَيَثْبُتُ فِي الْقَتْلِ عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ إلَّا أَنَّهُ مَعَ الْقَسَامَةِ اهـ. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَكُونُ فِي الْمُشَاتَمَةِ مَا عَدَا الْحُدُودَ فِي الْفِرْيَةِ وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَةِ الشَّاهِدِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْوَكَالَةِ بِالْمَالِ وَالْوَصِيَّةِ بِهِ هَلْ يَجُوزُ فِيهَا الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ، وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَتَانِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ وَهْبٍ أَوْ لَا يَجُوزُ فِيهَا ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ، وَمَنْشَأُ الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ فِيهِمَا بَاشَرَتْ مَا لَيْسَ بِمَالٍ لَكِنَّهَا تَئُولُ إلَى الْمَالِ فَاعْتَبَرَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ الْمَالَ فَأَجَازُوا فِي ذَلِكَ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ

الْحَدِيثَ، إشَارَةً إلَى تَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ وَالْخَلْقِ وَالسَّجَايَا وَالْقُوَى كَمَا أَنَّ الْمَعَادِنَ كَذَلِكَ. (الْحَقِيقَةُ التَّاسِعَةُ) الرُّقَى وَهِيَ أَلْفَاظٌ خَاصَّةٌ يَحْدُثُ عِنْدَهَا الشِّفَاءُ مِنْ الْأَسْقَامِ وَالْأَدْوَاءِ وَالْأَسْبَابِ الْمُهْلِكَةِ، وَلَا يُقَالُ لَفْظُ الرُّقَى عَلَى مَا يُحْدِثُ ضَرَرًا بَلْ ذَلِكَ يُقَالُ لَهُ السِّحْرُ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مِنْهَا مَا هُوَ مَشْرُوعٌ كَالْفَاتِحَةِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَمِنْهَا مَا هُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ كَرُقَى الْجَاهِلِيَّةِ وَالْهِنْدِ وَغَيْرِهِمَا وَرُبَّمَا كَانَ كُفْرًا وَلِذَلِكَ نَهَى مَالِكٌ وَغَيْرُهُ عَنْ الرُّقَى بِالْعَجَمِيَّةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مُحَرَّمٌ وَقَدْ نَهَى عُلَمَاءُ مِصْرَ عَنْ الرُّقْيَةِ الَّتِي تُكْتَبُ فِي آخِرِ جُمُعَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لِمَا فِيهَا مِنْ اللَّفْظِ الْأَعْجَمِيِّ وَلِأَنَّهُمْ يَشْتَغِلُونَ بِهَا عَنْ الْخُطْبَةِ وَيَحْصُلُ بِهَا مَعَ ذَلِكَ مَفَاسِدُ. (الْحَقِيقَةُ الْعَاشِرَةُ) الْعَزَائِمُ وَهِيَ كَلِمَاتٌ يَزْعُمُ أَهْلُ هَذَا الْعِلْمِ أَنَّ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى الْمُلْكَ وَجَدَ الْجَانَّ يَعْبَثُونَ بِبَنِي آدَمَ وَيَسْخَرُونَ بِهِمْ فِي الْأَسْوَاقِ وَيَخْطَفُونَهُمْ مِنْ الطُّرُقَاتِ فَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُوَلِّيَ عَلَى كُلِّ قَبِيلٍ مِنْ الْجَانِّ مَلَكًا يَضْبِطُهُمْ عَنْ الْفَسَادِ فَوَلَّى اللَّهُ تَعَالَى الْمَلَائِكَةَ عَلَى قَبَائِلِ الْجِنِّ فَمَنَعُوهُمْ مِنْ الْفَسَادِ وَمُخَالَطَةِ النَّاسِ، وَأَلْزَمَهُمْ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سُكْنَى الْقِفَارِ وَالْخَرَابِ مِنْ الْأَرْضِ دُونَ الْعَامِرِ لِيَسْلَمَ النَّاسُ مِنْ شَرِّهِمْ فَإِذَا عَثَا بَعْضُهُمْ، وَأَفْسَدَ ذَكَرَ الْمُعَزِّمُ كَلِمَاتٍ تُعَظِّمُهَا تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَسْمَاءً أُمِرَتْ بِتَعْظِيمِهَا، وَمَتَى أُقْسِمَ عَلَيْهَا بِهَا أَطَاعَتْ، وَأَجَابَتْ وَفَعَلَتْ مَا طُلِبَ مِنْهَا فَالْمُعَزِّمُ يُقْسِمُ بِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ عَلَى ذَلِكَ الْمَلَكِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَلِذَلِكَ شَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَاعْتَبَرَ أَشْهَبُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ فَلَمْ يُجِيزَا ذَلِكَ فِيهِمَا، وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَإِنْ شَهِدَ عَلَى غَائِبٍ فِي وَكَالَةِ شَاهِدِ فَرَوَى أَنَّهُ يُحَلِّفُ الْوَكِيلَ، وَتَثْبُتُ وَكَالَتُهُ، وَالْأَكْثَرُ وَاَلَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ مَعَهُ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ يَلْزَمُ مَنْ أَجَازَ شَهَادَةً لِلنِّسَاءِ عَلَى الْوَكَالَةِ فِي الْمَالِ أَنْ يُجِيزَ شَاهِدًا أَوْ يَمِينًا عَلَى الْوَكَالَةِ فِي الْمَالِ لِأَنَّهَا تَئُولُ إلَى الْمَالِ. وَزَادَهُ الْقَرَافِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ الْعَبْدِيِّ مِنْ أَنَّ مَا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَرْبَعَةٌ الْأَمْوَالُ وَالْكَفَالَةُ وَالْقِصَاصُ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ، وَالْخُلْطَةُ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي التَّحْلِيفِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَأَنَّ مَا لَا يَثْبُتُ بِهِمَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ، وَالْوَلَاءُ، وَالْأَحْبَاسُ، وَالْوَصَايَا لِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَهِلَالُ رَمَضَانَ وَذِي الْحِجَّةِ، وَاللَّوْثُ، وَالْقَذْفُ، وَالْإِيصَاءُ، وَتَرْشِيدُ السَّفِيهِ، وَنَقْلُ الشَّهَادَةِ قَالَ وَالْمَوَاضِعُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا خَمْسَةٌ الْوَكَالَةُ بِالْمَالِ، وَالْوَصِيَّةُ بِهِ، وَالتَّجْرِيحُ، وَالتَّعْدِيلُ، وَنِكَاحُ امْرَأَةٍ قَدْ مَاتَتْ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا شَهِدَ عَلَى النِّكَاحِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَرْأَةِ شَاهِدٌ أَوْ أَنَّ أَحَدَ الْوَارِثِينَ مَاتَ قَبْلَ الْآخَرِ فَهَلْ يَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ. وَيَثْبُتُ الْمِيرَاثُ أَوْ لَا؟ ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُورَثُ مَعَ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وَأَشْهَبُ يَمْنَعُ لِتَرْتِيبِ ثُبُوتِ النِّكَاحِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ وَيَتَوَجَّهُ الْإِشْكَالُ عَلَى مَوْضِعَيْنِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ (الْأَوَّلُ) قَبُولُهُ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ فِي الْقِصَاصِ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهَا يُصَالِحُ عَلَيْهَا بِالْمَالِ فِي بَعْض الْأَحْوَالِ فَإِنَّهُ إلْغَاءٌ لِلْأَصْلِ، وَاعْتِبَارٌ لِلطَّوَارِئِ الْبَعِيدَةِ، وَذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ فِي النَّفْسِ أَيْضًا، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَهُوَ مُشْكِلٌ جِدًّا. (وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي) عَدَمُ قَبُولِهِ هَذِهِ الْحُجَّةَ فِي الْأَحْبَاسِ مَعَ أَنَّهَا مَنَافِعُ، وَلَا فِي الْوَلَاءِ، وَمَآلُهُ إلَى الْإِرْثِ، وَهُوَ مَالٌ، وَلَا فِي الْوَصَايَا وَهِيَ مَالٌ، وَلَا فِي تَرْشِيدِ السَّفِيهِ الَّذِي يَئُولُ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَالٌ بَلْ الْمَالُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَقْرَبُ مِنْ الْمَالِ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ لَا سِيَّمَا، وَهُوَ يُبِيحُ الْقِصَاصَ بِذَلِكَ، وَهُوَ الْغَالِبُ إذْ مَتَى يَقَعُ الصُّلْحُ فِيهَا، وَقَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ أَنَّ كُلَّ مَا مَآلُهُ إلَى الْمَالِ يَثْبُتُ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ، وَكُلُّ مَا لَا يَئُولُ إلَى الْمَالِ لَا يَثْبُتُ بِهَا فَعَدَمُ قَبُولِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مُشْكِلٌ كَقَبُولِهَا فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ فِي الْحَبْسِ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْحَلِفُ مِنْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَهُنَّ الَّذِي تَقْتَضِيهِ قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ اهـ نَعَمْ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ الْوَلَاءُ. وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ إلَّا أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى مَيِّتٍ أَنَّهُ مَوْلَاهُ، وَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ فَكَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ، وَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْوَلَاءَ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ، وَلَا الْوَلَاءَ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْوَلَاءُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْمَالَ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْوَلَاءَ قَالَ وَقَدْ تَكُونُ الشَّهَادَةُ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ عَلَى مَا هُوَ مَالٌ تَئُولُ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَى غَيْرِ الْمَالِ فَيَثْبُتُ بِهَا تَبَعًا. وَذَلِكَ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَدْ تَكُونُ الشَّهَادَةُ فِي الْمَالِ تُؤَدِّي إلَى الطَّلَاقِ مِثْلَ أَنْ يُقِيمَ شَاهِدًا وَاحِدًا أَنَّهُ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ مِنْ سَيِّدِهَا فَيَحْلِفُ مَعَهُ، وَيَسْتَحِقُّهَا، وَيَكُونُ فِرَاقًا وَمِنْهَا أَنْ يُقِيمَ الْمُكَاتَبُ شَاهِدًا عَلَى أَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَهُ، وَيَتِمُّ الْعِتْقُ وَمِنْهَا مَا لَوْ ثَبَتَ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ، وَيَمِينِ الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ يُرَدُّ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ الْعِتْقُ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الدَّيْنُ وَمِنْهَا أَنْ يَقْذِفَ رَجُلٌ رَجُلًا ظَاهِرَ الْحُرِّيَّةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ فَيَأْتِي مَنْ يَسْتَحِقُّ رَقَبَةَ الْمَقْذُوفِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَيُسْقِطُ عَنْ الْقَاذِفِ الْحَدَّ وَمِنْهَا أَنْ يَقْذِفَ رَجُلٌ مُكَاتَبًا فَيَأْتِي الْمُكَاتَبُ بِشَاهِدٍ أَنَّهُ أَدَّى كِتَابَتَهُ فَيَحْلِفُ مَعَهُ فَيَجِبُ الْحَدُّ لِتَمَامِ الْعِتْقِ اهـ الْمُرَادُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ يَتَصَرَّفُ، وَزِيَادَةٌ مِنْ الْأَصْلِ فَانْظُرْهُ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ

فَيُحْضِرُ لَهُ الْقَبِيلَ مِنْ الْجَانِّ الَّذِي طَلَبَهُ أَوْ الشَّخْصَ مِنْهُمْ فَيَحْكُمُ فِيهِ بِمَا يُرِيدُ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ هَذَا الْبَابَ إنَّمَا دَخَلَهُ الْخَلَلُ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ ضَبْطِ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ فَإِنَّهَا أَعْجَمِيَّةٌ لَا يُدْرَى وَزْنُ كُلِّ حَرْفٍ مِنْهَا يُشَكُّ فِيهِ هَلْ هُوَ بِالضَّمِّ أَوْ الْفَتْحِ أَوْ الْكَسْرِ وَرُبَّمَا أَسْقَطَ النُّسَّاخُ بَعْضَ حُرُوفِهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ فَيَخْتَلُّ الْعَمَلُ فَإِنَّ الْمُقِيمَ لَفْظٌ آخَرُ لَا يُعَظِّمُهُ ذَلِكَ الْمَلِكُ فَلَا يُجِيبُ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْمُعَزِّمِ، هَذِهِ حَقِيقَةُ الْعَزَائِمِ. (الْحَقِيقَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) الِاسْتِخْدَامَاتُ وَهِيَ قِسْمَانِ الْكَوَاكِبُ وَالْجَانُّ فَيَزْعُمُونَ أَنَّ لِلْكَوَاكِبِ إدْرَاكَاتٍ رُوحَانِيَّةٍ فَإِذَا قُوبِلَتْ الْكَوَاكِبُ بِبَخُورٍ خَاصٍّ وَلِبَاسٍ خَاصٍّ عَلَى الَّذِي يُبَاشِرُ الْبَخُورَ وَرُبَّمَا تَقَدَّمَتْ مِنْهُ أَفْعَالٌ خَاصَّةٌ مِنْهَا مَا هُوَ مُحَرَّمٌ فِي الشَّرْعِ كَاللِّوَاطِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ كُفْرٌ صَرِيحٌ وَكَذَلِكَ الْأَلْفَاظُ الَّتِي يُخَاطِبُ بِهَا الْكَوَاكِبَ مِنْهَا مَا هُوَ كُفْرٌ صَرِيحٌ فَيُنَادِيهِ بِلَفْظِ الْإِلَهِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِنْهَا مَا هُوَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ عَلَى قَدْرِ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ الْمَوْضُوعَةِ فِي كُتُبِهِمْ فَإِذَا حَصَلَتْ تِلْكَ الْكَلِمَاتُ مَعَ الْبَخُورِ مَعَ الْهَيْئَاتِ الْمُشْتَرَطَةِ كَانَتْ رُوحَانِيَّةُ ذَلِكَ الْكَوَاكِبِ مُطِيعَةً لَهُ مَتَى أَرَادَ شَيْئًا فَعَلَتْهُ لَهُ عَلَى زَعْمِهِمْ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي مُلُوكِ الْجَانِّ عَلَى زَعْمِهِمْ إذَا عَمِلُوا لَهُمْ تِلْكَ الْأَعْمَالَ الْخَاصَّةَ لِكُلِّ مَلِكٍ مِنْ الْمُلُوكِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَزْعُمُونَ بِالِاسْتِخْدَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (الْحَقِيقَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ الِاسْتِخْدَامَاتُ) إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْحَقِيقَةِ قُلْتُ لَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ حِكَايَةٌ وَقَدْ ذَكَرَ حُكْمَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQحَيْثُ قُلْنَا يَحْكُمُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَهَلْ ذَلِكَ مَنْسُوبٌ إلَى الشَّاهِدِ فَقَطْ، وَالْيَمِينُ كَالِاسْتِظْهَارِ، وَالْيَمِينُ كَشَهَادَتَانِ فِيهِ خِلَافٌ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ الْخِلَافِ إذَا رَجَعَ الشَّاهِدُ هَلْ يَغْرَمُ الْحَقَّ كُلَّهُ أَوْ نِصْفَهُ اهـ بِلَفْظِهِ. (التَّنْبِيهُ الثَّانِي) حَيْثُ يَحْكُمُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ أَوْ عَبْدٍ مَمْلُوكٍ أَوْ أَمَةٍ لَك يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا يَمِينُهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى لِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ، وَيَسْتَحِقُّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ اهـ بِإِصْلَاحٍ. (الْوَصْلُ الثَّانِي) الْقَضَاءُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَبَالَغَ فِي نَقْضِ الْحُكْمِ أَنْ حَكَمَ بِهِ قَائِلًا هُوَ بِدْعَةٌ، وَأَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهِ مُعَاوِيَةُ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ بِهِ، وَالْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ وَغَيْرُهُمْ لَنَا وُجُوهٌ: (الْأَوَّلُ) مَا فِي الْمُوَطَّإِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» ، وَرُوِيَ فِي الْمَسَانِيدِ بِأَلْفَاظٍ مُتَقَارِبَةٍ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ رِوَايَةً عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ. (الْوَجْهُ الثَّانِي) إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ قَضَى بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ أَنْكَرَهُ فَقَدْ رَوَى النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَعَدَدٌ كَثِيرٌ مِنْ غَيْرِ مُخَالِفٍ. (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْيَمِينَ تُشْرَعُ فِي حَقِّ مَنْ ظَهَرَ صِدْقُهُ، وَقَوِيَ جَانِبُهُ، وَقَدْ ظَهَرَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ بِشَاهِدِهِ. (الْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّهُ أَحَدُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فَتُشْرَعُ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ إذَا رَجَّحَ جَانِبُهُ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ. (الْوَجْهُ الْخَامِسُ) قِيَاسُ الشَّاهِدِ عَلَى الْيَدِ. (الْوَجْهُ السَّادِسُ) أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ حَكَمَ بِالْمَرْأَتَيْنِ مَعَ الشَّاهِدِ فَيَحْكُمُ بِالْيَمِينِ مَعَهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ أَقْوَى مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ لِدُخُولِهَا فِي اللِّعَانِ دُونَ الْمَرْأَتَيْنِ. (الْوَجْهُ السَّابِعُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْبَيَانِ وَالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ يُبَيِّنُ الْحَقَّ. (الْوَجْهُ الثَّامِنُ) قَوْله تَعَالَى {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] وَهَذَا لَيْسَ بِفَاسِقٍ فَوَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ، وَأَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا (فَالْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] فَحَصَرَ الْمَشْرُوعَ عِنْدَ عَدَمِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الرَّجُلِ، وَالْمَرْأَتَيْنِ وَالشَّاهِدِ، وَالْيَمِينُ زِيَادَةٌ فِي النَّصِّ، وَالزِّيَادَةُ نَسْخٌ، وَهُوَ لَا يَقْبَلُ فِي الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَجَوَابُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ زِيَادَةٌ سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ تُمْنَعُ أَنَّهُ نُسِخَ لِأُمُورٍ: (الْأَوَّلِ) النَّسْخُ الرَّفْعُ، وَلَمْ يَرْتَفِعْ شَيْءٌ، وَارْتِفَاعُ الْحَصْرِ يَرْجِعُ إلَى أَنَّ غَيْرَ الْمَذْكُورِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَكَوْنُهُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ يَرْجِعُ إلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ تُرَجَّحُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ اتِّفَاقًا. (الثَّانِي) أَنَّ الْآيَةَ وَارِدَةٌ فِي التَّحَمُّلِ دُونَ الْأَدَاءِ {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] وَالشَّرْعُ لِلِاسْتِقْبَالِ فَهُوَ لِلتَّحَمُّلِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282] وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ لَا تَدْخُلُ فِي التَّحَمُّلِ فَالْحَصْرُ فِي التَّحَمُّلِ بَاقٍ، وَلَا نَسْخَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ. (الثَّالِثِ) أَنَّ الْيَمِينَ تُشْرَعُ فِي حَقِّ مَنْ ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ، وَجَمِيعَ الْأَمْنَاءِ، وَالْقَسَامَةَ وَاخْتِلَافَ الْمُتَبَايِعَيْنِ، وَيَنْتَقِضُ مَا ذَكَرْتُمُوهُ بِالنُّكُولِ، وَهُوَ زِيَادَةٌ فِي حُكْمِ الْآيَةِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) «قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِحَضْرَمِيٍّ ادَّعَى عَلَى كِنْدِيٍّ: شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» وَلَمْ يَقُلْ شَاهِدَاك، وَيَمِينُك وُجُوبُهُ أَنَّ الْحَصْرَ لَيْسَ مُرَادًا بِدَلِيلِ الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَلِأَنَّهُ قَضَاءٌ يَخْتَصِرُ بِاثْنَيْنِ لِخُصُوصِ حَالِهِمَا فَيَعُمُّ ذَلِكَ النَّوْعُ، وَنَحْنُ نَقُولُ كُلُّ مَنْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ تِلْكَ الصِّفَةُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا شَاهِدَانِ، وَعَلَيْكُمْ أَنْ تُبَيِّنُوا أَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ مِمَّا قُلْنَا نَحْنُ فِيهَا بِالشَّاهِدِ، وَالْيَمِينِ. (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَحَصَرَ الْبَيِّنَةَ فِي جِهَةِ الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ

وَأَنَّهُ خَاصٌّ بِرُوحَانِيَّاتِ الْكَوَاكِبِ، وَمُلُوكِ الْجَانِّ وَشُرُوطُ هَذِهِ الْأُمُورِ مُسْتَوْعَبَةٌ فِي كُتُبِ الْقَوْمِ وَالْغَالِبُ عَلَيْهِمْ الْكُفْرُ فَلَا جَرَمَ لَا يَشْتَغِلُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ مُفْلِحٌ، وَهَاهُنَا قَدْ انْتَهَى الْعَدَدُ إلَى أَحَدَ عَشَرَ وَكَانَ أَصْلُهُ عَشَرَ بِسَبَبِ أَنَّ أَحَدَ بَعْضِ الْخَوَاصِّ مِنْ أَنْوَاعِ السِّحْرِ فَاخْتَلَفَ الْعَدَدُ لِذَلِكَ. وَهَاهُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) . قَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ بْنُ الْخَطِيبِ فِي كِتَابِهِ الْمُلَخَّصِ: السِّحْرُ وَالْعَيْنُ لَا يَكُونَانِ مِنْ فَاضِلٍ، وَلَا يَقَعَانِ وَلَا يَصِحَّانِ مِنْهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ السِّحْرِ الْجَزْمَ بِصُدُورِ الْأَثَرِ وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ الْأَعْمَالِ مِنْ شَرْطِهَا الْجَزْمُ وَالْفَاضِلُ الْمُتَبَحِّرُ فِي الْعُلُومِ يَرَى وُقُوعَ ذَلِكَ مِنْ الْمُمْكِنَاتِ الَّتِي يَجُوزُ أَنْ تُوجَدَ وَأَنْ لَا تُوجَدَ فَلَا يَصِحُّ لَهُ عَمَلٌ أَصْلًا، وَأَمَّا الْعَيْنُ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ فَرْطِ التَّعْظِيمِ لِلْمَرْئِيِّ وَالنُّفُوسُ الْفَاضِلَةُ لَا تَصِلُ فِي تَعْظِيمِ مَا تَرَاهُ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ فَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ السِّحْرُ إلَّا مِنْ الْعَجَائِزِ وَالتُّرْكُمَانِ أَوْ السُّودَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ النُّفُوسِ الْجَاهِلَةِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) السِّحْرُ لَهُ حَقِيقَةٌ وَقَدْ يَمُوتُ الْمَسْحُورُ أَوْ يَتَغَيَّرُ طَبْعُهُ وَعَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْهُ وَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ إنْ وَصَلَ إلَى بَدَنِهِ كَالدُّخَانِ وَنَحْوِهِ جَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ، وَإِلَّا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (وَهَاهُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إلَى آخِرِ مَا حَكَاهُ عَنْ الْفَخْرِ) قُلْتُ: لَا كَلَامَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَقْلٌ، وَمَا قَالَهُ الْفَخْرُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الِاخْتِبَارِ وَالتَّجْرِبَةِ، وَلَا نَعْلَمُ صِحَّةَ ذَلِكَ مِنْ سَقَمِهِ، وَمَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي جِهَةِ الْمُنْكِرِ لِأَنَّ الْمُبْتَدِئَ مَحْصُورٌ فِي خَبَرِهِ، وَاللَّامُ لِلْعُمُومِ فَلَمْ تَبْقَ يَمِينٌ فِي جِهَةِ الْمُدَّعِي. (وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ نَقْلُ الْبَيِّنَةِ لِلْمُنْكِرِ تَعَذَّرَ نَقْلُ الْيَمِينِ لِلْمُدَّعِي، وَجَوَابُهُمَا أَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي عَلَى الْمُنْكِرِ لَا تَتَعَدَّاهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي عَلَيْهِ هِيَ الْيَمِينُ الدَّافِعَةُ، وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ هِيَ الْجَالِبَةُ فَهِيَ غَيْرُهَا فَلَمْ يَبْطُلْ الْحَصْرُ، وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُنَا بِيَمِينِ الْمُدَّعِي مَعَ الشَّاهِدِ تَحْوِيلًا مِنْ يَمِينِ الْمُنْكِرِ بَلْ إثْبَاتٌ لِيَمِينٍ أُخْرَى بِالسُّنَّةِ فَلَا يُرَدُّ أَنَّهُ لَمَّا تَتَحَوَّلُ الْبَيِّنَةُ لَمْ تَتَحَوَّلْ الْيَمِينُ مَعَ أَنَّ التَّحْوِيلَ وَاقِعٌ غَيْرُ مُنْكَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُنْكِرِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، وَلَوْ ادَّعَى الْقَضَاءَ كَانَ لَهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ مَعَ أَنَّهَا بَيِّنَةٌ ثَابِتَةٌ فِي الْحَالَيْنِ. (وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ الْيَمِينَ لَوْ كَانَ كَالشَّاهِدِ لَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى الشَّاهِدِ كَأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ مَعَ الْآخَرِ، وَلَجَازَ إثْبَاتُ الدَّعْوَى بِيَمِينٍ، وَجَوَابُهُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ مَعْنَاهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي التَّقْدِيمِ، وَأَمَّا الْيَمِينُ فَإِنَّمَا تَدْخُلُ لِتَقْوِيَةِ جِهَةِ الشَّاهِدِ فَقَبْلَهُ لَا قُوَّةَ فَلَا تَدْخُلُ، وَلَا تُشْرَعُ وَشُرِعَ الشَّاهِدَانِ لِأَنَّهُمَا حُجَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ مَعَ الضَّعْفِ. (وَالْوَجْهُ السَّادِسُ) الْقِيَاسُ عَلَى أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ أَحْكَامَ الْأَبْدَانِ أَعْظَمُ، وَلِذَلِكَ لَا يُقْبَلُ فِيهَا النِّسَاءُ، وَلَا نَثْبُتُ بِالْيَمِينِ مَعَ النُّكُولِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ حَيْثُ قَالَ بِحَلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ قِيَامِ شَاهِدٍ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي لَنَا وُجُوهٌ (الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» فَأَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِمَا فَمَنْ قَالَ بِالْيَمِينِ مَعَ النُّكُولِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ. (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَإِنَّمَا أَمَرَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا سَبَبُ الثُّبُوتِ فَيَنْحَصِرُ الثُّبُوتُ فِيهَا عَمَلًا بِالْمَفْهُومِ، وَإِلَّا لَزِمَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ فِي تَأْسِيسِ الْقَوَاعِدِ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْيَمِينِ مَعَ النُّكُولِ لِأَنَّهَا حُجَّةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعِي، وَلَمْ تَثْبُتْ أَحْكَامُ الْأَبْدَانِ بِهَا فَلَا تَثْبُتُ بِالْيَمِينِ مَعَ النُّكُولِ. (وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِبَاحَةِ الْفُرُوجِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّهُ إذَا أَحَبَّهَا ادَّعَى عَلَيْهَا فَتُنْكِرُ فَيُحَلِّفُهَا فَتَنْكُلُ فَيَحْلِفُ، وَيَسْتَحِقُّهَا بِتَوَاطُؤٍ مِنْهُمَا. (وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَكْرَهُ زَوْجَهَا فَتَدَّعِي عَلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَتُحَلِّفُهُ وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ تَدَّعِي الْعِتْقَ، وَهَذَا ضَرَرٌ عَظِيمٌ. وَأَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا: (فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ) قَضِيَّةُ حُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ فِي قَضِيَّةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ، وَهِيَ فِي الصِّحَاحِ، وَقَالَ فِيهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ خَمْسِينَ يَمِينًا» ، وَجَوَابُهُ وَالْأَيْمَانُ تَثْبُتُ بَعْدَ اللَّوْثِ، وَهُوَ وُجُودُهُ مَطْرُوحًا بَيْنَهُمْ، وَهُوَ أَعْدَاؤُهُ، وَغَلُظَتْ خَمْسِينَ يَمِينًا بِخِلَافِ صُورَةِ النِّزَاعِ فِي الْمَقِيسِ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ نَادِرٌ فِي الْخَلَوَاتِ حَيْثُ يَتَعَذَّرُ الْإِشْهَادُ فَغَلُظَ أَمْرُهُ لِحُرْمَةِ الدِّمَاءِ. (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ كُلَّ حَقٍّ تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِذَا نَكَلَ رُدَّتْ عَلَى الْمُدَّعِي قِيَاسًا عَلَى الْمَالِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَاهُنَا لَا يَحْلِفُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى فَانْحَسَمَتْ الْمُدَّةُ. (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) الْقِيَاسُ عَلَى اللِّعَانِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تُحَدُّ بِيَمِينِ الزَّوْجِ، وَنُكُولُهَا عَنْ الْيَمِينِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ اللِّعَانَ مُسْتَثْنًى لِلضَّرُورَةِ فَجُعِلَتْ الْأَيْمَانُ مَقَامَ الشَّهَادَةِ لِتَعَذُّرِهَا وَضَرُورَةِ الْأَزْوَاجِ لِنَفْيِ الْعَارِ وَحِفْظِ النَّسَبِ، وَلَا ضَرُورَةَ هَاهُنَا. (الْوَجْهُ الرَّابِعُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ، وَهُوَ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ صُورَةَ النِّزَاعِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الضَّرُورَاتِ، وَخَطَرِ الْبَابِ. (وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ لِرُكَانَةَ لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ مَا أَرَدْتَ بِالْبَتَّةِ قَالَ وَاحِدَةٌ فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اللَّهُ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً

[الحجة الخامسة المرأتان واليمين]

فَلَا، وَقَالَتْ الْقَدَرِيَّةُ لَا حَقِيقَةَ لِلسِّحْرِ، لَنَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] ، وَمَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ لَا يُعَلَّمُ، وَلَا يَلْزَمُ صُدُورُ الْكُفْرِ عَنْ الْمَلَائِكَةِ؛ لِأَنَّهُ قُرِءَ الْمَلِكَيْنِ بِكَسْرِ اللَّامِ أَوْ هُمَا مَلِكَانِ وَأَذِنَ لَهُمَا فِي تَعْلِيمِ النَّاسِ السِّحْرَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمُعْجِزَةِ وَالسِّحْرِ؛ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْخَلْقِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَتْ تَقْتَضِي ذَلِكَ ثُمَّ صَعِدَا إلَى السَّمَاءِ وَقَوْلُهُمَا فَلَا تَكْفُرْ أَيْ لَا تَسْتَعْمِلُهُ عَلَى وَجْهِ الْكُفْرِ كَمَا يُقَالُ خُذْ الْمَالَ، وَلَا تَفْسُقْ بِهِ أَوْ يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] أَيْ مَا يَصْلُحُ لِلْأَمْرَيْنِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُحِرَ فَكَانَ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ، وَلَا يَأْتِيهِنَّ» الْحَدِيثَ وَقَدْ سَحَرَتْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - جَارِيَةٌ اشْتَرَتْهَا وَكَانَ السِّحْرُ وَخَبَرُهُ مَعْلُومًا لِلصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَكَانُوا مُجْمِعِينَ عَلَيْهِ قَبْلَ ظُهُورِ الْقَدَرِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ مَا يَشَاءُ عَقِيبَ كَلَامٍ مَخْصُوصٍ أَوْ أَدْوِيَةٍ مَخْصُوصَةٍ، احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66] فَهُوَ تَخَيُّلٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ لَأَمْكَنَ السَّاحِرَ أَنْ يَدَّعِيَ بِهِ النُّبُوَّةَ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالْخَوَارِقِ عَلَى اخْتِلَافِهَا. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ حُجَّةٌ لَنَا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ السِّحْرَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْهَضْ بِالْخَيَالِ إلَى السَّعْيِ وَنَحْنُ لَا نَدَّعِي أَنَّ كُلَّ سِحْرٍ يَنْهَضُ إلَى كُلِّ الْمَقَاصِدِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ إضْلَالَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْخَلْقِ مُمْكِنٌ لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ بِضَبْطِ مَصَالِحِهِمْ فَمَا يَسَّرَ ذَلِكَ عَلَى السَّاحِرِ وَكَمْ مِنْ مُمْكِنٍ يَمْنَعُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَالَ اللَّهُ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَحَلَّفَهُ بَعْدَ دَعْوَى امْرَأَتِهِ الثَّلَاثِ، وَجَوَابُهُ الْفَرْقُ بَيْنَ دَعْوَى الْمَرْأَةِ الثَّلَاثِ وَدَعْوَاهَا أَصْلُ الطَّلَاقِ بِأَنَّ الثَّانِيَ لَيْسَ فِيهِ ظُهُورٌ بَلْ مَرْجُوحٌ بِاسْتِصْحَابِ الْعِصْمَةِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِلَفْظٍ صَالِحٍ بَلْ ظَاهِرٍ فِيهِ قَالَهُ الْأَصْلُ، وَصَحَّحَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ الْمَرْأَتَانِ وَالْيَمِينُ] (الْبَابُ الْخَامِسُ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ، وَالْخِلَافُ فِي قَبُولِهَا، وَفِيهِ وَصْلَانِ: (الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ الْقَضَاءُ بِامْرَأَتَيْنِ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي يَجْرِي فِيمَا يَجْرِي فِيهِ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ مِنْ الْأَمْوَالِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَكَذَا الْوِرَاثَةُ كَمَا لَوْ وَلَدَتْ امْرَأَةٌ ثُمَّ مَاتَتْ هِيَ وَوَلَدُهَا فَشَهِدَتْ امْرَأَتَانِ أَنَّ الْأُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ وَلَدِهَا فَإِنَّ الْأَبَ يَحْلِفُ أَوْ أُورِثْته عَلَى ذَلِكَ، وَيَسْتَحِقُّونَ مَا يَرِثُ عَنْ أُمِّهِ لِأَنَّهُ مَالُهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَاخْتُلِفَ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا لَوْ شَهِدَ النِّسَاءُ فِي طَلَاقٍ وَدَيْنٍ شَهَادَةً وَاحِدَةً جَازَتْ مَعَ الْيَمِينِ فِي الدَّيْنِ دُونَ الطَّلَاقِ وَمِنْهَا مَا إذَا شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ عَلَى مَيِّتٍ أَنَّهُ أَوْصَى لِرَجُلٍ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا إنْ كَانَ فِي الْوَصِيَّةِ عِتْقٌ وَإِبْضَاعُ النِّسَاءِ يُرِيدُ نِكَاحَ الْبَنَاتِ فَأَبْطَلَ الْوَصِيَّةَ كُلَّهَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا الْأَصْلِ، وَهُوَ مَا إذَا اشْتَمَلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى مَا تُجِيزُهُ السُّنَّةُ، وَمَا لَا تُجِيزُهُ، وَالْمَشْهُورُ جَوَازُ مَا أَجَازَتْهُ السُّنَّةُ دُونَ مَا لَمْ تُجِزْهُ، وَقِيلَ يُرَدُّ الْجَمِيعُ اهـ (الْوَصْلُ الثَّانِي) فِي الْأَصْلِ الْمَرْأَتَانِ وَالْيَمِينُ هِيَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَكَذَا ابْنُ حَنْبَلٍ، وَوَافَقْنَا فِي الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لَنَا وُجُوهٌ (الْأَوَّلُ) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقَامَ الْمَرْأَتَيْنِ مُقَامَ الرَّجُلِ فَيَقْضِي بِهَا مَعَ الْيَمِينِ كَالرَّجُلِ، وَلَمَّا عَلَّلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نُقْصَانَ عَقْلِهِنَّ قَالَ عَدَلَتْ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ بِشَاهِدَةِ رَجُلٍ، وَلَمْ يَخُصَّ مَوْضِعًا دُونَ مَوْضِعٍ (الثَّانِي) أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَمَعَ الْمَرْأَتَيْنِ أَقْوَى. (الثَّالِثُ) أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ يَمِينٌ مَعَهُمَا، وَيَتَوَجَّهُ مَعَ الرَّجُلِ، وَإِذَا لَمْ تَعْرُجْ عَلَى الْيَمِينِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِهِمَا كَانَتَا أَقْوَى فَيَكُونَانِ كَالرَّجُلِ فَيَحْلِفُ مَعَهُمَا، وَأَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فَالْأَوَّلُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا شَرَعَ شَهَادَتَيْنِ مَعَ الرَّجُلِ فَإِذَا عُدِمَ الرَّجُلُ أُلْغِيَتْ، وَجَوَابُهُ أَنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا يَقُومَانِ مَقَامَ الرَّجُلِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهِمَا لَا يَقُومَانِ مَقَامَهُ مَعَ الْيَمِينِ فَهُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الِاعْتِبَارُ الْمُتَقَدِّمُ كَمَا دَلَّ الِاعْتِبَارُ عَلَى اعْتِبَارِ الْقِمْطِ فِي الْبُنْيَانِ وَالْجُذُوعِ وَغَيْرِهَا. (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ فِي الْمَالِ إذَا خَلَتْ عَنْ رَجُلٍ لَمْ تُقْبَلْ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَلَوْ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ كَالرَّجُلِ لَتَمَّ الْحُكْمُ بِأَرْبَعٍ، وَيُقْبَلْنَ فِي غَيْرِ الْمَالِ كَمَا يُقْبَلُ الرَّجُلُ، وَيُقْبَلُ فِي غَيْرِ الْمَالِ رَجُلٌ، وَامْرَأَتَانِ. (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ ضَعِيفَةٌ فَتَقْوَى بِالرَّجُلِ، وَالْيَمِينُ ضَعِيفَةٌ فَيُضَمُّ ضَعِيفٌ إلَى ضَعِيفٍ، وَجَوَابُهُمَا إنْ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ امْرَأَتَيْنِ أَقْوَى، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَقِلَّ النِّسْوَةُ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ لِأَنَّهَا لَا يَدْخُلُهَا الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ، وَلِأَنَّ تَخْصِيصَ الرِّجَالِ بِمَوْضِعٍ لَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِمْ لِأَنَّ النِّسَاءَ قَدْ خُصِصْنَ بِعُيُوبِ الْفَرْجِ وَغَيْرِهَا، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى رُجْحَانِهِنَّ عَلَى الرِّجَالِ اهـ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْحُجَّةُ السَّادِسَةُ وَالسَّابِعَة] (الْبَابُ السَّادِسُ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ السَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ، وَالْخِلَافُ فِي قَبُولِهَا، وَدَلِيلُهُ، وَفِيهِ وَصْلَانِ (الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ الشَّاهِدُ، وَالنُّكُولُ يَجْرِي فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يُقْبَلُ فِيهِ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ، وَالْمَرْأَتَانِ، وَالْيَمِينُ صُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ فَإِذَا تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي وَرَدَّهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ نَكَلَ

[الحجة الثامنة اليمين والنكول]

الدُّخُولِ فِي الْعِلْمِ لِأَنْوَاعٍ مِنْ الْحِكَمِ مَعَ أَنَّا سَنُبَيِّنُ بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْفَرْقَ بَيْنَ السِّحْرِ وَالْمُعْجِزَاتِ مِنْ وُجُوهٍ فَلَا يَحْصُلُ اللَّبْسُ وَالضَّلَالُ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ: السَّاحِرُ كَافِرٌ يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ سَحَرَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا كَالزِّنْدِيقِ قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ أَظْهَرَهُ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ قَالَ أَصْبَغُ إنْ أَظْهَرَهُ، وَلَمْ يَتُبْ فَقُتِلَ فَمَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ اسْتَتَرَ فَلِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا آمُرُهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَإِنْ فَعَلُوا فَهُمْ أَعْلَمُ. قَالَ: وَمِنْ قَوْلِ عُلَمَائِنَا الْقُدَمَاءِ لَا يُقْتَلُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ مِنْ السِّحْرِ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّهُ كُفْرٌ قَالَ أَصْبَغُ يَكْشِفُ عَنْ ذَلِكَ مَنْ يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ، وَلَا يَلِي قَتْلَهُ إلَّا السُّلْطَانُ فَإِنْ سَحَرَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ لَمْ يَلِ سَيِّدُهُ قَتْلَهُ بَلْ الْإِمَامُ، وَلَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ إلَّا أَنْ يَضُرَّ الْمُسْلِمَ بِسِحْرِهِ فَيَكُونُ نَقْضًا لِعَهْدِهِ فَيُقْتَلُ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ الْإِسْلَامُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ: السَّاحِرُ كَافِرٌ فَيُقْتَلُ، وَلَا يُسْتَتَابُ سَحَرَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا كَالزِّنْدِيقِ قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ أَظْهَرَهُ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ قَالَ أَصْبَغُ إنْ أَظْهَرَهُ، وَلَمْ يَتُبْ فَقُتِلَ فَمَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ اسْتَتَرَ فَلِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا آمُرُهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَإِنْ فَعَلُوا فَهُمْ أَعْلَمُ. قَالَ: وَمِنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ الْقُدَمَاءِ لَا يُقْتَلُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ مِنْ السَّحَرِ الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ كُفْرٌ قَالَ أَصْبَغُ يَكْشِفُ عَنْ ذَلِكَ مَنْ يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ، وَلَا يَلِي قَتْلَهُ إلَّا السُّلْطَانُ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَعْيٌ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ) قُلْتُ: ذَلِكَ كُلُّهُ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْيَمِينِ قُضِيَ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ لَا تُرَدُّ قَالَ فَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُبَيِّنَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ حُكْمَ النُّكُولِ إنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي مَالٍ بَلْ، وَحُكْمُهُ أَيْضًا إنْ كَانَتْ فِي طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْقَضَاءِ بِالشَّاهِدِ، وَالنُّكُولِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ، وَقَالَ قَبْلُ بِأَوْرَاقٍ إذَا ادَّعَى الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ الْعِتْقَ، وَأَقَامَ أَحَدُهُمَا شَاهِدًا حَلَفَ السَّيِّدُ فَإِنْ نَكَلَ فَقِيلَ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ يُسْجَنُ حَتَّى يَحْلِفَ، وَقِيلَ يُخَلَّى مِنْ السِّجْنِ إذَا طَوَّلَ، وَالطُّولُ سَنَةٌ قَالَ وَإِنْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ شَاهِدًا بِالطَّلَاقِ، وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ حَلَفَ، وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَإِنْ نَكَلَ سُجِنَ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يَطُولَ أَمْرُهُ، وَالطُّولُ فِي ذَلِكَ سَنَةٌ، وَقِيلَ يُسْجَنُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُطَلِّقَ، وَقِيلَ يُطَلَّقُ عَلَيْهِ لِتَمَامِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِمُشَابَهَتِهِ الْإِيلَاءَ اهـ. (الْوَصْلُ الثَّانِي) فِي الْأَصْلِ الشَّاهِدُ وَالنُّكُولُ حُجَّةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَنَا وُجُوهٌ (الْأَوَّلُ) أَنَّ النُّكُولَ سَبَبٌ مُؤَثِّرٌ فِي الْحُكْمِ فَيَحْكُمُ بِهِ مَعَ الشَّاهِدِ كَالْيَمِينِ مِنْ الْمُدَّعِي، وَتَأْثِيرُهُ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْقُلُ الْيَمِينَ لِلْمُدَّعِي (الثَّانِي) أَنَّ الشَّاهِدَ أَقْوَى مِنْ يَمِينِ الْمُدَّعِي بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِلْيَمِينِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّاهِدِ (الثَّالِثُ) أَنَّ الشَّاهِدَ يَدْخُلُ فِي الْحُقُوقِ كُلِّهَا بِخِلَافِ الْيَمِينِ. وَأَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا: (فَالْأَوَّلُ) أَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا وَرَدَتْ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَهُوَ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا تَعْظِيمَ فِي النُّكُولِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ التَّعْظِيمَ لَا مَدْخَلَ لَهُ هُنَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ سَبَّحَ، وَهَلَّلَ أَلْفَ مَرَّةٍ لَا يَكُونُ حُجَّةً مَعَ الشَّاهِدِ، وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ فِي إقْدَامِهِ عَلَى مُوجِبِ الْعُقُوبَةِ عَلَى تَقْدِيرِ الْكَذِبِ، وَهَذَا كَمَا هُوَ وَازِعٌ دِينِيٌّ أَمَّا النُّكُولُ فَفِيهِ وَازِعٌ طَبِيعِيٌّ لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ لَهُ إنْ حَلَفْت بَرِئَتْ، وَإِنْ نَكَلَتْ غَرِمَتْ فَإِذَا نَكَلَ كَانَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْوِزَاعِ الطَّبِيعِيِّ، وَالْوِزَاعُ الطَّبِيعِيُّ أَقْوَى أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ إلَّا مِنْ الْعَدْلِ لِأَنَّ وَازِعَهَا شَرْعِيٌّ فَلَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي الْمُتَّقِينَ مِنْ النَّاسِ؟ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الْحِنْثَ فِي الْيَمِينِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَيَذَرُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ إذَا أَقْدَمَ عَلَيْهَا غَمُوسًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ النُّكُولُ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ قَدْ تَكُونُ أَوْلَى مِنْ الْحَقِّ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَالْمُجْتَلِبِ، وَهُوَ الْغَالِبُ فَقَدَّمَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ الْكَاذِبَةَ لِأَنَّ الْوَازِعَ حِينَئِذٍ إنَّمَا هُوَ الْوَازِعُ الشَّرْعِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ دُونَ الْوِزَاعِ الطَّبِيعِيِّ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ النُّكُولَ لَا يَكُونُ أَقْوَى حُجَّةً مِنْ جَحْدِهِ أَصْلَ الْحَقِّ، وَجَحْدُهُ لَا يَقْضِي بِهِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَإِلَّا كَانَ قَضَاءً مَعَ الشَّاهِدِ وَحْدَهُ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَكَذَلِكَ النُّكُولُ، وَجَوَابُهُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْجَحْدِ لَا يَقْضِي بِهِ عَلَيْهِ فَلَا يَخَافُهُ، وَالنُّكُولُ يَقْضِي بِهِ عَلَيْهِ بِعَدَمِ تَقَدُّمِ الْيَمِينِ فَيَخَافُهُ طَبْعُهُ فَظَهَرَ أَنَّ النُّكُولَ أَقْوَى مِنْ الْيَمِينِ، وَأَقْوَى مِنْ الْجَحْدِ قَالَ الْأَصْلُ وَالْمَرْأَتَانِ، وَالنُّكُولُ عِنْدَنَا أَيْضًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْمُدْرَكُ هُوَ مَا تَقَدَّمَ سُؤَالًا وَجَوَابًا، وَعُمْدَتُهُ أَنَّهُ قِيَاسٌ عَلَى الْيَمِينِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ اهـ، وَسَلَّمَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْحُجَّةُ الثَّامِنَةُ الْيَمِينُ وَالنُّكُولُ] (الْبَابُ السَّابِعُ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ الثَّامِنَةُ، وَالْخِلَافُ فِي قَبُولِهَا، وَدَلِيلُهُ، وَفِيهِ وَصْلَانِ (الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) الْيَمِينُ مِنْ الْمُدَّعِي بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ الرَّافِعَةِ لِلدَّعْوَى فَيَسْتَحِقُّ مَا ادَّعَى بِهِ تَكُونُ فِيمَا إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ حَقًّا، وَلَيْسَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَيُنْكِرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَتَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ، وَهِيَ الْيَمِينُ الرَّافِعَةُ لِلدَّعْوَى فَيَنْكُلُ

وَإِنْ سَحَرَ أَهْلَ مِلَّتِهِ فَيُؤَدَّبُ إلَّا أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا فَيُقْتَلُ بِهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ كَالسَّابِّ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ فَإِنْ ذَهَبَ لِمَنْ يَعْمَلُ لَهُ سِحْرًا، وَلَمْ يُبَاشِرْ أُدِّبَ أَدَبًا شَدِيدًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكْفُرْ، وَإِنَّمَا رَكَنَ لِلْكَفَرَةِ. قَالَ وَتَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ عِنْدَ مَالِكٍ كُفْرٌ وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ تَفْعَلُ لَهُ مَا يَشَاءُ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ تَخْيِيلٌ وَتَمْوِيهٌ لَمْ يَكْفُرْ وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ يَصِفُهُ فَإِنْ وَجَدْنَا فِيهِ مَا هُوَ كُفْرٌ كَالتَّقَرُّبِ لِلْكَوَاكِبِ وَيَعْتَقِدُ أَنَّهَا تَفْعَلُ مَا يَلْتَمِسُ مِنْهَا فَهُوَ كُفْرٌ، وَإِنْ لَمْ نَجِدْ فِيهِ كُفْرًا فَإِنْ اعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ فَهُوَ كُفْرٌ قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ نَطَقَ بِتَحْرِيمِهِ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ إنْ قَالَ سِحْرِي يَقْتُلُ غَالِبًا وَقَتَلْتُ بِهِ قُتِلَ، وَإِنْ قَالَ الْغَالِبُ مِنْهُ السَّلَامَةُ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ الْإِقْرَارَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ قَالَ قَتَلْتُ بِسِحْرِي لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ بِمُثْقَلٍ، وَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ قُتِلَ؛ لِأَنَّهُ سَعَى فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ وَدَلِيلُ الْمَالِكِيَّةِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] أَيْ بِتَعَلُّمِهِ {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] وَلِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَقْدِرُ بِهِ عَلَى تَغْيِيرِ الْأَجْسَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: الطُّرْطُوشِيُّ وَدَلِيلُ الْمَالِكِيَّةِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] أَيْ بِتَعْلِيمِهِ {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَقْدِرُ بِهِ عَلَى تَغْيِيرِ الْأَجْسَامِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهَا فَتَنْقَلِبُ الْيَمِينُ عَلَى الطَّالِبِ، وَهِيَ الْيَمِينُ الْمُنْقَلِبَةُ فَيَحْلِفُ، وَيَسْتَحِقُّ فَإِنْ جَهِلَ الْمَطْلُوبُ رَدَّهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُعْلِمَهُ بِذَلِكَ، وَلَا يَقْضِي حَتَّى يَرُدَّهَا فَإِنْ نَكَلَ الطَّالِبُ فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فَإِنْ حَلَفَ الْمُدَّعِي حِينَ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَخَذَ مَا ادَّعَاهُ ثُمَّ إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَجَدَ بَيِّنَةً بِبَرَاءَتِهِ مِنْ ذَلِكَ نَفَعَهُ ذَلِكَ، وَاسْتَعَادَ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْمُدَّعِي اهـ، وَتَكُونُ أَيْضًا فِيمَا إذَا ادَّعَى الْمَطْلُوبُ الْعَدَمَ، وَقَالَ إنَّ الْمُدَّعِيَ عَالِمٌ بِذَلِكَ فَلَهُ أَخْذُ الْيَمِينِ الرَّافِعَةِ لِلدَّعْوَى فَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعِي فَلَا مَقَالَ وَحَلَفَ الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ، وَهَذِهِ الْيَمِينُ تُسَمَّى الْيَمِينَ الْمُصَحِّحَةَ، وَالْمُدَّعِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُدَّعًى عَلَيْهِ اُنْظُرْ الْمُتَيْطِيَّةِ أَفَادَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْوَصْلُ الثَّانِي) فِي الْأَصْلِ الْيَمِينُ، وَالنُّكُولُ حُجَّةٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقْضِي بِالنُّكُولِ، وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الطَّالِبِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي مَالٍ كُرِّرَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَزِمَهُ الْحَقُّ، وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي عَقْدٍ فَلَا يَحْكُمُ بِالنُّكُولِ بَلْ يُحْبَسُ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يَعْتَرِفَ، وَفِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالنَّسَبِ وَغَيْرِهِ لَا مَدْخَلَ لِلْيَمِينِ فِيهِ فَلَا نُكُولٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُحْبَسُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ حَتَّى يَحْلِفَ لَنَا وُجُوهٌ: (الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَلَا يَمِينَ بَعْدَ يَمِينٍ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى يَمِينٍ بَعْدَ رَدِّهِ يَمِينٌ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مُقَامَهُ لِأَنَّ اللَّفْظَ إذَا تُرِكَ مِنْ وَجْهٍ بَقِيَ حُجَّةً فِي الْبَاقِي (الثَّانِي) مَا رُوِيَ «أَنَّ الْأَنْصَارَ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَتْ إنَّ الْيَهُودَ قَتَلَتْ عَبْدَ اللَّهِ وَطَرَحَتْهُ فِي قَفِيرٍ أَيْ بِئْرٍ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَتَحْلِفُونَ، وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ قَالُوا لَا قَالَ فَتَحْلِفُ لَكُمْ الْيَهُودُ قَالُوا كَيْفَ يَحْلِفُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ» فَجَعَلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْيَمِينَ فِي جِهَةِ الْخَصْمِ أَخْرَجَهُ صَاحِبُ الْمُوَطَّإِ، وَغَيْرُهُ (الثَّالِثُ) مَا رُوِيَ أَنَّ الْمِقْدَادَ اقْتَرَضَ مِنْ عُثْمَانَ سَبْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الْقَضَاءِ جَاءَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَقَالَ عُثْمَانُ أَقْرَضْتُك سَبْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَتَرَافَعَا إلَى عُمَرَ فَقَالَ الْمِقْدَادُ يَحْلِفُ عُثْمَانُ فَقَالَ عُمَرُ لِعُثْمَانَ لَقَدْ أَنْصَفَك فَلَمْ يَحْلِفْ عُثْمَانُ فَنَقَلَ عُمَرُ الْيَمِينَ إلَى الْمُدَّعِي، وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَالْمِقْدَادُ، وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ غَيْرُهُمْ فَكَانَ إجْمَاعًا (الرَّابِعُ) الْقِيَاسُ عَلَى النُّكُولِ فِي بَابِ الْقَوَدِ وَالْمُلَاعَنَةِ لَاتَّحَدَ بِنُكُولِ الزَّوْجِ (الْخَامِسُ) لَوْ نَكَلَ عَنْ الْجَوَابِ فِي الدَّعْوَةِ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ نُكُولٌ عَنْ الْيَمِينِ، وَالْجَوَابُ فَالْيَمِينُ وَحْدَهُ أَوْلَى بِعَدَمِ الْحُكْمِ (السَّادِسُ) أَوْ الْبَيِّنَةُ حُجَّةُ الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ حُجَّةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي النَّفْيِ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ (السَّابِعُ) أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَانَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إقَامَتُهَا فَكَذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ فَيَكُونُ لِلْآخَرِ فِعْلُهَا (الثَّامِنُ) أَنَّ النُّكُولَ إذَا كَانَ حُجَّةً تَامَّةً كَالشَّاهِدَيْنِ وَجَبَ الْقَضَاءُ بِهِ فِي الدِّمَاءِ أَوْ نَاقِصَةً كَالشَّاهِدَيْنِ، وَالْمَرْأَتَيْنِ أَوْ كَالشَّاهِدِ، وَيَمِينٍ وَجَبَ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ التَّكْرَارِ أَوْ كَالِاعْتِرَافِ يُقْبَلُ فِي الْقَوَدِ، وَلَا يَفْتَقِرُ أَيْ إلَى تَكْرَارٍ بِخِلَافِهِ النُّكُولُ، وَأَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا (فَالْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] يَمْنَعُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِيَمِينِهِ عَلَى غَيْرِهِ حَقًّا فَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ لِئَلَّا يَسْتَحِقَّ بِيَمِينِهِ مَالَ غَيْرِهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنْ لَا تَنْفُذَ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ لِيَقْطَعَ بِهَا مَالَ غَيْرِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَمُجَرَّدُ الِاحْتِمَالِ لَا يَمْنَعُ، وَإِلَّا لَمَنَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْيَمِينِ

[الحجة التاسعة أيمان اللعان في الشهادة]

وَالْجَزْمُ بِذَلِكَ كُفْرٌ أَوْ نَقُولُ هُوَ عَلَامَةُ الْكُفْرِ بِإِخْبَارِ الشَّرْعِ فَلَوْ قَالَ الشَّارِعُ مَنْ دَخَلَ مَوْضِعَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ اعْتَقَدْنَا كُفْرَ الدَّاخِلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدُّخُولُ كُفْرًا، وَإِنْ أَخْبَرَنَا هُوَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ لَمْ نُصَدِّقْهُ قَالَ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا إنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ أَيْ دَلِيلُ الْكُفْرِ لَا أَنَّهُ كُفْرٌ فِي نَفْسِهِ كَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالتَّرَدُّدِ إلَى الْكَنَائِسِ فِي أَعْيَادِ النَّصَارَى فَنَحْكُمُ بِكُفْرِ فَاعِلِهِ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأُمُورُ كُفْرًا لَا سِيَّمَا وَتَعَلُّمُهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِمُبَاشَرَتِهِ كَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَلَّمَ الزَّمْرَ أَوْ ضَرْبَ الْعُودِ، وَالسِّحْرُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْكُفْرِ كَقِيَامِهِ إذَا أَرَادَ سِحْرَ سُلْطَانٍ لِبُرْجِ الْأَسَدِ قَائِلًا خَاضِعًا مُتَقَرِّبًا لَهُ وَيُنَادِيهِ يَا سَيِّدَاهُ يَا عَظِيمَاهُ أَنْتَ الَّذِي إلَيْك تَدِينُ الْمُلُوكُ وَالْجَبَابِرَةُ وَالْأُسُودُ أَسْأَلُك أَنْ تُذَلِّلَ لِي قَلْبَ فُلَانٍ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَالْجَزْمُ بِذَلِكَ كُفْرٌ أَوْ نَقُولُ هُوَ عَلَامَةُ الْكُفْرِ بِإِخْبَارِ الشَّرْعِ فَلَوْ قَالَ الشَّارِعُ مَنْ دَخَلَ مَوْضِعَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ اعْتَقَدْنَا كُفْرَ الدَّاخِلِ، وَأَنَّ الدُّخُولَ كُفْرٌ، وَإِنْ أَخْبَرَنَا هُوَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ لَمْ نُصَدِّقْهُ قَالَ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا إنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ أَيْ دَلِيلُ الْكُفْرِ لَا أَنَّهُ كُفْرٌ فِي نَفْسِهِ كَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالتَّرَدُّدِ لِلْكَنَائِسِ فِي أَعْيَادِ النَّصَارَى فَنَحْكُمُ بِكُفْرِ فَاعِلِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأُمُورُ كُفْرًا لَا سِيَّمَا وَتَعَلُّمُهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِمُبَاشَرَتِهِ كَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَلَّمَ الزَّمْرَ أَوْ ضَرْبَ الْعُودِ وَالسِّحْرَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْكُفْرِ كَقِيَامِهِ إذَا أَرَادَ سِحْرَ سُلْطَانٍ لِبُرْجِ الْأَسَدِ قَائِلًا خَاضِعًا مُتَقَرِّبًا لَهُ وَيُنَادِيهِ يَا سَيِّدَاهُ يَا عَظِيمَاهُ أَنْتَ الَّذِي إلَيْك تَدِينُ الْمُلُوكُ وَالْجَبَابِرَةُ وَالْأُسُودُ أَسْأَلُك أَنْ تُذَلِّلَ لِي قَلْبَ فُلَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّافِعَةِ لِئَلَّا يَأْخُذَ بِهَا مَالًا بَلْ يُحْكَمُ بِالظَّاهِرِ، وَهُوَ الصِّدْقُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) الْمَلَاعِنُ إذَا نَكَلَ حُدَّ بِمُجَرَّدِ النُّكُولِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُوجِبَ لِحَدِّ الْمَلَاعِنِ قَذْفُهُ، وَإِنَّمَا أَيْمَانُهُ مُسْقِطَةٌ فَإِذَا فُقِدَ الْمَانِعُ عُومِلَ بِالْمُقْتَضَى، وَالنُّكُولُ عِنْدَكُمْ مُقْتَضًى فَلَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَلَّى ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ قَضَاءَ الْيَمَنِ فَجَاءَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ إنَّ هَذَا الرَّجُلُ وَلَّانِي هَذَا الْبَلَدَ، وَأَنَّهُ لَا غِنَاءَ لِي عَنْهُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ اُكْتُبْ لِي بِمَا يَبْدُو لَك فَكَتَبَ إلَيْهِ فِي جَارِيَتَيْنِ جَرَحَتْ أَحَدُهُمَا الْأُخْرَى فِي كَفِّهَا فَكَتَبَ إلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ احْبِسْهَا إلَى بَعْدِ الْعَصْرِ وَاقْرَأْ عَلَيْهَا {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] قَالَ فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَاسْتَحْلَفَهَا فَأَبَتْ فَأَلْزَمَهَا ذَلِكَ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ قَالَ اعْتَرَفَتْ فَأَلْزَمْتهَا ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ بِرَأْيِهِ لَا بِرَأْيِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْحُكْمِ عَلَيْهَا بِذَلِكَ، وَالتَّابِعِيُّ لَا حُجَّةَ فِي فِعْلِهِ (وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَجَعَلَ الْيَمِينَ فِي حُجَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْقَ يَمِينٌ تُجْعَلُ فِي جِهَةِ الْمُدَّعِي، وَجَعَلَ حُجَّةَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ، وَحُجَّةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ، وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ نَقْلُ حُجَّةِ الْمُدَّعِي إلَى حُجَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا نَقْلُ حُجَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَى جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ وَرَدَ لِمَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ ابْتِدَاءً، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ، وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْحَدِيثُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُنْكِرَ قَدْ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ إذَا ادَّعَى الدِّينَ فَكَذَلِكَ قَدْ تُوجَدُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ (وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» ، وَلَمْ يَقُلْ أَوْ يَمِينُك، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لِبَيَانِ مَنْ تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ ابْتِدَاءً فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ (وَالْوَجْهُ السَّادِسُ) أَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْإِثْبَاتِ، وَيَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلنَّفْيِ فَلَمَّا تَعَذَّرَ جَعَلُ الْبَيِّنَةَ لِلنَّفْيِ تَعَذَّرَ أَيْضًا جَعْلُ الْيَمِينِ لِلْإِثْبَاتِ، وَجَوَابُهُ أَنَّا لَمْ نَجْعَلْ الْيَمِينَ وَحْدَهَا لِلْإِثْبَاتِ بَلْ الْيَمِينَ مَعَ النُّكُولِ عَلَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ تَكُونُ لِلنَّفْيِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ مِثْلُ بَيِّنَةِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ نَفْيٌ اهـ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [الْحُجَّةُ التَّاسِعَةُ أَيْمَانُ اللِّعَانِ فِي الشَّهَادَةِ] (الْبَابُ الثَّامِنُ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ التَّاسِعَةُ، وَفِي صِفَتِهَا، وَفِيهِ وَصْلَانِ (الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ لَا يَحْكُمُ بِاللِّعَانِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَمْلِ بِشَاهِدَةِ امْرَأَتَيْنِ، وَثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ إنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَالْأَمْكِنَةِ مِنْ اللِّعَانِ قَبْلَ ثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْحَمْلِ، وَلَا يَحُدُّهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ فَإِنَّهُ يُحَدُّ إذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ بِحَالٍ، وَلَا يَكُونُ اللِّعَانُ إلَّا بِمَجْلِسِ الْحَاكِمِ أَوْ فِي مَجْلِسِ رَجُلٍ مِنْ أَعْيَانِ الْفُقَهَاءِ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ، وَقَالَ قِيلَ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي أَشْرَفِ أَمْكِنَةِ الْبَلَدِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فِي الْمَدِينَةِ، وَعِنْدَ الرُّكْنِ بِمَكَّةَ، وَعِنْدَ الْمِحْرَابِ فِي غَيْرِهِمَا فِي الْجَامِعِ الْأَعْظَمِ، وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَتَحْلِفُ الذِّمِّيَّةُ فِي كَنِيسَتِهَا لَا فِي الْمَسْجِدِ، وَالْمَرِيضُ بِمَوْضِعِهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِحُضُورِ جَمَاعَةٍ أَقَلُّهَا أَرْبَعَةٌ قَالَ وَحَقِيقَةُ اللِّعَانِ يَمِينُ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ بِزِنًا أَوْ نَفْيُ حَمْلِهَا أَوْ وَلَدِهَا، وَيَمِينُ الزَّوْجَةِ عَلَى تَكْذِيبِهِ، وَسُمِّيَتْ أَيْمَانُهُمَا لِعَانًا لِأَنَّ فِيهَا ذِكْرَ اللَّعْنِ، وَلِكَوْنِهَا سَبَبًا فِي بُعْدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبِهِ اهـ، وَفِي الْأَصْلِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَأَيْمَانُ اللِّعَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا فِيمَا عَلِمْت مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ اهـ (الْوَصْلُ الثَّانِي) صِفَةُ اللِّعَانِ أَنَّهُ إنْ لَاعَنَ مِنْ دَعْوَى الزِّنَا، وَاعْتَمَدَ عَلَى الرُّؤْيَةِ قَالَ أَرْبَعُ مَرَّاتٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَزِيدُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ لَرَأَيْتهَا تَزْنِي كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ ثُمَّ يَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ

الْجَبَّارِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ تَعَلُّمَ صَرِيحِ الْكُفْرِ لَيْسَ بِكُفْرٍ فَإِنَّ الْأُصُولِيَّ يَتَعَلَّمُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ لِيَحْذَرَ مِنْهُ، وَلَا يَقْدَحُ فِي شَهَادَتِهِ وَمَأْخَذِهِ، فَالسِّحْرُ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ كُفْرًا، وَلَوْ قَالَ إنْسَانٌ إنَّمَا تَعَلَّمْت كَيْفَ يُكْفَرُ بِاَللَّهِ لِأَجْتَنِبَهُ أَوْ كَيْفَ الزِّنَا، وَأَنْوَاعِ الْفَوَاحِشِ لِأَجْتَنِبَهَا لَمْ يَأْثَمْ قُلْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ عَلَى أُصُولِنَا فَإِنَّ السَّحَرَةَ يَعْتَمِدُونَ أَشْيَاءَ تَأْبَى قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ تَكْفِيرَهُمْ بِهَا كَفِعْلِ الْحِجَارَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَكَذَلِكَ يَجْمَعُونَ عَقَاقِيرَ وَيَجْعَلُونَهَا فِي الْأَنْهَارِ وَالْآبَارِ أَوْ زِيرِ الْمَاءِ أَوْ فِي قُبُورِ الْمَوْتَى أَوْ فِي بَابٍ يُفْتَحُ إلَى الْمَشْرِقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبِقَاعِ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْآثَارَ تَحْدُثُ عِنْدَ تِلْكَ الْأُمُورِ بِخَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ الَّتِي طَبَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الرَّبْطِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ تِلْكَ الْآثَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــSالْجَبَّارِ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ تَعَلُّمَ صَرِيحِ الْكُفْرِ لَيْسَ بِكُفْرٍ فَإِنَّ الْأُصُولِيَّ يَتَعَلَّمُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ لِيَتَحَذَّرَ مِنْهُ، وَلَا يَقْدَحُ فِي شَهَادَتِهِ وَمَأْخَذِهِ فَالسِّحْرُ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ كُفْرًا، وَلَوْ قَالَ إنْسَانٌ إنَّمَا تَعَلَّمْتُ كَيْفَ يُكْفَرُ بِاَللَّهِ لِأَجْتَنِبَهُ أَوْ كَيْفَ الزِّنَا وَأَنْوَاعَ الْفَوَاحِشِ لِأَجْتَنِبَهَا لَمْ يَأْثَمْ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ عَلَى أُصُولِنَا فَإِنَّ السَّحَرَةَ يَعْتَمِدُونَ أَشْيَاءَ تَأْبَى قَوَاعِدُ الشَّرْعِ تَكْفِيرَهُمْ بِهَا كَفِعْلِ الْحِجَارَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَذَلِكَ يَجْمَعُونَ عَقَاقِيرَ وَيَجْعَلُونَهَا فِي الْأَنْهَارِ وَالْآبَارِ أَوْ زِيرِ الْمَاءِ أَوْ قُبُورِ الْمَوْتَى أَوْ فِي بَابٍ يَفْتَحُ إلَى الْمَشْرِقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبِقَاعِ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْآثَارَ تَحْدُثُ عِنْدَ تِلْكَ الْأُمُورِ بِخَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ الَّتِي طَبَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الرَّبْطِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ تِلْكَ الْآثَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQثُمَّ تَقُولُ الْمَرْأَةُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ، وَمَا رَآنِي أَزْنِي ثُمَّ تَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ، وَإِنْ لَاعَنَ مِنْ دَعْوَى لِنَفْيِ الْحَمْلِ، وَاعْتَمَدَ عَلَى الرُّؤْيَةِ وَحْدَهَا عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ زَادَ فِي الْأَرْبَعِ، وَمَا هَذَا الْحَمْلُ مَتَى، وَتَزِيدُ الْمَرْأَةُ، وَأَنَّ هَذَا الْحَمْلَ مِنْهُ، وَيَقُولُ فِي اللِّعَانِ إذَا اعْتَمَدَ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ وَحْدَهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ لَقَدْ اسْتَبْرَأْتهَا مِنْ كَذَا فَاعْتَمَدَ عَلَيْهَا مَعَ ذِكْرِهِمَا مَعًا فِي الْأَرْبَعِ الْأَيْمَانِ، وَإِنْ لَاعَنَ مِنْ دَعْوَى الْغَصْبِ قَالَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَه إلَّا هُوَ مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي، وَأَنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ. وَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ وَأَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ، وَتَقُولُ الْمُغْتَصَبَةُ إذَا الْتَعَنَتْ لِنَفْيِ الْوَلَدِ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا زَنَيْت، وَلَا أَطَعْت، وَتَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ إنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ، وَلَفْظُ اللَّعْنِ، وَالْغَضَبِ بَعْدَهَا، وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ، وَالْحُرَّةُ الْمُسْلِمَةُ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ الْمَحِيضَ، وَقَدْ جُومِعَتْ تُلَاعِنُ زَوْجَهَا لِأَنَّ مَنْ قَذَفَهَا يُحَدُّ، وَالْمَشْهُورُ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بَيْنَهُمَا بِتَمَامِ التَّحَالُفِ دُونَ حُكْمِ حَاكِمٍ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا تَقَعُ حَتَّى يُفَرِّقَ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ اللِّعَانِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْرَيَا عَلَى سُنَّةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنَّهُمَا لَا يَتَنَاكَحَانِ أَبَدًا. وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ طَلَّقَهَا الْإِمَامُ ثَلَاثًا، وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ مُرَاجَعَتِهَا بَعْدَ زَوْجٍ، وَفِي كِتَابِ ابْنِ شَعْبَانَ، وَفُرْقَةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ ثَلَاثًا وَيَتَزَوَّجُهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ، وَفِي الْجَلَّابِ فُرْقَةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلَاقٍ أَفَادَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. 2 - (الْبَابُ التَّاسِعُ) فِي بَيَانِ مَا فِيهِ تَكُونُ الْقَسَامَةُ وَصِفَتُهَا وَفِيهِ وَصْلَانِ (الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْقَسَامَةُ مُوجِبَةٌ مَعَ اللَّوْثِ لِلْقَتْلِ فِي الْعَمْدِ وَالدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ، وَلَا قَسَامَةَ فِي الْأَطْرَافِ، وَلَا فِي الْجِرَاحِ، وَلَا فِي الْعَبِيدِ، وَلَا فِي الْكُفَّارِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ اللَّوْثُ بِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ الْمُرَادُ الْوُجُوهُ الَّتِي يَقَعُ بِهَا التَّلْوِيثُ وَالتَّلْطِيخُ فِي الدِّمَاءِ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ، وَمَعَ كَثْرَتِهَا لَا يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى التَّمَكُّنِ مِنْ الدِّمَاءِ لِعِظَمِ خَطَرِهَا وَرَفِيعِ قَدْرِهَا فَوَجَبَ الْإِعْرَاضُ عَنْهَا إلَّا لِمَنْ فِيهَا مَالَهُ قُوَّةٌ لِأَجْلِ مَا أُضِيفَ بِهِ مِنْ الْقَرَائِنِ الْحَامِلَةِ عَلَى صِدْقِ مُدَّعِيهِ، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَعْيِينِ مَا يُقْبَلُ مِنْ ذَلِكَ فَعِنْدَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْهُ أَنَّ اللَّوْثَ هُوَ الشَّاهِدُ الْعَدْلُ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يُقَوِّيَ جِهَةَ الْمُدَّعِيَيْنِ، وَلَا تَأْثِيرَ فِي نَقْلِ الْيَمِينِ إلَى جِهَةِ الْمُدَّعِيَيْنِ، وَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِمَا قَالَهُ مَالِكٌ، وَوَافَقَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَتَيْنِ لَوْثٌ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ وَأَشْهَبُ أَنَّهُ يَقْسِمُ مَعَ الشَّاهِدِ غَيْرُ الْعَدْلِ، وَمَعَ الْمَرْأَةِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْعَبْدَ وَالذِّمِّيَّ لَيْسَ بِلَوْثٍ. وَوَجْهُهُ رِوَايَةُ أَشْهَبَ، وَهُوَ اخْتِيَارُهُ أَنَّهُ لَوْثٌ فَلَمْ يَعْتَبِرْ فِيهِ الْعَدَالَةَ كَاَلَّذِي يَقُولُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ بَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا، وَفِي تَنْبِيهِ الْحُكَّامِ لِابْنِ الْمُنَاصِفِ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ عَدْلٍ، وَقِيلَ تَقْسِمُ مَعَ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانُ وَالْقَوْمُ لَيْسُوا بِعُدُولٍ فَإِذَا وَقَعَتْ الْقَسَامَةُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ فِيهِ بِالْجَوَازِ اسْتَحَقَّ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ الدَّمَ قَالَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَوَدَ إنَّمَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَلَا حُكْمَ لِلشَّاهِدِ الْوَاحِدِ فِي ثُبُوتِ الْقَوَدِ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْأَبْدَانِ الَّتِي لَا تَسْتَحِقُّ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَإِنَّمَا الْوَاحِدُ لَوْثٌ وَلُطِّخَ بِقُوَى الدَّعْوَى فِي إبَاحَةِ الْقَسَامَةِ لَا عَلَى جِهَةِ الشَّاهِدِ، وَالْيَمِينُ الَّذِي فِي حُقُوقِ الْأَمْوَالِ، وَلِذَلِكَ لَا يُقْبَلُ فِي قَسَامَةِ الْعَمْدِ إلَّا رَجُلَانِ فَصَاعِدًا أَوْ لَا مَدْخَلَ فِيهَا لِنِسَاءٍ، وَلَا حُكْمَ لِلْوَاحِدِ لِأَنَّهُمَا أُقِيمَا

[الحجة الحادية عشرة شهادة النساء]

عِنْدَ صِدْقِ الْعَزْمِ فَلَا يُمْكِنُنَا تَكْفِيرُهُمْ بِجَمْعِ الْعَقَاقِيرِ، وَلَا بِوَضْعِهَا فِي الْآبَارِ، وَلَا بِاعْتِقَادِهِمْ حُصُولَ تِلْكَ الْآثَارِ عِنْدَ ذَلِكَ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُمْ جَرَّبُوا ذَلِكَ فَوَجَدُوهُ لَا يَنْخَرِمُ عَلَيْهِمْ لِأَجْلِ خَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ فَصَارَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ كَاعْتِقَادِ الْأَطِبَّاءِ حُصُولَ الْآثَارِ عِنْدَ شُرْبِ الْعَقَاقِيرِ لِخَوَاصِّ طَبَائِعَ تِلْكَ الْعَقَاقِيرِ ـــــــــــــــــــــــــــــSعِنْدَ صِدْقِ الْعَزْمِ فَلَا يُمْكِنُنَا تَكْفِيرُهُمْ بِجَمْعِ الْعَقَاقِيرِ، وَلَا بِوَضْعِهَا فِي الْآبَارِ، وَلَا بِاعْتِقَادِهِمْ حُصُولَ تِلْكَ الْآثَارِ عِنْدَ ذَلِكَ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُمْ جَرَّبُوا ذَلِكَ فَوَجَدُوهُ لَا يَنْخَرِمُ عَلَيْهِمْ لِأَجْلِ خَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ فَصَارَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ كَاعْتِقَادِ الْأَطِبَّاءِ حُصُولَ الْآثَارِ عِنْدَ شُرْبِ الْعَقَاقِيرِ لِخَوَاصِّ طَبَائِعِ تِلْكَ الْعَقَاقِيرِ وَخَوَاصُّ النُّفُوسِ لَا يُمْكِنُ التَّكْفِيرُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِمْ، وَلَا كُفْرَ بِغَيْرِ مُكْتَسِبٍ. وَأَمَّا اعْتِقَادُهُمْ أَنَّ الْكَوَاكِبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفْعَلُ، وَلَا رَبَطَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِهَا، وَإِنَّمَا جَاءَتْ الْآثَارُ مِنْ خَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ الَّتِي رَبَطَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا تِلْكَ الْآثَارِ عِنْدَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ فِي الْكَوَاكِبِ خَطَأً كَمَا إذَا اعْتَقَدَ طَبِيبٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْدَعَ فِي الصَّبْرِ وَالسَّقَمُونْيَا عَقْلَ الْبَطْنِ وَقَطْعَ الْإِسْهَالِ فَإِنَّهُ خَطَأٌ، وَأَمَّا تَكْفِيرُهُ بِذَلِكَ فَلَا. وَإِنْ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْكَوَاكِبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَالشَّيَاطِينَ بِقُدْرَتِهَا لَا بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ هَذَا مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي اسْتِقْلَالِ الْحَيَوَانَاتِ بِقُدْرَتِهَا دُونَ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَمَا لَا نُكَفِّرُ الْمُعْتَزِلَةَ بِذَلِكَ لَا نُكَفِّرُ هَؤُلَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ مَظِنَّةُ الْعِبَادَةِ فَإِذَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ اعْتِقَادُ الْقُدْرَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي ثُبُوتِ الْحَقِّ بِإِثْبَاتِهِمَا مُقَامَ الشَّاهِدِينَ بِخِلَافِ الْقَسَامَةِ فِي الْخَطَأِ لِأَنَّهُ مَالٌ فَإِذَا أَثْبَتَ أَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ فِي ذَلِكَ لَوْثٌ لَأَنْصَفَ شَهَادَةً تَكْمُلُ بِالْيَمِينِ فَكَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ اللَّوْثُ بِغَيْرِ الْعَدْلِ، وَبِاللَّفِيفِ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ لِأَنَّهُ لَطْخٌ لَا شَهَادَةٌ، وَالْقَسَامَةُ فِي هَذَا الْبَابِ أَصْلٌ مُخَصَّصٌ لِنَفْسِهِ لَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ عَلَى مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ. وَالْأَصَحُّ أَنْ لَا تَجِبَ الْقَسَامَةُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يُرَاقُ دَمُ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ الْعُدُولِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمَعُونَةِ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَجْعَلُ شَهَادَةَ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ لَوْثًا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ رَبِيعَةَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَهَذَا حُكْمُ الْقَتْلِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْغِيلَةِ أَمَّا قَتْلُ الْغِيلَةِ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ شَهِدَ عَدْلٌ أَنَّهُ قَتَلَهُ غِيلَةً لَمْ يَقْسِمْ مَعَ شَهَادَتِهِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي هَذَا إلَّا شَاهِدَانِ نَعَمْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَأَيْت لِيَحْيَى بْنِ عُمَرَ أَنْ يَقْسِمَ مَعَهُ مِنْ الْمُنْتَقَى لِلْبَاجِيِّ اهـ الْمُرَادُ. (الْوَصْلُ الثَّانِي) فِي التَّبْصِرَةِ صِفَةُ الْقَسَامَةِ أَنْ يَحْلِفَ الْأَوْلِيَاءُ خَمْسِينَ يَمِينًا أَنَّ فُلَانًا قَتَلَ وَلِيَّنَا فُلَانًا أَوْ أَنَّهُ ضَرَبَهُ، وَمِنْ ضَرْبِهِ مَاتَ إنْ كَانَ قَدْ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ. وَقَالَ الْمُغِيرَةُ يَزِيدُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ، وَيَحْلِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَفِي غَيْرِهَا بِالْجَامِعِ قِيَاسًا دُبُرَ الصَّلَاةِ بِمَحْضَرِ النَّاسِ، وَيُؤْتَى إلَى الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مِنْ مَسِيرَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَإِلَى سَائِرِ الْأَمْصَارِ مِنْ مَسِيرَةِ عَشَرَةِ أَمْيَالٍ، وَيَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ مِنْ الرِّجَالِ الْمُكَلَّفِينَ، وَفِي الْخَطَأِ الْمُكَلَّفُونَ مِنْ الْوَرَثَةِ رِجَالًا وَنِسَاءً عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ، وَلَا قَسَامَةَ فِيمَنْ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إذْ تَحْلِيفُ بَيْتِ الْمَالِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَلَا قَسَامَةَ إلَّا بِنَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ، وَلَا يَقْسِمُ مِنْ الْقَبِيلَةِ إلَّا مِنْ التَّقِيِّ مَعَهُ فِي نَسَبٍ ثَابِتٍ، وَلَا يَقْسِمُ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ، وَلَكِنْ تُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا فَإِنْ نَكَلَ سُجِنَ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يَمُوتَ اهـ الْمُرَادُ مِنْهَا فَانْظُرْهَا فِي الْأَصْلِ، وَأَيْمَانُ الْقَسَامَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ اهـ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [الْحُجَّةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ] (الْبَابُ الْعَاشِرُ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ الْحَادِيَةَ عَشَرَ، وَالْخِلَافُ فِي قَبُولِهَا وَدَلِيلُهُ، وَفِيهِ وَصْلَانِ: (الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي التَّبْصِرَةِ الْقَضَاءُ بِقَوْلِ امْرَأَتَيْنِ بِانْفِرَادِهِمَا فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ كَالْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ وَالْحَيْضِ وَالْحَمْلِ وَالسِّقْطِ وَالِاسْتِهْلَالِ وَالرَّضَاعِ وَإِرْخَاءِ السُّتُورِ وَعُيُوبِ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ، وَفِي كُلِّ مَا تَحْتَ ثِيَابِهِنَّ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ مِمَّا لَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ، وَلَا يَطَّلِعُونَ عَلَيْهَا أُقِيمَ فِيهَا النِّسَاءُ مُقَامَ الرِّجَالِ لِلضَّرُورَةِ قَالَ وَتَجُوزُ الْقَسَامَةُ مَعَ شَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ فِيمَا تَجُوزُ مَعَهُ الْقَسَامَةُ قَالَ وَأَمَّا شَهَادَتُهُنَّ فِيمَا يَقَعُ بَيْنَهُنَّ فِي الْمَأْتَمِ وَالْحَمَّامِ مِنْ الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ فَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ، وَالْأَصْلُ الْجَوَازُ لِلضَّرُورَةِ كَالصِّبْيَانِ فِيمَا يَقَعُ بَيْنَهُمْ مِنْ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لَا يَحْضُرُهُ الْعُدُولُ، وَرَأْيُ اللَّخْمِيِّ أَنْ يَقْسِمَ مَعَهُمَا فِي الْقَتْلِ ثُمَّ يُقَادَ، وَيَحْلِفَ فِي الْجِرَاحِ ثُمَّ يَقْتَصَّ، قَالَ وَإِنْ عَدَلَ مِنْهُنَّ فِي ذَلِكَ اثْنَتَانِ قَيَّدَ فِي الْقَتْلِ بِغَيْرِ قَسَامَةٍ وَاقْتَصَّ فِي الْجِرَاحِ بِغَيْرِ يَمِينٍ فَنَحَا بِهِنَّ مَنْحَى الرِّجَالِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ بَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ كَمَا لِحَمَّامِ الْعُرْسِ وَالْمَآتِمِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَا تَجُوزُ فِيمَا يَقَعُ بَيْنَهُنَّ مِنْ الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ ضَرُورَتِهِنَّ إلَى الِاجْتِمَاعِ فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ تَجُوزُ لِحَاجَتِهِنَّ إلَى ذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ وَلَمْ يَزَلْ النِّسَاءُ يَجْمَعُهُنَّ فِي الْأَعْرَاسِ وَالْمَآتِمِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَلُمَّ جَرًّا فَإِذَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ بَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ ذَهَبَتْ دِمَاؤُهُنَّ، وَفِي الْإِمْلَاءِ عَلَى الْجَلَّابِ الْمُقَيَّدُ عَنْ ابْنِ زَيْدٍ الْبُرْنَاسِيِّ قَالَ وَهَذَا إذَا كَانَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــSوَالتَّأْثِيرِ كَانَ كُفْرًا وَأُجِيبُ عَنْ هَذَا الْفَرْقِ بِأَنَّ تَأْثِيرَ الْحَيَوَانَاتِ فِي الْقَتْلِ وَالضَّرِّ وَالنَّفْعِ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ مُشَاهَدٌ مِنْ السِّبَاعِ وَالْآدَمِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا كَوْنُ الْمُشْتَرَى أَوْ زُحَلَ يُوجِبُ شَقَاوَةً أَوْ سَعَادَةً فَإِنَّمَا هُوَ حَزْرٌ وَتَخْمِينٌ مِنْ الْمُنَجِّمِينَ لَا صِحَّةَ لَهُ وَقَدْ عُبِدَتْ الْبَقَرُ وَالشَّجَرُ وَالْحِجَارَةُ وَالثَّعَابِينُ فَصَارَتْ هَذِهِ الشَّائِبَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْكَوَاكِبِ وَغَيْرِهَا فَهُوَ مَوْضِعُ نَظَرٍ وَاَلَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ أَنَّهُ كُفْرٌ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا لَا نَحْتَاجُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا مَذْهَبُ الصَّائِبَةِ وَهُوَ كُفْرٌ صَرِيحٌ لَا سِيَّمَا إنْ صَرَّحَ بِنَفْيِ مَا عَدَاهَا وَبِهَذَا الْبَحْثِ يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا قَالَتْهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَنَّ أَمْرَ الشَّيَاطِينِ وَغَيْرِهِمْ كُفْرٌ بَلْ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُفَصِّلُوا فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ كَانَتْ تَصْنَعُ لِسُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ اعْتَقَدَ السَّاحِرُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَخَّرَ لَهُ بِسَبَبِ عَقَاقِيرِهِ مَعَ خَوَاصِّ نَفْسِهِ الشَّيَاطِينَ صَعُبَ الْقَوْلُ بِتَكْفِيرِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ عَلَامَةُ الْكُفْرِ فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّا نَتَكَلَّمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِاعْتِبَارِ الْفُتْيَا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ حَالَ الْإِنْسَانِ فِي تَصْدِيقِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَرُسُلِهِ بَعْدَ عَمَلِ هَذِهِ الْعَقَاقِيرِ كَحَالِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَالشَّرْعُ لَا يُخْبِرُ عَلَى خِلَافِ الْوَاقِعِ فَإِنْ أَرَادُوا الْخَاتِمَةَ فَمُشْكِلٌ أَيْضًا لِأَنَّا لَا نُكَفِّرُ فِي الْحَالِ بِكُفْرٍ وَاقِعٍ فِي الْمَآلِ كَمَا أَنَّا لَا نَجْعَلُهُ مُؤْمِنًا فِي الْحَالِ بِإِيمَانٍ وَاقِعٍ فِي الْمَآلِ وَهُوَ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ الْآنَ بَلْ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ تَتْبَعُ أَسْبَابَهَا وَتُحَقِّقُهَا لَا تُوقِعُهَا. وَإِنْ قَطَعْنَا بِوُقُوعِهَا كَمَا أَنَّا نَقْطَعُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا نُرَتِّبُ مُسَبَّبَاتِهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْعُرْسِ الْمُبَاحِ الَّذِي لَا يَخْتَلِطُ فِيهِ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُنْكَرٌ بَيِّنٌ وَكَانَ دُخُولُهُنَّ الْحَمَّامَ بِالْمِئْزَرِ فِي هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْخِلَافِ. وَأَمَّا إذَا كُنَّ فِي الْحَمَّامِ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ، وَفِي الْأَعْرَاسِ الَّتِي يَمْتَزِجُ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَلَا يَخْتَلِفُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ شَهَادَةَ بَعْضِهِنَّ لِبَعْضٍ لَا تُقْبَلُ وَكَذَلِكَ الْمَأْتَمُ لَا يَحْصُلُ حُضُورُهُ إذَا كَانَ فِيهِ نَوْحٌ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَهُ الشَّارِعُ لِأَنَّ بِحُضُورِهِنَّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ تَسْقُطُ عَدَالَتُهُنَّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى اشْتَرَطَ الْعَدَالَةَ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] اهـ الْمُرَادُ فَانْظُرْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْوَصْلُ الثَّانِي) فِي الْأَصْلِ وَقَعَ خِلَافُ الْأَئِمَّةِ لَنَا فِي قَبُولِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ، وَعَدَمِ قَبُولِهَا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) خَالَفْنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي قَبُولِ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ فِي الرَّضَاعِ، وَلَنَا أَنَّهُ مَعْنًى لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا فَتَجُوزُ مُنْفَرِدَاتٍ كَالْوِلَادَةِ، وَالِاسْتِهْلَالِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) خَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ فِي قَبُولِ الْمَرْأَتَيْنِ فِيمَا يَنْفَرِدَانِ فِيهِ، وَقَالَ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ قُبِلَتْ فِيهِ وَاحِدَةٌ، وَقَبِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَاحِدَةً مُطْلَقًا فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، وَعِنْدَنَا لَا بُدَّ مِنْ اثْنَتَيْنِ مُطْلَقًا وَيَكْفِيَانِ لَنَا وَجْهَانِ (الْأَوَّلُ) أَنَّ كُلَّ جِنْسٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي شَيْءٍ عَلَى الِانْفِرَادِ كَفَى مِنْهُ اثْنَانِ، وَلَا يَكْفِي مِنْهُ وَاحِدٌ كَالرَّجُلِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ (الثَّانِي) أَنَّ شَهَادَةَ الرِّجَالِ أَقْوَى، وَأَكْثَرَ، وَلَمْ يَكْفِ وَاحِدٌ فَالنِّسَاءُ أَوْلَى، وَأَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فَأَرْبَعَةٌ (الْأَوَّلُ) مَا رَوَى «عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ تَزَوَّجَتْ أُمُّ يَحْيَى بِنْتُ أَبِي إيهَابٍ فَأَتَتْ أُمُّ سَوْرَةَ فَقَالَتْ أَرْضَعْتُكُمَا فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ فَأَعْرَضَ عَنِّي ثُمَّ أَتَيْته فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا كَاذِبَةٌ قَالَ كَيْفَ، وَقَدْ عَلِمْت وَزَعَمْت ذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ حُجَّةٌ لَنَا فَإِنَّ أَمْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ بِطَرِيقِ الْفُتْيَا لَا بِطَرِيقِ الْحُكْمِ، وَالْإِلْزَامِ لِأَمْرَيْنِ (الْأَوَّلِ) أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ أَخْبَارَ الْوَاحِدِ يُفِيدُ الظَّنَّ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ تَحْرِيمَ شَيْءٍ بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ كَانَ ذَلِكَ الطَّرِيقُ يُفْضِي إلَى الْحُكْمِ أَمْ لَا فَإِنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ فَمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ طُلُوعُ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ حَرُمَ عَلَيْهِ الْأَكْلُ أَوْ أَنَّ الطَّعَامَ نَجَسٌ حَرُمَ عَلَيْهِ أَكْلُهُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ لَوْ كَفَتْ فِي كَمَالِ الْحُجَّةِ لَأَمَرَهُ بِالتَّفْرِيقِ مِنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ كَمَا لَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ لِأَنَّ التَّنْفِيذَ عِنْدَ كَمَالِ الْحُجَّةِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ لَا سِيَّمَا فِي اسْتِبَاحَةِ الْفُرُوجِ فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَةَ كَافِيَةٌ فِي الْحُكْمِ بَلْ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ مَا عَلِمْت (الْوَجْهِ الثَّانِي) مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَبِلَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا فِي الِاسْتِهْلَالِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَدِلَّتِنَا الْمُتَقَدِّمَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْفُتْيَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ (الْوَجْهِ الثَّالِثِ) مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «فِي الرَّضَاعِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ تُجْزِئُ» ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مُعَارَضٌ كَذَلِكَ بِأَدِلَّتِنَا فَيُحْمَلُ عَلَى الْفُتْيَا إلَخْ (الْوَجْهِ الرَّابِعِ) الْقِيَاسُ عَلَى الرِّوَايَةِ، وَجَوَابُهُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الرِّوَايَةَ تَثْبُتُ حُكْمًا عَامًّا فِي الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ لَا عَلَى مُعَيَّنٍ فَلَيْسَتْ مَظِنَّةَ الْعَدَاوَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَدُ فَتُقْبَلُ الْوَاحِدَةُ فِي الرِّوَايَةِ، وَلَا تُقْبَلُ فِي الشَّهَادَةِ اتِّفَاقًا. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ لَا يُقْبَلُ النِّسَاءُ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْبَلُ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ إلَّا فِي الْجِرَاحِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَوَدِ فِي النُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ لَنَا وُجُوهٌ: (الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى فِي مَسَائِلِ الْمُدَايَنَاتِ {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] فَكَانَ كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ مِثْلُهُ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ

[الحجة الثانية عشرة اليمين الواحدة في الشهادة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــSقَبْلَهَا، وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا فِي التَّرَدُّدِ إلَى الْكَنَائِسِ وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا قَضَيْنَا بِكُفْرِهِ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفُتْيَا وَقَدْ يَكُونُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى مُؤْمِنًا فَاَلَّذِي يَسْتَقِيمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا حَكَاهُ الطُّرْطُوشِيُّ عَنْ قُدَمَاءِ أَصْحَابِنَا أَنَّا لَا نُكَفِّرُهُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ مِنْ السِّحْرِ الَّذِي كَفَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَوْ يَكُونُ سِحْرًا مُشْتَمِلًا عَلَى كُفْرٍ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ تَعَلُّمَهُ وَتَعْلِيمَهُ كُفْرٌ فَفِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ فَقَدْ قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ وَهُوَ مِنْ سَادَاتِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ لِبُرْجِ الْأَسَدِ وَحَكَى الْقَضِيَّةَ إلَى آخِرِهَا فَإِنَّ هَذَا سِحْرٌ فَقَدْ تَصَوَّرَهُ، وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ سِحْرٌ فَهَذَا هُوَ تَعَلُّمُهُ فَكَيْفَ يَتَصَوَّرُ شَيْئًا لَمْ يَعْلَمْهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا يُتَصَوَّرُ التَّعَلُّمُ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ كَضَرْبِ الْعُودِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كُتُبُ السِّحْرِ مَمْلُوءَةٌ مِنْ تَعْلِيمِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بَلْ هُوَ كَتَعَلُّمِ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ الَّذِي لَا يَكْفُرُ بِهِ الْإِنْسَانُ كَمَا نَقُولُ إنَّ النَّصَارَى يَعْتَقِدُونَ فِي عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذَا وَالصَّابِئَةُ يَعْتَقِدُونَ فِي النُّجُومِ كَذَا وَنَتَعَلَّمُ مَذَاهِبَهُمْ، وَمَا هُمْ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى نَرُدَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَهُوَ قُرْبَةٌ لَا كُفْرٌ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنْ كَانَ تَعَلَّمَ السِّحْرَ لِيُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعْجِزَاتِ كَانَ ذَلِكَ قُرْبَةً وَكَذَلِكَ نَقُولُ إنْ عَمِلَ السِّحْرَ بِأَمْرٍ مُبَاحٍ لِيُفَرِّقَ بِهِ بَيْنَ الْمُجْتَمِعِينَ عَلَى الزِّنَا أَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ بِالْبَغْضَاءِ وَالشَّحْنَاءِ أَوْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِجَيْشِ الْكُفْرِ فَيَقْتُلُونَ بِهِ مَلِكَهُمْ. فَهَذَا كُلُّهُ قُرْبَةٌ أَوْ يَصْنَعُهُ مَحَبَّةً بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ أَوْ الْمَلِكِ مَعَ جَيْشِ الْإِسْلَامِ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَبَاحِثَ كُلَّهَا فَالْمَوْضِعُ مُشْكِلٌ جِدًّا. قَوْلُ الطُّرْطُوشِيِّ إذَا قَالَ صَاحِبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي غَيْرِهِ فَلَا تَجُوزُ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ (الثَّانِي) قَوْله تَعَالَى فِي الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] الْآيَةَ، وَهُوَ حُكْمٌ بَدَنِيٌّ فَكَانَتْ الْأَحْكَامُ الْبَدَنِيَّةُ كُلُّهَا كَذَلِكَ إلَّا مَوْضِعٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ لِلضَّرُورَةِ فِي ذَلِكَ (الثَّالِثُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» ، وَهُوَ حُكْمٌ بَدَنِيٌّ فَكَانَتْ الْأَحْكَامُ الْبَدَنِيَّةُ كُلُّهَا كَذَلِكَ، وَأَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فَثَمَانِيَةٌ (الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] الْآيَةَ فَأَقَامَ الْمَرْأَتَيْنِ وَالرَّجُلَ مُقَامَ الرَّجُلَيْنِ فِي ذَلِكَ مُطْلَقًا لَا عِنْدَ عَدَمِ الشَّاهِدَيْنِ فَقَطْ إذْ لَا يَصِحُّ الْحَمْلُ عَلَيْهِ لِجَوَازِهِمَا مَعَ وُجُودِ الشَّاهِدَيْنِ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ أَنَّهُمَا يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا فَيَكُونَانِ مُرَادَيْنِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ لِوُجُودِ الِاسْمِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُمَا يَقُومَانِ مَقَامَ الرَّجُلِ فِي الْحُكْمِ بِدَلِيلِ الرَّفْعِ فِي لَفْظِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهَا مَا ذَكَرْتُمْ، وَإِلَّا لَقَالَ فَرَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُ خَبَرُ كَانَ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الشَّاهِدَانِ رَجُلَيْنِ يَكُونَا رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ فَلَمَّا رُفِعَ عَلَى الِابْتِدَاءِ كَانَ تَقْدِيرُهُ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ يَقُومَانِ مَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ بِحَذْفِ الْخَبَرِ (الْوَجْهُ الثَّانِي) قَوْله تَعَالَى {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] أَطْلَقَ، وَمَا خَصَّ مَوْضِعًا فَيَعُمُّ جَوَابُهُ أَنَّ آخِرَ الْآيَةِ مُرْتَبِطٌ بِأَوَّلِهَا، وَأَوَّلُهَا {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] عَلَى أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا الْعُمُومَ خَصَّصْنَاهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى جِرَاحِ الْقَوَدِ بِجَامِعِ عَدَمِ قَبُولِهِنَّ مُنْفَرِدَاتٍ، وَلِأَنَّ الْحُدُودَ أَعْلَاهَا الزِّنَا، وَأَدْنَاهَا السَّرِقَةُ، وَلَمْ يُقْبَلْ فِي أَحَدِهِمَا مَا يُقْبَلُ فِي الْآخَرِ فَكَذَلِكَ الْأَبْدَانُ أَعْلَى مِنْ الْأَمْوَالِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا مَا يُقْبَلُ فِي الْأَمْوَالِ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ وَحَدُّ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ وَحَدُّ الْخَمْرِ لَيْسَ ثَبْتًا بِالنَّصِّ، وَلَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الزِّنَا لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ أَرْبَعَةٍ فِيهِ، وَلَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَمْوَالِ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِالنِّسَاءِ فَتَعَيَّنَ قِيَاسُهَا عَلَى الطَّلَاقِ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّهَا أُمُورٌ لَا تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ فَتُقْبَلُ فِيهَا النِّسَاءُ كَالْأَمْوَالِ، وَجَوَابُهُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَحْكَامَ الْأَبْدَانِ أَعْظَمُ رُتْبَةً لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَنَحْوَهُ لَا يُقْبَلْنَ فِيهِ مُنْفَرِدَاتٍ فَلَا يُقْبَلْنَ فِيهِ مُطْلَقًا كَالْقِصَاصِ، وَلِأَنَّا وَجَدْنَا النِّكَاحَ آكَدُ مِنْ الْأَمْوَالِ لِاشْتِرَاطِ الْوِلَايَةِ فِيهِ، وَلَمْ يَدْخُلْهُ الْأَجَلُ وَالْخِيَارُ وَالْهِبَةُ (وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ النِّكَاحَ وَالرَّجْعَةَ عَقْدُ مَنَافِعَ فَيُقْبَلُ فِيهِمَا النِّسَاءُ كَالْإِجَارَاتِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِجَارَةِ الْمَالُ (وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ الْخِيَارَ وَالْآجَالَ لَيْسَتْ أَمْوَالًا، وَيُقْبَلُ فِيهِمَا النِّسَاءُ فَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ صُوَرِ النِّزَاعِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا أَيْضًا الْمَالُ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَجَلَ وَالْخِيَارَ لَا يَثْبُتَانِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ فِيهِ الْمَالِ (وَالْوَجْهُ السَّادِسُ) أَنَّ الطَّلَاقَ رَافِعٌ لِعَقْدٍ سَابِقٍ فَأَشْبَهَ الْإِقَالَةَ، وَجَوَابُهُ أَنَّ مَقْصُودَ الطَّلَاقِ غَيْرُ الْمَالِ، وَمَقْصُودُ الْإِقَالَةِ الْمَالُ عَلَى أَنَّ حِلَّ عَقْدٍ لَا يَثْبُتُ بِالنِّسَاءِ، وَالنُّكُولِ (وَالْوَجْهُ السَّابِعُ) أَنَّهُ أَيْ الطَّلَاقَ يَتَعَلَّقُ بِهِ تَحْرِيمٌ كَالرَّضَاعِ (وَالْوَجْهُ الثَّامِنُ) أَنَّ الْعِتْقَ إزَالَةُ مِلْكٍ كَالْبَيْعِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الرَّضَاعَ يَثْبُتُ بِالنِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، وَأَيْضًا مَآلُ الْعِتْقِ إلَى غَيْرِ مِلْكٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ اهـ كَلَامُ الْأَصْلِ، وَسَلَّمَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [الْحُجَّةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ الْيَمِينُ الْوَاحِدَةُ فِي الشَّهَادَةِ] (الْبَابُ الْحَادِيَ عَشَرَ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْحُجَّةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ وَكَوْنُهَا دَافِعَةً أَوْ جَالِبَةً، وَدَلِيلُ قَبُولِهَا، وَفِيهِ وَصْلَانِ: (الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ الْقَضَاءُ بِالتَّحَالُفِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ فَيَقْضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَمِينِهِ، وَيَنْقَسِمُ الْمُدَّعَى فِيهِ بَيْنَهُمَا أَوْ يَفْسَخُ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــSالشَّرْعِ مَنْ دَخَلَ الدَّارَ فَهُوَ كَافِرٌ قَضَيْنَا بِكُفْرِهِ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ فَهُوَ فَرْضٌ مُحَالٌ، وَلَا يُخْبِرُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَنْ إنْسَانٍ بِالْكُفْرِ إلَّا إذَا كَفَرَ، وَقَوْلُهُمْ هُوَ دَلِيلُ الْكُفْرِ مَمْنُوعٌ، وَقَوْلُهُمْ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ أَخْبَرَ بِذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ قُلْنَا حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى مَا هُوَ كُفْرٌ مِنْ السِّحْرِ لَا مُحَالٌ فِيهِ غَايَتُهُ دُخُولُ التَّخْصِيصِ فِي الْعُمُومِ بِالْقَوَاعِدِ وَهَذَا هُوَ شَأْنُنَا فِي الْعُمُومَاتِ. وَأَمَّا التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ سَبَبِ الْكُفْرِ فَهُوَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ، وَلَا شَاهِدَ لَهُ بِالِاعْتِبَارِ، وَأَيُّ دَلِيلٍ دَلَّنَا عَلَى أَنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ أَوْ تَعْلِيمَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْكُفْرِ وقَوْله تَعَالَى {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] فَالْجَوَابُ عَنْهُ قَوْلُهُ {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] نَمْنَعُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ {كَفَرُوا} [البقرة: 102] بَلْ إخْبَارٌ عَنْ حَالِهِمْ بَعْدَ تَقَرُّرِ كُفْرِهِمْ بِغَيْرِ السِّحْرِ وَإِنَّمَا يَتِمُّ الْمَقْصُودُ إذَا كَانَتْ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ مُفَسِّرَةً لِلْأُولَى سَلَّمْنَا أَنَّهَا مُفَسِّرَةٌ لَهَا لَكِنْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ السِّحْرَ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى الْكُفْرِ، وَكَانَتْ الشَّيَاطِينُ تَعْتَقِدُ مُوجِبَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ كَالنَّصْرَانِيِّ إذَا عَلَّمَ الْمُسْلِمَ دِينَهُ فَإِنَّهُ يَعْتَقِدُ مُوجِبَهُ. وَأَمَّا عِلْمُ الْمُسْلِمِ دِينَ النَّصْرَانِيِّ لِيَرُدَّ عَلَيْهِ وَيَتَأَمَّلَ فَسَادَ قَوَاعِدِهِ فَلَا يَكْفُرُ الْمُعَلِّمُ وَلَا الْمُتَعَلِّمُ وَهَذَا التَّقْيِيدُ عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ. وَأَمَّا جَعْلُ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ مُطْلَقًا كُفْرًا فَخِلَافُ الْقَوَاعِدِ وَلْنَقْتَصِرْ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى غَوْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قُلْتُ نَقَلْتُ هَذَا الْفَصْلَ بِجُمْلَتِهِ لِافْتِقَارِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ إلَى مُقَدِّمَةٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ تَمْهِيدُهَا وَهِيَ أَنَّ كَوْنَ أَمْرٍ مَا كُفْرٌ أَيَّ أَمْرٍ كَانَ لَيْسَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَقْلِيَّةِ بَلْ هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْوَضْعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَزِمَهُ بِمُوجِبِ الْعَقْدِ بِيَمِينِهِ، وَالْحُكْمُ بِالْفَسْخِ بَيْنَهُمَا يَدْخُلُ فِي أَبْوَابٍ كَثِيرَةٍ مِنْهُمَا اخْتِلَافُ الْمُتَبَايِعَيْنِ، وَاخْتِلَافُهُمَا يَرْجِعُ إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ نَوْعًا يَقَعُ التَّحَالُفُ فِي أَحَدَ عَشَرَ نَوْعًا: (النَّوْعُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَخْتَلِفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا هَذِهِ دَنَانِيرُ، وَيَقُولُ الْآخَرُ ثَوْبٌ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ إذْ لَيْسَ تَصْدِيقُ أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَيَرُدُّ الْمُبْتَاعُ قِيمَةَ السِّلْعَةِ عِنْدَ الْفَوَاتِ نَعَمْ فِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ بِالنَّقْدِ مَعَ يَمِينِهِ، وَعَلَى الْآخَرِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ هِيَ الْأَثْمَانُ، وَبِهَا يَقَعُ الْبَيْعُ (النَّوْعُ الثَّانِي) أَنْ يَخْتَلِفَا فِي نَوْعِ الثَّمَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا هُوَ قَمْحٌ، وَيَقُولُ الْآخَرُ هُوَ شَعِيرٌ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَا (النَّوْعُ الثَّالِثُ) أَنْ يَخْتَلِفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا بِعِشْرِينَ، وَيَقُولُ الْآخَرُ بِعَشَرَةٍ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ مَا لَمْ يَقْبِضْ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَإِذَا تَرَجَّحَتْ دَعْوَى الْمُشْتَرِي بِقَبْضِ السِّلْعَةِ فَفِيهَا أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُصَدَّقُ فِي الثَّمَنِ مَعَ يَمِينِهِ لِقُوَّةِ الْيَدِ (الثَّانِيَةُ) أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ، وَأَنْ قَبْضَهُمَا مَا لَمْ يَبْنِ بِهَا، وَيُصَدَّقُ حِينَئِذٍ بِالْبَيْنُونَةِ، وَالرِّوَايَتَانِ لِابْنِ وَهْبٍ (الثَّالِثَةُ) أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ، وَإِنْ قَبَضَهَا، وَبَانَ بِهَا مَا لَمْ تَفُتْ بِتَغَيُّرِ سُوقٍ أَوْ بَدَنٍ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَبِهَا أَخَذَ (الرَّابِعَةُ) أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ، وَإِنْ فَاتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَيَرُدُّ الْقِيمَةَ بَدَلَ الْعَيْنِ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ، وَبِهَا أَخَذَ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ كَانَ يُفْتِي شَيْخُنَا، وَأَنَا أُفْتِي بِهِ أَيْضًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَإِنَّمَا يَرُدُّ الْقِيمَةَ مَا لَمْ تَكُنْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَحَيْثُ قُلْنَا بِالتَّحَالُفِ فَالْبُدَاءَةُ بِالْبَائِعِ، وَقِيلَ بِالْمُشْتَرِي، وَقِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَلَوْ تَنَاكَلَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُفْسَخُ كَمَا إذَا تَحَالَفَا. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَمْضِي الْعَقْدُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ، وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَهَلْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُلْزِمَ صَاحِبَهُ الْبَيْعَ بِمَا ذَكَرَ؟ قَوْلَانِ، وَإِذْ قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فَهَلْ يَفْتَقِرُ الْبَائِعُ إلَى يَمِينٍ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ، وَهَلْ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ أَوْ يَفْتَقِرُ إلَى الْحُكْمِ؟ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ قَوْلُ سَحْنُونٍ، وَالثَّانِي قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ إنْ رَضِيَ أَحَدُهُمَا بِقَوْلِ الْآخَرِ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهُ ذَلِكَ، وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ إنْ تَحَالَفَا بِأَمْرِ الْقَاضِي فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ، وَإِلَّا انْفَسَخَ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ (النَّوْعُ الرَّابِعُ) إذَا اخْتَلَفَا فِي تَعْجِيلِ الثَّمَنِ، وَتَأْجِيلِهِ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت بِنَقْدٍ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ بِنَسِيئَةٍ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى الْعُرْفَ مَعَ يَمِينٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِتِلْكَ السِّلْعَةِ عُرْفٌ فَقَالَ الْقَاسِمُ يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ بِيَدِ الْبَائِعِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينٍ، وَإِنْ قَبَضَهَا الْمُبْتَاعُ صُدِّقَ مَعَ يَمِينٍ، وَإِنْ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ، وَقِيلَ إنْ ادَّعَى الْمُبْتَاعُ أَجَلًا قَرِيبًا يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً، وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي مَعَ الْفَوَاتِ، وَإِنْ ادَّعَى أَجَلًا بَعِيدًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْأَجَلِ، وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ مَعَ الْفَوَاتِ، وَيَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْأَجَلِ، وَاخْتَلَفَا فِي انْقِضَائِهِ فَالْأَصْلُ عَدَمُ الِانْقِضَاءِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مُدَّعِيهِ مَعَ يَمِينٍ (النَّوْعُ الْخَامِسُ) إذَا اخْتَلَفَا فِي الْخِيَارِ، وَالْبَتِّ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي الْبَتُّ مَعَ يَمِينٍ، وَقَالَ أَشْهَبُ الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْخِيَارِ، وَقِيلَ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي تَقَدَّمَ اخْتِلَافُهُمَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ دُونَ الْآخَرِ فَاخْتَلَفَ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــSفَإِذَا قَالَ الشَّارِعُ فِي أَمْرٍ مَا هُوَ كُفْرٌ فَهُوَ كَذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ إنْشَاءً أَمْ إخْبَارًا فَإِذَا تَمَهَّدْت الْقَاعِدَةُ فَنَقُولُ مَا قَالَهُ الطُّرْطُوشِيُّ مِنْ أَنَّ دَلِيلَ الْمَالِكِيَّةِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] أَيْ بِتَعَلُّمِهِ قَوْلٌ صَحِيحٌ وَاسْتِدْلَالُ الْمَالِكِيَّةِ بِذَلِكَ ظَاهِرٌ وَاضِحٌ لِتَعَذُّرِ حَمْلِ قَوْلِهِ {فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] عَلَى الْكُفْرِ بِغَيْرِ التَّعْلِيمِ لِعَدَمِ الْتِئَامِ قَوْلِهِ {فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْكُفْرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ غَيْرُ التَّعَلُّمِ مَعَ مَا قَبْلَهُ فَهُوَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَبِهَذِهِ الْقَرِينَةِ نَصٌّ فِي أَنَّ التَّعَلُّمَ هُوَ الْكُفْرُ وَلَكِنْ يَبْقَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ إخْبَارٌ عَنْ وَاقِعٍ قَبْلَنَا، وَخِطَابٌ عَنْ غَيْرِنَا فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ شَرْعٌ لَنَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ فِي الْمَذْهَبِ. وَمَا قَالَهُ الطُّرْطُوشِيُّ أَيْضًا مِنْ أَنَّ السِّحْرَ لَا يَتَأَتَّى إلَّا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَقْدِرُ بِهِ عَلَى تَغْيِيرِ الْأَجْسَامِ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ إلَّا مَعَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ فَهُوَ مِثْلُ مَا حَكَاهُ الشِّهَابُ عَنْ الْفَخْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلَا أَدْرِي صِحَّةَ ذَلِكَ، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْجَزْمَ بِذَلِكَ الِاعْتِقَادِ كُفْرٌ قَوْلٌ صَحِيحٌ لِنِسْبَةِ التَّأْثِيرِ لِغَيْرِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَا قَالَهُ مِنْ تَسْوِيغِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى الْكُفْرِ الدَّاخِلِ صَحِيحٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الشَّارِعُ مَنْ دَخَلَ مَوْضِعَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ اعْتَقَدْنَا كُفْرَ الدَّاخِلِ، وَأَنَّ الدُّخُولَ كُفْرٌ، صَحِيحٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْكُفْرَ مِنْ الْأُمُورِ الْوَضْعِيَّةِ فَإِذَا قَالَ الشَّارِعُ فِي أَمْرٍ مَا إنَّهُ كُفْرٌ مُخْبِرًا أَوْ مُنْشِئًا فَذَلِكَ الْأَمْرِ كُفْرٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ أَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ أَيْ دَلِيلُ الْكُفْرِ إلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQهَلْ يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ أَوْ يَتَحَالَفَانِ، وَيَثْبُتُ الْبَيْعُ؟ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ (النَّوْعُ السَّادِسُ) اخْتِلَافُهُمَا فِي الرَّهْنِ، وَالْحَمِيلِ، وَذَلِكَ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَزِيدُ مَعَ نَقْدِهِمَا فَيَنْقُصُ مَعَ وُجُودِهِمَا (النَّوْعُ السَّابِعُ) إذَا اخْتَلَفَا فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَخْتَلِفَا فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت مِنْك هَذَا الثَّوْبَ، وَقَالَ الْمُبْتَاعُ بَلْ هَذَا؛ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينٍ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَدَدْته عَلَيْك بَعْدَ التَّحَالُفِ وَالتَّفَاسُخِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُبْتَاعِ فَلَا يَزَالُ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى يُقِرَّ لَهُ الْبَائِعُ بِالْقَبْضِ أَوْ تَقُومُ لَهُ الْبَيِّنَةُ (النَّوْعُ الثَّامِنُ) إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَثْمُونِ فِي بَيْعِ النَّقْدِ، وَفِيهِ الْأَقْوَالُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي اخْتِلَافِهِمَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ (النَّوْعُ التَّاسِعُ) إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَحَكَى ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ بِالْقُرْبِ مِنْ عَقْدِ السَّلَمِ تَحَالَفَا، وَتَفَاسَخَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ إنْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ، وَإِنْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فِيمَا يُشْبِهُ قَالَ مُحَمَّدٌ فَإِنْ أَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ حَمْلًا عَلَى الْوَسَطِ مِمَّا يُشْبِهُ مِنْ سَلَمِ النَّاسِ (النَّوْعُ الْعَاشِرُ) إذَا اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ فَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ سَمْرَاءُ، وَقَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ مَحْمُولَةٌ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، وَقَالَ فَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ (النَّوْعُ الْحَادِي عَشَرَ) إذَا اخْتَلَفَا فِي مَوْضِعِ الْقَضَاءِ صُدِّقَ مُدَّعِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَإِنْ تَبَاعَدَ قَوْلُهُمَا، وَأَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ تَحَالَفَا، وَتَفَاسَخَا، وَذَلِكَ إذَا تَبَاعَدَتْ الْمَوَاضِعُ جِدًّا حَتَّى لَا يُشْبِهُ قَوْلَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَمِمَّا يَجْرِي فِيهِ التَّحَالُفُ، وَالتَّفَاسُخُ اخْتِلَافُ الْمُتَكَارِيَيْنِ فِي الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَالدَّوَابِّ فِي مِقْدَارِ الْأُجْرَةِ أَوْ فِي جِنْسِهَا أَوْ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كَاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي التَّحَالُفِ وَالتَّفَاسُخِ، وَمِنْ ذَلِكَ اخْتِلَافُ رَبِّ الْحَائِطِ وَعَامِلِ الْمُسَاقَاتِ فِي غِلْمَانِ الْحَائِطِ، وَالدَّوَابِّ فَقَالَ الْعَامِلُ كَانُوا فِيهِ، وَأَنْكَرَ رَبُّ الْحَائِطِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ وَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَا فِي جُزْءِ الْمُسَاقَاةِ قَبْلَ الْعَمَلِ تَحَالَفَا، وَتَفَاسَخَا (وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْضًا اخْتِلَافُ الدَّائِنِ، وَالْمَدِينِ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنَانِ أَحَدُهُمَا بِرَهْنٍ، وَالْآخَرُ بِغَيْرِ رَهْنٍ فَقَضَى أَحَدُهُمَا فِي أَنَّ الَّذِي قَضَاهُ أَيْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَقَالَ رَبُّ الدَّيْنِ هُوَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ رَهْنٌ، وَقَالَ الْمَطْلُوبُ هُوَ الَّذِي فِيهِ الرَّهْنُ تَحَالَفَا، وَقُسِّمَ ذَلِكَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، وَهَذَا إذَا ادَّعَيَا أَنَّهُمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ عِنْدَ دَفْعِ الْحَقِّ، وَأَمَّا لَوْ دَفَعَهُ الْمَطْلُوبُ، وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَنَّهُ يُقَسِّمُ إذَا كَانَا حَالَّيْنِ أَوْ مُؤَجَّلَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ مِنْ الْحَالِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا اخْتِلَافُ الزَّوْجَيْنِ فِي نَوْعِ الصَّدَاقِ وَعَدَدِهِ قَبْلَ الْبِنَاءِ مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ وَلَا طَلَاقٍ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ، وَوَجَبَ صَدَاقُ الْمِثْلِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا إذَا تَنَازَعَا دَارًا لَيْسَتْ فِي أَيْدِهِمَا قُسِّمَتْ بَيْنَهُمَا بَعْدَ إيمَانِهِمْ اهـ كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ بِتَصَرُّفٍ. وَقَوْلُهُ لَيْسَتْ فِي أَيْدِيهِمَا أَيْ بِأَنْ كَانَتْ فِي يَدِ ثَالِثٍ قَالَ هِيَ لَا تَعُدُّوهُمَا، وَقَوْلُهُ قُسِّمَتْ بَيْنَهُمَا بَعْدَ إيمَانِهِمَا أَيْ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ بِسَبَبِ إقْرَارِ الثَّالِثِ لَهُمَا سَوَاءٌ كَانَتْ دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُجَرَّدَةً عَنْ الْبَيِّنَاتِ أَوْ مَعَ الْبَيِّنَاتِ الْمُسْتَوِيَةِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ بِأَيْدِيهِمَا كَانَتْ دَعْوَى كُلٍّ مُجَرَّدَةً أَوْ مَعَ الْبَيِّنَاتِ الْمُسْتَوِيَةِ فَفِي كُلِّ صُورَةٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ يَقْضِي لِكُلٍّ بِمُجَرَّدِ يَمِينِهِ لِوُجُودِ التَّرْجِيحِ بِالْيَمِينِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ ثَالِثٍ لَمْ يَقُلْ مَا ذُكِرَ فَإِنْ أَقَرَّ لَهُمَا عَلَى نِسْبَةٍ اتَّفَقَا عَلَيْهَا قُسِّمَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَإِنْ قَالَ لَا أَعْلَمُ هِيَ لَهُمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا فَهُوَ مَوْضِعُ نَظَرٍ

[الحجة الثالثة عشرة أقر لغيره بحق أو عين]

وَخَوَاصُّ النُّفُوسِ لَا يُمْكِنُ التَّكْفِيرُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِمْ، وَلَا كُفْرَ بِغَيْرِ مُكْتَسِبٍ. وَأَمَّا اعْتِقَادُهُمْ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفْعَلُ ذَلِكَ بِهَا، وَإِنَّمَا ـــــــــــــــــــــــــــــSهَذِهِ الْأُمُورُ كُفْرًا، قَوْلٌ صَحِيحٌ أَيْضًا كَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَالتَّرَدُّدِ عَلَى الْكَنَائِسِ، وَقَوْلُهُ، وَلَا سِيَّمَا وَتَعَلُّمُهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِمُبَاشَرَتِهِ إلَى قَوْلِهِ أَنْ تُذَلِّلَ لِي قَلْبَ فُلَانٍ الْجَبَّارِ يَعْنِي أَنَّ تَعَلُّمَهُ لِتَحْصِيلِ ثَمَرَتِهِ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِدِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ اشْتِرَاطِ أَهْلِ السِّحْرِ ذَلِكَ بَلْ الْجَزْمُ بِحُصُولِ الْأَثَرِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْفَخْرُ وَقَوْلُهُ وَاحْتَجُّوا إلَى قَوْلِهِ لَمْ يَأْثَمْ قُلْتُ: تَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ بِمُوجِبِ ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُ مَقْصُودُ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ تَعَلُّمُ الْكُفْرِ لَا لِنَفْسِهِ بَلْ لِتَصْحِيحٍ يَقْتَضِيهِ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ عَلَى أُصُولِنَا إلَى قَوْلِهِ طَبَائِعُ تِلْكَ الْعَقَاقِيرِ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّكْفِيرُ بِجَمْعِ الْعَقَاقِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ صَحِيحٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْجَمْعُ وَسَائِرُ تِلْكَ الْأَفْعَالِ غَيْرَ مَقْصُودٍ بِهِ اجْتِلَابُ الْآثَارِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَقْصُودًا بِهَا ذَلِكَ فَهُوَ السِّحْرُ الَّذِي هُوَ كُفْرٌ بِنَفْسِهِ لِتَضَمُّنِهِ اعْتِقَادَ تَأْثِيرِ هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْ دَلِيلِ الْكُفْرِ عَلَى مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَخَوَاصُّ النُّفُوسِ لَا يُمْكِنُ التَّكْفِيرُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِمْ، وَلَا كُفْرَ بِغَيْرِ مُكْتَسِبٍ. وَأَمَّا اعْتِقَادُهُمْ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفْعَلُ ذَلِكَ بِهَا، وَإِنَّمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَتَوَقُّفٍ كَمَا فِي الْأَصْلِ. وَقَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْوَصْلُ الثَّانِي) فِي الْأَصْلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذِهِ الْحُجَّةُ أَقَلُّ حُجَّةً فِي الشَّرِيعَةِ بِسَبَبِ أَنَّا لَمْ نَجِدْ مُرَجِّحًا عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ إلَّا الْيَمِينَ فَقُلْنَا بِالتَّرْجِيحِ بِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أُمِرْتُ أَنْ أَقْضِيَ بِالظَّاهِرِ، وَاَللَّهُ مُتَوَلِّي السَّرَائِرِ» ، وَهَذَا قَدْ صَارَ ظَاهِرًا بِالْيَمِينِ فَيُقْضَى بِهِ لِصَاحِبِهِ قَالَ الْأَصْلُ، وَلِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ أَقَرَّ الثَّالِثُ بِأَنَّهَا لَا تَعْدُوهُمَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَهُ عَلَى النِّصْفِ أَوْ لَهُ النِّصْفُ بِإِقْرَارِ الثَّالِثِ فَتُدْفَعُ عَنْهُ بِيَمِينِهِ كَمَا تُدْفَعُ يَمِينُ سَائِرِ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ فَتَنْدَرِجُ هَذِهِ الْيَمِينُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» . وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْيَمِينُ الدَّافِعَةُ، وَهِيَ هَذِهِ بِعَيْنِهَا، وَلَيْسَتْ هِيَ الْجَالِبَةُ الَّتِي تَقْضِي بِالْمِلْكِ كَمَا اعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ اهـ كَلَامُ الْأَصْلِ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَالْأَصْلُ فِي جَرَيَانِ التَّحَالُفِ وَالتَّفَاسُخِ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي الْأَنْوَاعِ الْمَذْكُورَةِ حَدِيثُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ تَحَالَفَا، وَتَفَاسَخَا اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِحَقٍّ أَوْ عَيْنٍ] (الْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ) فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الْإِقْرَارِ وَحُكْمِهِ وَأَرْكَانِهِ فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ حَقِيقَةُ الْإِقْرَارِ الْإِخْبَارُ عَنْ أَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ وَحُكْمُهُ اللُّزُومُ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ الشَّهَادَةِ قَالَ أَشْهَبُ قَوْلُ كُلِّ أَحَدٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْجَبُ مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِهِ. وَمَنْ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ صَغِيرٍ، وَشَبَهِهِ لَمْ يَجُزْ شَهَادَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَلِلْأَوَّلِ أَرْكَانٌ أَرْبَعَةٌ الصِّيغَةُ وَالْمُقِرُّ وَالْمُقِرُّ لَهُ، وَالْمُقِرُّ بِهِ فَالرُّكْنُ الْأَوَّلُ، وَهِيَ الصِّيغَةُ نَوْعَانِ: (الْأَوَّلُ) لَفْظٌ يَدُلُّ بِلَا خَفَاءٍ عَلَى تَوَجُّهِ الْحَقِّ قَبْلَ الْمُقِرِّ (وَالنَّوْعُ الثَّانِي) مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ وَالسُّكُوتِ فَأَمَّا الْإِشَارَةُ فَمِنْ الْأَبْكَمِ، وَمِنْ الْمَرِيضِ فَإِذَا قِيلَ لِلْمَرِيضِ لِفُلَانٍ عِنْدَك كَذَا فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ فَهَذَا إقْرَارٌ إذَا فُهِمَ عَنْهُ مُرَادُهُ، وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَهِيَ مِثْلُ أَنْ يَكْتُبَ بِمَحْضَرِ قَوْمٍ، وَيَقُولَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ فَذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهُ عَلَيْهِمْ أَوْ يَكْتُبَ أَوْ عَلَى رِسَالَةٍ لِرَجُلٍ غَائِبٍ بِطَلَاقٍ وَغَيْرُهُ كَذَلِكَ عَلَى كَذَا، وَيَعْتَرِفُ أَوْ تَقُومُ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَتَبَهُ أَوْ أَمْلَاهُ فَيَلْزَمُهُ كُلُّ مَا فِيهِ مِنْ طَلَاقٍ وَغَيْرِهِ خَلَا الْحُدُودِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْحَدِّ نَعَمْ يُؤْخَذُ بِغُرْمِ السَّرِقَةِ، وَلَا يُحَدُّ أَوْ يَكْتُبَ فِي الْأَرْضِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا، وَيَقُولُ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَذَا فَيَلْزَمُهُ فَإِنْ لَمْ يَقُلْ اشْهَدُوا لَمْ يَلْزَمْهُ فِي هَذَا، وَيَلْزَمُهُ مُطْلَقًا إذَا كَتَبَ ذَلِكَ فِي صَحِيفَةٍ أَوْ لَوْحٍ أَوْ خِرْقَةٍ إنْ شَهِدَ أَنَّهُ خَطُّهُ، وَأَمَّا السُّكُوتُ فَكَالْمَيِّتِ تُبَاعُ تَرِكَتُهُ، وَتُقَسَّمُ، وَغَرِيمُهُ حَاضِرٌ سَاكِتٌ لَمْ يَقُمْ فَلَا قِيَامَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَمَنْ أَتَى إلَى قَوْمٍ فَقَالَ اشْهَدُوا أَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا عَلَى هَذَا الرَّجُلِ، وَالرَّجُلُ سَاكِتٌ، وَلَمْ يَسْأَلْهُ الشُّهُودُ عَنْ شَيْءٍ فَلَمَّا طُولِبَ أَنْكَرَ قَالَ بَلْ يَلْزَمُهُ سُكُوتُهُ. وَأَمَّا مَنْ سُئِلَ عِنْدَ مَوْتِهِ هَلْ لِأَحَدٍ عِنْدَك شَيْءٌ فَقَالَ لَا قِيلَ لَهُ، وَلَا لِامْرَأَتِك فَقَالَ لَا، وَالْمَرْأَةُ سَاكِتَةٌ، وَهِيَ تَسْمَعُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّهَا تَحْلِفُ أَنَّ حَقَّهَا عَلَيْهِ تُرِيدُ إلَى الْآنَ، وَتَأْخُذُهُ إنْ قَامَتْ لَهَا بِهِ بَيِّنَةٌ، وَلَا يَضُرُّهَا سُكُوتُهَا مِنْ الْمَذْهَبِ لِابْنِ رُشْدٍ وَكَذَا مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ فُلَانٌ السَّاكِنُ فِي مَنْزِلِك لِمَ أَسْكَنْته؟ فَقَالَ أَسْكَنْته بِلَا كِرَاءٍ، وَالسَّاكِنُ يَسْمَعُ، وَلَا يُنْكِرُ، وَلَا يُغَيِّرُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الْمَنْزِلَ لَهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَقْطَعُ بِسُكُوتِهِ دَعْوَاهُ إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَنْزِلَ لَهُ، وَيُحَلَّفُ لِأَنَّهُ يَقُولُ ظَنَنْته يُدَاعِبُهُ (فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) فِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُقِرُّ لِقَوْمٍ أَنَّ أَبَاهُمْ أَسْلَفَهُ مَالًا، وَأَنَّهُ قَدْ قَضَاهُ إيَّاهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَمَدُ ذَلِكَ قَرِيبًا، وَالزَّمَنُ غَيْرُ مُتَطَاوِلٍ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى الْقَضَاءِ، وَإِنْ تَطَاوَلَ زَمَانُ ذَلِكَ حَلَفَ الْمُقِرُّ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَلَمْ يُحَدَّ الطُّولُ فَانْظُرْهُ (الْفَرْعُ الثَّانِي) وَثَائِقُ أَبِي إِسْحَاقَ الْغَرْنَاطِيِّ مَنْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ بَرِئَ مِنْ الْحُقُوقِ

جَاءَتْ الْآثَارُ مِنْ خَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ الَّتِي رَبَطَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا تِلْكَ الْآثَارَ عِنْدَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ فِي الْكَوَاكِبِ خَطَأً كَمَا إذَا اعْتَقَدَ طَبِيبٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْدَعَ فِي الصَّبْرِ وَالسَّقَمُونْيَا عَقْلَ الْبَطْنِ وَقَطْعَ الْإِسْهَالِ فَإِنَّهُ خَطَأٌ. وَأَمَّا تَكْفِيرُهُ بِذَلِكَ فَلَا، وَإِنْ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْكَوَاكِبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَالشَّيَاطِينَ بِقُدْرَتِهَا لَا بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةُ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي اسْتِقْلَالِ الْحَيَوَانَاتِ بِقُدْرَتِهَا دُونَ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَمَا لَا نُكَفِّرُ الْمُعْتَزِلَةَ بِذَلِكَ لَا نُكَفِّرُ هَؤُلَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ مَظِنَّةُ الْعِبَادَةِ فَإِنْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ اعْتِقَادُ ـــــــــــــــــــــــــــــSجَاءَتْ الْآثَارُ مِنْ خَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ الَّتِي رَبَطَ اللَّهُ بِهَا تِلْكَ الْآثَارَ عِنْدَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ) قُلْتُ لَا أَعْرِفُ صِحَّةَ مَا قَالُوهُ مِنْ رَبْطِ تِلْكَ الْآثَارِ بِخَوَاصِّ النُّفُوسِ. قَالَ: (فَيَكُونُ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ خَطَأً كَمَا إذَا اعْتَقَدَ طَبِيبٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْدَعَ فِي الصَّبْرِ السَّقَمُونْيَا عَقْلَ الْبَطْنِ وَقَطْعَ الْإِسْهَالِ، وَأَمَّا تَكْفِيرُهُ بِذَلِكَ فَلَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ: (وَإِنْ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْكَوَاكِبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَالشَّيَاطِينَ بِقُدْرَتِهَا لَا بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ هَذَا مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي اسْتِقْلَالِ الْحَيَوَانَاتِ بِقُدْرَتِهَا دُونَ اللَّهِ تَعَالَى فَكَمَا لَا نُكَفِّرُ الْمُعْتَزِلَةَ بِذَلِكَ لَا نُكَفِّرُ هَؤُلَاءِ) قُلْتُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تَفْعَلُ بِقُدْرَتِهَا مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِقُدْرَتِهَا فَذَلِكَ كُفْرٌ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تَفْعَلُ بِقُدْرَتِهَا مُبَاشَرَةً مَعَ تَعَلُّقِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِقُدْرَتِهَا فَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ. قَالَ: (وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ مَظِنَّةُ الْعِبَادَةِ فَإِنْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ اعْتِقَادُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْوَاجِبَةِ مِنْ الضَّمَانَاتِ وَالدُّيُونِ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عِنْدَهُ أَوْ قِبَلَهُ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانَاتِ، وَالْأَمَانَاتِ (وَالرُّكْنُ الثَّانِي) ، وَهُوَ الْمُقِرُّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (الْحَالَةُ الْأُولَى) أَنْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ رَشِيدٌ طَائِعٌ فَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ أَوْ بِقِصَاصٍ لَزِمَهُ، وَلَا يَنْفَعُهُ الرُّجُوعُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْحَدَّ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ فَلَهُ الرُّجُوعُ لَكِنْ يَلْزَمُهُ الصَّدَاقُ وَالْمَالُ فَلَوْ كَانَ مُكْرَهًا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَلَوْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ لِحَقِّ نَفْسِهِ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الصَّغِيرُ أَنَّهُ احْتَلَمَ فِي وَقْتِ إمْكَانِهِ إذْ لَا يُعْرَفْ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ. وَإِنْ كَانَ لِحَقِّ غَيْرٍ كَالْمُفْلِسِ، وَالْعَبْدِ، وَالْمَرِيضِ فَأَحْكَامُ إقْرَارِهِمْ مَشْهُورَةٌ مَبْسُوطَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يُقِرَّ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ مِنْهُ كَقَتْلِ الْخَطَأِ، وَجِرَاحِ الْخَطَأِ الَّتِي فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ فَإِقْرَارُهُ غَيْرُ لَازِمٍ أَمَّا مَا فِيهَا دُونَ ثُلُثِهَا فَتَلْزَمُهُ فِي مَا لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ مِنْهُ كَإِقْرَارِهِ فِي عَبْدِ زَيْدٍ أَنَّهُ لِعَمْرٍو فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ (الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ فَيُقْبَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَيَكُونُ شَاهِدًا لِغَيْرِهِ فَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ، وَعَلَى فُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ النِّصْفُ، وَيَحْلِفُ الطَّالِبُ مَعَهُ فَإِنْ نَكَلَ أَوْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ فَلَا شَيْءَ لِلطَّالِبِ غَيْرُ النِّصْفِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَصْلُ إلَّا الْحَالَةَ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةَ، وَقَسَّمَ الْأُولَى إلَى مَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِقْرَارُ، وَيَقْضِي فِيهِ بِالْمِلْكِ، وَمَا يُؤَثِّرُ، وَلَا يَقْضِي فِيهِ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ فَقَالَ مَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِحَقٍّ أَوْ عَيْنٍ قَضَى عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ كَانَ الْمُقِرُّ بَرًّا أَوْ فَاجِرًا فَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ فِي الذِّمَّةِ كَالدَّيْنِ أَوْ عَيْنًا أَقَرَّ بِهَا مِنْ سَلَمٍ أُخِذَتْ مِنْهُ، وَقَضَى فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِالْمِلْكِ لِلْمُقِرِّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ عَيْنًا قَضَى عَلَى الْمُقِرِّ بِتَسْلِيمِهَا لِلْمُقِرِّ لَهُ إنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُقِرِّ، وَلَا يُقْضَى بِالْمِلْكِ بَلْ بِإِلْزَامِ التَّسْلِيمِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الثَّالِثَ، وَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ بِيَدِ الْغَيْرِ لَمْ يَقْضِ بِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ الْإِقْرَارُ فِيمَا فِي يَدِ الْمُقِرِّ، وَيَنْتَقِلُ بِيَدِهِ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَيُقْضَى عَلَيْهِ حِينَئِذٍ بِمُوجَبِ إقْرَارِهِ اهـ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ (الرُّكْنُ الثَّالِثُ) وَهُوَ الْمُقِرُّ لَهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لِلْجَمَادِ، وَالْحَيَوَانِ، وَثَانِيهِمَا أَنْ لَا يَكْذِبَ الْمُقِرُّ، وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ، وَلَوْ رَجَعَ عَنْ تَكْذِيبِهِ لَمْ يُفِدْهُ رُجُوعُهُ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ الْمُقِرُّ إلَى الْإِقْرَارِ (وَالرُّكْنُ الرَّابِعُ) وَهُوَ الْمُقِرُّ بِهِ ضَرْبَانِ نَسَبٌ، وَمَالٌ (فَالْأَوَّلُ) هُوَ الِاسْتِلْحَاقُ، وَمَسَائِلُهُ مَشْهُورَةٌ (وَالثَّانِي) مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ فَالْمُطْلَقُ مَا صَدَرَ غَيْرَ مُقْتَرِنٍ بِمَا يُقَيِّدُهُ أَوْ يَرْفَعُ حُكْمَهُ أَوْ حُكْمَ بَعْضِهِ، وَالْمُقَيَّدُ عَشَرَةُ أَنْوَاعٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُقَيَّدَ بِالْمَحَلِّ أَوْ بِالْعِلْمِ أَوْ بِالْغَايَةِ أَوْ بِالْخِيَارِ أَوْ بِالشَّرْطِ أَوْ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَوْ بِكَوْنِهِ عَلَى جِهَةِ الشُّكْرِ أَوْ الذَّمِّ أَوْ الِاعْتِذَارِ أَوْ بِتَعْقِيبِهِ بِمَا يُبْطِلُهُ فَالْمَحَلُّ كَقَوْلِهِ غَصَبْت فُلَانًا ثَوْبًا فِي مِنْدِيلٍ فَقَالَ سَحْنُونٌ يُؤْخَذُ بِالثَّوْبِ، وَالْمِنْدِيلِ، وَيُصَدَّقُ فِي صِفَتِهِمَا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَلْزَمُهُ الْمِنْدِيلُ، وَالْعِلْمُ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِيمَا أَعْلَمُ أَوْ فِيمَا أَظُنُّ أَوْ فِيمَا حَسِبْت أَوْ فِيمَا رَأَيْت فَقَالَ سَحْنُونٌ هُوَ إقْرَارٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إذَا قَالَ فِيمَا أَعْلَمُ أَوْ فِي عِلْمِي أَوْ فِيمَا يَحْضُرُنِي فَهُوَ شَكٌّ لَا يَلْزَمُ، وَالْغَايَةُ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَيَلْزَمُهُ مِائَةٌ، وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَكَقَوْلِهِ عَلَى مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى عَشْرٍ فَيَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ. وَقِيلَ يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ أَيْ بِنَاءً عَلَى دُخُولِ الْغَايَةِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى ثَلَاثَةٍ فَيَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ، وَالْخِيَارُ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَقِيلَ يَلْزَمُهُ، وَيَكُونُ الْخِيَارُ كَالْأَجَلِ، وَقِيلَ الْخِيَارُ بَاطِلٌ، وَالشَّرْطُ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ إنْ حَلَفَ أَوْ إذَا حَلَفَ أَوْ مَتَى حَلَفَ فَقَالَ الْمُقِرُّ مَا ظَنَنْت أَنَّهُ يَحْلِفُ لَمْ يَلْزَمْهُ إقْرَارُهُ إجْمَاعًا، وَالِاسْتِثْنَاءُ لِقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَزِمَهُ، وَلَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ بِالْمَشِيئَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ

[الحجة الرابعة عشرة شهادة الصبيان بعضهم في القتل والجراح]

الْقُدْرَةِ وَالتَّأْثِيرِ كَانَ كُفْرًا، وَأُجِيبُ عَنْ هَذَا الْفَرْقِ بِأَنَّ تَأْثِيرَ الْحَيَوَانِ فِي الْقَتْلِ وَالضَّرِّ وَالنَّفْعِ فِي الْعَادَةِ مُشَاهَدٌ مِنْ السِّبَاعِ وَالْآدَمِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمُشْتَرَى أَوْ زُحَلَ يُوجِبُ شَقَاوَةً أَوْ سَعَادَةً فَإِنَّمَا هُوَ حَزْرٌ وَتَخْمِينٌ مِنْ الْمُنَجِّمِينَ لَا صِحَّةَ لَهُ وَقَدْ عُبِدَتْ الْبَقَرُ وَالشَّجَرُ وَالْحِجَارَةُ وَالثَّعَابِينُ فَصَارَتْ هِيَ الشَّائِبَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْكَوَاكِبِ وَغَيْرِهَا فَهُوَ مَوْضِعُ نَظَرٍ وَاَلَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ أَنَّهُ كُفْرٌ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا مَذْهَبُ الصَّائِبَةِ وَهُوَ كُفْرٌ صَرِيحٌ لَا سِيَّمَا إنْ صَرَّحَ بِنَفْيِ مَا عَدَاهَا ـــــــــــــــــــــــــــــSالْقُدْرَةِ وَالتَّأْثِيرِ كَانَ كُفْرًا) قُلْتُ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِاعْتِقَادِ أَنَّ الْكَوَاكِبَ مُسْتَغْنِيَةٌ بِقُدْرَتِهَا عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَذَلِكَ كُفْرٌ صَرِيحٌ. قَالَ: (وَأُجِيبُ عَنْ هَذَا الْفَرْقِ بِأَنَّ تَأْثِيرَ الْحَيَوَانَاتِ فِي الْقَتْلِ وَالضَّرِّ وَالنَّفْعِ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ مُشَاهَدَةٌ مِنْ السِّبَاعِ وَالْآدَمِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ) قُلْتُ لَيْسَ تَأْثِيرُ الْحَيَوَانِ بِمُشَاهَدٍ، وَإِنَّمَا التَّأْثِيرُ لَا غَيْرُ. قَالَ (وَأَمَّا كَوْنُ الْمُشْتَرَى أَوْ زُحَلَ يُوجِبُ شَقَاوَةً أَوْ سَعَادَةً فَإِنَّمَا ذَلِكَ حَزْرٌ وَتَخْمِينٌ مِنْ الْمُنَجِّمِينَ لَا صِحَّةَ لَهُ) قُلْتُ ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ: (وَقَدْ عُبِدَتْ الْبَقَرُ وَالشَّجَرُ وَالْحِجَارَةُ وَالثَّعَابِينَ فَصَارَتْ هَذِهِ الشَّائِبَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْكَوَاكِبِ وَغَيْرِهَا فَهُوَ مَوْضِعُ نَظَرٍ) قُلْتُ هُوَ كَمَا قَالَ مَوْضِعُ نَظَرٍ. قَالَ: (وَاَلَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ أَنَّهُ كُفْرٌ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا مَذْهَبُ الصَّابِئَةِ وَهُوَ كُفْرٌ صَرِيحٌ لَا سِيَّمَا إنْ صَرَّحَ بِنَفْيِ مَا عَدَاهَا) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يُوجِبُ الشَّكَّ وَكَذَا يَلْزَمُهُ إنْ قَالَ إنْ قَضَى اللَّهُ ذَلِكَ قَالَ سَحْنُونٌ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يَلْزَمُهُ، وَلَوْ قَالَ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ إلَّا أَنْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ لَزِمَهُ. وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ إلَّا شَيْئًا لَزِمَهُ أَحَدٌ وَتِسْعُونَ، وَمَسَائِلُ هَذَا النَّوْعِ مَذْكُورَةٌ فِي مَحَلِّهَا فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهَا. وَالشُّكْرُ مِثْلُ قَوْلِهِ اشْهَدُوا أَنِّي قَبَضْت مِنْ فُلَانٍ مِائَةَ دِينَارٍ كَانَتْ لِي عَلَيْهِ، وَأَحْسَنَ قَضَائِي جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا فَقَالَ الدَّافِعُ إنَّمَا أَسْلَفْتهَا لَهُ فَاَلَّذِي قَالَ أَسْلَفْتهَا لَهُ مُصَدَّقٌ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْآخَرُ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ كَانَ يَتَقَاضَاهُ فِي دَيْنِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقِيلَ هُوَ أَيْ الْآخَرُ مُصَدَّقٌ، وَإِنْ كَانَ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَةِ لِقَوْمٍ صُدُقٍ قَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الْإِقْرَارِ بِالسَّلَفِ وَقَضَائِهِ عَلَى وَجْهِ الشُّكْرِ، وَالثَّنَاءِ لَا يَلْزَمُ الْمُقِرَّ، وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيمَا طَالَ زَمَانُهُ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا وَقْتُهُ قَرِيبٌ أَخَذَ بِإِقْرَارِهِ. وَقَالَ مُطَرِّفُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ كُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ عِنْدَ قَوْمٍ فِي مَسَاقِ حَدِيثٍ يُحَدِّثُهُمْ أَوْ شُكْرٍ شَكَرَ بِهِ أَحَدًا فَأَثْنَى عَلَيْهِ بِهِ لِمَا قَدَّمَ مِنْ سَلَفٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْحُقُوقِ ثُمَّ ادَّعَى الْمُقِرُّ لَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ قَدْ أَسْلَفْته كَمَا ذَكَرَ وَلَمْ أَقْبِضْ، وَقَالَ الْآخَرُ قَدْ قَضَيْته، وَإِنَّمَا ذَكَرْت إحْسَانَهُ إلَيَّ، وَأَثْنَيْت عَلَيْهِ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ الْمُقِرُّ بِهِ إذَا كَانَ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَوْمِ أَنْ يَشْهَدُوا بِذَلِكَ فَإِنْ جَهِلُوا وَشَهِدُوا بِذَلِكَ عَلَى جِهَتِهِ وَكَانَ سَاقَهُ لَمْ يَجُزْ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ، وَهَكَذَا سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا، وَالذَّمُّ كَقَوْلِهِ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دِينَارٌ فَأَسَاءَ تَقَاضِي ذَلِكَ لَا جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، وَقَدْ دَفَعْته لَهُ فَقَالَ الْآخَرُ مَا تَقَاضَيْت مِنْك شَيْئًا فَإِنَّ الْمُقِرَّ يَغْرَمُ الدِّينَارَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدِي كَالْمُقِرِّ عَلَى الشُّكْرِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ قَالَ لِقَوْمٍ أَسْلَفَنِي فُلَانٌ مِائَةَ دِينَارٍ، وَقَضَيْته إيَّاهَا أَنَّهُ مُصَدَّقٌ، وَلَوْ قَالَهَا عِنْدَ سُلْطَانٍ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّ مَا كَانَ مِنْ أَمْرٍ جَرَّهُ الْحَدِيثُ، وَالْإِخْبَارُ عَنْ حَالِ الشُّكْرِ، وَالذَّمِّ فَلَا يَأْخُذُ بِهِ أَحَدٌ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فِي مَوْضِعِ الْقَضَاءِ، وَالِاعْتِذَارُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِلسُّلْطَانِ فِي الْجَارِيَةِ وَلَدْت مِنِّي أَوْ الْعَبْدُ مُدَبَّرٌ لِئَلَّا يَأْخُذَهُمَا مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَوْ سَأَلَهُ ابْنُ عَمِّهِ مَنْزِلًا فَقَالَ هُوَ لِزَوْجَتِي ثُمَّ سَأَلَهُ فِيهِ ثَانٍ، وَثَالِثٌ مَنْ بَنِي عَمِّهِ، وَهُوَ يَقُولُ ذَلِكَ فَقَامَتْ امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ إنَّمَا قُلْته اعْتِذَارٌ قَالَ مَالِكٌ لَا شَيْءَ لَهَا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ سُئِلَ أَنْ يَكْرِيَ مَنْزِلَهُ فَقَالَ وَهُوَ لِابْنَتِي حَتَّى أُشَاوِرَهَا ثُمَّ مَاتَ فَقَامَتْ الِابْنَةُ فِيهِ قَالَ لَا يَنْفَعُهَا ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَازَتْ ذَلِكَ، وَلَهَا عَلَى الصَّدَقَةِ، وَالْحِيَازَةِ بَيِّنَةٌ قِيلَ لَهُ، وَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً قَالَ لَيْسَ لَهَا شَيْءٌ قَدْ يَتَعَذَّرُ بِهَذَا يُرِيدُ مَنْعُهُ، وَفِي وَثَائِقِ الْغَرْنَاطِيِّ، وَمَنْ سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ هُوَ لِفُلَانٍ لَمْ يَلْزَمْهُ هَذَا الْإِقْرَارُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ وَهَبْته أَوْ بِعْته مِنْ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَالرَّافِعُ مِثْلُ أَنْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ ثُمَّ يَعْقُبُهُ بِمَا يُبْطِلُهُ، وَيَرْفَعُ حُكْمَهُ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَهُ الْمُقِرُّ لَهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهُ عِنْدِي أَلْفٌ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ قَالَ ابْنُ شَاسٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْمُقِرُّ لَهُ بَلْ هِيَ ثَمَنُ بُرٍّ فَيَلْزَمُ يَمِينُ الطَّالِبِ اهـ كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ بِتَصَرُّفٍ، وَزِيَادَةٌ مِنْ الْأَصْلِ. [الْحُجَّةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ فِي الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ] (الْبَابُ الثَّالِثَ عَشَرَ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ، وَالْخِلَافُ فِي قَبُولِهَا، وَدَلِيلُهُ، وَفِيهِ وَصْلَانِ. (الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ، وَفِي قَبُولِ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ فِي الْجِرَاحِ، وَالْقَتْلُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْجَوَازُ لِمَالِكٍ، وَالْمَنْعُ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَالْجَوَازُ فِي الْجِرَاحِ دُونَ الْقَتْلِ قَالَهُ أَشْهَبُ، وَعَلَى الْجَوَازِ فَإِنَّمَا تَجُوزُ بِأَحَدَ عَشَرَ شَرْطًا (الْأَوَّلُ) أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَعْقِلُ الشَّهَادَةَ (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَا حُرَّيْنِ

وَبِهَذَا الْبَحْثِ يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا قَالَتْهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَنَّ أَمْرَ الشَّيَاطِينِ وَغَيْرِهِمْ كُفْرٌ بَلْ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُفَصِّلُوا فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ كَانَتْ تَصْنَعُ لِسُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ اعْتَقَدَ السَّاحِرُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَخَّرَ لَهُ بِسَبَبِ عَقَاقِيرِهِ مَعَ خَوَاصِّ نَفْسِهِ الشَّيَاطِينَ صَعُبَ الْقَوْلُ بِتَكْفِيرِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْأَصْحَابِ إنَّهُ عَلَامَةُ الْكُفْرِ فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّا نَتَكَلَّمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِاعْتِبَارِ الْفُتْيَا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ حَالَ الْإِنْسَانِ فِي تَصْدِيقِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَرُسُلِهِ بَعْدَ عَمَلِ هَذِهِ الْعَقَاقِيرِ كَحَالِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَالشَّرْعُ لَا يُخْبِرُ عَلَى خِلَافِ الْوَاقِعِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (وَبِهَذَا الْبَحْثِ يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا قَالَتْهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَنَّ أَمْرَ الشَّيَاطِينِ وَغَيْرِهِمْ كُفْرٌ بَلْ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُفَصِّلُوا فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ كَانَتْ تَصْنَعُ لِسُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَخَّرَ لَهُ بِسَبَبِ عَقَاقِيرِهِ مَعَ خَوَاصِّ نَفْسِهِ الشَّيَاطِينَ صَعُبَ الْقَوْلُ بِتَكْفِيرِهِ) قُلْتُ الظَّاهِرُ مَا قَالَهُ مِنْ لُزُومِ التَّفْصِيلِ، وَأَنَّهُ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا كُفْرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَفْسُ السِّحْرِ كُفْرًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ فَذَلِكَ كُفْرٌ بِالْوَضْعِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ: (وَأَمَّا قَوْلُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ عَلَامَةُ الْكُفْرِ فَمُشْكِلٌ إلَى قَوْلِهِ خِلَافُ الْوَاقِعِ) قُلْتُ إذَا ثَبَتَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى أَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ، وَأَنَّهُ عَلَامَةُ الْكُفْرِ فَلَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ مِنْ شَرْطِ الْمُؤْمِنِ أَنْ لَا يَعْمَلَ سِحْرًا وَعِنْدَ ذَلِكَ يَصِحُّ إيمَانُهُ إمَّا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إنْ كَانَ السِّحْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ مَالِكٌ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ الْمَمَالِيكِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ جِنْسِ مَنْ يَشْهَدُ. (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَا ذَكَرَيْنِ نَعَمْ قَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جَوَازُ قَبُولِ شَهَادَةِ إنَاثِ الْأَحْرَارِ اعْتِبَارًا بِالْبَالِغَاتِ فِي كَوْنِهَا لَوْثًا فِي الْقَسَامَةِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ مَحْكُومًا لَهُمَا بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُقْبَلُ فِي قِتَالٍ، وَلَا فِي جِرَاحٍ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ إنَّمَا دَعَتْ لِإِجْمَاعِ الصِّبْيَانِ لِأَجْلِ الْكُفَّارِ نَعَمْ قِيلَ تُقْبَلُ فِي الْجِرَاحِ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ ضَعِيفَةٌ فَاقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى أَضْعَفِ الْأَمْرَيْنِ (الْخَامِسُ) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الصِّبْيَانِ لَا لِكَبِيرٍ عَلَى صَغِيرٍ، وَلَا صَغِيرٍ عَلَى كَبِيرٍ (السَّادِسُ) أَنْ يَكُونَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا لِأَنَّهُمْ لَا يَكُونُ حَالُهُمْ أَتَمَّ مِنْ الْكِبَارِ (السَّابِعُ) أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ قَبْلَ تُفَرِّقْهُمْ لِئَلَّا يُلَقِّنَ الْكَذِبَ (الثَّامِنُ) أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ مُتَّفِقَةً غَيْرَ مُخْتَلِفَةٍ (التَّاسِعُ) أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ فِي قَتْلٍ أَوْ جَرْحٍ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ لَا فِي الْأَمْوَالِ (الْعَاشِرُ) أَنْ لَا يَحْضُرَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْكِبَارِ فَمَتَى حَضَرَ كِبَارٌ فَشَهِدُوا سَقَطَ اعْتِبَارُ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ كَانَ الْكِبَارُ رِجَالًا أَوْ نِسَاءً لِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ تَجُوزُ فِي الْخَطَأِ، وَعَمْدُ الصَّبِيِّ كَالْخَطَأِ (الْحَادِي عَشَرَ) قَالَ الْقَرَافِيُّ رَأَيْت بَعْضَ الْمُعْتَبَرِينَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ يَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْجَسَدِ الْمَشْهُودِ بِقَتْلِهِ، وَإِلَّا فَلَا تُسْمَعُ الشَّهَادَةُ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ مُؤَلِّفُ الْبَيَانِ، وَالْقَرِيبُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ الْعُدُولِ عَلَى رُؤْيَةِ الْجَسَدِ الْمَقْتُولِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى رُجُوعِهِ عَنْ شَهَادَتِهِ بَلْ، وَلَوْ بَلَغُوا، وَشَكُّوا أُخِذَ بِقَوْلِهِمْ الْأَوَّلِ نَعَمْ إنْ قَالُوا لَمْ تَكُنْ عَلَى وَجْهِهَا، وَلَمْ تَكُنْ قَضَى بِهَا لَمْ يَقْضِ بِهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الصِّبْيَانِ الْعَدَالَةُ وَالْجَرْحُ، وَاخْتُلِفَ فِي اعْتِبَارِ الْقَرَابَةِ وَالْعَدَالَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَرِيبِ لِقَرِيبِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَعَلَى مَذْهَبِهِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَرِيبِ الْعَدُوِّ وَأَجَازَهَا عَبْدُ الْمَلِكِ، وَعَلَى مَذْهَبِهِ فَيَجُوزُ مَعَ الْقَرَابَةِ (مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى) سِتَّةٌ صِبْيَةٌ فِي الْبَحْرِ غَرِقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَشَهِدَ ثَلَاثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ، وَاثْنَانِ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَنَّهُمْ غَرَّقُوهُ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْعَقْلُ عَلَيْهِمْ كُلُّهُمْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَدْرَأُ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فَلَزِمَتْ الدِّيَةُ عَوَاقِلَهُمْ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا تَعَارَضَ بَيِّنَتَانِ مِنْ الصِّبْيَانِ فِي شَجَّةٍ هَلْ شَجَّهَا فُلَانٌ أَوْ فُلَانٌ سَقَطَتَا لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَنْفِي مَا يُثْبِتُهُ الْآخَرُ، وَأَرْشُ الشَّجَّةِ عَلَى جَمَاعَةِ الصِّبْيَانِ اهـ بِتَصَرُّفٍ، وَزِيَادَةٌ مِنْ الْأَصْلِ (الْوَصْلُ الثَّانِي) فِي التَّبْصِرَةِ، وَفِي الْأَصْلِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ هُوَ الْأَصْلُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالْجَوَازُ لِعِلَّةِ الِاضْطِرَارِ إذْ لَوْ أَهْمَلُوا الْأَذَى ذَلِكَ إلَى ضَرَرٍ كَبِيرٍ، وَهَدَرِ جِنَايَاتٍ تَعْظُمُ، وَدَلِيلُهُ وَجْهَانِ (الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] وَاجْتِمَاعُ الصِّبْيَان لِلتَّدْرِيبِ عَلَى الْحَرْبِ مِنْ أَعْظَمِ الِاسْتِعْدَادِ لِيَكُونُوا كِبَارًا أَهْلًا لِذَلِكَ، وَيَحْتَاجُونَ فِي ذَلِكَ لِحَمْلِ السِّلَاحِ حَيْثُ لَا يَكُونُ مَعَهُمْ كَبِيرٌ، وَهَدَرُ دِمَائِهِمْ لَا يَجُوزُ فَتَدْعُو الضَّرُورَةُ لِقَبُولِ شَهَادَتِهِمْ عَلَى الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالْغَالِبُ مَعَ تِلْكَ الشُّرُوطِ الصِّدْقُ، وَنُدْرَةُ الْكَذِبِ فَتُقَدَّمُ الْمَصْلَحَةُ الْغَالِبَةُ عَلَى الْمَفْسَدَةِ النَّادِرَةِ لِأَنَّهُ دَأْبُ صَاحِبِ الشَّرْعِ كَمَا جَوَّزَ الشَّرْعُ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ ضَرُورَةً (الْوَجْهُ الثَّانِي) إنَّهُ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعُرْوَةُ وَرَبِيعَةُ وَمُعَاوِيَةُ

[الحجة الخامسة عشرة القافة حجة شرعية بثبوت الأنساب]

فَإِنْ أَرَادُوا الْخَاتِمَةَ فَمُشْكِلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّا لَا نُكَفِّرُ فِي الْحَالِ بِكُفْرٍ وَاقِعٍ فِي الْمَآلِ كَمَا أَنَّا لَا نَجْعَلُهُ مُؤْمِنًا فِي الْحَالِ بِإِيمَانٍ وَاقِعٍ فِي الْمَآلِ وَهُوَ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ الْآنَ بَلْ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ تَتْبَعَ أَسْبَابَهَا وَتَحَقُّقَهَا لَا تَوَقُّعَهَا وَإِنْ قَطَعْنَا بِوُقُوعِهَا كَمَا أَنَّا نَقْطَعُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا نُرَتِّبُ مُسَبَّبَاتِهَا قَبْلَهَا، وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا فِي التَّرَدُّدِ إلَى الْكَنَائِسِ، وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّمَا قَضَيْنَا بِكُفْرِهِ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفُتْيَا وَقَدْ يَكُونُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى مُؤْمِنًا. فَاَلَّذِي يَسْتَقِيمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا حَكَاهُ الطُّرْطُوشِيُّ عَنْ قُدَمَاءِ أَصْحَابِنَا أَنَّا لَا نُكَفِّرُهُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ مِنْ السِّحْرِ الَّذِي كَفَّرَ اللَّهُ بِهِ أَوْ يَكُونُ سِحْرًا مُشْتَمِلًا عَلَى كُفْرٍ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ تَعَلُّمَهُ وَتَعْلِيمَهُ كُفْرٌ فَفِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ فَقَدْ قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ وَهُوَ مِنْ سَادَاتِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ إذَا وَقَفَ لِبُرْجِ الْأَسَدِ ـــــــــــــــــــــــــــــSبِنَفْسِهِ كُفْرًا، وَإِمَّا ظَاهِرًا، إنْ كَانَ عَلَامَةُ الْكُفْرِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ. قَالَ: (فَإِنْ أَرَادُوا الْخَاتِمَةَ فَمُشْكِلٌ أَيْضًا إلَى وَقَوْلِهِ، وَلَا نُرَتِّبُ مُسَبَّبَاتِهَا قَبْلَهَا) قُلْتُ إنْ أَرَادُوا ذَلِكَ فَمُشْكِلٌ كَمَا قَالَهُ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ: (وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا فِي التَّرَدُّدِ إلَى الْكَنَائِسِ) قُلْتُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ: (وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ تَعَلُّمَهُ وَتَعْلِيمَهُ كُفْرٌ فَفِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ) قُلْتُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ فَإِنَّهُ قَوْلٌ مُسْتَنِدٌ إلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ، وَمَا قَالَهُ عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ وَقَالَ إنَّ ذَلِكَ هُوَ تَعَلُّمُهُ لَا يُرِيدُ أَنْ لَا تَعَلُّمَ لَهُ سِوَاهُ لَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ تَعَلُّمُهُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا لِيَعْرِفَ حَقِيقَتَهُ خَاصَّةً إمَّا لِتَجَنُّبٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا لَيْسَ بِكُفْرٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَأَمَّا الْوُجُوهُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا عَلَى الْمَنْعِ فَثَمَانِيَةٌ (الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَهُوَ يَمْنَعُ شَهَادَةَ غَيْرِ الْبَالِغِ (وَالثَّانِي) قَوْله تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَالصَّبِيُّ لَيْسَ بِعَدْلٍ (الثَّالِثُ) قَوْله تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] وَهُوَ نَهْيٌ، وَلَا يَتَنَاوَلُ النَّهْيُ الصَّبِيَّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الشُّهَدَاءِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّلَاثَةِ أَنَّ هَذِهِ الظَّوَاهِرَ عَامَّةٌ، وَدَلِيلُنَا خَاصٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهَا عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالِاسْتِشْهَادِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى، وَالثَّانِيَةِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُمْكِنُ إنْشَاءُ الشَّهَادَةِ فِيهَا اخْتِيَارًا لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ النَّهْيِ الْإِمْكَانَ، وَهَذَا مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ تَقَعُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بَغْتَةً فَلَا يَتَنَاوَلُ الْأَمْرَ فَيَكُونُ مَسْكُوتًا عَنْهُ عَلَى أَنْ نَمْنَعَ عَدَمَ انْدِرَاجِ الصِّبْيَانِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى لِانْدِرَاجِهِمْ مَعَهُمْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] (وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ فَلَا تُعْتَبَرُ شَهَادَتُهُ (وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ الْإِقْرَارَ أَوْسَعُ مِنْ الشَّهَادَةِ لِقَبُولِهِ مِنْ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ فَإِذَا كَانَ لَا يُقْبَلُ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ وَالْجَوَابُ عَنْهُمَا أَنَّ إقْرَارَ الصَّبِيِّ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ فَنَحْنُ نُسَوِّيهِ بِالشَّهَادَةِ فَإِنَّهُمَا لَا يُقْبَلَانِ فِي الْمَالِ أَوْ فِي الدِّمَاءِ إنْ كَانَتْ عَمْدًا أَوْ عَمْدُ الصَّبِيِّ خَطَأً فَيَئُولُ إلَى الدِّيَةِ فَيَكُونُ إقْرَارًا عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يُقْبَلُ كَالْبَالِغِ. (وَالْوَجْهُ السَّادِسُ) الْقِيَاسُ عَلَى غَيْرِ الْجِرَاحِ، وَجَوَابُهُ الْفَرْقُ بِتَعْظِيمِ حُرْمَةِ الدِّمَاءِ بِدَلِيلِ قَبُولِ الْقَسَامَةِ، وَلَا يُقَسَّمُ عَلَى دِرْهَمٍ (وَالْوَجْهُ السَّابِعُ) أَنَّهَا لَوْ قُبِلَتْ لَقُبِلَتْ إذَا افْتَرَقُوا كَالْكِبَارِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الِافْتِرَاقَ يَحْتَمِلُ التَّعْلِيمَ وَالتَّغْيِيرَ، وَالصَّغِيرُ إذَا خُلِّيَ، وَسَجِيَّتَهُ لَا يَكَادُ يَكْذِبُ، وَالرِّجَالُ لَهُمْ وَازِعٌ شَرْعِيٌّ إذَا افْتَرَقُوا بِخِلَافِ الصِّبْيَانِ (وَالْوَجْهُ الثَّامِنُ) أَنَّهَا لَوْ قُبِلَتْ لَقُبِلَتْ فِي تَخْرِيقِ ثِيَابِهِمْ فِي الْخَلَوَاتِ أَوْ لَجَازَتْ شَهَادَةُ النِّسَاءِ بَعْضُهُنَّ عَلَى بَعْضٍ فِي الْجِرَاحِ، وَجَوَابُهُ الْفَرْقُ بِتَعْظِيمِ حُرْمَةِ الدِّمَاءِ، وَبِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ لَيْسَ لِتَخْرِيقِ ثِيَابِهِمْ بِخِلَافِ الضَّرْبِ وَالْجِرَاحِ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَا يَجْتَمِعْنَ لِلْقِتَالِ، وَلَا هُوَ مَطْلُوبٌ مِنْهُنَّ اهـ كَلَامُ ابْنِ فَرْحُونٍ، وَالْأَصْلُ الَّذِي سَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [الْحُجَّةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ الْقَافَةُ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ بِثُبُوتِ الْأَنْسَابِ] (الْبَابُ الرَّابِعَ عَشَرَ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ حُجَّةُ الْقَافَةِ، وَالْخِلَافُ فِي قَبُولِهَا، وَدَلِيلُهُ، وَفِيهِ وَصْلَانِ (الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي الْأَصْلِ الْقَافَةُ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ عِنْدَنَا فِي الْقَضَاءِ بِثُبُوتِ الْأَنْسَابِ، وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَإِنَّمَا يُجِيزُهُ مَالِكٌ فِي وَلَدِ الْأَمَةِ يَطَؤُهَا رَجُلَانِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، وَتَأْتِي بِوَلَدٍ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا، وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ قَبُولِهِ فِي وَلَدِ الزَّوْجَةِ، وَعَنْهُ قَبُولُهُ، وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ فِيهِمَا اهـ. وَفِي التَّبْصِرَةِ، وَلَا تَعْتَمِدُ الْقَافَةُ إلَّا عَلَى أَبٍ مَوْجُودٍ بِالْحَيَاةِ قَالَ بَعْضُهُمْ أَوْ مَاتَ، وَلَمْ يُدْفَنْ قِيلَ، وَتَعْتَمِدُ عَلَى الْعَصَبَةِ قَالَ وَلَا يُحْكَمُ بِقَوْلِ الْقَائِفِ إلَّا فِي أَوْلَادِ الْإِمَاءِ مِنْ وَطْءِ سَيِّدَيْنِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ دُونَ أَوْلَادِ الْحَرَائِرِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ يُقْبَلُ فِي أَوْلَادِ الْحَرَائِرِ قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ، وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ قَالَ ابْنُ يُونُسُ، وَهُوَ أَقْيَسُ، وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو عِمْرَانَ قَالَ إنَّمَا خُصَّتْ الْقَافَةُ بِالْإِمَاءِ لِأَنَّ الْأَمَةَ قَدْ تَكُونُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَيَطَئُونَهَا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ فَقَالَ تَسَاوَوْا فِي الْمِلْكِ وَالْوَطْءِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَقْوَى مِنْ الْأُخْرَى فِرَاشًا فَالْفِرَاشَانِ مُسْتَوِيَانِ وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ إذَا ابْتَاعَهَا رَجُلٌ، وَقَدْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ وَوَطِئَهَا الْمُبْتَاعُ فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْمِلْكِ، وَأَمَّا الْحُرَّةُ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ زَوْجًا لِرَجُلَيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَصِحُّ فِيهَا فِرَاشَانِ مُسْتَوِيَانِ، وَأَيْضًا فَوَلَدُ الْحُرَّةِ لَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ، وَوَلَدُ الْأَمَةِ يَنْتَفِي بِغَيْرِ اللِّعَانِ، وَالنَّفْيُ

وَحَكَى الْقَضِيَّةَ إلَى آخِرِهَا فَإِنَّ هَذَا سِحْرٌ فَقَدْ تَصَوَّرَهُ وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ سِحْرٌ فَهَذَا هُوَ تَعَلُّمُهُ فَكَيْفَ يَتَصَوَّرُ شَيْئًا لَمْ يَعْلَمْهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا يُتَصَوَّرُ التَّعَلُّمُ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ كَضَرْبِ الْعُودِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كُتُبُ السِّحْرِ مَمْلُوءَةٌ مِنْ تَعْلِيمِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بَلْ هُوَ كَتَعَلُّمِ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ الَّذِي لَا يَكْفُرُ بِهِ الْإِنْسَانُ كَمَا نَقُولُ إنَّ النَّصَارَى يَعْتَقِدُونَ فِي عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذَا وَالصَّابِئَةَ يَعْتَقِدُونَ فِي النُّجُومِ كَذَا وَنَتَعَلَّمُ مَذَاهِبَهُمْ، وَمَا هُمْ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى نَرُدَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَهُوَ قُرْبَةٌ لَا كُفْرٌ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنْ كَانَ تَعَلَّمَ السِّحْرَ لِيُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعْجِزَاتِ كَانَ ذَلِكَ قُرْبَةً وَكَذَلِكَ نَقُولُ إنْ عَمِلَ السِّحْرَ بِأَمْرٍ مُبَاحٍ لِيُفَرِّقَ بِهِ بَيْنَ الْمُجْتَمِعِينَ عَلَى الزِّنَا أَوْ قَطْعِ الطَّرِيقِ بِالْبَغْضَاءِ وَالشَّحْنَاءِ أَوْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِجَيْشِ الْكُفْرِ فَيَقْتُلُونَ بِهِ مَلِكَهُمْ هَذَا كُلُّهُ قُرْبَةٌ أَوْ يَصْنَعُهُ مَحَبَّةً بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ أَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَالْوَجْهِ الثَّانِي أَنْ يَتَعَلَّمَهُ قَاصِدًا بِتَعَلُّمِهِ تَحْصِيلَ أَثَرِهِ مَتَى احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي اقْتَضَى ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ كُفْرٌ. قَالَ: (وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا يُتَصَوَّرُ التَّعَلُّمُ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ كَضَرْبِ الْعُودِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ فَهُوَ قُرْبَةٌ لَا كُفْرٌ) قُلْتُ مُرَادُ الطُّرْطُوشِيِّ تَعَلَّمُهُ لِتَجْرِبَةِ حُصُولِ أَثَرِهِ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ قَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّ تَعَلُّمَهُ لِيُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعْجِزَةِ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ فَنَقُولُ إذَا عَمِلَ السِّحْرَ بِأَمْرٍ مُبَاحٍ فِيهِ نَظَرٌ إذْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ عَمَلَ السِّحْرِ الْمَقْصُودِ بِهِ تَحْصِيلُ أَثَرِهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ كُفْرًا أَوْ دَلِيلُ الْكُفْرِ بِوَضْعِ الشَّارِعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ كَمَا سَبَقَ وَتَوَهَّمَ كَوْنَهُ إذَا كَانَ أَثَرُهُ أَمْرًا مُبَاحًا الْتِبَاسُهُ فِي الشَّرْعِ كَانَ عِلْمُهُ مُبَاحًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْقَافَةِ إنَّمَا هُوَ ضَرْبٌ مِنْ اجْتِهَادٍ فَلَا يُنْقَلُ وَلَدُ الْحُرَّةِ مِنْ يَقِينٍ إلَى الِاجْتِهَادِ، وَلَمَّا جَازَ نَفْيُ وَلَدِ الْأَمَةِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى جَازَ نَفْيُهُ بِالْقَافَةِ اهـ بِلَفْظِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْوَصْلُ الثَّانِي) خَالَفَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي قَبُولِ الْقَافَةِ فِي الْقَضَاءِ بِثُبُوتِ الْأَنْسَابِ فَقَالَ الْحُكْمُ بِالْقَافَةِ بَاطِلٌ قَالَ الْأَصْلُ لَنَا خَمْسَةُ وُجُوهٍ (الْأَوَّلُ) مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فَقَالَ أَلَمْ تَرَيْ إلَى مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ نَظَرَ إلَى أُسَامَةَ وَزَيْدٍ عَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا، وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَالَ إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ تَبَنَّى زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَكَانَ أَبْيَضَ، وَابْنُهُ أُسَامَةُ أَسْوَدَ فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَطْعَنُونَ فِي نَسَبِهِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَكَانَتِهِ مِنْهُ فَلَمَّا قَالَ مُجَزِّزٌ ذَلِكَ سُرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَدُلُّ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحَدْسُ بَاطِلًا شَرْعًا لَمَا سُرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يُسَرُّ بِالْبَاطِلِ (وَثَانِيهِمَا) أَنَّ إقْرَارَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الشَّيْءِ مِنْ جُمْلَةِ الْأَدِلَّةِ عَلَى الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَقَدْ أَقَرَّ مُجَزِّزًا عَلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ حَقًّا مَشْرُوعًا لَا يُقَالُ النِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ إلْحَاقُ الْوَلَدِ، وَهَذَا كَانَ مُلْحَقًا بِأَبِيهِ فِي الْفِرَاشِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ مَحَلُّ النِّزَاعِ لِأَنَّا نَقُولُ مُرَادُنَا هَاهُنَا أَنَّ الشَّبَهَ الْخَاصَّ مُعْتَبَرٌ، وَلَيْسَ مُرَادُنَا أَنَّ النَّسَبَ ثَبَتَ بِمُجَزِّزٍ، وَلَا يُقَالُ أَيْضًا أَنَّ سُرُورَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِتَكْذِيبِ الْمُنَافِقِينَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ صِحَّةَ الْقِيَافَةِ، وَتَكْذِيبُ الْمُنَافِقِينَ حَاصِلٌ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ لِيُؤَيِّدَ هَذَا الدَّيْنَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» فَقَدْ يُفْضِي الْبَاطِلُ لِلْخَيْرِ وَالْمَصْلَحَةِ، وَعَدَمُ إنْكَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْبَاطِلَ، وَهُوَ لَا يُقِرُّهُ لِأَنَّ مُجَزِّزًا لَمْ يَتَعَيَّنْ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ لِأَجْلِ الْقِيَافَةِ فَلَعَلَّهُ أَخْبَرَ بِهِ بِنَاءً عَلَى الْقَرَائِنِ إذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَآهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ (لِأَنَّا نَقُولُ) كَيْفَ يَسْتَقِيمُ السُّرُورُ مَعَ بُطْلَانِ مُسْتَنَدِ التَّكْذِيبِ كَمَا لَوْ أَخْبَرَ عَنْ كَذِبِهِمْ رَجُلٌ كَاذِبٌ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ كَذِبُهُمْ إذَا كَانَ الْمُسْتَنَدُ حَقًّا فَيَكُونُ الشَّبَهُ حَقًّا، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ فَانْدَفَعَ بِهَذَا قَوْلُكُمْ أَنَّ الْبَاطِلَ قَدْ يَأْتِي بِالْخَيْرِ، وَالْمَصْلَحَةُ فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ مَا أَتَى بِشَيْءٍ، وَقَوْلُكُمْ أَخْبَرَ بِهِ لِرُؤْيَةٍ سَابِقَةٍ لِأَجْلِ الْقَرَائِنِ يَقْتَضِي أَمْرَيْنِ: (الْأَوَّلَ) نَفْيُ فَائِدَةِ اخْتِصَاصِ السُّرُورِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يُشْرِكُونَهُ فِي ذَلِكَ حِينَئِذٍ (الثَّانِيَ) نَفْيُ فَائِدَةِ ذِكْرِ الْأَقْدَامِ إذْ أَنَّهُ حَكَمَ بِشَيْءٍ غَيْرِ الَّذِي كَانَ طَعْنُ الْمُشْرِكِينَ ثَابِتًا مَعَهُ لَمَّا كَانَ لِكُلٍّ مِنْ اخْتِصَاصِ السُّرُورِ، وَبِقَوْلِهِ، وَذِكْرُ الْأَقْدَامِ فَائِدَةٌ. (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْعَجْلَانِيُّ «إنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى نَعْتِ كَذَا وَكَذَا فَأَرَاهُ قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا، وَإِنْ أَتَتْ بِهِ عَلَى نَعْتِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِشَرِيكٍ فَلَمَّا أَتَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ» فَصَرَّحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّ وُجُودَ صِفَاتِ أَحَدِهِمَا أَيْ الْوَالِدِ فِي الْآخَرِ أَيْ الْوَلَدِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ نَسَبٍ وَاحِدٍ، وَمَجِيءُ الْوَحْيِ بِأَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ يُشْبِهُهُ مُؤَسِّسٌ لِمَا يَقُولُهُ، وَالْحُكْمُ بِالشَّبَهِ أَوْلَى مِنْ الْحُكْمِ بِكَوْنِهِ فِي الْفِرَاشِ لِأَنَّ الْفِرَاشَ يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ ظَاهِرِ الْحَالِ، وَالشَّبَهُ يَدُلُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَكَوْنُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُعْطَ عِلْمَ الْقِيَافَةِ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُعْطِيَ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ سَلَّمْنَا لَكِنْ عَنْ ضَابِطِ الْقَائِفِينَ أَنَّ الشَّبَهَ مَتَى كَانَ كَذَا فَهُمْ يَحْكُمُونَ بِكَذَا لَا أَنَّهُ ادَّعَى عِلْمَ الْقِيَافَةِ بَلْ كَمَا يَقُولُ يَقُولُ الْإِنْسَانُ: الْأَطِبَّاءُ يُدَاوُونَ الْمَحْمُومَ بِكَذَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَبِيبًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْكُمْ بِالْوَلَدِ لِشَرِيكٍ لِأَنَّهُ زَانٍ، وَالْوَلَدُ إنَّمَا يُحْكَمُ بِهِ فِي وَطْءِ الْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي الْأَمَةَ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ كُلًّا وَطْءُ شُبْهَةٍ، وَأَمَّا عَدَمُ الْحَدِّ فَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ

مَعَ جَيْشِ الْإِسْلَامِ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَبَاحِثَ كُلَّهَا فَالْمَوْضِعُ مُشْكِلٌ جِدًّا. وَقَوْلُ الطُّرْطُوشِيِّ إذَا قَالَ صَاحِبُ الشَّرْعِ مَنْ دَخَلَ الدَّارَ فَهُوَ كَافِرٌ قَضَيْنَا بِكُفْرِهِ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ فَهُوَ فَرْضٌ مُحَالٌ، وَلَا يُخْبِرُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَنْ إنْسَانٍ بِالْكُفْرِ إلَّا إذَا كَفَرَ وَقَوْلُهُمْ هُوَ دَلِيلُ الْكُفْرِ مَمْنُوعٌ وَقَوْلُهُمْ لِأَنَّ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ: (فَالْمَوْضِعُ مُشْكِلٌ جِدًّا) قُلْتُ إذَا صَحَّ أَنَّ كَوْنَ أَمْرٍ مَا كُفْرًا أَمْرٌ وَضْعِيٌّ شَرْعِيٌّ وَثَبَتَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَلَا إشْكَالَ. قَالَ: (وَقَوْلُ الطُّرْطُوشِيِّ إذَا قَالَ صَاحِبُ الشَّرْع مَنْ دَخَلَ الدَّارَ إلَخْ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ الطُّرْطُوشِيُّ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ فَرْضُ مُحَالٍ بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ الْقَوْلُ إنْشَاءَ شَرْعٍ لَا إخْبَارًا عَنْ كُفْرِ مَنْ لَمْ يَكْفُرْ فَذَلِكَ هُوَ الْمُحَالُ. قَالَ: (وَقَوْلُهُمْ هُوَ دَلِيلُ الْكُفْرِ مَمْنُوعٌ) قُلْتُ: مَنْعُهُ مَمْنُوعٌ، وَمَا قَالَهُ مِنْ شُبْهَةِ التَّخْصِيصِ هُوَ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ، وَمَا قَالَهُ مِنْ التَّكْفِيرِ بِغَيْرِ سَبَبِ الْكُفْرِ فَهُوَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ قَوْله تَعَالَى يُعَلِّمُونَ النَّاسَ لَيْسَ بِتَفْسِيرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى كَفَرُوا مَمْنُوعٌ، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حَالِهِمْ بَعْدَ تَقَرُّرِ كُفْرِهِمْ بِغَيْرِ السِّحْرِ غَيْرُ لَائِقٍ بِفَصَاحَةِ الشَّارِعِ، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ السِّحْرُ مُشْتَمِلًا عَلَى الْكُفْرِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيمُهُ وَتَعَلُّمُهُ كُفْرًا وَهُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي لَا مَعْدِلَ عَنْهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ مِنْ أَنَّ مُعَلِّمَ الْكُفْرِ وَمُتَعَلِّمَهُ لِيَرُدَّ عَلَيْهِ لَيْسَ بِكَافِرٍ صَحِيحٌ، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ مَنْ قَالَ إنَّ التَّعْلِيمَ وَالتَّعَلُّمَ مُطْلَقًا كُفْرٌ فَهُوَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ، صَحِيحٌ أَيْضًا.. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَدْ تَكُونُ مِنْ جِهَتِهَا شُبْهَةً أَوْ تَكُونُ مُكْرَهَةً أَوْ لِأَنَّ اللِّعَانَ يُسْقِطُ الْحَدَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 8] الْآيَةَ أَوْ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فَانْدَفَعَ مَا أَوْرَدُوهُ مِنْ أَنَّ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الشُّبْهَةِ فِي حَدِيثِ الْمُدْلِجِيِّ أَوْ لِأَنَّ أَخْبَارَهُ عَلَيْهِ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْوَحْيِ لَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَافَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي بَنِي هَاشِمٍ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي بَنِي مُدْلِجٍ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ قَائِلَهَا، وَثَانِيًا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَحْكُمْ بِهِ لِشَرِيكٍ، وَأَنْتُمْ تُوجِبُونَ الْحُكْمَ بِمَا أَشْبَهَ، وَثَالِثًا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ تُحَدَّ، وَبِالْجُمْلَةِ فَحَدِيثُ الْمُدْلِجِيِّ يَدُلُّ دَلَالَةً قَوِيَّةً عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَدَلَّ بِالشَّبَهِ عَلَى النَّسَبِ، وَلَوْ كَانَ بِالْوَحْيِ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ تَرْدِيدٌ فِي ظَاهِرِ الْحَالِ بَلْ كَانَ يَقُولُ هِيَ تَأْتِي بِهِ عَلَى نَعْتِ كَذَا، وَهُوَ لِفُلَانٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّرْدِيدِ الَّذِي لَا يَحْسُنُ إلَّا فِي مَوَاطِنِ الشَّكِّ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ هَذَا بِالْوَحْيِ إذَا كَانَ لِتَأْسِيسِ قَاعِدَةِ الْقِيَافَةِ، وَبَسْطِ صُوَرِهَا بِالْأَشْبَاهِ، وَذَلِكَ مَطْلُوبُنَا فَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا سُرَّ إلَّا بِسَبَبٍ حَقٍّ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَائِشَةَ فِي الْحَدِيثِ تَرِبَتْ يَدَاك، وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمَنِيَّ يُوجِبُ الشَّبَهَ فَيَكُونُ دَلِيلَ النَّسَبِ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّ رَجُلَيْنِ تَدَاعَيَا وَلَدًا فَاخْتَصَمَا لِعُمَرَ فَاسْتَدْعَى لَهُ الْقَافَةَ فَأَلْحَقُوهُ بِهِمَا فَعَلَاهُمَا بِالدِّرَّةِ، وَاسْتَدْعَى حَرَائِرَ مِنْ قُرَيْشٍ فَقُلْنَ خُلِقَ مِنْ مَاءِ الْأَوَّلِ، وَحَاضَتْ عَلَى الْحَمْلِ فَاسْتُحْشِفَ الْحَمْلُ فَلَمَّا وَطِئَهَا الثَّانِي انْتَعَشَ بِمَائِهِ فَأَخَذَ شَبَهًا مِنْهُمَا فَقَالَ عُمَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْأَوَّلِ (وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ الشَّبَهَ عِلْمٌ عِنْدَ الْقَافَةِ مِنْ بَابِ الِاجْتِهَادِ فَيُعْتَمَدُ عَلَيْهِ كَالتَّقْوِيمِ فِي الْمُتْلِفَاتِ، وَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ، وَخَرْصِ الثِّمَارِ فِي الزَّكَوَاتِ، وَتَحْرِيرِ جِهَةِ الْكَعْبَةِ فِي الصَّلَوَاتِ، وَالْمِثْلِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ مِنْ النِّعَمِ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَخْمِينٌ وَتَقْرِيبٌ (وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتَبَرْ الشَّبَهُ لَمْ يَكُنْ إلَّا إلْحَاقِ الْوَلَدِ بِجَمِيعِ الْمُتَنَازِعِينَ كَمَا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لِلْوَلَدِ آبَاءً بَلْ أَبًا وَاحِدًا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: 13] وقَوْله تَعَالَى {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} [النساء: 11] . وَأَمَّا الْوُجُوهُ الثَّمَانِيَةُ الَّتِي عَارَضَ بِهَا أَبُو حَنِيفَةَ حَدِيثَ الْعَجْلَانِيُّ: (فَالْأَوَّلُ) مَا فِي الصِّحَاحِ «أَنَّ رَجُلًا حَضَرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَادَّعَى أَنَّ امْرَأَتَهُ وَلَدَتْ وَلَدًا أَسْوَدَ فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي إبِلِك مِنْ أَوْرَقَ؟ فَقَالَ لَهُ نَعَمْ قَالَ لَهُ مَا أَلْوَانُهَا؟ قَالَ سُودٌ فَقَالَ مَا السَّبَبُ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ لَعَلَّ عِرْقًا نَزَعَ» فَلَمْ يَعْتَبِرْ الشَّبَهَ، وَجَوَابُهُ أَنَّ تِلْكَ الصُّورَةَ لَيْسَتْ صُورَةَ النِّزَاعِ لِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ، وَإِنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ اخْتِلَافِ اللَّوْنِ فَعَرَّفَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - السَّبَبُ، وَنَحْوَ لَا نَقُولُ الْقِيَافَةُ هِيَ اعْتِبَارُ الشَّبَهِ كَيْفَ كَانَ، وَالْمُنَاسَبَةُ كَيْفَ كَانَتْ بَلْ نَقُولُ هِيَ شَبَهٌ خَاصٌّ، وَلِذَلِكَ أَلْحَقَ مُجَزِّزٌ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ مَعَ سَوَادِهِ بِأَبِيهِ الشَّدِيدِ الْبَيَاضِ، وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَلْوَانِ إذْ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا، وَهَذَا الرَّجُلُ لَمْ يَذْكُرْ مُجَرَّدَ اللَّوْنِ فَلَيْسَ فِيهِ شَرْطُ الْقِيَافَةِ حَتَّى يَدُلَّ إلْغَاؤُهُ عَلَى إلْغَاءِ الْقَافَةِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» ، وَلَمْ يُفَرِّقْ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ وَالْعَادَةِ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) إنَّ خَلْقَ الْوَلَدِ مُغَيَّبٌ عَنَّا فَجَازَ أَنْ يُخْلَقَ مِنْ رَجُلَيْنِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ بُقْرَاطُ فِي كِتَابٍ سَمَّاهُ الْحَمْلُ عَلَى الْحَمْلِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ خِلَافُ الْعَوَائِدِ، وَظَوَاهِرُ النُّصُوصِ الْمُتَقَدِّمَةِ تَأْبَاهُ، وَالشَّرْعُ إنَّمَا يَعْنِي أَحْكَامَهُ عَلَى الْغَالِبِ، وَبُقْرَاطُ تَكَلَّمَ عَلَى النَّادِرِ فَلَا تَعَارُضَ (وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ الشَّبَهَ لَوْ كَانَ مُعْتَبَرًا مَعَ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ مِنْ الْوَلَدِ، وَجَمَاعَةٍ لَوَجَبَ إلْحَاقُهُ بِهِمْ بِسَبَبِ الشَّبَهِ، وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ مُضَافًا لِمَا يُشَاهَدُ

[الحجة السادسة عشرة القمط وشواهد الحيطان في الشهادة]

صَاحِبَ الشَّرْعِ أَخْبَرَ بِذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ قُلْنَا حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى مَا هُوَ كُفْرٌ مِنْ السِّحْرِ لَا مُحَالٌ فِيهِ غَايَتُهُ دُخُولُ التَّخْصِيصِ فِي الْعُمُومِ بِالْقَوَاعِدِ وَهَذَا هُوَ شَأْنُنَا فِي الْعُمُومَاتِ. وَأَمَّا التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ سَبَبِ الْكُفْرِ فَهُوَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ، وَلَا شَاهِدَ لَهُ فِي الِاعْتِبَارِ، وَأَيُّ دَلِيلٍ دَلَّنَا عَلَى أَنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ أَوْ تَعْلِيمَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْكُفْرِ وقَوْله تَعَالَى {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] نَمْنَعُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ {كَفَرُوا} [البقرة: 102] بَلْ إخْبَارٌ عَنْ حَالِهِمْ بَعْدَ تَقَرُّرِ كُفْرِهِمْ بِغَيْرِ السِّحْرِ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ الْمَقْصُودُ إذَا كَانَتْ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ مُفَسِّرَةً لِلْأُولَى سَلَّمْنَا أَنَّهَا مُفَسِّرَةٌ لَهَا لَكِنْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ السِّحْرَ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى الْكُفْرِ وَكَانَتْ الشَّيَاطِينُ تَعْتَقِدُ مُوجِبَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ كَالنَّصْرَانِيِّ إذَا عَلَّمَ الْمُسْلِمَ دِينَهُ فَإِنَّهُ يَعْتَقِدُ مُوجِبَهُ، وَأَمَّا الْأُصُولِيُّ إذَا عَلَّمَ تِلْمِيذَهُ الْمُسْلِمَ دِينَ النَّصْرَانِيِّ لِيَرُدَّ عَلَيْهِ وَيَتَأَمَّلَ فَسَادَ قَوَاعِدِهِ فَلَا يَكْفُرُ الْمُعَلِّمُ، وَلَا الْمُتَعَلِّمُ، وَهَذَا التَّقْيِيدُ عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ، وَأَمَّا جَعْلُ التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ مُطْلَقًا كُفْرًا فَهُوَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ وَلِنَقْتَصِرَ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى غَوْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعْجِزَاتِ فِي النُّبُوَّاتِ وَبَيْنَ السِّحْرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ: ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعْجِزَاتِ وَبَيْنَ السِّحْرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ إلَخْ) : قُلْتُ: إنْ كَانَ يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ مَا يَحْدُثُ عَنْ السِّحْرِ فَهُوَ مُعْتَادٌ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا هُوَ خَارِقٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ، وَأَكْثَرُ الْأَشْعَرِيَّةِ أَوْ جَمِيعُهُمْ يُجَوِّزُونَ خَرْقَ الْعَوَائِدِ عَلَى يَدِ السَّاحِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ شَبَهِ الْإِنْسَانِ لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا يُضَافُ لِشَبَهٍ خَاصٍّ يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْقِيَافَةِ (وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ الشَّبَهَ لَوْ كَانَ مُعْتَبَرًا لَبَطَلَتْ مَشْرُوعِيَّةُ اللِّعَانِ، وَاكْتَفَى بِهِ وُجُوبُهُ أَنَّ الْقِيَافَةَ إنَّمَا تَكُونُ حَيْثُ يَسْتَوِي الْفِرَاشَانِ وَاللِّعَانُ يَكُونُ لِمَا يُشَاهِدُهُ الزَّوْجُ فَهُمَا بَابَانِ مُتَبَايِنَانِ لَا يَسُدُّ أَحَدُهُمَا مَسَدَّ الْآخِرِ (وَالْوَجْهُ السَّادِسُ) أَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهُ مَعَ الْفِرَاشِ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا مَعَ عَدَمِهِ كَغَيْرِهِ، وَجَوَابُهُ الْفَرْقُ بِأَنَّ وُجُودَ الْفِرَاشِ وَحْدَهُ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ يَقْتَضِي اسْتِقْلَالَهُ بِخِلَافِ تَعَارُضِ الْفِرَاشَيْنِ. (الْوَجْهُ السَّابِعُ) أَنَّ الْقِيَافَةَ لَوْ كَانَتْ عِلْمًا لَأَمْكَنَ اكْتِسَابُهُ كَسَائِرِ الْعُلُومِ وَالصَّنَائِعِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ قُوَّةً فِي النَّفْسِ وَقُوَى النَّفْسِ خَوَاصُّهَا لَا يُمْكِنُ اكْتِسَابُهَا كَالْعَيْنِ الَّتِي يُصَابُ بِهَا فَتُدْخِلُ الْجَمَلَ الْقِدْرَ وَالرَّجُلَ الْقَبْرَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا دَلَّ الْوُجُودُ عَلَيْهِ مِنْ الْخَوَاصِّ فَالْقِيَافَةُ كَذَلِكَ فَيَتَعَذَّرُ اكْتِسَابُهَا (وَالْوَجْهُ الثَّامِنُ) أَنَّهُ حَزْرٌ وَتَخْمِينٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا كَأَحْكَامِ النُّجُومِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَتْ أَحْكَامُ النُّجُومِ كَمَا ثَبَتَتْ الْقِيَافَةُ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَبَطَ بِهَا أَحْكَامًا لَاعْتُبِرَتْ فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ الْمُرْتَبِطَةِ بِهَا كَمَا اُعْتُبِرَتْ الشَّمْسُ فِي الْفُصُولِ، وَنُضْجِ الثِّمَارِ وَتَجْفِيفِ الْحُبُوبِ وَالْكُسُوفَاتِ، وَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُعْتَبَرٌ مِنْ أَحْكَامِ النُّجُومِ، وَإِنَّمَا أُلْغِيَ مِنْهَا مَا هُوَ كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رَبْطِ الشَّقَاوَةِ وَالسَّعَادَةِ، وَالْإِمَاتَةِ وَالْإِحْيَاءِ بِتَثْلِيثِهَا أَوْ تَرْبِيعِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَصِحَّ فِيهَا، وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ، وَالْقِيَافَةُ صَحَّتْ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ فَافْتَرَقَا اهـ كَلَامُ الْأَصْلِ بِتَهْذِيبٍ، وَسَلَّمَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [الْحُجَّةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ الْقُمُطُ وَشَوَاهِدُ الْحِيطَانِ فِي الشَّهَادَةِ] (الْبَابُ الْخَامِسَ عَشَرَ) فِي بَيَانِ مَا تَكُونُ فِيهِ حُجَّةُ الْقِمْطِ وَشَوَاهِدُ الْحِيطَانِ، وَالْخِلَافُ فِي قَبُولِهَا، وَدَلِيلُهُ، وَفِيهِ وَصْلَانِ (الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) هَذِهِ الْحُجَّةُ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ الَّتِي يَحْتَجْ بِهَا مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَرَى الْحُكْمَ بِهَا فِيمَا لَا تَحْضُرُهُ الْبَيِّنَاتُ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَعَلَى النَّاظِرِ أَنْ يَلْحَظَ الْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ إذَا تَعَارَضَتْ فَمَا تَرَجَّحَ مِنْهَا قُضِيَ بِجَانِبِ التَّرْجِيحِ، وَهُوَ قُوَّةُ التُّهْمَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي الْحُكْمِ بِهَا، وَقَدْ جَاءَ بِهَا فِي مَسَائِلَ اتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الطَّوَائِفُ الْأَرْبَعَةُ، وَبَعْضُهَا قَالَ بِهَا الْمَالِكِيَّةُ خَاصَّةً، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي فَصْلِ بَيَانِ عَمَلِ فُقَهَاءِ الطَّوَائِفِ الْأَرْبَعَةِ بِالْحُكْمِ بِالْقَرَائِنِ وَالْأَمَارَاتِ مِنْ تَبْصِرَتِهِ خَمْسِينَ مَسْأَلَةً مِنْهَا أَنَّ الْفُقَهَاءَ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ بِجَوَازِ وَطْءِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إذَا أُهْدِيَتْ إلَيْهِ لَيْلَةَ الزِّفَافِ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَهُ عَدْلَانِ مِنْ الرِّجَالِ أَنَّ هَذِهِ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الَّتِي عَقَدْت عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَنْطِقْ النِّسَاءَ أَنَّ هَذِهِ امْرَأَتُهُ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ الْمُنَزَّلَةِ مَنْزِلَةَ الشَّهَادَةِ وَمِنْهَا أَنَّ النَّاسَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا لَمْ يَزَالُوا يَعْتَمِدُونَ عَلَى الصِّبْيَانِ وَالْإِمَاءِ الْمُرْسَلِ مَعَهُمْ الْهَدَايَا، وَأَنَّهُ مُرْسَلَةٌ إلَيْهِمْ فَيَقْبَلُونَ أَقْوَالَهُمْ، وَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ الْمُرْسَلَ بِهِ، وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ أَنَّ خَبَرَ الْكَافِرِ فِي ذَلِكَ كَافٍ، وَقَالَ وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ فِي الرِّكَازِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ سُمِّيَ كَنْزًا، وَهُوَ كَاللُّقَطَةِ. وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ شَكْلُ الصَّلِيبِ أَوْ الصُّوَرِ أَوْ اسْمِ مِلْكٍ مِنْ مُلُوكِ الرُّومِ فَهُوَ رِكَازٌ فَهَذَا عَمَلٌ بِالْعَلَامَاتِ قَالَ وَمِنْهَا جَوَازُ دَفْعِ اللُّقَطَةِ لِوَاصِفِ عِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا اعْتِمَادًا عَلَى مُجَرَّدِ الْقَرِينَةِ قَالَ ابْنُ الْغَرْسِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْوَدِيعَةِ وَالسَّرِقَةِ وَشَبَهِهَا إذَا جَهِلَ صَاحِبُهَا هَلْ تُقْبَلُ فِي ذَلِكَ الصِّفَةُ كَاللُّقَطَةِ أَمْ لَا وَمِنْهَا إذَا تَنَازَعَا جِدَارًا حَكَمَ بِهِ لِصَاحِبِ الْوَجْهِ وَمَعَاقِدِ الْقِمْطِ وَالطَّاقَاتِ وَالْجُذُوعِ، وَذَلِكَ حُكْمٌ بِالْأَمَارَاتِ اهـ الْمُرَادُ فَانْظُرْ التَّبْصِرَةَ. وَفِي الْأَصْلِ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ قَالَ أَشْهَبُ إذَا تَدَاعَيَا جِدَارًا مُتَّصِلًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا، وَعَلَيْهِ جُذُوعٌ لِلْآخَرِ فَهُوَ لِمَنْ اتَّصَلَ بِبُنْيَانِهِ، وَلِصَاحِبِ الْجُذُوعِ مَوْضِعُ جُذُوعِهِ لِأَنَّهُ حَوْزُهُ، وَيُقْضَى بِالْجِدَارِ لِمَنْ إلَيْهِ عُقُودُ الْأَرْبِطَةِ، وَلِلْآخَرِ مَوْضِعُ جُذُوعِهِ

هَذِهِ مَسْأَلَةٌ عَظِيمَةُ الْوَقْعِ فِي الدِّينِ، وَأَشْكَلَتْ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَالْتَبَسَتْ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ الْمُحَصِّلِينَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَرْقٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِاعْتِبَارِ الْبَاطِنِ وَفَرْقَانِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ أَمَّا الْفَرْقُ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَهُوَ أَنَّ السِّحْرَ وَالطَّلْمَسَاتِ وَالسِّيمِيَاءَ وَهَذِهِ الْأُمُورُ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ بَلْ هِيَ عَادَةٌ جَرَتْ مِنْ اللَّهِ بِتَرْتِيبِ مُسَبَّبَاتِهَا عَلَى أَسْبَابِهَا غَيْرَ أَنَّ تِلْكَ الْأَسْبَابَ لَمْ تَحْصُلْ لِكَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ بَلْ لِلْقَلِيلِ مِنْهُمْ كَالْعَقَاقِيرِ الَّتِي تُعْمَلُ مِنْهَا الْكِيمْيَاءُ وَالْحَشَائِشِ الَّتِي يُعْمَلُ مِنْهَا النَّفْطُ الَّذِي يُحْرِقُ الْحُصُونَ وَالصُّخُورَ، وَالدُّهْنُ الَّذِي مَنْ ادَّهَنَ بِهِ لَمْ يَقْطَعْ فِيهِ حَدِيدٌ وَالسَّمَنْدَلُ وَالْحَيَوَانُ الَّذِي لَا تَعْدُو عَلَيْهِ النَّارُ، وَلَا يَأْوِي إلَّا فِيهَا هَذِهِ كُلُّهَا وَنَحْوُهَا فِي الْعَالَمِ أُمُورٌ غَرِيبَةٌ قَلِيلَةُ الْوُقُوعِ وَإِذَا وُجِدَتْ أَسْبَابُهَا وُجِدَتْ عَلَى الْعَادَةِ فِيهَا، وَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَتْ أَسْبَابُ السِّحْرِ الَّذِي أَجْرَى اللَّهُ بِهِ الْعَادَةَ حَصَلَ وَكَذَلِكَ السِّيمِيَاءُ وَغَيْرُهَا كُلُّهَا جَارِيَةٌ عَلَى أَسْبَابٍ عَادِيَّةٍ غَيْرَ أَنَّ الَّذِي يَعْرِفُ تِلْكَ الْأَسْبَابَ قَلِيلٌ مِنْ النَّاسِ أَمَّا الْمُعْجِزَاتُ فَلَيْسَ لَهَا سَبَبٌ فِي الْعَادَةِ أَصْلًا فَلَا يَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعَالَمِ عَقَارًا يَفْلِقُ الْبَحْرَ أَوْ يُسَيِّرُ الْجِبَالَ فِي الْهَوَى وَنَحْوَ ذَلِكَ فَنَحْنُ نُرِيدُ بِالْمُعْجِزَةِ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعَالَمِ عِنْدَ تَحَدِّي الْأَنْبِيَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهُنَا فَرْقٌ عَظِيمٌ. غَيْرَ أَنَّ الْجَاهِلَ بِالْأَمْرَيْنِ يَقُولُ، وَمَا يُدْرِينِي أَنَّ هَذَا لَا سَبَبَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْعَادَةِ فَيُقَالُ لَهُ الْفَرْقَانِ الْأَخِيرَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــSإلَّا أَنْ يَقُولَ بِالْجَوَازِ وَعَدَمِ الْوُقُوعِ فَلَا أَدْرِي مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ عَشْرُ خَشَبَاتٍ، وَلِلْآخَرِ خَمْسُ خَشَبَاتٍ، وَلَا رَبْطَ لَا غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لَا عَلَى عَدَدِ الْخَشَبِ، وَبَقِيَتْ خَشَبَاتُهُمَا بِحَالِهَا، وَإِذَا انْكَسَرَتْ خَشَبُ أَحَدِهِمَا رُدَّ مِثْلُ مَا كَانَ، وَلَا يُجْعَلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا تَحْتَ خَشَبِهِ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْجِدَارِ، وَلَوْ كَانَ عَقَدَهُ لِأَحَدِهِمَا مِنْ ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ، وَلِلْآخَرِ مِنْ مَوْضِعٍ قُسِّمَ بَيْنَهُمَا عَلَى عَدَدِ الْعُقُودِ، وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ لِوَاحِدٍ، وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ خَشَبٌ مَعْقُودَةٌ بِعَقْدِ الْبِنَاءِ مُتَقَوِّيَةٌ فَعَقْدُ الْبِنَاءِ يُوجِبُ مِلْكَ الْحَائِطِ فِي الْعَادَةِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمَالِكِ، وَقِيلَ لَا يُوجِبُهُ، وَقَالَ فِي الْمُتَقَوِّيَةِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا طَارِئَةٌ عَلَى الْحَائِطِ، وَالْكُوَّةُ كَعَقْدِ الْبِنَاءِ تُوجِبُ الْمِلْكَ، وَكُوَى الضَّوْءِ الْمَنْفُوذَةُ لَا دَلِيلَ فِيهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا عَقْدٌ، وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ خَشَبٌ، وَلَوْ وَاحِدَةً فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا كُوًى غَيْرِ مَنْفُوذَةٍ أَوْجَبَتْ الْمِلْكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَخَصُّ الْقَصَبَ لِأَحَدِهِمَا، وَالْقَصَبُ وَالطُّوبُ سَوَاءٌ اهـ. قَالَ الْأَصْلُ الْمُدْرَكُ فِي هَذِهِ الْفَتَاوَى كُلُّهَا شَوَاهِدُ الْعَادَاتِ فَمَنْ ثَبَتَتْ عِنْدَهُ عَادَةٌ قَضَى بِهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْعَوَائِدُ فِي الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ وَجَبَ اخْتِلَافُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَإِنَّ الْقَاعِدَةَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ مَبْنِيٌّ عَلَى عَادَةٍ إذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ تَغَيَّرَ كَالنُّقُودِ، وَمَنَافِعِ الْأَعْيَانِ وَغَيْرِهَا (مَسْأَلَةٌ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إذَا تَنَازَعَا حَائِطًا مُبَيَّضًا هَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ لِدَارِك أَوْ لِدَارِهِ فَأَمَرَ الْحَاكِمَ بِكَشْفِ الْبَيَاضِ لِيُنْظَرَ إنْ جُعِلَتْ الْأُجْرَةُ فِي الْكَشْفِ عَلَيْهِ فَمُشْكَلٌ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ يَكُونُ لِخَصْمِك، وَالْأُجْرَةُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عَلَى مَنْ يَقَعُ لَهُ الْعَمَلُ، وَيَنْفَعُهُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَقَعَ الْإِجَارَةُ عَلَى مَنْ يَثْبُتُ لَهُ مِلْكٌ لِأَنَّكُمَا جَزَمْتُمَا بِالْمِلْكِيَّةِ فَمَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ إلَّا جَازِمَةً وَكَذَلِكَ الْقَائِفُ لَوْ امْتَنَعَ إلَّا بِأَجْرٍ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِاسْتِجَارَةٍ، وَيَلْزَمُ الْأُجْرَةَ فِي الْأَخِيرِ لِمَنْ يَثْبُتُ لَهُ ذَلِكَ الْحَقُّ كَمَا يَحْلِفُ فِي اللِّعَانِ وَغَيْرِهِ، وَأَحَدُهُمَا كَاذِبٌ اهـ. كَلَامُ الْأَصْلِ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْوَصْلُ الثَّانِي) فِي الْأَصْلِ قَالَ بِالْقِمْطِ وَشَوَاهِدِ الْحِيطَانِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ اهـ. وَفِي التَّبْصِرَةِ وَدَلِيلُ الْقَضَاءِ بِمَا يَظْهَرُ مِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، وَالْأَمَارَاتِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْله تَعَالَى {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [البقرة: 273] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ السِّيمَاءَ الْمُرَادُ بِهَا حَالٌ يَظْهَرُ عَلَى الشَّخْصِ حَتَّى إذَا رَأَيْنَاهُ مَيِّتًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَعَلَيْهِ زُنَّارٌ، وَهُوَ غَيْرُ مَخْتُونٍ لَا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَيُقَدَّمُ ذَلِكَ عَلَى حُكْمِ الدَّارِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْمَذْهَبِ إنْ وُجِدَ هَذَا الْمَذْكُورُ مَخْنُونًا فَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّ النَّصَارَى يُخْتَتَنُونَ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ يُصَلَّى عَلَيْهِ وقَوْله تَعَالَى {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [يوسف: 18] الْآيَةَ، وَقَالَ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ الْغَرْسِ رُوِيَ أَنَّ إخْوَةَ يُوسُفَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا أَتَوْا بِقَمِيصِ يُوسُفَ إلَى أَبِيهِمْ يَعْقُوبَ تَأَمَّلَهُ فَلَمْ يَرَ فِيهِ خَرْقًا وَلَا أَثَرَ نَابٍ فَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى كَذِبِهِمْ وَقَالَ لَهُمْ مَتَى كَانَ الذِّئْبُ حَلِيمًا يَأْكُلُ يُوسُفَ، وَلَا يَخْرِقُ قَمِيصَهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَجْعَلُوا الدَّمَ عَلَامَةَ صِدْقِهِمْ قَرَنَ اللَّهُ بِهَذِهِ الْعَلَامَةِ تَعَارُضَهَا، وَهِيَ سَلَامَةُ الْقَمِيصِ مِنْ التَّمْزِيقِ إذْ لَا يُمْكِنُ افْتِرَاسُ الذِّئْبِ لِيُوسُفَ، وَهُوَ لَابِسُ الْقَمِيصِ، وَيَسْلَمُ الْقَمِيصُ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اسْتَدَلَّ عَلَى كَذِبِهِمْ بِصِحَّةِ الْقَمِيصِ فَاسْتَدَلَّ الْفُقَهَاءُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إعْمَالِ الْأَمَارَاتِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْفِقْهِ وقَوْله تَعَالَى {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [يوسف: 26] {وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [يوسف: 27] {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف: 28] .

[الحجة السابعة عشرة اليد في الشهادة]

يُذْهِبَانِ عَنْك هَذَا اللَّبْسَ: الْفَرْقُ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا: أَنَّ السِّحْرَ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ يَخْتَصُّ بِمَنْ عُمِلَ لَهُ حَتَّى أَنَّ أَهْلَ هَذِهِ الْحِرَفِ إذَا اسْتَدْعَاهُمْ الْمُلُوكُ وَالْأَكَابِرُ لِيُبَيِّنُوا لَهُمْ هَذِهِ الْأُمُورَ عَلَى سَبِيلِ التَّفَرُّجِ يَطْلُبُونَ مِنْهُمْ أَنْ تُكْتَبَ أَسْمَاءُ كُلُّ مَنْ يَحْضُرُ ذَلِكَ الْمَجْلِسَ فَيَصْنَعُونَ صُنْعَهُمْ لِمَنْ يُسَمَّى لَهُمْ فَإِنْ حَضَرَ غَيْرُهُمْ لَا يَرَى شَيْئًا مِمَّا رَآهُ الَّذِينَ سُمُّوا أَوَّلًا، قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} [الأعراف: 108] يَنْظُر إلَيْهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَفَارَقَتْ بِذَلِكَ السِّحْرَ وَالسِّيمِيَاءَ، وَهَذَا فَرْقٌ عَظِيمٌ يَظْهَرُ لِلْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ. الْفَرْقُ الثَّانِي مِنْ الْفَرْقَيْنِ: الظَّاهِرُ مِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ الْمُفِيدَةِ لِلْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ الضَّرُورِيِّ الْمُحْتَفَّةِ بِالْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - الْمَفْقُودَةِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ فَنَجِدُ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَفْضَلَ النَّاسِ نَشْأَةً وَمَوْلِدًا، وَمَزِيَّةً وَخَلْقًا وَخُلُقًا وَصِدْقًا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا أَنَّ السِّحْرَ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ يَخْتَصُّ بِمَنْ عُمِلَ لَهُ إلَخْ) قُلْتُ: إنَّمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ لِمَنْ جَرَّبَهُ وَتَكَرَّرَتْ مِنْهُ التَّجْرِبَةُ وَقَلَّ مَنْ يُجَرِّبُهُ. قَالَ: (الْفَرْقُ الثَّانِي مِنْ الْفَرْقَيْنِ الظَّاهِرَيْنِ إلَخْ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالسَّاحِرِ وَكَمَا هُوَ أَعْنِي الِاتِّصَافَ بِالصِّفَاتِ الْمَحْمُودَةِ دُونَ الْمَذْمُومَةِ فَرْقٌ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالسَّاحِرِ فَهُوَ فَرْقٌ بَيْنَ النَّبِيِّ وَبَيْنَهُ ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّبِيِّ وَالْوَلِيِّ بِالتَّحَدِّي عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَمْنَعُ تَحَدِّي الْوَلِيِّ بِالْوِلَايَةِ وَالتَّحَدِّي بِالنُّبُوَّةِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجِيزُ تَحَدِّيَ الْوَلِيِّ بِالْوِلَايَةِ وَجَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي الْفَرْقِ الثَّالِثِ وَالْأَرْبَعِينَ وَالْمِائَتَيْنِ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ الْخَامِسِ وَالْأَرْبَعِينَ وَالْمِائَتَانِ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ ابْنُ الْغَرْسِ هَذِهِ الْآيَةُ يَحْتَجُّ بِهَا مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَرَى الْحُكْمَ بِالْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ فِيمَا لَا يَحْضُرُهُ الْبَيِّنَاتُ. وَكَوْنُ تِلْكَ الشَّرِيعَةِ لَا تَلْزَمُنَا لَا يَسْلَمُ لِأَنَّ كُلَّ مَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَإِنَّمَا أَنْزَلَهُ لِفَائِدَةٍ فِيهِ وَمَنْفَعَةٍ لَنَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] فَآيَةُ يُوسُفَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - مُقْتَدًى بِهَا مَعْمُولٌ عَلَيْهَا. وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ فَمَوَاضِعُ مِنْهَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِمُوجِبِ اللَّوْثِ فِي الْقَسَامَةِ، وَجَوَّزَ لِلْمُدَّعِينَ أَنْ يَحْلِفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا، وَيَسْتَحِقُّوا دَمَ الْقَتِيلِ فِي حَدِيثِ حُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ، وَالْحَدِيثُ فِيهِ ذِكْرُ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمْ، وَأَنَّهُ قُتِلَ فِي بَلَدِهِمْ، وَلَيْسَ فِيهَا غَيْرُ الْيَهُودِ أَوْ أَنَّهُ قَدْ قَامَ مِنْ الْقَرَائِنِ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْيَهُودَ قَتَلُوهُ، وَلَكِنْ جَهِلُوا عَيْنَ الْقَاتِلِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَبْعُدُ إثْبَاتُهُ لَوْثًا فَلِذَلِكَ جَرَى حُكْمُ الْقَسَامَةِ فِيهِ وَمِنْهَا مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي قِصَّةِ الْأَسْرَى مِنْ قُرَيْظَةَ لَمَّا حَكَمَ فِيهِمْ سَعْدٌ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ وَتُسْبَى الذُّرِّيَّةُ فَكَانَ بَعْضُهُمْ عُدْمَ الْبُلُوغِ فَكَانَ الصَّحَابَةُ يَكْشِفُونَ عَنْ مُؤْتَزِرِهِمْ فَيَعْلَمُونَ بِذَلِكَ الْبَالِغَ مِنْ غَيْرِهِ. وَذَلِكَ مِنْ الْحُكْمِ بِالْأَمَارَاتِ وَمِنْهَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الْمُلْتَقِطَ أَنْ يَدْفَعَ اللُّقَطَةَ إلَى وَاصِفِهَا، وَجَعَلَ وَصْفَهُ لِعِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا قَائِمًا مَقَامَ الْبَيِّنَةِ وَمِنْهَا حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ مِنْ بَعْدِهِ بِالْقَافَةِ، وَجَعْلُهَا دَلِيلًا عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ. وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا مُجَرَّدُ الْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ وَمِنْهَا أَنَّ ابْنَا عَفْرَاءَ تَدَاعَيَا قَتْلَ أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا قَالَا لَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرِيَانِي سَيْفَيْكُمَا فَلَمَّا نَظَرَ فِيهِمَا قَالَ لِأَحَدِهِمَا هَذَا قَتَلَهُ، وَقَضَى لَهُ بِسَلَبِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ الزُّبَيْرَ بِعُقُوبَةِ الَّذِي اتَّهَمَهُ بِإِخْفَاءِ كَنْزِ ابْنِ أَبِي الْحَقِيقِ فَلَمَّا ادَّعَى أَنَّ النَّفَقَةَ وَالْحُرُوبَ أَذْهَبَتْهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَهْدُ قَرِيبٌ، وَالْمَالُ أَكْثَرُ وَمِنْهَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ بِالْعُرَنِيِّينَ مَا فَعَلَ بِنَاءً عَلَى شَاهِدِ الْحَالِ، وَلَمْ يَطْلُبْ بَيِّنَةً بِمَا فَعَلُوا، وَلَا وَقَفَ الْأَمْرُ عَلَى إقْرَارِهِمْ، وَمِنْهُ حُكْمُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَالصَّحَابَةُ مَعَهُ مُتَوَفِّرُونَ بِرَجْمِ الْمَرْأَةِ إذَا ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ، وَلَا زَوْجَ لَهَا، وَقَالَ بِذَلِكَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ «عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَرَدْت السَّفَرَ إلَى خَيْبَرَ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا جِئْت وَكِيلِي فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا فَإِذَا طَلَبَ مِنْك آيَةً فَضَعْ يَدَك عَلَى تَرْقُوَتِهِ» فَأَقَامَ الْعَلَامَةَ مُقَامَ الشَّهَادَةِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيَهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» فَجَعَلَ صُمَاتَهَا قَرِينَةً عَلَى الرِّضَا، وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا رَضِيَتْ. وَهَذَا مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى الْحُكْمِ بِالْقَرَائِنِ وَمِنْهَا حُكْمُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَلَا يُعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفٌ بِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْ فِيهِ رَائِحَةُ الْخَمْرِ أَوْ قَاءَهَا اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْحُجَّةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ الْيَدُ فِي الشَّهَادَةِ] (الْبَابُ السَّادِسَ عَشَرَ) فِي بَيَانِ الْحُجَّةِ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ الَّتِي هِيَ الْيَدُ قَالَ الْأَصْلُ وَلَيْسَ هِيَ لِلْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ بَلْ لِلتَّرْجِيحِ فَيُرَجَّحُ بِهَا إمَّا أَحَدُ الدَّعْوَتَيْنِ الْمُتَسَاوِيَتَيْنِ مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ كُلُّ وَاحِدٍ جَمِيعَ الْمُدَّعَى بِهِ، وَهُوَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا، وَلَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَبْقَى الْمُدَّعَى بِهِ

[الفرق بين قاعدة ما اعتبر من الغالب وبين ما ألغي من الغالب في الشهادة]

وَأَدَبًا، وَأَمَانَةً وَزَهَادَةً، وَإِشْفَاقًا وَرِفْقًا وَبُعْدًا عَنْ الدَّنَاءَاتِ وَالْكَذِبِ وَالتَّمْوِيهِ {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] ثُمَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا بِحَارًا فِي الْعُلُومِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا مِنْ الشَّرْعِيَّاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ وَالْحِسَابِيَّاتِ وَالسِّيَاسَاتِ وَالْعُلُومِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ حَتَّى يُرْوَى أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَلَسَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَتَكَلَّمُ فِي الْبَاءِ مِنْ بِسْمِ اللَّهِ مِنْ الْعِشَاءِ إلَى أَنْ طَلَعَ الْفَجْرُ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَدْرُسُوا وَرَقَةً، وَلَا قَرَءُوا كِتَابًا، وَلَا تَفَرَّغُوا مِنْ الْجِهَادِ وَقَتْلِ الْأَعْدَاءِ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ بِبَرَكَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعْجِزَةٌ إلَّا أَصْحَابُهُ لَكَفَوْهُ فِي إثْبَات نُبُوَّتِهِ وَكَذَلِكَ مَا عُلِمَ مِنْ فَرْطِ صِدْقِهِ الَّذِي جَزَمَ بِهِ أَوْلِيَاؤُهُ، وَأَعْدَاؤُهُ، وَكَانَ يُسَمَّى فِي صِغَرِهِ الْأَمِينُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ فَمَنْ وَقَفَ عَلَى هَذِهِ الْقَرَائِنِ وَعَرَفَهَا مِنْ صَاحِبِهَا جَزَمَ بِصِدْقِهِ فِيمَا يَدَّعِيهِ جَزْمًا قَاطِعًا وَجَزَمَ بِأَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى حَقٌّ وَلِذَلِكَ «لَمَّا أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ بِنُبُوَّتِهِ قَالَ لَهُ الصِّدِّيقُ صَدَقْتَ» مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى مُعْجِزَةٍ خَارِقَةٍ فَنَزَلَ فِيهِمَا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر: 33] أَيْ مُحَمَّدٌ جَاءَ بِالصِّدْقِ، وَأَبُو بَكْرٍ صَدَّقَ بِهِ فَمَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا وَلَهُ مِنْ هَذِهِ الْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ وَالْمَقَالِيَّةِ الْعَجَائِبُ وَالْغَرَائِبُ. وَأَمَّا السَّاحِرُ فَعَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ لَا تَجِدُهُ فِي مَوْضِعٍ إلَّا مَمْقُوتًا حَقِيرًا بَيْنَ النَّاسِ، وَأَصْحَابَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِصَاحِبِ الْيَدِ مِنْهُمَا، وَلَا يَقْضِي لَهُ بِمِلْكٍ بَلْ يُرَجِّحُ التَّعَدِّيَ فَقَطْ، وَأَمَّا إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْحِجَاجِ كَمَا إذَا كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بَيِّنَةً، وَتَسَاوَيَتَا فِي الْعَدَالَةِ رَجَّحَ جَانِبَ الَّذِي بِيَدِهِ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ حَائِزًا فَيَحْكُمُ لَهُ بِهِ مَعَ الْيَمِينِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ عِنْدَ التَّكَافُؤِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَنْتَفِعُ الْحَائِرُ بِبَيِّنَتِهِ، وَلَا بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي أَوْلَى لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» فَإِنْ نَكَلَ الْحَائِزُ حَلَفَ الْمُدَّعِي، وَحَكَمَ لَهُ بِهِ فَإِنْ نَكَلَ أَقَرَّ عَلَى يَدِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ. وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَرْجَحَ قُدِّمَتْ لِأَنَّ الْيَدَ لَا اعْتِبَارَ لَهَا مَعَ الْحُجَّةِ الضَّعِيفَةِ ثُمَّ هَلْ يَحْلِفُ الْخَارِجُ لِأَجْلِ اقْتِرَانِ الْيَدِ بِالْبَيِّنَةِ؟ قَوْلَانِ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي مِلْكٍ مُطْلَقٍ غَيْرِ مُضَافٍ إلَى سَبَبٍ أَوْ فِي مِلْكٍ غَيْرِ مُطْلَقٍ، وَهُوَ الْمُضَافُ إلَى سَبَبٍ يَتَكَرَّرُ أَوْ لَا يَتَكَرَّرُ فَالْمُطْلَقُ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِأَنَّ هَذَا الشَّيْءَ لَهُ مِلْكًا مُطْلَقًا، وَغَيْرَ مُطْلَقٍ هُوَ الْمُضَافُ إلَى سَبَبٍ، وَهُوَ أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبَ الْمِلْكِ مِثْلَ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِأَنَّ هَذَا الْعَبْدَ مِلْكُهُ وُلِدَ فِي مِلْكِهِ، وَأَنَّ هَذِهِ الدَّابَّةَ نَتَجَتْ فِي مِلْكِهِ، وَأَنَّ هَذَا الثَّوْبَ مِلْكُهُ نَسَجَ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ هَذَا السَّبَبُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَكَرَّرَ فِي الْمِلْكِ مِثْلَ الْغِرَاسِ إذَا قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَرَسْته فِي مِلْكِي فَهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَكَرَّرَ بِأَنْ يَغْرِسَ دَفْعَتَيْنِ، وَهَكَذَا نَسْجُ الثَّوْبِ الْخَزِّ عَلَى مَا يَقُولُهُ أَهْلُ صَنَعْته يُمْكِنُ أَنْ يَنْسِجَ دَفْعَتَيْنِ، وَمِنْهُ مَا لَا يُمْكِنُ تَكْرَارُهُ كَالْوِدَّةِ وَالنِّتَاجِ وَنَسْجِ ثَوْبِ الْقُطْنِ اهـ كَلَامُ الْأَصْلِ بِتَوْضِيحٍ مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْحُجَّةِ فِي الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالثَّلَاثِينَ وَالْمِائَتَيْنِ بَيْنَ الْيَدِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمُرَجِّحَةِ لِقَوْلِ صَاحِبِهَا، وَالْيَدِ الَّتِي لَا تُعْتَبَرُ فَلَا تُغْفَلُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا اُعْتُبِرَ مِنْ الْغَالِبِ وَبَيْنَ مَا أُلْغِيَ مِنْ الْغَالِبِ فِي الشَّهَادَةِ] (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا اُعْتُبِرَ مِنْ الْغَالِبِ وَبَيْنَ مَا أُلْغِيَ مِنْ الْغَالِبِ أَمَّا مَعَ اعْتِبَارِ النَّادِرِ أَوْ مَعَ إلْغَائِهِ أَيْضًا) : وَذَلِكَ كَمَا فِي الْأَصْلِ، وَسَلَّمَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا لَا يَتَيَسَّرُ عَلَى الْمُبْتَدَئِينَ، وَلَا عَلَى ضَعْفَةِ الْفُقَهَاءِ بَلْ لَا يَحْصُلُ إلَّا لِمُتَّسِعٍ فِي الْفَقِيهَاتِ، وَالْمَوَارِدِ الشَّرْعِيَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْغَالِبِ، وَتَقْدِيمُهُ عَلَى النَّادِرِ، وَهُوَ شَأْنُ الشَّرِيعَةِ، وَأَمْثِلَتُهُ لَا تُحْصَى كَثْرَةً مِنْهَا تَقْدِيمُ طَهَارَةِ الْمِيَاهِ، وَعُقُودِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ، وَيُفْطِرُ بِنَاءً عَلَى غَالِبِ الْحَالِ، وَهُوَ الْمَشَقَّةُ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَمْنَعُ شَهَادَةَ الْأَعْدَاءِ، وَالْخُصُومِ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْهُمْ الْحَيْفُ، وَلَكِنْ جَرَى عَلَى خِلَافِ هَذَا الْأَصْلِ أَجْنَاسُ كَثِيرَةٌ اُسْتُثْنِيَتْ مِنْهُ سَتَتَّضِحُ لَك فَإِذَا وَقَعَ لَك غَالِبٌ، وَلَا تَدْرِي هَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا أُلْغِيَ أَوْ مِنْ قَبِيلِ مَا اُعْتُبِرَ فَالطَّرِيقُ فِي ذَلِكَ أَنْ تَسْتَقْرِيَ مَوَارِدَ النُّصُوصِ، وَالْفَتَاوَى اسْتِقْرَاءً حَسَنًا، وَلَا يَتَأَتَّى لَك ذَلِكَ إلَّا إذَا كُنْت حِينَئِذٍ وَاسِعَ الْحِفْظِ جَيِّدَ الْفَهْمِ فَإِذَا تَحَقَّقَتْ بِذَلِكَ إلْغَاؤُهُ فَذَاكَ ظَاهِرٌ، وَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ لَك إلْغَاؤُهُ فَاعْتَقِدْ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ، وَالْأَجْنَاسُ الْمُسْتَثْنَاةُ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ عَلَى قِسْمَيْنِ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا أَلْغَى الشَّرْعُ فِيهِ الْغَالِبَ، وَقَدَّمَ النَّادِرَ عَلَيْهِ أَيْ أَثْبَتَ الشَّرْعُ فِيهِ حُكْمَ النَّادِرِ دُونَ حُكْمِ الْغَالِبِ رَحْمَةً بِالْعِبَادِ (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) مَا أَلْغَى الشَّرْعُ فِيهِ الْغَالِبَ، وَالنَّادِرَ مَعًا رِعَايَةً لِلضَّرُورَةِ وَرَحْمَةً بِالْعِبَادِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقِسْمَيْنِ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ تَفْتَقِرُ عَلَى التَّمْثِيلِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِعِشْرِينَ مِثَالًا فِي الْوَصْلَيْنِ الِاثْنَيْنِ لِتَجْزِمَ بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ إذَا دَارَ الشَّيْءُ بَيْنَ النَّادِرِ

وَأَتْبَاعَهُ وَأَتْبَاعَ كُلِّ مُبْطِلٍ عَدِيمِينَ لِلطَّلَاوَةِ لَا بَهْجَةَ عَلَيْهِمْ وَالنُّفُوسُ تَنْفِرُ مِنْهُمْ، وَلَا فِيهِمْ مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ وَالسَّعَادَةِ أَثَرٌ فَهَذِهِ فُرُوقٌ ثَلَاثَةٌ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَهِيَ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ لَا يَبْقَى مَعَهَا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - لَبْسٌ وَلَا شَكٌّ لِجَاهِلٍ، وَلَا عَالِمٍ. (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ قِتَالِ الْبُغَاةِ وَقَاعِدَةِ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ) . قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ: الْبُغَاةُ هُمْ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ عَلَى الْإِمَامِ يَبْغُونَ خَلْعَهُ أَوْ مَنْعَ الدُّخُولِ فِي طَاعَتِهِ أَوْ تَبْغِي مَنْعَ حَقٍّ وَاجِبٍ بِتَأْوِيلٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَمَا عَلِمْت فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَبِهِ يَمْتَازُونَ عَنْ الْمُحَارِبِينَ وَيَفْتَرِقُ قِتَالُهُمْ مِنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ بِأَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا أَنْ يَقْصِدُوا بِالْقِتَالِ رَدْعَهُمْ لَا قَتْلَهُمْ وَيَكُفَّ عَنْ مُدْبِرِهِمْ وَلَا يُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَلَا يَقْتُلَ أَسْرَاهُمْ، وَلَا تُغْنَمَ أَمْوَالُهُمْ، وَلَا تُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ، وَلَا يُسْتَعَانُ عَلَى قِتَالِهِمْ بِمُشْرِكٍ، وَلَا نُوَادِعُهُمْ عَلَى مَالٍ وَلَا تُنْصَبُ عَلَيْهِمْ الرَّعَّادَاتُ، وَلَا تُحْرَقُ عَلَيْهِمْ الْمَسَاكِينُ وَلَا يُقْطَعُ شَجَرُهُمْ وَيَمْتَازُ قِتَالُهُمْ عَنْ قِتَالِ الْمُحَارِبِينَ بِخَمْسَةٍ يُقَاتَلُونَ مُدْبِرِينَ وَيَجُوزُ تَعَمُّدُ قَتْلِهِمْ وَيُطَالَبُونَ بِمَا اسْتَهْلَكُوا مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا، وَيَجُوزُ حَبْسُ أَسْرَاهُمْ لِاسْتِبْرَاءِ أَحْوَالِهِمْ، وَمَا أَخَذُوهُ مِنْ الْخَرَاجِ وَالزَّكَاةِ لَا يَسْقُطُ عَمَّنْ كَانَ عَلَيْهِ كَالْغَاصِبِ، وَنَقَلَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ فِي هَذَا الْفَرْعِ قَالَ إنْ وَلَّى الْبُغَاةُ قَاضِيًا أَوْ أَخَذُوا الزَّكَاةَ أَوْ أَقَامُوا حَدًّا نَفَذَ ذَلِكَ كُلُّهُ قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ لِلضَّرُورَةِ مَعَ التَّأْوِيلِ وَرَدَّهُ ابْنُ الْقَاسِمِ كُلَّهُ لِعَدَمِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْغَالِبِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُ بِالْغَالِبِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ قُلْت بَلْ مُقَيَّدٌ بِثَلَاثَةِ قُيُودٍ: (الْأَوَّلِ) أَنْ يَطَّرِدَ الْغَالِبُ بِمُخَالَفَةِ الْأَصْلِ الثَّانِي أَنْ تَكْثُرَ أَسْبَابُهُ الثَّالِثِ أَنْ لَا يَكُونَ مَعَ النَّادِرِ مَا يَعْتَضِدُ بِهِ، وَإِلَّا قُدِّمَ عَلَى الْغَالِبِ عَمَلًا بِالتَّرْجِيحِ لِتَعَيُّنِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا نَقَلَهُ الْعَطَّارُ عَلَى مَحَلِّيٍّ جَمْعِ الْجَوَامِعِ عَنْ قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ (الثَّانِي) أَنَّ قَوْلَ الْفُقَهَاءِ إذَا اجْتَمَعَ الْأَصْلُ، وَالْغَالِبُ فَهَلْ يُغَلَّبُ الْأَصْلُ عَلَى الْغَالِبِ أَوْ الْغَالِبُ عَلَى الْأَصْلِ قَوْلَانِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، وَفِي الْعَطَّارِ عَلَى مَحَلِّيٍّ جَمْعِ الْجَوَامِعِ عَنْ قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ بَلْ لِجَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ الْأَوَّلُ أَنْ لَا تَطَّرِدَ الْعَادَةُ بِمُخَالَفَةِ الْأَصْلِ، وَإِلَّا قُدِّمَ حُكْمُ الْعَادَةِ، وَالْغَالِبُ قَطْعًا، وَمِنْ ذَلِكَ الْمَاءُ الْهَارِبُ فِي الْحَمَّامِ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِالْبَوْلِ فِيهِ (الثَّانِي) أَنْ تَكْثُرَ أَسْبَابُ الظَّاهِرِ، وَالْغَالِبِ فَإِنْ نَدَرَتْ لَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ قَطْعًا، وَمِنْ ذَلِكَ مَا إذَا تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْحَدَثُ اتَّفَقَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ لَهُ الْأَخْذَ بِالْوُضُوءِ، وَلَمْ يُجْرُوا فِيهِ الْقَوْلَيْنِ كَمَا أَجْرَوْهُمَا فِيمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ نَجَاسَتُهُ هَلْ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ، وَفَرَّقَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْأَسْبَابَ الَّتِي تَظْهَرُ بِالنَّجَاسَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَهِيَ قَلِيلَةٌ فِي الْأَحْدَاثِ، وَلَا أَثَرَ لِلنَّادِرِ، وَالتَّمَسُّكُ بِاسْتِصْحَابِ الْيَقِينِ أَوْلَى (الثَّالِثُ) أَنْ لَا يَكُونَ مَعَ أَحَدِهِمَا مَا يَعْتَضِدُ بِهِ، وَإِلَّا فَالْعَمَلُ بِالتَّرْجِيحِ مُتَعَيَّنٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَإِذَا جَزَمَتْ بِذَلِكَ عَلِمْت أَنَّ الضَّابِطَ فِيمَا يَجْرِي قَوْلَانِ فِيهِ، وَمَا لَا يَجْرِيَانِ فِيهِ هُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الظَّاهِرُ، وَالْغَالِبُ حُجَّةٌ يَجِبُ قَبُولُهَا شَرْعًا كَالشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ وَالْأَخْبَارِ فَهُوَ مُقَدَّمُ الْأَصْلِ قَطْعًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الظَّاهِرَ، وَالْغَالِبُ حُجَّةٌ بَلْ كَانَ سَنَدُهُ الْعُرْفَ أَوْ الْقَرَائِنَ أَوْ غَلَبَةَ الظَّنِّ فَهَذِهِ يَتَفَاوَتُ أَمْرُهَا فَتَارَةً يُعْمَلُ بِالْأَصْلِ قَطْعًا، وَتَارَةً يُعْمَلُ بِالظَّاهِرِ، وَالْغَالِبُ قَطْعًا، وَتَارَةً يَخْرُجُ الْخِلَافُ هَلْ يُقَدَّمُ الْأَصْلُ عَلَى الصَّحِيحِ أَوْ لَا أَوْ الظَّاهِرُ، وَالْغَالِبُ عَلَى الصَّحِيحِ أَوَّلًا فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ (الْأَوَّلُ) مَا قَطَعُوا فِيهِ بِالظَّاهِرِ كَالْبَيِّنَةِ فَإِنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ الْمَالُ الْمَشْهُودُ بِهِ قَطْعًا لِأَنَّ الْغَالِبَ صِدْقُ الْبَيِّنَةِ، وَهِيَ حُجَّةٌ وَكَالْيَدِ فِي الدَّعْوَى فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمِلْكِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ الْيَدِ الْمِلْكُ، وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ (الثَّانِي) مَا قَطَعُوا فِيهِ بِالْأَصْلِ وَإِلْغَاءِ الْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ كَمَا لَوْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ، وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ أَوْ ظَنَّهُ فَإِنَّهُ يُبْنَى عَلَى تَيَقُّنِ الطَّهَارَةِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ أَوْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ طُلُوعَهُ أَوْ اخْتَلَطَ الْحَرَامُ بِالْحَلَالِ وَكَانَ الْحَرَامُ مَغْمُورًا أَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مُحَرَّمُهُ بِنِسْوَةِ قَرْيَةٍ كَبِيرَةٍ فَإِنَّ لَهُ نِكَاحَ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ فَإِنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ، وَأَشْبَهَتْ مَيِّتَةٌ بِمُذَكَّاةِ بَلَدٍ أَوْ إنَاءُ بَوْلٍ بِأَوَانِي بَلَدٍ فَلَهُ أَخْذُ بَعْضِهَا بِالِاجْتِهَادِ قَطْعًا (الثَّالِثُ) مَا فِيهِ خِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ الظَّاهِرِ كَمَا لَوْ شَكَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي تَرْكِ فَرْضٍ مِنْهَا فَلَا يُؤَثِّرُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ جَرَيَانُهَا عَلَى الصِّحَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ إتْيَانِهِ بِهِ وَكَذَا حُكْمُ غَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالْوُضُوءِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَكَاخْتِلَافِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ عَلَى الْأَظْهَرِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَهَا، وَكَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ، وَلَمْ يَقْصِدْ تَأْكِيدًا، وَلَا اسْتِئْنَافًا بَلْ أَطْلَقَ فَالْأَظْهَرُ يَقَعُ ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْإِيقَاعِ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ، وَلِهَذَا يُقَالُ إذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ التَّأْسِيسِ وَالتَّوْكِيدِ فَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى الْحَمْلِ عَلَى الظَّاهِرِ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ أَنَّ الْأَصْلَ الْمُتَيَقَّنَ عَدَمُ ذَلِكَ (الرَّابِعُ) مَا فِيهِ خِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ الْأَصْلِ، وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ مَا لَوْ شَكَّ فِي صَلَاةِ يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ هَلْ صَلَّاهَا أَمْ لَا قَالَ الرُّويَانِيُّ إنْ كَانَ مَعَ بُعْدِ الزَّمَانِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى ضَبْطِ مَا يَقَعُ مِنْهُ فِي

الْوِلَايَةِ وَبِقَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ. (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ شُبْهَةٌ تُدْرَأُ بِهَا الْحُدُودُ وَالْكَفَّارَاتُ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ) . قَاعِدَةٌ يَقَعُ بِهَا الْفَرْقُ وَهِيَ أَنَّ الشُّبُهَاتِ ثَلَاثَةٌ: شُبْهَةٌ فِي الْوَطْءِ وَشُبْهَةٌ فِي الْمَوْطُوءَةِ وَشُبْهَةٌ فِي الطَّرِيقِ فَالشُّبْهَةُ الْأُولَى تَعُمُّ الْحُدُودَ وَالْكَفَّارَاتِ وَمِثَالُهَا اعْتِقَادُ أَنَّ هَذِهِ الْأَجْنَبِيَّةَ امْرَأَتُهُ وَمَمْلُوكَتُهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَمِثَالُ شُبْهَةِ الْمَوْطُوءَةِ الْأَمَةُ الْمُشْتَرَكَةُ إذَا وَطِئَهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَمَا فِيهَا مِنْ نَصِيبِهِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحَدِّ، وَمَا فِيهَا مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ يَقْتَضِي الْحَدَّ فَيَحْصُلُ الِاشْتِبَاهُ وَهِيَ عَيْنُ الشُّبْهَةِ كَمَا أَنَّ اعْتِقَادَ الْأُولَى الَّذِي هُوَ جَهْلٌ مُرَكَّبٌ وَغَيْرُ مُطَابِقٍ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحَدِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُعْتَقِدٌ الْإِبَاحَةَ، وَعَدَمُ الْمُطَابَقَةِ فِي اعْتِقَادِهِ يَقْتَضِي الْحَدَّ فَحَصَلَتْ الشُّبْهَةُ مِنْ الشَّبَهَيْنِ، وَمِثَالُ الثَّالِثَةِ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي إبَاحَةِ الْمَوْطُوءَةِ كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ قَوْلَ الْمُحَرِّمِ يَقْتَضِي الْحَدَّ وَقَوْلَ الْمُبِيحِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحَدِّ فَحَصَلَتْ الشُّبْهَةُ مِنْ الشُّبْهَتَيْنِ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ ضَابِطُ الشُّبْهَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي إسْقَاطِ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ فِي إفْسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ غَيْرَ أَنَّ لَهَا شَرْطًا وَهُوَ اعْتِقَادُ مُقَارَنَةِ السَّبَبِ الْمُبِيحِ. قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابُ الصِّيَامِ إذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ صَوْمَهُ فَتَعَمَّدَ الْفِطْرَ ثَانِيَةً أَوْ امْرَأَةٌ رَأَتْ الطُّهْرَ فِي رَمَضَانَ لَيْلًا فَلَمْ تَغْتَسِلْ حَتَّى أَصْبَحَتْ فَظَنَّتْ أَنَّهُ لَا صَوْمَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَاضِي، وَيَغِيبُ عَلَيْهِ تَذَكُّرُهُ، وَإِنْ كَانَ مَعَ قُرْبِ الزَّمَانِ كَمَنْ شَكَّ فِي آخِرِ الْأُسْبُوعِ فِي صَلَاةِ يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِهِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ الرُّويَانِيِّ عَلَى مَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ مُوَاظَبَةَ الصَّلَاةِ أَمَّا مَنْ اعْتَادَ تَرْكَهَا أَوْ بَعْضَهَا فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ، وَهَذَا مُتَعَيَّنٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَمِنْهَا ثِيَابُ مُدْمِنِي النَّجَاسَةِ وَطِينِ الشَّارِعِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ اخْتِلَاطُهُ بِالنَّجَاسَةِ، وَالْمَقَابِرُ الَّتِي يَغْلِبُ نَبْشُهَا فَالْأَصَحُّ الطَّهَارَةُ، وَلِطِينِ الشَّارِعِ أُصُولٌ يُبْنَى عَلَيْهَا (أَحَدُهُمَا) مَا ذُكِرَ مِنْ تَعَرُّضِ الْأَصْلِ، وَالظَّاهِرُ، وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ (ثَانِيهُمَا) طَهَارَةُ الْأَرْضِ بِالْجَفَافِ وَالرِّيحِ وَالشَّمْسِ عَلَى الْقَدِيمِ (ثَالِثُهَا) طَهَارَةُ النَّجَاسَةِ بِالِاسْتِحَالَةِ إذَا اُسْتُهْلِكَتْ فِيهَا عَيْنُ النَّجَاسَةِ، وَصَارَتْ طِينًا، وَأَمَّا الَّذِي يُظَنُّ نَجَاسَةً، وَلَا نَتَيَقَّنُ طَهَارَتُهُ فَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَخَالَفَهُمَا النَّوَوِيُّ فَقَالَ الْمُخْتَارُ الْجَزْمُ بِطَهَارَتِهِ وَمِنْهَا مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي وَلَدِ الْأَمَةِ الْمَبِيعَةِ فَقَالَ الْبَائِعُ وَضَعْته قَبْلَ الْعَقْدِ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ بَعْدَهُ قَالَ الْإِمَامُ فِي آخِرِ النِّهَايَةِ كَتَبَ الْحَلِيمِيُّ إلَى الشَّيْخِ أَبُو زَيْدٍ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مِلْكِهِ، وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِيهَا وَجْهَيْنِ اهـ مَا نَقَلَهُ الْعَطَّارُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى مَحَلِّيٍّ جَمْعِ الْجَوَامِعِ عَنْ قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. 2 - (الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي عِشْرِينَ مِثَالًا مِنْ أَمْثِلَةِ مَا أُلْغِيَ فِيهِ الْغَالِبُ، وَقُدِّمَ عَلَيْهِ النَّادِرُ (الْمِثَالُ الْأَوَّلُ) غَالِبُ الْوَلَدِ أَنْ يُوضَعُ لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا جَاءَ بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا دَارَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ زِنًا، وَهُوَ الْغَالِبُ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ تَأَخَّرَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَهُوَ نَادِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى وُقُوعِ الزِّنَا فِي الْوُجُودِ فَأَلْغَى الشَّارِعُ الْغَالِبَ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ، وَهُوَ تَأَخُّرُ الْحَمْلِ رَحْمَةً بِالْعِبَادِ لِحُصُولِ السِّتْرِ عَلَيْهِمْ، وَصَوْنِ أَعْرَاضِهِمْ عَنْ الْهَتْكِ (الْمِثَالُ الثَّانِي) إذَا تَزَوَّجَتْ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَطْءٍ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْغَالِبُ أَوْ مِنْ وَطْءٍ بَعْدَهُ، وَهُوَ النَّادِرُ فَإِنَّ غَالِبَ الْأَجِنَّةُ لَا تُوضَعُ إلَّا لِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَإِنَّمَا يُوضَعُ فِي السَّنَةِ سِقْطًا فِي الْغَالِبِ فَأَلْغَى الشَّارِعُ عَلَى حُكْمِ الْغَالِبِ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ، وَجَعَلَهُ مِنْ الْوَطْءِ بَعْدَ الْعَقْدِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ لِحُصُولِ السِّتْرِ عَلَيْهِمْ وَصَوْنِ أَعْرَاضِهِمْ (الْمِثَالُ الثَّالِثُ) نَدَبَ الشَّرْعُ لِلنِّكَاحِ لِحُصُولِ الذُّرِّيَّةِ مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْأَوْلَادِ الْجَهْلُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْمَعَاصِي، وَعَلَى رَأْيِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ اللَّهَ تَعَالَى بِالْبُرْهَانِ فَهُوَ كَافِرٌ لَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا إلَّا أَهْلُ الظَّاهِرِ كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ فِي الشَّامِلِ وَالْإسْفَرايِينِيّ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ يَنْهَى عَنْ الذُّرِّيَّةِ لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ عَلَيْهِمْ فَأَلْغَى الشَّرْعُ حُكْمَ الْغَالِبِ، وَاعْتَبَرَ حُكْمَ النَّادِرِ تَرْجِيحًا لِقَلِيلِ الْإِيمَانِ عَلَى كَثِيرِ الْكُفْرِ، وَالْمَعَاصِي تَعْظِيمًا لِحَسَنَاتِ الْخَلْقِ عَلَى سَيِّئَاتِهِمْ رَحْمَةً بِهِمْ (الْمِثَالُ الرَّابِعُ) طِينُ الْمَطَرِ الْوَاقِعُ فِي الطَّرَقَاتِ، وَمَمَرِّ الدَّوَابِّ وَالْمَشْيِ بِالْأَمْدِسَةِ الَّتِي يُجْلَسُ بِهَا فِي الْمَرَاحِيضِ الْغَالِبُ عَلَيْهَا وُجُودُ النَّجَاسَةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كُنَّا لَا نُشَاهِدُ عَيْنَهَا، وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهَا مِنْهَا، وَمَعَ ذَلِكَ أَلْغَى الشَّرْعُ حُكْمَ الْغَالِبِ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ تَوْسِعَةً وَرَحْمَةً بِالْعِبَادِ فَيُصَلِّي بِهِ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ (الْمِثَالُ الْخَامِسُ) النِّعَالُ الْغَالِبُ عَلَيْهَا مُصَادَفَةُ النَّجَاسَاتِ لَا سِيَّمَا نَعْلٌ مَشَى بِهَا سَنَةً، وَجَلَسَ بِهَا فِي مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ سَنَةً وَنَحْوَهَا فَالْغَالِبُ عَلَيْهَا النَّجَاسَةُ وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهَا مِنْ النَّجَاسَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ أَلْغَى الشَّرْعُ حُكْمَ الْغَالِبِ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ فَجَاءَتْ السُّنَّةُ بِالصَّلَاةِ فِي النِّعَالِ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ قَلْعَ النِّعَالِ فِي الصَّلَاةِ بِدْعَةٌ ذَلِكَ رَحْمَةٌ وَتَوْسِعَةٌ عَلَى الْعِبَادِ (الْمِثَالُ السَّادِسُ) الْغَالِبُ عَلَى ثِيَابِ الصِّبْيَانِ النَّجَاسَةُ لَا سِيَّمَا مَعَ طُولِ لُبْسِهِمْ لَهَا، وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهَا، وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِصَلَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأُمَامَةَ

لِمَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ قَبْلَ الْفَجْرِ فَأَكَلَتْ أَوْ مُسَافِرٌ قَدِمَ إلَى أَهْلِهِ لَيْلًا فَظَنَّ أَنَّ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ نَهَارًا قَبْلَ أَنْ يُمْسِي أَنَّ صَوْمَهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فَأَفْطَرَ أَوْ عَبْدٌ بَعَثَهُ سَيِّدُهُ فِي رَمَضَانَ يَرْعَى غَنَمًا لَهُ عَلَى مَسِيرَةِ مِيلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ سَفَرٌ فَأَفْطَرَ فَلَيْسَ عَلَى هَؤُلَاءِ إلَّا الْقَضَاءُ بِلَا كَفَّارَةٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَمَا رَأَيْت مَالِكًا يَجْعَلُ الْكَفَّارَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ عَلَى التَّأْوِيلِ إلَّا امْرَأَةٌ قَالَتْ الْيَوْمَ أَحِيضُ وَكَانَ يَوْمَ حَيْضِهَا ذَلِكَ فَأَفْطَرَتْ أَوَّلَ نَهَارِهَا وَحَاضَتْ فِي آخِرِهِ وَاَلَّذِي يَقُولُ الْيَوْمُ يَوْمُ جُمَادَى فَيَأْكُلُ فِي رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ثُمَّ يَمْرَضُ فِي آخِرِهِ مَرَضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ مَعَهُ فَقَالَ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ أَنَّ تِلْكَ اعْتَقَدَ فِيهَا الْمُقَدَّمُ عَلَيْهَا اقْتِرَانَ السَّبَبِ الْمُبِيحِ وَفِي هَاتَيْنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ سَيَقَعُ فَأَوْقَعَا الْإِبَاحَةَ قَبْلَ سَبَبِهَا فَهُمَا مُصِيبَانِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَرَضَ وَالْحَيْضَ مُبِيحَانِ مُخْطِئَانِ فِي التَّقْدِيمِ لِلْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ، وَالْأُوَلُ مُخْطِئُونَ فِي حُصُولِ السَّبَبِ مُصِيبُونَ فِي اعْتِقَادِ الْمُقَارَنَةِ، وَلَمْ يَقْصِدُوا تَقْدِيمَ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ فَعُذِرُوا بِالتَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ، وَلَمْ يُعْذَرْ الْآخَرَانِ بِالتَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ، وَسِرُّ الْفَرْقِ فِي ذَلِكَ أَنَّ تَقْدِيمَ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ بُطْلَانُهُ مَشْهُورٌ غَيْرُ مُلْتَبِسٍ فِي الشَّرِيعَةِ فَلَا صَلَاةَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَلَا صَوْمَ قَبْلَ الْهِلَالِ، وَلَا عُقُوبَةَ قَبْلَ الْجِنَايَاتِ، وَهُوَ كَثِيرٌ لَا يُعَدُّ، وَلَا يُحْصَى حَتَّى لَا يَكَادَ يُوجَدُ خِلَافُهُ أَلْبَتَّةَ. وَأَمَّا اشْتِبَاهُ صُورَةِ الْأَسْبَابِ الْمُبِيحَةِ وَتَحْقِيقُ شُرُوطِهَا وَمَقَادِيرِهَا فَلَا يَعْلَمُهُ إلَّا الْفُقَهَاءُ الْفُحُولُ وَتَحْقِيقُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQيَحْمِلُهَا فِي الصَّلَاةِ إلْغَاءً لِحُكْمِ الْغَالِبِ، وَإِثْبَاتًا لِحُكْمِ النَّادِرِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ (الْمِثَالُ السَّابِعُ) ثِيَابُ الْكُفَّارِ الَّتِي يَنْسِجُونَهَا بِأَيْدِيهِمْ مَعَ عَدَمِ تَحَرُّزِهِمْ مِنْ النَّجَاسَاتِ بَلْ الْغَالِبُ نَجَاسَةُ أَيْدِيهِمْ لِمَا يُبَاشِرُونَهُ عِنْدَ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَمُبَاشَرَتُهُمْ الْخُمُورَ وَالْخَنَازِيرَ وَلُحُومَ الْمَيْتَاتِ، وَجَمِيعُ أَوَانِيهِمْ نَجِسَةٌ بِمُلَابَسَةِ ذَلِكَ، وَيُبَاشِرُونَ النَّسْجَ وَالْعَمَلَ مَعَ بِلَّةِ أَيْدِيهِمْ وَعَرَقِهَا حَالَةَ الْعَمَلِ، وَيَبُلُّونَ تِلْكَ الْأَمْتِعَةَ بِالنَّشَاءِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُقَوِّي لَهُمْ الْخُيُوطَ، وَيُعِينُهُمْ عَلَى النَّسْجِ فَالْغَالِبُ نَجَاسَةُ هَذَا الْقُمَاشِ، وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهُ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْهُ مَالِكٌ فَقَالَ مَا أَدْرَكْت أَحَدًا يَتَحَرَّزُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي مِثْلِ هَذَا فَأَثْبَتَ الشَّارِعُ حُكْمَ النَّادِرِ، وَأَلْغَى حُكْمَ الْغَالِبِ، وَجَوَّزَ لُبْسَهُ تَوْسِعَةً عَلَى الْعِبَادِ (الْمِثَالُ الثَّامِنُ) مَا يَصْنَعُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ فِي أَوَانِيهِمْ، وَبِأَيْدِيهِمْ فَالْغَالِبُ نَجَاسَتُهُ لِمَا تَقَدَّمَ، وَالنَّادِرُ طَهَارَتُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ أَثْبَتَ الشَّرْعُ حُكْمَ النَّادِرِ، وَأَلْغَى حُكْمَ الْغَالِبِ فَجَوَّزَا كُلَّهُ تَوْسِعَةً عَلَى الْعِبَادِ (الْمِثَالُ التَّاسِعُ) الْغَالِبُ عَلَى مَا يَصْنَعُهُ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ لَا يُصَلُّونَ، وَلَا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ، وَلَا يَتَحَرَّزُونَ مِنْ النَّجَاسَاتِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ نَجَاسَتُهَا، وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهَا فَأَلْغَى الشَّارِعُ حُكْمَ الْغَالِبِ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ، وَجَوَّزَ أَكْلَهَا تَوْسِعَةً وَرَحْمَةً لِلْعِبَادِ (الْمِثَالُ الْعَاشِرُ) الْغَالِبُ عَلَى مَا يَنْسِجُهُ الْمُسْلِمُونَ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُمْ النَّجَاسَةُ، وَقَدْ أَثْبَتَ الشَّرْعُ حُكْمَ النَّادِرِ، وَأَلْغَى حُكْمَ الْغَائِبِ فَجَوَّزَ الصَّلَاةَ فِيهِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ (الْمِثَالُ الْحَادِي عَشَرَ) الْغَالِبُ نَجَاسَتُهُ مَا يَصْبُغُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ بَلْ هُوَ أَشَدُّ مِمَّا يَنْسِجُونَهُ لِكَثْرَةِ الرُّطُوبَاتِ النَّاقِلَةِ لِلنَّجَاسَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ أَلْغَى الشَّرْعُ حُكْمَ الْغَالِبِ وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ رِفْقًا بِالْعِبَادِ فَجَوَّزَ الصَّلَاةَ فِيهَا (الْمِثَالُ الثَّانِي عَشَرَ) الْغَالِبُ نَجَاسَةُ مَا يَصْنَعُهُ عَوَامُّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَا يُصَلُّونَ، وَلَا يَتَحَرَّزُونَ مِنْ النَّجَاسَاتِ، وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهُ فَجَوَّزَ الشَّرْعُ الصَّلَاةَ فِيهِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ النَّادِرِ عَلَى الْغَالِبِ تَوْسِعَةً وَلُطْفًا بِالْعِبَادِ (الْمِثَالُ الثَّالِثَ عَشَرَ) الْغَالِبُ نَجَاسَةُ مَا يَلْبَسُهُ النَّاسُ، وَيُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يُعْلَمُ كَوْنُ لَابِسِهِ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا يَحْتَاطُ وَيَتَحَرَّزُ أَوْ لَا؟ ، وَهُوَ الْغَالِبُ عَلَى أَهْلِ الْبِلَادِ فَإِنَّ غَالِبَهُمْ عَوَامُّ وَفَسَقَةٌ، وَتُرَّاكُ صَلَاةٍ، وَمَنْ لَا يَتَحَرَّزُ مِنْ النَّجَاسَاتِ، وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهُ فَأَلْغَى الشَّرْعُ حُكْمَ الْغَالِبِ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ (الْمِثَالُ الرَّابِعَ عَشَرَ) الْغَالِبُ مُصَادَفَةُ الْحُصْرِ وَالْبُسُطِ الَّتِي قَدْ اسْوَدَّتْ مِنْ طُولِ مَا قَدْ لُبِسَتْ يَمْشِي عَلَيْهَا الْحُفَاةُ، وَالصِّبْيَانُ، وَمَنْ يُصَلِّي، وَمَنْ لَا يُصَلِّي، وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهَا، وَمَعَ ذَلِكَ قَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ صَلَّى عَلَى حَصِيرٍ قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ بَعْدَ أَنْ نَضَحَهُ بِمَاءٍ، وَالنَّضْحُ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ بَلْ يَنْشُرُهَا فَقَدَّمَ الشَّرْعُ حُكْمَ النَّادِرِ عَلَى حُكْمِ الْغَالِبِ (الْمِثَالُ الْخَامِسَ عَشَرَ) الْغَالِبُ مُصَادَفَةُ الْحُفَاةِ النَّجَاسَةَ لَا سِيَّمَا فِي الطَّرَقَاتِ وَمَوَاضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَاتِ، وَالنَّادِرُ سَلَامَتُهُمْ، وَمَعَ ذَلِكَ جَوَّزَ الشَّرْعُ صَلَاةَ الْحَافِي مِنْ غَيْرِ غَسْلِ رِجْلَيْهِ كَمَا جَوَّزَ الصَّلَاةَ بِالنَّعْلِ فَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَمْشِي حَافِيًا، وَلَا يَعِيبُ ذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِنَعْلِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَفَاءَ أَخَفُّ مِنْ تَحَمُّلِ النَّجَاسَةِ مِنْ النَّعْلِ فَقَدَّمَ الشَّارِعُ حُكْمَ النَّادِرِ عَلَى حُكْمِ الْغَالِبِ تَوْسِعَةً عَلَى الْعِبَادِ (الْمِثَالُ السَّادِسَ عَشَرَ) الْغَالِبُ صِدْقُ الصَّالِحِ الْوَلِيِّ التَّقِيِّ فِي دَعْوَاهُ عَلَى الْفَاجِرِ الشَّقِيِّ الظَّالِمِ أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ دِرْهَمًا، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ جَعَلَ الشَّرْعُ الْقَوْلَ قَوْلَ الْفَاجِرِ فَقَدَّمَ حُكْمَ النَّادِرِ عَلَى الْغَالِبِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ بِإِسْقَاطِ الدَّعَاوَى عَنْهُمْ، وَانْدِرَاجِ الصَّالِحِ مَعَ غَيْرِهِ سَدًّا لِبَابِ الْفَسَادِ وَالظُّلْمِ بِالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ (الْمِثَالُ السَّابِعَ عَشَرَ) الْغَالِبُ اسْتِمْرَارُ الْكُفَّارِ عَلَى الْكُفْرِ، وَمَوْتُهُمْ عَلَيْهِ بَعْدَ الِاسْتِمْرَارِ فَأَلْغَى الشَّارِعُ حُكْمَهُ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ

عَسِيرٌ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ فَكَانَ اللَّبْسُ فِيهِ عُذْرًا، وَمَا هُوَ مَشْهُورٌ لَا يَكُونُ اللَّبْسُ فِيهِ عُذْرًا وَنَظِيرُ الْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ فِي الْكَفَّارَاتِ فِي الْحُدُودِ أَنْ يَشْرَبَ خَمْرًا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ سَيَصِيرُ خَلًّا أَوْ يَطَأَ امْرَأَةً يَعْتَقِدُ أَنَّهُ سَيَتَزَوَّجُهَا فَإِنَّ الْحَدَّ لَا يَسْقُطُ لِعَدَمِ اعْتِقَادِ مُقَارَنَةِ الْعِلْمِ لِسَبَبِهِ بِخِلَافِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ حِلٌّ أَوْ هِيَ امْرَأَتُهُ أَوْ جَارِيَتُهُ فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ فَهَذَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ فَيَتَحَصَّلُ لَك مِنْ ذَلِكَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَسَائِلِ مَالِكٍ الَّتِي اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهَا وَيَتَحَصَّلُ أَيْضًا قَيْدٌ آخَرُ يَنْعَطِفُ عَلَى الشُّبْهَةِ فَيَكُونُ شَرْطًا فِيهَا وَهُوَ أَنَّا نَشْتَرِطُ اعْتِقَادَ الْمُقَارَنَةِ فِي دَرْءِ الْكَفَّارَاتِ وَالْحُدُودِ فَهَذَا هُوَ ضَابِطُ الشُّبْهَةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ، وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ الْحَدُّ وَالْكَفَّارَةُ كَمَنْ تَزَوَّجَ خَامِسَةً أَوْ مَبْتُوتَةً ثَلَاثًا قَبْلَ زَوْجٍ أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ النَّسَبِ أَوْ ذَاتَ مَحْرَمٍ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ أَوْ انْتَهَكَ حُرْمَةَ رَمَضَانَ بِالْفِطْرِ، وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَفِيهِ الْحَدُّ وَالْكَفَّارَةُ. (سُؤَالٌ) قُلْتُ لِبَعْضِ الْفُضَلَاءِ: الْحَدِيثُ الَّذِي يَسْتَدِلُّ بِهِ الْفُقَهَاءُ وَهُوَ مَا يُرْوَى «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» لَمْ يَصِحَّ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا مَا يَكُونُ مُعْتَمَدُنَا فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ؟ . (جَوَابُهُ) قَالَ لِي يَكْفِينَا أَنْ نَقُولَ حَيْثُ أَجْمَعْنَا عَلَى إقَامَةِ الْحَدِّ كَانَ سَالِمًا عَنْ الشُّبْهَةِ وَمَا قَصُرَ عَنْ مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ لَا يَلْحَقُ بِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى إقَامَةِ الْحَدِّ فِي صُوَرِ الشُّبُهَاتِ وَهُوَ جَوَابٌ حَسَنٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ تَوَقُّعُ إسْلَامِ بَعْضِهِمْ فَعَقَدَ الْجِزْيَةَ لِذَلِكَ التَّوَقُّعِ النَّادِرِ رَحْمَةً بِالْعِبَادِ فِي عَدَمِ تَعْجِيلِ الْقَتْلِ وَحَسْمِ مَادَّةِ الْإِيمَانِ عَنْهُمْ (الْمِثَالُ الثَّامِنَ عَشَرَ) الْغَالِبُ فِي إشْغَالِ النَّاسِ بِالْعِلْمِ أَنْ يَكُونَ وَسِيلَةً لِلرِّيَاءِ وَعَدَمِ الْإِخْلَاصِ، وَالنَّادِرُ أَنْ يَكُونَ وَسِيلَةً لِلْإِخْلَاصِ فَلَمْ يَعْتَبِرْ الشَّارِعُ حُكْمَ الْغَالِبِ الَّذِي هُوَ النَّهْيُ عَنْهُ لِأَنَّ وَسِيلَةَ الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ فَرَغِبَ فِي الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ رَحْمَةً بِالْعِبَادِ (الْمِثَالُ التَّاسِعَ عَشَرَ) أَحَدُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ وَالْمُتَلَاعِنِينَ كَاذِبٌ قَطْعًا، وَالْغَالِبُ أَنْ يَعْلَمَ الْكَاذِبُ مِنْهُمَا بِكَذِبِهِ فَيَكُونُ تَحْلِيفُهُ سَعْيًا فِي وُقُوعِ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ الْمُحَرَّمَةِ فَيَكُونُ حَرَامًا غَايَتُهُ أَنَّهُ يُعَارِضُهُ أَخْذُ الْحَقِّ، وَإِلْجَاؤُهُ إلَيْهِ، وَذَلِكَ إمَّا مُبَاحٌ أَوْ وَاجِبٌ،. وَإِذَا تَعَارَضَ الْوَاجِبُ وَالْمُحَرَّمُ قُدِّمَ الْمُحَرَّمُ، وَمَعَ ذَلِكَ أَلْغَى الشَّارِعُ حُكْمَ الْغَالِبِ، وَأَثْبَتَ حُكْمَ النَّادِرِ الَّذِي هُوَ وُقُوعُ شُبْهَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَدَاعِيَيْنِ أَوْ الْمُتَلَاعِنَيْنِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ عَلَى تَخْلِيصِ حُقُوقِهِمْ وَالسَّتْرِ عَلَيْهِمْ. (الْمِثَالُ الْعِشْرُونَ) غَالِبُ الْمَوْتِ فِي الشَّبَابِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ، وَلِذَلِكَ الشُّيُوخُ أَقَلُّ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الشَّبَابُ يَعِيشُونَ لَصَارُوا شُيُوخًا فَتَكْثُرُ الشُّيُوخُ فَلَمَّا كَانَ الشُّيُوخُ فِي الْوُجُودِ أَقَلَّ كَانَ مَوْتُ الْإِنْسَانِ شَابًّا أَكْثَرَ، وَحَيَاتُهُ لِلشَّيْخُوخَةِ نَادِرًا، وَمَعَ ذَلِكَ شَرَعَ صَاحِبُ الشَّرْعِ التَّعْمِيرَ فِي الْغَائِبِينَ إلَى سَبْعِينَ سَنَةً إلْغَاءً لِحُكْمِ الْغَالِبِ وَإِثْبَاتًا لِحُكْمِ النَّادِرِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ فِي إبْقَاءِ مَصَالِحِهِمْ عَلَيْهِمْ قَالَ الْأَصْلُ وَنَظَائِرُ هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُتَأَمَّلَ وَتُعْلَمَ فَقَدْ غَفَلَ قَوْمٌ فِي الطِّهَارَاتِ فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ الْوَسْوَاسُ، وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ عَلَى قَاعِدَةٍ شَرْعِيَّةٍ هِيَ الْحُكْمُ بِالْغَالِبِ نَعَمْ هُوَ غَالِبُ كَمَا قَالُوا مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى النَّاسِ وَالْأَوَانِي وَالْكُتُبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُلَابِسُونَهُ النَّجَاسَةُ فَيَغْسِلُونَ ثِيَابَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْقَاعِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهِيَ الْحُكْمُ بِالْغَالِبِ، وَلَمْ يَفْهَمُوا بِأَنَّ هَذَا، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْغَالِبُ كَمَا قَالُوا لَكِنَّ الشَّارِعَ أَلْغَى حُكْمَهُ، وَقَدَّمَ عَلَيْهِ حُكْمَ النَّادِرِ، وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا فِي النَّفْسِ، وَظَنُّهُ مَعْدُومٌ بِالنِّسْبَةِ لِلظَّنِّ النَّاشِئِ عَنْ الْغَالِبِ إذْ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ أَنْ يَصْنَعَ فِي شَرْعِهِ مَا شَاءَ، وَيَسْتَثْنِي مِنْ قَوَاعِدِهِ مَا يَشَاءُ هُوَ الْأَعْلَمُ بِمَصَالِحِ عِبَادِهِ فَيَنْبَغِي لِمَنْ قَصَدَ إثْبَاتَ حُكْمِ الْغَالِبِ دُونَ النَّادِرِ أَنْ لَا يَعْتَمِدَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا كَيْفَ كَانَ بَلْ حَتَّى يَنْظُرَ هَلْ ذَلِكَ الْغَالِبُ مِمَّا أَلْغَاهُ الشَّرْعُ أَمْ لَا إذْ الِاعْتِمَادُ عَلَى مُطْلَقِ الْغَالِبِ كَيْفَ كَانَ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ اهـ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ. 2 - (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْأَصْلُ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ مَجَازِهِ، وَعَلَى الْعُمُومِ دُونَ الْخُصُوصِ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ النَّادِرِ عَلَى الْغَالِبِ نَظَرًا لِغَلَبَةِ الْمَجَازِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ حَتَّى قَالَ ابْنُ جِنِّي: كَلَامُ الْعَرَبِ كُلُّهُ مَجَازٌ، وَغَلَبَةُ الْخُصُوصَاتِ عَلَى الْعُمُومَاتِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَا مِنْ عَامٍّ إلَّا وَقَدْ خُصَّ إلَّا قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] وَحِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي إذَا ظَفِرْنَا بِلَفْظٍ ابْتِدَاءً أَنْ نَحْمِلَهُ عَلَى مَجَازِهِ تَغْلِيبًا لِلْغَالِبِ عَلَى النَّادِرِ، وَأَنْ نَحْمِلَ الْعُمُومَ ابْتِدَاءً عَلَى التَّخْصِيصِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ فَحَيْثُ عَكَسْنَا وَحَمَلْنَا اللَّفْظَ ابْتِدَاءً عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَالْعُمُومَ ابْتِدَاءً عَلَى الْعُمُومِ كَانَ ذَلِكَ تَغْلِيبًا لِلنَّادِرِ عَلَى الْغَالِبِ إلَّا أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ شَرْطَ الْفَرْدِ الْمُتَرَدِّدِ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ. وَبَيَانُهُ بِالْمِثَالِ أَنَّ الشُّقَّةَ إذَا جَاءَتْ مِنْ

(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْقَذْفِ إذَا وَقَعَ مِنْ الْأَزْوَاجِ لِلزَّوْجَاتِ فَإِنَّ اللِّعَانَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهِنَّ إذَا قَذَفَ الزَّوْجُ زَوْجَاتِهِ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجْلِسَيْنِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْجَمَاعَةِ يَقْذِفُهُمْ الْوَاحِدُ فَإِنَّ الْحَدَّ يَتَّحِدُ عِنْدَنَا) فَإِنْ قَامَ بِهِ وَاحِدٌ سَقَطَ كُلُّ قَذْفٍ قَبْلَهُ وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ حَدٌّ وَقَالَهُ ابْنُ حَنْبَلٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَوْلَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَبَنَاهُ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ فَصَحَّ التَّدَاخُلُ فِيهِ وَبَنَاهُ الْآخَرُونَ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ فَيَتَعَدَّدُ وَيَلْزَمُنَا أَنْ يَكُونَ عِنْدَنَا قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لَا؛ لِأَنَّ لَنَا فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا الْعَبْدِيُّ وَاللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَنَا أَنَّ «هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ الْعَجْلَانِيَّ رَمَى امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدٌّ فِي ظَهْرِك أَوْ تَلْتَعِنُ» ، وَلَمْ يَقُلْ حَدَّانِ وَجَلَدَ عُمَرُ الشُّهُودَ عَلَى الْمُغِيرَةِ حَدًّا وَاحِدًا مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَذَفَ الْمُغِيرَةَ وَالْمَزْنِيَّ بِهَا وَقَدْ «حَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَذَفَةَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مَعَ أَنَّهُمْ قَذَفُوا عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَصَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطِّلِ وَقِيَاسًا عَلَى حَدِّ الزِّنَا احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ: أَحَدِهَا الْقِيَاسُ عَلَى الزَّوْجَاتِ الْأَرْبَعِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ لِلْعَانَاتِ أَرْبَعٍ. وَثَانِيهَا أَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ فَلَا يَدْخُلُهُ التَّدَاخُلُ كَالْغَصْبِ وَغَيْرِهِ. وَالثَّالِثِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ فَلَا يَتَدَاخَلُ كَالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْفَرْقُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَصَّارِ جَازَ أَنْ تَكُونَ طَاهِرَةً وَهُوَ الْغَالِبُ أَوْ نَجِسَةً بِأَنْ يُصِيبَهَا بَوْلُ فَأْرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَهُوَ النَّادِرُ فَإِنَّا لَوْ كُنَّا نَحْكُمُ بِطَهَارَتِهَا بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ لِأَنَّا قَدْ حَكَمْنَا بِطَهَارَةِ الثِّيَابِ الْمَقْصُورَةِ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ الْقِصَارَةِ لَكَانَ هَذَا الثَّوْبُ الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْغَالِبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْ الْقِصَارَةِ مِنْ جِنْسِ الْغَالِبِ الَّذِي قَضَيْنَا بِطَهَارَتِهِ فَيُحْكَمُ بِهِ. وَأَمَّا لَوْ كُنَّا لَا نَقْضِي بِطَهَارَةِ الثِّيَابِ الْمَقْصُورَةِ لِكَوْنِهَا خَرَجَتْ مِنْ الْقِصَارَةِ بَلْ نَقْضِي بِطَهَارَتِهَا لِأَنَّهَا تُغْسَلُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ هَذَا الثَّوْبُ الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ النَّادِرِ، وَالْغَالِبُ الَّذِي لَمْ يُغْسَلْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ الْغَالِبِ الَّذِي قَضَيْنَا بِطَهَارَتِهِ فَلَا نَقْضِي بِطَهَارَتِهِ لِأَجْلِ عَدَمِ الْغُسْلِ بَعْدَ الْقِصَارَةِ الَّذِي لِأَجْلِهِ حَكَمْنَا بِالطَّهَارَةِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْأَلْفَاظِ فَإِذَا لَمْ نَقْضِ عَلَى لَفْظٍ بِأَنَّهُ مَجَازٌ أَوْ مَخْصُوصٌ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ لَفْظًا بَلْ نَقْضِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لِأَجْلِ اقْتِرَانِهِ بِالْقَرِينَةِ الصَّادِقَةِ مِنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ وَاقْتِرَانُهُ بِالْمُخَصِّصِ الصَّارِفِ عَنْ الْعُمُومِ لِلتَّخْصِيصِ كَانَ هَذَا اللَّفْظُ الْوَارِدُ ابْتِدَاءً الَّذِي حَمَلْنَاهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ مَجَازِهِ، وَالْعُمُومُ دُونَ الْخُصُوصِ لَيْسَ مَعَهُ صَارِفٌ مِنْ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنْ الْحَقِيقَةِ. وَلَا مُخَصِّصَ صَارِفٌ عَنْ الْعُمُومِ فَهُوَ حِينَئِذٍ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ الْغَالِبِ فَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْمَجَازِ أَوْ التَّخْصِيصِ لَحَمَلْنَاهُ عَلَى غَيْرِ غَالِبٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لَفْظٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَفْظٌ حُمِلَ عَلَى الْمَجَازِ، وَلَا عَلَى الْخُصُوصِ أَلْبَتَّةَ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ غَالِبًا بَلْ هُوَ اللَّفْظُ قَاعِدَةً مُسْتَقِلَّةً بِنَفْسِهَا لَيْسَ فِيهَا غَالِبٌ وَنَادِرٌ بَلْ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْحَقِيقَةُ مُطْلَقًا، وَالْعُمُومُ مُطْلَقًا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهُوَ شَرْطٌ خَفِيٌّ فِي حَمْلِ الشَّيْءِ عَلَى غَالِبِهِ دُونَ نَادِرِهِ لِيَظْهَرَ لَك جَلِيًّا أَنَّ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَةِ دُونَ مَجَازٍ ابْتِدَاءً، وَالْعُمُومِ دُونَ الْخُصُوصِ ابْتِدَاءً لَيْسَ مِنْ بَابِ الْحَمْلِ عَلَى النَّادِرِ دُونَ الْغَالِبِ فَهَذَا سُؤَالٌ حَسَنٌ لَقَدْ أَوْرَدْته عَلَى جَمْعِ كَثِيرٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فَلَمْ يَحْصُلْ عَنْهُ جَوَابٌ، وَهَذَا جَوَابُهُ حَسَنٌ جِدًّا اهـ. 2 - (الْوَصْلُ الثَّانِي) فِيهِ عِشْرِينَ مِثَالًا مِنْ أَمْثِلَةِ مَا أَلْغَى الشَّارِعُ فِيهِ الْغَالِبَ وَالنَّادِرَ مَعًا (الْمِثَالُ الْأَوَّلُ) الْغَالِبُ صِدْقُ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ فِي الْأَمْوَالِ إذَا كَثُرَ عَدَدُهُمْ جِدًّا، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُمْ فَأَهْمَلَهُمْ الشَّرْعُ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ صِدْقَهُمْ، وَلَا قَضَى بِكَذِبِهِمْ رَحْمَةً بِالْعِبَادِ وَلُطْفًا بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَمَّا فِي الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ فَقَبِلَهُمْ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ لِلضَّرُورَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (الْمِثَالُ الثَّانِي) الْغَالِبُ صِدْقُ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ مِنْ جَمَاعَةِ النِّسْوَانِ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُمْ لَا سِيَّمَا مَعَ الْعَادِلَةِ فَأَلْغَى صَاحِبُ الشَّرْعِ صِدْقَهُنَّ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ، وَلَا حَكَمَ بِكَذِبِهِنَّ لُطْفًا بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ (الْمِثَالُ الثَّالِثُ) الْغَالِبُ صِدْقُ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ مِنْ الْكُفَّارِ وَالرُّهْبَانِ وَالْأَحْبَارِ إذَا شَهِدُوا، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُمْ فَأَلْغَى صَاحِبُ الشَّرْعِ صِدْقَهُمْ لُطْفًا بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِكَذِبِهِمْ (الْمِثَالُ الرَّابِعُ) الْغَالِبُ صِدْقُ شَهَادَةِ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ مِنْ الْفَسَقَةِ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُمْ فَلَمْ يَحْكُمْ الشَّرْعُ بِصِدْقِهِمْ لُطْفًا بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِكَذِبِهِمْ (الْمِثَالُ الْخَامِسُ) الْغَالِبُ صِدْقُ شَهَادَةِ ثَلَاثَةِ عُدُولٍ فِي الزِّنَا فَلَمْ يَحْكُمْ الشَّرْعُ بِهِ سِتْرًا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِكَذِبِهِمْ بَلْ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ قَذَفُوهُ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ شُهُودُ زُورٍ (الْمِثَالُ السَّادِسُ) الْغَالِبُ صِدْقُ شَهَادَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ فِي أَحْكَامِ الْأَبْدَانِ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُ فَلَمْ يَحْكُمْ الشَّرْعُ بِصِدْقِهِ لُطْفًا بِالْعِبَادِ وَرَحْمَةً بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَمْ يُكَذِّبْهُ (الْمِثَالُ السَّابِعُ) الْغَالِبُ صِدْقُ حَلِفِ الْمُدَّعِي الطَّالِبِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُ فَلَمْ يَقْضِ الشَّارِعُ بِصِدْقِهِ فَيَحْكُمُ لَهُ بِيَمِينِهِ بَلْ اشْتَرَطَ فِي الْحُكْمِ لَهُ الْبَيِّنَةَ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِكَذِبِهِ لُطْفًا بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ

[الفرق بين قاعدة ما يصح الإقراع فيه وبين قاعدة ما لا يصح الإقراع فيه]

بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ أَنَّهُ أَيْمَانٌ وَالْأَيْمَانُ لَا تَتَدَاخَلُ بِخِلَافِ الْحُدُودِ فَلَوْ وَجَبَ لِجَمَاعَةٍ أَيْمَانٌ لَمْ تَتَدَاخَلْ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ فَلَوْ غَلَبَ فِيهِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ لَمْ يَتَدَاخَلْ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ كَمَا لَمْ يَتَدَاخَلْ الْإِتْلَافُ وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ الثَّالِثِ. (تَنْبِيهٌ) تَخَيَّلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] أَنَّ مُقَابَلَةَ جَمْعِ الْمُحْصَنَاتِ بِجِلْدِ ثَمَانِينَ يَقْتَضِي لُغَةً أَنَّ حَدَّ الْجَمَاعَةِ يَكُونُ حَدًّا وَاحِدًا وَيَحْصُلُ التَّدَاخُلُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِسَبَبِ قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ فِي اللُّغَةِ تَارَةً تُوَزِّعُ الْأَفْرَادَ عَلَى الْأَفْرَادِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] فَلَا يَصِحُّ إلَّا التَّوْزِيعُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ رَهْنٌ يُؤْمَرُ بِهِ وَكَقَوْلِنَا الدَّنَانِيرُ لِلْوَرَثَةِ وَتَارَةً لَا يُوَزِّعُ الْجَمْعَ بَلْ يُثْبِتُ أَحَدَ الْجَمْعَيْنِ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ الْجَمْعِ الْآخَرِ نَحْوَ الثَّمَانِينَ جَلْدُ الْقَذْفِ أَوْ جَلْدُ الْقَذْفِ ثَمَانُونَ وَتَارَةً يُثْبِتُ الْجَمْعَ لِلْجَمْعِ، وَلَا يَحْكُمُ عَلَى الْأَفْرَادِ نَحْوَ الْحُدُودِ لِلْجِنَايَاتِ إذَا قَصَدَ أَنَّ الْمَجْمُوعَ لِلْمَجْمُوعِ وَتَارَةً يَرِدُ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لِلتَّوْزِيعِ وَعَدَمِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ} [لقمان: 8] يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ عَدَدُ جَنَّاتٍ بِمَعْنَى بَسَاتِينَ دَاخِلَ الْجَنَّةِ وَمَنَازِلَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُوَزَّعَ فَيَكُونُ لِبَعْضِهِمْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ وَلِبَعْضِهِمْ جَنَّةُ الْمَأْوَى وَلِبَعْضِهِمْ أَهْلُ عِلِّيِّينَ، وَإِذَا اخْتَلَفَ أَحْوَالُ الْمُقَابَلَةِ بَيْنَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ وَجَبَ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ (الْمِثَالُ الثَّامِنُ) الْغَالِبُ صِدْقُ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ فِي الرِّوَايَةِ بِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ الْمُتَدَيِّنِينَ الْمُعْتَقِدِينَ لِتَحْرِيمِ الْكَذِبِ فِي دِينِهِمْ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُمْ فَلَمْ يَعْتَبِرْ الشَّرْعُ صِدْقَهُمْ لُطْفًا بِالْعِبَادِ وَسَدًّا لِذَرِيعَةِ أَنْ يَدْخُلَ فِي دِينِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ (الْمِثَالُ التَّاسِعُ) الْغَالِبُ صِدْقُ رِوَايَةِ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ مِنْ الْفَسَقَةِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَنُهْبَةِ الْأَمْوَالِ، وَهُمْ رُؤَسَاءُ عُظَمَاءُ فِي الْوُجُودِ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى الرِّوَايَةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا سِيَّمَا إنْ مَنَعُوا مِنْ الْكَذِبِ لِوَازِعٍ طَبِيعِيٍّ لَا تَدَيُّنًا لَمْ يَقْبَلْ الشَّرْعُ رِوَايَتَهُمْ صَوْنًا لِلْعِبَادِ عَنْ أَنْ يُدْخِلَ فِي دِينِهِمْ مَا لَيْسَ مِنْهُ بَلْ جَعَلَ الضَّابِطَ الْعَدَالَةَ، وَلَمْ يَحْكُمْ بِكَذِبِهِمْ (الْمِثَالُ الْعَاشِرُ) الْغَالِبُ صِدْقُ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ مِنْ الْجَاهِلِينَ فِي رِوَايَتِهِمْ لِلْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُمْ فَلَمْ يَحْكُمْ الشَّرْعُ بِصِدْقِهِمْ وَلَا بِكَذِبِهِمْ لُطْفًا بِالْعِبَادِ (الْمِثَالُ الْحَادِي عَشَرَ) الْغَالِبُ أَنْ يَكُونَ أَخْذُ السُّرَّاقِ الْمُتَّهَمِينَ بِالتُّهَمِ وَقَرَائِنِ أَحْوَالِهِمْ كَمَا يَفْعَلُهُ الْأُمَرَاءُ الْيَوْمَ دُونَ الْإِقْرَارِ الصَّحِيحِ وَالْبَيِّنَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ مُصَادِفًا لِلصَّوَابِ، وَالنَّادِرُ خَطَؤُهُمْ، وَمَعَ ذَلِكَ أَلْغَاهُ الشَّرْعُ صَوْنًا لِلْأَعْرَاضِ وَالْأَطْرَافِ عَنْ الْقَطْعِ (الْمِثَالُ الثَّانِي عَشَرَ) الْغَالِبُ أَنْ يَكُونَ أَخْذُ الْحَاكِمِ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مِنْ التَّظَلُّمِ وَكَثْرَةِ الشَّكْوَى وَالْبُكَاءِ مَعَ كَوْنِ الْخَصْمِ مَشْهُورًا بِالْفَسَادِ وَالْعِنَادِ مُصَادِفًا لِلْحَقِّ، وَالنَّادِرُ خَطَؤُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ مَنَعَهُ الشَّارِعُ مِنْهُ وَحَرَّمَهُ إذْ لَا يَضُرُّ الْحَاكِمَ ضَيَاعُ حَقٍّ لَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ (الْمِثَالُ الثَّالِثَ عَشَرَ) الْغَالِبُ عَلَى مَنْ وُجِدَ بَيْنَ فَخِذَيْ امْرَأَةٍ، وَهُوَ مُتَحَرِّكٌ حَرَكَةَ الْوَاطِئِ وَطَالَ الزَّمَانُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَوْلَجَ، وَالنَّادِرُ عَدَمُ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْكُمْ الشَّارِعُ بِوَطْئِهِ وَلَا بِعَدَمِهِ إذَا شُهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَأَلْغَى هَذَا الْغَالِبَ سَتْرًا عَلَى الْعِبَادِ (الْمِثَالُ الرَّابِعَ عَشَرَ) الْغَالِبُ صِدْقُ شَهَادَةِ الْعَدْلِ الْمُبَرَّزِ لِوَلَدِهِ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُ فَلَمْ يَحْكُمُ الشَّرْعُ بِصِدْقِهِ، وَلَا بِكَذِبِهِ بَلْ أَلْغَاهَا جُمْلَةً (الْمِثَالُ السَّادِسَ عَشَرَ) الْغَالِبُ صِدْقُ شَهَادَةِ الْعَدْلِ الْمُبَرَّزِ عَلَى خَصْمِهِ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُ فَأَلْغَى الشَّارِعُ صِدْقَهُ وَكَذِبَهُ (الْمِثَالُ السَّابِعَ عَشَرَ) الْغَالِبُ صِدْقُ شَهَادَةِ الْحَاكِمِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ إذَا عُزِلَ، وَصِدْقُ شَهَادَةِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ مُطْلَقًا إذَا وَقَعَتْ مِنْ الْعَدْلِ الْمُبَرَّزِ، وَالنَّادِرُ كَذِبُهُ فِيهَا فَأَلْغَى الشَّارِعُ صِدْقَهُ وَكَذِبَهُ (الْمِثَالُ الثَّامِنَ عَشَرَ) الْغَالِبُ أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي لِنَفْسِهِ وَهُوَ عَدْلٌ مُبَرَّزٌ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ إنَّمَا يَكُونُ بِالْحَقِّ، وَالنَّادِرُ أَنْ يَكُونَ بِخِلَافِهِ فَأَلْغَى الشَّرْعُ اعْتِبَارَ صِحَّةِ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَبُطْلَانِهِ مَعًا (الْمِثَالُ التَّاسِعَ عَشَرَ) الْغَالِبُ الْقُرْءُ الْوَاحِدُ فِي الْعَدَدِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ، وَالنَّادِرُ شَغْلُهُ مَعَهُ فَأَلْغَى الشَّارِعُ اعْتِبَارَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَمْ يَحْكُمْ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ مَعَهُ حَتَّى يَنْضَمَّ إلَيْهِ قُرْءَانِ آخَرَانِ (الْمِثَالُ الْعِشْرُونَ) الْغَالِبُ بَرَاءَةُ رَحِمِ مَنْ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا سِنِينَ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا، وَالنَّادِرُ شَغْلُهُ بِالْوَلَدِ فَأَلْغَى الشَّرْعُ اعْتِبَارَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَأَوْجَبَ عَلَيْهَا اسْتِئْنَافَ الْعِدَّةِ بَعْدَ الْوَفَاةِ أَوْ الطَّلَاقِ لِأَنَّ وُقُوعَ الْحُكْمِ قَبْلَ سَبَبِهِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ قَالَ وَنَظَائِرُ هَذَا الْغَالِبِ الَّذِي أَلْغَاهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ، وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ - إمَّا مَعَ الْمُبَالَغَةِ فِي إلْغَائِهِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ نَادِرِهِ أَيْضًا كَمَا هُنَا، وَإِمَّا مَعَ الْمُبَالَغَةِ فِي إلْغَائِهِ بِاعْتِبَارِ نَادِرِهِ دُونَهُ كَمَا تَقَدَّمَ - كَثِيرَةٌ فِي الشَّرْعِ، وَهَذِهِ أَرْبَعُونَ مِثَالًا قَدْ سُرِدَتْ فِي ذَلِكَ مِنْ أَرْبَعِينَ جِنْسًا فَهِيَ أَرْبَعُونَ جِنْسًا أُلْغِيَتْ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَصِحُّ الْإِقْرَاعُ فِيهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَصِحُّ الْإِقْرَاعُ فِيهِ] (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَصِحُّ الْإِقْرَاعُ فِيهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَصِحُّ الْإِقْرَاعُ فِيهِ) وَضَابِطُهُ كَمَا فِي الْأَصْلِ، وَسَلَّمَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ أَنَّ مَا تَحَقَّقَ فِيهِ شَرْطَانِ (الْأَوَّلُ) تَسَاوِي الْحُقُوقِ وَالْمَصَالِحِ (وَالثَّانِي) قَبُولُ

الثَّلَاثِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الِاشْتِرَاكُ أَوْ الْمَجَازُ فَيَبْطُلُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى مُقَابَلَةِ الْجَمَاعَةِ الْمَقْذُوفَةِ بِحَدٍّ وَاحِدٍ كَمَا تَخَيَّلَهُ الطُّرْطُوشِيُّ وَغَيْرُهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ الْمَقْذُوفَةِ وَالزَّوْجَاتِ بِأَنَّهُ أَيْمَانٌ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ أَحْكَامَ اللِّعَانِ تُعَدُّ فِي تَوَجُّهِ الْحَدِّ عَلَى الْمَرْأَةِ وَانْتِفَاءِ النَّسَبِ وَالْمِيرَاثِ وَتَأَبُّدِ التَّحْرِيمِ وَوُقُوعِ الْفُرْقَةِ. وَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ فَمَقْصُودٌ وَاحِدٌ وَهُوَ التَّشَفِّي وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِجَلْدٍ وَاحِدٍ ثُمَّ لَمَّا اخْتَلَفَتْ الْأَحْكَامُ أَمْكَنَ ثُبُوتُ بَرَاءَةِ هَذِهِ دُونَ هَذِهِ أَوْ بِحَدٍّ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ فَنَاسَبَ إفْرَادَ كُلِّ وَاحِدٍ بِلِعَانٍ لِتَوَقُّعِ ثُبُوتِ بَعْضِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ فِي بَعْضٍ دُونَ الْبَاقِي. وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ مَطْلُوبَةٌ لِلْبَقَاءِ فَنَاسَبَ التَّغْلِيظَ بِالتَّعَدُّدِ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْقَاذِفِ وَالْمَقْذُوفِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ. (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحُدُودِ وَقَاعِدَةِ التَّعَازِيرِ مِنْ وُجُوهٍ عَشَرَةٍ) . (أَحَدِهَا) أَنَّهَا غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ أَكْثَرِهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ تَحْدِيدِ أَقَلِّهِ فَعِنْدَنَا هُوَ غَيْرُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحُدُودِ وَقَاعِدَةِ التَّعَازِيرِ مِنْ وُجُوهٍ) قُلْتُ جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ أَغْفَلَ مِنْ الْأَجْوِبَةِ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَجْلِدُوا فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ فِي غَيْرِ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» أَصَحَّهَا، وَأَقْوَاهَا وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ الْحُدُودِ فِي لَفْظِ الشَّرْعِ لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى الزِّنَا وَشَبَهِهِ بَلْ لَفْظُ الْحُدُودِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ مَأْمُورٍ بِهِ وَمَنْهِيٍّ عَنْهُ فَالتَّعْلِيقُ عَلَى هَذَا مِنْ جُمْلَةِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قِيلَ الْحَدِيثُ يَقْتَضِي مَفْهُومُهُ أَنَّهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرِّضَا بِالنَّقْلِ فَهُوَ مَوْضِعُ الْقُرْعَةِ عِنْدَ الشَّارِعِ دَفْعًا لِلضَّغَائِنِ وَالْأَحْقَادِ، وَالرِّضَا بِمَا جَرَتْ بِهِ الْأَقْدَارُ، وَمَا فُقِدَ فِيهِ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ تَعَذَّرَتْ فِيهِ الْقُرْعَةُ فَمَتَى تَعَيَّنَتْ الْمَصْلَحَةُ أَوْ الْحَقُّ فِي جِهَةٍ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَاعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لِأَنَّ فِي الْقُرْعَةِ ضَيَاعَ ذَلِكَ الْحَقِّ الْمُتَعَيَّنِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ الْمُتَعَيَّنَةِ وَمَتَى لَمْ يَقْبَلْ الشَّيْءُ الرِّضَا بِالنَّقْلِ كَحُرِّيَّةِ الرَّقِيقِ حَالَةَ الصِّحَّةِ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَاعُ فِيهِ كَمَا سَيَتَّضِحُ مِنْ الْمَبَاحِثِ وَالِاخْتِلَافَاتِ وَالِاتِّفَاقَاتِ الْآتِيَةِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي مَوَاضِعَ: (أَحَدِهِمَا) بَيْنَ الْخُلَفَاءِ إذَا اسْتَوَتْ فِيهِمْ الْأَهْلِيَّةُ لِلْوِلَايَةِ (ثَانِيهِمَا) بَيْنَ الْأَئِمَّةِ لِلصَّلَاةِ إذَا اسْتَوَوْا (ثَالِثِهَا) بَيْنَ الْمُؤَذِّنِينَ فِي الْمَغْرِبِ مَعَ الِاسْتِوَاءِ أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَاسٍ (رَابِعِهَا) فِي التَّقَدُّمِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ عِنْدَ الزِّحَامِ (خَامِسِهَا) فِي تَغْسِيلِ الْأَمْوَاتِ عِنْدَ تَزَاحُمِ الْأَوْلِيَاءِ وَتَسَاوِيهِمْ فِي الطَّبَقَاتِ (سَادِسِهَا) فِي الْحَضَانَةِ فَفِي التَّوْضِيحِ، وَتَدْخُلُ الْقُرْعَةُ بَيْنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ عِنْدَ إثْغَارِ الذَّكَرِ لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَصَّارِ وَابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِمَا اُنْظُرْهُ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَحَضَانَةُ الذَّكَرِ حَتَّى يَحْتَلِمَ (سَابِعِهَا) بَيْنَ الزَّوْجَاتِ عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ (ثَامِنُهَا) فِي بَابِ الْقِسْمَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي الْأُصُولِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَالنُّقُودِ إذَا اسْتَوَى فِيهِ الْوَزْنُ وَالْقِيمَةُ، وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ وَاخْتِلَافٌ مَحَلُّهُ كُتُبُ الْفِقْهِ (تَاسِعِهَا) بَيْنَ الْخُصُومِ فِي التَّقَدُّمِ إلَى الْحَاكِمِ فِي الْحُكْمِ (عَاشِرُهَا) بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فَيَمِينٌ تَكُونُ مُحَاكَمَتُهَا عِنْدَهُ (حَادِي عَشَرَتِهَا) إذَا ازْدَحَمَ اثْنَانِ عَلَى اللَّقِيطِ فَالسَّابِقُ أَوْلَى، وَإِلَّا فَالْقُرْعَةُ (ثَانِي عَشَرَتِهَا) إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَقُلْنَا أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ، وَاخْتَلَفَا فِيمَنْ يَبْدَأُ بِالْيَمِينِ فَفِيهِ أَقْوَالٌ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَالْمَشْهُورُ تَقْدِمَةُ الْبَائِعِ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَانِ يَخْتَلِفَانِ فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ فَيَتَحَالَفَانِ (ثَالِثِ عَشَرَتِهَا) فِي الْمُتَيْطِيَّةِ أَنَّ كِتَابَةَ الْوَثَائِقِ وَالْمَكَاتِيبِ فَرْضٌ عَلَى مَنْ يَعْلَمْهَا إذْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ سِوَاهُ، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً كَانَتْ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَإِنْ قَامَ بِهَا أَحَدُهُمْ سَقَطَ الطَّلَبُ عَنْ الْبَاقِينَ، وَإِنْ امْتَنَعُوا جَمِيعُهُمْ اقْتَرَعُوا فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ كَتَبَ (رَابِعَ عَشَرَتِهَا) فِي شَرْعِ الْجَلَّابِ فِيمَنْ يَبْدَأُ بِهِ مِنْ الْوَصَايَا إذَا اجْتَمَعَ عِتْقُ الظِّهَارِ، وَعِتْقُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ، وَضَاقَ الثُّلُثُ فَأَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عِتْقُ بَعْضِ الرَّقَبَةِ فَيُقْرِعُ بَيْنَهُمَا فَيَصِحُّ الْعِتْقُ لِأَحَدِهِمَا (خَامِسُ عَشَرَتِهَا) إذَا انْكَسَرَتْ يَمِينٌ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا عَلَى أَكْثَرِهِمْ نَصِيبًا مِنْ الْأَيْمَانِ، وَقِيلَ أَكْثَرُهُمْ نَصِيبًا مِنْ الْكَسْرِ، وَقِيلَ يَقْرَعُ بَيْنَهُمْ عَلَيْهَا (سَادِسِ عَشَرَتِهَا) إذَا تَقَارَبَتْ الْأَنَادِرُ وَأَرَادُوا الذَّرْوَ وَكَانَ يَخْتَلِطُ نَبْتُهُمْ إذَا ذَرُّوا جَمِيعًا فَيُقَالُ اقْتَرِعُوا عَلَى الذَّرْوِ فَإِنْ أَبَوْا لَمْ يُجْبَرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَى قَطْعِ أَنْدَرِهِ، وَيُقَالُ لِمَنْ أَذْرَى عَلَى صَاحِبِهِ أَتْلَفْت نَبْتَك لَا شَيْءَ لَك مِنْ الطُّرَرِ (سَابِعَ عَشَرَتِهَا) إذَا زُفَّتْ إلَيْهِ امْرَأَتَانِ فِي لَيْلَةٍ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُ يَخْتَارُ (ثَامِنَ عَشَرَتِهَا) يُقْرِعُ الْحَاكِمُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ إذَا تَنَازَعَا فِيمَنْ هُوَ الْمُدَّعِي مِنْهُمَا، وَأَشْكَلَ عَلَى الْحَاكِمِ مَعْرِفَةُ الْمُدَّعِي (تَاسِعَ عَشَرَتِهَا) تَقْسِيمُ الْغَنِيمَةِ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ فَإِذَا اعْتَدَلَتْ ضَرَبَ عَلَيْهَا بِالْقُرْعَةِ فَإِذَا تَعَيَّنَ الْخُمُسُ أُفْرِدَ ثُمَّ جُمِعَتْ الْأَرْبَعَةُ فَبِيعَتْ، وَقُسِّمَ ثَمَنُهَا أَوْ قُسِّمَتْ الْغَنِيمَةُ بِأَعْيَانِهَا بَيْنَ أَهْلِ الْجَيْشِ عَلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ فَانْظُرْ شَرْحَ الرِّسَالَةِ لِلتَّادَلِيِّ فِي بَابِ الْجِهَادِ (الْمُوفِي عِشْرِينَ) إذَا اجْتَمَعَتْ الْجَنَائِزُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَاسْتَوَتْ الْأَوْلِيَاءُ فِي الْفَضْلِ، وَتَشَاحُّوا فِي التَّقَدُّمِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ (الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ) إذَا اجْتَمَعَ الْخُصُومُ عِنْدَ الْقَاضِي، وَفِيهِمْ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ، وَخَافَ الْمُسَافِرُونَ فَوَاتَ الرُّفْقَةِ قُدِّمُوا إلَّا أَنْ يَكْثُرُوا

مَحْدُودٍ بَلْ بِحَسَبِ الْجِنَايَةِ وَالْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُجَاوِزُ بِهِ أَقَلَّ الْحُدُودِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ حَدُّ الْعَبْدِ بَلْ يَنْقُصُ مِنْهُ سَوْطٌ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ لَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ مَعْنَ بْنَ زَائِدَةَ زَوَّرَ كِتَابًا عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَقَشَ خَاتَمًا مِثْلَ خَاتَمِهِ فَجُلِدَ مِائَةً فَشَفَعَ فِيهِ قَوْمٌ فَقَالَ أَذْكَرُونِي الطَّعْنَ وَكُنْت نَاسِيًا فَجَلَدَهُ مِائَةً أُخْرَى ثُمَّ جَلَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِائَةً أُخْرَى وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ مُسَاوَاةُ الْعُقُوبَاتِ لِلْجِنَايَاتِ احْتَجُّوا بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَجْلِدُوا فَوْقَ عَشْرٍ فِي غَيْرِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» وَالْجَوَابُ أَنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِهِمْ فَإِنَّهُمْ يَزِيدُونَ عَلَى عَشْرٍ أَوْ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى طِبَاعِ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَمَا قَالَ الْحَسَنُ إنَّكُمْ لَتَأْتُونَ أُمُورًا هِيَ فِي أَعْيُنِكُمْ أَدَقُّ مِنْ الشَّعْرِ إنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــSيُجْلَدُ عَشْرَ جَلَدَاتٍ فَمَا دُونَهَا فِي غَيْرِ الْحُدُودِ فَمَا الْمُرَادُ بِذَلِكَ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جَلْدُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ كَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْبَهَائِمِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَغْفَلَ أَيْضًا التَّنْبِيهَ عَلَى ضَعْفِ قَوْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْجِنَايَةَ الْحَقِيرَةَ تَسْقُطُ عُقُوبَتُهَا وَبَيَانُ ضَعْفِ ذَلِكَ الْقَوْلِ بَلْ بُطْلَانِهِ أَنَّ قَوْلَهُ الْعُقُوبَةُ الصَّالِحَةُ لَهَا لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا رَدْعًا، قَوْلٌ مُتَنَافٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ الْعُقُوبَةِ صَالِحَةً لِلْجِنَايَةِ إلَّا أَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِيهَا الْعَادَةُ الْجَارِيَةُ رَدْعًا فَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تُؤَثِّرُ رَدْعًا فَلَيْسَتْ بِصَالِحَةٍ لَهَا هَذَا أَمْرٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَلَا إشْكَالَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَجَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي الْفُرُوقِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ أَوْ نَقْلٌ وَتَرْجِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكَثْرَةً يَلْحَقُ الْمُقِيمِينَ مِنْهَا ضَرَرٌ فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمْ ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ (الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ) فِي عِتْقِ الْعَبِيدِ إذَا أَوْصَى بِعِتْقِهِمْ أَوْ بِثُلُثِهِمْ فِي الْمَرَضِ ثُمَّ مَاتَ، وَلَمْ يَحْمِلْهُمْ الثُّلُثُ عَتَقَ مَبْلَغُ الثُّلُثِ مِنْهُمْ بِالْقُرْعَةِ اهـ زَادَ الْأَصْلُ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ غَيْرُهُمْ عَتَقَ ثُلُثِهِمْ أَيْضًا بِالْقُرْعَةِ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَجُوزُ الْقُرْعَةُ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِهِمْ، وَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهُ وَيُسْتَسْعَى فِي بَاقِي قِيمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا فَيَعْتِقُ، لَنَا سِتَّةٌ وُجُوهٍ (الْأَوَّلُ) مَا فِي الْمُوَطَّإِ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبِيدًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَعْتَقَ ثُلُثَ الْعَبِيدِ» قَالَ مَالِكٌ ، وَبَلَغَنِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ الرَّجُلِ مَالٌ غَيْرُهُمْ (الثَّانِي) مَا فِي الصِّحَاحِ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمَالِيكَ لَهُ فِي مَرَضِهِ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ فَدَعَاهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَزَّأَهُمْ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ اثْنَيْنِ، وَرَقَّ أَرْبَعَةً» (الثَّالِثُ) إجْمَاعُ التَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى ذَلِكَ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَابْنُ سِيرِينَ، وَغَيْرُهُمْ، وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ مِنْ مِصْرِهِمْ أَحَدٌ (الرَّابِعُ) الْقِيَاسُ عَلَى قِسْمَةِ الْأَرْضِ الَّتِي وَافَقْنَا فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذْ لَا مُرَجِّحَ (الْخَامِسُ) أَنَّ فِي الِاسْتِسْعَاءِ مَشَقَّةً وَضَرَرًا عَلَى الْعَبِيدِ بِالْإِلْزَامِ، وَعَلَى الْوَرَثَةِ بِتَأْخِيرِ الْحَقِّ، وَتَعْجِيلِ حَقِّ الْمُوصِي لَهُ، وَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي تَقْدِيمَ حَقِّ الْوَارِثِ لِأَنَّ لَهُ الثُّلُثَيْنِ (السَّادِسُ) أَنَّ مَقْصُودَ الْوَصِيِّ كَمَالُ الْعِتْقِ فِي الْعَبْدِ لِيَتَفَرَّغَ لِلطَّلَعَاتِ، وَيَحُوزَ الِاكْتِسَابَ وَالْمَنَافِعَ مِنْ نَفْسِهِ، وَتَجْزِئَةُ الْعِتْقِ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ لَا يَحْصُلُ الْكَمَالُ أَبَدًا، وَأَمَّا الْأَوْجُهُ السِّتَّةُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا (فَالْأَوَّلُ) قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا عِتْقَ إلَّا فِيمَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» ، وَالْمَرِيضُ مَالِكُ الثُّلُثِ مِنْ كُلِّ عَبْدٍ فَيَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ فِيهَا، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ اثْنَيْنِ يَحْتَمِلُ شَائِعَيْنِ لَا مُعَيَّنَيْنِ، وَيُؤَكِّدُهُ أَنَّ الْعَادَةَ تَقْتَضِي اخْتِلَافَ قِيَمِ الْعَبِيدِ فَيَتَعَذَّرُ أَنْ يَكُونَ اثْنَانِ مُعَيَّنَانِ ثُلُثَ مَالِهِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا وَقَعَ فِيمَا يَمْلِكُ وَمَا قَالَ الْعِتْقُ فِي كُلِّ مَا يَمْلِكُ فَإِذَا نَفَذَ الْعِتْقُ فِي عَبْدَيْنِ وَقَعَ الْعِتْقُ فِيمَا يَمْلِكُ، وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ قَضِيَّةُ عَيْنٍ فَنَقُولُ هِيَ وَرَدَتْ فِي تَمْهِيدِ قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ كَالرَّجْمِ وَغَيْرِهِ فَتَعُمُّ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» ، وَقَوْلُهُ إنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ شَائِعًا بَاطِلٌ بِالْقُرْعَةِ لِأَنَّهَا لَا مَعْنًى لَهَا مَعَ الْإِشَاعَةِ، وَاتِّفَاقُهُمْ فِي الْقِيمَةِ لَيْسَ مُتَعَذِّرًا عَادَةً لَا سِيَّمَا مَعَ الْجَلْبِ وَوَخْشِ الرَّقِيقِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الْقُرْعَةَ عَلَى خِلَافِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَيْسِرِ، وَعَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ لِأَنَّ فِيهِ الْحُرِّيَّةَ بِالْقُرْعَةِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَيْسِرَ هُوَ الْقِمَارُ، وَتَمْيِيزُ الْحُقُوقِ لَيْسَ قِمَارًا، وَقَدْ أَقْرَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَزْوَاجِهِ وَغَيْرِهِمْ، وَاسْتُعْمِلَتْ الْقُرْعَةُ فِي شَرَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141] الْآيَةَ و {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 44] وَلَيْسَ فِيهَا نَقْلُ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ عِتْقَ الْمَرِيضِ لَمْ يَتَحَقَّقْ لِأَنَّهُ إنْ صَحَّ عَتَقَ الْجَمِيعُ، وَإِنْ طَرَأَتْ دُيُونٌ بَطَلَ، وَإِنْ مَاتَ، وَهُوَ يُخْرِجُ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ فَلَمْ يَقَعْ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْعِتْقِ إلَّا مَا أَخْرَجَتْهُ الْقُرْعَةُ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ كُلِّ وَاحِدٍ صَحَّ فَيَنْفُذُ هَاهُنَا قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى حَالِ الصِّحَّةِ (وَجَوَابُهُ) أَنَّ مَقْصُودَ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالتَّمْلِيكِ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِي مِلْكِ الشَّائِعِ كَغَيْرِهِ، وَمَقْصُودُ الْعِتْقِ التَّخْلِيصُ لِلطَّاعَاتِ وَالِاكْتِسَابِ، وَلَا يَحْصُلُ مَعَ التَّبْعِيضِ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ شَائِعًا لَا يُؤَخِّرُ حَقَّ الْوَارِثِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَصِيَّةِ، وَهَاهُنَا يَتَأَخَّرُ بِالِاسْتِسْعَاءِ (وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّهُ لَوْ بَاعَ ثُلُثَ كُلِّ عَبْدٍ جَازَ، وَالْبَيْعُ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَالْعِتْقُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ فَهُوَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْقُرْعَةِ لِأَنَّ فِيهَا تَحْوِيلَ الْعِتْقِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ)

[الفرق بين قاعدة المعصية التي هي كفر وقاعدة ما ليس بكفر]

مِنْ الْمُوبِقَاتِ فَكَانَ يَكْفِيهِمْ قَلِيلُ التَّعْزِيرِ ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ فِي الْمَعَاصِي حَتَّى زَوَّرُوا خَاتَمَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ عَلَى قَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْفُجُورِ، وَلَمْ يَرِدْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَسْخَ حُكْمٍ بَلْ الْمُجْتَهِدُ فِيهِ يَنْتَقِلُ لَهُ الِاجْتِهَادُ لِاخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ. (وَثَانِيهَا) مِنْ الْفُرُوقِ أَنَّ الْحُدُودَ وَاجِبَةُ النُّفُوذِ وَالْإِقَامَةِ عَلَى الْأَئِمَّةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّعْزِيرِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَجَبَ كَالْمَحْدُودِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْإِمَامِ أَنَّ غَيْرَ الضَّرْبِ مَصْلَحَةٌ مِنْ الْمَلَامَةِ وَالْكَلَامِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْإِمَامِ إنْ شَاءَ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعَزِّرْ الْأَنْصَارِيَّ الَّذِي قَالَ لَهُ فِي حَقِّ الزُّبَيْرِ فِي أَمْرِ السَّقْيِ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِك» يَعْنِي فَسَامَحْتَهُ؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَلَا يَجِبُ كَضَرْبِ الْأَبِ وَالْمُعَلِّمِ وَالزَّوْجِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّهُ حَقٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَازَ لَهُ تَرْكُهُ بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] فَإِذَا قَسَطَ فَتَجِبُ إقَامَتُهُ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ غَيْرَ الْمُقَدَّرِ قَدْ يَجِبُ كَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ، وَنَصِيبُ الْإِنْسَانِ فِي بَيْتِ الْمَالِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ وَهُوَ وَاجِبٌ؛ وَلِأَنَّ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ كَانَتْ تَصْدُرُ لِجَفَاءِ الْأَعْرَابِ لَا لِقَصْدِ السَّبِّ. (وَثَالِثِ الْفُرُوقِ) أَنَّ التَّعْزِيرَ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ مِنْ جِهَةِ اخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الْجِنَايَاتِ وَهُوَ الْأَصْلُ بِدَلِيلِ الزِّنَا مِائَةٌ وَحَدُّ الْقَذْفِ ثَمَانُونَ وَالسَّرِقَةُ الْقَطْعُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَالِكًا لِثُلُثِهِمْ فَأَعْتَقَهُ لَمْ يَجْتَمِعْ ذَلِكَ فِي اثْنَيْنِ مِنْهُمْ، وَالْمَرِيضُ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَ الثُّلُثِ فَلَا يَجْمَعُ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَدَمِ الْمِلْكِ، وَالْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي نُفُوذِ الْعِتْقِ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ الثُّلُثَ فَقَطْ لَمْ يَحْصُلْ تَنَازُعٌ فِي الْعِتْقِ، وَلَا حِرْمَانٌ مِنْ تَنَاوُلِهِ لَفْظَ الْعِتْقِ (وَالْوَجْهُ السَّادِسُ) أَنَّ الْقُرْعَةَ إنَّمَا تَدْخُلُ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ فِيمَا يَجُوزُ التَّرَاضِي عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَالَةَ الصِّحَّةِ لَمَّا لَمْ يَجُزْ التَّرَاضِي عَلَى انْتِقَاضِهَا لَمْ يَجُزْ الْقُرْعَةُ فِيهَا، وَالْأَمْوَالُ يَجُوزُ التَّرَاضِي فِيهَا قَدْ خَلَتْ الْقُرْعَةُ فِيهَا، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ رَضِيَ تَنْفِيذَ عِتْقِ الْجَمِيعِ لَصَحَّ فَهُوَ يَدْخُلُهُ الرِّضَا اهـ كَلَامُ الْأَصْلِ، وَسَلَّمَهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ كُفْرٌ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ] (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ كُفْرٌ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ) : الِاحْتِيَاجُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا لِلْأَصْلِ مِنْ الْتِبَاسِ الْكُفْرِ بِالْكَبَائِرِ نَظَرًا لِمَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ الْكُفْرَ يُشَارِكُ مُطْلَقَ الْمَعْصِيَةِ كَبِيرَةً كَانَتْ أَوْ صَغِيرَةً فِي أَمْرَيْنِ. (الْأَمْرِ الْأَوَّلِ) فِي مُطْلَقِ انْتِهَاكِ حُرْمَةِ الرُّبُوبِيَّةِ. (الْأَمْرِ الثَّانِي) فِي مُطْلَقِ الْمَفْسَدَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالنَّوَاهِي تَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ كَمَا أَنَّ الْأَوَامِرَ تَعْتَمِدُ الْمَصَالِحَ، وَلَكِنَّ أَعْلَى رُتَبِ الْمَفَاسِدِ الْكُفْرُ، وَأَدْنَاهَا الصَّغَائِرُ وَالْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الرُّتْبَتَيْنِ الْكَبَائِرُ فَأَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ يَلِيهَا أَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ، وَأَدْنَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ يَلِيهَا أَعْلَى رُتَبِ الصَّغَائِرِ وَحِينَئِذٍ فَأَكْثَرُ الْتِبَاسِ الْكُفْرِ إنَّمَا هُوَ بِالْكَبَائِرِ. قَالَ مَا تَهْذِيبُهُ: وَالْمَجَالُ فِي تَحْرِيرِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا صَعْبٌ بَلْ التَّعَرُّضُ إلَى الْحَدِّ الَّذِي يَمْتَازُ بِهِ أَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ مِنْ أَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ عَسِيرٌ جِدًّا وَذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ الْكُفْرِ إنَّمَا هُوَ انْتِهَاكٌ خَاصٌّ لِحُرْمَةِ الرُّبُوبِيَّةِ إمَّا بِالْجَهْلِ بِوُجُودِ الصَّانِعِ أَوْ صِفَاتِهِ تَعَالَى، وَإِمَّا بِالْجُرْأَةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِكَرَمْيِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ أَوْ السُّجُودِ لِلصَّنَمِ أَوْ التَّرَدُّدِ لِلْكَنَائِسِ فِي أَعْيَادِهِمْ بِزِيِّ النَّصَارَى، وَمُبَاشَرَةِ أَحْوَالِهِمْ أَوْ جَحْدِ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ وَعُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ الْمُبَاحَاتِ، فَجَحْدُ إبَاحَةِ اللَّهِ التِّينَ وَالْعِنَبَ كُفْرٌ كَجَحْدِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَمَعْنَى عِلْمِهِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَنْ يُشْتَهَرَ فِي الدِّينِ حَتَّى يَصِيرَ ضَرُورِيًّا فَجَحْدُ الْمَسَائِلِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا إجْمَاعًا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا خَوَاصُّ الْفُقَهَاءِ بِحَيْثُ يَخْفَى الْإِجْمَاعُ فِيهَا لَيْسَ كُفْرًا، قَالَ: بَلْ قَدْ جَحَدَ أَصْلَ الْإِجْمَاعِ جَمَاعَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ الرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِجِ كَالنَّظَّامِ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا قَالَ بِكُفْرِهِمْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ جَحَدُوا أَصْلَ الْإِجْمَاعِ. وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ بَذَلُوا جُهْدَهُمْ فِي أَدِلَّتِهِ فَمَا ظَفِرُوا بِهَا كَمَا ظَفِرَ بِهَا الْجُمْهُورُ فَكَانَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي حَقِّهِمْ كَمَا أَنَّ مُتَجَدِّدَ الْإِسْلَامِ إذَا قَدِمَ مِنْ أَرْضِ الْكُفْرِ وَجَحَدَ فِي مَبَادِئِ أَمْرِهِ مَعْنَى شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الْمَعْلُومَةِ لَنَا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ لَا نُكَفِّرُهُ لِعُذْرِهِ بِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ، وَإِنْ كُنَّا نُكَفِّرُ بِذَلِكَ الْجَحْدِ غَيْرَهُ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّا لَا نُكَفِّرُ بِالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ حَتَّى يُقَالَ كَيْفَ تُكَفِّرُونَ جَاحِدَ الْمَسَائِلِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، وَلَا تُكَفِّرُونَ جَاحِدَ أَصْلِ الْإِجْمَاعِ وَكَيْفَ يَكُونُ الْفَرْعُ أَقْوَى مِنْ الْأَصْلِ بَلْ نُكَفِّرُ بِهِ مِنْ حَيْثُ الشُّهْرَةُ الْمُحَصِّلَةُ لِلضَّرُورَةِ فَمَنْ جَحَدَ إبَاحَةَ الْقِرَاضِ لَا نُكَفِّرُهُ، وَإِنْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ انْعِقَادَ الْإِجْمَاعِ فِيهِ إنَّمَا يَعْلَمُهُ خَوَاصُّ الْفُقَهَاءِ أَوْ الْفُقَهَاءُ دُونَ غَيْرِهِمْ فَلَمْ يُجْعَلْ الْفَرْعُ أَقْوَى مِنْ الْأَصْلِ فَافْهَمْ، وَأَلْحَقَ الْأَشْعَرِيُّ بِالْكُفْرِ أَيَّ جُرْأَةٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إرَادَةَ الْكُفْرِ كَبِنَاءِ الْكَنَائِسِ لِيَكْفُرَ فِيهَا أَوْ قَتْلِ نَبِيٍّ مَعَ اعْتِقَادِهِ صِحَّةَ رِسَالَتِهِ لِيُمِيتَ شَرِيعَتَهُ، وَمِنْهُ تَأْخِيرُ إسْلَامِ مَنْ أَتَى لِيُسْلِمَ عَلَى يَدَيْكَ فَتُشِيرُ عَلَيْهِ بِتَأْخِيرِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ إرَادَةٌ لِبَقَاءِ الْكُفْرِ، وَلَا يَنْدَرِجُ فِي إرَادَةِ الْكُفْرِ الدُّعَاءُ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ عَلَى مَنْ تُعَادِيهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إرَادَةُ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا فِيهِ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ اللَّهِ بَلْ

وَالْحِرَابَةُ الْقَتْلُ وَقَدْ خُولِفَتْ الْقَاعِدَةُ فِي الْحُدُودِ دُونَ التَّعَازِيرِ فَسَوَّى الشَّرْعُ بَيْنَ سَرِقَةِ دِينَارٍ وَسَرِقَةِ أَلْفِ دِينَارٍ وَشَارِبِ قَطْرَةٍ مِنْ الْخَمْرِ وَشَارِبِ جَرَّةٍ فِي الْحَدِّ مَعَ اخْتِلَافِ مَفَاسِدِهَا حَدًّا، وَعُقُوبَةُ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ سَوَاءٌ مَعَ أَنَّ حُرْمَةَ الْحُرِّ أَعْظَمُ لِجَلَالَةِ مِقْدَارِهِ بِدَلِيلِ رَجْمِ الْمُحْصَنِ دُونَ الْبِكْرِ لِعِظَمِ مِقْدَارِهِ مَعَ أَنَّ الْعَبِيدَ إنَّمَا سَاوَتْ الْأَحْرَارَ فِي السَّرِقَةِ وَالْحِرَابَةِ لِتَعَذُّرِ التَّجْزِئَةِ بِخِلَافِ الْجَلْدِ وَاسْتَوَى الْجُرْحُ اللَّطِيفُ السَّارِي لِلنَّفْسِ وَالْعَظِيمُ فِي الْقِصَاصِ مَعَ تَفَاوُتِهِمَا، وَقَتْلُ الرَّجُلِ الْعَالِمِ الصَّالِحِ التَّقِيِّ الشُّجَاعِ الْبَطَلِ مَعَ الْوَضِيعِ. (الرَّابِعِ) مِنْ الْفُرُوقِ أَنَّ التَّعْزِيرَ تَأْدِيبٌ يَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ، وَقَدْ لَا يَصْحَبُهَا الْعِصْيَانُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ كَتَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ وَالْبَهَائِمِ وَالْمَجَانِينِ اسْتِصْلَاحًا لَهُمْ مَعَ عَدَمِ الْمَعْصِيَةِ وَجَاءَ فِي هَذَا الْفَرْقِ فَرْعٌ وَهُوَ أَنَّ الْحَنَفِيَّ إذَا شَرِبَ النَّبِيذَ، وَلَمْ يَسْكَرْ قَالَ مَالِكٌ أَحُدُّهُ وَلَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ؛ لِأَنَّ تَقْلِيدَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ لِمُنَافَاتِهَا لِلْقِيَاسِ الْجَلِيِّ عَلَى الْخَمْرِ وَمُخَالَفَةِ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَحُدُّهُ، وَأَقْبَلُ شَهَادَتَهُ أَمَّا حَدُّهُ فَلِلْمَفْسَدَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ التَّوَسُّلِ لِإِفْسَادِ الْعَقْلِ، وَأَمَّا قَبُولُ شَهَادَتِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْصِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ التَّقْلِيدِ عِنْدَهُ، قَالَ: وَالْعُقُوبَاتُ تَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ لَا الْمَعَاصِيَ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ عُقُوبَتِهِ وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ وَيَبْطُلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي التَّعَازِيرِ أَمَّا الْحُدُودُ الْمُقَدَّرَةُ فَلَمْ تُوجَدْ فِي الشَّرْعِ إلَّا فِي مَعْصِيَةٍ عَمَلًا بِالِاسْتِقْرَاءِ، فَالْحَقُّ مَعَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإذَايَةُ الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ. وَلَيْسَ مِنْهُ أَيْضًا اخْتِيَارُ الْإِمَامِ عَقْدَ الْجِزْيَةِ عَلَى الْأُسَارَى الْمُوجِبِ لِاسْتِمْرَارِ الْكُفْرِ فِي قُلُوبِهِمْ عَلَى قَتْلِهِمْ الْمُوجِبِ لِمَحْوِ الْكُفْرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ تَوَقُّعُ الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمْ إذَا بَقُوا أَحْيَاءً وَعَدَمُ سَدِّ بَابِ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمْ بِقَتْلِهِمْ فَحُصُولُ الْكُفْرِ بِإِبْقَائِهِمْ أَحْيَاءَ وَقَعَ بِالْعَرَضِ فَهُوَ مَشْرُوعٌ مَأْمُورٌ بِهِ بَلْ وَاجِبٌ عِنْدَ تَعَيُّنِ مُقْتَضِيهِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الْفَاعِلُ بِخِلَافِ الدُّعَاءِ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَيَأْثَمُ قَائِلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكْفُرْ بِذَلِكَ. قَالَ: وَالِانْتِهَاكُ الْخَاصُّ الْمُمَيِّزُ لِلْكُفْرِ عَنْ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ إنَّمَا يَتَبَيَّنُ خُصُوصُهُ بِبَيَانِ أَقْسَامِ الْجَهْلِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبَيَانِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجُرْأَةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَأَمَّا أَقْسَامُ الْجَهْلِ فَعَشَرَةٌ. (أَحَدُهَا) مَا لَمْ نُؤْمَرْ بِإِزَالَتِهِ أَصْلًا، وَلَمْ نُؤَاخَذْ بِبَقَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ لَنَا لَا يُمْكِنُ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ وَهُوَ جَلَالُ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتُهُ الَّتِي لَمْ تَدُلَّ عَلَيْهَا الصَّنْعَةُ، وَلَمْ يَقْدِرْ الْعَبْدُ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِالنَّظَرِ فَعَفَا عَنْهُ لِعَجْزِنَا عَنْهُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» وَقَوْلِ الصِّدِّيقِ الْعَجْزُ عَنْ دَرْكِ الْإِدْرَاكِ إدْرَاكٌ. (وَثَانِيهَا) مَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ كُفْرٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِ الشِّفَاءِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ جَحَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ أَوْ مُتَكَلِّمٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ فَإِنْ جَهِلَ الصِّفَةَ وَلَمْ يَنْفِهَا كَفَّرَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ لَا يَكْفُرُ، وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْأَشْعَرِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَمِّمْ عَلَى اعْتِقَادِ ذَلِكَ، وَيَعْضُدُهُ حَدِيثُ الْقَائِلِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لِيُعَذِّبَنِّي الْحَدِيثَ وَحَدِيثُ «السَّوْدَاءِ لَمَّا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ» قَالَ، وَلَوْ كُوشِفَ أَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى الصِّفَاتِ لَمْ يَعْلَمْهَا. قَالَ الْأَصْلُ: فَنَفْيُ الصِّفَاتِ وَالْجَزْمُ بِنَفْيِهَا هُوَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ نَفْيَ الْعِلْمِ أَوْ الْكَلَامِ أَوْ الْإِرَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَلْ الْعَالِمُ وَالْمُتَكَلِّمُ وَالْمُرِيدُ فَالْمُجْمَعُ عَلَى كُفْرِهِ هُوَ مَنْ نَفَى أَصْلَ الْمَعْنَى وَحُكْمَهُ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَالدَّهْرِيَّةِ دُونَ أَرْبَابِ الشَّرَائِعِ. (وَالثَّالِثُ) مَا اُخْتُلِفَ فِي التَّكْفِيرِ بِهِ وَهُوَ مَنْ أَثْبَتَ الْأَحْكَامَ دُونَ الصِّفَاتِ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَمُتَكَلِّمٌ بِغَيْرِ كَلَامٍ، وَمُرِيدٌ بِغَيْرِ إرَادَةٍ وَحَيٌّ بِغَيْرِ حَيَاةٍ وَهَكَذَا بَقِيَّةُ الصِّفَاتِ وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ وَلِلْأَشْعَرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَالْبَاقِلَّانِيّ فِي تَكْفِيرِهِمْ قَوْلَانِ. (وَالرَّابِعُ) مَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْحَقِّ فِيهِ هَلْ هُوَ جَهْلٌ تَجِبُ إزَالَتُهُ أَمْ هُوَ حَقٌّ لَا تَجِبُ إزَالَتُهُ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ هُوَ مَعْصِيَةٌ، وَمَا رَأَيْتُ مَنْ يُكَفِّرُ بِهِ وَذَلِكَ كَالْقِدَمِ وَالْبَقَاء فَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَنْعَقِدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَاقٍ بِبَقَاءٍ قَدِيمٍ وَيَعْصِي مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ أَوْ يَجِبُ أَنْ لَا يَعْتَقِدَ ذَلِكَ بَلْ اللَّهُ تَعَالَى بَاقٍ بِغَيْرِ بَقَاءٍ وَقَدِيمٌ بِغَيْرِ قِدَمٍ، وَاعْتِقَادُ خِلَافِ ذَلِكَ جَهْلٌ حَرَامٌ عَكْسُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَقَاءِ وَالْقِدَمِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصِّفَاتِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ أُصُول الدِّينِ. وَالصَّحِيحُ هُنَالِكَ أَنَّ الْبَقَاءَ وَالْقِدَمَ لَا وُجُودَ لَهُمَا فِي الْخَارِجِ بِخِلَافِ الْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِي السَّبْعَةِ. (وَالْخَامِسُ) جَهْلٌ يَتَعَلَّقُ بِالصِّفَاتِ لَا بِالذَّاتِ نَحْوَ تَعَلُّقِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِأَفْعَالِ الْحَيَوَانَاتِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَكَتَعَلُّقِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِتَخْصِيصِ جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ أَوْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِأَفْعَالِ الْحَيَوَانَاتِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَلِلْعُلَمَاءِ فِي تَكْفِيرِهِمْ بِذَلِكَ قَوْلَانِ، وَالصَّحِيحُ عَدَمُ تَكْفِيرِهِمْ. (وَالسَّادِسُ) جَهْلٌ يَتَعَلَّقُ بِالذَّاتِ لَا بِصِفَةٍ مِنْ الصِّفَاتِ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِوُجُودِهَا كَالْجَهْلِ بِسَلْبِ الْجِسْمِيَّةِ

(الْخَامِسِ) مِنْ الْفُرُوقِ أَنَّ التَّعْزِيرَ قَدْ يَسْقُطُ، وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا كَانَ الْجَانِي مِنْ الصِّبْيَانِ أَوْ الْمُكَلَّفِينَ قَدْ جَنَى جِنَايَةً حَقِيرَةً وَالْعُقُوبَةُ الصَّالِحَةُ لَهَا لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ رَدْعًا، وَالْعَظِيمَةُ الَّتِي تُؤَثِّرُ فِيهِ لَا تَصْلُحُ لِهَذِهِ الْجِنَايَةِ سَقَطَ تَأْدِيبُهُ مُطْلَقًا أَمَّا الْعَظِيمَةُ فَلِعَدَمِ مُوجِبِهَا، وَأَمَّا الْحَقِيرَةُ فَلِعَدَمِ تَأْثِيرِهَا، وَهُوَ بَحْثٌ حَسَنٌ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَالَفَ فِيهِ. (السَّادِسِ) مِنْ الْفُرُوقِ أَنَّ التَّعْزِيرَ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ مَا عَلِمْت فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَالْحُدُودَ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا الْحِرَابَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] . (سُؤَالٌ) مَفْسَدَةُ الْكُفْرِ أَعْظَمُ الْمَفَاسِدِ وَالْحِرَابَةُ أَعْظَمُ مَفْسَدَةً مِنْ الزِّنَا وَهَاتَانِ الْمَفْسَدَتَانِ الْعَظِيمَتَانِ تَسْقُطَانِ بِالتَّوْبَةِ وَالْمُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِ الْأَعْلَى أَوْلَى أَنْ يُؤَثِّرَ فِي سُقُوطِ الْأَدْنَى، وَهُوَ سُؤَالٌ قَوِيٌّ يُقَوِّي قَوْلَ مَنْ يَقُولُ بِسُقُوطِ الْحُدُودِ بِالتَّوْبَةِ قِيَاسًا عَلَى هَذَا الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ: (أَحَدِهَا) أَنَّ سُقُوطَ الْقَتْلِ فِي الْكُفْرِ يُرَغِّبُ فِي الْإِسْلَامِ فَإِنْ قُلْتُ: إنَّهُ يَبْعَثُ عَلَى الرِّدَّةِ قُلْتُ الرِّدَّةُ قَلِيلَةٌ فَاعْتُبِرَ جِنْسُ الْكُفْرِ وَغَالِبُهُ. (وَثَانِيهَا) أَنَّ الْكُفْرَ يَقَعُ لِلشُّبُهَاتِ فَيَكُونُ فِيهِ عُذْرٌ عَادِيٌّ، وَلَا يُؤْثِرُ أَحَدٌ أَنْ يَكْفُرَ لِهَوَاهُ قُلْنَا، وَلَا يَزْنِي أَحَدٌ إلَّا لِهَوَاهُ فَنَاسَبَ التَّغْلِيظَ. (وَثَالِثِهَا) أَنَّ الْكُفْرَ لَا يَتَكَرَّرُ غَالِبًا وَجِنَايَاتُ الْحُدُودِ تُكَرَّرُ غَالِبًا فَلَوْ أَسْقَطْنَاهَا بِالتَّوْبَةِ ذَهَبَتْ مَعَ تَكَرُّرِهَا مَجَّانًا وَتَجَرَّأَ عَلَيْهَا النَّاسُ فِي اتِّبَاعِ أَهْوِيَتِهِمْ أَكْثَرَ، وَأَمَّا الْحِرَابَةُ فَلِأَنَّا لَا نُسْقِطُهَا إلَّا إذَا لَمْ نَتَحَقَّقْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْجِهَةِ وَالْمَكَانِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَشَوِيَّةِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ اسْتِحَالَةُ جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَفِي تَكْفِيرِ الْحَشَوِيَّةِ بِذَلِكَ قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ التَّكْفِيرِ. وَأَمَّا سَلْبُ الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ يُجَوِّزُ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ تَجْوِيزِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْتَحِيلَاتِ كَالْجِهَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ أَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ الَّذِي هُوَ الْجِسْمِيَّةُ وَنَحْوُهَا فِيهِ عُذْرٌ عَادِيٌّ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَنْشَأُ عُمُرَهُ كُلَّهُ وَهُوَ لَا يُدْرِكُ مَوْجُودًا وَهُوَ جِسْمٌ أَوْ قَائِمٌ بِجِسْمٍ إلَّا فِي جِهَةٍ فَكَانَ هَذَا عُذْرًا عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يُضْطَرَّ الْإِنْسَانُ فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ إلَى الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ وَنَحْوِهَا فَكَمْ مِنْ مَوْجُودٍ فِي الْعَالَمِ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ كَالْأَمْلَاكِ وَالْأَفْلَاكِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ وَالْبِحَارِ فَلَمَّا انْتَفَتْ الشُّبْهَةُ الْمُوجِبَةُ لِلضَّلَالِ انْتَفَى الْعُذْرُ فَلِذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى التَّكْفِيرِ فِي هَذَا الْقِسْمِ، وَاخْتُلِفَ فِي التَّكْفِيرِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. (وَالسَّابِعُ) الْجَهْلُ بِقِدَمِ الصِّفَاتِ لَا بِوُجُودِهَا وَتَعَلُّقِهَا كَقَوْلِ الْكَرَّامِيَّةِ بِحُدُوثِ الْإِرَادَةِ وَنَحْوِهَا وَفِي التَّكْفِيرِ بِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلَانِ الصَّحِيحُ عَدَمُ التَّكْفِيرِ. (وَالثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ) الْجَهْلُ بِمَا وَقَعَ أَوْ يَقَعُ مِنْ مُتَعَلَّقَاتِ الصِّفَاتِ وَهُوَ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا كُفْرٌ إجْمَاعًا وَهُوَ الْمُرَادُ هَاهُنَا كَجَهْلِ الْفَلَاسِفَةِ، وَمَنْ تَابَعَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بِعْثَةَ الرُّسُلِ، وَأَرْسَلَهُمْ لِخَلْقِهِ بِالرَّسَائِلِ الرَّبَّانِيَّةِ وَكَجَهْلِهِمْ بِبِعْثَةِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِحْيَائِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ وَجَزَائِهِمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ عَلَى التَّفْصِيلِ الْوَارِدِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. (وَثَانِيهِمَا) مَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ كَالْجَهْلِ بِخَلْقِ حَيَوَانٍ فِي الْعَالَمِ أَوْ إجْرَاءِ نَهْرٍ أَوْ إمَاتَةِ حَيَوَانٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ نَعَمْ قَدْ يُكَلِّفُ الشَّرْعُ بِمَعْرِفَةِ بَعْضِ الصُّوَرِ مِنْ ذَلِكَ لِأَمْرٍ يَخُصُّ تِلْكَ الصُّورَةَ لَا لِأَنَّ الْجَهْلَ بِهِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مَنْهِيٌّ عَنْهُ. (وَالْعَاشِرُ) الْجَهْلُ بِمَا وَقَعَ مِنْ مُتَعَلَّقَاتِ الصِّفَاتِ وَهُوَ تَعَلُّقُهَا بِإِيجَادِ مَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ لِلْخَلْقِ هَلْ يَجُوزُ هَذَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَمْ لَا فَأَهْلُ الْحَقِّ يُجَوِّزُونَهُ، وَأَنْ يَفْعَلَ لِعِبَادِهِ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ لَهُمْ، وَأَنْ لَا يَفْعَلَهُ كُلُّ ذَلِكَ لَهُ تَعَالَى فَكُلُّ نِعْمَةٍ مِنْهُ فَضْلٌ وَكُلُّ نِقْمَةٍ مِنْهُ عَدْلٌ وَالْخَلَائِقُ دَائِرُونَ بَيْنَ فَضْلِهِ وَعَدْلِهِ {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] . وَالْمُعْتَزِلَةُ لَا يُجَوِّزُونَ ذَلِكَ وَيُوجِبُونَ عَلَيْهِ تَعَالَى الصَّلَاحَ وَالْأَصْلَحَ وَفِي تَكْفِيرِهِمْ بِذَلِكَ قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ تَكْفِيرِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ وَبِتَفْصِيلِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ عَلَى مَا ذَكَرَ تَبَيَّنَ مَا هُوَ كُفْرٌ مِنْهَا مِمَّا لَيْسَ بِكُفْرٍ. وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجُرْأَةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ الْمَجَالُ الصَّعْبُ فِي التَّحْرِيرِ؛ لِأَنَّ مُخَالَفَةَ أَمْرِ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ فِي جَمِيعِ الْمَعَاصِي صَغَائِرِهَا وَكَبَائِرِهَا جُرْأَةٌ عَلَيْهِ كَيْفَ كَانَ فَتَمْيِيزُ مَا هُوَ كُفْرٌ مِنْهَا مُبِيحٌ لِلدَّمِ مُوجِبٌ لِلْخُلُودِ فِي النَّارِ مِمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ هُوَ الْمَكَانُ الْحَرِجُ فِي التَّحْرِيرِ وَالْفَتْوَى فَمِنْ هُنَا اسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْفَرْقَ بَيْنَ السُّجُودِ لِلشَّجَرَةِ وَالسُّجُودِ لِلْوَالِدِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ كَيْفَ يَكُونُ كُفْرًا دُونَ الثَّانِي، وَالسَّاجِدُ فِي الْحَالَيْنِ يَعْتَقِدُ مَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى وَمَا يَسْتَحِيلُ، وَمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّشْرِيكَ فِي السُّجُودِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ بِذَلِكَ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَالَيْنِ وَقَدْ قَالَتْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] . وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْكَبِيرَةِ مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَفْسَدَةِ وَالنَّهْيِ وَالتَّحْرِيمِ إنَّمَا هُوَ بِعِظَمِ الْمَفْسَدَةِ وَصِغَرِهَا، وَلَمْ يَظْهَرْ عِظَمُهَا هُنَا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ عَنْ السُّجُودِ كَانَ مَفْسَدَةً، وَإِنْ أَمَرَ بِهِ كَانَ مَصْلَحَةً؛ لِأَنَّ هَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ الدَّوْرُ؛ لِأَنَّ الْمَفْسَدَةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ تَابِعَةً لِلنَّهْيِ مَعَ أَنَّ النَّهْيَ يَتْبَعُ الْمَفْسَدَةَ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَابِعًا لِصَاحِبِهِ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ، بَلْ الْحَقُّ أَنَّ الْمَفْسَدَةَ يَتْبَعُهَا النَّهْيُ، وَالنَّهْيَ يَتْبَعُهُ الْعِقَابُ، وَمَا لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ لَا يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ، وَلَا مُعَاقَبًا عَلَيْهِ وَاسْتِقْرَاءُ الشَّرَائِعِ يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ

الْمَفْسَدَةَ بِالْقَتْلِ أَوْ أَخْذِ الْمَالِ أَمَّا مَتَى قَتَلَ قُتِلَ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْأَوْلِيَاءُ عَنْ الدَّمِ، وَإِذَا أَخَذَ الْمَالَ وَجَبَ الْغُرْمُ وَسَقَطَ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ فِيهِ تَخْيِيرٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ مُحَتَّمٌ وَالْمُحَتَّمُ آكَدُ مِنْ الْمُخَيَّرِ فِيهِ. (السَّابِعِ) أَنَّ التَّخْيِيرَ يَدْخُلُ فِي التَّعَازِيرِ مُطْلَقًا وَلَا يَدْخُلُ فِي الْحُدُودِ إلَّا فِي الْحِرَابَةِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ فَقَطْ. (تَنْبِيهٌ) التَّخْيِيرُ فِي الشَّرِيعَةِ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ أَشْيَاءَ أَحَدِهَا: الْإِبَاحَةُ الْمُطْلَقَةُ كَالتَّخْيِيرِ بَيْنَ أَكْلِ الطَّيِّبَاتِ وَتَرْكِهَا. وَثَانِيهَا: الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ كَتَصَرُّفَاتِ الْوُلَاةِ فَمَتَى قُلْنَا الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِي صَرْفِ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ فِي أُسَارَى الْعَدُوِّ أَوْ الْمُحَارِبِينَ أَوْ التَّعْزِيرِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ مَا تَعَيَّنَ سَبَبُهُ وَمَصْلَحَتُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ فَهُوَ أَبَدًا يَنْتَقِلُ مِنْ وَاجِبٍ إلَى وَاجِبٍ كَمَا يَنْتَقِلُ الْمُكَفِّرُ فِي كَفَّارَةِ الْحِنْثِ مِنْ وَاجِبٍ إلَى وَاجِبٍ غَيْرَ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ يَهْوَاهُ فِي التَّكْفِيرِ، وَالْإِمَامُ يَتَحَتَّمُ فِي حَقِّهِ مَا أَدَّتْ الْمَصْلَحَةُ إلَيْهِ لَا أَنَّ هَاهُنَا إبَاحَةٌ أَلْبَتَّةَ، وَلَا أَنَّهُ يَحْكُمُ فِي التَّعَازِيرِ بِهَوَاهُ وَإِرَادَتِهِ كَيْفَ خَطَرَ لَهُ، وَلَهُ أَنْ يَعْرِضَ عَمَّا شَاءَ وَيَقْبَلَ مِنْهَا مَا شَاءَ هَذَا فُسُوقٌ وَخِلَافُ الْإِجْمَاعِ بَلْ الصَّوَابُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَثَالِثِهَا تَخْيِيرُ السَّاعِي بَيْنَ أَخْذِ أَرْبَعِ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ فِي صَدَقَةِ الْإِبِلِ فَإِنَّ الْإِمَامَ هَاهُنَا يَتَخَيَّرُ كَمَا يَتَخَيَّرُ الْمُكَفِّرُ فِي كَفَّارَةِ الْحِنْثِ غَيْرَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذَا تَخْيِيرٌ أَدَّتْ إلَيْهِ الْأَحْكَامُ وَفِي الْحِنْثِ تَخْيِيرٌ مُتَأَصِّلٌ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ التَّخْيِيرَاتِ. (الثَّامِنِ) أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ مَعَهُ، وَالْجِنَايَةُ وَالْحُدُودُ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ فَاعِلِهَا فَلَا بُدَّ فِي التَّعْزِيرِ مِنْ اعْتِبَارِ مِقْدَارِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعَمَّا فِيهِ مَفْسَدَةٌ وَعَدَمُ النَّهْيِ عَمَّا لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ السَّرِقَةَ لَمَّا كَانَ فِيهَا ضَيَاعُ الْمَالِ نَهَى عَنْهَا، وَأَنَّ الْقَتْلَ لَمَّا كَانَ فِيهِ فَوَاتُ الْحَيَاةِ نَهَى عَنْهُ، وَأَنَّ الزِّنَا لَمَّا كَانَ فِيهِ اخْتِلَاطُ الْأَنْسَابِ نَهَى عَنْهُ، وَأَنَّ الْخَمْرَ لَمَّا كَانَ فِيهِ ذَهَابُ الْعُقُولِ نَهَى عَنْهُ وَأَنَّ الْعَصِيرَ لَمَّا كَانَ لَا يُفْسِدُ الْعَقْلَ لَمْ يَكُنْ مَنْهِيًّا عَنْهُ، وَأَنَّ الْخَمْرَ إذَا صَارَ خَلًّا انْتَفَى عَنْهُ فَسَادُ الْعَقْلِ فَذَهَبَ عَنْهُ النَّهْيُ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمَفَاسِدَ وَالْمَصَالِحَ سَابِقَةٌ عَلَى الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَأَنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ تَابِعٌ لِلْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي فَمَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ يَنْهَى عَنْهُ فَإِذَا فَعَلَ حَصَلَ الْعِقَابُ وَمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَمَرَ بِهِ فَإِذَا فَعَلَ حَصَلَ الثَّوَابُ فَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ فِي الرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ، وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ، وَالْمَفْسَدَةُ وَالْمَصْلَحَةُ فِي الرُّتْبَةِ الْأُولَى فَلَوْ عَلَّلَ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ لَزِمَ تَقَدُّمُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ بِرُتْبَتَيْنِ فَقَوْلُ الْأَغْبِيَاءِ مِنْ الطَّلَبَةِ مَصْلَحَةُ هَذَا الْأَمْرِ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ غَلَطٌ. وَحَيْثُ عَلِمْتَ ذَلِكَ فَالطَّرِيقُ الْمُحَصِّلُ لِلْحَدِّ الَّذِي يَمْتَازُ بِهِ أَعْلَى رُتَبِ الْكَبَائِرِ مِنْ أَدْنَى رُتَبِ الْكُفْرِ هُوَ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ حِفْظِ فَتَاوَى الْمُتَقَدِّمِينَ الْمُقْتَدَى بِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ وَيَنْظُرَ مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ النَّوَازِلِ هَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا أَفْتَوْا فِيهِ بِالْكُفْرِ أَوْ مِنْ جِنْسِ مَا أَفْتَوْا فِيهِ بِعَدَمِ الْكُفْرِ فَيُلْحِقَهُ بَعْدَ إمْعَانِ النَّظَرِ وَجَوْدَةِ الْفِكْرِ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ أَوْ وَقَعَتْ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ لِقُصُورِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّوَقُّفُ، وَلَا يُفْتِي بِشَيْءٍ فَهَذَا هُوَ الضَّابِطُ لِهَذَا الْبَابِ. وَيُوَضِّحُهُ ثَلَاثُ مَسَائِلَ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) أَنَّ السُّجُودَ لِلشَّجَرَةِ إنَّمَا اقْتَضَى الْكُفْرَ دُونَ السُّجُودِ لِلْوَالِدِ؛ لِأَنَّ فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي نَعْلَمُهَا مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ دُونَ السُّجُودِ لِلْوَالِدِ إذْ الشَّجَرَةُ لَيْسَتْ مِنْ الْمَقْصُودِ بِالتَّعْظِيمِ شَرْعًا وَقَدْ عُبِدَتْ مُدَّةً بِخِلَافِ الْوَالِدِ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَقْصُودِ بِالتَّعْظِيمِ شَرْعًا، وَلَمْ يُعْبَدْ مُدَّةً وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ فَسَجَدُوا لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ قِبْلَةً عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بَلْ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالتَّعْظِيمِ بِذَلِكَ السُّجُودِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ هُنَالِكَ بِمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ الْكُفْرِ، وَلَا أَنَّهُ أَبَاحَ الْكُفْرَ لِأَجْلِ آدَمَ، وَلَا أَنَّ فِي السُّجُودِ لِآدَمَ مَفْسَدَةً تَقْتَضِي كُفْرًا، لَوْ فَعَلَ مِنْ أَمْرِ غَيْرِ رَبِّهِ فَافْهَمْ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الْأَصْلُ: اتَّفَقَ النَّاسُ فِيمَا عَلِمْتُ عَلَى تَكْفِيرِ إبْلِيسَ بِقَضِيَّتِهِ مَعَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَيْسَ مُدْرَكُ الْكُفْرِ فِيهَا الِامْتِنَاعَ مِنْ السُّجُودِ، وَإِلَّا لَكَانَ كُلُّ مَنْ أُمِرَ بِالسُّجُودِ فَامْتَنَعَ مِنْهُ كَافِرًا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَلَا كَانَ كُفْرُهُ لِكَوْنِهِ حَسَدَ آدَمَ عَلَى مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِلَّا لَكَانَ كُلُّ حَاسِدٍ كَافِرًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَا كَانَ كُفْرُهُ لِعِصْيَانِهِ وَفُسُوقِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ عِصْيَانٌ وَفُسُوقٌ، وَإِلَّا لَكَانَ كُلُّ عَاصٍ وَفَاسِقٍ كَافِرًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَدْ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ مُدْرَكَ كُفْرِهِ فِيهَا إنَّمَا هُوَ بِنِسْبَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى الْجَوْرِ وَالتَّصَرُّفِ الَّذِي لَيْسَ بِمَرْضِيٍّ كَمَا ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْ فَحْوَى قَوْلِهِ {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12] ، وَمُرَادُهُ أَنَّ إلْزَامَ الْعَظِيمِ الْجَلِيلِ بِالسُّجُودِ لِلْحَقِيرِ مِنْ التَّصَرُّفِ الرَّدِيءِ وَالْجَوْرِ وَالظُّلْمِ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ نَسَبَ اللَّهَ تَعَالَى لِذَلِكَ فَقَدْ كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْجُرْأَةِ الْعَظِيمَةِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ الْأَصْلُ: أَطْلَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَجَمَاعَةٌ مَعَهُمْ الْكُفْرَ عَلَى السَّاحِرِ وَأَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا قَرِيبٌ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ غَيْرَ أَنَّهُ عِنْدَ الْفُتْيَا فِي جُزْئِيَّاتِ الْوَقَائِعِ يَقَعُ فِيهِ الْغَلَطُ الْعَظِيمُ الْمُؤَدِّي إلَى هَلَاكِ الْمُفْتِي، وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قِيلَ لِلْفَقِيهِ مَا هُوَ السِّحْرُ، وَمَا حَقِيقَتُهُ حَتَّى يُقْضَى بِوُجُودِهِ عَلَى كُفْرِ فَاعِلِيهِ يَعْسُرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ جِدًّا فَإِنَّكَ إذَا قُلْتُ: لَهُ السِّحْرُ

الْجِنَايَةِ وَالْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. (التَّاسِعِ) أَنَّ التَّعْزِيرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ فَرُبَّ تَعْزِيرٍ فِي بِلَادٍ يَكُونُ إكْرَامًا فِي بَلَدٍ آخَرَ كَقَلْعِ الطَّيْلَسَانِ بِمِصْرَ تَعْزِيرٌ وَفِي الشَّامِ إكْرَامٌ وَكَشْفُ الرَّأْسِ عِنْدَ الْأَنْدَلُسِ لَيْسَ هَوَانًا وَبِالْعِرَاقِ، وَمِصْرَ هَوَانٌ. (الْعَاشِرِ) أَنَّهُ يَتَنَوَّعُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الصِّرْفِ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الصَّحَابَةِ أَوْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِلَى حَقِّ الْعَبْدِ الصِّرْفِ كَشَتْمِ زَيْدٍ وَنَحْوِهِ، وَالْحُدُودُ لَا يَتَنَوَّعُ مِنْهَا حَدٌّ بَلْ الْكُلُّ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى إلَّا الْقَذْفَ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ إمَّا أَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ حَدًّا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَتَارَةً يَكُونُ حَقًّا لِآدَمِيٍّ فَلَا يُوجَدُ أَلْبَتَّةَ. (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِتْلَافِ بِالصِّيَالِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِتْلَافِ بِغَيْرِهِ) اعْلَمْ أَنَّ الصِّيَالَ يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنْ إسْقَاطِ اعْتِبَارِ إتْلَافِهِ بِسَبَبِ عِدَاهُ وَعُدْوَانِهِ وَيَقْوَى الضَّمَانُ فِي غَيْرِهِ عَلَى مُتْلِفِهِ لِعَدَمِ الْمُسْقِطِ، وَلَهُ خَصِيصَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ السَّاكِتَ عَنْ الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى يُقْتَلَ لَا يُعَدُّ آثِمًا، وَلَا قَاتِلًا لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ لَوْ مَنَعَ مِنْ نَفْسِهِ طَعَامَهَا وَشَرَابَهَا حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ آثِمٌ قَاتِلٌ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ لَمْ يَمْنَعْ عَنْهَا الصَّائِلَ مِنْ الْآدَمِيِّينَ لَمْ يَأْثَمْ بِذَلِكَ وَبَسْطُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ أَوْ غَيْرَهُ صَالَ فَدَفَعَ عَنْ مَعْصُومٍ مِنْ نَفْسٍ أَوْ بُضْعٍ أَوْ مَالٍ دَفْعًا لَا يَقْصِدُ قَتْلَهُ بَلْ الدَّفْعَ خَاصَّةً، وَإِنْ أَدَّى إلَى الْقَتْلِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِالْقَتْلِ فَيَقْصِدُ قَتْلَهُ ابْتِدَاءً لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا إلَى الدَّفْعِ فَمَنْ خَشِيَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَدَفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ هَدَرٌ لَا يُضْمَنُ حَتَّى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَكَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالرُّقَى وَالْخَوَاصُّ وَالسِّيمْيَا وَالْهِيمْيَا وَقُوَى النُّفُوسِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَكُلُّهَا سِحْرٌ أَوْ بَعْضُ هَذِهِ الْأُمُورِ سِحْرٌ وَبَعْضُهَا لَيْسَ بِسِحْرٍ فَإِنْ قَالَ الْكُلُّ سِحْرٌ يَلْزَمُهُ أَنَّ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ سِحْرٌ؛ لِأَنَّهَا رُقْيَةٌ إجْمَاعًا، وَإِنْ قَالَ بَلْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ خَاصِّيَّةٌ تَخْتَصُّ بِهَا فَيُقَالُ بَيِّنْ لَنَا خُصُوصَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَمَا بِهِ تَمْتَازُ وَهَذَا لَا يَكَادُ يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُعْتَرِضِينَ لِلْفُتْيَا، وَأَنَا طُولَ عُمُرِي مَا رَأَيْت مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ فَكَيْفَ يُفْتِي أَحَدٌ بَعْدَ هَذَا بِكُفْرِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ سِحْرٌ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ السِّحْرَ مَا هُوَ، وَلَقَدْ وُجِدَ فِي بَعْضِ الْمَدَارِسِ عِنْدَ بَعْضِ الطَّلَبَةِ كُرَّاسَةٌ فِيهَا آيَاتٌ لِلْمَحَبَّةِ وَالْبُغْضِ وَالتَّهَيُّجِ وَالنَّزِيفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي تُسَمِّيهَا الْمَغَارِبَةُ عِلْمَ الْمُخِلَّاتِ فَأَفْتَوْا بِكُفْرِهِ، وَإِخْرَاجِهِ مِنْ الْمَدْرَسَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ سِحْرٌ، وَأَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ وَهَذَا جَهْلٌ عَظِيمٌ، وَإِقْدَامٌ عَلَى شَرِيعَةِ اللَّهِ بِجَهْلٍ وَعَلَى عِبَادِهِ بِالْفَسَادِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ فَاحْذَرْ هَذِهِ الْخُطَّةَ الرَّدِيئَةَ الْمُهْلِكَةَ عِنْدَ اللَّهِ وَسَتَقِفُ فِي الْفَرْقِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا عَلَى الصَّوَابِ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ كَلَامُ الْأَصْلِ وَذَهَبَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ إلَى عَدَمِ صِحَّةِ قَوْلِهِ بِالْتِبَاسِ الْكُفْرِ بِالْكَبَائِرِ قَالَ فَإِنَّ قَوْلَهُ أَنَّ النَّهْيَ يَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ إنْ أَرَادَ الْمَفَاسِدَ بِمُقْتَضَى الشَّرْعِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْكُفْرَ أَعْظَمُ الْمَفَاسِدِ، وَمَا عَدَاهُ مِنْ الْمَعَاصِي تَتَفَاوَتُ رُتْبَتُهُ عَلَى أَنَّهُ كَيْفَ يَلْتَبِسُ بِهَا وَالْكُفْرُ أَمْرٌ اعْتِقَادِيٌّ وَالْكَبَائِرُ أَعْمَالٌ وَلَيْسَتْ بِاعْتِقَادٍ سَوَاءٌ كَانَتْ أَعْمَالٌ قَلْبِيَّةٌ أَوْ بَدَنِيَّةٌ، قَالَ: وَلَيْسَ الْكُفْرُ انْتِهَاكَ حُرْمَةِ الرُّبُوبِيَّةِ إذْ لَا يَصْدُرُ عَادَةً مِمَّنْ يَدِينُ بِالرُّبُوبِيَّةِ بَلْ يَتَعَذَّرُ عَادَةً مَعَ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْجَهْلِ بِهِ تَعَالَى فَالْكُفْرُ إمَّا الْجَهْلُ بِوُجُودِ الصَّانِعِ أَوْ صِفَاتِهِ خَاصَّةً عِنْدَ مَنْ لَا يُصَحِّحُ الْكُفْرَ، وَإِمَّا الْجَهْلُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ جَحْدُهُ عِنْدَ مَنْ يُصَحِّحُ الْكُفْرَ عِنَادًا قَالَ: وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مُجَرَّدَ رَمْيِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ كُفْرٌ بَلْ رَمْيُهُ فِيهَا إنْ كَانَ مَعَ الْجَهْلِ فَالْكُفْرُ هُوَ الْجَهْلُ لَا عَيْنُ رَمْيِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ مَعَ التَّكْذِيبِ بِهِ هُوَ كُفْرٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ غَيْرُ كُفْرٍ. وَلَا أَنَّ مُجَرَّدَ السُّجُودِ لِلصَّنَمِ كُفْرٌ بَلْ إنْ كَانَ مَعَ اعْتِقَادِ كَوْنِهِ إلَهًا فَهُوَ كُفْرٌ، وَإِلَّا فَلَا بَلْ يَكُونُ مَعْصِيَةً إنْ كَانَ لِغَيْرِ إكْرَاهٍ وَجَائِزًا إنْ كَانَ لِلْإِكْرَاهِ وَلَا أَنَّ مُجَرَّدَ التَّرَدُّدِ إلَى الْكَنَائِسِ فِي أَعْيَادِهِمْ بِزِيِّ النَّصَارَى، وَمُبَاشَرَةِ أَحْوَالِهِمْ كُفْرٌ بَلْ لَيْسَ هُوَ بِكُفْرٍ إلَّا أَنْ يَعْتَقِدَ مُعْتَقَدَهُمْ قَالَ وَجَحْدُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كُفْرٌ إنْ كَانَ جَحَدَ بَعْدَ عِلْمِهِ فَيَكُونُ تَكْذِيبًا، وَإِلَّا فَهُوَ جَهْلٌ وَذَلِكَ الْجَهْلُ مَعْصِيَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ بِإِزَالَةِ مِثْلِ هَذَا الْجَهْلِ عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى اشْتِرَاطِ شُهْرَةِ ذَلِكَ الْأَمْرِ مِنْ الدِّينِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَ اشْتِهَارِ ذَلِكَ مِنْ وُصُولِ ذَلِكَ إلَى هَذَا الشَّخْصِ وَعِلْمِهِ بِهِ فَيَكُونُ إذْ ذَاكَ مُكَذِّبًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ فَيَكُونُ بِذَلِكَ كَافِرًا أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ الْأَمْرَ وَكَانَ مِنْ مَعَالِمِ الدِّينِ الْمُشْتَهِرَةِ فَهُوَ عَاصٍ بِتَرْكِ التَّسَبُّبِ إلَى عِلْمِهِ لَيْسَ بِكَافِرٍ بِذَلِكَ، وَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشِّهَابِ مِنْ نَقْصِ شَرْطِ عِلْمِ الشَّخْصِ بِذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُشْتَهَرِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، قَالَ: وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْكَبَائِرَ وَالصَّغَائِرَ انْتِهَاكٌ لِحُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا هِيَ جُرْأَةٌ عَلَى مُخَالَفَةٍ تُحْمَلُ عَلَيْهَا الْأَغْرَاضُ وَالشَّهَوَاتُ. قَالَ وَبِنَاءُ الشَّخْصِ الْكَنَائِسَ لِيَكْفُرَ فِيهَا إنْ كَانَ الِاعْتِقَادُ رُجْحَانَ الْكُفْرِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَهُوَ كُفْرٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لِكَافِرٍ إرَادَةُ التَّقَرُّبِ إلَيْهِ وَالتَّوَدُّدُ لَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ لَا كُفْرٌ وَقَتْلُ الشَّخْصِ نَبِيًّا مَعَ اعْتِقَادِهِ صِحَّةَ رِسَالَتِهِ لِيُمِيتَ شَرِيعَتَهُ لَا يَتَأَتَّى فَرْضُ كَوْنِهِ كُفْرًا إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ الْكُفْرَ عِنَادًا، وَإِشَارَةُ الشَّخْصِ عَلَى مَنْ أَتَى لِيُسْلِمَ عَلَى يَدَيْهِ بِتَأْخِيرِ الْإِسْلَامِ لَا تَكُونُ كُفْرًا إلَّا إنْ كَانَتْ لِاعْتِقَادِهِ رُجْحَانَ الْكُفْرِ أَمَّا إنْ كَانَتْ لِكَوْنِهِ لَا يُرِيدُ لِهَذَا

الْبَهِيمَةُ لِأَنَّهُ نَابَ عَنْ صَاحِبِهَا فِي دَفْعِهَا وَهُوَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ فَإِنَّ الْمُتْلِفَ ابْتِدَاءً لَمْ يَنُبْ عَنْ غَيْرِهِ فِي الْقِيَامِ بِذَلِكَ الْإِتْلَافِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: أَعْظَمُ الْمَدْفُوعِ عَنْهُ النَّفْسُ، وَأَمْرُهُ بِيَدِهِ إنْ شَاءَ أَسْلَمَ نَفْسَهُ أَوْ دَفَعَ عَنْهَا وَيَخْتَلِفُ الْحَالُ فَفِي زَمَنِ الْفِتْنَةِ الصَّبْرُ أَوْلَى تَقْلِيلًا لَهَا أَوْ هُوَ يَقْصِدُ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ فِتْنَةٍ عَامَّةٍ فَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنْ عَضَّ الصَّائِلُ يَدَك فَنَزَعْتَهَا مِنْ فِيهِ فَقَلَعْتَ أَسْنَانَهُ ضَمِنْتَ دِيَةَ الْأَسْنَانِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ فِعْلِك وَقِيلَ لَا تَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَلْجَأَك لِذَلِكَ، وَإِنْ نَظَرَ إلَى حَرَمٍ مِنْ كَوَّةٍ لَمْ يَجُزْ لَك أَنْ تَقْصِدَ عَيْنَهُ أَوْ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا تُدْفَعُ الْمَعْصِيَةُ بِالْمَعْصِيَةِ، وَفِيهِ الْقَوَدُ إنْ فَعَلْت وَيَجِبُ تَقَدُّمُ الْإِنْذَارِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ فِيهِ دَفْعٌ وَمُسْتَنَدُ تَرْكِ الدَّفْعِ عَنْ النَّفْسِ مَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ» وَلِقِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ} [المائدة: 27] ثُمَّ قَالَ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} [المائدة: 29] وَلَمْ يَدْفَعْهُ عَنْ نَفْسِهِ لَمَّا أَرَادَ قَتْلَهُ وَعَلَى ذَلِكَ اعْتَمَدَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ؛ وَلِأَنَّهُ تَعَارَضَتْ مَفْسَدَةٌ أَنْ يَقْتُلَ أَوْ يُمَكِّنَ مِنْ الْقَتْلِ، وَالتَّمْكِينُ مِنْ الْمَفْسَدَةِ أَخَفُّ مَفْسَدَةً مِنْ مُبَاشَرَةِ الْمَفْسَدَةِ نَفْسِهَا فَإِذَا تَعَارَضَتَا سَقَطَ اعْتِبَارُ الْمَفْسَدَةِ الدُّنْيَا بِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ الْعُلْيَا فَهَذَا أَقْرَبُ الْفُرُوقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَرْكِ دَفْعِ الصَّائِلُ، وَبَيْنَ تَرْكِ الْغِذَاءِ وَالشَّرَابِ حَتَّى يَمُوتَ أَنَّ تَرْكَ الْغِذَاءِ هُوَ السَّبَبُ الْعَامُّ فِي الْمَوْتِ لَمْ يُضِفْ إلَيْهِ غَيْرَهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُضَافَ فِعْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّخْصِ الْإِسْلَامَ لِحِقْدٍ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَعْتَقِدَ الْمُشِيرُ رُجْحَانَ الْكُفْرِ فَلَا تَكُونُ كُفْرًا قَالَ وَيُوَافِقُ قَوْلُنَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِشَارَةِ بِتَأْخِيرِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِكُفْرٍ مِنْ أَنَّهُ جِهَةٌ لَمْ يُشِرْ بِذَلِكَ عَلَيْهِ إلَّا لِقَصْدِ إثْبَاتِهِ لَا لِاعْتِقَادِهِ رُجْحَانَ الْكُفْرِ قَوْلَ شِهَابِ الدِّينِ، وَلَا يَنْدَرِجُ فِي إرَادَةِ الْكُفْرِ الدُّعَاءُ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ عَلَى مَنْ تُعَادِيهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إرَادَةُ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا فِيهِ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ إذَايَةُ الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ مِنْهُ أَيْضًا اخْتِيَارُ الْإِمَامِ عَقْدَ الْجِزْيَةِ عَلَى الْأُسَارَى الْمُوجِبِ لِاسْتِمْرَارِ الْكُفْرِ فِي قُلُوبِهِمْ عَلَى الْقَتْلِ إلَى قَوْلِهِ وَقَعَ بِالْعَرَضِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اسْتِبْقَاءَ الْأُسَارَى وَضَرْبَ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ لَا يَتَعَيَّنُ أَنَّهُ إيثَارٌ لِاسْتِمْرَارِ الْكُفْرِ وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا وَأَمَّا مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ مَأْمُورٌ بِهِ عِنْدَ تَعَيُّنِ مُقْتَضِيهِ فَنَقُولُ كَذَلِكَ يَكُونُ لَوْ تَعَيَّنَ الْمُقْتَضِي، وَمَتَى يَتَعَيَّنُ عِنْدَنَا وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ مَا عَاقِبَةُ أَمْرِ الْأَسِيرِ. قَالَ: وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ السَّاجِدِ لِلشَّجَرَةِ وَالسَّاجِدِ لِلْوَالِدِ إنْ سَجَدَ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ الْمَسْجُودَ لَهُ شَرِيكٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ كُفْرٌ، وَإِنْ سَجَدَ لَا مَعَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ بَلْ تَعْظِيمًا عَارِيًّا عَنْ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ لَا كُفْرٌ، وَإِنْ سَجَدَ السَّاجِدُ لِلشَّجَرَةِ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ شَرِيكٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَسَجَدَ السَّاجِدُ لِلْوَالِدِ لَا مَعَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ بَلْ تَعْظِيمًا فَالْأَوَّلُ كُفْرٌ وَالثَّانِي مَعْصِيَةٌ غَيْرُ كُفْرٍ أَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ فَبِالْعَكْسِ. وَأَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّ مُجَرَّدَ السُّجُودِ لِلشَّجَرَةِ كُفْرٌ؛ لِأَنَّهَا عُبِدَتْ مُدَّةً، وَمُجَرَّدَ السُّجُودِ لِلْوَالِدِ لَيْسَ بِكُفْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْبَدْ مُدَّةً قَالَ: ذَلِكَ يَفْتَقِرُ إلَى تَوْقِيفٍ قَالَ، وَمَعْنَى تَبَعِيَّةِ الْأَمْرِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ الْوَاجِبِ مَثَلًا لِمَصْلَحَتِهِ وَالْمُرَادُ بِهَا أَنَّهُ لَوْلَا الْقَصْدُ إلَى حُصُولِ الْمَصْلَحَةِ مَا شُرِعَ، وَمَعْنَى تَبَعِيَّةِ الْمَصْلَحَةِ لِلْأَوَامِرِ وَالْمُرَادُ بِهَا أَنَّهُ لَوْلَا شَرْعِيَّةُ الْأَمْرِ الْبَاعِثِ عَلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ مَا حَصَلَتْ فَالْمَأْمُورُ بِهِ تَابِعٌ لِلْمَصْلَحَةِ وُجُوبًا، وَالْمَصْلَحَةُ تَابِعَةٌ لَهُ وُجُودًا وَحِينَئِذٍ فَلَا غَرْوَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ تَابِعًا لِلْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَيَكُونَ الْآخَرُ تَابِعًا لَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ كَمَا أَنَّ الشَّجَرَةَ تَابِعَةٌ لِلثَّمَرَةِ وُجُوبًا أَيْ لَوْلَا الْقَصْدُ إلَى تَحْصِيلِ الثَّمَرَةِ مَا زُرِعَتْ الشَّجَرَةُ وَالثَّمَرَةُ تَابِعَةٌ لِلشَّجَرَةِ وُجُودًا أَيْ لَوْلَا زَرْعُ الشَّجَرَةِ مَا حَصَلَتْ الثَّمَرَةُ فَصَحَّ مَا قَالَهُ الْأَغْبِيَاءُ مِنْ الطَّلَبَةِ مِنْ أَنَّ الثَّوَابَ هِيَ الْمَصْلَحَةُ وَهِيَ تَابِعَةٌ وُجُودَ الْفِعْلِ الْوَاجِبِ وَفِعْلُ الْوَاجِبِ تَابِعٌ وُجُوبًا بِالتَّحَيُّلِ الْمَصْلَحَةَ، وَبَطَلَ مَا ادَّعَاهُ الشِّهَابُ مِنْ الدَّوْرِ الْمُمْتَنِعِ، وَإِنَّمَا الْمُوجِبُ لِتَوَهُّمِهِ هُوَ الْغَفْلَةُ عَنْ تَغَايُرِ جِهَتَيْ التَّبَعِيَّةِ فَانْزَاحَ الْإِشْكَالُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْمَنِّ وَالْأَفْضَالِ قَالَ وَكَلَامُ الشِّهَابِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْسَامِ الْجَهْلِ الْعَشَرَةِ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِأَنَّ هُنَاكَ صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الصَّنْعَةُ لَكِنَّنَا لَا نَعْلَمُهَا فَإِنْ أَرَادَ أَنَّا لَا نَعْلَمُهَا لَا جُمْلَةً، وَلَا تَفْصِيلًا فَقَدْ تَنَاقَضَ كَلَامُهُ فَإِنَّ مَسَاقَ كَلَامِهِ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِثُبُوتِهَا عَلَى الْجُمْلَةِ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْلَمُهَا عَلَى التَّفْصِيلِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّا لَا نَعْلَمُهَا عَلَى التَّفْصِيلِ، وَإِنْ عَلِمْنَاهَا عَلَى الْجُمْلَةِ كَانَ قَوْلُهُ ذَلِكَ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا أُحْصِي إلَخْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لَا أَسْتَطِيعُ الْمُدَاوَمَةَ وَالِاسْتِمْرَارَ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَيْك لِلْقَوَاطِعِ عَنْ ذَلِكَ بِكَالنَّوْمِ وَشِبْهِهِ قَوْلُ الصِّدِّيقِ الْعَجْزُ إلَخْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى جَمِيعِ مَعْلُومَاتِ اللَّهِ تَعَالَى اطِّلَاعٌ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّبِّ وَالْمَرْبُوبِ وَالْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكِ وَالْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ وَذَلِكَ هُوَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ وَصَحِيحُ الْإِيقَانِ. قَالَ: وَهَذَا الْمَقَامُ مِمَّا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْتَضِي كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا صِفَةَ وَرَاءَ مَا عَلِمْنَاهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْتَضِي كَلَامُهُ أَنَّ هُنَاكَ صِفَاتٌ لَا نَعْلَمُهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْتَضِي كَلَامُهُ الْوَقْفَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ بِإِزَالَةِ هَذَا الْجَهْلِ، وَلَا مُؤَاخَذَةَ

الصَّائِلِ لِلتَّمْكِينِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَرْكِ الْغِذَاءِ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَبَيْنَ تَرْكِ الدَّوَاءِ فَلَا يَحْرُمُ أَنَّ الدَّوَاءَ غَيْرُ مُنْضَبِطِ النَّفْعِ فَقَدْ يُفِيدُ وَقَدْ لَا يُفِيدُ وَالْغِذَاءُ ضَرُورِيُّ النَّفْعِ، وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْفَحْلَ الصَّائِلَ وَالْمَجْنُونَ وَالصَّغِيرَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُبَاحُ لَهُ الدَّفْعُ وَيَضْمَنُ وَاتَّفَقُوا إذَا كَانَ آدَمِيًّا بَالِغًا عَاقِلًا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ. لَنَا وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الضَّمَانِ. الثَّانِي الْقِيَاسُ عَلَى الْآدَمِيِّ. الثَّالِثُ الْقِيَاسُ عَلَى الدَّابَّةِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْأَذَى أَنَّهَا تَقْتُلُ، وَلَا تُضْمَنُ إجْمَاعًا، وَلَا يَلْزَمُنَا إذَا غَصَبَهُ فَصَالَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ هُنَالِكَ بِالْغَصْبِ لَا بِالدَّفْعِ، وَإِلَّا إذَا اُضْطُرَّ لَهُ لِجُوعٍ فَأَكَلَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْجُوعَ الْقَاتِلَ فِي نَفْسِ الْجَامِعِ لَا فِي نَفْسِ الصَّائِلِ وَالْقَتْلُ بِالصِّيَالِ مِنْ جِهَةِ الصَّائِلِ احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ الْأَوَّلِ أَنَّ مُدْرِكَ عَدَمِ الضَّمَانِ إنَّمَا هُوَ إذْنُ الْمَالِكِ لَا جَوَازُ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي قَتْلِ عَبْدِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ أَكَلَهُ لِمَجَاعَةٍ ضَمِنَهُ. الثَّانِي أَنَّ الْآدَمِيَّ لَهُ قَصْدٌ وَاخْتِيَارٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ وَالْبَهِيمَةُ لَا اخْتِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فَطَرَحَ إنْسَانٌ نَفْسَهُ فِيهَا لَمْ يَضْمَنْهُ، وَلَوْ طَرَحَتْ بَهِيمَةٌ نَفْسَهَا فِيهَا ضُمِنَتْ وَجِنَايَةُ الْعَبْدِ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ وَجِنَايَةُ الْبَهِيمَةِ لَا تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا. الثَّالِثُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» فَلَوْ لَمْ يَضْمَنْ لَمْ يَكُنْ جُبَارًا كَالْآدَمِيِّ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الضَّمَانَ يَتَوَقَّفُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْفِعْلِ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّيْدَ إذَا صَالَ عَلَى مُحْرِمٍ لَمْ يَضْمَنْهُ أَوْ صَالَ عَلَى الْعَبْدِ سَيِّدُهُ فَقَتَلَهُ الْعَبْدُ أَوْ الْأَبُ عَلَى ابْنِهِ فَقَتَلَهُ ابْنُهُ لَا يَضْمَنُونَ لِجَوَازِ الْفِعْلِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْبَهِيمَةَ لَهَا اخْتِيَارٌ اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ لَوْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِبَقَائِهِ كَمَا قَالَ الشِّهَابُ قَالَ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثَيْنِ عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي عَنْ شِفَاءِ عِيَاضٍ نَظَرٌ فَإِنَّهُ مَوْضِعُ قَطْعٍ لَا يَكْفِي فِي مِثْلِهِ الظَّوَاهِرُ مَعَ تَعَيُّنِ التَّأْوِيلِ فِي الْحَدِيثَيْنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِّي بِنَفْيِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى تَارَةً قَادِرًا أَوْ تَارَةً غَيْرَ قَادِرٍ وَلَيْسَ ظَاهِرُهُ نَفْيَ أَنَّهُ قَادِرٌ بِقُدْرَةٍ وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ حَدِيثِ السَّوْدَاءِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُسْتَقِرٌّ فِي السَّمَاءِ اسْتِقْرَارَ الْأَجْسَامِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُجْمَعٍ عَلَى أَنَّهُ كُفْرٌ إلَّا أَنَّهُ بَاطِلٌ قَطْعًا لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ أَقَرَّهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ فَتَعَيَّنَ التَّأْوِيلُ هُنَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْبَاطِلِ لَا يَجُوزُ، قَالَ، وَمَا قَالَهُ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ صَحِيحٌ وَكَذَا مَا قَالَهُ فِي الْقِسْمِ الرَّابِعِ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ بَاقٍ بِغَيْرِ بَقَاءٍ لَمْ يُرِدْ مَنْ عَبَّرَ بِهِ ظَاهِرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنَاقُضِ بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ الْبَقَاءَ لَيْسَ بِصِفَةٍ ثُبُوتِيَّةٍ، وَمَا قَالَهُ فِي الْقِسْمِ الْخَامِسِ صَحِيحٌ وَكَذَا مَا قَالَهُ فِي السَّادِسِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى لَهُ إبْدَالَ قَوْلِهِ جَهْلٌ يَتَعَلَّقُ بِالذَّاتِ بِقَوْلِهِ جَهْلٌ بِالصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ، وَأَنْ يَحْذِفَ قَوْلَهُ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِوُجُودِهَا فَإِنَّهُ فِي كَلَامِهِ كَالْمُتَنَاقِضِ مَعَ أَنَّ الْجَهْلَ بِسَلْبِ الْجِسْمِيَّةِ لَيْسَ مَذْهَبَ الْحَشَوِيَّةِ بَلْ مَذْهَبُهُمْ إثْبَاتُ الْجِسْمِيَّةِ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا إلَّا أَنْ يُطْلِقَ عَلَى كُلِّ مَذْهَبٍ بَاطِلٍ أَنَّهُ جَهْلٌ فَذَلِكَ لَهُ وَجْهٌ، وَمَا قَالَهُ فِي الْقِسْمِ السَّابِعِ صَحِيحٌ، وَكَذَا مَا قَالَهُ فِي الثَّامِنِ. لَكِنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ الْجَهْلِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْبَاطِلِ لَا عَلَى خُصُوصِ مَذْهَبِ الْفَلَاسِفَةِ، وَإِلَّا فَمَذْهَبُهُمْ الْجَزْمُ بِأَنْ لَا بَعْثَةَ لِلْأَجْسَامِ وَالْجَهْلُ فِي التَّاسِعِ إنْ أَرَادَ بِهِ الْجَهْلَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الْمَوْجُودَاتِ الْمَعْلُومِ وُجُودُهَا فَذَلِكَ كُفْرٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْجَهْلَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ حَيَوَانًا لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ فَذَلِكَ لَيْسَ بِكُفْرٍ، وَلَا مَعْصِيَةٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِرَاجِعٍ إلَى الْجَهْلِ لِتَعَلُّقِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ بَلْ بِوُجُودِ هَذَا الْمُتَعَلِّقِ وَبَعْضِ الصُّوَرِ الَّتِي قَدْ يُكَلِّفُ الشَّرْعُ بِمَعْرِفَتِهَا مِنْ ذَلِكَ لِأَمْرٍ يَخُصُّهَا إنْ أَرَادَ بِهَا مِثْلَ السِّحْرِ الَّذِي يَكْفُرُ بِهِ فَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا أَدْرِي مَا أَرَادَ، وَمَا قَالَهُ فِي الْعَاشِرِ نَقْلٌ وَتَرْجِيحٌ، وَمَا قَالَهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجُرْأَةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ التَّكْفِيرَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِقَاطِعٍ سَمْعِيٍّ، وَمَا ذَكَرَهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا مُعَوَّلَ عَلَيْهِ، وَلَا مُسْتَنَدَ فِيهِ فَمَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى جَوَابًا عَمَّا اسْتَشْكَلَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ كَوْنِ السُّجُودِ لِلشَّجَرَةِ كُفْرًا وَالسُّجُودِ لِلْوَالِدِ لَيْسَ بِكُفْرٍ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى تَوْقِيفٍ وَتَقَدَّمَ مَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ فَلَا تَغْفُلْ، وَمَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ لُزُومِ الْكُفْرِ لِكُلِّ مُمْتَنِعٍ مِنْ السُّجُودِ وَلِكُلِّ حَاسِدٍ وَلِكُلِّ عَاصٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ فِي الْعَقْلِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ تَعَالَى حَسَدًا مَا وَامْتِنَاعًا وَعِصْيَانًا مَا دُونَ سَائِرِ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ كُفْرًا إذْ كَوْنُ أَمْرٍ مَا كُفْرًا أَوْ غَيْرَ كُفْرٍ أَمْرٌ وَضْعِيٌّ وَضَعَهُ الشَّارِعُ لِذَلِكَ فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ كُفْرُهُ لِامْتِنَاعِهِ أَوْ لِحَسَدِهِ، وَمَا قَالَهُ فِي مُدْرَك كُفْرِ إبْلِيسَ فِي قَضِيَّتِهِ مَعَ آدَمَ هُوَ الظَّاهِرُ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ كُفْرُهُ لِامْتِنَاعِهِ أَوْ لِحَسَدِهِ أَوْ لَهُمَا أَوْ مَعَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّجْوِيرِ أَوْ لِلتَّجْوِيرِ خَاصَّةً إذْ لَا مَانِعَ مِنْ عَقْلٍ وَلَا نَقْلٍ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا قَالَهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ صَحِيحٌ لَكِنْ لَا بِمَا عَلَّلَهُ بِهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْجُرْأَةِ الْعَظِيمَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ الْجَهْلِ الْعَظِيمِ بِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ التَّصَرُّفِ الرَّدِيءِ وَالْجَوْرِ وَالظُّلْمِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّهِ عَقْلًا وَسَمْعًا، وَمَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ صَحِيحٌ إنْ كَانَ مَا بَنَى عَلَيْهِ كَلَامَهُ صَحِيحًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ كَلَامُهُ مُلَخَّصًا. قُلْتُ: وَمُرَادُهُ بِمَا بَنَى عَلَيْهِ كَلَامَهُ قَوْلُهُ فَإِنْ قَالَ الْكُلُّ سِحْرٌ يَلْزَمُهُ أَنَّ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ سِحْرٌ وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا مَرَّ عَنْهُ أَنَّ هَذَا اللُّزُومَ وَنَحْوَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ لَا يَمْتَنِعُ عَقْلًا جَعْلُ نَوْعٍ مِنْ الرُّقَى سِحْرًا دُونَ مَا عَدَاهُ بَلْ سَيُصَرِّحُ الْأَصْلُ بِالْفَرْقِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا بِذَلِكَ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

[الفرق بين قاعدة ما هو سحر يكفر به وبين قاعدة ما ليس كذلك]

اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ لَمْ يُؤْكَلْ صَيْدُهُ، وَالْبَعِيرُ الشَّارِدُ يَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الصَّيْدِ عَلَى أَصْلِهِمْ، وَإِنْ فَتَحَ قَفَصًا فِيهِ طَائِرٌ فَقَعَدَ الطَّائِرُ سَاعَةً ثُمَّ طَارَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ طَارَ بِاخْتِيَارِهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي الْآدَمِيِّ لَوْ طَرَحَ نَفْسَهُ فِي الْبِئْرِ لَمْ يُضْمَنْ بِخِلَافِ الْبَهِيمَةِ فَيَلْزَمُهُمْ أَنَّهُ لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فَوَقَعَتْ فِيهَا بَهِيمَةٌ لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْتَرْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَخْتَرْهُ، وَأَمَّا تَعْلِيقُ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ فَتَبْطُلُ بِالْعَبْدِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ تَتَعَلَّقُ الْجِنَايَةُ بِرَقَبَتِهِ مَعَ مُسَاوَاتِهِ لِلدَّابَّةِ فِي الضَّمَانِ، وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّ الْهَدَرَ يَقْتَضِي عَدَمَ الضَّمَانِ مُطْلَقًا. (مَسْأَلَةٌ) إنْ أُرْسِلَتْ الْمَاشِيَةُ بِالنَّهَارِ لِلرَّعْيِ أَوْ انْفَلَتَتْ فَأَتْلَفَتْ فَلَا ضَمَانَ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا مَعَهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهَا فَلَمْ يَمْنَعْهَا ضَمِنَ وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَإِنْ انْفَلَتَتْ بِاللَّيْلِ، وَأَرْسَلَهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى مَنْعِهَا ضَمِنَ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الزَّرْعِ وَفِي غَيْرِ الزَّرْعِ اخْتِلَافٌ عِنْدَهُمْ وَقَالُوا يَضْمَنُ أَرْبَابُ الْقِطَطِ الْمُعْتَادَةِ لِلْفَسَادِ لَيْلًا أَفْسَدَتْ أَوْ نَهَارًا، وَإِنْ خَرَجَ الْكَلْبُ مِنْ دَارِهِ فَجَرَحَ ضَمِنَ أَوْ الدَّاخِلُ بِإِذْنٍ فَوَجْهَانِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ أَرْسَلَ الطَّيْرَ فَالْتَقَطَتْ حَبَّ الْغَيْرِ لَمْ يَضْمَنْ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا ضَمَانَ فِي الزَّرْعِ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا. لَنَا وُجُوهٌ الْأَوَّلُ قَوْله تَعَالَى {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 78] الْآيَةَ، وَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَضَى بِتَسْلِيمِ الْغَنَمِ لِأَرْبَابِ الزَّرْعِ قُبَالَةَ زَرْعِهِ وَقَضَى سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِدَفْعِهَا لَهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِدَرِّهَا وَنَسْلِهَا وَخَرَاجِهَا حَتَّى يَخْلُفَ الزَّرْعُ وَيَنْبُتَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ سِحْرٌ يَكْفُرُ بِهِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ] الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ سِحْرٌ يَكْفُرُ بِهِ، وَبَيْنَ مَا هُوَ قَاعِدَةُ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ) : وَهُوَ أَنَّ أَنْوَاعَ السِّحْرِ أَرْبَعَةٌ: (الْأَوَّلُ) السِّيمْيَاءُ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا يُرَكَّبُ مِنْ خَوَاصَّ أَرْضِيَّةٍ كَدُهْنٍ خَاصٍّ أَوْ مَائِعَاتٍ خَاصَّةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ خَاصَّةٍ تُوجِبُ تَخَيُّلَاتٍ خَاصَّةً، وَإِدْرَاكَ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ أَوْ بَعْضِهَا لِحَقَائِقَ خَاصَّةٍ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَشْمُومَاتِ وَالْمُبْصَرَاتِ وَالْمَلْمُوسَاتِ وَالْمَسْمُوعَاتِ وَقَدْ يَكُونُ لِذَلِكَ وُجُودٌ حَقِيقِيٌّ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى تِلْكَ الْأَعْيَانِ عِنْدَ تِلْكَ الْمُحَاوَلَاتِ وَقَدْ لَا تَكُونُ لَهُ حَقِيقَةٌ بَلْ تَخَيُّلٌ صِرْفٍ، وَقَدْ يَسْتَوْلِي ذَلِكَ عَلَى الْأَوْهَامِ حَتَّى يَتَخَيَّلَ الْوَهْمُ مُضِيَّ السِّنِينَ الْمُتَدَاوَلَةِ فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ وَتَكَرُّرَ الْفُصُولِ وَتَخَيُّلَ السِّنِّ وَحُدُوثَ الْأَوْلَادِ وَانْقِضَاءَ الْأَعْمَارِ فِي الْوَقْتِ الْمُتَقَارِبِ مِنْ السَّاعَةِ وَنَحْوِهَا وَيَسْلُبُ الْفِكْرَ الصَّحِيحَ بِالْكُلِّيَّةِ وَتَصِيرُ أَحْوَالُ الْإِنْسَانِ مَعَ تِلْكَ الْمُحَاوَلَاتِ كَحَالَاتِ النَّائِمِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ كُلُّهُ بِمَنْ عُمِلَ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُعْمَلْ لَهُ فَلَا يَجِدُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ اللَّهِ الْعَلَوِيُّ فِي شَرْحِ رُشْدِ الْغَافِلِ: وَهَذَا تَخْيِيلٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ بِخِلَافِ مَا يَقَعُ لِبَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ فَإِنَّ لَهُ حَقِيقَةً خَرْقًا لِلْعَادَةِ فَقَدْ خَرَجَ بَعْضُهُمْ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَارْتَفَعَ لِأَرْضٍ أُخْرَى سَكَنَ بِهَا وَتَزَوَّجَ وَحَصَلَتْ لَهُ عِدَّةُ أَوْلَادٍ فِي عِدَّةِ بُطُونٍ مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ قُدِّرَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ فَوَجَدَهُمْ يَنْتَظِرُونَهُ فِي تِلْكَ الْجُمُعَةِ بِعَيْنِهَا، وَقَدْ قَرَأَ بَعْضُهُمْ عَشْرَ خِتْمَاتٍ فِي شَوْطٍ وَاحِدٍ مِنْ الطَّوَافِ قِرَاءَةً مُرَتَّلَةً، وَالطَّائِفُ يَسْمَعُ ذَلِكَ، وَالشَّوْطُ الْوَاحِدُ قَدْرُ مَا يُقْرَأُ فِيهِ ثُمُنُ حِزْبٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يُطَوِّلُ الزَّمَانَ لِبَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ اهـ بِلَفْظِهِ. (النَّوْعُ الثَّانِي) الْهِيمْيَاءُ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَمَّا تَقَدَّمَ مُضَافًا لِلْآثَارِ السَّمَاوِيَّةِ مِنْ الِاتِّصَالَاتِ الْفَلَكِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَحْوَالِ الْأَفْلَاكِ فَيَحْدُثُ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَخَصَّصُوا هَذَا النَّوْعَ بِهَذَا الِاسْمِ تَمْيِيزًا بَيْنَ الْحَقَائِقِ. (النَّوْعُ الثَّالِثُ) بَعْضُ خَوَاصِّ الْحَقَائِقِ أَيْ الذَّوَاتِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَالنَّبَاتَاتِ وَغَيْرِهِمَا الْمُغَيِّرَةِ لِأَحْوَالِ النُّفُوسِ كَأَخْذِ سَبْعَةِ أَحْجَارٍ فَيُرْجَمُ بِهَا نَوْعٌ مِنْ الْكِلَابِ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَعَضَّ مَا يُرْمَى بِهِ مِنْ الْأَحْجَارِ فَإِذَا عَضَّهَا كُلَّهَا لُقِطَتْ وَطُرِحَتْ فِي مَاءٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ ظَهَرَتْ فِيهِ آثَارٌ عَجِيبَةٌ خَاصَّةٌ نَصَّ عَلَيْهَا السَّحَرَةُ وَكَجَمْعِ مُشْطِ بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ، وَمُشَاطَةٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الشِّينِ أَيْ مَا سَقَطَ مِنْ الشَّعْرِ أَوْ الْكَتَّانِ عِنْدَ الْمَشْطِ وَوِعَاءِ طَلْعِ الذَّكَرِ مِنْ النَّخْلِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْعَقَاقِيرِ وَجَعْلِهَا فِي الْأَنْهَارِ وَالْآبَارِ أَوْ زِيرِ الْمَاءِ أَوْ فِي قُبُورِ الْمَوْتَى أَوْ فِي بَابٍ يُفْتَحُ إلَى الْمَشْرِقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبِقَاعِ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْآثَارَ تَحْدُثُ عِنْدَ تِلْكَ الْأُمُورِ بِخَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ الَّتِي طَبَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الرَّبْطِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْآثَارِ عِنْدَ صِدْقِ الْعَزْمِ. (النَّوْعُ الرَّابِعُ) مَا يُحْدِثُ ضَرَرًا مِمَّا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ مِنْ نَحْوِ رُقَى الْجَاهِلِيَّةِ وَالْهِنْدِ وَغَيْرِهِمْ بَلْ رُبَّمَا كَانَ كُفْرًا فَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الرُّقَى يُقَالُ لَهُ السِّحْرُ، وَلَا يُقَالُ عَلَيْهِ لَفْظُ الرُّقَى فَمَتَى وَقَعَتْ أَنْوَاعُ السِّحْرِ الْمَذْكُورَةِ بِمَا هُوَ كُفْرٌ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ. (الْأَوَّلُ) اعْتِقَادٌ كَاعْتِقَادِ انْفِرَادِ الْكَوَاكِبِ أَوْ بَعْضِهَا بِالرُّبُوبِيَّةِ فَيَقُومُ السَّاحِرُ إذَا أَرَادَ سِحْرَ سُلْطَانٍ لِبُرْجِ الْأَسَدِ قَائِلًا خَاضِعًا مُتَقَرِّبًا لَهُ وَيُنَادِيهِ يَا سَيِّدَاهُ يَا عَظِيمَاهُ أَنْتَ الَّذِي إلَيْك تَدِينُ الْمُلُوكُ وَالْجَبَابِرَةُ وَالْأُسُودُ أَسْأَلُك أَنْ تُذَلِّلَ لِي قَلْبَ فُلَانٍ الْجَبَّارِ. (وَالثَّانِي) لَفْظٌ كَالسَّبِّ الْمُتَعَلِّقِ بِمَنْ سَبُّهُ كُفْرٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ. (وَالثَّالِثُ) فِعْلٌ كَإِهَانَةِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعْظِيمَهُ مِنْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِ كَانَ ذَلِكَ السِّحْرُ كُفْرًا لَا مِرْيَةَ فِيهِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِاعْتِقَادٍ هُوَ كُفْرٌ أَوْ

زَرْعُ الْآخَرِ وَالنَّفْشُ رَعْيُ اللَّيْلِ وَالْهَمْلُ رَعْيُ النَّهَارِ بِلَا رَاعٍ. الثَّانِي أَنَّهُ فَرَّطَ فَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا. الثَّالِثِ أَنَّهُ بِالنَّهَارِ يُمْكِنُهُ التَّحَفُّظُ دُونَ اللَّيْلِ وَقَدْ اعْتَبَرْتُمْ ذَلِكَ فِي قَوْلِكُمْ إنْ رَمَتْ الدَّابَّةُ حَصَاةً كَبِيرَةً أَصَابَتْ إنْسَانًا ضَمِنَ الرَّاكِبُ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَفُّظُ مِنْهَا وَالتَّحَفُّظُ مِنْ الْكَبِيرَةِ بِالتَّنَكُّبِ عَنْهُ وَقُلْتُمْ يَضْمَنُ مَا نَفَحَتْ بِيَدِهَا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ رَدُّهَا بِلِجَامِهَا، وَلَا يَضْمَنُ مَا أَفْسَدَتْ بِرِجْلِهَا وَذَنَبِهَا. احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» الثَّانِي الْقِيَاسُ عَلَى النَّهَارِ، وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ الْفَرْقِ بِالْحِرَاسَةِ بِالنَّهَارِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ حَفِظَ مَالَهُ فَأَتْلَفَهُ إنْسَانٌ أَوْ أَهْمَلَهُ فَأَتْلَفَهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ. الثَّالِثِ: الْقِيَاسُ عَلَى جِنَايَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ، وَمَالِهِ وَجِنَايَةُ مَالِهِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتُهُ عَلَى مَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَيْهِ وَعَكْسُهُ جِنَايَةُ صَاحِبِ الْبَهِيمَةِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْجُرْحَ عِنْدَنَا جُبَارٌ إنَّمَا النِّزَاعُ فِي غَيْرِ الْجُرْحِ وَاتَّفَقْنَا عَلَى تَضْمِينِ السَّائِقِ وَالرَّاكِبِ وَالْقَائِدِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْفَرْقَ الْمُتَقَدِّمَ، وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ أَنَّ إتْلَافَ الْمَالِ بِسَبَبِ الْمَالِكِ هَاهُنَا فَهُوَ كَمَنْ تَرَكَ غُلَامَهُ يَصُولُ فَيَقْتُلُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّهُ قِيَاسٌ مُخَالِفٌ لِلْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ بِاللَّيْلِ مُفَرِّطٌ بِالنَّهَارِ لَيْسَ بِمُفَرِّطٍ، وَالْجَوَابُ عَنْ تِلْكَ النُّقُوضِ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ، وَهَاهُنَا أَمْكَنَ التَّضْمِينُ. (سُؤَالٌ) قَوْله تَعَالَى {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79] يَقْتَضِي أَنَّ حُكْمَهُ كَانَ أَقْرَبَ لِلصَّوَابِ مَعَ أَنَّ حُكْمَ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ وَقَعَ فِي شَرْعِنَا أَمْضَيْنَاهُ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الزَّرْعِ يَجُوزُ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِلَفْظٍ هُوَ كُفْرٌ أَوْ بِمَا هُوَ كُفْرٌ بِالْفِعْلِ كَإِلْقَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَوْ حَرْفًا بِقَدَرٍ، قَالَهُ سَيِّدِي عَبْدُ اللَّهِ فِي شَرْحِ رُشْدِ الْغَافِلِ، وَمَتَى وَقَعَتْ الْأَنْوَاعُ الْمَذْكُورَةُ بِشَيْءٍ مُبَاحٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ السِّحْرُ كُفْرًا بَلْ إمَّا مُحَرَّمٌ إنْ كَانَ لَا يَرُوجُ ذَلِكَ الْمُبَاحُ إلَّا بِنَحْوِ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ. وَإِمَّا مُبَاحٌ إنْ رَاجَ بِدُونِ ذَلِكَ نَعَمْ، وَيَكُونُ كُفْرًا مِنْ جِهَةٍ خَارِجَةٍ كَقَصْدِ إضْرَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي شَرْحِ سَيِّدِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَى رُشْدِ الْغَافِلِ نَقْلًا عَنْ ابْن زِكْرِيٍّ فِي شَرْحِ النَّصِيحَةِ وَالْمُبَاحُ إمَّا فِعْلٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي وَضْعِ الْأَحْجَارِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهَا مُبَاحَةٌ، وَإِمَّا قَوْلٌ مَعَ قُوَّةِ نَفْسٍ كَقَوْلِ مَنْ يَسْحَرُ الْحَيَّاتِ الْعِظَامَ مِنْ السَّحَرَةِ: مُوسَى بِعَصَاهُ مُحَمَّدٌ بِفُرْقَانِهِ يَا مُعَلِّمَ الصِّغَارِ عَلِّمْنِي كَيْفَ آخُذُ الْحَيَّةَ وَالْحَوِيَّةَ، وَكَانَتْ لَهُ قُوَّةُ نَفْسٍ يَحْصُلُ مِنْهَا مَعَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ إقْبَالُ الْحَيَّاتِ إلَيْهِ وَتَمُوتُ بَيْنَ يَدَيْهِ سَاعَةً ثُمَّ تُفِيقُ ثُمَّ يُعَاوِدُ ذَلِكَ الْكَلَامَ فَيَعُودُ حَالُهَا كَذَلِكَ أَبَدًا فَإِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ مُبَاحَةٌ لَيْسَ فِيهَا كُفْرُ وَقُوَّةُ نَفْسِهِ الَّتِي جُبِلَ عَلَيْهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِ فَلَا يَكْفُرُ بِهَا كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَعْصِي بِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ مِنْ الْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ وَتَأْثِيرِهَا فِي قَتْلِ الْحَيَوَانَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَأْثَمُ بِتَصَدِّيهِ وَاكْتِسَابِهِ لِذَلِكَ بِمَا حَرَّمَ الشَّرْعُ أَذِيَّتَهُ أَوْ قَتْلَهُ أَمَّا لَوْ تَصَدَّى صَاحِبُ الْعَيْنِ لِقَتْلِ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ السِّبَاعِ الْمُهْلِكَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ طَائِعًا لِلَّهِ تَعَالَى بِإِصَابَتِهِ بِالْعَيْنِ الَّتِي طُبِعَتْ عَلَيْهَا نَفْسُهُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، قَالَ الْأَصْلُ: وَأَمَّا جَمْعُ مُشْطٍ، وَمُشَاقٍ وَكُوَرِ طَلْعٍ مِنْ النَّخْلِ وَجَعْلُ الْجَمِيعِ فِي بِئْرٍ لِسِحْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الْبِئْرِ كَلِمَاتٌ أُخْرَى أَوْ شَيْءٌ آخَرُ فَهِيَ أَمْرٌ مُبَاحٌ إلَّا مِنْ جِهَةِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ كُفْرًا فِي صُورَةٍ كَمَا فِي قَصْدِ إضْرَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ. وَقَدْ تَقْتَضِي الْقَوَاعِدُ الشَّرْعِيَّةُ وُجُوبَهُ فِي صُورَةٍ أُخْرَى أَوْ إنْ كَانَ مَعَ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الْبِئْرِ كَلِمَاتٌ أُخْرَى أَوْ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ الظَّاهِرُ نَظَرَ فِيهِ هَلْ يَقْتَضِي كُفْرًا أَوْ هُوَ مُبَاحٌ مِثْلُهَا وَلِلسَّحَرَةِ فُصُولٌ كَثِيرَةٌ فِي كُتُبِهِمْ يُقْطَعُ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَعَاصِيَ، وَلَا كُفْرًا كَمَا أَنَّ لَهُمْ مَا يُقْطَعُ بِأَنَّهُ كُفْرٌ فَيَجِبُ حِينَئِذٍ التَّفْصِيلُ بِمَا حَكَاهُ الطُّرْطُوشِيُّ عَنْ قُدَمَاءِ أَصْحَابِنَا أَنَّا لَا نُكَفِّرُهُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ مِنْ السِّحْرِ الَّذِي كَفَّرَ اللَّهُ بِهِ أَوْ يَكُونُ سِحْرًا مُشْتَمِلًا عَلَى كُفْرٍ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَّا الْإِطْلَاقُ بِأَنَّ كُلَّ مَا يُسَمَّى سِحْرًا كُفْرٌ فَصَعْبٌ جِدًّا، وَإِنْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ السَّاحِرَ كَافِرٌ وَقَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ: السَّاحِرُ كَافِرٌ يُقْتَلُ، وَلَا يُسْتَتَابُ سَحَرَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا كَالزِّنْدِيقِ قَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ أَظْهَرَهُ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ قَالَ أَصْبَغُ إنْ أَظْهَرَهُ، وَلَمْ يَتُبْ فَقُتِلَ فَمَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ اسْتَتَرَ فَلِوَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا آمُرُهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَإِنْ فَعَلُوا فَهُمْ أَعْلَمُ قَالَ وَتَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ عِنْدَ مَالِكٍ كُفْرٌ قَالَ وَدَلِيلُ الْمَالِكِيَّةِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] أَيْ بِتَعَلُّمِهِ {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِ الْأَجْسَامِ. وَالْجَزْمُ بِذَلِكَ كُفْرٌ أَوْ نَقُولُ هُوَ عَلَامَةُ الْكُفْرِ بِإِخْبَارِ الشَّرْعِ فَلَوْ قَالَ الشَّارِعُ مَنْ دَخَلَ مَوْضِعَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ اعْتَقَدْنَا كُفْرَ الدَّاخِلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدُّخُولُ كُفْرًا وَإِنْ أَخْبَرَنَا هُوَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ لَمْ نُصَدِّقْهُ قَالَ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا إنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ أَيْ دَلِيلُ الْكُفْرِ لَا أَنَّهُ كُفْرٌ فِي نَفْسِهِ كَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالتَّرَدُّدِ إلَى الْكَنَائِسِ فِي أَعْيَادِ النَّصَارَى فَنَحْكُمُ بِكُفْرِ فَاعِلِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأُمُورُ كُفْرًا لَا سِيَّمَا وَتَعَلُّمُهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِمُبَاشَرَتِهِ كَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَلَّمَ الزَّمْرَ أَوْ ضَرْبَ الْعُودِ، وَالسِّحْرُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْكُفْرِ كَقِيَامِهِ إذَا أَرَادَ سِحْرَ سُلْطَانٍ لِبُرْجِ الْأَسَدِ قَائِلًا خَاضِعًا مُتَقَرِّبًا لَهُ وَيُنَادِيهِ يَا سَيِّدَاهُ يَا عَظِيمَاهُ أَنْتَ الَّذِي إلَيْك تَدِينُ الْمُلُوكُ وَالْجَبَابِرَةُ وَالْأُسُودُ أَسْأَلُك أَنْ تُذَلِّلَ

يُؤْخَذَ فِيهَا غَنَمٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا مُفْلِسٌ مَثَلًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَأَمَّا حُكْمُ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ وَقَعَ فِي شَرْعِنَا مِنْ بَعْضِ الْقُضَاةِ مَا أَمْضَيْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ إيجَابٌ لِقِيمَةٍ مُؤَجَّلَةٍ، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ صَاحِبَ الْحَرْثِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقِيَمِ الْحُلُولُ إذَا وَجَبَتْ فِي الْإِتْلَافَاتِ؛ وَلِأَنَّهُ إحَالَةٌ عَلَى أَعْيَانٍ لَا يَجُوزُ بَيْعًا، وَمَا لَا يُبَاعُ لَا يُعَارَضُ بِهِ فِي الْقِيَمِ فَيَلْزَمُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ تَكُونَ شَرِيعَتُنَا أَتَمَّ فِي الْمَصَالِحِ، وَأَكْمَلَ الشَّرَائِعِ أَوْ يَكُونَ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهِمَ دُونَ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَظَاهِرُ الْآيَةِ خِلَافُهُ وَهُوَ مَوْضِعٌ مُشْكِلٌ يَحْتَاجُ لِلْكَشْفِ وَالنَّظَرِ حَتَّى يُفْهَمَ الْمَعْنَى فِيهِ. وَوَجْهُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَتَمَّ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الزَّمَانِ بِأَنْ تَكُونَ مَصْلَحَةُ زَمَانِهِمْ كَانَتْ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَخْرُجَ عَيْنُ مَالِ الْإِنْسَانِ مِنْ يَدِهِ إمَّا لِقِلَّةِ الْأَعْيَانِ وَإِمَّا لِعَدَمِ ضَرَرِ الْحَاجَةِ أَوْ لِعِظَمِ الزَّكَاةِ لِلْفُقَرَاءِ بِأَنْ تُقَدَّمَ لِلنَّارِ الَّتِي تَأْكُلُ الْقُرْبَانَ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَتَكُونُ الْمَصْلَحَةُ الْأُخْرَى بِاعْتِبَارِ زَمَانِنَا أَتَمَّ فَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ كَمَا أَنَّ النَّسْخَ حَسَنٌ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْمَصَالِحِ فِي الْأَزْمِنَةِ فَقَاعِدَةُ النَّسْخِ تَشْهَدُ لِهَذَا الْجَوَابِ. (سُؤَالٌ) فِي قَوْله تَعَالَى {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: 78] الْمُرَادُ بِالشَّهَادَةِ هَاهُنَا الْعِلْمُ فَمَا فَائِدَةُ ذِكْرِهِ، وَالتَّمَدُّحُ بِهِ هَاهُنَا بَعِيدٌ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَمْتَدِحُ بِالْعِلْمِ الْجُزْئِيِّ، وَلَيْسَ السِّيَاقُ سِيَاقَ تَهْدِيدٍ أَوْ تَرْغِيبٍ حَتَّى يَكُونَ الْمُرَادُ الْمُكَافَأَةَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} [النور: 64] {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا} [النور: 63] وَنَحْوِهِ جَوَابُهُ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَصَ إنَّمَا وَرَدَتْ لِتَقْرِيرِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِي قَلْبَ فُلَانٍ الْجَبَّارِ اهـ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامِ قَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْمُشْكِلِينَ أَنَّ مِنْ أَقْسَامِ السِّحْرِ فِعْلَ مَا يُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمِنْهُ مَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَيُسَمَّى التُّوَلَةَ، وَكِلَاهُمَا كُفْرٌ وَالْكُلُّ حَرَامٌ كُفْرٌ قَالَهُ مَالِكٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ السِّحْرُ مَعْصِيَةٌ إنْ قَتَلَ بِهِ السَّاحِرُ قُتِلَ، وَإِنْ أَضَرَّ بِهِ أُدِّبَ عَلَى قَدْرِ الضَّرَرِ، وَهَذَا بَاطِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ. (أَحَدِهِمَا) أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ السِّحْرَ، وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ كَلَامٌ مُؤَلَّفٌ يُعَظَّمُ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَتُنْسَبُ إلَيْهِ فِيهِ الْمَقَادِيرُ وَالْكَائِنَاتُ. (وَالثَّانِي) أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى صَرَّحَ فِي كِتَابِهِ بِأَنَّهُ كُفْرٌ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} [البقرة: 102] أَيْ مِنْ السِّحْرِ {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ} [البقرة: 102] أَيْ بِقَوْلِ السِّحْرِ {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} [البقرة: 102] أَيْ بِهِ وَبِتَعْلِيمِهِ وَهَارُوتُ وَمَارُوتَ يَقُولَانِ {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] وَهَذَا تَأْكِيدٌ لِلْبَيَانِ اهـ. وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ إطْلَاقِ أَنَّ كُلَّ مَا يُسَمَّى سِحْرًا كُفْرٌ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ عَلَى أُصُولِنَا فَإِنَّ السَّحَرَةَ يَعْتَمِدُونَ أَشْيَاءَ تَأْبَى قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ تَكْفِيرَهُمْ بِهَا كَفِعْلِ الْحِجَارَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَذَلِكَ يَجْمَعُونَ عَقَاقِيرَ وَيَجْعَلُونَهَا فِي الْأَنْهَارِ أَوْ الْآبَارِ أَوْ زِيرِ الْمَاءِ أَوْ قُبُورِ الْمَوْتَى أَوْ فِي بَابٍ يُفْتَحُ إلَى الْمَشْرِقِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبِقَاعِ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْآثَارَ تَحْدُثُ عِنْدَ تِلْكَ الْأُمُورِ بِخَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ الَّتِي طَبَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الرَّبْطِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ تِلْكَ الْآثَارِ عِنْدَ صِدْقِ الْعَزْمِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا يُمْكِنُنَا تَكْفِيرُهُمْ بِجَمْعِ الْعَقَاقِيرِ، وَلَا بِوَضْعِهَا فِي الْآبَارِ، وَلَا بِاعْتِقَادِهِمْ حُصُولَ تِلْكَ الْآثَارِ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُمْ جَرَّبُوا ذَلِكَ فَوَجَدُوهُ لَا يَنْخَرِمُ عَلَيْهِمْ لِأَجْلِ خَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ فَصَارَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ كَاعْتِقَادِ الْأَطِبَّاءِ حُصُولَ الْآثَارِ عِنْدَ شُرْبِ الْعَقَاقِيرِ لِخَوَاصِّ طَبَائِعَ تِلْكَ الْعَقَاقِيرِ، وَخَوَاصُّ النُّفُوسِ لَا يُمْكِنُ التَّكْفِيرُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِمْ، وَلَا كُفْرَ بِغَيْرِ مُكْتَسِبٍ، وَأَمَّا اعْتِقَادُهُمْ أَنَّ الْكَوَاكِبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَا رَبَطَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِهَا، وَإِنَّمَا جَاءَتْ الْآثَارُ مِنْ خَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ الَّتِي رَبَطَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا تِلْكَ الْآثَارِ عِنْدَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ فِي الْكَوَاكِبِ خَطَأً كَمَا إذَا اعْتَقَدَ طَبِيبٌ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْدَعَ فِي الصَّبْرِ وَالسَّقَمُونْيَا عَقْلَ الْبَطْنِ وَقَطْعَ الْإِسْهَالِ فَإِنَّهُ خَطَأٌ، وَأَمَّا تَكْفِيرُهُ بِذَلِكَ فَلَا. وَإِنْ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْكَوَاكِبَ وَالشَّيَاطِينَ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِقُدْرَتِهَا لَا بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ فِي اسْتِقْلَالِ الْحَيَوَانَاتِ بِقُدْرَتِهَا دُونَ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَمَا لَا تُكَفِّرُ الْمُعْتَزِلَةَ بِذَلِكَ لَا نُكَفِّرُ هَؤُلَاءِ وَتَفْرِيقُ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ مَظِنَّةُ الْعِبَادَةِ فَإِنْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ اعْتِقَادُ الْقُدْرَةِ وَالتَّأْثِيرِ كَانَ كُفْرًا مَدْفُوعٌ بِأَنَّ تَأْثِيرَ الْحَيَوَانِ فِي الْقَتْلِ وَالضَّرِّ وَالنَّفْعِ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ مُشَاهَدٌ مِنْ السِّبَاعِ وَالْآدَمِيِّينَ وَغَيْرِ هَذَا. وَأَمَّا كَوْنُ الْمُشْتَرَى أَوْ زُحَلَ يُوجِبُ شَقَاوَةً أَوْ سَعَادَةً فَإِنَّمَا هُوَ حَزْرٌ وَتَخْمِينٌ مِنْ الْمُنَجِّمِينَ لَا صِحَّةَ لَهُ وَقَدْ عُبِدَتْ الْبَقَرُ وَالشَّجَرُ وَالْحِجَارَةُ وَالثَّعَابِينُ فَصَارَتْ هَذَا الشَّائِبَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْكَوَاكِبِ وَغَيْرِهَا فَهُوَ مَوْضِعُ نَظَرٍ وَاَلَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ أَنَّهُ كُفْرٌ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الصَّابِئَةِ وَهُوَ كُفْرٌ صَرِيحٌ لَا سِيَّمَا إنْ صَرَّحَ بِنَفْيِ مَا عَدَاهَا. وَبِهَذَا الْبَحْثِ يَظْهَرُ ضَعْفُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ تَفْعَلُ لَهُ مَا يَشَاءُ فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ تَخَيُّلٌ وَتَمْوِيهٌ لَمْ يَكْفُرْ بَلْ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُفَصِّلُوا فِي هَذَا الْإِطْلَاقَ فَإِنَّ

فِي صَدْرِ السُّورَةِ حِكَايَةً عَنْ الْكُفَّارِ {هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [الأنبياء: 3] فَبَسَطَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْقِصَصِ لِيُبَيِّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَيْسَ بِدُعَاءٍ مِنْ الرُّسُلِ، وَأَنَّهُ يُفَضِّلُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْبَشَرِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ حُكْمِهِ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ غَفْلَةً بَلْ عَنْ عِلْمٍ وَلِذَلِكَ فَهْمُ سُلَيْمَانَ دُونَ دَاوُد - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ عَنْ غَفْلَةٍ بَلْ نَحْنُ عَالِمُونَ فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى ضَبْطِ التَّصَرُّفِ، وَإِحْكَامِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا يَقُولُ الْمَلِكُ الْعَظِيمُ أَعْرَضْتُ عَنْ زَيْدٍ، وَأَنَا عَالِمٌ بِحُضُورِهِ، وَلَيْسَ مَقْصُودُهُ التَّمَدُّحَ بِالْعِلْمِ بَلْ بِإِحْكَامِ التَّصَرُّفِ فِي مُلْكِهِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا خَرَجَ عَنْ الْمُسَاوَاةِ وَالْمُمَاثَلَةِ فِي الْقِصَاصِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا بَقِيَ عَلَى الْمُسَاوَاةِ) . اعْلَمْ أَنَّ الْقِصَاصَ أَصْلُهُ مِنْ الْقَصِّ الَّذِي هُوَ الْمُسَاوَاةُ؛ لِأَنَّ مَنْ قَصَّ شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ بَقِيَ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَهُوَ شَرْطٌ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى تَعْطِيلِ الْقِصَاصِ قَطْعًا أَوْ غَالِبًا، وَلَهُ مُثُلٌ أَحَدُهَا التَّسَاوِي فِي أَجْزَاءِ الْأَعْضَاءِ وَسُمْكِ اللَّحْمِ فِي الْجَانِي لَوْ اُشْتُرِطَ لَمَا حَصَلَ إلَّا نَادِرًا بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ فِي الْجَسَدِ وَثَانِيهِمَا التَّسَاوِي فِي مَنَافِعِ الْأَعْضَاءِ وَثَالِثُهَا الْعُقُولُ وَرَابِعُهَا الْحَوَاسُّ وَخَامِسُهَا قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ وَقَطْعُ الْأَيْدِي بِالْيَدِ لَوْ اُشْتُرِطَتْ الْوَاحِدَةُ لِتَسَاوِي الْأَعْدَادِ بِبَعْضِهِمْ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ، السَّادِسُ الْحَيَاةُ الْيَسِيرَةُ كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ مَعَ الشَّابِّ، وَمَنْفُوذُ الْمَقَاتِلِ عَلَى الْخِلَافِ، السَّابِعُ تَفَاوُتُ الصَّنَائِعِ وَالْمَهَارَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالشَّيَاطِينَ كَانَتْ تَصْنَعُ لِسُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا يَأْمُرُهَا بِهِ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ اعْتَقَدَ السَّاحِرُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ سَخَّرَ لَهُ الشَّيَاطِينَ بِسَبَبِ عَقَاقِيرِهِ مَعَ خَوَاصِّ نَفْسِهِ ضَعُفَ الْقَوْلُ بِتَكْفِيرِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْأَصْحَابِ إنَّهُ عَلَامَةُ الْكُفْرِ فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّا نَتَكَلَّمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِاعْتِبَارِ الْفُتْيَا، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ حَالَ الْإِنْسَانِ فِي تَصْدِيقِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَرُسُلِهِ بَعْدَ عَمَلِ هَذِهِ الْعَقَاقِيرِ كَحَالِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَالشَّرْعُ لَا يُخْبِرُ عَلَى خِلَافِ الْوَاقِعِ، وَإِنْ أَرَادُوا الْخَاتِمَةَ فَمُشْكِلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّا لَا نُكَفِّرُ فِي الْحَالِ بِكُفْرٍ وَاقِعٍ فِي الْمَآلِ كَمَا أَنَّا لَا نَجْعَلُ مَنْ يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ الْآنَ مُؤْمِنًا فِي الْحَالِ بِإِيمَانٍ وَاقِعٍ فِي الْمَآلِ بَلْ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ تَتْبَعُ أَسْبَابَهَا وَتَحَقُّقَهَا لَا تَوَقُّعَهَا وَإِنْ قَطَعْنَا بِوُقُوعِهَا كَمَا أَنَّا نَقْطَعُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ، وَلَا تَتَرَتَّبُ مُسَبَّبَاتُهَا قَبْلَهَا، وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا فِي التَّرَدُّدِ إلَى الْكَنَائِسِ، وَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّمَا قَضَيْنَا بِكُفْرِهِ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفُتْيَا، وَقَدْ يَكُونُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى مُؤْمِنًا، وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ إنَّ تَعَلُّمَهُ وَتَعْلِيمَهُ كُفْرٌ فَفِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ فَقَدْ قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ وَهُوَ مِنْ سَادَاتِ الْعُلَمَاءِ: أَنَّهُ إذَا وَقَفَ لِبُرْجِ الْأَسَدِ، وَحَكَى الْقَضِيَّةَ إلَى آخِرِهَا فَإِنَّ هَذَا سِحْرٌ فَقَدْ تَصَوَّرَهُ وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ سِحْرٌ فَهَذَا هُوَ تَعَلُّمُهُ فَكَيْفَ يَتَصَوَّرُ شَيْئًا لَمْ يَعْلَمْهُ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ التَّعَلُّمُ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ كَضَرْبِ الْعُودِ بَلْ كُتُبُ السِّحْرِ مَمْلُوءَةٌ مِنْ تَعْلِيمِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بَلْ هُوَ كَتَعَلُّمِ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ الَّذِي لَا يَكْفُرُ بِهِ الْإِنْسَانُ كَمَا تَقُولُ إنَّ النَّصَارَى يَعْتَقِدُونَ فِي عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَذَا وَالصَّابِئَةَ مُعْتَقِدُونَ فِي النُّجُومِ كَذَا وَنَتَعَلَّمُ مَذَاهِبَهُمْ، وَمَا هُمْ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ حَتَّى نَرُدَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَهُوَ قُرْبَةٌ لَا كُفْرٌ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنْ كَانَ تَعَلَّمَ السِّحْرَ لِيُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعْجِزَاتِ كَانَ ذَلِكَ قُرْبَةً وَكَذَلِكَ نَقُولُ إذَا عَمِلَ السَّحَرُ بِأَمْرٍ مُبَاحٍ لِيُفَرِّقَ بِهِ بَيْنَ الْمُجْتَمِعِينَ عَلَى الزِّنَا أَوْ قَطْعِ الطَّرِيقِ بِالْبَغْضَاءِ وَالشَّحْنَاءِ أَوْ لِيَقْتُلَ جَيْشُ الْكُفْرِ مَلِكَهُمْ بِهِ أَوْ لِيُوقِعَ بِهِ الْمَحَبَّةَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ أَوْ بَيْنَ جَيْشِ الْإِسْلَامِ، وَمَلِكِهِمْ فَهَذَا كُلُّهُ قُرْبَةٌ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَبَاحِثَ كُلَّهَا فَالْمَوْضِعُ مُشْكِلٌ جِدًّا. وَأَمَّا قَوْلُ الطُّرْطُوشِيِّ إذَا قَالَ صَاحِبُ الشَّرْعِ مَنْ دَخَلَ الدَّارَ فَهُوَ كَافِرٌ قَضَيْنَا بِكُفْرِهِ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ فَهُوَ فَرْضٌ مُحَالٌ إذْ لَا يُخْبِرُ صَاحِبُ الشَّرْعِ عَنْ إنْسَانٍ بِالْكُفْرِ إلَّا إذَا كَفَرَ وَقَوْلُهُمْ هُوَ دَلِيلُ الْكُفْرِ مَمْنُوعٌ وَقَوْلُهُمْ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ أَخْبَرَ بِذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ مُسَلَّمٌ إذْ لَا مُحَالَ فِي حَمْلِ الْآيَةِ عَلَى مَا هُوَ كُفْرٌ إنَّمَا الْمُحَالُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَدْخُلُ التَّخْصِيصُ فِي عُمُومِهَا بِالْقَوَاعِدِ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي الْعُمُومَاتِ، وَهُوَ مَا نَقُولُ أَوْ لَا يَدْخُلُ كَمَا يَقُولُونَ فَيَلْزَمُ التَّكْفِيرُ بِغَيْرِ سَبَبِ الْكُفْرِ وَهُوَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ وَلَا شَاهِدَ لَهُ فِي الِاعْتِبَارِ، وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ أَوْ تَعَلُّمَهُ لَا يَكُونُ بِالْكُفْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] خَبَرٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ {كَفَرُوا} [البقرة: 102] وَنَحْنُ نَمْنَعُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لَهُ بَلْ هُوَ إخْبَارٌ عَنْ حَالِهِمْ بَعْدَ تَقَرُّرِ كُفْرِهِمْ بِغَيْرِ السِّحْرِ سَلَّمْنَا أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لَهُ لَكِنْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ السِّحْرَ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى الْكُفْرِ، وَكَانَتْ الشَّيَاطِينُ تَعْتَقِدُ مُوجِبَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ كَالنَّصْرَانِيِّ إذَا عَلَّمَ الْمُسْلِمَ دِينَهُ فَإِنَّهُ يَعْتَقِدُ مُوجِبَهُ، وَأَمَّا الْأُصُولِيُّ إذَا عَلَّمَ تِلْمِيذَهُ الْمُسْلِمَ دِينَ النَّصْرَانِيِّ لِيَرُدَّ عَلَيْهِ وَيَتَأَمَّلَ فَسَادَ قَوَاعِدِهِ فَلَا يَكْفُرُ الْمُعَلِّمُ، وَلَا الْمُتَعَلِّمُ، وَهَذَا التَّقْيِيدُ عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ، وَأَمَّا جَعْلُ التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ مُطْلَقًا كُفْرًا فَهُوَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ وَلْنَقْتَصِرْ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى غَوْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، هَذَا

فِيهَا. وَهَاهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) : قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ إذَا قَتَلُوهُ عَمْدًا وَتَعَاوَنُوا عَلَى قَتْلِهِ بِالْحِرَابَةِ أَوْ غَيْرِهَا حَتَّى يُقْتَلَ عِنْدَنَا النَّاظُورُ وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَشْهُورُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَعَنْ أَحْمَدَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَالصَّحَابَةِ أَنَّ عَلَيْهِمْ الدِّيَةَ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُ يُقْتَلُ مِنْهُمْ وَاحِدٌ وَعَلَى الْبَاقِي حِصَصُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُكَافِئٌ لَهُ فَلَا يَسْتَوِي إبْدَالٌ فِي مُبْدَلٍ مِنْهُ وَاحِدٌ كَمَا لَا تَجِبُ دِيَاتٌ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة: 178] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] ؛ وَلِأَنَّ تَفَاوُتَ الْأَوْصَافِ يُمْنَعُ كَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ فَالْعَدَدُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ لَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى قَتْلِ عُمَرَ سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ بِرَجُلٍ وَاحِدٍ وَقَالَ لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ بِهِ وَقَتَلَ عَلِيٌّ ثَلَاثَةً وَهُوَ كَثِيرٌ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ وَلِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَتُفَارِقُ الدِّيَةَ فَإِنَّهَا تَتَبَعَّضُ دُونَ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَوْ أَسْقَطَتْ الْقِصَاصَ كَانَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً لِلْقَتْلِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ لَنَا مَا فِي الْبُخَارِيِّ «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] وَهَذَا قُتِلَ مَظْلُومًا فَيَكُونُ لِوَلِيِّهِ سُلْطَانٌ الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَسَائِرُ الْعُمُومَاتِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ وَمَا بَعْدَهُ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا خَاصٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْعُمُومَاتِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) خَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي قَتْلِ الْمُمْسِكِ وَقَالَا يُقْتَلُ الْقَاتِلُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQخُلَاصَةُ كَلَامِ الْأَصْلِ. وَفِي التَّبْصِرَةِ قَالَ ابْنُ الْغَرْسِ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ فِي الْمَرْأَةِ تُقِرُّ أَنَّهَا عَقَدَتْ زَوْجَهَا عَنْ نَفْسِهَا أَوْ عَنْ غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ أَنَّهَا تُقْتَلُ، وَلَا تُنَكَّلُ قَالَ، وَلَوْ سَحَرَ نَفْسَهُ لَمْ يُقْتَلْ بِذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَعَ قَوْلِ مَالِكٍ فِيمَنْ يَعْقِدُ الرِّجَالَ عَنْ النِّسَاءِ يُعَاقَبُ، وَلَا يُقْتَلُ اهـ أَنْ لَيْسَ كُلُّ سِحْرٍ كُفْرًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ بِتَصَرُّفٍ وَأَيَّدَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ إبْقَاءَ وقَوْله تَعَالَى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] عَلَى عُمُومِهَا، وَأَنَّ قَوْله تَعَالَى {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ {كَفَرُوا} [البقرة: 102] وَتَسْوِيغُ الطُّرْطُوشِيِّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى الْكُفْرِ بِوُجُوهٍ. (الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) أَنَّ قَاعِدَةَ أَنَّ كَوْنَ أَمْرٍ مَا كُفْرًا أَيْ أَمْرٍ كَانَ لَيْسَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَلِيَّةِ بَلْ هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْوَضْعِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِذَا قَالَ الشَّارِعُ فِي أَمْرٍ مَا هُوَ كُفْرٌ فَهُوَ كَذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ إنْشَاءً أَمْ إخْبَارًا يَقْتَضِي صِحَّةَ قَوْلِ الطُّرْطُوشِيِّ إنَّ الشَّارِعَ لَوْ قَالَ مَنْ دَخَلَ مَوْضِعَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ اعْتَقَدْنَا كُفْرَ الدَّاخِلِ، وَأَنَّ الدُّخُولَ كُفْرٌ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْقَوْلُ إنْشَاءَ شَرِيعَةٍ أَوْ إخْبَارًا عَنْ إنْشَاءِ شَرْعٍ لَا إخْبَارًا عَنْ كُفْرِ مَنْ لَمْ يَكْفُرْ حَتَّى يَكُونَ مُحَالٌ، وَصِحَّةُ قَوْلِهِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ أَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ أَيْ دَلِيلُ الْكُفْرِ إلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ تَكُنْ هَذِهِ الْأُمُورُ كُفْرًا فَهِيَ كَأَكْلِ الْخِنْزِيرِ وَالتَّرَدُّدِ إلَى الْكَنَائِسِ. (الْوَجْهِ الثَّانِي) أَنَّ اسْتِدْلَالَ الْمَالِكِيَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] أَيْ بِتَعْلِيمِهِ ظَاهِرٌ وَاضِحٌ لِتَعَذُّرِ حَمْلِ قَوْلِهِ {فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] عَلَى الْكُفْرِ بِغَيْرِ التَّعْلِيمِ لِعَدَمِ الْتِئَامٍ. قَوْلِهِ {فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] مَعَ مَا قَبْلَهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْكُفْرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ غَيْرُ التَّعَلُّمِ فَهُوَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَبِهَذِهِ الْقَرِينَةِ نَصٌّ فِي أَنَّ التَّعَلُّمَ هُوَ الْكُفْرُ، وَلَكِنْ يَبْقَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ إخْبَارٌ عَنْ وَاقِعٍ قَبْلَنَا وَخِطَابٌ عَنْ غَيْرِنَا فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ فِي الْمَذْهَبِ. (الْوَجْهِ الثَّالِثِ) أَنْ قَوْله تَعَالَى {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] لَا يَلِيقُ بِفَصَاحَةِ الشَّارِعِ أَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حَالِهِمْ بَعْدَ تَقَرُّرِ كُفْرِهِمْ بِغَيْرِ السِّحْرِ بَلْ اللَّائِقُ بِهَا أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ كُفْرًا، وَلَا نُسَلِّمُ بِغَيْرِ حَمْلِهِ حِينَئِذٍ عَلَى أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ السِّحْرُ مُشْتَمِلًا عَلَى الْكُفْرِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيمُهُ وَتَعَلُّمُهُ كُفْرًا، وَهُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي لَا مَعْدِلَ عَنْهُ. (الْوَجْهِ الرَّابِعِ) أَنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا لِيَعْرِفَ حَقِيقَتَهُ خَاصَّةً إمَّا لِتَجَنُّبٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا لَيْسَ بِكُفْرٍ وَثَانِيهِمَا أَنْ يَتَعَلَّمَهُ قَاصِدًا بِتَعَلُّمِهِ تَحْصِيلَ أَثَرِهِ مَتَى احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي اقْتَضَى ظَاهِرُ الْكِتَابِ أَنَّهُ كُفْرٌ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الشِّهَابِ لَا يُمْكِنُ التَّكْفِيرُ بِجَمْعِ الْعَقَاقِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ صَحِيحٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْجَمْعُ وَسَائِرُ تِلْكَ الْأَفْعَالِ غَيْرَ مَقْصُودٍ بِهَا اجْتِلَابُ الْآثَارِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَقْصُودًا بِهَا ذَلِكَ فَهُوَ السِّحْرُ الَّذِي هُوَ كُفْرٌ بِنَفْسِهِ لِتَضَمُّنِهِ اعْتِقَادَ تَأْثِيرِ هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْ دَلِيلَ الْكُفْرِ عَلَى مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ وَقَوْلُ الطُّرْطُوشِيِّ لَا سِيَّمَا وَتَعَلُّمُهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِمُبَاشَرَتِهِ إلَى قَوْلِهِ أَنْ تُذَلِّلَ لِي قَلْبَ فُلَانٍ الْجَبَّارِ، يَعْنِي أَنَّ تَعَلُّمَهُ لِتَحْصِيلِ ثَمَرَتِهِ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِدِ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ اشْتِرَاطِ أَهْلِ السِّحْرِ ذَلِكَ بَلْ الْجَزْمُ بِحُصُولِ الْأَثَرِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْفَخْرُ وَقَوْلُهُ وَاحْتَجُّوا إلَى قَوْلِهِ لَمْ يَأْثَمْ الْمَالِكِيَّةُ تَقُولُ بِمُوجِبِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مَقْصُودُ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ تَعَلُّمُ الْكُفْرِ لَا لِنَفْسِهِ بَلْ لِتَصْحِيحٍ يَقْتَضِيهِ وَقَوْلُ الشِّهَابِ إنَّ مَنْ قَالَ التَّعْلِيمُ وَالتَّعَلُّمُ مُطْلَقًا كُفْرٌ فَهُوَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ

وَحْدَهُ. لَنَا الْعُمُومَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَقَوْلُ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمُ وَقِيَاسًا عَلَى الْمُمْسِكِ لِلصَّيْدِ الْمُحَرَّمِ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ وَعَلَى الْمُكْرَهِ. (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعَيْنِ وَقَاعِدَةِ كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْ الْجَسَدِ فِيهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ كَالْأُذُنَيْنِ وَنَحْوِهِمَا) . أَنَّهُ إذَا ذَهَبَ سَمْعُ أَحَدِ أُذُنَيْهِ بِضَرْبَةِ رَجُلٍ ثُمَّ أَذْهَبَ سَمْعَ الْأُخْرَى فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الدِّيَةُ كَامِلَةً وَوَافَقَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ نِصْفُ الدِّيَةِ. لَنَا وُجُوهٌ (الْأَوَّلُ) أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَابْنَ عُمَرَ قَضَوْا بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُخَالِفٍ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا. (الثَّانِي) أَنَّ الْعَيْنَ الذَّاهِبَةَ يَرْجِعُ ضَوْءُهَا لِلْبَاقِيَةِ؛ لِأَنَّ مَجْرَاهَا فِي النُّورِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِبْصَارُ وَاحِدٌ كَمَا شَهِدَ بِهِ عِلْمُ التَّشْرِيحِ وَلِذَلِكَ أَنَّ الصَّحِيحَ إذَا غَمَّضَ إحْدَى عَيْنَيْهِ اتَّسَعَ ثُقْبُ الْأُخْرَى بِسَبَبِ مَا انْدَفَعَ لَهَا مِنْ الْأُخْرَى وَقَوِيَ إبْصَارُهَا، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي إحْدَى الْأُذُنَيْنِ إذَا سُدَّتْ الْأُخْرَى أَوْ إحْدَى الْيَدَيْنِ إذَا ذَهَبَتْ الْأُخْرَى أَوْ قُطِعَتْ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ إلَّا الْعَيْنَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ اتِّحَادِ الْمَجْرَى فَكَانَتْ الْعَيْنُ الْبَاقِيَةُ فِي مَعْنَى الْعَيْنَيْنِ فَوَجَبَ فِيهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ. احْتَجُّوا بِوُجُوهٍ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ» الثَّانِي قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ» وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةٌ إلَّا إذَا قَلَعَ عَيْنَيْنِ وَهَذَا لَمْ يَقْلَعْ عَيْنَيْنِ. الثَّالِثِ أَنَّ مَا ضُمِنَ بِنِصْفِ الدِّيَةِ، وَمَعَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQصَحِيحٌ أَيْضًا كَقَوْلِهِ إنَّ مُعَلِّمَ الْكُفْرِ، وَمُتَعَلِّمَهُ لِيَرُدَّ عَلَيْهِ لَيْسَ بِكَافِرٍ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ، وَإِذَا صَحَّ أَنَّ كَوْنَ أَمْرٍ مَا كُفْرًا أَمْرٌ وَضْعِيٌّ شَرْعِيٌّ وَثَبَتَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ أَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ، وَأَنَّهُ عَلَامَةُ الْكُفْرِ فَلَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ مِنْ شَرْطِ الْمُؤْمِنِ أَنْ لَا يَعْمَلَ سِحْرًا وَعِنْدَ ذَلِكَ يَصِحُّ إيمَانُهُ إمَّا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إنْ كَانَ السِّحْرُ بِنَفْسِهِ كُفْرًا، وَإِمَّا ظَاهِرًا فَقَطْ إنْ كَانَ عَلَامَةُ الْكُفْرِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ فَسَقَطَ قَوْلُ الشِّهَابِ فِي تَوْجِيهِ الْإِشْكَالِ: لِأَنَّا نَعْلَمُ إلَى قَوْلِهِ عَلَى خِلَافِ الْوَاقِعِ. قَالَ: وَلَا أَعْرِفُ مَا قَالُوهُ مِنْ رَبْطِ اللَّهِ تِلْكَ الْآثَارِ بِخَوَاصِّ نُفُوسِهِمْ عِنْدَ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الْكَوَاكِبَ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَقَوْلُ الشِّهَابِ، وَإِنْ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْكَوَاكِبَ وَالشَّيَاطِينَ تَفْعَلُ ذَلِكَ بِقُدْرَتِهَا لَا بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى قَوْلِهِ فَكَمَا لَا نُكَفِّرُ الْمُعْتَزِلَةَ بِذَلِكَ لَا نُكَفِّرُ هَؤُلَاءِ إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تَفْعَلُ بِقُدْرَتِهَا مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِقُدْرَتِهَا فَذَلِكَ كُفْرٌ صَرِيحٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تَفْعَلُ بِقُدْرَتِهَا مُبَاشَرَةً مَعَ تَعَلُّقِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِقُدْرَتِهَا فَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ قَالَ: وَقَوْلُهُ وَتَفْرِيقُ بَعْضِهِمْ إلَى قَوْلِهِ كَانَ كُفْرًا إنْ كَانَ ذَلِكَ لِاعْتِقَادِ أَنَّ الْكَوَاكِبَ مُسْتَغْنِيَةٌ بِقُدْرَتِهَا عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَذَلِكَ كُفْرٌ صَرِيحٌ، وَلَيْسَ تَأْثِيرُ الْحَيَوَانِ بِمُشَاهَدٍ، وَإِنَّمَا الْمُشَاهَدُ التَّأَثُّرُ لَا غَيْرُ قَالَ: وَفِي قَوْلِهِ: وَكَذَلِكَ نَقُولُ إذَا عَمِلَ السِّحْرَ بِأَمْرٍ مُبَاحٍ، نَظَرٌ إذْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ عَمَلَ السِّحْرِ الْمَقْصُودِ بِهِ تَحْصِيلُ أَثَرِهِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ كُفْرًا أَوْ دَلِيلُ الْكُفْرِ بِوَضْعِ الشَّارِعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ كَمَا سَبَقَ وَتَوَهُّمُ كَوْنِهِ إذَا كَانَ أَثَرُهُ أَمْرًا مُبَاحًا التَّلَبُّسَ بِهِ فِي الشَّرْعِ كَانَ عَمَلُهُ مُبَاحًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ هَذَا مَا رَدَّهُ ابْنُ الشَّاطِّ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ، وَأَمَّا مَا عَدَاهُ فَصَحَّحَهُ قُلْتُ فَتَحَصَّلَ أَنَّ أَقْوَالَ أَصْحَابِنَا فِي السِّحْرِ ثَلَاثَةٌ. (الْأَوَّلُ) أَنَّهُ كُفْرٌ مُطْلَقًا، وَهُوَ الَّذِي أَيَّدَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ عَلَامَةُ الْكُفْرِ مُطْلَقًا وَهُوَ الَّذِي أَيَّدَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَعَلَيْهِمَا فَيُقْتَلُ إذَا عَمِلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ بِمُبَاشِرٍ عَمَلَهُ وَلَكِنْ ذَهَبَ إلَى مَنْ يَعْمَلُهُ لَهُ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ يُؤَدَّبُ أَدَبًا شَدِيدًا كَمَا فِي التَّبْصِرَةِ. (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ كُفْرٌ إنْ كَانَ بِمَا هُوَ كُفْرٌ وَغَيْرُ كُفْرٍ إنْ كَانَ بِأَمْرٍ مُبَاحٍ وَهُوَ الَّذِي أَيَّدَهُ الْأَصْلُ، وَفِي تَعْلِيمِهِ وَتَعَلُّمِهِ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ أَنَّهُمَا كُفْرٌ إنْ كَانَا بِقَصْدِ تَحْصِيلِ أَثَرِهِ مَتَى احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِدِ وَهُوَ مَا أَيَّدَهُ ابْنُ الشَّاطِّ الثَّانِي أَنَّهُمَا كُفْرٌ إنْ كَانَا بِمُبَاشَرَةِ مَا هُوَ كُفْرٌ، وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونَانِ قُرْبَةً وَهُوَ مَا أَيَّدَهُ الْأَصْلُ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ تَعْلِيمَهُ وَتَعَلُّمَهُ مُطْلَقًا كُفْرٌ فَقَدْ عَلِمْتَ اتِّفَاقَ الْأَصْلِ وَابْنِ الشَّاطِّ عَلَى أَنَّهُ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ وَيَنْبَنِي الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي السِّحْرِ عَلَى مَا حَكَاهُ فِي التَّبْصِرَةِ عَنْ ابْنِ الْغَرْسِ مِنْ قَوْلِهِ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُسْأَلَ السَّاحِرُ حَلَّ السِّحْرِ عَنْ الْمَسْحُورِ أَمْ لَا فَكَرِهَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُ سِحْرٍ وَقَالَ لَا يَعْمَلُ ذَلِكَ إلَّا سَاحِرٌ، وَلَا يَجُوزُ إتْيَانُ السَّاحِرِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْ أَتَى إلَى كَاهِنٍ أَوْ سَاحِرٍ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَجَازَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ؛ لِأَنَّهُ رَآهُ نَوْعًا مِنْ الْعِلَاجِ فَيُخَصِّصُ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا مَا حَكَاهُ فِيهَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْغَرْسِ وَانْظُرْ هَلْ يَجُوزُ السِّحْرُ فِي الْإِصْلَاحِ بَيْنَ نَفْسَيْنِ كَالْمَرْأَةِ تَبْغِي إصْلَاحَ زَوْجِهَا وَاسْتِئْلَافَهُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ السِّحْرَ كُفْرٌ فَإِنَّمَا يُرَادُ مَا شَهِدَ الشَّرْعُ لَهُ بِأَنَّهُ كُفْرٌ اهـ. فَمَبْنِيٌّ عَلَى مَا أَيَّدَهُ الْأَصْلُ فَافْهَمْ. 2 - (مَسْأَلَةٌ) قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الطُّرَرِ لِابْنِ عَاتٍ قَالَ لَا يَجُوزُ الْجُعْلُ عَلَى حَلِّ الْمَرْبُوطِ وَالْمَسْحُورِ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْجُعْلُ عَلَى إخْرَاجِ الْجَانِّ مِنْ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ لَا تُعْرَفُ حَقِيقَتُهُ، وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْوَرَعِ الدُّخُولُ فِيهِ وَنُسِبَ نَقْلُ ذَلِكَ إلَى الِاسْتِغْنَاءِ لِابْنِ عَبْدِ الْغَفُورِ. اهـ بِلَفْظِهِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ السِّحْرَ مِنْ جِهَةِ الْخِلَافِ

نَظِيرُهُ ضُمِنَ بِنِصْفِهَا مُنْفَرِدًا كَالْأُذُنِ وَالْيَدِ. الرَّابِعُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْقَوْلُ بِانْتِقَالِ النُّورِ الْبَاصِرِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ نِصْفُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَيْنِ غَيْرِ الْعَوْرَاءِ لِأَنَّهُمَا عُمُومَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْأَحْوَالِ فَيُقَيَّدَانِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَعَنْ الثَّالِثِ الْفَرْقُ بِانْتِقَالِ قُوَّةِ الْعَيْنِ الْأُولَى بِخِلَافِ الْأُذُنِ وَالْيَدِ، وَلَوْ انْتَقَلَ الْتَزَمْنَاهُ وَعَنْ الرَّابِعِ لَا يَلْزَمُ إطْرَاحُ الْأَوَّلِ إذْ لَوْ جَنَى عَلَيْهِمَا فَاحْوَلَّتَا أَوْ عَمَشَتَا أَوْ نَقَصَ ضَوْءُهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَقْلُ لِمَا نَقَصَ، وَلَا تَنْقُصُ الدِّيَةُ عَمَّنْ جَنَى ثَانِيًا عَلَى قَوْلٍ عِنْدَنَا، وَهَذَا السُّوَالُ قَوِيٌّ عَلَيْنَا، وَكَانَ يَلْزَمُنَا أَنْ نَقْلَعَ بِعَيْنَيْهِ عَيْنَيْنِ اثْنَيْنِ مِنْ الْجَانِي. (تَفْرِيعٌ) قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ فِيهَا أَلْفٌ وَإِنْ أَخَذَ فِي الْأُولَى دِيَتَهَا قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ: يُسْأَلُ عَنْ السَّمْعِ فَإِنْ كَانَ يَنْتَقِلُ فَكَالْعَيْنَيْنِ، وَإِلَّا فَكَالْيَدِ، وَإِنْ أُصِيبَ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ نِصْفُ بَصَرِهَا ثُمَّ أُصِيبَ بَاقِيهِمَا فِي ضَرْبَةٍ فَنِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَنْظُرُ بِهِمَا نِصْفَ نَظَرِهِمَا فَإِنْ أُصِيبَ بَاقِي إحْدَاهُمَا فَرُبُعُ الدِّيَةِ فَإِنْ أُصِيبَ بَعْدَ ذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأُخْرَى فَنِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ أُقِيمَ مَقَامَ نِصْفِ جَمِيعِ بَصَرِهِ فَإِنْ أَخَذَ صَحِيحٌ نِصْفَ دِيَةِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ أُصِيبَ بِنِصْفِ الصَّحِيحَةِ فَثُلُثُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَذْهَبَ مِنْ جَمِيعِ بَقِيَّةِ بَصَرِهِ ثُلُثَهُ وَإِنْ أُصِيبَ بِبَقِيَّةِ الْمُصَابَةِ فَقَطْ فَرُبُعُ الدِّيَةِ فَإِنْ ذَهَبَ بَاقِيهَا وَالصَّحِيحَةُ بِضَرْبَةٍ فَالدِّيَةُ كَامِلَةٌ أَوْ الصَّحِيحَةُ وَحْدَهَا فَثُلُثَا الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا ثُلُثَا بَصَرِهِ فَإِنْ أُصِيبَ بَقِيَّةُ الْمُصَابَةِ فَنِصْفُ الدِّيَةِ بِخِلَافِ لَوْ أُصِيبَتْ وَالصَّحِيحَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي أَنَّ لَهُ حَقِيقَةً، وَأَنَّهُ يَلْتَبِسُ بِالْمُعْجِزَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ وَأَنَّهُ يَلْتَبِسُ بِتِسْعِ حَقَائِقَ مِنْ عُلُومِ الشَّرْعِ الَّتِي جَمَعَهَا سَيِّدِي عَبْدُ اللَّهِ الْعَلَوِيُّ فِي نَظْمِهِ رُشْدِ الْغَافِلِ وَشَرْحِهَا وَهِيَ أَنْوَاعُهُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ وَالْخَوَاصُّ الْمَنْسُوبَةُ لِلنُّفُوسِ وَالطَّلْسَمَاتِ وَالْأَوْفَاقِ وَالْعَزَائِمِ وَالِاسْتِخْدَامَات يَفْتَقِرُ إلَى تَوْضِيحِ جِهَاتِهِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ فِي ثَلَاثِ مَقَاصِدَ. (الْمَقْصِدُ الْأَوَّلُ) الْقَدَرِيَّةُ عَلَى أَنَّ السِّحْرَ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ لَهُ حَقِيقَةً، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْ ثَلَاثِ جِهَاتٍ. (الْجِهَةِ الْأُولَى) قَالَ الْأَصْلُ: اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي السِّحْرِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَكُونُ إلَّا رُقًى أَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى عَادَتَهُ أَنْ يَخْلُقَ عِنْدَهَا افْتِرَاقَ الْمُتَحَابِّينَ اهـ. يُرِيدُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْآخَرُ إنَّهُ كَمَا يَكُونُ بِالرُّقَى الْمَذْكُورَةِ كَذَلِكَ يَكُونُ بِغَيْرِهَا وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ مَا حَكَاهُ عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ فِي تَعْلِيقِهِ مِنْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنْ قَطَعَ أُذُنًا ثُمَّ أَلْصَقَهَا أَوْ أَدْخَلَ السَّكَاكِينَ فِي بَطْنِهِ فَقَدْ يَكُونُ هَذَا سِحْرًا، وَقَدْ لَا يَكُونُ سِحْرًا اهـ. وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي كَلَامُ الْأَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ مِنْ أَنَّ حَقِيقَتَهُ أَنَّهُ كَلَامٌ إلَخْ إلَّا أَنَّهُ خَصَّهُ بِالرُّقَى الْمُكَفِّرَةِ فَافْهَمْ. (الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ) هَلْ يُؤَثِّرُ فِي الْمَسْحُورِ فَيَمُوتُ أَوْ يَتَغَيَّرُ طَبْعُهُ وَعَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْهُ وَهُوَ مَذْهَبُنَا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ أَوْ يَجُوزُ أَنْ يُؤَثِّرَ إنْ وَصَلَ إلَى بَدَنِهِ كَالدُّخَانِ وَنَحْوِهِ، وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلَانِ. (الْجِهَةِ الثَّالِثَةِ) هَلْ يَقَعُ فِيهِ مَا لَيْسَ مَقْدُورًا لِلْبَشَرِ كَأَنْ يَصِلَ إلَى إحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَفَلْقِ الْبَحْرِ، وَإِنْطَاقِ الْبَهَائِمِ وَقَلْبِ الْجَمَادِ حَيَوَانًا وَعَكْسِهِ كَمَا يَقَعُ فِيهِ مَا هُوَ مَقْدُورٌ لِلْبَشَرِ أَوْ لَا يَقَعُ فِيهِ إلَّا مَا هُوَ مَقْدُورٌ لِلْبَشَرِ قَوْلَانِ الثَّانِي لِجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْقَاضِي قَالَ: وَلَا يَقَعُ فِيهِ إلَّا مَا هُوَ مَقْدُورٌ لِلْبَشَرِ، وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى إحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَفَلْقِ الْبَحْرِ، وَإِنْطَاقِ الْبَهَائِمِ، وَمِنْهُمْ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: قَالَ وَقَدْ يَقَعُ التَّغْيِيرُ بِهِ وَالضَّنِي، وَرُبَّمَا أَتْلَفَ، وَأَوْجَبَ الْحُبَّ وَالْبُغْضَ وَالْبَلَهَ وَفِيهِ أَدْوِيَةٌ مِثْلُ الْمَرَائِرِ وَالْأَكْبَادِ وَالْأَدْمِغَةِ فَهَذَا الَّذِي يَجُوزُ عَادَةً، وَأَمَّا طُلُوعُ الزَّرْعِ فِي الْحَالِ أَوْ نَقْلُ الْأَمْتِعَةِ وَالْقَتْلُ عَلَى الْفَوْرِ وَالْعَمَى وَالصَّمَمُ وَنَحْوُهُ وَعِلْمَ الْغَيْبِ فَمُمْتَنِعٌ، وَإِلَّا لَمْ يَأْمَنْ أَحَدٌ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ الْعَدَاوَةِ وَقَدْ وَقَعَ الْقَتْلُ وَالْعِنَادُ مِنْ السَّحَرَةِ وَلَمْ يَبْلُغْ فِيهَا أَحَدٌ هَذَا الْمَبْلَغَ، وَقَدْ وَصَلَ الْقِبْطُ فِيهِ إلَى الْغَايَةِ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ سَحَرَةُ فِرْعَوْنَ مِنْ الدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَالتَّغَيُّبِ وَالْهُرُوبِ عِنْدَ قَطْعِ فِرْعَوْنَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ. وَمِنْهُمْ الْعَلْقَمِيُّ قَالَ كَمَا فِي الْعَزِيزِيِّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْحَقُّ أَنَّ لِبَعْضِ أَسْبَابِ السِّحْرِ تَأْثِيرًا فِي الْقُلُوبِ كَالْحُبِّ وَالْبُغْضِ وَفِي الْبَدَنِ بِالْأَلَمِ وَالسَّقَمِ، وَإِنَّمَا الْمُنْكَرُ أَنَّ الْجَمَادَ يَنْقَلِبُ حَيَوَانًا وَعَكْسَهُ بِسِحْرِ السَّاحِرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ. وَحَكَى ابْنُ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّ أَكْثَرَ عُلَمَائِنَا جَوَّزُوا أَنْ يَسْتَدِقَّ جِسْمُ السَّاحِرِ حَتَّى يَلِجَ فِي الْكَوَّةِ وَيَجْرِيَ عَلَى خَيْطٍ مُسْتَدَقٍّ وَيَطِيرَ فِي الْهَوَاءِ وَيَقْتُلَ غَيْرَهُ. (وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ) أَيَّدَهُ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الشَّاطِّ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا هُوَ مَقْدُورٌ لِلْبَشَرِ، وَمَا هُوَ غَيْرُ مَقْدُورٍ لَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى الْجَائِزَةِ عَقْلًا فَلَا غَرْوَ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَالِكَ مَانِعٌ سَمْعِيٌّ مِنْ وُقُوعِ بَعْضِ تِلْكَ الْجَائِزَاتِ. قَالَ: وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى إحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَفَلْقِ الْبَحْرِ وَإِنْطَاقِ الْبَهَائِمِ الَّذِي حَكَاهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُ إلَّا التَّوْقِيفُ، وَلَا أَعْرِفُ الْآنَ صِحَّةَ ذَلِكَ الْإِجْمَاعِ، وَلَا التَّوْقِيفَ الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ اهـ. وَقَالَ الْأَصْلُ: وَوُصُولُهُ إلَى الْقَتْلِ وَتَغْيِيرِ الْخَلْقِ وَنَقْلِ الْإِنْسَانِ إلَى صُورَةِ الْبَهَائِمِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْقُولُ عَنْهُمْ، وَقَدْ كَانَ الْقِبْطُ

بَاقِيَةٌ قَالَهُ أَشْهَبُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ فِيمَا يُصَابُ مِنْ الصَّحِيحَةِ إذَا بَقِيَ مِنْ الْأُولَى شَيْءٌ إلَّا مِنْ حِسَابِ نِصْفِ الدِّيَةِ. (الْفَرْقُ الْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَسْبَابِ التَّوَارُثِ وَأَجْزَاءِ أَسْبَابِهَا الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ غَرِيبٌ عَجِيبٌ نَادِرٌ بِسَبَبِ أَنَّ كُتُبَ الْفَرَائِضِ عَلَى الْعُمُومِ فِيمَا رَأَيْت لَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ اثْنَانِ فِي أَنَّ أَسْبَابَ التَّوَارُثِ ثَلَاثَةٌ نَسَبٌ وَوَلَاءٌ وَنِكَاحٌ، وَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّلَاثَةِ إمَّا الْأَسْبَابُ التَّامَّةُ، وَإِمَّا أَجْزَاءُ الْأَسْبَابِ، وَالْكُلُّ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، وَبَيَانُهُ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَحَدَ الْأَسْبَابِ الْقَرَابَةَ، وَالْأُمُّ لَمْ تَرِثْ الثُّلُثَ فِي حَالَةٍ وَالسُّدُسَ فِي أُخْرَى بِمُطْلَقِ الْقَرَابَةِ، وَإِلَّا لَكَانَ ذَلِكَ ثَابِتًا لِلِابْنِ أَوْ الْبِنْتِ لِوُجُودِ مُطْلَقِ الْقَرَابَةِ فِيهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَسْبَابِ التَّوَارُثِ وَأَجْزَاءِ أَسْبَابِهَا الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ غَرِيبٌ عَجِيبٌ نَادِرٌ بِسَبَبِ أَنَّ كُتُبَ الْفَرَائِضِ عَلَى الْعُمُومِ فِيمَا رَأَيْت لَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ اثْنَانِ فِي أَنَّ أَسْبَابَ التَّوَارُثِ ثَلَاثَةٌ نَسَبٌ وَوَلَاءٌ وَنِكَاحٌ، وَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّلَاثَةِ إمَّا الْأَسْبَابُ التَّامَّةُ، أَوْ أَجْزَاءُ الْأَسْبَابِ وَالْكُلُّ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، وَبَيَانُهُ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَحَدَ الْأَسْبَابِ الْقَرَابَةَ، وَالْأُمُّ لَمْ تَرِثْ الثُّلُثَ فِي حَالَةٍ، وَالسُّدُسَ فِي أُخْرَى بِمُطْلَقِ الْقَرَابَةِ، وَإِلَّا لَكَانَ ذَلِكَ ثَابِتًا لِلِابْنِ أَوْ الْبِنْتِ لِوُجُودِ مُطْلَقِ الْقَرَابَةِ فِيهِمَا قُلْت: هَذَا الْفَرْقُ لَيْسَ بِغَرِيبٍ، وَلَا عَجِيبٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي أَيَّامِ مَلِكَةِ مِصْرَ بَعْدَ فِرْعَوْنَ الْمُسَمَّاةِ بِدَلُوكَا وَضَعُوا السِّحْرَ فِي الْبَرَايَا، وَصَوَّرُوا فِيهِ عَسَاكِرَ الدُّنْيَا فَأَيُّ عَسْكَرٍ قَصَدَهُمْ، وَأَيُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ مِنْ قَلْعِ الْأَعْيُنِ أَوْ ضَرْبِ الرِّقَابِ تَخَيَّلَ ذَلِكَ الْجَيْشُ أَوْ رِجَالُهُ أَنَّهُ وَقَعَ بِذَلِكَ الْعَسْكَرِ فِي مَوْضِعِهِ فَتُحَاشِيهِمْ الْعَسَاكِرُ فَأَقَامُوا سِتَّمِائَةِ سَنَةً، وَالنِّسَاءُ هُنَّ الْمُلُوكُ وَالْأُمَرَاءُ بِمِصْرَ بَعْدَ غَرَقِ فِرْعَوْنَ وَجُيُوشِهِ كَمَا حَكَاهُ الْمُؤَرِّخُونَ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ فَمِنْ وُجُوهٍ. (الْأَوَّلِ) أَنَّهُمْ تَابُوا فَمَنَعَتْهُمْ التَّوْبَةُ وَالْإِسْلَامُ الْعَوْدَةَ إلَى مُعَاوَدَةِ الْكُفْرِ الَّذِي تَكُونُ بِهِ تِلْكَ الْآثَارُ وَرَغِبُوا فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَلِكَ قَالُوا {لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 50] . (الثَّانِي) أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ وَصَلُوا لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ مَنْ يَقْدِرُ مِنْ السَّحَرَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى قَلْبِ الْعَصَا حَيَّةً لِأَجْلِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. (الثَّالِثِ) أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِرْعَوْنُ قَدْ عَلَّمَهُ بَعْضُ السَّحَرَةِ حُجُبًا وَمَوَانِعَ يُبْطِلُ بِهَا سِحْرَ السَّحَرَةِ اعْتِنَاءً بِهِ وَالْحُجُبُ وَالْمُبْطِلَاتُ فِيهِ مُشْتَهِرَةٌ عِنْدَ أَهْلِهِ قَالَ وَدَلِيلُ أَنَّ لِلسِّحْرِ حَقِيقَةً الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الْإِجْمَاعُ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] ، وَمَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ لَا يُعَلَّمُ، وَلَا يَلْزَمُ صُدُورُ الْكُفْرِ عَنْ الْمَلَائِكَةِ؛ لِأَنَّهُ قُرِئَ الْمَلِكَيْنِ بِكَسْرِ اللَّامِ أَوْ هُمَا مَلَكَانِ، وَأَذِنَ لَهُمَا فِي تَعْلِيمِ النَّاسِ السِّحْرَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمُعْجِزَةِ وَالسِّحْرِ؛ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْخَلْقِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَتْ تَقْتَضِي ذَلِكَ ثُمَّ صَعِدَا إلَى السَّمَاءِ، وَقَوْلُهُمَا {فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] أَيْ لَا تَسْتَعْمِلْهُ عَلَى وَجْهِ الْكُفْرِ كَمَا يُقَالُ خُذْ الْمَالَ، وَلَا تَفْسُقْ بِهِ أَوْ يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] أَيْ مَا يَصْلُحُ لِلْأَمْرَيْنِ. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُحِرَ فَكَانَ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ، وَلَا يَأْتِيهِنَّ» الْحَدِيثَ وَقَدْ سَحَرَتْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - جَارِيَةٌ اشْتَرَتْهَا وَفِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ جَارِيَةً لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَحَرَتْهَا وَقَدْ كَانَتْ دَبَّرَتْهَا فَأَمَرَتْ بِهَا فَقُتِلَتْ كَمَا فِي التَّبْصِرَةِ وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَدْ كَانَ السِّحْرُ وَخَبَرُهُ مَعْلُومًا لِلصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَكَانُوا مُجْمِعِينَ عَلَيْهِ قَبْلَ ظُهُورِ الْقَدَرِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ مَا يَشَاءُ عَقِبَ كَلَامٍ مَخْصُوصٍ أَوْ أَدْوِيَةٍ مَخْصُوصَةٍ. وَأَمَّا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ احْتَجُّوا بِهِمَا. (فَالْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى يُخَيَّلُ إلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى فَهُوَ تَخَيُّلٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ حُجَّةٌ لَنَا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ السِّحْرَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْهَضْ بِالْخَيَالِ إلَى السَّعْيِ وَنَحْنُ لَا نَدَّعِي أَنَّ كُلَّ سِحْرٍ يَنْهَضُ إلَى كُلِّ الْمَقَاصِدِ. (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ لَأَمْكَنَ السَّاحِرُ أَنْ يَدَّعِيَ بِهِ النُّبُوَّةَ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالْخَوَارِقِ عَلَى اخْتِلَافِهَا، وَجَوَابُهُ أَنَّ إضْلَالَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْخَلْقِ مُمْكِنٌ لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ بِضَبْطِ مَصَالِحِهِمْ فَمَا يَسَّرَ ذَلِكَ عَلَى السَّاحِرِ وَكَمْ مِنْ مُمْكِنٍ يَمْنَعُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ الدُّخُولِ فِي الْعَالَمِ؛ لِأَنْوَاعٍ مِنْ الْحِكَمِ مَعَ أَنَّنَا سَنُبَيِّنُ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْفَرْقَ بَيْنَ السِّحْرِ وَالْمُعْجِزَاتِ مِنْ وُجُوهٍ فَلَا يَحْصُلُ اللَّبْسُ وَالضَّلَالُ. اهـ بِزِيَادَةٍ مَا. الْمَقْصِدُ الثَّانِي) السِّحْرُ عَلَى الْجُمْلَةِ نَوْعَانِ الْأَوَّلُ مَا هُوَ غَيْرُ خَارِقٍ لِلْعَوَائِدِ وَالثَّانِي مَا هُوَ خَارِقٌ لِلْعَوَائِدِ قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَالنَّوْعُ الثَّانِي هُوَ مَا عَرَّفَهُ الْمُنَاوِيُّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِقَوْلِهِ هُوَ مُزَاوَلَةُ النَّفْسِ الْخَبِيثَةِ لِأَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أُمُورٌ خَارِقَةٌ اهـ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ مُزَاوَلَةُ النَّفْسِ الْخَبِيثَةِ إلَى مَا قَالَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ بْنُ الْخَطِيبِ فِي كِتَابِهِ الْمُلَخَّصِ السِّحْر وَالْعَيْنِ لَا يَكُونَانِ مِنْ فَاضِلٍ، وَلَا يَقَعَانِ وَلَا يَصِحَّانِ مِنْهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ السِّحْرِ الْجَزْمَ بِصُدُورِ الْأَثَرِ وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ الْأَعْمَالِ مِنْ شَرْطِهَا الْجَزْمُ وَالْفَاضِلُ الْمُتَبَحِّرُ فِي الْعُلُومِ يَرَى وُقُوعَ ذَلِكَ مِنْ الْمُمْكِنَاتِ الَّتِي يَجُوزُ أَنْ تُوجَدَ، وَأَنْ لَا تُوجَدَ فَلَا يَصِحُّ لِفَاضِلٍ أَصْلًا

بَلْ بِخُصُوصِ كَوْنِهَا أُمًّا مَعَ مُطْلَقِ الْقَرَابَةِ، وَكَذَلِكَ الْبِنْتُ تَرِثُ النِّصْفَ لَيْسَ بِمُطْلَقِ الْقَرَابَةِ، وَإِلَّا لَثَبَتَ ذَلِكَ لِلْجَدِّ أَوْ الْأُخْتِ لِلْأُمِّ بَلْ لِخُصُوصِ كَوْنِهَا بِنْتًا مَعَ مُطْلَقِ الْقَرَابَةِ فَحِينَئِذٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ سَبَبٌ تَامٌّ يَخُصُّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ جُزْأَيْنِ مِنْ خُصُوصِ كَوْنِهَا بِنْتًا أَوْ غَيْرَهُ وَعُمُومُ الْقَرَابَةِ وَكَذَلِكَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ لَيْسَ لِمُطْلَقِ ـــــــــــــــــــــــــــــSكَمَا زَعَمَ وَمَا تَوَهَّمَهُ مِنْ الْإِشْكَالِ فِي كَلَامِ الْفَرْضِيِّينَ لَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا تَعْبِيرُهُمْ عَنْ تِلْكَ الْأَسْبَابِ بِلَفْظِ التَّنْكِيرِ، وَثَانِيهِمَا: التَّعْبِيرُ عَنْهَا بِلَفْظِ التَّعْرِيفِ فَمَنْ عَبَّرَ مِنْهُمْ بِلَفْظِ التَّنْكِيرِ لَمْ يُرِدْ كُلَّ نَسَبٍ، وَلَا كُلَّ نِكَاحٍ، وَلَا كُلَّ وَلَاءٍ بَلْ أَرَادَ نَسَبًا خَاصًّا وَوَلَاءً خَاصًّا وَنِكَاحًا خَاصًّا، وَلَا نُكْرَ فِي التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ النَّكِرَةِ عَنْ مَخْصُوصٍ، فَإِنَّ اللَّفْظَ عَلَيْهِ صَادِقٌ وَلَهُ صَالِحٌ، وَمَنْ عَبَّرَ مِنْهُمْ بِلَفْظِ التَّعْرِيفِ لَمْ يُرِدْ أَيْضًا كُلَّ نَسَبٍ، وَلَا كُلَّ نِكَاحٍ، وَلَا كُلَّ وَلَاءٍ بَلْ أَرَادَ مَا أَرَادَهُ الْأَوَّلُ، وَأَحَالَ الْأَوَّلَ فِي تَقْيِيدِ ذَلِكَ الْمُطْلَقِ عَلَى تَعْيِينِ أَصْنَافِ الْوَارِثِينَ وَالْوَارِثَاتِ، وَأَحَالَ الثَّانِيَ فِي بَيَانِ الْمَعْهُودِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ عَلَى مَا أَحَالَهُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ (بَلْ بِخُصُوصِ كَوْنِهَا أُمًّا مَعَ مُطْلَقِ الْقَرَابَةِ، وَكَذَلِكَ الْبِنْتُ تَرِثُ النِّصْفَ لَيْسَ بِمُطْلَقِ الْقَرَابَةِ، وَإِلَّا لَثَبَتَ ذَلِكَ لِلْجَدِّ أَوْ لِلْأُخْتِ لِلْأُمِّ بَلْ لِخُصُوصِ كَوْنِهَا بِنْتًا مَعَ مُطْلَقِ الْقَرَابَةِ فَحِينَئِذٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ سَبَبٌ تَامٌّ يَخُصُّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ جُزْأَيْنِ مِنْ خُصُوصِ كَوْنِهَا بِنْتًا أَوْ غَيْرَهُ، وَعُمُومِ الْقَرَابَةِ، وَكَذَلِكَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ لَيْسَ لِمُطْلَقِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا الْعَيْنُ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ فَرْطِ التَّعْظِيمِ لِلْمَرْئِيِّ، وَالنَّفْسُ الْفَاضِلَةُ لَا تَصِلُ فِي تَعْظِيمِ مَا تَرَاهُ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ فَلِذَلِكَ لَا يَصِحُّ السِّحْرُ إلَّا مِنْ الْعَجَائِزِ وَالتُّرْكُمَانِ أَوْ السُّودَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ النُّفُوسِ الْجَاهِلَةِ. اهـ. لَكِنْ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَا قَالَهُ الْفَخْرُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الِاخْتِبَارِ وَالتَّجْرِبَةِ، وَلَا نَعْلَمُ صِحَّةَ ذَلِكَ مِنْ سَقَمِهِ، قَالَ وَقَوْلُ الشِّهَابِ فِي الْفَرْقِ الْوَاقِعِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَيْنَ الْمُعْجِزَاتِ فِي النُّبُوَّاتِ وَبَيْنَ السِّحْرِ وَأَنْوَاعِهِ وَالطَّلْسَمَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحَقَائِقِ وَنَحْوِهَا أَنَّ الْمُعْجِزَةَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي الْعَالَمِ عِنْدَ تَحَدِّي الْأَنْبِيَاءِ بِلَا سَبَبٍ فِي الْعَادَةِ أَصْلًا كَفَلْقِ الْبَحْرِ وَسَيْرِ الْجِبَالِ فِي الْهَوَاءِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ فِي الْعَالَمِ عَقَارًا يَفْلِقُ الْبَحْرَ أَوْ يُسَيِّرُ الْجِبَالَ فِي الْهَوَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَمَّا السِّحْرُ، وَأَنْوَاعُهُ وَالطَّلْسَمَاتُ وَنَحْوُهَا فَهِيَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي الْعَالَمِ بِأَسْبَابٍ فِي الْعَادَةِ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا غَيْرَ أَنَّ تِلْكَ الْأَسْبَابَ لَمْ تَحْصُلْ لِكَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ بَلْ لِقَلِيلٍ مِنْهُمْ فَهِيَ كَالْعَقَاقِيرِ الَّتِي تُعْمَلُ مِنْهَا الْكِيمْيَاءُ أَيْ نَقْلُ الشَّيْءِ مِنْ حَالَةٍ إلَى حَالَةٍ أَعْلَى مِنْهَا كَتَصْيِيرِ النُّحَاسِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً إلَّا أَنَّهُمَا دُونَ الْخِلْقَةِ الْأَصْلِيَّةِ نَعَمْ مَا كَانَ فِيهِ الْكِبْرِيتُ الْأَحْمَرُ يَكُونُ ذَهَبُهُ وَفِضَّتُهُ جَيِّدًا كَالْخِلْقَةِ، وَقَدْ رُئِيَ الْكِبْرِيتُ الْأَحْمَرُ فِي تَرِكَةِ أَيْرَمَ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيِّ وَتَرِكَةِ أَبِي عِمْرَانَ الْفَاسِيِّ وَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى جَوَازِ عَمَلِ الْكِيمْيَاءِ إذَا كَانَ الْمَعْمُولُ بِهَا لَا يَتَبَدَّلُ، وَلَا يَتَغَيَّرُ كَمَا فِي شَرْحِ رُشْدِ الْغَافِلِ لِلْعَلَوِيِّ، وَالْحَشَائِشُ الَّتِي يُعْمَلُ مِنْهَا النِّفْطُ الَّذِي يَحْرِقُ الْحُصُونَ وَالصُّخُورَ، وَالدُّهْنُ الَّذِي مَنْ ادَّهَنَ بِهِ لَمْ يَقْطَعْ فِيهِ حَدِيدٌ وَكَالسَّمَنْدَلِ الْحَيَوَانُ الَّذِي لَا تَعْدُو عَلَيْهِ النَّارُ، وَلَا يَأْوِي إلَّا فِيهَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْغَرِيبَةِ قَلِيلَةُ الْوُقُوعِ فِي الْعَالَمِ، وَإِذَا وُجِدَتْ أَسْبَابُهَا وُجِدَتْ عَلَى الْعَادَةِ فِيهَا فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ بَلْ هِيَ عَادَةٌ جَرَتْ مِنْ اللَّهِ بِتَرْتِيبِ مُسَبَّبَاتِهَا عَلَى أَسْبَابِهَا. اهـ. مَعَ زِيَادَةٍ إنْ كَانَ يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ مَا يَحْدُثُ عَنْ السِّحْرِ فَهُوَ مُعْتَادٌ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا هُوَ خَارِقٌ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْأَشْعَرِيَّةِ أَوْ جَمِيعَهُمْ يُجَوِّزُونَ خَرْقَ الْعَادَةِ عَلَى يَدِ السَّاحِرِ إلَّا أَنْ يَقُولَ بِالْجَوَازِ وَعَدَمِ الْوُقُوعِ فَلَا أَدْرِي مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ اهـ. قُلْتُ: وَهَذَا الْخِلَافُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَابْنِ الشَّاطِّ فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ خَارِقٌ أَوْ لَا بَلْ جَمِيعُ مَا يَحْدُثُ عَنْهُ مُعْتَادٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ الْمَارِّ فِي أَنَّهُ هَلْ يَقَعُ فِيهِ مَا لَيْسَ مَقْدُورًا لِلْبَشَرِ كَالْمَقْدُورِ لَهُمْ أَوْ لَا يَقَعُ فِيهِ إلَّا مَا هُوَ مَقْدُورٌ لَهُمْ وَعَلَى مَا لِابْنِ الشَّاطِّ فَلَا يَصْلُحُ فَارِقًا مَا ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ فَرْقٌ وَاقِعٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْفَرْقَانِ الْبَاقِيَانِ فِي كَلَامِهِ اللَّذَانِ قَالَ أَنَّهُمَا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ لَكِنْ لَا كَمَا قَالَ بَلْ بِاعْتِبَارِ نَفْسِ الْأَمْرِ. (الْفَرْقُ الْأَوَّلُ) أَنَّ السِّحْرَ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ يَخْتَصُّ بِمَنْ عُمِلَ لَهُ حَتَّى أَنَّ أَهْلَ هَذِهِ الْحِرَفِ إذَا اسْتَدْعَاهُمْ الْمُلُوكُ وَالْأَكَابِرُ لِيُبَيِّنُوا لَهُمْ هَذِهِ الْأُمُورَ عَلَى سَبِيلِ التَّفَرُّجِ يَطْلُبُونَ مِنْهُمْ أَنْ تُكْتَبَ أَسْمَاءُ كُلِّ مَنْ يَحْضُرُ ذَلِكَ الْمَجْلِسَ فَيَصْنَعُونَ صُنْعَهُمْ لِمَنْ يُسَمَّى لَهُمْ فَإِنْ حَضَرَ غَيْرُهُمْ لَا يَرَى شَيْئًا مِمَّا رَآهُ الَّذِينَ سُمُّوا أَوَّلًا بِخِلَافِ الْمُعْجِزَةِ فَإِنَّهَا تَظْهَرُ لِمَنْ عُمِلَتْ لَهُ وَلِغَيْرِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} [الأعراف: 108] أَيْ كُلِّ نَاظِرٍ يَنْظُرُ إلَيْهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ اهـ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَإِنَّمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ لِمَنْ جَرَّبَهُ وَتَكَرَّرَتْ مِنْهُ التَّجْرِبَةُ وَقَلَّ مَنْ يُجَرِّبُهُ اهـ. (وَالْفَرْقُ الثَّانِي) أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ الْمُفِيدَةِ لِلْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ الضَّرُورِيِّ الْمُحْتَفَّةِ بِالْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - مَفْقُودَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ فَتَجِدُ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَفْضَلَ النَّاسِ نَشْأَةً، وَمَوْلِدًا، وَمَزِيَّةً وَخَلْقًا وَخُلُقًا وَصِدْقًا

النِّكَاحِ، وَإِلَّا لَكَانَ لِلزَّوْجَةِ النِّصْفُ لِوُجُودِ مُطْلَقِ النِّكَاحِ فِيهَا بَلْ لِخُصُوصِ كَوْنِهِ زَوْجًا مَعَ عُمُومِ النِّكَاحِ كَمَا تَقَدَّمَ فَسَبَبُهُ مُرَكَّبٌ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ ـــــــــــــــــــــــــــــSالنِّكَاحِ، وَإِلَّا لَكَانَ لِلزَّوْجَةِ النِّصْفُ لِوُجُودِ مُطْلَقِ النِّكَاحِ فِيهَا بَلْ لِخُصُوصِ كَوْنِهِ زَوْجًا مَعَ عُمُومِ النِّكَاحِ كَمَا تَقَدَّمَ فَسَبَبُهُ مُرَكَّبٌ، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ) قُلْت: إذَا كَانَ سَبَبُ الْإِرْثِ الْخَاصُّ الْوَصْفَ الْخَاصَّ فَلَا مَعْنَى لِذِكْرِ الْوَصْفِ الْعَامِّ مَعَهُ فَقَوْلُهُ: مَعَ مُطْلَقِ الْقَرَابَةِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْوَصْفَ الْعَامَّ صَادِقٌ عَلَى الْخَاصِّ لَكِنَّهُ لَيْسَ الْعَامُّ سَبَبًا مِنْ حَيْثُ عُمُومُهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ اشْتَمَلَ عَلَى الْخَاصِّ، وَالْخَاصُّ سَبَبٌ، فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: مَا سَبَبُ وِرَاثَةِ الْبِنْتِ النِّصْفَ قِيلَ: كَوْنُهَا بِنْتًا، وَهُوَ جَوَابٌ مُسْتَقِيمٌ صَادِقٌ، وَإِنْ قِيلَ: كَوْنُهَا قَرِيبَةً لَمْ يَكُنْ جَوَابًا مُسْتَقِيمًا، وَلَا صَحِيحًا وَإِذَا قِيلَ: مَا سَبَبُ وِرَاثَةِ الْبِنْتِ فَقِيلَ كَوْنُهَا بِنْتًا كَانَ جَوَابًا مُسْتَقِيمًا وَصَحِيحًا أَيْضًا، وَإِنْ قِيلَ: كَوْنُهَا قَرِيبَةً لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِالْبِنْتِ فَالصَّحِيحُ أَنَّ سَبَبَ مِيرَاثِ الْبِنْتِ النِّصْفَ كَوْنُهَا بِنْتًا عَلَى الْخُصُوصِ، وَكَذَلِكَ سَبَبُ مِيرَاثِ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الْوَارِثِينَ وَالْوَارِثَاتِ أَسْبَابُ مِيرَاثِهِمْ خَاصَّةٌ لَا عَامَّةٌ، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ السَّبَبَ مَرْكَبٌ لَا مَعْنَى لَهُ عِنْدَ النَّظَرِ إلَى خُصُوصِ الْمِيرَاثِ كَالنِّصْفِ وَشِبْهِهِ، وَلَا عِنْدَ النَّظَرِ إلَى عُمُومِ الْمِيرَاثِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْعُمُومَ مُطْلَقَ الْقَرَابَةِ، وَلَيْسَ مُطْلَقُ الْقَرَابَةِ سَبَبًا لِمُطْلَقِ الْمِيرَاثِ عِنْدَنَا نَعَمْ هُوَ سَبَبٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَدَبًا، وَأَمَانَةً وَزَهَادَةً وَإِشْفَاقًا وَرِفْقًا وَبُعْدًا عَنْ الدَّنَاءَاتِ وَالْكَذِبِ وَالتَّمْوِيهِ {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] ثُمَّ أَصْحَابُهُ يَكُونُونَ فِي غَايَةِ الْعِلْمِ وَالنُّورِ وَالْبَرَكَةِ وَالتَّقْوَى وَالدِّيَانَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ كَانُوا بِحَارًا فِي الْعُلُومِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا مِنْ الشَّرْعِيَّاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ وَالْحِسَابِيَّاتِ وَالسِّيَاسِيَّاتِ وَالْعُلُومِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ حَتَّى يُرْوَى أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَلَسَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَتَكَلَّمُ فِي الْبَاءِ مِنْ بِسْمِ اللَّهِ مِنْ الْعِشَاءِ إلَى أَنَّ طَلَعَ الْفَجْرُ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَدْرُسُوا وَرَقَةً، وَلَا قَرَءُوا كِتَابًا، وَلَا تَفَرَّغُوا مِنْ الْجِهَادِ وَقَتْلِ الْأَعْدَاءِ، وَإِنَّمَا كَانُوا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ بِبَرَكَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعْجِزَةٌ إلَّا أَصْحَابُهُ لَكَفَوْهُ فِي إثْبَاتِ نُبُوَّتِهِ. وَكَذَلِكَ مَا عُلِمَ مِنْ فَرْطِ صِدْقِهِ الَّذِي جَزَمَ بِهِ أَوْلِيَاؤُهُ وَأَعْدَاؤُهُ وَكَانَ يُسَمَّى فِي صِغَرِهِ الْأَمِينَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ فَمَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا وَلَهُ مِنْ هَذِهِ الْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ وَالْمَقَالِيَّةِ الْعَجَائِبُ وَالْغَرَائِبُ بِحَيْثُ إنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَيْهَا وَعَرَفَهَا مِنْ صَاحِبِهَا جَزَمَ بِصِدْقِهِ فِيمَا يَدَّعِيهِ جَزْمًا قَاطِعًا وَجَزَمَ أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى حَقٌّ وَلِذَلِكَ «لَمَّا أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ بِنُبُوَّتِهِ قَالَ لَهُ الصِّدِّيقُ صَدَقْتَ» مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى مُعْجِزَةٍ خَارِقَةٍ فَنَزَلَ فِيهِمَا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر: 33] أَيْ مُحَمَّدٌ جَاءَ بِالصِّدْقِ، وَأَبُو بَكْرٍ صَدَّقَ بِهِ. وَأَمَّا السَّاحِرُ فَعَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَلَا تَجِدُهُ فِي مَوْضِعٍ إلَّا مَمْقُوتًا حَقِيرًا بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا نَجِدُ أَصْحَابَهُ، وَأَتْبَاعَهُ، وَأَتْبَاعَ كُلِّ مُبْطِلٍ إلَّا عَدِيمِينَ الطَّلَاوَةِ لَا بَهْجَةَ عَلَيْهِمْ بِحَيْثُ تَنْفِرُ النُّفُوسُ مِنْهُمْ، وَلَا فِيهِمْ مِنْ نَوَافِلِ الْخَيْرِ وَالسَّعَادَةِ أَثَرٌ اهـ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَمَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالسَّاحِرِ فَكَمَا أَنَّ الِاتِّصَافَ بِالصِّفَاتِ الْمَحْمُودَةِ دُونَ الْمَذْمُومَةِ فَرْقٌ بَيْنَ النَّبِيِّ وَالسَّاحِرِ كَذَلِكَ هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَبَيْنَهُ ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّبِيِّ وَالْوَلِيِّ بِالتَّحَدِّي مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَمْنَعُ تَحَدِّيَ الْوَلِيِّ بِالْوِلَايَةِ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجِيزُ تَحَدِّيَ الْوَلِيِّ بِالْوِلَايَةِ فَيُفَرَّقُ النَّبِيُّ مِنْ الْوَلِيِّ بِالتَّحَدِّي بِالنُّبُوَّةِ اهـ. وَقَالَ الْعَلْقَمِيُّ كَمَا فِي الْعَزِيزِيِّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْفَرْقُ أَنَّ السِّحْرَ يَكُونُ بِمُعَانَاةِ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ حَتَّى يَتِمَّ لِلسَّاحِرِ مَا يُرِيدُ، وَالْكَرَامَةُ لَا تَحْتَاجُ لِذَلِكَ بَلْ إنَّمَا تَقَعُ غَالِبًا اتِّفَاقًا، وَأَمَّا الْمُعْجِزَةُ فَتَمْتَازُ عَنْ الْكَرَامَةِ بِالتَّحَدِّي أَيْ دَعْوَى الرِّسَالَةِ اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. 2 - (الْمَقْصِدُ الثَّالِثُ) السِّحْرُ لَمَّا كَانَ اسْمَ جِنْسٍ عِبَارَةٌ عَنْ اعْتِقَادٍ وَلَا يَكُونُ إلَّا كُفْرًا، أَوْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَيَكُونَانِ تَارَةً كُفْرًا وَتَارَةً غَيْرَ كُفْرٍ وَعَمَّا هُوَ خَارِقٌ لِلْعَوَائِدِ وَغَيْرُ خَارِقٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَصْلِ وَابْنِ الشَّاطِّ وَكَانَتْ أَنْوَاعُهُ الْأَرْبَعَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَالْحَقَائِقُ الْخَمْسَةُ الْأُخَرُ الَّتِي هِيَ مِنْ عُلُومِ الشَّرِّ وَهِيَ الْخَوَاصُّ الْمَنْسُوبَةُ لِلنُّفُوسِ وَالْأَوْفَاقُ وَالطَّلْسَمَاتُ وَالْعَزَائِمُ وَالِاسْتِخْدَامَات كُلُّهَا تَجْرِي مَجْرَاهُ فِيمَا ذُكِرَ تَحَقَّقَ الْتِبَاسُهُ بِهَذِهِ الْحَقَائِقِ التِّسْعِ وَافْتَقَرَتْ هَذِهِ الْحَقَائِقُ إلَى أَنْ تُمَيَّزَ عَنْهُ إمَّا بِبَيَانِ الْخُصُوصِ مُطْلَقًا وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي السِّيمِيَاءِ، وَالْهِيمْيَاءِ مِنْ أَنْوَاعِهِ الْأَرْبَعَةِ، وَإِمَّا بِبَيَانِ الْخُصُوصِ مِنْ جِهَةٍ كَمَا فِي النَّوْعَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ مِنْ أَنْوَاعِهِ وَالْحَقَائِقِ الْخَمْسَةِ الْأُخَرِ الْمَذْكُورَةِ، وَهُوَ يَفْتَقِرُ إلَى سَبْعَةِ وُصُولٍ لِبَيَانِ الْحَقَائِقِ السَّبْعِ الْمَذْكُورَةِ. (الْوَصْلُ الْأَوَّلُ) الْخَوَاصُّ الْمَنْسُوبَةُ لِلْحَقَائِقِ أَيْ الذَّوَاتِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَغَيْرِهَا أَسْرَارٌ عَظِيمَةٌ وَكَثِيرَةٌ أَوْدَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي أَجْزَاءِ الْعَالَمِ حَتَّى لَا يَكَادَ يُعَرَّى شَيْءٌ عَنْ خَاصِّيَّتِهِ فَلَا يَدْخُلُهَا فِعْلُ الْبَشَرِ بَلْ هِيَ ثَابِتَةٌ كَامِلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْهَا مَا هُوَ مَعْلُومٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَإِرْوَاءِ الْمَاءِ وَإِحْرَاقِ النَّارِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مَجْهُولٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَمِنْهَا مَا يَعْلَمُهُ الْأَفْرَادُ مِنْ النَّاسِ وَهَذِهِ إمَّا مُغَيِّرَةٌ لِأَحْوَالِ النُّفُوسِ وَهِيَ الَّتِي قَدَّمْنَا

إذَا ظَهَرَ هَذَا فَإِنْ أَرَادُوا حَصْرَ الْأَسْبَابِ التَّامَّةِ فِي ثَلَاثَةٍ فَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا تَقَدَّمَ أَوْ النَّاقِصَةِ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ أَسْبَابٍ فَالْخُصُوصَاتُ كَمَا رَأَيْت كَثِيرَةٌ فَلَا يَسْتَقِيمُ الْحَصْرُ مُطْلَقًا لَا فِي التَّامِّ، وَلَا فِي النَّاقِصِ فَتَنَبَّهْ لِهَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ حَسَنٌ لَمْ أَرَ أَحَدًا تَعَرَّضَ لَهُ، وَلَا لَخَّصَهُ، وَحِينَئِذٍ أَقُولُ: إنَّ أَسْبَابَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (إذَا ظَهَرَ هَذَا فَإِنْ أَرَادُوا حَصْرَ الْأَسْبَابِ التَّامَّةِ فِي ثَلَاثَةٍ فَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا تَقَدَّمَ، أَوْ النَّاقِصَةَ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْأَسْبَابِ فَالْخُصُوصَاتُ كَمَا رَأَيْت كَثِيرَةٌ فَلَا يَسْتَقِيمُ الْحَصْرُ مُطْلَقًا لَا فِي التَّامِّ، وَلَا فِي النَّاقِصِ) قُلْت: قَوْلُهُ: هِيَ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مَا يَخُصُّ كُلَّ صِنْفٍ مِنْ الْوَارِثِينَ وَالْوَارِثَاتِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَكْثَرِ الْفَرْضِيِّينَ فِي عَدِّهِمْ أَصْنَافَ الْوَارِثِينَ عَشَرَةً وَأَصْنَافَ الْوَارِثَاتِ سَبْعَةً فَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مَا يَخُصُّ كُلَّ صِنْفٍ عَلَى مَا هُوَ الْأَوْلَى فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ قَوْلُهُ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ لَا أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ، وَقَوْلُهُ: بِالْإِجْمَاعِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَأَيُّ إجْمَاعٍ فِي ذَلِكَ مَعَ تَوْرِيثِ الْحَنَفِيَّةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَقَوْلُهُ: أَوْ النَّاقِصَةُ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْأَسْبَابِ فَالْخُصُوصَاتُ كَمَا رَأَيْت كَثِيرَةٌ إنْ أَرَادَ بِالْخُصُوصَاتِ مُطْلَقَ الْقَرَابَةِ الَّتِي كُلُّ خُصُوصٍ مِنْهَا أَعَمُّ مِنْ الْخُصُوصِ الَّذِي تَحْتَهُ مِنْ الْخُصُوصَاتِ الَّتِي عَدَّهَا الْفَرَضِيُّونَ فَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَإِلَّا فَلَا أَدْرِي مَا أَرَادَ قَالَ (فَتَنَبَّهْ لِهَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ حَسَنٌ لَمْ أَرَ أَحَدًا تَعَرَّضَ لَهُ وَلَا لَخَّصَهُ وَحِينَئِذٍ أَقُولُ إنَّ أَسْبَابَ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ السِّحْرِ، وَإِمَّا مُخْتَصَّةٌ بِانْفِعَالَاتِ الْأَمْزِجَةِ صِحَّةً أَوْ سَقَمًا كَالْأَغْذِيَةِ وَالْأَدْوِيَةِ مِنْ الْجَمَادِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ الْمَسْطُورَةِ فِي كُتُبِ الْأَطِبَّاءِ وَالْعَشَّابِينَ والطبائعيين وَهَذِهِ مِنْ عِلْمِ الطِّبِّ لَا مِنْ عِلْمِ السِّحْرِ قَالَهُ الْأَصْلُ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ. (الْوَصْلُ الثَّانِي) الرُّقَى أَلْفَاظٌ خَاصَّةٌ يَحْدُثُ عِنْدَهَا الشِّفَاءُ مِنْ الْأَسْقَامِ وَالْأَدْوَاءِ وَالْأَسْبَابِ الْمُهْلِكَةِ، وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مِنْهَا مَا هُوَ مَشْرُوعٌ كَالْفَاتِحَةِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا} [يوسف: 68] تُقْرَأُ سَبْعَ مَرَّاتٍ عِنْدَ دُخُولِ مَحَلٍّ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ مَا وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} [الأعراف: 154] إلَى {يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154] سَبْعَ مَرَّاتٍ لِتَعْطِيفِ الْقُلُوبِ وَتَسْكِينِ غَضَبِ الْمُلُوكِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ كَرُقَى الْجَاهِلِيَّةِ وَالْهِنْدِ وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ كُفْرًا أَوْ مُحَرَّمًا وَلِذَلِكَ نَهَى مَالِكٌ وَغَيْرُهُ عَنْ الرُّقَى بِالْعَجَمِيَّةِ وَغَيْرُ الْمَشْرُوعِ قَدْ يُحْدِثُ ضَرَرًا فَيُقَالُ لَهُ السِّحْرُ، وَلَا يُقَالُ لَفْظُ الرُّقَى عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ الْأَصْلُ: وَقَدْ نَهَى عُلَمَاءُ الْعَصْرِ عَنْ الرُّقْيَةِ الَّتِي تُكْتَبُ فِي آخِرِ جُمُعَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لِمَا فِيهَا مِنْ اللَّفْظِ الْأَعْجَمِيِّ؛ وَلِأَنَّهُمْ يَشْتَغِلُونَ بِهَا عَنْ الْخُطْبَةِ وَيَحْصُلُ بِهَا مَعَ ذَلِكَ مَفَاسِدُ اهـ. وَفِي الِاعْتِصَامِ لِأَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الدُّعَاءِ وَالْأَذْكَارِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ كَالَّتِي يَزْعُمُ الْعُلَمَاءُ أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى عِلْمِ الْحُرُوفِ، وَهُوَ الَّذِي اعْتَنَى بِهِ الْبَوْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ حَذَا حَذْوَهُ أَوْ قَارَبَهُ فَهِيَ بِدْعَةٌ حَقِيقَةٌ مُرَكَّبَةٌ فَإِنَّ ذَلِكَ الْعِلْمَ فَلْسَفَةٌ أَلْطَفُ مِنْ فَلْسَفَةِ مُعَلِّمِهِمْ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَرِسْطُو طَالِيسَ فَرَدُّوهَا إلَى أَوْضَاعِ الْحُرُوفِ وَجَعَلُوهَا هِيَ الْحَاكِمَةَ فِي الْعَالَمِ وَرُبَّمَا أَشَارُوا عِنْدَ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى تِلْكَ الْأَذْكَارِ. وَمَا قُصِدَ بِهَا إلَى تَحَرِّي الْأَوْقَاتِ وَالْأَحْوَالِ الْمُلَائِمَةِ لِطَبَائِعِ الْكَوَاكِبِ لِيَحْصُلَ التَّأْثِيرُ عِنْدَهُمْ وَحْيًا فَحَكَّمُوا الْعُقُولَ وَالطَّبَائِعَ كَمَا تَرَى وَتَوَجَّهُوا شَطْرَهَا، وَأَعْرَضُوا عَنْ رَبِّ الْعَقْلِ وَالطَّبَائِعِ، وَإِنْ ظَنُّوا أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَهُ اعْتِقَادًا فِي اسْتِدْلَالِهِمْ بِصِحَّةِ مَا انْتَحَلُوا عَلَى وُقُوعِ الْأَمْرِ وَفْقَ مَا يَقْصِدُونَهُ فَإِذَا تَوَجَّهُوا بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ الْمَفْرُوضِ عَلَى الْفَرْضِ الْمَطْلُوبِ حَصَلَ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَنَفْعًا كَانَ أَمْ ضَرًّا وَخَيْرًا كَانَ أَمْ شَرًّا وَيَبْنُونَ عَلَى ذَلِكَ اعْتِقَادَ بُلُوغِ النِّهَايَةِ فِي إجَابَةِ الدُّعَاءِ أَوْ حُصُولِ نَوْعٍ مِنْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ، كَلًّا لَيْسَ طَرِيقُ ذَلِكَ التَّأْثِيرِ مِنْ مُرَادِهِمْ، وَلَا كَرَامَاتُ الْأَوْلِيَاءِ مِنْ نَتَائِجِ أَوْرَادِهِمْ فَلَا تَلَاقِيَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ النَّارِ وَالْمَاءِ وَحُصُولُ التَّأْثِيرِ حَسْبَمَا قَصَدُوا هُوَ فِي الْأَصْلِ مِنْ قَبِيلِ الْفِتْنَةِ الَّتِي اقْتَضَاهَا فِي الْخَلْقِ {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [الأنعام: 96] فَالنَّظَرُ إلَى وَضْعِ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ أَحْكَامٌ وَضَعَهَا الْبَارِي تَعَالَى فِي النُّفُوسِ يَظْهَرُ عِنْدَهَا مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ التَّأْثِيرَاتِ عَلَى نَحْوِ مَا يَظْهَرُ عَلَى الْمَعْيُونِ عِنْدَ الْإِصَابَةِ، وَعَلَى الْمَسْحُورِ عِنْدَ عَمَلِ السِّحْرِ بَلْ هُوَ بِالسِّحْرِ أَشْبَهُ لِاسْتِمْدَادِهَا مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ وَشَاهِدُهُ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَنَا عِنْدَ ظَنَّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إذَا دَعَانِي» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ» وَشَرْحُ هَذِهِ الْمَعَانِي لَا يَلِيقُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ اهـ. (الْوَصْلُ الثَّالِثُ) خَوَاصُّ النُّفُوسِ بِمَعْنَى مُقْتَضَى الْأَمْزِجَةِ وَالطَّبَائِعِ نَوْعٌ خَاصٌّ مِنْ الْخَوَاصِّ الْمُودَعَةِ فِي الْعَالَمِ فَالْحَيَوَانَاتُ لَا تَكَادُ تَتَّفِقُ طَبَائِعُهَا بَلْ نَقْطَعُ بِأَنَّهُ، وَلَوْ عَظُمَ شَبَهُ فَرْدٍ مِنْهَا بِفَرْدٍ آخَرَ لَا بُدَّ مِنْ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّ التَّبَايُنَ لَمَّا حَصَلَ فِي الصِّفَاتِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَجَبَ حُصُولُهُ فِي الْأَمْزِجَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّ نَفْسًا مِنْ الْأَنَاسِيِّ طُبِعَتْ عَلَى الشَّجَاعَةِ إلَى الْغَايَةِ وَنَفْسًا عَلَى الْجُبْنِ إلَى الْغَايَةِ وَنَفْسًا عَلَى الشَّرِّ إلَى

الْقَرَابَةِ، وَإِنْ كَثُرَتْ فَنَحْنُ لَا نُرِيدُهَا، وَلَا نُرِيدُ التَّامَّةَ الَّتِي هِيَ الْخُصُوصَاتُ بَلْ النَّاقِصَةَ الَّتِي هِيَ الْمُشْتَرَكَاتُ، وَهِيَ مُطْلَقُ الْقَرَابَةِ وَمُطْلَقُ النِّكَاحِ وَمُطْلَقُ الْوَلَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَى حَصْرِ غَيْرِ التَّامَّةِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ أَنَّ الْأَمْرَ الْعَامَّ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَسْبَابِ التَّامَّةِ إمَّا أَنْ يُمْكِنَ إبْطَالُهُ أَوْ لَا فَإِنْ أَمْكَنَ فَهُوَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالطَّلَاقِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إبْطَالُهُ فَإِمَّا أَنْ يَقْتَضِيَ التَّوَارُثَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ غَالِبًا أَوْ لَا فَإِنْ اقْتَضَى التَّوَارُثَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ غَالِبًا فَهُوَ الْقَرَابَةُ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَضِهِ إلَّا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَهُوَ الْوَلَاءُ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ ـــــــــــــــــــــــــــــSالْقَرَابَةِ وَإِنْ كَثُرَتْ فَنَحْنُ لَا نُرِيدُهَا، وَلَا نُرِيدُ التَّامَّةَ الَّتِي هِيَ الْخُصُوصَاتُ بَلْ النَّاقِصَةُ الَّتِي هِيَ الْمُشْتَرَكَاتُ، وَهِيَ مُطْلَقُ الْقَرَابَةِ وَمُطْلَقُ النِّكَاحِ وَمُطْلَقُ الْوَلَاءِ) قُلْت: هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا مُنَاقِضٌ فِي ظَاهِرِهِ لِقَوْلِهِ إنَّ أَسْبَابَ الْقَرَابَةِ، وَإِنْ كَثُرَتْ فَنَحْنُ لَا نُرِيدُهَا لَكِنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ لَا نُرِيدُ مُطْلَقَ الْقَرَابَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ الْقَرَابَةُ لَا خُصُوصَ كَوْنِ الْقَرَابَةِ بُنُوَّةً مَثَلًا، وَلَكِنْ نُرِيدُ مَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ الْأَوَّلِ، وَأَعَمُّ مِنْ الثَّانِي، وَهُوَ قَرَابَةُ مَاءٍ، وَنِكَاحُ مَاءٍ، وَوَلَاءُ مَاءٍ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ بِمَا قَرَّرَهُ ضَابِطًا بَعْدَ هَذَا قَالَ (وَالدَّلِيلُ عَلَى حَصْرِ غَيْرِ التَّامَّةِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَنَّ الْأَمْرَ الْعَامَّ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَسْبَابِ التَّامَّةِ إمَّا أَنْ يُمْكِنَ إبْطَالُهُ أَوْ لَا فَإِنْ أَمْكَنَ فَهُوَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إبْطَالُهُ، فَإِمَّا أَنْ يَقْتَضِيَ التَّوَارُثَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ غَالِبًا، وَهُوَ الْقَرَابَةُ أَوْ لَا يَقْتَضِيَ إلَّا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَهُوَ الْوَلَاءُ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْغَايَةِ وَنَفْسًا عَلَى الْخَيْرِ إلَى الْغَايَةِ وَنَفْسًا يَهْلَكُ مَا عَظَّمَتْهُ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْعَيْنِ، وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يُؤْذِي بِالْعَيْنِ، وَأَحْوَالُ مَنْ يُؤْذِي بِهَا مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَصِيدُ الطَّيْرَ فِي الْهَوَى وَيَقْلَعُ الشَّجَرَ الْعَظِيمَ مِنْ الْقُرَى، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَصِلُ بِهَا إلَّا إلَى التَّمْرِيضِ اللَّطِيفِ وَنَحْوِهِ وَنَفْسًا عَلَى صِحَّةِ الْحَزْرِ بِحَيْثُ لَا يُخْطِئُ الْغَيْبَ عِنْدَ شَيْءٍ مَخْصُوصٍ، وَلَا يَتَأَتَّى لَهُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ تَجِدُ بَعْضَهُمْ لَا يُخْطِئُ فِي عِلْمِ الرَّمَلِ أَبَدًا وَآخَرُ لَا يُخْطِئُ فِي أَحْكَامِ النُّجُومِ أَبَدًا وَآخَرُ لَا يُخْطِئُ فِي عِلْمِ الْكَفِّ أَبَدًا وَآخَرُ لَا يُخْطِئُ فِي عِلْمِ السَّيْرِ أَبَدًا؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ طُبِعَتْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ تُطْبَعْ عَلَى غَيْرِهِ فَمَنْ تَوَجَّهَتْ نَفْسُهُ لِطَلَبِ الْغَيْبِ عِنْدَ ذَلِكَ الْفِعْلِ الْخَاصِّ أَدْرَكَتْهُ بِخَاصِّيَّتِهَا فَقَطْ، لَا لِأَنَّ النُّجُومَ فِيهَا شَيْءٌ، وَلَا الْكَتِفَ، وَلَا الرَّمَلَ، وَلَا بَقِيَّتَهَا بَلْ هِيَ خَوَاصُّ نُفُوسٍ فَقَطْ. أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْضَهُمْ يَجِدُ صِحَّةَ أَعْمَالِهِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ شَابٌّ فَإِذَا صَارَ كَبِيرًا فَقَدَهَا؛ لِأَنَّ الْقُوَّةَ نَقَصَتْ عَنْ تِلْكَ الْحِدَّةِ الَّتِي كَانَتْ فِي الشُّبُوبِيَّةِ، وَقَدْ ذَهَبَتْ. قُلْتُ: ثُمَّ إنَّ خَوَاصَّ النُّفُوسِ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ فِي خَوَاصِّ الْحَقَائِقِ مِنْهَا مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَخَوَاصِّ النُّفُوسِ الْمَذْكُورَةِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مَجْهُولٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَمِنْهَا مَا يَعْلَمُهُ مِنْ النَّاسِ الْأَفْرَادُ قَالَ الْأَصْلُ كَجَمَاعَةٍ فِي الْهِنْدِ إذَا وَجَّهُوا أَنْفُسَهُمْ لِقَتْلِ شَخْصٍ انْتَزَعُوا قَلْبَهُ مِنْ صَدْرِهِ بِالْهِمَّةِ وَالْعَزْمِ وَقُوَّةِ النَّفْسِ فَإِذَا مَاتَ وَشُقَّ صَدْرُهُ لَا يُوجَدُ فِيهِ قَلْبُهُ وَيُجَرِّبُونَ بِالرُّمَّانِ فَيَجْمَعُونَ عَلَيْهِ هِمَمَهُمْ فَلَا تُوجَدُ فِيهِ حَبَّةٌ. اهـ. وَمِنْ حَيْثُ إنَّ هَذَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا الْأَفْرَادُ مِنْ النَّاسِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ، وَمَا حَكَاهُ عَنْ الْهِنْدِ لَا أَدْرِي صِحَّتَهُ مِنْ سَقَمِهِ اهـ. قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْعَلَوِيُّ الشِّنْقِيطِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى نَظْمِهِ رُشْدَ الْغَافِلِ: إنَّ مَصَّ دِمَاءِ الْقَلْبِ أَوْ نَزْعَ الْقَلْبِ نَفْسَهُ مِنْهُ مَا يَكُونُ عَنْ طَبْعٍ كَمَا هُوَ مِنْ جَمَاعَةٍ فِي الْهِنْدِ إذَا وَجَّهَ أَحَدُهُمْ نَفْسَهُ لِقَتْلِ شَخْصٍ انْتَزَعَ قَلْبَهُ مِنْ صَدْرِهِ بِالْهِمَّةِ وَالْعَزْمِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الْأَصْلُ وَحَكَاهُ عَنْ ابْنِ زِكْرِيٍّ فِي شَرْحِ النَّصِيحَةِ قَالَ: وَالْغَالِبُ حُصُولُ الْمَصِّ الْمَذْكُورِ وَالنَّزْعِ عَنْ كَسْبٍ وَهَذَا كَثِيرٌ فِي السُّودَانِ سَوَاءٌ وُلِدَ فِي أَرْضِهِمْ أَوْ فِي أَرْضِنَا، وَقَالَ قَبْلُ: وَبَعْضُ النَّاسِ يُسَمِّي الْمَصَّ الْمَذْكُورَ وَالنَّزْعَ بِسُغُنْيَا بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَنُونٍ سَاكِنَةٍ، وَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ مَفْتُوحَةٍ وَبَعْضُهُمْ يُسَمِّيهِ بِالسَّلَّالَةِ بِفَتْحِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْأُولَى فَأَلْفٌ فَلَامٌ مُخَفَّفَةٌ فَهَاءُ تَأْنِيثٍ اهـ وَسَيَأْتِي فِي وَصْلِ الْأَوْفَاقِ مَا قَالَهُ فِي شِفَاءِ مَنْ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ فَتَرَقَّبْ. قُلْتُ: وَهَذَا النَّوْعُ وَنَحْوُهُ مِنْ خَوَاصِّ النُّفُوسِ هُوَ الَّذِي يَلْتَبِسُ بِهِ السِّحْرُ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَ الْأَصْلُ وَتَبِعَهُ ابْنُ زِكْرِيٍّ فِي شَرْحِ النَّصِيحَةِ: وَخَوَاصُّ النُّفُوسِ كَثِيرَةٌ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، وَإِلَى تَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ وَالْخَلْقِ وَالسَّجَايَا وَالْقُوَى كَمَا أَنَّ الْمَعَادِنَ كَذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ» اهـ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ الْإِشَارَةَ إلَى مَا ذَكَرَهُ هُوَ الظَّاهِرُ مِنْهُ، وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. (الْوَصْلُ الرَّابِعُ) الْأَوْفَاقُ وَتُسَمَّى عِلْمَ الْأَشْكَالِ وَعِلْمَ الْجَدَاوِلِ وَتُسَمَّى الْأَشْكَالَ وَالْجَدَاوِلَ بِالْمُثَلَّثِ وَالْمُرَبَّعِ وَالْمُخَمَّسِ وَنَحْوِهَا أَيْ كَمُسَبَّعِ السَّلَّالَةِ الْآتِي وَهِيَ مِنْ الْبَاطِلِ إذَا قَصَدَ بِهَا إضْرَارَ أَوْ نَفْعَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ شَرْعًا مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْجُرْأَةِ عَلَى أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا لِأَغْرَاضٍ دُنْيَوِيَّةٍ وَلِهَذَا يَقُولُ بَعْضُهُمْ بِابْنِ الْبَوْنِيِّ، وَأَشْكَالِهِ أَمَّا إذَا أُرِيدَ بِهَا غَرَضٌ لَا اعْتِرَاضَ لِلشَّرْعِ عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمُثَلَّثِ الْغَزَالِيِّ أَيْ مَمْلُوءُ الْوَسَطِ لِتَيْسِيرِ الْعَسِيرِ، وَإِخْرَاجِ الْمَسْجُونِ، وَإِيضَاعِ الْجَنِينِ مِنْ الْحَامِلِ وَتَيْسِيرِ الْوَضْعِ، وَكُلِّ مَا هُوَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَنُسِبَ لِلْغَزَالِيِّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْتَنِي بِهِ كَثِيرًا، وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ هَذَا الْمُثَلَّثَ بِصُورَتِهِ الْآتِيَةِ يُسَمَّى بِخَاتَمِ أَبِي سَعِيدٍ

الْمَوْلَى الْأَعْلَى الْأَسْفَلَ، وَلَا يَرِثُ الْأَسْفَلُ الْأَعْلَى وَقَوْلُنَا غَالِبًا احْتِرَازٌ مِنْ الْعَمَّةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ يَرِثُهَا ابْنُ أَخِيهَا وَلَا تَرِثُهُ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَسْبَابِ التَّوَارُثِ وَقَاعِدَةِ شُرُوطِهِ وَمَوَانِعِهِ) لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ الْفَرْضِيِّينَ يَذْكُرُ إلَّا أَسْبَابَ التَّوَارُثِ وَمَوَانِعَهُ وَلَا يَذْكُرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ شُرُوطَهُ قَطُّ وَلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــSالْمَوْلَى الْأَعْلَى الْأَسْفَلَ، وَلَا يَرِثُ الْأَسْفَلُ الْأَعْلَى وَقَوْلُنَا: غَالِبًا احْتِرَازٌ مِنْ الْعَمَّةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ يَرِثُهَا ابْنُ أَخِيهَا، وَلَا تَرِثُهُ) قُلْت: مَا ذَكَرَهُ مِنْ سَبَبِ الْحَصْرِ لِلْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ فِي ثَلَاثَةٍ، وَإِنْ كَانَ مُفِيدًا لِلْحَصْرِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ، وَهُوَ كَوْنُهُ يُمْكِنُ إبْطَالُهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ كَوْنِ النِّكَاحِ سَبَبَ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ اللَّاحِقُ بِهِ الْإِبْطَالُ سَبَبًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ سَبَبًا النِّكَاحُ الَّذِي لَمْ يَلْحَقْهُ إبْطَالٌ فَإِذَا ثَبَتَتْ سَبَبِيَّتُهُ لَمْ تَرْتَفِعْ لِاسْتِحَالَةِ رَفْعِ الْوَاقِعِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْقَرَابَةِ أَمْرٌ ثَانٍ عَنْ كَوْنِ سَبَبِ الْإِرْثِ لَيْسَ مُطْلَقَ الْقَرَابَةِ؛ لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ ثَابِتَةٌ عَنْهُ مَعَ عَدَمِ اطِّرَادِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْوَلَاءِ كَذَلِكَ أَمْرٌ ثَانٍ عَنْ كَوْنِ سَبَبِيَّتِهِ لَيْسَتْ مُطْلَقَةً، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّهُمْ مَا حَصَرُوهَا فِي ثَلَاثَةٍ إلَّا لِكَوْنِهَا أُمُورًا مُخْتَلِفَةً ثُمَّ لَمْ يُوجَدْ سَبَبُ الْمِيرَاثِ سِوَاهَا ثُمَّ إنَّهَا لَيْسَتْ أَسْبَابًا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ مُقَيَّدَةٌ بِتَعْيِينِ مَنْ يَرِثُ بِهَا قَالَ (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَسْبَابِ التَّوَارُثِ وَقَاعِدَةِ شُرُوطِهِ وَمَوَانِعِهِ) قُلْت: مَا قَالَهُ فِي صَدْرِ هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ ثُمَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQاهـ. وَكَمُسَبَّعِ السُّلَالَةِ الْآتِي لَكِنَّهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهَا أَلْبَتَّةَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ كَمَا فِي شَرْحِ سَيِّدِي عَبْدِ اللَّهِ الْعَلَوِيِّ عَلَى نَظْمِهِ رُشْدَ الْغَافِلِ بِتَصَرُّفٍ وَزِيَادَةٍ، قَالَ الْأَصْلُ: وَالْأَوْفَاقُ تَرْجِعُ إلَى مُنَاسَبَاتِ الْأَعْدَادِ وَجَعْلِهَا عَلَى شَكْلٍ مَخْصُوصٍ. اهـ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ تَسَامَحَ فِي قَوْلِهِ أَنَّهَا تَرْجِعُ إلَخْ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ رَاجِعَةٌ إلَى الْمُسَاوَاةِ بِحَسَبِ جَمْعِ مَا فِي كُلِّ سَطْرٍ مِنْ بُيُوتِ مُرَبَّعَاتِهَا وَجَمِيعِ مَا فِي الْبُيُوتِ الْوَاقِعَةِ عَلَى الْقُطْرِ. اهـ. وَالشَّكْلُ الْمَخْصُوصُ إمَّا مُثَلَّثٌ كَمُثَلَّثِ بُدُوحٍ يُكْتَبُ إذَا أُرِيدَ جَلْبُ خَيْرٍ فِي كَاغِدٍ أَوْ رَقِّ غَزَالٍ هَكَذَا brok0004-0198-0001.jpg ، وَمُثَلَّثُ أَجْهَزَ يُكْتَبُ إذَا أُرِيدَ دَفْعُ شَرٍّ فِي كَاغِدٍ أَوْ رَقِّ غَزَالٍ هَكَذَا brok0004-0198-0002.jpg ثُمَّ يُعَلَّقُ فِي الْعُنُقِ وَكَمُثَلَّثِ الْكَلِمَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ يُكْتَبُ إذَا أُرِيدَ كُلٌّ مِنْ جَلْبِ الْخَيْرِ وَدَفْعِ الشَّرِّ وَيُرَقَّمُ فِي خَانَاتِهِ إمَّا حُرُوفُ الْكَلِمَتَيْنِ هَكَذَا brok0004-0198-0003.jpg ، وَإِمَّا أَعْدَادُ كُلِّ حَرْفٍ مِنْهُمَا بِحِسَابِ الْجُمَلِ الْكَبِيرِ هَكَذَا brok0004-0198-0004.jpg. وَضَابِطُهُ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ أَنَّك لَوْ جَمَعْتَ الْحُرُوفَ الْمُفْرَدَةَ فِي كُلِّ خَانَةٍ مِنْ الْخَانَاتِ الثَّلَاثِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ أُفُقِيَّةٍ أَوْ عَمُودِيَّةٍ أَوْ مُسْتَطِيلَةٍ يَكُونُ مَجْمُوعُهَا وَاحِدًا وَهُوَ عَدَدُ (15) ، وَأَنْ تَكُونَ الْأَرْقَامُ الْمَكْتُوبَةُ فِي الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ الْخَاتَمِ زَوْجِيَّةً وَتُسَمَّى مُزْدَوَجَاتُ الْمُثَلَّثِ وَالْأَرْقَامُ الْمَكْتُوبَةُ فِي الْخَانَاتِ الْأُخْرَى فَرْدِيَّةً وَتُسَمَّى مُفْرَدَاتُ الْمُثَلَّثِ قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَالْخَاتَمُ الْمَرْقُومُ فِي خَانَاتِهِ كُلٌّ مِنْ حُرُوفِ الْكَلِمَتَيْنِ أَوْ أَعْدَادِهَا هُوَ خَاتَمُ أَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ مَمْلُوءُ الْوَسَطِ. قُلْت: وَذَكَرَ لِي بَعْضُ الْأَفَاضِلِ أَنَّ لِلْغَزَالِيِّ مُثَلَّثًا أَيْضًا خَالِيَ الْوَسَطِ وَبَيَّنَ لِي كَيْفِيَّةَ وَضْعِهِ، وَمَا يُبْدَأُ بِهِ مِنْ خَانَاتِهِ، وَمَا يَلِيهِ، وَمَا يَخْتِمُ بِهِ بِرَقْمٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا يَبْدَأُ بِهِ وَاثْنَيْنِ عَلَى مَا يَلِيهِ وَهَكَذَا إلَى ثَمَانِيَةٍ، وَأَنَّ صُورَتَهُ هَكَذَا brok0004-0198-0005.jpg وَضَابِطُهُ أَنَّك لَوْ جَمَعْت أَعْدَادَ الْخَانَاتِ الْعَمُودِيَّةِ أَوْ الْمُسْتَطِيلَةِ أَوْ الْخَانَتَيْنِ الْأُفُقِيَّةِ لَكَانَ مَجْمُوعُ كُلٍّ مِنْ الْخَانَاتِ وَالْخَانَتَيْنِ الْأُفُقِيَّةِ وَاحِدًا وَهُوَ عَدَدُ (66) وَإِنَّك تَكْتُبُ فِي وَسَطِهِ الْخَالِي حَاجَتَك الَّتِي تُرِيدُ قَضَاءَهَا وَتَبْتَدِئُ بِعَدَدِ (31) وَتَخْتِمُ بِعَدَدِ (35) فَافْهَمْ. وَإِمَّا مُرَبَّعٌ كَمُرَبِّعِ بُدُوحٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَوْنِيُّ فِي شَمْسِ الْمَعَارِفِ الْكُبْرَى، وَأَنَّهُ يَكْتُبُ فِي رَقٍّ طَاهِرٍ وَيُعَلَّقُ عَلَى الشَّخْصِ لِتَيْسِيرِ الْفَهْمِ وَالْحِفْظِ وَالْحِكْمَةِ وَلِتَعْظِيمِ الْقَدْرِ عِنْدَ النَّاسِ وَفِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ وَعَلَى الْمَسْجُونِ لِإِطْلَاقِهِ مِنْ السِّجْنِ سَرِيعًا وَعَلَى الرَّايَةِ لِهَزْمِ الْأَعْدَاءِ مِنْ الْكَفَرَةِ وَالْبَاغِينَ، وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُرَقِّمَ بِالْأَعْدَادِ هَكَذَا brok0004-0198-0006.jpg ، وَإِمَّا أَنْ يُوضَعَ مَحَلُّ الْأَعْدَادِ حُرُوفٌ هَكَذَا brok0004-0198-0007.jpg وَذَكَرَ لِكِتَابَتِهِ شُرُوطًا، وَإِمَّا مُخَمَّسٌ، وَإِمَّا مُسَدَّسٌ، وَإِمَّا مُسَبَّعٌ كَمُسَبَّعِ السَّلَّالَةِ الَّذِي ذَكَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْعَلَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى نَظْمِهِ رُشْدَ الْغَافِلِ أَنَّهُ يَكْتُبُ لِشِفَاءِ مَنْ فُعِلَ بِهِ مَصُّ الدَّمِ أَوْ نَزْعُ الْقَلْبِ الْمُسَمَّى بِالسُّلَالَةِ هَذِهِ الْآيَاتُ وَالْجَدْوَلُ الْمُسَبَّعُ بَعْدَهَا فِي وَرَقَتَيْنِ إحْدَاهُمَا تُجْعَلُ عَلَى

شُرُوطٌ قَطْعًا كَسَائِرِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ فَإِنْ كَانُوا قَدْ تَرَكُوهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ فَأَسْبَابُ التَّوَارُثِ مَعْلُومَةٌ أَيْضًا فَالصَّوَابُ اسْتِيعَابُ الثَّلَاثَةِ كَسَائِرِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، وَإِنْ قَالُوا لَا شُرُوطَ لِلتَّوَارُثِ بَلْ أَسْبَابٌ وَمَوَانِعُ فَقَطْ فَضَوَابِطُ الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ الْفُضَلَاءُ: إذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الْحَقَائِقِ فَحَكِّمُوا الْحُدُودَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ فِي الْفُرُوقِ أَنَّ السَّبَبَ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَالشَّرْطُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ وَالْمَانِعُ مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودٌ، وَلَا عَدَمٌ فَبِهَذِهِ الْحُدُودِ وَالضَّوَابِطِ يَظْهَرُ أَنَّ لِلتَّوَارُثِ شُرُوطًا وَهَا أَنَا أَذْكُرُهَا عَلَى هَذَا الضَّابِطِ فَأَقُولُ: شُرُوطُ التَّوَارُثِ ثَلَاثَةٌ كَالْأَسْبَابِ تَقَدُّمُ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ عَلَى الْوَارِثِ، وَاسْتِقْرَارُ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَهُ كَالْجَنِينِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَهَا أَنَا أَذْكُرُهَا عَلَى هَذَا الضَّابِطِ فَأَقُولُ: شُرُوطُ التَّوَارُثِ ثَلَاثَةٌ كَالْأَسْبَابِ تَقَدُّمُ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ عَلَى الْوَارِثِ، وَاسْتِقْرَارُ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَهُ كَالْجَنِينِ) قُلْت: لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الْمَوْرُوثِ وَجَعْلِهِ شَرْطًا، وَحَيَاةُ الْوَارِثِ بَعْدَهُ شَرْطًا آخَرَ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَوْتُ الْمَوْرُوثِ بِنَفْسِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْوَارِثِ شَرْطًا لِامْتِنَاعِ تَوْرِيثِ مَنْ يَتَعَذَّرُ الْعِلْمُ فِيهِمَا بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَلِصِحَّةِ التَّوْرِيثِ بِالتَّعْمِيرِ فِي الْمَفْقُودِ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّ شَرْطَ الْإِرْثِ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْعِلْمُ أَوْ الْحُكْمُ بِحَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ وَبِنِسْبَتِهِ وَرُتْبَتِهِ مِنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّارِ وَتُبَخَّرُ لَهُ وَالْأُخْرَى تُعَلَّقُ عَلَيْهِ وَصُورَةُ كِتَابَةِ الْآيَاتِ وَالْجَدْوَلِ هَكَذَا {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا - وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} [الإسراء: 45 - 46] ، {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين: 36] ، {كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} [الممتحنة: 13] وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ ضَبْطَهُ بِقَوْلِهِ brok0004-0199-0001.jpg: وَإِنْ تُرِدْ لِجَدْوَلِ السَّلَّالَةِ ... فَخُذْهُ بِالنَّظْمِ وَعِ الْمَقَالَةِ مُجَدْوَلٌ مُسَبَّعٌ بَعْدَ الْآيَاتِ ... مُعَمَّرٌ بِذِي الْحُرُوفِ بِالثَّبَاتِ فَجّ شث ظخز بِصَدْرِ أَوَّلٍ ... وَابْدَأْ بِثَانِيهَا وَاخْتِمْ بِأَوَّلِ وَانْحَ لِذَاكَ النَّحْوِ حَتَّى تَنْتَهِيَ ... بُيُوتُهُ فَخُذْ لِذَا النَّظْمِ الشَّهِيِّ قَالَ الْأَصْلُ وَلِلْأَوْفَاقِ كُتُبٌ مَوْضُوعَةٌ لِتَعْرِيفِ كَيْفَ تُوضَعُ حَتَّى تَصْبِرَ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ مِنْ الِاسْتِوَاءِ، وَهِيَ كُلَّمَا كَثُرَتْ كَانَ وَضْعُهَا أَعْسَرَ، وَالضَّوَابِطُ الْمَوْضُوعَةُ لَهَا حَسَنَةٌ نَفِيسَةٌ لَا تَتَخَرَّمُ إذَا عُرِفَتْ أَعْنِي فِي صُورَةِ الْوَضْعِ، وَأَمَّا مَا يُنْسَبُ إلَيْهَا مِنْ الْآثَارِ فَقَلِيلَةُ الْوُقُوعِ أَوْ عَدِيمَتُهُ اهـ. وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ وَتَبِعَهُ ابْنُ زِكْرِيٍّ فِي شَرْحِ النَّصِيحَةِ وَكَذَا الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْعَلَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى نَظْمِهِ رُشْدِ الْغَافِلِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ بَعْدُ وَلِشِفَاءِ مَنْ فُعِلَ بِهِ الْمَصُّ لِلدَّمِ وَالنَّزْعُ لِلْقَلْبِ الْمُسَمَّى بِالسَّلَّالَةِ تُكْتَبُ هَذِهِ الْآيَاتُ وَالْجَدْوَلُ بَعْدَهَا إلَخْ وَلِلْمُعَاصِرِ الْفَاضِلِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللَّهِ مِنْ أَبْيَاتٍ نَظَمَهَا فِي مُسَبَّعِ السَّلَّالَةِ قَوْلُهُ: هَذَا سَبْعٌ لِسِحْرٍ دَافِعٍ ... وَأَنَّهُ فِي بَابِهِ لِنَافِعٍ يُعْرَفُ عِنْدَ عُلَمَاءِ السِّرِّ ... مُسَبَّعُ السَّلِّ مُفِيدُ الضُّرِّ وَهُوَ مُجَرَّبٌ فَقَدْ جَرَّبْتُهُ ... وَنَفْعُهُ إذْ ذَاكَ قَدْ وَجَدْته وَكَيْفَ لَا وَهُوَ كَلَامٌ طَيِّبٌ ... وَالْعُلَمَا فِي أَخْذِهِ قَدْ رَغِبُوا وَفِيهِ أَسْمَاءٌ لِمَوْلَانَا عَلَا ... يَحْصُلُ نَفْعُهَا لِمَنْ ذَا اسْتَعْمَلَا وَنَفْعُهُ اشْتَهَرَ فِي بِلَادِي ... وَطَنِنَا مِنْ حَاضِرٍ وَبَادِي وَهُوَ مُضَافٌ لِكَلَامِ اللَّهِ ... فِي خَمْسِ آيَاتٍ عَلَى تَنَاهِي تُنَاسِبُ الدَّفْعَ لِكُلِّ شَرٍّ ... لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ شَرَّ السِّحْرِ وَأَفَادَنِي أَنَّ شَيْخَ أَشْيَاخِهِ سَيِّدِي مُحَمَّدَ الْخَلِيفَةَ ابْنَ الشَّيْخِ سَيِّدِي الْمُخْتَارِ الْكَنَّتَيْ فِي كِتَابِهِ الطَّرَائِفِ اعْتَرَضَ قَوْلَ الْأَصْلِ أَوْ عَدِيمَتَهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ بِالتَّجْرِبَةِ. قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ فَقَلِيلَةُ الْوُقُوعِ فَغَيْرُ بَعِيدٍ لِفَقْدِ شَرْطِهَا فِي النَّاسِ وَهُوَ التَّقْوَى أَمَّا إذَا تَحَقَّقَ الشَّرْطُ فَتَحَقُّقُ الْمَشْرُوطِ ضَرُورِيٌّ اهـ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (الْوَصْلُ الْخَامِسُ) الطَّلْسَمَاتُ حَقِيقَتُهَا نَقْشُ أَسْمَاءٍ خَاصَّةٍ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْأَفْلَاكِ وَالْكَوَاكِبِ عَلَى زَعْمِ أَهْلِ الطَّلَاسِمِ فِي جِسْمٍ مِنْ الْمَعَادِنِ أَوْ غَيْرِهَا تَحْدُثُ بِهَا آثَارٌ خَاصَّةٌ رُبِطَتْ بِهَا فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ، وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ قُوَّةِ نَفْسٍ صَالِحَةٍ لِهَذِهِ الْأَعْمَالِ فَلَيْسَ كُلُّ النُّفُوسِ مَجْبُولَةً عَلَى ذَلِكَ بَلْ بَعْضُ النَّاسِ لَا تَجْرِي الْخَاصِّيَّةُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى يَدِهِ فَلَا بُدَّ فِي الطَّلْسَمِ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ

وَالْعِلْمُ بِالْقُرْبِ وَالدَّرَجَةِ الَّتِي اجْتَمَعَا فِيهَا احْتِرَازًا مِنْ مَوْتِ رَجُلٍ مِنْ مَضْرَ أَوْ قُرَيْشٍ لَا يُعْلَمُ لَهُ قَرِيبٌ فَإِنَّ مِيرَاثَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ مَعَ أَنَّ كُلَّ قُرَشِيٍّ ابْنُ عَمِّهِ، وَلَا مِيرَاثَ لِبَيْتِ الْمَالِ مَعَ ابْنِ عَمٍّ لَكِنَّهُ فَاتَ شَرْطُهُ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ بِدَرَجَتِهِ مِنْهُ فَمَا مِنْ قُرَشِيٍّ إلَّا لَعَلَّ غَيْرَهُ أَقْرَبُ مِنْهُ فَهَذِهِ شُرُوطٌ لَا يُؤَثِّرُ وُجُودُهَا إلَّا فِي نُهُوضِ الْأَسْبَابِ لِتَرَتُّبِ مُسَبِّبَاتِهَا عَلَيْهَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا مِنْ حَيْثُ هُوَ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ، بَلْ الْوُجُودُ إنْ وَقَعَ فَهُوَ لِوُجُودِ الْأَسْبَابِ لَا لَهَا، وَإِنْ وَقَعَ الْعَدَمُ عِنْدَ وُجُودِهَا فَلِعَدَمِ السَّبَبِ أَوْ لِوُجُودِ الْمَانِعِ فَهَذِهِ حَقِيقَةُ الشَّرْطِ قَدْ وُجِدَتْ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَتَكُونُ شُرُوطًا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَالْعِلْمُ بِالْقُرْبِ وَبِالدَّرَجَةِ الَّتِي اجْتَمَعَا فِيهَا احْتِرَازًا مِنْ مَوْتِ رَجُلٍ مِنْ مُضَرَ أَوْ مِنْ قُرَيْشٍ لَا يُعْلَمُ لَهُ قَرِيبٌ، فَإِنَّ مِيرَاثَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ مَعَ أَنَّ كُلَّ قُرَشِيٍّ ابْنُ عَمِّهِ، وَلَا مِيرَاثَ لِبَيْتِ الْمَالِ مَعَ ابْنِ عَمٍّ لَكِنَّهُ فَاتَ شَرْطُهُ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ بِدَرَجَتِهِ مِنْهُ فَمَا مِنْ قُرَشِيٍّ إلَّا لَعَلَّ غَيْرَهُ أَقْرَبُ مِنْهُ) قُلْت: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ نَقَصَهُ الْحُكْمُ بِالْقُرْبِ وَالدَّرَجَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَعْلُومًا وَلَكِنَّهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ قَالَ: (فَهَذِهِ شُرُوطٌ لَا يُؤَثِّرُ وُجُودُهَا إلَّا فِي نُهُوضِ الْأَسْبَابِ لِتَرَتُّبِ مُسَبَّبَاتِهَا عَلَيْهَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا مِنْ حَيْثُ هُوَ وُجُودٌ، وَلَا عَدَمٌ بَلْ الْوُجُودُ إنْ وَقَعَ فَهُوَ لِوُجُودِ الْأَسْبَابِ لَا لَهَا، وَإِنْ وَقَعَ الْعَدَمُ عِنْدَ وُجُودِهَا فَلِعَدَمِ السَّبَبِ أَوْ لِوُجُودِ الْمَانِعِ فَهَذِهِ حَقِيقَةُ الشَّرْطِ قَدْ وُجِدَتْ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَتَكُونُ شُرُوطًا) قُلْت: قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ شَرْطٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْعِلْمُ بِحَيَاةِ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَوَّلُ: الْأَسْمَاءُ الْمَخْصُوصَةُ وَالثَّانِي تَعَلُّقُهَا بِبَعْضِ أَجْزَاءِ الْفَلَكِ. وَالثَّالِثُ جَعْلُهَا فِي جِسْمٍ مِنْ الْأَجْسَامِ. وَالرَّابِعُ قُوَّةُ النَّفْسِ الصَّالِحَةِ لِهَذِهِ الْأَعْمَالِ، قَالَهُ الْأَصْلُ. وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ شَرْعًا ثُمَّ مَنْ اعْتَقَدَ لَهَا فِعْلًا وَتَأْثِيرًا فَذَلِكَ كُفْرٌ، وَإِلَّا فَعِلْمُهَا مَعْصِيَةٌ غَيْرُ كُفْرٍ إمَّا مُطْلَقًا، وَإِمَّا مَا يُؤَدِّي مِنْهَا إلَى مَضَرَّةٍ دُونَ مَا يُؤَدِّي إلَى مَنْفَعَةٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ بِلَفْظِهِ. (الْوَصْلُ السَّادِسُ) الْعَزَائِمُ قَالَ الْأَصْلُ: حَقِيقَتُهَا كَلِمَاتٌ، وَأَسْمَاءٌ يَزْعُمُ أَهْلُ هَذَا الْعِلْمِ أَنَّهَا تُعَظِّمُهَا الْمَلَائِكَةُ فَمَتَى أَقْسَمَ عَلَيْهَا بِهَا أَطَاعَتْ، وَأَجَابَتْ وَفَعَلَتْ مَا طَلَبَ مِنْهَا فَالْمُعَزِّمُ يُقْسِمُ بِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ عَلَى ذَلِكَ الْمَلَكِ فَيُحْضِرُ الْقَبِيلَ مِنْ الْجَانِّ الَّذِي طَلَبَهُ أَوْ الشَّخْصَ مِنْهُمْ فَيَحْكُمُ فِيهِ بِمَا يُرِيدُ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَجَدَ الْجَانَّ يَعْبَثُونَ بِبَنِي آدَمَ وَيَسْخَرُونَ بِهِمْ فِي الْأَسْوَاقِ وَيَخْطَفُونَهُمْ مِنْ الطُّرُقَاتِ فَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُوَلِّيَ عَلَى كُلِّ قَبِيلٍ مِنْ الْجَانِّ مَلِكًا يَضْبِطُهُمْ عَنْ الْفَسَادِ فَوَلَّى اللَّهُ تَعَالَى الْمَلَائِكَةَ عَلَى قَبَائِلِ الْجِنِّ فَمَنَعُوهُمْ مِنْ الْفَسَادِ وَمُخَالَطَةِ النَّاسِ، وَأَلْزَمَهُمْ سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سُكْنَى الْقِفَارِ وَالْخَرَابِ مِنْ الْأَرْضِ دُونَ الْعَامِرِ لِيَسْلَمَ النَّاسُ مِنْ شَرِّهِمْ وَيَزْعُمُونَ أَيْضًا أَنَّ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَسْمَاءً أُمِرَتْ بِتَعْظِيمِهَا فَإِذَا عَنَى الْقَبِيلُ مِنْ الْجَانِّ أَوْ الشَّخْصُ مِنْهُمْ ذَكَرَ الْمُعَزِّمُ الْأَسْمَاءَ الَّتِي تُعَظِّمُهَا تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ لِيُحْضِرُوا لَهُ مَنْ عَنَى وَأَفْسَدَ مِنْ الْجَانِّ لِيَحْكُمَ فِيهِ بِمَا يُرِيدُ وَيَزْعُمُونَ أَيْضًا أَنَّ هَذَا الْبَابَ إنَّمَا دَخَلَهُ الْخَلَلُ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ ضَبْطِ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ فَإِنَّهَا أَعْجَمِيَّةٌ لَا يُدْرَى وَزْنُ صِيَغِهَا، وَأَنَّ كُلَّ حَرْفٍ مِنْهَا يَشُكُّ فِيهِ هَلْ هُوَ بِالضَّمِّ أَوْ الْفَتْحِ أَوْ الْكَسْرِ وَرُبَّمَا أَسْقَطَ النُّسَّاخُ بَعْضَ حُرُوفِ الِاسْمِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ فَيَخْتَلُّ الْعَمَلُ فَإِنَّ الْمُقْسَمَ بِهِ لَفْظٌ آخَرُ لَا يُعَظِّمُهُ ذَلِكَ الْمَلَكُ فَلَا يُجِيبُ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْمُعَزِّمِ قَالَهُ الْأَصْلُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ إلَّا أَنَّهُ قَالَ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْعَزَائِمِ فِي الشَّرْعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا حُكْمَ الرُّقَى إذَا تَحَقَّقَتْ وَتَحَقَّقَ أَنْ لَا مَحْذُورَ فِي تِلْكَ الْأَلْفَاظِ اهـ فَافْهَمْ. (الْوَصْلُ السَّابِعُ) الِاسْتِخْدَامَاتُ لِرُوحَانِيَّاتِ الْكَوَاكِبِ وَلِمُلُوكِ الْجَانِّ حَقِيقَتُهَا كَلِمَاتٌ خَاصَّةٌ مَوْضُوعَةٌ فِي كُتُبِ أَهْلِ هَذَا الْعِلْمِ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا إذَا حَصَلَتْ مَعَ الْبَخُورِ الْخَاصِّ وَاللِّبَاسِ الْخَاصِّ عَلَى الَّذِي يُبَاشِرُ الْبَخُورَ، وَمَعَ الْأَفْعَالِ الْخَاصَّةِ الَّتِي اسْتَوْعَبُوا فِي كُتُبِهِمْ اشْتِرَاطَهَا كَانَتْ رُوحَانِيَّةُ ذَلِكَ الْكَوْكَبِ مُطِيعَةً لَهُ وَكَذَلِكَ يَكُونُ كُلُّ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْجَانِّ مُطِيعًا لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ لِلْكَوَاكِبِ إدْرَاكَاتٍ رُوحَانِيَّةً فَإِذَا قُوبِلَتْ الْكَوَاكِبُ أَوْ مُلُوكُ الْجَانِّ بِبَخُورٍ خَاصٍّ وَلِبَاسٍ خَاصٍّ عَلَى الَّذِي يُبَاشِرُ الْبَخُورَ وَرُبَّمَا تَقَدَّمَتْ مِنْهُ أَفْعَالٌ خَاصَّةٌ مِنْهَا مَا هُوَ مُحَرَّمٌ فِي الشَّرْعِ كَاللِّوَاطِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ كُفْرٌ صَرِيحٌ كَالسُّجُودِ لِلْكَوَاكِبِ أَوْ مَلِكِ الْجِنِّ وَكَذَلِكَ الْأَلْفَاظُ الَّتِي يُخَاطِبُ بِهَا الْكَوَاكِبَ أَوْ مَلِكَ الْجِنِّ مِنْهَا مَا هُوَ كُفْرٌ صَرِيحٌ كَنِدَائِهِ بِلَفْظِ الْآلِهِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِنْهَا مَا هُوَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ عَلَى قَدْرِ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ الْمَوْضُوعَةِ فِي كُتُبِهِمْ، وَالْغَالِبُ عَلَيْهِمْ الْكُفْرُ فَلَا جَرَمَ لَا يَشْتَغِلُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ مُفْلِحٌ قَالَهُ الْأَصْلُ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. 2 - (خَاتِمَةٌ) أَسْأَلُ اللَّهَ حُسْنَهَا فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ قَالَ الْبَاجِيَّ قَدْ ذَكَرَ النَّاسُ فِي أَمْرِ الْعَيْنِ وُجُوهًا أَصَحُّهَا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَجْرَى الْعَادَةَ عِنْدَ تَعَجُّبِ النَّاظِرِ مِنْ أَمْرٍ وَنُطْقِهِ دُونَ أَنْ يُبَرِّكَ أَنْ يَمْرَضَ الْمُتَعَجَّبُ مِنْهُ أَوْ يَتْلَفَ أَوْ يَتَغَيَّرَ؛ لِأَنَّ الْعَائِنَ إذَا بَرَّكَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بَارَكَ اللَّهُ فِيهِ بَطَلَ الْمَعْنَى الَّذِي يَخَافُ مِنْ الْعَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِيرٌ فَإِنْ لَمْ يُبَرِّكَ أَوْقَعَ اللَّهُ مَا أَجْرَى بِهِ الْعَادَةَ عِنْدَ ذَلِكَ وَقَدْ يَتَلَافَى ذَلِكَ بَعْدَ وُقُوعِهِ بِمَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْبَارِي سُبْحَانَهُ هُوَ الْخَالِقُ لِمَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَيْسَ فِيهَا حَرَكَةٌ، وَلَا سَكْنَةٌ، وَلَا كَلِمَةٌ، وَلَا لَفْظَةٌ إلَّا سُبْحَانَهُ خَالِقُهَا فِي الْعَبْدِ وَهُوَ مُقَدِّرُهَا

[الفرق بين قاعدة قتال البغاة وقاعدة قتال المشركين]

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا أَوَّلَ الْكِتَابِ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا شُكَّ فِيهِ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْعَدَمُ، وَكَذَلِكَ السَّبَبُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الشَّكِّ فِي الْمَانِعِ الْعَدَمُ بَلْ يَتَرَتَّبُ الثُّبُوتُ بِنَاءً عَلَى السَّبَبِ، وَهَذَا أَيْضًا يُوَضِّحُ لَك شَرْطِيَّةَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهَا فِي الْأَسْبَابِ الَّتِي ذَكَرُوهَا، وَلَا فِي الْمَوَانِعِ بَلْ أُهْمِلَتْ وَذِكْرُهَا مُتَعَيِّنٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْأَسْبَابِ وَأَمَّا الْمَوَانِعُ فَأَقْصَى مَا ذُكِرَ فِيهَا أَنَّهَا خَمْسَةٌ وَغَالِبُ النَّاسِ عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ الْكُفْرُ وَالْقَتْلُ وَالرِّقُّ وَزَادَ بَعْضُهُمْ الشَّكَّ احْتِرَازًا مِنْ أَهْلِ السَّفِينَةِ أَوْ الرَّدْمِ فَإِنَّهُ لَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمْ، وَاللِّعَانَ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ إرْثِ الْأَبِ وَالْإِرْثِ مِنْهُ فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَوَاعِدِ ـــــــــــــــــــــــــــــSالْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَبِقَرَابَتِهِ وَرُتْبَتِهِ مِنْهُ أَوْ الْحُكْمُ بِذَلِكَ قَالَ (وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا أَوَّلَ الْكِتَابِ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا شُكَّ فِيهِ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْعَدَمُ، وَكَذَلِكَ السَّبَبُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الشَّكِّ فِي الْمَانِعِ الْعَدَمُ بَلْ يَتَرَتَّبُ الثُّبُوتُ بِنَاءً عَلَى السَّبَبِ وَهَذَا أَيْضًا يُوَضِّحُ لَك شَرْطِيَّةَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهَا فِي الْأَسْبَابِ الَّتِي ذَكَرُوهَا، وَلَا فِي الْمَوَانِعِ بَلْ أُهْمِلَتْ وَذِكْرُهَا مُتَعَيِّنٌ) قُلْت: قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ ثَلَاثَةً بَلْ شَرْطٌ وَاحِدٌ فَقَطْ قَالَ (وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْأَسْبَابِ وَأَمَّا الْمَوَانِعُ فَأَقْصَى مَا ذُكِرَ فِيهَا أَنَّهَا خَمْسَةٌ وَغَالِبُ النَّاسِ عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ الْكُفْرُ وَالْقَتْلُ وَالرِّقُّ وَزَادَ بَعْضُهُمْ الشَّكَّ احْتِرَازًا مِنْ أَهْلِ السَّفِينَةِ أَوْ الرَّدْمِ فَإِنَّهُ لَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمْ وَاللِّعَانَ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ إرْثِ الْأَبِ وَالْإِرْثِ مِنْهُ فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَوَاعِدِ ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ هُوَ تَعَالَى رَتَّبَ أَفْعَالَهُ وَرَتَّبَ أَسْبَابَهَا وَرَتَّبَ الْعَوَائِدَ عَلَى أَسْبَابٍ. مِثَالُ ذَلِكَ: الْعَيْنُ فَإِنَّ النَّفْسَ إذَا رَأَتْ صُورَةً تَسْتَحْسِنُهَا فَغَلَبَ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَاسْتَوْلَى ذَلِكَ عَلَى الْقَلْبِ فَإِنْ لَمْ تَنْطِقْ بِحَرْفٍ لَمْ يَخْلُقْ اللَّهُ شَيْئًا، وَإِنْ نَطَقَتْ بِالِاسْتِحْسَانِ وَالتَّعَجُّبِ مِنْ الْجَمَالِ فَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ بِأَنَّهُ إذَا خَلَقَ النُّطْقَ بِالِاسْتِحْسَانِ وَالتَّعَجُّبِ مَثَلًا مِنْ الْعَائِنِ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَدَنِ الْمُعَيَّنِ الْمَرَضَ وَالْهَلَكَةَ عَلَى قَدْرِ مَا يُرِيدُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلِذَلِكَ نَهَى الْعَائِنَ عَنْ الْقَوْلِ، وَالْبَارِي تَعَالَى وَإِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَ فِي حُكْمِهِ الْوُجُودُ بِذَلِكَ فَقَدْ سَبَقَ مِنْ حِكْمَتِهِ أَنَّ الْعَائِنَ إذَا بَرَّكَ سَقَطَ حُكْمُ فِعْلِهِ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَثَرٌ، وَالْبَارِي سُبْحَانَهُ يَرُدُّ قَضَاءَهُ بِقَضَائِهِ، وَمِنْ حِكْمَتِهِ أَنْ جَعَلَ وُضُوءَ الْعَائِنِ يُسْقِطُ أَثَرَ عَيْنِهِ وَذَلِكَ بِخَاصَّةٍ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا خَالِقُ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ وَكَذَلِكَ مَا يَحْدُثُ عِنْدَ قَوْلِ السَّاحِرِ وَفِعْلِهِ فِي جِسْمِ الْمَسْحُورِ أَوْ مَالِهِ وَضَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ بِمَشِيئَتِهِ وَحِكْمَتِهِ. وَمِنْ فُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَفَضْلِهَا وَحِكْمَتِهَا الْبَالِغَةِ مَا وَضَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الرُّقَى مِنْ إذْهَابِ الْأَمْرَاضِ مِنْ الْأَبْدَانِ بِهَا وَإِبْطَالِ سِحْرِ السَّاحِرِ وَرَدِّ عَيْنِ الْعَائِنِ عِنْدَ الِاسْتِرْقَاءِ بِهَا وَدَفْعِ كُلِّ ضَرَرٍ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى. وَالْبَارِئُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي خَلَقَ الشِّفَاءَ عِنْدَ الِاسْتِرْقَاءِ كَمَا خَلَقَ الشِّفَاءَ مِنْ الدَّاءِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِ الدَّوَاءِ، وَلَا حَظَّ لِلدَّوَاءِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَصِحُّ فِي عَقْلِ عَاقِلٍ أَنْ يَكُونَ جَمَادٌ فَاعِلًا وَكَمَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَصْرِفُ الْأَعْمَالَ الْغَرِيبَةَ دَاخِلَ الْبَدَنِ بِالْأَدْوِيَةِ كَذَلِكَ يَصْرِفُهَا خَارِجَ الْبَدَنِ بِالرُّقَى وَالتَّعْوِيذِ وَقَدْ شَاهَدْنَا ذَلِكَ، وَالشَّاهِدُ أَقْوَى مِنْ الدَّلِيلِ النَّظَرِيِّ. اهـ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ قِتَالِ الْبُغَاةِ وَقَاعِدَةِ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ] (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ قِتَالِ الْبُغَاةِ وَقَاعِدَةِ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَكَذَا بَيْنَهُمْ وَقِتَالِهِمْ وَبَيْنَ الْمُحَارِبِينَ وَقِتَالِهِمْ) فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُحَارِبِينَ بِوَجْهَيْنِ. (الْأَوَّلِ) الْبُغَاةِ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ هُمْ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ عَلَى الْإِمَامِ يَبْغُونَ خَلْعَهُ أَوْ مَنْعَ الدُّخُولِ فِي طَاعَتِهِ وَمَنْعَ حَقٍّ وَاجِبٍ بِتَأْوِيلٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ الْأَصْلُ، وَمَا عَلِمْت فِي ذَلِكَ خِلَافًا. اهـ. وَالْمُحَارِبُونَ جَمْعُ مُحَارِبٍ وَهُوَ كَمَا فِي خَلِيلٍ، وَأَقْرَبِ الْمَسَالِكِ قَاطِعُ الطَّرِيقِ لِمَنْعِ سُلُوكٍ أَوْ آخِذُ مَالٍ مُحْتَرَمٍ، وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا، وَالْبُضْعُ أَحْرَى عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْغَوْثُ أَوْ مَذْهَبُ عَقْلٍ، وَلَوْ انْفَرَدَ، وَلَوْ بِبَلَدٍ كَمَسْقِيٍّ نَحْوِ سَيْكَرَانَ لِذَلِكَ، وَمُخَادِعُ مُمَيِّزٍ لِأَخْذِ مَا مَعَهُ بِتَعَذُّرِ غَوْثٍ، وَدَاخِلُ زُقَاقٍ أَوْ دَارٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لِأَخْذِ مَالٍ بِقِتَالٍ. (الْوَجْهِ الثَّانِي) نَقَلَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ الْبُغَاةَ وَلَّوْا قَاضِيًا أَوْ أَخَذُوا الزَّكَاةَ، وَأَقَامُوا حَدًّا نَفَذَ ذَلِكَ كُلُّهُ لِلضَّرُورَةِ مَعَ التَّأْوِيلِ، وَبِهِ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ وَرَدَّهُ ابْنُ الْقَاسِمِ كُلَّهُ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُحَارِبُونَ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ قِتَالِهِمْ وَقِتَالِ الْمُحَارِبِينَ بِخَمْسَةِ وُجُوهٍ. (الْأَوَّلِ) أَنَّ الْمُحَارِبِينَ يُقَاتَلُونَ مُدْبِرِينَ بِخِلَافِ الْبُغَاةِ. (الثَّانِي) أَنَّهُ يَجُوزُ تَعَمُّدُ قَتْلِهِمْ بِخِلَافِ الْبُغَاةِ. (الثَّالِثِ) أَنَّهُمْ يُطَالَبُونَ بِمَا اسْتَهْلَكُوا مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا بِخِلَافِ الْبُغَاةِ. (الرَّابِعِ) أَنَّهُ يَجُوزُ حَبْسُ أَسْرَاهُمْ لِاسْتِبْرَاءِ أَحْوَالِهِمْ بِخِلَافِ الْبُغَاةِ. (الْخَامِسِ) أَنَّ مَا أَخَذُوهُ مِنْ الْخَرَاجِ وَالزَّكَاةِ لَا يَسْقُطُ عَمَّنْ كَانَ عَلَيْهِ كَالْغَاصِبِ بِخِلَافِ الْبُغَاةِ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَ قِتَالِهِمْ وَقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ بِأَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا: الْأَوَّلِ أَنْ يَقْصِدَ بِقِتَالِهِمْ رَدْعَهُمْ لَا قَتْلَهُمْ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ. الثَّانِي أَنْ يَكُفَّ عَنْ مُدْبِرِهِمْ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ. الثَّالِثِ أَنْ لَا يُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ. الرَّابِعِ أَنْ لَا يَقْتُلَ أَسْرَاهُمْ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ. الْخَامِسِ أَنْ لَا تُغْنَمَ أَمْوَالُهُمْ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ. السَّادِسِ أَنْ لَا تُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ. السَّابِعِ أَنْ لَا يُسْتَعَانَ عَلَى قِتَالِهِمْ بِمُشْرِكٍ بِخِلَافِ

[الفرق بين قاعدة ما هو شبهة تدرأ بها الحدود والكفارات وقاعدة ما ليس كذلك]

الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْبِدَعِ وَيُنْهَى عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْهَا) اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ - فِيمَا رَأَيْت - مُتَّفِقُونَ عَلَى إنْكَارِ الْبِدَعِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَغَيْرُهُ وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ، وَأَنَّهَا خَمْسَةُ أَقْسَامٍ (قِسْمٌ) وَاجِبٌ، وَهُوَ مَا تَتَنَاوَلُهُ قَوَاعِدُ الْوُجُوبِ وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرْعِ كَتَدْوِينِ الْقُرْآنِ وَالشَّرَائِعِ إذَا خِيفَ عَلَيْهَا الضَّيَاعُ فَإِنَّ التَّبْلِيغَ لِمَنْ بَعْدَنَا مِنْ الْقُرُونِ وَاجِبٌ إجْمَاعًا، وَإِهْمَالُ ذَلِكَ حَرَامٌ إجْمَاعًا فَمِثْلُ هَذَا النَّوْعِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي وُجُوبِهِ (الْقِسْمُ الثَّانِي) : مُحَرَّمٌ، وَهُوَ بِدْعَةٌ تَنَاوَلَتْهَا قَوَاعِدُ التَّحْرِيمِ وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرِيعَةِ كَالْمُكُوسِ وَالْمُحْدَثَاتِ مِنْ الْمَظَالِمِ الْمُنَافِيَةِ لِقَوَاعِدِ ـــــــــــــــــــــــــــــSالثَّلَاثَةِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ) قُلْت: لَا يَصِحُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمَوَانِعَ خَمْسَةٌ بَلْ هِيَ ثَلَاثَةٌ فَقَطْ فَإِنَّ الشَّكَّ فِي أَهْلِ السَّفِينَةِ وَالرَّدْمِ إنَّمَا مَنَعَ مِنْ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فِقْدَانِ الشَّرْطِ، وَهُوَ الْعِلْمُ أَوْ الْحُكْمُ بِتَقَدُّمِ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ، وَكَذَلِكَ اللِّعَانُ لَيْسَ بِمَانِعٍ بَلْ هُوَ سَبَبٌ فِي فِقْدَانِ السَّبَبِ، وَهُوَ النَّسَبُ وَلَيْتَ شِعْرِي لِمَ لَمْ يُحَكِّمْ هُنَا الْحُدُودَ كَمَا ذَكَرَهُ قَبْلُ عَنْ الْفُضَلَاءِ وَجَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَرْقَيْنِ بَعْدَ هَذَا صَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ مَا قَالَ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُمَا، وَهُوَ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ إلَّا قَوْلَهُ: وَقِيلَ بِالْعَكْسِ فَإِنِّي لَا أَدْرِي الْآنَ مُرَادَهُ بِذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُشْرِكِينَ. الثَّامِنِ أَنْ لَا نَدَعَهُمْ عَلَى مَالٍ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ. التَّاسِعِ أَنْ لَا تُنْصَبَ عَلَيْهِمْ الرَّعَّادَاتُ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ. الْعَاشِرِ أَنْ لَا تُحَرَّقَ عَلَيْهِمْ الْمَسَاكِنُ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ. الْحَادِي عَشَرَ أَنْ لَا يُقْطَعَ شَجَرُهُمْ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ، قَالَهُ الْأَصْلُ، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ شُبْهَةٌ تُدْرَأُ بِهَا الْحُدُودُ وَالْكَفَّارَاتُ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ] (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ شُبْهَةٌ تُدْرَأُ بِهَا الْحُدُودُ وَالْكَفَّارَاتُ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ) . وَهُوَ أَنَّ ضَابِطَ الشُّبْهَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي إسْقَاطِ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ فِي إفْسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ أَمْرَانِ. (الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) أَنْ لَا تَخْرُجَ عَنْ شُبُهَاتٍ ثَلَاثٍ. (الْأُولَى) الشُّبْهَةُ فِي الْوَاطِئِ كَاعْتِقَادِ أَنَّ هَذِهِ الْأَجْنَبِيَّةَ امْرَأَتُهُ أَوْ مَمْلُوكَتُهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَالِاعْتِقَادُ الَّذِي هُوَ جَهْلٌ مُرَكَّبٌ وَغَيْرُ مُطَابِقٍ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحَدِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُعْتَقِدٌ الْإِبَاحَةَ، وَعَدَمُ الْمُطَابَقَةِ فِي اعْتِقَادِهِ يَقْتَضِي الْحَدَّ فَحَصَلَ الِاشْتِبَاهُ وَهِيَ عَيْنُ الشُّبْهَةِ. (الثَّانِيَةِ) الشُّبْهَةُ فِي الْمَوْطُوءَةِ كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ إذَا وَطِئَهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فَمَا فِيهَا مِنْ نَصِيبِهِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحَدِّ، وَمَا فِيهَا مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ يَقْتَضِي الْحَدَّ فَحَصَلَ الِاشْتِبَاهُ وَهِيَ عَيْنُ الشُّبْهَةِ. (الثَّالِثَةِ) الشُّبْهَةُ فِي الطَّرِيقِ كَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي إبَاحَةِ الْمَوْطُوءَةِ كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ قَوْلَ الْمُحْرِمِ يَقْتَضِي الْحَدَّ وَقَوْلَ الْمُبِيحِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحَدِّ فَحَصَلَ الِاشْتِبَاهُ وَهِيَ عَيْنُ الشُّبْهَةِ. (الْأَمْرُ الثَّانِي) تَحَقَّقَ شَرْطُهَا وَهُوَ اعْتِقَادُ الْمُقْدِمِ مُقَارَنَةَ السَّبَبِ الْمُبِيحِ، وَإِنْ أَخْطَأَ فِي حُصُولِ السَّبَبِ، وَإِلَى أَمْثِلَةِ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ إذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ صَوْمَهُ فَتَعَمَّدَ الْفِطْرَ ثَانِيَةً أَوْ امْرَأَةٌ رَأَتْ الطُّهْرَ فِي رَمَضَانَ لَيْلًا فَلَمْ تَغْتَسِلْ حَتَّى أَصْبَحَتْ فَظَنَّتْ أَنَّهُ لَا صَوْمَ لِمَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ قَبْلَ الْفَجْرِ فَأَكَلَتْ أَوْ مُسَافِرٌ قَدِمَ إلَى أَهْلِهِ لَيْلًا فَظَنَّ أَنَّ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ نَهَارًا قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ أَنَّ صَوْمَهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَأَنَّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فَأَفْطَرَ أَوْ عَبْدٌ بَعَثَهُ سَيِّدُهُ فِي رَمَضَانَ يَرْعَى غَنَمًا لَهُ عَلَى مَسِيرَةِ مِيلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ سَفَرٌ فَأَفْطَرَ فَلَيْسَ عَلَى هَؤُلَاءِ إلَّا الْقَضَاءُ بِلَا كَفَّارَةٍ اهـ. وَقَالَ الْأَصْلُ: وَنَظِيرُ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ فِي الْكَفَّارَاتِ فِي الْحُدُودِ أَنْ يَشْرَبَ خَمْرًا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ خَلٌّ أَوْ يَطَأَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً يَعْتَقِدُ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ أَوْ جَارِيَتُهُ فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ، وَضَابِطُ الشُّبْهَةِ الَّتِي لَا تُعْتَبَرُ فِي إسْقَاطِ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ فِي فَسَادِ صَوْمِ رَمَضَانَ أَيْضًا أَمْرَانِ: (الْأَمْرُ الْأَوَّلُ) الْخُرُوجُ عَنْ الشُّبُهَاتِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ كَمَنْ تَزَوَّجَ خَامِسَةً أَوْ مَبْتُوتَةً ثَلَاثًا قَبْلَ زَوْجٍ أَوْ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ النَّسَبِ أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ أَوْ انْتَهَكَ حُرْمَةَ رَمَضَانَ بِالْفِطْرِ. (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ، وَإِلَى أَمْثِلَتِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ وَمَا رَأَيْت مَالِكًا يَجْعَلُ الْكَفَّارَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ عَلَى التَّأْوِيلِ إلَّا امْرَأَةً قَالَتْ الْيَوْمَ أَحِيضُ وَكَانَ يَوْمُ حَيْضِهَا ذَلِكَ فَأَفْطَرَتْ أَوَّلَ نَهَارِهَا وَحَاضَتْ فِي آخِرِهِ وَاَلَّذِي يَقُولُ الْيَوْمَ يَوْمُ جُمَادَى فَيَأْكُلُ فِي رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، وَلَمْ يَمْرَضْ فِي آخِرِهِ مَرَضًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ مَعَهُ فَقَالَ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ اهـ. وَقَالَ الْأَصْلُ: وَنَظِيرُ الْحَائِضِ وَالْمَرِيضِ فِي الْكَفَّارَاتِ فِي الْحُدُودِ أَنْ يَشْرَبَ خَمْرًا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ سَيَصِيرُ خَلًّا أَوْ يَطَأَ امْرَأَةً يَعْتَقِدُ أَنَّهُ سَيَتَزَوَّجُهَا

[الفرق بين قاعدة القذف إذا وقع من الأزواج للزوجات وبين قاعدة الجماعة يقذفهم الواحد]

الشَّرِيعَةِ كَتَقْدِيمِ الْجُهَّالِ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَتَوْلِيَةِ الْمَنَاصِبِ الشَّرْعِيَّةِ مَنْ لَا يَصْلُحُ لَهَا بِطَرِيقِ التَّوَارُثِ وَجَعْلِ الْمُسْتَنَدِ لِذَلِكَ كَوْنُ الْمَنْصِبِ كَانَ لِأَبِيهِ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ بِأَهْلٍ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مِنْ الْبِدَعِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهُ قَوَاعِدُ النَّدْبِ وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرِيعَةِ كَصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَإِقَامَةِ صُوَرِ الْأَئِمَّةِ وَالْقُضَاةِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَمْرُ الصَّحَابَةِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَصَالِحَ وَالْمَقَاصِدَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِعَظَمَةِ الْوُلَاةِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ، وَكَانَ النَّاسُ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ مُعْظَمُ تَعْظِيمِهِمْ إنَّمَا هُوَ بِالدِّينِ وَسَابِقِ الْهِجْرَةِ ثُمَّ اخْتَلَّ النِّظَامُ وَذَهَبَ ذَلِكَ الْقَرْنُ وَحَدَثَ قَرْنٌ آخَرُ لَا يُعَظِّمُونَ إلَّا بِالصُّوَرِ فَيَتَعَيَّنُ تَفْخِيمُ الصُّوَرِ حَتَّى تَحْصُلَ الْمَصَالِحُ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ يَأْكُلُ خُبْزَ الشَّعِيرِ وَالْمِلْحَ وَيَفْرِضُ لِعَامِلِهِ نِصْفَ شَاةٍ كُلَّ يَوْمٍ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ الْحَالَةَ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا لَوْ عَمِلَهَا غَيْرُهُ لَهَانَ فِي نُفُوسِ النَّاسِ، وَلَمْ يَحْتَرِمُوهُ وَتَجَاسَرُوا عَلَيْهِ بِالْمُخَالَفَةِ فَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يَضَعَ غَيْرَهُ فِي صُورَةٍ أُخْرَى لِحِفْظِ النِّظَامِ؛ وَلِذَلِكَ لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ وَوَجَدَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ قَدْ اتَّخَذَ الْحُجَّابَ وَأَرْخَى الْحِجَابَ، وَاِتَّخَذَ الْمَرَاكِبَ النَّفِيسَةَ وَالثِّيَابَ الْهَائِلَةَ الْعَلِيَّةَ، وَسَلَكَ مَا يَسْلُكُهُ الْمُلُوكُ، فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّا بِأَرْضٍ نَحْنُ فِيهَا مُحْتَاجُونَ لِهَذَا فَقَالَ لَهُ لَا آمُرُك، وَلَا أَنْهَاك وَمَعْنَاهُ أَنْتَ أَعْلَمُ بِحَالِك هَلْ أَنْتَ مُحْتَاجٌ إلَى هَذَا فَيَكُونُ حَسَنًا أَوْ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَدَلَّ ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ أَحْوَالَ الْأَئِمَّةِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ وَالْقُرُونِ وَالْأَحْوَالِ فَلِذَلِكَ يَحْتَاجُونَ إلَى تَجْدِيدِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ الْحَدَّ لَا يَسْقُطُ لِعَدَمِ اعْتِقَادِ مُقَارَنَةِ الْعِلْمِ لِسَبَبِهِ. قَالَ: وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَبَيْنَ مَسَائِلِ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ تِلْكَ اعْتَقَدَ فِيهَا الْمُقْدِمُ عَلَيْهَا اقْتِرَانَ السَّبَبِ الْمُبِيحِ فَأَوْقَعَتْ الْإِبَاحَةَ فِيهَا قَبْلَ سَبَبِهَا فَالْمُقْدِمُ فِي هَاتِهِ مُصِيبٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْ الْمَرَضِ وَالْحَيْضِ وَصَيْرُورَةِ الْخَمْرِ خَلًّا وَالْعَقْدِ عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ مُبِيحٌ، وَمُخْطِئٌ فِي التَّقَدُّمِ لِلْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ، وَالْمُقْدِمُ فِي تِلْكَ مُخْطِئٌ فِي حُصُولِ السَّبَبِ مُصِيبٌ فِي اعْتِقَادِهِ الْمُقَارَنَةَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ تَقْدِيمَ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ فَعُذِرَ بِالتَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ فِي تِلْكَ، وَلَمْ يُعْذَرْ فِي هَاتِهِ بِالتَّأْوِيلِ الْفَاسِدِ وَسِرُّ الْفَرْقِ أَنَّ تَقَدُّمَ الْحُكْمِ عَلَى سَبَبِهِ بُطْلَانُهُ مَشْهُورٌ غَيْرُ مُلْتَبِسٍ فِي الشَّرِيعَةِ فَلَا صَلَاةَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَلَا صَوْمَ قَبْلَ الْهِلَالِ، وَلَا عُقُوبَةَ قَبْلَ الْجِنَايَاتِ وَهُوَ كَثِيرٌ لَا يُعَدُّ، وَلَا يُحْصَى حَتَّى لَا يَكَادُ يُوجَدُ خِلَافُهُ أَلْبَتَّةَ، وَمَا هُوَ مَشْهُورٌ لَا يَكُونُ اللَّبْسُ فِيهِ عُذْرًا، وَأَمَّا اشْتِبَاهُ صُورَةِ الْأَسْبَابِ الْمُبِيحَةِ وَتَحْقِيقُ شُرُوطِهَا، وَمَقَادِيرِهَا فَلَا يَعْلَمُهُ إلَّا فُحُولُ الْفُقَهَاءِ وَتَحْقِيقُهُ عَسِيرٌ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ فَكَانَ اللَّبْسُ فِيهِ عُذْرًا. قَالَ وَحَدِيثُ «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» الَّذِي يَسْتَدِلُّ بِهِ الْفُقَهَاءُ عَلَى هَذِهِ الْأَحْكَامِ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ إلَّا أَنَّ مُعْتَمَدَنَا فِيهَا مَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ أَجْمَعْنَا عَلَى إقَامَةِ الْحَدِّ كَانَ سَالِمًا عَنْ الشُّبْهَةِ، وَمَا قَصُرَ عَنْ مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ لَا يَلْحَقُ بِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ حَتَّى يَدُلَّ بِدَلِيلِ عَلَى إقَامَةِ الْحَدِّ فِي صُوَرِ الشُّبُهَاتِ. اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ هَذَا تَهْذِيبُ مَا فِي الْأَصْلِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْقَذْفِ إذَا وَقَعَ مِنْ الْأَزْوَاجِ لِلزَّوْجَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْجَمَاعَةِ يَقْذِفُهُمْ الْوَاحِدُ] (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْقَذْفِ إذَا وَقَعَ مِنْ الزَّوْجِ الْوَاحِدِ لِزَوْجَاتِهِ الْمُتَعَدِّدَاتِ يَتَعَدَّدُ اللِّعَانُ بِتَعَدُّدِهِنَّ قَذَفَهُنَّ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجْلِسَيْنِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْجَمَاعَةِ يَقْذِفُهُمْ الْوَاحِدَ يَتَّحِدُ الْحَدُّ فِيهِ عِنْدَنَا) . فَإِنْ قَامَ بِهِ وَاحِدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ سَقَطَ كُلُّ قَذْفٍ قَبْلَهُ وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ حَقٌّ لِلَّهِ فَصَحَّ التَّدَاخُلُ فِيهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إنْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدٌّ أَوْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَوْلَانِ عِنْدَهُمَا وَبَنَيَا ذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِمَا إنَّ حَدَّ الْقَذْفِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ فَيَتَعَدَّدُ وَعِنْدَنَا فِي أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لَا قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْعَبْدِيُّ وَاللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَكَانَ يَلْزَمُنَا أَنْ يَكُونَ عِنْدَنَا قَوْلَانِ بِالتَّعَدُّدِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ وَبِالِاتِّحَادِ كَمَا قُلْنَا نَحْنُ وَأَبُو حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّ حُجَّتَنَا عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى الِاتِّحَادِ وُجُوهٌ. (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّ «هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ الْعَجْلَانِيَّ رَمَى امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاء فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدٌّ فِي ظَهْرِك أَوْ تَلْتَعِنُ» ، وَلَمْ يَقُلْ حَدَّانِ. (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَلَدَ الشُّهُودَ عَلَى الْمُغِيرَةِ حَدًّا وَاحِدًا مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَذَفَ الْمُغِيرَةَ وَالْمَزْنِيَّ بِهَا. (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَدّ قَذَفَةَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مَعَ أَنَّهُمْ قَذَفُوا عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَصَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطِّلِ. (الْوَجْهُ الرَّابِعُ) الْقِيَاسُ عَلَى حَدِّ الزِّنَا. (الْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ احْتِجَاجَهُمْ بِالْقِيَاسِ عَلَى قَذْفِ الزَّوْجِ لِزَوْجَاتِهِ الْأَرْبَعِ يَحْتَاجُ لِلْعَانَاتِ أَرْبَعٍ مَدْفُوعٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِوُجُوهٍ. (الْأَوَّلِ) أَنَّ اللِّعَانَ أَيْمَانٌ وَالْأَيْمَانُ لَا تَتَدَاخَلُ فَلَوْ وَجَبَ لِجَمَاعَةٍ أَيْمَانٌ لَمْ تَتَدَاخَلْ بِخِلَافِ الْحُدُودِ. (الثَّانِي) أَنَّ أَحْكَامَ اللِّعَانِ لَمَّا تَعَدَّدَتْ وَاخْتَلَفَتْ وَهِيَ تَوَجُّهُ الْحَدِّ عَلَى الْمَرْأَةِ وَانْتِفَاءُ النَّسَبِ وَالْمِيرَاثِ وَتَأَبُّدُ التَّحْرِيمِ وَوُقُوعُ الْفُرْقَةِ أَمْكَنَ ثُبُوتُ

[الفرق بين قاعدة الحدود وقاعدة التعازير]

زَخَارِفَ وَسِيَاسَاتٍ لَمْ تَكُنْ قَدِيمًا وَرُبَّمَا وَجَبَتْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ (الْقِسْمُ الرَّابِعُ) بِدَعٌ مَكْرُوهَةٌ، وَهِيَ مَا تَنَاوَلَتْهُ أَدِلَّةُ الْكَرَاهَةِ مِنْ الشَّرِيعَةِ وَقَوَاعِدُهَا كَتَخْصِيصِ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ أَوْ غَيْرِهَا بِنَوْعٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَمِنْ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ مَا خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ تَخْصِيصِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ أَوْ لَيْلَتِهِ» بِقِيَامٍ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الزِّيَادَةُ فِي الْمَنْدُوبَاتِ الْمَحْدُودَاتِ كَمَا وَرَدَ فِي التَّسْبِيحِ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ فَيُفْعَلُ مِائَةٌ وَوَرَدَ صَاعٌ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ فَيُجْعَلُ عَشَرَةُ آصُعٍ بِسَبَبِ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهَا إظْهَارُ الِاسْتِظْهَارِ عَلَى الشَّارِعِ، وَقِلَّةُ أَدَبٍ مَعَهُ بَلْ شَأْنُ الْعُظَمَاءِ إذَا حَدَّدُوا شَيْئًا وُقِفَ عِنْدَهُ، وَالْخُرُوجُ عَنْهُ قِلَّةُ أَدَبٍ وَالزِّيَادَةُ فِي الْوَاجِبِ أَوْ عَلَيْهِ أَشَدُّ فِي الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْأَصْلُ، وَالْمَزِيدُ عَلَيْهِ؛ وَلِذَلِكَ نَهَى مَالِكٌ عَنْ إيصَالِ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ لِئَلَّا يُعْتَقَدَ أَنَّهَا مِنْ رَمَضَانَ وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ إلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فَصَلَّى الْفَرْضَ وَقَامَ لِيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اجْلِسْ حَتَّى تَفْصِلَ بَيْنَ فَرْضِك وَنَفْلِك فَبِهَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَصَابَ اللَّهُ بِك يَا ابْنَ الْخَطَّابِ» يُرِيدُ عُمَرُ أَنَّ مَنْ قَبْلَنَا وَصَلُوا النَّوَافِلَ بِالْفَرَائِضِ فَاعْتَقَدُوا الْجَمِيعَ وَاجِبًا، وَذَلِكَ تَغْيِيرٌ لِلشَّرَائِعِ، وَهُوَ حَرَامٌ إجْمَاعًا (الْقِسْمُ الْخَامِسُ) الْبِدَعُ الْمُبَاحَةُ، وَهِيَ مَا تَنَاوَلْته أَدِلَّةُ الْإِبَاحَةِ وَقَوَاعِدُهَا مِنْ الشَّرِيعَةِ كَاِتِّخَاذِ الْمَنَاخِلِ لِلدَّقِيقِ فَفِي ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبَرَاءَةِ هَذِهِ دُونَ هَذِهِ بِحَدٍّ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ فَنَاسَبَ إفْرَادَ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِلِعَانٍ لِتَوَقُّعِ ثُبُوتِ بَعْضِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ فِي بَعْضٍ دُونَ الْبَاقِي وَالْمَقْصُودُ بِحَدِّ الْقَذْفِ وَاحِدٌ، وَهُوَ التَّشَفِّي وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِجَلْدٍ وَاحِدٍ. (وَالثَّالِثِ) أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ مَطْلُوبَةٌ لِلْبَقَاءِ فَنَاسَبَ التَّغْلِيظَ بِالتَّعَدُّدِ، وَلَيْسَ بَيْنَ الْقَاذِفِ وَالْمَقْذُوفِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ. (الْوَجْهِ السَّادِسِ) أَنَّ احْتِجَاجَهُمْ بِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ فَلَا يَدْخُلُهُ التَّدَاخُلُ كَالْغَصْبِ أَوْ غَيْرِهِ وَبِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ فَلَا يَتَدَاخَلُ كَالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ مَدْفُوعَانِ بِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ فَلَوْ غَلَبَ فِيهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ لَمْ يَتَدَاخَلْ فِي الشَّخْصِ الْوَاحِدِ كَمَا لَمْ يَتَدَاخَلْ الْإِتْلَافُ. (الْوَجْهِ السَّابِعِ) أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] لَا يَقْتَضِي لُغَةً مِنْ جِهَةِ مُقَابَلَةِ جَمْعِ الْمُحْصَنَاتِ بِجَلْدِ ثَمَانِينَ أَنَّ حَدَّ الْجَمَاعَةِ يَكُونُ حَدًّا وَاحِدًا وَيَحْصُلُ التَّدَاخُلُ، وَإِنْ تَخَيَّلَهُ الطُّرْطُوشِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ فِي اللُّغَةِ تَارَةً تُوَزِّعُ الْأَفْرَادَ عَلَى الْأَفْرَادِ كَقَوْلِهِ {وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] فَلَا يَصِحُّ إلَّا التَّوْزِيعُ، وَأَنَّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ رَهْنًا يُؤْمَرُ بِهِ، وَكَقَوْلِنَا الدَّنَانِيرُ لِلْوَرَثَةِ، وَتَارَةً لَا يُوَزَّعُ الْجَمْعُ عَلَى الْجَمْعِ بَلْ يَثْبُتُ أَحَدُ الْجَمْعَيْنِ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ الْجَمْعِ الْآخَرِ نَحْوُ: الثَّمَانُونَ جَلْدُ الْقَذْفِ أَوْ جَلْدُ الْقَذْفَةِ ثَمَانُونَ، وَتَارَةً يَثْبُتُ الْجَمْعُ لِلْجَمْعِ، وَلَا يَحْكُمُ عَلَى الْأَفْرَادِ نَحْوُ: الْحُدُودُ لِلْجِنَايَاتِ إذَا قَصَدَ أَنَّ الْمَجْمُوعَ لِلْمَجْمُوعِ وَتَارَةً يَرِدُ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لِلتَّوْزِيعِ وَعَدَمِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ} [لقمان: 8] فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ عَدَدُ جَنَّاتٍ بِمَعْنَى بَسَاتِينَ دَاخِلَ الْجَنَّةِ وَمَنَازِلَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُوَزَّعَ فَيَكُونُ لِبَعْضِهِمْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ وَلِبَعْضٍ جَنَّةُ الْمَأْوَى وَلِبَعْضِهِمْ أَعْلَى عِلِّيِّينَ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ أَحْوَالُ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ وَجَبَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الِاشْتِرَاكُ أَوْ الْمَجَازُ فَيَبْطُلُ اسْتِدْلَالُ الطُّرْطُوشِيِّ وَجَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ بِهِ عَلَى مُقَابَلَةِ الْجَمَاعَةِ الْمَقْذُوفَةِ بِحَدٍّ وَاحِدٍ، هَذَا تَهْذِيبُ مَا فِي الْأَصْلِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ. قُلْتُ وَفِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ: وَجَبَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ إلَخْ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ حَقِيقَةً فِي أَحَدِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ بِلَا تَعْيِينٍ لِذَلِكَ الْأَحَدِ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِالْقَرِينَةِ كَانَ هَذَا عَيْنَ الِاشْتِرَاكِ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ الِاشْتِرَاكُ وَأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهَا مَعَ التَّعْيِينِ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ أَوْ الْمَجَازِ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ أَرَادَ بِالْحَقِيقَةِ الْمَاهِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ الصَّادِقَةَ عَلَى الْأَفْرَادِ الثَّلَاثَةِ كَالْإِنْسَانِ عَلَى أَفْرَادِهِ فَيَصِحُّ قَوْلُهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ إلَخْ بِشِقَّيْهِ وَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ فِي وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثِ حَقِيقَةً إنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ فَرْدًا، وَمَجَازًا إنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحُدُودِ وَقَاعِدَةِ التَّعَازِيرِ] (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَتَيْ الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ) . وَهُوَ مِنْ عَشَرَةِ وُجُوهٍ. (الْوَجْهِ الْأَوَّلِ) أَنَّ الْحَدَّ مُقَدَّرٌ شَرْعًا وَالتَّعْزِيرَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ شَرْعًا بَلْ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ تَحْدِيدِ أَقَلِّهِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ أَكْثَرِهِ فَعِنْدَنَا هُوَ غَيْرُ مَحْدُودٍ بَلْ بِحَسَبِ الْجِنَايَةِ وَالْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَفِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى، وَأَمَّا تَحْدِيدُ الْعُقُوبَةِ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَقَالَ فِي الْمُعَلِّمِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُجِيزُ فِي الْعُقُوبَاتِ فَوْقَ الْحَدِّ وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا، وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُزَادُ عَلَى الْحُدُودِ وَقَدْ أَمَرَ مَالِكٌ بِضَرْبِ رَجُلٍ وُجِدَ مَعَ صَبِيٍّ قَدْ جَرَّدَهُ وَضَمَّهُ إلَى صَدْرِهِ

الْآثَارِ أَوَّلُ شَيْءٍ أَحْدَثَهُ النَّاسُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتِّخَاذُ الْمَنَاخِلِ لِلدَّقِيقِ؛ لِأَنَّ تَلْيِينَ الْعَيْشِ وَإِصْلَاحَهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ فَوَسَائِلُهُ مُبَاحَةُ فَالْبِدْعَةُ إذَا عَرَضَتْ تُعْرَضُ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ وَأَدِلَّتِهَا فَأَيُّ شَيْءٍ تَنَاوَلَهَا مِنْ الْأَدِلَّةِ وَالْقَوَاعِدِ أُلْحِقَتْ بِهِ مِنْ إيجَابٍ أَوْ تَحْرِيمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَإِنْ نَظَرَ إلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ بِالنَّظَرِ إلَى كَوْنِهَا بِدْعَةً مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا يَتَقَاضَاهَا كُرِهَتْ فَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ فِي الِاتِّبَاعِ، وَالشَّرَّ كُلَّهُ فِي الِابْتِدَاعِ وَلِبَعْضِ السَّلَفِ الصَّالِحِ يُسَمَّى أَبَا الْعَبَّاسِ الْأَبْيَانِيَّ مِنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ ثَلَاثٌ لَوْ كُتِبْنَ فِي ظُفْرٍ لَوَسِعَهُنَّ، وَفِيهِنَّ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اتَّبِعْ، وَلَا تَبْتَدِعْ اتَّضِعْ، وَلَا تَرْتَفِعْ مَنْ تَوَرَّعَ لَا يَتَّسِعُ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَقَاعِدَةِ الْغِيبَةِ الَّتِي لَا تَحْرُمُ) قَالَ تَعَالَى {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12] وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْغِيبَةُ أَنْ تَذْكُرَ فِي الْمَرْءِ مَا يَكْرَهُ إنْ سَمِعَ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا قَالَ إنْ قُلْت: بَاطِلًا فَذَلِكَ الْبُهْتَانُ» فَدَلَّ هَذَا النَّصُّ عَلَى أَنَّ الْغِيبَةَ مَا يَكْرَهُهُ الْإِنْسَانُ إذَا سَمِعَهُ وَأَنَّهُ لَا يُسَمَّى غِيبَةً إلَّا إذَا كَانَ غَائِبًا لِقَوْلِهِ إنْ سَمِعَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِحَاضِرٍ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ مَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ (تَنْبِيهٌ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ اُسْتُثْنِيَ مِنْ الْغِيبَةِ سِتُّ صُوَرٍ (الْأُولَى) النَّصِيحَةُ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ حِينَ شَاوَرَتْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا خَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبُو جَهْمٍ أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ صُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ» فَذَكَرَ عَيْبَيْنِ فِيهِمَا مَا يَكْرَهَانِهِ لَوْ سَمِعَاهُ وَأُبِيحَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ النَّصِيحَةِ وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْقِسْمِ أَنْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَضَرَبَهُ أَرْبَعَمِائَةٍ فَانْتَفَخَ، وَمَاتَ، وَلَمْ يَسْتَعْظِمْ مَالِكٌ ذَلِكَ. اهـ الْمُرَادُ، قَالَ الْأَصْلُ لَنَا وَجْهَانِ. (الْأَوَّلُ) إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ مَعْنَ بْنَ زَائِدَةَ زَوَّرَ كِتَابًا عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَقَشَ خَاتَمًا مِثْلَ نَقْشِ خَاتَمِهِ فَجَلَدَهُ مِائَةً فَشَفَعَ فِيهِ قَوْمٌ فَقَالَ أَذْكَرْتُمُونِي الطَّعْنَ وَكُنْت نَاسِيًا فَجَلَدَهُ مِائَةً أُخْرَى ثُمَّ جَلَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِائَةً أُخْرَى، وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا وَفِي التَّبْصِرَةِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَضَرَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَبِيغًا أَكْثَرَ مِنْ الْحَدِّ أَيْ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَإِلَّا لَوَرَدَ. (الثَّانِي) أَنَّ الْأَصْلَ مُسَاوَاةُ الْعُقُوبَاتِ لِلْجِنَايَاتِ، قَالَ الْأَصْلُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجَاوِزُ بِهِ أَيْ بِالتَّعْزِيرِ أَقَلَّ الْحُدُودِ وَهُوَ أَرْبَعُونَ حَدُّ الْعَبْدِ بَلْ يَنْقُصُ مِنْهُ سَوْطٌ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ وَفِي التَّبْصِرَةِ وَبِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَيْضًا لَا يَبْلُغُ عِشْرِينَ وَفِيهَا أَيْضًا، وَلَمْ يَزِدْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْعُقُوبَاتِ عَلَى الْعَشَرَةِ قَالَ الْأَصْلُ وَاحْتَجُّوا بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَجْلِدُوا فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ فِي غَيْرِ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» . وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ، وَأَغْفَلَهُ الشِّهَابُ وَهُوَ أَصَحُّهَا، وَأَقْوَاهَا: إنَّ لَفْظَ الْحُدُودِ فِي لَفْظِ الشَّرْعِ لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى الزِّنَا وَشِبْهِهِ بَلْ لَفْظُ الْحُدُودِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ مُتَنَاوِلٌ لِكُلِّ مَأْمُورٍ بِهِ، وَمَنْهِيٍّ عَنْهُ فَالتَّعْلِيقُ عَلَى هَذَا مِنْ جُمْلَةِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ حُدُودِ اللَّهِ فِي الْحَدِيثِ جَلْدُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ كَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْبَهَائِمِ فَافْهَمْ. اهـ. وَعِبَارَةُ الْمُعَلِّمِ كَمَا فِي التَّبْصِرَةِ وَتَأَوَّلَ أَصْحَابُنَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي غَيْرِ حَدٍّ إلَخْ أَيْ فِي غَيْرِ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَعَاصِي الْمُقَدَّرِ حُدُودُهَا؛ لِأَنَّ الْمَعَاصِيَ كُلَّهَا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ، وَمِنْهَا أَنَّ الْحَدِيثَ مَقْصُورٌ عَلَى زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَكْفِي الْجَانِيَ مِنْهُ هَذَا الْقَدْرُ كَمَا فِي الْمُعَلِّمِ قَالَ الْأَصْلُ أَيْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى طِبَاعِ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَمَا قَالَ الْحَسَنُ إنَّكُمْ لَتَأْتُونَ أُمُورًا هِيَ فِي أَعْيُنِكُمْ أَدَقُّ مِنْ الشَّعْرِ، وَإِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا مِنْ الْمُوبِقَاتِ فَكَانَ يَكْفِيهِمْ قَلِيلُ التَّعْزِيرِ ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ فِي الْمَعَاصِي حَتَّى زَوَّرُوا خَاتَمَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ عَلَى قَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْفُجُورِ، وَلَمْ يُرِدْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَسْخَ حُكْمٍ بَلْ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ يَنْتَقِلُ لَهُ الِاجْتِهَادُ لِاخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ. (وَمِنْهَا) أَنَّهُ لَا يُوَافِقُ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ إلَّا مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَمَّا الْأَحْنَافُ وَالشَّافِعِيَّةُ فَإِنَّهُمْ يَزِيدُونَ عَلَى الْعَشْرِ فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ خِلَافُ مَذْهَبِهِمْ. (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) مِنْ الْفُرُوقِ أَنَّ الْحُدُودَ وَاجِبَةُ النُّفُوذِ وَالْإِقَامَةِ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّعْزِيرِ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - إنْ كَانَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَجَبَ كَالْحُدُودِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْإِمَامِ أَنَّ غَيْرَ الضَّرْبِ مِنْ الْمَلَامَةِ وَالْكَلَامِ مَصْلَحَةٌ أَيْ وَإِنْ كَانَ لِحَقِّ آدَمِيٍّ لَمْ يَجِبْ وَفِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ فَإِنْ تَجَرَّدَ التَّعْزِيرُ عَنْ حَقِّ آدَمِيٍّ وَانْفَرَدَ بِهِ حَقُّ السَّلْطَنَةِ كَانَ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ مُرَاعَاةُ حُكْمِ الْأَصْلَحِ فِي الْعَفْوِ وَالتَّعْزِيرِ وَلَهُ التَّشْفِيعُ فِيهِ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «اشْفَعُوا إلَيَّ وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا يَشَاءُ» قَالَ فَلَوْ تَعَافَى الْخَصْمَانِ عَنْ الذَّنْبِ قَبْلَ التَّرَافُعِ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ سَقَطَ حَقُّ الْآدَمِيِّ وَفِي حَقِّ السَّلْطَنَةِ وَالتَّقْوِيمِ وَالْأَدَبِ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا عَدَمُ السُّقُوطِ فَلَهُ مُرَاعَاةُ الْأَصْلَحِ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ التَّعْزِيرُ بِإِسْقَاطِ مَا وَجَبَ بِسَبَبِهِ، وَلَوْ نَصَّ عَلَى الْعَفْوِ وَالْإِسْقَاطِ. وَيَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ ضِمْنًا كَمَا إذَا عَفَا مُسْتَحِقُّ الْحَدِّ عَنْ الْحَدِّ قَبْلَ بُلُوغِ الْإِمَامِ إذْ لَيْسَ لِلْإِمَامِ التَّعْزِيرُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لِانْدِرَاجِهِ فِي الْحَدِّ السَّاقِطِ وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ إذْ وُجُوبُ التَّعْزِيرِ الْمُقْتَرِنِ بِالْحَدِّ لِمُجَرَّدِ حَقِّ السَّلْطَنَةِ فَلَا يَنْبَغِي سُقُوطُهُ بِإِسْقَاطِ الْحَدِّ مِنْ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ قَالَ فَلَوْ كَانَ الْخَصْمَانِ الْمُتَرَافِعَانِ وَالِدًا وَوَلَدًا فَلَا حَقَّ لِلْوَلَدِ فِي تَعْزِيرِ وَالِدِهِ نَعَمْ يَخْتَصُّ

تَكُونَ الْحَاجَةُ مَاسَّةً لِذَلِكَ وَأَنْ يَقْتَصِرَ النَّاصِحُ مِنْ الْعُيُوبِ عَلَى مَا يُخِلُّ بِتِلْكَ الْمَصْلَحَةِ خَاصَّةً الَّتِي حَصَلَتْ الْمُشَاوَرَةُ فِيهَا، أَوْ الَّتِي يَعْتَقِدُ النَّاصِحُ أَنَّ الْمَنْصُوحَ شَرَعَ فِيهَا أَوْ هُوَ عَلَى عَزْمِ ذَلِكَ فَيَنْصَحُهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَشِرْهُ فَإِنَّ حِفْظَ مَالِ الْإِنْسَانِ وَعِرْضِهِ وَدَمِهِ عَلَيْك وَاجِبٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِضْ لَك بِذَلِكَ فَالشَّرْطُ الْأَوَّلُ احْتِرَازٌ مِنْ ذِكْرِ عُيُوبِ النَّاسِ مُطْلَقًا لِجَوَازِ أَنْ يَقَعَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُخَالَطَةِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ فَهَذَا حَرَامٌ بَلْ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ مَسِيسِ الْحَاجَةِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأُبِيحَتْ الْغِيبَةُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ قَائِمٌ فِي الْكُلِّ، وَالشَّرْطُ الثَّانِي احْتِرَازٌ مِنْ أَنْ يُسْتَشَارَ فِي أَمْرِ الزَّوَاجِ فَيَذْكُرَ الْعُيُوبَ الْمُخِلَّةَ بِمَصْلَحَةِ الزَّوَاجِ وَالْعُيُوبَ الْمُخِلَّةَ بِالشَّرِكَةِ أَوْ الْمُسَاقَاةِ أَوْ يُسْتَشَارَ فِي السَّفَرِ مَعَهُ فَتُذْكَرَ الْعُيُوبُ الْمُخِلَّةُ بِمَصْلَحَةِ السَّفَرِ، وَالْعُيُوبُ الْمُخِلَّةُ بِالزَّوَاجِ فَالزِّيَادَةُ عَلَى الْعُيُوبِ الْمُخِلَّةِ بِمَا اُسْتُشِرْت فِيهِ حَرَامٌ بَلْ تَقْتَصِرُ عَلَى عَيْنِ مَا عُيِّنَ أَوْ تَعَيَّنَ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ (الثَّانِيَةُ) التَّجْرِيحُ وَالتَّعْدِيلُ فِي الشُّهُودِ عِنْدَ الْحَاكِمِ عِنْدَ تَوَقُّعِ الْحُكْمِ بِقَوْلِ الْمُجَرِّحِ وَلَوْ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ أَمَّا عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ فَيَحْرُمُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ لِذَلِكَ وَالتَّفَكُّهُ بِأَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ حَرَامٌ وَالْأَصْلُ فِيهَا الْعِصْمَةُ، وَكَذَلِكَ رُوَاةُ الْحَدِيثِ يَجُوزُ وَضْعُ الْكُتُبِ فِي جَرْحِ الْمَجْرُوحِ مِنْهُمْ وَالْإِخْبَارُ بِذَلِكَ لِطَلَبَةِ الْعِلْمِ الْحَامِلِينَ لِذَلِكَ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ وَهَذَا الْبَابُ أَوْسَعُ مِنْ أَمْرِ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِحُكَّامٍ بَلْ يَجُوزُ وَضْعُ ذَلِكَ لِمَنْ يَضْبِطْهُ وَيَنْقُلُهُ، وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ عَيْنُ النَّاقِلِ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى ضَبْطِ السُّنَّةِ وَالْأَحَادِيثِ، وَطَالِبُ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَعْزِيرُهُ لِحَقِّ السَّلْطَنَةِ فَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ فِعْلُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَتَعْزِيرُ الْوَلَدِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ حَقَّيْ الْوَالِدِ وَالسَّلْطَنَةِ. اهـ بِلَفْظِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْإِمَامِ إنْ شَاءَ أَقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ أَيْ مُطْلَقًا مُحْتَجًّا بِوَجْهَيْنِ. (الْأَوَّلِ) مَا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعَزِّرْ الْأَنْصَارِيَّ الَّذِي قَالَهُ فِي حَقِّ الزُّبَيْرِ فِي أَمْرِ السَّقْيِ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِك» يَعْنِي فَسَامَحْتَهُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ حَقٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَازَ لَهُ تَرْكُهُ بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النساء: 135] فَإِذَا قَسَطَ فَتَجِبُ إقَامَتُهُ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ كَانَتْ تَصْدُرُ لِجَفَاءِ الْأَعْرَابِ لَا لِقَصْدِ السَّبِّ. (وَالثَّانِي) أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فَلَا يَجِبُ كَضَرْبِ الْأَبِ وَالْمُعَلِّمِ وَالزَّوْجِ وَجَوَابُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُقَدَّرِ قَدْ يَجِبُ كَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَنَصِيبُ الْإِنْسَانِ فِي بَيْتِ الْمَالِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ وَهُوَ وَاجِبٌ. (الْوَجْهِ الثَّالِثِ) مِنْ الْفُرُوقِ أَنَّ الْحُدُودَ، وَإِنْ جَرَتْ عَلَى الْأَصْلِ وَالْقَاعِدَةِ مِنْ اخْتِلَافِ الْعُقُوبَاتِ بِاخْتِلَافِ الْجِنَايَاتِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ حَدَّ الزِّنَا مِائَةً وَحَدَّ الْقَذْفِ ثَمَانِينَ وَحَدَّ السَّرِقَةِ الْقَطْعَ وَحَدَّ الْحِرَابَةِ الْقَتْلَ إلَّا أَنَّهَا جَرَتْ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ فِي مَسَائِلَ. (مِنْهَا) أَنَّ الشَّرْعَ سَوَّى فِي الْحَدِّ بَيْنَ سَرِقَةِ دِينَارٍ وَسَرِقَةِ أَلْفِ دِينَارٍ. (وَمِنْهَا) أَنَّهُ سَوَّى فِي الْحَدِّ بَيْنَ شَارِبِ قَطْرَةٍ مِنْ الْخَمْرِ وَشَارِبِ جَرَّةٍ مَعَ اخْتِلَافِ مَفَاسِدِهَا حَدًّا. (وَمِنْهَا) أَنَّهُ جَعَلَ عُقُوبَةَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ سَوَاءً مَعَ أَنَّ حُرْمَةَ الْحُرِّ أَعْظَمُ لِجَلَالَةِ مِقْدَارِهِ بِدَلِيلِ رَجْمِ الْمُحْصَنِ دُونَ الْبِكْرِ لِعِظَمِ مِقْدَارِهِ مَعَ أَنَّ الْعَبِيدَ إنَّمَا سَاوَتْ الْأَحْرَارَ فِي السَّرِقَةِ وَالْحِرَابَةِ لِتَعَذُّرِ التَّجْزِئَةِ بِخِلَافِ الْجَلْدِ. (وَمِنْهَا) أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْجُرْحِ اللَّطِيفِ السَّارِي لِلنَّفْسِ وَالْعَظِيمِ فِي الْقِصَاصِ مَعَ تَفَاوُتِهِمَا. (وَمِنْهَا) أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ قَتْلِ الرَّجُلِ الْعَالِمِ الصَّالِحِ التَّقِيِّ الشُّجَاعِ الْبَطَلِ مَعَ الْوَضِيعِ. وَأَمَّا التَّعْزِيرُ فَهُوَ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ أَبَدًا فَيَخْتَلِفُ دَائِمًا بِاخْتِلَافِ الْجِنَايَاتِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي التَّبْصِرَةِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِفِعْلٍ مُعَيَّنٍ، وَلَا قَوْلٍ مُعَيَّنٍ وَنَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ بَعْضَ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ فَمَا قَالَ بِبَعْضِهِ أَصْحَابُنَا وَبَعْضُهُ خَارِجُ الْمَذْهَبِ. (فَمِنْهَا) «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَزَّرَ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِالْهَجْرِ فَهُجِرُوا خَمْسِينَ يَوْمًا لَا يُكَلِّمُهُمْ أَحَدٌ» وَقِصَّتُهُمْ مَشْهُورَةٌ فِي الصِّحَاحِ. (وَمِنْهَا) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضَرَبَ صَبِيغًا الَّذِي كَانَ يَسْأَلُ عَنْ الذَّارِيَاتِ وَغَيْرِهَا وَيَأْمُرُ النَّاسَ بِالتَّفَقُّهِ فِي الْمُشْكِلَاتِ مِنْ الْقُرْآنِ ضَرْبًا وَجِيعًا وَنَفَاهُ إلَى الْبَصْرَةِ أَوْ الْكُوفَةِ، وَأَمَرَ بِهَجْرِهِ فَكَانَ لَا يُكَلِّمُهُ أَحَدٌ حَتَّى تَابَ وَكَتَبَ عَامِلُ الْبَلَدِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُخْبِرُهُ بِتَوْبَتِهِ فَأَذِنَ لِلنَّاسِ فِي كَلَامِهِ. (وَمِنْهَا) «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَزَّرَ بِالنَّفْيِ فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَنَفْيِهِمْ» وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ مِنْ بَعْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَمِنْهَا) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَلَقَ رَأْسَ نَصْرِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَنَفَاهُ مِنْ الْمَدِينَةِ لَمَّا تَشَبَّبَ النِّسَاءُ بِهِ فِي الْأَشْعَارِ وَخَشَى الْفِتْنَةَ بِهَا. (وَمِنْهَا) مَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعُرَنِيِّينَ. (وَمِنْهَا) «أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمَرْأَةِ الَّتِي لَعَنَتْ نَاقَتَهَا أَنْ تُخَلِّيَ سَبِيلَهَا» . (وَمِنْهَا) أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اسْتَشَارَ الصَّحَابَةَ فِي رَجُلٍ يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ فَأَشَارُوا بِحَرْقِهِ فِي النَّارِ فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِذَلِكَ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ حَرَقَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي خِلَافَتِهِ ثُمَّ حَرَقَهُمْ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِنَا ذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ. (وَمِنْهَا) أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَرَقَ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ. (وَمِنْهَا) «إبَاحَتُهُ

غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ، وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ فِيهِ خَالِصَةً لِلَّهِ - تَعَالَى - فِي نَصِيحَةِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ حُكَّامِهِمْ، وَفِي ضَبْطِ شَرَائِعِهِمْ أَمَّا مَتَى كَانَ لِأَجْلِ عَدَاوَةٍ أَوْ تَفَكُّهٍ بِالْأَعْرَاضِ وَجَرْيًا مَعَ الْهَوَى فَذَلِكَ حَرَامٌ، وَإِنْ حَصَلَتْ بِهِ الْمَصَالِحُ عِنْدَ الْحُكَّامِ وَالرُّوَاةِ فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ قَدْ تَجُرُّ لِلْمَصْلَحَةِ كَمَنْ قَتَلَ كَافِرًا يَظُنُّهُ مُسْلِمًا فَإِنَّهُ عَاصٍ بِظَنِّهِ، وَإِنْ حَصَلَتْ الْمَصْلَحَةُ بِقَتْلِ الْكَافِرِ، وَكَذَلِكَ مَنْ يُرِيقُ خَمْرًا وَيَظُنُّهُ خَلًّا انْدَفَعَتْ الْمَفْسَدَةُ بِفِعْلِهِ، وَاشْتُرِطَ أَيْضًا فِي هَذَا الْقِسْمِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَوَادِحِ الْمُخِلَّةِ بِالشَّهَادَةِ أَوْ الرِّوَايَةِ فَلَا يَقُولُ هُوَ ابْنُ زِنًا، وَلَا أَبُوهُ لَاعَنَ مِنْهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُؤْلِمَاتِ الَّتِي لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ (الثَّالِثَةُ) الْمُعْلِنُ بِالْفُسُوقِ كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ فَمِثْلُك حُبْلَى قَدْ طَرَقْت وَمُرْضِعٌ فَيَفْتَخِرُ بِالزِّنَا فِي شِعْرِهِ فَلَا يَضُرُّ أَنْ يُحْكَى ذَلِكَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَلَّمُ إذَا سَمِعَهُ بَلْ قَدْ يُسَرُّ بِتِلْكَ الْمَخَازِي فَإِنَّ الْغِيبَةَ إنَّمَا حُرِّمَتْ لِحَقِّ الْمُغْتَابِ وَتَأَلُّمِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَعْلَنَ بِالْمَكْسِ وَتَظَاهَرَ بِطَلَبِهِ مِنْ الْأُمَرَاءِ وَالْمُلُوكِ وَفَعَلَهُ وَنَازَعَ فِيهِ أَبْنَاءَ الدُّنْيَا وَأَبْنَاءَ جِنْسِهِ كَثِيرٌ مِنْ اللُّصُوصِ يَفْتَخِرُ بِالسَّرِقَةِ وَالِاقْتِدَارِ عَلَى التَّسَوُّرِ عَلَى الدُّورِ الْعِظَامِ وَالْحُصُونِ الْكِبَارِ فَذِكْرُ مِثْلِ هَذَا عَنْ هَذِهِ الطَّوَائِفِ لَا يَحْرُمُ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَأَذَّوْنَ بِسَمَاعِهِ بَلْ يُسَرُّونَ (الرَّابِعَةُ) أَرْبَابُ الْبِدَعِ وَالتَّصَانِيفِ الْمُضِلَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يُشْهِرَ النَّاسُ فَسَادَهَا وَعَيْبَهَا وَأَنَّهُمْ عَلَى غَيْرِ الصَّوَابِ لِيَحْذَرَهَا النَّاسُ الضُّعَفَاءُ فَلَا يَقَعُوا فِيهَا، وَيُنَفَّرُ عَنْ تِلْكَ الْمَفَاسِدِ مَا أَمْكَنَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُتَعَدَّى فِيهَا الصِّدْقُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَبَ الَّذِي يَصْطَادُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ لِمَنْ وَجَدَهُ» . (وَمِنْهَا) «أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَسْرِ دِنَانِ الْخَمْر وَشَقِّ ظُرُوفِهَا» . (وَمِنْهَا) «أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِتَحْرِيقِ الثَّوْبَيْنِ الْمُعَصْفَرَيْنِ» . (وَمِنْهَا) «أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ بِكَسْرِ الْقُدُورِ الَّتِي طُبِخَ فِيهَا لَحْمُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ ثُمَّ اسْتَأْذَنُوهُ فِي غَسْلِهَا فَأَذِنَ لَهُمْ» فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ بِالْكَسْرِ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً. (وَمِنْهَا) «هَدْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَسْجِدِ الضِّرَارِ» . (وَمِنْهَا) «أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَحْرِيقِ مَتَاعِ الَّذِي غَلَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ» . (وَمِنْهَا) إضْعَافُ الْغُرْمِ عَلَى سَارِقِ مَا لَا قَطْعَ فِيهِ مِنْ التَّمْرِ وَالْكَسْرِ. (وَمِنْهَا) إضْعَافُ الْغُرْمِ عَلَى كَاتِمِ الضَّالَّةِ. (وَمِنْهَا) أَخْذُهُ شَطْرَ مَالِ مَانِعِ الزَّكَاةِ غَرْمَةً مِنْ غَرَامَاتِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. (وَمِنْهَا) أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَابِسَ خَاتَمِ الذَّهَبِ بِطَرْحِهِ فَطَرَحَهُ فَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ أَحَدٌ. (وَمِنْهَا) «أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَطْعِ نَخِيلِ الْيَهُودِ إغَاظَةً لَهُمْ» . (وَمِنْهَا) تَحْرِيقُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلْمَكَانِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ الْخَمْرُ. (وَمِنْهَا) تَحْرِيقُ عُمَرَ قَصْرَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ لَمَّا احْتَجَبَ فِيهِ عَنْ الرَّعِيَّةِ وَصَارَ يَحْكُمُ فِي دَارِهِ (وَمِنْهَا) مُصَادَرَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عُمَّالَهُ بِأَخْذِ شَطْرِ أَمْوَالِهِمْ فَقَسَمَهَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. (وَمِنْهَا) أَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضَرَبَ الَّذِي زَوَّرَ عَلَى نَقْشِ خَاتَمِهِ، وَأَخَذَ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِائَةً ثُمَّ ضَرَبَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِائَةً ثُمَّ ضَرَبَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِائَةً. (وَمِنْهَا) أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمَّا وَجَدَ مَعَ السَّائِلِ مِنْ الطَّعَامِ فَوْقَ كِفَايَتِهِ وَهُوَ يَسْأَلُ أَخْذَ مَا مَعَهُ، وَأَطْعَمَهُ إبِلَ الصَّدَقَةِ. (وَمِنْهَا) أَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَرَاقَ اللَّبَنَ الْمَغْشُوشَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَكْثُرُ تَعْدَادُهُ، وَهَذِهِ قَضَايَا صَحِيحَةٌ مَعْرُوفَةٌ قَالَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ: وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ شَائِعَةٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَبَعْضُهَا شَائِعٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَمَنْ قَالَ إنَّ الْعُقُوبَةَ الْمَالِيَّةَ مَنْسُوخَةٌ فَقَدْ غَلِطَ عَلَى مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ نَقْلًا وَاسْتِدْلَالًا، وَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ دَعْوَاهُ نَسْخَهَا كَيْفَ وَفِعْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَأَكَابِرِ الصَّحَابَةِ لَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُبْطِلٌ لِدَعْوَى نَسْخِهَا وَالْمُدَّعُونَ لِلنَّسْخِ لَيْسَ مَعَهُمْ كِتَابٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ يُصَحِّحُ دَعْوَاهُمْ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ فَمَذْهَبُ أَصْحَابِهِ عِيَارٌ عَلَى الْقَبُولِ وَالرَّدِّ اهـ. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَالتَّعْزِيرُ بِالْمَالِ قَالَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ، وَلَهُمْ فِيهِ تَفْصِيلٌ ذَكَرْتُ مِنْهُ فِي كِتَابِ الْحِسْبَةِ طَرَفًا فَمِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ اللَّبَنِ الْمَغْشُوشِ أَيُهْرَاقُ؟ . قَالَ لَا، وَلَكِنْ أَرَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ إذَا كَانَ هُوَ الَّذِي غَشَّهُ وَقَالَ فِي الزَّعْفَرَانِ وَالْمِسْكِ الْمَغْشُوشِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا وَخَالَفَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْكَثِيرِ فَقَالَ يُبَاعُ الْمِسْكُ وَالزَّعْفَرَانُ إلَى مَنْ لَا يَغِشُّ بِهِ وَيُتَصَدَّقُ بِالثَّمَنِ أَدَبًا لِلْغَاشِّ. (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَفْتَى ابْنُ الْقَطَّانِ الْأَنْدَلُسِيِّ فِي الْمَلَاحِمِ الرَّدِيئَةِ النَّسْجِ بِأَنْ تُحْرَقَ، وَأَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ بِتَقْطِيعِهَا وَالصَّدَقَةِ بِهَا خِرَقًا. (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا اشْتَرَى عَامِلُ الْقِرَاضِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ عَالِمًا بِأَنَّهُ قَرِيبُهُ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا عَتَقَ الْعَبْدُ وَغَرِمَ الْعَامِلُ ثَمَنَهُ وَحِصَّةَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ إنْ كَانَ فِي الْمَالِ يَوْمَ الشِّرَاءِ رِبْحٌ وَوَلَاؤُهُ لِرَبِّ الْمَالِ وَذَلِكَ لِتَعَدِّيهِ فِيمَا فَعَلَ. (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) مَنْ وَطِئَ أَمَةً لَهُ مِنْ مَحَارِمِهِ مِمَّنْ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ فَإِنَّهُ يُعَاقِبُ وَتُبَاعُ عَلَيْهِ، وَإِخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ كُرْهًا مِنْ الْعُقُوبَةِ بِالْمَالِ. (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) الْفَاسِقُ إذَا آذَى جَارَهُ، وَلَمْ يَنْتَهِ تُبَاعُ عَلَيْهِ الدَّارُ وَهُوَ عُقُوبَةٌ فِي الْمَالِ وَالْبَدَنِ. (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) مَنْ مَثَّلَ بِأَمَتِهِ عَتَقَتْ عَلَيْهِ وَذَلِكَ عُقُوبَةٌ بِالْمَالِ اهـ. (الْوَجْهُ الرَّابِعُ) مِنْ الْفُرُوقِ

وَلَا يُفْتَرَى عَلَى أَهْلِهَا مِنْ الْفُسُوقِ وَالْفَوَاحِشِ مَا لَمْ يَفْعَلُوهُ بَلْ يُقْتَصَرُ عَلَى مَا فِيهِمْ مِنْ الْمُنَفِّرَاتِ خَاصَّةً فَلَا يُقَالُ عَلَى الْمُبْتَدِعِ إنَّهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَلَا أَنَّهُ يَزْنِي وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ، وَهَذَا الْقِسْمُ دَاخِلٌ فِي النَّصِيحَةِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمُشَاوَرَةِ، وَلَا مُقَارَنَةِ الْوُقُوعِ فِي الْمَفْسَدَةِ وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ وَلَمْ يَتْرُكْ شِيعَةً تُعَظِّمُهُ، وَلَا كُتُبًا تُقْرَأُ، وَلَا سَبَبًا يُخْشَى مِنْهُ إفْسَادٌ لِغَيْرِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَرَ بِسِتْرِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَلَا يُذْكَرَ لَهُ عَيْبٌ أَلْبَتَّةَ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اُذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ» فَالْأَصْلُ اتِّبَاعُ هَذَا إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ (الْخَامِسَةُ) إذَا كُنْت أَنْتَ وَالْمُغْتَابَ عِنْدَهُ قَدْ سَبَقَ لَكُمَا الْعِلْمُ بِالْمُغْتَابِ بِهِ فَإِنَّ ذِكْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحُطُّ قَدْرَ الْمُغْتَابِ عِنْدَ الْمُغْتَابِ عِنْدَهُ لِتَقَدُّمِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَا يَعْرَى هَذَا الْقِسْمُ عَنْ نَهْيٍ؛ لِأَنَّكُمَا إذَا تَرَكْتُمَا الْحَدِيثَ فِيهِ رُبَّمَا نَسِيَ فَاسْتَرَاحَ الرَّجُلُ الْمَعِيبُ بِذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ حَالِهِ، وَإِذَا تَعَاهَدْتُمَاهُ أَدَّى ذَلِكَ إلَى عَدَمِ نِسْيَانِهِ (السَّادِسَةُ) الدَّعْوَى عِنْدَ وُلَاةِ الْأُمُورِ فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: إنَّ فُلَانًا أَخَذَ مَالِي وَغَصَبَنِي وَثَلَمَ عِرْضِي إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقَوَادِحِ الْمَكْرُوهَةِ لِضَرُورَةِ دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْك (تَنْبِيهٌ) سَأَلْت جَمَاعَةً مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَالْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ عَمَّنْ يَرْوِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا غِيبَةَ فِي فَاسِقٍ» فَقَالُوا لِي: لَمْ يَصِحَّ، وَلَا يَجُوزُ التَّفَكُّهُ بِعِرْضِ الْفَاسِقِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْغِيبَةِ وَمَا لَا يَحْرُمُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ الْحُدُودَ الْمُقَدَّرَةَ لَمْ تُوجَدْ فِي الشَّرْعِ إلَّا فِي مَعْصِيَةٍ عَمَلًا بِالِاسْتِقْرَاءِ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ فَإِنَّهُ تَأْدِيبٌ يَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ وَقَدْ لَا يَصْحَبُهَا الْعِصْيَانُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ كَتَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ وَالْبَهَائِمِ وَالْمَجَانِينِ اسْتِصْلَاحًا لَهُمْ مَعَ عَدَمِ الْمَعْصِيَةِ، قَالَ الْأَصْلُ: وَمِنْ هُنَا يَبْطُلُ عَلَى الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ فِي الْحَنَفِيِّ إذَا شَرِبَ النَّبِيذَ، وَلَمْ يَسْكَرْ أَحُدُّهُ وَأَقْبَلُ شَهَادَتَهُ أَمَّا حَدُّهُ فَلِلْمَفْسَدَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ التَّوَسُّلِ لِإِفْسَادِ الْعَقْلِ، وَأَمَّا قَبُولُ شَهَادَتِهِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَعْصِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ التَّقْلِيدِ عِنْدَهُ، قَالَ: وَالْعُقُوبَاتُ تَتْبَعُ الْمَفَاسِدَ لَا الْمَعَاصِيَ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ عُقُوبَتِهِ وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ. اهـ. لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي التَّعَاذِيرِ لَا فِي الْحُدُودِ وَيَكُونُ الْحَقُّ فِيهِ قَوْلَ مَالِكٍ أَحُدُّهُ، وَلَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ؛ لِأَنَّ تَقْلِيدَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَبِي حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ لِمُنَافَاتِهَا لِلْقِيَاسِ الْجَلِيِّ عَلَى الْخَمْرِ وَمُخَالَفَةِ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ فَافْهَمْ. (الْوَجْهُ الْخَامِسُ) مِنْ الْفُرُوقِ أَنَّ الْحُدُودَ لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ فَإِنَّهُ قَدْ يَسْقُطُ، وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إذَا كَانَ الْجَانِي مِنْ الصِّبْيَانِ وَالْمُكَلَّفِينَ قَدْ جَنَى جِنَايَةً حَقِيرَةً وَالْعُقُوبَةُ الصَّالِحَةُ لَهَا لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ رَدْعًا وَالْعَظِيمَةُ الَّتِي تُؤَثِّرُ فِيهِ لَا تَصْلُحُ لِهَذِهِ الْجِنَايَةِ سَقَطَ تَأْدِيبُهُ مُطْلَقًا أَمَّا الْعَظِيمَةُ فَلِعَدَمِ مُوجِبِهَا، وَأَمَّا الْحَقِيرَةُ فَلِعَدَمِ تَأْثِيرِهَا. اهـ. قَالَ الْأَصْلُ: وَهُوَ بَحْثٌ حَسَنٌ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَالَفَ فِيهِ. اهـ. وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَبَيَانُ ضَعْفِ قَوْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْجِنَايَةَ الْحَقِيرَةَ تَسْقُطُ عُقُوبَتُهَا، بَلْ بُطْلَانِهِ أَنَّ قَوْلَهُ الْعُقُوبَةُ الصَّالِحَةُ لَهَا لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ رَدْعًا، قَوْلٌ مُتَنَافٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ الْعُقُوبَةِ صَالِحَةً لِلْجِنَايَةِ إلَّا أَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِيهَا الْعَادَةُ الْجَارِيَةُ رَدْعًا فَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تُؤَثِّرُ رَدْعًا فَلَيْسَتْ بِصَالِحَةٍ لَهَا هَذَا أَمْرٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَلَا إشْكَالَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. (الْوَجْهُ السَّادِسُ) مِنْ الْفُرُوقِ أَنَّ التَّعْزِيرَ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ قَالَ الْأَصْلُ: مَا عَلِمْت فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَالْحُدُودُ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا الْحِرَابَةَ وَالْكُفْرَ فَإِنَّهُمَا يَسْقُطُ حَدُّهُمَا بِالتَّوْبَةِ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا} [الأنفال: 38] الْآيَةَ، لَا يُقَالُ قِيَاسُ نَحْوِ الزِّنَا مِنْ بَاقِي الْمَفَاسِدِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَدِّ عَلَى هَذَا الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ بِأَنْ يُقَالَ مَفْسَدَةُ الْكُفْرِ أَعْظَمُ الْمَفَاسِدِ وَالْحِرَابَةُ أَعْظَمُ مَفْسَدَةً مِنْ الزِّنَا فَإِذَا أَثَّرَتْ التَّوْبَةُ فِي سُقُوطِ هَاتَيْنِ الْمَفْسَدَتَيْنِ الْعَظِيمَتَيْنِ فَلَأَنْ تُؤَثِّرَ فِيمَا دُونَهُمَا مِنْ الْمَفَاسِدِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى إذْ الْمُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِ الْأَعْلَى أَوْلَى أَنْ يُؤَثِّرَ فِي سُقُوطِ الْأَدْنَى يُقَوِّي قَوْلُ مَنْ يَقُولُ بِسُقُوطِ الْحُدُودِ بِالتَّوْبَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُقَابِلَ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ لَا يَصِحُّ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْكُفْرِ فَمِنْ وُجُوهٍ. (أَحَدِهَا) أَنَّ سُقُوطَ الْقِتَالِ فِي الْكُفْرِ يُرَغِّبُ فِي الْإِسْلَامِ وَكَوْنُهُ يَبْعَثُ عَلَى الرِّدَّةِ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الرِّدَّةَ قَلِيلَةٌ فَاعْتُبِرَ جِنْسُ الْكُفْرِ وَغَالِبُهُ. وَ (ثَانِيهَا) أَنَّ الْكُفْرَ يَقَعُ لِلشُّبُهَاتِ فَيَكُونُ فِيهِ عُذْرٌ عَادِيٌّ، وَلَا يُؤْثِرُ أَحَدٌ أَنْ يَكْفُرَ لِهَوَاهُ بِخِلَافِ نَحْوِ الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا يَزْنِي أَحَدٌ مَثَلًا إلَّا لِهَوَاهُ فَنَاسَبَ التَّغْلِيظَ. (وَثَالِثِهَا) أَنَّ الْكُفْرَ لَا يَتَكَرَّرُ غَالِبًا وَجِنَايَاتُ الْحُدُودِ تَتَكَرَّرُ غَالِبًا فَلَوْ أَسْقَطْنَاهَا بِالتَّوْبَةِ ذَهَبَتْ مَعَ تَكَرُّرِهَا مَجَّانًا وَتَجَرَّأَ عَلَيْهَا النَّاسُ فِي اتِّبَاعِ أَهْوِيَتِهِمْ أَكْثَرُ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْحِرَابَةِ فَلِأَنَّا لَا نُسْقِطُهَا بِالتَّوْبَةِ إلَّا إذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمَفْسَدَةُ بِالْقَتْلِ أَوْ أَخْذِ الْمَالِ أَمَّا مَتَى قَتَلَ قُتِلَ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْأَوْلِيَاءُ عَنْ الدَّمِ، وَإِذَا أَخَذَ الْمَالَ وَجَبَ الْغُرْمُ وَسَقَطَ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ فِيهِ تَخْيِيرٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ

[الفرق بين قاعدة الغيبة وقاعدة النميمة والهمز واللمز]

[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْغِيبَةِ وَقَاعِدَةِ النَّمِيمَةِ وَالْهَمْزِ وَاللَّمْزِ] (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْغِيبَةِ وَقَاعِدَةِ النَّمِيمَةِ وَالْهَمْزِ وَاللَّمْزِ) أَمَّا الْغِيبَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا وَإِنَّمَا حَرُمَتْ لِمَا فِيهَا مِنْ مَفْسَدَةِ إفْسَادِ الْأَعْرَاضِ، وَالنَّمِيمَةُ أَنْ يَنْقُلَ إلَيْهِ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ يَتَعَرَّضُ لِأَذَاهُ فَحَرُمَتْ لِمَا فِيهَا مِنْ مَفْسَدَةِ إلْقَاءِ الْبِغْضَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهَا النَّصِيحَةُ فَيَقُولُ لَهُ إنْ فُلَانًا يَقْصِدُ قَتْلَك وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْغِيبَةِ وَالْهَمْزُ تَعْيِيبُ الْإِنْسَانِ بِحُضُورِهِ وَاللَّمْزُ هُوَ تَعْيِيبُهُ بِغَيْبَتِهِ فَتَكُونُ هِيَ الْغِيبَةُ وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الزُّهْدِ وَقَاعِدَةِ ذَاتِ الْيَدِ) اعْلَمْ أَنَّ الزُّهْدَ لَيْسَ عَدَمَ الْمَالِ بَلْ عَدَمُ احْتِفَالِ الْقَلْبِ بِالدُّنْيَا وَالْأَمْوَالِ فَإِنْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ فَقَدْ يَكُونُ الزَّاهِدُ مِنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَهُوَ زَاهِدٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَفِلٍ بِمَا فِي يَدِهِ، وَبَذْلُهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ بَذْلِ الْفَلْسِ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الشَّدِيدُ الْفَقْرِ غَيْرَ زَاهِدٍ بَلْ فِي غَايَةِ الْحِرْصِ لِأَجْلِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ قَلْبُهُ مِنْ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا، وَالزُّهْدُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَاجِبٌ، وَفِي الْوَاجِبَاتِ حَرَامٌ، وَفِي الْمَنْدُوبَاتِ مَكْرُوهٌ، وَفِي الْمُبَاحَاتِ مَنْدُوبٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَةً؛ لِأَنَّ الْمَيْلَ إلَيْهَا يُفْضِي لِارْتِكَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ فَتَرْكُهَا مِنْ بَابِ الْوَسَائِلِ الْمَنْدُوبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَمَا قَالَ فِي الْفَرْقِ الْخَامِسِ وَالْخَمْسِينَ وَالْمِائَتَيْنِ صَحِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّهُ مُحَتَّمٌ، وَالْمُحَتَّمُ آكَدُ مِنْ الْمُخَيَّرِ فِيهِ. (الْوَجْهُ السَّابِعُ) مِنْ الْفُرُوقِ أَنَّ التَّخْيِيرَ يَدْخُلُ فِي التَّعَاذِيرِ مُطْلَقًا، وَلَا يَدْخُلُ فِي الْحُدُودِ إلَّا فِي الْحِرَابَةِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ مِنْهَا فَقَطْ وَتِلْكَ الثَّلَاثَةُ. (أَحَدُهَا) مَا فِي قَوْلِ أَقْرَبِ الْمَسَالِكِ وَتَعَيَّنَ قَتْلُهُ إنْ قَتَلَ. (وَثَانِيهَا) مَا فِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ إنْ طَالَ أَمْرُهُ، وَأَخَذَ الْمَالَ، وَلَمْ يُقْتَلْ بِحَدٍّ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يُقْتَلُ، وَلَا يَخْتَارُ الْإِمَامُ فِيهِ غَيْرَ الْقَتْلِ. اهـ (وَثَالِثُهَا) مَا فِي التَّبْصِرَةِ عَنْ الْبَاجِيَّ قَالَ أَشْهَبُ فِي الَّذِي أَخَذَ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ هَذَا الَّذِي قَالَ فِيهِ مَالِكٌ لَوْ أَخَذَ فِيهِ بِأَيْسَرِ ذَلِكَ قَالَ عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُجْلَدَ وَيُنْفَى وَيُحْبَسَ حَيْثُ نُفِيَ إلَيْهِ. اهـ بِلَفْظِهِ. وَالْمُرَادُ بِالتَّخْيِيرِ هَاهُنَا الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ بِمَعْنَى الِانْتِقَالِ مِنْ وَاجِبٍ إلَى وَاجِبٍ بِشَرْطِ الِاجْتِهَادِ الْمُؤَدِّي إلَى مَا يَتَحَتَّمُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ مِمَّا أَدَّتْ إلَيْهِ الْمَصْلَحَةُ لَا التَّخْيِيرُ بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ الْمُطْلَقَةِ إذْ لَا إبَاحَةَ هَاهُنَا أَلْبَتَّةَ، وَلَا التَّخْيِيرُ بِمَعْنَى الِانْتِقَالِ مِنْ وَاجِبٍ إلَى وَاجِبٍ بِهَوَاهُ وَإِرَادَتِهِ كَيْفَ خَطَرَ لَهُ وَلَهُ أَنْ يُعْرِضَ عَمَّا شَاءَ وَيَقْبَلَ مِنْهَا مَا شَاءَ فَإِنَّ هَذَا هَاهُنَا فُسُوقٌ وَخِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَذَلِكَ أَنَّ التَّخْيِيرَ فِي الشَّرِيعَةِ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ. (أَحَدِهِمَا) الْإِبَاحَةُ الْمُطْلَقَةُ كَالتَّخْيِيرِ بَيْنَ أَكْلِ الطَّيِّبَاتِ وَتَرْكِهَا. (وَثَانِيهِمَا) الْوَاجِبُ الْمُطْلَقُ وَتَحْتَهُ نَوْعَانِ. (الْأَوَّلُ) انْتِقَالٌ مِنْ وَاجِبٍ إلَى وَاجِبٍ بِشَرْطِ الِاجْتِهَادِ لِيُؤَدِّيَ إلَى مَا تَعَيَّنَ سَبَبُهُ وَأَدَّتْ الْمَصْلَحَةُ إلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ كَتَصَرُّفَاتِ الْوُلَاةِ فَمَتَى قُلْنَا الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِي صَرْفِ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ فِي أُسَارَى الْعَدُوِّ أَوْ الْمُحَارِبِينَ أَوْ فِي التَّعْزِيرِ كَانَ مَعْنَاهُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ (وَالنَّوْعُ الثَّانِي) انْتِقَالٌ مِنْ وَاجِبٍ إلَى وَاجِبٍ بِهَوَاهُ وَإِرَادَتِهِ كَيْفَ خَطَرَ لَهُ وَلَهُ أَنْ يُعْرِضَ عَمَّا شَاءَ وَيَقْبَلَ مَا شَاءَ مِنْ تِلْكَ الْوَاجِبَاتِ، وَهَذَا نَوْعَانِ أَيْضًا. (الْأَوَّلُ) تَخَيُّرٌ مُتَأَصِّلٌ بِمَعْنَى انْتِقَالٍ مِنْ وَاجِبٍ إلَى وَاجِبٍ بِهَوَاهُ أَصَالَةً لَا عُرُوضًا كَمَا فِي تَخْيِيرِ الْمُكَفِّرِ فِي كَفَّارَةِ الْحِنْثِ بَيْنَ أَنْوَاعِهَا الْوَاجِبَةِ بِهَوَاهُ وَالثَّانِي تَخْيِيرٌ جَرَّ إلَيْهِ الْحُكْمُ بِمَعْنَى انْتِقَالٍ مِنْ وَاجِبٍ إلَى وَاجِبٍ بِهَوَاهُ لَا أَصَالَةً بَلْ عُرُوضًا بِحَسَبِ مَا جَرَّ إلَيْهِ الْحُكْمُ كَمَا فِي تَخْيِيرِ السَّاعِي بَيْنَ أَخْذِ أَرْبَعِ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسِ بَنَاتٍ لَبُونٍ فِي صَدَقَةِ الْإِبِلِ فَإِنَّ الْإِمَامَ هَاهُنَا يَتَخَيَّرُ كَمَا يَتَخَيَّرُ الْمُكَفِّرُ فِي كَفَّارَةِ الْحِنْثِ إلَّا أَنَّ هَذَا تَخْيِيرٌ أَدَّتْ إلَيْهِ الْأَحْكَامُ وَفِي الْحِنْثِ تَخْيِيرٌ مُتَأَصِّلٌ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ التَّخْيِيرَاتِ وَاحْتَفِظْ عَلَيْهَا بِهَذَا التَّفْصِيلِ. (الْوَجْهُ الثَّامِنُ) مِنْ الْفُرُوقِ أَنَّ التَّعْزِيرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ مَعَهُ وَالْجِنَايَةِ فَفِي تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ قَالَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ التَّعْزِيرَ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ بِحَسَبِ الْجِنَايَةِ فِي الْعِظَمِ وَالصِّغَرِ وَبِحَسَبِ الْجَانِي فِي الشَّرِّ وَعَدَمِهِ. اهـ. أَيْ وَبِحَسَبِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي الشَّرَفِ وَعَدَمِهِ وَفِيهَا أَيْضًا بُعْدٌ، أَنَّ التَّعَاذِيرَ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الذُّنُوبِ، وَمَا يُعْلَمُ مِنْ حَالِ الْمُعَاقَبِ مِنْ جَلَدِهِ وَصَبْرِهِ عَلَى يَسِيرِهَا أَوْ ضَعْفِهِ عَنْ ذَلِكَ وَانْزِجَارِهِ إذَا عُوقِبَ بِأَقَلِّهَا. اهـ. وَالْحُدُودُ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ فَاعِلِهَا. (الْوَجْهُ التَّاسِعُ) مِنْ الْفُرُوقِ أَنَّ الْحُدُودَ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ فَرُبَّ تَعْزِيرٍ فِي عَصْرٍ يَكُونُ إكْرَامًا فِي عَصْرٍ آخَرَ وَرُبَّ تَعْزِيرٍ فِي بِلَادٍ يَكُونُ إكْرَامًا فِي بَلَدٍ آخَرَ كَقَلْعِ الطَّيْلَسَانِ بِمِصْرَ تَعْزِيرٌ وَفِي الشَّامِ إكْرَامٌ وَكَكَشْفِ الرَّأْسِ عِنْدَ الْأَنْدَلُسِ لَيْسَ هَوَانًا وَبِالْعِرَاقِ وَمِصْرَ هَوَانٌ. (الْوَجْهُ الْعَاشِرُ) مِنْ الْفُرُوقِ أَنَّ التَّعْزِيرَ يَتَنَوَّعُ إلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى الصِّرْفِ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الصَّحَابَةِ أَوْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ

[الفرق بين قاعدة الإتلاف بالصيال وبين قاعدة الإتلاف بغيره]

(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الزُّهْدِ وَقَاعِدَةِ الْوَرَعِ) فَالزُّهْدُ هَيْئَةٌ فِي الْقَلْبِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَالْوَرَعُ مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ، وَهُوَ تَرْكُ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا مِمَّا بِهِ الْبَأْسُ وَأَصْلُهُ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ سَلِمَ» ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَمِنْهُ الْخُرُوجُ عَنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَإِنْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي فِعْلٍ هَلْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ حَرَامٌ فَالْوَرَعُ التَّرْكُ أَوْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ وَاجِبٌ فَالْوَرَعُ الْفِعْلُ مَعَ اعْتِقَادِ الْوُجُوبِ حَتَّى يُجْزِئَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ أَوْ حَرَامٌ فَالْوَرَعُ التَّرْكُ أَوْ مَكْرُوهٌ أَوْ وَاجِبٌ فَالْوَرَعُ الْفِعْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الزُّهْدِ وَقَاعِدَةِ الْوَرَعِ فَالزُّهْدُ هُوَ هَيْئَةٌ فِي الْقَلْبِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَالْوَرَعُ مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ، وَهُوَ تَرْكُ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا مِمَّا بِهِ بَأْسٌ وَأَصْلُهُ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ) قُلْت: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ (وَمِنْهُ الْخُرُوجُ عَنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَإِنْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي فِعْلٍ هَلْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ حَرَامٌ فَالْوَرَعُ التَّرْكُ أَوْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ وَاجِبٌ فَالْوَرَعُ الْفِعْلُ مَعَ اعْتِقَادِ الْوُجُوبِ حَتَّى يُجْزِئَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ أَوْ حَرَامٌ فَالْوَرَعُ التَّرْكُ أَوْ مَكْرُوهٌ أَوْ وَاجِبٌ فَالْوَرَعُ الْفِعْلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِلَى حَقِّ الْعَبْدِ الصِّرْفِ كَشَتْمِ زَيْدٍ وَنَحْوِهِ، وَالْحُدُودُ لَا يَتَنَوَّعُ مِنْهَا حَدٌّ بَلْ الْكُلُّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا الْقَذْفَ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ قَدْ تَقَدَّمَ أَمَّا أَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَتَارَةً يَكُونُ حَقًّا لِآدَمِيٍّ فَلَا يُوجَدُ أَلْبَتَّةَ، هَذَا تَهْذِيبُ مَا فِي الْأَصْلِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِتْلَافِ بِالصِّيَالِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِتْلَافِ بِغَيْرِهِ] (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِتْلَافِ بِالصِّيَالِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِتْلَافِ بِغَيْرِهِ) . مِنْ نَحْوِ تَرْكِ الْغِذَاءِ وَالشَّرَابِ حَتَّى يَمُوتَ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الضَّمَانِ فِي الصَّائِلِ وَالضَّمَانُ فِي غَيْرِهِ، وَمِنْ حَيْثُ تَرَتُّبُ الْإِثْمِ عَلَى تَرْكِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ حَتَّى يَمُوتَ وَعَدَمُ تَرَتُّبِ الْإِثْمِ عَلَى تَرْكِ الدَّفْعِ لِلصَّائِلِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ مِنْ وُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ اثْنَانِ بِاعْتِبَارِ الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ وَاثْنَانِ بِاعْتِبَارِ تَرَتُّبِ الْإِثْمِ وَعَدَمِ تَرَتُّبِهِ. (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) مِنْ الْفُرُوقِ أَنَّ الضَّمَانَ فِي غَيْرِ الصَّائِلِ لِعَدَمِ الْمُسْقِطِ وَعَدَمَ الضَّمَانِ فِي الصَّائِلِ لِاخْتِصَاصِهِ بِنَوْعٍ مِنْ إسْقَاطِ اعْتِبَارِ إتْلَافِهِ بِسَبَبِ عِدَاهُ وَعِدْوَانِهِ. (الْوَجْهُ الثَّانِي) مِنْ الْفُرُوقِ وَهُوَ أَقْرَبُهَا أَنَّ الضَّمَانَ فِي غَيْرِ الصَّائِلِ لِعَدَمِ تَعَارُضِ مَفْسَدَتَيْنِ عُلْيَا وَدُنْيَا فِيهِ وَعَدَمَ الضَّمَانِ فِي الصَّائِلِ؛ لِأَنَّهُ تَعَارَضَتْ فِيهِ مَفْسَدَةُ أَنْ يَفْعَلَ أَوْ يُمَكِّنَ مِنْ الْقَتْلِ، التَّمْكِينُ مِنْ الْمَفْسَدَةِ أَخَفُّ مَفْسَدَةً مِنْ مُبَاشَرَةِ الْمَفْسَدَةِ نَفْسِهَا وَالْقَاعِدَةُ سُقُوطُ اعْتِبَارِ الْمَفْسَدَةِ الدُّنْيَا بِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ الْعُلْيَا إذَا تَعَارَضَتَا. (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) مِنْ الْفُرُوقِ أَنَّ تَرْكَ الْغِذَاءِ وَالشَّرَابِ سَبَبٌ تَامٌّ فِي الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ إضَافَةِ شَيْءٍ آخَرَ إلَيْهِ وَتَرْكُ دَفْعِ الصَّائِلِ سَبَبٌ فِي الْمَوْتِ نَاقِصٌ لَا يَتِمُّ إلَّا بِإِضَافَةِ فِعْلِ الصَّائِلِ إلَيْهِ فَلِذَا تَرَتَّبَ الْإِثْمُ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فَافْهَمْ. فَإِنْ قُلْتَ: مَا وَجْهُ حُرْمَةِ تَرْكِ الْغِذَاءِ وَعَدَمِ حُرْمَةِ تَرْكِ الدَّوَاءِ؟ قُلْتُ الْوَجْهُ أَنَّ الدَّوَاءَ غَيْرُ مُنْضَبِطِ النَّفْعِ فَإِنَّهُ قَدْ يُفِيدُ وَقَدْ لَا يُفِيدُ وَنَفْعُ الْغِذَاءِ ضَرُورِيٌّ. (الْوَجْهُ الرَّابِعُ) مِنْ الْفُرُوقِ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ نَفْسِهِ طَعَامَهَا وَشَرَابَهَا حَتَّى مَاتَ يُعَدُّ قَاتِلًا لِنَفْسِهِ فَلِذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْإِثْمُ وَالسَّاكِتُ عَنْ دَفْعِ الصَّائِلِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ عَنْ نَفْسِهِ لَا يُعَدُّ قَاتِلًا لِنَفْسِهِ فَلِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ الْإِثْمُ، وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ الدَّافِعَ لِصَائِلٍ إنْسَانًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ عَنْ مَعْصُومٍ مِنْ نَفْسٍ أَوْ بُضْعٍ أَوْ مَالٍ لَا يَقْصِدُ قَتْلَهُ بَلْ الدَّفْعَ خَاصَّةً، وَإِنْ أَدَّى إلَى الْقَتْلِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِالْقَتْلِ فَيَقْصِدُ قَتْلَهُ ابْتِدَاءً لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا إلَى الدَّفْعِ فَمَنْ خَشِيَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَدَفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِالْقَتْلِ فَهُوَ هَدَرٌ عِنْدَنَا لَا يَضْمَنُ حَتَّى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَكَذَلِكَ الْبَهِيمَةُ؛ لِأَنَّهُ نَابَ عَنْ صَاحِبِهَا فِي دَفْعِهَا، نَعَمْ لَوْ قَدَرَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ عَلَى الْهُرُوبِ مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ تَلْحَقُهُ تَعَيَّنَ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ الدَّفْعُ بِالْجُرْحِ وَلِذَا لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ بِالْجُرْحِ ابْتِدَاءً لِمَنْ يَخْشَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنُبْ عَنْ غَيْرِهِ فِي الْقِيَامِ بِذَلِكَ الْإِتْلَافِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْهُرُوبِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ فَلَهُ الدَّفْعُ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ: أَعْظَمُ الْمَدْفُوعِ النَّفْسُ، وَأَمْرُهُ بِيَدِهِ إنْ شَاءَ أَسْلَمَ نَفْسَهُ أَوْ دَفَعَ عَنْهَا وَيَخْتَلِفُ الْحَالُ فَفِي زَمَنِ الْفِتْنَةِ الصَّبْرُ أَوْلَى تَقْلِيلًا لَهَا وَهُوَ يُقْصَدُ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ فِتْنَةٍ عَامَّةٍ فَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنْ عَضَّ الصَّائِلُ يَدَك فَنَزَعْتَهَا مِنْ فِيهِ فَقَلَعْتَ أَسْنَانَهُ ضَمِنْتَ دِيَةَ الْأَسْنَانِ لِأَنَّهَا مِنْ فِعْلِك وَقِيلَ لَا تَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ أَلْجَأَك لِذَلِكَ، وَإِنْ نَظَرَ إلَى حَرَمٍ مِنْ كَوَّةٍ لَمْ يَجُزْ لَك أَنْ تَقْصِدَ عَيْنَهُ أَوْ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا تُدْفَعُ الْمَعْصِيَةُ بِالْمَعْصِيَةِ وَفِيهِ الْقَوَدُ إنْ فَعَلْت وَيَجِبُ تَقَدُّمُ الْإِنْذَارِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ فِيهِ دَفْعٌ. وَمُسْتَنَدُ تَرْكِ الدَّفْعِ عَنْ النَّفْسِ وَجْهَانِ: (الْأَوَّلُ) مَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

حَذَرًا مِنْ الْعِقَابِ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَفِعْلُ الْمَكْرُوهِ لَا يَضُرُّهُ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ مَشْرُوعٌ أَمْ لَا فَالْوَرَعُ الْفِعْلُ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِالْمَشْرُوعِيَّةِ مُثْبِتٌ لِأَمْرٍ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ النَّافِي، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي كَتَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ، وَذَلِكَ كَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْفَاتِحَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَمَالِكٌ يَقُولُ لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ هِيَ مَشْرُوعَةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ فَالْوَرَعُ الْفِعْلُ لِتَيَقُّنِ الْخُلُوصِ مِنْ إثْمِ تَرْكِ الْوَاجِبِ عَلَى مَذْهَبِهِ وَكَالْبَسْمَلَةِ قَالَ مَالِكٌ: هِيَ فِي الصَّلَاةِ مَكْرُوهَةٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هِيَ وَاجِبَةٌ فَالْوَرَعُ الْفِعْلُ لِلْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ تَرْكِ الْوَاجِبِ فَإِنْ اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ وَاجِبٌ فَالْعِقَابُ مُتَوَقَّعٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا وَرَعَ إلَّا أَنْ نَقُولَ إنَّ الْمُحَرَّمَ إذَا عَارَضَهُ الْوَاجِبُ قُدِّمَ عَلَى الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ رِعَايَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــSحَذَرًا مِنْ الْعِقَابِ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ وَفِعْلُ الْمَكْرُوهِ لَا يَضُرُّهُ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ مَشْرُوعٌ أَمْ لَا فَالْوَرَعُ الْفِعْلُ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِالْمَشْرُوعِيَّةِ مُثْبِتٌ لِأَمْرٍ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ النَّافِي وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي كَتَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ وَذَلِكَ كَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْفَاتِحَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَمَالِكٌ يَقُولُ: لَيْسَتْ مَشْرُوعَةً وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ: هِيَ مَشْرُوعَةٌ وَوَاجِبَةٌ، فَالْوَرَعُ الْفِعْلُ لِتَيَقُّنِ الْخُلُوصِ مِنْ إثْمِ تَرْكِ الْوَاجِبِ عَلَى مَذْهَبِهِ وَكَالْبَسْمَلَةِ قَالَ مَالِكٌ هِيَ فِي الصَّلَاةِ مَكْرُوهَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ وَاجِبَةٌ فَالْوَرَعُ الْفِعْلُ لِلْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ تَرْكِ الْوَاجِبِ فَإِنْ اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ وَاجِبٌ فَالْعِقَابُ مُتَوَقَّعٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا وَرَعَ إلَّا أَنَّ الْمُحَرَّمَ إذَا عَارَضَهُ الْوَاجِبُ قُدِّمَ عَلَى الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ رِعَايَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ «كُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ، وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ» . (وَالثَّانِي) قِصَّةُ ابْنَيْ آدَمَ {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ} [المائدة: 27] ثُمَّ قَالَ {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} [المائدة: 29] وَلَمْ يَدْفَعْهُ عَنْ نَفْسِهِ لَمَّا أَرَادَ قَتْلَهُ وَعَلَى ذَلِكَ اعْتَمَدَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْفَحْلَ الصَّائِلَ وَالْمَجْنُونَ وَالصَّغِيرَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُبَاحُ لَهُ الدَّفْعُ وَيَضْمَنُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ آدَمِيًّا بَالِغًا عَاقِلًا. لَنَا وُجُوهٌ، الْأَوَّلُ: الْأَصْلُ عَدَمُ الضَّمَانِ الثَّانِي الْقِيَاسُ عَلَى الْآدَمِيِّ الثَّالِثُ الْقِيَاسُ عَلَى الدَّابَّةِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْأَذَى أَنَّهَا تَقْتُلُ، وَلَا تُضْمَنُ إجْمَاعًا وَلَا يَلْزَمُنَا إذَا غَصَبَهُ فَصَالَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ هُنَالِكَ بِالْغَصْبِ لَا بِالدَّفْعِ، وَإِلَّا إذَا اُضْطُرَّ لَهُ لِجُوعٍ فَأَكَلَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْجُوعَ الْقَاتِلَ فِي نَفْسِ الْجَائِعِ لَا فِي نَفْسِ الصَّائِلِ وَالْقَتْلُ بِالصِّيَالِ مِنْ جِهَةِ الصَّائِلِ، وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ الْأَحْنَافُ مِنْ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ. (فَالْأَوَّلُ) أَنَّ مُدْرَك عَدَمِ الضَّمَانِ إنَّمَا يَكُونُ هُوَ إذْنُ الْمَالِكِ لَا جَوَازُ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي قَتْلِ عَبْدِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ أَكَلَهُ لِمَجَاعَةٍ ضَمِنَهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ الضَّمَانَ يَتَوَقَّفُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْفِعْلِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا صَالَ عَلَى مُحَرَّمٍ لَمْ يَضْمَنْهُ أَوْ صَالَ عَلَى الْعَبْدِ سَيِّدُهُ فَقَتَلَهُ الْعَبْدُ وَالْأَبُ عَلَى ابْنِهِ فَقَتَلَهُ ابْنُهُ لَا يَضْمَنُونَ لِجَوَازِ الْفِعْلِ. (وَالثَّانِي) أَنَّ الْآدَمِيَّ لَهُ قَصْدٌ وَاخْتِيَارٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يُضْمَنْ وَالْبَهِيمَةُ لَا اخْتِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فَطُرِحَ إنْسَانٌ فِيهَا لَمْ يَضْمَنْهُ، وَلَوْ طَرَحَتْ بَهِيمَةٌ نَفْسَهَا فِيهَا ضُمِنَتْ، وَجِنَايَةُ الْعَبْدِ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، وَجِنَايَةُ الْبَهِيمَةِ لَا تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْبَهِيمَةَ لَهَا اخْتِيَارٌ اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ لَوْ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ لَمْ يُؤْكَلْ صَيْدُهُ وَالْبَعِيرُ الشَّارِدُ يَصِيرُ حُكْمُهُ حُكْمَ الصَّيْدِ عَلَى أَصْلِهِمْ، وَإِنْ فَتَحَ قَفَصًا فِيهِ طَائِرٌ فَقَعَدَ الطَّائِرُ سَاعَةً ثُمَّ طَارَ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ طَارَ بِاخْتِيَارِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي الْآدَمِيِّ لَوْ طَرَحَ نَفْسَهُ فِي الْبِئْرِ لَمْ يُضْمَنْ بِخِلَافِ الْبَهِيمَةِ فَيَلْزَمُهُمْ أَنَّهُ لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فَوَقَعَتْ فِيهَا بَهِيمَةٌ لَمْ يَضْمَنْهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَخْتَرْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَخْتَرْهُ. وَأَمَّا تَعَلُّقُ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ فَتَبْطُلُ بِالْعَبْدِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ تَتَعَلَّقُ الْجِنَايَةُ بِرَقَبَتِهِ مَعَ مُسَاوَاتِهِ لِلدَّابَّةِ فِي الضَّمَانِ. (وَالثَّالِثُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» فَلَوْ لَمْ يَضْمَنْ لَمْ يَكُنْ جُبَارًا كَالْآدَمِيِّ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْهَدَرَ يَقْتَضِي عَدَمَ الضَّمَانِ. (مَسْأَلَةٌ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَضَاءِ فِيمَا أَفْسَدَتْهُ الْمَوَاشِي وَالدَّوَابُّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ. (الْقَوْلِ الْأَوَّلِ) لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى أَرْبَابِ الْبَهَائِمِ فِيمَا أَفْسَدَتْهُ إنْ أُرْسِلَتْ بِاللَّيْلِ لِلرَّعْيِ كَمَا لَوْ كَانَ صَاحِبُهَا مَعَهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهَا فَلَمْ يَمْنَعْهَا، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَفْسَدَتْهُ إنْ أُرْسِلَتْ لِذَلِكَ بِالنَّهَارِ كَمَا لَوْ انْفَلَتَتْ فَأَتْلَفَتْ قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ وَالْقَوْلُ بِنَفْيِ الضَّمَانِ فِيمَا أَفْسَدَتْهُ نَهَارًا مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا رَاعٍ لَا يُضَيِّعُ وَلَا يُفَرِّطُ، الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ إلَّا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَغِيبُ أَهْلُهَا عَنْهَا فَإِنْ انْتَفَى قَيْدٌ مِنْهَا فَرَبُّهَا ضَامِنٌ لِمَا أَفْسَدَتْ، وَإِذَا سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْ أَرْبَابِ الْمَوَاشِي فِيمَا رَعَتْهُ نَهَارًا فَضَمَانُ ذَلِكَ عَلَى الرَّاعِي إنْ فَرَّطَ فَإِنْ شَذَّ مِنْهَا شَيْءٌ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلَا ضَمَانَ. اهـ مُلَخَّصًا. (الْقَوْلِ الثَّانِي) لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ كُلَّ دَابَّةٍ مُرْسَلَةٍ فَصَاحِبُهَا لَا يَضْمَنُ مَا أَفْسَدَتْهُ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَتَحْقِيقُ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا أَرْسَلَهَا مَحْفُوظَةً فَأَمَّا إذَا لَمْ يُرْسِلْهَا مَحْفُوظَةً فَيَضْمَنُ وَعُمْدَةُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وُجُوهٌ. (الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 78] الْآيَةَ، وَالنَّفْشُ رَعْيُ اللَّيْلِ وَالْهَمْلُ رَعْيُ النَّهَارِ وَوَجْهُ الدَّلِيلِ أَنَّ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَضَى بِتَسْلِيمِ الْغَنَمِ لِأَرْبَابِ الزَّرْعِ قُبَالَةَ زَرْعِهِمْ وَقَضَى سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِدَفْعِهَا لَهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِدَرِّهَا وَنَسْلِهَا وَخَرَاجِهَا حَتَّى يَخْلُفَ الزَّرْعُ وَيَنْبُتَ زَرْعُ

دَرْءِ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ حُصُولِ الْمَصَالِحِ، وَهُوَ الْأَنْظَرُ فَيُقَدَّمُ الْمُحَرَّمُ هَا هُنَا فَيَكُونُ الْوَرَعُ التَّرْكَ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ أَوْ مَكْرُوهٌ فَلَا وَرَعَ لِتَسَاوِي الْجِهَتَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّمِ وَالْوَاجِبِ وَيُمْكِنُ تَرْجِيحُ الْمَكْرُوهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّمِ وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ تَجْرِي قَاعِدَةُ الْوَرَعِ وَهَذَا مَعَ تَقَارُبِ الْأَدِلَّةِ أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الْمَذْهَبَيْنِ ضَعِيفَ الدَّلِيلِ جِدًّا بِحَيْثُ لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ لَنَقَضْنَاهُ لَمْ يَحْسُنْ الْوَرَعُ فِي مِثْلِهِ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ إذَا كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ تَقْرِيرُهُ شَرِيعَةً ـــــــــــــــــــــــــــــSدَرْءِ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ حُصُولِ الْمَصَالِحِ، وَهُوَ الْأَنْظَرُ فَيُقَدَّمُ الْمُحَرَّمُ هَا هُنَا فَيَكُونُ الْوَرَعُ التَّرْكَ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ أَوْ مَكْرُوهٌ فَلَا وَرَعَ لِتَسَاوِي الْجِهَتَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّمِ وَالْوَاجِبِ يُمْكِنُ تَرْجِيحُ الْمَكْرُوهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّمِ، وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ تَجْرِي قَاعِدَةُ الْوَرَعِ، وَهَذَا مَعَ تَقَارُبِ الْأَدِلَّةِ أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الْمَذْهَبَيْنِ ضَعِيفَ الدَّلِيلِ جِدًّا بِحَيْثُ لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ لَنَقَضْنَاهُ لَمْ يَحْسُنْ الْوَرَعُ فِي مِثْلِهِ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ إذَا كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ تَقْرِيرُهُ شَرِيعَةً) قُلْت: لَا يَصِحُّ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ الْخِلَافِ يَكُونُ وَرَعًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَرَعَ فِي ذَلِكَ لِتَوَقُّعِ الْعِقَابِ وَأَيُّ عِقَابٍ يُتَوَقَّعُ فِي ذَلِكَ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِتَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِتَصْوِيبِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ دُونَ غَيْرِهِ فَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى عَدَمِ تَأْثِيمِ الْمُخْطِئِ وَعَدَمِ تَعْيِينِهِ فَلَا يَصِحُّ دُخُولُ الْوَرَعِ فِي خِلَافِ الْعُلَمَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَأَمَّا الدَّلِيلُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآخَرِ قَالَ حَفِيدُ ابْنِ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّا مُخَاطَبُونَ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا. اهـ. (الثَّانِي) أَنَّهُ فَرَّطَ فَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا. (الثَّالِثُ) الْمُرْسَلُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ «نَاقَةً لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ دَخَلَتْ حَائِطَ قَوْمٍ فَأَفْسَدَتْ فِيهِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ بِالنَّهَارِ حِفْظَهَا، وَأَنَّ مَا أَفْسَدَتْهُ الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ ضَامِنٌ عَلَى أَهْلِهَا» أَيْ مَضْمُونٌ وَجْهُهُ أَنَّهُ بِالنَّهَارِ يُمْكِنُ التَّحَفُّظُ دُونَ اللَّيْلِ. (الرَّابِعُ) أَنَّكُمْ قَدْ اعْتَبَرْتُمْ ذَلِكَ فِي قَوْلِكُمْ إنْ رَمَتْ الدَّابَّةُ حَصَاةً كَبِيرَةً أَصَابَتْ إنْسَانًا ضَمِنَ الرَّاكِبُ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَفُّظُ مِنْهَا وَالتَّحَفُّظُ مِنْ الْكَبِيرِ بِالتَّنْكِيبِ عَنْهُ وَقُلْتُمْ يَضْمَنُ مَا نَفَحَتْ بِيَدِهَا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ رَدُّهَا بِلِجَامِهَا، وَلَا يَضْمَنُ مَا أَفْسَدَتْ بِرِجْلِهَا وَذَنَبِهَا. وَعُمْدَةُ أَبِي حَنِيفَةَ وُجُوهٌ. (الْأَوَّلُ) قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» وَجَوَابُهُ أَنَّ الْجُرْحَ عِنْدَنَا جُبَارٌ إنَّمَا النِّزَاعُ فِي غَيْرِ الْجُرْحِ وَاتَّفَقْنَا عَلَى تَضْمِينِ السَّائِقِ وَالرَّاكِبِ وَالْقَائِدِ. (الثَّانِي) الْقِيَاسُ عَلَى النَّهَارِ، وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ الْفَرْقِ بِالْحِرَاسَةِ بِالنَّهَارِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ حَفِظَ مَالَهُ فَأَتْلَفَهُ إنْسَانٌ أَوْ أَهْمَلَهُ فَأَتْلَفَهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى النَّهَارِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ بُطْلَانَ الْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ بِالْحِرَاسَةِ بِالنَّهَارِ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الْمَالِ هَاهُنَا كَمَنْ تَرَكَ غُلَامَهُ يَصُولُ فَيَقْتُلُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ الْمَالِكِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمُوهُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ. (الثَّالِثُ) الْقِيَاسُ عَلَى جِنَايَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ، وَمَالِهِ وَجِنَايَةُ مَالِهِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتُهُ عَلَى مَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَيْهِ وَعَكْسُهُ جِنَايَةُ صَاحِبِ الْبَهِيمَةِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ قِيَاسٌ مُخَالِفٌ لِلْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ بِاللَّيْلِ مُفَرِّطٌ وَبِالنَّهَارِ لَيْسَ بِمُفَرِّطٍ عَلَى أَنَّ تِلْكَ النُّقُوضَ لَا يُمْكِنُ فِيهَا التَّضْمِينُ؛ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ وَهَاهُنَا أَمْكَنَ التَّضْمِينُ. (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) لِلَّيْثِ أَنَّ كُلَّ دَابَّةٍ مُرْسَلَةٍ فَصَاحِبُهَا ضَامِنٌ وَعُمْدَتُهُ أَنَّهُ تَعَدٍّ مِنْ الْمُرْسِلِ، وَالْأُصُولُ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمُتَعَدِّي الضَّمَانَ وَجَوَابُهُ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِهِ تَعَدِّيًا مِنْ الْمُرْسِلِ إذَا لَمْ يَتَسَبَّبْ الْمَالِكُ فِي الْإِتْلَافِ، وَإِلَّا فَالتَّعَدِّي مِنْ الْمَالِكِ لَا مِنْ الْمُرْسِلِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ فَافْهَمْ. (الْقَوْلُ الرَّابِعُ) وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وُجُوبُ الضَّمَانِ فِي غَيْرِ الْمُنْفَلِتِ، وَلَا ضَمَانَ فِي الْمُنْفَلِتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ قَالَ فِي الْبِدَايَةِ فَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي هَذَا الْبَابِ مُعَارَضَةُ الْأَصْلِ لِلسَّمْعِ وَمُعَارَضَةُ السَّمَاعِ بَعْضُهُ لِبَعْضٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ يُعَارِضُ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» وَيُعَارِضُ أَيْضًا التَّفْرِقَةَ الَّتِي فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَكَذَلِكَ التَّفْرِقَةُ الَّتِي فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ تُعَارِضُ أَيْضًا قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جُرْحُ إلَخْ. اهـ. فَافْهَمْ. (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) أَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79] وَإِنْ اقْتَضَى ظَاهِرُهُ أَنَّ حُكْمَ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ أَقْرَبَ لِلصَّوَابِ مِنْ حُكْمِ دَاوُد وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقْتَضِيهِ أُصُولُ شَرِيعَتِنَا مِنْ أَنَّ حُكْمَ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إيجَابٌ لِقِيمَةٍ مُؤَجَّلَةٍ، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ صَاحِبَ الْحَرْثِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقِيَمِ الْحُلُولُ إذَا وَجَبَتْ فِي الْإِتْلَافَاتِ؛ وَلِأَنَّهُ إحَالَةٌ عَلَى أَعْيَانٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَمَا لَا يُبَاعُ لَا يُعَارَضُ بِهِ فِي الْقِيَمِ فَلِذَا لَوْ وَقَعَ حُكْمُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي شَرْعِنَا مِنْ بَعْضِ الْقُضَاةِ مَا أَمْضَيْنَاهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَعَ حُكْمُ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي شَرْعِنَا فَإِنَّنَا نُمْضِيهِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الزَّرْعِ يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ فِيهَا غَنَمٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا مُفْلِسٌ مَثَلًا أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ تَكُونَ شَرِيعَتُنَا أَتَمَّ فِي الْمَصَالِحِ، وَأَكْمَلَ الشَّرَائِعِ أَوْ يَكُونَ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهِمَ دُونَ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْآيَةِ إلَّا أَنَّا إذَا قُلْنَا أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَصَالِحِ

[الفرق بين قاعدة ما خرج عن المساواة والمماثلة في القصاص وبين قاعدة ما بقي على المساواة]

الدَّالُّ عَلَى دُخُولِ الْوَرَعِ فِي ذَلِكَ هَذَا أَمْرٌ لَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا غَيْرَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ تَوَقُّعِ الْإِثْمِ وَالْعِقَابِ، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ بِالدَّلِيلِ الْإِجْمَاعِيِّ الْقَطْعِيِّ، وَكَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» فَأَطْلَقَ الْقَوْلَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ، وَلَا تَفْصِيلٍ، وَلَا تَنْبِيهٍ عَلَى وَجْهِ الْوَرَعِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ لَمْ يُحْفَظْ التَّنْبِيهُ فِي ذَلِكَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا غَيْرِهِمْ مِنْ السَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِ ثُمَّ الْخُرُوجُ عَنْ الْخِلَافِ لَا يَتَأَتَّى فِي مِثْلِ مَا مُثِّلَ بِهِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْخِلَافِ بِالتَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ فِي الْفِعْلِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ وَالِانْكِفَافِ عَنْهُ فَإِنْ أَقْدَمَ عَلَيْهِ الْمُكَلَّفُ فَقَدْ وَافَقَ مَذْهَبَ الْمُحَلِّلِ وَإِنْ انْكَفَّ عَنْهُ فَقَدْ وَافَقَ مَذْهَبَ الْمُحَرِّمِ فَأَيْنَ الْخُرُوجُ عَنْ الْخِلَافِ إنَّمَا ذَلِكَ عَمَلٌ عَلَى وَفْقِ أَحَدِ الْمَذْهَبَيْنِ لَا خُرُوجٌ عَنْ الْمَذْهَبَيْنِ، وَمِثَالُهُ أَكْلُ لُحُومِ الْخَيْلِ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَمْنُوعٌ أَوْ مَكْرُوهٌ عِنْدَ مَالِكٍ فَإِنْ أَقْدَمَ عَلَى الْأَكْلِ، فَذَلِكَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَإِنْ انْكَفَّ فَذَلِكَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَمَا قَالَهُ فِيمَا إذَا اخْتَلَفُوا فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَعَدَمِهَا مِنْ أَنَّ الْقَائِلَ بِهَا مُثْبِتٌ لِأَمْرٍ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ النَّافِي، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ كَتَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِنَّهُ إنْ عَنَى بِتَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ كَمَا إذَا قَالَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ لِزَيْدٍ عِنْدَ عَمْرٍو دِينَارٌ، وَقَالَتْ الْأُخْرَى: لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلَا تَعَارُضَ؛ لِأَنَّ النَّافِيَةَ مَعْنَى نَفْيِهَا أَنَّهَا لَا تَعْلَمُ أَنَّ لَهُ عِنْدَهُ شَيْئًا أَوْ لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلَا تَعَارُضَ، وَلَيْسَ مَعْنَى نَفْيِهَا أَنَّهَا تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَإِنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ يَتَعَذَّرُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْأَزْمِنَةِ كَمَا اقْتَضَى اعْتِبَارُهُ حُسْنَ النَّسْخِ كَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ هَاهُنَا فَيَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَتَمَّ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الزَّمَانِ بِأَنْ تَكُونَ مَصْلَحَةُ زَمَانِهِمْ كَانَتْ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَخْرُجَ عَيْنُ مَالِ الْإِنْسَانِ مِنْ يَدِهِ إمَّا لِقِلَّةِ الْأَعْيَانِ، وَإِمَّا لِعَدَمِ ضَرَرِ الْحَاجَةِ أَوْ لِعَدَمِ الزَّكَاةِ لِلْفُقَرَاءِ بِأَنْ تُقَدَّمَ لِلنَّارِ الَّتِي تَأْكُلُ الْقُرْبَانِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَتَكُونُ الْمَصْلَحَةُ الْأُخْرَى بِاعْتِبَارِ زَمَانِنَا أَتَمَّ فَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِتَغَيُّرِ الْمَصْلَحَةِ. (التَّنْبِيهُ الثَّانِي) الْمُرَادُ بِالشَّهَادَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: 78] الْعِلْمُ لَا بِمَعْنَى الْمُكَافَأَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} [النور: 64] {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا} [النور: 63] وَنَحْوَهُ؛ لِأَنَّ السِّيَاقَ لَيْسَ سِيَاقَ تَهْدِيدٍ أَوْ تَرْغِيبٍ حَتَّى يَكُونَ الْمُرَادُ ذَلِكَ بَلْ بِمَعْنَاهُ وَفَائِدَةُ ذِكْرِهِ لَا التَّمَدُّحُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَتَمَدَّحُ بِالْعِلْمِ الْجُزْئِيِّ بَلْ الْفَائِدَةُ التَّمَدُّحُ بِأَحْكَامِ التَّصَرُّفِ فِي مُلْكِهِ وَضَبْطِهِ وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَصَ إنَّمَا وَرَدَتْ لِتَقْرِيرِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي صَدْرِ السُّورَةِ حِكَايَةً عَنْ الْكُفَّارِ {هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [الأنبياء: 3] فَبَسَطَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْقِصَصِ لِيُبَيِّنَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ لَيْسَ بِدُعَاءٍ مِنْ الرُّسُلِ وَأَنَّهُ يُفَضِّلُ مَنْ شَاءَ مِنْ الْبَشَرِ وَغَيْرِهِ، وَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ حُكْمِهِ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ غَفْلَةً بَلْ عَنْ عِلْمٍ وَكَذَلِكَ فَهْمُ سُلَيْمَانَ دُونَ دَاوُد - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ غَفْلَةً بَلْ نَحْنُ عَالِمُونَ فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى ضَبْطِ التَّصَرُّفِ وَإِحْكَامِهِ فَكَمَا أَنَّ الْمَلِكَ الْعَظِيمَ إذَا قَالَ عَرَضْتُ عَنْ زَيْدٍ، وَأَنَا أَعْلَمُ بِحُضُورِهِ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُ التَّمَدُّحَ بِأَعْلَمُ بَلْ بِإِحْكَامِ التَّصَرُّفِ فِي مُلْكِهِ كَذَلِكَ هَهُنَا، هَذَا تَهْذِيبُ مَا فِي الْأَصْلِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الْبِدَايَةِ وَالتَّبْصِرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا خَرَجَ عَنْ الْمُسَاوَاةِ وَالْمُمَاثَلَةِ فِي الْقِصَاصِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا بَقِيَ عَلَى الْمُسَاوَاةِ] [الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ] (الْفَرْقُ الْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا خَرَجَ عَنْ الْمُسَاوَاةِ وَالْمُمَاثَلَةِ فِي الْقِصَاصِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا بَقِيَ عَلَى الْمُسَاوَاةِ) وَهُوَ أَنَّ مَا خَرَجَ الْقِصَاصُ عَنْ الْمُسَاوَاةِ وَالْمُمَاثَلَةِ فِيهِ هُوَ مَا يُؤَدِّي اشْتِرَاطُ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ إلَى تَعْطِيلِ الْقِصَاصِ قَطْعًا أَوْ غَالِبًا، وَلَهُ مُثُلٌ أَحَدُهَا أَجْزَاءُ الْأَعْضَاءِ وَسُمْكُ اللَّحْمِ فِي الْجَانِي إذْ لَوْ اُشْتُرِطَ التَّسَاوِي فِيهَا لَمَا حَصَلَ الْقِصَاصُ إلَّا نَادِرًا وَثَانِيهَا مَنَافِعُ الْأَعْضَاءِ وَثَالِثُهَا الْعُقُولُ وَرَابِعُهَا قُلْتُ إذْ لَوْ اُشْتُرِطَ التَّسَاوِي فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَمَا حَصَلَ الْقِصَاصُ أَصْلًا أَوْ لَمَا حَصَلَ إلَّا نَادِرًا وَخَامِسُهَا قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ وَقَطْعُ الْأَيْدِي بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ إذْ لَوْ اُشْتُرِطَتْ الْوَاحِدَةُ لِتَسَاوِي الْأَعْدَاءُ بِبَعْضِهِمْ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ وَسَادِسُهَا الْحَيَاةُ الْيَسِيرَةُ كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ مَعَ الشَّابِّ، وَمَنْفُوذُ الْمَقَاتِلِ عَلَى الْخِلَافِ وَسَابِعُهَا تَفَاوُتُ الصَّنَائِعِ وَالْمَهَارَةِ فِيهَا. قُلْتُ إذْ لَوْ اُشْتُرِطَ التَّسَاوِي فِي هَذَيْنِ لَمَا حَصَلَ الْقِصَاصُ أَصْلًا أَوْ لَمَا حَصَلَ إلَّا نَادِرًا، وَمَا بَقِيَ الْقِصَاصُ فِيهِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَالْمُمَاثَلَةِ هُوَ مَا لَا يُؤَدِّي اشْتِرَاطُ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ إلَى ذَلِكَ كَالْجِرَاحَاتِ فِي الْجَسَدِ فَيَجْرِي عَلَى الْأَصْلِ فِي الْقِصَاصِ فَإِنَّ أَصْلَهُ مِنْ الْقَصِّ الَّذِي هُوَ الْمُسَاوَاةُ؛ لِأَنَّ مَنْ قَصَّ شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ بَقِيَ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَمِنْ ثَمَّ قَالَ السَّيِّدُ الْجُرْجَانِيُّ فِي تَعْرِيفَاتِهِ الْقِصَاصُ هُوَ أَنْ يَفْعَلَ بِالْفَاعِلِ مِثْلَ مَا فَعَلَ اهـ. وَهَاهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) فِي قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَتْلُهُمْ بِهِ إذَا قَتَلُوهُ عَمْدًا أَوْ تَعَاوَنُوا عَلَى قَتْلِهِ بِالْحِرَابَةِ وَغَيْرِهَا حَتَّى يُقْتَلَ النَّاظُورُ. وَعُمْدَتُهُمْ أُمُورٌ: الْأَوَّلُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى قَتْلِ عُمَرَ سَبْعَةً مِنْ أَهْلِ صَنْعَاءَ بِرَجُلٍ وَاحِدٍ وَقَالَ لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ بِهِ وَقَتَلَ عَلِيٌّ ثَلَاثَةً، وَهُوَ كَثِيرٌ، وَلَمْ يُعْرَفْ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الثَّانِي أَنَّهَا عُقُوبَةٌ تَجِبُ لِلْوَاحِدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ كَمَا تَجِبُ لَهُ عَلَى الْوَاحِدِ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَتُفَارِقُ الدِّيَةَ فَإِنَّهَا تَتَبَعَّضُ دُونَ الْقِصَاصِ

[المسألة الثانية لا يقتل مسلم بذمي]

وَهَا هُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ دُخُولَ الْوَرَعِ فِي مَسْحِ الشَّافِعِيِّ مَثَلًا جَمِيعَ رَأْسِهِ قَالُوا: لِأَنَّهُ إنْ اعْتَقَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــSالْعِلْمُ بِهِ عَادَةً، وَإِنْ عَنَى كَمَا إذَا قَالَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ رَأَيْنَاهُ يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْ عَامِ سَبْعِمِائَةٍ بِمَكَّةَ، وَقَالَتْ الْأُخْرَى: رَأَيْنَاهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِعَيْنِهِ بِالْمَدِينَةِ فَهَذَا تَعَارُضٌ، وَلَا يَصِحُّ تَقْدِيمُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى إلَّا بِالتَّرْجِيحِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ الَّتِي تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الْمُجْتَهِدِينَ لَا الصُّورَةُ الْأُولَى فَإِذَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي مِثْلِ هَذَا الِاجْتِهَادِ ثَبَتَ الْخِلَافُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمٍ لِأَحَدِ الْمَذْهَبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ إلَّا عِنْدَ مَنْ رَجَحَ عِنْدَهُ كَالْمُجْتَهَدِينَ، وَكُلُّ مَنْ رَجَحَ عِنْدَهُ ذَلِكَ الْمَذْهَبُ لَا يَسُوغُ لَهُ تَرْكُهُ، وَكُلُّ مَنْ رَجَحَ عِنْدَهُ الْمَذْهَبُ الْآخَرُ لَا يَسُوغُ لَهُ تَرْكُهُ فَلَا وَرَعَ بِاعْتِبَارِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَلَا بُدَّ لِمَنْ حُكْمُهُ التَّقْلِيدُ أَنْ يَعْمَلَ بِالتَّقْلِيدِ، فَإِذَا قَلَّدَ أَحَدَ الْمُجْتَهِدِينَ لَا يَتَمَكَّنُ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَفِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ أَنْ يُقَلِّدَ الْآخَرَ، وَلَا أَنْ يَنْظُرَ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ، وَالْمُكَلَّفُونَ كُلُّهُمْ دَائِرُونَ بَيْنَ الِاجْتِهَادِ وَالتَّقْلِيدِ، وَالْمُجْتَهِدُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْأَخْذِ بِغَيْرِ مَا اقْتَضَاهُ نَظَرُهُ فَلَا يَصِحُّ الْوَرَعُ الَّذِي يَقْتَضِي خِلَافَ مَذْهَبِ مُقَلِّدِهِ فِي حَقِّهِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْوَرَعِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِينَ، وَلَا فِي حَقِّ الْمُقَلِّدِينَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا ثَالِثَ يَصِحُّ ذَلِكَ الْوَرَعُ فِي حَقِّهِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. قَالَ (وَهَا هُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ دُخُولَ الْوَرَعِ فِي مَسْحِ الشَّافِعِيِّ مَثَلًا جَمِيعَ رَأْسِهِ قَالُوا: لِأَنَّهُ إنْ اعْتَقَدَ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالثَّالِثُ أَنَّ الشَّرِكَةَ لَوْ أَسْقَطَتْ الْقِصَاصَ كَانَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً لِلْقَتْلِ، الْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ مَشْهُورُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَتْلُهُمْ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَفِي الْإِقْنَاعِ وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ إذَا كَانَ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَالِحًا لِلْقَتْلِ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا، مَا لَمْ يَتَوَاطَئُوا عَلَى ذَلِكَ أَيْ الْفِعْلِ لِيَقْتُلُوهُ بِهِ فَعَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَرِيعَةً إلَى دَرْءِ الْقِصَاصِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُشْرَعْ فِي الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ لَبَطَلَتْ حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهِ الَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] بِزِيَادَةٍ مِنْ كَشَّافِ قِنَاعِهِ. الْقَوْلُ الثَّالِثُ لِأَحْمَدَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّ عَلَيْهِمْ الدِّيَةَ، الْقَوْلُ الرَّابِعُ لِلزُّهْرِيِّ وَجَمَاعَةٍ يُقْتَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَعَلَى الْبَاقِي حِصَصُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُكَافِئٌ لَهُ فَلَا يَسْتَوِي إبْدَالٌ فِي مُبْدَلٍ مِنْهُ وَاحِدٍ كَمَا لَا تَجِبُ دِيَاتٌ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة: 178] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَلِأَنَّ تَفَاوُتَ الْأَوْصَافِ يَمْنَعُ كَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ فَالْعَدَدُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي قَتْلِ مُسْلِمٍ بِذِمِّيٍّ قَوْلَانِ لِلْأَئِمَّةِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - لَا يُقْتَلُ بِهِ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» الْقَوْلُ الثَّانِي لِأَبِي حَنِيفَةَ يُقْتَلُ بِهِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33] وَهَذَا قُتِلَ مَظْلُومًا فَيَكُونُ لِوَلِيِّهِ سُلْطَانٌ وَعُمُومُ قَوْله تَعَالَى {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَكَذَا سَائِرُ الْعُمُومَاتِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا خَاصٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْعُمُومَاتِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ قَتْلِ الْمُمْسِكِ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِي قَتْلِ مُمْسِكِ الْمَقْتُولِ لِلْقَاتِلِ مَعَ الْقَاتِلِ أَوْ لَا بَلْ الْقَاتِلُ وَحْدَهُ قَوْلَانِ لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ الْأَوَّلُ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِلْعُمُومَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلِقَوْلِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ وَلِلْقِيَاسِ عَلَى الْمُمْسِكِ لِلصَّيْدِ الْمُحَرَّمِ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ وَعَلَى الْمُكْرَهِ قُلْتُ وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَفِي الْإِقْنَاعِ وَكَشَّافِ قِنَاعِهِ، وَإِنْ أَكْرَهَ مُكَلَّفٌ مُكَلَّفًا عَلَى قَتْلِ مُعَيَّنٍ فَقَتَلَهُ فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ تَسَبَّبَ إلَى قَتْلِهِ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا وَفِيهِمَا أَيْضًا، وَإِنْ أَكْرَهَ سَعْدٌ زَيْدًا عَلَى أَنْ يُكْرِهَ عَمْرًا عَلَى قَتْلِ بَكْرٍ فَقَتَلَهُ قُتِلَ الثَّلَاثَةُ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَمَعْنَاهُ فِي الْمُنْتَهَى الْمُبَاشِرُ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَتْلَ ظُلْمًا وَالْآخَرَانِ لِتَسَبُّبِهِمَا إلَى الْقَتْلِ لِمَا يُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا. اهـ الْمُرَادُ فَافْهَمْ. وَالثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا تَهْذِيبُ مَا فِي الْأَصْلِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعَيْنِ وَقَاعِدَةِ كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْ الْجَسَدِ فِيهِمَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ] (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعَيْنَيْنِ وَقَاعِدَةِ كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْ الْجَسَدِ كَالْأُذُنَيْنِ وَنَحْوِهِمَا) مِنْ حَيْثُ إنَّ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الدِّيَةَ كَامِلَةً عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَإِنْ أَخَذَ فِي الْأُولَى نِصْفَ الدِّيَةِ، وَأَمَّا إذَا أَذْهَبَ رَجِلٌ بِضَرْبَةٍ سَمْعَ الْأُذُنِ الْأُخْرَى مِمَّنْ لَمْ يَسْمَعْ بِأَحَدِ أُذُنَيْهِ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَيْنِ الْأَعْوَرِ وَنَحْوِ أُذُنِ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ بِأَحَدِ أُذُنَيْهِ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ. لَنَا أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَابْنَ عُمَرَ قَضَوْا بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُخَالِفٍ فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْعَيْنَ الذَّاهِبَةَ يَرْجِعُ ضَوْءُهَا لِلْبَاقِيَةِ لِأَنَّ مَجْرَاهُمَا فِي النُّورِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْإِبْصَارُ وَاحِدٌ كَمَا شَهِدَ بِهِ عِلْمُ التَّشْرِيحِ؛ وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الصَّحِيحَ إذَا غَمَّضَ إحْدَى عَيْنَيْهِ اتَّسَعَ ثُقْبُ الْأُخْرَى بِسَبَبِ مَا انْدَفَعَ لَهَا مِنْ الْأُخْرَى وَقَوِيَ إبْصَارُهَا، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي إحْدَى الْأُذُنَيْنِ إذَا سُدَّتْ الْأُخْرَى أَوْ إحْدَى الْيَدَيْنِ إذَا ذَهَبَتْ الْأُخْرَى أَوْ قُطِعَتْ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ إلَّا الْعَيْنَ لِمَا تَقَدَّرَ مِنْ اتِّحَادِ الْمَجْرَى فَكَانَتْ الْعَيْنُ الْبَاقِيَةُ فِي مَعْنَى الْعَيْنَيْنِ فَوَجَبَ

[الفرق بين قاعدة أسباب التوارث وأجزاء أسبابها العامة والخاصة]

الْوُجُوبَ فَقَدْ تَرَكَ النَّدْبَ فَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ، بَلْ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ فَقَطْ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ الْوُجُوبَ لَمْ يُجْزِهِ الْمَسْحُ إلَّا بِنِيَّةِ النَّدْبِ فَمَا حَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْمَالِكِيُّ إذَا بَسْمَلَ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ يُورِدُونَ فِيهِ هَذَا السُّؤَالَ، وَلَيْسَ بِوَارِدٍ بِسَبَبِ أَنَّا نَقُولُ: يُعْتَقَدُ فِي مَسْحِ رَأْسِهِ كُلِّهِ النَّدْبُ عَلَى رَأْيِ الشَّافِعِيِّ وَالْوُجُوبُ عَلَى رَأْيِ مَالِكٍ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ فَإِنَّ النَّدْبَ وَالْوُجُوبَ وَالْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ أَضْدَادٌ لَكِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا اتَّحَدَ الْمُتَعَلِّقُ مَعَ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ أَمَّا اتِّحَادُ الْمَحَلِّ فَقَطْ فَلَا يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَةَ ضِدُّ الْعَدَاوَةِ، وَالْبِغْضَةُ ضِدُّ الْمَحَبَّةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي الْقَلْبِ الْعَدَاوَةُ لِلْكَافِرِينَ، وَالصَّدَاقَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــSالْوُجُوبَ فَقَدْ تَرَكَ النَّدْبَ فَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ بَلْ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ فَقَطْ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ الْوُجُوبَ لَمْ يُجْزِهِ الْمَسْحُ إلَّا بِنِيَّةِ النَّدْبِ فَمَا حَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْمَالِكِيُّ إذَا بَسْمَلَ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ يُورِدُونَ فِيهِ هَذَا السُّؤَالَ، وَلَيْسَ بِوَارِدٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: يُعْتَقَدُ فِي مَسْحِ رَأْسِهِ كُلِّهِ النَّدْبُ عَلَى رَأْيِ الشَّافِعِيِّ وَالْوُجُوبُ عَلَى رَأْيِ مَالِكٍ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ النَّدْبِ وَالْوُجُوبِ فَإِنَّ النَّدْبَ وَالْوُجُوبَ وَالْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ أَضْدَادٌ وَلَكِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا اتَّحَدَ الْمُتَعَلَّقُ مَعَ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ أَمَّا اتِّحَادُ الْمَحَلِّ فَقَطْ فَلَا يَمْتَنِعُ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَةَ ضِدُّ الْعَدَاوَةِ، وَالْبِغْضَةُ ضِدُّ الْمَحَبَّةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي الْقَلْبِ الْعَدَاوَةُ لِلْكَافِرِينَ وَالصَّدَاقَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQفِيهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي الْعَيْنِ خَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ» وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ» فَجَوَابُهُ حَمْلُ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى الْعَيْنِ غَيْرِ الْعَوْرَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا عُمُومَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْأَحْوَالِ فَيُقَيَّدَانِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ مَا ضُمِنَ بِنِصْفِ الدِّيَةِ وَمَعَهُ نَظِيرُهُ ضُمِنَ بِنِصْفِهَا مُنْفَرِدًا كَالْأُذُنِ وَالْيَدِ فَجَوَابُهُ الْفَرْقُ الْمُتَقَدِّمُ بِانْتِقَالِ قُوَّةِ الْعَيْنِ الْأُولَى بِخِلَافِ الْأُذُنِ وَالْيَدِ، وَلَوْ انْتَقَلَتْ الْقُوَّةُ فِيهِمَا أَيْضًا الْتَزَمْنَاهُ، وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْقَوْلُ بِانْتِقَالِ النُّورِ الْبَاصِرِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْهِبْ نِصْفَ الْمَنْفَعَةِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ اطِّرَاحُ الْأَوَّلِ إذْ لَوْ جَنَى عَلَيْهَا فَاحْوَلَّتَا أَوْ عَمِشَتَا أَوْ نَقَصَ ضَوْءُهُمَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَقْلُ لِمَا نَقَصَ وَلَا تَنْقُصُ الدِّيَةُ عَمَّنْ جَنَى ثَانِيًا عَلَى قَوْلٍ عِنْدَنَا، وَهَذَا السُّؤَالُ قَوِيٌّ عَلَيْنَا وَكَانَ يَلْزَمُنَا أَنْ نَقْلَعَ بِعَيْنِ الْأَعْوَرِ عَيْنَيْنِ اثْنَيْنِ مِنْ الْجَانِي. (تَفْرِيعٌ) قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ: فِيهَا أَيْ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ أَلْفٌ وَإِنْ أَخَذَ فِي الْأُولَى دِيَتَهَا قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ: يُسْأَلُ عَنْ السَّمْعِ فَإِنْ كَانَ يَنْتَقِلُ فَكَالْعَيْنَيْنِ وَإِلَّا فَكَالْيَدِ وَإِنْ أُصِيبَ مِنْ كُلٍّ نِصْفُ بَصَرِهَا ثُمَّ أُصِيبَ بَاقِيهِمَا فِي ضَرْبَةٍ فَنِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَنْظُرُ بِهِمَا نِصْفَ نَظَرِهِمَا فَإِنْ أُصِيبَ بَاقِي إحْدَاهُمَا فَرُبْعُ الدِّيَةِ فَإِنْ أُصِيبَ بَعْدَ ذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأُخْرَى فَنِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ أُقِيمَ مَقَامَ نِصْفِ جَمِيعِ بَصَرِهِ فَإِنْ أَخَذَ صَحِيحٌ نِصْفَ دِيَةِ إحْدَاهُمَا ثُمَّ أُصِيبَ بِنِصْفِ الصَّحِيحَةِ فَثُلُثُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَذْهَبَ مِنْ جَمِيعِ بَقِيَّةِ بَصَرِهِ ثُلُثَهُ وَإِنْ أُصِيبَ بِبَقِيَّةِ الْمُصَابَةِ فَقَطْ فَرُبْعُ الدِّيَةِ فَإِنْ ذَهَبَ بَاقِيهَا وَالصَّحِيحَةُ بِضَرْبَةٍ فَالدِّيَةُ كَامِلَةً أَوْ الصَّحِيحَةُ وَحْدَهَا فَثُلُثَا الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا ثُلُثَا بَصَرِهِ فَإِنْ أُصِيبَ بَقِيَّةُ الْمُصَابَةِ فَنِصْفُ الدِّيَةِ بِخِلَافِ لَوْ أُصِيبَتْ وَالصَّحِيحَةُ بَاقِيَةٌ قَالَهُ أَشْهَبُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ فِيمَا يُصَابُ مِنْ الصَّحِيحَةِ إذَا بَقِيَ مِنْ الْأُولَى شَيْءٌ إلَّا مِنْ حِسَابِ نِصْفِ الدِّيَةِ اهـ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَسْبَابِ التَّوَارُثِ وَأَجْزَاءِ أَسْبَابِهَا الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ] (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَسْبَابِ التَّوَارُثِ وَأَجْزَاءِ أَسْبَابِهَا الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ) وَهُوَ أَنَّ أَسْبَابَ التَّوَارُثِ التَّامَّةِ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ مَاهِيَّةِ كُلٍّ مِنْ الْقَرَابَةِ وَالْوَلَاءِ وَالنِّكَاحِ بِشَرْطِ شَيْءٍ أَعْنِي خُصُوصَ كَوْنِ الْقَرَابَةِ بُنُوَّةً مَثَلًا وَخُصُوصَ كَوْنِ الْوَلَاءِ عَلَوِيًّا وَخُصُوصَ كَوْنِ النِّكَاحِ زَوْجَةً أَوْ زَوْجًا، وَأَجْزَاؤُهَا الْعَامَّةُ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ مَاهِيَّةِ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ بِشَرْطِ لَا شَيْءَ أَعْنِي مُطْلَقَ الْقَرَابَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ مُطْلَقُ الْقَرَابَةِ، وَمُطْلَقُ الْوَلَاءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُطْلَقُ الْوَلَاءِ، وَمُطْلَقُ النِّكَاحِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُطْلَقُ النِّكَاحِ، وَأَجْزَاؤُهَا الْخَاصَّةُ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ مَاهِيَّةِ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ أَيْ مِنْ إطْلَاقٍ أَوْ خُصُوصٍ، وَهِيَ الْمُشْتَرَكَاتُ أَعْنِي قَرَابَةً مَا وَوَلَاءً مَا وَنِكَاحًا مَا، وَهَذِهِ أَخَصُّ مِنْ الْأَجْزَاءِ الْعَامَّةِ، وَأَعَمُّ مِنْ التَّامَّةِ وَهِيَ مُرَادُ الْفَرْضِيِّينَ بِقَوْلِهِمْ: إنَّ أَسْبَابَ التَّوَارُثِ ثَلَاثَةٌ نَسَبٌ وَوَلَاءٌ وَنِكَاحٌ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَا تَوَهَّمَهُ الشِّهَابُ مِنْ الْإِشْكَالِ فِي كَلَامِهِمْ هَذَا لَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ بَيْنَ أَمْرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) تَعْبِيرُهُمْ عَنْ الْأَسْبَابِ بِلَفْظِ التَّنْكِيرِ (وَثَانِيهِمَا) : التَّعْبِيرُ عَنْهَا بِلَفْظِ التَّعْرِيفِ فَمَنْ عَبَّرَ مِنْهُمْ بِلَفْظِ التَّنْكِيرِ لَمْ يُرِدْ كُلَّ نَسَبٍ، وَلَا كُلَّ وَلَاءٍ، وَلَا كُلَّ نِكَاحٍ بَلْ أَرَادَ نَسَبًا خَاصًّا وَوَلَاءً خَاصًّا وَنِكَاحًا خَاصًّا، وَلَا نُكْرَ فِي التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ النَّكِرَةِ عَنْ مَخْصُوصٍ فَإِنَّ اللَّفْظَ عَلَيْهِ صَادِقٌ وَلَهُ صَالِحٌ وَمَنْ عَبَّرَ مِنْهُمْ بِلَفْظِ التَّعْرِيفِ لَمْ يُرِدْ أَيْضًا كُلَّ نَسَبٍ، وَلَا كُلَّ وَلَاءٍ، وَلَا كُلَّ نِكَاحٍ بَلْ أَرَادَ مَا أَرَادَهُ الْأَوَّلُ وَأَحَالَ الْأَوَّلَ فِي تَقْيِيدِ ذَلِكَ الْمُطْلَقِ عَلَى تَعْيِينِ أَصْنَافِ الْوَارِثِينَ وَالْوَارِثَاتِ وَأَحَالَ الثَّانِي فِي بَيَانِ الْمَعْهُودِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ عَلَى مَا أَحَالَ عَلَيْهِ الْأَوَّلَ وَذَلِكَ أَنَّ أَسْبَابَ التَّوَارُثِ التَّامَّةِ إجْمَالًا سَبْعَةَ

[الفرق بين قاعدة أسباب التوارث وقاعدة شروطه وموانعه]

وَالْمَحَبَّةُ لِلصَّالِحِينَ، وَالْبِغْضَةُ لِلطَّالِحِينَ بِسَبَبِ أَنَّ مُتَعَلَّقَ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ غَيْرُ مُتَعَلَّقِ الْآخَرِ كَذَلِكَ هَا هُنَا اخْتَلَفَتْ الْإِضَافَةُ فَنَقُولُ: اعْتَقَدَ هَذَا الْفِعْلَ وَاجِبًا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَمَنْدُوبًا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَيَجْمَعُهُمَا فِي ذِهْنِهِ بِاعْتِبَارِ جِهَتَيْنِ وَإِضَافَتَيْنِ كَمَا يَصْدُقُ أَنَّ زَيْدًا أَبٌ لِعَمْرٍو لَيْسَ أَبًا لِخَالِدٍ فَاجْتَمَعَ فِيهِ النَّقِيضَانِ بِاعْتِبَارِ إضَافَتَيْنِ، وَقَدْ أَجْمَعَ أَرْبَابُ الْمَعْقُولِ عَلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ التَّنَاقُضِ وَالتَّضَادِّ اتِّحَادَ الْإِضَافَةِ كَمَا تَقَدَّمَ مِثَالُهُ فِي الْأُبُوَّةِ، فَإِذَا تَعَدَّدَتْ الْإِضَافَةُ اجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ وَالضِّدَّانِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَجْتَمِعُ فِي الذِّهْنِ الْوَاحِدِ فِي الزَّمَنِ الْوَاحِدِ فِي الْفِعْلِ الْوَاحِدِ الْوُجُوبُ وَالتَّحْرِيمُ وَالْكَرَاهَةُ وَالنَّدْبُ وَالْإِبَاحَةُ بِاعْتِبَارِ خَمْسَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْقَائِلِينَ بِتِلْكَ الْأَحْكَامِ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَصَوَّرْنَا الْجَمْعَ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَالْمَحَبَّةُ لِلصَّالِحِينَ، وَالْبِغْضَةُ لِلطَّالِحِينَ بِسَبَبِ أَنَّ مُتَعَلَّقَ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ غَيْرُ مُتَعَلَّقِ الْآخَرِ كَذَلِكَ هَا هُنَا اخْتَلَفَتْ الْإِضَافَةُ فَنَقُولُ: اعْتِقَادُ هَذَا الْفِعْلِ وَاجِبًا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَمَنْدُوبًا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَيَجْمَعُهَا فِي ذِهْنِهِ بِاعْتِبَارِ جِهَتَيْنِ وَإِضَافَتَيْنِ كَمَا يَصْدُقُ أَنَّ زَيْدًا أَبٌ لِعَمْرٍو، وَلَيْسَ أَبًا لِخَالِدٍ فَاجْتَمَعَ فِيهِ النَّقِيضَانِ بِاعْتِبَارِ إضَافَتَيْنِ، وَقَدْ أَجْمَعَ أَرْبَابُ الْمَعْقُولِ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ التَّنَاقُضِ وَالتَّضَادِّ اتِّحَادَ الْإِضَافَةِ كَمَا تَقَدَّمَ مِثَالُهُ فِي الْأُبُوَّةِ، فَإِذَا تَعَدَّدَتْ الْإِضَافَةُ اجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ وَالضِّدَّانِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَجْتَمِعُ فِي الذِّهْنِ الْوَاحِدِ فِي الزَّمَنِ الْوَاحِدِ فِي الْفِعْلِ الْوَاحِدِ الْوُجُوبُ وَالتَّحْرِيمُ وَالْكَرَاهَةُ وَالنَّدْبُ وَالْإِبَاحَةُ بِاعْتِبَارِ خَمْسَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْقَائِلِينَ بِتِلْكَ الْأَحْكَامِ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَصَوَّرْنَا الْجَمْعَ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَشَرَ وَتَفْصِيلًا ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ؛ لِأَنَّ ذُكُورَ مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْمِيرَاثُ عَشَرَةٌ وَيَتَفَرَّعُونَ إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَإِنَاثُ مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْمِيرَاثُ سَبْعٌ وَيَتَفَرَّعْنَ أَيْضًا إلَى عَشَرَةٍ نَعَمْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَأَجْزَاءُ الْأَسْبَابِ الْعَامَّةِ كُلِّيَّةٌ لَا تَحَقُّقَ لَهَا إلَّا فِي الذِّهْنِ قَطْعًا فَلَا أَقْسَامَ لَهَا بِخُصُوصِهَا فَإِنَّمَا أَقْسَامُهَا مَا تَحْتَهَا مِنْ الْأَسْبَابِ التَّامَّةِ، وَأَجْزَاؤُهَا الْخَاصَّةُ وَأَقْسَامُهُمَا فَافْهَمْ قَالَ الْأَصْلُ وَالدَّلِيلُ عَلَى حَصْرِ الْأَسْبَابِ غَيْرِ التَّامَّةِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ أَنَّ الْأَمْرَ الْعَامَّ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَسْبَابِ إمَّا أَنْ يُمْكِنَ إبْطَالُهُ أَوْ لَا فَإِنْ أَمْكَنَ إبْطَالُهُ فَهُوَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إبْطَالُهُ فَإِمَّا أَنْ يَقْتَضِيَ التَّوَارُثَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ غَالِبًا أَوْ لَا فَإِنْ اقْتَضَى التَّوَارُثَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ غَالِبًا فَهُوَ الْقَرَابَةُ وَالِاحْتِرَازُ بِ غَالِبًا مِنْ الْعَمَّةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ يَرِثُهَا ابْنُ أَخِيهَا، وَلَا تَرِثُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْتَضِهِ إلَّا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَهُوَ الْوَلَاءُ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ الْمَوْلَى الْأَعْلَى الْأَسْفَلَ، وَلَا يَرِثُ الْأَسْفَلُ الْأَعْلَى. اهـ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَا ذَكَرَهُ، وَإِنْ كَانَ مُفِيدًا لِلْحَصْرِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي النِّكَاحِ مِنْ كَوْنِهِ يُمْكِنُ إبْطَالُهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ كَوْنِ النِّكَاحِ سَبَبَ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ سَبَبًا النِّكَاحُ الَّذِي لَمْ يَلْحَقْهُ إبْطَالٌ أَمَّا اللَّاحِقُ بِهِ الْإِبْطَالُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا، وَمَا ثَبَتَتْ سَبَبِيَّتُهُ لَمْ تُرْفَعْ لِاسْتِحَالَةِ رَفْعِ الْوَاقِعِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْقَرَابَةِ أَمْرٌ ثَانٍ عَنْ كَوْنِ سَبَبِ الْإِرْثِ لَيْسَ مُطْلَقَ الْقَرَابَةِ؛ لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ ثَابِتَةٌ عَنْهُ مَعَ عَدَمِ اطِّرَادِهِ وَمَا ذُكِرَ فِي الْوَلَاءِ، وَكَذَلِكَ أَمْرٌ ثَانٍ عَنْ كَوْنِ سَبَبِيَّتِهِ لَيْسَتْ مُطْلَقَةً، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّهُمْ مَا حَصَرُوهَا فِي ثَلَاثَةٍ إلَّا لِكَوْنِهَا أُمُورًا مُخْتَلِفَةً ثُمَّ لَمْ يُوجَدْ سَبَبُ الْمِيرَاثِ سِوَاهَا ثُمَّ إنَّهَا لَيْسَتْ أَسْبَابًا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ مُقَيَّدَةً بِتَعْيِينِ مَنْ يَرِثُ. اهـ. بَلْ قَالَ ابْنُ عَاصِمٍ جَمِيعُهَا أَرْكَانُهُ ثَلَاثَهْ ... مَالٌ وَمِقْدَارٌ وَذُو الْوِرَاثَهْ قَالَ التَّسَوُّلِيُّ أَيْ لَا يَصِحُّ الْإِرْثُ بِالْعِصْمَةِ أَوْ الْوَلَاءِ أَوْ النَّسَبِ إلَّا بِاجْتِمَاعِ هَذِهِ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ أَيْ مَعْرِفَةِ مَالٍ مَتْرُوكٍ عَنْ الْمَيِّتِ وَمِقْدَارِ مَا يَرِثُهُ كُلُّ وَارِثٍ وَمَنْ يَرِثُ مِمَّنْ لَا يَرِثُ وَمَهْمَا اخْتَلَّ وَاحِدٌ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ. اهـ. قَالَ التَّاوَدِيُّ عَلَى الْعَاصِمِيَّةِ: وَبَقِيَ عَلَيْهِ أَسْبَابُ الْمِلْكِ وَالْإِسْلَامِ خَلِيلٌ وَلِسَيِّدِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ جَمِيعُ إرْثِهِ، وَفِي الزَّرْقَانِيِّ أَنَّ تَسْمِيَتَهُ إرْثًا مَجَازٌ، وَإِنَّمَا هُوَ بِالْمِلْكِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّانِيَ لَا يَرِدُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَبَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَقِلُّ الْبَيْتُ. اهـ. وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَسْبَابِ التَّوَارُثِ وَقَاعِدَةِ شُرُوطِهِ وَمَوَانِعِهِ] (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ أَسْبَابِ التَّوَارُثِ، وَقَاعِدَةِ شُرُوطِهِ وَمَوَانِعِهِ) وَهُوَ أَنَّ أَسْبَابَ التَّوَارُثِ هِيَ الثَّلَاثَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ أَعْنِي الْقَرَابَةَ وَالْوَلَاءَ وَالنِّكَاحَ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهُ لِمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ فِي الْفُرُوقِ أَنَّ ضَابِطَ السَّبَبِ مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَمِنْ عَدَمِهِ - وَلَوْ شَكًّا - الْعَدَمُ، وَهَذِهِ الْحَقِيقَةُ قَدْ وُجِدَتْ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَسْبَابِ، وَأَمَّا مَوَانِعُهُ فَغَالِبُ النَّاسِ عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ الْكُفْرُ وَالْقَتْلُ وَالرِّقُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا مِنْ أَنَّ ضَابِطَ الْمَانِعِ مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ - أَيْ يَقِينًا - الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ كَمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ الشَّكِّ فِي وُجُودِهِ الْعَدَمُ بَلْ يَتَرَتَّبُ الثُّبُوتُ بِنَاءً عَلَى السَّبَبِ، وَهَذِهِ الْحَقِيقَةُ قَدْ وُجِدَتْ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَوَانِعِ، وَأَمَّا مَا زَادَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْمَوَانِعِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الشَّكِّ فِي أَهْلِ السَّفِينَةِ وَالرَّدْمِ، وَاللِّعَانِ، وَجَعْلِ الْمَوَانِعِ خَمْسَةً فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ الْمَذْكُورَ إنَّمَا مَنَعَ مِنْ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فِقْدَانِ الشَّرْطِ، وَهُوَ الْعِلْمُ أَوْ الْحُكْمُ بِتَقَدُّمِ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، وَكَذَلِكَ اللِّعَانُ لَيْسَ بِمَانِعٍ بَلْ هُوَ سَبَبٌ فِي فِقْدَانِ السَّبَبِ، وَهُوَ النَّسَبُ، وَقَدْ قَالَ الْفُضَلَاءُ إذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الْحَقَائِقِ

[الفرق بين قاعدة ما يحرم من البدع وينهى عنه وبين قاعدة ما لا ينهى عنه منها]

بَيْنَ الْمَذَاهِبِ عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلُ الْإِجْزَاءُ وَالِاسْتِيفَاءُ لِلْمَقَاصِدِ وَالْوَرَعُ وَالْخُرُوجُ عَنْ الْعُهْدَةِ مِنْ غَيْرِ تَنَاقُضٍ فَتَأَمَّلْهُ فَقَدْ نَازَعَنِي فِيهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ الْفُضَلَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــSبَيْنَ الْمَذَاهِبِ عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلُ الْإِجْزَاءُ وَالِاسْتِيفَاءُ لِلْمَقَاصِدِ وَالْوَرَعُ وَالْخُرُوجُ عَنْ الْعُهْدَةِ مِنْ غَيْرِ تَنَاقُضٍ فَتَأَمَّلْهُ فَقَدْ نَازَعَنِي فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ الْفُضَلَاءِ) قُلْت: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَرَعَ لَا يَحْصُلُ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ لِلُزُومِ الْمَذْهَبِ لِلْمُجْتَهِدِ وَالْمُقَلِّدِ جَمِيعًا لَا سِيَّمَا عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا بِالْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ؛ إذْ يَتَعَيَّنُ الْفِعْلُ فِي الْأَوَّلِ، وَالتَّرْكُ فِي الثَّانِي، وَأَمَّا فِي الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ وَالتَّحْلِيلِ أَوْ فِي التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ فَقَدْ يَتَوَهَّمُ صِحَّةَ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ مُشْتَرَكَةٌ فِي جَوَازِ الْفِعْلِ، وَالِاثْنَانِ مُشْتَرِكَانِ فِي رُجْحَانِ التَّرْكِ لَكِنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ ذَلِكَ لُزُومُ عَمَلِ الْمُجْتَهِدِ، وَمُقَلِّدُهُ عَلَى حَسَبِ مُقْتَضَى اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِ إلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ فِي الْمُقَلِّدِ: إنَّهُ يَسُوغُ لَهُ تَقْلِيدُ أَحَدِ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ مَثَلًا لَا بِعَيْنِهِ وَيَفْعَلُ الْفِعْلَ بِنِيَّةِ التَّفْوِيضِ لَكِنْ لَا أَعْرِفُهُ لِأَحَدٍ، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا، وَمَا وَجْهُ الشِّهَابِ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّنَاقُضَ وَالتَّضَادَّ إنَّمَا يَتَحَقَّقَانِ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ، وَالْمُتَعَلَّقُ وَالْإِضَافَةُ لَا يَصِحُّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ اشْتِرَاطُ تِلْكَ الشُّرُوطِ فِي التَّنَاقُضِ وَالتَّضَادِّ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُجْتَهِدَ وَمُقَلِّدَهُ مُوَافَقَةُ اجْتِهَادِهِ فِي عَمَلِهِ وَاعْتِقَادِهِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَعَلَى مُقَلِّدِهِ مُخَالَفَتُهُ فَظَهَرَ أَنَّ الْقَوْلَ الصَّحِيحَ هُوَ قَوْلُ مُنَازِعِي الشِّهَابِ فِي ذَلِكَ - وَاَللَّهُ تَعَالَى - أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQفَحَكِّمُوا الْحُدُودَ. وَقَدْ حَكَّمْنَا حَدَّ الْمَانِعِ الْمُتَقَدِّمِ فَلَمْ نَجِدْهُ مُنْطَبِقًا عَلَى هَذَيْنِ كَمَا عَلِمْت، وَأَمَّا شُرُوطُهُ فَذَكَرَ الْأَصْلُ أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ أَيْضًا: تَقَدُّمُ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ عَلَى الْوَارِثِ، وَاسْتِقْرَارُ حَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَهُ كَالْجَنِينِ، وَالْعِلْمُ بِالْقُرْبِ وَالدَّرَجَةِ قَالَ: وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ مِنْ الْفَرْضِيِّينَ فِي الْأَسْبَابِ الَّتِي ذَكَرُوهَا، وَلَا فِي الْمَوَانِعِ الَّتِي ذَكَرُوهَا بَلْ أَهْمَلُوهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ شُرُوطَ التَّوَارُثِ قَطُّ مَعَ أَنَّ لَهُ شُرُوطًا قَطْعًا كَسَائِرِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ فَإِنْ كَانُوا قَدْ تَرَكُوهَا؛ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ، وَرَدَ عَلَيْهِمْ أَنَّ أَسْبَابَ التَّوَارُثِ كَذَلِكَ فَالصَّوَابُ اسْتِيعَابُ الثَّلَاثَةِ كَسَائِرِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، وَإِنْ قَالُوا: لَا شُرُوطَ لِلتَّوَارُثِ بَلْ أَسْبَابٌ وَمَوَانِعُ فَقَطْ وَرَدَ عَلَيْهِمْ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إنَّمَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا ضَابِطُ الشَّرْطِ الَّذِي تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ فِي الْفُرُوقِ مِنْ أَنَّهُ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ - وَلَوْ شَكًّا - الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ، وَلَا عَدَمٌ فَبِتَحْكِيمِ الْحُدُودِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْفُضَلَاءِ يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ شُرُوطٌ لِلتَّوَارُثِ لَا أَسْبَابٌ وَلَا مَوَانِعُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْقُرْبِ وَالدَّرَجَةِ أَيْ الَّتِي اجْتَمَعَا فِيهَا مَثَلًا احْتِرَازٌ مِنْ مَوْتِ رَجُلٍ مِنْ مُضَرَ أَوْ قُرَيْشٍ لَا يُعْلَمُ لَهُ قَرِيبٌ فَإِنَّ مِيرَاثَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ مَعَ أَنَّ كُلَّ قُرَشِيٍّ ابْنُ عَمِّهِ، وَلَا مِيرَاثَ لِبَيْتِ الْمَالِ مَعَ ابْنِ عَمٍّ لَكِنَّهُ لَمَّا فَقَدَ شَرْطَ إرْثِهِ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ بِدَرَجَتِهِ مِنْهُ؛ إذْ مَا مِنْ قُرَشِيٍّ إلَّا لَعَلَّ غَيْرَهُ أَقْرَبُ مِنْهُ جُعِلَ الْمِيرَاثُ لِبَيْتِ الْمَالِ دُونَهُ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لَا يُؤَثِّرُ وُجُودُهَا إلَّا فِي نُهُوضِ الْأَسْبَابِ لِتَرَتُّبِ مُسَبَّبَاتِهَا عَلَيْهَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا الْعَدَمُ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا مِنْ حَيْثُ هُوَ وُجُودٌ، وَلَا عَدَمٌ بَلْ الْوُجُودُ إنْ وَقَعَ فَهُوَ لِوُجُودِ الْأَسْبَابِ لَا لَهَا، وَإِنْ وَقَعَ الْعَدَمُ عِنْدَ وُجُودِهَا فَلِعَدَمِ السَّبَبِ أَوْ لِوُجُودِ الْمَانِعِ فَهَذِهِ حَقِيقَةُ الشَّرْطِ قَدْ وُجِدَتْ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَتَكُونُ شُرُوطًا. اهـ. بِتَهْذِيبٍ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ أَوَّلًا بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ شَرْطَ الْإِرْثِ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْعِلْمُ أَوْ الْحُكْمُ بِحَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ وَبِنِسْبَتِهِ وَرُتْبَتِهِ مِنْهُ لِوَجْهَيْنِ (الْأَوَّلُ) : أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ تَقَدُّمِ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ وَجَعْلِهِ شَرْطًا، وَحَيَاةِ الْوَارِثِ بَعْدَهُ شَرْطًا آخَرَ (الثَّانِي) : أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَوْتُ الْمَوْرُوثِ بِنَفْسِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْوَارِثِ شَرْطًا لِأَمْرَيْنِ (أَحَدُهُمَا) امْتِنَاعُ تَوْرِيثِ مَنْ يَتَعَذَّرُ الْعِلْمُ فِيهِمَا بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ (وَثَانِيهِمَا) : صِحَّةُ التَّوْرِيثِ بِالتَّعْمِيرِ فِي الْمَفْقُودِ وَثَانِيًا بِأَنَّ جَعْلَهُ الْعِلْمَ بِالْقُرْبِ وَالدَّرَجَةِ الَّتِي اجْتَمَعَا فِيهَا احْتِرَازٌ مِنْ مَوْتِ رَجُلٍ إلَخْ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ نَقَضَهُ الْحُكْمُ بِالْقُرْبِ وَالدَّرَجَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَعْلُومًا، وَلَكِنَّهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ. اهـ. وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْبِدَعِ وَيُنْهَى عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْهَا] (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْبِدَعِ وَيُنْهَى عَنْهُ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْهَا) وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ الطَّرِيقَتَيْنِ فِي الْبِدَعِ اللَّتَيْنِ فِي قَوْلِ الْأَصْلِ: الْأَصْحَابُ - فِيمَا رَأَيْت - مُتَّفِقُونَ عَلَى إنْكَارِ الْبِدَعِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَغَيْرُهُ، وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ، وَأَنَّهَا خَمْسَةُ أَقْسَامٍ (الْأَوَّلُ) : وَاجِبٌ، وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهُ قَوَاعِدُ الْوُجُوبِ وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرْعِ كَتَدْوِينِ الْقُرْآنِ وَالشَّرَائِعِ إذَا خِيفَ عَلَيْهَا الضَّيَاعُ فَإِنَّ التَّبْلِيغَ لِمَنْ بَعْدَنَا مِنْ الْقُرُونِ وَاجِبٌ إجْمَاعًا. وَإِهْمَالُهُ حَرَامٌ إجْمَاعًا (الثَّانِي) : مُحَرَّمٌ، وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهَا قَوَاعِدُ التَّحْرِيمِ، وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرْعِ كَالْمُكُوسِ وَالْمُحْدَثَاتِ مِنْ الْمَظَالِمِ الْمُنَافِيَةِ لِقَوَاعِد الشَّرِيعَةِ كَتَقْدِيمِ الْجُهَّالِ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَتَوْلِيَةِ الْمَنَاصِبِ الشَّرْعِيَّةِ مَنْ لَا يَصْلُحُ لَهَا بِطَرِيقِ التَّوَارُثِ نَظَرًا لِكَوْنِ الْمَنْصِبِ كَانَ لِأَبِيهِ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ بِأَهْلٍ (الثَّالِثُ) مَنْدُوبٌ، وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهُ قَوَاعِدُ النَّدْبِ وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرْعِ كَصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ أَيْ الَّذِي عَمِلَ بِهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَجَمَعَ النَّاسَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى

[المسألة الثانية عبادة كل مقلد لإمام معتبر]

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْمَالِكِيَّ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذَا لَمْ يَتَدَلَّك فِي غُسْلِهِ أَوْ يَمْسَحْ جَمِيعَ رَأْسِهِ وَنَحْوَهُ، وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ صَلَاةِ الْمَالِكِيِّ إذَا لَمْ يُبَسْمِلْ، وَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ وَالْوَرَعَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِصَوْنِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا عَنْ الْبُطْلَانِ عَلَى قَوْلِ الْمُخَالِفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْوَرَعُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ لِتَحْصِيلِ صِحَّةِ الْعِبَادَةِ بَلْ عِبَادَةُ كُلِّ مُقَلِّدٍ لِإِمَامٍ مُعْتَبَرٍ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَأَجْمَعَ كُلُّ فَرِيقٍ مَعَ خَصْمِهِ عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفَاتِهِ وَعِبَادَاتِهِ عَلَى وَجْهِ التَّقْلِيدِ الْمُعْتَبَرِ فَإِنْ قُلْت: فَإِذَا كَانَتْ الْعِبَادَةُ الْوَاقِعَةُ صَحِيحَةً بِالْإِجْمَاعِ فَمَا فَائِدَةُ الْوَرَعِ وَكَيْفَ يُشْرَعُ الْوَرَعُ بَعْدَ ذَلِكَ قُلْت: فَائِدَةُ الْوَرَعِ وَسَبَبُ مَشْرُوعِيَّتِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ أَدِلَّةِ الْمُخْتَلِفِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــS [الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ عِبَادَةُ كُلِّ مُقَلِّدٍ لِإِمَامٍ مُعْتَبَرٍ] قَالَ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْمَالِكِيَّ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذَا لَمْ يَتَدَلَّك فِي غُسْلِهِ، أَوْ يَمْسَحْ جَمِيعَ رَأْسِهِ وَنَحْوُهُ وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ صَلَاةِ الْمَالِكِيِّ إذَا لَمْ يُبَسْمِلْ وَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ وَالْوَرَعَ إنَّمَا هُوَ لِصَوْنِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا عَنْ الْبُطْلَانِ عَلَى قَوْلِ الْمُخَالِفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْوَرَعُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ لِتَحْصِيلِ صِحَّةِ الْعِبَادَةِ بَلْ عِبَادَةُ كُلِّ مُقَلِّدٍ لِإِمَامٍ مُعْتَبَرٍ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَأَجْمَعَ كُلُّ فَرِيقٍ مَعَ خَصْمِهِ عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفَاتِهِ وَعِبَادَتِهِ الْوَاقِعَةِ عَلَى وَجْهِ التَّقْلِيدِ الْمُعْتَبَرِ، فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَتْ الْعِبَادَةُ صَحِيحَةً بِالْإِجْمَاعِ، فَمَا فَائِدَةُ الْوَرَعِ، وَكَيْفَ يُشْرَعُ الْوَرَعُ بَعْدَ ذَلِكَ) قُلْت: السُّؤَالُ وَارِدٌ قَالَ (قُلْت: فَائِدَةُ الْوَرَعِ وَسَبَبُ مَشْرُوعِيَّتِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ أَدِلَّةِ الْمُخْتَلِفِينَ ـــــــــــــــــــــــــــــQقَارِئٍ وَاحِدٍ فِي رَمَضَانَ، وَقَالَ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَهُمْ يُصَلُّونَ: نِعْمَتْ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَاَلَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ، فَإِنَّهُ إنَّمَا سَمَّاهَا بِدْعَةً بِاعْتِبَارٍ مَا وَإِلَّا فَقِيَامُ الْإِمَامِ بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ فِي رَمَضَانَ سُنَّةٌ عَمِلَ بِهَا صَاحِبُ السُّنَّةِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا تَرَكَهَا خَوْفًا مِنْ الِافْتِرَاضِ فَلَمَّا انْقَضَى زَمَنُ الْوَحْيِ زَالَتْ الْعِلَّةُ فَعَادَ الْعَمَلُ بِهَا إلَى نِصَابِهِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَتَأَتَّ لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - زَمَانَ خِلَافَتِهِ لِمُعَارَضَةِ مَا هُوَ أَوْلَى بِالنَّظَرِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ صَدْرُ خِلَافَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى تَأَنَّى النَّظَرَ فَوَقَعَ مِنْهُ لَكِنَّهُ صَارَ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ كَأَنَّهُ أَمْرٌ لَمْ يَجْرِ بِهِ عَمَلُ مَنْ تَقَدَّمَهُ دَائِمًا فَسَمَّاهُ بِذَلِكَ الِاسْمِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ عَلَى خِلَافِ مَا ثَبَتَ مِنْ السُّنَّةِ كَمَا فِي الِاعْتِصَامِ لِأَبِي إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيِّ قُلْت: وَقَدْ جَرَى عَلَى مَا عَمِلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ بِإِمَامٍ وَاحِدٍ فِي الْمَسْجِدِ عَمَلُ الْأَعْصَارِ إلَى عَصْرِنَا فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ مَا عَدَا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ فَإِنَّهُمَا قَدْ اُبْتُدِعَ فِيهِمَا شَرَّفَهُمَا اللَّهُ - تَعَالَى - تَعَدُّدُ الْجَمَاعَاتِ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ أَسْأَلُ اللَّهَ - تَعَالَى - أَنْ يُوَفِّقَ أَهْلَهَا لِلْعَمَلِ فِيهَا بِالسُّنَّةِ كَسَائِرِ الْأَمْصَارِ قَالَ الْأَصْلُ: وَكَإِقَامَةِ صُورِ الْأَئِمَّةِ وَالْقُضَاةِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَمْرُ الصَّحَابَةِ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَصَالِحَ وَالْمَقَاصِدَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِعَظَمَةِ الْوُلَاةِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ وَكَانَ النَّاسُ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ مُعْظَمُ تَعْظِيمِهِمْ إنَّمَا هُوَ بِالدِّينِ وَسَابِقِ الْهِجْرَةِ ثُمَّ اخْتَلَّ النِّظَامُ وَذَهَبَ ذَلِكَ الْقَرْنُ وَحَدَثَ قَرْنٌ آخَرُ لَا يُعَظِّمُونَ إلَّا بِالصُّوَرِ فَتَعَيَّنَ تَفْخِيمُ الصُّوَرِ حَتَّى تَحْصُلَ الْمَصَالِحُ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ يَأْكُلُ خُبْزَ الشَّعِيرِ وَالْمِلْحِ وَيَفْرِضُ لِعَامِلِهِ نِصْفَ شَاةٍ كُلَّ يَوْمٍ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ الْحَالَةَ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا لَوْ عَمِلَهَا غَيْرُهُ لَهَانَ فِي نُفُوسِ النَّاسِ، وَلَمْ يَحْتَرِمُوهُ وَتَجَاسَرُوا عَلَيْهِ بِالْمُخَالَفَةِ فَاحْتَاجَ إلَى أَنْ يَضَعَ غَيْرَهُ فِي صُورَةٍ أُخْرَى لِحِفْظِ النِّظَامِ وَلِذَلِكَ لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ وَوَجَدَ مُعَاوِيَةُ قَدْ اتَّخَذَ الْحُجَّابَ وَأَرْخَى الْحِجَابَ وَاِتَّخَذَ الْمَرَاكِبَ النَّفِيسَةَ وَالثِّيَابَ الْهَائِلَةَ الْعَلِيَّةَ، وَسَلَكَ مَا يَسْلُكُهُ الْمُلُوكُ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّا بِأَرْضٍ نَحْنُ فِيهَا مُحْتَاجُونَ لِهَذَا فَقَالَ لَهُ لَا آمُرُك، وَلَا أَنْهَاك وَمَعْنَاهُ أَنْتَ أَعْلَمُ بِحَالِك هَلْ أَنْتَ مُحْتَاجٌ إلَى هَذَا فَيَكُونُ حَسَنًا أَوْ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَدَلَّ ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ أَحْوَالَ الْأَئِمَّةِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ وَالْقُرُونِ وَالْأَحْوَالِ؛ فَلِذَلِكَ يَحْتَاجُونَ إلَى تَجْدِيدِ زَخَارِفَ وَسِيَاسَاتٍ لَمْ تَكُنْ قَدِيمًا، وَرُبَّمَا وَجَبَتْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ (الرَّابِعُ) مَكْرُوهٌ، وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهُ قَوَاعِدُ الْكَرَاهَةِ، وَأَدِلَّتُهَا مِنْ الشَّرْعِ كَتَخْصِيصِ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ وَغَيْرِهَا بِنَوْعٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ «لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَخْصِيصِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ أَوْ لَيْلَتِهِ بِقِيَامٍ» كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَكَالزِّيَادَةِ فِي الْمَنْدُوبَاتِ الْمَحْدُودَاتِ بِأَنْ يُجْعَلَ التَّسْبِيحُ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ مِائَةً، وَالْوَارِدُ فِيهِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَالصَّاعُ الْوَاحِدُ الْوَارِدُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ عَشَرَةُ آصُعٍ بِسَبَبِ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهَا إظْهَارُ الِاسْتِظْهَارِ عَلَى الشَّارِعِ، وَهُوَ قِلَّةُ أَدَبٍ مَعَهُ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْعُظَمَاءِ إذَا حَدَّدُوا شَيْئًا وَقَفَ عِنْدَهُ، وَعُدَّ الْخُرُوجُ عَنْهُ قِلَّةَ أَدَبٍ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي الْوَاجِبِ أَوْ عَلَيْهِ فَهُوَ حَرَامٌ لَا مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْأَصْلُ وَالْمَزِيدُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ تَغْيِيرٌ لِلشَّرَائِعِ، وَهُوَ حَرَامٌ إجْمَاعًا؛ وَلِذَلِكَ نَهَى مَالِكٌ عَنْ إيصَالِ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ لِئَلَّا يُعْتَقَدَ أَنَّهَا مِنْ رَمَضَانَ وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ إلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّى الْفَرْضَ وَقَامَ لِيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ اجْلِسْ حَتَّى تَفْصِلَ بَيْنَ فَرْضِك

وَالْعَمَلُ بِمُقْتَضَى كُلِّ دَلِيلٍ فَلَا يَبْقَى فِي النُّفُوسِ تَوَهُّمٌ أَنَّهُ قَدْ أَهْمَلَ دَلِيلًا لَعَلَّ مُقْتَضَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ فَبِالْجَمْعِ يَنْتَفِي ذَلِكَ، فَأَثَرُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ فِي جَمِيعِ مُقْتَضَيَاتِ الْأَدِلَّةِ فِي صِحَّةِ الْعِبَادَةِ وَالتَّصَرُّفِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الْمَالِكِيُّ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ صَلَاةِ الشَّافِعِيِّ وَبِالْعَكْسِ لَكَانَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ عِنْدَ الْأُخْرَى مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ فِسْقًا لِتَرْكِهَا الصَّلَاةَ طُولَ عُمْرِهَا، وَلَا تُقْبَلُ لَهَا شَهَادَةٌ، وَتَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْفُسَّاقِ أَبَدَ الدَّهْرِ، وَيَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي الْفِرَقِ كُلِّهَا مِنْ جِهَةِ مُخَالِفِهَا، وَهَذَا فَسَادٌ عَظِيمٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ بَلْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمِيعُ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَعْدَلِ النَّاسِ عِنْدَ جَمِيعِ النَّاسِ، وَلَا يَقُولُ بِفِسْقِ أَحَدٍ مِنْهُمْ إلَّا مُنَافِقٌ مَارِقٌ مِنْ الدِّينِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَوَّلِ الْعَصْرِ الَّذِي ـــــــــــــــــــــــــــــSوَالْعَمَلُ بِمُقْتَضَى كُلِّ دَلِيلٍ فَلَا يَبْقَى فِي النَّفْسِ تَوَهُّمٌ أَنَّهُ قَدْ أَهْمَلَ دَلِيلًا لَعَلَّ مُقْتَضَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ فَبِالْجَمْعِ يَنْتَفِي ذَلِكَ فَأَثَرُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ فِي جَمِيعِ مُقْتَضَيَاتِ الْأَدِلَّةِ فِي صِحَّةِ الْعِبَادَةِ وَالتَّصَرُّفِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ) قُلْت: قَدْ تَأَمَّلْت ذَلِكَ فَلَمْ أَجِدْهُ صَحِيحًا وَكَيْفَ يَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَ مُقْتَضَى دَلِيلَيْنِ مُوجِبٍ وَمُحَرِّمٍ، وَأَحَدُهُمَا يَقْتَضِي لُزُومَ الْفِعْلِ، وَالثَّانِي يَقْتَضِيَ لُزُومَ التَّرْكِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَمْرِ الْوَاحِدِ مُحَالٌ، وَلَا يُغْنِي فِي ذَلِكَ اعْتِقَادُ اخْتِلَافِ الْإِضَافَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمَامَيْنِ وَمَا قَالَهُ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ صَحِيحٌ. ، وَكَذَلِكَ مَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَجَمِيعُ مَا قَالَ فِي الْفُرُوقِ الْخَمْسَةِ بَعْدَ هَذَا الْفَرْقِ صَحِيحٌ. ـــــــــــــــــــــــــــــQوَنَفْلِك فَبِهَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَصَابَ اللَّهُ بِك يَا ابْنَ الْخَطَّابِ» يُرِيدُ عُمَرُ أَنَّ مَنْ قَبْلَنَا وَصَلُوا النَّوَافِلَ بِالْفَرَائِضِ فَاعْتَقَدُوا الْجَمِيعَ وَاجِبًا فَهَلَكُوا بِتَغْيِيرِهِمْ لِلشَّرَائِعِ (الْخَامِسُ) : مُبَاحٌ، وَهُوَ مَا تَنَاوَلَتْهُ قَوَاعِدُ الْمُبَاحِ وَأَدِلَّتُهُ مِنْ الشَّرْعِ كَاِتِّخَاذِ الْمَنَاخِلِ لِلدَّقِيقِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ أَحْدَثُهُ النَّاسُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الْآثَارِ وَتَلْيِينُ الْعَيْشِ وَإِصْلَاحُهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ فَوَسَائِلِهِ كَذَلِكَ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْبِدْعَةُ إنَّمَا تَنْقَسِمُ لِهَذِهِ الْأَقْسَامِ إذَا نُظِرَ إلَيْهَا بِاعْتِبَارِ مَا يَتَقَاضَاهَا وَيَتَنَاوَلُهَا مِنْ الْقَوَاعِدِ وَالْأَدِلَّةِ فَأُلْحِقَتْ بِمَا تَنَاوَلَهَا مِنْ قَوَاعِدِ وَأَدِلَّةِ الْوُجُوبِ أَوْ التَّحْرِيمِ أَوْ النَّدْبِ أَوْ الْكَرَاهَةِ أَوْ الْإِبَاحَةِ، وَأَمَّا إنْ قُطِعَ النَّظَرُ عَنْ ذَلِكَ وَنُظِرَ إلَى كَوْنِهَا بِدْعَةً مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَمْ تَكُنْ إلَّا مَكْرُوهَةً أَيْ إمَّا تَنْزِيهًا، وَإِمَّا تَحْرِيمًا فَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ فِي الِاتِّبَاعِ، وَالشَّرُّ كُلُّهُ فِي الِابْتِدَاعِ وَلِبَعْضِ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَيُسَمَّى أَبَا الْعَبَّاسِ الْأَبْيَانِيَّ مِنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ ثَلَاثٌ لَوْ كُتِبْنَ فِي ظُفْرٍ لَوَسِعَهُنَّ، وَفِيهِنَّ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اتَّبِعْ وَلَا تَبْتَدِعْ اتَّضِعْ وَلَا تَرْتَفِعْ مَنْ تَوَرَّعَ لَا يَتَّسِعُ. اهـ. كَلَامُ الْأَصْلِ بِتَهْذِيبٍ وَزِيَادَةٍ فَقَوْلُهُ: وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ إلَخْ هِيَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَإِلَيْهَا ذَهَبَ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ غَيْرُ وَاحِدٍ كَالْإِمَامِ مُحَمَّدٍ الزَّرْقَانِيِّ فَقَالَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُوَطَّإِ: وَتَنْقَسِمُ الْبِدْعَةُ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَحَدِيثُ كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ عَامٌّ مَخْصُوصٌ قَالَ: وَالْبِدْعَةُ لُغَةً مَا أُحْدِثَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ وَتُطْلَقُ شَرْعًا عَلَى مُقَابِلِ السُّنَّةِ، وَهِيَ مَا لَمْ تَكُنْ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ وَالْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ شَيْخُ الْأَصْلِ فَفِي الْعَزِيزِيِّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ الْعَلْقَمِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ: الْبِدْعَةُ بِكَسْرِ الْبَاءِ فِي الشَّرْعِ هِيَ إحْدَاثُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهِيَ مُنْقَسِمَةٌ إلَى حَسَنَةٍ وَقَبِيحَةٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي آخِرِ الْقَوَاعِدِ الْبِدْعَةُ مُنْقَسِمَةٌ إلَى وَاجِبَةٍ وَمُحَرَّمَةٍ وَمَنْدُوبَةٍ وَمَكْرُوهَةٍ وَمُبَاحَةٍ قَالَ: وَالطَّرِيقُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُعْرَضَ الْبِدْعَةُ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ، فَإِنْ دَخَلَتْ فِي قَوَاعِدِ الْإِيجَابِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ، أَوْ فِي قَوَاعِدِ التَّحْرِيمِ فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ، أَوْ النَّدْبِ فَمَنْدُوبَةٌ، أَوْ الْمَكْرُوهِ فَمَكْرُوهَةٌ، أَوْ الْمُبَاحِ فَمُبَاحَةٌ وَلِلْوَاجِبَةِ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا الِاشْتِغَالُ بِعِلْمِ النَّحْوِ الَّذِي يُفْهِمُ كَلَامَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَكَلَامَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْهَا حِفْظُ غَرِيبِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ اللُّغَةِ، وَمِنْهَا تَدْرِيسُ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَمِنْهَا الْكَلَامُ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَتَمْيِيزِ الصَّحِيحِ مِنْ السَّقِيمِ، وَمِنْهَا الرَّدُّ عَلَى مَذَاهِبِ نَحْوِ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالْمُجَسِّمَةِ؛ إذْ لَا يَتَأَتَّى حِفْظُ الشَّرِيعَةِ إلَّا بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَدْ دَلَّتْ قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَنَّ حِفْظَ الشَّرِيعَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمُتَعَيِّنِ، وَلِلْمُحَرَّمَةِ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا مَذَاهِبُ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالْمُجَسِّمَةِ، وَلِلْمَنْدُوبَةِ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا التَّرَاوِيحُ، وَالْكَلَامُ فِي دَقَائِقِ التَّصَوُّفِ، وَفِي الْجَدَلِ. وَمِنْهَا جَمْعُ الْمَحَافِلِ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْمَسَائِلِ إنْ يُقْصَدْ بِذَلِكَ وَجْهُ اللَّهِ، وَالْمَكْرُوهَةُ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا زَخْرَفَةُ الْمَسَاجِدِ وَتَزْوِيقُ الْمَصَاحِفِ، وَلِلْمُبَاحَةِ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا الْمُصَافَحَةُ عَقِبَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَمِنْهَا التَّوَسُّعُ فِي اللَّذِيذِ مِنْ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَسَاكِنِ وَلُبْسِ الطَّيَالِسَةِ وَتَوْسِيعِ الْأَكْمَامِ، وَقَدْ نَخْتَلِفُ فِي بَعْضِ ذَلِكَ فَيَجْعَلُهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ وَيَجْعَلُهُ آخَرُونَ مِنْ السُّنَنِ الْمَفْعُولَةِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا بَعْدَهُ وَذَلِكَ كَالِاسْتِعَاذَةِ وَالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ. اهـ. بِتَصَرُّفٍ فَمَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ كَرَاهَتُهُمَا فِي الْفَرِيضَةِ دُونَ النَّافِلَةِ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ الصَّلَاةَ

أَدْرَكْته هَلْ يَدْخُلُ الْوَرَعُ وَالزُّهْدُ فِي الْمُبَاحَاتِ أَمْ لَا فَادَّعَى ذَلِكَ بَعْضُهُمْ، وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ، وَضَيَّقَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَأَكْثَرُوا التَّشْنِيعَ فَقَالَ الْأَبْيَانِيُّ فِي مُصَنَّفِهِ: لَا يَدْخُلُ الْوَرَعُ فِيهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - سَوَّى بَيْنَ طَرَفَيْهَا، وَالْوَرَعُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَالنَّدْبُ مَعَ التَّسْوِيَةِ مُتَعَذِّرٌ، وَقَالَ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ الْحِمْيَرِيُّ: يَدْخُلُ الْوَرَعُ فِي الْمُبَاحَاتِ، وَمَا زَالَ السَّلَفُ الصَّالِحُ عَلَى الزُّهْدِ فِي الْمُبَاحَاتِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20] وَغَيْرُهُ مِنْ النُّصُوصِ، وَكُلٌّ مِنْ الشَّيْخَيْنِ عَلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ؛ إذْ لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي الْكَلَامِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُبَاحَاتِ لَا زُهْدَ فِيهَا، وَلَا وَرَعَ فِيهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ مُبَاحَاتٌ، وَفِيهَا الزُّهْدُ وَالْوَرَعُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الِاسْتِكْثَارَ مِنْ الْمُبَاحَاتِ يَحُوجُ إلَى كَثْرَةِ الِاكْتِسَابِ الْمُوقِعِ فِي الشُّبُهَاتِ، وَقَدْ يُوقِعُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، وَكَثْرَةُ الْمُبَاحَاتِ أَيْضًا تُفْضِي إلَى بَطَرِ النُّفُوسِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْعَبِيدِ وَالْخَيْلِ وَالْخَوَلِ وَالْمَسَاكِنِ الْعَلِيَّةِ وَالْمَآكِلِ الشَّهِيَّةِ وَالْمَلَابِسِ اللَّيِّنَةِ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ صَاحِبُهَا مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ مَوَاقِفِ الْعُبُودِيَّةِ وَالتَّضَرُّعِ لِعِزِّ الرُّبُوبِيَّةِ كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْفُقَرَاءُ أَهْلُ الْحَاجَاتِ وَالْفَاقَاتِ وَالضَّرُورَاتِ، وَمَا يَلْزَمُ قُلُوبَهُمْ مِنْ الْخُضُوعِ وَالذِّلَّةِ لِذِي الْجَلَالِ وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ مِنْ نَوَالِهِ وَفَضْلِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ أَنْوَاعَ الضَّرُورَاتِ تَبْعَثُ عَلَى ذَلِكَ قَهْرًا، وَالْأَغْنِيَاءُ بَعِيدُونَ عَنْ هَذِهِ الْخُطَّةِ فَكَانَ الزُّهْدُ وَالْوَرَعُ فِي الْمُبَاحَاتِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مُبَاحَاتٌ، وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ مَا تَقَدَّمَ قَوْله تَعَالَى {كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى} [العلق: 6] {أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 7] ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا تَصِحُّ بِتَرْكِهِمَا، وَلَمْ يَقْصِدْ الْخُرُوجَ مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ سُنِّيَّتُهُمَا فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا، وَمِثْلُهُمَا فِي كَوْنِهِ بِدْعَةً مَكْرُوهَةً، أَوْ سُنَّةً سُجُودُ الشُّكْرِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ مَفْعُولَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى كَرَاهَتِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ يُحِبُّهُ فَيَسْجُدُ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - شُكْرًا فَقَالَ: لَا يَفْعَلُ هَذَا مِمَّا مَضَى مِنْ أَمْرِ النَّاسِ، قِيلَ لَهُ: إنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَا يَذْكُرُونَ سَجَدَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شُكْرًا لِلَّهِ أَفَسَمِعْت ذَلِكَ قَالَ مَا سَمِعْت ذَلِكَ، وَأَنَا أَرَى أَنْ قَدْ كَذَبُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَهَذَا مِنْ الضَّلَالِ أَنْ يَسْمَعَ الْمَرْءُ الشَّيْءَ فَيَقُولَ: هَذَا لَمْ تَسْمَعْهُ مِنِّي قَدْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْدَهُ أَفَسَمِعْت أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ فَعَلَ مِثْلَ هَذَا إذْ مَا قَدْ كَانَ فِي النَّاسِ وَجَرَى عَلَى أَيْدِيهِمْ سُمِعَ عَنْهُمْ فِيهِ شَيْءٌ فَعَلَيْك بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الَّذِي قَدْ كَانَ فِيهِمْ فَهَلْ سَمِعْت أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ سَجَدَ فَهَذَا إجْمَاعٌ. وَإِذَا جَاءَك أَمْرٌ لَا تَعْرِفْهُ فَدَعْهُ. اهـ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مِمَّا شُرِعَ فِي الدِّينِ يَعْنِي سُجُودَ الشُّكْرِ فَرْضًا، وَلَا نَفْلًا إذْ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا فَعَلَهُ، وَلَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى اخْتِيَارِ فِعْلِهِ، وَالشَّرَائِعُ لَا تَثْبُتُ إلَّا مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ قَالَ: وَاسْتِدْلَالُهُ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَلَا الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ لَوْ كَانَ النَّقْلُ صَحِيحًا؛ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ تَتَوَفَّرَ الدَّوَاعِي عَلَى تَرْكِ نَقْلِ شَرِيعَةٍ مِنْ شَرَائِعِ الدِّينِ، وَقَدْ أُمِرُوا بِالتَّبْلِيغِ قَالَ: وَهَذَا أَصْلٌ مِنْ الْأُصُولِ، وَعَلَيْهِ يَأْتِي إسْقَاطُ الزَّكَاةِ مِنْ الْخُضَرِ وَالْبُقُولِ مَعَ وُجُودِ الزَّكَاةِ فِيهَا لِعُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ وَالْبَعْلُ الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ» ؛ لِأَنَّا نَزَّلْنَا تَرْكَ نَقْلِ أَخْذِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزَّكَاةَ مِنْهَا كَالسُّنَّةِ الْقَائِمَةِ فِي أَنْ لَا زَكَاةَ فِيهَا فَكَذَلِكَ نَزَلَ تَرْكُ نَقْلِ السُّجُودِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشُّكْرِ كَالسُّنَّةِ الْقَائِمَةِ فِي أَنْ لَا سُجُودَ فِيهَا ثُمَّ حُكِيَ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ تَوْجِيهُ مَالِكٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا بِدْعَةٌ لَا تَوْجِيهُ أَنَّهَا بِدْعَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَفَادَهُ الشَّاطِبِيُّ فِي الِاعْتِصَامِ وَحَاصِلُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ هُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الْحِفْنِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ أَنَّ الْبِدْعَةَ بِمَعْنَى مَا لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَوْعَانِ حَقِيقِيَّةٌ وَمُشْتَبِهَاتٌ فَالْحَقِيقِيَّةُ هِيَ الْمُقَابِلَةُ لِلسُّنَّةِ فَالسُّنَّةُ مَا فُعِلَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَشَهِدَ لَهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ، وَالْبِدْعَةُ الْحَقِيقِيَّةُ مَا أُحْدِثَ بَعْدَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَشْهَدْ لَهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ، قَالَ: زَادَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ وَغَلَبَتْ عَلَى مَا خَالَفَ أُصُولَ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي الْعَقَائِدِ. وَهِيَ الْبِدْعَةُ الْمُحَرَّمَةُ سَوَاءٌ كَفَرَ بِهَا كَإِنْكَارِ عِلْمِهِ - تَعَالَى بِالْجُزْئِيَّاتِ أَوْ لَا كَالْمُجَسِّمَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ عَلَى الرَّاجِحِ إنْ لَمْ تَقُلْ الْأُولَى كَالْأَجْسَامِ، وَهِيَ الْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ مَتَى أُطْلِقَتْ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ تُطْلَقُ عَلَى الْمُحَرَّمَةِ وَغَيْرِهَا، فَهِيَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي خَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي السُّنَّةِ وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَبَى اللَّهُ أَنْ يَقْبَلَ عَمَلَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حَتَّى يَدَعَ بِدْعَتَهُ لِإِيرَادِهِ فِي حَيِّزِ التَّحْذِيرِ مِنْهَا وَالذَّمِّ لَهَا وَالتَّوْبِيخِ عَلَيْهَا، فَنَفْيُ قَبُولِ الْعَمَلِ بِمَعْنَى إبْطَالِهِ وَرَدِّهِ إنْ كَانَتْ الْبِدْعَةُ مُكَفِّرَةً لَهُ، وَبِمَعْنَى نَفْيِ الثَّوَابِ إنْ كَانَتْ لَا تُكَفِّرُهُ مِثْلَ مَا وَرَدَ أَنَّ الشَّخْصَ إذَا لَبِسَ ثَوْبًا بِدَرَاهِمَ مِنْهَا دِرْهَمٌ حَرَامٌ، وَصَلَّى فِيهِ لَمْ تُقْبَلْ صَلَاتُهُ أَيْ لَمْ يُثَبْ عَلَيْهَا، وَالْمُشْتَبِهَاتُ تُعْرَضُ عَلَى أُصُولِ الشَّرْعِ فَإِنْ وَافَقَتْ الْوَاجِبَ كَانَتْ

وقَوْله تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} [البقرة: 258] أَيْ مِنْ أَجْلِ أَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ فَلَوْ كَانَ النُّمْرُودُ فَقِيرًا حَقِيرًا مُبْتَلًى بِالْحَاجَاتِ وَالضَّرُورَاتِ لَمْ تَحْتَدَّ نَفْسُهُ إلَى مُنَازَعَةِ إبْرَاهِيمَ وَدَعْوَاهُ الْإِحْيَاءَ أَوْ الْإِمَاتَةَ، وَتَعَرُّضِهِ لِإِحْرَاقِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالنِّيرَانِ، وَإِنَّمَا وَصَلَ إلَى هَذِهِ الْمَعَاطِبِ وَالْمَهَالِكِ بِسَبَبِ أَنَّهُ مَلِكٌ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ الْكُفَّارِ {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ} [الشعراء: 111] وَفِي الْأَنْبِيَاءِ الْآيَةُ الْأُخْرَى {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} [هود: 27] فَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اتِّبَاعَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْمُبَادِرِينَ إلَى تَصْدِيقِهِمْ إنَّمَا هُمْ الْفُقَرَاءُ وَالضُّعَفَاءُ، وَأَعْدَاءُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمُعَانِدُوهُمْ هُمْ الْأَغْنِيَاءُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب: 67] وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا} [سبأ: 34] وَلَمْ يَقُلْ إلَّا قَالَ فُقَرَاؤُهَا فَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي خَلْقِهِ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ فِي هَذِهِ الدَّارِ هُمْ الْأَقَلُّونَ فِي تِلْكَ الدَّارِ، وَالْأَقَلُّونَ فِي هَذِهِ الدَّارِ هُمْ الْأَكْثَرُونَ فِي تِلْكَ الدَّارِ فَهَذَا وَجْهُ مَا كَانَ السَّلَفُ يَعْتَمِدُونَهُ مِنْ الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ فِي الْمُبَاحَاتِ، وَهُوَ وَجْهُ لُزُومِ الذَّمِّ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20] فَهَذَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّوَكُّلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَرْكِ الْأَسْبَابِ) اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ الْتَبَسَ هَاتَانِ الْقَاعِدَتَانِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ فِي عِلْمِ الرَّقَائِقِ فَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَصِحُّ التَّوَكُّلُ إلَّا مَعَ تَرْكِ الْأَسْبَابِ، وَالِاعْتِمَادِ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ وَغَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاجِبَةً أَوْ الْمَنْدُوبَ كَانَتْ مَنْدُوبَةً أَوْ الْمَكْرُوهَ كَانَتْ مَكْرُوهَةً أَوْ الْمُبَاحَ كَانَتْ مُبَاحَةً، وَبِالْجُمْلَةِ فَتَقْسِيمُ الْبِدْعَةِ مَعَ السُّنَّةِ عَلَى نَحْوِ تَقْسِيمِ النَّحْوِيِّينَ حَرْفَ الْجَرِّ الْأَصْلِيِّ مَعَ الزَّائِدِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَصْلِيٌّ، وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى خَاصٍّ وَاحْتَاجَ لِمُتَعَلَّقٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَزَائِدٌ، وَهُوَ مَا لَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى خَاصٍّ، وَلَا يَحْتَاجُ لِمُتَعَلَّقٍ وَشَبِيهٌ بِهِمَا، وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنًى خَاصٍّ، وَلَمْ يَحْتَجْ لِمُتَعَلَّقٍ فَكَمَا انْقَسَمَ حَرْفُ الْجَرِّ إلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَذَلِكَ الْبِدْعَةُ مَعَ السُّنَّةِ تَنْقَسِمُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ إلَى ثَلَاثَةٍ: سُنَّةٌ، وَهِيَ مَا فُعِلَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَشَهِدَ لَهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ، وَبِدْعَةٌ، وَهُوَ مَا لَمْ يُفْعَلْ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَشْهَدْ لَهُ الْأَصْلُ. وَمُشْتَبِهَاتٌ، وَهُوَ مَا لَمْ يُفْعَلْ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَشَهِدَ لَهُ الْأَصْلُ وَتَوْضِيحُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَنَّ مَا يَحْرُمُ وَيُنْهَى عَنْهُ مِنْ الْبِدَعِ هُوَ الْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ الْقَبِيحَةِ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ الصَّادِقَةِ عَلَى الْمُحَرَّمَةِ وَعَلَى الْمَكْرُوهَةِ وَأَنَّ مَا لَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْهَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ الْحَسَنَةِ الصَّادِقَةِ عَلَى الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ وَالْمُبَاحَةِ وَقَوْلُ الْأَصْلِ: وَالْأَصْحَابُ - فِيمَا رَأَيْت - مُتَّفِقُونَ عَلَى إنْكَارِ الْبِدَعِ إلَخْ هُوَ طَرِيقَةُ نَفْيِ التَّفْصِيلِ فِي الْبِدَعِ، وَأَنَّهَا لَا تَكُونُ وَاجِبَةً، وَلَا مَنْدُوبَةً، وَلَا مُبَاحَةً بَلْ إنَّمَا تَكُونُ قَبِيحَةً مَنْهِيًّا عَنْهَا فَالْكَلَامُ عَلَيْهَا مِنْ جِهَتَيْنِ (الْجِهَةُ الْأُولَى) أَنَّ أَمْثِلَةَ الْبِدَعِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ وَالْمُبَاحَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْقَرَافِيُّ وَشَيْخُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا مِمَّا لَهُ أَصْلٌ فِي الدِّينِ، وَمِنْ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ، وَعَنْ كَوْنِهَا مِنْ الْعَادِيَّاتِ، وَمَا كَانَ مِمَّا لَهُ أَصْلٌ فِي الدِّينِ، وَمِنْ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ لَا يُعَدُّ مِنْ الْبِدَعِ؛ لِأَنَّ خَاصَّةَ الْبِدْعَةِ أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَمَّا رَسَمَهُ الشَّارِعُ؛ إذْ هِيَ طَرِيقَةٌ فِي الدِّينِ اُبْتُدِعَتْ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ تَقَدَّمَهَا تُضَاهِي الشَّرِيعَةَ يُقْصَدُ بِالسُّلُوكِ عَلَيْهَا الْمُبَالَغَةُ فِي التَّعَبُّدِ فَانْفَصَلَتْ بِهَذَا الْقَيْدِ عَنْ كُلِّ مَا ظَهَرَ لِبَادِئِ الرَّأْيِ أَنَّهُ مُخْتَرِعٌ مِمَّا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالدِّينِ كَعِلْمِ النَّحْوِ وَالتَّصْرِيفِ وَمُفْرَدَاتِ اللُّغَةِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الْخَادِمَةِ لِلشَّرِيعَةِ فَإِنَّهَا. وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ فَأُصُولُهَا مَوْجُودَةٌ فِي الشَّرْعِ؛ إذْ الْأَمْرُ بِإِعْرَابِ الْقُرْآنِ مَنْقُولٌ، وَعُلُومُ اللِّسَانِ هَادِيَةٌ لِلصَّوَابِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَحَقِيقَتُهَا إذًا أَنَّهَا فِقْهُ التَّعَبُّدِ بِالْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى مَعَانِيهَا كَيْفَ تُؤْخَذُ وَتُؤَدَّى، وَأُصُولُ الْفِقْهِ إنَّمَا مَعْنَاهَا اسْتِقْرَاءُ كُلِّيَّاتِ الْأَدِلَّةِ حَتَّى تَكُونَ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ نَصْبَ عَيْنٍ، وَعِنْدَ الطَّالِبِ سَهْلَةَ الْمُلْتَمَسِ، وَكَذَلِكَ أُصُولُ الدِّينِ، وَهُوَ عِلْمُ الْكَلَامِ إنَّمَا حَاصِلُهُ تَقْرِيرٌ لِأَدِلَّةِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ أَوْ مَا يَنْشَأُ عَنْهَا فِي التَّوْحِيدِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَمَا كَانَ الْفِقْهُ تَقْرِيرَ الْأَدِلَّةِ فِي الْفُرُوعِ الْعَبَّادِيَّةِ، وَتَصْنِيفُهَا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَرَعًا إلَّا أَنَّ لَهُ أَصْلًا فِي الشَّرْعِ فَفِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى الْخُصُوصِ فَالشَّرْعُ بِجُمْلَتِهِ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِهِ، وَهُوَ مُسْتَمَدٌّ مِنْ قَاعِدَةِ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهَا فَعَلَى الْقَوْلِ بِإِثْبَاتِهَا أَصْلًا شَرْعِيًّا لَا إشْكَالَ فِي أَنَّ كُلَّ عِلْمٍ خَادِمٌ لِلشَّرِيعَةِ دَاخِلٌ تَحْتَ أَدِلَّتِهَا الَّتِي لَيْسَتْ بِمَأْخُوذَةٍ مِنْ جُزْءٍ وَاحِدٍ فَلَيْسَتْ بِبِدْعَةٍ أَلْبَتَّةَ وَعَلَى الْقَوْلِ بِنَفْيِهَا لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْعُلُومُ مُبْتَدَعَاتٍ، وَإِذَا دَخَلَتْ فِي عِلْمِ الْبِدَعِ كَانَتْ قَبِيحَةً؛ لِأَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ مِنْ غَيْرِ إشْكَالٍ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كَتْبُ الْمُصْحَفِ، وَجَمْعُ الْقُرْآنِ قَبِيحًا، وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَيْسَ إذًا بِبِدْعَةٍ وَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لَهُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ وَلَيْسَ إلَّا هَذَا النَّوْعُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ، وَهُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ جُمْلَةِ الشَّرِيعَةِ، وَإِذَا ثَبَتَ جُزْءٌ فِي الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ ثَبَتَ مُطْلَقُ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ فَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى عِلْمُ النَّحْوِ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ عُلُومِ اللِّسَانِ، أَوْ عِلْمُ الْأُصُولِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْعُلُومِ الْخَادِمَةِ لِلشَّرِيعَةِ بِدْعَةً أَصْلًا

وَقَالَ آخَرُونَ: لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ التَّوَكُّلِ وَتَرْكِ الْأَسْبَابِ، وَلَا هُوَ هُوَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ التَّوَكُّلَ هُوَ اعْتِمَادُ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فِيمَا يَجْلِبُهُ مِنْ خَيْرٍ، أَوْ يَدْفَعُهُ مِنْ ضُرٍّ، قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: وَالْأَحْسَنُ مُلَابَسَةُ الْأَسْبَابِ مَعَ التَّوَكُّلِ لِلْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ، أَمَّا الْمَنْقُولُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] فَأَمَرَ بِالِاسْتِعْدَادِ مَعَ الْأَمْرِ بِالتَّوَكُّلِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 122] وقَوْله تَعَالَى {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6] أَيْ تَحَرَّزُوا مِنْهُ فَقَدْ أَمَرَ بِاكْتِسَابِ التَّحَرُّزِ مِنْ الشَّيْطَانِ كَمَا يُتَحَرَّزُ مِنْ الْكُفَّارِ، وَأَمَرَ - تَعَالَى - بِمُلَابَسَةِ أَسْبَابِ الِاحْتِيَاطِ وَالْحَذَرِ مِنْ الْكُفَّارِ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدُ الْمُتَوَكِّلِينَ وَكَانَ يَطُوفُ عَلَى الْقَبَائِلِ وَيَقُولُ مَنْ يَعْصِمُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي. وَكَانَ لَهُ جَمَاعَةٌ يَحْرُسُونَهُ مِنْ الْعَدُوِّ حَتَّى نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] وَدَخَلَ مَكَّةَ مُظَاهِرًا بَيْنَ دِرْعَيْنِ فِي كَتِيبَتِهِ الْخَضْرَاءِ مِنْ الْحَدِيدِ، وَكَانَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَأَكْمَلِ أَحْوَالِهِ مَعَ رَبِّهِ - تَعَالَى - يَدَّخِرُ قُوتَ سَنَةٍ لِعِيَالِهِ، وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ الْمَلِكَ الْعَظِيمَ إذَا كَانَتْ لَهُ جَمَاعَةٌ، وَلَهُمْ عَوَائِدُ فِي أَيَّامٍ لَا يَحْسُنُ إلَّا فِيهَا أَوْ أَبْوَابٌ لَا تَخْرُجُ إلَّا مِنْهَا، أَوْ أَمْكِنَةٌ لَا يُدْفَعُ إلَّا فِيهَا فَالْأَدَبُ مَعَهُ أَنْ لَا يُطْلَبَ مِنْهُ فِعْلٌ إلَّا حَيْثُ عَوَّدَهُ، وَأَنْ لَا يُخَالِفَ عَوَائِدَهُ بَلْ يَجْرِي عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - مَلِكُ الْمُلُوكِ وَأَعْظَمُ الْعُظَمَاءِ بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ رَتَّبَ مُلْكَهُ عَلَى عَوَائِدَ أَرَادَهَا، وَأَسْبَابٍ قَدَّرَهَا، وَرَبَطَ بِهَا آثَارَ قُدْرَتِهِ، وَلَوْ شَاءَ لَمْ يَرْبِطْهَا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَنْ سَمَّاهُ بِدْعَةً فَإِمَّا عَلَى الْمَجَازِ كَمَا سَمَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قِيَامَ النَّاسِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ بِدْعَةً، وَإِمَّا جَهْلًا بِمَوَاقِعِ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ فَلَا يَكُونُ قَوْلُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُعْتَدًّا بِهِ، وَلَا مُعْتَمَدًا عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ الْعَادِيَّاتِ كَإِقَامَةِ صُوَرِ الْأَئِمَّةِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ وَالْقُضَاةِ وَاِتِّخَاذِ الْمَنَاخِلِ وَغَسْلِ الْيَدَيْنِ بِالْأُشْنَانِ وَلُبْسِ الطَّيَالِسِ وَتَوْسِيعِ الْأَكْمَامِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي الزَّمَنِ الْفَاضِلِ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ فَالتَّمْثِيلُ بِهَا لِمَنْدُوبَاتِ الْبِدَعِ وَمُبَاحَاتِهَا، وَكَذَا بِالْمُكُوسِ وَالْمُحْدَثَاتِ مِنْ الْمَظَالِمِ. وَتَقْدِيمُ الْجُهَّالِ عَلَى الْعُلَمَاءِ فِي الْوِلَايَاتِ الْعِلْمِيَّةِ، وَتَوْلِيَةُ الْمَنَاصِبِ الشَّرِيفَةِ مَنْ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ بِطَرِيقِ الْوِرَاثَةِ لِمُحَرَّمَاتِ الْبِدَعِ مَبْنِيٌّ عَلَى إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ فِي الْعَادِيَّاتِ، وَهِيَ الَّتِي مَال إلَيْهَا الْقَرَافِيُّ وَشَيْخُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَذَهَبَ إلَيْهَا بَعْضُ السَّلَفِ كَمُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ مِنْ أَنَّ الْمُخْتَرَعَاتِ مِنْهَا تَلْحَقُ بِالْبِدَعِ، وَتَصِيرُ كَالْعِبَادَاتِ الْمُخْتَرَعَةِ الْجَارِيَةِ فِي الْأُمَّةِ لِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) : أَنَّهَا أُمُورٌ جَرَتْ فِي النَّاسِ وَكَثُرَ الْعَمَلُ بِهَا وَشَاعَتْ وَذَاعَتْ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) : أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِبَادَاتِ؛ إذْ الْأُمُورُ الْمَشْرُوعَةُ تَارَةً تَكُونُ عِبَادِيَّةً، وَتَارَةً تَكُونُ عَادِيَّةً فَكِلَاهُمَا مَشْرُوعٌ مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ فَكَمَا تَقَعُ الْمُخَالَفَةُ بِالِابْتِدَاعِ فِي أَحَدِهِمَا تَقَعُ فِي الْآخَرِ (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) : أَنَّ الشَّرْعَ جَاءَ بِالْوَعْدِ بِأَشْيَاءَ تَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ هِيَ خَارِجَةٌ عَنْ سُنَّتِهِ فَتَدْخُلُ فِيمَا تَقَدَّمَ تَمْثِيلُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا قَالَ فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَدُّوا إلَيْهِمْ حَقَّهُمْ وَسَلُوا حَقَّكُمْ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمْرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا «إذَا أُسْنِدَ الْأَمْرُ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرُوا السَّاعَةَ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ وَيُلْقَى وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّمَا هُوَ قَالَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ» وَعَنْ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ بَيْنَ يَدَيَّ لَأَيَّامًا يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ وَيَرْتَفِعُ فِيهَا الْعِلْمُ وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ» وَالْهَرَجُ الْقَتْلُ وَعَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثَيْنِ رَأَيْت أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الْآخَرَ حَدَّثَنَا أَنَّ الْأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ ثُمَّ عَلِمُوا مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ عَلِمُوا مِنْ السُّنَّةِ، وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا ثُمَّ قَالَ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْوَكْتِ ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْمَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِك فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، وَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ. وَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ، فَيُقَالُ: إنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ مَا أَعْقَلَهُ وَمَا أَظْرَفَهُ وَمَا أَجْلَدَهُ، وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إيمَانٍ» الْحَدِيثَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ، وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ زَعَمَ أَنَّهُ رَسُولٌ وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ ثُمَّ قَالَ وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ» ، وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

فَجَعَلَ الرَّيَّ بِالشُّرْبِ، وَالشِّبَعَ بِالْأَكْلِ، وَالِاحْتِرَاقَ بِالنَّارِ وَالْحَيَاةَ بِالتَّنَفُّسِ فِي الْهَوَاءِ فَمَنْ طَلَبَ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - حُصُولَ هَذِهِ الْآثَارِ بِدُونِ أَسْبَابِهَا فَقَدْ أَسَاءَ الْأَدَبَ مَعَ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بَلْ يَلْتَمِسُ فَضْلَهُ فِي عَوَائِدِهِ، وَقَدْ انْقَسَمَتْ الْخَلَائِقُ فِي هَذَا الْمَقَامِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ قِسْمٌ عَامَلُوا اللَّهَ - تَعَالَى - بِاعْتِمَادِ قُلُوبِهِمْ عَلَى قُدْرَتِهِ - تَعَالَى - مَعَ إهْمَالِ الْأَسْبَابِ وَالْعَوَائِدِ فَلَجَّجُوا فِي الْبِحَارِ فِي زَمَنِ الْهَوْلِ وَسَلَكُوا الْقِفَارَ الْعَظِيمَةَ الْمُهْلِكَةَ بِغَيْرِ زَادٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ، فَهَؤُلَاءِ حَصَلَ لَهُمْ التَّوَكُّلُ وَفَاتَهُمْ الْأَدَبُ مَعَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِبَادِ أَحْوَالُهُمْ مَسْطُورَةٌ فِي الْكُتُبِ فِي الرَّقَائِقِ، وَقِسْمٌ لَاحَظُوا الْأَسْبَابَ، وَأَعْرَضُوا عَنْ التَّوَكُّلِ، وَهُمْ عَامَّةُ الْخَلْقِ وَشَرُّ الْأَقْسَامِ، وَرُبَّمَا وَصَلُوا بِمُلَاحَظَةِ الْأَسْبَابِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الْمُسَبِّبِ إلَى الْكُفْرِ، وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ اعْتَمَدَتْ قُلُوبُهُمْ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - طَلَبُوا فَضْلَهُ فِي عَوَائِدِهِ مُلَاحِظِينَ فِي تِلْكَ الْأَسْبَابِ مُسَبِّبَهَا وَمُيَسِّرَهَا فَجَمَعُوا بَيْنَ التَّوَكُّلِ وَالْأَدَبِ وَهَؤُلَاءِ النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ، وَخَاصَّةُ عِبَادِ اللَّهِ - تَعَالَى. وَالْعَارِفُونَ بِمُعَامَلَتِهِ جَعَلَنَا اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْهُمْ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ فَهَؤُلَاءِ هُمْ خَيْرُ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يُهْمِلُ الْأَسْبَابَ وَيُفَرِّطُ فِي التَّوَكُّلِ بِحَيْثُ يَجْعَلُهُ عَدَمَ الْأَسْبَابِ أَوْ مِنْ شَرْطِهِ عَدَمُ الْأَسْبَابِ إذَا قِيلَ: الْإِيمَانُ سَبَبٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَالْكُفْرُ سَبَبٌ لِدُخُولِ النَّارِ بِالْجَعْلِ الشَّرْعِيِّ كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ فَهَلْ هُوَ تَارِكٌ هَذَيْنِ السَّبَبَيْنِ أَوْ مُعْتَبِرُهُمَا فَإِنْ تَرَكَ اعْتِبَارَهُمَا خَسِرَ الدُّنْيَا، وَإِنْ اعْتَبَرَهُمَا فَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ الْإِيمَانِ، وَتَرَكَ الْكُفْرَ فَيُقَالُ لَهُ: مَا بَالُ غَيْرِهِمَا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا فَيَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضِ الدُّنْيَا» وَفَسَّرَ ذَلِكَ الْحَسَنُ قَالَ يُصْبِحُ مُحَرِّمًا لِدَمِ أَخِيهِ وَعِرْضِهِ وَمَالِهِ وَيُمْسِي مُسْتَحِلًّا لَهُ كَأَنَّهُ تَأَوَّلَهُ عَلَى الْحَدِيثِ الْآخَرِ «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ وَيَفْشُوَ الزِّنَا وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ وَيَقِلَّ الرِّجَالُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ» . وَمِنْ غَرِيبِ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا فَعَلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً حَلَّ بِهَا الْبَلَاءُ قِيلَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إذَا صَارَ الْمَغْنَمُ دُوَلًا، وَالْأَمَانَةُ مَغْنَمًا وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا، وَأَطَاعَ الرَّجُلُ زَوْجَهُ، وَعَقَّ أُمَّهُ، وَبَرَّ صَدِيقَهُ وَجَفَا أَبَاهُ وَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ، وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ وَلُبِسَ الْحَرِيرُ وَاُتُّخِذَتْ الْقِيَانُ وَالْمَعَازِفُ، وَلَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ وَزَلْزَلَةً وَخَسْفًا أَوْ مَسْخًا وَقَذْفًا» . وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَرِيبُ هَذَا وَفِيهِ «سَادَ الْقَبِيلَةَ فَاسِقُهُمْ، وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ وَفِيهِ وَظَهَرَتْ الْقِيَانُ وَالْمَعَازِفُ، وَفِي آخِرِهِ فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ وَزَلْزَلَةً وَخَسْفًا وَآيَاتٍ تَتَابَعُ كَنِظَامٍ بَالٍ قُطِعَ سِلْكُهُ فَتَتَابَعَ» . فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَأَمْثَالُهَا مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَبْدِيلُ الْأَعْمَالِ الَّتِي كَانُوا أَحَقَّ بِالْعَمَلِ بِهَا فَلَمَّا عَوَّضُوا مِنْهَا غَيْرَهَا وَفَشَا فِيهَا كَأَنَّهُ مِنْ الْمَعْمُولِ بِهِ تَشْرِيعًا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْحَوَادِثِ الطَّارِئَةِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَ فِي الْعِبَادَاتِ. 2 - (وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) وَعَلَيْهَا الْأَكْثَرُونَ أَنَّ الْعَادِيَّاتِ إنْ كَانَتْ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالشِّرَاءِ وَالطَّلَاقِ وَالْإِجَارَاتِ وَالْجِنَايَاتِ مِمَّا لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّعَبُّدَاتِ لِكَوْنِهَا مُقَيَّدَةً بِأُمُورٍ شَرْعِيَّةٍ لَا خِيرَةَ لِلْمُكَلَّفِ فِيهَا كَانَتْ اقْتِضَاءً أَوْ تَخْيِيرًا فَإِنَّ التَّخْيِيرَ فِي التَّعَبُّدَاتِ إلْزَامٌ كَمَا أَنَّ الِاقْتِضَاءَ إلْزَامٌ حَسْبَمَا تُقِرُّ، وَبُرْهَانُهُ فِي كِتَابِ الْمُوَافَقَاتِ صَحَّ دُخُولُ الِابْتِدَاعِ فِيهَا كَالْعِبَادَاتِ. وَإِلَّا فَلَا وَهَذِهِ هِيَ النُّكْتَةُ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا حُكْمُ الْبَابِ وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِالْأَمْثِلَةِ فَمَا أَتَى بِهِ الْقَرَافِيُّ مِثَالًا لِلْبِدْعَةِ الْمُحَرَّمَةِ مِنْ وَضْعِ الْمُكُوسِ فِي مُعَامَلَاتِ النَّاسِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى قَصْدِ حَجْرِ التَّصَرُّفَاتِ وَقْتًا مَا أَوْ فِي حَالَةٍ مَا لِنَيْلِ حُطَامِ الدُّنْيَا عَلَى هَيْئَةِ غَصْبِ الْغَاصِبِ وَسَرِقَةِ السَّارِقِ وَقَطْعِ الْقَاطِعِ لِلطَّرِيقِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَوْ يَكُونُ عَلَى قَصْدِ وَضْعِهِ عَلَى النَّاسِ كَالدَّيْنِ الْمَوْضُوعِ وَالْأَمْرِ الْمَحْتُومِ عَلَيْهِمْ دَائِمًا أَوْ فِي أَوْقَاتٍ مَحْدُودَةٍ عَلَى كَيْفِيَّاتٍ مَضْرُوبَةٍ بِحَيْثُ تُضَاهِي الْمَشْرُوعَ الدَّائِمَ الَّذِي يَحْمِلُ عَلَيْهِ الْعَامَّةُ وَيُؤْخَذُونَ بِهِ وَتُوَجَّهُ عَلَى الْمُمْتَنِعِ مِنْهُ الْعُقُوبَةُ كَمَا فِي أَخْذِ زَكَاةِ الْمَوَاشِي وَالْحَرْثِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَمِنْ الْفَرْضِ الثَّانِي يَصِيرُ تَشْرِيعًا زَائِدًا وَبِدْعَةً بِلَا شَكٍّ، وَيَصِيرُ لِلْمُكُوسِ عَلَى هَذَا الْفَرْضِ نَظَرَانِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا مُحَرَّمَةً عَلَى الْفَاعِلِ أَنْ يَفْعَلَهَا كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ، وَنَظَرٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا اخْتِرَاعًا لِتَشْرِيعٍ يُؤْخَذُ بِهِ النَّاسُ إلَى الْمَوْتِ كَمَا يُؤْخَذُونَ بِسَائِرِ التَّكَالِيفِ فَاجْتَمَعَ فِيهَا نَهْيَانِ نَهْيٌ عَنْ الْمَعْصِيَةِ، وَنَهْيٌ عَنْ الْبِدْعَةِ، وَمِنْ الْفَرْضِ الْأَوَّلِ إنَّمَا يُوجَدُ بِهَا النَّهْيُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا تَشْرِيعًا مَوْضُوعًا عَلَى النَّاسِ أَمْرَ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ؛ إذْ لَيْسَ فِيهَا جِهَةٌ أُخْرَى يَكُونُ بِهَا مَعْصِيَةٌ بَلْ نَفْسُ التَّشْرِيعِ هُوَ نَفْسُ الْمَمْنُوعِ، وَكَذَلِكَ تَقْدِيمُ الْجُهَّالِ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَتَوْلِيَةُ الْمَنَاصِبِ الشَّرِيفَةِ مَنْ لَا يُصْلَحُ لَهَا بِطَرِيقِ التَّوْرِيثِ فَإِنْ جُعِلَ الْجَاهِلُ فِي مَوْضِعِ الْعَالِمِ حَتَّى يَصِيرَ مُفْتِيًا فِي الدِّينِ وَمَعْمُولًا بِقَوْلِهِ فِي الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَالْأَبْضَاعِ وَغَيْرِهَا

مِنْ الْأَسْبَابِ إنْ كَانَ هَذَانِ لَا يُنَافِيَانِ التَّوَكُّلَ فَغَيْرُهُمَا كَذَلِكَ نَعَمْ مِنْ الْأَسْبَابِ مَا هُوَ مُطَّرِدٌ فِي مَجْرَى عَوَائِدِ اللَّهِ - تَعَالَى - كَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَالْغِذَاءِ وَالتَّنَفُّسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْهَا مَا هُوَ أَكْثَرِيٌّ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لَكِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَجْرَى فِيهِ عَادَةً مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ كَالْأَدْوِيَةِ وَأَنْوَاعِ الْأَسْفَارِ لِلْأَرْبَاحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْأَدَبُ فِي الْجَمِيعِ الْتِمَاسُ فَضْلِ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي عَوَائِدِهِ وَلِذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ بِالدَّوَاءِ وَالْحِمْيَةِ وَاسْتِعْمَالِ الْأَدْوِيَةِ حَتَّى الْكَيِّ بِالنَّارِ «فَأَمَرَ بِكَيِّ سَعْدٍ» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمَعِدَةُ بَيْتُ الدَّاءِ، وَالْحِمْيَةُ رَأْسُ الدَّوَاءِ، وَصَلَاحُ كُلِّ جِسْمٍ مَا اعْتَادَ» وَإِذَا كَانَ حَالُهُ فِي الْأَسْبَابِ الَّتِي لَيْسَتْ مُطَّرِدَةً مِنْ الْحِمْيَةِ وَإِصْلَاحِ الْبَدَنِ بِمُوَاظَبَةِ عَادَتِهِ فَمَا ظَنُّك بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعَوَائِدِ، فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْأَبْلَجُ، وَالطَّرِيقُ الْأَنْهَجُ (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَسَدِ وَقَاعِدِ الْغِبْطَةِ) اشْتَرَكَتْ الْقَاعِدَتَانِ فِي أَنَّهُمَا طَلَبٌ مِنْ الْقَلْبِ غَيْرَ أَنَّ الْحَسَدَ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْ الْغَيْرِ، وَالْغِبْطَةُ تَمَنِّي حُصُولِ مِثْلِهَا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِطَلَبِ زَوَالِهَا عَنْ صَاحِبِهَا ثُمَّ الْحَسَدُ حَسَدَانِ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ وَحُصُولِهَا لِلْحَاسِدِ وَتَمَنِّي زَوَالِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْلُبَ حُصُولَهَا لِلْحَاسِدِ، وَهُوَ شَرُّ الْحَاسِدِينَ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ الْمَفْسَدَةَ الصِّرْفَةَ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ عَادِيٍّ أَوْ طَبِيعِيٍّ ثُمَّ حُكْمُ الْحَسَدِ فِي الشَّرِيعَةِ التَّحْرِيمُ، وَحُكْمُ الْغِبْطَةِ الْإِبَاحَةُ لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِمَفْسَدَةٍ أَلْبَتَّةَ، وَدَلِيلُ تَحْرِيمِ الْحَسَدِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمُحَرَّمٌ فِي الدِّينِ فَقَطْ. وَأَمَّا كَوْنُ ذَلِكَ يُتَّخَذُ دَيْدَنًا حَتَّى يَصِيرَ الِابْنُ مُسْتَحِقًّا لِرُتْبَةِ الْأَبِ. وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الْأَبِ فِي ذَلِكَ الْمَنْصِبِ بِطَرِيقِ الْوِرَاثَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَشِيعُ هَذَا الْعَمَلُ وَيَطَّرِدُ وَيَرِدُهُ النَّاسُ كَالشَّرْعِ الَّذِي لَا يُخَالَفُ بِأَنْ يُعَبِّرُوا عَنْهُ كَمَا يُعَبَّرُ عَنْ الْقَاعِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ مَنْ مَاتَ عَنْ شَيْءٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فَفِيهِ جِهَتَانِ جِهَةُ كَوْنِهِ بِدْعَةً بِلَا إشْكَالٍ، وَجِهَةُ كَوْنِهِ قَوْلًا بِالرَّأْيِ غَيْرِ الْجَارِي عَلَى الْعِلْمِ هُوَ الَّذِي بَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» وَإِنَّمَا ضَلُّوا وَأَضَلُّوا؛ لِأَنَّهُمْ أَفْتَوْا بِالرَّأْيِ؛ إذْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ، وَهُوَ بِدْعَةٌ أَوْ سَبَبُ الْبِدْعَةِ، وَمَا أَتَى بِهِ الْقَرَافِيُّ مَثَلًا لِلْبِدْعَةِ الْمَنْدُوبَةِ مِنْ إقَامَةِ صُوَرِ الْأَئِمَّةِ وَالْقُضَاةِ وَوُلَاةِ الْأَمْرِ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ فَإِنَّ الْبِدْعَةَ لَا تُتَصَوَّرُ فِيهِ إلَّا بِمَا فِيهِ بُعْدٌ جِدًّا مِنْ تَكَلُّفِ فَرْضِ أَنْ يُعْتَقَدَ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ أَنَّهُ مِمَّا يُطْلَبُ بِهِ الْأَئِمَّةُ عَلَى الْخُصُوصِ تَشْرِيعًا خَارِجًا عَنْ قَبِيلِ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ بِحَيْثُ يُعَدُّ مِنْ الدِّينِ الَّذِي يَدِينُ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمَطْلُوبُونَ بِهِ، أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ مِمَّا يُعَدُّ خَاصًّا بِالْأَئِمَّةِ دُونَ غَيْرِهِمْ كَمَا يَزْعُمُ بَعْضُهُمْ أَنَّ خَاتَمَ الذَّهَبِ جَائِزٌ لِذَوِي السُّلْطَانِ، أَوْ يَقُولُ: إنَّ الْحَرِيرَ جَائِزٌ لَهُمْ لُبْسُهُ دُونَ غَيْرِهِمْ. وَهَذَا أَقْرَبُ مِنْ الْأَوَّلِ فِي تَصَوُّرِ الْبِدْعَةِ فِي حَقِّ هَذَا الْقِسْمِ وَيُشْبِهُهُ عَلَى قُرْبٍ زَخْرَفَةُ الْمَسَاجِدِ؛ إذْ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ تَرْفِيعِ بُيُوتِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ تَعْلِيقُ الثُّرَيَّاتِ الْخَطِيرَةِ الْأَثْمَانِ حَتَّى يَعُدَّ الْإِنْفَاقَ فِي ذَلِكَ إنْفَاقًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ إذَا اعْتَقَدَ فِي زَخَارِفِ الْمُلُوكِ. وَإِقَامَةِ صُوَرِهِمْ أَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ تَرْفِيعِ الْإِسْلَامِ وَإِظْهَارِ مَعَالِمِهِ وَشَعَائِرِهِ أَوْ قَصَدَ ذَلِكَ فِي فِعْلِهِ أَوْ لَا أَنَّهُ تَرْفِيعٌ لِلْإِسْلَامِ لِمَا لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ بِهِ. وَمَا حَكَاهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ هَذِهِ الزَّخَارِفِ بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْمُعْتَادِ فِي اللِّبَاسِ وَالِاحْتِيَاطِ فِي الْحِجَابِ مَخَافَةً مِنْ انْخِرَاقِ خَرْقٍ يَتَّسِعُ فَلَا يُرَقَّعُ هَذَا إنْ صَحَّ مَا قَالَ، وَإِلَّا فَلَا يُعَوَّلُ عَلَى نَقْلِ الْمُؤَرِّخِينَ وَمَنْ لَا يُعْتَبَرُ مِنْ الْمُؤَلَّفِينَ وَأَحْرَى فِي أَنْ يَنْبَنِيَ عَلَيْهِ حُكْمٌ، وَمَا أَتَى بِهِ الْقَرَافِيُّ مِثَالًا لِلْبِدْعَةِ الْمُبَاحَةِ مِنْ اتِّخَاذِ الْمَنَاخِلِ لِلدَّقِيقِ فَالْمُعْتَادُ فِيهِ أَنْ لَا يُلْحِقَهُ أَحَدٌ بِالدِّينِ، وَلَا بِتَدْبِيرِ الدُّنْيَا بِحَيْثُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ كَالتَّشْرِيعِ فَلَا نُطَوِّلُ بِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ التَّرْتِيبِ يُنْظَرُ فِيمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ فَتَبَيَّنَ مَجَالُ الْبِدْعَةِ فِي الْعَادِيَّاتِ مِنْ مَجَالِ غَيْرِهَا وَقَدْ يُقْصَدُ بِالسُّلُوكِ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّعَبُّدِ لِلَّهِ - تَعَالَى - فِي تَعْرِيفِ الْبِدْعَةِ الْمُتَقَدِّمِ ظَاهِرُ الْمَعْنَى عَلَى طَرِيقَةِ الْأَكْثَرِينَ فِي الْعَادِيَّاتِ وَأَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الْقَرَافِيِّ وَشَيْخِهِ وَبَعْضِ السَّلَفِ فِيهَا فَمَعْنَاهُ أَنَّ الشَّرِيعَةَ إنَّمَا جَاءَتْ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي عَاجِلَتِهِمْ وَآجِلَتِهِمْ لِتَأْتِيَهُمْ فِي الدَّارَيْنِ عَلَى أَكْمَلِ وُجُوهِهَا فَهُوَ الَّذِي يَقْصِدُهُ الْمُبْتَدِعُ بِبِدْعَتِهِ؛ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ إمَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِالْعَادَاتِ أَوْ الْعِبَادَاتِ فَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالْعِبَادَاتِ فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهَا أَنْ يَأْتِيَ تَعَبُّدُهُ عَلَى أَبْلَغِ مَا يَكُونُ فِي زَعْمِهِ لِيَفُوزَ بِأَتَمِّ الْمَرَاتِبِ فِي الْآخِرَةِ فِي ظَنِّهِ، وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالْعَادَاتِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَضَعَهَا لِتَأْتِيَ أُمُورُ دُنْيَاهُ عَلَى تَمَامِ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا فَمَنْ يَجْعَلْ الْمَنَاخِلَ فِي قِسْمِ الْبِدَعِ فَظَاهِرٌ أَنَّ التَّمَتُّعَ عِنْدَهُ بِلَذَّةِ الدَّقِيقِ الْمَنْخُولِ أَتَمُّ مِنْهُ بِغَيْرِ الْمَنْخُولِ. وَكَذَلِكَ الْبِنَاءَاتُ الْمُشَيَّدَةُ التَّمَتُّعُ بِهَا أَبْلَغُ مِنْهُ بِالْحُشُوشِ وَالْخِرَبِ وَمِثْلُهُ الْمُصَادَرَاتُ فِي الْأَمْوَالِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أُولِي الْأَمْرِ. وَقَدْ أَبَاحَتْ الشَّرِيعَةُ التَّوَسُّعَ فِي التَّصَرُّفَاتِ فَيُعَدُّ الْمُبْتَدِعُ هَذَا مِنْ ذَلِكَ (الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ) : أَنَّ الْبِدَعَ عَلَى أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ قَبِيحَةً مَنْهِيًّا عَنْهَا هَلْ لَهَا حُكْمٌ وَاحِدٌ أَمْ مُتَعَدِّدٌ طَرِيقَتَانِ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى الْأُولَى، وَأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا كَبَائِرَ وَأَيَّدَهَا بِأَنَّ الصَّغِيرَةَ فَضْلًا عَنْ الْكَرَاهَةِ وَإِنْ ظَهَرَتْ فِي الْمَعَاصِي

فَالْكِتَابُ قَوْله تَعَالَى {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5] أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وقَوْله تَعَالَى {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 32] أَيْ لَا تَتَمَنَّوْا زَوَالَهُ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ النَّهْيِ دَالَّةٌ عَلَى هَذَا الْحَذْفِ، وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ - تَعَالَى - مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ» أَيْ لَا غِبْطَةَ إلَّا فِي هَاتَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا» وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْ الْغِبْطَةِ بِلَفْظِ الْحَسَدِ كَالْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَيُقَالُ: إنَّ الْحَسَدَ أَوَّلُ مَعْصِيَةٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهَا فِي الْأَرْضِ حَسَدَ إبْلِيسُ آدَمَ فَلَمْ يَسْجُدْ لَهُ (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْكِبْرِ وَقَاعِدَةِ التَّجَمُّلِ بِالْمَلَابِسِ وَالْمَرَاكِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ) اعْلَمْ أَنَّ الْكِبْرَ لِلَّهِ - تَعَالَى - عَلَى أَعْدَائِهِ حَسَنٌ، وَعَلَى عِبَادِهِ وَشَرَائِعِهِ حَرَامٌ وَكَبِيرَةٌ، قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ الْكِبْرِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَحَدَنَا يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً فَقَالَ إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ وَلَكِنَّ الْكِبْرَ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْصُ النَّاسِ» خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: بَطَرُ الْحَقِّ رَدُّهُ عَلَى قَائِلِهِ وَغَمْصُ النَّاسِ احْتِقَارُهُمْ، وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَعِيدٌ عَظِيمٌ يَقْتَضِي أَنَّ الْكِبْرَ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَعَدَمَ دُخُولِهِ الْجَنَّةَ مُطْلَقًا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِ الْبِدَعِ لَا تَظْهَرُ فِي الْبِدَعِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبِدَعَ ثَبَتَ لَهَا أَمْرَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا مُضَادَّةٌ لِلشَّارِعِ وَمُرَاغَمَةٌ لَهُ حَيْثُ نَصَّبَ الْمُبْتَدِعُ نَفْسَهُ نَصْبَ الْمُسْتَدْرِكِ عَلَى الشَّرِيعَةِ لَا نَصْبَ الْمُكْتَفِي بِمَا حُدَّ لَهُ (وَالثَّانِي) : أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ - وَإِنْ قَلَّتْ - تَشْرِيعٌ زَائِدٌ أَوْ نَاقِصٌ أَوْ تَغْيِيرٌ لِلْأَصْلِ الصَّحِيحِ، وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ عَلَى الِانْفِرَادُ، وَقَدْ يَكُونُ مُلْحَقًا بِمَا هُوَ مَشْرُوعٌ فَيَكُونُ قَادِحًا فِي الْمَشْرُوعِ، وَلَوْ فَعَلَ أَحَدٌ مِثْلَ هَذَا فِي نَفْسِ الشَّرِيعَةِ عَدَا الْكُفْرَ؛ إذْ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فِيهَا أَوْ التَّغْيِيرُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ كُفْرٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَلَّ مِنْهُ، وَمَا كَثُرَ فَمَنْ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ بِتَأْوِيلٍ فَاسِدٍ أَوْ بِرَأْيٍ غَالِطٍ رَآهُ وَأَلْحَقَهُ بِالْمَشْرُوعِ، فَإِذَا لَمْ نُكَفِّرْهُ لَمْ يَكُنْ فِي حُكْمِهِ فَرْقٌ بَيْنَ مَا قَلَّ مِنْهُ وَمَا كَثُرَ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ لَا تَحْمِلُهَا الشَّرِيعَةُ لَا بِقَلِيلٍ، وَلَا بِكَثِيرٍ لَا سِيَّمَا. وَعُمُومُ الْأَدِلَّةِ فِي ذَمِّ الْبِدَعِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ، وَكَلَامُ السَّلَفِ يَدُلُّ عَلَى عُمُومِ الذَّمِّ فِيهَا فَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ بِدْعَةٍ كَبِيرَةٌ عَظِيمَةٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى مُجَاوَزَةِ حُدُودِ اللَّهِ بِالتَّشْرِيعِ إلَّا أَنَّهَا. وَإِنْ عَظُمَتْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ تَتَفَاوَتُ رُتَبُهَا إذَا نُسِبَ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فَيَكُونُ مِنْهَا صِغَارٌ وَكِبَارٌ أَمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ بَعْضَهَا أَشَدُّ عِقَابًا مِنْ بَعْضٍ فَالْأَشَدُّ عِقَابًا أَكْبَرُ مِمَّا دُونَهُ. وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ فَوْتِ الْمَطْلُوبِ فِي الْمَفْسَدَةِ فَكَمَا انْقَسَمَتْ الطَّاعَةُ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ إلَى الْفَاضِلِ وَالْأَفْضَلِ لِانْقِسَامِ مَصَالِحِهَا إلَى الْكَامِلِ وَالْأَكْمَلِ انْقَسَمَتْ الْبِدَعُ لِانْقِسَامِ مَفَاسِدِهَا إلَى الرَّذْلِ وَالْأَرْذَلِ إلَى الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ مِنْ بَابِ النَّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ كَبِيرًا فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ صَغِيرٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ فَلَا يُنْظَرُ إلَى خِفَّةِ الْأَمْرِ فِي الْبِدْعَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى صُورَتِهَا، وَإِنْ دَقَّتْ بَلْ يُنْظَرُ إلَى مُصَادَمَتِهَا لِلشَّرِيعَةِ وَرَمْيِهَا لَهَا بِالنَّقْصِ وَالِاسْتِدْرَاكِ وَأَنَّهَا لَمْ تَكْمُلْ بَعْدُ حَتَّى يُوضَعَ فِيهَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَعَاصِي فَإِنَّهَا لَا تَعُودُ عَلَى الشَّرِيعَةِ بِتَنْقِيصٍ، وَلَا غَضٍّ مِنْ جَانِبِهَا بَلْ صَاحِبُ الْمَعْصِيَةِ يَتَنَصَّلُ مِنْهَا مُقِرًّا لِلَّهِ بِمُخَالَفَتِهِ لِحُكْمِهَا فَحَاصِلُ الْمَعْصِيَةِ أَنَّهَا مُخَالَفَةٌ فِي فِعْلِ الْمُكَلَّفِ لِمَا يُعْتَقَدُ صِحَّتُهُ مِنْ الشَّرِيعَةِ وَحَاصِلُ الْبِدْعَةِ مُخَالَفَةٌ فِي اعْتِقَادِ كَمَالِ الشَّرِيعَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ مَنْ أَحْدَثَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَلَفُهَا فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ خَانَ الرِّسَالَةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] إلَى آخِرِ الْحِكَايَةِ وَمِثْلُهَا جَوَابُهُ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمَدِينَةِ. وَقَالَ: أَيُّ فِتْنَةٍ فِيهَا إنَّمَا هِيَ أَمْيَالٌ أَزِيدُهَا، فَقَالَ: وَأَيُّ فِتْنَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَظُنَّ أَنَّك فَعَلْت فِعْلًا قَصَرَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِ الْحِكَايَةِ فَإِذًا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي الْبِدَعِ مَا هُوَ صَغِيرَةٌ بَلْ صَارَ اعْتِقَادُ الصَّغَائِرِ فِيهَا يَكَادُ يَكُونُ مِنْ الْمُتَشَابِهَاتِ كَمَا صَارَ اعْتِقَادُ نَفْيِ الْكَرَاهِيَةِ التَّنْزِيهَ عَنْهَا مِنْ الْوَاضِحَاتِ، وَإِلَى الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ أَعْنِي تَعَدُّدَ حُكْمِ الْبِدَعِ مَالَ الْإِمَامُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ الِاعْتِصَامِ: إنَّ الْبِدَعَ. وَإِنْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهَا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ وَنِسْبَتُهُ إلَى الضَّلَالَةِ وَاحِدَةٌ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ» ، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ بِدْعَةٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ هُوَ التَّحْرِيمُ فَقَطْ، أَوْ الْكَرَاهَةُ فَقَطْ لِوُجُوهٍ (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) : أَنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ جِنْسِ الْمَنْهِيَّاتِ، وَهِيَ لَا تُعَدُّ وَالْكَرَاهَةُ وَالتَّحْرِيمُ فَالْبِدَعُ كَذَلِكَ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ الْبِدَعَ إذَا تُؤُمِّلَ مَعْقُولُهَا وُجِدَتْ مُتَفَاوِتَةً فَمِنْهَا مَا هُوَ كُفْرٌ صُرَاحٌ كَبِدْعَةِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ بِنَحْوِ قَوْله تَعَالَى {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا} [الأنعام: 136] الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ} [الأنعام: 139]

عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ عِنْدَهُمْ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ كَالْكَافِرِ، وَعِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مَعْنَاهُ لَا يَدْخُلُ فِي وَقْتٍ يَدْخُلُهَا غَيْرُ الْمُتَكَبِّرِينَ أَيْ فِي الْمَبْدَأِ، وَالنَّفْيُ الْعَامُّ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ إذَا اقْتَضَتْهُ النُّصُوصُ أَوْ الْقَوَاعِدُ وَالْكِبْرُ مِنْ أَعْظَمِ ذُنُوبِ الْقَلْبِ نَسْأَلُ اللَّهَ - تَعَالَى - الْعَافِيَةَ حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: كُلُّ ذُنُوبِ الْقَلْبِ يَكُونُ مَعَهُ الْفَتْحُ إلَّا الْكِبْرَ، وَأَمَّا التَّجَمُّلُ فَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا فِي وُلَاةِ الْأُمُورِ وَغَيْرِهِمْ إذَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ تَنْفِيذُ الْوَاجِبِ فَإِنَّ الْهَيْئَاتِ الرَّثَّةَ لَا تَحْصُلُ مَعَهَا مَصَالِحُ الْعَامَّةِ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا إلَيْهَا فِي الصَّلَوَاتِ وَالْجَمَاعَاتِ وَفِي الْحُرُوبِ لِرَهْبَةِ الْعَدُوِّ وَالْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا، وَفِي الْعُلَمَاءِ لِتَعْظِيمِ الْعِلْمِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ أُحِبُّ أَنْ أَنْظُرَ إلَى قَارِئِ الْقُرْآنِ أَبْيَضَ الثِّيَابِ وَقَدْ يَكُونُ حَرَامًا إذَا كَانَ وَسِيلَةً لِمُحَرَّمٍ كَمَنْ يَتَزَيَّنُ لِلنِّسَاءِ الْأَجْنَبِيَّاتِ لِيَزْنِيَ بِهِنَّ، وَقَدْ يَكُونُ مُبَاحًا إذَا عَرِيَ عَنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ وَانْقَسَمَ التَّجَمُّلُ إلَى هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ، وَكَذَلِكَ الْكِبْرُ أَيْضًا قَدْ يَجِبُ عَلَى الْكُفَّارِ فِي الْحُرُوبِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ يُنْدَبُ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ تَقْلِيلًا لِلْبِدْعَةِ، وَقَدْ يَحْرُمُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وَالْإِبَاحَةُ فِيهِ بَعِيدَةٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّجَمُّلِ فِي تَصَوُّرِ الْإِبَاحَةِ فِيهِ أَنَّ أَصْلَ التَّجَمُّلِ الْإِبَاحَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32] فَإِذَا عُدِمَ الْمُعَارِضُ النَّاقِلُ عَنْ الْإِبَاحَةِ بَقِيَتْ الْإِبَاحَةُ، وَأَصْلُ الْكِبْرِ التَّحْرِيمُ، فَإِذَا عُدِمَ الْمُعَارِضُ النَّاقِلُ عَنْ التَّحْرِيمِ اُسْتُصْحِبَ فِيهِ التَّحْرِيمُ فَهَذَا فَرْقٌ، وَفَرْقٌ آخَرَ أَنَّ الْكِبْرَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ، وَالتَّجَمُّلُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوقَوْله تَعَالَى {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ} [المائدة: 103] وَكَذَلِكَ بِدْعَةُ الْمُنَافِقِينَ حَيْثُ اتَّخَذُوا الدِّينَ ذَرِيعَةً لِحِفْظِ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُشَكُّ أَنَّهُ كُفْرٌ صُرَاحٌ. وَمِنْهَا مَا هُوَ مِنْ الْمَعَاصِي الَّتِي لَيْسَتْ بِكُفْرٍ أَوْ يُخْتَلَفُ هَلْ هِيَ كُفْرٌ أَمْ لَا كَبِدْعَةِ الْخَوَارِجِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ مِنْ الْفِرَقِ الضَّالَّةِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مَعْصِيَةٌ وَيُتَّفَقُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِكُفْرٍ كَبِدْعَةِ التَّبَتُّلِ وَالصِّيَامِ قَائِمًا فِي الشَّمْسِ وَالْخِصَاءِ بِقَصْدِ قَطْعِ شَهْوَةِ النِّكَاحِ وَالْجِمَاعِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا يَقُولُ مَالِكٌ فِي إتْبَاعِ رَمَضَانَ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالَ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِالْإِدَارَةِ وَالِاجْتِمَاعِ لِلدُّعَاءِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَذِكْرِ السَّلَاطِينِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالشَّافِعِيُّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) : أَنَّ الْمَعَاصِيَ مِنْهَا صَغَائِرُ، وَمِنْهَا كَبَائِرُ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِكَوْنِهَا وَاقِعَةً فِي الضَّرُورِيَّاتِ أَوْ الْحَاجِيَّاتِ أَوْ التَّكْمِيلِيَّاتِ فَإِنَّ مَا كَانَتْ فِي الضَّرُورِيَّاتِ أَعْظَمُ الْكَبَائِرِ، وَمَا كَانَتْ فِي التَّحْسِينَاتِ فَأَدْنَى رُتْبَةً بِلَا إشْكَالٍ، وَمَا وَقَعَتْ فِي الْحَاجِيَّاتِ فَمُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ الرُّتْبَتَيْنِ ثُمَّ إنَّ كُلَّ رُتْبَةٍ مِنْ هَذِهِ الرُّتَبِ لَهَا مُكَمِّلٌ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي رُتْبَةِ الْمُكَمِّلِ فَإِنَّ الْمُكَمَّلَ مَعَ الْمُكَمِّلِ فِي نِسْبَةِ الْوَسِيلَةِ مَعَ الْمَقْصِدِ، وَلَا تَبْلُغُ الْوَسِيلَةُ رُتْبَةَ الْمَقْصِدِ، وَأَيْضًا الضَّرُورِيَّاتُ إذَا تُؤُمِّلَتْ وُجِدَتْ عَلَى مَرَاتِبَ فِي التَّأْكِيدِ وَعَدَمِهِ فَإِنَّ مَرْتَبَةَ النَّفْسِ لَيْسَتْ كَمَرْتَبَةِ الدِّينِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ لِلدَّمِ وَأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الدِّينِ تُبِيحُ تَعْرِيضَ النَّفْسِ لِلْقَتْلِ وَالْإِتْلَافِ فِي الْأَمْرِ بِمُجَاهَدَةِ الْكُفَّارِ وَالْمَارِقِينَ عَنْ الدِّينِ، وَمَرْتَبَةُ الْعَقْلِ وَالْمَالِ لَيْسَتْ كَمَرْتَبَةِ النَّفْسِ أَلَا تَرَى أَنَّ قَتْلَ النَّفْسِ مُبِيحٌ لِلْقِصَاصِ، فَالْقَتْلُ بِخِلَافِ الْعَقْلِ وَالْمَالِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا بَقِيَ، وَإِذَا نَظَرْت فِي مَرْتَبَةِ النَّفْسِ وَجَدْتهَا مُتَبَايِنَةَ الْمَرَاتِبِ أَلَا تَرَى أَنَّ قَطْعَ الْعُضْوِ لَيْسَ كَالذَّبْحِ، وَأَنَّ الْخَدْشَ لَيْسَ كَقَطْعِ الْعُضْوِ. وَهَذَا كُلُّهُ مَحَلُّ بَيَانِهِ الْأُصُولُ فَقَدْ ظَهَرَ تَفَاوُتُ رُتَبِ الْمَعَاصِي وَالْبِدَعِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَعَاصِي فَيُتَصَوَّرُ فِيهَا التَّفَاوُتُ أَيْضًا فَمِنْهَا مَا يَقَعُ فِي الضَّرُورِيَّاتِ إخْلَالًا بِهَا وَمِنْهَا مَا يَقَعُ فِي الْحَاجِيَاتِ إخْلَالًا بِهَا وَمِنْهَا مَا يَقَعُ فِي التَّحْسِينَاتِ إخْلَالًا بِهَا وَمَا يَقَعُ فِي رُتْبَةِ الضَّرُورِيَّاتِ، وَمِنْهُ مَا يَقَعُ فِي الدِّينِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي اخْتِرَاعِ الْكُفَّارِ وَتَغْيِيرِهِمْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمِنْهُ مَا يَقَعُ فِي النَّفْسِ كَنِحَلِ الْهِنْدِ فِي تَعْذِيبِهَا أَنْفُسَهَا بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ الشَّنِيعِ وَالتَّمْثِيلِ الْفَظِيعِ وَالْقَتْلِ بِالْأَصْنَافِ الَّتِي تَفْزَعُ مِنْهَا الْقُلُوبُ وَتَقْشَعِرُّ مِنْهَا الْجُلُودُ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ اسْتِعْجَالِ الْمَوْتِ لِنَيْلِ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى فِي زَعْمِهِمْ وَالْفَوْزِ بِالنَّعِيمِ الْأَكْمَلِ بَعْدَ الْخُرُوجِ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ الْعَاجِلَةِ، وَمَبْنِيٌّ عَلَى أُصُولٍ لَهُمْ فَاسِدَةٍ اعْتَقَدُوهَا وَبَنَوْا عَلَيْهَا أَعْمَالَهُمْ، وَمِنْهُ مَا يَقَعُ فِي النَّسْلِ كَمَا فِي أَنْكِحَةِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي لَا عَهْدَ بِهَا فِي شَرِيعَةِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَا غَيْرِهِ بَلْ كَانَتْ مِنْ جُمْلَةِ مَا اخْتَرَعُوا وَابْتَدَعُوا وَهِيَ أَنْوَاعٌ مِنْهَا نِكَاحُ الِاسْتِبْضَاعِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: إذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا أَرْسِلِي إلَى فُلَانٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ، وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا، وَلَا يَمَسُّهَا أَبَدًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي يُسْتَبْضَعُ مِنْهُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ حَمْلَهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إذَا أَحَبَّ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي نَجَابَةِ الْوَلَدِ، وَمِنْهُ مَا يَقَعُ فِي الْعَقْلِ كَزَعْمِ بَعْضِ الْفِرَقِ أَنَّ الْعَقْلَ لَهُ مَجَالٌ فِي التَّشْرِيعِ، وَأَنَّهُ مُحَسَّنٌ وَمُقَبَّحٌ فَابْتَدَعُوا فِي دِينِ اللَّهِ مَا لَيْسَ فِيهِ، وَمِنْهُ مَا يَقَعُ فِي الْمَالِ كَاحْتِجَاجِ الْكُفَّارِ عَلَى اسْتِحْلَالِ الْعَمَلِ بِالرِّبَا بِقِيَاسٍ فَاسِدٍ كَذَّبَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ وَرَدَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]

مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحَسَنُ دُونَ الْكِبْرِ (الْفَرْقُ السِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْكِبْرِ وَقَاعِدَةِ الْعُجْبِ) قَدْ تَقَدَّمَتْ حَقِيقَةُ الْكِبْرِ، وَأَنَّهُ فِي الْقَلْبِ وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} [غافر: 56] فَجَعَلَ مَحَلَّهُ الْقَلْبَ وَالصُّدُورَ وَأَمَّا الْعُجْبُ فَهُوَ رُؤْيَةُ الْعِبَادَةِ، وَاسْتِعْظَامُهَا مِنْ الْعَبْدِ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ تَكُونُ بَعْدَ الْعِبَادَةِ وَمُتَعَلِّقَةً بِهَا هَذَا التَّعَلُّقَ الْخَاصَّ كَمَا يَتَعَجَّبُ الْعَابِدُ بِعِبَادَتِهِ، وَالْعَالِمُ بِعِلْمِهِ، وَكُلُّ مُطِيعٍ بِطَاعَتِهِ هَذَا حَرَامٌ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلطَّاعَةِ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ بَعْدَهَا بِخِلَافِ الرِّيَاءِ فَإِنَّهُ يَقَعُ مَعَهَا فَيُفْسِدَهَا، وَسِرُّ تَحْرِيمِ الْعُجْبِ أَنَّهُ سُوءُ أَدَبٍ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَعْظِمَ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى سَيِّدِهِ بَلْ يَسْتَصْغِرُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَظَمَةِ سَيِّدِهِ لَا سِيَّمَا عَظَمَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] أَيْ مَا عَظَّمُوهُ حَقَّ تَعْظِيمِهِ فَمَنْ أُعْجِبَ بِنَفْسِهِ وَعِبَادَتِهِ فَقَدْ هَلَكَ مَعَ رَبِّهِ، وَهُوَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ وَعَرَّضَ نَفْسَهُ لِمَقْتِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَخَطِهِ وَنَبَّهَ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60] مَعْنَاهُ يَفْعَلُونَ مِنْ الطَّاعَاتِ مَا يَفْعَلُونَ وَهُمْ خَائِفُونَ مِنْ لِقَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِتِلْكَ الطَّاعَةِ احْتِقَارًا لَهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ هَذِهِ الصِّفَةِ وَالنَّهْيِ عَنْ ضِدِّهَا فَالْكِبْرُ رَاجِعٌ لِلْخَلْقِ وَالْعِبَادِ، وَالْعَجَبُ رَاجِعٌ لِلْعِبَادَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ: وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ فِي تَوْجِيهِ طَرِيقَةِ اتِّحَادِ حُكْمِ الْبِدَعِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ مَنْ يَكُونُ عَالِمًا بِكَوْنِهَا بِدْعَةً وَيُقِرُّ بِالْخِلَافِ لِلسُّنَّةِ بَحْتًا أَمَّا فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا، وَشَأْنُ كُلِّ مَنْ حَكَمْنَا لَهُ بِحُكْمِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَنْ لَا يُقِرَّ بِالْخِلَافِ لِلسُّنَّةِ بَحْتًا بَلْ يَكُونُ غَيْرَ عَالِمٍ بِأَنَّ مَا عَمِلَهُ بِدْعَةٌ؛ إذْ لَا يَرْضَى مُنْتَمٍ إلَى الْإِسْلَامِ بِإِبْدَاءِ صَفْحَةِ الْخِلَافِ لِلسُّنَّةِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ مُصَادِمٌ لِلشَّارِعِ مُرَاغِمٌ لِلشَّرْعِ بِالزِّيَادَةِ فِيهِ وَالنُّقْصَانِ مِنْهُ وَالتَّحْرِيفِ لَهُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَأْوِيلٍ فَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فَفِي اسْتِنْبَاطِهَا وَتَشْرِيعِهَا كَقَوْلِهِ: هِيَ بِدْعَةٌ، وَلَكِنَّهَا مُسْتَحْسَنَةٌ وَكَفِعْلِهِ لَهَا مُقِرًّا بِكَوْنِهَا بِدْعَةً لِأَجْلِ حَظٍّ عَاجِلٍ كَفَاعِلِ الذَّنْبِ لِقَضَاءِ حَظِّهِ الْعَاجِلِ خَوْفًا عَلَى حَظِّهِ أَوْ فِرَارًا مِنْ خَوْفٍ عَلَى حَظِّهِ أَوْ فِرَارًا مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ فِي اتِّبَاعِ السُّنَّةِ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ الْيَوْمَ فِي كَثِيرٍ مِمَّنْ يُشَارُ إلَيْهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا فَفِي تَقْلِيدِهِ كَقَوْلِهِ: إنَّهَا بِدْعَةٌ، وَلَكِنَّنِي رَأَيْت فُلَانًا الْفَاضِلَ يَعْمَلُ بِهَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُ مَالِكٍ: مَنْ أَحْدَثَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَلَفُهَا فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَانَ الرِّسَالَةَ وَقَوْلُهُ: لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْمَدِينَةِ أَيُّ فِتْنَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَظُنَّ أَنَّك سَبَقْت إلَى فَضِيلَةٍ قَصَرَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى آخِرِ الْحِكَايَةِ أَنَّهَا إلْزَامٌ لِلْخَصْمِ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ النَّظَرِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: يَلْزَمُك فِي هَذَا الْقَوْلِ كَذَا لَا أَنَّهُ يَقُولُ: قَصَدْت إلَيْهِ قَصْدًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ إلَى ذَلِكَ مُسْلِمٌ وَلَازِمُ الْمَذْهَبِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِيهِ هَلْ هُوَ مَذْهَبٌ أَمْ لَا إلَّا أَنَّ شُيُوخَنَا الْبَجَائِيِّينَ وَالْمَغْرِبِيِّينَ كَانُوا يَقُولُونَ: إنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ، وَيُرْوَى أَنَّهُ رَأْيُ الْمُحَقِّقِينَ أَيْضًا؛ فَلِذَلِكَ إذَا قُرِّرَ عَلَى الْخَصْمِ أَنْكَرَهُ غَايَةَ الْإِنْكَارِ فَاعْتِبَارُ ذَلِكَ الْمَعْنَى عَلَى التَّحْقِيقِ لَا يَنْهَضُ إذًا، وَعِنْدَ ذَلِكَ تَسْتَوِي الْبِدْعَةُ مَعَ الْمَعْصِيَةِ. 2 - فَكَمَا تَنْقَسِمُ الْمَعْصِيَةُ إلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ كَذَلِكَ تَنْقَسِمُ الْبِدَعُ إلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ نَعَمْ لَا تَكُونُ الْبِدْعَةُ صَغِيرَةً إلَّا بِشُرُوطٍ (أَحَدُهَا) : أَنْ لَا يُدَاوِمَ عَلَيْهَا كَمَا أَنَّ الصَّغِيرَةَ مِنْ الْمَعَاصِي كَذَلِكَ؛ فَلِذَلِكَ قَالُوا: لَا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ، وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ إلَّا أَنَّ الْمَعَاصِيَ مِنْ شَأْنِهَا فِي الْوَاقِعِ أَنَّهَا قَدْ يُصَرُّ عَلَيْهَا، وَقَدْ لَا يُصَرُّ عَلَيْهَا وَعَلَى ذَلِكَ يَنْبَنِي طَرْحُ الشَّهَادَةِ، وَسَخْطَةُ الشَّاهِدِ بِهَا، وَعَدَمُهُ بِخِلَافِ الْبِدْعَةِ فَإِنَّ شَأْنَهَا فِي الْوَاقِعِ الْمُدَاوَمَةُ وَالْحِرْصُ عَلَى أَنْ لَا تَزُولَ مِنْ مَوْضِعِهَا، وَأَنْ تَقُومَ عَلَى تَارِكِهَا الْقِيَامَةُ وَتَنْطَلِقَ عَلَيْهِ أَلْسِنَةُ الْمَلَامَةِ وَيُرْمَى بِالتَّسْفِيهِ وَالتَّجْهِيلِ وَيُنْبَزَ بِالتَّبْدِيعِ وَالتَّضْلِيلِ ضِدُّ مَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَالْمُقْتَدَى بِهِمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَوَّلًا الِاعْتِبَارُ، فَإِنَّ أَهْلَ الْبِدَعِ كَانَ مِنْ شَأْنِهِمْ الْقِيَامُ بِالنَّكِيرِ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ إنْ كَانَ لَهُمْ عُصْبَةٌ أَوْ لَصِقُوا بِسُلْطَانٍ تَجْرِي أَحْكَامُهُ فِي النَّاسِ، وَتَنْفُذُ أَوَامِرُهُ فِي الْأَقْطَارِ، وَمَنْ طَالَعَ سِيَرَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يَخْفَى وَثَانِيًا: النَّقْلُ فَقَدْ ذَكَرَ السَّلَفُ أَنَّ الْبِدْعَةَ إذَا أُحْدِثَتْ لَا تَزِيدُ إلَّا مُضِيًّا، وَالْمَعَاصِي لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَقَدْ يَتُوبُ صَاحِبُهَا وَيُنِيبُ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - بَلْ قَدْ جَاءَ مَا يَشُدُّ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْفِرَقِ فَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ تَتَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ لِصَاحِبِهِ، وَمِنْ هُنَا جَزَمَ السَّلَفُ بِأَنَّ الْمُبْتَدِعَ لَا تَوْبَةَ لَهُ مِنْهَا (وَالشَّرْطُ الثَّانِي) : أَنْ لَا يَدْعُوَ إلَيْهَا فَإِنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ تَكُونُ صَغِيرَةً بِالْإِضَافَةِ ثُمَّ يَدْعُو مُبْتَدِعُهَا إلَى الْقَوْلِ بِهَا وَالْعَمَلِ عَلَى مُقْتَضَاهَا فَيَكُونُ إثْمُ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ الَّذِي أَثَارَهَا، وَسَبَبُ كَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَالْعَمَلِ بِهَا فَقَدْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ «مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا» لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا، وَالصَّغِيرَةُ إنَّمَا تُفَاوِتُ الْكَبِيرَةَ بِحَسَبِ كَثْرَةِ الْإِثْمِ وَقِلَّتِهِ فَرُبَّمَا تُسَاوِي الصَّغِيرَةُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الْكَبِيرَةَ أَوْ تُرْبَى عَنْهَا (وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنْ لَا تُفْعَلَ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي هِيَ مُجْتَمَعَاتُ النَّاسِ، أَوْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا السُّنَنُ، وَتَظْهَرُ فِيهَا أَعْلَامُ الشَّرِيعَةِ فَأَمَّا إظْهَارُهَا فِي الْمُجْتَمَعَاتِ مِمَّنْ يُقْتَدَى

(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعَجَبِ وَقَاعِدَةِ التَّسْمِيعِ) كِلَاهُمَا مَعْصِيَةٌ وَيُعَكِّرُ عَلَى الْعِبَادَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْصِيَةِ وَالْمُوَازَنَةِ لَا مِنْ جِهَةِ الْإِحْبَاطِ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَيْ يُنَادِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَذَا فُلَانٌ عَمِلَ عَمَلًا لِي ثُمَّ أَرَادَ بِهِ غَيْرِي، وَهُوَ غَيْرُ الرِّيَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ يَقَعُ قَبْلَهُ خَالِصًا، وَالرِّيَاءُ مُقَارِنٌ مُفْسِدٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُجْبِ أَنَّهُ يَكُونُ بِاللِّسَانِ، وَالْعُجْبُ بِالْقَلْبِ كِلَاهُمَا بَعْدِ الْعِبَادَةِ (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ، وَبَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ الرِّضَا بِالْمَقْضِيِّ) اعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَلْتَبِسَانِ عَلَيْهِ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ السَّخَطِ بِالْقَضَاءِ وَعَدَمِ الرِّضَا بِهِ، وَالسَّخَطِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَعَدَمِ الرِّضَا بِالْمُقَضَّى) قُلْت: مَا قَالَهُ فِيهِ صَحِيحٌ مَا عَدَا قَوْلَهُ: وَالرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ مَعَ عِلْمِهِ بِكُفْرِهِ فَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى إلَّا مِنْ الْكَافِرِ عِنَادًا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ ذَلِكَ عَادَةً، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِنَاعِ ذَلِكَ عَادَةً فَلَا، وَمَا عَدَا قَوْلَهُ فَمَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْمَعْصِيَةِ أَوْ الْكُفْرِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُلَاحِظَ جِهَةَ الْمَعْصِيَةِ وَالْكُفْرِ فَيَكْرَهُهُمَا، وَأَمَّا قَدَرُ اللَّهِ - تَعَالَى - فِيهِمَا فَالرِّضَا بِهِ لَيْسَ إلَّا وَمَتَى سَخِطَهُ وَسَفَّهَ الرُّبُوبِيَّةَ فِي ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ مَعْصِيَةً أَوْ كُفْرًا مُنْضَمًّا إلَى مَعْصِيَتِهِ وَكُفْرِهِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ كَرَاهَةَ الْكُفْرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ أَوْ مِمَّنْ يُحْسَنُ الظَّنُّ بِهِ فَذَلِكَ مِنْ أَضَرِّ الْأَشْيَاءِ عَلَى سُنَّةِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهَا لَا تَعْدُو أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يُقْتَدَى بِصَاحِبِهَا فِيهَا فَإِنَّ الْعَوَامَّ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ لَا سِيَّمَا الْبِدَعُ الَّتِي وُكِّلَ الشَّيْطَانُ بِتَحْسِينِهَا لِلنَّاسِ، وَاَلَّتِي لِلنُّفُوسِ فِي تَحْسِينِهَا هَوًى، وَعَلَى حَسَبِ كَثْرَةِ الْإِتْبَاعِ يَعْظُمُ عَلَيْهِ الْوِزْرُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا اتِّخَاذُهَا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا السُّنَنُ فَهُوَ كَالدُّعَاءِ إلَيْهَا بِالتَّصْرِيحِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ إظْهَارِ الشَّرَائِعِ الْإِسْلَامِيَّةِ تَوَهُّمُ أَنَّ كُلَّ مَا ظَهَرَ فِيهَا فَهُوَ مِنْ الشَّعَائِرِ فَكَانَ الْمُظْهِرُ لَهَا يَقُولُ: هَذِهِ سُنَّةٌ فَاتَّبِعُوهَا (وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ) أَنْ لَا يَسْتَصْغِرَهَا، وَلَا يَسْتَحْقِرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ، وَإِنْ فَرَضْنَاهَا صَغِيرَةً اسْتِهَانَةٌ بِهَا، وَالِاسْتِهَانَةُ بِالذَّنْبِ أَعْظَمُ مِنْ الذَّنْبِ، فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِعِظَمِ مَا هُوَ صَغِيرٌ، وَكَذَلِكَ مَعْنَى الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ أَنَّهَا أَدْنَى رُتْبَةً فِي الذَّمِّ مِنْ رُتْبَةِ الصَّغِيرَةِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهَا التَّنْزِيهَ الَّذِي هُوَ نَفْيُ إثْمِ فَاعِلِهَا، وَرَفْعُ الْحَرَجِ عَنْهُ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَكَادُ يُوجَدُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ مِنْ الشَّرْعِ، وَلَا مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ عَلَى الْخُصُوصِ أَمَّا الشَّرْعُ فَفِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَالَ مَنْ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَقُومُ اللَّيْلَ، وَلَا أَنَامُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَنْكِحُ النِّسَاءَ إلَى آخِرِ مَا قَالُوا رَدَّ عَلَيْهِمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ذَلِكَ، وَقَالَ «مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ أَشَدُّ شَيْءٍ فِي الْإِنْكَارِ مَعَ أَنَّ مَا الْتَزَمُوا لَمْ يَكُنْ إلَّا فِعْلَ مَنْدُوبٍ آخَرَ، وَكَذَلِكَ مَا فِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ فَقَالَ: مَا بَالُ هَذَا؟ قَالُوا: نَذَرَ أَنْ لَا يَسْتَظِلَّ، وَلَا يَتَكَلَّمَ، وَلَا يَجْلِسَ، وَيَصُومَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْهُ فَلْيَجْلِسْ وَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» قَالَ مَالِكٌ: أَمَرَهُ أَنْ يُتِمَّ مَا كَانَ لِلَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ طَاعَةٌ، وَيَتْرُكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ فِيهِ مَعْصِيَةٌ فَتَأَمَّلْ كَيْفَ جَعَلَ مَالِكٌ الْقِيَامَ لِلشَّمْسِ وَتَرْكَ الْكَلَامِ وَالْجُلُوسِ مَعَاصِيَ حَتَّى فَسَّرَ بِهَا الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ مَعَ أَنَّهَا فِي أَنْفُسِهَا أَشْيَاءُ مُبَاحَاتٌ لَكِنَّهُ لَمَّا أَجْرَاهَا مَجْرَى مَا يُتَشَرَّعُ بِهِ، وَيُدَانُ لِلَّهِ بِهِ صَارَتْ عِنْدَ مَالِكٍ مَعَاصِيَ لِلَّهِ وَكُلِّيَّةً قَوْلُهُ: «كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» شَاهِدَةٌ لِهَذَا الْمَعْنَى وَالْجَمِيعُ يَقْتَضِي التَّأْثِيمَ وَالتَّهْدِيدَ وَالْوَعِيدَ. وَهِيَ خَاصِّيَّةُ الْمُحَرَّمِ، قَالَ: وَأَمَّا كَلَامُ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّهُمْ، وَإِنْ أَطْلَقُوا الْكَرَاهِيَةَ فِي الْأُمُورِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لَا يَعْنُونَ بِهَا كَرَاهِيَةَ التَّنْزِيهِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا هُوَ اصْطِلَاحٌ لِلْمُتَأَخِّرِينَ حِينَ أَرَادُوا أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْقَبِيلَيْنِ فَيُطْلِقُونَ لَفْظَ الْكَرَاهِيَةِ عَلَى كَرَاهِيَةِ التَّنْزِيهِ فَقَطْ وَيَخُصُّونَ كَرَاهِيَةَ التَّحْرِيمِ بِلَفْظِ التَّحْرِيمِ وَالْمَنْعِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ السَّلَفِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِمْ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ صَرِيحًا أَنْ يَقُولُوا: هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ، وَيَتَحَامَوْنَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ خَوْفًا مِمَّا فِي الْآيَةِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل: 116] وَحَكَى مَالِكٌ عَمَّنْ تَقَدَّمَهُ هَذَا الْمَعْنَى، فَإِذَا وَجَدْت فِي كَلَامِهِمْ فِي الْبِدْعَةِ أَوْ غَيْرِهَا أَكْرَهُ هَذَا، وَلَا أُحِبُّ هَذَا وَهَذَا مَكْرُوهٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا تَقْطَعَنَّ عَلَى أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ التَّنْزِيهَ فَقَطْ فَإِنَّهُ إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ فِي جَمِيعِ الْبِدَعِ عَلَى أَنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ يَعُدُّ فِيهَا مَا هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهِيَةَ التَّنْزِيهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُطْلِقُوا لَفْظَ الْكَرَاهِيَةِ عَلَى مَا يَكُونُ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ، وَلَكِنْ يُعَارِضُهُ أَمْرٌ آخَرُ مُعْتَبَرٌ فِي الشَّرْعِ فَيُكْرَهُ لِأَجْلِهِ لَا؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ عَلَى تَفْصِيلٍ يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ. اهـ. مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْ كَلَامِ الشَّاطِبِيِّ فِي الِاعْتِصَامِ قُلْت: وَحَاصِلُ طَرِيقَتَيْ عَدَمِ التَّفْصِيلِ فِي الْبِدَعِ أَنَّهَا عَلَى الْأُولَى لَا تَكُونُ إلَّا كَبَائِرَ. وَإِنْ تَفَاوَتَتْ أَفْرَادُهَا بِكَثْرَةِ الْعِقَابِ وَعَدَمِ كَثْرَتِهِ وَأَنَّهَا عَلَى الثَّانِيَةِ تَكُونُ كَبَائِرَ أَوْ صَغَائِرَ أَوْ مَكْرُوهَةً إلَّا أَنَّ صَغَائِرَهَا وَإِنْ كَانَتْ كَصَغَائِرِ غَيْرِهَا مِنْ الْمَعَاصِي

[الفرق بين قاعدة الغيبة المحرمة وقاعدة الغيبة التي لا تحرم]

بِالْمَقْضِيِّ وَعَدَمِ الرِّضَا بِهِ اعْلَمْ أَنَّ السَّخَطَ بِالْقَضَاءِ حَرَامٌ إجْمَاعًا وَالرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَاجِبٌ إجْمَاعًا بِخِلَافِ الْمَقْضِيِّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْمَقْضِيِّ وَالْقَدَرِ وَالْمَقْدُورِ أَنَّ الطَّبِيبَ إذَا وَصَفَ لِلْعَلِيلِ دَوَاءً مُرًّا، أَوْ قَطَعَ يَدَهُ الْمُتَآكِلَةَ، فَإِنْ قَالَ: بِئْسَ تَرْتِيبُ الطَّبِيبِ، وَمُعَالَجَتُهُ، وَكَانَ غَيْرُ هَذَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِمَّا هُوَ أَيْسَرُ مِنْهُ فَهُوَ تَسَخُّطٌ بِقَضَاءِ الطَّبِيبِ وَأَذِيَّةٌ لَهُ، وَجِنَايَةٌ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَوْ سَمِعَهُ الطَّبِيبُ كَرِهَ ذَلِكَ وَشَقَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: هَذَا دَوَاءٌ مُرٌّ قَاسَيْت مِنْهُ شَدَائِدَ، وَقَطْعُ الْيَدِ حَصَلَ لِي مِنْهَا آلَامٌ عَظِيمَةٌ مُبَرِّحَةٌ فَهَذَا تَسَخُّطٌ بِالْمَقْضِيِّ الَّذِي هُوَ الدَّوَاءُ وَالْقَطْعُ لَا بِالْقَضَاءِ الَّذِي هُوَ تَرْتِيبُ الطَّبِيبِ، وَمُعَالَجَتُهُ فَهَذَا لَيْسَ قَدْحًا فِي الطَّبِيبِ، وَلَا يُؤْلِمُهُ إذَا سَمِعَ ذَلِكَ بَلْ يَقُولُ لَهُ: صَدَقْت الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَعَلَى هَذَا إذَا اُبْتُلِيَ الْإِنْسَانُ بِمَرَضٍ فَتَأَلَّمَ مِنْ الْمَرَضِ بِمُقْتَضَى طَبْعِهِ فَهَذَا لَيْسَ عَدَمَ رِضًا بِالْقَضَاءِ بَلْ عَدَمُ رِضًا بِالْمَقْضِيِّ، وَإِنْ قَالَ: أَيَّ شَيْءٍ عَمِلْت حَتَّى أَصَابَنِي مِثْلُ هَذَا، وَمَا ذَنْبِي وَمَا كُنْت أَسْتَأْهِلُ هَذَا فَهَذَا عَدَمُ رِضًا بِالْقَضَاءِ فَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِالرِّضَا بِالْقَضَاءِ، وَلَا نَتَعَرَّضُ لِجِهَةِ رَبِّنَا إلَّا بِالْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ، وَلَا نَعْتَرِضُ عَلَيْهِ فِي مُلْكِهِ وَأَمَّا أَنَّا أُمِرْنَا بِأَنْ تَطِيبَ لَنَا الْبَلَايَا وَالرَّزَايَا ـــــــــــــــــــــــــــــSلَا يَتَأَتَّى إلَّا مَعَ الْكُفْرِ عِنَادًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْبَعِيدِ الْمُشَبَّهِ بِالْمُحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا كُفْرَ عِنَادًا إلَّا لِحَامِلٍ يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ وَيُرَجِّحُهُ عُنُدَهُ فَكَرَاهِيَتُهُ إيَّاهُ مَعَ رُجْحَانِهِ عِنْدَهُ كَالْمُتَنَاقَضِينَ، وَأَمَّا كَرَاهِيَتُهُ الْمَعْصِيَةَ فَهِيَ مُمْكِنَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَاصٍ عَالِمٌ بِعِصْيَانِهِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يَتَحَقَّقُ صِغَرُهَا إلَّا بِالشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَكِنْ تَحَقُّقُ الشُّرُوطِ فِي صَغَائِرِهَا بَعِيدٌ جِدًّا وَمَكْرُوهُهَا لَيْسَ مَعْنَاهُ التَّنْزِيهَ وَعَدَمَ الْعِقَابِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ عِقَابَهُ أَقَلُّ مِنْ عِقَابِ الصَّغِيرَةِ فَافْهَمْ، وَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ أَنَّ طَرِيقَةَ أَصْحَابِ مَالِكٍ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى الْأَصْلِ، وَاخْتَارَهَا الشَّاطِبِيُّ وَبَنَى عَلَيْهَا كِتَابَهُ الِاعْتِصَامَ مِنْ أَنَّ الْبِدَعَ لَا تَكُونُ إلَّا قَبِيحَةً مَنْهِيًّا عَنْهَا مَبْنِيَّةً عَلَى أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْبِدْعَةَ حَقِيقَةٌ فِيمَا لَمْ يُفْعَلْ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ، وَمَجَازٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ جَمِيعَ مَا وَرَدَ فِي ذَمِّ الْبِدَعِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ الْأَمْرُ الثَّالِثُ: الْقَوْلُ بِأَنَّ الْبِدَعَ لَا تَدْخُلُ إلَّا فِي الْعَادِيَّاتِ الَّتِي لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّعَبُّدِ، وَأَنَّ طَرِيقَةَ انْقِسَامِ الْبِدَعِ إلَى قَبِيحَةٍ وَحَسَنَةٍ وَالْقَبِيحَةِ إلَى حَرَامٍ وَاصِلٍ إلَى حَدِّ الْكُفْرِ أَوْ إلَى حَدِّ الْكَبِيرَةِ أَوَّلًا وَإِلَى مَكْرُوهٍ تَنْزِيهًا وَالْحَسَنَةِ إلَى وَاجِبَةٍ وَمَنْدُوبَةٍ وَمُبَاحَةٍ الَّتِي اخْتَارَهُ الْأَصْلُ وَابْنُ الشَّاطِّ وَمُحَمَّدٌ الزَّرْقَانِيُّ بَلْ جَرَى عَلَيْهَا عَمَلُ أَصْحَابِ مَالِكٍ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالزَّقَّاقِ وَغَيْرِهِ وَبَنَى عَلَيْهَا الْأَصْلُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَإِلَيْهَا ذَهَبَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ وَالْإِمَامُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ شَيْخُ الشَّيْخِ الْقَرَافِيِّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مَبْنِيَّةً عَلَى ثَلَاثَةِ أُمُورٍ أَيْضًا: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْبِدْعَةَ حَقِيقَةٌ فِيمَا لَمْ يُفْعَلْ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ كَانَ لَهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ أَمْ لَا الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ جَمِيعَ مَا وَرَدَ فِي الْبِدَعِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» عَامٌّ مَخْصُوصٌ الْأَمْرُ الثَّالِثُ: الْقَوْلُ بِأَنَّ جَمِيعَ الْمُخْتَرَعَاتِ مِنْ الْعَادِيَّاتِ، وَلَوْ لَمْ يَلْحَقْهَا شَائِبَةُ تَعَبُّدٍ تَلْحَقُ بِالْبِدَعِ وَتَصِيرُ كَالْعِبَادَاتِ الْمُخْتَرَعَةِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَقَاعِدَةِ الْغِيبَةِ الَّتِي لَا تَحْرُمُ] (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَقَاعِدَةِ الْغِيبَةِ الَّتِي لَا تَحْرُمُ) وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْغِيبَةِ الْحُرْمَةُ لِنَهْيِ اللَّهِ عَنْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12] أَيْ لَا يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ مِنْكُمْ فِي حَقِّ أَحَدٍ فِي غَيْبَتِهِ بِمَا هُوَ فِيهِ مِمَّا يَكْرَهُهُ فَفِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَطُرُقُهُ كَثِيرَةٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ» كَمَا فِي الزَّوَاجِرِ وَفِي الْأَصْلِ أَنْ تَذْكُرَ فِي الْمَرْءِ مَا يَكْرَهُ إنْ سَمِعَ قِيلَ أَفَرَأَيْت إنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْته، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ قَالَ الْأَصْلُ فَدَلَّ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ سَمِعَ نَصًّا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَا يَكْرَهُهُ الْإِنْسَانُ إذَا سَمِعَهُ غِيبَةً إلَّا إذَا كَانَ غَائِبًا، وَلَيْسَ بِحَاضِرٍ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، قَالَ: وَلَفْظُ مَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَتَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا يَكْرَهُ. اهـ. أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي بَدَنِهِ كَأَحْوَلَ أَوْ قَصِيرٍ أَوْ أَسْوَدَ أَوْ ضِدِّهَا أَوْ فِي نَسَبِهِ كَأَبُوهُ هِنْدِيٌّ أَوْ إسْكَافٌ أَوْ نَحْوُهُمَا مِمَّا يَكْرَهُهُ كَيْفَ كَانَ أَوْ فِي خَلْقِهِ كَسَيِّئِ الْخَلْقِ عَاجِزٍ ضَعِيفٍ أَوْ فِي فِعْلِهِ الدِّينِيِّ كَكَذَّابٍ أَوْ مُتَهَاوِنٍ بِالصَّلَاةِ أَوْ لَا يُحْسِنُهَا أَوْ عَاقٍّ لِوَالِدَيْهِ أَوْ لَا يُعْطِي الزَّكَاةَ أَوْ لَا يُؤَدِّيهَا لِمُسْتَحِقِّيهَا أَوْ فِي فِعْلِهِ الدُّنْيَوِيِّ كَقَلِيلِ الْأَدَبِ، أَوْ لَا يَرَى لِأَحَدٍ حَقًّا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ كَثِيرِ الْأَكْلِ أَوْ النَّوْمِ أَوْ فِي ثَوْبِهِ كَطَوِيلِ الذَّيْلِ أَوْ قَصِيرِهِ وَسِخِهِ أَوْ فِي دَارِهِ كَقَلِيلَةِ الْمَرَافِقِ أَوْ فِي دَابَّتِهِ كَجَمُوحٍ أَوْ فِي وَلَدِهِ كَقَلِيلِ التَّرْبِيَةِ، أَوْ فِي زَوْجَتِهِ كَكَثِيرَةِ الْخُرُوجِ أَوْ عَجُوزٍ أَوْ تَحْكُمُ عَلَيْهِ، أَوْ قَلِيلَةِ النَّظَافَةِ، أَوْ فِي خَادِمِهِ كَآبِقٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَكْرَهُهُ لَوْ بَلَغَهُ، وَحِكْمَةُ تَحْرِيمِهَا مَعَ أَنَّهَا صِدْقٌ الْمُبَالَغَةُ فِي حِفْظِ عِرْضِ الْمُؤْمِنِ، وَالْإِشَارَةُ إلَى عَظِيمِ تَأَكُّدِ حُرْمَتِهِ وَحُقُوقِهِ. وَزَادَ - تَعَالَى - ذَلِكَ تَأْكِيدًا وَتَحْقِيقًا بِتَشْبِيهِ عِرْضِهِ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ مَعَ الْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا بِالتَّعْبِيرِ فِيهِ بِالْأَحَبِّ

وَمُؤْلِمَاتُ الْحَوَادِثِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَمْ تَرِدْ الشَّرِيعَةُ بِتَكْلِيفِ أَحَدٍ بِمَا لَيْسَ فِي طَبْعِهِ، وَلَمْ يُؤْمَرْ الْأَرْمَدُ بِاسْتِطَابَةِ الرَّمَدِ الْمُؤْلِمِ، وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْمَرَضِ بَلْ ذَمَّ اللَّهُ قَوْمًا لَا يَتَأَلَّمُونَ، وَلَا يَجِدُونَ لِلْبَأْسَاءِ وَقْعًا فَذَمَّهُمْ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76] فَمَنْ لَمْ يَسْكُنْ وَلَمْ يَذِلَّ لِلْمُؤْلِمَاتِ وَيُظْهِرْ الْجَزَعَ مِنْهَا وَيَسْأَلْ رَبَّهُ إقَالَةَ الْعَثْرَةِ مِنْهَا فَهُوَ جَبَّارٌ عَنِيدٌ بَعِيدٌ عَنْ طُرُقِ الْخَيْرِ فَالْمَقْضِيُّ وَالْمَقْدُورُ أَثَرُ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ فَالْوَاجِبُ هُوَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ فَقَطْ أَمَّا الْمَقْضِيُّ فَقَدْ يَكُونُ الرِّضَا بِهِ وَاجِبًا كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - وَالْوَاجِبَاتِ إذَا قَدَّرَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - لِلْإِنْسَانِ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا فِي الْمَنْدُوبَاتِ وَحَرَامًا فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَالرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ وَمُبَاحًا فِي الْمُبَاحَاتِ، وَأَمَّا بِالْقَضَاءِ فَوَاجِبٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ تَفْصِيلٍ فَمَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْمَعْصِيَةِ أَوْ الْكُفْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ أَنْ يُلَاحِظَ جِهَةَ الْمَعْصِيَةِ وَالْكُفْرِ فَيُكْرِهُهُمَا وَأَمَّا قَدَرُ اللَّهِ فِيهِمَا فَالرِّضَا بِهِ لَيْسَ إلَّا وَمَتَى سَخِطَهُ وَسَفَّهَ الرُّبُوبِيَّةَ فِي ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ مَعْصِيَةً أَوْ كُفْرًا مُنْضَمًّا إلَى مَعْصِيَتِهِ وَكُفْرِهِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْفُرُوقَ، وَإِذَا وَضَحَتْ لَك فَاعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَعْتَقِدُ أَنَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ إنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَخَاصَّةِ عِبَادِ اللَّهِ - تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَزِيزِ الْوُجُودِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ أَكْثَرُ الْعَوَامّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ إنَّمَا يَتَأَلَّمُونَ مِنْ الْمَقْضِيِّ فَقَطْ، وَأَمَّا التَّوَجُّهُ إلَى جِهَةِ الرُّبُوبِيَّةِ بِالتَّجْوِيرِ وَالْقَضَاءِ بِغَيْرِ الْعَدْلِ، فَهَذَا لَا يَكَادُ يُوجَدُ إلَّا نَادِرًا مِنْ الْفُجَّارِ وَالْمَرَدَةِ وَإِنَّمَا يَبْعَثُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQفَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} [الحجرات: 12] وَوَجْهُ التَّشْبِيهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَأَلَّمُ قَلْبُهُ مِنْ قَرْضِ عِرْضِهِ كَمَا يَتَأَلَّمُ بَدَنُهُ مِنْ قَطْعِ لَحْمِهِ لِأَكْلِهِ بَلْ أَبْلَغُ؛ لِأَنَّ عِرْضَ الْعَاقِلِ عِنْدَهُ أَشْرَفُ مِنْ لَحْمِهِ وَدَمِهِ، وَكَمَا أَنَّهُ لَا يَحْسُنُ مِنْ عَاقِلٍ أَكْلُ لُحُومِ النَّاسِ لَا يَحْسُنُ مِنْهُ قَرْضُ عِرْضِهِمْ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَلَمٌ، وَوَجْهُ الْآكَدِيَّةِ فِي لَحْمِ أَخِيهِ أَنَّ الْأَخَ لَا يُمْكِنُهُ مَضْغُ لَحْمِ أَخِيهِ فَضْلًا عَنْ أَكْلِهِ بِخِلَافِ الْعَدُوِّ، فَإِنَّهُ يَأْكُلُ لَحْمَ عَدُوِّهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ مِنْهُ فِي ذَلِكَ، وَانْدَفَعَ بِمَيْتًا - الْوَاقِعِ حَالًا إمَّا مِنْ لَحْمِ أَخِيهِ أَوْ أَخِيهِ - مَا قَدْ يُقَالُ: إنَّمَا تَحْرُمُ الْغِيبَةُ فِي الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي تُؤْلِمُ حِينَئِذٍ بِخِلَافِهَا فِي الْغِيبَةِ، فَإِنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لِلْمُغْتَابِ عَلَيْهَا، وَوَجْهُ انْدِفَاعِ هَذَا أَنَّ أَكْلَ لَحْمِ الْأَخِ، وَهُوَ مَيِّتٌ لَا يُؤْلِمُ أَيْضًا، وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ فِي غَايَةِ الْقُبْحِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ الِاطِّلَاعُ لَتَأَلَّمَ بِهِ فَإِنَّ الْمَيِّتَ لَوْ أَحَسَّ بِأَكْلِ لَحْمِهِ لَآلَمَهُ فَكَذَا الْغِيبَةُ تَحْرُمُ فِي الْغَيْبَةِ؛ لِأَنَّ الْمُغْتَابَ لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا لَتَأَلَّمَ، وَأَيْضًا فَفِي الْعِرْضِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ لِلَّهِ - تَعَالَى - فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْغِيبَةَ وَقَعَتْ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْمُغْتَابَ الْعِلْمُ بِهَا حَرُمَتْ أَيْضًا رِعَايَةً لِحَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - وَفَطْمًا لِلنَّاسِ عَنْ الْأَعْرَاضِ وَالْخَوْضِ فِيهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ اللَّهُمَّ إلَّا لِلْأَسْبَابِ الْآتِيَةِ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ ضَرُورَةٍ فَتُبَاحُ حِينَئِذٍ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ كَمَا أَشَارَتْ الْآيَةُ إلَى ذَلِكَ أَيْضًا بِذِكْرِ " مَيْتًا " إذْ لَحْمُ الْمَيِّتِ إنَّمَا يَحِلُّ لِلضَّرُورَةِ الْحَاقَّةِ حَتَّى لَوْ وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَيْتَةً أُخْرَى مَعَ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ لَمْ تَحِلَّ لَهُ مَيْتَةُ الْآدَمِيِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَيْتَةَ الْآدَمِيِّ، فَإِذَا تَحَقَّقَ الْفَرْضُ الصَّحِيحُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِالْغِيبَةِ خَرَجَتْ عَنْ أَصْلِهَا مِنْ الْحُرْمَةِ وَحِينَئِذٍ فَتَجِبُ أَوْ تُبَاحُ. وَتَنْحَصِرُ الَّتِي لَا تَحْرُمُ لِلْغَرَضِ الصَّحِيحِ الشَّرْعِيِّ فِي سِتَّةِ أَبْوَابٍ نَظَمَهَا الْكَمَالُ بِقَوْلِهِ الْقَدْحُ لَيْسَ بِغِيبَةٍ فِي سِتَّةٍ ... مُتَظَلِّمٍ وَمُعَرِّفٍ وَمُحَذِّرِ وَلِمُظْهِرٍ فِسْقًا وَمُسْتَفْتٍ وَمَنْ ... طَلَبَ الْإِعَانَةَ فِي إزَالَةِ مُنْكَرِ كَمَا فِي حَاشِيَةَ الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَبَيَانُهَا كَمَا فِي الزَّوَاجِرِ (الْأَوَّلُ) الْمُتَظَلِّمُ فَلِمَنْ ظُلِمَ أَنْ يَشْكُوَ لِمَنْ يَظُنُّ أَنَّ لَهُ قُدْرَةً عَلَى إزَالَةِ ظُلْمِهِ أَوْ تَخْفِيفِهِ كَأَنْ يَقُولَ لِوُلَاةِ الْأُمُورِ: إنَّ فُلَانًا أَخَذَ مَالِي وَغَصَبَنِي أَوْ ثَلَمَ عِرْضِي إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقَوَادِحِ الْمَكْرُوهَةِ لِضَرُورَةِ دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُ الثَّانِي الِاسْتِعَانَةُ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِذِكْرِهِ لِمَنْ يَظُنُّ قُدْرَتَهُ عَلَى إزَالَتِهِ بِنَحْوِ فُلَانٌ يَعْمَلُ كَذَا فَازْجُرْهُ عَنْهُ بِقَصْدِ التَّوَصُّلِ إلَى إزَالَةِ الْمُنْكَرِ، وَإِلَّا كَانَ غِيبَةً مُحَرَّمَةً مَا لَمْ يَكُنْ الْفَاعِلُ مُجَاهِرًا لِمَا يَأْتِي (الثَّالِثُ) الِاسْتِفْتَاءُ بِأَنْ يَقُولَ لِمُفْتٍ ظَلَمَنِي بِكَذَا فُلَانٌ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ وَمَا طَرِيقِي فِي خَلَاصِي مِنْهُ أَوْ تَحْصِيلِ حَقِّي أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُبْهِمَهُ فَيَقُولُ: مَا تَقُولُ فِي شَخْصٍ أَوْ زَوْجٍ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ كَذَا لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ وَإِنَّمَا جَازَ التَّصْرِيحُ بِاسْمِهِ مَعَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُفْتِيَ قَدْ يُدْرِكُ مِنْ تَعْيِينِهِ مَعْنًى لَا يُدْرِكُهُ مَعَ إبْهَامِهِ فَكَانَ فِي التَّعْيِينِ نَوْعُ مَصْلَحَةٍ؛ لِأَنَّ هِنْدَ امْرَأَةَ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمَّا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إلَّا مَا أَخَذْت مِنْهُ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ قَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (الرَّابِعُ) تَحْذِيرُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الشَّرِّ وَنَصِيحَتِهِمْ كَجَرْحِ الرُّوَاةِ وَالشُّهُودِ وَالْمُصَنَّفِينَ وَالْمُتَصَدِّينَ لِإِفْتَاءٍ أَوْ إقْرَاءٍ مَعَ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ أَوْ مَعَ نَحْوِ فِسْقٍ أَوْ بِدْعَةٍ، وَهُمْ دُعَاةٌ إلَيْهَا وَلَوْ سِرًّا فَيَجُوزُ إجْمَاعًا بَلْ يَجِبُ وَكَانَ يُذْكَرُ لِمَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى عَزْلِ ذِي الْوِلَايَةِ وَتَوْلِيَةِ غَيْرِهِ أَوْ عَلَى نُصْحِهِ وَحَثِّهِ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ مَا يَعْلَمُهُ مِنْهُ قَادِحًا فِيهَا كَفِسْقٍ أَوْ تَغَفُّلٍ لِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ يُشِيرُ وَلَوْ إنْ لَمْ يَسْتَشِرْ عَلَى مُرِيدِ تَزْوِيجٍ أَوْ مُخَالَطَةٍ لِغَيْرِهِ فِي أَمْرٍ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ، وَقَدْ عَلِمَ فِي ذَلِكَ الْغَيْرُ قَبِيحًا مُنَفِّرًا كَفِسْقٍ أَوْ بِدْعَةٍ أَوْ طَمَعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَفَقْرٍ فِي الزَّوْجِ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ

هَؤُلَاءِ عَلَى قَوْلِهِمْ: إنَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْأَوْلِيَاءِ خَاصَّةً أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ هُوَ الرِّضَا بِالْمَقْضِيِّ وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ هُوَ عَزِيزُ الْوُجُودِ بَلْ هُوَ كَالْمُتَعَذِّرِ فَإِنَّا نَجْزِمُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأَلَّمَ لِقَتْلِ عَمِّهِ حَمْزَةَ وَمَوْتِ وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ وَرَمْيِ عَائِشَةَ بِمَا رُمِيَتْ بِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ الْمَقْضِيِّ وَنَجْزِمُ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - طِبَاعُهُمْ تَتَأَلَّمُ وَتَتَوَجَّعُ مِنْ الْمُؤْلِمَاتِ وَتُسَرُّ بِالْمَسَرَّاتِ وَإِذَا كَانَ الرِّضَا بِالْمَقْضِيَّاتِ غَيْرَ حَاصِلٍ فِي طَبَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ فَغَيْرُهُمْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَالرِّضَا بِهَذَا التَّفْسِيرِ لَا طَمَعَ فِيهِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ غَلَطٌ بَلْ الْحَقُّ مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مُتَيَسِّرٌ عَلَى أَكْثَرِ الْعَوَامّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَضْلًا عَنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَاعْلَمْ ذَلِكَ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُكَفِّرَاتِ وَقَاعِدَةِ أَسْبَابِ الْمَثُوبَاتِ) اعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْمَصَائِبَ سَبَبٌ فِي رَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَحُصُولِ الْمَثُوبَاتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَثُوبَاتِ لَهَا شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ وَمَقْدُورِهِ فَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُكَفِّرَاتِ وَقَاعِدَةِ أَسْبَابِ الْمَثُوبَاتِ اعْلَمْ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْمَصَائِبَ سَبَبٌ فِي رَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَحُصُولِ الْمَثُوبَاتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَثُوبَاتِ لَهَا شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ وَمَقْدُورِهِ فَمَا ـــــــــــــــــــــــــــــQحِينَ شَاوَرَتْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا خَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبُو جَهْمٍ أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ صُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَأَمَّا أَبُو الْجَهْمِ فَضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ وَبِهِ يُرَدُّ تَفْسِيرُ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ أَسْفَارِهِ فَذَكَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمَا مَا يَكْرَهَانِهِ لَوْ سَمِعَاهُ وَأُبِيحَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ النَّصِيحَةِ وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ تَكُونَ الْحَاجَةُ مَاسَّةً لِذَلِكَ وَأَنْ يَقْتَصِرَ النَّاصِحُ مِنْ الْعُيُوبِ عَلَى مَا يُخِلُّ بِتِلْكَ الْمَصْلَحَةِ خَاصَّةً الَّتِي حَصَلَتْ الْمُشَاوَرَةُ فِيهَا أَوْ الَّتِي يَعْتَقِدُ النَّاصِحُ أَنَّ الْمَنْصُوحَ شَرَعَ فِيهَا أَوْ هُوَ عَلَى عَزْمِ ذَلِكَ فَيَنْصَحُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَشِرْهُ فَإِنَّ حِفْظَ مَالَ الْإِنْسَانِ وَعِرْضَهُ وَدَمَهُ عَلَيْك وَاجِبٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِضْ لَك بِذَلِكَ فَالشَّرْطُ الْأَوَّلُ احْتِرَازٌ مِنْ ذِكْرِ عُيُوبِ النَّاسِ مُطْلَقًا لِجَوَازِ أَنْ يَقَعَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُخَالَطَةِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ فَهَذَا حَرَامٌ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ مَسِيسِ الْحَاجَةِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأُبِيحَتْ الْغِيبَةُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ قَائِمٌ فِي الْكُلِّ، وَالشَّرْطُ الثَّانِي احْتِرَازٌ مِنْ أَنْ يُسْتَشَارَ فِي أَمْرِ الزَّوْجِ فَيَذْكُرَ الْعُيُوبَ الْمُخِلَّةَ بِمَصْلَحَةِ الزَّوَاجِ، وَالْعُيُوبَ الْمُخِلَّةَ بِالشَّرِكَةِ وَالْمُسَاقَاةِ أَوْ يُسْتَشَارَ فِي السَّفَرِ مَعَهُ فَيَذْكُرَ الْعُيُوبَ الْمُخِلَّةَ بِمَصْلَحَةِ السَّفَرِ وَالْعُيُوبَ الْمُخِلَّةَ بِالزَّوَاجِ فَالزِّيَادَةُ عَلَى الْعُيُوبِ الْمُخِلَّةِ بِمَا اُسْتُشِيرَ فِيهِ حَرَامٌ مَثَلًا إنْ كَفَى نَحْوُ لَا يَصْلُحُ لَك لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَى ذِكْرِ عَيْبٍ ذَكَرَهُ، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ أَوْ عَيْبَيْنِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا وَهَكَذَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَإِبَاحَةِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ فَلَا يَجُوزُ تَنَاوُلُ شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ بَذْلَ النَّصِيحَةِ لِوَجْهِ اللَّهِ - تَعَالَى - دُونَ حَظٍّ آخَرَ وَكَثِيرًا مَا يَغْفُلُ الْإِنْسَانُ عَنْ ذَلِكَ فَيُلَبِّسُ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ وَيَحْمِلُهُ عَلَى التَّكَلُّمِ بِهِ حِينَئِذٍ لَا نُصْحًا وَيُزَيِّنُ لَهُ أَنَّهُ نُصْحٌ وَخَيْرٌ (الْخَامِسُ) أَنْ يَتَجَاهَرَ بِفِسْقِهِ أَوْ بِدْعَتِهِ كَالْمَكَّاسِينَ وَشَرَبَةِ الْخَمْرِ ظَاهِرًا وَذَوِي الْوِلَايَاتِ الْبَاطِلَةِ، وَكَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ (فَمِثْلُك حُبْلَى قَدْ طَرَقْت وَمُرْضِعٍ ... بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدُّخُولِ فَحَوْمَلِ) فَذِكْرُ مِثْلِ هَذَا عَنْ هَذِهِ الطَّوَائِفِ لَا يَحْرُمُ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَأَذَّوْنَ بِذَلِكَ بَلْ يُسَرُّونَ؛ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ فِي الَّذِي اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ ائْذَنُوا لَهُ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي جَوَازِ غِيبَةِ أَهْلِ الْفَسَادِ وَأَهْلِ الرَّيْبِ وَرَوَى خَبَرًا مَا أَظُنُّ فُلَانًا وَفُلَانًا يَعْرِفَانِ مِنْ دِينِنَا شَيْئًا قَالَ اللَّيْثُ: كَانَا مُنَافِقَيْنِ هُمَا مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْقُرَشِيُّ وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيّ لَكِنْ بِشَرْطِ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَا تُجَاهِرُوا بِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَيَحْرُمُ ذِكْرُهُمْ بِعَيْبٍ آخَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِسَبَبٍ آخَرَ مِمَّا مَرَّ فَمِنْ هُنَا قَالَ الْأَصْلُ: سَأَلْت جَمَاعَةً مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَالْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ عَمَّنْ يَرْوِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا غِيبَةَ فِي فَاسِقٍ» فَقَالُوا لِي: لَمْ يَصِحَّ، وَلَا يَجُوزُ التَّفَكُّهُ بِعِرْضِ الْفَاسِقِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ، وَنُقِلَ فِي الزَّوَاجِرِ عَنْ الْخَادِمِ أَنَّهُ وُجِدَ بِخَطِّ الْإِمَامِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّ الْقَفَّالَ فِي فَتَاوِيهِ خَصَّصَ الْغِيبَةَ بِالصِّفَاتِ الَّتِي لَا تُذَمُّ شَرْعًا بِخِلَافِ نَحْوِ الزِّنَا فَيَجُوزُ ذِكْرُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُذْكُرُوا الْفَاسِقَ بِمَا فِيهِ تَحْذَرْهُ النَّاسُ» غَيْرَ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ السِّتْرُ حَيْثُ لَا غَرَضَ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ غَرَضٌ كَتَجْرِيحِهِ أَوْ إخْبَارِ مُخَالَطَةٍ فَيَلْزَمُ بَيَانُهُ. اهـ. قَالَ الْخَادِمُ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجَوَازِ فِي الْأَوَّلِ لَا لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ ضَعِيفٌ لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ ضَعِيفٌ وَقَالَ أَحْمَدُ مُنْكَرٌ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى فَاجِرٍ مُعْلِنٍ بِفُجُورِهِ أَوْ يَأْتِي بِشَهَادَةٍ أَوْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فَيُحْتَاجُ إلَى بَيَانِ حَالِهِ لِئَلَّا يَقَعَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ. اهـ. وَهَذَا الَّذِي حَمَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنٌ، وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِهِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَأَوْرَدَهُ بِلَفْظِ لَيْسَ لِلْفَاسِقِ غِيبَةٌ، وَيُقْتَضَى عَلَيْهِ عُمُومُ خَبَرِ مُسْلِمٍ الَّذِي فِيهِ

لَا كَسْبَ لَهُ فِيهِ وَمَا لَا فِي قُدْرَتِهِ، أَوْ هُوَ مِنْ جِنْسِ مَقْدُورِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بِمَقْدُورِهِ كَالْجِنَايَةِ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ لَا مَثُوبَةَ فِيهِ، وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] فَحَصَرَ مَالَهُ فِيمَا هُوَ مِنْ سَعْيِهِ وَكَسْبِهِ وقَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور: 16] فَحَصَرَ الْجَزَاءَ فِيمَا هُوَ مَعْمُولٌ لَنَا وَمَقْدُورٌ، وَثَانِيهِمَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُكْتَسَبُ مَأْمُورًا بِهِ فَمَا لَا أَمْرَ فِيهِ لَا ثَوَابَ فِيهِ كَالْأَفْعَالِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ، وَكَأَفْعَالِ الْحَيَوَانَاتِ الْعَجْمَاوَاتِ مُكْتَسَبَةٌ مُرَادَةٌ لَهَا وَاقِعَةٌ بِاخْتِيَارِهَا، وَلَا ثَوَابَ لَهَا فِيهَا لِعَدَمِ الْأَمْرِ بِهَا، وَكَذَلِكَ الْمَوْتَى يَسْمَعُونَ فِي قُبُورِهِمْ الْمَوَاعِظَ وَالْقُرْآنَ وَالذِّكْرَ وَالتَّسْبِيحَ وَالتَّهْلِيلَ، وَلَا ثَوَابَ لَهُمْ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَأْمُورِينَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَا مَنْهِيِّينَ فَلَا إثْمَ، وَلَا ثَوَابَ ـــــــــــــــــــــــــــــSلَا كَسْبَ لَهُ فِيهِ وَمَا لَا فِي قُدْرَتِهِ، أَوْ هُوَ مِنْ جِنْسِ مَقْدُورِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بِمَقْدُورِهِ كَالْجِنَايَةِ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ لَا مَثُوبَةَ فِيهِ، وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] فَحَصَرَ مَا لَهُ فِيمَا هُوَ مِنْ سَعْيِهِ وَكَسْبِهِ وقَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور: 16] فَحَصَرَ الْجَزَاءَ فِيمَا هُوَ مَعْمُولٌ لَنَا وَمَقْدُورٌ، وَثَانِيهمَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُكْتَسَبُ مَأْمُورًا بِهِ فَمَا لَا أَمْرَ فِيهِ لَا ثَوَابَ فِيهِ كَالْأَفْعَالِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَكَأَفْعَالِ الْحَيَوَانَاتِ الْعَجْمَاوَاتِ مُكْتَسَبَةٌ مُرَادَةٌ لَهَا وَاقِعَةٌ بِاخْتِيَارِهَا، وَلَا ثَوَابَ لَهَا فِيهَا لِعَدَمِ الْأَمْرِ بِهَا، وَكَذَلِكَ الْمَوْتَى يَسْمَعُونَ فِي قُبُورِهِمْ الْمَوَاعِظَ وَالْقُرْآنَ وَالذِّكْرَ وَالتَّسْبِيحَ وَالتَّهْلِيلَ، وَلَا ثَوَابَ لَهُمْ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَأْمُورِينَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَا مَنْهِيِّينَ فَلَا إثْمَ، وَلَا ثَوَابَ ـــــــــــــــــــــــــــــQحَدَّا الْغِيبَةِ بِأَنَّهَا ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ وَعَلَيْهِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ، وَهَذَا كُلُّهُ يَرُدُّ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ. اهـ. الْمُرَادُ (السَّادِسُ) : التَّعْرِيفُ بِنَحْوِ لَقَبٍ كَالْأَعْوَرِ وَالْأَعْمَشِ وَالْأَصَمِّ وَالْأَقْرَعِ فَيَجُوزُ وَإِنْ أَمْكَنَ تَعْرِيفُهُ بِغَيْرِهِ نَعَمْ إنْ سَهُلَ تَعْرِيفُهُ بِغَيْرِهِ فَهُوَ أَوْلَى، وَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ نَحْوِ الْأَعْوَرِ عَلَى جِهَةِ التَّعْرِيفِ لَا التَّنْقِيصِ، وَإِلَّا حَرُمَ فَأَكْثَرُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ السِّتَّةِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَيَدُلُّ لَهَا مِنْ السُّنَّةِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ مَشْهُورَةٌ. اهـ. أَيْ كَاَلَّذِي تَقَدَّمَ الِاسْتِدْلَال بِهَا، وَزَادَ الْأَصْلُ (سَابِعًا) : وَهُوَ مَا إذَا كُنْت وَالْمُغْتَابَ عِنْدَهُ قَدْ سَبَقَ لَكُمَا الْعِلْمُ بِالْمُغْتَابِ بِهِ، قَالَ: فَإِنَّ ذِكْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحُطُّ قَدْرَ الْمُغْتَابِ عِنْدَهُ لِتَقَدُّمِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَا يَعْرَى هَذَا الْقِسْمُ عَنْ نَهْيٍ؛ لِأَنَّكُمَا إذَا تَرَكْتُمَا الْحَدِيثَ فِيهِ رُبَّمَا نُسِيَ فَاسْتَرَاحَ الرَّجُلُ الْمَغِيبُ بِذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ حَالِهِ وَإِذَا تَعَاهَدْتُمَاهُ أَدَّى ذَلِكَ إلَى عَدَمِ نِسْيَانِهِ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فِي تَلْخِيصِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْغِيبَةِ، وَمَا لَا يَحْرُمُ مِنْهَا، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ كِتَابِ الزَّوَاجِرِ لِابْنِ حَجَرٍ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْغِيبَةِ وَقَاعِدَةِ النَّمِيمَةِ وَالْهَمْزِ وَاللَّمْزِ) ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ تَعْرِيفُ الْغِيبَةِ بِأَنَّهَا ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ إنْ سَمِعَهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا إنَّمَا حَرُمَتْ لِمَا فِيهَا مِنْ مَفْسَدَةِ إفْسَادِ الْعِرْضِ وَعَرَّفُوا النَّمِيمَةَ بِأَنَّهَا نَقْلُ كَلَامِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ عَلَى وَجْهِ الْإِفْسَادِ بَيْنَهُمْ فَحَرُمَتْ لِمَا فِيهَا مِنْ مَفْسَدَةِ إلْقَاءِ الْبِغْضَةِ بَيْنَ النَّاسِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهَا مَا كَانَ النَّقْلُ فِيهَا عَلَى جِهَةِ النَّصِيحَةِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ: إنَّ فُلَانًا يَقْصِدُ قَتْلَك وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْغِيبَةِ قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: وَمَا ذُكِرَ فِي تَعْرِيفِ النَّمِيمَةِ هُوَ الْأَكْثَرُ، وَلَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ بَلْ هِيَ كَشْفُ مَا يُكْرَهُ كَشْفُهُ سَوَاءٌ أَكَرِهَهُ الْمَنْقُولُ عَنْهُ أَوْ إلَيْهِ أَوْ ثَالِثٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ كَشْفُهُ بِقَوْلٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ رَمْزٍ أَوْ إيمَاءٍ، وَسَوَاءٌ فِي الْمَنْقُولِ كَوْنُهُ فِعْلًا، أَوْ قَوْلًا عَيْبًا أَوْ نَقْصًا فِي الْمَنْقُولِ عَنْهُ، أَوْ غَيْرِهِ فَحَقِيقَةُ النَّمِيمَةِ إفْشَاءُ السِّرِّ، وَهَتْكُ السِّتْرِ عَمَّا يُكْرَهُ كَشْفُهُ، وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي السُّكُوتُ عَنْ حِكَايَةِ كُلِّ شَيْءٍ شُوهِدَ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ إلَّا مَا فِي حِكَايَتِهِ نَفْعٌ لِمُسْلِمٍ أَوْ دَفْعُ ضُرٍّ كَمَا لَوْ رَأَى مَنْ يَتَنَاوَلُ مَالَ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَى مَنْ يُخْفِي مَالَ نَفْسِهِ فَذَكَرَهُ فَهُوَ نَمِيمَةٌ وَإِفْشَاءٌ لِلسِّرِّ. فَإِنْ كَانَ مَا يَنُمُّ بِهِ نَقْصًا أَوْ عَيْبًا فِي الْمَحْكِيِّ عَنْهُ فَهُوَ غِيبَةٌ وَنَمِيمَةٌ. اهـ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الزَّوَاجِرِ: وَمَا ذَكَرَهُ إنْ أَرَادَ بِكَوْنِهِ نَمِيمَةً أَنَّهُ كَبِيرَةٌ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَفِيهِ بِإِطْلَاقِهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مَا فَسَّرُوا بِهِ النَّمِيمَةَ لَا يَخْفَى أَنَّ وَجْهَ كَوْنِهِ كَبِيرَةً مَا فِيهِ مِنْ الْإِفْسَادِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ مِنْ الْمَضَارِّ وَالْمَفَاسِدِ مَا لَا يَخْفَى، وَالْحُكْمُ عَلَى مَا هُوَ كَذَلِكَ بِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ، وَلَيْسَ فِي مَعْنَاهُ بَلْ وَلَا قَرِيبًا مِنْهُ مُجَرَّدُ الْإِخْبَارِ بِشَيْءٍ عَمَّنْ يَكْرَهُ كَشْفُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ، وَلَا هُوَ عَيْبٌ، وَلَا نَقْصٌ فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِي هَذَا أَنَّهُ، وَإِنْ سُلِّمَ لِلْغَزَالِيِّ تَسْمِيَتُهُ نَمِيمَةً لَا يَكُونُ كَبِيرَةً، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ نَفْسَهُ شَرَطَ فِي كَوْنِهِ غِيبَةً كَوْنَهُ عَيْبًا وَنَقْصًا حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ كَانَ مَا يَنُمُّ بِهِ نَقْصًا إلَخْ فَإِذَنْ لَمْ تُوجَدْ الْغِيبَةُ إلَّا مَعَ كَوْنِهِ نَقْصًا فَالنَّمِيمَةُ الْأَقْبَحُ مِنْ الْغِيبَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُوجَدَ بِوَصْفِ كَوْنِهَا كَبِيرَةً إلَّا إذَا كَانَ فِيمَا يَنُمُّ بِهِ مَفْسَدَةٌ تُقَارِبُ مَفْسَدَةَ الْإِفْسَادِ الَّتِي صَرَّحُوا بِهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَنْقُلُونَ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ، وَلَا يَتَعَرَّضُونَ لِمَا فِيهِ مِمَّا نَبَّهْت عَلَيْهِ نَعَمْ مَنْ قَالَ: إنَّ الْغِيبَةَ كَبِيرَةٌ مُطْلَقًا يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي النَّمِيمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَفْسَدَةٌ كَمَفْسَدَةِ الْغِيبَةِ، وَإِنْ لَمْ

لِعَدَمِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ هَذَا أَحَدُ أَسْبَابِ الْمَثُوبَاتِ. وَأَمَّا الْمُكَفِّرَاتُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَلْ قَدْ تَكُونُ كَذَلِكَ مُكْتَسَبَةً مَقْدُورَةً مِنْ بَابِ الْحَسَنَاتِ لِقَوْلِهِ {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] وَقَدْ لَا تَكُونُ كَذَلِكَ كَمَا تُكَفِّرُ التَّوْبَةُ وَالْعُقُوبَاتُ السَّيِّئَاتِ، وَتَمْحُو آثَارَهَا، وَمِنْ ذَلِكَ الْمَصَائِبُ الْمُؤْلِمَاتُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــSلِعَدَمِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ) قُلْت هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّ رَفْعَ الدَّرَجَاتِ لَا يُشْتَرَطُ فِي أَسْبَابِهَا كَوْنُهَا مُكْتَسَبَةً، وَلَا مَأْمُورًا بِهَا فَمِنْهَا مَا يَكُونُ سَبَبُهُ كَذَلِكَ وَمِنْ ذَلِكَ الْآلَامُ وَجَمِيعُ الْمَصَائِبِ وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ دَلَائِلُ وَظَوَاهِرُ الشَّرْعِ مُتَظَاهِرَةٌ يُعَضِّدُهَا قَاعِدَةُ رُجْحَانِ جَانِبِ الْحَسَنَاتِ الْمَقْطُوعِ بِهَا وَمَا اُسْتُدِلَّ بِهِ مِنْ عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] وَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور: 16] وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْآيِ وَالْأَخْبَارِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى الْخُصُوصِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ ذَلِكَ: وَإِنْ كَانَ سَبَبًا لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَزِيَادَةِ النَّعِيمِ فَلَا يُسَمَّى ثَوَابًا وَلَا أَجْرًا، وَلَا جَزَاءً فَإِنَّهَا أَلْفَاظٌ مُشْعِرَةٌ بِالْإِعْطَاءِ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ فَالْأَمْرُ فِيمَا يَقُولُهُ قَرِيبٌ؛ إذْ لَا مُشَاحَّةَ فِي الْأَلْفَاظِ، وَكَيْفَ يَصِحُّ حَمْلُهُ الْآيَتَيْنِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا عَلَى الْعُمُومِ مَعَ الْإِجْمَاعِ الْمَعْلُومِ الْمُنْعَقِدِ عَلَى صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِي الْأَعْمَالِ الْمَالِيَّةِ كُلِّهَا مَعَ الْخِلَافِ فِي الْبَدَنِيَّةِ كُلِّهَا أَوْ مَا عَدَا الصَّلَاةَ مِنْهَا فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ الْآيَتَيْنِ وَشِبْهِهِمَا عَلَى الْإِيمَانِ أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَعْمَالِ الْقَلْبِيَّةِ قَالَ (وَأَمَّا الْمُكَفِّرَاتُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَلْ قَدْ تَكُونُ كَذَلِكَ مُكْتَسَبَةً مَقْدُورَةً مِنْ بَابِ الْحَسَنَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] وَقَدْ لَا تَكُونُ كَذَلِكَ كَمَا تُكَفِّرُ التَّوْبَةُ وَالْعُقُوبَاتُ السَّيِّئَاتِ وَتَمْحُو آثَارَهَا وَمِنْ ذَلِكَ الْمَصَائِبُ الْمُؤْلِمَاتُ) قُلْت: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ إلَّا قَوْلَهُ: وَتَمْحُو آثَارَهَا فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مَحْوَهَا مِنْ الصَّحَائِفِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْإِحْبَاطِ، وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ قَالَ (لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] قُلْتُ لَا دَلِيلَ لَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى كَوْنِ الْمَصَائِبِ مُكَفِّرَةً لِلذُّنُوبِ أَوْ غَيْرَ مُكَفِّرَةٍ، وَإِنَّمَا فِيهَا أَنَّ الْمَصَائِبَ سَبَبُهَا الذُّنُوبُ، وَأَنَّ مِنْ الذُّنُوبِ مَا لَا يُقَابَلُ بِمُصِيبَةٍ يَكُونُ سَبَبًا لَهَا بَلْ يُسَامَحُ فِيهِ وَيُعْفَى عَنْهُ. قَالَ (وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ ـــــــــــــــــــــــــــــQتَصِلْ إلَى مَفْسَدَةِ الْإِفْسَادِ بَيْنَ النَّاسِ قَالَ: وَالْبَاعِثُ عَلَى النَّمِيمَةِ مِنْهُ إرَادَةُ السُّوءِ بِالْمَحْكِيِّ عَلَيْهِ أَوْ الْحُبِّ لِلْمَحْكِيِّ لَهُ أَوْ الْفَرَحِ بِالْخَوْضِ فِي الْفُضُولِ، وَعِلَاجُ النَّمِيمَةِ هُوَ نَحْوُ مَا قَالُوهُ فِي عِلَاجِ الْغِيبَةِ. وَهُوَ إمَّا إجْمَالِيٌّ بِأَنْ تَعْلَمَ أَنَّك قَدْ تَعَرَّضْت بِهَا لِسَخَطِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَعُقُوبَتِهِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ وَالْأَخْبَارُ الَّتِي وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهَا تُحْبِطُ حَسَنَاتِك لِمَا فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ فِي الْمُفْلِسِ مِنْ أَنَّهُ تُؤْخَذُ حَسَنَاتُهُ إلَى أَنْ تَفْنَى فَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وُضِعَ عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِ خَصْمِهِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ زَادَتْ حَسَنَاتُهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوْ سَيِّئَاتُهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فَمِنْ أَهْلِ الْأَعْرَافِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ فَاحْذَرْ أَنْ تَكُونَ الْغِيبَةُ سَبَبًا لِفَنَاءِ حَسَنَاتِك وَزِيَادَةِ سَيِّئَاتِك فَتَكُونَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ الْغِيبَةَ وَالنَّمِيمَةَ تَحُتَّانِ الْإِيمَانَ كَمَا يُعَضِّدُ الرَّاعِي الشَّجَرَةَ وَمِمَّا يَنْفَعُك أَيْضًا أَنَّك تَتَدَبَّرُ فِي عُيُوبِك، وَتَجْتَهِدُ فِي الطَّهَارَةِ مِنْهَا وَتَسْتَحْيِي مِنْ أَنْ تَذُمَّ غَيْرَك بِمَا أَنْتَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ، أَوْ بِنَظِيرِهِ فَإِنْ كَانَ أَمْرًا خِلْقِيًّا فَالذَّمُّ لَهُ ذَمٌّ لِلْخَالِقِ إذْ مَنْ ذَمَّ صَنْعَةً ذَمَّ صَانِعَهَا فَإِنْ لَمْ تَجِدْ لَك عَيْبًا، وَهُوَ بَعِيدٌ فَاشْكُرْ اللَّهَ؛ إذْ تَفَضَّلَ عَلَيْك بِالنَّزَاهَةِ عَنْ الْعُيُوبِ وَيَنْفَعُك أَيْضًا أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ تَأَذِّي غَيْرِك بِالْغِيبَةِ كَتَأَذِّيك بِهَا فَكَيْفَ تَرْضَى لِغَيْرِك مَا تَتَأَذَّى بِهِ، وَإِمَّا تَفْصِيلِيٌّ بِأَنْ تَنْظُرَ فِي بَاعِثِهَا فَتَقْطَعَهُ مِنْ أَصْلِهِ؛ إذْ عِلَاجُ الْعِلَّةِ إنَّمَا يَكُونُ بِقَطْعِ سَبَبِهَا، وَإِذَا اسْتَحْضَرْت الْبَوَاعِثَ عَلَيْهَا، وَهِيَ كَثِيرَةٌ مِنْهَا الْغَضَبُ وَالْحِقْدُ وَتَشَفِّي الْغَيْظِ بِذِكْرِ مَسَاوِئِ مَنْ أَغْضَبَك، وَمِنْهَا مُوَافَقَةُ الْإِخْوَانِ وَمُجَامَلَتُهُمْ بِالِاسْتِرْسَالِ مَعَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ، أَوْ إبْدَاءُ نَظِيرِ مَا أَبْدَوْهُ خَشْيَةَ أَنَّهُ لَوْ سَكَتَ أَوْ أَنْكَرَ اسْتَثْقَلُوهُ. وَمِنْهَا الْحَسَد لِثَنَاءِ النَّاسِ عَلَيْهِ وَمَحَبَّتِهِمْ لَهُ، وَمِنْهَا قَصْدُ الْمُبَاهَاةِ وَتَزْكِيَةُ النَّفْسِ، وَمِنْهَا السُّخْرِيَةُ وَالِاسْتِهْزَاءُ بِهِ تَحْقِيرًا لَهُ ظَهَرَ لَك السَّعْيُ فِي قَطْعِهَا كَأَنْ تَسْتَحْضِرَ فِي الْغَضَبِ أَنَّك إنْ أَمْضَيْت غَضَبَك فِيهِ بِغِيبَةٍ أَمْضَى اللَّهُ غَضَبَهُ فِيك لِاسْتِخْفَافِك بِنَهْيِهِ وَجَرَاءَتِك عَلَى وَعِيدِهِ، وَفِي حَدِيثٍ أَنَّ «لِجَهَنَّمَ بَابًا لَا يَدْخُلُهُ إلَّا مَنْ شَفَى غَيْظَهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ - تَعَالَى -» وَفِي الْمُوَافَقَةِ أَنَّك إذَا أَرْضَيْت الْمَخَالِيقَ بِغَضَبِ اللَّهِ عَاجَلَك بِعُقُوبَتِهِ؛ إذْ لَا أَغْيَرَ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - وَفِي الْحَسَدِ أَنَّك جَمَعْت بَيْنَ خَسَارِ الدُّنْيَا بِحَسَدِك لَهُ عَلَى نِعْمَتِهِ وَكَوْنِهِ مُعَذَّبًا بِالْحَسَدِ وَخَسَارَةِ الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّك نَصَرْته بِإِهْدَاءِ حَسَنَاتِك إلَيْهِ أَوْ طَرْحِ سَيِّئَاتِهِ عَلَيْك فَصِرْت صَدِيقَهُ وَعَدُوَّ نَفْسِك فَجَمَعْت إلَى خُبْثِ حَسَدِك جَهْلَ حَمَاقَتِك، وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْك سَبَبَ انْتِشَارِ فَضْلِهِ كَمَا قِيلَ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ نَشْرَ فَضِيلَةٍ ... طُوِيَتْ أَتَاحَ لَهَا لِسَانَ حَسُودِ

[الفرق بين قاعدة الزهد وقاعدة ذات اليد]

مِنْ وَصَبٍ، وَلَا نَصَبٍ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا ذُنُوبَهُ» فَالْمُصِيبَةُ كَفَّارَةٌ لِلذُّنُوبِ جَزْمًا سَوَاءٌ اقْتَرَنَ بِهَا السَّخَطُ أَوْ الصَّبْرُ وَالرِّضَا فَالسَّخَطُ مَعْصِيَةٌ أُخْرَى، وَنَعْنِي بِالسَّخَطِ عَدَمَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ لَا التَّأَلُّمَ مِنْ الْمَقْضِيَّاتِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَالصَّبْرُ مِنْ الْقُرَبِ الْجَمِيلَةِ، فَإِذَا تَسَخَّطَ جُعِلَتْ سَيِّئَةً ثُمَّ قَدْ تَكُونُ هَذِهِ السَّيِّئَةُ قَدْرَ السَّيِّئَةِ الَّتِي كَفَّرَتْهَا الْمُصِيبَةُ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَعْظَمَ بِحَسَبِ كَثْرَةِ السَّخَطِ وَقِلَّتِهِ وَعِظَمِ الْمُصِيبَةِ وَصِغَرِهَا فَإِنَّ الْمُصِيبَةَ الْعَظِيمَةَ تُكَفِّرُ مِنْ السَّيِّئَاتِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُصِيبَةِ الْيَسِيرَةِ فَالتَّكْفِيرُ وَاقِعٌ قَطْعًا تَسَخَّطَ الْمُصَابُ أَوْ صَبَرَ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ صَبَرَ اجْتَمَعَ التَّكْفِيرُ وَالْأَجْرُ، وَإِنْ تَسَخَّطَ فَقَدْ يَعُودُ الَّذِي تَكَفَّرَ بِالْمُصِيبَةِ بِمَا جَنَاهُ مِنْ التَّسَخُّطِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مِنْ تَرْتِيبِهِ الْمَثُوبَاتِ عَلَى الْمَصَائِبِ أَيْ إذَا صَبَرَ لَيْسَ إلَّا فَالْمُصِيبَاتُ لَا ثَوَابَ فِيهَا قَطْعًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مُصِيبَةٌ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُكْتَسَبَةٍ. وَالتَّكْفِيرُ بِالْمُصِيبَةِ يَقَعُ بِالْمُكْتَسَبِ وَغَيْرِ الْمُكْتَسَبِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «لَا يَمُوتُ لِأَحَدِكُمْ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ إلَّا كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ قَالَتْ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاثْنَانِ قَالَ وَاثْنَانِ وَخِلْته لَوْ قُلْت لَهُ: وَوَاحِدٌ لَقَالَ وَوَاحِدٌ» وَالْحِجَابُ رَاجِعٌ إلَى مَعْنَى التَّكْفِيرِ أَيْ تُكَفِّرُ مُصِيبَةُ فَقْدِ الْوَلَدِ ذُنُوبًا كَانَ شَأْنَهَا أَنْ يَدْخُلَ بِهَا النَّارَ فَلَمَّا كَفَّرَتْ تِلْكَ الذُّنُوبَ بَطَلَ دُخُولُ النَّارِ بِسَبَبِهَا فَصَارَتْ الْمُصِيبَةُ كَالْحِجَابِ الْمَانِعِ مِنْ دُخُولِ النَّارِ ـــــــــــــــــــــــــــــSمِنْ وَصَبٍ، وَلَا نَصَبٍ حَتَّى الشَّوْكَةَ يُشَاكُهَا إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا ذُنُوبَهُ» ) قُلْت: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ يَعُودُ يَكُونُ ذَنْبُ السَّخَطِ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ يَعُودُ حَقِيقَةً قَالَ (وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مِنْ تَرَتُّبِ الْمَثُوبَاتِ عَلَى الْمَصَائِبِ أَيْ إذَا صَبَرَ لَيْسَ إلَّا فَالْمُصِيبَاتُ لَا ثَوَابَ فِيهَا قَطْعًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مُصِيبَةٌ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُكْتَسَبَةٍ، وَالتَّكْفِيرُ بِالْمَعْصِيَةِ يَقَعُ بِالْمُكْتَسَبِ وَغَيْرِ الْمُكْتَسَبِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «لَا يَمُوتُ لِأَحَدِكُمْ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ إلَّا كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ قَالَتْ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاثْنَانِ قَالَ وَاثْنَانِ وَخِلْته لَوْ قُلْت لَهُ وَوَاحِدٌ لَقَالَ وَوَاحِدٌ» فَالْحِجَابُ رَاجِعٌ إلَى مَعْنَى التَّكْفِيرِ أَيْ تُكَفِّرُ مُصِيبَةُ فَقْدِ الْوَلَدِ ذُنُوبًا كَانَ شَأْنَهَا أَنْ يَدْخُلَ بِهَا النَّارَ فَلَمَّا كَفَّرَتْ تِلْكَ الذُّنُوبَ بَطَلَ دُخُولُ النَّارِ بِسَبَبِهَا فَصَارَتْ الْمُصِيبَةُ كَالْحِجَابِ الْمَانِعِ مِنْ دُخُولِ النَّارِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي قَصْدِ الْمُبَاهَاةِ وَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ أَنَّك بِمَا ذَكَرْته فِيهِ أَبْطَلْت فَضْلَك عِنْدَ اللَّهِ وَأَنْتَ لَسْت عَلَى ثِقَةٍ مِنْ اعْتِقَادِ النَّاسِ فِيك بَلْ رُبَّمَا مَقَتُوك إذَا عَرَفُوك بِثَلْبِ الْأَعْرَاضِ وَقُبْحِ الْأَغْرَاضِ فَقَدْ بِعْت مَا عِنْدَ اللَّهِ يَقِينًا بِمَا عِنْدَ الْمَخْلُوقِ الْعَاجِزِ وَهْمًا، وَفِي الِاسْتِهْزَاءِ أَنَّك إذَا أَخْزَيْت غَيْرَك عِنْدَ النَّاسِ فَقَدْ أَخْزَيْت نَفْسَك عِنْدَ اللَّهِ، وَشَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا، وَعِلَاجُ بَقِيَّةِ الْبَوَاعِثِ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَرَّرَ فَلَا حَاجَةَ لِلْإِطَالَةِ بِهِ. اهـ. قَالَ الْأَصْلُ: وَالْهَمْزُ تَعْيِيبُ الْإِنْسَانِ بِحُضُورِهِ، وَاللَّمْزُ تَعْيِيبُهُ بِغَيْبَتِهِ فَتَكُونُ هِيَ الْغِيبَةَ وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ. اهـ. أَيْ أَنَّ اللَّمْزَ تَعْيِيبُهُ بِحُضُورِهِ وَالْهَمْزُ تَعْيِيبُهُ بِغَيْبَتِهِ فَتَكُونُ هِيَ الْغِيبَةَ عَلَى مَا لِلْأَصْلِ نَظَرًا لِزِيَادَةِ إنْ سَمِعَ فِي حَدِيثِ تَفْسِيرِ الْغِيبَةِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَوَافَقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ كَالسَّيِّدِ الْجُرْجَانِيِّ فَقَالَ فِي تَعْرِيفَاتِهِ: الْغِيبَةَ ذِكْرُ مَسَاوِئِ الْإِنْسَانِ فِي غِيبَتِهِ، وَهِيَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ فَهِيَ بُهْتَانٌ، وَإِنْ وَاجَهَهُ بِهَا فَهُوَ شَتْمٌ. اهـ. بِلَفْظِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الزَّوَاجِرِ: عُلِمَ مِنْ خَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ أَيْ فِي تَفْسِيرِ الْغِيبَةِ بِدُونِ الزِّيَادَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْأَصْلُ فِيهِ مَعَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ أَنَّ الْغِيبَةَ أَنْ تَذْكُرَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا عَلَى الْوَجْهِ بَلْ الصَّوَابُ مُعَيَّنًا لِلسَّامِعِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا بِمَا يَكْرَهُ أَنْ يُذْكَرَ بِهِ مِمَّا هُوَ فِيهِ بِحَضْرَتِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْأَخِ فِي الْخَبَرِ كَالْآيَةِ لِلْعَطْفِ، وَالتَّذْكِيرُ بِالسَّبَبِ الْبَاعِثِ عَلَى أَنَّ التَّرْكَ مُتَأَكِّدٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ وَأَعْظَمُ حُرْمَةً قَالَ: وَعَدَمُ الْفَرْقِ فِي الْغِيبَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ فِي غِيبَةِ الْمُغْتَابِ أَوْ بِحَضْرَتِهِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَفِي الْخَادِمِ: وَمِنْ الْمُهْتَمِّ بِهِ ضَابِطُ الْغِيبَةِ هَلْ هِيَ ذِكْرُ الْمَسَاوِئِ فِي الْغِيبَةِ كَمَا يَقْتَضِيهِ اسْمُهَا، أَوْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْغِيبَةِ وَالْحُضُورِ، وَقَدْ دَارَ هَذَا السُّؤَالُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ فُورَكٍ ذَكَرَ فِي مُشْكِلِ الْقُرْآنِ فِي تَفْسِيرِ الْحُجُرَاتِ ضَابِطًا حَسَنًا فَقَالَ: الْغِيبَةُ ذِكْرُ الْغَيْرِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ وَكَذَا قَالَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيرِ الْغِيبَةِ: أَنْ تَذْكُرَ الْإِنْسَانَ مِنْ خَلْفِهِ بِسُوءٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ وَفِي الْمُحْكَمِ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ أَيْضًا: وَاللَّمْزُ بِالْقَوْلِ وَغَيْرِهِ، وَالْهَمْزُ بِالْقَوْلِ فَقَطْ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ الْهَمْزَ بِالْعَيْنِ وَالشِّدْقِ وَالْيَدِ، وَاللَّمْزُ بِاللِّسَانِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَبَلَغَنِي عَنْ اللَّيْثِ أَنَّهُ قَالَ اللُّمَزَةُ الَّذِي يَعِيبُك فِي وَجْهِك، وَالْهُمَزَةُ الَّذِي يَعِيبُك بِالْغَيْبِ وَفِي الْإِحْيَاءِ قَالَ مُجَاهِدٌ: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الْهُمَزَةُ الطَّعَّانُ فِي النَّاسِ وَاللُّمَزَةُ الَّذِي يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ. اهـ. الْمُرَادُ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الزُّهْدِ وَقَاعِدَةِ ذَاتِ الْيَدِ] (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الزُّهْدِ وَقَاعِدَةِ ذَاتِ الْيَدِ) الزُّهْدُ فِي اللُّغَةِ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ ضِدُّ الرَّغْبَةِ تَقُولُ زَهِدَ فِيهِ وَزَهِدَ عَنْهُ مِنْ بَابِ سَلِمَ وَزَهِدَ أَيْضًا وَزَهَدَ يَزْهَدُ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا

[الفرق بين قاعدة الزهد وقاعدة الورع]

مِنْ جِهَةِ مَجَازِ التَّشْبِيهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ التَّكْفِيرَ فِي مَوْتِ الْأَوْلَادِ وَنَحْوِهِمْ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ الْآلَامِ الدَّاخِلَةِ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ فَقْدِ الْمَحْبُوبِ، فَإِنْ كَثُرَ كَثُرَ التَّكْفِيرُ، وَإِنْ قَلَّ قَلَّ التَّكْفِيرُ فَلَا جَرَمَ يَكُونُ التَّكْفِيرُ عَلَى قَدْرِ نَفَاسَةِ الْوَلَدِ فِي صِفَاتِهِ وَنَفَاسَتِهِ فِي بِرِّهِ وَأَحْوَالِهِ، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مَكْرُوهًا يُسَرُّ بِفَقْدِهِ فَلَا كَفَّارَةَ بِفَقْدِهِ أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - التَّكْفِيرَ بِمَوْتِ الْأَوْلَادِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ أَنَّهُ يُؤْلِمُ فَظَهَرَ لَك الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُكَفِّرَاتِ وَأَسْبَابِ الْمَثُوبَاتِ بِهَذِهِ التَّقَادِيرِ وَالْمَبَاحِثِ، وَعَلَى هَذَا الْبَيَانِ لَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ لِمُصَابٍ بِمَرَضٍ أَوْ فَقْدِ مَحْبُوبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: جَعَلَ اللَّهُ لَك هَذِهِ الْمُصِيبَةَ كَفَّارَةً؛ لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ قَطْعًا وَالدُّعَاءُ بِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ قِلَّةُ أَدَبٍ مَعَ اللَّهِ - تَعَالَى، وَقَدْ بَسَطْت هَذَا فِي كِتَابِ الْمُنْجِيَاتِ وَالْمُوبِقَاتِ فِي الْأَدْعِيَةِ بَلْ يُقَالُ: اللَّهُمَّ عَظِّمْ لَهُ الْكَفَّارَةَ؛ لِأَنَّ تَعْظِيمَهَا لَمْ يُعْلَمْ ثُبُوتُهُ بِخِلَافِ أَصْلِ التَّكْفِيرِ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ لَنَا بِالنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَا يَجُوزُ طَلَبُهُ فَاعْلَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــSمِنْ جِهَةِ مَجَازِ التَّشْبِيهِ) قُلْت: مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمُصِيبَةَ لَا ثَوَابَ فِيهَا قَطْعًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقَدْ تَبَيَّنَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ الْعُمُومَاتِ لَا دَلِيلَ فِيهِ لِتَعَيُّنِ حَمْلِهَا عَلَى الْخُصُوصِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِي الْأُمُورِ الْمَالِيَّةِ وَبِالظَّوَاهِرِ الْمُظَاهَرَةِ بِثُبُوتِ الْحَسَنَاتِ فِي الْآلَامِ وَشِبْهِهَا قَالَ (وَاعْلَمْ أَنَّ التَّكْفِيرَ فِي مَوْتِ الْأَوْلَادِ وَنَحْوِهِمْ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ الْآلَامِ) قُلْت: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ (فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مَكْرُوهًا يَسَّرَ بِفَقْدِهِ فَلَا كَفَّارَةَ بِفَقْدِهِ أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّكْفِيرَ بِمَوْتِ الْأَوْلَادِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ أَنَّهُ يُؤْلِمُ) . قُلْت: مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ تَحَكُّمٌ بِتَقْيِيدِ كَلَامِ الشَّارِعِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَتَضْيِيقٌ لِبَابِ الرَّحْمَةِ الثَّابِتِ سِعَتُهُ قَالَ (فَظَهَرَ لَك الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُكَفِّرَاتِ وَأَسْبَابِ الْمَثُوبَاتِ بِهَذِهِ التَّقَارِيرِ وَالْمَبَاحِثِ) قُلْت: لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي زَعَمَ قَالَ (وَعَلَى هَذَا الْبَيَانِ لَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ: الْمُصَابُ بِمَرَضٍ أَوْ فَقْدِ مَحْبُوبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ لَك هَذِهِ الْمُصِيبَةَ كَفَّارَةً؛ لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ قَطْعًا، وَالدُّعَاءُ بِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ قِلَّةُ أَدَبٍ مَعَ اللَّهِ - تَعَالَى، وَقَدْ بَسَطْت هَذَا فِي كِتَابِ الْمُنْجِيَاتِ وَالْمُوبِقَاتِ فِي الْأَدْعِيَةِ بَلْ يُقَالُ: اللَّهُمَّ عَظِّمْ لَهُ الْكَفَّارَةَ؛ لِأَنَّ تَعْظِيمَهَا لَمْ يُعْلَمْ ثُبُوتُهُ بِخِلَافِ أَصْلِ التَّكْفِيرِ أَنَّهُ مَعْلُومٌ لَنَا بِالنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَا يَجُوزُ طَلَبُهُ فَاعْلَمْ ـــــــــــــــــــــــــــــQزُهْدًا وَزَهَادَةً بِالْفَتْحِ لُغَةٌ فِيهِ، وَالتَّزَهُّدُ التَّعَبُّدُ وَالتَّزْهِيدُ ضِدُّ التَّرْغِيبِ، وَالْمُزْهِدُ بِوَزْنِ الْمُرْشِدِ الْقَلِيلُ الْمُحَالُ، وَفِي الْحَدِيثِ: «أَفْضَلُ النَّاسِ مُؤْمِنٌ مُزْهِدٌ» وَفِي تَعْرِيفَاتِ الْجُرْجَانِيِّ الزُّهْدُ لُغَةً تَرْكُ الْمَيْلِ إلَى الشَّيْءِ، وَفِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْحَقِّ هُوَ بُغْضُ الدُّنْيَا وَالْإِعْرَاضُ عَنْهَا وَقِيلَ: هُوَ تَرْكُ رَاحَةِ الدُّنْيَا طَلَبًا لِرَاحَةِ الْآخِرَةِ وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَخْلُوَ قَلْبُك مِمَّا خَلَتْ مِنْهُ يَدُك. اهـ. وَقَالَ الْأَصْلُ: هُوَ عَدَمُ الِاحْتِفَالِ بِالدُّنْيَا وَالْأَمْوَالِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ لَا عَدَمُ الْمَالِ. اهـ. قُلْت: وَتَعْرِيفُهُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ عَدَمِيًّا عَيْنُ التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ لَهُ فِي كَلَامِ الْجُرْجَانِيِّ، وَإِنْ كَانَ وُجُودِيًّا، وَقَرِيبٌ مِنْهُمَا التَّعْرِيفُ الثَّانِي فِي كَلَامِ الْجُرْجَانِيِّ وَذَاتُ الْيَدِ الْغَنِيُّ وَلَوْ لَمْ يَزْهَدْ عَمَّا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَالِ فَبَيْنَ الزُّهْدِ عَلَى تَعْرِيفِ الْأَصْلِ وَالْأَوَّلِ وَالثَّانِي مِنْ تَعْرِيفَاتِ الْجُرْجَانِيِّ وَبَيْنَ ذَاتِ الْيَدِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الزَّاهِدُ مِنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَهُوَ زَاهِدٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَفِلٍ بِمَا فِي يَدِهِ، وَبَذْلُهُ الْأَمْوَالَ الْعَظِيمَةَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ بَذْلِ الْفَلْسِ عَلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ يَكُونُ فَقِيرًا كَمَا أَنَّ ذَا الْيَدِ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ زَاهِدٍ، وَقَدْ يَكُونُ زَاهِدًا وَكَذَا بَيْنَ الزُّهْدِ وَبَيْنَ الْفَقْرِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ؛ لِأَنَّ الشَّدِيدَ الْفَقْرِ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ زَاهِدٍ بَلْ فِي غَايَةِ الْحِرْصِ لِأَجْلِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ قَلْبُهُ مِنْ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا وَبَيْنَ الزُّهْدِ بِالتَّعْرِيفِ الثَّالِثِ مِنْ تَعْرِيفَاتِ الْجُرْجَانِيِّ وَبَيْنَ ذَاتِ الْيَدِ التَّبَايُنُ الْكُلِّيُّ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَقْرِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْمُطْلَقُ كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ قَالَ الْأَصْلُ: وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ: وَالزُّهْدُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَاجِبٌ وَفِي الْوَاجِبَاتِ حَرَامٌ، وَفِي الْمَنْدُوبَاتِ مَكْرُوهٌ وَفِي الْمُبَاحَاتِ مَنْدُوبٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَةً؛ لِأَنَّ الْمَيْلَ إلَيْهَا يُفْضِي إلَى ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ فَتَرْكُهَا مِنْ بَابِ الْوَسَائِلِ الْمَنْدُوبَةِ. اهـ. وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الزُّهْدِ وَقَاعِدَةِ الْوَرَعِ] (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الزُّهْدِ وَقَاعِدَةِ الْوَرَعِ) وَهُوَ أَنَّ الزُّهْدَ عَلَى تَعْرِيفِ الْأَصْلِ وَالْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ مِنْ تَعْرِيفَاتِ الْجُرْجَانِيِّ الْمُتَقَدِّمَةِ هَيْئَةٌ فِي الْقَلْبِ، وَعَلَى الثَّانِي مِنْ تَعْرِيفَاتِ الْجُرْجَانِيِّ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ، وَأَمَّا الْوَرَعُ فَفِي الْأَصْلِ هُوَ تَرْكُ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا مِمَّا بِهِ الْبَأْسُ، وَفِي تَعْرِيفَاتِ الْجُرْجَانِيِّ هُوَ اجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ خَوْفًا مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، وَقِيلَ: هِيَ مُلَازَمَةُ الْأَعْمَالِ الْجَمِيلَةِ. اهـ. قُلْت: وَمَآلُ الثَّلَاثَةِ أَنَّ الْوَرَعَ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ، وَأَصْلُهَا قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» أَيْ سَلِمَ دِينُهُ وَعِرْضُهُ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الزُّهْدِ عَلَى تَعْرِيفِ الْأَصْلِ وَالْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ

ذَلِكَ فِيهِ وَفِي نَظَائِرِهِ (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُدَاهَنَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُدَاهَنَةِ الَّتِي لَا تَحْرُمُ، وَقَدْ تَجِبُ) اعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى الْمُدَاهَنَةِ مُعَامَلَةُ النَّاسِ بِمَا يُحِبُّونَ مِنْ الْقَوْلِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: 9] أَيْ هُمْ يَوَدُّونَ لَوْ أَثْنَيْت عَلَى أَحْوَالِهِمْ وَعِبَادَاتِهِمْ، وَيَقُولُونَ لَك مِثْلَ ذَلِكَ فَهَذِهِ مُدَاهَنَةٌ حَرَامٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ يَشْكُرُ ظَالِمًا عَلَى ظُلْمِهِ أَوْ مُبْتَدِعًا عَلَى بِدْعَتِهِ أَوْ مُبْطِلًا عَلَى إبْطَالِهِ وَبَاطِلِهِ فَهِيَ مُدَاهَنَةٌ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ لِتَكْثِيرِ ذَلِكَ الظُّلْمِ وَالْبَاطِلِ مِنْ أَهْلِهِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنَّا لَنَشْكُرُ فِي وُجُوهِ أَقْوَامٍ، وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَلْعَنُهُمْ يُرِيدُ الظَّلَمَةَ وَالْفَسَقَةَ الَّذِينَ يُتَّقَى شَرُّهُمْ، وَيُتَبَسَّمُ فِي وُجُوهِهِمْ وَيُشْكَرُونَ بِالْكَلِمَاتِ الْحَقَّةِ فَإِنَّ مَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَفِيهِ صِفَةٌ تُشْكَرُ، وَلَوْ كَانَ مِنْ أَنْحَسِ النَّاسِ فَيُقَالُ لَهُ ذَلِكَ اسْتِكْفَاءً لِشَرِّهِ فَهَذَا قَدْ يَكُونُ مُبَاحًا، وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا إنْ كَانَ يَتَوَصَّلُ بِهِ الْقَائِلُ لِدَفْعِ ظُلْمٍ مُحَرَّمٍ أَوْ مُحَرَّمَاتٍ لَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِذَلِكَ الْقَوْلِ وَيَكُونُ الْحَالُ يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا إنْ كَانَ وَسِيلَةً لِمَنْدُوبٍ أَوْ مَنْدُوبَاتٍ، وَقَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا إنْ كَانَ عَنْ ضَعْفٍ لَا ضَرُورَةَ تَتَقَاضَاهُ بَلْ خَوْرٌ فِي الطَّبْعِ أَوْ يَكُونُ وَسِيلَةً لِلْوُقُوعِ فِي مَكْرُوهٍ فَانْقَسَمَتْ الْمُدَاهَنَةُ عَلَى هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَظَهَرَ - حِينَئِذٍ - الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُدَاهَنَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَغَيْرِ الْمُحَرَّمَةِ، وَقَدْ شَاعَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ الْمُدَاهَنَةَ كُلَّهَا مُحَرَّمَةٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْأَمْرُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــSذَلِكَ فِيهِ وَفِي نَظَائِرِهِ) قُلْت: مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلَا مَانِعَ مِنْ الدُّعَاءِ بِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ أَيْ الْمَعْلُومِ الْحُصُولِ؛ إذْ ذَلِكَ مُرَادُهُ هُنَا، وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ: إنَّ ذَلِكَ قِلَّةُ أَدَبٍ مَعَ اللَّهِ - تَعَالَى - كَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَدْعُو لِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ بِالْمَغْفِرَةِ» مَعَ الْعِلْمِ بِثُبُوتِهَا لَهُ، وَمَا الْمَانِعُ أَنْ يَدْعُوَ بِذَلِكَ غَيْرُهُ، أَوْ يَدْعُوَ لَهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِحُصُولِ شَرْطِ التَّكْفِيرِ وَالْغُفْرَانِ، وَهُوَ الْوَفَاةُ عَلَى الْإِيمَانِ. وَجَمِيعُ مَا قَالَ فِي الْفَرْقِ بَعْدَهُ، وَهُوَ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ إلَى آخِرِ الْفَرْقِ الْحَادِي وَالسَّبْعِينَ وَالْمِائَتَيْنِ صَحِيحٌ أَوْ نَقْلٌ لَا كَلَامَ فِيهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ تَعْرِيفَاتِ الْجُرْجَانِيِّ الْمُتَقَدِّمَةِ التَّبَايُنُ الْكُلِّيُّ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الزُّهْدِ عَلَى الثَّانِي مِنْ تَعْرِيفَاتِ الْجُرْجَانِيِّ الْمُتَقَدِّمِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْمُطْلَقُ وَالزُّهْدُ هُوَ الْأَعَمُّ فَلْيُتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ وَفِي الْعَزِيزِيِّ بَعْدَ مَا رَوَاهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَمَّا خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا أُعْطِيت شَيْئًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تُسْأَلَ فَكُلْ وَتَصَدَّقْ» قَالَ الْمُنَاوِيُّ إرْشَادٌ يَعْنِي انْتَفِعْ بِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ شَرْطَ قَبُولِ الْمَبْذُولِ عِلْمُ حِلِّهِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْعَلْقَمِيِّ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ حِلَّهُ اُسْتُحِبَّ الْقَبُولُ وَإِنْ عَلِمَ حُرْمَتَهُ حَرُمَ الْقَبُولُ، وَإِنْ شَكَّ فَالِاحْتِيَاطُ رَدُّهُ، وَهُوَ الْوَرَعُ. اهـ. قَالَ الْحِفْنِيُّ: أَوْ مِنْ الشُّبْهَةِ لَكِنْ مَحِلُّهُ إنْ لَمْ يُعَارِضْهُ حُبُّ الثَّنَاءِ كَأَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ زَاهِدٌ لَا يَقْبَلُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ يَرُدُّ مَا فِيهِ شُبْهَةٌ حِينَئِذٍ أَخَّرَ مِنْ قَبُولِهِ اهـ وَفِي الْعَزِيزِيِّ مَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ قَرْضًا فَأَهْدَى إلَيْهِ طَبَقًا فَلَا يَقْبَلُهُ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى دَابَّتِهِ فَلَا يَرْكَبُهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ» الْمُرَادُ أَهْدَى إلَيْهِ شَيْئًا أَوْ أَرَادَ أَنْ يُرْكِبَهُ دَابَّتَهُ أَوْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا مَتَاعًا لَهُ فَلَا يَرْكَبُهَا أَيْ لَا يَسْتَعْمِلُهَا بِرُكُوبٍ وَلَا غَيْرِهِ قَالَ الْعَلْقَمِيُّ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنَزُّهِ وَالْوَرَعِ أَيْ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ (وَصْلٌ) فِي ثَلَاثِ مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَرْقِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) اخْتَلَفَ الْأَصْلُ وَابْنُ الشَّاطِّ فِي أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ هَلْ يُعَدُّ مِنْ الْوَرَعِ أَوْ لَا يُعَدُّ مِنْهُ فَذَهَبَ الْأَصْلُ إلَى أَنَّهُ يُعَدُّ مِنْهُ، وَقَالَ: فَإِنْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي فِعْلٍ هَلْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ حَرَامٌ فَالْوَرَعُ التَّرْكُ، أَوْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ وَاجِبٌ فَالْوَرَعُ الْفِعْلُ مَعَ اعْتِقَادِ الْوُجُوبِ حَتَّى يُجْزِئَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ أَوْ حَرَامٌ فَالْوَرَعُ التَّرْكُ، أَوْ مَكْرُوهٌ أَوْ وَاجِبٌ فَالْوَرَعُ الْفِعْلُ حَذَرًا مِنْ الْعِقَابِ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَفِعْلُ الْمَكْرُوهِ لَا يَضُرُّهُ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ مَشْرُوعٌ أَمْ لَا فَالْوَرَعُ الْفِعْلُ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِالْمَشْرُوعِيَّةِ مُثْبِتٌ لِأَمْرٍ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ النَّافِي، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي كَتَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ، وَذَلِكَ كَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْفَاتِحَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَمَالِكٌ يَقُولُ: لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ، وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ: هِيَ مَشْرُوعَةٌ وَاجِبَةٌ فَالْوَرَعُ الْفِعْلُ لِتَيَقُّنِ الْخُلُوصِ مِنْ إثْمِ تَرْكِ الْوَاجِبِ عَلَى مَذْهَبِهِ وَكَالْبَسْمَلَةِ قَالَ مَالِكٌ: هِيَ فِي الصَّلَاةِ مَكْرُوهَةٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هِيَ وَاجِبَةٌ فَالْوَرَعُ الْفِعْلُ لِلْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ وَاجِبٌ فَالْعِقَابُ مُتَوَقَّعٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا

(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْخَوْفِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - الْمُحَرَّمِ وَقَاعِدَةِ الْخَوْفِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - الَّذِي لَا يَحْرُمُ) وَرَدَ قَوْله تَعَالَى {وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ} [التوبة: 18] وقَوْله تَعَالَى {فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} [البقرة: 150] وقَوْله تَعَالَى {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: 37] وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ الْمَانِعَةِ مِنْ خَوْفِ غَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَهُوَ الْمُسْتَفِيضُ عَلَى أَلْسِنَةِ الْجُمْهُورِ، وَهَذِهِ النُّصُوصُ مَحْمُولَةٌ عَلَى خَوْفِ غَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - الْمَانِعِ مِنْ فِعْلِ وَاجِبٍ أَوْ تَرْكِ مُحَرَّمٍ أَوْ خَوْفٍ مِمَّا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْخَوْفِ كَمَنْ يَتَطَيَّرُ بِمَا لَا يَخَافُ مِنْهُ عَادَةً كَالْعُبُورِ بَيْنَ الْغَنَمِ يُخَافُ لِذَلِكَ أَنْ لَا تُقْضَى حَاجَتُهُ بِهَذَا السَّبَبِ فَهَذَا كُلُّهُ خَوْفٌ حَرَامٌ، وَمِمَّا وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ قَلِيلٌ أَنْ يَتَفَطَّنَ لَهُ قَوْله تَعَالَى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت: 10] فَمَعْنَى هَذَا التَّشْبِيهِ فِي هَذِهِ الْكَافِ قَلَّ مَنْ يُحَقِّقُهُ، وَهُوَ قَدْ وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي سِيَاقِ الذَّمِّ وَالْإِنْكَارِ مَعَ أَنَّ فِتْنَةَ النَّاسِ مُؤْلِمَةٌ، وَعَذَابُ اللَّهِ مُؤْلِمٌ، وَمَنْ شَبَّهَ مُؤْلِمًا بِمُؤْلِمٍ كَيْفَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ هَذَا التَّشْبِيهَ وَمُدْرَكُ الْإِنْكَارِ بَيِّنٌ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - وَضَعَ عَذَابَهُ حَاثًّا عَلَى طَاعَتِهِ وَزَاجِرًا عَنْ مَعْصِيَتِهِ فَمَنْ جَعَلَ أَذِيَّةَ النَّاسِ حَاثَّةً عَلَى طَاعَتِهِمْ فِي ارْتِكَابِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَزَاجِرَةً لَهُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ عَذَابِ اللَّهِ وَفِتْنَةِ النَّاسِ فِي الْحَثِّ وَالزَّجْرِ وَشَبَّهَ الْفِتْنَةَ بِعَذَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَالتَّشْبِيهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ حَرَامٌ قَطْعًا مُوجِبٌ لِلتَّحْرِيمِ وَاسْتِحْقَاقِ الذَّمِّ الشَّرْعِيِّ فَأُنْكِرَ عَلَى فَاعِلِهِ ذَلِكَ، وَهُوَ مِنْ بَابِ خَوْفِ غَيْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ، وَهُوَ سِرُّ التَّشْبِيهِ هَا هُنَا، وَقَدْ يَكُونُ الْخَوْفُ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - لَيْسَ مُحَرَّمًا كَالْخَوْفِ مِنْ الْأُسُودِ وَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَالظُّلْمَةِ، وَقَدْ يَجِبُ الْخَوْفُ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - كَمَا أَمَرَنَا بِالْفِرَارِ مِنْ أَرْضِ الْوَبَاءِ وَالْخَوْفِ مِنْهَا عَلَى أَجْسَامِنَا مِنْ الْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ، وَفِي الْحَدِيثِ «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ» فَصَوْنُ النَّفْسِ وَالْأَجْسَامِ وَالْمَنَافِعِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ عَنْ الْأَسْبَابِ الْمُفْسِدَةِ وَاجِبٌ، وَعَلَى هَذِهِ الْقَوَاعِدِ فَقِسْ يَظْهَرْ لَك مَا يَحْرُمُ مِنْ الْخَوْفِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَمَا لَا يَحْرُمُ وَحَيْثُ تَكُونُ الْخَشْيَةُ مِنْ الْخَلْقِ مُحَرَّمَةً وَحَيْثُ لَا تَكُونُ فَاعْلَمْ ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَعَ إلَّا أَنْ تَقُولَ: إنَّ الْمُحَرَّمَ إذَا عَارَضَهُ الْوَاجِبُ قُدِّمَ عَلَى الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ رِعَايَةَ دَرْءِ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ حُصُولِ الْمَصَالِحِ، وَهُوَ الْأَنْظَرُ فَيُقَدَّمُ الْمُحَرَّمُ هَا هُنَا فَيَكُونُ الْوَرَعُ التَّرْكَ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ أَوْ مَكْرُوهٌ فَلَا وَرَعَ لِتَسَاوِي الْجِهَتَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّمِ وَالْوَاجِبِ، وَيُمْكِنُ تَرْجِيحُ الْمَكْرُوهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّمِ، وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ تَجْرِي قَاعِدَةُ الْوَرَعِ، وَهَذَا مَعَ تَقَارُبُ الْأَدِلَّةِ أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الْمَذْهَبَيْنِ ضَعِيفَ الدَّلِيلِ جِدًّا بِحَيْثُ لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ لَنَقَضْنَاهُ لَمْ يَحْسُنْ الْوَرَعُ فِي مِثْلِهِ، وَإِنَّمَا يَحْسُنُ إذَا كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ تَقْرِيرُهُ شَرِيعَةً. اهـ. وَذَهَبَ الْإِمَامُ ابْنُ الشَّاطِّ إلَى أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ لَا يُعَدُّ مِنْ الْوَرَعِ، وَقَالَ: لَا يَصِحُّ مَا قَالَهُ الشِّهَابُ لِوُجُوهٍ (الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) : أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَرَعَ فِي ذَلِكَ تَوَقُّعُ الْعِقَابِ، وَأَيُّ عِقَابٍ يُتَوَقَّعُ فِي ذَلِكَ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِتَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِتَصْوِيبِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْأَقْوَالِ دُونَ غَيْرِهِ فَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى عَدَمِ تَأْثِيمِ الْمُخْطِئِ وَعَدَمِ تَعْيِينِهِ فَلَا يَصِحُّ دُخُولُ الْوَرَعِ فِي خِلَافِ الْعُلَمَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (الْوَجْهُ الثَّانِي) : أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى دُخُولِ الْوَرَعِ فِي ذَلِكَ غَيْرَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ تَوَقُّعِ الْإِثْمِ وَالْعِقَابِ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ بِالدَّلِيلِ الْإِجْمَاعِيِّ الْقَطْعِيِّ (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) : كَيْفَ يَصِحُّ دُخُولُ الْوَرَعِ فِي ذَلِكَ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» فَأَطْلَقَ الْقَوْلَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ، وَلَا تَفْصِيلٍ، وَلَا تَنْبِيهٍ عَلَى وَجْهِ الْوَرَعِ فِي ذَلِكَ (الْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّهُ لَمْ يُحْفَظْ التَّنْبِيهُ فِي ذَلِكَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يَعْنِي الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَا غَيْرَهُمْ مِنْ السَّلَفِ الْمُتَقَدِّمِ (الْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ الْخِلَافِ لَا يَتَأَتَّى فِي مِثْلِ مَا مَثَّلَ بِهِ الشِّهَابُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْخِلَافِ بِالتَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ فِي الْفِعْلِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ وَالِانْكِفَافِ عَنْهُ، فَإِنْ أَقْدَمَ الْمُكَلَّفُ فَقَدْ وَافَقَ مَذْهَبَ الْمُحَلِّلِ، وَإِنْ انْكَفَّ عَنْهُ فَقَدْ وَافَقَ مَذْهَبَ الْمُحَرِّمِ، فَأَيْنَ الْخُرُوجُ عَنْ الْخِلَافِ إنَّمَا ذَلِكَ عَمَلٌ عَلَى وَفْقِ أَحَدِ الْمَذْهَبَيْنِ لَا خُرُوجٌ عَنْ الْمَذْهَبَيْنِ، وَمِثَالُهُ أَكْلُ لُحُومِ الْخَيْلِ، فَإِنَّهُ مُبَاحٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَمْنُوعٌ، أَوْ مَكْرُوهٌ عِنْدَ مَالِكٍ فَإِنْ أَقْدَمَ عَلَى الْأَكْلِ فَذَلِكَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ انْكَفَّ فَذَلِكَ مَذْهَبُ مَالِكٍ قَالَ: وَمَا قَالَهُ فِيمَا إذَا اخْتَلَفُوا لَنَا فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَعَدَمِهَا مِنْ أَنَّ الْقَائِلَ بِهَا مُثْبِتٌ لِأَمْرٍ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الثَّانِي، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي كَتَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِنَّهُ إنْ عَنَى بِتَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ كَمَا إذَا قَالَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ لِزَيْدٍ عِنْدَ عَمْرٍو دَيْنًا وَقَالَتْ الْأُخْرَى: لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلَا تَعَارُضَ؛ لِأَنَّ النَّافِيَةَ مَعْنَى نَفْيِهَا أَنَّهَا لَا تَعْلَمُ أَنَّ لَهُ عِنْدَهُ شَيْئًا أَوْ لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلَا تَعَارُضَ. وَلَيْسَ نَفْيُهَا أَنَّهَا تَعْلَمُ أَنَّهُ

(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّطَيُّرِ وَقَاعِدَةِ الطِّيَرَةِ وَمَا يَحْرُمُ مِنْهُمَا وَمَا لَا يَحْرُمُ) فَالتَّطَيُّرُ هُوَ الظَّنُّ السَّيِّئُ الْكَائِنُ فِي الْقَلْبِ، وَالطِّيَرَةُ هُوَ الْفِعْلُ الْمُرَتَّبُ عَلَى هَذَا الظَّنِّ مِنْ فِرَارٍ أَوْ غَيْرِهِ وَكِلَاهُمَا حَرَامٌ لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ، وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ» وَلِأَنَّهَا مِنْ بَابِ سُوءِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ - تَعَالَى، وَلَا يَكَادُ الْمُتَطَيِّرُ يَسْلَمُ مِمَّا تَطَيَّرَ مِنْهُ إذَا فَعَلَهُ، وَغَيْرُهُ لَا يُصِيبُهُ مِنْهُ بَأْسٌ، وَسَأَلَ بَعْضُ الْمُتَطَيِّرِينَ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ فَقَالَ لَهُ: إنَّنِي لَا أَتَطَيَّرُ فَلَا يَنْخَرِمُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ يَقَعُ الضَّرَرُ بِي وَغَيْرِي يَقَعُ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ السَّبَبِ فَلَا يَجِدُ مِنْهُ ضَرَرًا، وَقَدْ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَيَّ فَهَلْ لِهَذَا أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ فَقَالَ لَهُ نَعَمْ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ - تَعَالَى -: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ» وَفِي بَعْضِ الطُّرُقِ فَلْيَظُنَّ بِي خَيْرًا وَأَنْتَ تَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يُؤْذِيَك عِنْدَ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي تَطَيَّرْت مِنْهُ فَتُسِيءُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَيُقَابِلُك اللَّهُ عَلَى سُوءِ ظَنِّك بِهِ بِإِذَايَتِكَ بِذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي تَطَيَّرْت بِهِ، وَغَيْرُك لَا يُسِيءُ ظَنَّهُ بِاَللَّهِ - تَعَالَى، وَلَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ ضَرَرٌ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَا يُعَاقِبُهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فَلَا يَتَضَرَّرُ ثُمَّ هَذَا الْمَقَامُ يَحْتَاجُ إلَى تَحْقِيقٍ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ خَافَ الْهَلَاكَ عِنْدَ مُلَاقَاةِ السَّبُعِ لَمْ يَحْرُمْ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ فِي الْغَالِبِ قِسْمَانِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ مُؤْذٍ كَالسَّمُومِ وَالسِّبَاعِ وَالْوَبَاءِ وَمُعَادَاةِ النَّاسِ وَالتُّخْمِ وَأَكْلِ الْأَغْذِيَةِ الثَّقِيلَةِ الْمُنَفِّخَةِ عِنْدَ ضُعَفَاءِ الْمَعِدَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَالْخَوْفُ فِي هَذَا الْقِسْمِ لَيْسَ حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ خَوْفٌ عَنْ سَبَبٍ مُحَقَّقٍ فِي مَجَارِي الْعَادَةِ، وَقَدْ نَقَلَ صَاحِبُ الْقَبَسِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا عَدْوَى» مَحْمُولٌ عَلَى بَعْضِ الْأَمْرَاضِ بِدَلِيلِ تَحْذِيرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ الْوَبَاءِ وَالْقُدُومِ عَلَى بَلَدٍ هُوَ فِيهِ. وَهَذَا حَقٌّ فَإِنَّ عَوَائِدَ اللَّهِ إذَا دَلَّتْ عَلَى شَيْءٍ وَجَبَ اعْتِقَادُهُ كَمَا نَعْتَقِدُ أَنَّ الْمَاءَ مُرْوٍ وَالْخُبْزَ مُشْبِعٌ وَالنَّارَ مُحْرِقَةٌ وَقَطْعَ الرَّأْسِ مُمِيتٌ وَمَنْعَ النَّفَسِ مُمِيتٌ، وَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ كَانَ خَارِجًا عَنْ نَمَطِ الْعُقَلَاءِ، وَمَا سَبَبُهُ إلَّا جَرَيَانُ الْعَادَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ فِي الْعَادَةِ أَكْثَرِيًّا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطَّرِدًا نَحْوُ كَوْنِ الْمَحْمُودَةِ مُسَهِّلَةً وَالْآسِ قَابِضًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَدْوِيَةِ فَإِنَّ اعْتِقَادَهَا حَسَنٌ مُتَعَيِّنٌ مَعَ عَدَمِ اطِّرَادِهَا بَلْ لِكَوْنِهَا أَكْثَرِيَّةً فَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ أَنَّ الَّذِي يَحْرُمُ التَّطَيُّرُ فِيهِ هُوَ الْقِسْمُ الْخَارِجُ عَنْ هَذَا الْقِسْمِ، وَهُوَ مَا لَمْ تَجْرِ عَادَةُ اللَّهِ - تَعَالَى - بِهِ فِي حُصُولِ الضَّرَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَإِنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ يَتَعَذَّرُ الْعِلْمُ بِهِ عَادَةً، وَإِنْ عَنَى كَمَا إذَا قَالَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ رَأَيْنَاهُ يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْ عَامِ سَبْعِمِائَةٍ بِمَكَّةَ وَقَالَتْ الْأُخْرَى: رَأَيْنَاهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِعَيْنِهِ بِالْمَدِينَةِ فَهَذَا تَعَارُضٌ، وَلَا يَصِحُّ تَقْدِيمُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى إلَّا بِالتَّرْجِيحِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ الَّتِي تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الْمُجْتَهِدِينَ لَا الصُّورَةُ الْأُولَى، فَإِذَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي مِثْلِ هَذَا الِاجْتِهَادِ ثَبَتَ الْخِلَافُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمٍ لِأَحَدِ الْمَذْهَبَيْنِ عَلَى الْآخَرِ إلَّا عِنْدَ مَنْ رَجَحَ عِنْدَهُ كَالْمُجْتَهِدِينَ، وَكُلُّ مَنْ رَجَحَ عِنْدَهُ ذَلِكَ الْمَذْهَبُ لَا يَسُوغُ لَهُ تَرْكُهُ فَلَا وَرَعَ بِاعْتِبَارِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَلَا بُدَّ لِمَنْ حُكْمُهُ التَّقْلِيدُ أَنْ يَعْمَلَ بِالتَّقْلِيدِ، فَإِذَا قَلَّدَ أَحَدَ الْمُجْتَهِدِينَ لَا يَتَمَكَّنُ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَفِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ أَنْ يُقَلِّدَ الْآخَرَ، وَلَا أَنْ يَنْظُرَ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالْمُكَلَّفُونَ كُلُّهُمْ دَائِرُونَ بَيْنَ الِاجْتِهَادِ وَالتَّقْلِيدِ، وَالْمُجْتَهِدُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْأَخْذِ بِغَيْرِ مَا اقْتَضَاهُ نَظَرُهُ، وَالْمُقَلِّدُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْأَخْذِ بِاَلَّذِي يَقْتَضِي خِلَافَ مَذْهَبِ مُقَلِّدِهِ فِي حَقِّهِ فَلَا يَصِحُّ الْوَرَعُ الَّذِي يَقْتَضِي خِلَافَ نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ فِي حَقِّهِ وَخِلَافَ مَذْهَبِ الْمُقَلِّدِ فِي حَقِّ الْمُقَلِّدِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْوَرَعِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِينَ، وَلَا فِي حَقِّ الْمُقَلِّدِينَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا ثَالِثَ يَصِحُّ ذَلِكَ الْوَرَعُ فِي حَقِّهِ قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ فَلُزُومُ عَمَلِ الْمُجْتَهِدِ، وَمُقَلِّدِهِ عَلَى حَسَبِ مُقْتَضَى اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِ كَمَا يَمْنَعُ حُصُولُ الْوَرَعِ فِي اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ بِالْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ؛ إذْ يَتَعَيَّنُ الْفِعْلُ فِي الْأَوَّلِ. وَالتَّرْكُ فِي الثَّانِي كَذَلِكَ يَمْنَعُ حُصُولُهُ فِي اخْتِلَافِهَا بِالْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ وَالتَّحْلِيلِ أَوْ بِالتَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ حَتَّى عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ مُشْتَرَكَةٌ فِي جَوَازِ الْفِعْلِ وَالِاثْنَانِ مُشْتَرَكَانِ فِي رُجْحَانِ التَّرْكِ وَأَنَّ تَوَهُّمَ صِحَّةِ ذَلِكَ ضَرُورَةَ أَنَّ اللُّزُومَ الْمَذْكُورَ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ فِي الْمُقَلِّدِ: إنَّهُ يَسُوغُ لَهُ تَقْلِيدُ أَحَدِ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ مَثَلًا لَا بِعَيْنِهِ، وَيَفْعَلُ الْفِعْلَ بِنِيَّةِ التَّفْوِيضِ لَكِنْ لَا أَعْرِفُهُ لِأَحَدٍ، وَلَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا قَالَ: وَمَا وَجَّهَ بِهِ الشِّهَابُ تَسْوِيغَ تَقْلِيدِ أَحَدِ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ مَثَلًا مِنْ أَنَّ مُقَلِّدَ الشَّافِعِيِّ يَعْتَقِدُ فِي مَسْحِ رَأْسِهِ كُلِّهِ النَّدْبَ عَلَى رَأْيِ الشَّافِعِيِّ وَالْوُجُوبَ عَلَى رَأْيِ مَالِكٍ، وَإِنْ كَانَ النَّدْبُ وَالْوُجُوبُ وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ أَضْدَادًا لَكِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ إذَا اتَّحَدَ الْمُتَعَلَّقُ، وَالْإِضَافَةُ مَعَ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ أَمَّا اتِّحَادُ الْمَحَلِّ فَقَطْ مَعَ اخْتِلَافِ الْإِضَافَةِ كَمَا هُنَا فَإِنَّهُ كَمَا عَلِمْت اعْتَقَدَ مَسْحَ الرَّأْسِ وَاجِبًا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَمَنْدُوبًا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَلَا يُمْنَعُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي ذِهْنِهِ بِاعْتِبَارِ الْجِهَتَيْنِ وَالْإِضَافَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ زَيْدًا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَبٌ لِعَمْرٍو، وَلَيْسَ أَبًا لِخَالِدٍ فَيَجْتَمِعُ فِيهِ

[المسألة الأولى الورع في مسح الشافعي جميع رأسه]

مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ فَإِذَا عَرَضَ التَّطَيُّرُ حَصَلَ بِهِ الضَّرَرُ عُقُوبَةً لِمَنْ اعْتَقَدَ ذَلِكَ فِيهِ وَاعْتَقَدَ فِي مِلْكِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَتَصَرُّفِهِ مَا لَيْسَ فِيهِ مَعَ سُوءِ الظَّنِّ بِهِ وَهَذَا الْقِسْمُ كَشَقِّ الْأَغْنَامِ وَالْعُبُورِ بَيْنَ الْغَنَمِ وَشِرَاءِ الصَّابُونِ يَوْمَ السَّبْتِ وَنَحْوِ هَذَا مِنْ هَذَيَانِ الْعَوَامّ الْمُتَطَيِّرِينَ فَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الْحَرَامُ الْمَخُوفُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ سُوءُ ظَنٍّ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ، وَمِنْ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْ أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ. وَلَمْ يَتَمَحَّضْ كَالْعَدْوَى فِي بَعْضِ الْأَمْرَاضِ وَنَحْوِهِ فَالْوَرَعُ تَرْكُ الْخَوْفِ مِنْهُ حَذَرًا مِنْ الطِّيَرَةِ وَمِنْ ذَلِكَ الشُّؤْمُ الْوَارِدُ فِي الْأَحَادِيثِ فَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثٍ الدَّارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْفَرَسُ» وَفِي بَعْضِهَا «إنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ» قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ - كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ - إنْ كَانَ النَّاسُ يَعْتَقِدُونَ الشُّؤْمَ فَإِنَّمَا يَعْتَقِدُونَهُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ أَوْ إنْ كَانَ الشُّؤْمُ وَاقِعًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَفِي هَذِهِ الثَّلَاثِ وَقِيلَ: أَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ أَوَّلًا مُجْمَلًا ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِ وَاقِعًا فِي الثَّلَاثِ؛ فَلِذَلِكَ أَجْمَلَ ثُمَّ فَصَّلَ وَجَزَمَ كَمَا «قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الدَّجَّالِ إنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ، وَإِنْ لَمْ أَكُنْ فِيكُمْ فَالْمَرْءُ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - خَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ ثُمَّ أَخْبَرَ» - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ الدَّجَّالَ إنَّمَا يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَأَخْبَرَ بِالدَّجَّالِ أَوَّلًا مُجْمَلًا ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِ مُفَصَّلًا عَلَى حَسَبِ مَا وَرَدَ الْوَحْيُ بِهِ، وَكَذَلِكَ «سُئِلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ أَكْلِ الضَّبِّ فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ مُسِخَتْ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ» أَوْ مَا هَذَا مَعْنَاهُ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ الْمَمْسُوخَ لَمْ يَعْقُبْ فَقَدْ أَخْبَرَ بِالْمَسْخِ أَوَّلًا مُجْمَلًا ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِ مُفَصَّلًا، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي السُّنَّةِ فَتَنَبَّهْ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَبِهَا يَحْصُلُ لَك الْجَمْعُ بَيْنَ كَثِيرٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَلَا مَانِعَ أَنْ يُجْرِيَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَادَتَهُ بِجَعْلِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَحْيَانًا سَبَبًا لِلضَّرَرِ فَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَارٌ سَكَنَّاهَا، وَالْعَدَدُ كَثِيرٌ، وَالْمَالُ وَافِرٌ فَقَلَّ الْعَدَدُ وَذَهَبَ الْمَالُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعُوهَا ذَمِيمَةً» وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: إنَّمَا تَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ أَقْوَالِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي الثَّلَاثِ قَالَ الْبَاجِيَّ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَادَةً، وَفِي الْمُوَطَّإِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا عَدْوَى، وَلَا هَامَ، وَلَا صَفَرَ» ، وَلَا يَحُلُّ الْمُمْرِضُ عَلَى الْمُصِحِّ وَلْيَحِلَّ الْمُصِحُّ حَيْثُ شَاءَ قَالَ الْبَاجِيَّ قَالَ ابْنُ دِينَارٍ: لَا يُعْدِي مَرِيضٌ مَرِيضًا خِلَافًا لِمَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَعْتَقِدُهُ فَبَيَّنَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَلَا هَامَةَ قَالَ مَالِكٌ: مَعْنَاهُ لَا تَطَيُّرَ بِالْهَامَةِ كَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ: إذَا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّقِيضَانِ بِاعْتِبَارِ إضَافَتَيْنِ. اهـ. فَهُوَ وَإِنْ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ التَّنَاقُضَ وَالتَّضَادَّ لَا يَتَحَقَّقَانِ إلَّا بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ، وَالْمُتَعَلَّقِ وَالْإِضَافَةِ لَا صِحَّةَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ اشْتِرَاطُ تِلْكَ الشُّرُوطِ فِي التَّنَاقُضِ وَالتَّضَادِّ صَحِيحًا، وَذَلِكَ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُجْتَهِدَ وَمُقَلِّدَهُ مُوَافَقَةُ اجْتِهَادِهِ فِي عَمَلِهِ وَاعْتِقَادِهِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَعَلَى مُقَلِّدِهِ مُخَالَفَتُهُ فَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّ الْوَرَعَ لَا يُدْخِلُ فِي مَسْحِ الشَّافِعِيِّ مَثَلًا جَمِيعَ رَأْسِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ اعْتَقَدَ الْوُجُوبَ فَقَدْ تَرَكَ النَّدْبَ فَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ بَلْ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ فَقَطْ. وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ الْوُجُوبَ لَمْ يُجْزِهِ الْمَسْحُ إلَّا بِنِيَّةِ النَّدْبِ فَمَا حَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْمَالِكِيُّ إذَا بَسْمَلَ وَكُلُّ مَوْضِعٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ. اهـ. وَهُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. [الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْوَرَعِ فِي مَسْحِ الشَّافِعِيِّ جَمِيعَ رَأْسِهِ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الْأَصْلُ الْوَرَعُ فِي تَقْلِيدِ الشَّافِعِيِّ مَثَلًا مَالِكًا فِي تَدَلُّكِهِ فِي غُسْلِهِ، وَفِي مَسْحِهِ جَمِيعَ رَأْسِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ صِحَّةَ الْعِبَادَةِ، وَإِنْ اعْتَقَدَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمَالِكِيَّ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إذَا لَمْ يَتَدَلَّك فِي غُسْلِهِ أَوْ لَمْ يَمْسَحْ جَمِيعَ رَأْسِهِ وَنَحْوِهِ، وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ مَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ إذَا لَمْ يُبَسْمِلْ، وَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ وَالْوَرَعَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِصَوْنِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا عَنْ الْبُطْلَانِ عَلَى قَوْلِ الْمُخَالِفِ بَلْ عِبَادَةُ كُلِّ مُقَلِّدٍ لِإِمَامٍ مُعْتَبَرٍ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ إذْ لَوْ لَمْ يُجْمِعْ كُلُّ فَرِيقٍ مَعَ خَصْمِهِ عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفَاتِهِ وَعِبَادَتِهِ عَلَى وَجْهِ التَّقْلِيدِ الْمُعْتَبَرِ بَلْ كَانَ الْمَالِكِيُّ مَثَلًا يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ صَلَاةِ الشَّافِعِيِّ وَبِالْعَكْسِ لَكَانَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ عِنْدَ الْأُخْرَى مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ فِسْقًا لِتَرْكِهَا الصَّلَاةَ طُولَ عُمْرِهَا وَلَا تَقْبَلُ لَهَا شَهَادَةً وَتُجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامَ الْفُسَّاقِ أَبَدَ الدَّهْرِ وَيَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي الْفِرَقِ كُلِّهَا مِنْ جِهَةِ مُخَالِفِهَا، وَهَذَا فَسَادٌ عَظِيمٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ بَلْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمِيعُ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَعْدَلِ النَّاسِ، وَلَا يَقُولُ بِفِسْقِ أَحَدٍ مِنْهُمْ إلَّا مُنَافِقٌ مَارِقٌ مِنْ الدِّينِ. اهـ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَرَعَ مَا فَائِدَتُهُ وَكَيْفَ يُشْرَعُ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ الْعِبَادَةُ الْوَاقِعَةُ صَحِيحَةً. وَلَا يَصِحُّ دَفْعُ الشِّهَابُ لَهُ بِأَنَّ فَائِدَةَ الْوَرَعِ وَسَبَبَ مَشْرُوعِيَّتِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ أَدِلَّةِ الْمُخْتَلِفِينَ، وَالْعَمَلُ بِمُقْتَضَى كُلِّ دَلِيلٍ فَلَا يَبْقَى فِي النُّفُوسِ تَوَهُّمٌ أَنَّهُ قَدْ أَهْمَلَ دَلِيلًا لَعَلَّ مُقْتَضَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ فَبِالْجَمْعِ يَنْتَفِي ذَلِكَ فَأَثَرُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ فِي جَمِيعِ مُقْتَضَيَاتِ الْأَدِلَّةِ فِي صِحَّةِ الْعِبَادَةِ وَالتَّصَرُّفِ. اهـ. إذْ كَيْفَ يَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَ مُقْتَضَى دَلِيلَيْنِ مُوجِبٌ وَمُحَرِّمٌ، وَأَحَدُهُمَا يَقْتَضِي لُزُومَ الْفِعْلِ، وَالثَّانِي يَقْتَضِي لُزُومَ التَّرْكِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَمْرِ الْوَاحِدِ مُحَالٌ، وَلَا يُغْنِي فِي ذَلِكَ اعْتِقَادُ اخْتِلَافِ الْإِضَافَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمَامَيْنِ اهـ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ هَلْ يَدْخُلُ الْوَرَعُ وَالزُّهْدُ فِي الْمُبَاحَاتِ أَمْ لَا] (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ الْأَصْلُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ فِي دُخُولِ الْوَرَعِ وَالزُّهْدِ فِي الْمُبَاحَاتِ وَعَدَمِ

وَقَعَتْ هَامَةٌ عَلَى بَيْتٍ خَرَجَ مِنْهُ مَيِّتٌ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَقُولُ إذَا قُتِلَ أَحَدٌ خَرَجَ مِنْ رَأْسِهِ طَائِرٌ لَا يَزَالُ يَقُولُ اسْقُونِي حَتَّى يَقْتُلَ قَاتِلَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْخَبَرُ نَهْيًا وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ تَكْذِيبًا، وَلَا صَفَرَ هُوَ النَّسِيءُ الَّتِي كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تُحَرِّمُ فِيهِ صَفَرَ لِتُبِيحَ بِهِ الْمُحَرَّمَ وَقِيلَ: كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَقُولُ: هُوَ دَاءٌ فِي الْجَوْفِ يَقْتُلُ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَمُوتُ إلَّا بِأَجَلِهِ وَالْمُمْرِضُ صَاحِبُ الْمَاشِيَةِ الْمَرِيضَةِ وَالْمُصِحُّ صَاحِبُ الْمَاشِيَةِ الصَّحِيحَةِ قَالَ ابْنُ دِينَارٍ وَمَعْنَى الْمُمْرِضِ الْمُصِحِّ بِإِيرَادِ مَاشِيَةٍ عَلَى مَاشِيَةٍ فَيُؤْذِيهِ بِذَلِكَ فَنُسِخَ بِقَوْلِهِ «لَا عَدْوَى» وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يَحِلُّ الْمَجْذُومُ مَحَلَّ الصَّحِيحِ مَعَهُ يُؤْذِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُعْدِي فَالنَّفْسُ تَكْرَهُهُ فَهُوَ مِنْ بَابِ إزَالَةِ الضَّرَرِ لَا مِنْ الْعَدْوَى وَقِيلَ: هُوَ نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا عَدْوَى» (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الطِّيَرَةِ، وَقَاعِدَةِ الْفَأْلِ الْحَلَالِ الْمُبَاحِ وَالْفَأْلِ الْحَرَامِ) أَمَّا التَّطَيُّرُ وَالطِّيَرَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَتْ حَقِيقَتُهُمَا وَأَحْكَامُهُمَا، وَأَمَّا الْفَأْلُ فَهُوَ مَا يُظَنُّ عِنْدَهُ الْخَيْرُ عَكْسُ الطِّيَرَةِ وَالتَّطَيُّرِ غَيْرَ أَنَّهُ تَارَةً يَتَعَيَّنُ لِلْخَيْرِ، وَتَارَةً لِلشَّرِّ وَتَارَةً مُتَرَدِّدًا بَيْنَهُمَا فَالْمُتَعَيِّنُ لِلْخَيْرِ مِثْلُ الْكَلِمَةِ الْحَسَنَةِ يَسْمَعُهَا الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ نَحْوُ يَا فَلَّاحُ يَا مَسْعُودُ وَمِنْهُ تَسْمِيَةُ الْوَلَدِ وَالْغُلَامِ بِالِاسْمِ الْحَسَنِ حَتَّى مَتَى سَمِعَ اسْتَبْشَرَ الْقَلْبُ فَهَذَا فَأْلٌ حَسَنٌ مُبَاحٌ مَقْصُودٌ وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَوَّلَ أَسْمَاءَ مَكْرُوهَةً مِنْ أَقْوَامٍ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِأَسْمَاءٍ حَسَنَةٍ فَهَذَانِ الْقِسْمَانِ هُمَا الْفَأْلُ الْمُبَاحُ وَعَلَيْهِمَا يُحْمَلُ قَوْلُهُمْ: «إنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ» وَأَمَّا الْفَأْلُ الْحَرَامُ فَقَدْ قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ إنَّ أَخْذَ: الْفَأْلِ مِنْ الْمُصْحَفِ وَضَرْبَ الرَّمْلِ وَالْقُرْعَةِ وَالضَّرْبِ بِالشَّعِيرِ وَجَمِيعَ هَذَا النَّوْعِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ. وَالْأَزْلَامُ أَعْوَادٌ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَكْتُوبٌ عَلَى أَحَدِهِمَا افْعَلْ وَعَلَى الْآخَرِ لَا تَفْعَلْ وَعَلَى الْآخَرِ غُفْلٌ فَيَخْرُجُ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ وَجَدَ عَلَيْهِ افْعَلْ أَقْدَمَ عَلَى حَاجَتِهِ الَّتِي يَقْصِدُهَا أَوْ لَا تَفْعَلْ أَعْرَضَ عَنْهَا وَاعْتَقَدَ أَنَّهَا ذَمِيمَةٌ، أَوْ خَرَجَ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ غُفْلٌ أَعَادَ الضَّرْبَ فَهُوَ يَطْلُبُ قَسْمَهُ مِنْ الْغَيْبِ بِتِلْكَ الْأَعْوَادِ فَهُوَ اسْتِقْسَامٌ أَيْ طَلَبُ الْقَسْمِ الْجَيِّدِ يَتْبَعُهُ، وَالرَّدِيءِ يَتْرُكُهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَخَذَ الْفَأْلَ مِنْ الْمُصْحَفِ أَوْ غَيْرِهِ إنَّمَا يَعْتَقِدُ هَذَا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQدُخُولِهَا فِيهَا خِلَافٌ وَقَعَ فِي أَوَّلِ الْعَصْرِ الَّذِي أَدْرَكْته يَعْنِي أَوَائِلَ الْقَرْنِ السَّابِعِ فَادَّعَى ذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ، وَضَيَّقَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَأَكْثَرُوا التَّشْنِيعَ فَقَالَ الْأَبْيَانِيُّ فِي مُصَنَّفِهِ: لَا يَدْخُلُ الْوَرَعُ فِيهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ سَوَّى بَيْنَ طَرَفَيْهَا، وَالْوَرَعُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَالنَّدْبُ مَعَ التَّسْوِيَةِ مُتَعَذِّرٌ، وَقَالَ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ الْحِمْيَرِيُّ: يَدْخُلُ الْوَرَعُ فِي الْمُبَاحَاتِ، وَمَا زَالَ السَّلَفُ الصَّالِحُ عَلَى الزُّهْدِ فِي الْمُبَاحَاتِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20] وَغَيْرُهُ مِنْ النُّصُوصِ وَكُلٌّ مِنْ الشَّيْخَيْنِ عَلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ؛ إذْ لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي الْكَلَامِ. وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُبَاحَاتِ لَا زُهْدَ فِيهَا، وَلَا وَرَعَ فِيهَا مِنْ حَيْثُ هِيَ مُبَاحَاتٌ، وَفِيهَا الزُّهْدُ وَالْوَرَعُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الِاسْتِكْثَارَ مِنْ الْمُبَاحَاتِ يَحُوجُ إلَى كَثْرَةِ الِاكْتِسَابِ الْمُوقِعِ فِي الشُّبُهَاتِ بَلْ قَدْ يُوقِعُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَكَثْرَةُ الْمُبَاحَاتِ أَيْضًا تَقْضِي إلَى بَطَرِ النُّفُوسِ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الْعَبِيدِ وَالْخَيْلِ وَالْخَوَلِ وَالْمَسَاكِنِ الْعَلِيَّةِ وَالْمَآكِلِ الشَّهِيَّةِ وَالْمَلَابِسِ اللَّيِّنَةِ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ صَاحِبُهَا مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ مَوْقِفِ الْعُبُودِيَّةِ، وَعَنْ التَّضَرُّعِ لِعِزِّ الرُّبُوبِيَّةِ، كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْفُقَرَاءُ أَهْلُ الْحَاجَاتِ وَالْفَاقَاتِ وَالضَّرُورَاتِ، وَمَا يَلْزَمُ قُلُوبَهُمْ مِنْ الْخُضُوعِ وَالذِّلَّةِ لِذِي الْجَلَالِ وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ مِنْ نَوَالِهِ وَفَضْلِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ أَنْوَاعَ الضَّرُورَاتِ تَبْعَثُ عَلَى ذَلِكَ قَهْرًا، وَالْأَغْنِيَاءُ بَعِيدُونَ عَنْ هَذِهِ الْخُطَّةِ فَدُخُولُ الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ فِي الْمُبَاحَاتِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مُبَاحَاتٌ، وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْجِهَةِ الْأُولَى فِيهَا قَوْله تَعَالَى {كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى} [العلق: 6] {أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 7] وقَوْله تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} [البقرة: 258] أَيْ مِنْ أَجْلِ أَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ فَلَوْ كَانَ النُّمْرُودُ فَقِيرًا حَقِيرًا مُبْتَلًى بِالْحَاجَاتِ وَالضَّرُورَاتِ لَمْ يَحْتَدَّ نَفْسَهُ إلَى مُنَازَعَةِ إبْرَاهِيمَ وَدَعْوَاهُ الْإِحْيَاءَ وَالْإِمَاتَةَ وَتَعَرُّضِهِ لِإِحْرَاقِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالنِّيرَانِ، وَإِنَّمَا وَصَلَ إلَى هَذِهِ الْمَعَاطِبِ وَالْمَهَالِكِ بِسَبَبِ أَنَّهُ مَلِكٌ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ الْكُفَّارِ {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ} [الشعراء: 111] وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} [هود: 27] فَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اتِّبَاعَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْمُبَادِرِينَ إلَى تَصْدِيقِهِمْ إنَّمَا هُمْ الْفُقَرَاءُ وَالضُّعَفَاءُ وَأَنَّ أَعْدَاءَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمُعَانِدَيْهِمْ إنَّمَا هُمْ الْأَغْنِيَاءُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب: 67] . وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى {إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا} [سبأ: 34] وَلَمْ يَقُلْ إلَّا قَالَ فُقَرَاؤُهَا فَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي خَلْقِهِ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ فِي هَذِهِ الدَّارِ هُمْ الْأَقَلُّونَ فِي تِلْكَ الدَّارِ، وَأَنَّ الْأَقَلِّينَ فِي هَذِهِ

[الفرق بين قاعدة التوكل وبين قاعدة ترك الأسباب]

الْمَقْصِدَ إنْ خَرَجَ جَيِّدًا اتَّبَعَهُ أَوْ رَدِيئًا اجْتَنَبَهُ فَهُوَ عَيْنُ الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ الَّذِي وَرَدَ الْقُرْآنُ بِتَحْرِيمِهِ فَيَحْرُمُ، وَمَا رَأَيْته حَكَى فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِسْمِ الَّذِي تَقَدَّمَ الَّذِي هُوَ مُبَاحٌ أَنَّ هَذَا مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالْأَوَّلُ مُتَعَيِّنٌ لِلْخَيْرِ فَهُوَ يَبْعَثُ عَلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - فَهُوَ حَسَنٌ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِلْخَيْرِ، وَالثَّانِي بِصَدَدِ أَنْ يُبَيِّنَ سُوءَ الظَّنِّ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - فَحَرُمَ لِذَلِكَ، وَهُوَ يَحْرُمُ لِسُوءِ الظَّنِّ بِغَيْرِ سَبَبٍ تَقْتَضِيهِ عَادَةٌ فَيَلْحَقُ بِالطِّيَرَةِ فَهَذَا هُوَ تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّطَيُّرِ وَالْفَأْلِ الْمُبَاحِ وَالْفَأْلِ الْحَرَامِ (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرُّؤْيَا الَّتِي تَجُوزُ تَعْبِيرُهَا وَقَاعِدَةِ الرُّؤْيَا الَّتِي لَا يَجُوزُ تَعْبِيرُهَا) قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ تَقُولُ الْعَرَبُ: رَأَيْت رُؤْيَةً إذَا عَايَنْت بِبَصَرِك، وَرَأَيْت رَأْيًا إذَا اعْتَقَدْت بِقَلْبِك، وَرَأَيْت رُؤْيَا بِالْقَصْرِ إذَا عَايَنْت فِي مَنَامِك، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْيَقَظَةِ. (قُلْت:) قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا فِي الْيَقَظَةِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ: الرُّؤْيَا ثَمَانِيَةُ أَقْسَامٍ سَبْعَةٌ مِنْهَا لَا تُعَبِّرُ، وَوَاحِدَةٌ فَقَطْ تُعَبِّرُ، وَالسَّبْعَةُ أَرْبَعَةٌ مِنْهَا نَشَأَتْ عَنْ الْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ الْغَالِبَةِ عَلَى مِزَاجِ الرَّائِي فَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ خَلْطٌ رَأَى مَا يُنَاسِبَهُ فَمَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ السَّوْدَاءُ رَأَى الْأَلْوَانَ السُّودَ وَالْأَشْيَاءَ الْمُحَرَّقَةَ وَالطُّعُومَ الْحَامِضَةَ؛ لِأَنَّهُ طَعْمُ السَّوْدَاءِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْأَدِلَّةِ الطِّبِّيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى غَلَبَةِ ذَلِكَ الْخَلْطِ عَلَى ذَلِكَ الرَّائِي، وَمَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الصَّفْرَاءُ رَأَى الْأَلْوَانَ الصُّفْرَ وَالطُّعُومَ الْمُرَّةَ وَالسَّمُومَ وَالْحَرُورَ وَالصَّوَاعِقَ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ يَرَى الْأَلْوَانَ الْحُمْرَ وَالطُّعُومَ الْحُلْوَةَ وَأَنْوَاعَ الطَّرَبِ؛ لِأَنَّ الدَّمَ مُفْرِحٌ حُلْوٌ، وَالصَّفْرَاءُ مُسَخِّنَةٌ مُرَّةٌ، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْبَلْغَمُ رَأَى الْأَلْوَانَ الْبِيضَ وَالْأَمْطَارَ وَالْمِيَاهَ وَالثَّلْجَ (الْقِسْمُ الْخَامِسُ) مَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَيُفْهَمُ ذَلِكَ بِجَوَلَانِهِ فِي الْيَقَظَةِ وَكَثْرَةِ الْفِكْرِ فِيهِ فَيَسْتَوْلِي عَلَى النَّفْسِ فَتَتَكَيَّفُ بِهِ فَيَرَاهُ فِي النَّوْمِ (الْقِسْمُ السَّادِسُ) مَا هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَيُعْرَفُ بِكَوْنِهِ فِيهِ حَثٌّ عَلَى أَمْرٍ تُنْكِرُهُ الشَّرِيعَةُ أَوْ بِأَمْرٍ مَعْرُوفٍ جَائِزٍ غَيْرَ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَمْرٍ مُنْكَرٍ كَمَا إذَا أَمَرَهُ بِالتَّطَوُّعِ بِالْحَجِّ فَتَضِيعُ عَائِلَتُهُ أَوْ يَعُقَّ بِذَلِكَ أَبَوَيْهِ (الْقِسْمُ السَّابِعُ) مَا كَانَ فِيهِ احْتِلَامٌ (الْقِسْمُ الثَّامِنُ) هُوَ الَّذِي يَجُوزُ تَعْبِيرُهُ، وَهُوَ مَا خَرَجَ عَنْ هَذِهِ، وَهُوَ مَا يَنْقُلُهُ مَلَكُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّارِ هُمْ الْأَكْثَرُونَ فِي تِلْكَ الدَّارِ فَهَذَا وَجْهُ مَا كَانَ السَّلَفُ يَعْتَمِدُونَهُ فِي دُخُولِ الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ فِي الْمُبَاحَاتِ، وَهُوَ وَجْهُ لُزُومِ الذَّمِّ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20] وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ. اهـ. وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّوَكُّلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَرْكِ الْأَسْبَابِ] (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْخَمْسُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّوَكُّلِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَرْكِ الْأَسْبَابِ) ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِكَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ فِي عِلْمِ الرَّقَائِقِ وَهُمَا هَلْ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ تَلَازُمٌ بِحَيْثُ لَا يَصِحُّ التَّوَكُّلُ إلَّا مَعَ تَرْكِ الْأَسْبَابِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا أَوْ أَنَّهُ مَا بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْمَشْرُوطِ أَوْ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ التَّوَكُّلِ وَتَرْكِ الْأَسْبَابِ، وَلَا هُوَ هُوَ أَيْ بَلْ التَّوَكُّلُ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ تَرْكِ الْأَسْبَابِ فَافْهَمْ. وَهَذَا قَوْلُ آخَرِينَ قَالَ الْأَصْلُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ التَّوَكُّلَ هُوَ اعْتِمَادُ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فِيمَا يَجْلِبُهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ يَدْفَعُهُ مِنْ ضُرٍّ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ مُلَابَسَةِ الْأَسْبَابِ أَوْ مَعَ عَدَمِ مُلَابَسَتِهَا نَعَمْ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ، وَالْأَحْسَنُ مُلَابَسَةُ الْأَسْبَابِ مَعَ التَّوَكُّلِ لِلْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ أَمَّا الْمَنْقُولُ فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَدْ أَمَرَ بِمُلَابَسَةِ أَسْبَابٍ بِالِاحْتِيَاطِ وَالْحَذَرِ مِنْ الْكُفَّارِ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] فَأَمَرَ بِالِاسْتِعْدَادِ وَقَدْ أَمَرَ بِاكْتِسَابِ التَّحَرُّزِ مِنْ الشَّيْطَانِ كَمَا يُتَحَرَّزُ مِنْ الْكُفَّارِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6] أَيْ تَحَرَّزُوا مِنْهُ مَعَ الْأَمْرِ بِالتَّوَكُّلِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 122] وَقَدْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ سَيِّدُ الْمُتَوَكِّلِينَ يَطُوفُ عَلَى الْقَبَائِلِ. وَيَقُولُ مَنْ يَعْصِمُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي» وَكَانَ لَهُ جَمَاعَةٌ يَحْرُسُونَهُ مِنْ الْعَدُوِّ حَتَّى نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] وَدَخَلَ مَكَّةَ مُظَاهِرًا بَيْنَ دِرْعَيْنِ مِنْ الْحَدِيدِ فِي كَتِيبَتِهِ الْخَضْرَاءِ وَكَانَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَأَكْمَلِ أَحْوَالِهِ مَعَ رَبِّهِ - تَعَالَى - يَدَّخِرُ قُوتَ سَنَةٍ لِعِيَالِهِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ» أَيْ شُدَّ رُكْبَةَ نَاقَتِك مَعَ ذِرَاعِهَا بِحَبْلٍ وَاعْتَمِدْ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فَإِنَّ عَقْلَهَا لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ قَالَ الْعَزِيزِيُّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَسَبَبُهُ كَمَا فِي التِّرْمِذِيِّ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْقِلُ نَاقَتِي وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ» فَذَكَرَهُ. اهـ. قَالَ الْأَصْلُ: وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ الْمَلِكَ الْعَظِيمَ إذَا كَانَتْ لَهُ جَمَاعَةٌ عَوَّدَهُمْ بِأَيَّامٍ لَا يَحْسُنُ إلَّا فِيهَا وَبِأَمْكِنَةٍ لَا يَدْفَعُ إلَّا فِيهَا وَبِأَبْوَابٍ لَا يَخْرُجُ إلَّا مِنْهَا فَالْأَدَبُ مَعَهُ أَنْ

الرُّؤْيَا مِنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَكَّلَ مَلَكًا بِاللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ يَنْقُلُ لِكُلِّ أَحَدٍ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ لَا يَتْرُكُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ ذَكَرَهُ مَنْ ذَكَرَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَجُوزُ تَعْبِيرُهُ، وَمَا عَدَاهُ لَا يُعَبَّرُ وَفِي الْفَرْقِ سَبْعُ مَسَائِلَ. (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) خَرَّجَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: مَعْنَاهُ أَنَّ مُدَّةَ نُبُوَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً مِنْهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ نُبُوَّةٌ بِالرُّؤْيَا فَأَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إلَّا جَاءَتْ كَفَلَقِ الصُّبْحِ وَنِسْبَةُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا وَقِيلَ: أَجْزَاءٌ مِنْ النُّبُوَّةِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا أَحَدٌ، وَرُوِيَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَرُوِيَ مِنْ سَبْعِينَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا فِي الرُّؤْيَا فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى الْجَلِيَّةِ وَالْأَكْثَرُ مِنْ الْعَدَدِ عَلَى الرُّؤْيَا الْخَفِيَّةِ أَوْ تَكُونُ السِّتَّةُ وَالْأَرْبَعُونَ هِيَ الْمُبَشِّرَةَ، وَالسَّبْعُونَ هِيَ الْمُحْزِنَةَ وَالْمَخُوفَةَ لِقِلَّةِ تَكَرُّرِهِ، وَلِمَا يَكُونُ جِنْسُهُ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَفِي الْقَبَسِ رُوِيَ أَيْضًا خَمْسَةٌ وَسِتُّونَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ وَخَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ فَاخْتَلَفَتْ الْأَعْدَادُ؛ لِأَنَّهَا رُؤْيَا النُّبُوَّةِ لَا نَفْسُ النُّبُوَّةِ وَجُعِلَتْ بِشَارَاتٍ بِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ جُزْءًا مِنْ سَبْعِينَ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ زَادَ حَتَّى بَلَغَ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ قَالَ: وَتَفْسِيرُهَا بِمُدَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُفْتَقِرٌ لِنَقْلٍ صَحِيحٍ، وَلَمْ يُوجَدْ، قَالَ: الْأَحْسَنُ قَوْلُ الْإِمَامِ الطَّبَرِيِّ عَالِمُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ: إنَّ نِسْبَةَ هَذِهِ الْأَعْدَادِ إلَى النُّبُوَّةِ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الرَّائِي فَرُؤْيَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ عَلَى نِسْبَتِهِ، وَاَلَّذِي دُونَ دَرَجَتِهِ دُونَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَمْ يَبْقَ بَعْدِي مِنْ النُّبُوَّةِ إلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ» حَضٌّ عَلَى نَقْلِهَا وَالِاهْتِمَامِ بِهَا لِيَبْقَى لَهُمْ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جُزْءٌ مِنْ النُّبُوَّةِ فَبَشَّرَ بِذَلِكَ أُمَّتَهُ. وَلَا يُعَبِّرُ الرُّؤْيَا إلَّا مَنْ يَعْلَمُهَا وَيُحْسِنُهَا، وَإِلَّا فَلْيَتْرُكْ. وَسُئِلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيُفَسِّرُ الرُّؤْيَا كُلُّ أَحَدٍ؟ قَالَ: أَبِالنُّبُوَّةِ يُلْعَبُ قِيلَ: لَهُ أَيُفَسِّرُهَا عَلَى الْخَيْرِ، وَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى الشَّرِّ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: الرُّؤْيَا عَلَى مَا أُوِّلَتْ فَقَالَ: الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ أَفَيُتَلَاعَبُ بِأَمْرِ النُّبُوَّةِ. وَفِي الْمُوَطَّإِ «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْ اللَّهِ وَالْحُلْمُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ الشَّيْءَ يَكْرَهُهُ فَلْيَتْفُلْ يَسَارَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إذَا اسْتَيْقَظَ وَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ إنْ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُطْلَبَ مِنْهُ فِعْلٌ إلَّا حَيْثُ جَرَتْ عَادَتُهُ بِإِجْرَائِهِ فِيهِ، وَأَنْ لَا يُخَالِفَ عَوَائِدَهُ بَلْ يَجْرِي عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - مَلِكُ الْمُلُوكِ، وَأَعْظَمُ الْعُظَمَاءِ بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ رَتَّبَ مُلْكَهُ عَلَى عَوَائِدَ أَرَادَهَا وَأَسْبَابٍ قَدَّرَهَا وَرَبَطَ بِهَا آثَارَ قُدْرَتِهِ، وَلَوْ شَاءَ لَمْ يَرْبِطْهَا فَجَعَلَ الرَّيَّ بِالشُّرْبِ، وَالشِّبَعَ بِالْأَكْلِ، وَالِاحْتِرَاقَ بِالنَّارِ، وَالْحَيَاةَ بِالتَّنَفُّسِ فِي الْهَوَاءِ فَمَنْ طَلَبَ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - حُصُولَ هَذِهِ الْآثَارِ بِدُونِ أَسْبَابِهَا فَقَدْ أَسَاءَ الْأَدَبَ مَعَ اللَّهِ - تَعَالَى - بَلْ يَلْتَمِسُ فَضْلَهُ فِي عَوَائِدِهِ وَالْخَلَائِقُ قَدْ انْقَسَمُوا فِي مَقَامِ طَلَبِهِمْ مِنْهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - هَذِهِ الْآثَارَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) عَامَلُوا اللَّهَ - تَعَالَى - بِاعْتِمَادِ قُلُوبِهِمْ عَلَى قُدْرَتِهِ - تَعَالَى - مَعَ إهْمَالِ الْأَسْبَابِ وَالْعَوَائِدِ فَلَجَّجُوا فِي الْبِحَارِ فِي زَمَنِ الْهَوْلِ وَسَلَكُوا الْقِفَارَ الْعَظِيمَةَ الْمُهْلِكَةَ بِغَيْرِ زَادٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فَهَؤُلَاءِ حَصَلَ لَهُمْ التَّوَكُّلُ، وَفَاتَهُمْ الْأَدَبُ مَعَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِبَادِ أَحْوَالُهُمْ مَسْطُورَةٌ فِي كُتُبِ الرَّقَائِقِ (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) : لَاحَظُوا الْأَسْبَابَ وَأَعْرَضُوا عَنْ التَّوَكُّلِ وَهُمْ عَامَّةُ الْخَلْقِ، وَشَرُّ الْأَقْسَامِ فَإِنَّهُمْ رُبَّمَا وَصَلُوا بِمُلَاحَظَةِ الْأَسْبَابِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الْمُسَبِّبِ إلَى الْكُفْرِ (وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) : عَامَلُوا اللَّه - تَعَالَى - بِاعْتِمَادِ قُلُوبِهِمْ عَلَى قُدْرَتِهِ - تَعَالَى - مَعَ عَدَمِ إهْمَالِ الْأَسْبَابِ وَالْعَوَائِدِ بَلْ طَلَبُوا فَضْلَهُ فِي عَوَائِدِهِ مُلَاحِظِينَ فِي تِلْكَ الْأَسْبَابِ مُسَبِّبَهَا وَمُيَسِّرَهَا فَجَمَعُوا بَيْنَ التَّوَكُّلِ وَالْأَدَبِ، وَهُمْ النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ وَخَاصَّةُ عِبَادِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَالْعَارِفُونَ بِمُعَامَلَتِهِ. وَهُمْ خَيْرُ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ جَعَلَنَا اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْهُمْ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ قَالَ: وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يُهْمِلُ الْأَسْبَابَ وَيُفَرِّطُ فِي التَّوَكُّلِ بِحَيْثُ يَجْعَلُ التَّوَكُّلَ عَدَمَ الْأَسْبَابِ، أَوْ مِنْ شَرْطِهِ عَدَمُ الْأَسْبَابِ أَنَّهُ إذَا قِيلَ: الْإِيمَانُ سَبَبٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَالْكُفْرُ سَبَبٌ لِدُخُولِ النَّارِ بِالْجَعْلِ الشَّرْعِيِّ كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ فَهَلْ هُوَ تَارِكٌ هَذَيْنِ السَّبَبَيْنِ أَوْ مُعْتَبِرُهُمَا فَإِنْ تَرَكَ اعْتِبَارَهُمَا خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ وَإِنْ اعْتَبَرَهُمَا فَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ الْإِيمَانِ وَتَرَكَ الْكُفْرَ قِيلَ لَهُ: مَا بَالُ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَسْبَابِ، فَإِنَّ هَذَيْنِ إنْ كَانَا لَا يُنَافِيَانِ التَّوَكُّلَ فَغَيْرُهُمَا كَذَلِكَ نَعَمْ الْأَسْبَابُ نَوْعَانِ نَوْعٌ مُطَّرِدٌ فِي مَجْرَى عَوَائِدِ اللَّهِ - تَعَالَى - كَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَالْغِذَاءِ وَالتَّنَفُّسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَنَوْعٌ أَكْثَرِيٌّ غَيْرُ مُطَّرِدٍ أَجْرَى اللَّهُ فِيهِ عَادَةً مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ كَالْأَدْوِيَةِ وَأَنْوَاعِ الْأَسْفَارِ لِلْأَرْبَاحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْأَدَبَ فِي الْجَمِيعِ الْتِمَاسُ فَضْلِ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي عَوَائِدِهِ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُ بِالدَّوَاءِ وَالْحِمْيَةِ وَاسْتِعْمَالِ الْأَدْوِيَةِ حَتَّى الْكَيِّ بِالنَّارِ «فَأَمَرَ بِكَيِّ سَعْدٍ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمَعِدَةُ بَيْتُ الدَّاءِ وَالْحِمْيَةُ رَأْسُ الدَّوَاءِ وَصَلَاحُ كُلِّ جِسْمٍ مَا اعْتَادَ» وَإِذَا كَانَ حَالُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي

[الفرق بين قاعدة الحسد وقاعد الغبطة]

شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -» . قَالَ الْبَاجِيَّ: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ الْمُبَشِّرَةَ وَيُحْتَمَلُ الصَّادِقَةُ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - وَيُرِيدُ بِالْحُلْمِ مَا يُحْزِنُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْكَاذِبَ يُخَيَّلُ بِهِ لِيَفْرَحَ أَوْ يَحْزَنَ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَقُولُ فِي الِاسْتِعَاذَةِ إذَا نَفَثَ عَنْ يَسَارِهِ: أَعُوذُ بِمَنْ اسْتَعَاذَتْ بِهِ مَلَائِكَةُ اللَّهِ وَرُسُلُهُ مِنْ شَرِّ مَا رَأَيْت فِي مَنَامِي هَذَا أَنْ يُصِيبَنِي مِنْهُ شَيْءٌ أَكْرَهُهُ ثُمَّ يَتَحَوَّلَ عَلَى جَانِبِهِ الْآخَرِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الْفَرْقُ بَيْنَ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ رُؤْيَا غَيْرِهِمْ إذَا أَخْطَأَ فِي تَأْوِيلِهَا لَا تَخْرُجُ كَمَا أُوِّلَتْ وَرُؤْيَا غَيْرِ الصَّالِحِ لَا يُقَالُ فِيهَا جُزْءٌ مِنْ النُّبُوَّةِ، وَإِنَّمَا يُلْهِمُ اللَّهُ - تَعَالَى - الرَّائِيَ التَّعَوُّذَ إذَا كَانَتْ مِنْ الشَّيْطَانِ أَوْ قَدَّرَ أَنَّهَا لَا تُصِيبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - فَإِنَّ شَرَّ الْقَدَرِ قَدْ يَكُونُ وُقُوعُهُ مَوْقُوفًا عَلَى عَدَمِ الدُّعَاءِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ: قَالَ صَالِحٌ الْمُعْتَزِلِيُّ: رُؤْيَا الْمَنَامِ هِيَ رُؤْيَةُ الْعَيْنِ، وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ رُؤْيَةٌ بِعَيْنَيْنِ فِي الْقَلْبِ يُبْصِرُ بِهِمَا، وَأُذُنَيْنِ فِي الْقَلْبِ يَسْمَعُ بِهِمَا، وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: هِيَ تَخَايِيلُ لَا حَقِيقَةَ لَهَا، وَلَا دَلِيلَ فِيهَا، وَجَرَتْ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى أُصُولِهَا فِي تَخْيِيلِهَا عَلَى الْعَادَةِ فِي إنْكَارِ أُصُولِ الشَّرْعِ فِي الْجِنِّ وَأَحَادِيثِهَا وَالْمَلَائِكَةِ وَكَلَامِهَا، وَأَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ كَلَّمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَوْتٍ لَسَمِعَهُ الْحَاضِرُونَ، وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَلَهُمْ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ قَالَ الْقَاضِي: هِيَ خَوَاطِرُ وَاعْتِقَادَاتٌ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ هِيَ أَوْهَامٌ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: هِيَ إدْرَاكٌ بِأَجْزَاءٍ لَمْ تَحُلْهَا آفَةُ النَّوْمِ، فَإِذَا رَأَى الرَّائِي أَنَّهُ بِالْمَشْرِقِ، وَهُوَ بِالْمَغْرِبِ أَوْ نَحْوِهِ فَهِيَ أَمْثِلَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - دَلِيلًا عَلَى تِلْكَ الْمَعَانِي كَمَا جُعِلَتْ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ وَالرُّقُومُ لِلْكِتَابَةِ دَلِيلًا عَلَى الْمَعَانِي فَإِذَا رَأَى اللَّهَ - تَعَالَى - أَوْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ أَمْثِلَةٌ تُضْرَبُ لَهُ بِقَدْرِ حَالِهِ فَإِنْ كَانَ مُوَحِّدًا رَآهُ حَسَنًا أَوْ مُلْحِدًا رَآهُ قَبِيحًا، وَهُوَ أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رَأَيْت رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ» قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: قَالَ لِي بَعْضُ الْأُمَرَاءِ: رَأَيْت الْبَارِحَةَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَشَدِّ مَا يَكُونُ مِنْ السَّوَادِ فَقُلْت: لَهُ ظَلَمْت الْخَلْقَ وَغَيَّرْت الدِّينَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَالتَّغْيِيرُ فِيك لَا شَكَّ فِيهِ وَكَانَ مُتَغَيِّرًا عَلَيَّ وَعِنْدَهُ كَاتِبُهُ وَصِهْرُهُ وَوَلَدُهُ فَأَمَّا الْكَاتِبُ فَمَاتَ، وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَتَنَصَّرَا وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ مُسْتَنِدًا فَجَلَسَ عَلَى نَفْسِهِ وَجَعَلَ يَتَعَذَّرُ، وَكَانَ آخِرُ كَلَامِهِ وَدِدْت أَنْ أَكُونَ حَمِيًّا لِنَخَلَاتٍ أَعِيشُ بِهَا بِالثَّغْرِ قُلْت لَهُ: وَمَا يَنْفَعُك أَنَا أَقْبَلُ أَنَا عُذْرك وَخَرَجْت فَوَاَللَّهِ مَا تَوَقَّفَتْ لِي عِنْدَهُ بَعْدُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْأَسْبَابِ الَّتِي لَيْسَتْ مُطَّرِدَةً مِنْ الْحِمْيَةِ وَإِصْلَاحِ الْبَدَنِ بِمُوَاظَبَةِ عَادَتِهِ فَمَا ظَنُّك بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعَوَائِدِ فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْأَبْلَجُ وَالطَّرِيقُ الْأَنْهَجُ اهـ كَلَامُ الْأَصْلِ بِتَهْذِيبٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ. قُلْت: وَتَعْرِيفُهُ التَّوَكُّلُ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي اخْتَارَهُ بِقَوْلِهِ: هُوَ اعْتِمَادُ الْقَلْبِ إلَخْ هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ السَّيِّدِ الْجُرْجَانِيِّ فِي تَعْرِيفَاتِهِ: هُوَ الثِّقَةُ بِمَا عِنْدَ اللَّهِ، وَالْيَأْسُ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ اهـ وَقَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الشَّيْخِ زَكَرِيَّا هُوَ الِاعْتِمَادُ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَقَطْعُ النَّظَرِ عَنْ الْأَسْبَابِ مَعَ تَهْيِئَتِهَا، وَقَوْلُهُ: وَيُقَالُ هُوَ تَرْكُ السَّعْيِ فِيمَا لَا تَسَعُهُ قُوَّةُ الْبَشَرِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْأَصْلِ عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَغَيْرُهُ بِحَيْثُ يَجْعَلُ التَّوَكُّلَ عَدَمَ الْأَسْبَابِ أَوْ مِنْ شَرْطِهِ عَدَمُ الْأَسْبَابِ فَعَلَى الثَّانِي يُعْرَفُ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا وَيُقَالُ: هُوَ كِلَةُ الْأَمْرِ كُلِّهِ إلَى مَالِكِهِ، وَالتَّعْوِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُعْرَفُ بِقَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا أَوْ يُقَالُ هُوَ تَرْكُ الْكَسْبِ، وَإِخْلَاءُ الْيَدِ مِنْ الْمَالِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا: وَرُدَّ بِأَنَّ هَذَا تَوَاكُلٌ لَا تَوَكُّلٌ أَفَادَهُ الْعَزِيزِيُّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ الْعَلْقَمِيِّ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَسَدِ وَقَاعِدِ الْغِبْطَةِ] (الْفَرْقُ السِّتُّونَ وَالْمِائَتَيْنِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَسَدِ وَقَاعِدَةِ الْغِبْطَةِ) وَهُوَ أَنَّ الْقَاعِدَتَيْنِ وَإِنْ اشْتَرَكَتَا فِي أَنَّهُمَا طَلَبٌ مِنْ الْقَلْبِ إلَّا أَنَّ الْحَسَدَ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْ الْغَيْرِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الزَّوَاجِرِ وَيَكُونُ حَرَامًا وَفُسُوقًا إنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا نِعْمَةً أَمَّا إنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا آلَةَ الْفَسَادِ وَالْإِيذَاءِ كَمَا فِي نِعْمَةِ الْفَاجِرِ فَلَا حُرْمَةَ اهـ قَالَ الْأَصْلُ كَانَ الْمُتَمَنِّي زَوَالَهَا عَنْهُ تَمَنَّى حُصُولَهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لَا فَالْحَسَدُ نَوْعَانِ، وَالثَّانِي أَشَرُّهُمَا؛ لِأَنَّهُ طَلَبُ الْمَفْسَدَةِ الصِّرْفَةِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ عَادِيٍّ أَوْ طَبِيعِيٍّ قَالَ: وَدَلِيلُ تَحْرِيمِ الْحَسَدِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ (فَأَمَّا الْكِتَابُ) فَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5] وقَوْله تَعَالَى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54] ، وقَوْله تَعَالَى -: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 32] أَيْ لَا تَتَمَنَّوْا زَوَالَهُ بِقَرِينَةِ النَّهْيِ (وَأَمَّا السُّنَّةُ) فَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا وَفِي الزَّوَاجِرِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّهْيِ عَنْ الْحَسَدِ وَأَسْبَابِهِ وَثَمَرَاتِهِ لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَقَاطَعُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةٍ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ اهـ قَالَ الْأَصْلُ: وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ فَقَدْ انْعَقَدَ مِنْ الْأُمَّةِ الْمَعْصُومَةِ قَالَ: وَيُقَالُ: إنَّ الْحَسَدَ أَوَّلُ مَعْصِيَةٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهَا فِي الْأَرْضِ حَسَدَ إبْلِيسُ آدَمَ فَلَمْ يَسْجُدْ لَهُ. اهـ. وَفِي الزَّوَاجِرِ وَمِنْ آفَاتِ الْحَسَدِ أَنَّ فِيهِ سَخَطًا لِقَضَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - إذَا أَنْعَمَ عَلَى الْغَيْرِ بِمَا لَا مَضَرَّةَ عَلَيْك فِيهِ وَشَمَاتَةً بِأَخِيك الْمُسْلِمِ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} [آل عمران: 120]

حَاجَةٌ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِدْرَاكُ يُضَادُّهُ النَّوْمُ اتِّفَاقًا وَالرُّؤْيَا إدْرَاكُ الْمِثْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فَكَيْفَ تَجْتَمِعُ مَعَ النَّوْمِ وَأَجَابَ بِأَنَّ النَّفْسَ ذَاتُ جَوَاهِرَ فَإِنْ عَمَّهَا النَّوْمُ فَلَا إدْرَاكَ وَلَا مَنَامَ، وَإِنْ قَامَ عَرَضُ النَّوْمِ بِبَعْضِهَا أَمْكَنَ قِيَامُ إدْرَاكِ الْمَنَامِ بِالْبَعْضِ الْآخَرِ؛ وَلِذَلِكَ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْمَنَامَاتِ آخِرُ اللَّيْلِ عِنْدَ خِفَّةِ النَّوْمِ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُدْرَكَ إنَّمَا هُوَ الْمِثَالُ، وَبِهِ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ كَوْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرَى فِي الْآنِ الْوَاحِدِ فِي مَكَانَيْنِ فَإِنَّ الْمَرْئِيَّ فِي الْمَكَانَيْنِ مِثَالَانِ فَلَا إشْكَالَ إذَا تَعَدَّدَتْ الْمَظْرُوفَاتُ بِتَعَدُّدِ الظُّرُوفِ إذْ الْمُشْكِلُ أَنْ يَكُونَ فِي مَكَانَيْنِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، وَأَجَابَ الصُّوفِيَّةُ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَالشَّمْسِ تُرَى فِي أَمَاكِنَ عِدَّةٍ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَرَاهُ زَيْدٌ فِي بَيْتِهِ وَيَرَاهُ عَمْرٌو بِجُمْلَتِهِ فِي بَيْتِهِ أَوْ دَاخِلَ مَسْجِدِهِ وَالشَّمْسُ إنَّمَا تُرَى مِنْ أَمَاكِنَ عِدَّةٍ، وَهِيَ فِي مَكَان وَاحِدٍ فَلَوْ رُئِيَتْ دَاخِلَ بَيْتٍ بِجِرْمِهَا اسْتَحَالَ رُؤْيَةُ جِرْمِهَا فِي دَاخِلِ بَيْتٍ آخَرَ، وَهُوَ الَّذِي يُوَازِنُ رُؤْيَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتَيْنِ أَوْ مَسْجِدَيْنِ، وَالْإِشْكَالُ لَمْ يَرِدْ رُؤْيَتَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ مَوَاضِعَ عِدَّةٍ، وَهُوَ فِي مَكَان وَاحِدٍ إنَّمَا وَرَدَ فِيهِ كَيْفَ يُرَى فِي مَوَاضِعَ عِدَّةٍ بِجُمْلَةِ ذَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ مَعَ اتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ حُلُولَ الْجِسْمِ الْوَاحِدِ فِي الزَّمَنِ الْوَاحِدِ فِي مَكَانَيْنِ مُحَالٌ فَلَا يُتَّجَهُ الْجَوَابُ إلَّا بِأَنَّ الْمَرْئِيَّ مِثَالُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا ذَاتُهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَرْئِيٍّ مِنْ بَحْرٍ أَوْ جَبَلٍ أَوْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ إنَّمَا يُرَى مِثَالُهُ لَا هُوَ بِذَاتِهِ، وَبِهِ يَظْهَرُ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَآنِي حَقًّا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي» وَأَنَّ التَّقْدِيرَ مَنْ رَأَى مِثَالِي فَقَدْ رَآنِي حَقًّا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِمِثَالِي، وَأَنَّ الْخَبَرَ إنَّمَا يَشْهَدُ بِعِصْمَةِ الْمِثَالِ عَنْ الشَّيْطَانِ، وَنَصَّ الْكَرْمَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ فِي تَأْوِيلِ الرُّؤْيَا أَنَّ الرُّسُلَ وَالْكُتُبَ الْمُنَزَّلَةَ وَالْمَلَائِكَةَ أَيْضًا كَذَلِكَ مَعْصُومَةٌ عَنْ تَمَثُّلِ الشَّيْطَانِ بِمِثْلِهَا وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْمِثْلِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَقًّا وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قِبَلِ الشَّيْطَانِ وَأَنَّهُ تَمَثَّلَ بِذَلِكَ الْمِثَالِ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّمَا تَصِحُّ رُؤْيَةُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا صَحَابِيٌّ رَآهُ فَعَلِمَ صِفَتَهُ فَانْطَبَعَ فِي نَفْسِهِ مِثَالُهُ فَإِذَا رَآهُ جَزَمَ بِأَنَّهُ رَأَى مِثَالَهُ الْمَعْصُومَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَيَنْتَفِي عِنْدَ اللُّبْسِ وَالشَّكِّ فِي رُؤْيَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَثَانِيهِمَا: رَجُلٌ تَكَرَّرَ عَلَيْهِ سَمَاعُ صِفَاتِهِ الْمَنْقُولَةِ فِي الْكُتُبِ حَتَّى انْطَبَعَتْ فِي نَفْسِهِ صِفَتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمِثَالُهُ الْمَعْصُومُ كَمَا حَصَلَ ذَلِكَ لِمَنْ رَآهُ فَإِذَا رَآهُ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة: 109] {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89] {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54] اهـ وَالْغِبْطَةُ تَمَنِّي حُصُولِ مِثْلِ نِعْمَةِ الْغَيْرِ لِنَفْسِك مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِطَلَبِ زَوَالِهَا عَنْ صَاحِبِهَا بَلْ تَشْتَهِي مِثْلَهَا لِنَفْسِك مَعَ بَقَائِهَا لِذَوِيهَا، وَقَدْ تُخَصُّ بِاسْمِ الْمُنَافَسَةِ. وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهَا بِلَفْظِ الْحَسَدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ - تَعَالَى - مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ» أَيْ لَا غِبْطَةَ إلَّا فِي هَاتَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ، وَفِي الزَّوَاجِرِ: وَلَيْسَتْ الْغِبْطَةُ وَالْمُنَافَسَةُ بِحَرَامٍ أَيْ لِعَدَمِ تَعَلُّقِهَا بِمَفْسَدَةٍ أَلْبَتَّةَ بَلْ هِيَ إمَّا وَاجِبَةٌ، وَإِمَّا مَنْدُوبَةٌ، وَإِمَّا مُبَاحَةٌ قَالَ - تَعَالَى - {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26] {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد: 21] وَالْمُسَابَقَةُ تَقْتَضِي خَوْفَ الْفَوْتِ فَالْوَاجِبَةُ تَكُونُ فِي النِّعَمِ الدِّينِيَّةِ الْوَاجِبَةِ كَنِعْمَةِ الْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَالزَّكَاةِ فَيَجِبُ أَنْ تُحِبَّ أَنْ تَكُونَ مِثْلَ الْقَائِمِ بِذَلِكَ، وَإِلَّا كُنْت رَاضِيًا بِالْمَعْصِيَةِ، وَالرِّضَا بِهَا حَرَامٌ (وَالْمَنْدُوبَةُ) تَكُونُ فِي الْفَضَائِلِ وَالْعُلُومِ وَإِنْفَاقِ الْأَمْوَالِ فِي الْمِيرَاثِ. وَالْمُبَاحَةُ تَكُونُ فِي النِّعَمِ الْمُبَاحَةِ كَالنِّكَاحِ، وَالْمُنَافَسَةُ فِي الْمُبَاحَاتِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا إثْمٌ لَكِنَّهَا تَنْقُصُ مِنْ الْفَضَائِلِ، وَتُنَاقِضُ الزُّهْدَ وَالرِّضَا بِالْمَقْضِيِّ وَالتَّوَكُّلِ، وَتُحْجَبُ عَنْ الْمَقَامَاتِ الرَّفِيعَةِ نَعَمْ هُنَا دَقِيقَةٌ يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ لَهَا، وَإِلَّا وَقَعَ الْإِنْسَانُ فِي الْحَسَدِ الْحَرَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْعُرَ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ أَيِسَ أَنْ يَنَالَ مِثْلَ نِعْمَةِ الْغَيْرِ فَبِالضَّرُورَةِ أَنَّ نَفْسَهُ تَعْتَقِدُ أَنَّهُ نَاقِصٌ عَنْ صَاحِبِ تِلْكَ النِّعْمَةِ وَأَنَّهَا تُحِبُّ زَوَالَ نَقْصِهَا، وَزَوَالُهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِمُسَاوَاةِ ذِي النِّعْمَةِ أَوْ بِزَوَالِهَا عَنْهُ، وَقَدْ فَرَضَ يَأْسُهُ عَنْ مُسَاوَاتِهِ فِيهَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَحَبَّتُهُ لِزَوَالِهَا عَنْ الْغَيْرِ الْمُتَمَيِّزِ بِهَا عَنْهُ؛ إذْ بِزَوَالِهَا يَزُولُ تَخَلُّفُهُ. وَتَقَدُّمُ غَيْرِهِ بِهَا، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ قَدَرَ عَلَى زَوَالِهَا عَنْ الْغَيْرِ أَزَالَهَا فَهُوَ حَسُودٌ حَسَدًا مَذْمُومًا، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ التَّقْوَى مَا يَمْنَعُهُ عَنْ إزَالَتِهَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهَا، وَعَنْ مَحَبَّةِ زَوَالِهَا عَنْ الْغَيْرِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ جِبِلِّيٌّ لَا تَنْفَكُّ النَّفْسُ عَنْهُ، وَلَعَلَّهُ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ ابْنِ آدَمَ حَسُودٌ» وَفِي رِوَايَةٍ «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْفَكُّ الْمُسْلِمُ عَنْهُنَّ الْحَسَدُ وَالظَّنُّ وَالطِّيَرَةُ، وَلَهُ مِنْهُنَّ مَخْرَجٌ إذَا حَسَدْتَ فَلَا تَبْغِ» أَيْ إنْ وَجَدْتَ فِي قَلْبِك شَيْئًا فَلَا تَعْمَلْ بِهِ، وَيَبْعُدُ مِمَّنْ يُرِيدُ مُسَاوَاةَ غَيْرِهِ فِي النِّعْمَةِ فَيَعْجِزُ عَنْهَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مِنْ أَقْرَانِهِ أَنْ يَنْفَكَّ عَنْ الْمَيْلِ إلَى زَوَالِهَا فَهَذَا الْحَدُّ مِنْ الْمُنَافَسَةِ يُشْبِهُ الْحَسَدَ الْحَرَامَ فَيَنْبَغِي الِاحْتِيَاطُ التَّامُّ فَإِنَّهُ مَتَى صَفَّى إلَى مَحَبَّةِ نَفْسِهِ وَمَالَ لِاخْتِيَارِهِ إلَى مُسَاوَاتِهِ لِذِي النِّعْمَةِ بِمَحَبَّةِ زَوَالِهَا عَنْهُ فَهُوَ مُرْتَبِكٌ فِي الْحَسَدِ

[الفرق بين قاعدة الكبر وقاعدة التجمل بالملابس والمراكب]

جَزَمَ بِرُؤْيَةِ مِثَالِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا يَجْزِمُ بِهِ مَنْ رَآهُ فَيَنْتَفِي عَنْهُ اللَّبْسُ وَالشَّكُّ فِي رُؤْيَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَمَّا غَيْرُ هَذَيْنِ فَلَا يَحْصُلُ لَهُ الْجَزْمُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَآهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمِثَالِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَخْيِيلِ الشَّيْطَانِ، وَلَا يُفِيدُ قَوْلُ الْمَرْئِيِّ لِمَنْ يَرَاهُ: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، وَلَا قَوْلُ مَنْ يَحْضُرُ مَعَهُ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَكْذِبُ لِنَفْسِهِ وَيَكْذِبُ لِغَيْرِهِ فَلَا يَحْصُلُ الْجَزْمُ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ مِثَالِهِ الْمَخْصُوصِ فَيُشْكِلُ ذَلِكَ بِمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ التَّعْبِيرِ أَنَّ الرَّائِيَ يَرَاهُ شَيْخًا وَشَابًّا وَأَسْوَدَ وَذَاهِبَ الْعَيْنَيْنِ وَذَاهِبَ الْيَدَيْنِ وَعَلَى أَنْوَاعٍ شَتَّى مِنْ الْمُثُلِ الَّتِي لَيْسَتْ مِثَالَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ صِفَاتُ الرَّائِي، وَأَحْوَالُهُمْ تَظْهَرُ فِيهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَهُوَ كَالْمِرْآةِ لَهُمْ قُلْت لِبَعْضِ مَشَايِخِي: فَكَيْفَ يَبْقَى الْمِثَالُ مَعَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الْمُضَادَّةِ لَهُ فَقَالَ لِي: لَوْ كَانَ لَك أَبٌ شَابٌّ تَغَيَّبْت عَنْهُ ثُمَّ جِئْته فَوَجَدْته شَيْخًا أَوْ أَصَابَهُ يَرَقَانُ أَصْفَرُ أَوْ يَرَقَانُ أَسْوَدُ أَوْ أَصَابَهُ بَرَصٌ، أَوْ جُذَامٌ، أَوْ قُطِعَتْ أَعْضَاؤُهُ أَكُنْت تَشُكُّ فِيهِ أَنَّهُ أَبُوك قُلْت: لَا فَقَالَ لِي مَا ذَاكَ إلَّا لِمَا ثَبَتَ فِي نَفْسِك مِنْ مِثَالِهِ الْمُتَقَدِّمِ عِنْدَك الَّذِي لَا تَجْهَلُهُ بِعُرُوضِ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَهُ فَكَذَلِكَ مَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ فِي نَفْسِهِ مِثَالُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَكَذَا لَا يَشُكُّ فِيهِ مَعَ عُرُوضِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَثِقُ بِأَنَّهُ رَآهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِذَا صَحَّ لَهُ الْمِثَالُ، وَانْضَبَطَ فَالسَّوَادُ يَدُلُّ عَلَى ظُلْمِ الرَّائِي، وَالْعَمَى يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إيمَانِهِ؛ لِأَنَّهُ إدْرَاكٌ ذَاهِبٌ وَقَطْعُ الْيَدِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ ظُهُورِ الشَّرِيعَةِ وَنُفُوذِ أَوَامِرِهَا، فَإِنَّ الْيَدَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْقُدْرَةِ وَكَوْنُهُ أَمْرَدَ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ بِهِ، فَإِنَّ الشَّابَّ يُحْتَقَرُ، وَكَوْنُهُ شَيْخًا يَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِ النُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّيْخَ يُعَظَّمُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى الْأَحْكَامِ الْمُخْتَلِفَةِ (فَرْعٌ) فَلَوْ رَآهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ لَهُ: إنَّ امْرَأَتَك طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَهُوَ يَجْزِمُ بِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا فَهَلْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقُولُ إلَّا حَقًّا وَقَعَ فِيهِ الْبَحْثُ مَعَ الْفُقَهَاءِ وَاضْطَرَبَتْ آرَاؤُهُمْ فِي ذَلِكَ بِالتَّحْرِيمِ وَعَدَمِهِ لِتَعَارُضِ خَبَرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ تَحْرِيمِهَا فِي النَّوْمِ وَإِخْبَارِهِ فِي الْيَقَظَةِ فِي شَرِيعَتِهِ الْمُعَظَّمَةِ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ لَهُ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ إخْبَارَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْيَقَظَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْخَبَرِ فِي النَّوْمِ لِتَطَرُّقِ الِاحْتِمَالِ لِلرَّائِي بِالْغَلَطِ فِي ضَبْطِ الْمِثَالِ، فَإِذَا عَرَضْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا احْتِمَالَ طُرُوءِ الطَّلَاقِ مَعَ الْجَهْلِ بِهِ وَاحْتِمَالَ طُرُوءِ الْغَلَطِ فِي الْمِثَالِ فِي النَّوْمِ وَجَدْنَا الْغَلَطَ فِي الْمِثَالِ أَيْسَرَ وَأَرْجَحَ، وَمَنْ هُوَ مِنْ النَّاسِ يَضْبِطُ الْمِثَالَ عَلَى النَّحْوِ الْمُتَقَدِّمِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَرَامِ. وَلَا يَتَخَلَّصُ مِنْهُ إلَّا إنْ قَوِيَ إيمَانُهُ وَرَسَخَ قَدَمُهُ فِي التَّقْوَى، وَمَهْمَا حَرَّكَهُ خَوْفَ نَقْصِهِ عَنْ غَيْرِهِ جَرَّهُ إلَى الْحَسَدِ الْمَحْظُورِ، وَإِلَى مَيْلِ الطَّبْعِ إلَى زَوَالِ نِعْمَةِ الْغَيْرِ حَتَّى يَنْزِلَ لِمُسَاوَاتِهِ، وَهَذَا لَا رُخْصَةَ فِيهِ بِوَجْهٍ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي مَقَاصِدِ الدِّينِ أَمْ الدُّنْيَا قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَكِنَّ ذَلِكَ يُعْفَى عَنْهُ مَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى، وَتَكُونُ كَرَاهَتُهُ لِذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ كَفَّارَةٌ لَهُ اهـ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْكِبْرِ وَقَاعِدَةِ التَّجَمُّلِ بِالْمَلَابِسِ وَالْمَرَاكِبِ] (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْكِبْرِ وَقَاعِدَةِ التَّجَمُّلِ بِالْمُلَابِسِ وَالْمَرَاكِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ) وَهُوَ مِنْ جِهَتَيْنِ (الْجِهَةُ الْأُولَى) : أَنَّ الْكِبْرَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُسْنُ وَأَمَّا التَّجَمُّلُ فَمِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُسْنُ (وَالْجِهَةُ الثَّانِيَةُ) : أَنَّ أَصْلَ التَّجَمُّلِ الْإِبَاحَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32] ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يَنْقُلُهُ عَنْ الْإِبَاحَةِ إمَّا إلَى الْوُجُوبِ كَتَوَقُّفِ تَنْفِيذِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي نَحْوِ وُلَاةِ الْأُمُورِ فَإِنَّ الْهَيْئَاتِ الرَّثَّةَ لَا تَحْصُلُ مَعَهَا مَصَالِحُ الْعَامَّةِ مِنْهُمْ، وَإِمَّا إلَى النَّدْبِ كَتَوَقُّفِ الْمَنْدُوبِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الصَّلَوَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] أَيْ صَلَاةٍ، وَفِي الْجَمَاعَاتِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ» بِبِنَاءِ يُرَى لِلْمَجْهُولِ، وَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ سَيَأْتِي وَفِي الْحُرُوبِ لِرَهْبَةِ الْعَدُوِّ، وَفِي الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا، وَفِي الْعُلَمَاءِ لِتَعْظِيمِ الْعِلْمِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ أُحِبُّ أَنْ أَنْظُرَ إلَى قَارِئِ الْقُرْآنِ أَبْيَضَ الثِّيَابِ. وَقَدْ أَنْشَدَ الْإِمَامُ مَالِكٌ لَمَّا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ مُعَاصِرِيهِ فِي التَّجَمُّلِ بِالثِّيَابِ الثَّمِينَةِ حَسِّنْ ثِيَابَك مَا اسْتَطَعْت فَإِنَّهَا ... زَيْنُ الرِّجَالِ بِهَا تُعَزُّ وَتُكْرَمُ وَدَعْ التَّوَاضُعَ فِي اللِّبَاسِ تَخَشُّنًا ... فَاَللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّ وَتُعْلِنُ فَرَثِيثُ ثَوْبِك لَا يَزِيدُك رِفْعَةً ... عِنْدَ الْإِلَهِ وَأَنْتَ عَبْدٌ مُجْرِمُ وَجَدِيدُ ثَوْبِك لَا يَضُرُّك بَعْدَمَا ... تَخْشَى الْإِلَهَ وَتَتَّقِي مَا يَحْرُمُ وَإِمَّا إلَى التَّحْرِيمِ كَكَوْنِهِ وَسِيلَةً لِمُحَرَّمٍ كَمَنْ يَتَزَيَّنُ لِلنِّسَاءِ الْأَجْنَبِيَّاتِ لِيَزْنِيَ بِهِنَّ فَإِذَا عُدِمَ الْمُعَارِضُ النَّاقِلُ لَهُ عَنْ الْإِبَاحَةِ وَعَرِيَ عَنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ بَقِيَتْ الْإِبَاحَةُ، وَأَصْلُ الْكِبْرِ التَّحْرِيمُ. وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يَنْقُلُهُ عَنْ التَّحْرِيمِ إمَّا إلَى الْوُجُوبِ كَمَا فِي الْكِبْرِ عَلَى الْكُفَّارِ فِي الْحُرُوبِ وَغَيْرِهَا، وَإِمَّا إلَى النَّدْبِ كَمَا فِي الْكِبْرِ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ تَقْلِيلًا لِلْبِدْعَةِ، وَالْإِبَاحَةُ فِيهِ بَعِيدَةٌ فَإِذَا عُدِمَ الْمُعَارِضُ النَّاقِلُ عَنْ

[المسألة السادسة رؤية الله تعالى في النوم]

إلَّا أَفْرَادٌ قَلِيلَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ لِصِفَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَمَّا ضَبْطُ عَدَمِ الطَّلَاقِ فَلَا يَخْتَلُّ إلَّا عَلَى النَّادِرِ مِنْ النَّاسِ وَالْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ مُتَعَيِّنٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ عَنْ حَلَالٍ: إنَّهُ حَرَامٌ، أَوْ عَنْ حَرَامٍ إنَّهُ حَلَالٌ، أَوْ عَنْ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ قَدَّمْنَا مَا ثَبَتَ فِي الْيَقَظَةِ عَلَى مَا رَأَى فِي النَّوْمِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ كَمَا لَوْ تَعَارَضَ خَبَرَانِ مِنْ أَخْبَارِ الْيَقَظَةِ صَحِيحَانِ فَإِنَّا نُقَدِّمُ الْأَرْجَحَ بِالسَّنَدِ أَوْ بِاللَّفْظِ أَوْ بِفَصَاحَتِهِ أَوْ قِلَّةِ الِاحْتِمَالِ فِي الْمَجَازِ أَوْ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ خَبَرُ الْيَقَظَةِ، وَخَبَرُ النَّوْمِ يُخَرَّجَانِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَة [الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي النَّوْمِ] (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) رُؤْيَةُ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي النَّوْمِ تَصِحُّ وَلِذَلِكَ أَحْوَالٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَرَاهُ فِي النَّوْمِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْمَعْقُولُ وَالْمَنْقُولُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَنُعُوتِ الْجَلَالِ لَهُ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الصِّفَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى الْحُدُوثِ مِنْ الْجِسْمِيَّةِ وَالتَّحَيُّزِ وَالْجِهَةِ فَهَذَا نُجَوِّزُهُ فِي الدُّنْيَا كَمَا نُجَوِّزُهُ فِي الْآخِرَةِ وَنَجْزِمُ بِوُقُوعِهِ فِي الْآخِرَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنْ مَنْ ادَّعَى هَذِهِ الْحَالَةَ، وَهُوَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا مِنْ الْعُصَاةِ، أَوْ مِنْ الْمُقَصِّرِينَ كَذَّبْنَاهُ، أَوْ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الْمُتَّقِينَ لَا نُكَذِّبُهُ وَنُسَلِّمُ لَهُ حَالَةَ وقَوْله تَعَالَى {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] فِيهِ تَأْوِيلَاتٌ وَهُوَ عُمُومٌ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ، وَإِخْبَارُ الْوَلِيِّ الْمَوْثُوقِ بِدِينِهِ الْمُبَرَّزِ فِي عَدَالَتِهِ يَصْلُحُ لِتَقْوِيَةِ بَعْضِ التَّأْوِيلَاتِ وَلِتَخْصِيصِ هَذَا الْعَامِّ، وَخَبَرُ الْعَدْلِ مَقْبُولٌ فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ، وَنَحْنُ نَقْبَلُ خَبَرَ الْأَوْلِيَاءِ فِي وُقُوعِ الْكَرَامَاتِ الَّتِي هِيَ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ الْمُحَصِّلَةِ لِلْعُلُومِ الْقَطْعِيَّاتِ فَكَيْفَ فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ الَّتِي لَا تُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ فَتَأَمَّلْ هَذَا (وَثَانِيهَا) : أَنْ يَرَاهُ - سُبْحَانَهُ - فِي صُورَةٍ مُسْتَحِيلَةٍ عَلَيْهِ كَمَنْ يَقُولُ: رَأَيْته فِي صُورَةِ رَجُلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْسَامِ الْمُسْتَحِيلَةِ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْت اللَّهَ - تَعَالَى - فِي صُورَةِ فَرَسٍ وَفَهِمَ هَذَا الرَّائِي أَنَّ هَذَا الْجِسْمَ مِنْ إنْسَانٍ وَغَيْرِهِ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَأَمْرٌ وَارِدٌ مِنْ قِبَلِهِ يَقْتَضِي حَالَةً مِنْ هَذَا الرَّائِي وَيَتَقَاضَاهَا مِنْهُ، أَوْ يَأْمُرُهُ بِخَيْرٍ أَوْ يَنْهَاهُ عَنْ شَرٍّ، وَيَقُولُ لَهُ: أَنَا اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَامْتَثِلْ أَمْرِي وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهَذِهِ الْحَالَةُ أَيْضًا صَحِيحَةٌ جَائِزَةٌ عَلَى إطْلَاقِ لَفْظِ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى هَذَا الْجِسْمِ فَفِي الْقُرْآنِ {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22] فَعَبَّرَ - تَعَالَى - عَنْ أَمْرِهِ الْوَارِدِ مِنْ قِبَلِهِ بِاللَّفْظِ الْخَاصِّ بِالرُّبُوبِيَّةِ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ لَفْظِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ وَلَفْظِ الْمُؤَثِّرِ عَلَى الْأَثَرِ، وَهُوَ مَجَازٌ مَشْهُورٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَمَسْطُورٌ فِي كُتُبِ الْمَجَازِ وَالْحَقِيقَةِ وَفِي التَّوْرَاةِ جَاءَ اللَّهُ مِنْ سَيْنَاءَ وَأَشْرَقَ مِنْ سَاغَيْنِ وَاسْتَعْلَنَ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ إشَارَةً إلَى التَّوْرَاةِ النَّازِلَةِ بِطُورِ سَيْنَاءَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّحْرِيمِ اُسْتُصْحِبَ فِيهِ التَّحْرِيمُ، وَهُوَ إمَّا كِبْرٌ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى -، وَهُوَ أَفْحَشُ أَنْوَاعِهِ كَكِبْرِ فِرْعَوْنَ وَنَمْرُودَ حَيْثُ اسْتَنْكَفَا أَنْ يَكُونَا عَبْدَيْنِ لِلَّهِ - تَعَالَى - وَادَّعَيَا الرُّبُوبِيَّةَ قَالَ - تَعَالَى - {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60] أَيْ صَاغِرِينَ {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ} [النساء: 172] الْآيَةَ وَإِمَّا عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الِانْقِيَادِ لَهُ تَكَبُّرًا جَهْلًا وَعِنَادًا كَمَا حَكَى اللَّهُ ذَلِكَ عَنْ كُفَّارِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأُمَمِ وَإِمَّا عَلَى عِبَادِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِأَنْ يَسْتَعْظِمَ نَفْسَهُ وَيَحْتَقِرَ غَيْرَهُ وَيَزْدَرِيَهُ فَيَأْبَى عَلَى الِانْقِيَادِ لَهُ أَوْ يَتَرَفَّعَ عَلَيْهِ، وَيَأْنَفَ مِنْ مُسَاوَاتِهِ وَهَذَا. وَإِنْ كَانَ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ إلَّا أَنَّهُ عَظِيمٌ اسْمُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْكِبْرِيَاءَ وَالْعَظَمَةَ إنَّمَا يَلِيقَانِ بِالْمَلِكِ الْقَادِرِ الْقَوِيِّ الْمَتِينِ دُونَ الْعَبْدِ الْعَاجِزِ الضَّعِيفِ فَتَكَبُّرُهُ فِيهِ مُنَازَعَةٌ لِلَّهِ فِي صِفَةٍ لَا تَلِيقُ إلَّا بِجَلَالِهِ، وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى - فِي الْحَدِيثِ «إنَّ مَنْ نَازَعَهُ الْعَظَمَةَ وَالْكِبْرِيَاءَ أَهْلَكَهُ» وَلِأَنَّ التَّكَبُّرَ عَلَى عِبَادِهِ لَا يَلِيقُ إلَّا بِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَيْهِمْ فَقَدْ جَنَى عَلَيْهِ؛ إذْ مَنْ اسْتَذَلَّ خَوَاصَّ غِلْمَانِ الْمَلِكِ مُنَازِعٌ لَهُ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ فَيَسْتَحِقُّ مَقْتَهُ، وَمِنْ لَازِمِ هَذَا الْكِبْرِ بِنَوْعَيْهِ مُخَالَفَةُ أَوَامِرِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ الْمُتَكَبِّرَ. وَمِنْهُ الْمُتَجَادِلُونَ فِي مَسَائِلِ الدِّينِ بِالْهَوَى وَالتَّعَصُّبِ تَأْبَى نَفْسُهُ مِنْ قَبُولِ مَا سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ اتَّضَحَ سَبِيلُهُ بَلْ يَدْعُوهُ كِبْرُهُ إلَى الْمُبَالَغَةِ فِي تَزْيِيفِهِ وَإِظْهَارِ إبْطَالِهِ فَهُوَ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26] {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: 206] وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ كَفَى بِالرَّجُلِ إثْمًا إذَا قِيلَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ أَنْ يَقُولَ: عَلَيْك بِنَفْسِك «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ: كُلْ بِيَمِينِك فَقَالَ مُتَكَبِّرًا لَا أَسْتَطِيعُ فَشُلَّتْ يَدُهُ فَلَمْ يَرْفَعْهَا بَعْدُ» فَإِذَنْ التَّكَبُّرُ عَلَى الْخَلْقِ يَدْعُو إلَى التَّكَبُّرِ عَلَى الْخَالِقِ أَلَا تَرَى أَنَّ إبْلِيسَ لَمَّا تَكَبَّرَ عَلَى آدَمَ وَحَسَدَهُ بِقَوْلِهِ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ جَرَّهُ ذَلِكَ إلَى التَّكَبُّرِ عَلَى اللَّهِ لِمُخَالَفَتِهِ أَمْرَهُ فَهَلَكَ هَلَاكًا مُؤَبَّدًا. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ الْكِبْرِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَحَدَنَا يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، وَلَكِنَّ الْكِبْرَ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْصُ النَّاسِ» خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: بَطَرُ الْحَقِّ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمُهْمَلَةِ رَدُّهُ وَدَفْعُهُ عَلَى قَائِلِهِ، وَغَمْصُ النَّاسِ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ احْتِقَارُهُمْ وَازْدِرَاؤُهُمْ، وَكَذَا عَمْصُهُمْ بِالْمُهْمَلَةِ، وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَعِيدٌ عَظِيمٌ يَقْتَضِي أَنَّ الْكِبْرَ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَعَدَمُ دُخُولِ صَاحِبِهِ الْجَنَّةَ مُطْلَقًا عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ عِنْدَهُمْ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ كَالْكَافِرِ، وَعِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ

[الفرق بين قاعدة الكبر وقاعدة العجب]

وَالْإِنْجِيلِ النَّازِلِ بِسَاغَيْنِ مَوْضِعٌ بِالشَّامِ وَالْقُرْآنِ النَّازِلِ بِمَكَّةَ وَاسْمُهَا فَارَانُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَقَّ جَاءَ مِنْ سَيْنَاءَ، وَهُوَ التَّوْرَاةُ وَكَثُرَ ظُهُورُهُ وَعَلَنُهُ بِتَقْوِيَةِ الْإِنْجِيلِ لَهُ فَإِنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بُعِثَ لِنُصْرَةِ التَّوْرَاةِ وَتَقْوِيَتِهَا وَإِرَادَةِ الْعَلَانِيَةِ وَالظُّهُورِ، وَاسْتُكْمِلْ الْحَقُّ وَاسْتُوْفِيَتْ الْمَصَالِحُ وَوَصَلَ الْبَيَانُ وَالْكَمَالُ فِي الشَّرْعِ إلَى أَقْصَى غَايَاتِهِ بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَالشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْكُتُبُ بِاسْمِ اللَّهِ - تَعَالَى؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِهَتِهِ وَقِبَلِهِ عَلَى الْمَجَازِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْ ذَلِكَ «يَنْزِلُ رَبُّنَا إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فِي الثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ» الْحَدِيثَ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ أَنَّهُ تَنْزِلُ رَحْمَتُهُ فَسَمَّاهَا بِاسْمِهِ لِكَوْنِهَا مِنْ قِبَلِهِ وَمِنْ أَثَرِهِ كَذَلِكَ هَذِهِ الْمُثُلُ الْقَائِلَةُ فِي النَّوْمِ أَنَا اللَّهُ هُوَ صَحِيحٌ جَائِزٌ عَلَى الْمَجَازِ كَمَا تَقَدَّمَ وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّ اللَّهَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْخَلَائِقِ فِي صُورَةٍ يُنْكِرُونَهَا وَيَقُولُونَ لَسْت رَبَّنَا» فَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِيهِمْ فِي صُورَةٍ وَتَسْمِيَتُهُ لِهَذِهِ الصُّورَةِ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ؛ لِأَنَّهَا صُورَةٌ مِنْ آثَارِهِ وَفِتْنَةٌ يَخْتَبِرُ بِهَا خَلْقَهُ؛ فَلِهَذِهِ الْمُلَازَمَةِ وَالْعَلَاقَةِ حَسُنَ إطْلَاقُ لَفْظِ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَيْهَا مَجَازًا كَمَا تَقَدَّمَ فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْمُثُلُ فِي النَّوْمِ حُكْمُهَا حُكْمُ هَذِهِ الْأَجْسَامِ فِي الْيَقَظَةِ الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يَرَى هَذِهِ الصُّورَةَ الْحَسَنَةَ الْجِسْمِيَّةَ، وَلَا يَعْتَقِدُ أَنَّهَا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - حَقِيقَةً، وَلَا يَخْطِرُ لَهُ فِي النَّوْمِ مَعْنَى الْمَجَازِ أَلْبَتَّةَ فَهَذِهِ الرُّؤْيَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً، وَيَكُونَ الْمُرَادُ الْمَجَازَ، وَهُوَ جَهْلُ الْمَجَازِ فَكَانَ الْغَلَطُ مِنْهُ لَا فِي الرُّؤْيَا كَمَا يَرِدُ اللَّفْظُ فِي الْيَقَظَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَجَازُ وَالسَّامِعُ يَفْهَمُ الْحَقِيقَةَ كَمَا اتَّفَقَ لِلْحَشَوِيَّةِ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ فَكَانَ الْغَلَطُ مِنْهُمْ لَا فِي الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الرُّؤْيَا كَذِبًا وَمُحَالًا، وَالشَّيْطَانُ يُخَيِّلُ لَهُ بِذَلِكَ لِيَضِلَّهُ أَوْ يُخْزِيَهُ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَكَائِدِهِ - لَعَنَهُ اللَّهُ - فَهَذِهِ الرُّؤْيَا مَوْضِعُ التَّثَبُّتِ وَالْخَوْفِ مِنْ الْغَلَطِ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ هَذَا الرَّائِي وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْزِمَ بِأَنَّ الَّذِي رَآهُ لَيْسَ رَبَّهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ بَلْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ وَاقِعٌ لَهُ وَيَنْظُرُ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ مِنْهُمَا فَيَعْتَقِدُهُ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ أَعْرَضَ عَنْ الرُّؤْيَا بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى يَتَّضِحَ الصَّوَابُ فَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهَا حَقٌّ، وَأَنَّ الَّذِي رَآهُ رَبُّهُ فَهُوَ كَافِرٌ، وَقَدْ كَفَرَ بِهَذَا الِاعْتِقَادِ النَّاشِئِ لَهُ عَنْ هَذِهِ الرُّؤْيَا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ الْحَشَوِيَّةِ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الْجِسْمُ وَتِلْكَ الْحَالَةُ فِيهَا مِنْ الْحَقَارَةِ وَمُنَافَاةِ الرُّبُوبِيَّةِ مَا يُجْمِعُ الْأُمَّةُ عَلَى تَكْفِيرِهِ وَتُكَفِّرُهُ الْحَشَوِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ كَصُورَةِ الدَّجَّالِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْحَشَوِيَّةَ لَيْسَتْ كُفَّارًا إنَّمَا هُوَ مَعَ قَوْلِهِمْ بِالتَّنَزُّهِ عَنْ الْعَوَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْنَاهُ لَا يَدْخُلُهَا وَقْتَ يَدْخُلُهَا غَيْرُ الْمُتَكَبِّرِينَ أَيْ فِي الْمَبْدَأِ، وَالنَّفْيُ الْعَامُّ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ إذَا اقْتَضَتْهُ النُّصُوصُ أَوْ الْقَوَاعِدُ قَالَ الْأَصْلُ: وَالْكِبْرُ مِنْ أَعْظَمِ ذُنُوبِ الْقَلْبِ نَسْأَلُ اللَّهَ - تَعَالَى - الْعَافِيَةَ حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: كُلُّ ذُنُوبِ الْقَلْبِ يَكُونُ مَعَهُ الْفَتْحُ إلَّا الْكِبْرَ. اهـ. هَذَا تَهْذِيبُ مَا فِي الْأَصْلِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الزَّوَاجِرِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْكِبْرِ وَقَاعِدَةِ الْعُجْبِ] (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْكِبْرِ وَقَاعِدَةِ الْعَجَبِ) وَهُوَ مِنْ جِهَتَيْنِ أَيْضًا (الْجِهَة الْأُولَى) : مَا فِي الْأَصْلِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مِنْ أَنَّ الْكِبْرَ رَاجِعٌ لِلْخَلْقِ وَالْعِبَادِ كَمَا عُلِمَ مِنْ حَقِيقَتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالْعَجَبُ رَاجِعٌ لِلْعِبَادَةِ؛ إذْ هُوَ رُؤْيَةُ الْعِبَادَةِ وَاسْتِعْظَامُهَا مِنْ الْعَبْدِ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ تَكُونُ بَعْدَ الْعِبَادَةِ، وَمُتَعَلِّقَةٌ بِهَا هَذَا التَّعَلُّقَ الْخَاصَّ كَمَا يَتَعَجَّبُ الْعَابِدُ بِعِبَادَتِهِ. وَالْعَالِمُ بِعِلْمِهِ، وَكُلُّ مُطِيعٍ بِطَاعَتِهِ، وَهُوَ - وَإِنْ كَانَ حَرَامًا - لَا يُفْسِدُ الْعِبَادَةَ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ بَعْدَهَا بِخِلَافِ الرِّيَاءِ فَإِنَّهُ يَقَعُ مَعَهَا فَيُفْسِدُهَا وَسِرُّ تَحْرِيمِ الْعَجَبِ أَنَّهُ سُوءُ أَدَبٍ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَعْظِمَ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى سَيِّدِهِ بَلْ يَسْتَصْغِرُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَظَمَةِ سَيِّدِهِ لَا سِيَّمَا عَظَمَةُ اللَّهِ - تَعَالَى - وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] أَيْ مَا عَظَّمُوهُ حَقَّ تَعْظِيمِهِ فَمَنْ أُعْجِبَ بِنَفْسِهِ وَعِبَادَتِهِ فَقَدْ هَلَكَ مَعَ رَبِّهِ، وَهُوَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ وَعَرَّضَ نَفْسَهُ لِمَقْتِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَسَخَطِهِ وَنَبَّهَ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60] مَعْنَاهُ يَفْعَلُونَ مِنْ الطَّاعَاتِ مَا يَفْعَلُونَ وَهُمْ خَائِفُونَ مِنْ لِقَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِتِلْكَ الطَّاعَةِ احْتِقَارًا لَهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ هَذِهِ الصِّفَةِ وَالنَّهْيِ عَنْ ضِدِّهَا اهـ (وَالْجِهَةُ الثَّانِيَةُ) مَا فِي الزَّوَاجِرِ لِابْنِ حَجَرٍ مِنْ أَنَّ الْكِبْرَ إمَّا بَاطِنٌ، وَهُوَ خُلُقٌ فِي النَّفْسِ وَاسْمُ الْكِبْرِ بِهَذَا أَحَقُّ أَيْ كَمَا يُرْشِدُ لَهُ قَوْله تَعَالَى {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} [غافر: 56] فَجَعَلَ مَحِلَّهُ الْقَلْبَ وَالصُّدُورَ، وَإِمَّا ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَعْمَالٌ تَصْدُرُ مِنْ الْجَوَارِحِ، وَهِيَ ثَمَرَاتُ ذَلِكَ الْخُلُقِ، وَعِنْدَ ظُهُورِهَا يُقَالُ لَهُ تَكَبُّرٌ، وَعِنْدَ عَدَمِهَا يُقَالُ فِي نَفْسِهِ كِبْرٌ فَالْأَصْلُ هُوَ خُلُقُ النَّفْسِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِرْوَاحُ وَالرُّكُونُ إلَى رُؤْيَةِ النَّفْسِ فَوْقَ الْمُتَكَبَّرِ عَلَيْهِ فَهُوَ يَسْتَدْعِي مُتَكَبَّرًا عَلَيْهِ وَمُتَكَبِّرًا بِهِ بِخِلَافِ الْعَجَبِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَدْعِي غَيْرَ الْمُعْجَبِ بِهِ حَتَّى لَوْ فُرِضَ انْفِرَادُهُ دَائِمًا أَمْكَنَ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ الْعَجَبُ دُونَ الْكِبْرِ، وَمُجَرَّدُ اسْتِعْظَامِ الشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي التَّكَبُّرَ إلَّا إنْ كَانَ ثَمَّ مَنْ يَرَى أَنَّهُ فَوْقَهُ اهـ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

[الفرق بين قاعدة العجب وقاعدة التسميع]

وَالْعَمَى وَالْآفَاتِ وَالنَّقَائِصِ بَلْ اقْتَصَرُوا عَلَى الْجِسْمِيَّةِ خَاصَّةً مَعَ التَّنْزِيهِ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ فَمَنْ اعْتَقَدَ الْجِسْمِيَّةَ مَعَ بَعْضِ صِفَاتِ النَّقْصِ فَأَوَّلُ مَنْ يُكَفِّرُهُ الْحَشَوِيَّةُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَمِنْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ رَآهُ فِي صُورَةِ فَرَسٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ السِّبَاعِ أَوْ غَيْرِهَا فَهَذَا كُلُّهُ كُفْرٌ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ، وَلَا يَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحَشَوِيَّةِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: رَأَيْته فِي طَلْقٍ أَوْ خِزَانَةٍ أَوْ مَطْمُورَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تُحِيلُهُ الْحَشَوِيَّةُ وَأَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهَذَا تَفْصِيلُ الْأَحْوَالِ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) فِي تَحْقِيقِ مِثْلِ الرُّؤْيَا وَبَيَانِهَا اعْلَمْ أَنَّ دَلَالَةَ هَذِهِ الْمُثُلِ عَلَى الْمَعَانِي كَدَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ الصَّوْتِيَّةِ، وَالرُّقُومِ الْكِتَابِيَّةِ عَلَيْهَا، وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَقَعُ فِيهَا جَمِيعُ مَا يَقَعُ فِي الْأَلْفَاظِ مِنْ الْمُشْتَرَكِ وَالْمُتَوَاطِئِ وَالْمُتَرَادِفِ وَالْمُتَبَايِنِ وَالْمَجَازِ وَالْحَقِيقَةِ وَالْمَفْهُومِ وَالْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ وَالْمُطْلَقِ وَالْمُفِيدِ وَالتَّصْحِيفِ وَالْقَلْبِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ وَالْمَعَارِيضِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ مَا يَقَعُ فِي الْأَلْفَاظِ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ أَبُو يُوسُفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزَيْدٌ زُهَيْرٌ شِعْرًا وَحَاتِمٌ جُودًا، وَجَمِيعُ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ فَالْمُشْتَرَكُ كَالْفِيلِ هُوَ مَلِكٌ أَعْجَمِيٌّ، وَهُوَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ نَقَلَهُ الْكَرْمَانِيُّ؛ لِأَنَّ عَادَةَ الْهِنْدِ إذَا طَلَّقَ أَحَدٌ ثَلَاثًا جَرَّسُوهُ عَلَى فِيلٍ فَلَمَّا كَانَ مِنْ لَوَازِمِ الطَّلَاقِ عُبِّرَ بِهِ عَنْ الطَّلَاقِ، وَالْمُتَوَاطِئُ كَالشَّجَرَةِ، وَهُوَ رَجُلٌ أَيَّ رَجُلٍ كَانَ دَالَّةً عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الرِّجَالِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ تَنْبُتُ فِي الْعَجَمِ فَهُوَ رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ، أَوْ عِنْدَ الْعَرَبِ فَهُوَ رَجُلٌ عَرَبِيٌّ أَوْ لَا ثَمَرَ لَهَا فَلَا خَيْرَ فِيهِ أَوْ لَهَا شَوْكٌ فَهُوَ كَثِيرُ الشَّرِّ أَوْ ثَمَرُهَا لَهُ قِشْرٌ فَلَهُ خَيْرٌ لَا يُوصَلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ مَشَقَّةٍ أَوْ لَا قِشْرَ لَهُ كَالتُّفَّاحِ فَيُوصَلُ لِخَيْرِهِ بِلَا مَشَقَّةٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الْمُقَيَّدُ وَالْمُطْلَقُ فَحَصَلَتْ الْأُمُورُ بِالْقُيُودِ الْخَارِجَةِ، وَكَذَلِكَ يَقَعُ التَّقْيِيدُ بِأَحْوَالِ الرَّائِي فَالصَّاعِدُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَلِي وِلَايَةً فَالْوِلَايَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْوِلَايَاتِ وَمُطْلَقَةٌ فَإِنْ كَانَ الرَّائِي فَقِيهًا كَانَتْ الْوِلَايَةُ قَضَاءً أَوْ أَمِيرًا فَوَالٍ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمُلْكِ فَمَلِكٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ تَنْصَرِفُ لِلْخَيْرِ بِقَرِينَةِ الرَّائِي وَحَالِهِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الشَّرَّ، وَتَنْصَرِفُ لِلشَّرِّ بِقَرِينَةِ الرَّائِي وَحَالِهِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الْخَيْرَ كَمَنْ رَأَى أَنَّهُ مَاتَ فَالرَّجُلُ الْخَيِّرُ مَاتَتْ حُظُوظُهُ وَصَلَحَتْ نَفْسُهُ، وَالرَّجُلُ الشِّرِّيرُ مَاتَ قَلْبُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] أَيْ كَافِرًا فَأَسْلَمَ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [يونس: 31] أَيْ الْكَافِرَ مِنْ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلِمَ مِنْ الْكَافِرِ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ، وَالْمُتَرَادِفَةُ كَالْفَاكِهَةِ فَالصَّفْرَاءُ تَدُلُّ عَلَى ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعَجَبِ وَقَاعِدَةِ التَّسْمِيعِ] (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْعَجَبِ وَقَاعِدَةِ التَّسْمِيعِ) وَهُوَ أَنَّهُمَا، وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعْصِيَةً لَا تُحْبِطُ الْعِبَادَةَ لِكَوْنِهَا تَقَعُ قَبْلَهُمَا خَالِصَةً بِخِلَافِ الرِّيَاءِ فَإِنَّهُ يُقَارِنُهَا فَيُحْبِطُهَا، وَقَدْ تَبَيَّنَ مِمَّا تَقَدَّمَ كَوْنُ الْعَجَبِ مَعْصِيَةً لَا تُحْبِطُ الْعِبَادَةَ إلَخْ، وَأَمَّا التَّسْمِيعُ فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَيْ يُنَادَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَذَا فُلَانُ عَمِلَ عَمَلًا لِي ثُمَّ أَرَادَ بِهِ غَيْرِي فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ إخْبَارِ الشَّخْصِ بِمَا عَمِلَهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أَخْلَصَ فِيهَا لِيُعْتَقَدَ فِيهِ، وَيُكْرَمَ بِخِلَافِ الرِّيَاءِ فَإِنَّهُ كَمَا فِي تَعْرِيفَاتِ الْجُرْجَانِيِّ قَدْ سَرَّهُ تَرْكُ الْإِخْلَاصِ فِي الْعَمَلِ بِمُلَاحَظَةِ غَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - فِيهِ إلَّا أَنَّ التَّسْمِيعَ يُفَارِقُ الْعَجَبَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَكُونُ بِاللِّسَانِ، وَالْعَجَبُ يَكُونُ بِالْقَلْبِ كَمَا عَلِمْت، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ الرِّضَا بِالْمَقْضِيِّ] (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ عَدَمِ الرِّضَا بِالْمَقْضِيِّ) وَهُوَ أَنَّ الْقَضَاءَ قِيلَ: مُرَادِفٌ لِلْقَدَرِ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ لَكِنَّهُ قَوِيٌّ وَعَلَيْهِ فَهَلْ هُمَا إرَادَةٌ فَقَطْ أَوْ إرَادَةٌ وَعِلْمٌ أَوْ هُمَا وَقُدْرَةٌ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ تَبَايُنُهُمَا وَعَلَيْهِ فَقِيلَ: الْقَضَاءُ إرَادَةٌ وَالْقَدَرُ إيجَادُ مُمْكِنٍ وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ أَيْ الْقَضَاءُ إيجَادُ مُمْكِنٍ وَالْقَدَرُ إرَادَةٌ وَقَالَ السَّنُوسِيُّ: الْقَدَرُ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ مَعًا فِي الْأَزَلِ بِالْمُمْكِنِ، وَالْقَضَاءُ إجْرَاءُ الْمُمْكِنِ عَلَى وَفْقِ مَا مَضَى بِهِ الْقَدَرُ وَالْعِلْمُ وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: الْقَدَرُ تَعَلُّقُ الْإِرَادَةِ فِي الْأَزَلِ بِالْمُمْكِنِ وَالْقَضَاءُ الْإِرَادَةُ بِحُكْمٍ خَبَرِيٍّ كَإِرَادَتِهِ - تَعَالَى - لِزَيْدٍ بِالسَّعَادَةِ مَعَ إخْبَارِهِ بِكَلَامِهِ وَقَدْ نَظَمَ الرَّهُونِيُّ حَاصِلَ هَذَا بِقَوْلِهِ وَفِي تَبَايُنِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرْ ... أَوْ التَّرَادُفِ خِلَافٌ اشْتَهَرْ وَالْأَوَّلُ الْمَعْزُوُّ لِلْجُمْهُورِ ... وَالثَّانِي قَوْلٌ لَيْسَ بِالْمَهْجُورِ ثُمَّ عَلَيْهِ هَلْ هُمَا إرَادَةٌ ... أُوتِيَ وَعِلْمٌ أَوْ هُمَا وَقُدْرَةٌ ثُمَّ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا اخْتُلِفْ ... عَلَى أَقَاوِيلَ فَهَاكَ مَا عُرِفْ قِيلَ الْقَضَاءُ إرَادَةٌ ثُمَّ الْقَدَرْ ... إيجَادُ مُمْكِنٍ وَعَكْسُ ذَا اشْتَهَرْ وَلِلسُّنُوسِيِّ الْإِمَامِ وَقَعَا ... تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ مَعَا فِي أَزَلٍ قُلْ قَدَرٌ ثُمَّ الْقَضَا ... إجْرَاءُ مُمْكِنٍ بِوَفْقِ مَا مَضَى أَوْ قَدْرُ تَعَلُّقِ الْإِرَادَهْ ... فِي أَزَلٍ فَحَصَلَ الْإِفَادَهْ ثُمَّ الْإِرَادَةُ بِحُكْمٍ خَبَرِي ... قُضِيَ وَهَذَا لِلْقَرَافِيِّ السَّرِيّ

الْهَمِّ وَحَمْلُ الصَّغِيرِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا وَالْمُتَبَايِنُ كَالْأَخْذِ مِنْ الْمَيِّتِ وَالدَّفْعِ لَهُ الْأَوَّلُ جَيِّدٌ؛ لِأَنَّهُ كَسْبٌ مِنْ جِهَةٍ مَيْئُوسٍ مِنْهَا، وَالثَّانِي رَدِيءٌ؛ لِأَنَّهُ صَرْفُ رِزْقٍ لِمَنْ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ، وَرُبَّمَا كَانَ لِمَنْ لَا دِينَ لَهُ؛ لِأَنَّ الدِّينَ ذَهَبَ عَنْ الْمَوْتَى لِذَهَابِ التَّكْلِيفِ عَنْهُمْ، وَالْمَجَازُ وَالْحَقِيقَةُ كَالْبَحْرِ هُوَ السُّلْطَانُ حَقِيقَةً وَيُعَبَّرُ بِهِ عَنْ سَعَةِ الْعِلْمِ مَجَازًا، وَالْعُمُومُ كَمَنْ رَأَى أَنَّ أَسْنَانَهُ كُلَّهَا سَقَطَتْ فِي التُّرَابِ فَإِنَّهُ يَمُوتُ أَقَارِبُهُ كُلُّهَا، فَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إنَّمَا يَمُوتُ بَعْضُ أَقَارِبِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ فَهُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ، وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَكَالرُّؤْيَا يَرَاهَا الرَّائِي لِشَخْصٍ، وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ يُشْبِهُهُ أَوْ بَعْضُ أَقَارِبِهِ، أَوْ مَنْ تَسَمَّى بِاسْمِهِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّنْ يُشَارِكُهُ فِي صِفَتِهِ فَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِهِ كَمَا عَبَّرْنَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِأَبِي حَنِيفَةَ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي صِفَةِ الْفِقْهِ وَعَبَّرْنَا عَنْ زَيْدٍ بِزُهَيْرٍ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي الشَّعْرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْمُثُلِ وَالْقَلْبِ كَمَا رَأَى الْمِصْرِيُّونَ أَنَّ رَوَاسَا أَخَذَ مِنْهُمْ الْمُلْكَ فَعَبَّرَ لَهُمْ بِأَنَّ شَاوَرَ يَأْخُذُهُ وَكَانَ كَذَلِكَ وَقَلَبَ رواس شَاوَرَ وَجَمْعُ هَذَا الْمِثَالِ بَيْنَ الْقَلْبِ وَالتَّصْحِيفِ فَإِنَّ السِّينَ الْمُهْمَلَةَ صُحِّفَتْ بِالْمُعْجَمَةِ الَّتِي هِيَ الشِّينُ وَرَأَى مَلِكُ الْعَرَبِ قَائِلًا يَقُولُ لَهُ: خَالِفْ الْحَقَّ مِنْ عُذْرٍ فَقِيلَ: لَهُ أَنْتَ تَقْصِدُ النَّكْثَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ فَحَذِرْت مِنْ ذَلِكَ فِي الرُّؤْيَا خَالِفْ الْحَقَّ مِنْ غَدْرٍ فَدَخَلَهُ التَّصْحِيفُ فَقَطْ وَبَسْطُ هَذِهِ التَّفَاصِيلِ فِي كُتُبِ التَّعْبِيرِ وَإِنَّمَا قَصَدْت التَّنْبِيهَ عَلَى هَذِهِ الْمُثُلِ كَالْأَلْفَاظِ فِي الدَّلَالَةِ، وَأَنَّهَا تُشَارِكُهَا فِي أَحْوَالِهَا (تَنْبِيهٌ) اعْلَمْ أَنَّ تَفْسِيرَ الْمَنَامَاتِ قَدْ اتَّسَعَتْ تَقْيِيدَاتُهُ وَتَشَعَّبَتْ تَخْصِيصَاتُهُ وَتَنَوَّعَتْ تَعْرِيفَاتُهُ بِحَيْثُ صَارَ الْإِنْسَانُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَعْتَمِدَ فِيهِ عَلَى مُجَرَّدِ الْمَنْقُولَاتِ لِكَثْرَةِ التَّخْصِيصَاتِ بِأَحْوَالِ الرَّائِينَ بِخِلَافِ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَالتَّحَدُّثِ فِي الْفِقْهِ وَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُلُومِ فَإِنَّ ضَوَابِطَهَا إمَّا مَحْصُورَةٌ أَوْ قَرِيبَةٌ مِنْ الْحَصْرِ وَعِلْمُ الْمَنَامَاتِ مُنْتَشِرٌ انْتِشَارًا شَدِيدًا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ ضَبْطٍ فَلَا جَرَمَ احْتَاجَ النَّاظِرُ فِيهِ مَعَ ضَوَابِطِهِ وَقَرَائِنِهِ إلَى قُوَّةٍ مِنْ قُوَى النُّفُوسِ الْمُعِينَةِ عَلَى الْفِرَاسَةِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى الْمُغَيَّبَاتِ بِحَيْثُ إذَا تَوَجَّهَ الْحَزْرُ إلَى شَيْءٍ لَا يَكَادُ يُخْطِئُ بِسَبَبِ مَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي تِلْكَ النُّفُوسِ مِنْ الْقُوَّةِ الْمُعِينَةِ عَلَى تَقْرِيبِ الْغَيْبِ أَوْ تَحَقُّقِهِ كَمَا قِيلَ فِي ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: إنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إلَى الْغَيْبِ مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ رَقِيقٍ إشَارَةً إلَى قُوَّةٍ أَوْدَعَهُ اللَّهُ إيَّاهَا فَرَأَى بِمَا أَوْدَعَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي نَفْسِهِ مِنْ الصَّفَاءِ وَالشُّفُوفِ وَالرِّقَّةِ وَاللَّطَافَةِ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ عَامًّا فِي جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ. وَقَدْ يَهَبُهُ اللَّهُ - تَعَالَى - ذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَعَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فَالرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَاجِبٌ إجْمَاعًا، وَالسَّخَطُ وَعَدَمُ الرِّضَا بِهِ حَرَامٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِأَنْ لَا نَتَعَرَّضَ لِجِهَةِ رَبِّنَا إلَّا بِالْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ، وَلَا نَتَعَرَّضَ عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُنَا سَاخِطًا لِقَضَائِهِ - تَعَالَى -: أَيَّ شَيْءٍ عَمِلْت حَتَّى أَصَابَنِي مِثْلُ هَذَا وَمَا ذَنْبِي وَمَا كُنْت أَسْتَأْهِلُ هَذَا وَفِي الزَّوَاجِرِ أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ «مَنْ سَخِطَ رِزْقَهُ وَبَثَّ شَكْوَاهُ وَلَمْ يَصْبِرْ لَمْ يَصْعَدْ لَهُ إلَى اللَّهِ عَمَلٌ وَلَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» . اهـ. وَأَمَّا الْمَقْضِيُّ وَالْمَقْدُورُ فَهُوَ أَثَرُ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ وَلَيْسَ الرِّضَا بِهِ وَاجِبًا عَلَى الْإِطْلَاقِ كَمَا هُوَ زَعْمُ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ هُوَ الرِّضَا بِالْمَقْضِيِّ حَتَّى بَعَثَ هَؤُلَاءِ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِهِمْ: إنَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْأَوْلِيَاءِ خَاصَّةً فَهُوَ عَزِيزُ الْوُجُودِ بَلْ هُوَ كَالْمُتَعَذِّرِ، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ أَنَّ الرِّضَا بِهِ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - وَالْوَاجِبَاتِ إذَا قَدَّرَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - لِلْإِنْسَانِ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا كَمَا فِي الْمَنْدُوبَاتِ وَحَرَامًا كَمَا فِي الْمُحَرَّمَاتِ نَعَمْ الرِّضَا بِالْكُفْرِ لَا يَكُونُ كُفْرًا كَمَا زَعَمَ الْأَصْلُ إلَّا إذَا كَانَ مَعَ عِلْمِهِ بِكُفْرِهِ، وَهُوَ لَا يَتَأَتَّى إلَّا مِنْ الْكَافِرِ عِنَادًا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ ذَلِكَ عَادَةً أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِامْتِنَاعِ ذَلِكَ عَادَةً فَلَا عَلَى أَنَّ جَوَازَ الْكُفْرِ عِنَادٌ عَادَةً مِنْ الْبَعِيدِ الْمُشَبَّهِ بِالْمُحَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا كُفْرَ عِنَادًا إلَّا لِحَامِلٍ يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ وَيُرَجِّحُهُ عِنْدَهُ، وَكَرَاهِيَتُهُ إيَّاهُ مَعَ رُجْحَانِهِ عَادَةً كَالْمُتَنَاقَضِينَ، وَأَمَّا كَرَاهِيَةُ الْمَعْصِيَةِ فَهِيَ مُمْكِنَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَاصٍ عَالِمٌ بِعِصْيَانِهِ قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَقَدْ يَكُونُ مُبَاحًا كَمَا فِي الْمُبَاحَاتِ مِنْ نَحْوِ الْبَلَايَا وَالرَّزَايَا وَمُؤْلِمَاتِ الْحَوَادِثِ فَإِنَّا مَا أُمِرْنَا بِأَنْ تَطِيبَ لَنَا؛ إذْ هُوَ تَكْلِيفٌ بِمَا لَيْسَ فِي طَبْعِ الْمُكَلَّفِ، وَالشَّرِيعَةُ لَمْ تَرِدْ بِتَكْلِيفِ أَحَدٍ بِمَا لَيْسَ فِي طَبْعِهِ فَالْأَرْمَدُ مَثَلًا لَمْ يُؤْمَرْ بِاسْتِطَابَةِ الرَّمَدِ الْمُؤْلِمِ بَلْ ذَمَّ اللَّهُ قَوْمًا لَا يَتَأَلَّمُونَ، وَلَا يَجِدُونَ لِلْبَأْسَاءِ وَقْعًا بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76] فَمَنْ لَمْ يَسْتَكِنْ وَلَمْ يَذِلَّ لِلْمُؤْلِمَاتِ وَيُظْهِرْ الْجَزَعَ مِنْهَا، وَيَسْأَلْ رَبَّهُ إقَالَةَ الْعَثْرَةِ مِنْهَا فَهُوَ جَبَّارٌ عَنِيدٌ بَعِيدٌ عَنْ طُرُقِ الْخَيْرِ، وَأَنَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ لَيْسَ بِنَادِرٍ، وَلَا مُتَعَذِّرٍ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعَوَامّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ إنَّمَا يَأْلَمُونَ مِنْ الْمَقْضِيِّ فَقَطْ. وَأَمَّا التَّوَجُّهُ إلَى جِهَةِ الرُّبُوبِيَّةِ بِالتَّجْوِيرِ، وَالْقَضَاءُ بِغَيْرِ الْعَدْلِ فَهَذَا لَا يَكَادُ يُوجَدُ إلَّا نَادِرًا مِنْ الْفُجَّارِ

بِاعْتِبَارِ الْمَنَامَاتِ فَقَطْ أَوْ بِحِسَابِ عِلْمِ الرَّمْلِ فَقَطْ أَوْ الْكَتْفِ الَّذِي لِلْغَنَمِ فَقَطْ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَنْفَتِحُ لَهُ بِصِحَّةِ الْقَوْلِ وَالنُّطْقِ فِي غَيْرِهِ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ قُوَّةُ نَفْسٍ فِي هَذَا النَّوْعِ صَالِحَةٍ لِعِلْمِ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ تَعْبِيرُ الرُّؤْيَا، وَلَا يَكَادُ يُصِيبُ إلَّا عَلَى النُّدْرَةِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ التَّوَجُّهُ إلَى عِلْمِ التَّعْبِيرِ فِي الرُّؤْيَا، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ قُوَّةُ نَفْسٍ فَهُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِتَعْبِيرِهِ وَقَدْ رَأَيْت مِمَّنْ لَهُ قُوَّةُ نَفْسٍ مَعَ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ فَكَانَ يَتَحَدَّثُ بِالْعَجَائِبِ وَالْغَرَائِبِ فِي الْمَنَامِ اللَّطِيفِ وَيُخْرِجُ مِنْهُ الْأَشْيَاءَ الْكَثِيرَةَ وَالْأَحْوَالَ الْمُتَبَايِنَةَ وَيُخْبِرُ فِيهِ عَنْ الْمَاضِيَاتِ وَالْحَاضِرَاتِ وَالْمُسْتَقْبِلَات وَيَنْتَهِي فِي الْمَنَامِ الْيَسِيرِ إلَى نَحْوِ الْمِائَةِ مِنْ الْأَحْكَامِ بِالْعَجَائِبِ وَالْغَرَائِبِ حَتَّى يَقُولَ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِأَحْوَالِ قُوَى النُّفُوسِ: إنَّ هَذَا مِنْ الْجَانِّ أَوْ الْمُكَاشَفَةِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ هُوَ قُوَّةُ نَفْسٍ يَجِدُ بِسَبَبِهَا تِلْكَ الْأَحْوَالَ عِنْدَ تَوَجُّهِهِ لِلْمَنَامِ، وَلَيْسَ هُوَ صَلَاحٌ، وَلَا كَشْفٌ، وَلَا مِنْ قِبَلِ الْجَانِّ وَقَدْ رَأَيْت أَنَا مِنْ هَذَا النَّوْعِ جَمَاعَةً وَاخْتَبَرْتُهُمْ فَمَنْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ قُوَّةُ نَفْسٍ عَسُرَ عَلَيْهِ تَعَاطِي عِلْمِ التَّعْبِيرِ، وَلَا يَنْبَغِي لَك أَنْ تَطْمَعَ فِي أَنْ يَحْصُلَ لَك بِالتَّعَلُّمِ وَالْقِرَاءَةِ وَحِفْظِ الْكُتُبِ إذَا لَمْ تَكُنْ لَك قُوَّةُ نَفْسٍ فَلَا تَجِدُ ذَلِكَ أَبَدًا، وَمَتَى كَانَتْ لَك هَذِهِ الْقُوَّةُ حَصَلَ ذَلِكَ بِأَيْسَرِ سَعْيٍ وَأَدْنَى ضَبْطٍ فَاعْلَمْ هَذِهِ الدَّقِيقَةَ فَقَدْ خَفِيَتْ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُبَاحُ فِي عِشْرَةِ النَّاسِ مِنْ الْمُكَارَمَةِ وَقَاعِدَةِ مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ) اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يُبَاحُ مِنْ إكْرَامِ النَّاسِ قِسْمَانِ (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) : مَا وَرَدَتْ بِهِ نُصُوصُ الشَّرِيعَةِ مِنْ إفْشَاءِ السَّلَامِ وَإِطْعَامِ الطَّعَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَالْمُصَافَحَةِ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَالِاسْتِئْذَانِ عِنْدَ الدُّخُولِ، وَأَنْ لَا يَجْلِسَ عَلَى تَكْرِمَةِ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ أَيْ عَلَى فِرَاشِهِ، وَلَا يَؤُمَّ فِي مَنْزِلِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ أَحَدًا فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يَجْلِسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ (الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا لَمْ يَرِدْ فِي النُّصُوصِ وَلَا كَانَ فِي السَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ أَسْبَابُ اعْتِبَارِهِ مَوْجُودَةً حِينَئِذٍ وَتَجَدَّدَتْ فِي عَصْرِنَا فَتَعَيَّنَ فِعْلُهُ لِتَجَدُّدِ أَسْبَابِهِ؛ لِأَنَّهُ شَرْعٌ مُسْتَأْنَفٌ بَلْ عُلِمَ مِنْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ لَوْ وُجِدَتْ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ لَكَانَتْ هَذِهِ الْمُسَبِّبَاتُ مِنْ فِعْلِهِمْ وَصُنْعِهِمْ وَتَأَخَّرَ الْحُكْمُ لِتَأَخُّرِ سَبَبِهِ وَوُقُوعُهُ عِنْدَ وُقُوعِ سَبَبِهِ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ تَجْدِيدَ شَرْعٍ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْمَرَدَةِ، وَإِنَّا نَجْزِمُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأَلَّمَ لِقَتْلِ عَمِّهِ حَمْزَةَ وَمَوْتِ وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ وَرَمْيِ عَائِشَةَ بِمَا رُمِيَتْ بِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ الْمَقْضِيِّ وَنَجْزِمُ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - طِبَاعُهُمْ تَتَأَلَّمُ، وَتَتَوَجَّعُ مِنْ الْمُؤْلِمَاتِ، وَتُسَرُّ بِالْمَسَرَّاتِ وَإِذَا كَانَ الرِّضَا بِالْمَقْضِيَّاتِ غَيْرَ حَاصِلٍ فِي طَبَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ فَغَيْرُهُمْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحَقُّ تَفْسِيرُ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ بِمَا قُلْنَا لَا بِمَا قَالُوا، وَهُوَ بِتَفْسِيرِنَا مُتَيَسِّرٌ عَلَى أَكْثَرِ الْعَوَامّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَضْلًا عَنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَبِتَفْسِيرِهِمْ لَا طَمَعَ فِيهِ فَهُوَ غَلَطٌ هَذَا تَهْذِيبُ مَا صَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ مَعَ زِيَادَةٍ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ (تَنْبِيهٌ) كَوْنُ الْمَقْضِيِّ يَكُونُ خَيْرًا أَوْ شَرًّا، وَلَا يَجِبُ الرِّضَا بِهِ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ كَسْبِنَا، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ خَلْقِ اللَّهِ إيَّاهُ فَحَسَنٌ يَجِبُ الرِّضَا بِهِ؛ إذْ كُلُّ مَا صَدَرَ عَنْهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فَضْلٌ أَوْ عَدْلٌ فِي عَبِيدِهِ وَلِسَيِّدِي مُحَمَّدِ وَفَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَمِعْت اللَّهَ فِي سِرِّي يَقُولُ ... أَنَا فِي الْمُلْكِ وَحْدِي لَا أَزُولُ وَحَيْثُ الْكُلُّ مِنِّي لَا قَبِيحُ ... وَقُبْحُ الْقُبْحِ مِنْ حَيْثِيّ جَمِيلُ وَتَوْضِيحُ ذَلِكَ أَنَّ الْفِعْلَ لَهُ جِهَتَانِ كَوْنُهُ مَقْضِيًّا لَهُ - تَعَالَى - وَكَوْنُهُ مُكْتَسَبًا لِلْعَبْدِ فَيَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ الرِّضَا بِالْقَدَرِ أَيْ مَا يَقَعُ مِنْ الْعَبْدِ الْمُقَدَّرِ فِي الْأَزَلِ. وَهُوَ الْمَقْدُورُ مِنْ الْجِهَةِ الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: يَجِبُ الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ يَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، وَيُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ» وَأَمَّا نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79] فَوَارِدٌ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ أَيْ كَيْفَ تَكُونُ هَذِهِ التَّفْرِقَةُ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مُجَرَّدِ السَّبَبِيَّةِ رُوِيَ لِأَصْبَغَ بْنِ نَبَاتَةَ أَنَّ شَيْخًا قَامَ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنْ صِفِّينَ فَقَالَ أَخْبِرْنَا عَنْ مَسِيرِنَا إلَى الشَّامِ أَكَانَ بِقَضَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَقَدَرِهِ فَقَالَ: وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا وَطِئْنَا مَوْطِئًا، وَلَا هَبَطْنَا وَادِيًا، وَلَا عَلَوْنَا تَلْعَةً إلَّا بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ فَقَالَ الشَّيْخُ: عِنْدَ اللَّهِ أَحْتَسِبُ عَنَائِي مَا أَرَى لِي مِنْ الْأَجْرِ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ: مَهْ أَيُّهَا الشَّيْخُ عَظَّمَ اللَّهُ أَجْرَكُمْ فِي مَسِيرِكُمْ، وَأَنْتُمْ سَائِرُونَ، وَفِي مُنْصَرَفِكُمْ وَأَنْتُمْ مُنْصَرِفُونَ وَلَمْ تَكُونُوا فِي شَيْءٍ مِنْ حَالَاتِكُمْ مُكْرَهِينَ. وَلَا إلَيْهَا مُضْطَرِّينَ فَقَالَ الشَّيْخُ: كَيْفَ وَالْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ سَاقَانَا فَقَالَ: وَيْحَك لَعَلَّك ظَنَنْت قَضَاءً لَازِمًا وَقَدَرًا حَتْمًا لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَبَطَلَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَلَمْ

[الفرق بين قاعدة المكفرات وقاعدة أسباب المثوبات]

وَلَا عَدَمَهُ كَمَا لَوْ أَنْزَلَ اللَّهُ - تَعَالَى - حُكْمًا فِي اللِّوَاطِ مِنْ رَجْمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُوبَاتِ فَلَمْ يُوجَدْ اللِّوَاطُ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَوُجِدَ فِي زَمَنِنَا اللِّوَاطُ فَرَتَّبْنَا عَلَيْهِ تِلْكَ الْعُقُوبَةَ لَمْ نَكُنْ مُجَدِّدِينَ لِشَرْعٍ بَلْ مُتَّبِعِينَ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ نَعْلَمَ ذَلِكَ بِنَصٍّ أَوْ بِقَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ مَا فِي زَمَانِنَا مِنْ الْقِيَامِ لِلدَّاخِلِ مِنْ الْأَعْيَانِ وَإِحْنَاءِ الرَّأْسِ لَهُ إنْ عَظُمَ قَدْرُهُ جِدًّا وَالْمُخَاطَبَةُ بِجَمَالِ الدِّينِ وَنُورِ الدِّينِ وَعِزِّ الدِّينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّعُوتِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى وَالْمُكَاتَبَاتِ بِالنُّعُوتِ أَيْضًا كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِهِ وَتَسْطِيرِ اسْمِ الْإِنْسَانِ بِالْمَمْلُوكِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَالتَّعْبِيرِ عَنْ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ بِالْمَجْلِسِ الْعَالِي وَالسَّامِي وَالْجَنَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْصَافِ الْعُرْفِيَّةِ وَالْمُكَاتَبَاتِ الْعَادِيَّةِ وَمِنْ ذَلِكَ تَرْتِيبُ النَّاسِ فِي الْمَجَالِسِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي ذَلِكَ، وَأَنْوَاعُ الْمُخَاطَبَاتِ لِلْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْوُزَرَاءِ وَأُولِي الرِّفْعَةِ مِنْ الْوُلَاةِ وَالْعُظَمَاءِ فَهَذَا كُلُّهُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ لَمْ تَكُنْ فِي السَّلَفِ. وَنَحْنُ الْيَوْمَ نَفْعَلُهُ فِي الْمُكَارَمَاتِ وَالْمُوَلَّاةِ، وَهُوَ جَائِزٌ مَأْمُورٌ بِهِ مَعَ كَوْنِهِ بِدْعَةً وَلَقَدْ حَضَرْت يَوْمًا عِنْدَ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَكَانَ مِنْ أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ وَأُولِي الْجِدِّ فِي الدِّينِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً وَعَامَّةً وَالثَّبَاتِ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ بِالْمُلُوكِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ فَقَدِمَتْ إلَيْهِ فُتْيَا فِيهَا: مَا تَقُولُ أَئِمَّةُ الدِّينِ - وَفَّقَهُمْ اللَّهُ - فِي الْقِيَامِ الَّذِي أَحْدَثَهُ أَهْلُ زَمَانِنَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي السَّلَفِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا يَجُوزُ وَيَحْرُمُ فَكَتَبَ إلَيْهِ فِي الْفُتْيَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَقَاطَعُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا» وَتَرْكُ الْقِيَامِ فِي هَذَا الْوَقْتِ يُفْضِي لِلْمُقَاطَعَةِ وَالْمُدَابَرَةِ فَلَوْ قِيلَ: بِوُجُوبِهِ مَا كَانَ بَعِيدًا هَذَا نَصُّ مَا كُتِبَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، وَلَا نُقْصَانٍ فَقَرَأْتهَا بَعْدَ كِتَابَتِهَا فَوَجَدْتهَا هَكَذَا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقَضِيَّةٌ عَلَى قَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْفُجُورِ أَيْ يُحْدِثُوا أَسْبَابًا يَقْتَضِي الشَّرْعُ فِيهَا أُمُورًا لَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَجْلِ عَدَمِ سَبَبِهَا قَبْلَ ذَلِكَ لَا؛ لِأَنَّهَا شَرْعٌ مُتَجَدِّدٌ كَذَلِكَ هَا هُنَا فَعَلَى هَذَا الْقَانُونِ يَجْرِي هَذَا الْقِسْمُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُبِيحَ مُحَرَّمًا، وَلَا يَتْرُكَ وَاجِبًا فَلَوْ كَانَ الْمَلِكُ لَا يَرْضَى مِنْهُ إلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَعَاصِي لَمْ يَحِلَّ لَنَا أَنْ نُوَادَّهُ بِذَلِكَ. وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ النَّاسِ، وَلَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، وَإِنَّمَا هَذِهِ الْأَسْبَابُ الْمُتَجَدِّدَةُ كَانَتْ مَكْرُوهَةً مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ فَلَمَّا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQتَأْتِ لَائِمَةٌ مِنْ اللَّهِ لِمُذْنِبٍ، وَلَا مَحْمَدَةٌ لِمُحْسِنٍ وَلَمْ يَكُنْ الْمُحْسِنُ أَوْلَى بِالْمَدْحِ مِنْ الْمُسِيءِ، وَلَا الْمُسِيءُ أَوْلَى بِالذَّمِّ مِنْ الْمُحْسِنِ تِلْكَ مَقَالَةُ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَجُنُودِ الشَّيْطَانِ وَشُهُودِ الزُّورِ وَأَهْلِ الْعَمَى عَنْ الصَّوَابِ وَهُمْ قَدَرِيَّةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَمَجُوسُهَا إنَّ اللَّهَ أَمَرَ تَخْيِيرًا وَنَهَى تَحْذِيرًا وَكَلَّفَ يَسِيرًا لَمْ يُعْصَ مَغْلُوبًا وَلَمْ يُطَعْ مُكْرِهًا. وَلَمْ يُرْسِلْ الرُّسُلَ إلَى خَلْقِهِ عَبَثًا، وَلَمْ يَخْلُقْ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص: 27] فَقَالَ الشَّيْخُ: وَمَا الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ اللَّذَانِ مَا سِرْنَا إلَّا بِهِمَا قَالَ هُوَ الْأَمْرُ مِنْ اللَّهِ وَالْحُكْمُ ثُمَّ تَلَا قَوْله تَعَالَى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] اهـ أَفَادَهُ الْعَطَّارُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ قُلْت: وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ أَنَّ مَا لِلْأَصْلِ مِنْ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ غَيْرُ الرِّضَا بِالْمَقْضِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ لِلْمَقْضِيِّ، وَأَنَّ اعْتِقَادَ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ هُوَ الرِّضَا بِالْمَقْضِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ الْجِهَةِ الْأُولَى لِلْمَقْضِيِّ نَعَمْ لَا يَظْهَرُ قَوْلُهُمْ: إنَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْأَوْلِيَاءِ إلَخْ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ وَلَا تَنْظُرْ لِمَنْ قَالَ، بَلْ لِمَا قَالَ كَمَا هُوَ دَأْبُ الرِّجَالِ مِنْ ذَوِي الْكَمَالِ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُكَفِّرَاتِ وَقَاعِدَةِ أَسْبَابِ الْمَثُوبَاتِ] (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُكَفِّرَاتِ وَقَاعِدَةِ الْمَثُوبَاتِ) وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى طَرِيقَةِ الْأَصْلِ، وَهِيَ أَنَّ لِلْمَثُوبَاتِ شَرْطَيْنِ: (الْأَوَّلُ) أَنْ تَكُونَ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ وَمَقْدُورِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: - {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] فَحَصَرَ مَالَهُ فِيمَا هُوَ مِنْ سَعْيِهِ وَكَسْبِهِ وقَوْله تَعَالَى: - {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور: 16] فَحَصَرَ الْجَزَاءَ فِيمَا هُوَ مَعْمُولٌ لَنَا وَمَقْدُورٌ (وَالشَّرْطُ الثَّانِي) : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُكْتَسَبُ مَأْمُورًا بِهِ فَلَا ثَوَابَ فِيمَا لَا أَمْرَ فِيهِ كَالْأَفْعَالِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَكَأَفْعَالِ الْحَيَوَانَاتِ الْعَجْمَاوَاتِ فَإِنَّهَا لِعَدَمِ الْأَمْرِ بِهَا لَا ثَوَابَ لَهَا فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُكْتَسَبَةً مُرَادُهُ لَهَا وَاقِعَةٌ بِاخْتِيَارِهَا، وَكَالْمَوْتَى يَسْمَعُونَ فِي قُبُورِهِمْ الْمَوَاعِظَ وَالْقُرْآنَ وَالذِّكْرَ وَالتَّسْبِيحَ وَالتَّهْلِيلَ؛ إذْ لَا ثَوَابَ لَهُمْ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ غَيْرُ مَأْمُورِينَ، وَلَا مَنْهِيِّينَ، وَأَنَّ الْمُكَفِّرَاتِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَلْ هِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ؛ لِأَنَّهَا إمَّا مِنْ بَابِ الْحَسَنَاتِ فَتَكُونُ مُكْتَسَبَةً مَقْدُورَةً قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: - {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] ، وَإِمَّا مِنْ بَابِ التَّوْبَةِ وَالْعُقُوبَاتِ فَتُكَفِّرُ السَّيِّئَاتِ وَتَمْحُو آثَارَهَا، وَإِمَّا مِنْ بَابِ الْمَصَائِبِ الْمُؤْلِمَاتِ فَتُكَفِّرُ الذُّنُوبَ جَزْمًا سَوَاءٌ اقْتَرَنَ بِهَا السَّخَطُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ لَا التَّأَلُّمِ مِنْ الْمَقْضِيَّاتِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ أَوْ اقْتَرَنَ بِهَا الصَّبْرُ وَالرِّضَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سَبَبًا فِي رَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَحُصُولِ الْمَثُوبَاتِ ضَرُورَةَ أَنَّهَا غَيْرُ مُكْتَسَبَةٍ وَقَالَ - تَعَالَى - {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُصِيبُ

تَجَدَّدَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ صَارَ تَرْكُهَا يُوجِبُ الْمُقَاطَعَةَ الْمُحَرَّمَةَ وَإِذَا تَعَارَضَ الْمَكْرُوهُ وَالْمُحَرَّمُ قُدِّمَ الْمُحَرَّمُ وَالْتُزِمَ دَفْعُهُ وَحَسْمُ مَادَّتِهِ، وَإِنْ وَقَعَ الْمُكْرَهُ هَذَا هُوَ قَاعِدَةُ الشَّرْعِ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَهَذَا التَّعَارُضُ مَا وَقَعَ إلَّا فِي زَمَانِنَا فَاخْتَصَّ الْحُكْمُ بِهِ وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ إمَّا مُحَرَّمٌ فَلَا تَجُوزُ الْمُوَادَّةُ بِهِ أَوْ مَكْرُوهٌ فَلَمْ يَحْصُلْ فِيهِ تَعَارُضٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَرَّمٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ نَهْيَ تَنْزِيهٍ قُلْت: فَيَنْقَسِمُ الْقِيَامُ إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ مُحَرَّمٌ إنْ فُعِلَ تَعْظِيمًا لِمَنْ يُحِبُّهُ تَجَبُّرًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَمَكْرُوهٌ إذَا فُعِلَ تَعْظِيمًا لِمَنْ لَا يُحِبُّهُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ فِعْلَ الْجَبَابِرَةِ وَيُوقِعُ فَسَادَ قَلْبِ الَّذِي يُقَامُ لَهُ، وَمُبَاحٌ إذَا فُعِلَ إجْلَالًا لِمَنْ لَا يُرِيدُهُ، وَمَنْدُوبٌ لِلْقَادِمِ مِنْ السَّفَرِ فَرَحًا بِقُدُومِهِ لِيُسَلِّمَ عَلَيْهِ أَوْ يَشْكُرَ إحْسَانَهُ أَوْ الْقَادِمِ الْمُصَابِ لِيُعَزِّيَهُ بِمُصِيبَتِهِ؛ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ النَّاسُ أَوْ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وَبَيَّنَ قِيَامَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ لَمَّا قَدِمَ مِنْ الْيَمَنِ فَرَحًا بِقُدُومِهِ، وَقِيَامِ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ لِيُهَنِّئَهُ بِتَوْبَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَيْهِ بِحُضُورِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَيْهِ ذَلِكَ فَكَانَ كَعْبٌ يَقُولُ: لَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ «وَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَكْرَهُ أَنْ يُقَامَ لَهُ» فَكَانُوا إذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لَهُ إجْلَالًا لِكَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ وَإِذَا قَامَ إلَى بَيْتِهِ لَمْ يَزَالُوا قِيَامًا حَتَّى يَدْخُلَ بَيْتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ تَعْظِيمِهِ قَبْلَ عِلْمِهِمْ بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْأَنْصَارِ «قُومُوا لِسَيِّدِكُمْ» قِيلَ تَعْظِيمًا لَهُ، وَهُوَ لَا يُحِبُّ ذَلِكَ. وَقِيلَ: لِيُعِينُوهُ عَلَى النُّزُولِ عَنْ الدَّابَّةِ قُلْت: وَالنَّهْيُ الْوَارِدُ عَنْ مَحَبَّةِ الْقِيَامِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَنْ يُرِيدُ ذَلِكَ تَجَبُّرًا أَمَّا مَنْ أَرَادَهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَالنَّقِيصَةِ بِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْهَى عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَحَبَّةَ دَفْعِ الْأَسْبَابِ الْمُؤْلِمَةِ مَأْذُونٌ فِيهَا بِخِلَافِ التَّكَبُّرِ، وَمَنْ أَحَبَّ ذَلِكَ تَجَبُّرًا أَيْضًا لَا يُنْهَى عَنْ الْمَحَبَّةِ وَالْمَيْلِ لِذَلِكَ الطَّبِيعِيِّ بَلْ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ أَذِيَّةِ النَّاسِ إذَا لَمْ يَقُومُوا وَمُؤَاخَذَتِهِمْ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْأُمُورَ الْجِبِلِّيَّةَ لَا يُنْهَى عَنْهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَشْرُوعِ مِنْ الْمُوَادَّةِ وَغَيْرِ الْمَشْرُوعِ وَهَا هُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الْمُصَافَحَةُ، وَفِي الْحَدِيثِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا تَلَاقَى الرَّجُلَانِ فَتَصَافَحَا تَحَاتَّتْ ذُنُوبُهُمَا، وَكَانَ أَقْرَبُهُمَا إلَى اللَّهِ أَكْثَرَهُمَا بِشْرًا» فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْمُصَافَحَةِ عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الزَّمَانِ مِنْ الْمُصَافَحَةِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ بِدْعَةٌ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ، وَكَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَنْهَى عَنْهُ وَيُنْكِرُهُ عَلَى فَاعِلِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ، وَلَا نَصَبٍ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا ذُنُوبَهُ» خِلَافًا لِمَا يَعْتَقِدُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مِنْ أَنَّهَا تَكُونُ سَبَبًا فِي ذَلِكَ وَمَا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مِنْ تَرْتِيبِهِ الْمَثُوبَاتِ عَلَى الْمَصَائِبِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا صَبَرَ لَيْسَ إلَّا فَإِنَّهُ إنْ صَبَرَ اجْتَمَعَ لَهُ التَّكْفِيرُ وَالْأَجْرُ. وَإِنْ تَسَخَّطَ فَقَدْ يَعُودُ الَّذِي تَكَفَّرَ بِالْمُصِيبَةِ بِمَا جَنَاهُ مِنْ السَّخَطِ أَوْ أَقَلُّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ فَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «لَا يَمُوتُ لِأَحَدِكُمْ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ إلَّا كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ قَالَتْ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاثْنَانِ قَالَ وَاثْنَانِ وَخِلْته لَوْ قُلْت لَهُ: وَوَاحِدٌ لَقَالَ: وَوَاحِدٌ» مَعْنَاهُ أَنَّ مُصِيبَةَ فَقْدِ الْوَلَدِ تُكَفِّرُ ذُنُوبًا كَانَ شَأْنَهَا أَنْ يَدْخُلَ بِهَا النَّارَ فَلَمَّا كَفَّرَتْ تِلْكَ الذُّنُوبَ بَطَلَ دُخُولُ النَّارِ بِسَبَبِهَا فَصَارَتْ الْمُصِيبَةُ كَالْحِجَابِ الْمَانِعِ مِنْ دُخُولِ النَّارِ مِنْ جِهَةِ مَجَازِ التَّشْبِيهِ ثُمَّ إنَّ تَكْفِيرَ مَوْتِ الْأَوْلَادِ وَنَحْوِهِمْ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ الْآلَامِ الدَّاخِلَةِ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ فَقْدِ الْمَحْبُوبِ فَإِنْ كَثُرَ كَثُرَ التَّكْفِيرُ، وَإِنْ قَلَّ قَلَّ التَّكْفِيرُ فَلَا جَرَمَ يَكُونُ التَّكْفِيرُ عَلَى قَدْرِ نَفَاسَةِ الْوَلَدِ فِي صِفَاتِهِ أَوْ نَفَاسَتِهِ فِي بِرِّهِ وَأَحْوَالِهِ، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مَكْرُوهًا يُسَرُّ بِفَقْدِهِ فَلَا كَفَّارَةَ بِفَقْدِهِ أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - التَّكْفِيرَ بِمَوْتِ الْأَوْلَادِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ أَنَّهُ يُؤْلِمُ، قَالَ: فَظَهَرَ بِهَذِهِ التَّقَارِيرِ وَالْمَبَاحِثِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُكَفِّرَاتِ وَأَسْبَابِ الْمَثُوبَاتِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ لِمُصَابٍ بِمَرَضٍ أَوْ فَقْدِ مَحْبُوبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: جَعَلَ اللَّهُ لَك هَذِهِ الْمُصِيبَةَ كَفَّارَةً؛ لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ قَطْعًا، وَالدُّعَاءُ بِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ قِلَّةُ أَدَبٍ مَعَ اللَّهِ - تَعَالَى، وَقَدْ بَسَطْت هَذَا فِي كِتَابِ الْمُنْجِيَاتِ وَالْمُوبِقَاتِ فِي الْأَدْعِيَةِ بَلْ يُقَالُ: اللَّهُمَّ عَظِّمْ لَهُ الْكَفَّارَةَ؛ لِأَنَّ تَعْظِيمَهَا لَمْ يُعْلَمْ ثُبُوتُهُ بِخِلَافِ أَصْلِ التَّكْفِيرِ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ لَنَا بِالنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَا يَجُوزُ طَلَبُهُ فَاعْلَمْ ذَلِكَ فِيهِ، وَفِي نَظَائِرِهِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا قَالَهُ الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الطَّرِيقَةِ. وَاخْتَارَ ابْنُ الشَّاطِّ وَالْجُمْهُورُ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ الطَّرِيقَةَ الثَّانِيَةَ، وَهِيَ أَنَّ رَفْعَ الدَّرَجَاتِ وَحُصُولَ الْمَثُوبَاتِ لَا يُشْتَرَطُ فِي أَسْبَابِهَا كَوْنُهَا مُكْتَسَبَةً، وَلَا مَأْمُورًا بِهَا، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُكَفِّرَاتِ بَلْ هِيَ نَوْعٌ مِنْهَا، وَأَنَّ تِلْكَ الْأَسْبَابَ نَوْعَانِ مَا يَكُونُ سَبَبُهُ غَيْرَ مُكْتَسَبٍ، وَلَا مَقْدُورٍ، وَمِنْ ذَلِكَ الْآلَامُ وَجَمِيعُ الْمَصَائِبِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ دَلَائِلُ. وَظَوَاهِرُ الشَّرْعِ مُتَظَاهِرَةٌ يُعَضِّدُهَا قَاعِدَةُ رُجْحَانِ جَانِبِ الْحَسَنَاتِ الْمَقْطُوعِ بِهَا اهـ وَقَدْ نَقَلَ الْعَلَّامَةُ الْجَمَلُ عَلَى الْجَلَالَيْنِ عَنْ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ كَالْكَرْخِيِّ أَنَّ مِنْ تِلْكَ الظَّوَاهِرِ أَنَّ أَوْلَادَ الْمُؤْمِنِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِعَمَلِ آبَائِهِمْ كَمَا فِي آيَةِ {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} [الطور: 21]

وَيَقُولُ: إنَّمَا شُرِعَتْ الْمُصَافَحَةُ عِنْدَ اللِّقَاءِ أَمَّا مَنْ هُوَ جَالِسٌ مَعَ الْإِنْسَانِ فَلَا يُصَافِحُهُ وَرَأَيْت بَعْضَ الْفُقَهَاءِ يَقُولُ: رُوِيَ فِي مُصَافَحَةِ مَنْ هُوَ جَالِسٌ مَعَك فِي حَدِيثٍ. وَلَا أَعْلَمُ صِحَّةَ قَوْلِهِ، وَلَا صِحَّةَ الْحَدِيثِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْمُصَافَحَةُ مُسْتَحَبَّةٌ، وَعَنْ مَالِكٍ كَرَاهَتُهَا، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ حُجَّةُ الْكَرَاهَةِ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ الْمَلَائِكَةِ لَمَّا دَخَلُوا عَلَى إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ} [الذاريات: 25] قَالَ مَالِكٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَافَحَةَ وَلِأَنَّ السَّلَامَ يُنْتَهَى فِيهِ لِلْبَرَكَاتِ، وَلَا يُزَادُ فِيهِ قَوْلٌ، وَلَا فِعْلٌ حُجَّةُ الْمَشْهُورِ مَا فِي الْمُوَطَّإِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تَصَافَحُوا يَذْهَبْ الْغِلُّ وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا وَتَذْهَبْ الشَّحْنَاءُ» (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) : الْمُعَانَقَةُ كَرِهَهَا مَالِكٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُرْوَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مَعَ جَعْفَرٍ وَلَمْ يَصْحَبْهَا الْعَمَلُ مِنْ الصَّحَابَةِ بَعْدَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِهِ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ: وَلِأَنَّ النُّفُوسَ تَنْفِرُ عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا لِوَدَاعٍ مِنْ فَرْطِ أَلَمِ الشَّوْقِ أَوْ مَعَ الْأَهْلِ وَدَخَلَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَلَى مَالِكٍ فَصَافَحَهُ مَالِكٌ، وَقَالَ لَهُ: لَوْلَا أَنَّ الْمُعَانَقَةَ بِدْعَةٌ لَعَانَقْتُك فَقَالَ سُفْيَانُ: عَانَقَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي وَمِنْك، النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَانَقَ جَعْفَرًا حِينَ قَدِمَ مِنْ الْحَبَشَةِ قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ خَاصٌّ بِجَعْفَرٍ، قَالَ سُفْيَانُ: بَلْ عَامٌّ مَا يَخُصُّ جَعْفَرًا يَخُصُّنَا، وَمَا يَعُمُّ جَعْفَرًا يَعُمُّنَا إذَا كُنَّا صَالِحِينَ أَفَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُحَدِّثَ فِي مَجْلِسِك، قَالَ: نَعَمْ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ اعْتَنَقَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبَّلَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ. وَقَالَ جَعْفَرٌ أَشْبَهُ النَّاسِ بِنَا خَلْقًا وَخُلُقًا يَا جَعْفَرُ مَا أَعْجَبُ مَا رَأَيْت بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْت، وَأَنَا أَمْشِي فِي بَعْضِ أَزِقَّتِهَا إذَا سَوْدَاءُ عَلَى رَأْسِهَا مِكْتَلٌ فِيهِ بُرٌّ فَصَدَمَهَا رَجُلٌ عَلَى دَابَّتِهِ فَوَقَعَ مِكْتَلُهَا وَانْتَشَرَ بُرُّهَا فَأَقْبَلَتْ تَجْمَعُهُ مِنْ التُّرَابِ، وَهِيَ تَقُولُ: وَيْلٌ لِلظَّالِمِ مِنْ دَيَّانِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيْلٌ لِلظَّالِمِ مِنْ الْمَظْلُومِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيْلٌ لِلظَّالِمِ إذَا وُضِعَ الْكُرْسِيُّ لِلْفَصْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لَا تَأْخُذُ لِضَعِيفِهَا مِنْ قَوِيِّهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتِعٍ» ثُمَّ قَالَ سُفْيَانُ قَدْ قَدِمْت لِأُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُبَشِّرَك بِرُؤْيَا رَأَيْتهَا فَقَالَ مَالِكٌ: رَأَتْ عَيْنَاك خَيْرًا - إنْ شَاءَ اللَّهُ - فَقَالَ سُفْيَانُ: رَأَيْت كَأَنَّ قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْشَقَّ فَأَقْبَلَ النَّاسُ يُهْرَعُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَرُدُّ بِأَحْسَنَ رَدٍّ قَالَ سُفْيَانُ فَإِنَّنِي بِك - وَاَللَّهِ أَعْرِفُك فِي مَنَامِي كَمَا أَعْرِفُك فِي يَقَظَتِي ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَخْ، وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ الْغُلَامَيْنِ الْيَتِيمَيْنِ {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف: 82] فَانْتَفَعَا بِصَلَاحِ أَبِيهِمَا، وَلَيْسَ مِنْ سَعْيِهِمَا وَمِنْهَا أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33] وَقَالَ - تَعَالَى - {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} [الفتح: 25] وَقَالَ - تَعَالَى - {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} [البقرة: 251] فَقَدْ رَفَعَ - تَعَالَى - الْعَذَابَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ بِسَبَبِ بَعْضٍ وَذَلِكَ انْتِفَاعٌ بِعَمَلِ الْغَيْرِ، وَمِنْهَا أَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْتَفِعُ بِدُعَاءِ غَيْرِهِ، وَهُوَ انْتِفَاعٌ بِعَمَلِ الْغَيْرِ، وَمِنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَشْفَعُ لِأَهْلِ الْمَوْقِفِ فِي الْحِسَابِ ثُمَّ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ فِي دُخُولِهَا ثُمَّ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ فِي الْخُرُوجِ مِنْ النَّارِ» وَهَذَا انْتِفَاعٌ بِسَعْيِ الْغَيْرِ، وَمِنْهَا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَدْعُونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ. وَذَلِكَ مَنْفَعَةٌ بِعَمَلِ الْغَيْرِ. وَمِنْهَا أَنَّ اللَّهَ يُخْرِجُ مِنْ النَّارِ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ بِمَحْضِ رَحْمَتِهِ، وَهَذَا انْتِفَاعٌ بِغَيْرِ عَمَلِهِمْ. وَمِنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ امْتَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَدِينِ حَتَّى قَضَى دَيْنَهُ أَبُو قَتَادَةَ وَقَضَى دَيْنَ الْآخَرِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَانْتَفَعَ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مِنْ عَمَلِ الْغَيْرِ، وَمِنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ» فَقَدْ حَصَلَ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ بِفِعْلِ الْغَيْرِ قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَمَنْ تَأَمَّلَ الْعِلْمَ وَجَدَ مِنْ انْتِفَاعِ الْإِنْسَانِ بِمَا لَمْ يَعْمَلْهُ مَا لَا يَكَادُ يُحْصَى فَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْتَفِعُ إلَّا بِعَمَلِهِ فَقَدْ خَرَقَ الْإِجْمَاعَ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ وَغَيْرِهَا اهـ وَمِثْلُهُ لِلْكَرْخِيِّ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] وقَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور: 16] وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْآيِ وَالْأَخْبَارِ وَالْخُصُوصِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ سَبَبًا لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَزِيَادَةِ النَّعِيمِ فَلَا يُسَمَّى ثَوَابًا، وَلَا أَجْرًا وَلَا جَزَاءً فَإِنَّهَا أَلْفَاظٌ مُشْعِرَةٌ بِالْإِعْطَاءِ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ فَالْأَمْرُ فِيمَا يَقُولُهُ قَرِيبٌ؛ إذْ لَا مُشَاحَّةَ فِي الْأَلْفَاظِ، وَكَيْفَ يَصِحُّ حَمْلُهُ أَيْ الشِّهَابِ الْقَرَافِيِّ الْآيَتَيْنِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا عَلَى الْعُمُومِ مَعَ الْإِجْمَاعِ الْمَعْلُومِ الْمُنْعَقِدِ عَلَى صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِي الْأَعْمَالِ الْمَالِيَّةِ كُلِّهَا مَعَ الْخِلَافِ فِي الْبَدَنِيَّةِ كُلِّهَا، أَوْ مَا عَدَا الصَّلَاةَ مِنْهَا. اهـ. فَفِي حَاشِيَةِ الْبُنَانِيِّ عَلَى عَبْدِ الْبَاقِي عَلَى مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ نَقَلَ الْحَطَّابُ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَمَا تَطَوَّعَ وَلِيُّهُ عَنْهُ مَا لِلْعُلَمَاءِ مِنْ الْخِلَافِ فِي جَوَازِ إهْدَاءِ ثَوَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْقُرَبِ قَالَ: وَجُلُّهُمْ أَجَابَ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ أَثَرٌ، وَلَا شَيْءٌ عَمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ مِنْ السَّلَفِ اُنْظُرْهُ. وَقَدْ اعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ ابْنُ زِكْرِيٍّ بِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَغَيْرِهَا «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْك فَكَمْ أَجْعَلُ لَك مِنْ صَلَاتِي قَالَ مَا شِئْت قُلْت: الرُّبْعَ قَالَ مَا شِئْت، وَإِنْ زِدْت فَهُوَ خَيْرٌ لَك

فَسَلَّمْتَ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْك السَّلَامَ ثُمَّ رَمَى فِي حِجْرِك بِخَاتَمٍ نَزَعَهُ مِنْ أُصْبُعِهِ فَاتَّقِ اللَّهَ فِيمَا أَعْطَاك رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَكَى مَالِكٌ بُكَاءً شَدِيدًا قَالَ سُفْيَانُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ قَالُوا لَهُ أَخَارِجٌ السَّاعَةَ قَالَ نَعَمْ فَوَدَّعَهُ مَالِكٌ وَخَرَجَ فَيُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ النُّقُولِ أَنَّ الْمُعَانَقَةَ وَرَدَتْ بِهَا السُّنَّةُ وَأَنَّ سُفْيَانَ كَانَ يَعْتَقِدُ عُمُومَ مَشْرُوعِيَّتِهَا، وَأَنَّ مَالِكًا كَانَ يَكْرَهُهَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) تَقْبِيلُ الْيَدِ قَالَ مَالِكٌ: إذَا قَدِمَ الرَّجُلُ مِنْ سَفَرِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تُقَبِّلَهُ ابْنَتُهُ وَأُخْتُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَبِّلَ خَدَّ ابْنَتِهِ وَكُرِهَ أَنْ تُقَبِّلَهُ خَتَنَتُهُ وَمُعْتَقَتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَجَالَّةً، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَبِّلَ رَأْسَ أَبِيهِ، وَلَا يُقَبِّلُ خَدَّ أَبِيهِ أَوْ عَمَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ الْمَاضِينَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ «سَأَلَتْ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التِّسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ لَهُمْ لَا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إلَى السُّلْطَانِ لِيَقْتُلَهُ، وَلَا تَسْحَرُوا، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً وَلَا تُوَلُّوا الْفِرَارَ يَوْمَ الزَّحْفِ وَعَلَيْكُمْ خَاصَّةَ الْيَهُودُ أَنْ لَا تَعْدُوَا فِي السَّبْتِ فَقَامُوا فَقَبَّلُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّك نَبِيٌّ قَالَ فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَتْبَعُونِي قَالُوا: إنَّ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَعَا رَبَّهُ أَنْ لَا يَزَالَ فِي ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ، وَإِنَّا نَخَافُ إنْ اتَّبَعْنَاك أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَتَقْبِيلُ الْيَهُودِ لِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يُنْكِرْهُ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ قَبَّلَ سَالِمًا وَقَالَ شَيْخٌ يُقَبِّلُ شَيْخًا إنَّ هَذَا جَائِزٌ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ «وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْمَدِينَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِهِ فَأَتَاهُ فَقَرَعَ الْبَابَ فَقَامَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُرْيَانًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ قَالَتْ عَائِشَةُ وَاَللَّهِ مَا رَأَيْته عُرْيَانًا قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ «وَقَبَّلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَعْفَرًا حِينَ قَدِمَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ» . قَالَ وَأَمَّا الْقُبْلَةُ فِي الْفَمِ مِنْ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ فَلَا رُخْصَةَ فِيهَا بِوَجْهٍ قُلْت: بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَاشَوْنَ تَقْبِيلَ أَوْلَادِهِمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَيُقَبِّلُونَهُمْ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَرُءُوسِهِمْ مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - حَرَّمَ الِاسْتِمْتَاعَ بِالْمَحَارِمِ، وَالِاسْتِمْتَاعُ هُوَ أَنْ يَجِدَ لَذَّةً بِالْقُبْلَةِ فَمَنْ كَانَ يَجِدُ لَذَّةً بِهَا امْتَنَعَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ وَمَنْ كَانَ يَسْتَوِي عِنْدَهُ الْخَدُّ وَالْفَمُ وَالرَّأْسُ وَالْعُنُقُ وَجَمِيعُ الْجَسَدِ عِنْدَهُ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْجَبْرِ وَالْحَنَانِ فَهَذَا هُوَ الْمُبَاحُ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا قُلْت: وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ وَلَقَدْ رَأَيْت ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQقُلْت النِّصْفَ قَالَ مَا شِئْت، وَإِنْ زِدْت فَهُوَ خَيْرٌ لَك قَالَ: أَجْعَلُ صَلَاتِي كُلَّهَا لَك قَالَ قَالَ إذًا تُكْفَى هَمَّك وَيُغْفَرُ ذَنْبُك» اهـ بِلَفْظِهِ، وَفِي حَاشِيَةِ كَنُونٍ أَنَّ الشَّيْخَ الطَّيِّبَ بْنَ كَيْرَانِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَهُ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ قَوْلُهُ: أُكْثِرُ الصَّلَاةَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَك مِنْ صَلَاتِي مَعْنَاهُ أُكْثِرُ الدُّعَاءَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَك مِنْ دُعَائِي صَلَاةً عَلَيْك اهـ قَالَ: وَفِيهِ أَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ، وَلَوْ أُرِيدَ لَقِيلَ: فَكَمْ أَصْرِفُ لَك مِنْ وَقْتِ دُعَائِي مَثَلًا، وَيُؤَيِّدُ إرَادَةَ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ مَا فِي الْمَعْهُودِ لِلشُّهُودِ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْحَدِيثَ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، وَتَفْسِيرُ الْمُنْذِرِيِّ الْمُتَقَدِّمُ ذُكِرَ عَنْ أَبِي الْمَوَاهِبِ الشَّاذِلِيِّ أَنَّهُ قَالَ فَذَكَرَ رُؤْيَاهُ الْمُتَقَدِّمَةَ، وَقَالَ عَقِبَهَا: انْتَهَى، وَهُوَ حَسَنٌ. وَهَذَا مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصُّوفِيَّةِ قَالَ أَبُو الْمَوَاهِبِ التُّونُسِيُّ قَالَ لِي الْمُصْطَفَى فِي مَبْشَرَةٍ: أَنْتَ تَشْفَعُ فِي مِائَةِ أَلْفٍ قُلْت: بِمَ نِلْت هَذَا قَالَ بِإِعْطَائِك لِي ثَوَابَ صَلَاتِك عَلَيَّ وَحَجَّ ابْنُ الْمُوَفَّقِ حِجَجًا فَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِلْمُصْطَفَى فَرَآهُ يَقُولُ لَهُ: هَذِهِ يَدٌ لَك عِنْدِي أُكَافِئُك بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ آخُذُ بِيَدِك فَأُدْخِلُك الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ سُوءَ الْأَدَبِ كَمَا زَعَمُوا. وَمِنْهُمْ سَيِّدِي زَرُّوقٌ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِهْدَاءِ لِلْعُظَمَاءِ إجْلَالُهُمْ وَإِعْظَامُهُمْ لَا أَنَّهُمْ مُحْتَاجُونَ لِمَا يُهْدَى لَهُمْ، وَالْهَدِيَّةُ عَلَى قَدْرِ مُهْدِيهَا لَا الْمُهْدَى إلَيْهِ، وَالْأَعْمَالُ أَنْفَسُ مَا عِنْدَ الْمُهْدِي، وَهِيَ جَهْدُ مُقِلٍّ فَلَا مَحْذُورَ فِي إهْدَائِهَا مَعَ رُؤْيَةِ قُصُورِهَا وَعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا نَعَمْ إنْ اسْتَعْظَمَ مَا أَهْدَى فَسُوءُ أَدَبٍ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ سَيِّدِي زَرُّوقٍ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ وَأَصْلُهُ لِجَسُّوسٍ وَزَادَ بَلْ مِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ أَعْمَالَهُ هَدِيَّةً لِلْأَوْلِيَاءِ أَوْ يَجْعَلُ وِرْدًا لِجَمِيعِهِمْ أَوْ لِلْجِهَةِ الَّتِي يَعْتَقِدُهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ مَآبٌ حَسَنُ النِّيَّةِ وَالتَّقَرُّبِ لِجَانِبِهِ الْكَرِيمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ زَرُّوقٍ فِي عُدَّةِ الْمُرِيدِ بَعْدَ نَقْلِ مَذْهَبِ الصُّوفِيَّةِ الْمُتَقَدِّمِ لَيْسَ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ إلَّا بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ، وَإِكْرَامِ قَرَابَتِهِ وَكَثْرَةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ أَعْمَالِنَا وَإِنِّي لَأَرَى ذَلِكَ إسَاءَةَ أَدَبٍ مَعَهُ لِمُقَابَلَتِهِ بِمَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ مَقْبُولًا فَكَيْفَ الِاعْتِدَادُ بِثَوَابِهِ اهـ فَلَيْسَ بِقَوِيٍّ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْجَوَازِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِهْدَاءِ لِلْعُظَمَاءِ إجْلَالُهُمْ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ سَيِّدِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِكْرِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِهِ لِصَلَاةِ الْقُطْبِ مَوْلَانَا عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ مُشَيْشٍ نَفَعَنَا اللَّهُ بِبَرَكَتِهِ آمِينَ. اهـ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ زِكْرِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: صَلَاةٌ تَلِيقُ بِك مِنْك إلَيْهِ كَمَا هُوَ أَهْلُهُ إلَّا أَنَّ عِبَارَتَهُ كَلَامُ الْعُهُودِ أَقْوَى وَأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ

بَعْضَ النَّاسِ يَجِدُ اللَّذَّةَ مِنْ تَقْبِيلِ وَلَدِهِ فِي خَدِّهِ أَوْ فَمِهِ كَمَا يَجِدُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ بِتَقْبِيلِ امْرَأَتِهِ وَيَعْتَقِدُ ذَلِكَ بِرًّا بِوَلَدِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ لِقَضَاءِ أَرَبِهِ وَلَذَّتِهِ وَيَنْشَرِحُ لِذَلِكَ وَيَفْرَحُ قَلْبُهُ وَيَجِدُ مِنْ اللَّذَّةِ أَمْرًا كَبِيرًا وَمِنْ الْمُنْكَرَاتِ أَنْ يَعْمِدَ الْإِنْسَانُ لِأُخْتِهِ الْجَمِيلَةِ أَوْ ابْنَتِهِ الْجَمِيلَةِ الَّتِي يَتَمَنَّى أَنْ تَكُونَ لَهُ زَوْجَةٌ مِثْلُهَا فِي مِثْلِ خَدِّهَا وَثَغْرِهَا فَيُقَبِّلَ خَدَّهَا أَوْ ثَغْرَهَا، وَهُوَ يُعْجِبُهُ ذَلِكَ، وَيَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْهِ قُبْلَةَ الْأَجَانِبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الِاجْتِمَاعُ بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ أَشَدُّ تَحْرِيمًا كَالزِّنَا بِهِنَّ أَقْبَحُ مِنْ الزِّنَا بِالْأَجْنَبِيَّاتِ، وَمَا مِنْ أَحَدٍ لَهُ طَبْعٌ سَلِيمٌ، وَيَرَى جَمَالًا فَائِقًا لَا يَمِيلُ إلَيْهِ طَبْعُهُ، وَقَدْ يَزَعُهُ عَقْلُهُ وَشَرْعُهُ رَأَيْت النَّاسَ عِنْدَهُمْ مُسَامَحَةٌ كَثِيرَةٌ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّهُ يُقَبِّلُ خَدَّ ابْنَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ هَذَا، وَغَيْرُهُ عِنْدَهُ سَوَاءٌ، أَمَّا مَتَى حَصَلَ الْفَرْقُ فِي النَّفْسِ صَارَ اسْتِمْتَاعًا حَرَامًا وَالْإِنْسَانُ يُطَالِعُ قَلْبَهُ وَيُحَكِّمُهُ فِي ذَلِكَ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) : اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ قِيلَ: إنَّ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ، وَقِيلَ: لِلتَّخْيِيرِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يَرُدَّ أَحْسَنَ أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى لَفْظِ الْمُبْتَدِئِ إنْ كَانَ قَدْ وَقَفَ دُونَ الْبَرَكَاتِ، وَإِلَّا لَبَطَلَ التَّخْيِيرُ لِتَعَيُّنِ الْمُسَاوَاةِ، وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ الِانْتِهَاءِ إلَى لَفْظِ الْبَرَكَاتِ مُطْلَقًا، وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ تَنْوِيعُ الرَّدِّ إلَى الْمِثْلِ إنْ كَانَ الْمُبْتَدِئُ انْتَهَى لِلْبَرَكَاتِ، وَإِلَى الْأَحْسَنِ إنْ كَانَ الْمُبْتَدِئُ اقْتَصَرَ دُونَ الْبَرَكَاتِ، فَهَذَا مَعْنَى التَّخْيِيرِ وَالتَّنْوِيعِ، وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا هَلْ الِانْتِهَاءُ إلَى الْبَرَكَاتِ مَأْمُورٌ بِهِ مُطْلَقًا، أَوْ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ إذَا انْتَهَى الْمُبْتَدِئُ إلَى الْبَرَكَاتِ فَقَطْ (الْفَرْقُ السَّبْعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ النَّهْيُ عَنْهُ مِنْ الْمَفَاسِدِ، وَمَا يَحْرُمُ وَمَا يُنْدَبُ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَتَأْمُرُنَّ وَلَتَنْهَوُنَّ أَوْ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ فَلِلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: (الشَّرْطُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَعْلَمَ مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ فَالْجَاهِلُ بِالْحُكْمِ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّهْيُ عَمَّا يَرَاهُ، وَلَا الْأَمْرُ بِهِ (الشَّرْطُ الثَّانِي) : أَنْ يَأْمَنَ مِنْ أَنْ يَكُونَ يُؤَدِّي إنْكَارُهُ إلَى مُنْكَرٍ أَكْبَرَ مِنْهُ مِثْلُ أَنْ يَنْهَى عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ فَيُؤَدِّيَ نَهْيُهُ عَنْهُ إلَى قَتْلِ النَّفْسِ أَوْ نَحْوِهِ (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) : أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ إنْكَارَهُ الْمُنْكَرَ مُزِيلٌ لَهُ، وَأَنَّ أَمْرَهُ بِالْمَعْرُوفِ مُؤَثِّرٌ فِي تَحْصِيلِهِ فَعَدَمُ أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ يُوجِبُ التَّحْرِيمَ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَفْظَ الْحَدِيثِ يَدُلُّ لَهُ؛ إذْ لَوْ أُرِيدَ بَيَانُ كَمْ يَجْعَلُ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ مِنْ أَوْقَاتِ عِبَادَتِهِ لَقَالَ فَكَمْ أَصْرِفُ مِنْ أَوْقَاتِ عِبَادَتِي فِي الصَّلَاةِ عَلَيْك، وَيُؤَيِّدُهُ رُؤْيَا أَبِي الْمَوَاهِبِ الْمُتَقَدِّمَةِ ثُمَّ قَالَ: وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدِيَّةٌ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْمُصَلِّي كَوْنَ ثَوَابِهَا لَهُ فَمَعْنَى الْإِهْدَاءِ حَاصِلٌ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْإِهْدَاءِ لِلْعُظَمَاءِ إجْلَالُهُمْ وَإِعْظَامُهُمْ لَا أَنَّهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَى هَدِيَّةِ الْمُهْدِي؛ وَلِذَلِكَ يُجْزِلُونَ الْمَثُوبَاتِ عَلَى أَدْنَى شَيْءٍ، وَأَيْضًا فَيَنْوِي الْمُصَلِّي بِذَلِكَ تَحْصِينَ عَمَلِهِ مِنْ الرَّدِّ لِيَقْوَى بِذَلِكَ رَجَاؤُهُ احْتِرَامًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ الْهَدَايَا لِلْمُلُوكِ إذَا كَانَتْ لَا تُنَاسِبُ جَلَالَةَ مَقَادِيرِهِمْ، وَيُخْشَى رَدُّهُمْ لَهَا دَخَلَتْ فِي جُمْلَةِ هَدَايَا وَاسِطَةِ عَظِيمٍ عِنْدَ الْمَلِكِ فَتُقْبَلُ حِينَئِذٍ مِنْ جُمْلَةِ هَدَايَاهُ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا احْتَقَرَ الْعَامِلُ نَفْسَهُ، وَاعْتَقَدَ قُصُورَهُ وَعَدَمَ أَهْلِيَّتِهِ لِذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا رَأَى عَمَلَهُ شَيْئًا مُعْتَبَرًا فِي نَفْسِهِ مُعْتَدًّا بِهِ فَسُوءُ الْأَدَبِ لَازِمٌ لَهُ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا لِسَيِّدِي زَرُّوقٍ عَلَيْهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُرِيدَ غَيْرَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا هِيَ فَحَدِيثُ أَبِي ظَاهِرٍ فِي خِلَافِهِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ اهـ فَأَنْتَ تَرَاهُ إنَّمَا ذَكَرَ رُؤْيَا أَبِي الْمَوَاهِبِ وَغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّأْيِيدِ وَالِاسْتِئْنَاسِ لِظَاهِرِ لَفْظِ الْحَدِيثِ لَا عَلَى وَجْهِ الِاحْتِجَاجِ. وَقَبْلَ ذَلِكَ تِلْمِيذُهُ جَسُّوسُ وَغَيْرُهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ الْمُرَادُ مِنْ كَلَامِ كَنُونٍ وَمُرَادُهُ دَفْعُ تَنْظِيرِ الرُّهُونِ فِي مُسْتَنَدِ ابْنِ زِكْرِيٍّ أَوَّلًا بِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِالرُّؤْيَا، وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا لَا سِيَّمَا مِنْ مِثْلِ أَبِي الْمَوَاهِبِ وَثَانِيًا بِأَنَّ مَا فُهِمَ مِنْ الْحَدِيثِ مُعَارَضٌ بِمَا فَهِمَ مِنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ فِيهِ فَانْظُرْهُ إنْ شِئْت، قُلْت: وَقَدْ وَجَّهَ عَدَمَ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِالرُّؤْيَا الْعَلَّامَةُ الْعَطَّارُ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَقَالَ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الرُّؤْيَةِ التَّعْوِيلُ عَلَيْهَا فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لِاحْتِمَالِ الْخَطَأِ فِي التَّحَمُّلِ وَعَدَمِ ضَبْطِ الرَّائِي حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا رَآهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ يَقُولُ لَهُ إنَّ فِي الْمَحَلِّ الْفُلَانِيِّ رِكَازًا اذْهَبْ فَخُذْهُ، وَلَا خُمُسَ عَلَيْك فَذَهَبَ فَوَجَدَهُ فَاسْتَفْتَى الْعُلَمَاءَ فَقَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: أَخْرِجْ الْخُمُسَ فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ، وَقُصَارَى رُؤْيَتِك الْآحَادُ اهـ فَافْهَمْ، وَفِي الْخَازِنِ: وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ عَنْ الْمَيِّتِ تَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَيَصِلُهُ ثَوَابُهَا وَعَلَى وُصُولِ الدُّعَاءِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَيَصِحُّ الْحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِحَجٍّ تَطَوُّعٍ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الصَّوْمِ إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ فَالرَّاجِحُ جَوَازُهُ عَنْهُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ لَا يَصِلُ لِلْمَيِّتِ ثَوَابُهَا، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَصِلُهُ ثَوَابُهَا، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَمَّا الصَّلَوَاتُ وَسَائِرُ التَّطَوُّعَاتِ فَلَا تَصِلُهُ

وَعَدَمُ الشَّرْطِ الثَّالِثِ يُسْقِطُ الْوُجُوبَ وَيُبْقِي الْجَوَازَ وَالنَّدْبَ ثُمَّ مَرَاتِبُ الْإِنْكَارِ ثَلَاثَةٌ أَقْوَاهَا أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَيْنًا مَعَ الْقُدْرَةِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ انْتَقَلَ لِلتَّغْيِيرِ بِالْقَوْلِ، وَهِيَ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ وَلْيَكُنْ الْقَوْلُ بِرِفْقٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَمَرَ مُسْلِمًا بِمَعْرُوفٍ فَلْيَكُنْ أَمْرُهُ كَذَلِكَ» قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46] فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقَوْلِ انْتَقَلَ لِلرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ الْإِنْكَارُ بِالْقَلْبِ، وَهِيَ أَضْعَفُهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ» وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الْإِيمَانِ، وَيُرْوَى «وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد، وَفِي الصَّحِيحِ نَحْوُهُ (سُؤَالٌ) قَدْ نَجِدُ أَعْظَمَ النَّاسِ إيمَانًا يَعْجِزُ عَنْ الْإِنْكَارِ، وَعَجْزُهُ لَا يُنَافِي تَعْظِيمَهُ لِلَّهِ - تَعَالَى - وَقُوَّةِ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ مَنَعَهُ أَوْ أَسْقَطَهُ عَنْهُ بِسَبَبِ عَجْزِهِ عَنْ الْإِنْكَارِ لِكَوْنِهِ يُؤَدِّي لِمَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ أَوْ نَقُولُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ الْعَجْزِ عَنْ الْقُرْبَةِ نَقْصُ الْإِيمَانِ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» جَوَابُهُ الْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ هَا هُنَا الْإِيمَانُ الْفِعْلِيُّ الْوَارِدُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] أَيْ صَلَاتَكُمْ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالصَّلَاةُ فِعْلٌ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْإِيمَانُ سَبْعٌ وَخَمْسُونَ شُعْبَةً وَقِيلَ: بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَعْلَاهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ» وَهَذِهِ التَّجْزِئَةُ إنَّمَا تَصِحُّ فِي الْأَفْعَالِ وَقَدْ سَمَّاهَا إيمَانًا وَأَقْوَى الْإِيمَانِ الْفِعْلِيِّ إزَالَةُ الْيَدِ لِاسْتِلْزَامِهِ إزَالَةَ الْمَفْسَدَةِ عَلَى الْفَوْرِ ثُمَّ الْقَوْلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا تَقَعُ مَعَهُ الْإِزَالَةُ، وَقَدْ تَقَعُ، وَالْإِنْكَارُ الْقَلْبِيُّ لَا يُورِثُ إزَالَةً أَلْبَتَّةَ، أَوْ يُلَاحَظُ عَدَمُ تَأْثِيرِهِ فِي الْإِزَالَةِ فَيَبْقَى الْإِيمَانُ مُطْلَقًا، وَهَا هُنَا سِتُّ مَسَائِلَ يَكْمُلُ بِهَا الْفَرْقُ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) أَنَّ الْوَالِدَيْنِ يَأْمُرَانِ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَيَانِ عَنْ الْمُنْكَرِ، قَالَ مَالِكٌ: وَيَخْفِضُ لَهُمَا فِي ذَلِكَ جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لَا يُشْتَرَطُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ أَنْ يَكُونَ مُلَابِسُهُ عَاصِيًا بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُلَابِسًا لِمَفْسَدَةٍ وَاجِبَةِ الدَّفْعِ أَوْ تَارِكًا لِمَصْلَحَةٍ وَاجِبَةِ الْحُصُولِ، وَلَهُ أَمْثِلَةٌ أَحَدُهَا أَمْرُ الْجَاهِلِ بِمَعْرُوفٍ لَا يَعْرِفُ وُجُوبَهُ وَنَهْيَهُ عَنْ مُنْكَرٍ لَا يَعْرِفُ تَحْرِيمَهُ كَنَهْيِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - أُمَمَهَا أَوَّلَ بَعْثَتِهَا، وَثَانِيهَا: قِتَالُ الْبُغَاةِ وَهُمْ عَلَى تَأْوِيلٍ، وَثَالِثُهَا ضَرْبُ الصِّبْيَانِ عَلَى مُلَابَسَةِ الْفَوَاحِشِ، وَرَابِعُهَا قَتْلُ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ إذَا صَالُوا عَلَى الدِّمَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: يَصِلُهُ ثَوَابُ الْجَمِيعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ الْآيَتَيْنِ وَشِبْهِهِمَا عَلَى الْإِيمَانِ أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَعْمَالِ الْقَلْبِيَّةِ. اهـ. وَفِي الْخَازِنِ وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْإِنْسَانِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ} [النجم: 39] الْآيَةَ الْكَافِرُ وَالْمَعْنَى لَيْسَ لَهُ مِنْ الْخَيْرِ إلَّا مَا عَمِلَ هُوَ فَيُثَابُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا بِأَنْ يُوَسَّعَ عَلَيْهِ فِي رِزْقِهِ وَيُعَافَى فِي بَدَنِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ فِي الْآخِرَةِ خَيْرٌ، وَقِيلَ: إنَّ قَوْلَهُ {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] هُوَ مِنْ بَابِ الْفَضْلِ فَجَائِزٌ أَنْ يَزِيدَهُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ مِنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ اهـ وَفِي الْخَطِيبِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذَا مَنْسُوخُ الْحُكْمِ فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ أَيْ: وَإِنَّمَا هُوَ فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور: 21] فَأَدْخَلَ الْأَبْنَاءَ الْجَنَّةَ بِصَلَاحِ الْآبَاءِ وَقَالَ عِكْرِمَةُ: إنَّ ذَلِكَ لِقَوْمِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَمَّا هَذِهِ الْأُمَّةُ فَلَهُمْ مَا سَعَوْا وَمَا سَعَى لَهُمْ غَيْرُهُمْ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «امْرَأَةً رَفَعَتْ صَبِيًّا لَهَا، وَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ فَقَالَ: نَعَمْ وَلَك أَجْرٌ» «وَقَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ أُمِّي قَتَلَتْ نَفْسَهَا فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إنْ تَصَدَّقْت عَنْهَا قَالَ: نَعَمْ» اهـ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَقَوْلُ الْقَرَافِيِّ بِأَنَّ التَّوْبَةَ وَالْعُقُوبَاتِ تُكَفِّرُ السَّيِّئَاتِ، وَتَمْحُو آثَارَهَا إنْ أَرَادَ بِهِ مَحْوَهَا مِنْ الصَّحَائِفِ فَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ الْإِحْبَاطِ، وَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ قَالَ: وَلَا دَلِيلَ لَهُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] عَلَى كَوْنِ الْمَصَائِبِ مُكَفِّرَةً لِلذُّنُوبِ أَوْ غَيْرَ مُكَفِّرَةٍ، وَإِنَّمَا فِيهَا الْمَصَائِبُ سَبَبُهَا الذُّنُوبُ، وَأَنَّ مِنْ الذُّنُوبِ مَا لَا يُقَابَلُ بِمُصِيبَةٍ يَكُونُ سَبَبًا لَهَا بَلْ يُسَامَحُ فِيهِ وَيُعْفَى عَنْهُ قَالَ: وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمُصِيبَةَ لَا ثَوَابَ فِيهَا قَطْعًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَقَدْ تَبَيَّنَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ الْعُمُومَاتِ لَا دَلِيلَ فِيهِ لِتَعَيُّنِ حَمْلِهَا عَلَى الْخُصُوصِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِي الْأُمُورِ الْمَالِيَّةِ وَبِالظَّوَاهِرِ الْمُتَظَاهِرَةِ بِثُبُوتِ الْحَسَنَاتِ فِي الْآلَامِ وَشِبْهِهَا، قَالَ: فَلَمْ يَظْهَرْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي زَعَمَ أَيْ: وَإِنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ قَبْلُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُسَبِّبًا إلَخْ قَالَ: وَمَا قَالَهُ فِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَطْلَقَ التَّكْفِيرَ بِمَوْتِ الْأَوْلَادِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ أَنَّهُ يُؤْلِمُ فَهُوَ تَحْكِيمٌ بِتَقْيِيدِ كَلَامِ الشَّارِعِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَتَضْيِيقٌ لِبَابِ الرَّحْمَةِ الثَّابِتِ سِعَتُهُ قَالَ: وَلَا مَانِعَ مِنْ الدُّعَاءِ بِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ أَيْ الْمَعْلُومِ الْحُصُولِ؛ إذْ ذَلِكَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: وَالدُّعَاءُ بِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إلَخْ، وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ: إنَّ ذَلِكَ قِلَّةُ أَدَبٍ مَعَ اللَّهِ - تَعَالَى - كَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْعُو لِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ بِالْمَغْفِرَةِ» مَعَ الْعِلْمِ بِثُبُوتِهَا

[الفرق بين قاعدة المداهنة المحرمة وبين قاعدة المداهنة التي لا تحرم]

وَالْأَبْضَاعِ وَلَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُمْ إلَّا بِقَتْلِهِمْ وَخَامِسُهَا أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا بِالْقِصَاصِ ثُمَّ يَعْفُوَ أَوْ يُخْبِرَ الْوَكِيلَ فَاسِقٌ بِالْعَفْوِ أَوْ مُتَّهَمٌ فَلَا يُصَدِّقُهُ فَأَرَادَ الْقِصَاصَ فَلِلْفَاسِقِ الَّذِي أَخْبَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ عَنْ الْقِصَاصِ، وَلَوْ بِالْقَتْلِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَسَادِسُهَا وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ جَارِيَةٍ فَبَاعَهَا، فَأَرَادَ الْمُوَكِّلُ أَنْ يَطَأَهَا ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ الْوَكِيلَ لَمْ يَبِعْهَا فَأَخْبَرَهُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَاهَا فَلَمْ يُصَدِّقْهُ فَلِلْمُشْتَرِي دَفْعُهُ، وَلَوْ بِالْقَتْلِ وَسَابِعُهَا ضَرْبُ الْبَهَائِمِ لِلتَّعْلِيمِ وَالرِّيَاضَةِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الشِّمَاسِ وَالْجِمَاحِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ إجْمَاعًا فَمَنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْمُرَ بِمَعْرُوفٍ وَجَبَ عَلَيْهِ كَمَنْ يَرَى جَمَاعَةً تَرَكُوا الصَّلَاةَ فَيَأْمُرَهُمْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ قُومُوا لِلصَّلَاةِ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا رَأَيْنَا مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مُخْتَلَفًا فِي تَحْرِيمِهِ وَتَحْلِيلِهِ، وَهُوَ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ أَنْكَرْنَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْتَهِكٌ لِلْحُرْمَةِ مِنْ جِهَةِ اعْتِقَادِهِ، وَإِنْ اعْتَقَدَ تَحْلِيلَهُ لَمْ نُنْكِرْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَاصِيًا؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَلَكِنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ الْمَفْسَدَةُ الْمُوجِبَةُ لِإِبَاحَةِ الْإِنْكَارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدْرَكُ الْقَوْلِ بِالتَّحْلِيلِ ضَعِيفًا جِدًّا يُنْقَضُ قَضَاءُ الْقَاضِي بِمِثْلِهِ لِبُطْلَانِهِ فِي الشَّرْعِ كَوَاطِئِ الْجَارِيَةِ بِالْإِبَاحَةِ مُعْتَقِدًا لِمَذْهَبِ عَطَاءٍ وَشَارِبِ النَّبِيذِ مُعْتَقِدًا مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمًا، وَلَا تَحْلِيلًا، وَالْمَدَارِكُ فِي التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ مُتَقَارِبَةٌ أُرْشِدَ لِلتَّرْكِ بِرِفْقٍ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَتَوْبِيخٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْوَرَعِ الْمَنْدُوبِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَنْدُوبَاتِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرَاتِ هَكَذَا شَأْنُهُمَا الْإِرْشَادُ مِنْ غَيْرِ تَوْبِيخٍ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) الْمَنْدُوبَاتُ وَالْمَكْرُوهَاتُ يَدْخُلُهَا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ عَلَى سَبِيلِ الْإِرْشَادِ لِلْوَرَعِ، وَلِمَا هُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِ تَعْنِيفٍ، وَلَا تَوْبِيخٍ بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) قَوْلُنَا فِي شَرْطِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى مَفْسَدَةٍ هِيَ أَعْظَمُ، هَذِهِ الْمَفْسَدَةُ قِسْمَانِ تَارَةً تَكُونُ إذَا نَهَاهُ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلَ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ فِي غَيْرِ النَّاهِي، وَتَارَةً يَفْعَلُهُ فِي النَّاهِي بِأَنْ يَنْهَاهُ عَنْ الزِّنَا فَيَقْتُلَهُ أَعْنِي النَّاهِيَ يَقْتُلُهُ الْمُلَابِسُ لِلْمُنْكَرِ، وَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ النَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ سَوَّاهُ بِالْأَوَّلِ نَظَرَ لِعِظَمِ الْمَفْسَدَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ، وَقَالَ: هَذَا لَا يَمْنَعُ، وَالتَّعْذِيرُ بِالنُّفُوسِ مَشْرُوعٌ فِي طَاعَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} [آل عمران: 146] مَدَحَهُمْ بِأَنَّهُمْ قُتِلُوا بِسَبَبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلَهُ، وَمَا الْمَانِعُ أَنْ يَدْعُوَ بِذَلِكَ غَيْرُهُ، أَوْ يَدْعُوَ لَهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِحُصُولِ شَرْطِ التَّكْفِيرِ وَالْمَغْفِرَةِ وَهُوَ الْمُوَافَاةِ عَلَى الْإِيمَانِ اهـ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُدَاهَنَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُدَاهَنَةِ الَّتِي لَا تَحْرُمُ] (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُدَاهَنَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُدَاهَنَةِ الَّتِي لَا تَحْرُمُ وَقَدْ تَجِبُ) وَهُوَ أَنَّ الْمُدَاهَنَةَ، وَهِيَ مُعَامَلَةُ النَّاسِ بِمَا يُحِبُّونَ مِنْ الْقَوْلِ، وَإِنْ شَاعَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهَا كُلَّهَا مُحَرَّمَةٌ إلَّا أَنَّهَا تَجْرِي عَلَيْهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ، فَقِسْمُ الْمُحَرَّمَةِ مَا كَانَ وَسِيلَةً لِتَكْثِيرِ الظُّلْمِ وَالْبَاطِلِ مِنْ أَهْلِهِ كَشُكْرِ الظَّالِمِ عَلَى ظُلْمِهِ وَالْمُبْتَدِعِ عَلَى بِدْعَتِهِ أَوْ مُبْطِلٍ عَلَى إبْطَالِهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: 9] أَيْ هُمْ يَوَدُّونَ لَوْ أَثْنَيْت عَلَى أَحْوَالِهِمْ وَعِبَادَاتِهِمْ وَيَقُولُونَ لَك مِثْلَ ذَلِكَ وَقِسْمُ غَيْرِ الْمُحَرَّمَةِ مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ كَانَ عِبَارَةً عَنْ شُكْرِ الظَّلَمَةِ الْفَسَقَةِ وَاَلَّذِينَ يُتَّقَى شَرُّهُمْ بِالْكَلِمَاتِ الْحَقَّةِ وَبِالتَّبَسُّمِ فِي وُجُوهِهِمْ وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: إنَّا لَنَشْكُرُ فِي وُجُوهِ أَقْوَامٍ وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَلْعَنُهُمْ وَهَذَا قَدْ يَكُونُ مُبَاحًا إنْ لَمْ يَكُنْ وَسِيلَةً لِوَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ أَوْ مَكْرُوهٍ، وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا إنْ كَانَ يَتَوَصَّلُ بِهِ الْقَائِلُ لِدَفْعِ ظُلْمٍ مُحَرَّمٍ أَوْ مُحَرَّمَاتٍ لَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِذَلِكَ الْقَوْلِ، وَيَكُونُ الْحَالُ يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا إنْ كَانَ وَسِيلَةً لِمَنْدُوبٍ أَوْ مِنْ مَنْدُوبَاتٍ، وَقَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا إنْ كَانَ عَنْ ضَعْفٍ لَا ضَرُورَةَ تَتَقَاضَاهُ بَلْ خَوْرٌ فِي الطَّبْعِ أَوْ كَانَ وَسِيلَةً لِلْوُقُوعِ فِي مَكْرُوهٍ هَذَا تَهْذِيبُ كَلَامِ الْأَصْلِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ قُلْت: وَقِسْمُ الْمُدَاهَنَةِ الْمُحَرَّمَةِ هُوَ الَّذِي عَدَّهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الزَّوَاجِرِ مِنْ الْكَبَائِر لِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنْ أَسْوَأِ النَّاسِ مَنْزِلَةً مَنْ أَذْهَبَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ أَشَرُّ النَّاسِ نَدَامَةً، وَفِي أُخْرَى أَنَّهُ أَشَرُّ النَّاسِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إلَى النَّاسِ» اهـ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْخَوْفِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُحَرَّمِ وَقَاعِدَةِ الْخَوْفِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا يَحْرُمُ] (الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْخَوْفِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - الْمُحَرَّمِ وَقَاعِدَةِ الْخَوْفِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - الَّذِي لَا يَحْرُمُ) وَهُوَ أَنَّ الْخَوْفَ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ مُحَرَّمٌ إنْ كَانَ مَانِعًا مِنْ فِعْلِ وَاجِبٍ أَوْ تَرْكِ مُحَرَّمٍ، أَوْ كَانَ مِمَّا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْخَوْفِ كَمَنْ يَتَطَيَّرُ بِمَا لَا يَخَافُ مِنْهُ عَادَةً كَالْعُبُورِ بَيْنَ الْغَنَمِ يَخَافُ أَنْ لَا تُقْضَى حَاجَتُهُ بِهَذَا السَّبَبِ وَعَلَى هَذَا الْخَوْفِ الْمُحَرَّمِ يُحْمَلُ قَوْله تَعَالَى: - {وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ} [التوبة: 18]

[الفرق بين قاعدة ما يجب تعلمه من النجوم وبين قاعدة ما لا يجب]

وَأَنَّهُمْ مَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَذْلَ النُّفُوسِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَأْمُورٌ بِهِ وَقُتِلَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا بِسَبَبِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَزْوِيجِ الرَّبِيبَةِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْقَتْلِ بِمُجَرَّدِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فَجَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلَ الْجِهَادِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ كَلِمَةٍ وَكَلِمَةٍ كَانَتْ فِي الْأُصُولِ أَوْ الْفُرُوعِ مِنْ الْكَبَائِرِ أَوْ الصَّغَائِرِ، وَقَدْ خَرَجَ ابْنُ الْأَشْعَثِ مَعَ جَمْعٍ كَبِيرٍ مِنْ التَّابِعِينَ فِي قِتَالِ الْحَجَّاجِ وَعَرَّضُوا أَنْفُسَهُمْ لِلْقَتْلِ وَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلَائِقُ كَثِيرَةٌ بِسَبَبِ إزَالَةِ ظُلْمِ الْحَجَّاجِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ لَا فِي الْأُصُولِ، وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْجِدِّ وَالْعَزَائِمِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ فَيَظْهَرُ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّ الْمَفْسَدَةَ الْعُظْمَى إنَّمَا تُمْنَعُ إذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْقَبِيلِ أَمَّا هَذَا فَلَا؛ فَتَلَخَّصَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَاجِبٌ إذَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ تِلْكَ الشُّرُوطُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَمُحَرَّمٌ إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ الْمُلَابِسُ تَحْرِيمَهُ، وَإِذَا فُقِدَ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَمَنْدُوبٌ إذَا كَانَ لَا يَعْتَقِدُ حِلَّهُ، وَلَا حُرْمَتَهُ، وَهُوَ مُتَقَارِبُ الْمَدَارِكِ، وَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ مَكْرُوهًا لَا حَرَامًا أَوْ الْمَتْرُوكُ مَنْدُوبًا لَا وَاجِبًا فَقَدْ حَصَلَ الْمَطْلُوبُ مِنْ الْفَرْقِ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ تَعَلُّمُهُ مِنْ النُّجُومِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجِبُ] (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ تَعَلُّمُهُ مِنْ النُّجُومِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجِبُ) ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّ التَّوَجُّهَ لِلْكَعْبَةِ لَا يَسُوغُ فِيهِ التَّقْلِيدُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاجْتِهَادِ، وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى التَّعَلُّمِ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعَلُّمُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ، وَمُعْظَمُ أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ فِي النُّجُومِ فَيَجِبُ تَعَلُّمُ مَا تُعْلَمُ بِهِ الْقِبْلَةُ كَالْفَرْقَدَيْنِ وَالْجَدْيِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا فِي مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ تَعَلُّمَ هَذَا الْقِسْمِ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يَتَعَلَّمُ مِنْ أَحْكَامِ النُّجُومِ مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى الْقِبْلَةِ وَأَجْزَاءِ اللَّيْلِ، وَمَا مَضَى مِنْهُ وَمَا يَهْتَدِي بِهِ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَتُعْرَفُ مَوَاضِعُهَا مِنْ الْفَلَكِ وَأَوْقَاتِ طُلُوعِهَا وَغُرُوبِهَا، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 97] (قُلْت:) وَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنْ يَكُونَ مَا يُعْرَفُ بِهِ مِنْهَا أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ لِجَوَازِ التَّقْلِيدِ فِي الْأَوْقَاتِ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي أَوْقَاتِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQوقَوْله تَعَالَى {فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} [البقرة: 150] وقَوْله تَعَالَى {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: 37] وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت: 10] لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ جَعَلَ أَذِيَّةَ النَّاسِ حَاثَّةً عَلَى طَاعَتِهِمْ فِي ارْتِكَابِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَزَجْرَهُ لَهُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - كَمَا وَضَعَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَذَابَهُ حَاثًّا عَلَى طَاعَتِهِ وَزَاجِرًا عَنْ مَعْصِيَتِهِ فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ عَذَابِ اللَّهِ وَفِتْنَةِ النَّاسِ فِي الْحَثِّ وَالزَّجْرِ فَتَشْبِيهُهُ الْفِتْنَةَ بِعَذَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ هَذَا الْوَجْهِ حَرَامٌ قَطْعًا مُوجِبٌ لِاسْتِحْقَاقِ الذَّمِّ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ مِنْ بَابِ خَوْفِ غَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - الْمُحَرَّمِ وَهُوَ سِرُّ التَّشْبِيهِ هَا هُنَا وَأَنَّ الْخَوْفَ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - غَيْرُ مُحَرَّمٍ إنْ كَانَ غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ فِعْلِ وَاجِبٍ أَوْ تَرْكِ مُحَرَّمٍ وَكَانَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْخَوْفِ كَالْخَوْفِ مِنْ الْأُسُودِ وَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَالظُّلْمَةِ وَكَالْخَوْفِ مِنْ أَرْضِ الْوَبَاءِ، وَمِنْ الْمَجْذُومِ عَلَى أَجْسَامِنَا مِنْ الْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ بَلْ صَوْنُ النُّفُوسِ وَالْأَجْسَامِ وَالْمَنَافِعِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ عَنْ الْأَسْبَابِ الْمُفْسِدَةِ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] . وَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ» وَعَلَى هَذِهِ الْقَوَاعِدِ فَقِسْ يَظْهَرْ لَك مَا يَحْرُمُ مِنْ الْخَوْفِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَمَا لَا يَحْرُمُ، وَحَيْثُ تَكُونُ الْخَشْيَةُ مِنْ الْخَلْقِ مُحَرَّمَةً، وَحَيْثُ لَا تَكُونُ فَاعْلَمْ ذَلِكَ، هَذَا تَنْقِيحُ مَا فِي الْأَصْلِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ قُلْت: وَمُرَادُهُ بِالْخَوْفِ مِنْ أَرْضِ الْوَبَاءِ خَوْفُ مَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا مِنْ دُخُولِهَا فَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِمَّا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا سَمِعْتُمْ الطَّاعُونَ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ» قَالَ الْمُنَاوِيُّ: أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْكُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ جُرْأَةٌ عَلَى خَطَرٍ وَإِيقَاعٌ لِلنَّفْسِ فِي التَّهْلُكَةِ وَالشَّرْعُ نَاهٍ عَنْ ذَلِكَ قَالَ اللَّه - تَعَالَى - {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وَقَالَ الشَّيْخُ: النَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ أَفَادَهُ الْعَزِيزِيُّ فَلَا يُنَافِي مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ جَابِرٍ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْفَارُّ مِنْ الطَّاعُون كَالْفَارِّ مِنْ الزَّحْفِ، وَالصَّابِرُ فِيهِ كَالصَّابِرِ فِي الزَّحْفِ» وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَيْضًا «الْفَارُّ مِنْ الطَّاعُونِ كَالْفَارِّ مِنْ الزَّحْفِ، وَمَنْ صَبَرَ فِيهِ كَانَ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ» كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْحَافِظِ السُّيُوطِيّ فَإِنَّ مَعْنَاهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْعَزِيزِيِّ أَنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ الْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ يَحْرُمُ الْخُرُوجُ مِنْ بَلَدٍ وَقَعَ فِيهَا الطَّاعُونُ بِقَصْدِ الْفِرَارِ اهـ وَفِي حَاشِيَةِ الْحِفْنِيِّ فَإِنْ خَرَجَ لِنَحْوِ زِيَارَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. اهـ. وَسَيَأْتِي نَقْلُ صَاحِبِ الْقَبَسِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا عَدْوَى» أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى بَعْضِ الْأَمْرَاضِ بِدَلِيلِ تَحْذِيرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

[الفرق بين قاعدة التطير وقاعدة الطيرة]

الصَّلَاةِ إلَّا الزَّوَالَ فَإِنَّهُ ضَرُورِيٌّ يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ التَّقْلِيدِ؛ فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَرْضًا عَلَى الْأَعْيَانِ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْأَوْقَاتِ وَاجِبَةٌ يَكُونُ مَا تُعْرَفُ بِهِ الْأَوْقَاتُ فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَيَكُونُ مَوْطِنُ الِاسْتِحْبَابِ هُوَ مَا يُعِينُ عَلَى الْأَسْفَارِ، وَيُخْرِجُ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَأَمَّا مَا يَقْتَضِي إلَى مَعْرِفَةِ نُقْصَانِ الشَّهْرِ وَوَقْتِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَمَكْرُوهٌ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ فَهُوَ اشْتِغَالٌ بِغَيْرِ مُفِيدٍ قَالَ: وَكَذَلِكَ مَا يُعْرَفُ بِهِ الْكُسُوفَاتِ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُغْنِي شَيْئًا، وَيُوهِمُ الْعَامَّةَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ بِالْحِسَابِ فَيُزْجَرُ عَنْ الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ، وَيُؤَدَّبُ عَلَيْهِ قَالَ: وَأَمَّا مَا يُخْبِرُ بِهِ الْمُنَجِّمُ مِنْ الْغَيْبِ مِنْ نُزُولِ الْأَمْطَارِ وَغَيْرِهِ فَقِيلَ: ذَلِكَ كُفْرٌ يُقْتَلُ بِغَيْرِ اسْتِتَابَةٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» وَقِيلَ: يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ قَالَهُ أَشْهَبُ وَقِيلَ: يُزْجَرُ عَنْ ذَلِكَ وَيُؤَدَّبُ، وَلَيْسَ اخْتِلَافًا فِي قَوْلٍ بَلْ اخْتِلَافٌ فِي حَالٍ، فَإِنْ قَالَ: إنَّ الْكَوَاكِبَ مُسْتَقِلَّةٌ بِالتَّأْثِيرِ قُتِلَ، وَلَمْ يُسْتَتَبْ إنْ كَانَ يَسُرُّهُ؛ لِأَنَّهُ زِنْدِيقٌ، وَإِنْ أَظْهَرَهُ فَهُوَ مُرْتَدٌّ يُسْتَتَابُ، وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - هُوَ الْفَاعِلُ عِنْدَهَا زُجِرَ عَنْ الِاعْتِقَادِ الْكَاذِبِ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ تُسْقِطُ الْعَدَالَةَ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ تَصْدِيقُهُ قَالَ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَدَ فِيمَا يُصِيبُونَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْغَالِبِ نَحْوُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا نَشَأَتْ بَحْرِيَّةٌ ثُمَّ تَشَاءَمَتْ فَتِلْكَ عَيْنٌ غُدَيْقَةٌ» فَهَذَا تَلْخِيصُ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ وَيَحْرُمُ مِنْ تَعَلُّمِ أَحْكَامِ النُّجُومِ (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ مِنْ الدُّعَاءِ كُفْرٌ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ) اعْلَمْ أَنَّ الدُّعَاءَ الَّذِي هُوَ الطَّلَبُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ حُكْمٌ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ طَلَبٌ مِنْ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (شِهَابُ الدِّينِ الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْن قَاعِدَةِ مَا هُوَ مِنْ الدُّعَاءِ كُفْرٌ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ. اعْلَمْ أَنَّ الدُّعَاءَ الَّذِي هُوَ الطَّلَبُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إلَى آخِرِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الدُّعَاءَ طَلَبٌ صَحِيحٌ وَهَاهُنَا قَاعِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ طَلَبَ الْمُسْتَحِيلِ لَيْسَ بِمُسْتَحِيلٍ عَقْلًا وَلَا مُمْتَنِعٍ فَإِنْ مَنَعَهُ الشَّرْعُ امْتَنَعَ وَإِلَّا فَلَا، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الدُّعَاءَ بِتَرْكِ تَعْذِيبِ الْكَافِرِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْقُدُومِ عَلَى بَلَدٍ فِيهِ الْوَبَاءُ اهـ كَمَا حَصَلَ الْعَزِيزِيُّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ» كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى خُصُوصِ سَبَبِهِ فَقَالَ قَالَهُ لِمَنْ اُسْتُشْهِدَ عَلَى الْعَدْوَى بِإِعْدَاءِ الْبَعِيرِ الْأَجْرَبِ لِلْإِبِلِ، وَهُوَ مِنْ الْأَجْوِبَةِ الْمُسْكِتَةِ؛ إذْ لَوْ جَلَبَتْ الْأَدْوَاءُ بَعْضَهَا بَعْضًا لَزِمَ فَقْدُ الدَّاءِ الْأَوَّلِ لِفَقْدِ الْجَالِبِ فَاَلَّذِي فَعَلَهُ فِي الْأَوَّلِ هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ فِي الثَّانِي، وَهُوَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - الْخَالِقُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ اهـ وَذَلِكَ الْبَعْضُ هُوَ مَا لَمْ تَتَمَحَّضْ، وَلَمْ تَجْرِ لَا بِطَرِيقِ الِاطِّرَادِ وَلَا الْغَلَبَةِ عَادَةُ اللَّهِ - تَعَالَى - بِهِ فِي حُصُولِ الضَّرَرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ كَالْجَرَبِ بِخِلَافِ مَا كَانَتْ عَادَةُ اللَّهِ - تَعَالَى - بِهِ فِي حُصُولِ الضَّرَرِ اضْطِرَارِيَّةً، أَوْ أَكْثَرِيَّةً كَالْجُذَامِ، فَإِنَّ عَوَائِدَ اللَّهِ إذَا دَلَّتْ عَلَى شَيْءٍ وَجَبَ اعْتِقَادُهُ، وَإِذَا لَمْ تَدُلَّ عَلَى شَيْءٍ حَرُمَ اعْتِقَادُهُ كَمَا سَيَتَّضِحُ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّطَيُّرِ وَقَاعِدَةِ الطِّيَرَةِ] (الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّطَيُّرِ وَقَاعِدَةِ الطِّيَرَةِ، وَمَا يَحْرُمُ مِنْهُمَا وَلَا يَحْرُمُ) وَذَلِكَ أَنَّ التَّطَيُّرَ هُوَ الظَّنُّ السَّيِّئُ الْكَائِنُ فِي الْقَلْبِ وَالطِّيَرَةُ هُوَ الْفِعْلُ الْمُرَتَّبُ عَلَى هَذَا الظَّنِّ مِنْ قَرَارٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي يَكُونُ الْخَوْفُ مِنْهَا الْمُرَتَّبُ عَلَى سُوءِ الظَّنِّ الْكَائِنِ فِي الْقَلْبِ تَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ: (الْأَوَّلُ) : مَا جَرَتْ الْعَادَةُ الثَّابِتَةُ بِاطِّرَادٍ بِأَنَّهُ مُؤْذٍ كَالسَّمُومِ وَالسِّبَاعِ وَالْوَبَاءِ وَالطَّاعُونِ وَالْجُذَامِ وَمُعَادَاةِ النَّاسِ وَالتُّخْمِ وَأَكْلِ الْأَغْذِيَةِ الثَّقِيلَةِ الْمُنَفِّخَةِ عِنْدَ ضُعَفَاءِ الْمَعِدَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَالْخَوْفُ فِي هَذَا الْقِسْمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَنْ سَبَبٍ مُحَقَّقٍ فِي مَجَارِي الْعَادَةِ لَا يَكُونُ حَرَامًا، فَإِنَّ عَوَائِدَ اللَّهِ إذَا دَلَّتْ عَلَى شَيْءٍ وَجَبَ اعْتِقَادُهُ كَمَا نَعْتَقِدُ أَنَّ الْمَاءَ مُرُورٌ، وَالْخُبْزَ مُشْبِعٌ وَالنَّارَ مُحْرِقَةٌ وَقَطْعَ الرَّأْسِ مُمِيتٌ وَمَنْعَ النَّفْسِ مُمِيتٌ وَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ كَانَ خَارِجًا عَنْ نَمَطِ الْعُقَلَاءِ، وَمَا سَبَبُهُ إلَّا جَرَيَانُ الْعَادَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ بِاطِّرَادٍ (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) : مَا كَانَ جَرَيَانُ الْعَادَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ فِي حُصُولِ أَمْرٍ أَكْثَرِيًّا لَا اطِّرَادِيًّا كَكَوْنِ الْمَجْمُودَةِ مُسَهِّلَةً وَالْآسِ قَابِضًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَدْوِيَةِ فَالِاعْتِقَادُ وَكَذَا الْفِعْلُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطَّرِدًا لَيْسَ بِحَرَامٍ بَلْ هُوَ حَسَنٌ مُتَعَيِّنٌ لِأَكْثَرِيَّتِهِ؛ إذْ الْحُكْمُ لِلْغَالِبِ فَهُوَ كَالْقِسْمِ الْأَوَّلِ قُلْت: وَعَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ تُحْمَلُ جُمْلَةُ أَحَادِيثَ مِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ» وَمِنْهَا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ احْتَجَمَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَيَوْمَ السَّبْتِ فَرَأَى فِي جَسَدِهِ وَضَحًا أَيْ بَرَصًا فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ» كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) : مَا لَمْ تَجْرِ عَادَةُ اللَّهِ - تَعَالَى - بِهِ أَصْلًا فِي حُصُولِ الضَّرَرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ كَشَقِّ الْأَغْنَامِ وَالْعُبُورِ بَيْنَهَا يَخَافُ لِذَلِكَ أَنْ لَا تُقْضَى حَاجَتُهُ وَنَحْوُ هَذَا مِنْ هَذَيَانِ الْعَوَامّ

اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ النَّدْبُ لِاشْتِمَالِ ذَاتِهِ عَلَى خُضُوعِ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ وَإِظْهَارِ ذِلَّتِهِ وَافْتِقَارِهِ إلَى مَوْلَاهُ فَهَذَا وَنَحْوُهُ مَأْمُورٌ بِهِ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ مَا يُوجِبُهُ أَوْ يُحَرِّمُهُ وَالتَّحْرِيمُ قَدْ يَنْتَهِي لِلْكُفْرِ، وَقَدْ لَا يَنْتَهِي فَاَلَّذِي يَنْتَهِي لِلْكُفْرِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي نَفْيَ مَا دَلَّ السَّمْعُ الْقَاطِعُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى ثُبُوتِهِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: (الْأَوَّلُ) أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ لَا تُعَذِّبْ مَنْ كَفَرَ بِك أَوْ اغْفِرْ لَهُ، وَقَدْ دَلَّتْ الْقَوَاطِعُ السَّمْعِيَّةُ عَلَى تَعْذِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ مَاتَ كَافِرًا بِاَللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ فَيَكُونُ ذَلِكَ كُفْرًا؛ لِأَنَّهُ طَلَبٌ لِتَكْذِيبِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ وَطَلَبُ ذَلِكَ كُفْرٌ فَهَذَا الدُّعَاءُ كُفْرٌ. (الثَّانِي) أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ لَا تُخَلِّدْ فُلَانًا الْكَافِرَ فِي النَّارِ، وَقَدْ دَلَّتْ النُّصُوصُ الْقَاطِعَةُ عَلَى تَخْلِيدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ فَيَكُونُ الدَّاعِي طَالِبًا لِتَكْذِيبِ خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ دُعَاؤُهُ كُفْرٌ. (الثَّالِثُ) أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُرِيحَهُ مِنْ الْبَعْثِ حَتَّى يَسْتَرِيحَ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ بَعْثِ كُلِّ أَحَدٍ مِنْ الثَّقَلَيْنِ فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ كُفْرًا؛ لِأَنَّهُ طَلَبٌ لِتَكْذِيبِ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَبَرِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــSوَذَلِكَ مِمَّا يُعْلَمُ وُقُوعُهُ سَمْعًا طَلَبٌ لِتَكْذِيبِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ وَطَلَبُ ذَلِكَ كُفْرٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّ طَلَبَ التَّكْذِيبِ لَيْسَ بِتَكْذِيبٍ بَلْ هُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِتَجْوِيزِ التَّكْذِيبِ عِنْدَ مَنْ لَا يُجَوِّزُ طَلَبَ الْمُسْتَحِيلِ، وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ طَلَبَ الْمُسْتَحِيلِ فَلَيْسَ بِمُسْتَلْزِمٍ لِذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ تَجْوِيزَ التَّكْذِيبِ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّكْذِيبَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَكْذِيبُ زَيْدٍ لِعَمْرٍو وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُكَذِّبًا لِعَمْرٍو وَلَا مُجَوِّزًا لِكَذِبِهِ. هَذَا إنْ كَانَ قَصْدُهُ مُقْتَضَى لَفْظِ تَكْذِيبٍ وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ الْكَذِبَ وَوَضَعَ لَفْظَ تَكْذِيبٍ مَوْضِعَ لَفْظِ كَذِبٍ فَلَيْسَ مَا قَالَهُ بِصَحِيحٍ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَنْ طَلَبَ مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يُكَذِّبَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُكَذِّبًا لَهُ بَلْ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُجَوِّزًا لِوُقُوعِ الْكَذِبِ مِنْهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُجَوِّزُ طَلَبَ الْمُسْتَحِيلِ، ثُمَّ عَلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ عَلَى رَأْيِ مَنْ لَا يُجَوِّزُ طَلَبَ الْمُسْتَحِيلِ إنَّمَا يَكُونُ تَكْفِيرُ مَنْ يَلْزَمُ مِنْ دُعَائِهِ ذَلِكَ تَكْفِيرًا بِالْمَآلِ، وَقَدْ حَكَى هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَاخْتَارَ هُوَ عَدَمَ التَّكْفِيرِ فَجَزْمُهُ بِتَكْفِيرِ الدَّاعِي بِذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إلَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ يُكَفِّرُ بِالْمَآلِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْهَبَهُ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُتَطَيِّرِينَ كَشِرَاءِ الصَّابُونِ يَوْمَ السَّبْتِ فَالْخَوْفُ فِي هَذَا الْقِسْمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ حَرَامٌ لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ، وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ» فَالطِّيَرَةُ فِيهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى هَذَا الْقِسْمِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ سُوءِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكَادُ الْمُتَطَيِّرُ يَسْلَمُ مِمَّا تَطَيَّرَ مِنْهُ إذَا فَعَلَهُ جَزَاءً لَهُ عَلَى سُوءِ ظَنِّهِ. وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُسِئْ ظَنَّهُ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - لَا يُصِيبُهُ مِنْهُ بَأْسٌ فَمِنْ هُنَا لَمَّا سَأَلَ بَعْضُ الْمُتَطَيِّرِينَ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ فَقَالَ لَهُ: إنَّنِي لَا أَتَطَيَّرُ فَلَا يَنْخَرِمُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ يَقَعُ الضَّرَرُ بِي وَغَيْرِي يَقَعُ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ السَّبَبِ فَلَا يَجِدُ مِنْهُ ضَرَرًا وَقَدْ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَيَّ فَهَلْ لِهَذَا أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ، قَالَ لَهُ: نَعَمْ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ - تَعَالَى - «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ» وَفِي بَعْضِ الطُّرُقِ فَلْيَظُنَّ بِي خَيْرًا وَأَنْتَ تَظُنُّ اللَّهَ - تَعَالَى - يُؤْذِيَك عِنْدَ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي تَطَيَّرْت مِنْهُ فَتُسِيءُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيُقَابِلُك اللَّهُ عَلَى سُوءِ ظَنِّك بِهِ بِإِذَايَتِكَ بِذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي تَطَيَّرْت بِهِ وَغَيْرُك لَا يُسِيءُ ظَنَّهُ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - وَلَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ ضَرَرٌ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَا يُعَاقِبُهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فَلَا يَتَضَرَّرُ. اهـ. (وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ) مَا لَمْ يَتَمَحَّضْ بِهِ حُصُولُ ضَرَرٍ لَا بِالْعَادَةِ الِاطِّرَادِيَّةِ وَلَا الْأَكْثَرِيَّةِ، وَلَا عَدَمُ حُصُولِهِ أَصْلًا بَلْ اسْتَوَى بِهِ الْحُصُولُ، وَعَدَمُهُ كَالْجَرَبِ فَمِنْ ثَمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ اُسْتُشْهِدَ عَلَى الْعَدْوَى بِإِعْدَاءِ الْبَعِيرِ الْأَجْرَبِ لِلْإِبِلِ «فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ» . وَهُوَ مِنْ الْأَجْوِبَةِ الْمُسْكِتَةِ إذْ لَوْ جَلَبَتْ الْأَدْوَاءُ بَعْضَهَا بَعْضًا لَزِمَ فَقْدُ الدَّاءِ الْأَوَّلِ لِفَقْدِ الْجَالِبِ فَاَلَّذِي فَعَلَهُ فِي الْأَوَّلِ هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ فِي الثَّانِي. وَهُوَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - الْخَالِقُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْعَزِيزِيِّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَالْوَرَعُ تَرْكُ الْخَوْفِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ حَذَرًا مِنْ الطِّيَرَةِ وَالْمَرَضِ الَّذِي مِنْ هَذَا الْقِسْمِ كَالْجَرَبِ هُوَ الْمُرَادُ بِبَعْضِ الْأَمْرَاضِ فِيمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْقَبَسِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا عَدْوَى» مَعْنَاهُ قَالَ ابْنُ دِينَارٍ: لَا يُعْدِي خِلَافًا لِمَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَعْتَقِدُهُ فَبَيَّنَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ - تَعَالَى - اهـ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى بَعْضِ الْأَمْرَاضِ بِدَلِيلِ تَحْذِيرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ الْوَبَاءِ وَالْقُدُومِ عَلَى بَلَدٍ هُوَ فِيهِ اهـ قَالَ الْأَصْلُ: وَهَذَا حَقٌّ فَإِنَّ عَوَائِدَ اللَّهِ إذَا دَلَّتْ عَلَى شَيْءٍ وَجَبَ اعْتِقَادُهُ كَمَا نَعْتَقِدُ أَنَّ الْمَاءَ مُرٌّ وَإِلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ وَالْمُمْرِضُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَحُلُّ عَلَى الْمُمْرِضِ الْمُصِحُّ» هُوَ صَاحِبُ الْمَاشِيَةِ الْمَرِيضَةِ وَالْمُصِحُّ هُوَ صَاحِبُ الْمَاشِيَةِ الصَّحِيحَةِ قَالَ ابْنُ دِينَارٍ وَمَعْنَى الْمُمْرِضِ الْمُصِحُّ بِإِيرَادِ مَاشِيَةٍ عَلَى مَاشِيَتِهِ فَيُؤْذِيهِ بِذَلِكَ فَنُسِخَ بِقَوْلِهِ لَا عَدْوَى وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يَحُلُّ الْمَجْذُومُ مَحَلَّ الصَّحِيحِ مَعَهُ يُؤْذِيهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُعْدِي فَالنَّفْسُ تَكْرَهُهُ فَهُوَ مِنْ بَابِ إزَالَةِ الضَّرَرِ لَا مِنْ الْعَدْوَى. وَقِيلَ:

[الفرق بين قاعدة الطيرة وقاعدة الفأل الحلال والفأل الحرام]

(الْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ مَا دَلَّ الْقَاطِعُ السَّمْعِيُّ عَلَى نَفْيِهِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: (الْأَوَّلُ) أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ خَلِّدْ فُلَانًا الْمُسْلِمَ عَدُوِّي فِي النَّارِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ سُوءَ الْخَاتِمَةِ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى إخْبَارًا قَاطِعًا بِأَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْجَنَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [الطلاق: 11] فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ مُسْتَلْزِمًا لِتَكْذِيبِ خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ كُفْرًا. (الثَّانِي) أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي أَبَدًا حَتَّى أَسْلَمَ مِنْ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَكَرْبِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مَوْتِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ مُسْتَلْزِمًا لِتَكْذِيبِ هَذَا الْخَبَرِ فَيَكُونُ كُفْرًا. (الثَّالِثُ) أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ إبْلِيسَ مُحِبًّا نَاصِحًا لِي وَلِبَنِي آدَمَ أَبَدَ الدَّهْرِ حَتَّى يَقِلَّ الْفَسَادُ وَتَسْتَرِيحَ الْعِبَادُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6] فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ مُسْتَلْزِمًا لِتَكْذِيبِ هَذَا الْخَبَرِ فَيَكُونُ كُفْرًا وَأُلْحِقَ بِهَذِهِ الْمُثُلِ نَظَائِرُهَا . (الْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ مَا دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى ثُبُوتِهِ مِمَّا يُخِلُّ بِجَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: (الْأَوَّلُ) أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى سَلْبَ عِلْمِهِ أَوْ عَالَمِيَّتِهِ الْقَدِيمَةِ حَتَّى يَسْتَتِرَ الْعَبْدُ فِي قَبَائِحِهِ وَيَسْتَرِيحَ مِنْ اطِّلَاعِ رَبِّهِ عَلَى فَضَائِحِهِ، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى وُجُوبِ ثُبُوتِ الْعِلْمِ لِلَّهِ تَعَالَى أَزَلًا وَأَبَدًا فَيَكُونُ هَذَا الدَّاعِي طَالِبًا لِقِيَامِ الْجَهْلِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ كُفْرٌ. (الثَّانِي) أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى سَلْبَ قُدْرَتِهِ الْقَدِيمَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَأْمَنَ مِنْ الْمُؤَاخَذَةِ، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى وُجُوبِ الْقُدْرَةِ لِلَّهِ تَعَالَى أَزَلًا أَبَدًا لَا تَقْبَلُ التَّغْيِيرَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ مَا دَلَّ السَّمْعُ الْقَاطِعُ عَلَى نَفْيِهِ) قُلْت الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْقِسْمِ كَالْكَلَامِ عَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. قَالَ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ مَا دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى ثُبُوتِهِ مِمَّا يُخِلُّ بِجَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى سَلْبَ عِلْمِهِ أَوْ عَالَمِيَّتِهِ الْقَدِيمَةِ حَتَّى يَسْتَتِرَ الْعَبْدُ فِي قَبَائِحِهِ وَيَسْتَرِيحَ مِنْ اطِّلَاعِ رَبِّهِ عَلَيْهِ إلَخْ. الثَّانِي أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى سَلْبَ قُدْرَتِهِ الْقَدِيمَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَأْمَنَ الْمُؤَاخَذَةَ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ طَلَبَ نَفْيَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ لَيْسَ طَلَبًا لِضِدِّهِمَا وَهُمَا الْجَهْلُ وَالْعَجْزُ كَمَا قَالَ لِجَوَازِ غَفْلَةِ الدَّاعِي وَإِضْرَابِهِ عَنْهُمَا وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْغَفْلَةِ وَالْإِضْرَابِ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِالتَّكْفِيرِ بِالْمَآلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ـــــــــــــــــــــــــــــQهُوَ نَاسِخٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا عَدْوَى» اهـ قَالَ الْأَصْلُ: وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ الشُّؤْمُ الْوَارِدُ فِي الْأَحَادِيثِ فَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثٍ الدَّارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْفَرَسُ، وَفِي بَعْضِهَا إنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ» قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى: فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنْ كَانَ النَّاسُ يَعْتَقِدُونَ الشُّؤْمَ فَإِنَّمَا يَعْتَقِدُونَهُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ أَوْ إنْ كَانَ الشُّؤْمُ وَاقِعًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَفِي هَذِهِ الثَّلَاثِ. وَقِيلَ: أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ بِذَلِكَ أَوَّلًا مُجْمَلًا ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِ وَاقِعًا فِي الثَّلَاثِ فَلِذَلِكَ أَجْمَلَ ثُمَّ فَصَّلَ وَجَزَمَ كَمَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ بِالدَّجَّالِ أَوَّلًا مُجْمَلًا ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِ مُفَصَّلًا عَلَى حَسَبِ مَا وَرَدَ الْوَحْيُ بِهِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ، وَإِنْ لَمْ أَكُنْ فِيكُمْ فَالْمَرْءُ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - خَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ ثُمَّ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّ الدَّجَّالَ إنَّمَا يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ» ، وَكَذَلِكَ «سُئِلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ أَكْلِ الضَّبِّ فَقَالَ: إنَّهُ قَالَ: قَدْ مُسِخَتْ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ، وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ» أَوْ مَا هَذَا مَعْنَاهُ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ الْمَمْسُوخَ لَمْ يُعْقَبْ فَقَدْ أَخْبَرَ بِالْمَسْخِ أَوَّلًا مُجْمَلًا ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِ مُفَصَّلًا، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي السُّنَّةِ فَنُنَبِّهُ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَبِهَا يَحْصُلُ لَك الْجَمْعُ بَيْنَ كَثِيرٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَلَا مَانِعَ أَنْ يُجْرِيَ اللَّهُ - تَعَالَى - عَادَتَهُ بِجَعْلِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ أَحْيَانَا سَبَبًا لِلضَّرَرِ فَفِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَارٌ سَكَنَّاهَا، وَالْعَدَدُ كَثِيرٌ، وَالْمَالُ وَافِرٌ فَقَلَّ الْعَدَدُ، وَذَهَبَ الْمَالُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعُوهَا ذَمِيمَةً» وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ إنَّمَا تَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ أَقْوَالِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي الثَّلَاثِ قَالَ الْبَاجِيَّ. وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَادَةً اهـ وَاخْتُلِفَ فِي الْهَامَةِ وَصَفَرٍ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيثِ الْمُوَطَّإِ «لَا عَدْوَى وَلَا هَامَةَ، وَلَا صَفَرَ» إلَخْ هَلْ هُمَا مِنْ هَذَا الْقِسْمِ أَمْ لَا قَالَ الْبَاجِيَّ: وَلَا هَامَةَ قَالَ مَالِكٌ: مَعْنَاهُ لَا تَطَيُّرَ بِالْهَامَةِ كَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ: إذَا وَقَعَتْ هَامَةٌ عَلَى بَيْتٍ خَرَجَ مِنْهُ مَيِّتٌ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَقُولُ إذَا قُتِلَ أَحَدٌ خَرَجَ مِنْ رَأْسِهِ طَائِرٌ لَا يَزَالُ يَقُولُ: اسْبِقْنِي حَتَّى يَقْتُلَ قَاتِلَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْخَبَرُ نَهْيًا وَعَلَى الثَّانِي تَكْذِيبًا، وَلَا صَفَرَ هُوَ النَّسِيءُ الَّتِي كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تُحَرِّمُ فِيهِ صَفَرَ لِتُبِيحَ بِهِ الْمُحَرَّمَ، وَقِيلَ: كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَقُولُ: هُوَ دَاءٌ فِي الْجَوْفِ يَقْتُلُ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَمُوتُ إلَّا بِأَجْلِهِ اهـ هَذَا تَهْذِيبُ كَلَامِ الْأَصْلِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الطِّيَرَةِ وَقَاعِدَةِ الْفَأْلِ الْحَلَالِ وَالْفَأْلِ الْحَرَامِ] (الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الطِّيَرَةِ وَقَاعِدَةِ الْفَأْلِ الْحَلَالِ الْمُبَاحِ وَالْفَأْلِ الْحَرَامِ) وَهُوَ أَنَّ بَيْنَ الطِّيَرَةِ وَالْفَأْلِ التَّبَايُنَ الْكُلِّيَّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَتْ حَقِيقَةُ التَّطَيُّرِ وَالطِّيَرَةِ، وَأَحْكَامُهَا. وَأَمَّا الْفَأْلُ فَهُوَ مَا يُظَنُّ عِنْدَهُ

وَلَا الْفَنَاءَ فَطَلَبُ عَدَمِهَا طَلَبٌ لِعَجْزِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ كُفْرٌ. (الثَّالِثُ) أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى سَلْبَ اسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ وَارْتِفَاعَ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الدَّاعِي بِالتَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ وَيَأْمَنَ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ مِنْ جِهَةِ الْقَضَاءِ، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى شُمُولِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِيلَائِهِ عَلَى جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ فَيَكُونُ الدَّاعِي طَالِبًا لِسَلْبِ ذَلِكَ فَيَكُونُ دُعَاؤُهُ كُفْرًا وَأُلْحِقَ بِهَذِهِ الْمُثُلِ نَظَائِرُهَا . (الْقِسْمُ الرَّابِعُ) أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ مَا دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى نَفْيِهِ مِمَّا يُخِلُّ ثُبُوتُهُ بِجَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ وَلَهُ مُثُلٌ: أَنْ يَعْظُمَ شَوْقُ الدَّاعِي إلَى رَبِّهِ حَتَّى يَسْأَلَهُ أَنْ يَحِلَّ فِي بَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ حَتَّى يَجْتَمِعَ بِهِ أَوْ يَعْظُمَ خَوْفُهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَيَسْأَلَ اللَّهَ ذَلِكَ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهُ الْأَمَانَ عَلَى نَفْسِهِ فَيَسْتَبْدِلَ مِنْ وَحْشَتِهِ أُنْسًا، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ فَطَلَبُ ذَلِكَ كُفْرٌ. (الثَّانِي) أَنْ تَعْظُمَ حَمَاقَةُ الدَّاعِي وَتَجَرُّؤُهُ فَيَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الْعَالَمِ مَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ الرَّبَّانِيَّةِ مِنْ الْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ وَالْقَضَاءِ النَّافِذِ الْمُحَتَّمِ، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى اسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ ذَلِكَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ طَلَبُ ذَلِكَ طَلَبًا لِلشَّرِكَةِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمُلْكِ وَهُوَ كُفْرٌ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الثَّالِثُ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى سَلْبَ اسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ وَارْتِفَاعَ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الدَّاعِي بِالتَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ وَيَأْمَنَ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ مِنْ جِهَةِ الْقَضَاءِ، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى شُمُولِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِيلَائِهِ عَلَى جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ فَيَكُونُ الدَّاعِي طَالِبًا لِسَلْبِ ذَلِكَ فَيَكُونُ دُعَاؤُهُ كُفْرًا وَأَلْحَقَ بِهَذِهِ الْمُثُلَ نَظَائِرَهَا) قُلْت قَدْ سَبَقَ أَنَّ كَوْنَ أَمْرٍ مَا كُفْرًا إنَّمَا هُوَ وَضْعٌ شَرْعِيٌّ، فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ طَلَبَ ذَلِكَ كُفْرٌ فَهُوَ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا. هَذَا إذَا أَرَادَ أَنَّ عَيْنَ الطَّلَبِ هُوَ الْكُفْرُ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْكُفْرَ وَهُوَ الْجَهْلُ يَكُونُ سَلْبُ الِاسْتِيلَاءِ مِمَّا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ أَوْ لَا تَتَعَلَّقُ فَهُوَ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَآلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ (الْقِسْمُ الرَّابِعُ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ مَا دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى نَفْيِهِ مِمَّا يُخِلُّ بِجَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ وَلَهُ مُثُلٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يَعْظُمَ شَوْقُ الدَّاعِي إلَى رَبِّهِ حَتَّى يَسْأَلَهُ أَنْ يَحِلَّ فِي بَعْضِ مَخْلُوقَاته حَتَّى يَجْتَمِعَ بِهِ) قُلْت الْكَلَامُ فِي هَذَا الْقِسْمِ كَالْكَلَامِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ هُنَاكَ وَهُنَا مِمَّا يُخِلُّ بِجَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ صَوَابُهُ بِإِجْلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ أَمَّا جَلَالُ الرُّبُوبِيَّةِ فَلَا يُخِلُّ بِهِ شَيْءٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَيْرُ عَكْسُ الطِّيَرَةِ وَالتَّطَيُّرِ فَإِنَّ مَا يُتَطَيَّرُ وَيُتَشَاءَمُ بِهِ لِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمَاعٍ هُوَ مَا يُظَنُّ عِنْدَهُ السُّوءُ وَالشَّرُّ فَفِي الْعَزِيزِيِّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عِنْدَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «وَإِذَا تَطَيَّرْتُمْ فَامْضُوا، وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا» أَيْ وَإِذَا خَرَجْتُمْ لِنَحْوِ سَفَرٍ، أَوْ عَزَمْتُمْ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ فَتَشَاءَمْتُمْ بِهِ لِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمَاعِ مَا فِيهِ كَرَاهَةٌ فَلَا تَرْجِعُوا وَفَوِّضُوا أُمُورَكُمْ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - لَا إلَى غَيْرِهِ، وَالْتَجِئُوا إلَيْهِ فِي دَفْعِ شَرِّ مَا تَطَيَّرْتُمْ بِهِ اهـ قُلْت: وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَخَلَ خَيْبَرَ وَأَبْصَرَ مِسْحَاةً وَزِنْبِيلًا قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ» لِمَا تَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ فَلَا تَغْفُلْ مَا ذُكِرَ مِنْ كَوْنِ الْفَأْلِ وَالطِّيَرَةِ مُتَبَايِنٌ تَبَايُنًا كُلِّيًّا هُوَ صَرِيحُ قَوْلِ صَاحِبِ الْمُخْتَارِ: الْفَأْلُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مَرِيضًا فَيَسْمَعَ آخَرَ يَقُولُ: يَا سَالِمُ، أَوْ يَكُونَ طَالِبًا فَيَسْمَعَ آخَرَ يَقُولُ: يَا وَاجِدُ يُقَالُ تَفَاءَلْ بِكَذَا بِالتَّشْدِيدِ وَفِي الْحَدِيثِ «كَانَ يُحِبُّ الْفَأْلَ وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ» اهـ بِلَفْظِهِ. لَكِنْ وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ أَنَّ الْفَأْلَ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ الطِّيَرَةِ وَأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَمَّا يُظَنُّ عِنْدَهُ الْخَيْرُ أَوْ الشَّرُّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ تَارَةً يَتَعَيَّنُ لِلْخَيْرِ وَتَارَةً لِلشَّرِّ، وَتَارَةً يَتَرَدَّدُ بَيْنَهُمَا فَالْمُتَعَيِّنُ لِلْخَيْرِ مِثْلُ الْكَلِمَةِ الْحَسَنَةِ يَسْمَعُهَا الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ نَحْوُ يَا فَلَاحُ يَا مَسْعُودُ وَمِنْهُ تَسْمِيَةُ الْوَلَدِ وَالْغُلَامِ بِالِاسْمِ الْحَسَنِ حَتَّى مَتَى سَمِعَ اسْتَبْشَرَ الْقَلْبُ وَمِثْلُ الْمَنْظَرِ الْحَسَنِ يَرَاهُ الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَيَسْتَبْشِرُ بِهِ. وَمِنْهُ إرْسَالُ الرَّسُولِ الْحَسَنِ الْوَجْهِ لِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَطَلَبِ الْحَوَائِجِ مِمَّنْ كَانَ حَسَنَ الْوَجْهِ أَمَلًا فِي قَضَائِهَا، وَفِي الْحَدِيثِ «اُطْلُبُوا الْحَوَائِجَ عِنْدَ حِسَانِ الْوُجُوهِ» وَعَقَدَهُ الصَّرْصَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: أَلَا يَا رَسُولَ الْإِلَهِ الَّذِي ... هَدَانَا بِهِ اللَّهُ فِي كُلِّ تِيهٍ سَمِعْت حَدِيثًا مِنْ الْمُسْنَدَاتِ ... يَسُرُّ فُؤَادَ النَّبِيلِ النَّبِيهِ وَأَنَّكَ قَدْ قُلْت فِيهِ اُطْلُبُوا الْحَ ... وَائِجَ عِنْدَ حِسَانِ الْوُجُوهِ وَلَمْ أَرَ أَحْسَنَ مِنْ وَجْهِكَ الْ ... كَرِيمِ فَجُدْ لِي بِمَا أَرْتَجِيهِ فَهَذَا فَأْلٌ حَسَنٌ مَقْصُودٌ وَالْمُتَعَيِّنُ لِلشَّرِّ مِثْلُ الْكَلِمَةِ الْقَبِيحَةِ يَسْمَعُهَا الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ نَحْوُ يَا خَيْبَةُ يَا وَيْلُ وَمِنْهُ كَرَاهَةُ تَسْمِيَةِ الْوَلَدِ وَالْغُلَامِ بِالِاسْمِ الْقَبِيحِ فَمِنْ ثَمَّ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «حَوَّلَ أَسْمَاءً مَكْرُوهَةً مِنْ أَقْوَامٍ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِأَسْمَاءٍ حَسَنَةٍ»

[الفرق بين قاعدة الرؤيا التي تجوز تعبيرها وقاعدة الرؤيا التي لا يجوز تعبيرها]

وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ لِجَمَاعَةٍ مِنْ جُهَّالِ الصُّوفِيَّةِ فَيَقُولُونَ فُلَانٌ أُعْطِيَ كَلِمَةَ كُنْ وَيَسْأَلُونَ أَنْ يُعْطَوْا كَلِمَةَ كُنْ الَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] وَمَا يَعْلَمُونَ مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَعْلَمُونَ مَا مَعْنَى إعْطَائِهَا إنْ صَحَّ أَنَّهَا أُعْطِيت، وَهَذِهِ أَغْوَارٌ بَعِيدَةُ الرَّوْمِ عَلَى الْعُلَمَاءِ الْمُحَصِّلِينَ فَضْلًا عَنْ الصُّوفِيَّةِ الْمُتَخَرِّصِينَ فَيَهْلَكُونَ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مُتَقَرِّبُونَ وَهُمْ عَنْهُ مُتَبَاعِدُونَ عَصَمَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْفِتَنِ وَأَسْبَابِهَا وَالْجَهَالَاتِ وَشَبَهِهَا. (الثَّالِثُ) أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي رَبَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ نَسَبًا فَيَحْصُلَ لَهُ الشَّرَفُ عَلَى الْخَلَائِقِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى اسْتِحَالَةِ النَّسَبِ وَأَسْبَابِ الِاسْتِيلَادِ الْمُوجِبَةِ لِلْأَنْسَابِ فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ طَلَبًا لِصُدُورِ الِاسْتِيلَادِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ كُفْرًا وَأُلْحِقَ بِهَذِهِ الْمُثُلِ نَظَائِرُهَا فَهَذِهِ كُلُّهَا وُجُوهٌ مُخِلَّةٌ بِجَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ تَقَعُ لِلْعِبَادِ الْجُهَّالِ وَمَنْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ لِجَمَاعَةٍ مِنْ جُهَّالِ الصُّوفِيَّةِ فَيَقُولُونَ فُلَانٌ أُعْطِيَ كَلِمَةَ كُنْ وَيَسْأَلُونَ أَنْ يُعْطَوْا كَلِمَةَ كُنْ الَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] وَمَا يَعْلَمُونَ مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَعْلَمُونَ مَا مَعْنَى إعْطَائِهَا إنْ صَحَّ أَنَّهَا أُعْطِيت وَهَذِهِ أَغْوَارٌ بَعِيدَةُ الرَّوْمِ عَلَى الْعُلَمَاءِ الْمُحَصِّلِينَ فَضْلًا عَنْ الصُّوفِيَّةِ الْمُتَخَرِّصِينَ، فَيَهْلَكُونَ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مُتَقَرِّبُونَ وَهُمْ عَنْهُ مُتَبَاعِدُونَ عَصَمَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْفِتَنِ وَأَسْبَابِهَا وَالْجَهَالَاتِ وَشَبَهِهَا) قُلْت إنْ كَانَ أُولَئِكَ الْقَوْمُ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ يُعْطِي غَيْرَهُ كَلِمَةَ كُنْ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُعْطِيهِ الِاقْتِدَارَ فَذَلِكَ جَهْلٌ شَنِيعٌ إنْ أَرَادُوا أَنَّهُ يُعْطِيهِ الِاسْتِقْلَالَ وَإِلَّا فَهُوَ مَذْهَبُ الِاعْتِزَالِ وَكِلَاهُمَا كُفْرٌ بِالْمَآلِ. وَإِنْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِي كُنْ أَنْ يَكُونَ لِهَذَا الشَّخْصِ الْكَائِنَاتُ الَّتِي يُرِيدُهَا مَقْرُونَةً بِإِرَادَتِهِ فَعَبَّرُوا عَنْ ذَلِكَ بِإِعْطَائِهِ كَلِمَةَ كُنْ فَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ إذَا اقْتَرَنَ بِقَوْلِهِمْ قَرِينَةٌ تُفْهِمُ الْمَقْصُودَ قَالَ (الثَّانِي أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي رَبَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ نَسَبًا فَيَحْصُلَ لَهُ الشَّرَفُ عَلَى الْخَلَائِقِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى اسْتِحَالَةِ النَّسَبِ وَأَسْبَابِ الِاسْتِيلَادِ الْمُوجِبَةِ لِلْأَنْسَابِ) قُلْت الْكَلَامُ فِي هَذَا كَالْكَلَامِ فِيمَا قَبْلَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَخَرَّجَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِرَجُلٍ مَا اسْمُك فَقَالَ جَمْرَةُ فَقَالَ: ابْنُ مَنْ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ: مِمَّنْ قَالَ الْحَرَّةُ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ قَالَ بِحَرَّةِ النَّارِ قَالَ بِأَيِّهَا قَالَ بِذَاتِ لَظَى قَالَ عُمَرُ أَدْرِك أَهْلَك فَقَدْ احْتَرَقُوا قَالَ فَكَانَ كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمِثْلُ الْمَنْظَرِ الْقَبِيحِ يَرَاهُ الْمَرْءُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَيَتَشَاءَمُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا دَخَلَ خَيْبَرَ وَرَأَى زِنْبِيلًا وَمِسْحَاةً قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ» وَمِنْهُ كَرَاهَةُ إرْسَالِ الرَّسُولِ الْوَخْشَ لِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ أَوْ كَرَاهَةُ طَلَبِ الْحَوَائِجِ مِمَّنْ كَانَ قَبِيحَ الْوَجْهِ حَذَرًا مِنْ عَدَمِ قَضَائِهَا فَهَذَا قَالَ قَبِيحٌ مُبَاحٌ، وَالْمُتَرَدِّدُ بَيْنَهُمَا هُوَ الْفَأْلُ الْحَرَامُ الَّذِي بَيَّنَهُ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ فَقَالَ: إنَّ أَخْذَ الْفَأْلِ مِنْ الْمُصْحَفِ. وَضَرْبَ الرَّمْلِ وَالْقُرْعَةِ، وَالضَّرْبَ بِالشَّعِيرِ، وَجَمِيعَ هَذَا النَّوْعِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ لِأَزْلَامِ أَعْوَادٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَكْتُوبٌ عَلَى أَحَدِهَا افْعَلْ، وَعَلَى الْآخَرِ لَا تَفْعَلْ، وَعَلَى الْآخَرِ غُفْلٌ فَيَخْرُجُ أَحَدُهَا، فَإِنْ وَجَدَ عَلَيْهِ افْعَلْ أَقْدَمَ عَلَى حَاجَتِهِ الَّتِي يَقْصِدُهَا أَوْ لَا تَفْعَلْ أَعْرَضَ عَنْهَا، وَاعْتَقَدَ أَنَّهَا ذَمِيمَةٌ أَوْ خَرَجَ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهَا غُفْلٌ أَعَادَ الضَّرْبَ فَهُوَ يَطْلُبُ قِسْمَهُ مِنْ الْغَيْبِ بِتِلْكَ الْأَعْوَادِ فَهُوَ اسْتِقْسَامٌ أَيْ طَلَبُ الْقَسْمِ، الْجَيِّدُ يَتْبَعُهُ وَالرَّدِيء يَتْرُكُهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَخَذَ الْفَأْلَ مِنْ الْمُصْحَفِ أَوْ غَيْرِهِ إنَّمَا يَعْتَقِدُ هَذَا الْمَقْصِدَ إنْ خَرَجَ جَيِّدًا اتَّبَعَهُ أَوْ رَدِيئًا اجْتَنَبَهُ فَهُوَ عَيْنُ الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ الَّذِي وَرَدَ الْقُرْآنُ بِتَحْرِيمِهِ فَيَحْرُمُ اهـ قَالَ الْأَصْلُ: وَمَا رَأَيْتُهُ يَعْنِي الطُّرْطُوشِيَّ حَكَى فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا هُوَ مُتَعَيِّنٌ لِلْخَيْرِ أَوْ لِلشَّرِّ هُوَ أَنَّ تَحْرِيمَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - بِغَيْرِ سَبَبٍ تَقْتَضِيهِ عَادَةٌ رَبَّانِيَّةٌ فَالْحَقُّ بِالطِّيَرَةِ وَإِبَاحَةِ الْمُتَعَيِّنِ لِلْخَيْرِ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِلْخَيْرِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَبْعَثُ عَلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - وَإِبَاحَةِ الْمُتَعَيِّنِ لِلشَّرِّ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ وَسِيلَةً لِلشَّرِّ وَسُوءِ ظَنٍّ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - إلَّا أَنَّهُ بِسَبَبٍ تَقْتَضِيهِ عَادَةُ اللَّهِ - تَعَالَى - وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ عَوَائِدَ اللَّهِ إذَا دَلَّتْ عَلَى شَيْءٍ وَجَبَ اعْتِقَادُهُ فَهَذَا هُوَ تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّطَيُّرِ وَالْفَأْلِ الْمُبَاحِ وَالْفَأْلِ الْحَرَامِ هَذَا تَوْضِيحُ وَتَنْقِيحُ مَا فِي الْأَصْلِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرُّؤْيَا الَّتِي تَجُوزُ تَعْبِيرُهَا وَقَاعِدَةِ الرُّؤْيَا الَّتِي لَا يَجُوزُ تَعْبِيرُهَا] [الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ] (الْفَرْقُ السَّبْعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ الرُّؤْيَا الَّتِي يَجُوزُ تَعْبِيرُهَا وَقَاعِدَةِ الرُّؤْيَا الَّتِي لَا يَجُوزُ تَعْبِيرُهَا) ، وَهُوَ الرُّؤْيَا الْمَنَامِيَّةُ كَمَا قَالَ الْكَرْمَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ ثَمَانِيَةُ أَقْسَامٍ سَبْعَةٌ مِنْهَا لَا تُعَبِّرُ وَوَاحِدَةٌ مِنْهَا تُعَبِّرُ فَأَمَّا السَّبْعَةُ فَأَحَدُهَا وَثَانِيهَا وَثَالِثُهَا وَرَابِعُهَا مَا نَشَأَتْ عَنْ الْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ الْغَالِبَةِ عَلَى مِزَاجِ الرَّائِي الْمَعْرُوفِ غَلَبَةُ خَلْطٍ مِنْهَا عَلَيْهِ بِالْأَدِلَّةِ الظَّنِّيَّةِ

وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ بِنَاءَ الْكَنَائِسِ كُفْرٌ إذَا بَنَاهَا مُسْلِمٌ وَيَكُونُ رِدَّةً فِي حَقِّهِ لِاسْتِلْزَامِهِ إرَادَةَ الْكُفْرِ وَكَذَلِكَ أَفْتَى بِأَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا قَتَلَ نَبِيًّا يَعْتَقِدُ صِحَّةَ رِسَالَتِهِ كَانَ كَافِرًا لِإِرَادَتِهِ إمَاتَةَ شَرِيعَتِهِ وَإِرَادَةُ إمَاتَةِ الشَّرَائِعِ كُفْرٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَهْلَ بِمَا تُؤَدِّي إلَيْهِ هَذِهِ الْأَدْعِيَةُ لَيْسَ عُذْرًا لِلدَّاعِي عِنْدَ اللَّه تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ كُلَّ جَهْلٍ يُمْكِنُ الْمُكَلَّفَ دَفْعُهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً لِلْجَاهِلِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ رُسُلَهُ إلَى خَلْقِهِ بِرَسَائِلِهِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ كَافَّةً أَنْ يُعَلِّمُوهَا ثُمَّ يَعْمَلُوا بِهَا فَالْعِلْمُ وَالْعَمَلُ بِهَا وَاجِبَانِ فَمَنْ تَرَكَ التَّعَلُّمَ وَالْعَمَلَ وَبَقِيَ جَاهِلًا فَقَدْ عَصَى مَعْصِيَتَيْنِ لِتَرْكِهِ وَاجِبَيْنِ وَإِنْ عَلِمَ وَلَمْ يَعْمَلْ فَقَدْ عَصَى مَعْصِيَةً وَاحِدَةً بِتَرْكِ الْعَمَلِ وَمَنْ عَلِمَ وَعَمِلَ فَقَدْ نَجَا وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّاسُ كُلُّهُمْ هَلْكَى إلَّا الْعَالِمُونَ وَالْعَالِمُونَ كُلُّهُمْ هَلْكَى إلَّا الْعَامِلُونَ وَالْعَامِلُونَ كُلُّهُمْ هَلْكَى إلَّا الْمُخْلِصُونَ وَالْمُخْلِصُونَ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ» فَحَكَمَ عَلَى جَمِيعِ الْخَلَائِقِ بِالْهَلَاكِ إلَّا الْعُلَمَاءَ مِنْهُمْ. ثُمَّ ذَكَرَ شُرُوطًا أُخَرَ مَعَ الْعِلْمِ فِي النَّجَاةِ مِنْ الْهَلَاكِ نَعَمْ الْجَهْلُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ لِلْمُكَلَّفِ بِمُقْتَضَى الْعَادَةِ يَكُونُ عُذْرًا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَهُ فَظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً أَوْ شَرِبَ خَمْرًا يَظُنُّهُ خَلًّا أَوْ أَكَلَ طَعَامًا نَجِسًا يَظُنُّهُ طَاهِرًا مُبَاحًا فَهَذِهِ الْجَهَالَاتُ يُعْذَرُ بِهَا إذْ لَوْ اُشْتُرِطَ الْيَقِينُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَشَبَهِهَا لَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ فَيُعْذَرُونَ بِذَلِكَ، وَأَمَّا الْجَهْلُ الَّذِي يُمْكِنُ رَفْعُهُ لَا سِيَّمَا مَعَ طُولِ الزَّمَانِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ بِنَاءَ الْكَنَائِسِ كُفْرٌ إذَا بَنَاهَا مُسْلِمٌ أَوْ يَكُونُ رِدَّةً فِي حَقِّهِ لِاسْتِلْزَامِهِ إرَادَةَ الْكُفْرِ) قُلْت مَعْنَى قَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ إنَّ بِنَاءَ الْكَنَائِسِ كُفْرٌ أَيْ فِي الْحُكْمِ الدُّنْيَوِيِّ، وَأَمَّا الْأُخْرَوِيُّ فَبِحَسَبِ النِّيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ (وَكَذَلِكَ أَفْتَى فِي الْمُسْلِمِ إذَا قَتَلَ نَبِيًّا يَعْتَقِدُ صِحَّةَ رِسَالَتِهِ كَانَ كَافِرًا لِإِرَادَتِهِ إمَاتَةَ شَرِيعَتِهِ وَإِرَادَةُ إمَاتَةِ الشَّرَائِعِ كُفْرٌ) قُلْت مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرٌ قَالَ (وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَهْلَ بِمَا تُؤَدِّي إلَيْهِ هَذِهِ الْأَدْعِيَةُ لَيْسَ عُذْرًا إلَى آخِرِهِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ كُلُّهُ صَحِيحٌ إلَّا مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الدُّعَاءِ التَّحْرِيمُ وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} [هود: 47] فَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ وَإِلَّا ظَهَرَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الدُّعَاءِ النَّدْبُ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى مَنْعِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالدَّالَّةِ عَلَى تِلْكَ الْغَلَبَةِ فَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ السَّوْدَاءُ رَأَى الْأَلْوَانَ السُّودَ وَالْأَشْيَاءَ الْمُحَرَّقَةَ وَالطُّعُومَ الْحَامِضَةَ؛ لِأَنَّهُ طَعِمَ السَّوْدَاءَ، وَمَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الصَّفْرَاءُ رَأَى الْأَلْوَانَ الصُّفْرَ لِطُعُومِ الْمِرَّةِ وَالسَّمُومِ وَالْحَرُورِ وَالصَّوَاعِقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّفْرَاءَ مُسَخِّنَةٌ مِرَّةٌ، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ يَرَى الْأَلْوَانَ الْحُمْرَ وَالطُّعُومَ الْحُلْوَةَ وَأَنْوَاعَ الطَّرَبِ؛ لِأَنَّ الدَّمَ مُفْرِحٌ حُلْوٌ، وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْبَلْغَمُ رَأَى الْأَلْوَانَ الْبِيضَ وَالْأَمْطَارَ وَالْمِيَاهَ وَالثَّلْجَ (وَخَامِسُهَا) مَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ، وَيُفْهَمُ ذَلِكَ بِجَوَلَانِهِ فِي الْيَقَظَةِ وَكَثْرَةِ الْفِكْرِ فِيهِ فَيَسْتَوْلِي عَلَى النَّفْسِ فَتُكَيَّفُ بِهِ فَيَرَاهُ فِي النَّوْمِ وَسَادِسُهَا مَا هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَيُعْرَفُ بِكَوْنِهِ فِيهِ حَثٌّ عَلَى أَمْرٍ تُنْكِرُهُ الشَّرِيعَةُ أَوْ عَلَى أَمْرٍ مَعْرُوفٍ جَائِزٍ يُؤَدِّي إلَى أَمْرٍ مُنْكَرٍ كَمَا إذَا أَمَرَهُ بِالتَّطَوُّعِ بِالْحَجِّ فَتَضِيعُ عَائِلَتُهُ أَوْ يُعْتِقُ بِذَلِكَ أَبَوَيْهِ وَسَابِعُهَا: مَا كَانَ فِيهِ احْتِلَامٌ (وَالْقِسْمُ الثَّامِنُ) : الَّذِي يَجُوزُ تَعْبِيرُهُ هُوَ مَا خَرَجَ عَنْ هَذِهِ السَّبْعَةِ وَهُوَ مَا يَنْقُلُهُ مَلَكُ الرُّؤْيَا مِنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَإِنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ، وَكَّلَ مَلَكًا بِاللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ يَنْقُلُ لِكُلِّ أَحَدٍ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ لَا يَتْرُكُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ ذَكَرَهُ مَنْ ذَكَرَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ اهـ (تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ تَقُولُ الْعَرَبُ: رَأَيْت رُؤْيَةً إذَا عَايَنْت بِبَصَرِك وَرَأَيْت رَأْيًا إذَا اعْتَقَدْت بِقَلْبِك، وَرَأَيْت رُؤْيَا بِالْقَصْرِ إذَا عَايَنْت فِي مَنَامِك، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْيَقَظَةِ اهـ قَالَ الْأَصْلُ: وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] فِي الْيَقَظَةِ اهـ قُلْت: قَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ} [الإسراء: 60] عِيَانًا لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ إلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ أَهْلِ مَكَّةَ إذْ كَذَّبُوا بِهَا وَارْتَدَّ بَعْضُهُمْ لَمَّا أَخْبَرَهُمْ بِهَا اهـ وَفِي الْجَمَلِ عَنْ الْكَرْخِيِّ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَعَلَى الْيَقَظَةِ فَهِيَ بِمَعْنَى الرُّؤْيَةِ فَتَسْمِيَتُهَا رُؤْيَا لِوُقُوعِهَا بِاللَّيْلِ وَسُرْعَةِ تَقَضِّيهَا كَأَنَّهَا مَنَامٌ اهـ قَالَ الْمَحَلِّيُّ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَاخْتُلِفَ فِي وُقُوعِ رُؤْيَتِهِ - تَعَالَى - فِي الْيَقَظَةِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ وَالصَّحِيحُ نَعَمْ اهـ قَالَ الْعَطَّارُ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأُجِيبَ عَمَّا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ رَأَيْت رَبَّك قَالَ رَأَيْت نُورًا» وَفِي رِوَايَةٍ «نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ» بِرَفْعِ " نُورٌ " عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ بِمَحْذُوفٍ وَفَتْحِ هَمْزَةِ أَنَّى وَتَشْدِيدِ نُونِهَا بِمَعْنَى كَيْفَ أَيْ حَجَبَنِي نُورٌ كَيْفَ أَرَاهُ أَيْ اللَّهَ - تَعَالَى - بِأَنَّهَا لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي عَدَمِ الرُّؤْيَةِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صَرَاحَتِهَا فَأَبُو ذَرٍّ نَافٍ، وَغَيْرُهُ مُثْبِتٌ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي اهـ الْمُرَادُ

وَاسْتِمْرَارِ الْأَيَّامِ وَاَلَّذِي لَا يُعْلَمُ الْيَوْمَ يُعْلَمُ فِي غَدٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَأْخِيرِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذَا الْعِلْمِ فَسَادٌ فَلَا يَكُونُ عُذْرًا لِأَحَدٍ وَلِذَلِكَ أَلْحَقَ مَالِكٌ الْجَاهِلَ فِي الْعِبَادَاتِ بِالْعَامِدِ دُونَ النَّاسِي؛ لِأَنَّهُ جَهْلٌ يُمْكِنُهُ رَفْعُهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} [هود: 47] أَيْ بِجَوَازِ سُؤَالِهِ فَاشْتَرَطَ الْعِلْمَ بِالْجَوَازِ قَبْلَ الْإِقْدَامِ عَلَى الدُّعَاءِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الدُّعَاءِ التَّحْرِيمُ إلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ جَلِيلَةٌ يَتَخَرَّجُ عَلَيْهَا كَثِيرٌ مِنْ الْفُرُوعِ الْفِقْهِيَّةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُهَا فِي الْفُرُوقِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَيَنْبَغِي لِلسَّائِلِ أَنْ يَحْذَرَ هَذِهِ الْأَدْعِيَةَ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا حَذَرًا شَدِيدًا لِمَا تُؤَدِّي إلَيْهِ مِنْ سَخَطِ الدَّيَّانِ وَالْخُلُودِ فِي النِّيرَانِ وَحُبُوطِ الْأَعْمَالِ وَانْفِسَاخِ الْأَنْكِحَةِ وَاسْتِبَاحَةِ الْأَرْوَاحِ وَالْأَمْوَالِ وَهَذَا فَسَادٌ كُلُّهُ يَتَحَصَّلُ بِدُعَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَدْعِيَةِ وَلَا يَرْجِعُ إلَى الْإِسْلَامِ وَلَا تَرْتَفِعُ أَكْثَرُ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ إلَّا بِتَجْدِيدِ الْإِسْلَامِ وَالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَإِنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ أَمْرُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ مِنْ مُوجِبَاتِ عِقَابِهِ، وَأَصْلُ كُلِّ فَسَادٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إنَّمَا هُوَ الْجَهْلُ فَاجْتَهِدْ فِي إزَالَتِهِ عَنْك مَا اسْتَطَعْت كَمَا أَنَّ أَصْلَ كُلِّ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إنَّمَا هُوَ الْعِلْمُ فَاجْتَهِدْ فِي تَحْصِيلِهِ مَا اسْتَطَعْت وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُعِينُ عَلَى الْخَيْرِ كُلِّهِ فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ الْأَقْسَامُ بِتَمَيُّزِهَا حَصَلَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُوَ كُفْرٌ مِنْ الدُّعَاءِ وَمَا لَيْسَ بِكُفْرٍ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ مِنْ الدُّعَاءِ وَلَيْسَ بِكُفْرٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ مُحَرَّمًا) . وَقَدْ حَضَرَنِي مِنْ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ اثْنَا عَشَرَ قِسْمًا ثَبَتَ الْحَصْرُ فِيهَا بِالِاسْتِقْرَاءِ فَتَكُونُ هِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَيَنْبَغِي لِلسَّائِلِ أَنْ يَحْذَرَ هَذِهِ الْأَدْعِيَةَ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا حَذَرًا شَدِيدًا. ثُمَّ قَالَ فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ الْأَقْسَامُ بِتَمَيُّزِهَا حَصَلَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُوَ كُفْرٌ مِنْ الدُّعَاءِ، وَمَا لَيْسَ بِكُفْرٍ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ) قُلْت لَمْ يَحْصُلْ الْمَطْلُوبُ بِمَا قَرَّرَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَدْعِيَةِ فِي هَذَا الْفَرْقِ لَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ عَلَى أَنَّهُ بِعَيْنِهِ كُفْرٌ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّكْفِيرِ بِالْمَآلِ وَهُوَ لَا يَقُولُ بِهِ. قَالَ (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ مِنْ الدُّعَاءِ وَلَيْسَ بِكُفْرٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ مُحَرَّمًا، وَقَدْ حَضَرَنِي مِنْ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ اثْنَا عَشَرَ قِسْمًا ثَبَتَ الْحَصْرُ فِيهَا بِالِاسْتِقْرَاءِ فَتَكُونُ هِيَ ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّنْبِيهُ الثَّانِي) خَرَّجَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْ اللَّهِ وَالْحُلْمُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ الَّذِي يَكْرَهُهُ فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إذَا اسْتَيْقَظَ وَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -» قَالَ الْبَاجِيَّ: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَقُولُ فِي الِاسْتِعَاذَةِ - إذَا نَفَثَ عَنْ يَسَارِهِ: أَعُوذُ بِمَنْ اسْتَعَاذَتْ بِهِ مَلَائِكَةُ اللَّهِ وَرُسُلُهُ مِنْ شَرِّ مَا رَأَيْت فِي مَنَامِي هَذَا أَنْ يُصِيبَنِي مِنْهُ شَيْءٌ أَكْرَهُهُ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ عَلَى جَانِبِهِ الْآخَرِ اهـ وَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا الْمُبَشِّرَةَ أَوْ الصَّالِحَةَ، وَالْحُلْمُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا يُحْزِنُ، أَوْ الْكَاذِبَةُ يُخَيَّلُ بِهَا لِيَفْرَحَ أَوْ يَحْزَنَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: الْفَرْقُ بَيْنَ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ رُؤْيَا غَيْرِهِمْ إذَا أَخْطَأَ فِي تَأْوِيلِهَا لَا تَخْرُجُ كَمَا أُوِّلَتْ وَرُؤْيَا غَيْرِ الصَّالِحِ لَا يُقَالُ فِيهَا جُزْءٌ مِنْ النُّبُوَّةِ، وَإِنَّمَا يُلْهِمُ اللَّهُ - تَعَالَى - الرَّائِيَ التَّعَوُّذَ إذَا كَانَتْ مِنْ الشَّيْطَانِ أَوْ قَدَّرَ أَنَّهَا لَا تُصِيبُهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - فَإِنَّ شَرَّ الْقَدَرِ قَدْ يَكُونُ وُقُوعُهُ مَوْقُوفًا عَلَى عَدَمِ الدُّعَاءِ اهـ (وَصْلٌ فِي ثَمَانِ مَسَائِلَ) تَتَعَلَّقُ بِالرُّؤْيَا (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) خَرَّجَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ» قَالَ الْبَاجِيَّ فِي الْمُنْتَقَى قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَعْنَاهُ أَنَّ مُدَّةَ نُبُوَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً مِنْهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ نُبُوَّةٌ بِالرُّؤْيَا فَأَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إلَّا جَاءَتْ كَفَلَقِ الصُّبْحِ، وَنِسْبَةُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا، وَقِيلَ: أَجْزَاءٌ مِنْ النُّبُوَّةِ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا أَحَدٌ، وَرُوِيَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَرُوِيَ مِنْ سَبْعِينَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا فِي الرُّؤْيَا فَيُحْمَلَ الْأَوَّلُ عَلَى الْجَلِيَّةِ وَالْأَكْثَرِ مِنْ الْعَدَدِ عَلَى الرُّؤْيَا الْخَفِيَّةِ، أَوْ تَكُونَ السِّتَّةُ وَالْأَرْبَعُونَ هِيَ الْمُبَشِّرَةَ، وَالسَّبْعُونَ هِيَ الْمُحْزِنَةَ وَالْمَخُوفَةَ لِقِلَّةِ تَكَرُّرِهِ، وَلِمَا يَكُونُ جِنْسُهُ مِنْ الشَّيْطَانِ اهـ قَالَ الزَّرْقَانِيُّ: وَمَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مُدَّةَ نُبُوَّتِهِ إلَخْ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: بَعِيدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي بَعْدَ الْبَعْثَةِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَبْقَى حَدِيثُ سَبْعِينَ جُزْءًا لَا مَعْنَى لَهُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ. هَذَا وَإِنْ كَانَ وَجْهًا تَحْمِلُهُ قِسْمَةُ الْحِسَابِ وَالْعَدَدِ فَأَوَّلُ مَا يَجِبُ عَلَى قَائِلِهِ أَنْ يُثْبِتَ مَا ادَّعَاهُ خَبَرًا، وَلَمْ نَسْمَعْ فِيهِ أَثَرًا وَلَا ذَكَرَ مُدَّعِيهِ فِيهِ خَبَرًا، فَكَأَنَّهُ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ الظَّنِّ، وَالظَّنُّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا، وَلَيْسَ كُلُّ مَا خَفِيَ عَلَيْنَا عِلْمُهُ يَلْزَمُنَا حُجَّتُهُ كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ وَأَيَّامِ الصِّيَامِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ فَإِنَّا لَا نَصِلُ مِنْ عِلْمِهَا إلَى أَمْرٍ يُوجِبُ حَصْرَهَا تَحْتَ أَعْدَادِهَا. وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ فِي مُوجِبِ اعْتِقَادِنَا

الْمُحَرَّمَةَ وَمَا عَدَاهَا لَيْسَ مُحَرَّمًا عَمَلًا بِالِاسْتِقْرَاءِ فِي الْقِسْمَيْنِ، فَإِنْ ظَفِرَ أَحَدٌ بِقِسْمٍ آخَرَ مُحَرَّمٍ أَضَافَهُ لِهَذِهِ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَهَا أَنَا أُمَثِّلُ كُلَّ قِسْمٍ بِمُثُلِهِ اللَّائِقَةِ بِهِ لِيُقَاسَ عَلَيْهَا نَظَائِرُهَا : الْقِسْمُ الْأَوَّلُ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْمُسْتَحِيلَاتِ الَّتِي لَا تُخِلُّ بِجَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: (الْأَوَّلُ) أَنْ يَطْلُبَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهُ فِي مَكَانَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ لِيَكُونَ مُطَّلِعًا عَلَى أَحْوَالِ الْإِقْلِيمَيْنِ فَهَذَا سُوءُ أَدَبٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُطْلَبُ مِنْ الْمُلُوكِ إلَّا مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ فِي قُدْرَتِهِمْ وَمَنْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ عَرَّضَهُمْ لِلْعَجْزِ لَا سِيَّمَا وَالْعَبْدُ مَأْمُورٌ أَنْ لَا يَطْلُبَ إلَّا مَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ لِئَلَّا يَكُونَ مُتَهَكِّمًا بِالرُّبُوبِيَّةِ. ـــــــــــــــــــــــــــــSالْمُحَرَّمَةُ، وَمَا عَدَاهَا لَيْسَ مُحَرَّمًا عَمَلًا بِالِاسْتِقْرَاءِ فِي الْقِسْمَيْنِ، فَإِنْ ظَفِرَ أَحَدٌ بِقِسْمٍ آخَرَ أَضَافَهُ لِهَذِهِ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَهَا أَنَا أُمَثِّلُ كُلَّ قِسْمٍ بِمُثُلِهِ اللَّائِقَةِ بِهِ لِيُقَاسَ عَلَيْهَا نَظَائِرُهَا: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِيَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْمُسْتَحِيلَاتِ الَّتِي لَا تُخِلُّ بِجَلَالِ الرُّبُوبِيَّة وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهُ فِي مَكَانَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ لِيَكُونَ مُطَّلِعًا عَلَى أَحْوَالِ الْإِقْلِيمَيْنِ فَهَذَا سُوءُ أَدَبٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُطْلَبُ مِنْ الْمُلُوكِ إلَّا مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ فِي قُدْرَتِهِمْ وَمَنْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ عَرَّضَهُمْ لِلْعَجْزِ لَا سِيَّمَا وَالْعَبْدُ مَأْمُورٌ أَنْ لَا يَطْلُبَ إلَّا مَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ لِئَلَّا يَكُونَ مُتَهَكِّمًا بِالرُّبُوبِيَّةِ) . قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الدُّعَاءَ بِالْكَوْنِ فِي مَكَانَيْنِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ حَرَامٌ لَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ بِحُجَّةٍ غَيْرَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْمُلُوكِ وَهُوَ قِيَاسٌ فَاسِدٌ لِجَوَازِ الْعَجْزِ عَلَيْهِمْ وَامْتِنَاعِهِ عَلَيْهِ تَعَالَى. وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ مَأْمُورٌ أَنْ لَا يَطْلُبَ إلَّا مَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ هُوَ عَيْنُ الدَّعْوَى، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُتَهَكِّمًا بِالرُّبُوبِيَّةِ مَمْنُوعٌ وَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَهُ إلَّا الْقِيَاسَ عَلَى الْمُلُوكِ، وَمَا بَالُهُ يَقِيسُهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فِي قَصْدِ التَّعْجِيزِ وَالتَّهَكُّمِ وَلَا يَقِيسُهُ عَلَيْهِمْ فِي قَصْدِ الْمُبَالَغَةِ وَالْغُلُوِّ فِي التَّعْظِيمِ وَالتَّفْخِيمِ فَقَدْ خُوطِبَ الْمُلُوكُ بِنِسْبَةِ الْمُسْتَحِيلَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْعَادِيَّةِ إلَيْهِمْ عَلَى وَجْهِ الْغُلُوِّ فِي تَرْفِيعِهِمْ لَا عَلَى قَصْدِ تَعْجِيزِهِمْ بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مَنْ خَاطَبَ اللَّهَ تَعَالَى بِمِثْلِ ذَلِكَ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّعْظِيمِ كَمَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي حَقِّهِ أَوْ قَاصِدًا لِلتَّعْجِيزِ أَوْ غَيْرَ قَاصِدٍ لِهَذَا وَلَا لِهَذَا، فَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ لَا حَرَجَ بَلْ يَكُونُ مُطِيعًا مَأْجُورًا، وَعَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي يَكُونُ عَاصِيًا وَعَلَى التَّقْدِيرِ الثَّالِثِ يَكُونُ مُطِيعًا بِصُورَةِ الدُّعَاءِ مُثَابًا عَلَيْهِ غَيْرَ مُطِيعٍ وَلَا عَاصٍ بِالْقَصْدِ لِعُرُوِّهِ عَنْهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلُزُومِهَا قَالَ: وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ مَحْسُوبَةٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ لَكِنَّهُ يَلْحَقُ بِهَا سَائِرُ الْأَوْقَاتِ الَّتِي أُوحِيَ إلَيْهِ فِيهَا مَنَامًا فِي طُولِ الْمُدَّةِ كَرُؤْيَا أَحَدٍ دُخُولَ مَكَّةَ فَتَلَفَّقَ مِنْ ذَلِكَ مُدَّةٌ أُخْرَى تُزَادُ فِي الْحِسَابِ فَتَبْطُلُ الْقِسْمَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمُرَادَ عَلَى تَقْرِيرِ الصِّحَّةِ وَحْيُ الْمَنَامِ الْمُتَتَابِعِ فَمَا وَقَعَ فِي غُضُونِ وَحْيِ الْيَقَظَةِ يَسِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَحْيِ الْيَقَظَةِ فَهُوَ مَغْمُورٌ فِي جَانِبِ وَحْيِهَا فَلَمْ تُعْتَبَرْ بِهِ وَقَدْ ذَكَرُوا مُنَاسَبَاتٍ غَيْرَ ذَلِكَ يَطُولُ ذِكْرُهَا اهـ وَقَوْلُ الْبَاجِيَّ: وَرُوِيَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ إلَخْ قَالَ الزَّرْقَانِيُّ جُمْلَةُ الرِّوَايَاتِ عَشْرٌ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ مَا فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ، وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ» وَلَهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا وَلِلطَّبَرَانِيِّ عَنْهُ مِنْ سِتَّةٍ وَسَبْعِينَ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، وَعَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ وَعِنْدَ ابْنِ جَرِيرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «جُزْءٌ مِنْ خَمْسِينَ» وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي رَزِينٍ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ وَلِابْنِ جَرِيرٍ عَنْ عُبَادَةَ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَابْنُ النَّجَّارِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَوَقَعَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ وَفِي رِوَايَةِ عُبَادَةَ مِنْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ قَالَ الْحَافِظُ: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ اخْتِلَافِ الْأَعْدَادِ بِأَنَّهُ بِحَسَبِ الْوَقْتِ الَّذِي حَدَّثَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ كَانَ يَكُونُ لَمَّا أَكْمَلَ ثَلَاثَ عَشَرَةَ سَنَةً بَعْدَ مَجِيءِ الْوَحْيِ إلَيْهِ حَدَّثَ بِأَنَّ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ إنْ ثَبَتَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ وَقْتُ الْهِجْرَةِ. وَلَمَّا أَكْمَلَ عِشْرِينَ حَدَّثَ بِأَرْبَعِينَ، وَلَمَّا أَكْمَلَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ حَدَّثَ أَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ، ثُمَّ بَعْدَهَا بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ ثُمَّ حَدَّثَ بِسِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الرِّوَايَاتِ فَضَعِيفٌ، وَرِوَايَةُ خَمْسِينَ يَحْتَمِلُ جَبْرَ الْكَسْرِ وَالسَّبْعِينَ لِلْمُبَالَغَةِ، وَعَبَّرَ بِالنُّبُوَّةِ دُونَ الرِّسَالَةِ؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ بِالتَّبْلِيغِ بِخِلَافِ النُّبُوَّةِ فَاطِّلَاعٌ عَلَى بَعْضِ الْغَيْبِ، وَكَذَلِكَ الرُّؤْيَا قَالَ قَائِلٌ: فَإِذَا كَانَتْ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ فَكَيْفَ يَكُونُ لِلْكَافِرِ مِنْهَا نَصِيبٌ كَرُؤْيَا صَاحِبَيْ السِّجْنِ مَعَ يُوسُفَ وَرُؤْيَا مَلِكِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ جَالِينُوسَ عَرَضَ لَهُ وَرَمٌ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَتَّصِلُ مِنْهُ بِالْحِجَابِ فَأَمَرَهُ اللَّهُ فِي الْمَنَامِ بِفَصْدِ الْعِرْقِ الضَّارِبِ مِنْ كَفِّهِ الْيُسْرَى فَبَرَأَ أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَافِرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لَهَا فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَرَى مَا يَعُودُ عَلَيْهِ بِخَيْرٍ فِي دُنْيَاهُ كَمَا أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ لَيْسَ مَحَلًّا لَهَا ثُمَّ لَا يَمْتَنِعُ رُؤْيَتُهُ مَا يَعُودُ عَلَيْهِ بِخَيْرٍ دُنْيَوِيٍّ فَإِنَّ النَّاسَ فِي الرُّؤَى ثَلَاثُ دَرَجَاتِ: الْأَنْبِيَاءُ رُؤْيَاهُمْ كُلُّهَا صِدْقٌ، وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْبِيرٍ، وَالصَّالِحُونَ وَالْغَالِبُ عَلَى رُؤْيَاهُمْ الصِّدْقُ، وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْبِيرٍ، وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْبِيرٍ وَمَا عَدَاهُمْ يَقَعُ فِي رُؤْيَاهُمْ الصِّدْقُ وَالْأَضْغَاثُ، وَهُمْ ثَلَاثَةٌ: مَسْتُورُونَ فَالْغَالِبُ اسْتِوَاءُ الْحَالِ فِي حَقِّهِمْ

[المسألة الثانية رؤيا المنام هي رؤية العين]

الثَّانِي) أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى دَوَامَ إصَابَةِ كَلَامِهِ مِنْ الْحِكَمِ الدَّقِيقَةِ وَالْعُلُومِ الشَّرِيفَةِ أَبَدَ الدَّهْرِ لِيَفْتَخِرَ بِذَلِكَ عَلَى سَائِرِ الْفُضَلَاءِ وَيَنْتَفِعَ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ. (الثَّالِثُ) أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الِاسْتِغْنَاءَ فِي ذَاتِهِ عَنْ الْأَعْرَاضِ لِيَسْلَمَ طُولَ عُمْرِهِ مِنْ الْآلَامِ وَالْأَسْقَامِ وَالْأَنْكَادِ وَالْمَخَاوِفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبَلَايَا، وَقَدْ دَلَّتْ الْعُقُولُ عَلَى اسْتِحَالَةِ جَمِيعِ ذَلِكَ فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ مُسْتَحِيلَةً فِي حَقِّهِ عَقْلًا كَانَ طَلَبُهَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى سُوءَ أَدَبٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا يُعَدُّ فِي الْعَادَةِ تَلَاعُبًا وَضَحِكًا مِنْ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَجِبُ لَهُ مِنْ الْإِجْلَالِ فَوْقَ مَا يَجِبُ لِخَلْقِهِ فَمَا نَافَى إجْلَالَ خَلْقِهِ أَوْلَى أَنْ يُنَافِيَ جَلَالَهُ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ بَلْ قَدْ عَابَ اللَّهُ تَعَالَى جَمِيعَ خَلْقِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] أَيْ مَا عَظَّمُوهُ حَقَّ تَعْظِيمِهِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» أَيْ ثَنَاؤُك ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الثَّانِي أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى دَوَامَ إصَابَة كَلَامِهِ مِنْ الْحِكَمِ الدَّقِيقَةِ وَالْعُلُومِ الشَّرِيفَةِ أَبَدَ الدَّهْرِ لِيَفْتَخِرَ بِذَلِكَ عَلَى سَائِرِ الْفُضَلَاءِ وَيَنْتَفِعَ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ) قُلْت لَيْسَ هَذَا الْمِثَالُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ بَلْ هُوَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ طَلَبُ الْمُسْتَحِيلَاتِ الْعَادِيَّةِ. قَالَ (الثَّالِثُ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الِاسْتِغْنَاءَ فِي ذَاتِهِ عَنْ الْأَعْرَاضِ لِيَسْلَمَ طُولَ عُمْرِهِ مِنْ الْآلَامِ وَالْأَسْقَامِ وَالْأَنْكَادِ وَالْمَخَاوِفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبَلَايَا، وَقَدْ دَلَّتْ الْعُقُولُ عَلَى اسْتِحَالَةِ جَمِيعِ ذَلِكَ فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ مُسْتَحِيلَةً فِي حَقِّهِ عَقْلًا كَانَ طَلَبُهَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى سُوءَ أَدَبٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا يُعَدُّ فِي الْعَادَةِ تَلَاعُبًا وَضَحِكًا مِنْ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَجِبُ لَهُ مِنْ الْإِجْلَالِ فَوْقَ مَا يَجِبُ لِخَلْقِهِ فَمَا نَافَى إجْلَالَ خَلْقِهِ أَوْلَى أَنْ يُنَافِيَ جَلَالَهُ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مُسْتَحِيلَةٌ عَقْلًا خَطَأٌ بَلْ هِيَ مُسْتَحِيلَةٌ عَادَةً إلَّا الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ الْأَعْرَاضِ فَهُوَ مِنْ الْمُسْتَحِيلِ عَقْلًا خَاصَّةً عِنْدَ مَنْ لَا يُجَوِّزُ الْعَرَضَ لَا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُهُ، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ طَلَبَ ذَلِكَ سُوءُ أَدَبٍ قَدْ مَرَجُوا بِهِ، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ الْإِجْلَالِ إلَى آخِرِهِ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ فِي كَلَامِهِ إيهَامَ الْمُشَارَكَةِ فِي مُوجَبِ الْإِجْلَالِ مِنْ جِهَةِ اقْتِضَاءِ أَفْعَلْ الَّتِي لِلْمُفَاضَلَةِ. قَالَ (بَلْ قَدْ عَابَ اللَّهُ تَعَالَى جَمِيعَ خَلْقِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] أَيْ مَا عَظَّمُوهُ حَقَّ تَعْظِيمِهِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» أَيْ ثَنَاؤُك ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفَسَقَةٌ وَالْغَالِبُ عَلَى رُؤْيَاهُمْ الْأَضْغَاثُ، وَيَقِلُّ فِيهَا الصِّدْقُ، وَكُفَّارٌ وَيَنْدُرُ فِيهَا الصِّدْقُ جِدًّا، وَيَرْشُدُ لِذَلِكَ خَبَرُ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا «وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا» اهـ وَفِي الْقَبَسِ رُوِيَ أَيْضًا خَمْسَةٌ وَسِتُّونَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ وَخَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ فَاخْتَلَفَتْ الْأَعْدَادُ؛ لِأَنَّهَا رُؤْيَا النُّبُوَّةِ لَا نَفْسُ النُّبُوَّةِ وَجُعِلَتْ بِشَارَاتٍ بِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ جُزْءًا مِنْ سَبْعِينَ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ زَادَ حَتَّى بَلَغَ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ قَالَ: وَتَفْسِيرُهَا بِمُدَّةٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُفْتَقِرٌ لِنَقْلٍ صَحِيحٍ، وَلَمْ يُوجَدْ قَالَ: وَالْأَحْسَنُ قَوْلُ الْإِمَامِ الطَّبَرِيِّ عَالِمُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ: إنَّ نِسْبَةَ هَذِهِ الْأَعْدَادِ إلَى النُّبُوَّةِ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الرَّائِي فَرُؤْيَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ عَلَى نِسْبَتِهِ، وَاَلَّذِي دُونَ دَرَجَتِهِ دُونَ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَمْ يَبْقَ بَعْدِي مِنْ النُّبُوَّةِ إلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ» حَضٌّ عَلَى نَقْلِهَا وَالِاهْتِمَامِ بِهَا لِيَبْقَى لَهُمْ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جُزْءٌ مِنْ النُّبُوَّةِ فَبَشَّرَ بِذَلِكَ أُمَّتَهُ، وَلَا يُعَبِّرُ الرُّؤْيَا إلَّا مَنْ يَعْلَمُهَا وَيُحْسِنُهَا، وَإِلَّا فَلْيَتْرُكْ، وَسُئِلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيُفَسِّرُ الرُّؤْيَا كُلُّ أَحَدٍ قَالَ أَبِالنُّبُوَّةِ يُلْعَبُ؟ ، قِيلَ: لَهُ أَيُفَسِّرُهَا عَلَى الْخَيْرِ، وَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى الشَّرِّ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: الرُّؤْيَا عَلَى مَا أُوِّلَتْ؟ فَقَالَ: الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ أَفَيُتَلَاعَبُ بِأَمْرِ النُّبُوَّةِ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ رُؤْيَا الْمَنَامِ هِيَ رُؤْيَةُ الْعَيْنِ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْقَبَسِ لِأَصْحَابِنَا أَهْلِ السُّنَّةِ فِي رُؤْيَا الْمَنَامِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَقَالَ الْقَاضِي: هِيَ خَوَاطِرُ وَاعْتِقَادَاتٌ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ هِيَ إدْرَاكٌ بِأَجْزَاءٍ لَمْ تُحِلْهَا آفَةُ النَّوْمِ فَإِذَا رَأَى الرَّائِي أَنَّهُ بِالْمَشْرِقِ. وَهُوَ بِالْمَغْرِبِ أَوْ نَحْوَهُ فَهِيَ أَمْثِلَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - دَلِيلًا عَلَى تِلْكَ الْمَعَانِي كَمَا جُعِلَتْ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ وَالرُّقُومُ لِلْكِتَابَةِ دَلِيلًا عَلَى الْمَعَانِي فَإِذَا رَأَى اللَّهَ - تَعَالَى - أَوْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ أَمْثِلَةٌ تُضْرَبُ لَهُ بِقَدْرِ حَالِهِ فَإِنْ كَانَ مُوَحِّدًا رَآهُ حَسَنًا أَوْ مُلْحِدًا رَآهُ قَبِيحًا، وَهُوَ أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «رَأَيْت رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ» قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَالَ لِي بَعْضُ الْأُمَرَاءِ: رَأَيْت الْبَارِحَةَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَشَدِّ مَا يَكُونُ مِنْ السَّوَادِ فَقُلْت لَهُ: ظَلَمْت الْخَلْقَ وَغَيَّرْت الدِّينَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَالتَّغْيِيرُ فِيهِ لَا شَكَّ فِيهِ وَكَانَ مُتَغَيِّرًا عَلَيَّ، وَعِنْدَهُ كَاتِبُهُ وَصِهْرُهُ وَوَلَدُهُ فَأَمَّا الْكَاتِبُ فَمَاتَ، وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَتَنَصَّرَا، وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ مُسْتَنِدًا فَجَلَسَ عَلَى نَفْسِهِ وَجَعَلَ يَتَعَذَّرُ وَكَانَ آخِرُ كَلَامِهِ وَدِدْت أَنْ أَكُونَ حَمِيًّا لِنَخَلَاتٍ أَعِيشُ بِهَا بِالثَّغْرِ قُلْت لَهُ: وَمَا يَنْفَعُك أَنْ أَقْبَلَ أَنَا عُذْرَك فَخَرَجْت فَوَاَللَّهِ مَا تَوَقَّفَتْ لِي عِنْدَهُ بَعْدُ حَاجَةٌ، وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَقَالُوا: هِيَ تَخَايِيلُ لَا حَقِيقَةَ لَهَا، وَلَا دَلِيلَ فِيهَا وَجَرَتْ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى أُصُولِهَا فِي تَخْيِيلِهَا عَلَى الْعَادَةِ فِي إنْكَارِ أُصُولِ الشَّرْعِ فِي الْجِنِّ وَأَحَادِيثِهَا وَالْمَلَائِكَةِ وَكَلَامِهَا

[المسألة الثالثة والرابعة]

الْمُسْتَحَقُّ ثَنَاؤُك عَلَى نَفْسِك أَمَّا ثَنَاءُ الْخَلْقِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ دُونَ الْمُسْتَحَقِّ وَقِسْ عَلَى هَذِهِ الْمُثُلِ نَظَائِرَهَا وَاقْضِ بِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ وَلَا تَصِلْ إلَى الْكُفْرِ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ قِلَّةِ الْأَدَبِ فِي الْمُعَامَلَةِ دُونَ انْتِهَاكِ حُرْمَةِ ذِي الْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ (الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَا يَكُونُ كُفْرًا أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْمُسْتَحِيلَاتِ الْعَادِيَّةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا فَإِنَّ عَادَةَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَرْقُ الْعَادَةِ فَيَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ كَمَا سَأَلُوا نُزُولَ الْمَائِدَةِ مِنْ السَّمَاءِ وَخُرُوجَ النَّاقَةِ مِنْ الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ أَوْ يَكُونَ وَلِيًّا لَهُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى عَادَةً بِذَلِكَ فَهُوَ جَارٍ عَلَى عَادَتِهِ فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ قِلَّةُ أَدَبٍ أَوْ لَا يَكُونَ وَلِيًّا وَيَسْأَلَ خَرْقَ الْعَادَةِ وَيَكُونَ مَعْنَى سُؤَالِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ وَلِيًّا مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ خَرْقَ الْعَادَةِ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ لَيْسَتْ حَرَامًا، وَأَمَّا الْمُحَرَّمُ فَلَهُ أَمْثِلَةٌ: (الْأَوَّلُ) أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ التَّنَفُّسِ فِي الْهَوَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــSالْمُسْتَحَقُّ ثَنَاؤُك عَلَى نَفْسِك أَمَّا ثَنَاءُ الْخَلْقِ فَلَا لِأَنَّهُ دُونَ الْمُسْتَحَقِّ) قُلْت إنْ كَانَ الثَّنَاءُ اللَّائِقُ بِجَلَالِهِ تَعَالَى مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ اكْتِسَابِ الْبَشَرِ. ثُمَّ قَصَّرُوا فِيهِ لَحِقَهُمْ الذَّمُّ وَالْعَيْبُ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَدْخُلُ فَلَا يَلْحَقُهُمْ ذَمٌّ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا. قَالَ (وَقِسْ عَلَى هَذِهِ الْمُثُلِ نَظَائِرَهَا وَاقْضِ بِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ وَلَا تَصِلُ إلَى الْكُفْرِ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ قِلَّةِ الْأَدَبِ فِي الْمُعَامَلَةِ دُونَ انْتِهَاكِ حُرْمَةِ ذِي الْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ) قُلْت قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ عَلَى أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ قِلَّةُ أَدَبٍ فَلَا قِيَاسَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَا يَكُون كُفْرًا أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْمُسْتَحِيلَاتِ الْعَادِيَّةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا فَإِنَّ عَادَةَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَرْقُ الْعَادَةِ فَيَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ كَمَا سَأَلُوا نُزُولَ الْمَائِدَةِ مِنْ السَّمَاءِ وَخُرُوجَ النَّاقَةِ مِنْ الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ أَوْ يَكُونَ وَلِيًّا لَهُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى عَادَةً بِذَلِكَ فَهُوَ جَارٍ عَلَى عَادَتِهِ فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ قِلَّةُ أَدَبٍ أَوْ لَا يَكُونُ وَلِيًّا وَيَسْأَلُ خَرْقَ الْعَادَةِ وَيَكُونُ مَعْنَى سُؤَالِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ وَلِيًّا مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ خَرْقَ الْعَادَةِ فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ لَيْسَتْ حَرَامًا) قُلْت إجَازَةُ دُعَاءِ مَنْ لَيْسَ بِوَلِيٍّ بِخَرْقِ الْعَادَةِ إجَازَةٌ لِلدُّعَاءِ بِخَرْقِ الْعَادَةِ فَكُلُّ مَا أَنْكَرَهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ أَجَازَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَإِذَا أَجَازَهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَقَدْ أَجَازَهُ عَلَى الْجُمْلَةِ فَلَا يَصِحُّ لَهُ مَنْعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ (وَأَمَّا الْمُحَرَّمُ فَلَهُ أَمْثِلَةٌ الْأَوَّلُ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ التَّنَفُّسِ فِي الْهَوَاءِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ كَلَّمَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَوْتٍ لَسَمِعَهُ الْحَاضِرُونَ وَقَالَ صَالِحٌ الْمُعْتَزِلِيّ رُؤْيَا الْمَنَامِ هِيَ رُؤْيَةُ الْعَيْنِ، وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ رُؤْيَةٌ بِعَيْنَيْنِ فِي الْقَلْبِ يُبْصِرُ بِهِمَا وَأُذُنَيْنِ فِي الْقَلْبِ يَسْمَعُ بِهِمَا اهـ بِتَصَرُّفٍ [الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: الْإِدْرَاكُ يُضَادُّهُ النَّوْمُ اتِّفَاقًا، وَالرُّؤْيَا إدْرَاكُ الْمِثْلِ كَمَا تَقَدَّمَ فَكَيْفَ تَجْتَمِعُ مَعَ النَّوْمِ وَأَجَابَ بِأَنَّ النَّفْسَ ذَاتُ جَوَاهِرَ فَإِنْ عَمَّهَا النَّوْمُ فَلَا إدْرَاكَ، وَإِنْ عَمَّهَا الْإِدْرَاكُ فَلَا مَنَامَ، وَإِنْ قَامَ عَرَضُ النَّوْمِ بِبَعْضِهَا أَمْكَنَ قِيَامُ إدْرَاكِ الْمَنَامِ بِالْبَعْضِ الْآخَرِ؛ وَلِذَلِكَ إنَّ أَكْثَرَ الْمَنَامَاتِ آخِرَ اللَّيْلِ عِنْدَ خِفَّةِ النَّوْمِ اهـ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) : قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْمَضْنُونِ بِهِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ لَعَلَّ الْعَالِمَ الَّذِي طَبْعُهُ قَرِيبٌ مِنْ طَبْعِ الْعَوَامّ يَفْهَمُ أَنَّ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَأَى حَقِيقَةً شَخْصَهُ الْمُودَعَ فِي رَوْضَةِ الْمَدِينَةِ بِأَنْ شَقَّ الْقَبْرَ وَخَرَجَ مُرْتَحِلًا إلَى مَوْضِعِ الرُّؤْيَةِ، وَلَا شَكَّ فِي جَهْلِ مَنْ يَتَوَهَّمُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَدْ يُرَى أَلْفَ مَرَّةٍ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي أَلْفِ مَوْضِعٍ بِأَشْخَاصٍ مُخْتَلِفَةٍ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ شَخْصٌ وَاحِدٌ فِي مَكَانَيْنِ فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ شَخْصٌ وَاحِدٌ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ بِصُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ شَيْخٌ وَشَابٌّ طَوِيلٌ وَقَصِيرٌ إلَخْ وَيُرَى عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَمَنْ انْتَهَى حُمْقُهُ إلَى هَذَا الْحَالِ فَقَدْ انْخَلَعَ عَنْ رِبْقَةِ الْعَقْلِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَاطَبَ ثُمَّ حُقِّقَ أَنَّ الْمَرْئِيَّ مِثَالٌ صَارَ وَاسِطَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَذَلِكَ أَنَّ جَوْهَرَ النُّبُوَّةِ أَعْنِي الرُّوحَ الْمُقَدَّسَةَ الْبَاقِيَةَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ وَفَاتِهِ مُنَزَّهَةٌ عَنْ اللَّوْنِ وَالشَّكْلِ وَالصُّوَرِ، وَلَكِنَّ الْعَبْدَ ذَاتَهُ بِوَاسِطَةِ مِثَالٍ مَحْسُوسٍ مِنْ نُورٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصُّوَرِ الْجَمِيلَةِ الَّتِي تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مِثَالًا لِلْجَمَالِ الْحَقِيقِيِّ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي لَا صُورَةَ لَهُ، وَلَا لَوْنَ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمِثَالُ صَادِقًا حَقًّا وَوَاسِطَةً فِي التَّعْرِيفِ فَقَوْلُ الرَّائِي: رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ لَا بِمَعْنَى أَنِّي رَأَيْت ذَاتَ رُوحِهِ أَوْ ذَاتَ شَخْصِهِ بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهُ رَأَى مِثَالَهُ لَا مِثْلَهُ؛ إذْ الْمِثْلُ الْمُسَاوِي فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ، وَالْمِثَالُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْمُسَاوَاةِ؛ إذْ الْعَقْلُ مَعْنًى لَا يُمَاثِلُهُ غَيْرُهُ مُمَاثَلَةً حَقِيقِيَّةً وَلَنَا أَنْ نَضْرِبَ الشَّمْسَ لَهُ مِثَالًا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ. وَهُوَ أَنَّ الْمَحْسُوسَاتِ تَنْكَشِفُ بِنُورِ الشَّمْسِ كَمَا تَنْكَشِفُ الْمَعْقُولَاتُ بِالْعَقْلِ فَهَذَا الْقَدْرُ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ كَافٍ فِي الْمِثَالِ وَيُمَثَّلُ فِي النَّوْمِ السُّلْطَانُ بِالشَّمْسِ، وَالْوَزِيرُ بِالْقَمَرِ وَالسُّلْطَانُ لَا يُمَاثِلُ الشَّمْسَ بِصُورَتِهِ وَلَا بِمَعْنَاهُ، وَلَا الْوَزِيرُ يُمَاثِلُ الْقَمَرَ إلَّا أَنَّ السُّلْطَانَ لَهُ اسْتِعْلَاءٌ عَلَى الْكُلِّ، وَيَعُمُّ أَمْرُهُ الْجَمِيعَ، وَالشَّمْسُ تُنَاسِبُهُ فِي هَذَا الْقَدْرِ، وَالْقَمَرُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الشَّمْسِ وَالْأَرْضِ فِي إفَاضَةِ

[المسألة الخامسة تصح رؤية النبي عليه السلام لأحد رجلين]

لِيَأْمَنَ الِاخْتِنَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ دَلَّتْ الْعَادَةُ عَلَى اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ. (الثَّانِي) أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةِ مِنْ الْمَرَضِ أَبَدَ الدَّهْرِ لِيَنْتَفِعَ بِقُوَاهُ وَحَوَاسِّهِ وَأَعْضَائِهِ أَبَدَ الدَّهْرِ، وَقَدْ دَلَّتْ الْعَادَةُ عَلَى اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ. (الثَّالِثُ) أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الْوَلَدَ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ أَوْ الثِّمَارَ مِنْ غَيْرِ أَشْجَارٍ وَغِرَاسٍ، وَقَدْ دَلَّتْ الْعَادَةُ عَلَى اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ فَطَالِبُ ذَلِكَ مُسِيءُ الْأَدَبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الدَّاعِي اللَّهُمَّ لَا تَرْمِ بِنَا فِي شِدَّةٍ فَإِنَّ عَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى جَارِيَةٌ قَطْعًا بِوُقُوعِ بَعْضِ الْأَنْفُسِ فِي الشَّدَائِدِ بَلْ لَا تَكَادُ نَفْسٌ تَسْلَمُ مِنْ شِدَّةٍ فِي مُدَّةِ حَيَاتِهَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الدَّاعِي خَرَقَ اللَّهُ الْعَادَةَ فِي بَقَائِك وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْعُرْفِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ أَعْطِنَا خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاصْرِفْ عَنَّا شَرَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَحْصُلَ هَذَا الْمَدْعُوُّ بِهِ لِهَذَا الدَّاعِي فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ بِهَذَا الْعُمُومِ الْخُصُوصَ إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَفُوتَ هَذَا الدَّاعِي رُتْبَةُ النُّبُوَّةِ وَمَرْتَبَةُ الْمَلَائِكَةِ وَدَرَجَاتُ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْجَنَّةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُدْرِكَهُ بَعْضُ الشُّرُورِ وَلَوْ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَوَحْشَةَ الْقَبْرِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ بِهَذَا الْعُمُومِ الْخُصُوصَ وَقِسْ عَلَى هَذِهِ نَظَائِرَهَا ـــــــــــــــــــــــــــــSلِيَأْمَنَ الِاخْتِنَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ دَلَّتْ الْعَادَةُ عَلَى اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ) قُلْت قَدْ أَجَازَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْقَصْدِ لِطَلَبِ الْوِلَايَةِ وَحُكْمُهُ بِأَنَّهُ إسَاءَةُ أَدَبٍ دَعْوًى عَرِيَّةٌ عَنْ الْحُجَّةِ وَتَكْثِيرُهُ الْأَمْثِلَةَ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ. قَالَ (وَكَذَلِكَ قَوْلُ الدَّاعِي اللَّهُمَّ لَا تَرْمِ بِنَا فِي شِدَّةٍ فَإِنَّ عَادَةَ اللَّهِ جَارِيَةٌ قَطْعًا بِوُقُوعِ بَعْضِ الْأَنْفُسِ فِي الشَّدَائِدِ بَلْ لَا تَكَادُ نَفْسٌ تَسْلَمُ مِنْ شِدَّةٍ فِي مُدَّةِ حَيَاتِهَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الدَّاعِي خَرَقَ اللَّهُ الْعَادَةَ فِي بَقَائِك وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْعُرْفِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهُمَّ أَعْطِنَا خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاصْرِفْ عَنَّا شَرَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَحْصُلَ هَذَا الْمَدْعُوُّ بِهِ لِهَذَا الدَّاعِي، فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ بِهَذَا الْعُمُومِ الْخُصُوصَ إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَفُوتَ هَذَا الدَّاعِيَ رُتْبَةُ النُّبُوَّةِ وَمَرْتَبَةُ الْمَلَائِكَةِ وَدَرَجَاتُ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْجَنَّةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُدْرِكَهُ بَعْضُ الشُّرُورِ وَلَوْ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَوَحْشَةَ الْقَبْرِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ بِهَذَا الْعُمُومِ الْخُصُوصَ وَقِسْ عَلَى هَذَا نَظَائِرَهَا) قُلْت لَيْسَ كَوْنُ هَذِهِ الْأُمُورِ وَاقِعَةً عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ بِمُوجِبٍ أَنْ لَا تُطْلَبَ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ تُطْلَبَ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ وَغَايَتُهُ أَنْ نَقُولَ طَلَبُ مِثْلِ ذَلِكَ طَلَبٌ لِلْمُمْتَنِعِ عَادَةً عَلَى مَعْنَى أَنْ يَقْصِدَ الطَّالِبُ بِطَلَبِهِ أَنْ يَصِيرَ وَلِيًّا فَتُخْرَقَ لَهُ الْعَادَةُ فَقَدْ جَوَّزَ مَا مُنِعَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQالنُّورِ كَمَا أَنَّ الْوَزِيرَ وَالسُّلْطَانُ وَالرَّعِيَّةَ فِي نُورِ الْعَدْلِ فَهَذَا مِثَالٌ، وَلَيْسَ بِمَثَلٍ، وَقَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} [النور: 35] الْآيَةَ، وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ نُورِهِ وَبَيْنَ الزُّجَاجَةِ وَالْمِشْكَاةِ وَعَبَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّبَنِ فِي الْمَنَامِ بِالْإِسْلَامِ وَالْحَبْلِ بِالْقُرْآنِ، وَأَيُّ مُمَاثَلَةٍ بَيْنَ اللَّبَنِ وَالْإِسْلَامِ وَبَيْنَ الْحَبْلِ وَالْقُرْآنِ إلَّا فِي مُنَاسَبَةٍ، وَهُوَ أَنَّ الْحَبْلَ يُتَمَسَّكُ بِهِ فِي النَّجَاةِ، وَاللَّبَنُ غِذَاءُ الْحَيَاةِ الظَّاهِرَةِ، وَالْإِسْلَامُ غِذَاءُ الْحَيَاةِ الْبَاطِنَةِ فَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ مِثَالٌ، وَلَيْسَتْ بِمَثَلٍ اهـ الْمُرَادُ فَمِنْ هُنَا قَالَ الْأَصْلُ: إنَّ جَوَابَ الصُّوفِيَّةِ عَنْ اسْتِشْكَالِ كَوْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ يُرَى فِي مَكَانَيْنِ فِي الْآنِ الْوَاحِدِ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَالشَّمْسِ تُرَى فِي أَمَاكِنَ عِدَّةٍ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ بَاطِلٌ فَإِنَّ الْإِشْكَالَ لَمْ يَرِدْ فِي رُؤْيَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ مَوَاضِعَ عِدَّةٍ، وَهُوَ فِي مَكَان وَاحِدٍ حَتَّى يُصْبِحَ الْجَوَابُ عَنْهُ بِذَلِكَ بَلْ إنَّمَا وَرَدَ فِيهِ كَيْفَ يُرَى فِي مَوَاضِعَ عِدَّةٍ بِجُمْلَةِ ذَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ اتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ حُلُولَ الْجِسْمِ الْوَاحِدِ فِي الزَّمَنِ الْوَاحِدِ فِي مَكَانَيْنِ مُحَالٌ فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ فَلَا يُتَّجَهُ الْجَوَابُ إلَّا بِأَنَّ الْمَرْئِيَّ مِثَالُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا ذَاتُهُ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَرْئِيٍّ مِنْ بَحْرٍ أَوْ جَبَلٍ أَوْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إنَّمَا يُرَى مِثَالُهُ لَا هُوَ بِذَاتِهِ وَبِهِ يَظْهَرُ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَآنِي حَقًّا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي» وَأَنَّ التَّقْدِيرَ مَنْ رَأَى مِثَالِي فَقَدْ رَآنِي حَقًّا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِمِثَالِي، وَأَنَّ الْخَبَرَ إنَّمَا يَشْهَدُ بِعِصْمَةِ الْمِثَالِ عَنْ الشَّيْطَانِ، وَنَصَّ الْكَرْمَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ فِي تَأْوِيلِ الرُّؤْيَا أَنَّ الرُّسُلَ وَالْكُتُبَ الْمُنَزَّلَةَ وَالْمَلَائِكَةَ كَذَلِكَ مَعْصُومَةٌ عَنْ تَمَثُّلِ الشَّيْطَانِ بِمِثْلِهَا وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْمِثْلِ يُمْكِنُ حَقًّا وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قِبَلِ الشَّيْطَانِ، وَأَنَّهُ تَمَثَّلَ بِذَلِكَ الْمِثَالِ اهـ. [الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ تَصِحُّ رُؤْيَةُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ] (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّمَا تَصِحُّ رُؤْيَةُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) صَحَابِيٌّ رَآهُ فَعَلِمَ صِفَتَهُ فَالطَّبْعُ فِي نَفْسِهِ مِثَالُهُ، فَإِذَا رَآهُ جَزَمَ بِأَنَّهُ رَأَى مِثَالَهُ الْمَعْصُومَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَيَنْتَفِي عَنْهُ اللُّبْسُ، وَالشَّكُّ فِي رُؤْيَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَثَانِيهِمَا: رَجُلٌ تَكَرَّرَ عَلَيْهِ سَمَاعُ صِفَاتِهِ الْمَنْقُولَةِ فِي الْكُتُبِ حَتَّى انْطَبَعَتْ فِي نَفْسِهِ صِفَتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمِثَالُهُ الْمَعْصُومُ كَمَا حَصَلَ ذَلِكَ لِمَنْ رَآهُ فَإِذَا رَآهُ جَزَمَ بِرُؤْيَتِهِ مِثَالَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا يَجْزِمُ بِهِ مَنْ رَآهُ فَيَنْتَفِي عَنْهُ اللُّبْسُ وَالشَّكُّ فِي رُؤْيَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَمَّا غَيْرُ هَذَيْنِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْجَزْمُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَآهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِمِثَالِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَخْيِيلِ الشَّيْطَانِ، وَلَا يُفِيدُ قَوْلُ الْمَرْئِيِّ لِمَنْ رَآهُ أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، وَلَا قَوْلُ مَنْ يَحْضُرُ مَعَهُ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَكْذِبُ لِنَفْسِهِ وَيَكْذِبُ لِغَيْرِهِ فَلَا يَحْصُلُ الْجَزْمُ

بَلْ يَجِبُ عَلَى كُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَفْهَمَ عَوَائِدَ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَصَرُّفَاتِهِ فِي خَلْقِهِ وَرَبْطِهِ الْمُسَبَّبَاتِ بِالْأَسْبَابِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَعَ إمْكَانِ صُدُورِهَا عَنْ قُدْرَتِهِ بِغَيْرِ تِلْكَ الْأَسْبَابِ أَوْ بِغَيْرِ سَبَبٍ أَلْبَتَّةَ بَلْ رَتَّبَ اللَّهُ تَعَالَى مَمْلَكَتَهُ عَلَى نِظَامٍ وَوَضَعَهَا عَلَى قَانُونٍ قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء: 23] . فَإِذَا سَأَلَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى تَغْيِيرَ مَمْلَكَتِهِ وَنَقْضَ نِظَامِهِ وَسُلُوكَ غَيْرِ عَوَائِدِهِ فِي مُلْكِهِ كَانَ مُسِيئًا الْأَدَبَ عَلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ بَلْ ذَلِكَ سُوءُ أَدَبٍ عَلَى أَدْنَى الْمُلُوكِ بَلْ الْوُلَاةِ، وَلِذَلِكَ عَابَ الْعُلَمَاءُ وَغَلَّطُوا جَمَاعَةً مِنْ الْعُبَّادِ حَيْثُ تَوَسَّطُوا الْقِفَارَ مِنْ غَيْرِ زَادٍ وَلَجَّجُوا فِي الْبِحَارِ فِي زَمَنِ الْهَوْلِ فِي غَيْرِ الزَّمَنِ الْمُعْتَادِ طَالِبِينَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى خَرْقَ عَوَائِدِهِ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ فَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ سَائِرُونَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُمْ ذَاهِبُونَ عَنْهُ ظَانِّينَ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ هِيَ حَقِيقَةُ التَّوَكُّلِ وَأَنَّ مَا عَدَاهَا يُنَافِي الِاعْتِمَادَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ فَقَدْ دَخَلَ سَيِّدُ الْمُتَوَكِّلِينَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مَكَّةَ مَحْفُوفًا بِالْخَيْلِ وَالرَّجْلِ وَالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فِي كَتِيبَتِهِ الْخَضْرَاءِ مُظَاهِرًا بَيْنَ دِرْعَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (بَلْ يَجِبُ عَلَى كُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَفْهَمَ عَوَائِدَ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَصَرُّفَاتِهِ فِي خَلْقِهِ وَرَبْطِهِ الْمُسَبَّبَاتِ بِالْأَسْبَابِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَعَ إمْكَانِ صُدُورِهَا عَنْ قُدْرَتِهِ بِغَيْرِ تِلْكَ الْأَسْبَابِ أَوْ بِغَيْرِ سَبَبٍ أَلْبَتَّةَ بَلْ رَتَّبَ اللَّهُ تَعَالَى مَمْلَكَتَهُ عَلَى نِظَامٍ دَبَّرَهُ وَوَضَعَهَا عَلَى قَانُونٍ قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ فَإِذَا سَأَلَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى تَغْيِيرَ مَمْلَكَتِهِ وَنَقْضَ نِظَامِهِ وَسُلُوكَ غَيْرِ عَوَائِدِهِ فِي مُلْكِهِ كَانَ مُسِيئًا الْأَدَبَ عَلَيْهِ بَلْ ذَلِكَ سُوءُ أَدَبٍ عَلَى أَدْنَى الْمُلُوكِ بَلْ الْوُلَاةِ) قُلْت لَمْ يَأْتِ عَلَى دَعْوَاهُ بِحُجَّةٍ، وَمَا قَالَ إنَّهُ سُوءُ أَدَبٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ طَلَبُ خَرْقِ الْعَادَةِ هُوَ عَيْنُ مَا جَوَّزَهُ لِلدَّاعِي عَلَى قَصْدِ أَنْ يَصِيرَ وَلِيًّا وَبِالْجُمْلَةِ فَكُلُّ مَا مَنَعَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَدْعِيَةِ لَمْ يَأْتِ عَلَى مَنْعِهِ بِحُجَّةٍ أَصْلًا إلَّا مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْمُلُوكِ وَهُوَ قِيَاسٌ فَاسِدٌ لَا شَكَّ فِي فَسَادِهِ. قَالَ (وَلِذَلِكَ عَابَ الْعُلَمَاءُ وَغَلَّطُوا جَمَاعَةً مِنْ الْعُبَّادِ حَيْثُ تَوَسَّطُوا الْقِفَارَ بِغَيْرِ زَادٍ وَلَجَّجُوا فِي الْبِحَارِ فِي زَمَنِ الْهَوْلِ فِي غَيْرِ الزَّمَنِ الْمُعْتَادِ طَالِبِينَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى خَرْقَ عَوَائِدِهِ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ فَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ سَائِرُونَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُمْ ذَاهِبِينَ عَنْهُ ظَانِّينَ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ هِيَ حَقِيقَةُ التَّوَكُّلِ وَأَنَّ مَا عَدَاهَا يُنَافِي الِاعْتِمَادَ عَلَى الرَّبِّ، وَهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ فَقَدْ دَخَلَ سَيِّدُ الْمُتَوَكِّلِينَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ مَحْفُوفًا بِالْخَيْلِ وَالرَّجْلِ وَالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فِي كَتِيبَتِهِ الْخَضْرَاءِ مُظَاهِرًا بَيْنَ دِرْعَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهَذَا، وَإِنْ كَانَ صَرِيحًا فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ مِثَالِهِ الْمَخْصُوصِ لَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ فِي التَّعْبِيرِ أَنَّ الرَّائِيَ يَرَاهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - شَيْخًا وَشَابًّا وَأَسْوَدَ وَذَاهِبَ الْعَيْنَيْنِ وَذَاهِبَ الْيَدَيْنِ وَعَلَى أَنْوَاعٍ شَتَّى مِنْ الْمُثُلِ الَّتِي لَيْسَتْ مِثَالَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ صِفَاتُ الرَّائِينَ وَأَحْوَالُهُمْ تَظْهَرُ فِيهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَهُوَ كَالْمِرْآةِ لَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ قَالَ الْأَصْلُ قُلْت: لِبَعْضِ مَشَايِخِي فَكَيْفَ يَبْقَى الْمِثَالُ مَعَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الْمُضَادَّةِ لَهُ فَقَالَ لِي: لَوْ كَانَ لَك أَبٌ شَابٌّ تَغَيَّبْتَ عَنْهُ ثُمَّ جِئْته فَوَجَدْته شَيْخًا أَوْ أَصَابَهُ يَرَقَانُ أَصْفَرُ أَوْ يَرَقَانُ أَسْوَدُ أَوْ أَصَابَهُ بَرَصٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ قُطِعَتْ أَعْضَاؤُهُ أَكُنْت تَشُكُّ فِيهِ أَنَّهُ أَبُوك فَقُلْت: لَا فَقَالَ لِي مَا ذَاكَ إلَّا لِمَا ثَبَتَ فِي نَفْسِك مِنْ مِثَالِهِ الْمُتَقَدِّمِ عِنْدَك الَّذِي لَا تَجْهَلُهُ بِعُرُوضِ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَهُ فَكَذَلِكَ مَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ فِي نَفْسِهِ مِثَالُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَذَا لَا يَشُكُّ فِيهِ مَعَ عُرُوضِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَثِقُ بِأَنَّهُ رَآهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِذَا صَحَّ لَهُ الْمِثَالُ وَانْضَبَطَ فَالسَّوَادُ يَدُلُّ عَلَى ظُلْمِ الرَّائِي وَالْعَمَى يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إيمَانِهِ؛ لِأَنَّهُ إدْرَاكُ ذَاهِبٍ، وَقَطْعُ الْيَدِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ ظُهُورِ الشَّرِيعَةِ وَنُفُوذِ أَوَامِرِهَا، فَإِنَّ الْيَدَ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الْقُدْرَةِ، وَكَوْنُهُ أَمْرَدَ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ بِهِ فَإِنَّ الشَّابَّ يُحْتَقَرُ، وَكَوْنُهُ شَيْخًا يَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِ النُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّيْخَ يُعَظَّمُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى الْأَحْكَامِ الْمُخْتَلِفَةِ اهـ (الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْعَطَّارِ أَنَّهُ قَالَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الرُّؤْيَا التَّعْوِيلُ عَلَيْهَا فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لِاحْتِمَالِ الْخَطَأِ فِي التَّحَمُّلِ وَعَدَمِ ضَبْطِ الرَّائِي عَلَى أَنَّ الْعِزَّ بْنَ عَبْدِ السَّلَامِ لَمَّا رَأَى رَجُلٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ يَقُولُ لَهُ: إنَّ فِي الْمَحَلِّ الْفُلَانِيِّ رِكَازًا اذْهَبْ فَخُذْهُ، وَلَا خُمُسَ عَلَيْك فَذَهَبَ وَوَجَدَهُ وَاسْتَفْتَى الْعُلَمَاءَ قَالَ لِذَلِكَ الرَّائِي أَخْرِجْ الْخُمُسَ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِالتَّوَاتُرِ، وَقُصَارَى رُؤْيَتِك الْآحَادُ اهـ فَلِذَا لَمَّا اضْطَرَبَتْ أَرَاءُ الْفُقَهَاءِ فِيمَنْ رَآهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْمَنَامِ فَقَالَ لَهُ إنَّ امْرَأَتَك طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَهُوَ يَجْزِمُ أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا بِالتَّحْرِيمِ وَعَدَمِهِ لِتَعَارُضِ خَبَرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ تَحْرِيمِهَا فِي النَّوْمِ، وَإِخْبَارُهُ فِي الْيَقَظَةِ فِي شَرِيعَتِهِ الْمُعَظَّمَةِ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ لَهُ اسْتَظْهَرَ الْأَصْلُ أَنَّ إخْبَارَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْيَقَظَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْخَبَرِ فِي النَّوْمِ لِتَطَرُّقِ الِاحْتِمَالِ لِلرَّائِي بِالْغَلَطِ فِي ضَبْطِهِ الْمِثَالَ قَالَ فَإِذَا عَرَضْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا احْتِمَالَ طُرُوءِ الطَّلَاقِ مَعَ الْجَهْلِ بِهِ وَاحْتِمَالَ طُرُوءِ الْغَلَطِ فِي الْمِثَالِ فِي النَّوْمِ وَجَدْنَا الْغَلَطَ فِي الْمِثَالِ أَيْسَرَ وَأَرْجَحَ، وَمَنْ هُوَ مِنْ النَّاسِ يَضْبِطُ الْمِثَالَ عَلَى النَّحْوِ الْمُتَقَدِّمِ إلَّا أَفْرَادٌ قَلِيلَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ لِصِفَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَمَّا ضَبْطُ عَدَمِ الطَّلَاقِ فَلَا يَخْتَلُّ إلَّا عَلَى النَّادِرِ مِنْ النَّاسِ

عَلَى رَأْسِهِ مِغْفَرٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَقَالَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ مَنْ يَعْصِمُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي وَكَانَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ عِنْدَ أَكْمَلِ أَحْوَالِهِ مَعَ رَبِّهِ يَدَّخِرُ لِعِيَالِهِ قُوتَ سَنَةٍ وَهُوَ سَيِّدُ الْمُتَوَكِّلِينَ وَتَحْقِيقُ هَذَا الْبَابِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ التَّوَكُّلَ اعْتِمَادُ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا يَطْلُبُهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ يَكْرَهُهُ مِنْ ضَيْرٍ لِأَجْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــSعَلَى رَأْسِهِ مِغْفَرٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَقَالَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ مَنْ يَعْصِمُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي وَكَانَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ عِنْدَ غَايَةِ كَمَالِهِ مَعَ رَبِّهِ مُدَّخِرًا لِعِيَالِهِ قُوتَ سَنَةٍ وَهُوَ سَيِّدُ الْمُتَوَكِّلِينَ) قُلْت تَغْلِيطُ مَنْ غَلَّطَ مِنْ الْعُلَمَاءِ جَمَاعَةَ الْعُبَّادِ فِيمَا ذَكَرَهُ غَلَطٌ مِنْ أُولَئِكَ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى إسَاءَتِهِمْ الظَّنَّ بِأُولَئِكَ الْعُبَّادِ، وَإِسَاءَةُ الظَّنِّ بِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَمْنُوعَةٌ شَرْعًا فَكَيْفَ بِالْعُبَّادِ مِنْهُمْ وَالْعُبَّادُ وَاَلَّذِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ تَعَوَّدَ خَرْقَ الْعَادَةِ لَهُ مِمَّنْ لَمْ يَتَعَوَّدْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانُوا مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَلَا عَيْبَ عَلَيْهِمْ. وَإِنْ كَانُوا مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ أَحْوَالٌ لَا يَسْتَطِيعُونَ دَفْعَهَا أَوْ مِمَّنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِمْ أَحْوَالٌ كَذَلِكَ، فَإِنْ كَانُوا مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَلَا عَيْبَ عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِمْ دَفْعَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي يَكُونُونَ مُرْتَكِبِينَ لِمَمْنُوعٍ فَيَلْحَقُهُمْ الْعَيْبُ فَمَا بَالُ أُولَئِكَ الْعُلَمَاءِ حَكَمُوا عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ مِنْ هَذَا الْأَخِيرِ دُونَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي أَلَيْسَ ذَلِكَ إسَاءَةَ ظَنٍّ فِي مَوْطِنٍ يُمْكِنُ فِيهِ تَحْسِينُهُ وَلَمْ يُسَأْ بِهِمْ الظَّنُّ فَيُظَنُّ أَنَّهُمْ ظَانُّونَ أَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةُ التَّوَكُّلِ بَلْ الظَّنُّ بِهِمْ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ حَقِيقَةَ التَّوَكُّلِ وَأَنَّهُ كَمَا لَا يُنَافِي التَّسَبُّبَ لَا يُنَافِي أَيْضًا عَدَمَ التَّسَبُّبِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ عَلَى أَنَّ التَّوَكُّلَ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ التَّسَبُّبِ إذْ مَسَاقُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّوَكُّلَ مَعَ التَّسَبُّبِ يَصِحُّ وَمَعَ عَدَمِ التَّسَبُّبِ يَصِحُّ، وَمَا عَدَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى التَّوَكُّلِ إلَّا لِأَنَّهُ الْمُعَلِّمُ الْمُقْتَدَى بِهِ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْخَوَاصِّ وَالْجُمْهُورِ فَلَمَّا تَطْمَئِنُّ نُفُوسُهُمْ إلَّا مَعَ التَّسَبُّبِ وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ وَارِدَةٌ عَلَى الْغَالِبِ لَا عَلَى النَّادِرِ. مَعَ أَنَّهُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ التَّوَكُّلَ وَإِنْ صَحَّ مَعَ التَّسَبُّبِ وَعَدَمِهِ فَالتَّوَكُّلُ مَعَ التَّسَبُّبِ رَاجِحٌ فِي حَقِّهِ لِلْحَاجَةِ لِتَعْلِيمِ الْجُمْهُورِ كَمَا سَبَقَ، وَلِأَمْنِهِ مِنْ شَائِبَةِ مُرَاعَاةِ الْأَسْبَابِ لِعِصْمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالتَّوَكُّلُ مَعَ عَدَمِ التَّسَبُّبِ رَاجِحٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِعَدَمِ أَمْنِهِ مِنْ شَائِبَةِ مُرَاعَاةِ الْأَسْبَابِ لِعَدَمِ عِصْمَتِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ (وَتَحْقِيقُ هَذَا الْبَابِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ التَّوَكُّلَ اعْتِمَادُ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا يَطْلُبُهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ يَكْرَهُهُ مِنْ ضَيْرٍ لِأَجْلِ ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْعَمَلُ بِالرَّاجِحِ مُتَعَيِّنٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ عَنْ حَلَالٍ: إنَّهُ حَرَامٌ أَوْ عَنْ حَرَامٍ: إنَّهُ حَلَالٌ أَوْ عَنْ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ قَدَّمْنَا مَا ثَبَتَ فِي الْيَقَظَةِ عَلَى مَا رَأَى فِي النَّوْمِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ كَمَا لَوْ تَعَارَضَ خَبَرَانِ مِنْ أَخْبَارِ الْيَقَظَةِ صَحِيحَانِ فَإِنَّا نُقَدِّمُ الْأَرْجَحَ بِالسَّنَدِ أَوْ بِاللَّفْظِ أَوْ بِفَصَاحَتِهِ أَوْ قِلَّةِ الِاحْتِمَالِ فِي الْمَجَازِ أَوْ غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ خَبَرُ الْيَقَظَةِ، وَخَبَرُ النَّوْمِ يُخَرَّجَانِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ اهـ. (الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَمُحِلِّيهِ اُخْتُلِفَ هَلْ يَجُوزُ الرُّؤْيَةُ لَهُ - تَعَالَى - فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّ الْمَرْئِيَّ فِيهِ خَيَالٌ وَمِثَالٌ، وَذَلِكَ عَلَى الْقَدِيمِ مُحَالٌ وَقِيلَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ لَا اسْتِحَالَةَ لِذَلِكَ فِي الْمَنَامِ اهـ قَالَ الْمَحَلِّيُّ وَالْعَطَّارُ عَلَيْهِ وَقَدْ ذُكِرَ وُقُوعُهَا فِي الْمَنَامِ لِكَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْت رَبَّ الْعِزَّةِ فِي الْمَنَامِ فَقُلْت: يَا رَبِّ مَا أَفْضَلُ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْمُتَقَرِّبُونَ قَالَ كَلَامِي يَا أَحْمَدُ فَقُلْت: بِفَهْمٍ وَبِغَيْرِ فَهْمٍ قَالَ بِفَهْمٍ وَبِغَيْرِ فَهْمٍ وَرَآهُ أَحْمَدُ بْنُ حَضْرَوَيْهِ فَقَالَ لَهُ يَا أَحْمَدُ كُلُّ الْخَلْقِ يَطْلُبُونَ مِنِّي إلَّا أَبَا يَزِيدَ فَإِنَّهُ يُطَالِبنِي، وَعَلَى ذَلِكَ الْمُعَبِّرُونَ لِلرُّؤْيَا فَإِنَّهُمْ يَعْقِدُونَ فِي كُتُبِهِمْ بَابًا لِرُؤْيَةِ الرَّبِّ جَلَّ وَعَلَا وَبَالَغَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي إنْكَارِهِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَنْعِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْمَضْمُونِ بِهِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ: الْحَقُّ أَنَّا نُطْلِقُ الْقَوْلَ بِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يُرَى فِي الْمَنَامِ كَمَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرَى نَعَمْ ذَاتُ اللَّهِ - تَعَالَى - وَذَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُرَيَانِ وَإِنَّمَا الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يُرَى مِثَالٌ يَعْتَقِدُهُ النَّائِمُ ذَاتَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَذَاتَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَيْفَ يُنْكَرُ ذَاكَ مَعَ وُجُودِهِ فِي الْمَنَامَاتِ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَرَهُ بِنَفْسِهِ فَقَدْ تَوَاتَرَ إلَيْهِ مِنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَلِكَ قَالَ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَا مِثْلَ لَهُ بِخِلَافِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ لَهُ مَثَلًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمِثْلِ وَالْمِثَالِ بِأَنَّ الْمِثْلَ الْمُسَاوِيَ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ، وَالْمِثَالُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْمُسَاوَاةِ إلَخْ اهـ فَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأَصْلُ رُؤْيَةُ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي النَّوْمِ تَصِحُّ وَلِذَلِكَ أَحْوَالٌ ثَلَاثَةٌ (أَحَدُهَا) : أَنْ يَرَاهُ فِي النَّوْمِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْمَعْقُولُ وَالْمَنْقُولُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَنُعُوتِ الْجَلَالِ لَهُ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الصِّفَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى الْحُدُوثِ مِنْ الْجِسْمِيَّةِ وَالتَّحَيُّزِ وَالْجِهَةِ فَهَذَا كَمَا نُجَوِّزُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَنَجْزِمُ بِوُقُوعِهِ فِيهَا لِلْمُؤْمِنِ كَذَلِكَ نُجَوِّزُهُ فِي الدُّنْيَا لَكِنْ مَنْ ادَّعَى هَذِهِ الْحَالَةَ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا مِنْ الْعُصَاةِ، أَوْ مِنْ الْمُقَصِّرِينَ كَذَّبْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الْمُتَّقِينَ لَا نُكَذِّبُهُ وَنُسَلِّمُ لَهُ حَالَةَ وقَوْله تَعَالَى {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] فِيهِ تَأْوِيلَاتٌ، وَهُوَ عُمُومٌ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ، وَإِخْبَارُ الْوَلِيِّ الْمَوْثُوقِ بِدِينِهِ الْمُبَرَّزِ فِي عَدَالَتِهِ يَصْلُحُ لِتَقْوِيَةِ بَعْضِ التَّأْوِيلَاتِ وَلِتَخْصِيصِ هَذَا الْعَامِّ وَخَبَرُ الْعَدْلِ مَقْبُولٌ فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ وَنَحْنُ نَقْبَلُ خَبَرَ الْأَوْلِيَاءِ فِي وُقُوعِ الْكَرَامَاتِ الَّتِي هِيَ

أَنَّهُ الْمُسْتَوْلِي بِقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ عَلَى سَائِرِ الْكَائِنَاتِ مِنْ غَيْرِ مُشَارِكٍ لَهُ فِي ذَلِكَ {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 2] وَمَعَ ذَلِكَ فَلَهُ عَوَائِدُ فِي مُلْكِهِ رَتَّبَهَا بِحِكْمَتِهِ فَمُقْتَضَى شُمُولِ قُدْرَتِهِ انْقِطَاعُ الْقَلْبِ عَنْ غَيْرِهِ وَمُقْتَضَى سُلُوكُ أَدَبِهِ الْتِمَاسُ فَضْلِهِ مِنْ عَوَائِدِهِ. وَقَدْ انْقَسَمَ الْخَلْقُ فِي هَذَا الْمَقَامِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ عَامَلُوا اللَّهَ تَعَالَى بِمُقْتَضَى شُمُولِ قُدْرَتِهِ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَحَصَلُوا عَلَى حَقِيقَةِ التَّوَكُّلِ وَأَعْرَضُوا عَنْ الْأَسْبَابِ فَفَاتَهُمْ الْأَدَبُ الْوَاجِبُ الِاتِّبَاعِ. وَقِسْمٌ لَاحَظُوا الْأَسْبَابَ وَاسْتَوْلَتْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَحَجَبَتْهُمْ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فَهَؤُلَاءِ فَاتَهُمْ التَّوَكُّلُ وَالْأَدَبُ وَهَذَا هُوَ الْمَهْيَعُ الْعَامُّ الَّذِي هَلَكَ فِيهِ أَكْثَرُ الْخَلَائِقِ، وَقِسْمٌ عَامَلُوا اللَّهَ تَعَالَى بِمُقْتَضَى شُمُولِ قُدْرَتِهِ وَعَوَائِدِهِ فِي مَمْلَكَتِهِ فَهَؤُلَاءِ جَامِعُونَ بَيْنَ التَّوَكُّلِ وَالْأَدَبِ وَهَذَا مَقَامُ الْأَنْبِيَاءِ وَخَوَاصِّ الْعُلَمَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالْأَصْفِيَاءِ. وَاعْلَمْ أَنَّ قَلِيلَ الْأَدَبِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْعَمَلِ وَلِذَلِكَ هَلَكَ إبْلِيسُ وَضَاعَ أَكْثَرُ عَمَلِهِ بِقِلَّةِ أَدَبِهِ فَنَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــSأَنَّهُ الْمُسْتَوْلِي بِقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ عَلَى سَائِرِ الْكَائِنَاتِ مِنْ غَيْرِ مُشَارِكٍ لَهُ فِي ذَلِكَ {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 2] قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ لَا رَيْبَ فِيهِ. قَالَ (وَمَعَ ذَلِكَ فَلَهُ عَوَائِدُ فِي مُلْكِهِ رَتَّبَهَا بِحِكْمَتِهِ فَمُقْتَضَى شُمُولِ قُدْرَتِهِ انْقِطَاعُ الْقَلْبِ عَنْ غَيْرِهِ وَمُقْتَضَى سُلُوكِ أَدَبِهِ الْتِمَاسُ فَضْلِهِ مِنْ عَوَائِدِهِ، ثُمَّ قَالَ قِسْمٌ عَامَلُوا اللَّهَ تَعَالَى بِمُقْتَضَى شُمُولِ قُدْرَتِهِ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَحَصَلُوا عَلَى حَقِيقَةِ التَّوَكُّلِ وَأَعْرَضُوا عَنْ الْأَسْبَابِ فَفَاتَهُمْ الْأَدَبُ الْوَاجِبُ الِاتِّبَاعِ) . قُلْت قَدْ اعْتَرَفَ هُنَا بِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّوَكُّلِ الْمُعَامَلَةُ بِمُقْتَضَى شُمُولِ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ مَعَ الْإِعْرَاضِ عَنْ الْأَسْبَابِ وَهُوَ عَيْنُ مَا عَابَ عَلَى الْعُبَّادِ حَيْثُ قَالَ ظَانِّينَ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ هِيَ حَقِيقَةُ التَّوَكُّلِ فَقَوْلُهُ هُنَا مُنَاقِضٌ بِظَاهِرِهِ لِذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ أَنَّ التَّوْكِيلَ يَصِحُّ مَعَ التَّسَبُّبِ وَمَعَ عَدَمِ التَّسَبُّبِ وَأَنَّ الرُّسُلَ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ يَتَرَجَّحُ فِي حَقِّهِمْ التَّوَكُّلُ مَعَ التَّسَبُّبِ لِضَرُورَةِ اقْتِدَاءِ الْجُمْهُورِ بِهِمْ مَعَ مَا تَخْتَصُّ بِهِ الرُّسُلُ مِنْ الْعِصْمَةِ وَأَنَّ مَنْ عَدَاهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ مُقْتَضَيَا لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ يَتَرَجَّحُ فِي حَقِّهِ التَّوَكُّلُ مَعَ عَدَمِ التَّسَبُّبِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ شَائِبَةِ مُرَاعَاةِ الْأَسْبَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ (وَاعْلَمْ أَنَّ قَلِيلَ الْأَدَبِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْعَمَلِ وَلِذَلِكَ هَلَكَ إبْلِيسُ وَضَاعَ أَكْثَرُ عَمَلِهِ بِقِلَّةِ أَدَبِهِ فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى السَّلَامَةَ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ الْمُحَصِّلَةِ لِلْعُلُومِ الْقَطْعِيَّاتِ فَكَيْفَ فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ الَّتِي لَا تُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ فَتَأَمَّلْ هَذَا (وَثَانِيهَا) : أَنْ يَرَاهُ فِي صُورَةٍ مُسْتَحِيلَةٍ عَلَيْهِ كَمَنْ يَقُولُ: رَأَيْته فِي صُورَةِ رَجُلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْسَامِ الْمُسْتَحِيلَةِ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْت اللَّهَ - تَعَالَى - فِي صُورَةِ فَرَسٍ وَفَهِمَ هَذَا الرَّائِي أَنَّ هَذَا الْجِسْمَ مِنْ إنْسَانٍ وَغَيْرِهِ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَأَمْرٌ وَارِدٌ مِنْ قِبَلِهِ يَقْتَضِي حَالَةً مِنْ هَذَا الرَّائِي وَيَتَقَاضَاهَا مِنْهُ أَوْ يَأْمُرُهُ بِخَيْرٍ أَوْ يَنْهَاهُ عَنْ شَرٍّ، وَيَقُولُ لَهُ: أَنَا اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَامْتَثِلْ أَمْرِي وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهَذِهِ الْحَالَةُ أَيْضًا صَحِيحَةٌ جَائِزَةٌ عَلَى إطْلَاقِ لَفْظِ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى هَذَا الْجِسْمِ فَفِي الْقُرْآنِ {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22] فَعَبَّرَ - تَعَالَى - عَنْ أَمْرِهِ الْوَارِدِ مِنْ قِبَلِهِ بِاللَّفْظِ الْخَاصِّ بِالرُّبُوبِيَّةِ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ لَفْظِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ وَلَفْظِ الْمُؤَثِّرِ عَلَى الْأَثَرِ، وَهُوَ مَجَازٌ مَشْهُورٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَمَسْطُورٌ فِي كُتُبِ الْمَجَازِ وَالْحَقِيقَةِ وَفِي التَّوْرَاةِ جَاءَ اللَّهُ مِنْ سَيْنَاءَ وَأَشْرَقَ مِنْ سَاغَيْنِ وَاسْتَعْلَنَ مِنْ جِبَالِ فَارَانَ إشَارَةً إلَى التَّوْرَاةِ النَّازِلَةِ بِطُورِ سَيْنَاءَ وَالْإِنْجِيلِ النَّازِلِ بِسَاغَيْنِ مَوْضِعٌ بِالشَّامِ وَالْقُرْآنِ النَّازِلِ بِمَكَّةَ فَارَانُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَقَّ جَاءَ مِنْ سَيْنَاءَ، وَهُوَ التَّوْرَاةُ وَكَثُرَ ظُهُورُهُ وَعَلَنُهُ بِتَقْوِيَةِ الْإِنْجِيلِ لَهُ فَإِنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بُعِثَ لِنُصْرَةِ التَّوْرَاةِ وَتَقْوِيَتِهَا وَإِرَادَةِ الْعَلَانِيَةِ وَالظُّهُورِ وَاسْتُكْمِلَ الْحَقُّ وَاسْتُوْفِيَتْ الْمَصَالِحُ وَوَصَلَ الْبَيَانُ وَالْكَمَالُ فِي الشَّرْعِ إلَى أَقْصَى غَايَتِهِ بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَالشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْكُتُبُ بِاسْمِ اللَّهِ - تَعَالَى؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِهَتِهِ وَقِبَلِهِ عَلَى الْمَجَازِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْ ذَلِكَ «يَنْزِلُ رَبُّنَا إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فِي الثُّلُثِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ» الْحَدِيثَ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ أَنَّهُ تَنْزِلُ رَحْمَتُهُ فَسَمَّاهَا بِاسْمِهِ لِكَوْنِهَا مِنْ قِبَلِهِ وَمِنْ أَثَرِهِ كَذَلِكَ هَذِهِ الْمُثُلُ الْقَائِلَةُ فِي النَّوْمِ أَنَا اللَّهُ هُوَ صَحِيحٌ جَائِزٌ عَلَى الْمَجَازِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّ اللَّهَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْخَلَائِقِ فِي صُورَةٍ يُنْكِرُونَهَا وَيَقُولُونَ: لَسْت رَبَّنَا» فَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِيهِمْ فِي صُورَةٍ، وَتَسْمِيَتُهُ لِهَذِهِ الصُّورَةِ بِاسْمِ اللَّهِ - تَعَالَى - هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ؛ لِأَنَّهَا صُورَةٌ مِنْ آثَارِهِ، وَفِتْنَةٌ يَخْتَبِرُ بِهَا خَلْقَهُ فَهَذِهِ الْمُلَازَمَةُ وَالْعَلَاقَةُ حُسْنُ إطْلَاقِ لَفْظِ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَيْهَا مَجَازًا كَمَا تَقَدَّمَ فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْمُثُلُ فِي النَّوْمِ حُكْمُهَا حُكْمُ هَذِهِ الْأَجْسَامِ فِي الْيَقَظَةِ (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) : أَنْ يَرَى هَذِهِ الصُّورَةَ الْحَسَنَةَ الْجِسْمِيَّةَ، وَلَا يَعْتَقِدُ أَنَّهَا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - حَقِيقَةً، وَلَا يَخْطِرُ لَهُ فِي النَّوْمِ مَعْنَى الْمَجَازِ أَلْبَتَّةَ، فَهَذِهِ الرُّؤْيَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً، وَيَكُونَ الْمُرَادُ الْمَجَازَ، وَلَكِنَّهُ جَهْلُ الْمَجَازِ فَكَانَ الْغَلَطُ مِنْهُ لَا فِي الرُّؤْيَا بَلْ فِي الْمُرَادِ بِهَا كَمَا يَرِدُ اللَّفْظُ فِي الْيَقَظَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَجَازُ وَالسَّامِعُ يَفْهَمُ الْحَقِيقَةَ كَمَا

[المسألة السابعة تحقيق مثل الرؤيا وبيانها]

فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَالَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ اجْعَلْ عَمَلَك مِلْحًا وَأَدَبَك دَقِيقًا أَيْ لِيَكُنْ اسْتِكْثَارُك مِنْ الْأَدَبِ أَكْثَرَ مِنْ اسْتِكْثَارِك مِنْ الْعَمَلِ لِكَثْرَةِ جَدْوَاهُ وَنَفَاسَةِ مَعْنَاهُ وَيَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ طَلَبِ خَرْقِ الْعَوَائِدِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] أَيْ لَا تَرْكَبُوا الْأَخْطَارَ الَّتِي دَلَّتْ الْعَادَةُ عَلَى أَنَّهَا مُهْلِكَةٌ وقَوْله تَعَالَى {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197] أَيْ الْوَاقِيَةُ لَكُمْ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى السُّؤَالِ وَالسَّرِقَةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُسَافِرُونَ إلَى الْجِهَادِ وَالْحَجِّ بِغَيْرِ زَادٍ فَرُبَّمَا وَقَعَ بَعْضُهُمْ فِي إحْدَى الْمَفْسَدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فَأَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِالْتِزَامِ الْعَوَائِدِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ تَرْكَهَا فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مَنْهِيٌّ عَنْ ضِدِّهِ بَلْ أَضْدَادِهِ. وَقَدْ قِيلَ لِبَعْضِهِمْ إنْ كُنْت مُتَوَكِّلًا عَلَى اللَّهِ وَمُعْتَمِدًا عَلَيْهِ وَوَاثِقًا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ فَأَلْقِ نَفْسَك مِنْ هَذَا الْحَائِطِ فَإِنَّهُ لَا يُصِيبُك إلَّا مَا قُدِّرَ لَك فَقَالَ إنَّ اللَّهَ خَلَقَ عِبَادَهُ لِيُجَرِّبَهُمْ وَيَمْتَحِنَهُمْ لَا لِيُجَرِّبُوهُ وَيَمْتَحِنُوهُ إشَارَةً إلَى سُلُوكِ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ الْأَدَبِ مَعَهُ وَمَعَ عِبَادِهِ حَتَّى نَلْقَاهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ. ـــــــــــــــــــــــــــــSفِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَالَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ لِابْنِهِ اجْعَلْ عَمَلَك مِلْحًا وَأَدَبَك دَقِيقًا أَيْ لِيَكُنْ اسْتِكْثَارُك مِنْ الْأَدَبِ أَكْثَرَ مِنْ اسْتِكْثَارِك مِنْ الْعَمَلِ لِكَثْرَةِ جَدْوَاهُ وَنَفَاسَةِ مَعْنَاهُ) قُلْت مُسَلَّمٌ أَنَّ قِلَّةَ الْأَدَبِ مَمْنُوعَةٌ وَلَكِنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَدْعِيَةِ مِنْ جُمْلَةِ قِلَّةِ الْأَدَبِ. قَالَ (وَيَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ طَلَبِ خَرْقِ الْعَوَائِدِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] أَيْ لَا تَرْكَبُوا الْأَخْطَارَ الَّتِي دَلَّتْ الْعَادَةُ عَلَى أَنَّهَا مُهْلِكَةٌ وقَوْله تَعَالَى {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197] أَيْ الْوَاقِيَةُ لَكُمْ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى السُّؤَالِ وَالسَّرِقَةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُسَافِرُونَ إلَى الْجِهَادِ وَالْحَجِّ بِغَيْرِ زَادٍ فَرُبَّمَا وَقَعَ بَعْضُهُمْ فِي إحْدَى الْمَفْسَدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فَأَمَرَهُمْ اللَّهُ بِالْتِزَامِ الْعَوَائِدِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ تَرْكَهَا فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مَنْهِيٌّ عَنْ ضِدِّهِ بَلْ أَضْدَادِهِ. وَقَدْ قِيلَ لِبَعْضِهِمْ إنْ كُنْت مُتَوَكِّلًا عَلَى اللَّهِ وَمُعْتَمِدًا عَلَيْهِ وَوَاثِقًا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ فَأَلْقِ نَفْسَك مِنْ هَذَا الْحَائِطِ فَإِنَّهُ لَا يُصِيبُك إلَّا مَا قُدِّرَ لَك فَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ عِبَادَهُ لِيُجَرِّبَهُمْ وَيَمْتَحِنَهُمْ لَا لِيُجَرِّبُوهُ وَيَمْتَحِنُوهُ إشَارَةً إلَى سُلُوكِ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ الْأَدَبِ مَعَ وَمِنْ عِبَادِهِ حَتَّى نَلْقَاهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ) وَقُلْت كُلُّ مَا ذَكَرَهُ مُحْتَجًّا بِهِ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَقْصُودُهُ فَإِنَّ كُلَّ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ طَلَبِ الْمُسْتَحِيلِ، وَإِنَّمَا فِيهِ ـــــــــــــــــــــــــــــQاتَّفَقَ لِلْحَشَوِيَّةِ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ فَكَانَ الْغَلَطُ مِنْهُمْ لَا فِي الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ بَلْ فِي الْمُرَادِ بِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ كَذِبًا وَمُحَالًا، وَالشَّيْطَانُ يُخَيِّلُ لَهُ بِذَلِكَ لِيَضِلَّهُ أَوْ يُخْزِيَهُ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مَكَائِدِهِ - لَعَنَهُ اللَّهُ - فَهَذِهِ الرُّؤْيَا مَوْضِعُ التَّثَبُّتِ وَالْخَوْفِ مِنْ الْغَلَطِ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ هَذَا الرَّائِي وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْزِمَ بِأَنَّ الَّذِي رَآهُ لَيْسَ رَبَّهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ بَلْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ أَعْنِي مِنْ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ عَلَى الْمَجَازِ، أَوْ كَاذِبَةٌ وَمُحَالٌ مِنْ تَخْيِيلِ الشَّيْطَانِ وَاقِعٌ لَهُ وَيَنْظُرُ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ مِنْهُمَا فَيَعْتَقِدُهُ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ أَعْرَضَ عَنْ الرُّؤْيَا بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى يَتَّضِحَ لَهُ الصَّوَابُ، وَلَا يَعْتَقِدَ مَعَ ذَلِكَ الْإِشْكَالِ أَنَّهَا حَقٌّ، وَأَنَّ الَّذِي رَآهُ رَبُّهُ، وَإِلَّا فَهُوَ كَافِرٌ لَكِنْ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ الْحَشَوِيَّةِ نَعَمْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الْجِسْمُ بِاعْتِبَارِ مَا فِي حَالَتِهِ مِنْ الْحَقَارَةِ وَمُنَافَاةِ الرُّبُوبِيَّةِ مِمَّا يُجْمِعُ الْأُمَّةُ حَتَّى الْحَشَوِيَّةَ عَلَى التَّكْفِيرِ مَنْ يَعْتَقِدُ فِيهَا الرُّبُوبِيَّةَ كَصُورَةِ الدَّجَّالِ وَصُورَةِ فَرَسٍ وَنَحْوِهِ مِنْ السِّبَاعِ أَوْ غَيْرِهَا وَصُورَةِ رَجُلٍ فِي طَاقٍ أَوْ خِزَانَةٍ أَوْ مَطْمُورَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تُحِيلُهُ الْحَشَوِيَّةُ وَأَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى؛ إذْ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْحَشَوِيَّةَ لَيْسَتْ كُفَّارًا إنَّمَا هُوَ مَعَ قَوْلِهِمْ بِالتَّنَزُّهِ عَنْ الْعَوَرِ وَالْعَمَى وَالْآفَاتِ وَالنَّقَائِصِ بَلْ اقْتَصَرُوا عَلَى الْجِسْمِيَّةِ خَاصَّةً مَعَ التَّنْزِيهِ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ فَمَنْ اعْتَقَدَ الْجِسْمِيَّةَ مَعَ بَعْضِ صِفَاتِ النَّقْصِ، فَأَوَّلُ مَنْ يُكَفِّرُهُ الْحَشَوِيَّةُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَهَذَا تَفْصِيلُ الْأَحْوَالِ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ - تَعَالَى -. [الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ تَحْقِيقِ مِثْلِ الرُّؤْيَا وَبَيَانِهَا] (الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) تَحْقِيقُ مِثْلِ الرُّؤْيَا، وَبَيَانُهَا هُوَ أَنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى الْمَعَانِي كَدَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ الصَّوْتِيَّةِ وَالرُّقُومِ الْكِتَابِيَّةِ عَلَيْهَا فَكَمَا يَقَعُ فِي دَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَعَانِيهَا مِنْ الْمُشْتَرَكِ وَالْمُتَوَاطِئِ وَالتَّرَادُفِ وَالْمُتَبَايِنِ وَالْمَجَازِ وَالْحَقِيقَةِ وَالْمَفْهُومِ وَالْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ وَالْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ وَالتَّصْحِيفِ وَالْقَلْبِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ وَالْمُعَارِضِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ كَذَلِكَ يَقَعُ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِي دَلَالَةِ هَذِهِ الْمُثُلِ عَلَى الْمَعَانِي حَتَّى يَقَعَ فِيهَا مَا يَقَعُ فِي الْأَلْفَاظِ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ أَبُو يُوسُفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزَيْدٌ زُهَيْرٌ شِعْرًا وَحَاتِمٌ جُودًا وَجَمِيعُ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ فَالْمُشْتَرَكُ كَالْفِيلِ هُوَ مَلِكٌ أَعْجَمِيٌّ، وَهُوَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ نَقَلَهُ الْكَرْمَانِيُّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَادَةَ الْهِنْدِ إذَا طَلَّقَ أَحَدٌ ثَلَاثًا جَرَّسُوهُ عَلَى فِيلٍ فَمَا كَانَ مِنْ لَوَازِمِ الطَّلَاقِ عُبِّرَ بِهِ عَنْ الطَّلَاقِ، وَالْمُتَوَاطِئُ كَالشَّجَرَةِ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الرِّجَالِ وَالْمُقَيَّدِ وَالْمُطْلَقِ فِيمَا إذَا كَانَتْ تَنْبُتُ فِي الْعَجَمِ فَهُوَ رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ أَوْ عِنْدَ الْعَرَبِ فَهُوَ رَجُلٌ عَرَبِيٌّ أَوْ لَا ثَمَرَ لَهَا فَلَا خَيْرَ فِيهِ أَوْ لَهَا شَوْكٌ فَهُوَ كَثِيرُ الشَّرِّ أَوْ ثَمَرُهَا لَهُ قِشْرٌ كَالرُّمَّانِ فَلَهُ خَيْرٌ لَا يُوصَلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ مَشَقَّةٍ أَوْ لَا قِشْرَ لَهُ كَالتُّفَّاحِ وَالْخَوْخِ فَيُوصَلُ لِخَبَرِهِ بِلَا مَشَقَّةٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَكَمَا وَقَعَ التَّقْيِيدُ بِالْقُيُودِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْمَرْئِيِّ كَذَلِكَ

(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ وَهُوَ مُحَرَّمٌ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ عَلَى نَفْيِهِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] مَعَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ قَالَ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» فَقَدْ دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَرْفُوعَةٌ عَنْ الْعِبَادِ فَيَكُونُ طَلَبُهَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى طَالِبًا لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ فَيَكُونُ سُوءَ أَدَبٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ طَلَبٌ عَرِيَ عَنْ الْحَاجَةِ وَالِافْتِقَارِ إلَيْهِ وَلَوْ أَنَّ أَحَدَنَا سَأَلَ بَعْضَ الْمُلُوكِ أَمْرًا فَقَضَاهُ لَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ إيَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَالِمًا بِقَضَائِهِ لَهُ لَعُدَّ هَذَا الطَّلَبُ الثَّانِي اسْتِهْزَاءً بِالْمَلِكِ وَتَلَاعُبًا بِهِ وَلَحَسُنَ مِنْ ذَلِكَ الْمَلِكِ تَأْدِيبُهُ فَأَوْلَى أَنْ يَسْتَحِقَّ التَّأْدِيبَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــSالْمَنْعُ مِنْ ارْتِكَابِ الْعَمَلِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ مُغَايِرٌ لِطَلَبِ خَرْقِهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ أَحَدِهِمَا الْمَنْعُ مِنْ الْآخَرِ. قَالَ (الْقِسْمُ الثَّالِثُ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ وَهُوَ مُحَرَّمٌ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ عَلَى نَفْيِهِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْته عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ. مَعَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» فَقَدْ دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَرْفُوعَةٌ عَنْ الْعِبَادِ فَيَكُونُ طَلَبُهَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى طَلَبًا لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ فَيَكُونُ سُوءَ أَدَبٍ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ طَلَبٌ عَرِيَ عَنْ الْحَاجَةِ وَالِافْتِقَارِ إلَيْهِ وَلَوْ أَنَّ أَحَدَنَا سَأَلَ بَعْضَ الْمُلُوكِ أَمْرًا فَقَضَاهُ لَهُ. ثُمَّ سَأَلَهُ إيَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَالِمًا بِقَضَائِهِ لَهُ لَعُدَّ هَذَا الطَّلَبُ الثَّانِي اسْتِهْزَاءً بِالْمَلِكِ وَتَلَاعُبًا بِهِ وَلَحَسُنَ مِنْ ذَلِكَ الْمَلِكِ تَأْدِيبُهُ فَأَوْلَى أَنْ يَسْتَحِقَّ الْأَدَبَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى) قُلْت لَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ عَلَى مَا ادَّعَاهُ غَيْرَ مَا عَوَّلَ عَلَيْهِ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْمَمْلُوكِ وَهُوَ قِيَاسٌ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْجَامِعِ، وَكَيْفَ يُقَاسُ الْخَالِقُ بِالْمَخْلُوقِ وَالرَّبُّ بِالْمَرْبُوبِ وَالْخَالِقُ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ النَّقْصُ وَالْمَخْلُوقُ يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّقْصُ، ثُمَّ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ عَرِيَ عَنْ الْحَاجَةِ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ حَمْلِهِ عَلَى طَلَبِ مِثْلِهِ أَوْ الْإِجَابَةِ بِإِعْطَاءِ الْعِوَضِ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ وَلِمَ لَا يَكُونُ الدُّعَاءُ بِمَا ذَكَرَهُ، وَمَا أَشْبَهَ مِمَّا يَمْتَنِعُ وَيَتَعَذَّرُ عَقْلًا وَعَادَةً مُتَنَوِّعًا بِحَسَبِ الدَّاعِي بِهِ. فَإِنْ كَانَ غَافِلًا عَنْ تَعَذُّرِهِ فَلَا ـــــــــــــــــــــــــــــQيَقَعُ بِأَحْوَالِ الرَّائِي فَالصَّاعِدُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَلِي وِلَايَةً وَالْوِلَايَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْوِلَايَاتِ وَمُطْلَقَةٌ. فَإِنْ كَانَ الرَّائِي فَقِيهًا كَانَتْ الْوِلَايَةُ قَضَاءً أَوْ أَمِيرًا فَوَالٍ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمُلْكِ فَمَلِكٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ بِقَرِينَةِ الرَّائِي، وَحَالُهُ تَنْصَرِفُ لِلْخَيْرِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الشَّرَّ وَلِلشَّرِّ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الْخَيْرَ فَمَنْ رَأَى أَنَّهُ مَاتَ فَالرَّجُلُ الْخَيِّرُ مَاتَتْ حُظُوظُهُ، وَصَلُحَتْ نَفْسُهُ، وَالرَّجُلُ الشِّرِّيرُ مَاتَ قَلْبُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] أَيْ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [يونس: 31] أَيْ الْكَافِرَ مِنْ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلِمَ مِنْ الْكَافِرِ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ، وَالْمُتَرَادِفَةُ كَالْفَاكِهَةِ فَالصَّفْرَاءُ تَدُلُّ عَلَى الْهَمِّ، وَحَمْلُ الصَّغِيرِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَالْمُتَبَايِنُ كَالْأَخْذِ مِنْ الْمَيِّتِ وَالدَّفْعِ لَهُ فَالْأَوَّلُ جَيِّدٌ؛ لِأَنَّهُ كَسْبٌ مِنْ جِهَةٍ مَيْئُوسٍ مِنْهَا، وَالثَّانِي رَدِيءٌ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ وَرِزْقٌ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ، وَرُبَّمَا كَانَ لِمَنْ لَا دِينَ لَهُ؛ لِأَنَّ الدِّينَ ذَهَبَ عَنْ الْمَوْتَى لِذَهَابِ التَّكْلِيفِ عَنْهُمْ وَالْمَجَازُ وَالْحَقِيقَةُ كَالْبَحْرِ هُوَ السُّلْطَانُ حَقِيقَةً وَيُعَبَّرُ بِهِ عَنْ سِعَةِ الْعِلْمِ مَجَازًا، وَالْعُمُومُ كَمَنْ رَأَى أَنَّ أَسْنَانَهُ سَقَطَتْ فِي التُّرَابِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ يَمُوتُ أَقَارِبُهُ كُلُّهَا فَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ يَمُوتُ بَعْضُ أَقَارِبِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ فَهُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ. وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ أَبُو حَنِيفَةَ فَكَالرُّؤْيَا يَرَاهَا الرَّائِي لِشَخْصٍ، وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ يُشْبِهُهُ أَوْ بَعْضُ أَقَارِبِهِ أَوْ مَنْ تَسَمَّى بِاسْمِهِ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِمَّنْ يُشَارِكُهُ فِي صِفَتِهِ فَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِهِ كَمَا عَبَّرْنَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِأَبِي حَنِيفَةَ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي صِفَةِ الْفِقْهِ وَعَبَّرْنَا عَنْ زَيْدٍ بِزُهَيْرٍ لِمُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي الشِّعْرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْمُثُلِ، وَالْقَلْبُ وَالتَّصْحِيفُ كَمَا رَأَى الْمِصْرِيُّونَ أَنَّ رَوَاسًا أَخَذَ مِنْهُمْ الْمُلْكَ فَعُبِّرَ لَهُمْ بِأَنَّ شَاوَرَ يَأْخُذُهُ وَكَانَ كَذَلِكَ فَقَلَبَ وَصُحِّفَ رُوَاسٌ، وَالتَّصْحِيفُ فَقَطْ كَمَا رَأَى مَلِكُ الْعَرَبِ قَائِلًا يَقُولُ لَهُ خَالِفْ الْحَقَّ مِنْ عُذْرٍ فَقِيلَ لَهُ: أَنْتَ تَقْصِدُ النَّكْثَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ فَحَذِرْت مِنْ ذَلِكَ فِي الرُّؤْيَا؛ إذْ الْمُرَادُ خَالِفْ الْحَقَّ مِنْ غَدْرٍ فَدَخَلَهُ التَّصْحِيفُ وَبَسْطُ هَذِهِ التَّفَاصِيلِ فِي كُتُبِ التَّعْبِيرِ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمُثُلَ كَالْأَلْفَاظِ فِي الدَّلَالَةِ، وَأَنَّهَا تُشَارِكُهَا فِي أَحْوَالِهَا هَذَا تَنْقِيحُ مَا فِي الْأَصْلِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ (تَنْبِيهٌ) قَالَ الْأَصْلُ: ضَوَابِطُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَالتَّحَدُّثِ فِي الْفِقْهِ وَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُلُومِ مَحْصُورَةٌ أَوْ قَرِيبَةٌ مِنْ الْحَصْرِ فَيَقْدِرُ أَنْ يَعْتَمِدَ فِيهَا عَلَى مُجَرَّدِ الْمَنْقُولَاتِ وَأَمَّا عِلْمُ تَفْسِيرِ الْمَنَامَاتِ فَقَدْ اتَّسَعَتْ تَقْيِيدَاتُهُ وَتَشَعَّبَتْ تَخْصِيصَاتُهُ وَتَنَوَّعَتْ تَعْرِيفَاتُهُ بِحَيْثُ صَارَتْ مُنْتَشِرَةً انْتِشَارًا شَدِيدًا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ ضَبْطٍ فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُعْتَمَدَ فِيهِ عَلَى مُجَرَّدِ الْمَنْقُولَاتِ لِكَثْرَةِ التَّخْصِيصَاتِ بِأَحْوَالِ

[الفرق بين قاعدة ما يباح في عشرة الناس من المكارمة وقاعدة ما ينهى عنه من ذلك]

وَلَوْ رَأَيْنَا رَجُلًا يَقُولُ اللَّهُمَّ افْرِضْ عَلَيْنَا الصَّلَاةَ وَأَوْجِبْ عَلَيْنَا الزَّكَاةَ وَاجْعَلْ السَّمَاءَ فَوْقَنَا وَالْأَرْضَ تَحْتَنَا لَبَادَرْنَا إلَى الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ لِقُبْحِ مَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ التَّلَاعُبِ وَالِاسْتِهْزَاءِ فِي دُعَائِهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الدَّاعِي بِقَوْلِهِ إنْ نَسِينَا أَيْ تَرَكْنَاهُ مَعَ مُتَعَمِّدٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الجاثية: 34] وقَوْله تَعَالَى {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67] أَيْ تَرَكُوا طَاعَتَهُ فَتَرَكَ اللَّهُ الْإِحْسَانَ إلَيْهِمْ فَهَذَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ طَلَبَ الْعَفْوَ عَمَّا لَمْ يُعْلَمْ الْعَفْوُ فِيهِ أَمَّا النِّسْيَانُ الَّذِي هُوَ التَّرْكُ مَعَ غَفْلَةِ الَّذِي هُوَ مُشْتَهِرٌ فِي الْعُرْفِ لَا يَجُوزُ طَلَبُ الْعَفْوِ فِيهِ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْعَفْوِ فِيهِ وَعَنْهُ قَدْ عُلِمَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ـــــــــــــــــــــــــــــSبَأْسَ عَلَيْهِ لِمَا ثَبَتَ مِنْ رَفْعِ الْحَرَجِ عَنْ الْغَافِلِ وَإِذَا كَانَ غَيْرَ غَافِلٍ، فَإِنْ كَانَ قَاصِدًا لِطَلَبِ ذَلِكَ الْمُتَعَذِّرِ بِعَيْنِهِ فَلَا مَانِعَ أَنْ يُعَوِّضَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ لِلْعِوَضِ كَمَا إذَا طَلَبَ غَيْرَ الْمُتَعَذِّرِ وَكَانَ مِمَّا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ جَزَاءٌ لَهُ عَلَى لَجْئِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَابْتِهَالِهِ إلَى عَظِيمِ كَمَالِهِ وَجَلَالِهِ، وَإِنْ كَانَ قَاصِدًا لِلتَّلَاعُبِ وَالِاسْتِهْزَاءِ أَوْ التَّعْجِيزِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهَاهُنَا يَكُونُ عَاصِيًا بِسَبَبِ قَصْدِهِ ذَلِكَ لَا بِمُجَرَّدِ دُعَائِهِ بِالْمُتَعَذِّرِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشِّهَابِ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ (وَلَوْ رَأَيْنَا رَجُلًا يَقُولُ اللَّهُمَّ افْرِضْ عَلَيْنَا الصَّلَاةَ وَأَوْجِبْ عَلَيْنَا الزَّكَاةَ وَاجْعَلْ السَّمَاءَ فَوْقَنَا وَالْأَرْضَ تَحْتَنَا لَبَادَرْنَا إلَى الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ لِقُبْحِ مَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ التَّلَاعُبِ وَالِاسْتِهْزَاءِ فِي دُعَائِهِ) قُلْت إنَّمَا ذَلِكَ الْإِنْكَارُ مَبْنِيٌّ عَلَى سُوءِ أَحْوَالِهِ بِهِ وَكَوْنِ الْعَادَةِ جَارِيَةً بِسَبَقِ ذَلِكَ إلَى نَفْسِ السَّامِعِ لِذَلِكَ الدُّعَاءِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْعَادَةِ جَارِيَةً بِسَبْقِ الظَّنِّ السَّيْءِ بِذَلِكَ الدَّاعِي أَنْ تَكُونَ حَالُهُ فِي دُعَائِهِ ذَلِكَ مُوَافِقَةً لِذَلِكَ الظَّنِّ بَلْ إنْ كَانَتْ حَالُهُ فِي دُعَائِهِ ذَلِكَ مُوَافِقَةً لِذَلِكَ الظَّنِّ كَانَ عَاصِيًا وَإِلَّا فَلَا. قَالَ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ الدَّاعِي بِقَوْلِهِ إنْ نَسِينَا أَيْ تَرَكْنَاهُ مَعَ التَّعَمُّدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الجاثية: 34] وقَوْله تَعَالَى {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67] أَيْ تَرَكُوا طَاعَتَهُ فَتَرَكَ اللَّهُ الْإِحْسَانَ إلَيْهِمْ فَهَذَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ طَلَبُ الْعَفْوِ عَمَّا لَمْ يُعْلَمْ الْعَفْوُ فِيهِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذَا صَحِيحٌ. قَالَ (أَمَّا النِّسْيَانُ الَّذِي هُوَ التَّرْكُ مَعَ الْغَفْلَةِ الَّذِي هُوَ مُشْتَهِرٌ فِي الْعُرْفِ لَا يَجُوزُ طَلَبُ الْعَفْوِ فِيهِ لِأَنَّ طَلَبَ الْعَفْوِ فِيهِ وَعَنْهُ قَدْ عُلِمَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ) . قُلْت لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ النِّسْيَانُ الْعُرْفِيُّ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا تَسَبُّبَ فِيهِ أَوْ مِمَّا لَهُ فِيهِ تَسَبُّبٌ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَوَّلِ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إلَى دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ طَلَبُ الْعَفْوِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قِلَّةُ أَدَبٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الثَّانِي فَلَا شَكَّ ـــــــــــــــــــــــــــــQالرَّائِينَ بَلْ لَا جَرَمَ يَحْتَاجُ النَّاظِرُ فِيهِ مَعَ ضَوَابِطِهِ وَقَرَائِنِهِ إلَى قُوَّةٍ مِنْ قُوَّةِ النُّفُوسِ الْمُعِينَةِ عَلَى الْفِرَاسَةِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى الْمُغَيَّبَاتِ بِحَيْثُ إذَا تَوَجَّهَ الْحَزْرُ إلَى شَيْءٍ لَا يَكَادُ يُخْطِئُ بِسَبَبِ مَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي تِلْكَ النُّفُوسِ مِنْ الْقُوَّةِ الْمُعِينَةِ عَلَى تَقْرِيبِ الْغَيْبِ أَوْ تَحْقِيقِهِ كَمَا قِيلَ فِي ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: إنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إلَى الْغَيْبِ مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ رَقِيقٍ إشَارَةً إلَى قُوَّةٍ أَوْدَعَهُ اللَّهُ إيَّاهَا فَرَأَى بِمَا أَوْدَعَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي نَفْسِهِ مِنْ الصَّفَاءِ وَالشُّفُوفِ وَالرِّقَّةِ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ عُلُومِ الْغَيْبِ مِنْ عِلْمِ تَعْبِيرِ الْمَنَامَاتِ وَحِسَابِ عِلْمِ الرَّمْلِ وَالْكَتْفِ الَّذِي لِلْغَنَمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَهَبُهُ اللَّهُ - تَعَالَى - ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ عِلْمِ الْمَنَامَاتِ فَقَطْ، أَوْ بِحِسَابِ عِلْمِ الرَّمْلِ فَقَطْ أَوْ الْكَتْفِ الَّذِي لِلْغَنَمِ فَقَطْ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يُفْتَحُ لَهُ بِصِحَّةِ الْقَوْلِ وَالنُّطْقِ فِي غَيْرِهِ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ قُوَّةُ نَفْسٍ فِي هَذَا النَّوْعِ صَالِحَةٍ لِعِلْمِ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ تَعْبِيرُ الرُّؤْيَا، وَلَا يَكَادُ يُصِيبُ إلَّا عَلَى النُّدْرَةِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ التَّوَجُّهُ إلَى عِلْمِ التَّعْبِيرِ فِي الرُّؤْيَا. وَمَنْ كَانَتْ لَهُ قُوَّةُ نَفْسٍ فَهُوَ الَّذِي يُنْتَفَعُ بِتَعْبِيرِهِ قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي لَك أَنْ تَطْمَعَ فِي أَنْ يَحْصُلَ لَك بِالتَّعَلُّمِ وَالْقِرَاءَةِ وَحِفْظِ الْكُتُبِ؛ لِأَنَّك إذَا لَمْ تَكُنْ لَك قُوَّةُ نَفْسٍ فَلَا تَجِدُ ذَلِكَ أَبَدًا وَمَتَى كَانَتْ لَك هَذِهِ الْقُوَّةُ حَصَلَ ذَلِكَ بِأَيْسَرِ سَعْيٍ وَأَدْنَى ضَبْطٍ فَاعْلَمْ هَذِهِ الدَّقِيقَةَ فَقَدْ خَفِيَتْ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، قَالَ: وَقَدْ رَأَيْت مِمَّنْ لَهُ قُوَّةُ نَفْسٍ مَعَ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ فَكَانَ يَتَحَدَّثُ بِالْعَجَائِبِ وَالْغَرَائِبِ فِي الْمَنَامِ اللَّطِيفِ، وَيُخْرِجُ مِنْهُ الْأَشْيَاءَ الْكَثِيرَةَ وَالْأَحْوَالَ الْمُتَبَايِنَةَ، وَيُخْبِرُ فِيهِ عَنْ الْمَاضِيَاتِ وَالْحَاضِرَاتِ وَالْمُسْتَقْبِلَات، وَيَنْتَهِي فِي الْمَنَامِ الْيَسِيرِ إلَى نَحْوِ الْمِائَةِ مِنْ الْأَحْكَامِ بِالْعَجَائِبِ وَالْغَرَائِبِ حَتَّى يَقُولَ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِأَحْوَالِ قُوَى النُّفُوسِ: إنَّ هَذَا مِنْ الْجَانِّ أَوْ الْمُكَاشَفَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ هُوَ نَفْسٌ يَجِدُ بِسَبَبِهَا تِلْكَ الْأَحْوَالَ عِنْدَ تَوَجُّهِهِ لِلْمَنَامِ وَلَيْسَ هُوَ صَلَاحًا، وَلَا كَشْفًا وَلَا مِنْ قِبَلِ الْجَانِّ قَالَ: وَقَدْ رَأَيْت أَنَا مِنْ هَذَا النَّوْعِ جَمَاعَةً وَاخْتَبَرْتُهُمْ فَمَنْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ قُوَّةُ نَفْسٍ عَسُرَ عَلَيْهِ تَعَاطِي عِلْمِ التَّعْبِيرِ اهـ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ - وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُبَاحُ فِي عِشْرَةِ النَّاسِ مِنْ الْمُكَارَمَةِ وَقَاعِدَةِ مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ] (الْفَرْقُ الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُبَاحُ فِي عِشْرَةِ النَّاسِ مِنْ الْمُكَارَمَةِ وَقَاعِدَةِ مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ) وَهُوَ أَنَّ مَا يُبَاحُ مِنْ إكْرَامِ النَّاسِ قِسْمَانِ مَا وَرَدَتْ بِهِ نُصُوصُ الشَّرِيعَةِ وَمَا لَمْ تَرِدْ بِهِ نُصُوصُهَا، وَلَا كَانَ فِي السَّلَفِ وَلَكِنْ تَجَدَّدَتْ فِي حَصْرِنَا أَسْبَابُ اعْتِبَارِهِ بِمُقْتَضَى قَوَاعِدِ الشَّرْعِ فَتَعَيَّنَ فِعْلُهُ، وَهَذَا هُوَ مُرَادُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِقَوْلِهِ: تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ عَلَى قَدْرِ مَا أَحْدَثُوا

وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ أَيْ مِنْ الْبَلَايَا وَالرَّزَايَا وَالْمَكْرُوهَاتِ جَازَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَدُلَّ النُّصُوصُ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ بِخِلَافِ التَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنَّهَا مَرْفُوعَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَيَقْتَضِي طَلَبَ رَفْعِ ذَلِكَ، فَإِنْ أَطْلَقَ الْعُمُومَ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ لَا بِالنِّيَّةِ وَلَا بِالْعَادَةِ عَصَى لِاشْتِمَالِ الْعُمُومِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ فَيَكُونُ ذَلِكَ حَرَامًا؛ لِأَنَّ فِيهِ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ، فَإِنْ قُلْت فَقَدْ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ قَوْمٍ فِي سِيَاقِ الْمَدْحِ {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: 194] وَوَعْدُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ فَقَدْ طَلَبَ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ وَهُوَ عَيْنُ مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَدَحَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَأَنْتَ تَمْنَعُهُ قُلْتُ إنَّمَا جَازَ لَهُمْ سُؤَالُ مَا وَعَدَهُمْ اللَّهُ بِهِ؛ لِأَنَّ حُصُولَهُ لَهُمْ مَشْرُوطٌ بِالْوَفَاةِ عَلَى الْإِيمَانِ. وَهَذَا شَرْطٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَالشَّكُّ فِي الشَّرْطِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْمَشْرُوطِ فَمَا طَلَبُوا إلَّا مَشْكُوكًا فِي حُصُولِهِ لَا مَعْلُومَ الْحُصُولِ، وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَلَيْسَ فِيهِ شَرْطٌ مَجْهُولٌ بَلْ عُلِمَ مِنْ الشَّرِيعَةِ بِالضَّرُورَةِ تَرْكُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ مُطْلَقًا، فَإِنْ قُلْت فَإِذَا جَوَّزْت ـــــــــــــــــــــــــــــSأَنَّ طَلَبَ الْعَفْوِ إنَّمَا هُوَ طَلَبُ الْعَفْوِ عَنْ التَّسَبُّبِ وَطَلَبَ الْعَفْوِ عَنْ ذَلِكَ طَلَبٌ لِلْعَفْوِ عَمَّا لَمْ يُعْلَمْ الْعَفْوُ عَنْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ (وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ أَيًّا مِنْ الْبَلَايَا وَالرَّزَايَا وَالْمَكْرُوهَاتِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَدُلَّ النُّصُوصُ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ. قَالَ (بِخِلَافِ التَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنَّهَا مَرْفُوعَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فَيَقْتَضِي طَلَبَ رَفْعِ ذَلِكَ، فَإِنْ أَطْلَقَ الْعُمُومَ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ لَا بِالنِّيَّةِ وَلَا بِالْعَادَةِ عَصَى لِاشْتِمَالِ الْعُمُومِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ فَيَكُونُ ذَلِكَ حَرَامًا؛ لِأَنَّ فِيهِ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ، فَإِنْ قُلْت فَقَدْ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ قَوْمٍ فِي سِيَاقِ الْمَدْحِ {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: 194] وَوَعْدُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ فَقَدْ طَلَبُوا تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ وَهُوَ عَيْنُ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَقَدْ مَدَحَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَأَنْتَ تَمْنَعُهُ قَالَ قُلْت إنَّمَا جَازَ لَهُمْ سُؤَالُ مَا وَعَدَهُمْ اللَّهُ بِهِ؛ لِأَنَّ حُصُولَهُ لَهُمْ مَشْرُوطٌ بِالْوَفَاةِ عَلَى الْإِيمَانِ، وَهَذَا شَرْطٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَالشَّكُّ فِي الشَّرْطِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْمَشْرُوطِ فَمَا طَلَبُوا إلَّا مَشْكُوكًا فِي حُصُولِهِ لَا مَعْلُومَ الْحُصُولِ. وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَلَيْسَ فِيهِ شَرْطٌ مَجْهُولٌ بَلْ عُلِمَ مِنْ الشَّرِيعَةِ بِالضَّرُورَةِ تَرْكُ الْمُؤَاخَذَةِ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ مُطْلَقًا، فَإِنْ قُلْت فَإِذَا جَوَّزْت ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ الْفُجُورِ. إذْ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يُحْدِثُونَ أَسْبَابًا يَقْتَضِي الشَّرْعُ فِيهَا أُمُورًا لَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَجْلِ عَدَمِ سَبَبِهَا قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا شَرْعٌ مُتَجَدِّدٌ بَلْ عُلِمَ مِنْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْبَابَ لَوْ وُجِدَتْ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ لَكَانَتْ هَذِهِ الْمُسَبِّبَاتُ مِنْ فِعْلِهِمْ وَصُنْعِهِمْ، وَلَكِنْ تَأَخَّرَ الْحُكْمُ لِتَأَخُّرِ سَبَبِهِ، وَلَا يَقْتَضِي وُقُوعُ الْحُكْمِ عِنْدَ وُقُوعِ سَبَبِهِ تَجْدِيدَ شَرْعٍ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَوْ أَنْزَلَ حُكْمًا فِي اللِّوَاطِ مِنْ رَجْمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُوبَاتِ فَلَمْ يُوجَدْ اللِّوَاطُ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَيْهِمْ وَوُجِدَ فِي زَمَنِنَا اللِّوَاطُ فَرَتَّبْنَا عَلَيْهِ تِلْكَ الْعُقُوبَةَ لَمْ نَكُنْ مُجَدِّدِينَ لِشَرْعٍ بَلْ مُتَّبِعِينَ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ، وَلَا فَرْقَ أَنْ نَعْلَمَ ذَلِكَ بِنَصٍّ أَوْ بِقَوَاعِدِ الشَّرْعِ، وَمَا خَرَجَ عَنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ هُوَ مَا لَا يُبَاحُ مِنْ إكْرَامِ النَّاسِ. وَذَلِكَ أَنَّ مَا وَرَدَتْ نُصُوصُ الشَّرْعِ بِهِ مِنْ إكْرَامِ النَّاسِ هُوَ نَحْوُ مَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ مِنْ إفْشَاءِ السَّلَامِ وَإِطْعَامِ الطَّعَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَالْمُصَافَحَةِ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَالِاسْتِئْذَانِ عِنْدَ الدُّخُولِ، وَأَنْ لَا يَجْلِسَ عَلَى تَكْرِمَةِ أَحَدٍ أَيْ عَلَى فِرَاشِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا يَؤُمَّ فِي مَنْزِلِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ أَحَدًا فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يَجْلِسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ» وَمَا لَمْ تَرِدْ نُصُوصُ الشَّرْعِ بِهِ، وَلَا كَانَ فِي السَّلَفِ بَلْ تَجَدَّدَتْ أَسْبَابُ اعْتِبَارِهِ فِي عَصْرِنَا فَتَعَيَّنَ بِمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ فِعْلُهُ مِنْ إكْرَامِ النَّاسِ قَالَ الْأَصْلُ: هُوَ مَا فِي زَمَانِنَا مِنْ الْقِيَامِ لِلدَّاخِلِ مِنْ الْأَعْيَانِ وَمِنْ إحْنَاءِ الرَّأْسِ لَهُ إنْ عَظُمَ قَدْرُهُ جِدًّا وَمِنْ الْمُخَاطَبَةِ بِجَمَالِ الدِّينِ وَنُورِ الدِّينِ وَعِزِّ الدِّينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ نُعُوتِ التَّكْرِمَةِ وَأَنْوَاعِ الْمُخَاطَبَاتِ لِلْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْوُزَرَاءِ وَأُولِي الرِّفْعَةِ مِنْ الْوُلَاةِ وَالْعُظَمَاءِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى وَمِنْ الْمُكَاتَبَاتِ بِنُعُوتِ التَّكْرِيمِ أَيْضًا لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى قَدْرِهِ كَتَسْطِيرِ اسْمِ الْإِنْسَانِ الْكَاتِبِ بِالْمَمْلُوكِ وَنَحْوِهِ مِنْ أَلْفَاظِ التَّنَزُّلِ وَالتَّعْبِيرِ عَنْ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ بِالْمَجْلِسِ الْعَالِي وَالسَّامِي وَالْجَنَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْصَافِ الْعُرْفِيَّةِ وَالْمُكَاتَبَاتِ الْعَادِيَّةِ وَمِنْ تَرْتِيبِ النَّاسِ فِي الْمَجَالِسِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ قَالَ: فَهَذَا كُلُّهُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ لَمْ تَكُنْ فِي السَّلَفِ وَنَحْنُ الْيَوْمَ نَفْعَلُهُ فِي الْمُكَارَمَاتِ وَالْمُوَالَاتِ. وَهُوَ جَائِزٌ مَأْمُورٌ بِهِ مَعَ كَوْنِهِ بِدْعَةً مَكْرُوهَةً تَنْزِيهًا لَا تَحْرِيمًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَجَدَّدَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ صَارَ تَرْكُهَا يُوجِبُ الْمُقَاطَعَةَ الْمُحَرَّمَةَ فَتَعَارَضَ فِي فِعْلِهَا الْمَكْرُوهِ، وَفِي تَرْكِهَا الْمُحَرَّمِ، وَإِذَا تَعَارَضَ الْمَكْرُوهُ وَالْمُحَرَّمُ قُدِّمَ الْمُحَرَّمُ، وَالْتُزِمَ دَفْعُهُ وَحَسْمُ مَادَّتِهِ وَإِنْ وَقَعَ الْمَكْرُوهُ كَمَا هُوَ قَاعِدَةُ الشَّرْعِ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ لَكِنَّ هَذَا التَّعَارُضَ مَا وَقَعَ إلَّا فِي زَمَنِنَا فَاخْتَصَّ الْحُكْمُ بِهِ فَعَلَى هَذَا الْقَانُونِ يَجْرِي هَذَا الْقِسْمُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُبِيحَ مُحَرَّمًا، وَلَا يَتْرُكَ وَاجِبًا وَحِينَئِذٍ فَمَا خَرَجَ

ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْجَهَالَةِ بِالشُّرُوطِ فَيُجَوِّزُهُ هَاهُنَا بِنَاءً عَلَى الْجَهَالَةِ بِالشَّرْطِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُخْبِرْ بِذَلِكَ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ بِالرَّفْعِ عَنْ أُمَّتِهِ وَكَوْنِ الدَّاعِي يَمُوتُ وَهُوَ مِنْ أُمَّتِهِ مَجْهُولٌ فَمَا طَلَبَ إلَّا مَجْهُولًا بِنَاءً عَلَى التَّقْرِيرِ الْمُتَقَدِّمِ. قُلْت كَوْنُهُ مِنْ الْأُمَّةِ لَيْسَ شَرْطًا فِي هَذَا الرَّفْعِ وَدَلَالَةُ الْخَبَرِ عَلَى ذَلِكَ إنَّمَا هِيَ مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ وَنَحْنُ نَمْنَعُ كَوْنَ الْمَفْهُومِ حُجَّةً لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ سَلَّمْنَا أَنَّهُ حُجَّةٌ لَكِنَّهُ مَتْرُوكٌ هَاهُنَا إجْمَاعًا وَتَقْرِيرُهُ أَنْ نَقُولَ الْكُفَّارُ إمَّا أَنْ نَقُولَ إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُمْ لَيْسُوا مُخَاطَبِينَ بِهَا فَالرَّفْعُ حَاصِلٌ لَهُمْ فِي جَمِيعِ الْفُرُوعِ النِّسْيَانُ وَغَيْرُهُ فَبَطَلَ الْمَفْهُومُ وَاسْتَوَتْ الْخَلَائِقُ فِي الرَّفْعِ حِينَئِذٍ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْفُرُوعِ فَلَا يَكُونُ قَدْ شُرِعَ فِي حَقِّهِمْ مَا لَيْسَ سَبَبًا فِي حَقِّنَا بَلْ كُلُّ مَا هُوَ سَبَبُ الْوُجُوبِ فِي حَقِّنَا هُوَ سَبَبُ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِمْ، وَمَا هُوَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ فِي حَقِّنَا هُوَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ فِي حَقِّهِمْ، وَمَا هُوَ سَبَبُ التَّرْخِيصِ وَالْإِبَاحَةِ فِي حَقِّنَا هُوَ كَذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَكُونُ خُصُوصُ الْأُمَّةِ شَرْطًا فِي الرَّفْعِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الْكُفَّارَ فِي الْفُرُوعِ أَشَدُّ حَالًا مِنْ الْأُمَّةِ فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا فَلَيْسَ هُنَاكَ فِي النِّسْيَانِ وَالْخَطَإِ شَرْطٌ مَجْهُولٌ فَيَكُونُ الشَّارِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــSذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْجَهَالَةِ بِالشَّرْطِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُخْبِرْ بِذَلِكَ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ بِالرَّفْعِ عَنْ أُمَّتِهِ، وَكَوْنُ الدَّاعِي يَمُوتُ وَهُوَ مِنْ أُمَّتِهِ مَجْهُولٌ فَمَا طُلِبَ إلَّا مَجْهُولٌ بِنَاءً عَلَى التَّقْرِيرِ الْمُتَقَدِّمِ. قُلْت كَوْنُهُ مِنْ الْأُمَّةِ لَيْسَ شَرْطًا فِي هَذَا الرَّفْعِ وَدَلَالَةُ الْخَبَرِ عَلَى ذَلِكَ إنَّمَا هِيَ مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ وَنَحْنُ نَمْنَعُ كَوْنَ الْمَفْهُومِ حُجَّةً لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ سَلَّمْنَا أَنَّهُ حُجَّةٌ لَكِنَّهُ مَتْرُوكٌ هَاهُنَا إجْمَاعًا وَتَقْرِيرُهُ أَنْ نَقُولَ الْكُفَّارُ إمَّا أَنْ نَقُولَ إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ أَوْ مَا هُمْ مُخَاطَبُونَ بِهَا، فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُمْ لَيْسُوا مُخَاطَبِينَ بِهَا فَالرَّفْعُ حَاصِلٌ لَهُمْ فِي جَمِيعِ الْفُرُوعِ: النِّسْيَانِ وَغَيْرِهِ، فَبَطَلَ الْمَفْهُومُ وَاسْتَوَتْ الْخَلَائِقُ فِي الرَّفْعِ حِينَئِذٍ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِهَا فَلَا يَكُونُ قَدْ شُرِعَ فِي حَقِّهِمْ مَا لَيْسَ سَبَبًا فِي حَقِّنَا بَلْ كُلُّ مَا هُوَ سَبَبُ الْوُجُوبِ فِي حَقِّنَا هُوَ سَبَبُ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِمْ، وَمَا هُوَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ فِي حَقِّنَا هُوَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ فِي حَقِّهِمْ، وَكَذَلِكَ سَبَبُ التَّرَخُّصِ وَالْإِبَاحَةِ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَكُونُ خُصُوصُ الْأُمَّةِ شَرْطًا فِي الرَّفْعِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الْكُفَّارَ فِي الْفُرُوعِ أَشَدُّ حَالًا مِنْ الْأُمَّةِ فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا فَلَيْسَ هُنَاكَ فِي النِّسْيَانِ وَالْخَطَإِ شَرْطٌ مَجْهُولٌ فَيَكُونُ الشَّارِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ مِنْ إكْرَامِ النَّاسِ نَوْعَانِ (الْأَوَّلُ) مُحَرَّمٌ. وَهُوَ مَا أَبَاحَ مُحَرَّمًا، أَوْ أَدَّى إلَى تَرْكِ وَاجِبٍ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَلِكُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ النَّاسِ لَا يَرْضَى مِنَّا إلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَعَاصِي فَلَا يَحِلُّ لَنَا أَنْ نُوَادَّهُ بِذَلِكَ؛ إذْ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ وَكَالْقِيَامِ تَعْظِيمًا لِمَنْ يُحِبُّهُ تَجَبُّرًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَلَا تَجُوزُ الْمُوَادَّةُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ تَرْكُهُ لِتَهْذِيبِ نَفْسِ الْمُتَجَبِّرِ وَتَأْدِيبِهِ (وَالنَّوْعُ الثَّانِي) مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ بِدْعَةً مَكْرُوهَةً لَمْ يُعَارَضْ بِمُحَرَّمٍ حَتَّى يُبَاحَ فِعْلُهُ كَالْقِيَامِ تَعْظِيمًا لِمَنْ لَا يُحِبُّهُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ فِعْلَ الْجَبَابِرَةِ وَبِوَقْعِ فَسَادِ قَلْبِ الَّذِي يُقَامُ لَهُ فَافْهَمْ قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقِيَامُ لِإِكْرَامِ النَّاسِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ نُصُوصُ الشَّرِيعَةِ أَوْ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي الْمُبَاحِ فِعْلُهُ لِتَجَدُّدِ سَبَبِهِ فَيَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ وَمُبَاحٌ فَالْوَاجِبُ هُوَ مَا أَدَّى تَرْكُهُ إلَى مُحَرَّمٍ كَالْمُقَاطَعَةِ وَالْمُدَابَرَةِ فَمِنْ هُنَا لَمَّا حَضَرْت يَوْمًا عِنْدَ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَكَانَ مِنْ أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ وَأُولِي الْجِدِّ فِي الدِّينِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً وَعَامَةً وَالثَّبَاتِ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ بِالْمُلُوكِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ وَقَدِمَتْ إلَيْهِ فُتْيَا فِيهَا مَا تَقُولُ أَئِمَّةُ الدِّينِ - وَفَّقَهُمْ اللَّهُ - فِي الْقِيَامِ الَّذِي أَحْدَثَهُ أَهْلُ زَمَانِنَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي السَّلَفِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا يَجُوزُ وَيَحْرُمُ كَتَبَ مَا نَصُّهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَقَاطَعُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا» وَتَرْكُ الْقِيَامِ فِي هَذَا الْوَقْتِ يُفْضِي لِلْمُقَاطَعَةِ وَالْمُدَابَرَةِ فَلَوْ قِيلَ: بِوُجُوبِهِ مَا كَانَ بَعِيدًا. اهـ. قُلْت: وَمِنْ هَذَا الْقِيَامُ عِنْدَ ذِكْرِ مَوْلِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تِلَاوَةِ الْقِصَّةِ فَقَدْ قَالَ الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ أَنَّهُ قَدْ اُشْتُهِرَ الْيَوْمَ فِي تَعْظِيمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاعْتِيدَ فِي ذَلِكَ فَعَدَمُ فِعْلِهِ يُوجِبُ عَدَمَ الِاكْتِرَاثِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَامْتِهَانَهُ فَيَكُونُ كُفْرًا مُخَالِفًا لِوُجُودِ تَعْظِيمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. أَيْ إنْ لَاحَظَ مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ تَحْقِيرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، وَإِلَّا فَهُوَ مَعْصِيَةٌ، وَالْمَنْدُوبُ هُوَ مَا كَانَ لِلْقَادِمِ مِنْ السَّفَرِ فَرَحًا بِقُدُومِهِ وَقَدْ «قَامَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ لِيُهَنِّئَهُ بِتَوْبَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَيْهِ بِحُضُورِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَيْهِ ذَلِكَ» فَكَانَ كَعْبٌ يَقُولُ: لَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ، وَقَدْ «كَانَ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَيْهِمْ - إذَا قَامَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إلَى بَيْتِهِ لَمْ يَزَالُوا قِيَامًا حَتَّى يَدْخُلَ بَيْتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» لِمَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ تَعْظِيمِهِ لَكِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ قَبْلَ عِلْمِهِمْ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَامَ لَهُ فَلَمَّا عَلِمُوا بِذَلِكَ كَانُوا إذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لَهُ إجْلَالًا لِكَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ قُلْت: نَعَمْ خَرَّجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ أَنَّ عَائِشَةَ

[المسألة الأولى المصافحة عند اللقاء]

قَدْ أَخْبَرَ بِالرَّفْعِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ مُطْلَقًا فَيَحْرُمُ الدُّعَاءُ بِهِ. (الْمِثَالُ الثَّانِي) أَنْ يَقُولُ الدَّاعِي رَبَّنَا لَا تُهْلِكْ هَذِهِ الْأُمَّةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ بِالْخَسْفِ الْعَامِّ وَالرِّيحِ الْعَاصِفَةِ كَمَا هَلَكَ مَنْ قَبْلَنَا، وَقَدْ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصِّحَاحِ أَنَّهُ سَأَلَ رَبَّهُ فِي إعْفَاءِ أُمَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ فَيَكُونُ طَلَبُ ذَلِكَ مَعْصِيَةً كَمَا تَقَدَّمَ. (الثَّالِثُ) أَنْ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَا تُسَلِّطْ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مَنْ يَسْتَأْصِلُهَا، وَقَدْ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصِّحَاحِ بِأَنَّهُ «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» فَيَكُونُ الدُّعَاءُ بِذَلِكَ مَعْصِيَةً لِمَا مَرَّ. (الرَّابِعُ) أَنْ يَقُولَ الدَّاعِي لِمَرِيضٍ أَوْ مُصَابٍ اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُ هَذِهِ الْمِرْضَةَ أَوْ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ كَفَّارَةً فَقَدْ دَلَّتْ النُّصُوصُ عَلَى أَنَّ الْمَصَائِبَ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانٌ أَنَّ السُّخْطَ لَا يُخِلُّ بِذَلِكَ التَّكْفِيرِ بَلْ يُجَدِّدُ ذَنْبًا آخَرَ كَمَنْ قَضَى دَيْنَهُ، ثُمَّ اسْتَدَانَ لَا يُقَالُ إنَّهُ لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ الْمُصَابُ بَرِيءٌ مِنْ عُهْدَةِ الذَّنْبِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ قَدْ جَدَّدَ ذَنْبًا آخَرَ بِسُخْطِهِ فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ مَعْصِيَةً بَلْ يَقُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَدْ أَخْبَرَ بِالرَّفْعِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ مُطْلَقًا فَيَحْرُمُ الدُّعَاءُ بِهِ) . قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ شِهَابُ الدِّينِ فِي هَذَا الْجَوَابِ وَأَطَالَ فِيهِ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ مَسَاقَ الْحَدِيثِ مُشْعِرٌ بِالْمَدْحِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ فَيَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ اخْتِصَاصُهَا بِذَلِكَ الرَّفْعِ وَيَلْزَمُ الْقَوْلُ بِهَذَا الْمَفْهُومِ لِقَرِينَةِ الْمَدْحِ وَيَكُونُ هُنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ شَرْطٌ مَجْهُولٌ كَمَا قَالَهُ السَّائِلُ وَيَبْطُلُ جَوَابُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الْمِثَالُ الثَّانِي أَنْ يَقُولَ الدَّاعِي رَبَّنَا لَا تُهْلِكْ هَذِهِ الْأُمَّةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ بِالْخَسْفِ الْعَامِّ وَالرِّيحِ الْعَاصِفَةِ كَمَا هَلَكَ مَنْ قَبْلَنَا، وَقَدْ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصِّحَاحِ أَنَّهُ سَأَلَ رَبَّهُ فِي إعْفَاءِ أُمَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ فَيَكُونُ طَلَبُ ذَلِكَ مَعْصِيَةً كَمَا تَقَدَّمَ) . قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَلَى طَلَبِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ بِحُجَّةٍ فِي أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَكَذَلِكَ جَوَابُهُ فِيمَا قَالَ فِي الْمِثَالِ الثَّالِثِ قَالَ (الرَّابِعُ أَنْ يَقُولَ الدَّاعِي لِمَرِيضٍ أَوْ مُصَابٍ اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُ هَذِهِ الْمِرْضَةَ أَوْ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ كَفَّارَةً فَقَدْ دَلَّتْ النُّصُوصُ عَلَى أَنَّ الْمَصَائِبَ كَفَّارَةٌ لِأَهْلِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ أَنَّ السُّخْطَ لَا يُخِلُّ بِذَلِكَ التَّكْفِيرِ بَلْ يُجَدِّدُ ذَنْبًا آخَرَ كَمَنْ قَضَى دَيْنَهُ، ثُمَّ اسْتَدَانَ لَا يُقَالُ إنَّهُ لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ، وَكَذَلِكَ الْمُصَابُ بَرِيءٌ مِنْ عُهْدَةِ الذَّنْبِ الْأَوَّلِ. وَإِنْ كَانَ قَدْ جَدَّدَ ذَنْبًا آخَرَ بِسُخْطِهِ فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ مَعْصِيَةً بَلْ يَقُولُ ـــــــــــــــــــــــــــــQ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «مَا رَأَيْت أَحَدًا أَشْبَهَ كَلَامًا وَحَدِيثًا مِنْ فَاطِمَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَتْ إذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ رَحَّبَ بِهَا وَقَامَ إلَيْهَا فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَانَ إذَا دَخَلَ عَلَيْهَا رَحَّبَتْ بِهِ وَقَامَتْ وَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فَقَبَّلَتْهَا» ، وَقَدْ «قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْأَنْصَارِ قُومُوا لِسَيِّدِكُمْ» بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ تَعْظِيمًا لَهُ. وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ لِسَيِّدِكُمْ لَا لِيُعِينُوهُ، وَإِلَّا لَقَالَ لَهُمْ قُومُوا لِمَرِيضِكُمْ أَوْ لِمَجْرُوحِكُمْ وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ فِي الْجَوَابِ كَرَاهِيَتُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِقِيَامِهِمْ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّوَاضُعِ كَمَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ أَجْوِبَتِهِمْ عَنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِمَنْ قَالَ لَهُ يَا سَيِّدَنَا لَا تَقُلْ ذَلِكَ إنَّمَا السَّيِّدُ اللَّهُ كَمَا فِي رِسَالَتِي انْتِصَارِ الِاعْتِصَامِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، قَالَ الْأَصْلُ: وَالْمُبَاحُ هُوَ مَا إذَا فُعِلَ إجْلَالًا لِمَنْ لَا يُرِيدُهُ أَيْ تَكَبُّرًا وَتَجَبُّرًا بَلْ أَرَادَهُ لِدَفْعِ ضَرَرِ النَّقِيصَةِ عَنْ نَفْسِهِ لِمَا سَيَأْتِي قَالَ: وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْقِيَامُ مِمَّا خَرَجَ عَنْ الْقِسْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَيَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: مُحَرَّمٌ وَمَكْرُوهٌ فَالْمُحَرَّمُ مَا إذَا فُعِلَ تَعْظِيمًا لِمَنْ يُحِبُّهُ تَجَبُّرًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَالْمَكْرُوهُ مَا إذَا فُعِلَ تَعْظِيمًا لِمَنْ لَا يُحِبُّهُ لِمَا تَقَدَّمَ قَالَ: وَالنَّهْيُ الْوَارِدُ عَنْ مَحَبَّةِ الْقِيَامِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ النَّاسُ أَوْ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَنْ يُرِيدُ ذَلِكَ تَجَبُّرًا أَمَّا مَنْ أَرَادَهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَالنَّقِيصَةِ بِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْهَى عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَحَبَّةَ دَفْعِ الْأَسْبَابِ الْمُؤْلِمَةِ مَأْذُونٌ فِيهَا بِخِلَافِ التَّكَبُّرِ وَالتَّجَبُّرِ نَعَمْ لَا يُنْهَى عَنْ الْمَحَبَّةِ لِلْقِيَامِ تَجَبُّرًا وَتَكَبُّرًا وَالْمَيْلُ لِذَلِكَ الطَّبِيعِيِّ فَإِنَّ الْأُمُورَ الْجِبِلِّيَّةَ لَا يُنْهَى عَنْهَا بَلْ إنَّمَا يُنْهَى عَمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَذِيَّةِ النَّاسِ إذَا لَمْ يَقُومُوا وَمُؤَاخَذَتُهُمْ عَلَيْهِ فَالْقِيَامُ لِإِكْرَامِ النَّاسِ يَنْقَسِمُ إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ مُحَرَّمٌ وَمَكْرُوهٌ وَوَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ وَمُبَاحٌ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَشْرُوعِ مِنْ الْمُوَادَّةِ وَغَيْرِ الْمَشْرُوعِ مِنْهَا هَذَا تَهْذِيبُ مَا فِي الْأَصْلِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ. قُلْت: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَذْهَبِ الْأَصْلِ وَشَيْخُهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ الشَّاطِّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ أَنَّ الْبِدْعَةَ تَنْقَسِمُ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَبِي إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِ مِنْ مُتَقَدِّمِي مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُتَقَدِّمِ مِنْ أَنَّ الْبِدْعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا ضَلَالَةً مُحَرَّمَةً، وَإِنَّمَا تَتَفَاوَتُ رُتَبُهَا فِي التَّحْرِيمِ فَلَا يُبَاحُ مِنْ الْمُوَادَّةِ إلَّا مَا وَرَدَتْ بِهِ نُصُوصُ الشَّرِيعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْمُصَافَحَةِ عِنْدَ اللِّقَاءِ] (وَصْلٌ فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ) تَتَعَلَّقُ بِالْمُصَافَحَةِ وَالْمُعَانَقَةِ وَتَقْبِيلِ الْيَدِ وَرَدِّ السَّلَامِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُكَارَمَةِ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) الْمُصَافَحَةُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ مُسْتَحَبَّةٌ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَحُجَّتُهُ مَا فِي الْمُوَطَّإِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تَصَافَحُوا يَذْهَبْ الْغِلُّ وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا وَتَذْهَبْ الشَّحْنَاءُ» وَعَنْ مَالِكٍ كَرَاهَتُهَا وَحُجَّةُ الْكَرَاهَةِ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ الْمَلَائِكَةِ لَمَّا دَخَلُوا عَلَى إبْرَاهِيمَ

[المسألة الثانية المعانقة]

اللَّهُمَّ عَظِّمْ لَهُ الْكَفَّارَةَ، فَإِنْ قُلْت إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ عَنْ قَوْمٍ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 47] وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ} [الأعراف: 47] ، وَقَدْ وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ أَنَّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَوْ يَكُونُ فِي الْأَعْرَافِ لَا يَدْخُلُ النَّارَ وَمَا عَلِمْت فِي هَذَا خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَيَكُونُ دُعَاؤُهُمْ بِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي سِيَاقِ الذَّمِّ لَهُمْ مَعَ أَنَّهُمْ سَمِعُوا تِلْكَ النُّصُوصَ فِي الدُّنْيَا وَعَلِمُوا أَنَّ مَنْ سَلِمَ مِنْ النَّارِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ لَا يَدْخُلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ قُلْت قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ وَهُمْ عَلَى خَوْفٍ مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ، وَأَهْوَالُ الْقِيَامَةِ تُوجِبُ الدَّهَشَ عَنْ الْمَعْلُومَاتِ فَقَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - {مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا} [المائدة: 109] لِاسْتِيلَاءِ الْخَوْفِ مِنْ اللَّهِ عَلَى قُلُوبِهِمْ مِنْ جِهَةِ هَوْلِ الْمَنْظَرِ كَذَلِكَ هَؤُلَاءِ مَعَ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا مُكَلَّفِينَ وَلَا ذَمَّ إلَّا مَعَ التَّكْلِيفِ. الْخَامِسُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ لَا تَغْفِرْ لِفُلَانٍ الْكَافِرِ، وَقَدْ دَلَّ السَّمْعُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ فَهَذَا مُحَرَّمٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــSاللَّهُمَّ عَظِّمْ لَهُ الْكَفَّارَةَ، فَإِنْ قُلْت إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ عَنْ قَوْمٍ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 47] وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ} [الأعراف: 47] ، وَقَدْ وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ أَنَّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَوْ يَكُونُ فِي الْأَعْرَافِ لَا يَدْخُلُ النَّارَ، وَمَا عَلِمْت فِي هَذَا خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَيَكُونُ دُعَاؤُهُمْ بِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي سِيَاقِ الذَّمِّ لَهُمْ مَعَ أَنَّهُمْ سَمِعُوا تِلْكَ النُّصُوصَ فِي الدُّنْيَا وَعَلِمُوا أَنَّ مَنْ سَلِمَ مِنْ النَّارِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ لَا يَدْخُلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ قُلْت قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ وَهُمْ عَلَى خَوْفٍ مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ وَأَهْوَالُ الْقِيَامَةِ تُوجِبُ الدَّهَشَ عَنْ الْمَعْلُومَاتِ فَقَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - {مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا} [المائدة: 109] لِاسْتِيلَاءِ الْخَوْفِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى قُلُوبِهِمْ مِنْ جِهَةِ هَوْلِ الْمَنْظَرِ، كَذَلِكَ هَؤُلَاءِ مَعَ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا مُكَلَّفِينَ وَلَا ذَمَّ إلَّا مَعَ التَّكْلِيفِ) قُلْت عَلَى تَسْلِيمِ جَوَابِهِ لِلسَّائِلِ يَبْقَى هُوَ مُطَالَبًا بِدَلِيلِ الْمَنْعِ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الدُّعَاءِ وَلَمْ يَأْتِ بِدَلِيلٍ وَلَا شُبْهَةٍ، وَكَذَلِكَ جَوَابُهُ فِي الْمِثَالِ الْخَامِسِ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى الدُّعَاءِ بِالْغُفْرَانِ لِلْكَافِرِ. ـــــــــــــــــــــــــــــQ- عَلَيْهِ السَّلَامُ - {فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ} [الذاريات: 25] قَالَ مَالِكٌ فَذَكَرَ السَّلَامَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَافَحَةَ أَيْ وَالِاقْتِصَارُ مَحَلُّ الْبَيَانِ يُفِيدُ الْحَصْرَ قَالَ: وَلِأَنَّ السَّلَامَ يَنْتَهِي فِيهِ لِلْبَرَكَاتِ وَلَا يُزَادُ فِيهِ قَوْلٌ، وَلَا فِعْلٌ اهـ قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُصَافَحَةِ عِنْدَ اللِّقَاءِ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا تَلَاقَى الرَّجُلَانِ فَتَصَافَحَا تَحَاتَّتْ ذُنُوبُهُمَا وَكَانَ أَقْرَبُهَا إلَى اللَّهِ أَكْثَرَهُمَا بِشْرًا» يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْمُصَافَحَةِ عِنْدَ اللِّقَاءِ. وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ هَذَا الزَّمَانِ مِنْ الْمُصَافَحَةِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ بِدْعَةٌ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ، وَكَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يُنْهِي عَنْهُ وَيُنْكِرُهُ عَلَى فَاعِلِهِ، وَيَقُولُ: إنَّمَا شُرِعَتْ الْمُصَافَحَةُ عِنْدَ اللِّقَاءِ أَمَّا مَنْ هُوَ جَالِسٌ مَعَ الْإِنْسَانِ فَلَا يُصَافِحُهُ وَرَأَيْت بَعْضَ الْفُقَهَاءِ يَقُولُ: رُوِيَ فِي مُصَافَحَةِ مَنْ هُوَ جَالِسٌ مَعَك حَدِيثٌ، وَلَا أَعْلَمُ صِحَّةَ قَوْلِهِ، وَلَا صِحَّةَ الْحَدِيثِ اهـ نَعَمْ رُبَّمَا يَدُلُّ لَهُ عُمُومُ حَدِيثِ الْمُوَطَّإِ «تَصَافَحُوا يَذْهَبْ الْغِلُّ» فَتَأَمَّلْ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ الْمُعَانَقَةُ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الْمُعَانَقَةُ وَرَدَتْ بِهَا السُّنَّةُ وَلَكِنَّ مَالِكًا كَانَ يَكْرَهُهَا وَيَقُولُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرِدْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مَعَ جَعْفَرٍ وَلَمْ يَصْحَبْهَا الْعَمَلُ مِنْ الصَّحَابَةِ بَعْدَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِهِ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ: وَلِأَنَّ النُّفُوسَ تَنْفِرُ عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا لِوَدَاعٍ مِنْ فَرْطِ أَلَمِ الشَّوْقِ أَوْ مَعَ الْأَهْلِ. اهـ. وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَعْتَقِدُ عُمُومَ مَشْرُوعِيَّتِهَا فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى مَالِكٍ فَصَافَحَهُ مَالِكٌ وَقَالَ لَهُ لَوْلَا أَنَّ الْمُعَانَقَةَ بِدْعَةٌ لَعَانَقْتُك فَقَالَ سُفْيَانُ عَانَقَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي وَمِنْك النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَانَقَ جَعْفَرًا حِينَ قَدِمَ مِنْ الْحَبَشَةِ قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ خَاصٌّ بِجَعْفَرٍ قَالَ سُفْيَانُ بَلْ عَامٌّ مَا يَخُصُّ جَعْفَرًا يَخُصُّنَا وَمَا يَعُمُّ جَعْفَرًا يَعُمُّنَا إذَا كُنَّا صَالِحِينَ أَفَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُحَدِّثَ فِي مَجْلِسِك قَالَ نَعَمْ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ اعْتَنَقَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبَّلَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ جَعْفَرٌ أَشْبَهُ النَّاسِ بِنَا خَلْقًا وَخُلُقًا يَا جَعْفَرُ مَا أَعْجَبُ مَا رَأَيْتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْت وَأَنَا أَمْشِي فِي بَعْضِ أَزِقَّتِهَا إذَا سَوْدَاءُ عَلَى رَأْسِهَا مِكْتَلٌ فِيهِ بُرٌّ فَصَدَمَهَا رَجُلٌ عَلَى دَابَّتِهِ فَوَقَعَ مِكْتَلُهَا وَانْتَشَرَ بُرُّهَا فَأَقْبَلَتْ تَجْمَعُهُ مِنْ التُّرَابِ، وَهِيَ تَقُولُ وَيْلٌ لِلظَّالِمِ مِنْ دَيَّانِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيْلٌ لِلظَّالِمِ مِنْ الْمَظْلُومِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيْلٌ لِلظَّالِمِ إذَا وُضِعَ الْكُرْسِيُّ لِلْفَصْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لَا تَأْخُذُ لِضَعِيفِهَا مِنْ قَوِيِّهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَمَتِّعٍ» ثُمَّ قَالَ سُفْيَانُ قَدْ قَدِمْت لِأُصَلِّيَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُبَشِّرَكَ بِرُؤْيَا رَأَيْتهَا فَقَالَ مَالِكٌ رَأَتْ عَيْنَاك خَيْرًا - إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَالَ سُفْيَانُ

[المسألة الثالثة تقبيل اليد]

تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَقِلَّةِ الْأَدَبِ بِخِلَافِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ فَإِنَّهُ كُفْرٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَكْذِيبِ السَّمْعِ الْقَاطِعِ . (الْقِسْمُ الرَّابِعُ) مِنْ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ عَلَى ثُبُوتِهِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ الدَّاعِي جَعَلَ اللَّهُ مَوْتَ مَنْ مَاتَ لَك مِنْ أَوْلَادِك حِجَابًا مِنْ النَّارِ، وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَلَى أَنَّ «مَنْ مَاتَ لَهُ اثْنَانِ مِنْ الْوَلَدِ كَانَا حِجَابًا لَهُ مِنْ النَّارِ» فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ مَعْصِيَةً، فَإِنْ قُلْت قَدْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَدْعُوَ لَهُ بِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ وَابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي وَعَدْته إنَّك لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ الْوَسِيلَةَ دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ لِعَبْدٍ صَالِحٍ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ إيَّاهُ وَأَنَّ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ هُوَ الشَّفَاعَةُ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أُعْطِيهَا فَيَلْزَمُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إمَّا إبَاحَةُ الدُّعَاءِ بِمَا هُوَ ثَابِتٌ وَإِمَّا الْإِشْكَالُ عَلَى الْإِخْبَارِ عَلَى كَوْنِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُعْطِيهَا قُلْت ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُعْلِمَ أَنَّهُ أُعْطِيَ هَذِهِ الْأُمُورَ مَرْتَبَةً عَلَى دُعَائِنَا وَأُعْلِمَ أَنَّ دُعَاءَنَا يُحَصِّلُ لَهُ ذَلِكَ فَحَسُنَ أَمْرُنَا بِالدُّعَاءِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ ثُبُوتَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ عَلَى ثُبُوتِهِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ الدَّاعِي جَعَلَ اللَّهُ مَوْتَ مَنْ مَاتَ لَك مِنْ أَوْلَادِك حِجَابًا مِنْ النَّارِ، وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَلَى أَنَّ «مَنْ مَاتَ لَهُ اثْنَانِ مِنْ الْوَلَدِ كَانَا حِجَابًا لَهُ مِنْ النَّارِ» فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ مَعْصِيَةً قَالَ، فَإِنْ قُلْت أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَدْعُوَ لَهُ بِقَوْلِنَا اللَّهُمَّ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ وَابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي وَعَدْته إنَّك لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَنَّ الْوَسِيلَةَ دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ لِعَبْدٍ صَالِحٍ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ إيَّاهُ وَأَنَّ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ هُوَ الشَّفَاعَةُ» ، وَقَدْ أَخْبَرْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أُعْطِيهَا فَيَلْزَمُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إمَّا إبَاحَةُ الدُّعَاءِ بِمَا هُوَ ثَابِتٌ وَإِمَّا الْإِشْكَالُ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ كَوْنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُعْطِيهَا قُلْت ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُعْلِمَ أَنَّهُ أُعْطِيَ هَذِهِ الْأُمُورَ مُرَتَّبَةً عَلَى دُعَائِنَا وَأُعْلِمَ أَنَّ دُعَاءَنَا يُحَصِّلُ لَهُ ذَلِكَ فَحَسُنَ أَمْرُنَا بِالدُّعَاءِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ ـــــــــــــــــــــــــــــQرَأَيْت كَأَنَّ قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْشَقَّ فَأَقْبَلَ النَّاسُ يُهْرَعُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَالنَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَرُدُّ بِأَحْسَنَ رَدٍّ قَالَ سُفْيَانُ: فَأَتَى بِك - وَاَللَّهِ أَعْرِفُك فِي مَنَامِي كَمَا أَعْرِفُك فِي يَقَظَتِي - فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْك السَّلَامَ ثُمَّ رَمَى فِي حِجْرِك بِخَاتَمٍ نَزَعَهُ مِنْ أُصْبُعِهِ فَاتَّقِ اللَّهَ فِيمَا أَعْطَاك رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَكَى مَالِكٌ بُكَاءً شَدِيدًا قَالَ سُفْيَانُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ قَالُوا لَهُ أَخَارِجٌ السَّاعَةَ قَالَ نَعَمْ فَوَدَّعَهُ مَالِكٌ وَخَرَجَ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ تَقْبِيلُ الْيَدِ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) تَقْبِيلُ الْيَدِ وَالرَّأْسِ مِمَّنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ وَتُقْصَدُ مَوَدَّتُهُ لِدَاعٍ مَشْرُوعٍ دَلَّ عَلَيْهِ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِقْرَارُهُ وَعَمَلُ السَّلَفِ وَالْقِيَاسُ الْجَلِيُّ أَمَّا الْفِعْلُ وَالْإِقْرَارُ وَعَمَلُ السَّلَفِ فَفِي مَا خَرَّجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «مَا رَأَيْت أَحَدًا أَشْبَهَ كَلَامًا وَحَدِيثًا مِنْ فَاطِمَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَتْ إذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ رَحَّبَ بِهَا وَقَامَ إلَيْهَا فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ وَكَانَ إذَا دَخَلَ عَلَيْهَا رَحَّبَتْ بِهِ وَقَامَتْ وَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فَقَبَّلَتْهَا» كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ «سَأَلَتْ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التِّسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ لَهُمْ: لَا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إلَى السُّلْطَانِ لِيَقْتُلَهُ، وَلَا تَسْحَرُوا، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً، وَلَا تُوَلُّوا الْفِرَارَ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَعَلَيْكُمْ - خَاصَّةَ الْيَهُودِ - أَنْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ فَقَامُوا فَقَبَّلُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالُوا: نَشْهَدُ إنَّكَ نَبِيٌّ. قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَتْبَعُونِي، قَالُوا: إنَّ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَعَا رَبَّهُ أَنْ لَا يَزَالَ فِي ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ وَإِنَّا نَخَافُ إنْ اتَّبَعْنَاك أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَتَقْبِيلُ الْيَهُودِ لِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَمْ يُنْكِرْهُ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ قَبَّلَ سَالِمًا وَقَالَ شَيْخٌ يُقَبِّلُ شَيْخًا قَالَ: فَهَذَا جَائِزٌ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ «وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْمَدِينَةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِهِ فَأَتَاهُ فَقَرَعَ الْبَابَ فَقَامَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُرْيَانًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ قَالَتْ عَائِشَةُ: وَاَللَّهِ مَا رَأَيْته عُرْيَانًا قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَبَّلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - جَعْفَرًا حِينَ قَدِمَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ قَالَ وَأَمَّا فِي الْفَمِ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ فَلَا رُخْصَةَ فِيهَا بِوَجْهٍ اهـ وَأَمَّا الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ فَهُوَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ «تَقْبِيلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْمِحْجَنِ» الَّذِي مَسَّ بِهِ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فَيَدُ وَرَأْسُ مَنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ أَوْ تُقْصَدُ مَوَدَّتُهُ لِدَاعٍ أَوْلَى بِالتَّقْبِيلِ فَمِنْ هُنَا قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا قَدِمَ الرَّجُلُ مِنْ سَفَرِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تُقَبِّلَهُ ابْنَتُهُ وَأُخْتُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَبِّلَ خَدَّ ابْنَتِهِ، وَكُرِهَ أَنْ تُقَبِّلَهُ خَتَنَتُهُ وَمُعْتَقَتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَجَالَّةً، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَبِّلَ رَأْسَ أَبِيهِ، وَلَا يُقَبِّلُ خَدَّ أَبِيهِ

[المسألة الرابعة هل الانتهاء إلى البركات في السلام مأمور به مطلقا]

هَذِهِ الْأُمُورِ وَحَسُنَ الْإِخْبَارُ بِحُصُولِهَا؛ لِأَنَّهُ أُعْلِمَ بِوُقُوعِ سَبَبِ حُصُولِهَا وَالْمُحَرَّمُ إنَّمَا هُوَ الدُّعَاءُ بِحُصُولِ شَيْءٍ قَدْ عُلِمَ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ دُعَائِنَا فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ. (الثَّانِي) أَنْ يَقُولَ الدَّاعِي اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَوْمَ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ لِي سَنَةً، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ «صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ وَصَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً» فَلَا يَجُوزُ طَلَبُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. (الثَّالِثُ) أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِي كَفَّارَاتٍ لِمَا بَيْنَهُنَّ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «الصَّلَاةُ إلَى الصَّلَاةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا» فَيَكُونُ الدُّعَاءُ بِذَلِكَ مَعْصِيَةً لِمَا مَرَّ وَأُلْحِقَ بِهَذِهِ الْمُثُلِ نَظَائِرُهَا (الْقِسْمُ الْخَامِسُ) فِي الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ مَا دَلَّ السَّمْعُ الْوَارِدُ بِطَرِيقِ الْآحَادِ عَلَى ثُبُوتِهِ وَقَوْلِي بِطَرِيقِ الْآحَادِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ فَإِنَّ طَلَبَ نَفْيِ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْكُفْرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ (الْأَوَّلُ) أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ جَمِيعَ ذُنُوبِهِمْ، وَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــSهَذِهِ الْأُمُورِ وَحَسُنَ الْإِخْبَارُ بِحُصُولِهَا؛ لِأَنَّهُ أُعْلِمَ بِوُقُوعِ سَبَبِ حُصُولِهَا، وَالْمُحَرَّمُ إنَّمَا هُوَ الدُّعَاءُ بِحُصُولِ شَيْءٍ قَدْ عُلِمَ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ دُعَائِنَا فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ) قُلْت جَوَابُهُ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَعْلُومِ الْحُصُولُ مَمْنُوعٌ وَذَلِكَ هُوَ عَيْنُ دَعْوَاهُ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ أَتَى بِهَا. قَالَ (الثَّانِي أَنْ يَقُولَ الدَّاعِي اجْعَلْ صَوْمَ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ لِي سَنَةً، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ «صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ وَصَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً» فَلَا يَجُوزُ طَلَبُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. الثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِي كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهُنَّ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحِ «الصَّلَاةُ إلَى الصَّلَاةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا» فَيَكُونُ الدُّعَاءُ بِذَلِكَ مَعْصِيَةً لِمَا مَرَّ) قُلْت مَا قَالَهُ دَعْوَى كَمَا سَبَقَ مَعَ أَنَّ هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ يَتَّجِهُ فِيهِمَا أَنْ يَكُونَ دُعَاءٌ بِتَحْسِينِ عَاقِبَتِهِ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ عِنْدَهُ. قَالَ (الْقِسْمُ الْخَامِسُ مِنْ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ مَا دَلَّ السَّمْعُ الْوَارِدُ بِطَرِيقِ الْآحَادِ عَلَى ثُبُوتِهِ وَقَوْلِي بِطَرِيقِ الْآحَادِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ فَإِنَّ طَلَبَ نَفْيَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْكُفْرِ كَمَا تَقَدَّمَ) قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى طَلَبِ نَفْيِ مَا دَلَّ السَّمْعُ الْقَاطِعُ عَلَى ثُبُوتِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ إلَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ يُكَفِّرُ بِالْمَآلِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْهَبَهُ. قَالَ (وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ جَمِيعَ ذُنُوبِهِمْ، وَقَدْ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ عَمِّهِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ الْمَاضِي اهـ لَكِنْ قَالَ الْأَصْلُ: بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَاشَوْنَ عَنْ تَقْبِيلِ أَوْلَادِهِمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَيُقَبِّلُونَهُمْ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَرُءُوسِهِمْ مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - حَرَّمَ الِاسْتِمْتَاعَ بِالْمَحَارِمِ وَالِاسْتِمْتَاعُ هُوَ أَنْ يَجِدَ لَذَّةً بِالْقُبْلَةِ فَمَنْ كَانَ يَجِدُ لَذَّةً بِالْقُبْلَةِ بِهَا امْتَنَعَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ. وَمَنْ كَانَ يَسْتَوِي عِنْدَهُ الْخَدُّ وَالْفَمُ وَالرَّأْسُ وَالْعُنُقُ وَجَمِيعُ الْجَسَدِ عِنْدَهُ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْجَبْرِ وَالْحَنَانِ فَهَذَا هُوَ الْمُبَاحُ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا قَالَ: وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ، وَلَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ النَّاسِ يَجِدُ اللَّذَّةَ مِنْ تَقْبِيلِ وَلَدِهِ فِي خَدِّهِ أَوْ فَمِهِ كَمَا يَجِدُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ بِتَقْبِيلِ امْرَأَتِهِ وَيَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ بِرٌّ بِوَلَدِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ لِقَضَاءِ أَرَبِهِ وَلَذَّتِهِ وَيَنْشَرِحُ لِذَلِكَ وَيَفْرَحُ قَلْبُهُ وَيَجِدُ مِنْ اللَّذَّةِ أَمْرًا كَبِيرًا. وَمِنْ الْمُنْكَرَاتِ أَنْ يَعْمِدَ الْإِنْسَانُ لِأُخْتِهِ الْجَمِيلَةِ أَوْ ابْنَتِهِ الْجَمِيلَةِ الَّتِي يَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ لَهُ زَوْجَةٌ مِثْلُهَا فِي مِثْلِ خَدِّهَا وَثَغْرِهَا فَيُقَبِّلَ خَدَّهَا، أَوْ ثَغْرَهَا أَوْ هُوَ يُعْجِبُهُ ذَلِكَ وَيَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْهِ قُبْلَةَ الْأَجَانِبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الِاسْتِمْتَاعُ بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ أَشَدُّ تَحْرِيمًا كَمَا أَنَّ الزِّنَى بِهِنَّ أَقْبَحُ مِنْ الزِّنَا بِالْأَجْنَبِيَّاتِ، وَمَا مِنْ أَحَدٍ لَهُ طَبْعٌ سَلِيمٌ وَيَرَى جَمَالًا فَائِقًا لَا يَمِيلُ إلَيْهِ طَبْعُهُ وَقَدْ يُزِغْهُ عَقْلُهُ وَشَرْعُهُ، وَرَأَيْت النَّاسَ عِنْدَهُمْ مُسَامَحَةٌ كَثِيرَةٌ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّهُ يُقَبِّلُ خَدَّ ابْنَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ هَذَا وَغَيْرُهُ عِنْدَهُ سَوَاءً، أَمَّا مَتَى حَصَلَ الْفَرْقُ فِي النَّفْسِ صَارَ اسْتِمْتَاعًا حَرَامًا، وَالْإِنْسَانُ يُطَالِعُ قَلْبَهُ وَيَحْكُمُهُ فِي ذَلِكَ اهـ. [الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ هَلْ الِانْتِهَاءُ إلَى الْبَرَكَاتِ فِي السَّلَام مَأْمُورٌ بِهِ مُطْلَقًا] (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي رَدِّ السَّلَامِ هَلْ الِانْتِهَاءُ فِيهِ إلَى الْبَرَكَاتِ مَأْمُورٌ بِهِ مُطْلَقًا وَفِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ مَا إذَا انْتَهَى الْمُبْتَدِئُ بِالسَّلَامِ إلَى الْبَرَكَاتِ فَقَطْ وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ قِيلَ: إنَّ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ وَقِيلَ: لِلتَّخْيِيرِ اهـ قَالَ الْأَصْلُ: وَمَعْنَى التَّخْيِيرِ أَنَّ الْإِنْسَانَ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يَرُدَّ أَحْسَنَ أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى لَفْظِ الْمُبْتَدِئِ إنْ كَانَ قَدْ وَقَفَ دُونَ الْبَرَكَاتِ، وَإِلَّا لَبَطَلَ التَّخَيُّرُ لِتَعَيُّنِ الْمُسَاوَاةِ وَمَعْنَى التَّنْوِيعِ تَنْوِيعُ الرَّدِّ إلَى الْمِثْلِ إنْ كَانَ الْمُبْتَدِئُ انْتَهَى لِلْبَرَكَاتِ، وَإِلَى الْأَحْسَنِ إنْ كَانَ الْمُبْتَدِئُ اقْتَصَرَ دُونَ الْبَرَكَاتِ اهـ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ النَّهْيُ عَنْهُ مِنْ الْمَفَاسِدِ وَمَا يَحْرُمُ وَمَا يُنْدَبُ] [الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْوَالِدَيْنِ يَأْمُرَانِ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَيَانِ عَنْ الْمُنْكَرِ] (الْفَرْقُ الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ النَّهْيُ عَنْهُ مِنْ الْمَفَاسِدِ وَمَا يَحْرُمُ وَمَا يُنْدَبُ) وَهُوَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَاجِبٌ إذَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطٌ ثَلَاثٌ (الشَّرْطُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَعْلَمَ مَا يُؤْمَرُ بِهِ وَيَنْهَى

دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ النَّارَ وَخُرُوجِهِمْ مِنْهَا بِشَفَاعَةٍ وَبِغَيْرِ شَفَاعَةٍ، وَدُخُولُهُمْ النَّارَ إنَّمَا هُوَ بِذُنُوبِهِمْ فَلَوْ غُفِرَ لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ ذُنُوبُهُمْ كُلُّهَا لَمْ يَدْخُلْ أَحَدٌ النَّارَ فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ مُسْتَلْزِمًا لِتَكْذِيبِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَيَكُونُ مَعْصِيَةً وَلَا يَكُونُ كُفْرًا؛ لِأَنَّهَا أَخْبَارُ آحَادٍ وَالتَّكْفِيرُ إنَّمَا يَكُونُ بِجَحْدِ مَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ بِالضَّرُورَةِ أَوْ بِالتَّوَاتُرِ، فَإِنْ قُلْت فَمِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ إذَا قَالَ الْإِنْسَانُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَنْ يَقُولَ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا خِلَافُ مَا قَرَّرْته،. وَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ الْمَلَائِكَةِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أَنَّهُمْ يَقُولُوا {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر: 7] أَيْ تَابُوا مِنْ الْكُفْرِ وَاتَّبَعُوا الْإِسْلَامَ وَلَفْظُ الَّذِينَ عَامٌّ فِي التَّائِبِينَ مِنْ الْكُفْرِ وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ فَيَكُونُ عَامًّا فِي الْمُؤْمِنِينَ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ} [الشورى: 5] عَامٌّ فِي جَمِيعِ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَرَّرْته قُلْت الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، فَإِنْ أَرَادَ الْمَغْفِرَةَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَا عَلَى وَجْهِ التَّعْمِيمِ صَحَّ أَنْ يُشْرِكَ مَعَهُ كَافَّةَ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا طَلَبَهُ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَغْفِرَةِ بَعْضِ الذُّنُوبِ وَدُخُولِهِمْ النَّارَ بِبَعْضٍ ـــــــــــــــــــــــــــــSدَلَّتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ النَّارَ وَخُرُوجِهِمْ مِنْهَا بِشَفَاعَةٍ وَبِغَيْرِ شَفَاعَةٍ وَدُخُولُهُمْ النَّارَ إنَّمَا هُوَ بِذُنُوبِهِمْ فَلَوْ غُفِرَ لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ ذُنُوبُهُمْ كُلُّهَا لَمْ يَدْخُلْ أَحَدٌ النَّارَ فَيَكُونُ هَذِهِ الدُّعَاءُ مُسْتَلْزِمًا لِتَكْذِيبِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَيَكُونُ مَعْصِيَةً وَلَا يَكُونُ كُفْرًا؛ لِأَنَّهَا أَخْبَارُ آحَادٍ وَالتَّكْفِيرُ إنَّمَا يَكُونُ بِجَحْدِ مَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ بِالضَّرُورَةِ أَوْ بِالتَّوَاتُرِ. قَالَ فَإِنْ قُلْت فَمِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ إذَا قَالَ الدَّاعِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَنْ يَقُولَ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا خِلَافُ مَا قَرَّرْته، وَقَدْ أَخْبَرَنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ الْمَلَائِكَةِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أَنَّهُمْ يَقُولُونَ {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر: 7] أَيْ تَابُوا مِنْ الْكُفْرِ وَاتَّبَعُوا الْإِسْلَامَ وَلَفْظُ الَّذِينَ عَامٌّ فِي التَّائِبِينَ عَنْ الْكُفْرِ وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ فَيَكُونُ عَامًّا فِي الْمُؤْمِنِينَ. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ} [الشورى: 5] عَامٌّ جَمِيعَ مَنْ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَرَّرْته. قَالَ قُلْت الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، فَإِنْ أَرَادَ الْمَغْفِرَةَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لَا عَلَى وَجْهِ التَّعْمِيمِ صَحَّ أَنْ يُشْرِكَ مَعَهُ كَافَّةَ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا طَلَبَهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ مَغْفِرَةِ بَعْضِ الذُّنُوبِ وَدُخُولِهِمْ النَّارَ بِبَعْضٍ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْهُ (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ يَأْمَنَ مِنْ أَنْ يُؤَدِّيَ إنْكَارُهُ إلَى مُنْكَرٍ أَكْبَرَ مِنْهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ إذَا نَهَاهُ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلَ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ إمَّا فِي غَيْرِ النَّاهِي، وَإِمَّا فِي النَّاهِي كَأَنْ يَنْهَاهُ عَنْ الزِّنَا فَيَقْتُلَهُ (الشَّرْطُ الثَّالِثُ) : أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ إنْكَارَهُ الْمُنْكَرَ مُزِيلٌ لَهُ، وَأَنَّ أَمْرَهُ بِالْمَعْرُوفِ مُؤَثِّرٌ فِي تَحْصِيلِهِ، وَمُحَرَّمٌ إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ الْمُلَابِسُ تَحْرِيمَهُ، وَإِذَا فُقِدَ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَلَا يَحِلُّ لِلْجَاهِلِ بِالْحُكْمِ النَّهْيُ عَمَّا يَرَاهُ، وَلَا الْأَمْرُ بِهِ، وَلَا لِمَنْ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يُؤَدِّيَ إنْكَارُهُ عَنْ الْمُنْكَرِ إلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ أَمَّا فِي غَيْرِ النَّاهِي فَبِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا فِي نَفْسِ النَّاهِي فَعَلَى الْخِلَافِ الْآتِي، وَمَنْدُوبٌ إذَا كَانَ لَا يَعْتَقِدُ الْمُلَابِسُ حِلَّهُ، وَلَا حُرْمَتَهُ، وَهُوَ مُتَقَارِبُ الْمَدَارِكِ وَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ مَكْرُوهًا لَا حَرَامًا، وَالْمَتْرُوكُ مَنْدُوبًا لَا وَاجِبًا، وَإِذَا عُدِمَ الشَّرْطُ الثَّالِثُ بِأَنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ إنْكَارَهُ الْمُنْكَرَ مُزِيلٌ لَهُ، وَأَنَّ أَمْرَهُ بِالْمَعْرُوفِ مُؤَثِّرٌ فِي تَحْصِيلِهِ بَلْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ الْإِزَالَةُ وَعَدَمُهَا وَالتَّأْثِيرُ وَعَدَمُهُ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ الْإِزَالَةِ وَعَدَمُهَا وَالتَّأْثِيرُ وَعَدَمُهُ فَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ الْوَاجِبُ وَيَبْقَى الْجَوَازُ وَالنَّدْبُ وَتَوْضِيحُ ذَلِكَ أَنَّ لِلْوُجُوبِ حَالَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ مَا إذَا اجْتَمَعَتْ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَأَنَّ لِلتَّحْرِيمِ ثَلَاثَ حَالَاتٍ (الْحَالَةُ الْأُولَى) : مَا إذَا اعْتَقَدَ الْمُلَابِسُ لِلْمُنْكِرِ تَحْرِيمَهُ (وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) مَا إذَا فُقِدَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا يُؤْمَرُ بِهِ وَيُنْهَى عَنْهُ (الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) : مَا إذَا فُقِدَ الشَّرْطُ الثَّانِي وَتَحْتَهُ قِسْمَانِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يُؤَدِّيَ إنْكَارُهُ الْمُنْكَرَ إلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ فِي غَيْرِ النَّاهِي فَيَتَّفِقَ النَّاسُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ النَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ (الْقِسْمُ الثَّانِي) : أَنْ يُؤَدِّيَ إنْكَارُهُ الْمُنْكَرَ إلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ فِي النَّاهِي بِأَنْ يَنْهَاهُ عَنْ الزِّنَا فَيَقْتُلَهُ فَيَخْتَلِفَ النَّاسُ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ سَوَّاهُ بِالْأَوَّلِ نَظَرًا لِعِظَمِ الْمَفْسَدَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ، وَقَالَ: هَذَا لَا يُمْنَعُ، وَالتَّغْرِيرُ بِالنُّفُوسِ مَشْرُوعٌ فِي طَاعَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} [آل عمران: 146] فَمَدَحَهُمْ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ قُتِلُوا بِسَبَبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأَنَّهُمْ مَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَذْلَ النُّفُوسِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - مَأْمُورٌ بِهِ، وَقُتِلَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا بِسَبَبِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَزْوِيجِ الرَّبِيبَةِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْقَتْلِ بِمُجَرَّدِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فَجَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلَ الْجِهَادِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ كَلِمَةٍ وَكَلِمَةٍ كَانَتْ فِي الْأُصُولِ أَوْ الْفَرْعِ مِنْ الْكَبَائِرِ أَوْ الصَّغَائِرِ وَقَدْ خَرَجَ ابْنُ الْأَشْعَثِ مَعَ جَمْعٍ كَبِيرٍ مِنْ التَّابِعِينَ

آخَرَ فَلَا يُنَافِي أَحَادِيثَ الشَّفَاعَةِ وَإِنْ أَرَادَ مَغْفِرَةَ جَمِيعِ ذُنُوبِهِ صَحَّ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ الدَّاخِلِينَ النَّارَ الْخَارِجِينَ بِالشَّفَاعَةِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ أَرَادَ الْمَغْفِرَةَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَلَمْ يُشْرِكْهُمْ فِي جُمْلَةِ مَا طَلَبَهُ لِنَفْسِهِ صَحَّ أَيْضًا إذْ لَا مُنَافَاةَ فَلَا رَدَّ عَلَى النُّبُوَّةِ وَإِنْ أَرَادَ اشْتِرَاكَهُمْ مَعَهُ فِي جُمْلَةِ مَا طَلَبَهُ لِنَفْسِهِ وَهُوَ مَغْفِرَةُ جَمِيعِ الذُّنُوبِ فَذَلِكَ مُحَرَّمٌ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ طَلَبَ الْمَلَائِكَةِ الْمَغْفِرَةَ لِلْمُؤْمِنِ بِقَوْلِهِمْ {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا} [غافر: 7] وقَوْله تَعَالَى {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ} [الشورى: 5] لَا عُمُومَ فِي تِلْكَ الْأَلْفَاظِ لِكَوْنِهَا أَفْعَالًا فِي سِيَاقِ الثُّبُوتِ فَلَا تَعُمُّ إجْمَاعًا وَلَوْ كَانَتْ لِلْعُمُومِ لَوَجَبَ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهَا الْخُصُوصَ وَهُوَ الْمَغْفِرَةُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لِلْقَوَاعِدِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ أَطْلَقَ الدَّاعِي قَوْلَهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ جَازَ لِأَنَّ لَفْظَةَ افْعَلْ فِي سِيَاقِ الثُّبُوتِ فَلَا تَعُمُّ كَمَا أَطْلَقَتْهُ الْمَلَائِكَةُ. ـــــــــــــــــــــــــــــSآخَرَ فَلَا يُنَافِي الدُّعَاءُ أَحَادِيثَ الشَّفَاعَةِ، وَإِنْ أَرَادَ مَغْفِرَةَ جَمِيعِ ذُنُوبِهِ صَحَّ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ الدَّاخِلِينَ النَّارَ الْخَارِجِينَ بِالشَّفَاعَةِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ أَرَادَ الْمَغْفِرَةَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَلَمْ يُشْرِكْهُمْ فِي جُمْلَةِ مَا طَلَبَهُ لِنَفْسِهِ صَحَّ أَيْضًا إذْ لَا مُنَافَاةَ فَلَا رَدَّ عَلَى النُّبُوَّةِ، وَإِنْ أَرَادَ اشْتِرَاكَهُمْ مَعَهُ فِي جُمْلَةِ مَا طَلَبَهُ لِنَفْسِهِ وَهُوَ مَغْفِرَةُ جَمِيعِ الذُّنُوبِ فَذَلِكَ مُحَرَّمٌ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ، وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ طَلَبَ الْمَلَائِكَةِ الْمَغْفِرَةَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِمْ {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا} [غافر: 7] وقَوْله تَعَالَى {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ} [الشورى: 5] لَا عُمُومَ فِي تِلْكَ الْأَلْفَاظِ لِكَوْنِهَا أَفْعَالًا فِي سِيَاقِ الثُّبُوتِ فَلَا تَعُمُّ إجْمَاعًا وَلَوْ كَانَتْ لِلْعُمُومِ لَوَجَبَ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهَا الْخُصُوصَ وَهُوَ الْمَغْفِرَةُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ لِلْقَوَاعِدِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ أَطْلَقَ الدَّاعِي قَوْلَهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ جَازَ لِأَنَّ لَفْظَةَ افْعَلْ؛ لِأَنَّ فِي سِيَاقِ الثُّبُوتِ لَا تَعُمُّ كَمَا أَطْلَقَتْهُ الْمَلَائِكَةُ) . قُلْت لَقَدْ كَلَّفَ هَذَا الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ شَطَطًا وَادَّعَى دَوَاعِيَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا وَهْمًا مِنْهُ وَغَلَطًا، وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يُكَلِّفَ اللَّهُ تَعَالَى خَلْقَهُ أَنْ يَطْلُبُوا مِنْهُ الْمَغْفِرَةَ لِذُنُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ قَضَى بِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَغْفِرُ لَهُ، وَمِنْ أَيْنَ تَلْزَمُ الْمُنَافَاةُ بَيْنَ طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ وَوُجُوبِ نَقِيضِهَا؟ هَذَا أَمْرٌ لَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا إلَّا مُجَرَّدَ التَّحَكُّمِ بِمَحْضِ التَّوَهُّمِ، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا عُمُومَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا} [غافر: 7] وقَوْله تَعَالَى ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي قِتَالِ الْحَجَّاجِ وَعَرَّضُوا أَنْفُسَهُمْ لِلْقَتْلِ وَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلَائِقُ كَثِيرَةٌ بِسَبَبِ إزَالَةِ ظُلْمِ الْحَجَّاجِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ لَا فِي الْأُصُولِ، وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْجَدِّ وَالْعَزَائِمِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ فَيَظْهَرُ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّ الْمَفْسَدَةَ الْعُظْمَى إنَّمَا تُمْنَعُ إذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْقَبِيلِ أَمَّا هَذَا فَلَا، وَأَنَّ لِلنَّدَبِ ثَلَاثَ حَالَاتٍ (الْحَالَةُ الْأُولَى) : مَا إذَا كَانَ الْمُلَابِسُ لِلْمُنْكَرِ لَا يَعْتَقِدُ حِلَّهُ، وَلَا حُرْمَتَهُ، وَهُوَ مُتَقَارِبُ الْمَدَارِكِ (وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) مَا إذَا كَانَ الْفِعْلُ مَكْرُوهًا لَا حَرَامًا، وَالْمَتْرُوكُ مَنْدُوبًا لَا وَاجِبًا (وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) مَا إذَا فُقِدَ الشَّرْطُ الثَّالِثُ بِأَنْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ الْإِزَالَةُ وَعَدَمُهَا وَالتَّأْثِيرُ وَعَدَمُهُ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ الْإِزَالَةِ وَعَدَمُ التَّأْثِيرِ هَذَا تَهْذِيبُ مَا فِي الْأَصْلِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ قُلْت: وَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَالَةِ الْأُولَى لِلتَّحْرِيمِ، وَالْحَالَةِ الْأُولَى لِلنَّدَبِ أَنَّ لِلْوُجُوبِ حَالَةً ثَانِيَةً هِيَ مَا إذَا كَانَ الْمُلَابِسُ لِلْمُنْكَرِ الْمُتَّفَقِ عَلَى إنْكَارِهِ أَوْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ مَعَ ضَعْفِ مَدْرِك التَّحْلِيلِ جِدًّا يُعْتَقَدُ حِلُّهُ كَمَا لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَصْلٌ) مَرَاتِبُ الْإِنْكَارِ ثَلَاثَةٌ دَلَّ عَلَيْهَا مَا خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الْإِيمَانِ» وَيُرْوَى «وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» وَفِي الصَّحِيحِ نَحْوُهُ وَأَقْوَاهَا أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَيْنًا مَعَ الْقُدْرَةِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ انْتَقَلَ لِلتَّغْيِيرِ بِالْقَوْلِ، وَهِيَ الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ وَلْيَكُنْ الْقَوْلُ بِرِفْقٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ أَمَرَ مُسْلِمًا بِمَعْرُوفٍ فَلْيَكُنْ أَمْرُهُ كَذَلِكَ» قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46] فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقَوْلِ انْتَقَلَ لِلرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ، وَهِيَ الْإِنْكَارُ بِالْقَلْبِ، وَهِيَ أَضْعَفُهَا قَالَ الْأَصْلُ: وَعَجْزُهُ عَنْ الْإِنْكَارِ بِالْيَدِ أَوْ بِالْقَوْلِ، وَإِنْ كَانَ أَعْظَمَ النَّاسِ إيمَانًا لَا يُنَافِي تَعْظِيمَهُ لِلَّهِ - تَعَالَى - وَقُوَّةَ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ مَنَعَهُ أَوْ أَسْقَطَهُ عَنْهُ بِسَبَبِ عَجْزِهِ عَنْ الْإِنْكَارِ لِكَوْنِهِ يُؤَدِّي لِمَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ، أَوْ نَقُولُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْعَجْزِ عَنْ الْقُرْبَةِ نَقْصُ الْإِيمَانِ وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِيمَانِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» الْإِيمَانُ الْفِعْلِيُّ الْوَارِدُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] أَيْ صَلَاتَكُمْ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالصَّلَاةُ فِعْلٌ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْإِيمَانُ سَبْعٌ وَخَمْسُونَ شُعْبَةً، وَقِيلَ: بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَعْلَاهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ» وَهَذِهِ التَّجْزِئَةُ إنَّمَا تَصِحُّ فِي الْأَفْعَالِ وَقَدْ سَمَّاهَا إيمَانًا وَأَقْوَى الْإِيمَانِ الْفِعْلِيِّ إزَالَةُ الْيَدِ لِاسْتِلْزَامِهِ إزَالَةَ الْمَفْسَدَةِ عَلَى الْفَوْرِ ثُمَّ الْقَوْلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا تَقَعُ مَعَهُ الْإِزَالَةُ

[المسألة الثانية لا يشترط في النهي عن المنكر أن يكون ملابسه عاصيا]

الْمِثَالُ الثَّانِي) أَنْ يَقُولَ الدَّاعِي اللَّهُمَّ اكْفِنِي أَمْرَ الْعُرْيِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى تَسْتَتِرَ عَوْرَتِي عَنْ الْأَبْصَارِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ «الْخَلَائِقَ يُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا» فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ مُسْتَلْزِمًا لِلرَّدِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِهِ فَيَكُونُ مَعْصِيَةً. (الثَّالِثُ) أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إذَا قَبَضْتَنِي إلَيْك وَأَمَتَّنِي فَلَا تُحْيِيَنِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى أَسْتَرِيحَ مِنْ وَحْشَةِ الْقَبْرِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ رُجُوعُ الْأَرْوَاحِ إلَى الْأَجْسَادِ «إنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ خَفْقَ أَنْعِلَةِ الْمُنْصَرِفِينَ» ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَتْلَى بَدْرٍ «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ» وَلَيْسَ ذَلِكَ خَاصًّا بِهِمْ إجْمَاعًا فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ مُسْتَلْزِمًا لِلرَّدِّ عَلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ مَعْصِيَةً وَلِكَوْنِهِ مِنْ بَابِ الْآحَادِ لَا يَكُونُ كُفْرًا (الْقِسْمُ السَّادِسُ) مِنْ الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ وَهُوَ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ الْوَارِدُ بِطَرِيقِ الْآحَادِ عَلَى نَفْيِهِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: (الْأَوَّلُ) أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَسْتَرِيحَ مِنْ غَمِّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــS {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ} [الشورى: 5] لِكَوْنِهَا أَفْعَالًا فِي سِيَاقِ الثُّبُوتِ خَطَأٌ فَاحِشٌ؛ لِأَنَّهُ الْتَفَتَ إلَى الْأَفْعَالِ دُونَ مَا بَعْدَهَا مِنْ مَعْمُولَاتِهَا وَالْمَعْمُولَاتُ فِي الْآيَتَيْنِ لَفْظًا عُمُومٌ. قَالَ (الْمِثَالُ الثَّانِي أَنْ يَقُولَ الدَّاعِي اللَّهُمَّ اكْفِنِي أَمْرَ الْعُرْيِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى تَسْتَتِرَ عَوْرَتِي عَنْ الْأَبْصَارِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ إنَّ «الْخَلَائِقَ يُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا» فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ مُسْتَلْزِمًا لِلرَّدِّ عَلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِهِ فَيَكُونُ مَعْصِيَةً. الثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إذَا قَبَضْتنِي إلَيْك وَأَمَتّنِي فَلَا تُحْيِنِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى أَسْتَرِيحَ مِنْ وَحْشَةِ الْقَبْرِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ رُجُوعُ الْأَرْوَاحِ إلَى الْأَجْسَادِ «وَأَنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ خَفْقَ أَنْعِلَةِ الْمُنْصَرِفِينَ» ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَتْلَى بَدْرٍ «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ» وَلَيْسَ ذَلِكَ خَاصًّا بِهِمْ إجْمَاعًا فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ مُسْتَلْزِمًا لِلرَّدِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ مَعْصِيَةً وَلِكَوْنِهِ مِنْ بَابِ الْآحَادِ لَا يَكُونُ كُفْرًا) قُلْت هَذَانِ الْمِثَالَانِ مِنْ الطِّرَازِ الْأَوَّلِ مُجَرَّدُ دَعْوَى، وَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَدْعُوَ إلَّا بِمَا يَجُوزُ وُقُوعُهُ؟ لَا أَعْرِفُ لِذَلِكَ وَجْهًا وَلَا دَلِيلًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ (الْقِسْمُ السَّادِسُ مِنْ الدُّعَاءِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ الْوَارِدُ بِطَرِيقِ الْآحَادِ عَلَى نَفْيِهِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَسْتَرِيحَ مِنْ غَمِّهَا ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ تَقَعُ وَالْإِنْكَارُ الْقَلْبِيُّ لَا يُؤَثِّرُ إزَالَةً أَلْبَتَّةَ، أَوْ يُلَاحَظُ عَدَمُ تَأْثِيرِهِ فِي الْإِزَالَةِ فَيَبْقَى الْإِيمَانُ اهـ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ: وَمَعْنَى ضَعْفِهِ دَلَالَتُهُ عَلَى غَرَابَةِ الْإِسْلَامِ وَعَدَمِ انْتِظَامِهِ، وَإِلَّا فَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا اهـ يُرِيدُ أَنَّ الْإِيمَانَ فِي الْحَدِيثِ بَاقٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِمَعْنَى التَّصْدِيقِ الْقَلْبِيِّ وَالْمُرَادُ بِضَعْفِهِ ضَعْفُهُ فِي زَمَنِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِنْكَارِ بِالْيَدِ أَوْ بِالْقَوْلِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ حَدِيثُ «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ» لَا ضَعْفُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُنْكِرِ بِقَلْبِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ (وَصْلٌ) فِي خَمْسِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَيَكْمُلُ بِهَا الْفَرْقُ (الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى) يَأْمُرُ الْوَلَدُ وَالِدَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمَا عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ مَالِكٌ: وَيَخْفِضُ لَهُمَا فِي ذَلِكَ جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُشْتَرَطُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ أَنْ يَكُونَ مُلَابِسُهُ عَاصِيًا] (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَا يُشْتَرَطُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ أَنْ يَكُونَ مُلَابِسُهُ عَاصِيًا بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُلَابِسًا لِمَفْسَدَةٍ وَاجِبَةِ الدَّفْعِ أَوْ تَارِكًا لِمَصْلَحَةٍ وَاجِبَةِ الْحُصُولِ، وَلَهُ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا أَمْرُ الْجَاهِلِ بِمَعْرُوفٍ لَا يَعْرِفُ وُجُوبَهُ وَنَهْيُهُ عَنْ مُنْكَرٍ لَا يَعْرِفُ تَحْرِيمَهُ كَنَهْيِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - أُمَمَهَا أَوَّلَ بَعْثَتِهَا وَمِنْهَا قِتَالُ الْبُغَاةِ وَهُمْ عَلَى تَأْوِيلٍ وَمِنْهَا ضَرْبُ الصِّبْيَانِ عَلَى مُلَابَسَةِ الْفَوَاحِشِ وَمِنْهَا قَتْلُ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ إذَا صَالُوا عَلَى الدِّمَاءِ وَالْأَبْضَاعِ وَلَمْ يُمْكِنُ دَفْعُهُمْ إلَّا بِقَتْلِهِمْ، وَمِنْهَا أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا بِالْقِصَاصِ ثُمَّ يَعْفُوَ وَيُخْبِرَ فَاسِقٌ أَوْ مُتَّهَمٌ الْوَكِيلَ بِالْعَفْوِ فَلَا يُصَدِّقُهُ فَلِلْفَاسِقِ أَوْ الْمُتَّهَمِ الَّذِي أَخْبَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ عَنْ الْقِصَاصِ إذًا دَفْعًا بِالْقَتْلِ الْوَارِدَةِ لِمَفْسَدَةِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَمِنْهَا أَنْ يُوَكِّلَ سَيِّدُ الْجَارِيَةِ وَكِيلًا فِي بَيْعِهَا فَيَبِيعَهَا وَيُخْبِرَهُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْوَكِيلِ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ وَيُرِيدُ وَطْأَهَا ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ الْوَكِيلَ لَمْ يَبِعْهَا فَلِلْمُشْتَرِي دَفْعُهُ وَلَوْ بِالْقَتْلِ، وَمِنْهَا ضَرْبُ الْبَهَائِمِ لِلتَّعْلِيمِ وَالرِّيَاضَةِ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ الشِّمَاسِ وَالْجِمَاحِ. [الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ] (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ إجْمَاعًا فَمَنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْمُرَ بِمَعْرُوفٍ وَجَبَ عَلَيْهِ كَمَنْ يَرَى جَمَاعَةً تَرَكُوا الصَّلَاةَ فَيَأْمُرُهُمْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ قُومُوا لِلصَّلَاةِ. [الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ إذَا رَأَيْنَا مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مُخْتَلَفًا فِي تَحْرِيمِهِ وَتَحْلِيلِهِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ] (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) الْمُخْتَلَفُ فِي تَحْرِيمِهِ وَتَحْلِيلِهِ إنْ رَأَيْنَا مَنْ فَعَلَهُ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ أَنْكَرْنَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْتَهِكٌ لِلْحُرْمَةِ مِنْ جِهَةِ اعْتِقَادِهِ فَإِنْ رَأَيْنَاهُ مُعْتَقِدًا تَحْلِيلَهُ لَمْ نُنْكِرْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ عَاصٍ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ إلَّا أَنَّ الْمَفْسَدَةَ الْمُوجِبَةَ لِإِبَاحَةِ الْإِنْكَارِ لَمْ تَتَعَيَّنْ نَعَمْ إنْ كَانَ مَدْرَكُ الْقَوْلِ بِالتَّحْلِيلِ ضَعِيفًا جِدًّا يَنْقُصُ قَضَاءُ الْقَاضِي بِمِثْلِهِ لِبُطْلَانِهِ فِي الشَّرْعِ كَوَاطِئِ الْجَارِيَةِ بِالْإِبَاحَةِ مُعْتَقِدًا لِمَذْهَبِ عَطَاءٍ وَشَارِبِ النَّبِيذِ مُعْتَقِدًا لِمَذْهَبِ

[المسألة الخامسة المندوبات والمكروهات يدخلها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

وَوَحْشَتِهَا مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ قَبْلَ غَيْرِي، وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ رَدَّا عَلَى النُّبُوَّةِ فَيَكُونُ مَعْصِيَةً. (الثَّانِي) أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَوَّلَ دَاخِلِ الْجَنَّةِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلُ دَاخِلِ الْجَنَّةِ» فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ مُضَادًّا لِخَبَرِ النُّبُوَّةِ فَيَكُونُ مَعْصِيَةً. (الثَّالِثُ) أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ الْأَغْنِيَاء يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْفُقَرَاءِ لِكَوْنِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ «الْفُقَرَاءَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ» فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ مُضَادًّا لِلْحَدِيثِ فَيَكُونُ مَعْصِيَةً وَلَا يَكُونُ كُفْرًا لِأَنَّ الْحَدِيثَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ (الْقِسْمُ السَّابِعُ) مِنْ الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ وَهُوَ الدُّعَاءُ الْمُعَلَّقُ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت وَلَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَلَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ قَدَّرْت غَيْرَ ذَلِكَ وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ النَّظَائِرَ لِمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت وَلْيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ» وَسِرُّهُ أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ عَرِيَ عَنْ إظْهَارِ الْحَاجَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيُشْعِرُ بِغِنَى الْعَبْدِ عَنْ الرَّبِّ ـــــــــــــــــــــــــــــSوَوَحْشَتِهَا مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ قَبْلَ غَيْرِي، وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ» فَيَكُونَ هَذَا الدُّعَاءُ رَدًّا عَلَى النُّبُوَّةِ فَيَكُونَ مَعْصِيَةً. الثَّانِي أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَوَّلَ دَاخِلٍ الْجَنَّةَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلُ دَاخِلِ الْجَنَّةِ» فَيَكُونَ هَذَا الدُّعَاءُ مُضَادًّا لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. الثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ الْأَغْنِيَاءَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْفُقَرَاءِ لِكَوْنِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ غَيْرُ ذَلِكَ فَيَكُونُ مَعْصِيَةً) قُلْت قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا مُضَادَّةَ بَيْنَ التَّكْلِيفِ بِطَلَبِ أَمْرٍ وَنُفُوذِ الْقَضَاءِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ وَمُدَّعِي ذَلِكَ مُطَالَبٌ بِالدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَأْتِ عَلَى ذَلِكَ بِدَلِيلٍ إلَّا مُجَرَّدَ دَعْوَى الْمُضَادَّةِ. . قَالَ (الْقِسْمُ السَّابِعُ مِنْ الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ وَهُوَ الدُّعَاءُ الْمُعَلَّقُ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت وَلَا إلَّا إنْ تَشَاءَ وَلَا إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ قَدَّرْت غَيْرَ ذَلِكَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت وَلْيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ» وَسِرُّهُ أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ عَرِيَ عَنْ إظْهَارِ الْحَاجَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيُشْعِرُ بِغِنَى الْعَبْدِ عَنْ الرَّبِّ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَبِي حَنِيفَةَ أَنْكَرْنَا عَلَيْهِ، وَإِنْ رَأَيْنَاهُ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ تَحْرِيمًا، وَلَا تَحْلِيلًا، وَالْمَدَارِكُ فِي التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ مُتَقَارِبَةٌ أَرْشَدَ لِلتَّرْكِ بِرِفْقٍ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَتَوْبِيخٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْوَرَعِ الْمَنْدُوبِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَنْدُوبَاتِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرَاتِ هَكَذَا أَيْ الْمَكْرُوهَاتِ شَأْنُهَا الْإِرْشَادُ مِنْ غَيْرِ تَوْبِيخٍ [الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ الْمَنْدُوبَاتُ وَالْمَكْرُوهَاتُ يَدْخُلُهَا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ] (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) يَدْخُلُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ الْمَنْدُوبَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ عَلَى سَبِيلِ الْإِرْشَادِ لِلْوَرَعِ وَلِمَا هُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِ تَعْنِيفٍ، وَلَا تَوْبِيخٍ بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى أَفَادَهُ الْأَصْلُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. [الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ شَرْطُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ] (الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجِبُ تَعَلُّمُهُ مِنْ النُّجُومِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجِبُ) وَهُوَ أَنَّ تَعَلُّمَ النُّجُومِ إنْ كَانَ لِمَا تَعْرِفُ بِهِ الْقِبْلَةَ كَالْفَرْقَدَيْنِ وَالْجَدْيِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا فِي مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا أَنَّ تَعَلُّمَ هَذَا الْقِسْمِ فَفَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ قَالَ الْأَصْلُ: لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ مِنْ التَّوَجُّهِ لِلْكَعْبَةِ لَا يَسُوغُ فِيهِ التَّقْلِيدُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاجْتِهَادِ وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى التَّعَلُّمِ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعَلُّمُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ، وَمُعْظَمُ أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ فِي النُّجُومِ فَيَجِبُ تَعَلُّمُ مَا تُعْلَمُ بِهِ الْقِبْلَةُ اهـ وَإِنْ كَانَ لِمَا تُعْرَفُ بِهِ أَوْقَاتُ الصَّلَاةِ فَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنْ يَكُونَ مَا يُعْرَفُ بِهِ مِنْهَا فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ قَالَ الْأَصْلُ لِجَوَازِ التَّقْلِيدِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ إلَّا الزَّوَالَ، فَإِنَّهُ ضَرُورِيٌّ يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ التَّقْلِيدِ؛ فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فَرْضًا عَلَى الْأَعْيَانِ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْأَوْقَاتِ وَاجِبَةٌ يَكُونُ مَا تُعْرَفُ بِهِ الْأَوْقَاتُ فَرْضَ كِفَايَةٍ اهـ وَإِنْ كَانَ لِمَا يُعِينُ عَلَى الْأَسْفَارِ، وَيُخْرِجُ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ فَهُوَ مَوْطِنُ الِاسْتِحْبَابِ قَالَ الْأَصْلُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ يَتَعَلَّمُ مِنْ أَحْكَامِ النُّجُومِ مَا يَهْتَدِي بِهِ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَتُعْرَفُ مَوَاضِعُهَا مِنْ الْفَلَكِ، وَأَوْقَاتُ طُلُوعِهَا وَغُرُوبِهَا، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 97] اهـ الْمُرَادُ، وَإِنْ كَانَ لِمَا يُعْرَفُ بِهِ نُقْصَانُ الشَّهْرِ وَوَقْتُ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَالْكُسُوفَاتِ فَمَكْرُوهٌ قَالَ الْأَصْلُ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَأَمَّا مَا يُفْضِي إلَى مَعْرِفَةِ نُقْصَانِ الشَّهْرِ وَوَقْتِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَمَكْرُوهٌ، وَلَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ فَهُوَ اشْتِغَالٌ بِغَيْرِ مُفِيدٍ قَالَ، وَكَذَلِكَ مَا يُعْرَفُ بِهِ الْكُسُوفَاتِ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُغْنِي شَيْئًا وَيُوهِمُ الْعَامَّةَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ بِالْحِسَابِ فَيُزْجَرُ عَنْ الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ وَيُؤَدَّبُ عَلَيْهِ اهـ، وَإِنْ كَانَ لِمَا يُعْرَفُ بِهِ نُزُولُ الْأَمْطَارِ وَغَيْرُهُ

[القسم الثامن من الدعاء المحرم الذي ليس بكفر الدعاء المعلق بشأن الله تعالى]

وَطَلَبُ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مُحَالٌ فَإِنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ وَذَلِكَ كُلُّهُ مُنَاقِضٌ لِقَوَاعِد الشَّرِيعَةِ وَالْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاقِعَ بِغَيْرِ دُعَاءٍ، وَقَدْ عَلِمَ أَنْ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ طَلَبُهُ لِأَجْلِ أَنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا مُقَدَّرَةً وَإِذَا قُدِّرَتْ فَهِيَ وَاقِعَةٌ جَزْمًا (الْقِسْمُ الثَّامِنُ) مِنْ الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ الدُّعَاءُ الْمُعَلَّقُ بِشَأْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَهُ أَمْثِلَةٌ. (الْأَوَّلُ) أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ افْعَلْ بِي مَا أَنْتِ لَهُ أَهْلٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهَذَا الدُّعَاءُ يَعْتَقِدُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُقَلَاءِ أَنَّهُ حَسَن وَهُوَ قَبِيحٌ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَمَا هُوَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ فِي الذُّنُوبِ هُوَ أَهْلُ لِلْمُؤَاخَذَةِ عَلَيْهَا وَنِسْبَةُ الْأَمْرَيْنِ إلَى جَلَالِهِ تَعَالَى نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَلِكَ تَعَلُّقُ قُدْرَتِهِ تَعَالَى وَقَضَائِهِ بِالْخُيُورِ كَنِسْبَةِ تَعَلُّقِهَا بِالْمَكَارِهِ وَالشُّرُورِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِشَأْنِهِ مِنْ الْآخَرِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ الْأَصْلَحَ لِعِبَادِهِ وَأَنْ لَا يَفْعَلَهُ، وَنِسْبَةُ الْأَمْرَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (وَطَلَبُ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مُحَالٌ فَإِنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ وَذَلِكَ كُلُّهُ مُنَاقِضٌ لِقَوَاعِد الشَّرِيعَةِ وَالْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ فِي طَلَبِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ بِصَحِيحٍ، وَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ بِالْمَغْفِرَةِ وَهِيَ مَعْلُومَةُ الْحُصُولِ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا، وَأَمَرَنَا أَنْ نَدْعُوَ لَهُ بِإِيتَائِهِ الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ وَابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي وَعَدْته وَذَلِكَ كُلُّهُ مَعْلُومُ الْحُصُولِ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا. قَالَ (وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاقِعَ بِغَيْرِ دُعَاءٍ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ طَلَبُهُ لِأَجْلِ أَنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا مُقَدَّرَةً وَإِذَا قُدِّرَتْ فَهِيَ وَاقِعَةٌ جَزْمًا) قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُ مِثْلِ هَذَا فِيمَا سَبَقَ. [الْقِسْمُ الثَّامِنُ مِنْ الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ الدُّعَاءُ الْمُعَلَّقُ بِشَأْنِ اللَّهِ تَعَالَى] قَالَ (الْقِسْمُ الثَّامِنُ مِنْ الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمُ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ الدُّعَاءُ الْمُعَلَّقُ بِشَأْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ افْعَلْ بِي مَا أَنْتَ لَهُ أَهْلٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهَذَا الدُّعَاءُ يَعْتَقِدُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُقَلَاءِ أَنَّهُ حَسَنٌ وَهُوَ قَبِيحٌ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ كَمَا هُوَ أَهْلٌ لِلْمَغْفِرَةِ فِي الذُّنُوبِ هُوَ أَهْلٌ لِلْمُؤَاخَذَةِ عَلَيْهَا وَنِسْبَةُ الْأَمْرَيْنِ إلَى جَلَالِهِ تَعَالَى نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَكَذَلِكَ تَعَلُّقُ قُدْرَتِهِ تَعَالَى وَقَضَائِهِ بِالْخُيُورِ كَنِسْبَةِ تَعَلُّقِهَا بِالْمَكَارِهِ وَالشُّرُورِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِشَأْنِهِ تَعَالَى وَجَلَالِهِ مِنْ الْآخَرِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ الْأَصْلَحَ لِعِبَادِهِ وَأَنْ لَا يَفْعَلَهُ، وَنِسْبَةُ الْأَمْرَيْنِ ـــــــــــــــــــــــــــــQمِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ مِنْ الْغَيْبِ فَهُوَ إمَّا زَنْدَقَةٌ أَوْ ارْتِدَادٌ أَوْ بِدْعَةٌ تُسْقِطُ الْعَدَالَةَ قَالَ الْأَصْلُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَدَّاهُ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْكَوَاكِبَ مُسْتَقِلَّةٌ بِالتَّأْثِيرِ قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ إنْ كَانَ يَسُرُّهُ؛ لِأَنَّهُ زِنْدِيقٌ، وَإِنْ أَظْهَرَهُ فَهُوَ مُرْتَدٌّ يُسْتَتَابُ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهِ إلَى ذَلِكَ بَلْ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - هُوَ الْفَاعِلُ عِنْدَهَا زُجِرَ عَنْ الِاعْتِقَادِ الْكَاذِبِ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ تُسْقِطُ الْعَدَالَةَ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ تَصْدِيقُهُ قَالَ فَالِاخْتِلَافُ فِي كَلَامِ ابْنُ رُشْدٍ إذْ قَالَ وَأَمَّا مَا يُخْبِرُ بِهِ الْمُنَجِّمُ مِنْ الْغَيْبِ مِنْ نُزُولِ الْأَمْطَارِ وَغَيْرِهِ فَقِيلَ: ذَلِكَ كُفْرٌ يُقْتَلُ بِغَيْرِ اسْتِتَابَةٍ لِقَوْلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوَاكِبِ» وَقِيلَ: يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ قَالَهُ أَشْهَبُ وَقِيلَ: يُزْجَرُ عَنْ ذَلِكَ وَيُؤَدَّبُ اهـ لَيْسَ اخْتِلَافًا فِي قَوْلٍ بَلْ اخْتِلَافٌ فِي حَالٍ قَالَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَدَ فِيمَا يُصِيبُونَ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْغَالِبِ نَحْوُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا نَشَأَتْ بَحْرِيَّةٌ ثُمَّ تَشَاءَمْت فَتِلْكَ عَيْنٌ غَدِقَةٌ» اهـ فَهَذَا تَلْخِيصُ مَا يَجِبُ وَمَا لَا يَجِبُ مِنْ تَعَلُّمِ أَحْكَامِ النُّجُومِ هَذَا تَهْذِيبُ كَلَامِ الْأَصْلِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ مِنْ الدُّعَاءِ كُفْرٌ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ] [الْقِسْمُ الْأَوَّلُ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي نَفْيَ مَا دَلَّ السَّمْعُ الْقَاطِعُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى ثُبُوتِهِ] (الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَة مَا هُوَ مِنْ الدُّعَاءِ كُفْرٌ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ) . قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَلَيْسَ هُوَ بِصَحِيحٍ إلَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ يُكَفِّرُ بِالْمَآلِ أَيْ وَيَقُولُ بِأَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ مَذْهَبٌ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ الْأَصْلُ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الدُّعَاءِ النَّدْبُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ طَلَبٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَكُلُّ مَا هُوَ طَلَبٌ مِنْهُ تَعَالَى مُشْتَمِلٌ عَلَى خُضُوعِ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ وَإِظْهَارِ ذِلَّتِهِ وَافْتِقَارِهِ إلَى مَوْلَاهُ وَكُلُّ مُشْتَمِلٍ عَلَى ذَلِكَ مَأْمُورٌ بِهِ أَمْرُ نَدْبٍ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ مَا يُوجِبُهُ أَوْ يُحَرِّمُهُ وَالتَّحْرِيمُ قَدْ يَنْتَهِي لِلْكُفْرِ، وَقَدْ لَا يَنْتَهِي لَهُ وَمَا يَنْتَهِي لَهُ لَمْ تَقُمْ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّهُ بِعَيْنِهِ كُفْرٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّفْكِيرِ بِالْمَآلِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ وَالْأَصْلُ لَا يَقُولُ بِهِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ أَقْسَامَ مَا يَنْتَهِي لَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ أَرْبَعَةٌ: (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي نَفْيَ مَا دَلَّ السَّمْعُ الْقَاطِعُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى ثُبُوتِهِ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ لَا تُعَذِّبْ مَنْ كَفَرَ بِك أَوْ اغْفِرْ لَهُ، وَقَدْ دَلَّ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ السَّمْعِيَّةِ الْقَوَاطِعِ عَلَى تَعْذِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ مَاتَ كَافِرًا، وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ لَا تُخَلِّدْ فُلَانًا الْكَافِرَ فِي النَّارِ، وَقَدْ دَلَّتْ النُّصُوصُ الْقَاطِعَةُ عَلَى تَخْلِيدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ، وَمِنْهَا أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي اللَّهَ أَنْ يُرِيحَهُ مِنْ الْبَعْثِ حَتَّى يَسْتَرِيحَ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ بَعْثِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّقَلَيْنِ. [الْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ مَا دَلَّ الْقَاطِعُ السَّمْعِيُّ عَلَى نَفْيِهِ] (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ مَا دَلَّ الْقَاطِعُ

[القسم الثالث أن يطلب الداعي من الله تعالى نفي ما دل القاطع العقلي على ثبوته مما يخل ثبوته بجلال الربوبية]

إلَيْهِ تَعَالَى نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَكُلُّ ذَلِكَ شَأْنُ اللَّهِ تَعَالَى فِي مُلْكِهِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ وَالْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ دَائِرُونَ بَيْنَ عَدْلِهِ وَفَضْلِهِ فَمَنْ هَلَكَ مِنْهُمْ فَبِعَدْلِهِ وَمَنْ نَجَا فَبِفَضْلِهِ وَعَدْلِهِ، وَفَضْلُهُ مِنْ شَأْنِهِ وَنِسْبَتُهُمَا إلَيْهِ تَعَالَى نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَزِيدُهُ الْإِحْسَانُ جَلَالًا وَعَظَمَةً وَلَا يُنْقِصُ الْعَدْلُ مِنْ جَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ بَلْ الْأَمْرَانِ مُسْتَوِيَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَكِلَاهُمَا شَأْنُهُ فَمَنْ دَعَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ اللَّهُمَّ افْعَلْ بِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ فَقَدْ سَأَلَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَفْعَلَ بِهِ إمَّا الْخَيْرَ وَإِمَّا الشَّرَّ وَأَنْ يَغْفِرَ لَهُ أَوْ يُؤَاخِذَهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت» وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ بِمِثْلِ هَذَا فِيهِ إظْهَارُ الِاسْتِغْنَاءِ وَعَدَمُ الِافْتِقَارِ فَيَكُونُ مَعْصِيَةً إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الدَّاعِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ مِنْ الْخَيْرِ الْجَزِيلِ وَلَا يَقْتَصِرُ فِي نِيَّتِهِ عَلَى مُطْلَقِ الْخَيْرِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ فَأَعْظِمُوا الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ وَإِذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ تَعَالَى فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى» ، فَإِنْ عَرِيَتْ نَفْسُ الدَّاعِي عَنْ نِيَّةِ تَعْظِيمِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ الْقَصْدِ إلَى الْخَيْرِ فِي الْجُمْلَةِ فَقَدْ ذَهَبَ التَّحْرِيمُ ـــــــــــــــــــــــــــــSإلَيْهِ تَعَالَى نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ كُلُّ ذَلِكَ شَأْنُ اللَّهِ تَعَالَى فِي مُلْكِهِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ وَالْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ دَائِرُونَ بَيْنَ عَدْلِهِ وَفَضْلِهِ فَمَنْ هَلَكَ مِنْهُمْ فَبِعَدْلِهِ وَمَنْ نَجَا فَبِفَضْلِهِ وَعَدْلِهِ وَفَضْلُهُ مِنْ شَأْنِهِ وَنِسْبَتُهَا إلَيْهِ تَعَالَى نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَزِيدُهُ الْإِحْسَانُ جَلَالًا وَعَظَمَةً وَلَا يُنْقِصُ الْعَدْلُ مِنْ جَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ بَلْ الْأَمْرَانِ مُسْتَوِيَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَكِلَاهُمَا شَأْنُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَمَنْ دَعَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ اللَّهُمَّ افْعَلْ بِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ فَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَفْعَلَ بِهِ إمَّا الْخَيْرَ وَإِمَّا الشَّرَّ وَأَنْ يَغْفِرَ لَهُ أَوْ يُؤَاخِذَهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت» وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ بِمِثْلِ هَذَا فِيهِ إظْهَارُ الِاسْتِغْنَاءِ وَعَدَمُ الِافْتِقَارِ فَيَكُونُ مَعْصِيَةً) قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا قَالَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الدَّاعِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ مِنْ الْخَيْرِ الْجَزِيلِ، وَلَا يَقْتَصِرُ فِي نِيَّتِهِ عَلَى مُطْلَقِ الْخَيْرِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ فَأَعْظِمُوا الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ وَإِذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى» ، فَإِنْ عَرِيَتْ نَفْسُ الدَّاعِي عَنْ نِيَّةِ تَعْظِيمِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ الْقَصْدِ إلَى الْخَيْرِ فِي الْجُمْلَةِ فَقَدْ ذَهَبَ التَّحْرِيمُ) قُلْت ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى نَفْيِهِ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ خَلِّدْ فُلَانًا الْمُسْلِمَ عَدُوِّي فِي النَّارِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ سُوءَ الْخَاتِمَةِ، وَقَدْ دَلَّ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [الطلاق: 11] وَنَحْوُهُ مِنْ الْقَوَاطِعِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ أَحْيِنِي أَبَدًا حَتَّى أَسْلَمَ مِنْ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَكَرْبِهِ، وَقَدْ دَلَّ قَوْله تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] وَنَحْوُهُ مِنْ الْقَوَاطِعِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْمَوْتِ، وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ إبْلِيسَ مُحِبًّا نَاصِحًا لِي وَلِبَنِي آدَمَ أَبَدَ الدَّهْرِ حَتَّى يَقِلَّ الْفَسَادُ وَتَسْتَرِيحَ الْعِبَادُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6] (وَلَا يَخْفَاك) أَنَّ غَايَةَ مَا فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ طَلَبُ التَّكْذِيبِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ طَلَبَ مُسْتَحِيلٍ إلَّا أَنَّ الْقَاعِدَةَ فِي طَلَبِ الْمُسْتَحِيلِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَحِيلٍ عَقْلًا وَلَا مُمْتَنِعٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَلْزِمًا لِتَجْوِيزِ التَّكْذِيبِ عِنْدَ مَنْ لَا يُجَوِّزُ طَلَبَ الْمُسْتَحِيلِ لَا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ طَلَبَهُ إلَّا أَنَّ تَجْوِيزَ التَّكْذِيبِ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّكْذِيبَ، وَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ مُقْتَضَى لَفْظِ التَّكْذِيبِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَكْذِيبُ زَيْدٍ لِعَمْرٍو وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُكَذِّبًا لِعَمْرٍو وَلَا مُجَوِّزًا لِكَذِبِهِ فَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ بِلَفْظِ التَّكْذِيبِ الْكَذِبَ لَمْ يَلْزَمْ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مُكَذِّبًا لَهُ بَلْ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُجَوِّزًا لِوُقُوعِ الْكَذِبِ مِنْهُ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ طَلَبَ الْمُسْتَحِيلِ لَا عِنْدَ مَنْ لَا يُجَوِّزُهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ لَا يُجَوِّزُهُ إنَّمَا يَكُونُ تَكْفِيرُ مَنْ يَلْزَمُ مِنْ دُعَائِهِ ذَلِكَ تَكْفِيرًا بِالْمَآلِ، وَقَدْ حَكَى الْأَصْلُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَاخْتَارَ الْأَصْلُ عَدَمَ التَّكْفِيرِ، فَجَزْمُهُ هُنَا بِتَكْفِيرِ الدَّاعِي بِمَا فِي مِثْلِ الْقِسْمَيْنِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إلَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ يُكَفِّرُ بِالْمَآلِ وَيَقُولُ إنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ مَذْهَبٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْهَبَ الْأَصْلِ. [الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ مَا دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى ثُبُوتِهِ مِمَّا يُخِلُّ ثُبُوتُهُ بِجَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ] (وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ مَا دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى ثُبُوتِهِ مِمَّا يُخِلُّ بِإِجْلَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى سَلْبَ عِلْمِهِ أَوْ عَالَمِيَّتِهِ الْقَدِيمَةِ حَتَّى يَسْتَتِرَ الْعَبْدُ فِي قَبَائِحِهِ وَيَسْتَرِيحَ مِنْ اطِّلَاعِ رَبِّهِ عَلَى فَضَائِحِهِ، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى وُجُوبِ ثُبُوتِ الْعِلْمِ لِلَّهِ تَعَالَى أَزَلًا وَأَبَدًا، وَمِنْهَا أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى سَلْبَ اسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ وَارْتِفَاعَ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الدَّاعِي بِالتَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ وَيَأْمَنَ سُوءَ الْخَاتِمَةِ مِنْ جِهَةِ الْقَضَاءِ، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى شُمُولِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِيلَائِهِ عَلَى جَمِيعِ الْكَائِنَاتِ. [الْقِسْمُ الرَّابِعُ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ مَا دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى نَفْيِهِ مِمَّا يُخِلُّ ثُبُوتُهُ بِجَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ] (وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ) أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ مَا دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى نَفْيِهِ مِمَّا يُخِلُّ ثُبُوتُهُ بِإِجْلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَنْ يَعْظُمَ شَوْقُ الدَّاعِي إلَى رَبِّهِ حَتَّى يَسْأَلَهُ أَنْ يَحِلَّ فِي بَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ لِيَجْتَمِعَ بِهِ أَوْ يَعْظُمَ خَوْفُهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَيَسْأَلَهُ تَعَالَى ذَلِكَ

وَإِنْ عَرِيَتْ عَنْ النِّيَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ كَانَ بِهَذَا اللَّفْظِ عَاصِيًا وَهَذَا الدُّعَاءُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجِبُ عَلَيْهِ رِعَايَةُ الْمَصَالِحِ وَأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْخَيْرِ فَقَطْ وَلَا يُنْسَبُ إلَى شَأْنِهِ إلَّا ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ شَأْنُهُ عِنْدَهُمْ، وَمَذْهَبُ الِاعْتِزَالِ إمَّا كُفْرٌ أَوْ فُسُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فَلَا خَيْرَ فِي هَذَا الدُّعَاءِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَهُمَا مَذْهَبَانِ ضَالَّانِ يَسْبِقَانِ إلَى الطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ وَلَا يَزَالُ الْبَشَرُ مَعَهُمَا حَتَّى تُرَوِّضَهَا الْعُلُومُ الْعَقْلِيَّةُ وَالنَّقْلِيَّةُ وَهُمَا الْحَشَوِيَّةُ وَالِاعْتِزَالُ فَلَا يَزَالُ الْإِنْسَانُ يَعْتَقِدُ الْجِسْمِيَّةَ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ الْمَأْلُوفَةِ وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَخْلُقُ أَفْعَالَهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَفْعَلُ إلَّا الْخَيْرَ وَلَا يَفْعَلُ الشَّرَّ إلَّا شِرِّيرٌ وَلَا يَزَالُ الْبَشَرُ كَذَلِكَ حَتَّى يُرْتَاضَ بِالْعِلْمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ إنَّمَا يُرِيدُ بِهَذَا الدُّعَاءِ الْخَيْرَ وَلَكِنْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ شَأْنُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ أَهْلُهُ لَيْسَ إلَّا، فَهِيَ شَائِبَةُ اعْتِزَالٍ تَسْبِقُ إلَى الطِّبَاعِ فَاحْذَرْهَا وَاقْصِدْ بِنِيَّتِك مَا يَلِيقُ بِجَلَالِ رَبِّك. ـــــــــــــــــــــــــــــSمَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ (وَإِنْ عَرِيَتْ عَنْ النِّيَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ كَانَ بِهَذَا اللَّفْظِ عَاصِيًا، وَهَذَا الدُّعَاءُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجِبُ عَلَيْهِ رِعَايَةُ الْمَصَالِحِ وَأَنَّهُ أَهْلٌ لِلْخَيْرِ فَقَطْ وَلَا يُنْسَبُ إلَى شَأْنِهِ إلَّا ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ شَأْنُهُ عِنْدَهُمْ وَمَذْهَبُ الِاعْتِزَالِ إمَّا الْكُفْرُ أَوْ فُسُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فَلَا خَيْرَ فِي هَذَا الدُّعَاءِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، وَهُمَا مَذْهَبَانِ ضَالَّانِ يَسْبِقَانِ إلَى الطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ وَلَا يَزَالُ الْبَشَرُ مَعَهَا حَتَّى تُرَوِّضَهَا الْعُلُومُ الْعَقْلِيَّةُ وَالنَّقْلِيَّةُ وَهُمَا الْحَشَوِيَّةُ وَالِاعْتِزَالُ فَلَا يَزَالُ الْإِنْسَانُ يَعْتَقِدُ الْجِسْمِيَّةَ بِنَاءً عَلَى الْعَادَةِ الْمَأْلُوفَةِ وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَخْلُقُ أَفْعَالَهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَفْعَلُ إلَّا الْخَيْرَ وَلَا يَفْعَلُ الشَّرَّ إلَّا شِرِّيرٌ وَلَا يَزَالُ الْبَشَرُ كَذَلِكَ حَتَّى يُرْتَاضَ بِالْعِلْمِ وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ إنَّمَا يُرِيدُ بِهَذَا الدُّعَاءِ الْخَيْرَ وَلَكِنْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ شَأْنُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ أَهْلُهُ لَيْسَ إلَّا، فَهِيَ شَائِبَةُ اعْتِزَالٍ تَسْبِقُ إلَى الطِّبَاعِ فَاحْذَرْهَا وَاقْصِدْ بِنِيَّتِك مَا يَلِيقُ بِجَلَالِ رَبِّك) . قُلْت حُكْمُهُ بِالْمَعْصِيَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الدُّعَاءِ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مِمَّنْ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ الِاعْتِزَالِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَذَلِكَ ضَلَالٌ كَمَا قَالَ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ هُوَ كُفْرٌ أَوْ ضَلَالٌ غَيْرُ كُفْرٍ؟ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ الِاعْتِزَالِ فَقَرِينَةُ الْحَالِ فِي كَوْنِ الْإِنْسَانَ لَا يُرِيدُ إلَّا الْخَيْرَ مَعَ سَلَامَتِهِ مِنْ اعْتِقَادِ الِاعْتِزَالِ تُقَيِّدُ مُطْلَقَ دُعَائِهِ فَلَا كُفْرَ وَلَا مَعْصِيَةَ. ـــــــــــــــــــــــــــــQلِيَأْخُذَ مِنْهُ الْأَمَانَ عَلَى نَفْسِهِ فَيَسْتَبْدِلَ مِنْ وَحْشَتِهِ أُنْسًا، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنْهَا أَنْ تَعْظُمَ حَمَاقَةُ الدَّاعِي وَتَجَرِّيهِ فَيَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الْعَالَمِ مَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْقُدْرَةِ الْقَدِيمَةِ وَالْإِرَادَةِ الرَّبَّانِيَّةِ مِنْ الْإِيجَادِ وَالْإِعْدَامِ وَالْقَضَاءِ النَّافِذِ الْمُحَتَّمِ بِأَنْ يَسْأَلَهُ تَعَالَى أَنْ يُعْطِيَهُ كَلِمَةَ كُنْ الَّتِي فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] وَلَا يَعْلَمُ مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا مَعْنَى إعْطَائِهَا إنْ صَحَّ أَنَّهَا أُعْطِيت لِأَحَدٍ وَهَذَا غَوْرٌ بَعِيدُ الرَّوْمِ عَلَى الْعُلَمَاءِ الْمُحَصِّلِينَ فَضْلًا عَمَّنْ يَسْأَلُ ذَلِكَ مِنْ الصُّوفِيَّةِ الْمُتَخَرِّصِينَ، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى اسْتِحَالَةِ ثُبُوتِ ذَلِكَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى. (وَمِنْهَا) أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي رَبَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ نَسَبًا فَيَحْصُلَ لَهُ الشَّرَفُ عَلَى الْخَلَائِقِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ الْعَقْلِيُّ عَلَى اسْتِحَالَةِ النَّسَبِ وَأَسْبَابِ الِاسْتِيلَاءِ الْمُوجِبَةِ لِلْأَنْسَابِ وَلَا يَخْفَاك أَنَّ طَلَبَ نَفْيِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ لَيْسَ طَلَبًا لِضِدِّهِمَا وَهُمَا الْجَهْلُ وَالْعَجْزُ كَمَا زَعَمَ الْأَصْلُ لِجَوَازِ غَفْلَةِ الدَّاعِي وَإِضْرَابِهِ عَنْهُمَا وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْغَفْلَةِ وَالْإِضْرَابِ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَآلِ، وَإِنْ طَلَبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الِاسْتِيلَاءَ عَلَى نَفْسِهِ وَسَلْبَ اسْتِيلَائِهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَارْتِفَاعَ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ تَعَالَى حَتَّى يَسْتَقِلَّ بِالتَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ وَيَأْمَنَ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ مِنْ جِهَةِ الْقَضَاءِ إنْ أَرَادَ أَنَّ عَيْنَهُ هُوَ الْكُفْرُ فَلَا يَسْلَمُ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ طَلَبَ ذَلِكَ كُفْرٌ لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ كَوْنَ أَمْرٍ مَا كُفْرًا إنَّمَا هُوَ وَضْعِيٌّ شَرْعِيٌّ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْكُفْرَ وَهُوَ الْجَهْلُ بِكَوْنِ سَلْبِ الِاسْتِيلَاءِ مِمَّا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ أَوْ لَا تَتَعَلَّقُ فَهُوَ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَآلِ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي طَلَبِ الدَّاعِي حُلُولَهُ تَعَالَى فِي بَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ حَتَّى يَجْتَمِعَ بِهِ أَوْ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهُ الْأَمَانَ عَلَى نَفْسِهِ فَيَسْتَبْدِلَ مِنْ وَحْشَتِهِ أُنْسًا إلَّا أَنَّهُ يُقَالُ فِي الشِّقِّ الثَّانِي، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْكُفْرَ وَهُوَ الْجَهْلُ بِكَوْنِ سَلْبِ الْحُلُولِ فِي بَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ مِمَّا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْقُدْرَةُ أَوْ لَا إلَخْ فَافْهَمْ وَلَا يَخْفَى أَيْضًا أَنَّ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ يُعْطِي غَيْرَهُ كَلِمَةَ كُنْ إنْ عَنَى بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِي غَيْرَهُ كُنْ أَنَّهُ يُعْطِيهِ الِاقْتِدَارَ بِالِاسْتِقْلَالِ فَذَلِكَ جَهْلٌ شَنِيعٌ أَوْ بِقُدْرَةٍ يَخْلُقُهَا اللَّهُ فِيهِ فَهُوَ مَذْهَبُ الِاعْتِزَالِ وَكِلَاهُمَا كُفْرٌ بِالْمَآلِ، وَإِنْ عَنَى بِأَنَّ اللَّهَ يُعْطِي غَيْرَهُ كُنْ أَنْ يَكُونَ لِهَذَا الشَّخْصِ الْكَائِنَاتُ الَّتِي يُرِيدُهَا مَقْرُونَةً بِإِرَادَتِهِ مُعَبِّرًا عَنْ ذَلِكَ بِإِعْطَائِهِ كَلِمَةَ كُنْ فَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ إذَا اقْتَرَنَ قَوْلُهُ بِقَرِينَةٍ تُفْهِمُ الْمَقْصُودَ. وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي طَلَبِ الدَّاعِي رَبَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ نَسَبًا فَيَحْصُلَ لَهُ الشَّرَفُ عَلَى الْخَلَائِقِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَإِنَّهُ إنْ

[القسم التاسع من الدعاء المحرم الذي ليس بكفر الدعاء المرتب على استئناف المشيئة]

الْمِثَالُ الثَّانِي) أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ افْعَلْ بِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَا يَلِيقُ بِعَظَمَتِك وَاللَّائِقُ بِعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَذَاتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَكُلِّ مَا يَأْتِي مِنْ هَذَا الْبَابِ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الْفَضْلُ وَالْعَدْلُ وَهُمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَظَمَتِهِ، فَيَكُونُ جَمِيعُ ذَلِكَ مُحَرَّمًا لِمَا مَرَّ. (الثَّالِثُ) أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ هَبْنِي مَا يَلِيقُ بِقَضَائِك وَقَدَرِك وَاللَّائِقُ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ الْكَثِيرُ وَالْحَقِيرُ وَالْخَيْرُ وَالشَّرُّ وَمَحْمُودُ الْعَاقِبَةِ وَغَيْرُ مَحْمُودِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ حَرَامًا لِمَا تَقَدَّمَ (الْقِسْمُ التَّاسِعُ) مِنْ الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ الدُّعَاءُ الْمُرَتَّبُ عَلَى اسْتِئْنَافِ الْمَشِيئَةِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: (الْأَوَّلُ) أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ قَدِّرْ لِي الْخَيْرَ وَالدُّعَاءُ بِوَضْعِهِ اللُّغَوِيِّ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمُسْتَقْبَلَ؛ لِأَنَّهُ طَلَبٌ وَالطَّلَبُ فِي الْمَاضِي مُحَالٌ فَيَكُونُ مُقْتَضَى هَذَا الدُّعَاءِ أَنْ يَقَعَ تَقْدِيرُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ الزَّمَانِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ التَّقْدِيرِ بَلْ وَقَعَ جَمِيعُهُ فِي الْأَزَلِ فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ يَقْتَضِي مَذْهَبَ مَنْ يَرَى أَنَّهُ لَا قَضَاءَ وَأَنَّ الْأَمْرَ أَنِفَ كَمَا خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ الْخَوَارِجِ وَهُوَ فِسْقٌ بِالْإِجْمَاعِ. (الثَّانِي) أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اقْضِ لَنَا بِالْخَيْرِ وَقَدِّرْ وَاقْضِ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ فِي الْعُرْفِ فَيَحْرُمُ لِمَا مَرَّ، فَإِنْ قُلْت قَدْ وَرَدَ الدُّعَاءُ بِلَفْظِ ـــــــــــــــــــــــــــــSقَالَ (الْمِثَالُ الثَّانِي أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ افْعَلْ بِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَا يَلِيقُ بِعَظَمَتِك إلَى آخِرِهِ) قُلْت الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْمِثَالِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ. قَالَ (الثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ هَبْنِي مَا يَلِيقُ بِقَضَائِك وَقَدَرِكَ، وَاللَّائِقُ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ الْكَثِيرُ وَالْحَقِيرُ وَالْخَيْرُ وَالشَّرُّ وَمَحْمُودُ الْعَاقِبَةِ وَغَيْرُ مَحْمُودِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ حَرَامًا لِمَا تَقَدَّمَ) قُلْت الْكَلَامُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ. [الْقِسْمُ التَّاسِعُ مِنْ الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ الدُّعَاءُ الْمُرَتَّبُ عَلَى اسْتِئْنَافِ الْمَشِيئَةِ] قَالَ (الْقِسْمُ التَّاسِعُ مِنْ الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ وَاَلَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ الدُّعَاءُ الْمُرَتَّبِ عَلَى اسْتِئْنَافِ الْمَشِيئَةِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ قَدِّرْ لِي الْخَيْرَ، وَالدُّعَاءُ بِوَضْعِهِ اللُّغَوِيِّ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمُسْتَقْبَلَ دُونَ الْمَاضِي؛ لِأَنَّهُ طَلَبٌ وَالطَّلَبُ فِي الْمَاضِي مُحَالٌ فَيَكُونُ مُقْتَضَى هَذَا الدُّعَاءِ أَنْ يَقَعَ تَقْدِيرُ اللَّهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ الزَّمَانِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ التَّقْدِيرِ بَلْ وَقَعَ جَمِيعُهُ فِي الْأَزَلِ، فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ يَقْتَضِي مَذْهَبَ مَنْ يَرَى لِأَنَّهُ لَا قَدَرَ وَأَنَّ الْأَمْرَ أَنِفَ كَمَا خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ الْخَوَارِجِ وَهُوَ فِسْقٌ بِالْإِجْمَاعِ. الثَّانِي أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اقْضِ لَنَا بِالْخَيْرِ وَقَدِّرْ وَاقْضِ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ فِي الْعُرْفِ فَيَحْرُمُ لِمَا مَرَّ، فَإِنْ قُلْت وَرَدَ الدُّعَاءُ بِلَفْظِ ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنَى بِجَعْلِ اللَّهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ نَسَبًا أَنْ يَحْصُلَ لَهُ الشَّرَفُ عَلَى الْخَلَائِقِ بِالِاسْتِقْلَالِ فَذَلِكَ جَهْلٌ شَنِيعٌ أَوْ بِقُدْرَةٍ يَخْلُقُهَا اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ فَهُوَ مَذْهَبُ الِاعْتِزَالِ وَكِلَاهُمَا كُفْرٌ بِالْمَآلِ، وَإِنْ عَنَى بِذَلِكَ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ الشَّرَفُ عَلَى الْخَلَائِقِ مَقْرُونًا بِإِرَادَتِهِ تَعَالَى فَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ إذَا اقْتَرَنَ بِقَرِينَةٍ تُفْهِمُ الْمَقْصُودَ فَتَأَمَّلْ. قَالَ وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّ بِنَاءَ الْمُسْلِمِ الْكَنَائِسَ كُفْرٌ يُرِيدُ فِي الْحُكْمِ الدُّنْيَوِيِّ، وَأَمَّا الْأُخْرَوِيُّ فَبِحَسَبِ النِّيَّةِ نَعَمْ فَتْوَاهُ بِكُفْرِ الْمُسْلِمِ إذَا قَتَلَ نَبِيًّا يَعْتَقِدُ صِحَّةَ رِسَالَتِهِ لِإِرَادَتِهِ إمَاتَةَ شَرِيعَتِهِ وَإِرَادَةُ إمَاتَةِ الشَّرِيعَةِ كُفْرٌ اهـ ظَاهِرٌ صِحَّتُهَا كَقَوْلِ الْأَصْلِ إنَّ الْجَهْلَ بِمَا تُؤَدِّي إلَيْهِ هَذِهِ الْأَدْعِيَةُ لَا يُعْذَرُ الدَّاعِي بِهِ عِنْدَ اللَّه تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الشَّرْعِيَّةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ كُلَّ جَهْلٍ يُمْكِنُ الْمُكَلَّفَ رَفْعُهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً لِلْجَاهِلِ لَا سِيَّمَا مَعَ طُولِ الزَّمَانِ وَاسْتِمْرَارِ الْأَيَّامِ فَإِنَّ الَّذِي لَا يُعْلَمُ الْيَوْمَ يُعْلَمُ فِي غَدٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَأْخِيرِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذَا الْعِلْمِ فَسَادٌ فَلَا يَكُونُ عُذْرًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ رُسُلَهُ إلَى خَلْقِهِ بِرِسَالَتِهِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ كَافَّةً أَنْ يُعَلِّمُوهَا ثُمَّ يَعْمَلُوا بِهَا، فَالْعِلْمُ وَالْعَمَلُ بِهَا وَاجِبَانِ فَمَنْ تَرَكَ التَّعَلُّمَ وَالْعَمَلَ وَبَقِيَ جَاهِلًا فَقَدْ عَصَى مَعْصِيَتَيْنِ لِتَرْكِهِ وَاجِبَيْنِ. وَإِنْ عَلِمَ وَلَمْ يَعْمَلْ فَقَدْ عَصَى مَعْصِيَةً وَاحِدَةً بِتَرْكِ الْعَمَلِ وَمَنْ عَلِمَ وَعَمِلَ فَقَدْ نَجَا وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّاسُ كُلُّهُمْ هَلْكَى إلَّا الْعَالِمُونَ وَالْعَالِمُونَ كُلُّهُمْ هَلْكَى إلَّا الْعَامِلُونَ وَالْعَامِلُونَ كُلُّهُمْ هَلْكَى إلَّا الْمُخْلِصُونَ وَالْمُخْلِصُونَ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ» فَحَكَمَ عَلَى جَمِيعِ الْخَلَائِقِ بِالْهَلَاكِ إلَّا الْعُلَمَاءَ مِنْهُمْ ثُمَّ ذَكَرَ شُرُوطًا أُخَرَ مَعَ الْعِلْمِ فِي النَّجَاةِ مِنْ الْهَلَاكِ وَلِذَلِكَ أَلْحَقَ مَالِكٌ الْجَاهِلَ فِي الْعِبَادَاتِ بِالْعَامِدِ دُونَ النَّاسِي لِأَنَّهُ جَهْلٌ يُمْكِنُهُ رَفْعُهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ نَعَمْ الْجَهْلُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ لِلْمُكَلَّفِ بِمُقْتَضَى الْعَادَةِ يَكُونُ عُذْرًا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَهُ فَظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً أَوْ شَرِبَ خَمْرًا يَظُنُّهُ خَلًّا أَوْ أَكَلَ طَعَامًا نَجِسًا يَظُنُّهُ ظَاهِرًا مُبَاحًا فَهَذِهِ الْجَهَالَاتُ يُعْذَرُ بِهَا إذْ لَوْ اُشْتُرِطَ الْيَقِينُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَشَبَهِهَا لَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ فَيُعْذَرُونَ بِذَلِكَ اهـ فَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ الْأَصْلُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الدُّعَاءِ التَّحْرِيمُ مُسْتَدِلًّا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} [هود: 47] فَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الدُّعَاءِ النَّدْبُ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى مَنْعِهِ اهـ كَلَامَ ابْنِ الشَّاطِّ بِتَصَرُّفٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[القسم العاشر من الدعاء المحرم الذي ليس بكفر وهو الدعاء بالألفاظ العجمية]

الْقَدَرِ فِي حَدِيثِ «الِاسْتِخَارَةِ فَقَالَ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ وَرَضِّنِي بِهِ» قُلْت يَتَعَيَّنُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ التَّقْدِيرَ هَاهُنَا أُرِيدَ بِهِ التَّيْسِيرُ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَأَنْتَ أَيْضًا إذَا أَرَدْت هَذَا الْمَجَازَ جَازَ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْإِطْلَاقُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ. (الثَّالِثُ) أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ سَعَادَتَنَا مُقَدَّرَةً فِي عِلْمِك وَاَلَّذِي يَتَقَدَّرُ فِي الْعِلْمِ هُوَ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْإِرَادَةُ الْقَدِيمَةُ فَكَمَا يَسْتَحِيلُ اسْتِئْنَافُ تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ بِهِ يَسْتَحِيلُ اسْتِئْنَافُ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِهِ فَيَسْتَحِيلُ اسْتِئْنَافُ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِالسَّعَادَةِ فَيَكُونُ مُحَرَّمًا لِمَا مَرَّ (الْقِسْمُ الْعَاشِرُ) مِنْ الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ وَهُوَ الدُّعَاءُ بِالْأَلْفَاظِ الْعَجَمِيَّةِ لِجَوَازِ اشْتِمَالِهَا عَلَى مَا يُنَافِي جَلَالَ الرُّبُوبِيَّةِ فَمَنَعَ الْعُلَمَاءُ مِنْ ذَلِكَ وَبَعْضُهَا يَقْرَبُ مِنْ التَّحْرِيمِ وَبَعْضُهَا مِنْ الْكَرَاهَةِ بِحَسَبِ حَالِ مُسْتَعْمَلِيهَا مِنْ الْعَجَمِ فَمَنْ غَلَبَ عَلَى عَادَتِهِ الضَّلَالُ وَالْفَسَادُ حَرُمَ اسْتِعْمَالُ لَفْظِهِ حَتَّى يُعْلَمَ خُلُوصُهُ مِنْ الْفَسَادِ، وَمَنْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــSالْقَدَرِ فِي حَدِيثِ «الِاسْتِخَارَةِ فَقَالَ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ وَرَضِّنِي بِهِ» قُلْت يَتَعَيَّنُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ التَّقْدِيرَ هَاهُنَا أُرِيدَ بِهِ التَّيْسِيرُ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَأَنْتَ أَيْضًا إذَا أَرَدْت هَذَا الْمَجَازَ جَازَ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْإِطْلَاقُ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ) قُلْت فِي هَذَا الْكَلَامِ نَقْصٌ فِيمَا أَرَى وَمِثْلُ ذَلِكَ الْكَلَامِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ اسْتِئْنَافُ صِفَتَيْ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ اسْتِئْنَافُ الْمَقْدِرَةِ وَالْمُرَادُ لِاسْتِحَالَةِ الْأَوَّلِ وَجَوَازِ الثَّانِي وَمُقْتَضَى اسْتِحَالَةِ الْأَوَّلِ قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ لِلثَّانِي فَلَا تَحْرِيمَ وَلَا مَعْصِيَةَ وَلَا يَفْتَقِرُ مَعَ ذَلِكَ إلَى نِيَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ (الثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ سَعَادَتَنَا مُقَدَّرَةً فِي عِلْمِك وَاَلَّذِي يَتَقَدَّرُ فِي الْعِلْمِ هُوَ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْإِرَادَةُ الْقَدِيمَةُ فَكُلَّمَا يَسْتَحِيلُ اسْتِئْنَافُ تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ بِهِ يَسْتَحِيلُ اسْتِئْنَافُ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِهِ فَيَسْتَحِيلُ اسْتِئْنَافُ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِالسَّعَادَةِ فَيَكُونُ مُحَرَّمًا لِمَا مَرَّ) قُلْت وَرَدَ عَنْ الشَّارِعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ فِي الِاسْتِخَارَةِ وَاقْدُرْ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا يَجُوزُ مِنْ اسْتِئْنَافِ الْمُرَادِ لَا الْإِرَادَةِ وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُ فِي اسْتِئْنَافِ الْعِلْمِ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا عَلِمْت فَيَمْتَنِعُ الْإِبْهَامُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [الْقِسْمُ الْعَاشِرُ مِنْ الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ وَهُوَ الدُّعَاءُ بِالْأَلْفَاظِ الْعَجَمِيَّةِ] . قَالَ (الْقِسْمُ الْعَاشِرُ مِنْ الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ وَهُوَ الدُّعَاءُ بِالْأَلْفَاظِ الْعَجَمِيَّةِ لِجَوَازِ اشْتِمَالِهَا عَلَى مَا يُنَافِي جَلَالَ الرُّبُوبِيَّةِ فَمَنَعَ الْعُلَمَاءُ مِنْ ذَلِكَ وَبَعْضُهَا يَقْرَبُ مِنْ التَّحْرِيمِ وَبَعْضُهَا مِنْ الْكَرَاهَةِ بِحَسَبِ حَالِ مُسْتَعْمِلِهَا مِنْ الْعَجَمِ فَمَنْ غَلَبَ عَلَى عَادَتِهِ الضَّلَالُ وَالْفَسَادُ حَرُمَ اسْتِعْمَالُ لَفْظِهِ حَتَّى يَعْلَمَ خُلُوصَهُ مِنْ الْفَسَادِ وَمَنْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ ـــــــــــــــــــــــــــــQ [الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ مِنْ الدُّعَاءِ وَلَيْسَ بِكُفْرٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ مُحَرَّمًا] [الْقِسْمُ الْأَوَّلُ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْمُسْتَحِيلَاتِ الَّتِي لَا تُخِلُّ بِجَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ] (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ مِنْ الدُّعَاءِ وَلَيْسَ بِكُفْرٍ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَيْسَ مُحَرَّمًا) . ادَّعَى الْأَصْلُ أَنَّ الْمُحَرَّمَ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ مِنْ الدُّعَاءِ ثَبَتَ حَصْرُهُ بِاسْتِقْرَائِهِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ قِسْمًا فَتَكُونُ هِيَ الْمُحَرَّمَةَ وَمَا عَدَاهَا لَيْسَ مُحَرَّمًا عَمَلًا بِالِاسْتِقْرَاءِ فِي الْقِسْمَيْنِ. قَالَ فَإِنْ ظَفِرَ أَحَدٌ بِقِسْمٍ آخَرَ مُحَرَّمٍ أَضَافَهُ لِهَذِهِ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَسَاقَ الْأَقْسَامَ بِمِثْلِهَا وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْإِمَامُ ابْنُ الشَّاطِّ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ إلَّا سِتَّةً: (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مِنْهَا الدُّعَاءُ الْمُعَلَّقُ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ وَتَعَالَى فَلَا يَجُوزُ لِلدَّاعِي أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت وَلَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَلَا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ قَدَّرْت غَيْرَ ذَلِكَ وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ النَّظَائِرَ لِمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت وَلْيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ» وَسِرُّهُ أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ عَرِيَ عَنْ إظْهَارِ الْحَاجَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمُشْعِرٌ بِغِنَى الْعَبْدِ عَنْ الرَّبِّ هَذَا مَا وَجَّهَ بِهِ الْأَصْلُ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ، وَأَمَّا تَوْجِيهُهُ أَيْضًا بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا مُقَدَّرَةً، وَإِذَا قُدِرَتْ وَهِيَ وَاقِعَةٌ جَزْمًا بِغَيْرِ دُعَاءٍ وَطَلَبُ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مُحَالٌ لَا يَجُوزُ لِمُنَاقَضَتِهِ لِقَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ وَالْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ بِالْمَغْفِرَةِ وَهِيَ مَعْلُومَةُ الْحُصُولِ عِنْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَنَا وَأَمَرَنَا أَنْ نَدْعُوَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِتْيَانِهِ الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ وَابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي وَعَدْته وَذَلِكَ كُلُّهُ مَعْلُومُ الْحُصُولِ عِنْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَنَا اهـ. 2 - (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ السِّتَّةِ الدُّعَاءُ الْمُعَلَّقُ بِشَأْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَهُ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ افْعَلْ بِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سُئِلَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَفْعَلَ بِهِ إمَّا الْخَيْرَ وَإِمَّا الشَّرَّ وَأَنْ يَغْفِرَ لَهُ أَوْ يُؤَاخِذَهُ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت» وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِيهِ إظْهَارُ الِاسْتِغْنَاءِ وَعَدَمُ الِافْتِقَارِ فَيَكُونُ مَعْصِيَةً إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الدَّاعِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ مِنْ الْخَيْرِ الْجَزِيلِ وَلَا يَقْتَصِرْ فِي نِيَّتِهِ عَلَى مُطْلَقِ الْخَيْرِ فَيَذْهَبُ حِينَئِذٍ التَّحْرِيمُ وَلَمْ يَفُتْهُ نِيَّةُ تَعْظِيمِ الْمَسْأَلَةِ الَّذِي يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ فَأَعْظِمُوا الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ وَإِذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ تَعَالَى فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى» وَيَقْتَصِدُ فِي نِيَّتِهِ عَلَى مُطْلَقِ الْخَيْرِ فَيَذْهَبُ التَّحْرِيمُ لَكِنْ يَفُوتُهُ نِيَّةُ تَعْظِيمِ الْمَسْأَلَةِ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَصْلًا وَكَانَ مِمَّنْ لَمْ يَعْتَقِدْ مَذْهَبَ الِاعْتِزَالِ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ فِي كَوْنِ الْإِنْسَانِ لَا يُرِيدُ لِنَفْسِهِ إلَّا الْخَيْرَ مَعَ سَلَامَتِهِ مِنْ اعْتِقَادِ الِاعْتِزَالِ تُقَيِّدُ مُطْلَقَ دُعَائِهِ فَلَا كُفْرَ وَلَا مَعْصِيَةَ خِلَافًا لِقَوْلِ الْأَصْلِ إنَّ الدَّاعِيَ

[القسم الحادي عشر من الدعاء المحرم الذي ليس بكفر الدعاء على غير الظالم]

فَالْكَرَاهَةُ سَدٌّ لِلذَّرِيعَةِ وَيَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ قَوْله تَعَالَى لِنُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 46] وَقَوْلُ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} [هود: 47] مَعْنَاهُ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِجَوَازِ سُؤَالِهِ عِلْمٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِالْجَوَازِ شَرْطٌ فِي جَوَازِ السُّؤَالِ فَمَا لَا يُعْلَمُ جَوَازُهُ لَا يَجُوزُ سُؤَالُهُ وَأَكَّدَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 46] وَاللَّفْظُ الْعَجَمِيُّ غَيْرُ مَعْلُومِ الْجَوَازِ فَيَكُونُ السُّؤَالُ بِهِ غَيْرَ جَائِزٍ وَلِذَلِكَ مَنَعَ مَالِكٌ مِنْ الرَّقْيِ بِهِ (الْقِسْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ) مِنْ الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ الدُّعَاءُ عَلَى غَيْرِ الظَّالِمِ؛ لِأَنَّهُ سَعَى فِي إضْرَارٍ غَيْرِ مُسْتَحِقٍّ فَيَكُونُ حَرَامًا كَسَائِرِ الْمَسَاعِي الضَّارَّةِ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ، فَإِنْ قُلْت اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَالِمٌ بِأَحْوَالِ الْعِبَادِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا فَلَا يُجِيبُ دُعَاءَ مَنْ دَعَا ظُلْمًا لِعِلْمِهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ إضْرَارٌ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَظْلِمُ أَحَدًا فَلَا يَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ سَعَيَا لِلْإِضْرَارِ وَلَا وَسِيلَةً لَهُ قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ ضَرَرًا وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى مُسَلَّمٌ وَلَكِنَّ الْمَدْعُوَّ عَلَيْهِ لَا يَخْلُو غَالِبًا مِنْ ذُنُوبٍ اقْتَرَفَهَا أَوْ سَيِّئَاتٍ اكْتَسَبَهَا مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الدَّاعِي فَيَسْتَجِيبُ اللَّهُ تَعَالَى دُعَاءَ هَذَا الدَّاعِي الظَّالِمِ بِهِ عَلَيْهِ وَيَجْعَلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــSفَالْكَرَاهَةُ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ وَيَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ قَوْله تَعَالَى لِنُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 46] وَقَوْلُ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} [هود: 47] مَعْنَاهُ أَنْ أَسْأَلَك مَا لَيْسَ لِي بِجَوَازِ سُؤَالِهِ عِلْمٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِالْجَوَازِ شَرْطٌ فِي جَوَازِ السُّؤَالِ فَمَا لَا يُعْلَمُ جَوَازُهُ لَا يَجُوزُ سُؤَالُهُ، وَأَكَّدَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 46] وَاللَّفْظُ الْعَجَمِيُّ غَيْرُ مَعْلُومِ الْجَوَازِ فَيَكُونُ السُّؤَالُ بِهِ غَيْرَ جَائِزٍ. وَلِذَلِكَ مَنَعَ مَالِكٌ الرَّقْيَ بِهِ) . قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْقِسْمِ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [الْقِسْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ الدُّعَاءُ عَلَى غَيْرِ الظَّالِمِ] قَالَ (الْقِسْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ الدُّعَاءُ عَلَى غَيْرِ الظَّالِمِ لِأَنَّهُ سَعْيٌ فِي إضْرَارٍ غَيْرِ مُسْتَحَقٍّ فَيَكُونُ حَرَامًا كَسَائِرِ الْمَسَاعِي الضَّارَّةِ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ، فَإِنْ قُلْت اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِأَحْوَالِ الْعِبَادِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا فَلَا يُجِيبُ دُعَاءَ مَنْ دَعَا ظُلْمًا لِعِلْمِهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ إضْرَارٌ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَظْلِمُ أَحَدًا فَلَا يَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ سَعْيًا لِلْإِضْرَارِ وَلَا وَسِيلَةً لَهُ قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ ضَرَرًا، وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى مُسَلَّمٌ وَلَكِنَّ الْمَدْعُوَّ عَلَيْهِ لَا يَخْلُو غَالِبًا مِنْ ذُنُوبٍ اقْتَرَفَهَا أَوْ سَيِّئَاتٍ اكْتَسَبَهَا مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الدَّاعِي فَيَسْتَجِيبُ اللَّهُ تَعَالَى دُعَاءَ هَذَا الدَّاعِي الظَّالِمِ بِدُعَائِهِ وَيَجْعَلُهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQبِذَلِكَ إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَصْلًا كَانَ عَاصِيًا وَلَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ مَذْهَبَ الِاعْتِزَالِ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَفْعَلُ إلَّا الْخَيْرَ وَلَا يَفْعَلُ الشَّرَّ إلَّا شِرِّيرٌ وَأَنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ أَفْعَالَ نَفْسِهِ الِاخْتِيَارِيَّةِ بِقُدْرَةٍ خَلْقهَا اللَّهُ فِيهِ وَهُوَ إمَّا كُفْرٌ أَوْ فُسُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ كَمَذْهَبِ الْحَشَوِيَّةِ مِنْ اعْتِقَادِ جِسْمِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا بِنَاء عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ يَسْبِقُ إلَى طَبْعِ الْإِنْسَانِ الْبَشَرِيِّ بِحَسَبِ الْعَادَةِ الْمَأْلُوفَةِ حَتَّى يُرْتَاضَ بِالْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ. فَمِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ أَحَدٍ إنَّمَا يُرِيدُ بِهَذَا الدُّعَاءِ الْخَيْرَ وَإِنَّهُ يُرِيدُ بِمُقْتَضَى مَا يَسْبِقُ إلَى طَبْعِهِ الْبَشَرِيِّ مِنْ شَائِبَةِ الِاعْتِزَالِ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ شَأْنُ اللَّهِ تَعَالَى يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ. قَالَ فَاحْذَرْ شَائِبَةَ الِاعْتِزَالِ الَّتِي تَسْبِقُ إلَى الطِّبَاعِ وَاقْصِدْ بِنِيَّتِك مَا يَلِيقُ بِجَلَالِ رَبِّك وَلَمْ يُلْفَتْ مَعَ ذَلِكَ إلَى قَرِينَةِ الْحَالِ فِي كَوْنِهِ لَا يُرِيدُ لِنَفْسِهِ إلَّا الْخَيْرَ مَعَ سَلَامَتِهِ مِنْ اعْتِقَادِ الِاعْتِزَالِ مِنْ كَوْنِهَا تُقَيِّدُ مُطْلَقَ دُعَائِهِ كَمَا الْتَفَتَ إلَيْهَا ابْنُ الشَّاطِّ فَقَالَ لَا كُفْرَ وَلَا مَعْصِيَةَ إذَا لَمْ يَنْوِ الدَّاعِي بِهَذَا شَيْئًا أَصْلًا وَكَانَ مِمَّنْ لَمْ يَعْتَقِدْ مَذْهَبَ الِاعْتِزَالِ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ حَالِهِ تُقَيِّدُ مُطْلَقَ دُعَائِهِ، وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ افْعَلْ بِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَا يَلِيقُ بِعَظَمَتِك أَوْ بِجَلَالِك أَوْ بِكِبْرِيَائِك أَوْ بِذَاتِك أَوْ بِرُبُوبِيَّتِك أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا يَأْتِي مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ هَبْنِي مَا يَلِيقُ بِقَضَائِك وَقُدْرَتِك فَإِنَّ اللَّائِقَ بِعَظَمَتِهِ تَعَالَى وَنَحْوِ ذَلِكَ الْفَضْلُ وَالْعَدْلُ وَهُمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَظَمَتِهِ وَاللَّائِقُ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ الْكَثِيرُ وَالْحَقِيرُ وَالْخَيْرُ وَالشَّرُّ وَمَحْمُودُ الْعَاقِبَةِ وَغَيْرُ مَحْمُودِهَا فَالْكَلَامُ عَلَى هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ كَالْكَلَامِ عَلَى الْمِثَالِ الْأَوَّلِ بِلَا فَرْقٍ. 2 - (وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) مِنْ السِّتَّةِ الدُّعَاءُ بِالْأَلْفَاظِ الْعَجَمِيَّةِ الَّتِي غَلَبَ عَلَى عَادَةِ مُسْتَعْمَلِيهَا مِنْ الْعَجَمِ الضَّلَالُ وَالْفَسَادُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِنُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 46] وَقَوْلِ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} [هود: 47] فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنْ أَسْأَلَك مَا لَيْسَ لِي بِجَوَازِ سُؤَالِهِ عِلْمٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ بِالْجَوَازِ شَرْطٌ فِي جَوَازِ السُّؤَالِ فَمَا لَمْ يُعْلَمْ جَوَازُهُ لَا يَجُوزُ سُؤَالُهُ وَأَكَّدَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 46] وَاللَّفْظُ الْعَجَمِيُّ لَا سِيَّمَا الصَّادِرُ مِمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَجَمِ الضَّلَالُ وَالْفَسَادُ غَيْرُ مَعْلُومِ الْجَوَازِ لِجَوَازِ اشْتِمَالِهِ عَلَى مَا يُنَافِي جَلَالَ الرُّبُوبِيَّةِ فَلِذَا مَنَعَ الْعُلَمَاءُ مِنْ الدُّعَاءِ بِالْأَلْفَاظِ الْعَجَمِيَّةِ الصَّادِرَةِ مِمَّنْ غَلَبَ عَلَى عَادَتِهِمْ مِنْ الْعَجَمِ ذَلِكَ حَتَّى يُعْلَمَ خُلُوصُهَا مِنْ الْفَسَادِ وَمَنَعَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ الرَّقْيِ بِهَا، وَأَمَّا الصَّادِرَةُ مِمَّنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى عَادَتِهِمْ مِنْ الْعَجَمِ ذَلِكَ فَيُكْرَهُ الدُّعَاءُ وَالرَّقْيُ بِهَا سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ. 2 - (وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ) مِنْ السِّتَّةِ

سَبَبًا لِلِانْتِقَامِ مِنْ هَذَا الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ بِذُنُوبِهِ السَّالِفَةِ كَمَا يُنْفِذُ فِيهِ سَهْمَ الْعَدُوِّ وَالْكَافِرِ وَسَيْفَ الْقَاتِلِ لَهُ ظُلْمًا إمَّا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِذُنُوبِهِ أَوْ رَفْعًا لِدَرَجَاتِهِ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ السَّيْفِ وَالسَّهْمِ ظَالِمٌ فَكَذَلِكَ صَاحِبُ الدُّعَاءِ ظَالِمٌ بِدُعَائِهِ وَيُنْفِذُ اللَّهُ دُعَاءَهُ كَسَيْفِهِ وَرُمْحِهِ، وَلِذَلِكَ يُسَلِّطُ اللَّهُ عَلَيْهِ السِّبَاعَ وَالْهَوَامَّ لِلِانْتِقَامِ وَإِنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ فِي حَقِّهَا مَا يُوجِبُ ذَلِكَ وَيُعَاقِبُ هَذَا الدَّاعِي أَيْضًا عَلَى دُعَائِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْكُلُّ عَدْلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ لَوْ جَوَّزْنَا خُلُوَّ هَذَا الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ مِنْ الذُّنُوبِ مُطْلَقًا وَطَهَارَتِهِ مِنْ جَمِيعِ الْعُيُوبِ لَجَوَّزْنَا اسْتِجَابَةَ هَذَا الدُّعَاءِ لِيَجْعَلَهُ اللَّهُ سَبَبًا لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَإِظْهَارِ صَبْرِ الْعَبْدِ وَرِضَاهُ فَيَحْصُلَ لَهُ الْجَزِيلُ مِنْ الثَّوَابِ، وَأَمَّا الدُّعَاءُ عَلَى الظَّالِمِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِجَوَازِهِ وَالْمُسْتَنَدُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 41] لَكِنَّ الْأَحْسَنَ الصَّبْرُ وَالْعَفْوُ ـــــــــــــــــــــــــــــSسَبَبًا لِلِانْتِقَامِ مِنْ هَذَا الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ بِذُنُوبِهِ السَّالِفَةِ كَمَا يَنْفُذُ فِيهِ سَهْمُ الْعَدُوِّ وَالْكَافِرِ وَسَيْفُ الْقَاتِلِ لَهُ ظُلْمًا إمَّا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِذُنُوبِهِ أَوْ رَفْعًا لِدَرَجَاتِهِ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ السَّيْفِ وَالسَّهْمِ ظَالِمٌ فَكَذَلِكَ صَاحِبُ الدُّعَاءِ ظَالِمٌ بِدُعَائِهِ، وَيُنْفِذُ اللَّهُ دُعَاءَهُ كَسَيْفِهِ وَرُمْحِهِ، وَلِذَلِكَ يُسَلِّطُ اللَّهُ عَلَيْهِ السِّبَاعَ وَالْهَوَامَّ لِلِانْتِقَامِ، وَإِنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ فِي حَقِّهَا مَا يُوجِبُ ذَلِكَ وَيُعَاقِبُ هَذَا الدَّاعِيَ أَيْضًا عَلَى دُعَائِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْكُلُّ عَدْلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ لَوْ جَوَّزْنَا خُلُوَّ هَذَا الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ مِنْ الذُّنُوبِ مُطْلَقًا وَطَهَارَتَهُ مِنْ جَمِيعِ الْعُيُوبِ لَجَوَّزْنَا اسْتِجَابَةَ هَذَا الدُّعَاءِ لِيَجْعَلَهُ اللَّهُ سَبَبًا لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَإِظْهَارِ صَبْرِ الْعَبْدِ وَرِضَاهُ فَيَحْصُلَ لَهُ الْجَزِيلُ مِنْ الثَّوَابِ) . قُلْت مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ صَحِيحٌ إلَّا قَوْلَهُ وَإِظْهَارُ صَبْرِ الْعَبْدِ إنْ كَانَ يُرِيدُ بِهِ اشْتِرَاطَ الصَّبْرِ فِي رَفْعِ الدَّرَجَاتِ بِالْمَصَائِبِ وَالْآلَامِ وَشِبْهِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ غَيْرُ مُكْتَسَبٍ عَلَى مَا سَبَقَ لَهُ فِي الْفَرْقِ الثَّالِثِ وَالسِّتِّينَ وَالْمِائَتَيْنِ وَسَبَقَ الْقَوْلُ فِي مُخَالَفَتِي إيَّاهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُرِدْ اشْتِرَاطَ الصَّبْرِ فِي ذَلِكَ بَلْ أَرَادَ إنَّمَا ذَكَرَهُ مِنْ إجَابَةِ دَعْوَةِ الظَّالِمِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمُصِيبَاتِ يَكُونُ سَبَبًا لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الصَّبْرِ وَيَكُونُ أَيْضًا سَبَبًا لِوُقُوعِ الصَّبْرِ مِنْ الصَّابِرِ فَقَدْ خَالَفَ قَوْلَهُ هُنَالِكَ وَنَاقَضَهُ بِهَذَا الْقَوْلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ (وَأَمَّا الدُّعَاءُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِجَوَازِهِ وَالْمُسْتَنَدُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 41] لَكِنَّ الْأَحْسَنَ الصَّبْرُ وَالْعَفْوُ ـــــــــــــــــــــــــــــQالدُّعَاءُ عَلَى غَيْرِ الظَّالِمِ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِأَحْوَالِ الْعِبَادِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا وَأَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ إضْرَارٌ بِغَيْرِ مُسْتَحِقٍّ إلَّا أَنَّ الْمَدْعُوَّ عَلَيْهِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَفَ ذُنُوبًا أَوْ اكْتَسَبَ سَيِّئَاتٍ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الدَّاعِي وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ وَطَاهِرًا مِنْ جَمِيعِ الْعُيُوبِ فَيَجُوزُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الدُّعَاءَ وَيَجْعَلَهُ سَبَبًا لِلِانْتِقَامِ مِنْ هَذَا الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ بِذُنُوبِهِ السَّالِفَةِ. وَيَجُوزُ عَلَى الثَّانِي أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ هَذَا الدُّعَاءَ لِيَجْعَلَهُ سَبَبًا لِرَفْعِ دَرَجَاتِ هَذَا الْعَبْدِ صَبَرَ أَمْ لَا وَسَبَبًا لِوُقُوعِ الصَّبْرِ مِنْ الصَّابِرِ فَيَحْصُلُ لَهُ الْجَزِيلُ مِنْ الثَّوَابِ فَافْهَمْ وَيَكُونَ الدَّاعِي عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ ظَالِمًا بِدُعَائِهِ الَّذِي أَنْفَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سَعَى فِي إضْرَارٍ غَيْرِ مُسْتَحَقٍّ وَكُلُّ الْمَسَاعِي الضَّارَّةِ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ حَرَامٌ فَيُعَاقِبُهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى دُعَائِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يُنْفِذُ فِي عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ سَهْمَ الْعَدُوِّ وَالْكَافِرِ وَسَيْفَ الْقَاتِلِ لَهُ ظُلْمًا كَمَا يُسَلِّطُ عَلَيْهِ السِّبَاعَ وَالْهَوَامَّ، وَإِنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ فِي حَقِّهَا مَا يُوجِبُ ذَلِكَ إمَّا مُؤَاخَذَةً لَهُ بِذُنُوبِهِ أَوْ رَفْعًا لِدَرَجَاتِهِ فَكَمَا أَنَّ صَاحِبَ السَّيْفِ وَالرُّمْحِ ظَالِمٌ وَيُنْفِذُ اللَّهُ سَيْفَهُ وَرُمْحَهُ فِي الْمَظْلُومِ وَيُعَاقِبُهُ عَلَى ظُلْمِهِ كَذَلِكَ صَاحِبُ الدُّعَاءِ ظَالِمٌ بِدُعَائِهِ وَيُنْفِذُ اللَّهُ دُعَاءَهُ فِي الْمَظْلُومِ وَيُعَاقِبُهُ عَلَى ظُلْمِهِ أَيْضًا وَالْكُلُّ عَدْلٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. (تَنْبِيهٌ) أَجَازَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الدُّعَاءَ عَلَى الظَّالِمِ وَادَّعَى الْأَصْلُ أَنَّ دَلِيلَهُ قَوْله تَعَالَى {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 41] . قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِانْتِصَارِ الَّذِي هُوَ الِانْتِصَافُ مِنْهُ عَلَى دَرَجَةٍ لَا يَكُونُ فِيهَا زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الظُّلْمِ وَبِالْوَجْهِ الَّذِي أُبِيحَ الِانْتِصَافُ بِهِ وَجَوَازُ الِانْتِصَافِ لَا يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ الدُّعَاءِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ بِتَيْسِيرِ أَسْبَابِ الِانْتِصَافِ مِنْهُ فَقَدْ يُسَوَّغُ دَعْوَى دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَيْهِ ضِمْنًا لَا صَرِيحًا، وَأَمَّا الدُّعَاءُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِهِ لَا ضِمْنًا وَلَا صَرِيحًا اهـ فَمِنْ هُنَا قَالَ الْأَصْلُ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَحَيْثُ قُلْنَا بِجَوَازِ الدُّعَاءِ عَلَى الظَّالِمِ فَلَا تَدْعُو عَلَيْهِ بِمُؤْلِمَةٍ مِنْ أَنْكَادِ الدُّنْيَا لَمْ تَقْتَضِهَا جِنَايَتُهُ عَلَيْك بِأَنْ يَجْنِيَ عَلَيْك جِنَايَةً فَتَدْعُوَ عَلَيْهِ بِأَعْظَمَ مِنْهَا فَتَكُونَ جَانِيًا عَلَيْهِ بِالْمِقْدَارِ الزَّائِدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] بَلْ تَدْعُو عَلَيْهِ بِمُؤْلِمَةٍ مِنْ أَنْكَادِ الدُّنْيَا تَقْتَضِيهَا جِنَايَتُهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَدْعُوَ عَلَيْهِ بِمُلَابَسَةِ مَعْصِيَةٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى وَلَا بِالْكُفْرِ صَرِيحًا أَوْ ضِمْنًا بِأَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ اُرْزُقْهُ سُوءَ الْخَاتِمَةِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى طَلَبِ الْكُفْرِ. وَإِنْ

لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [الشورى: 43] أَيْ مِنْ مَعْزُومِهَا وَمَطْلُوبِهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَإِنْ زَادَ فِي الْإِحْسَانِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ دَعَا لَهُ بِالْإِصْلَاحِ وَالْخُرُوجِ عَنْ الظُّلْمِ فَقَدْ أَحْسَنَ إلَى نَفْسِهِ بِمَثُوبَةِ الْعَفْوِ وَتَحْصِيلِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَإِلَى الْجَانِي بِالتَّسَبُّبِ إلَى إصْلَاحِ صِفَاتِهِ وَإِلَى النَّاسِ بِالتَّسَبُّبِ إلَى كِفَايَتِهِمْ شَرَّهُ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مِنْ الْإِحْسَانِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَفُوتَ اللَّبِيبَ لَا سِيَّمَا وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا دَعَا بِمَكْرُوهٍ عَلَى غَيْرِهِ تَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ وَلَك مِثْلُهُ وَإِذَا دَعَا بِخَيْرٍ لِأَحَدٍ تَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ وَلَك مِثْلُهُ. (تَنْبِيهٌ) مِنْ الظُّلْمَةِ مَنْ إذَا عَلِمَ بِالْمُسَامَحَةِ وَالْعَفْوِ زَادَ طُغْيَانُهُ وَلَا يَرْدَعُهُ إلَّا إظْهَارُ الدُّعَاءِ عَلَيْهِ فَلْيَكُنْ ـــــــــــــــــــــــــــــSلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [الشورى: 43] أَيْ مِنْ مَعْزُومِهَا وَمَطْلُوبِهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ زَادَ فِي الْإِحْسَانِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ دَعَا لَهُ بِالْإِصْلَاحِ وَالْخُرُوجِ عَنْ الظُّلْمِ فَقَدْ أَحْسَنَ إلَى نَفْسِهِ بِمَثُوبَةِ الْعَفْوِ وَتَحْصِيلِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَإِلَى الْجَانِي بِالتَّسَبُّبِ إلَى إصْلَاحِ صِفَاتِهِ وَإِلَى النَّاسِ كَافَّةً بِالتَّسَبُّبِ إلَى كِفَايَتِهِمْ شَرَّهُ فَهَذِهِ ثَلَاثُ أَنْوَاعٍ مِنْ الْإِحْسَانِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَفُوتَ اللَّبِيبَ لَا سِيَّمَا وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذْ دَعَا بِمَكْرُوهٍ عَلَى غَيْرِهِ تَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ وَلَك مِثْلُهُ، وَإِذَا دَعَا بِخَيْرٍ تَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ وَلَك مِثْلُهُ) قُلْت لَيْسَ فِي الْآيَةِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الدُّعَاءِ عَلَى الظَّالِمِ، وَإِنَّمَا فِيهَا الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ الِانْتِصَارِ وَالِانْتِصَارُ هُوَ الِانْتِصَافُ مِنْهُ عَلَى دَرَجَةٍ لَا يَكُونُ فِيهَا زِيَادَةٌ عَلَى قَدْرِ الظُّلْمِ وَبِالْوَجْهِ الَّذِي أُبِيحَ الِانْتِصَافُ بِهِ، وَجَوَازُ الِانْتِصَافِ لَا يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ الدُّعَاءِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ بِتَيْسِيرِ أَسْبَابِ الِانْتِصَافِ مِنْهُ فَقَدْ يُسَوِّغُ دَعْوَى دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ ضِمْنًا لَا صَرِيحًا، وَأَمَّا الدُّعَاءُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَا بِضِمْنٍ وَلَا صَرِيحٍ، وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ إنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ دَعَا لَهُ فَقَدْ أَحْسَنَ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى الْجَانِي صَحِيحٌ أَيْضًا، وَمَا عَقَّبَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ الْمُخْبِرِ عَنْ الْمَلَائِكَةِ تَقُولُ وَلَك مِثْلُهُ إنْ كَانَ أَرَادَ حَمْلَهُ عَلَى إطْلَاقِهِ فِي الدُّعَاءِ بِالْمَكْرُوهِ، وَكَذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ بِالْمَحْبُوبِ فَلَا أَرَى ذَلِكَ صَحِيحًا بَلْ إنْ دَعَا عَلَى ظَالِمٍ بِأَنْ يُصَابَ بِمِثْلِ مَا أَصَابَ بِهِ فَلَا يَقُولُ الْمَلَكُ وَلَك مِثْلُهُ، وَإِنَّمَا يَقُولُ الْمَلَكُ ذَلِكَ إذَا دَعَا عَلَى بَرِيءٍ أَوْ عَلَى جَانٍ بِأَزْيَدَ فِي جِنَايَتِهِ هَذَا فِي جَانِبِ الْمَكْرُوهِ، وَأَمَّا الدُّعَاءُ فِي جَانِبِ الْمَحْبُوبِ فَلَا أَرَاهُ إلَّا عَلَى إطْلَاقِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ (تَنْبِيهٌ مِنْ الظَّلَمَةِ مَنْ إذَا عَلِمَ بِالْمُسَامَحَةِ وَالْعَفْوِ زَادَ طُغْيَانُهُ وَلَا يَرْدَعُهُ إلَّا إظْهَارُ الدُّعَاءِ عَلَيْهِ فَلْيَكُنْ ـــــــــــــــــــــــــــــQكَانَ الصَّحِيحُ - كَمَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ - أَنَّ مُرِيدَ الْمَعْصِيَةِ لَيْسَ بِعَاصٍ إلَّا إنْ اقْتَرَنَ بِإِرَادَتِهِ الْمَعْصِيَةَ قَوْلٌ فِي الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ فِي الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ فِعْلٌ فَذَلِكَ مَعْصِيَةٌ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْإِرَادَةِ فَلَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ» فَإِرَادَةُ الْكُفْرِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ عُمُومِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَلَا أَعْلَمُ لِهَذَا الْحَدِيثِ الْآنَ مُعَارِضًا فَلَا كُفْرَ لِمُرِيدِ الْكُفْرِ حَيْثُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ الْكُفْرُ بِقَوْلٍ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْكُفْرُ قَوْلًا، أَوْ بِفِعْلٍ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِعْلًا فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ مُرِيدُ مَا يَلْزَمُ عَنْهُ الْكُفْرُ كَافِرًا؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَتْ إرَادَتُهُ كُفْرَ الْغَيْرِ بِقَصْدِ نَفْعِهِ لِرُجْحَانِ الْكُفْرِ عِنْدَهُ عَلَى الْإِيمَانِ فَهَذَا كُفْرٌ، وَإِنْ كَانَتْ إرَادَتُهُ كُفْرَ الْغَيْرِ بِقَصْدِ إضْرَارِهِ فَهِيَ مَعْصِيَةٌ غَيْرُ كُفْرٍ اهـ قُلْت، وَكَذَا إنْ أَرَادَ مَعْصِيَةَ الْغَيْرِ بِقَصْدِ نَفْعِهِ بِالْمَعْصِيَةِ لِرُجْحَانِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى الطَّاعَةِ عِنْدَهُ أَوْ أَرَادَ مَعْصِيَةَ الْغَيْرِ بِقَصْدِ إضْرَارِهِ فَهِيَ لِمَكَانِ الرِّضَا بِالْمَعْصِيَةِ فِي الْأَوَّلِ وَإِضْرَارِ الْغَيْرِ فِي الثَّانِي فَافْهَمْ. بَلْ الْأَحْسَنُ لِلْمَظْلُومِ الصَّبْرُ وَالْعَفْوُ عَنْ الظَّالِمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [الشورى: 43] أَيْ مِنْ مَعْزُومِهَا وَمَطْلُوبِهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنْ زَادَ فِي الْإِحْسَانِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ دَعَا لَهُ بِالْإِصْلَاحِ وَالْخُرُوجِ عَنْ الظُّلْمِ فَقَدْ أَحْسَنَ إلَى نَفْسِهِ بِمَثُوبَةِ الْعَفْوِ وَتَحْصِيلِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَإِلَى الْجَانِي بِالتَّسَبُّبِ إلَى إصْلَاحِ صِفَاتِهِ وَإِلَى النَّاسِ كَافَّةً بِالتَّسَبُّبِ إلَى كِفَايَتِهِمْ شَرَّهُ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مِنْ الْإِحْسَانِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَفُوتَ اللَّبِيبَ لَا سِيَّمَا وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا دَعَا بِمَكْرُوهٍ عَلَى بَرِيءٍ أَوْ عَلَى جَانٍ بِأَزْيَدَ مِنْ جِنَايَتِهِ تَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ وَلَك مِثْلُهُ، وَإِنْ دَعَا بِخَيْرٍ لِأَحَدٍ جَانِيًا أَوْ بَرِيئًا تَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ وَلَك مِثْلُهُ. نَعَمْ يَنْبَغِي فِي الظَّالِمِ الَّذِي لَا يَرْدَعُهُ إلَّا إظْهَارُ الدُّعَاءِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْعَفْوُ عَنْهُ فِيمَا بَيْنَك وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْ لَا يَظْهَرَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ أَظْهِرْ مَا فِيهِ صَلَاحُهُ مِنْ دُعَائِك عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ يَجُودُ إذَا جُدْت عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي إظْهَارُ ذَلِكَ لَهُ. 2 - (وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ) مِنْ السِّتَّةِ الدُّعَاءُ بِطَلَبِ وُقُوعِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي الْوُجُودِ إمَّا لِنَفْسِهِ كَأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ أَمِتْهُ كَافِرًا أَوْ اسْقِهِ خَمْرًا أَوْ أَعِنْهُ عَلَى الْمَكْسِ الْفُلَانِيِّ أَوْ وَطْءِ الْأَجْنَبِيَّةِ الْفُلَانِيَّةِ وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَإِمَّا لِغَيْرِهِ عَدُوِّهِ كَقَوْلِهِ اللَّهُمَّ لَا تُمِتْ فُلَانًا عَلَى الْإِسْلَامِ اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ مَنْ يَقْتُلُهُ أَوْ يَأْخُذُ مَالَهُ أَوْ صَدِيقِهِ كَقَوْلِهِ اللَّهُمَّ يَسِّرْ لَهُ الْوِلَايَةَ الْفُلَانِيَّةَ أَوْ السَّفَرَ الْفُلَانِيَّ وَصُحْبَةَ الْوَزِيرِ فُلَانٍ أَوْ الْمَلِكِ فُلَانٍ وَيَكُونُ جَمِيعُ ذَلِكَ مُشْتَمِلًا عَلَى مَعْصِيَةٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى فَجَمِيعُ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ تَحْرِيمَ الْوَسَائِلِ وَمَنْزِلَتُهُ مِنْ التَّحْرِيمِ مَنْزِلَةُ مُتَعَلِّقِهِ فَالدُّعَاءُ بِتَحْصِيلِ أَعْظَمِ الْمُحَرَّمَاتِ

الْعَفْوُ عَنْهُ بَيْنَك وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تُظْهِرْ لَهُ ذَلِكَ بَلْ أَظْهِرْ لَهُ فِيهِ صَلَاحَهُ وَاسْتِصْلَاحَهُ وَمَنْ يَجُودُ إذَا جُدْت عَلَيْهِ كَانَ سِمَةَ خَيْرٍ فَيَنْبَغِي إظْهَارُ ذَلِكَ لَهُ وَحَيْثُ قُلْنَا بِجَوَازِ الدُّعَاءِ عَلَى الظَّالِمِ فَلَا تَدْعُو عَلَيْهِ بِمُلَابَسَةِ مَعْصِيَةٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى وَلَا بِالْكُفْرِ فَإِنَّ إرَادَةَ الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ وَإِرَادَةَ الْكُفْرِ كُفْرٌ بَلْ تَدْعُو عَلَيْهِ بِإِنْكَادِ الدُّنْيَا وَلَا تَدْعُو عَلَيْهِ بِمُؤْلِمَةٍ لَمْ تَقْتَضِهَا جِنَايَتُهُ عَلَيْك بِأَنْ يَجْنِيَ عَلَيْك جِنَايَةً فَتَدْعُوَ عَلَيْهِ بِأَعْظَمَ مِنْهَا فَهَذَا حَرَامٌ عَلَيْك؛ لِأَنَّك جَانٍ عَلَيْهِ بِالْمِقْدَارِ الزَّائِدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الضَّوَابِطَ وَلَا تَخْرُجْ عَنْهَا. فَإِنْ قُلْت فَإِنْ قَالَ اللَّهُمَّ اُرْزُقْهُ سُوءَ الْخَاتِمَةِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى طَلَبِ الْكُفْرِ هَلْ يَكُونُ هَذَا الدَّاعِي كَافِرًا أَوْ لَا لِأَنَّ إرَادَةَ الْكُفْرِ كُفْرٌ وَالطَّالِبَ مُرِيدٌ لِمَا طَلَبَهُ قُلْت الدَّاعِي لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــSالْعَفْوُ عَنْهُ بَيْنَك وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تُظْهِرْ لَهُ ذَلِكَ بَلْ أَظْهِرْ لَهُ مَا فِيهِ صَلَاحُهُ وَاسْتِصْلَاحُهُ وَمَنْ يَجُودُ إذَا جُدْت عَلَيْهِ كَانَ سِمَةَ خَيْرٍ فَيَنْبَغِي إظْهَارُ ذَلِكَ لَهُ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ. قَالَ (وَحَيْثُ قُلْنَا بِجَوَازِ الدُّعَاءِ عَلَى الظَّالِمِ فَلَا يَدْعُ عَلَيْهِ بِمُلَابَسَةِ مَعْصِيَةٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى وَلَا بِالْكُفْرِ فَإِنَّ إرَادَةَ الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ وَإِرَادَةَ الْكُفْرِ كُفْرٌ) قُلْت لَيْسَ هَذَا الْإِطْلَاقُ عِنْدِي بِصَحِيحٍ بَلْ إنْ اقْتَرَنَ بِإِرَادَةِ الْمَعْصِيَةِ قَوْلٌ فِي الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ فِي الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ فِعْلٌ فَذَلِكَ مَعْصِيَةٌ وَإِلَّا فَلَا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ» فَإِرَادَةُ الْكُفْرِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ عُمُومِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَلَا أَعْلَمُ لِهَذَا الْحَدِيثِ الْآنَ مُعَارِضًا فَلَا كُفْرَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. هَذَا فِي إرَادَةِ الْمَرْءِ أَنْ يَعْصِيَ أَوْ أَنْ يَكْفُرَ فَكِلَا الْإِرَادَتَيْنِ مَعْصِيَةٌ لَا كُفْرٌ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ (بَلْ تَدْعُو عَلَيْهِ بِإِنْكَادِ الدُّنْيَا وَلَا تَدْعُ عَلَيْهِ بِمُؤْلِمَةٍ لَمْ تَقْتَضِهَا جِنَايَتُهُ عَلَيْك بِأَنْ يَجْتَنِيَ عَلَيْك جِنَايَةً فَتَدْعُوَ عَلَيْهِ بِأَعْظَمَ مِنْهَا فَهَذَا حَرَامٌ عَلَيْك؛ لِأَنَّك جَانٍ عَلَيْهِ بِالْمِقْدَارِ الزَّائِدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الضَّوَابِطَ وَلَا تَخْرُجْ عَنْهَا) . قُلْت مَا قَالَهُ فِيهِ صَحِيحٌ. قَالَ (فَإِنْ قُلْت فَإِنْ قَالَ اللَّهُمَّ اُرْزُقْهُ سُوءَ الْخَاتِمَةِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى طَلَبِ الْكُفْرِ هَلْ يَكُونُ هَذَا الدَّاعِي كَافِرًا أَوْ لَا لِأَنَّ إرَادَةَ الْكُفْرِ كُفْرٌ وَالطَّالِبَ مُرِيدٌ لِمَا طَلَبَهُ؟ قُلْت الدَّاعِي لَهُ ـــــــــــــــــــــــــــــQأَقْبَحُ الدُّعَاءِ وَدَلِيلُ أَنَّ الدُّعَاءَ بِالْمُحَرَّمِ مُحَرَّمٌ مَا رُوِيَ مَنْ دَعَا لِفَاسِقٍ بِالْبَقَاءِ فَقَدْ أَحَبَّ أَنْ يُعْصَى اللَّهُ تَعَالَى وَمَحَبَّةُ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى مُحَرَّمَةٌ. 2 - (وَالْقِسْمُ السَّادِسُ) مِنْ السِّتَّةِ الدُّعَاءُ الْمُوهِمُ اسْتِئْنَافَ صِفَتَيْ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ كَقَوْلِ الدَّاعِي اللَّهُمَّ قَدِّرْ لَنَا أَوْ اقْضِ لَنَا بِالْخَيْرِ وَاسْتِئْنَافُ الْعِلْمِ كَقَوْلِ الدَّاعِي اللَّهُمَّ اجْعَلْ سَعَادَتَنَا مَقْدُورَةً فِي عِلْمِك. قَالَ الْأَصْلُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الدُّعَاءَ بِوَضْعِهِ اللُّغَوِيِّ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمُسْتَقْبَلَ لِأَنَّهُ طَلَبٌ وَالطَّلَبُ فِي الْمَاضِي مُحَالٌ فَيَكُونُ مُقْتَضَى الدُّعَاءِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَنْ يَقَعَ تَقْدِيرُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ الزَّمَانِ وَالتَّقْدِيرِ جَمِيعِهِ وَقَعَ فِي الْأَزَلِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ اللَّهُمَّ قَدِّرْ إلَخْ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الثَّانِي اللَّهُمَّ اقْضِ إلَخْ لِأَنَّ مَعْنَى اقْضِ مُسَاوٍ فِي الْمُعَرَّفِ جَمِيعِهِ وَقَعَ فِي الْأَزَلِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ اللَّهُمَّ قَدِّرْ إلَخْ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الثَّانِي اللَّهُمَّ اقْضِ إلَخْ؛ لِأَنَّ مَعْنَى اقْضِ مُسَاوٍ فِي الْمُعَرَّفِ لِمَعْنَى قَدِّرْ يَقْتَضِي مَذْهَبَ مَنْ يَرَى أَنَّهُ لَا قَضَاءَ فِي الْأَزَلِ وَأَنَّ الْأَمْرَ أَنِفَ كَمَا خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ الْخَوَارِجِ وَهُوَ فِسْقٌ بِالْإِجْمَاعِ. قَالَ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي الدُّعَاءِ الثَّالِثِ لِأَنَّ الَّذِي يَتَقَدَّرُ فِي الْعِلْمِ هُوَ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ الْإِرَادَةُ الْقَدِيمَةُ فَكُلَّمَا يَسْتَحِيلُ اسْتِئْنَافُ تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ بِهِ يَسْتَحِيلُ اسْتِئْنَافُ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِهِ فَيَسْتَحِيلُ اسْتِئْنَافُ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِالسَّعَادَةِ فَيَكُونُ مُحَرَّمًا لِمَا مَرَّ. نَعَمْ لَا يَكُونُ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ اُقْدُرْ أَوْ اقْضِ إلَخْ مُحَرَّمًا لِلْإِيهَامِ الْمَذْكُورِ إلَّا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِ النِّيَّةِ أَمَّا إنْ أَرَادَ بِالتَّقْدِيرِ التَّيْسِيرَ مَجَازًا فَلَا حُرْمَةَ وَلَا مَعْصِيَةَ وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ التَّقْدِيرَ فِيمَا وَرَدَ عَنْ الشَّارِعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ «قَوْلِهِ فِي الِاسْتِخَارَةِ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ وَرَضَّنِي بِهِ» بِمَعْنَى التَّيْسِيرِ مَجَازًا اهـ، وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ مَا خُلَاصَتُهُ إنَّ الدُّعَاءَ بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَإِنْ أَوْهَمَا اسْتِئْنَافَ صِفَتَيْ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ لَا يَفْتَقِرَا إلَى نِيَّةٍ كَمَا قَالَ الْأَصْلُ بَعْدَ أَنْ وَرَدَ عَنْ الشَّارِعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ فِي الِاسْتِخَارَةِ وَاقْدُرْ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى اسْتِحَالَةِ اسْتِئْنَافِ صِفَتَيْ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ وَمُعَيِّنَةٌ لِلْحَمْلِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالدُّعَاءِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مَا يَجُوزُ مِنْ اسْتِئْنَافِ الْمَقْدُورِ، وَالْمُرَادُ فَلَا امْتِنَاعَ فِيهِمَا لِلْإِيهَامِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا الدُّعَاءُ الثَّالِثُ فَيَمْتَنِعُ لِإِيهَامِهِ اسْتِئْنَافَ الْعِلْمِ كَمَا قَالَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ عَنْ الشَّارِعِ اسْتِئْنَافُ الْعِلْمِ فِيمَا عَلِمْت مِثْلُ مَا وَرَدَ فِي اسْتِئْنَافِ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الِاسْتِخَارَةِ وَاقْدُرْ فَلَيْسَ الْإِيهَامُ هُنَا مِثْلَ الْإِيهَامِ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِعَدَمِ وُرُودِ الْإِيهَامِ هُنَا عَنْ الشَّارِعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا عَلِمْت وَوُرُودَهُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُنَاكَ. اهـ. قُلْت وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ أَنَّ مُوهِمَ مَا يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا وَرَدَ هُوَ نَفْسُهُ فِي كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ كَالِاسْتِوَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] وَالْفَوْقِيَّةِ فِي قَوْله تَعَالَى {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 50] وَالْإِتْيَانِ فِي قَوْله تَعَالَى

حَالَتَانِ تَارَةً يُرِيدُ الْكُفْرَ بِالْعَرَضِ لَا بِالذَّاتِ فَيَقَعُ تَابِعًا لِمَقْصُودِهِ لَا أَنَّهُ مَقْصُودُهُ فَهَذَا لَيْسَ بِكَافِرٍ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَدِدْت أَنْ أُقْتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أُحْيَا فَأُقْتَلَ، ثُمَّ أُحْيَا فَأُقْتَلَ» فَقَدْ طَلَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقْتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَتْلُ الْأَنْبِيَاءِ كُفْرٌ لَكِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُرَادُهُ وَمَقْصُودُهُ مَنَازِلُ الشُّهَدَاءِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ وَقَعَ تَابِعًا لِمَقْصُودِهِ لَا أَنَّهُ مَقْصُودُهُ فَمِثْلُ هَذَا لَا حَرَجَ فِيهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَكَذَلِكَ مَا حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَحَدِ ابْنَيْ آدَمَ مِنْ قَوْلِهِ {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} [المائدة: 29] مَقْصُودُهُ إنَّمَا هُوَ السَّلَامَةُ مِنْ الْقَتْلِ لَا مِنْ أَنْ يَقْتُلَ وَيَصْدُرَ مِنْهُ مَعْصِيَةُ الْقَتْلِ. وَإِنْ لَزِمَ عَنْ ذَلِكَ مَعْصِيَةُ أَخِيهِ بِمُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ» فَأَمَرَهُ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَقْتُلَهُ غَيْرُهُ وَلَا يَعْزِمَ هُوَ عَلَى الْقَتْلِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ إنَّمَا هُوَ السَّلَامَةُ وَوَقَعَ غَيْرُ ذَلِكَ تَبَعًا ـــــــــــــــــــــــــــــSحَالَتَانِ: تَارَةً يُرِيدُ الْكُفْرَ بِالْعَرَضِ لَا بِالذَّاتِ فَيَقَعُ تَابِعًا لِمَقْصُودِهِ لَا أَنَّهُ مَقْصُودُهُ فَهَذَا لَيْسَ بِكَافِرٍ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «وَدِدْت أَنْ أُقْتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أَحْيَا فَأُقْتَلَ» فَقَدْ طَلَبَ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقْتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَتْلُ الْأَنْبِيَاءِ كُفْرٌ لَكِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مُرَادُهُ وَمَقْصُودُهُ مَنَازِلُ الشُّهَدَاءِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ وَقَعَ تَابِعًا لِمَقْصُودِهِ لَا أَنَّهُ مَقْصُودُهُ فَمِثْلُ هَذَا لَا حَرَجَ فِيهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مُرِيدَ الْكُفْرِ لَيْسَ بِكَافِرٍ مَا لَمْ يَقَعْ مِنْهُ الْكُفْرُ بِقَوْلٍ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْكُفْرُ قَوْلًا أَوْ بِفِعْلٍ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِعْلًا فَمُرِيدُ مَا يَلْزَمُ عَنْهُ الْكُفْرُ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ كَافِرًا. قَالَ (وَكَذَلِكَ مَا حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَحَدِ ابْنَيْ آدَمَ مِنْ قَوْلِهِ {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} [المائدة: 29] مَقْصُودُهُ إنَّمَا هُوَ السَّلَامَةُ مِنْ الْقَتْلِ لَا مِنْ أَنْ يَقْتُلَ وَيَصْدُرَ مِنْهُ مَعْصِيَةُ الْقَتْلِ، وَإِنْ لَزِمَ عَنْ ذَلِكَ مَعْصِيَةُ أَخِيهِ بِمُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ) قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ كُفْرٌ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ (وَلِذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ» فَأَمَرَهُ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَقْتُلَهُ غَيْرُهُ وَلَا يَعْزِمَ هُوَ عَلَى الْقَتْلِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ إنَّمَا هُوَ السَّلَامَةُ وَوَقَعَ غَيْرُ ذَلِكَ تَبَعًا) قُلْت قَوْلُهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَقْتُلَهُ غَيْرُهُ وَلَا يَعْزِمَ هُوَ عَلَى الْقَتْلِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ مَا أَمَرَهُ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَقْتُلَهُ غَيْرُهُ وَلَا نَهَاهُ أَنْ يَعْزِمَ هُوَ عَلَى الْقَتْلِ فَإِنَّهُ لَمْ يَجْرِ فِي لَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذِكْرُ إرَادَتِهِ وَلَا ذِكْرُ عَزْمِهِ بَلْ أَمَرَهُ بِالِاسْتِسْلَامِ وَتَرْكِ الْمُقَاتَلَةِ الَّتِي ـــــــــــــــــــــــــــــQ {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة: 210] وَالْمَجِيءِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر: 22] وَالْوَجْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27] وَالْيَدِ فِي قَوْله تَعَالَى {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10] وَالنُّزُولِ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «يَنْزِلُ رَبُّنَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا» وَالصُّورَةِ فِي حَدِيثِهِمَا أَيْضًا «إنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» فَهَذَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ أَمَّا مَعَ التَّأْوِيلِ التَّفْصِيلِيِّ كَمَا هُوَ طَرِيقَةُ الْخَلَفِ بِأَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالِاسْتِوَاءِ الِاسْتِيلَاءُ وَالْمُلْكُ كَمَا قَالَ قَدْ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ ... مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مِهْرَاقِ وَبِالْفَوْقِيَّةِ التَّعَالِي فِي الْعَظَمَةِ دُونَ الْمَكَانِ وَبِالْإِتْيَانِ إتْيَانُ رَسُولِ عَذَابِهِ أَوْ رَحْمَتِهِ وَثَوَابِهِ، وَكَذَا النُّزُولُ وَبِالْوَجْهِ الذَّاتُ أَوْ الْوُجُودُ وَبِالْيَدِ الْقُدْرَةُ وَيَرْجِعُ ضَمِيرٌ عَلَى صُورَتِهِ إلَى الْأَخِ الْمُصَرِّحِ فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى الَّتِي رَوَاهَا مُسْلِمٌ بِلَفْظِ «إذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَتَجَنَّبْ الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» وَالْمُرَادُ بِالصُّورَةِ الصِّفَةُ وَأَمَّا مَعَ التَّأْوِيلِ الْإِجْمَالِيِّ وَيُفَوَّضُ عِلْمُ الْمَعْنَى الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ النَّصِّ تَفْصِيلًا إلَيْهِ تَعَالَى كَمَا هُوَ طَرِيقُ السَّلَفِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ لَمَّا سُئِلَ عَنْ قَوْله تَعَالَى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ كَمَا فِي شَرْحِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ. (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) مَا وَرَدَ نَظِيرُهُ فِي كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَإِلَى مِثَالِهِ وَحُكْمِهِ أَشَارَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الشَّيْخِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ بِقَوْلِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ قَالَ جِسْمٌ كَالْأَجْسَامِ فَاسِقٌ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَى اسْتِظْهَارِ بَعْضِ أَشْيَاخِنَا كُفْرَهُ كَيْفَ، وَقَدْ صَحَّ وَجْهٌ لَا كَالْوُجُوهِ وَيَدٌ لَا كَالْأَيْدِي نَعَمْ لَمْ تَرِدْ عِبَارَةُ جِسْمٍ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ بِلَفْظِهَا قُلْت وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ قَوْلُ الْقَائِلِ إنَّهُ تَعَالَى فِي مَكَان لَيْسَ كَمَكَانِ الْحَوَادِثِ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ اسْتِوَاءٌ عَلَى الْعَرْشِ لَا كَالِاسْتِوَاءِ عَلَى السَّرِيرِ نَعَمْ لَمْ تَرِدْ عِبَارَةُ مَكَان بَلْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: حَدِيثُ «لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ» يُفِيدُ أَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ الْمَكَانِ أَزَلًا إذْ لَوْلَا تَنَزُّهُهُ عَنْ الْجِهَةِ لَكَانَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مِعْرَاجِهِ أَقْرَبَ مِنْ يُونُسَ فِي نُزُولِ الْحُوتِ بِهِ لِقَاعِ الْبَحْرِ كَمَا أَفَادَهُ الْأَمِيرُ فِي الْحَاشِيَة الْمَذْكُورَةِ. (وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا لَمْ يَرِدْ هُوَ وَلَا نَظِيرُهُ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَإِلَى مِثَالِهِ وَحُكْمِهِ أَشَارَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي الْحَاشِيَة الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَصَوِّفَةِ وَالْفَلَاسِفَةُ إلَى أَنَّهُ تَعَالَى الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ وَأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَتَّصِفُ بِالْوُجُودِ أَصْلًا حَتَّى إذَا قَالُوا الْإِنْسَانُ مَوْجُودٌ فَمَعْنَاهُ أَنَّ لَهُ تَعَلُّقًا بِالْوُجُودِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ

[القسم الثاني عشر من الدعاء المحرم الذي ليس بكفر وهو ما استفاد التحريم من متعلقه وهو المدعو به]

وَتَارَةً يُرِيدُ الْكُفْرَ بِالذَّاتِ فَهَذَا كَافِرٌ إذَا كَانَ مَقْصُودُهُ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ بِالْكُفْرِ لَيْسَ إلَّا، كَذَلِكَ هَذَا الدَّاعِي إذَا كَانَ مَقْصُودُهُ أَنْ يَعْصِيَ هَذَا الْمَدْعُوُّ عَلَيْهِ رَبَّهُ لَا أَنْ يَكْفُرَ بِاَللَّهِ وَيَقَعَ الْكُفْرُ تَبَعًا لِمَقْصُودِهِ فَهَذَا لَيْسَ بِكُفْرٍ. نَعَمْ قَدْ لَا يَكُونُ الْمَدْعُوُّ عَلَيْهِ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً يَسْتَحِقُّ أَنْ يُقَابَلَ عَلَيْهَا بِهَذَا الدُّعَاءِ الْعَظِيمِ فَيَكُونُ عَاصِيًا بِجِنَايَتِهِ عَلَى الْمَدْعُوِّ عَلَيْهِ لَا كَافِرًا فَهَذَا تَفْصِيلُ حَالِ هَذَا الدُّعَاءِ، وَقَدْ غَلِطَ جَمَاعَةٌ فَأَفْتَوْا بِالتَّكْفِيرِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ (الْقِسْمُ الثَّانِيَ عَشَرَ) مِنْ الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ وَهُوَ مَا اسْتَفَادَ التَّحْرِيمُ مِنْ مُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ الْمَدْعُوُّ بِهِ لِكَوْنِهِ طَلَبًا لِوُقُوعِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي الْوُجُودِ أَمَّا الدَّاعِي فَكَقَوْلِهِ اللَّهُمَّ أَمِتْهُ كَافِرًا أَوْ اسْقِهِ خَمْرًا أَوْ أَعْنِهِ عَلَى الْمَكْسِ الْفُلَانِيِّ أَوْ وَطْءِ الْأَجْنَبِيَّةِ الْفُلَانِيَّةِ أَوْ يَسِّرْ لَهُ الْوِلَايَةَ الْفُلَانِيَّةَ وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ أَوْ يَطْلُبُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ أَمَّا لِعَدُوِّهِ كَقَوْلِهِ اللَّهُمَّ لَا تُمِتْ فُلَانًا عَلَى الْإِسْلَامِ اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ مَنْ يَقْتُلُهُ أَوْ يَأْخُذُ مَالَهُ، وَأَمَّا لِصَدِيقِهِ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ يَسِّرْ لَهُ الْوِلَايَةَ الْفُلَانِيَّةَ أَوْ السَّفَرَ الْفُلَانِيَّ أَوْ صُحْبَةَ الْوَزِيرِ فُلَانٍ أَوْ الْمَلِكِ فُلَانٍ، وَيَكُونُ جَمِيعُ ذَلِكَ مُشْتَمِلًا عَلَى مَعْصِيَةٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى فَجَمِيعُ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ تَحْرِيمَ الْوَسَائِلِ وَمَنْزِلَتُهُ مِنْ التَّحْرِيمِ مَنْزِلَةُ مُتَعَلِّقِهِ، فَالدُّعَاءُ بِتَحْصِيلِ أَعْظَمُ الْمُحَرَّمَاتِ أَقْبَحُ الدُّعَاءِ وَيُرْوَى مَنْ دَعَا لِفَاسِقٍ بِالْبَقَاءِ فَقَدْ أَحَبَّ أَنْ يُعْصَى اللَّهُ تَعَالَى وَمَحَبَّةُ مَعْصِيَتِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــSرُبَّمَا أَدَّتْ إلَى أَنْ تَكُونَ قَاتِلًا. قَالَ (وَتَارَةً يُرِيدُ الْكُفْرَ بِالذَّاتِ فَهَذَا كَافِرٌ إذَا كَانَ مَقْصُودُهُ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ تَعَالَى بِالْكُفْرِ لَيْسَ إلَّا) قُلْت لَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ بَلْ إذَا أَرَادَ كُفْرَ غَيْرِهِ بِقَصْدِ إضْرَارِ ذَلِكَ الْغَيْرِ فَهِيَ مَعْصِيَةٌ غَيْرُ كُفْرٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ إرَادَتُهُ كُفْرَ الْغَيْرِ بِقَصْدِ نَفْعِهِ لِرُجْحَانِ الْكُفْرِ عِنْدَهُ عَلَى الْإِيمَانِ فَهَذَا كُفْرٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ (كَذَلِكَ هَذَا الدَّاعِي إذَا كَانَ مَقْصُودُهُ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ هَذَا الْمَدْعُوُّ عَلَيْهِ رَبُّهُ لَا أَنْ يَكْفُرَ بِاَللَّهِ وَيَقَعَ الْكُفْرُ تَبَعًا لِمَقْصُودِهِ فَهَذَا لَيْسَ بِكَافِرٍ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ. قَالَ (فَهَذَا تَفْصِيلُ حَالِ هَذَا الدُّعَاءِ، وَقَدْ غَلِطَ جَمَاعَةٌ فَأَفْتَوْا بِالتَّكْفِيرِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ) قُلْت قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ وَلَا إذَا دَعَا بِالْكُفْرِ وَلَا بِمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ [الْقِسْمُ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ وَهُوَ مَا اسْتَفَادَ التَّحْرِيمُ مِنْ مُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ الْمَدْعُوُّ بِهِ] وَمَا قَالَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي عَشَرَ صَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ مَا قَالَ فِي الْفَرْقِ الرَّابِعِ وَالسَّبْعِينَ وَالْمِائَتَيْنِ وَهُوَ فِي آخِرِ الْفُرُوقِ وَهُنَا انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى كِتَابِ أَنْوَارِ الْبُرُوقِ بِمَا وَفَّقَ اللَّهُ إلَيْهِ وَأَعَانَ عَلَيْهِ وَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ وَكُلِّ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ بِهَا وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا. اهـ. ـــــــــــــــــــــــــــــQكُفْرٌ وَلَا حُلُولَ وَلَا اتِّحَادَ، فَإِنْ وَقَعَ مِنْ أَكَابِرِ الْأَوْلِيَاءِ مَا يُوهِمُ ذَلِكَ أُوِّلَ بِمَا يُنَاسِبُهُ كَمَا يَقَعُ مِنْهُمْ فِي وَحْدَةِ الْوُجُودِ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ مَا فِي الْجُبَّةِ إلَّا اللَّهُ أَرَادَ أَنَّ مَا فِي الْجُبَّةِ وَالْكَوْنِ كُلِّهِ لَا وُجُودَ لَهُ إلَّا بِاَللَّهِ {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 41] وَذَلِكَ اللَّفْظُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ شَرْعًا لِإِيهَامِهِ لَكِنَّ الْقَوْمَ تَارَةً تَغْلِبُهُمْ الْأَحْوَالُ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ ضَعِيفٌ إلَّا مَنْ تَمَكَّنَ بِإِقَامَةِ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ، وَرَأَيْت فِي مَفَاتِيحِ الْكُنُوزِ أَنَّ الْحَلَّاجَ قَالَ أَنَا وَفِيهِ بَقِيَّةٌ مَا مِنْ شُعُورِهِ بِنَفْسِهِ ثُمَّ فَنِيَ بِشُهُودِهِ فَقَالَ اللَّهُ فَهُمَا كَلِمَتَانِ فِي مَقَامَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَكِنْ مِمَّنْ أَفْتَى بِقَتْلِهِ الْجُنَيْدُ كَمَا فِي شَرْحِ الْكُبْرَى عَمَلًا بِظَاهِرِ الشَّرِيعَةِ الَّذِي هُوَ أَمْرُ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَقَامُ الْعَظِيمُ لَا تُحِيطُ بِهِ الْعِبَارَةُ وَالْوُجْدَانُ يَخْتَلِفَ بِحَسَبِ مَا يُرِيدُ الْحَقُّ وَرَأَيْت وَأَظُنُّهُ فِي كَلَامِ ابْنِ وَفَا أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ إشَارَاتِ وَحْدَةِ الْوُجُودِ قَوْله تَعَالَى {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53] {أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} [فصلت: 54] وَصَحَّ فِي الْحَدِيثِ كُنْت سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ إلَخْ وَمِنْ أَلْطَفِ إشَارَاتِهِ قَوْلُ أَبِي مَدِينٍ التِّلْمِسَانِيِّ اللَّهَ قُلْ وَذْرِ الْوُجُودَ وَمَا حَوَى ... إنْ كُنْت مُرْتَادًا بُلُوغَ كَمَالِ فَالْكُلُّ دُونَ اللَّهِ إنْ حَقَّقْتَهُ ... عَدَمٌ عَلَى التَّفْصِيلِ وَالْإِجْمَالِ وَاعْلَمْ بِأَنَّك وَالْعَوَالِمَ كُلَّهَا ... لَوْلَاهُ فِي مَحْوٍ وَفِي اضْمِحْلَالِ مَنْ لَا وُجُودَ لِذَاتِهِ مِنْ ذَاتِهِ ... فَوُجُودُهُ لَوْلَاهُ عَيْنُ مُحَالِ وَالْعَارِفُونَ فَنَوْا بِهِ لَمْ يَشْهَدُوا ... شَيْئًا سِوَى الْمُتَكَبِّرِ الْمُتَعَالِي وَرَأَوْا سِوَاهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ هَالِكًا ... فِي الْحَالِ وَالْمَاضِي وَالِاسْتِقْبَالِ اهـ بِلَفْظِهَا قُلْت وَمِمَّا هُوَ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ بَعْضِ الْمُتَصَوِّفَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ الْمَذْكُورِ قَوْلُ صَاحِبِ التُّحْفَةِ الْمُرْسَلَةِ وَإِنَّ ذَلِكَ الْوُجُودَ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ إحَاطَةَ الْمَلْزُومِ بِاللَّوَازِمِ وَالْمَوْصُوفِ بِالصِّفَاتِ لَا كَإِحَاطَةِ الظَّرْفِ بِالْمَظْرُوفِ وَلَا كَإِحَاطَةِ الْكُلِّ بِالْجُزْءِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا اهـ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مُنْصِفٍ وَمِمَّا هُوَ جَارٍ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ بَلْ أَقْبَحُ مِنْهُ قَوْلُ الْقَائِلِ مَكَانَهُ تَعَالَى مُحِيطٌ بِالْعَالَمِ بِذَاتِهِ لَا بِصِفَاتِهِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ إذْ هُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ ذَاتَه تَعَالَى الَّتِي هِيَ مَكَانُهُ مُحِيطٌ بِالْعَالَمِ إحَاطَةَ الظَّرْفِ بِالْمَظْرُوفِ أَوْ الْكُلِّ بِالْجُزْءِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا فَتَحَصَّلَ أَنَّ فِي مُوهِمِ مَا يَسْتَحِيلُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى ثَلَاثُ قَوَاعِدَ: (الْأُولَى) أَنْ كُلَّ مَا وَرَدَ الْإِذْنُ بِإِطْلَاقِهِ نَفْسِهِ فِي كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ كَاسْتِئْنَافِ الْقُدْرَةِ أَوْ الْإِرَادَةِ فِي الدُّعَاءِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي جَازَ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ تَعَالَى مَعَ حَمْلِهِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ تَعَالَى بِقَرِينَةِ اسْتِحَالَةِ مَعْنَاهُ. (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّ كُلَّ مَا وَرَدَ الْإِذْنُ بِنَظِيرِهِ فِي كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَمْ يُرِدْ

[القسم الثاني من المحرم الذي لا يكون كفرا أن يسأل الداعي من الله تعالى المستحيلات العادية]

تَعَالَى مُحَرَّمَةٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ بِالْمُحَرَّمِ مُحَرَّمٌ فَهَذِهِ كُلُّهَا أَدْعِيَةٌ مُحَرَّمَةٌ إمَّا كَبِيرَةٌ أَوْ صَغِيرَةٌ، إنْ تَكَرَّرَتْ صَارَتْ كَبِيرَةً وَفِسْقًا وَالْعَاقِلُ الْحَرِيصُ عَلَى دِينِهِ أَوَّلُ مَا يَسْعَى فِي تَحْصِيلِ السَّلَامَةِ وَالْخُلُوصِ مِنْ الْمَهَالِكِ وَحِينَئِذٍ يَطْلُبُ الْأَرْبَاحَ فَهَذَا مَا حَضَرَنِي مِنْ الْأَدْعِيَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا الْمُحَرَّمَةِ وَمَا عَدَاهَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ عَمَلًا بِالِاسْتِقْرَاءِ وَهَذَا الْفَرْقُ وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ قَلَّ أَنْ تُوجَدَ فِي الْكُتُبِ بَلْ كَلِمَاتٌ يَسِيرَةٌ تُوجَدُ فِي بَعْضِهَا مُشِيرَةٌ إلَيْهَا أَمَّا التَّصْرِيحُ بِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَقَلِيلٌ أَوْ مَعْدُومٌ فَتَأَمَّلْهُ وَأَلْحِقْ مَا تَجِدُهُ بِنَظِيرِهِ فَيَنْضَبِطُ لَك الْمُبَاحُ مِنْ غَيْرِهِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ نَفْسَهُ كَاسْتِئْنَافِ الْعِلْمِ فِي الدُّعَاءِ الثَّالِثِ فَهُوَ حَرَامٌ وَلَيْسَ بِكُفْرٍ. (وَالثَّالِثُ) أَنَّ كُلَّ مَا لَمْ يَرِدْ الْإِذْنُ بِهِ وَلَا بِنَظِيرِهِ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ كَقَوْلِ بَعْضِ الصُّوفِيَّةِ وَالْفَلَاسِفَةِ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ وَلَا وُجُودَ لِغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْوُجُودِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ كُفْرٌ فَهَذِهِ الْأَدْعِيَةُ الَّتِي فِي الْأَقْسَامِ السِّتَّةِ كُلِّهَا أَدْعِيَةٌ مُحَرَّمَةٌ إمَّا كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً إنْ تَكَرَّرَتْ صَارَتْ كَبِيرَةً وَفِسْقًا بِاتِّفَاقِ الْأَصْلِ وَابْنِ الشَّاطِّ وَالسِّتَّةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ أَقْسَامِ الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ الَّتِي اسْتَقْرَأَهَا الْأَصْلُ لَمْ يُسَلِّمْ ابْنُ الشَّاطِّ مَا ادَّعَاهُ الْأَصْلُ فِي وَجْهِ تَحْرِيمِهَا، وَقَالَ وَالْعَاقِلُ الْحَرِيصُ عَلَى دِينِهِ أَوَّلُ مَا يَسْعَى فِي تَحْصِيلِ السَّلَامِ وَالْخُلُوصِ مِنْ الْمَهَالِكِ وَحِينَئِذٍ يَطْلُبُ الْأَرْبَاحَ فَهَذَا مَا حَضَرَنِي مِنْ الْأَدْعِيَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا الْمُحَرَّمَةِ وَمَا عَدَاهَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ عَمَلًا بِالِاسْتِقْرَاءِ وَهَذَا الْفَرْقُ، وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ قَلَّ أَنْ تُوجَدَ فِي الْكُتُبِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بَلْ الْمَوْجُودُ فِي بَعْضِهَا كَلِمَاتٌ يَسِيرَةٌ مُشِيرَةٌ إلَيْهَا فَتَأَمَّلْهُ وَأَلْحِقْ مَا تَجِدُهُ بِنَظِيرِهِ فَيَنْضَبِطُ لَك الْمُبَاحُ مِنْ غَيْرِهِ انْتَهَى. 2 - (وَصْلٌ) فِي بَيَانِ وَجْهِ تَحْرِيمِ الْأَقْسَامِ السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْأَصْلُ وَبَيَانِ مَا تَعَقَّبَهُ بِهِ ابْنُ الشَّاطِّ: (الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْمُسْتَحِيلَاتِ الْعَقْلِيَّةَ الَّتِي لَا تُخِلُّ بِجَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ كَأَنْ يَطْلُبَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهُ فِي مَكَانَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ لِيَكُونَ مُطَّلِعًا عَلَى أَحْوَالِ الْإِقْلِيمَيْنِ أَوْ يَطْلُبَ مِنْهُ تَعَالَى الِاسْتِغْنَاءَ فِي ذَاتِهِ عَنْ الْأَعْرَاضِ لِيَسْلَمَ طُولُ عُمْرِهِ مِنْ الْآلَامِ وَالْأَسْقَامِ وَالْأَنْكَادِ وَالْمَخَاوِفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبَلَايَا فَهَذَا أَيْضًا مِنْ الْمُسْتَحِيلِ عَقْلًا لَكِنْ عِنْدَ مَنْ لَا يُجَوِّزُ الْعُرُوَّ عَنْ الْأَعْرَاضِ لَا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُهُ فَافْهَمْ ادَّعَى الْأَصْلُ تَحْرِيمَهُ مُطْلَقًا نَظَرًا لِكَوْنِهِ سُوءَ أَدَبٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُلُوكَ لَا يُطْلَبُ مِنْهُمْ إلَّا مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ فِي قُدْرَتِهِمْ وَإِلَّا فَقَدْ عَرَّضَهُمْ لِلْعَجْزِ لَا سِيَّمَا وَالْعَبْدُ مَأْمُورٌ أَنْ لَا يَطْلُبَ إلَّا مَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ لِئَلَّا يَكُونَ مُتَهَكِّمًا بِالرُّبُوبِيَّةِ اهـ، وَتَعَقَّبْهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِأَنَّ مَا قَالَهُ مِنْ تَحْرِيمِ الدُّعَاءِ بِالْكَوْنِ فِي مَكَانَيْنِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَأَنَّ الْعَبْدَ مَأْمُورٌ أَنْ لَا يَطْلُبَ إلَّا مَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ وَأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ طَلَبِ مَا لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ التَّهَكُّمُ بِالرُّبُوبِيَّةِ لَا وَجْهَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْقِيَاسَ عَلَى الْمُلُوكِ وَهُوَ فَاسِدٌ لِجَوَازِ الْعَجْزِ عَلَيْهِمْ وَامْتِنَاعِهِ عَلَيْهِ تَعَالَى. قَالَ وَمَا بَالُهُ يَقِيسُهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فِي قَصْدِ التَّعْجِيزِ وَالتَّهَكُّمِ وَلَا يَقِيسُهُ عَلَيْهِمْ فِي قَصْدِ الْمُبَالَغَةِ وَالْغُلُوِّ فِي التَّعْظِيمِ وَالتَّفْخِيمِ فَقَدْ خُوطِبَ الْمُلُوكُ بِنِسْبَةِ الْمُسْتَحِيلَاتِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْعَادِيَّةِ إلَيْهِمْ عَلَى وَجْهِ الْغُلُوِّ فِي تَرْفِيقِهِمْ لَا عَلَى قَصْدِ تَعْجِيزِهِمْ بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مَنْ خَاطَبَ اللَّهَ تَعَالَى بِمِثْلِ ذَلِكَ تَعَيَّنَ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَاصِدًا لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّعْظِيمِ كَمَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي حَقِّهِ فَيَكُونَ مُطِيعًا مَأْجُورًا لَا حَرَجَ عَلَيْهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَاصِدًا لِلتَّعْجِيزِ فَيَكُونَ عَاصِيًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ قَاصِدٍ لِهَذَا وَلَا لِهَذَا فَيَكُونَ مُطِيعًا بِصُورَةِ الدُّعَاءِ مُثَابًا عَلَيْهِ غَيْرَ مُطِيعٍ وَلَا عَاصٍ بِالْقَصْدِ لِعُرُوِّهِ عَنْهُ اهـ. [الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَا يَكُونُ كُفْرًا أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْمُسْتَحِيلَاتِ الْعَادِيَّةَ] (وَالْقِسْمُ الثَّانِي) أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى الْمُسْتَحِيلَاتِ الْعَادِيَّةَ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ مِنْهَا كَمَا قَالَ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ التَّنَفُّسِ فِي الْهَوَاءِ لِيَأْمَنَ الِاخْتِنَاقَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ الْعَافِيَةَ مِنْ الْمَرَضِ أَبَدَ الدَّهْرِ لِيَنْتَفِعَ بِقُوَاهُ وَحَوَاسِّهِ وَأَعْضَائِهِ أَبَدَ الدَّهْرِ أَوْ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الْوَلَدَ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ أَوْ الثِّمَارَ مِنْ غَيْرِ أَشْجَارٍ وَغِرَاسٍ، أَوْ يَقُولَ اللَّهُمَّ لَا تَرْمِ بِنَا فِي شِدَّةٍ أَوْ أَعْطِنَا خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاصْرِفْ عَنَّا شَرَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ عَلَى عُمُومِهِ إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَفُوتَهُ رُتْبَةُ النُّبُوَّةِ وَمَرْتَبَةُ الْمَلَائِكَةِ وَدَرَجَاتُ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْجَنَّةِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُدْرِكَهُ بَعْضُ الشُّرُورِ وَلَوْ سَكَرَاتُ الْمَوْتِ وَوَحْشَةُ الْقَبْرِ، وَمِنْهَا كَمَالٌ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ دَوَامَ إصَابَةِ كَلَامِهِ مِنْ الْحِكَمِ الدَّقِيقَةِ وَالْعُلُومِ الشَّرِيفَةِ أَبَدَ الدَّهْرِ لِيَفْتَخِرَ بِذَلِكَ عَلَى سَائِرِ الْفُضَلَاءِ وَيَنْتَفِعَ بِهِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ. قَالَ الْأَصْلُ وَقِسْ عَلَى هَذِهِ نَظَائِرَهَا بَلْ يَجِبُ عَلَى كُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَفْهَمَ عَوَائِدَ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ وَرَبْطِهِ الْمُسَبَّبَاتِ بِالْأَسْبَابِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَعَ إمْكَانِ صُدُورِهَا عَنْ قُدْرَتِهِ بِغَيْرِ تِلْكَ الْأَسْبَابِ أَوْ بِغَيْرِ سَبَبٍ أَلْبَتَّةَ بَلْ رَتَّبَ اللَّهُ تَعَالَى مَمْلَكَتَهُ عَلَى نِظَامٍ دَبَّرَهُ وَوَضَعَهَا عَلَى قَانُونٍ قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَإِذَا سَأَلَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى تَغْيِيرَ مَمْلَكَتِهِ وَنَقْضَ نِظَامِهِ وَسُلُوكَ غَيْرِ عَوَائِدِهِ فِي مُلْكِهِ كَانَ مُسِيئًا الْأَدَبَ عَلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ بَلْ ذَلِكَ سُوءُ أَدَبٍ عَلَى أَدْنَى الْمُلُوكِ بَلْ الْوُلَاةِ. قَالَ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَجِبُ لَهُ مِنْ الْإِجْلَالِ فَوْقَ مَا يَجِبُ لِخَلْقِهِ فَمَا نَافَى إجْلَالَ خَلْفِهِ أَوْلَى أَنْ يُنَافِيَ فِي جَلَالِهِ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ بَلْ قَدْ عَابَ اللَّهُ تَعَالَى جَمِيعَ خَلْقِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] أَيْ مَا عَظَّمُوهُ حَقَّ تَعْظِيمِهِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ

(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ مِنْ الدُّعَاءِ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ) اعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ الدُّعَاءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ دُعَاءٌ النَّدْبُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَعْرِضُ لَهُ مِنْ جِهَةِ مُتَعَلِّقِهِ مَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَمَا يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ وَلِذَلِكَ أَسْبَابٌ خَمْسَةٌ: (السَّبَب الْأَوَّلُ) الْأَمَاكِنُ كَالدُّعَاءِ فِي الْكَنَائِسِ وَالْحَمَّامَاتِ وَمَوَاضِعِ النَّجَاسَاتِ وَالْقَاذُورَاتِ وَمَوَاضِعِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَالْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَاتِ كَالْحَانَاتِ وَنَحْوِهَا، وَكَذَلِكَ الْأَسْوَاقُ الَّتِي يَغْلِبُ فِيهَا وُقُوعُ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQكَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» أَيْ ثَنَاؤُك الْمُسْتَحَقُّ ثَنَاؤُك عَلَى نَفْسِك أَمَّا ثَنَاءُ الْخَلْقِ فَلَا لِأَنَّهُ دُونَ الْمُسْتَحَقِّ قَالَ وَلِذَلِكَ عَابَ الْعُلَمَاءُ وَغَلَّطُوا جَمَاعَةً مِنْ الْعُبَّادِ حَيْثُ تَوَسَّطُوا الْقِفَارَ مِنْ غَيْرِ زَادٍ وَلَجَّجُوا فِي الْبِحَارِ فِي زَمَنِ الْهَوْلِ أَوْ فِي غَيْرِ الزَّمَنِ الْمُعْتَادِ طَالِبِينَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى خَرْقَ عَوَائِدِهِ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ فَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ سَائِرُونَ إلَى اللَّهِ وَهُمْ ذَاهِبُونَ عَنْهُ ظَانِّينَ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ هِيَ حَقِيقَةُ التَّوَكُّلِ وَأَنَّ مَا عَدَاهَا يُنَافِي الِاعْتِمَادَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ فَقَدْ دَخَلَ سَيِّدُ الْمُتَوَكِّلِينَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مَكَّةَ مَخْفُوقًا بِالْخَيْلِ وَالرَّجْلِ وَالْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فِي كَتِيبَتِهِ الْخَضْرَاءِ مُظَاهِرًا بَيْنَ دِرْعَيْنِ وَعَلَى رَأْسِهِ مِغْفَرٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَقَالَ أَوَّلَ أَمْرِهِ مَنْ يَعْصِمُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي وَكَانَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ عِنْدَ أَكْمَلِ أَحْوَالِهِ مَعَ رَبِّهِ يَدَّخِرُ لِعِيَالِهِ قُوتَ سَنَةٍ وَهُوَ سَيِّدُ الْمُتَوَكِّلِينَ. وَتَحْقِيقُ هَذَا الْبَابِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ التَّوَكُّلَ اعْتِمَادُ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا يَطْلُبُهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ يَكْرَهُهُ مِنْ ضَيْرٍ لِأَجْلِ أَنَّهُ الْمُسْتَوْلِي بِقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ عَلَى سَائِرِ الْكَائِنَاتِ مِنْ غَيْرِ مُشَارِكٍ لَهُ فِي ذَلِكَ {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 2] وَمَعَ ذَلِكَ فَلَهُ عَوَائِدُ فِي مُلْكِهِ رَتَّبَهَا بِحِكْمَةٍ، فَمُقْتَضَى شُمُولِ قُدْرَتِهِ انْقِطَاعُ الْقَلْبِ عَنْ غَيْرِهِ وَمُقْتَضَى سُلُوكِ أَدَبِهِ الْتِمَاسُ فَضْلِهِ مِنْ عَوَائِدِهِ، وَقَدْ انْقَسَمَ الْخَلْقُ فِي هَذَا الْمَقَامِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ عَامَلُوا اللَّهَ تَعَالَى بِمُقْتَضَى شُمُولِ قُدْرَتِهِ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَحَصَلُوا عَلَى حَقِيقَةِ التَّوَكُّلِ وَأَعْرَضُوا عَنْ الْأَسْبَابِ فَفَاتَهُمْ الْأَدَبُ الْوَاجِبُ الِاتِّبَاعِ وَقِسْمٌ لَاحَظُوا الْأَسْبَابَ وَاسْتَوْلَتْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَحَجَبَتْهُمْ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فَهَؤُلَاءِ فَاتَهُمْ التَّوَكُّلُ وَالْأَدَبُ وَهَذَا هُوَ الْمَهْيَعُ الْعَامُّ الَّذِي هَلَكَ فِيهِ أَكْثَرُ الْخَلَائِقِ، وَقِسْمٌ عَامَلُوا اللَّهَ تَعَالَى بِمُقْتَضَى شُمُولِ قُدْرَتِهِ وَعَوَائِدِهِ فِي مَمْلَكَتِهِ فَهَؤُلَاءِ جَامِعُونَ بَيْنَ التَّوَكُّلِ وَالْأَدَبِ وَهَذَا مَقَامُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ خَوَاصِّ الْعُلَمَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالْأَصْفِيَاءِ وَمَا ذَلِكَ إلَّا أَنَّ قَلِيلَ الْأَدَبِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْعَمَلِ وَلِذَلِكَ هَلَكَ إبْلِيسُ وَضَاعَ أَكْثَرُ عَمَلِهِ بِقِلَّةِ أَدَبِهِ فَنَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَالَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ اجْعَلْ عَمَلَك مِلْحًا وَأَدَبَك دَقِيقًا، أَيْ لِيَكُنْ اسْتِكْثَارُك مِنْ الْأَدَبِ أَكْثَرَ مِنْ اسْتِكْثَارِك مِنْ الْعَمَلِ لِكَثْرَةِ جَدْوَاهُ وَنَفَاسَةِ مَعْنَاهُ وَيَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ طَلَبِ خَرْقِ الْعَوَائِدِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] أَيْ لَا تَرْكَبُوا الْأَخْطَارَ الَّتِي دَلَّتْ الْعَادَةُ عَلَى أَنَّهَا مُهْلِكَةٌ وقَوْله تَعَالَى {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197] أَيْ الْوَاقِيَةُ لَكُمْ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى السُّؤَالِ وَالسَّرِقَةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُسَافِرُونَ إلَى الْجِهَادِ وَالْحَجِّ بِغَيْرِ زَادٍ فَرُبَّمَا وَقَعَ بَعْضُهُمْ فِي إحْدَى الْمَفْسَدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ السُّؤَالِ وَالسَّرِقَةِ فَأَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِالْتِزَامِ الْعَوَائِدِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ تَرْكَهَا فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مَنْهِيٌّ عَنْ ضِدِّهِ بَلْ إضْدَادِهِ، وَقَدْ قِيلَ لِبَعْضِهِمْ إنْ كُنْت مُتَوَكِّلًا عَلَى اللَّهِ وَمُعْتَمِدًا عَلَيْهِ وَوَاثِقًا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ فَأَلْقِ نَفْسَك مِنْ هَذَا الْحَائِطِ فَإِنَّهُ لَا يُصِيبُك إلَّا مَا قُدِّرَ لَك فَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ عِبَادَهُ لِيُجَرِّبَهُمْ وَيَمْتَحِنَهُمْ لَا لِيُجَرِّبُوهُ وَيَمْتَحِنُوهُ إشَارَةً إلَى سُلُوكِ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ الْأَدَبِ مَعَهُ وَمَعَ عِبَادِهِ حَتَّى نَلْقَاهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ. نَعَمْ يَجُوزُ طَلَبُ خَرْقِ الْعَادَةِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِلْأَنْبِيَاءِ؛ لِأَنَّ عَادَتَهُمْ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَرْقَهَا، وَكَذَلِكَ لِمَنْ لَهُ عَادَةٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى بِخِرَقِهَا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ لِجَرَيَانِهِ عَلَى عَادَتِهِ فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ قِلَّةُ أَدَبٍ، وَكَذَلِكَ لِمَنْ لَا يَكُونُ وَلِيًّا حَيْثُ أَرَادَ بِسُؤَالِهِ خَرْقَهَا أَنْ يَجْعَلَهُ وَلِيًّا مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ خَرْقَ الْعَادَةِ. فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ لَيْسَتْ حَرَامًا انْتَهَى. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِأَنَّ دَعْوَاهُ أَنَّ طَلَبَ خَرْقِ الْعَوَائِدِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إسَاءَةُ أَدَبٍ عَرِيَّةٌ عَنْ الْحُجَّةِ إلَّا مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْمُلُوكِ وَهُوَ قِيَاسٌ لَا شَكَّ فِي فَسَادِهِ وَالْعَيْبُ وَالذَّمُّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أُحْصِي ثَنَاءً الْحَدِيثَ لَا يَلْحَقُ الْبَشَرَ إلَّا إنْ كَانَ الثَّنَاءُ اللَّائِقُ بِجَلَالِهِ تَعَالَى مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ اكْتِسَابِهِمْ ثُمَّ قَصَّرُوا فِيهِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَدْخُلُ فَلَا يَلْحَقُهُمْ ذَمٌّ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] قَالَ وَتَغْلِيطُ مَنْ غَلَّطَ مِنْ الْعُلَمَاءِ جَمَاعَةَ الْعُبَّادِ فِيمَا ذَكَرَهُ غَلَطٌ مِنْ أُولَئِكَ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى إسَاءَتِهِمْ الظَّنَّ بِأُولَئِكَ الْعُبَّادِ وَإِسَاءَةُ الظَّنِّ بِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَمْنُوعَةٌ شَرْعًا فَكَيْفَ بِالْعُبَّادِ مِنْهُمْ؟ وَذَلِكَ أَنَّ الْعُبَّادَ الَّذِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ تَعَوَّدَ خَرْقَ الْعَادَةِ لَهُ فَلَا عَيْبَ عَلَيْهِمْ أَوْ مِمَّنْ لَمْ يَتَعَوَّدْ ذَلِكَ فَلَا عَيْبَ عَلَيْهِمْ أَيْضًا إنْ كَانُوا مِمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ أَحْوَالٌ لَا يَسْتَطِيعُونَ دَفْعَهَا وَإِلَّا لَحِقَهُمْ الْعَيْبُ لِارْتِكَابِهِمْ حِينَئِذٍ لِمَمْنُوعٍ فَمَا بَالُ أُولَئِكَ الْعُلَمَاءِ حَكَمُوا عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ مِنْ هَذَا الْأَخِيرِ دُونَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَلَيْسَ ذَلِكَ إسَاءَةَ ظَنٍّ فِي

وَالْأَيْمَانِ الْحَانِثَةِ فَجَمِيعُ ذَلِكَ يُكْرَهُ الدُّعَاءُ فِيهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْقُرْبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى أَحْسَنِ الْهَيْئَاتِ فِي أَحْسَنِ الْبِقَاعِ وَالْأَزْمَانِ وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى «نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ» ، فَإِنْ أَعْجَزَهُ الْخُلُوصُ مِنْ ذَلِكَ حَصَلَ لَهُ الدُّعَاءُ مَعَ فَوَاتِ رُتْبَةِ الدُّعَاءِ كَالصَّلَاةِ فِي الْبِقَاعِ الْمَكْرُوهَةِ. (السَّبَبُ الثَّانِي) لِلْكَرَاهَةِ الْهَيْئَاتُ كَالدُّعَاءِ مَعَ النُّعَاسِ وَفَرْطِ الشِّبَعِ وَمُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ أَوْ مُلَابَسَةِ النَّجَاسَاتِ وَالْقَاذُورَاتِ أَوْ قَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْهَيْئَاتِ الَّتِي لَا تُنَاسَبُ التَّقَرُّبَ إلَى ذِي الْجَلَالِ، فَإِنْ فَعَلَ صَحَّ مَعَ فَوَاتِ رُتْبَةِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْطِنٍ يُمْكِنُ فِيهِ تَحْسِينُهُ وَعَدَمُ إسَاءَتِهِ فَيُظَنُّ أَنَّهُمْ ظَانُّونَ أَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةُ التَّوَكُّلِ بَلْ الظَّنُّ بِهِمْ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ حَقِيقَةَ التَّوَكُّلِ وَأَنَّهُ كَمَا لَا يُنَافِي التَّسَبُّبَ كَذَلِكَ لَا يُنَافِي عَدَمَ التَّسَبُّبِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ عَلَى أَنَّ التَّوَكُّلَ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ التَّسَبُّبِ إذْ مَسَاقُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّوَكُّلَ يَصِحُّ مَعَ التَّسَبُّبِ وَمَعَ عَدَمِهِ، وَمَا عَدَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى التَّوَكُّلِ مَعَ التَّسَبُّبِ إلَّا لِأَنَّهُ الْمُعَلِّمُ الْمُقْتَدَى بِهِ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْخَوَاصِّ بَلْ يَعُمُّهُمْ وَغَيْرَهُمْ، وَالْجُمْهُورُ قَلَّمَا تَطْمَئِنُّ نُفُوسُهُمْ إلَّا مَعَ التَّسَبُّبِ. اهـ. قَالَ الْغَزَالِيُّ وَلَقَدْ سَمِعْت أَبَا الْمَعَالِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ إنَّ مَنْ جَرَى مَعَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عَادَةِ النَّاسِ جَرَى اللَّهُ مَعَهُ عَلَى مَا هُوَ عَادَةُ النَّاسِ فِي كِفَايَةِ الْمُؤْنَةِ وَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ جِدًّا وَفِيهِ فَوَائِدُ جَمَّةٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهَا اهـ بِلَفْظِهِ قُلْت يَعْنِي أَنَّ مَنْ جَرَى مَعَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّ كِفَايَةَ الْمُؤْنَةِ بِالسَّبَبِ جَرَى اللَّهُ مَعَهُ عَلَى الْكِفَايَةِ بِالسَّبَبِ وَمَنْ جَرَى مَعَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّ كِفَايَتَهَا بِدُونِ السَّبَبِ جَرَى اللَّهُ مَعَهُ عَلَى الْكِفَايَةِ بِدُونِ السَّبَبِ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ وَارِدَةٌ عَلَى الْغَالِبِ لَا عَلَى النَّادِرِ مَعَ أَنَّهُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ التَّوَكُّلَ، وَإِنْ صَحَّ مَعَ التَّسَبُّبِ وَعَدَمِهِ فَالتَّوَكُّلُ مَعَ التَّسَبُّبِ رَاجِحٌ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْحَاجَةِ لِتَعْلِيمِ الْجُمْهُورِ كَمَا سَبَقَ وَلَا مِنْهُ مِنْ شَائِبَةِ مُرَاعَاةِ الْأَسْبَابِ لِعِصْمَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّوَكُّلُ مَعَ عَدَمِ التَّسَبُّبِ رَاجِحٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِعَدَمِ أَمْنِهِ مِنْ شَائِبَةِ مُرَاعَاةِ الْأَسْبَابِ لِعَدَمِ عِصْمَتِهِ اهـ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ مِنْهَاجُ الْعَابِدِينَ إنَّ أَخْذَ الزَّادِ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ لِمُقْتَدًى بِهِ يُرِيدُ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ أَخْذَ الزَّادِ مُبَاحٌ أَوْ يَنْوِيَ بِهِ عَوْنَ مُسْلِمٍ أَوْ إغَاثَةَ مَلْهُوفٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ مِنْ أَخْذِهِ لِمَنْ كَانَ مُنْفَرِدًا قَوِيَّ الْقَلْبِ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِشَغْلِهِ بِالزَّادِ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ فَالشَّأْنُ إذًا فِي الْقَلْبِ لَا فِي حَمْلِ الزَّادِ وَتَرْكِهِ، فَكَمْ مِنْ حَامِلٍ لِلزَّادِ وَقَلْبُهُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى دُونَ الزَّادِ يَقُولُ الرِّزْقُ مَقْسُومٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى إنْ شَاءَ أَقَامَ بِنْيَتِي بِهَذَا أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ يَنْوِيَ بِحَمْلِهِ أَنْ يُعِينَ بِهِ مُسْلِمًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَكَمْ مِنْ تَارِكٍ لِلزَّادِ وَقَلْبُهُ مَعَ الزَّادِ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ فَحَمْلُ الزَّادِ مُبَاحٌ غَيْرُ حَرَامٍ لِوُقُوعِهِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ، وَإِنَّمَا الْحَرَامُ تَعْلِيقُ الْقَلْبِ بِالزَّادِ وَتَرْكُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَافْهَمْ ذَلِكَ ثُمَّ مَا ظَنُّك بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان: 58] أَعَصَاهُ فِي ذَلِكَ وَعَلَّقَ قَلْبَهُ بِطَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ دِينَارٍ؟ كَلًّا وَحَاشَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَلْ كَانَ قَلْبُهُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوَكُّلُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا أَمَرَهُ فَإِنَّهُ الَّذِي لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا وَلَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إلَى مَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ كُلِّهَا، وَإِنَّمَا كَانَ أَخْذُ الزَّادِ مِنْهُ وَمِنْ السَّلَفِ الصَّالِح بِنِيَّاتِ الْخَيْرِ لَا لِمَيْلِ قُلُوبِهِمْ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى إلَى الزَّادِ وَالْمُعْتَبَرُ الْقَصْدُ عَلَى مَا أَعْلَمْنَاك فَافْهَمْ وَانْتَبِهْ اهـ بِتَصَرُّفٍ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَ بَيَانِ حَقِيقَةِ التَّوَكُّلِ وَالْأَدَبِ اعْتَرَفَ بِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّوَكُّلِ الْمُعَامَلَةُ بِمُقْتَضَى شُمُولِ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ مَعَ الْإِعْرَاضِ عَنْ الْأَسْبَابِ وَهُوَ عَيْنُ مَا عَابَ عَلَى الْعُبَّادِ حَيْثُ قَالَ ظَانِّينَ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ هِيَ حَقِيقَةُ التَّوَكُّلِ فَقَوْلُهُ هُنَا مُنَاقِضٌ لِظَاهِرِهِ لِذَلِكَ، وَقَوْلُهُ إنَّ قِلَّةَ الْأَدَبِ مَمْنُوعَةٌ مُسَلَّمٌ وَلَكِنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَدْعِيَةِ مِنْ جُمْلَةِ قِلَّةِ الْأَدَبِ وقَوْله تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وقَوْله تَعَالَى {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197] لَيْسَ فِيهِمَا دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ طَلَبِ الْمُسْتَحِيلِ، وَإِنَّمَا دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ارْتِكَابِ الْعَمَلِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ، وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ مُغَايِرٌ لِطَلَبِ خَرْقِهَا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ أَحَدِهِمَا الْمَنْعُ مِنْ الْآخَرِ اهـ قُلْت عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ الْغَزَالِيَّ قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ إنَّ فِي قَوْله تَعَالَى {وَتَزَوَّدُوا} [البقرة: 197] إلَخْ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ زَادُ الْآخِرَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ {خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197] وَلَمْ يَقُلْ حُطَامَ الدُّنْيَا وَأَسْبَابَهَا، وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ قَوْمٌ لَا يَأْخُذُونَ زَادًا فِي طَرِيقِ الْحَجِّ لِأَنْفُسِهِمْ اتِّكَالًا عَلَى النَّاسِ وَيَسْأَلُونَ النَّاسَ وَيَشْكُونَ وَيُلِحُّونَ وَيُؤْذُونَ النَّاسَ فَأُمِرُوا بِالزَّادِ أَمْرَ تَنْبِيهٍ عَلَى أَنَّ أَخْذَ الزَّادِ مِنْ مَالِكٍ خَيْرٌ مِنْ أَخْذِ مَالِ النَّاسِ وَالِاتِّكَالِ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ نَقُولُ اهـ، وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَعَلَى أَنَّ إجَازَةَ الْأَصْلِ دُعَاءُ مَنْ لَيْسَ بِوَلِيٍّ بِخِرَقِ الْعَادَةِ إجَازَةٌ لِلدُّعَاءِ بِخَرْقِ الْعَادَةِ فَكُلُّ مَا أَنْكَرَهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ أَجَازَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَإِذَا أَجَازَهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَقَدْ أَجَازَ عَلَى الْجُمْلَةِ فَلَا يَصِحُّ لَهُ مَنْعُهُ بَعْدَ

[القسم الثالث الذي ليس بكفر وهو محرم أن يطلب الداعي من الله تعالى نفي أمر دل السمع على نفيه]

الْكَمَالِ. (السَّبَبُ الثَّالِثُ) الْكَرَامَةُ كَوْنُهُ سَبَبًا لِتَوَقُّعِ فَسَادِ الْقُلُوبِ وَحُصُولِ الْكِبْرِ وَالْخُيَلَاءِ كَمَا كَرِهَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لِأَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ وَالْجَمَاعَاتِ الدُّعَاءَ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ جَهْرًا لِلْحَاضِرِينَ فَيَجْتَمِعُ لِهَذَا الْإِمَامِ التَّقَدُّمُ فِي الصَّلَاةِ وَشَرَفُ كَوْنِهِ نَصَّبَ نَفْسَهُ وَاسِطَةً بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَادِهِ فِي تَحْصِيلِ مَصَالِحِهِمْ عَلَى يَدِهِ بِالدُّعَاءِ، وَيُوشِكُ أَنْ تَعْظُمَ نَفْسُهُ عِنْدَهُ فَيَفْسُدَ قَلْبُهُ وَيَعْصِيَ رَبَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يُطِيعُهُ وَيُرْوَى أَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَنْ يَدْعُوَ لِقَوْمِهِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ بِدَعَوَاتٍ فَقَالَ لَا إنِّي أَخْشَى أَنْ تَشْمَخَ حَتَّى تَصِلَ إلَى الثُّرَيَّا إشَارَةً ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQذَلِكَ وَلَا حَاجَةَ إلَى تَكْثِيرِهِ الْأَمْثِلَةَ اهـ، وَقَدْ أَطَالَ الْغَزَالِيُّ فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْمَقَامِ فِي مِنْهَاجِهِ إلَى أَنْ قَالَ وَلَعَلَّك تَقُولُ أَطْنَبْت فِي هَذَا الْفَصْلِ خِلَافَ شَرْطِ الْكِتَابِ فَأَقُولُ لَعَمْرُ اللَّهِ إنَّهُ لَقَلِيلٌ فِي جَنْبِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى إذْ هُوَ أَهَمُّ شَأْنًا فِي الْعِبَادَةِ بَلْ عَلَيْهِ مَدَارُ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْعُبُودِيَّةِ فَمَنْ لَهُ هِمَّةٌ فِي هَذَا الشَّأْنِ فَلْيَسْتَمْسِكْ بِذَلِكَ وَلْيُرَاعِهِ حَقَّهُ وَإِلَّا فَهُوَ عَنْ الْمَقْصُودِ بِمَعْزُولٍ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى بَصِيرَةِ عُلَمَاءِ الْآخِرَةِ الْعَارِفِينَ بِاَللَّهِ أَنَّهُمْ بَنَوْا أَمْرَهُمْ عَلَى التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ وَالتَّفَرُّغِ لِعِبَادَةِ اللَّهِ وَقَطْعِ الْعَلَائِقِ كُلِّهَا فَكَمْ صَنَّفُوا مِنْ كِتَابٍ وَكَمْ أَوْصَوْا بِوَصِيَّةٍ وَقَيَّضَ اللَّهُ لَهُمْ أَعْوَانًا مِنْ السَّادَةِ وَأَصْحَابًا حَتَّى يَتَمَشَّى لَهُمْ مِنْ الْخَيْرِ الْمَحْضِ مَا لَمْ يَتَمَشَّ لِطَائِفَةٍ مِنْ طَوَائِفِ الْأَئِمَّةِ الْأَزْهَادِ الْكَرَامِيَّةِ فَإِنَّهُمْ بَنَوْا مَذَاهِبَهُمْ عَلَى أُصُولٍ غَيْرِ مُسْتَقِيَةٍ وَمَا زِلْنَا أَعِزَّةً مَا دُمْنَا عَلَى مِنْهَاجِ أَئِمَّتِنَا اهـ الْمُرَادُ مِنْهُ. [الْقِسْمُ الثَّالِثُ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ وَهُوَ مُحَرَّمٌ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ عَلَى نَفْيِهِ] (وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ عَلَى نَفْيِهِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: مِنْهَا أَنْ يَقُولَ {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ رَبَّنَا لَا تُهْلِكْ هَذِهِ الْأُمَّةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ بِالْخَسْفِ الْعَامِّ وَالرِّيحِ الْعَاصِفَةِ كَمَا هَلَكَ مَنْ قَبْلَنَا، وَمِنْهَا أَنْ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ لَا تُسَلِّطْ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مَنْ يَسْتَأْصِلُهَا، وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ فِي دُعَائِهِ لِمَرِيضٍ أَوْ مُصَابٍ اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَهُ هَذِهِ الْمِرْضَةَ أَوْ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ كَفَّارَةً، وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ لَا تَغْفِرْ لِفُلَانٍ الْكَافِرِ قَالَ الْأَصْلُ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَدْعِيَةِ الْخَمْسَةِ حَرَامٌ لَيْسَ بِكُفْرٍ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ طَلَبِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ. (أَمَّا الْأَوَّلُ) فَلِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَرْفُوعَةٌ عَنْ الْعِبَادِ. (أَمَّا الثَّانِي) فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَخْبَرَ كَمَا فِي الصِّحَاحِ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ رَبَّهُ فِي إعْفَاءِ أُمَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ. (أَمَّا الثَّالِثُ) فَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَخْبَرَ كَمَا فِي الصِّحَاحِ بِأَنَّهُ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ. (وَأَمَّا الرَّابِعُ) فَلِأَنَّ النُّصُوصَ قَدْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْمَصَائِبَ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ أَنَّ السُّخْطِ لَا يُخِلُّ بِذَلِكَ التَّكْفِيرِ بَلْ يُجَدِّدُ ذَنْبًا آخَرَ كَمَنْ قَضَى دَيْنَهُ ثُمَّ اسْتَدَانَ فَكَمَا لَا يُقَالُ إنَّهُ لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ كَذَلِكَ الْمُصَاب لَا يُقَالُ أَنَّهُ بِسُخْطِهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهَا بَلْ يُقَالُ بَرِئَ مِنْ عُهْدَةِ الذَّنْبِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ جَدَّدَ ذَنْبًا آخَرَ بِسُخْطِهِ. (وَأَمَّا الْخَامِسُ) فَلِأَنَّ السَّمْعَ قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ قَالَ وَطَلَبُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ سُوءُ أَدَبٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ طَلَبٌ عَرِيَ عَنْ الْحَاجَةِ وَالِافْتِقَارِ إلَيْهِ تَعَالَى إذْ لَوْ أَنَّ أَحَدَنَا سَأَلَ بَعْضَ الْمُلُوكِ أَمْرًا فَقَضَاهُ لَهُ ثُمَّ سَأَلَهُ إيَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَالِمًا بِقَضَائِهِ لَهُ لَعُدَّ هَذَا الطَّلَبُ الثَّانِي اسْتِهْزَاءً بِالْمَلِكِ وَتَلَاعُبًا بِهِ وَلَحَسُنَ مِنْ ذَلِكَ الْمَلِكِ تَأْدِيبُهُ فَأَوْلَى أَنْ يَسْتَحِقَّ التَّأْدِيبَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ رَأَيْنَا رَجُلًا يَقُولُ اللَّهُمَّ افْرِضْ عَلَيْنَا الصَّلَاةَ وَأَوْجِبْ عَلَيْنَا الزَّكَاةَ وَاجْعَلْ السَّمَاءَ فَوْقَنَا وَالْأَرْضَ تَحْتَنَا لَبَادَرْنَا إلَى الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ لِقُبْحِ مَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ التَّلَاعُبِ وَالِاسْتِهْزَاءِ فِي دُعَائِهِ. نَعَمْ مَحِلُّ حُرْمَةِ قَوْلِ الدَّاعِي {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا} [البقرة: 286] وَقَوْلِهِ {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] إنْ أَرَادَ النِّسْيَانَ الَّذِي هُوَ التَّرْكُ مَعَ الْغَفْلَةِ الَّذِي هُوَ مُشْتَهِرٌ فِي الْعُرْفِ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْعَفْوِ فِيهِ وَعَنْهُ قَدْ عُلِمَ بِالنَّصْرِ وَالْإِجْمَاعِ وَأَرَادَ بِمَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ التَّكَالِيفَ الشَّرْعِيَّةَ فَإِنَّهَا مَرْفُوعَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] أَمَّا إنْ أَرَادَ النِّسْيَانَ الَّذِي هُوَ التَّرْكُ مَعَ التَّعَمُّدِ وقَوْله تَعَالَى {الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الجاثية: 34] وقَوْله تَعَالَى {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67] أَيْ تَرَكُوا طَاعَتَهُ فَتَرَكَ اللَّهُ الْإِحْسَانَ إلَيْهِمْ فَهَذَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ طَلَبُ الْعَفْوِ عَمَّا لَمْ يُعْلَمْ الْعَفْوُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ مِنْ الْبَلَايَا وَالرَّزَايَا وَالْمَكْرُوهَاتِ جَازَ لِأَنَّهُ لَمْ تَدُلَّ النُّصُوصُ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ. وَأَمَّا إنْ أَطْلَقَ الْعُمُومَ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ لَا بِالنِّيَّةِ وَلَا بِالْعَادَةِ عَصَى لِاشْتِمَالِ الْعُمُومِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ فَيَكُونُ ذَلِكَ حَرَامًا؛ لِأَنَّ فِيهِ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ قَوْمٍ فِي سِيَاقِ الْمَدْحِ {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: 194] وَإِنْ كَانَ طَلَبَ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ؛ لِأَنَّ وَعْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ. وَقَدْ مَدَحَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا أَنَّ سُؤَالَ مَا وَعَدَهُمْ اللَّهُ بِهِ إنَّمَا جَازَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ حُصُولَهُ لَهُمْ مَشْرُوطٌ بِالْوَفَاةِ عَلَى الْإِيمَانِ وَهَذَا شَرْطٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَالشَّكُّ فِي الشَّرْطِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْمَشْرُوطِ فَمَا طَلَبُوا إلَّا مَشْكُوكًا فِي حُصُولِهِ لَا مَعْلُومَ

إلَى مَا ذَكَرْنَا وَيَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى كُلُّ مَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلدُّعَاءِ لِغَيْرِهِ وَخَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْكِبْرَ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَالْأَحْسَنُ لَهُ التَّرْكُ حَتَّى تَحْصُلَ لَهُ السَّلَامَةُ. (السَّبَبُ الرَّابِعُ) كَوْنُ مُتَعَلِّقِهِ مَكْرُوهًا فَيُكْرَهُ كَرَاهَةَ الْوَسَائِلِ لَا كَرَاهَةَ الْمَقَاصِدِ كَالدُّعَاءِ بِالْإِعَانَةِ عَلَى اكْتِسَابِ الرِّزْقِ بِالْحِجَامَةِ وَنُزُوِّ الدَّوَابِّ وَالْعَمَلِ فِي الْحَمَّامَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحِرَفِ الدَّنِيَّاتِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الِاكْتِسَابِ بِغَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الدُّعَاءِ بِكُلِّ مَا نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَتِهِ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ الْوَسَائِلِ. (السَّبَبُ الْخَامِسُ) لِلْكَرَاهَةِ عَدَمُ تَعْيِينِهِ قُرْبَةً بَلْ يُطْلَقُ عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ وَالِاسْتِرَاحَةِ فِي الْكَلَامِ وَتَحْسِينِ اللَّفْظِ مِنْ الَّذِي يُلَابِسُهُ كَمَا يَجْرِي ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحُصُولِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ بِالْعَكْسِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ الشَّرِيعَةِ بِالضَّرُورَةِ تَرْكُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ مُطْلَقًا. وَكَوْنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُخْبِرْ بِذَلِكَ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ بِالرَّفْعِ عَنْ أُمَّتِهِ، وَأَمَّا مَا يُقَالُ إنَّ كَوْنَ الدَّاعِي يَمُوتُ وَهُوَ مِنْ أُمَّتِهِ مَجْهُولٌ فَمَا طَلَبَ إلَّا مَجْهُولًا بِنَاءً عَلَى التَّقْرِيرِ الْمُتَقَدِّمِ فَلَا يُرَدُّ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ الْأُمَّةِ لَيْسَ شَرْطًا فِي هَذَا الرَّفْعِ وَدَلَالَةُ الْخَبَرِ عَلَى ذَلِكَ إنَّمَا هِيَ مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ وَنَحْنُ نَمْنَعُ كَوْنَ الْمَفْهُومِ حُجَّةً لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ سَلَّمْنَا أَنَّهُ حُجَّةٌ لَكِنَّهُ مَتْرُوكٌ هَاهُنَا إجْمَاعًا، وَتَقْرِيرُهُ أَنْ نَقُولَ الْكَفَّارَةُ إمَّا أَنْ نَقُولَ إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُمْ لَيْسُوا مُخَاطَبِينَ بِهَا فَالرَّفْعُ حَاصِلٌ لَهُمْ فِي جَمِيعِ الْفُرُوعِ النِّسْيَانِ وَغَيْرِهِ فَيَبْطُلُ الْمَفْهُومُ وَاسْتَوَتْ الْخَلَائِقُ فِي الرَّفْعِ حِينَئِذٍ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْفُرُوعِ فَلَا يَكُونُ قَدْ شُرِعَ فِي حَقِّهِمْ مَا لَيْسَ سَبَبًا فِي حَقِّنَا بَلْ كُلُّ مَا هُوَ سَبَبُ الْوُجُوبِ أَوْ التَّحْرِيمِ أَوْ التَّرْخِيصِ أَوْ الْإِبَاحَةِ فِي حَقِّنَا لَهُوَ سَبَبُ مَا ذُكِرَ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَكُونُ خُصُوصُ الْأُمَّةِ شَرْطًا فِي الرَّفْعِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ الْكُفَّارَ فِي الْفُرُوعِ أَشَدُّ حَالًا مِنْ الْأُمَّةِ فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا فَلَيْسَ هُنَالِكَ فِي النِّسْيَانِ وَالْخَطَإِ شَرْطٌ مَجْهُولٌ فَيَكُونُ الشَّارِعُ قَدْ أَخْبَرَ بِالرَّفْعِ فِي الْأُمُورِ مُطْلَقًا فَيَحْرُمُ الدُّعَاءُ بِهِ. وَأَمَّا إخْبَارُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ قَوْمٍ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 47] وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ فَيَكُونُ دُعَاؤُهُمْ بِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ بِأَنَّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَوْ يَكُونُ فِي الْأَعْرَافِ لَا يَدْخُلُ النَّارَ وَلَمْ يُعْلَمْ فِي هَذَا خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَهُمْ قَدْ سَمِعُوا تِلْكَ النُّصُوصَ فِي الدُّنْيَا وَعَلِمُوا أَنَّ مَنْ سَلِمَ مِنْ النَّارِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ لَا يَدْخُلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي سِيَاقِ الذَّمِّ لَهُمْ، فَلَا يَرِدُ عَلَى مَنْعِ طَلَبِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ لِقَوْلِ الْمُفَسَّرَيْنِ إنَّ هَؤُلَاءِ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ وَهُمْ عَلَى خَوْفٍ مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ وَأَهْوَالُ الْقِيَامَةِ تُوجِبُ الدَّهَشَ عَنْ الْمَعْلُومَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرُّسُلَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - لَمَّا قِيلَ لَهُمْ {مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا} [المائدة: 109] لِاسْتِيلَاءِ الْخَوْفِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى قُلُوبِهِمْ مِنْ جِهَةِ هَوْلِ الْمَنْظَرِ، عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا مُكَلَّفِينَ وَلَا ذَمَّ إلَّا مَعَ التَّكْلِيفِ. اهـ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مَعْصِيَةٌ إلَّا مَا عَوَّلَ عَلَيْهِ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْمُلُوكِ وَهُوَ قِيَاسٌ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْجَامِعِ، وَكَيْفَ يُقَاسُ الْخَالِقُ بِالْمَخْلُوقِ وَالرَّبُّ بِالْمَرْبُوبِ وَالْخَالِقُ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ النَّقْصُ وَالْمَخْلُوقُ يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّقْصُ، ثُمَّ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ عَرِيٌّ عَنْ الْحَاجَةِ مَمْنُوعٌ لِجَوَازِ حَمْلِهِ عَلَى طَلَبِ مِثْلِهِ أَوْ الْإِجَابَةِ بِإِعْطَاءِ الْعِوَضِ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ وَلِمَ لَا يَكُونُ الدُّعَاءُ بِمَا ذَكَرَهُ وَبِمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا يَمْتَنِعُ وَيَتَعَذَّرُ عَقْلًا وَعَادَةً مُتَنَوِّعًا بِحَسَبِ الدَّاعِي بِهِ فَإِنْ كَانَ غَافِلًا عَنْ تَعَذُّرِهِ فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ لِمَا ثَبَتَ مِنْ رَفْعِ الْحَرَجِ عَنْ الْغَافِلِ وَإِذَا كَانَ غَيْرَ غَافِلٍ فَإِنْ كَانَ قَاصِدُ الطَّلَبِ ذَلِكَ الْمُتَعَذِّرَ بِعَيْنِهِ فَلَا مَانِعَ أَنْ يُعَوِّضَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْعِوَضَ كَمَا إذَا طَلَبَ غَيْرَ الْمُتَعَذِّرِ وَكَانَ مِمَّا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ جَزَاءً لَهُ عَلَى لَجْئِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَابْتِهَالِهِ إلَى عَظِيمِ كَمَالِهِ وَجَلَالِهِ، وَإِنْ كَانَ قَاصِدًا التَّلَاعُبَ وَالِاسْتِهْزَاءَ أَوْ أَوْ التَّعْجِيزَ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَهَاهُنَا يَكُونُ عَاصِيًا بِسَبَبِ قَصْدِهِ ذَلِكَ وَبِمُجَرَّدِ دُعَائِهِ بِالْمُتَعَذِّرِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشِّهَابِ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ. وَإِنْكَارُ السَّامِعِ لِقَوْلِ الدَّاعِي اللَّهُمَّ افْرِضْ عَلَيْنَا الصَّلَاةَ إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِ الْعَادَةِ جَارِيَةً بِسَبَقِ الظَّنِّ السَّيْءِ بِذَلِكَ الدَّاعِي إلَى نَفْسِ السَّامِعِ لِذَلِكَ الدُّعَاءِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ حَالُ الدَّاعِي فِي دُعَائِهِ ذَلِكَ مُوَافِقَةً لِذَلِكَ الظَّنِّ بَلْ إنْ كَانَتْ مُوَافِقَةً لِذَلِكَ الظَّنِّ كَانَ عَاصِيًا وَإِلَّا فَلَا. قَالَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ النِّسْيَانَ الْعُرْفِيَّ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ طَلَبُ الْعَفْوِ فِيهِ وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ طَلَبُ الْعَفْوِ فِيهِ بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا تَسَبُّبَ لَهُ فِيهِ أَوْ مِمَّا لَهُ فِيهِ تَسَبُّبٌ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَوَّلِ فَهُوَ مُفْتَقِرٌ إلَى دَلِيلٍ عَلَى مَنْعِ طَلَبِ الْعَفْوِ عَنْهُ وَأَنَّ ذَلِكَ قِلَّةُ أَدَبٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الثَّانِي فَلَا شَكَّ أَنَّ طَلَبَ الْعَفْوِ حِينَئِذٍ إنَّمَا هُوَ عَنْ التَّسَبُّبِ، وَطَلَبُ الْعَفْوِ عَنْ ذَلِكَ طَلَبٌ لِلْعَفْوِ عَمَّا لَمْ يُعْلَمْ عَنْهُ اهـ قُلْت عَلَى أَنَّ الْجَلَالَ السُّيُوطِيّ فِي تَكْمِلَتِهِ لِتَفْسِيرِ الْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ قَالَ مَا تَوْضِيحُهُ مِنْ حَاشِيَةِ الْجَمَلِ عَلَيْهِ إنَّ طَلَبَ رَفْعِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ. وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ طَلَبٌ لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُهُ اعْتِرَافًا بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ قَالَ الْجَمَلُ أَيْ فَالْقَصْدُ مِنْ سُؤَالِ هَذَا الرَّفْعُ وَطَلَبُهُ الْإِقْرَارَ وَالِاعْتِرَافَ

[القسم الرابع من المحرم الذي ليس بكفر أن يسأل الداعي من الله تعالى ثبوت أمر دل السمع على ثبوته]

ذَلِكَ عَلَى أَلْسِنَةِ السَّمَاسِرَةِ فِي الْأَسْوَاقِ عِنْدَ افْتِتَاحِ النِّدَاءِ عَلَى السِّلَعِ كَقَوْلِهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَيْرِ الْأَنَامِ. قَالَ مَالِكٌ كَمْ يَقُولُونَ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الدُّعَاءِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ الدُّعَاءُ وَكَمَا يَقُولُ الْمُتَحَدِّثُونَ فِي مَجَالِسِهِمْ مَا أَقْوَى فَرَسِ فُلَانٍ أَبْلَاهَا اللَّهُ بَدَنِيَّة أَوْ سُبْع وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى وَلَا يُرِيدُونَ شَيْئًا مِنْ حَقِيقَتِهِ فَهَذَا كُلُّهُ مَكْرُوهٌ، وَقَدْ أَشَارَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى تَحْرِيمِهِ، وَقَالَ كُلُّ مَا يُشْرَعُ قُرْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ إلَّا قُرْبَةً لَهُ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّلَاعُبِ، فَإِنْ قُلْت قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ نَحْوًا ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهَذِهِ النِّعْمَةِ أَيْ إظْهَارُهَا وَالتَّحَدُّثَ بِهَا عَلَى حَدِّ {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11] اهـ وَهَذَا مُنَافٍ جَمِيعَ مَوَاطِنِ طَلَبِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ فَافْهَمْ. قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَسَاقُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي» الْحَدِيثَ أَيْ الَّذِي رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ مُشْعِرٌ بِالْمَدْحِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ فَيَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ اخْتِصَاصُهَا بِذَلِكَ الرَّفْعِ وَيَلْزَمُ الْقَوْلُ بِهَذَا الْمَفْهُومِ لِقَرِينَةِ الْمَدْحِ وَيَكُونُ هُنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ شَرْطٌ مَجْهُولٌ كَمَا قَالَهُ الْمَوْرِدُ كَمَا حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَوْمٍ فِي سِيَاقِ الْمَدْحِ مِنْ قَوْلِهِمْ {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا} [آل عمران: 194] إلَخْ عَلَى دَعْوَى الشِّهَابِ أَنَّ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مَعْصِيَةٌ وَيَكُونُ مَا أَطَالَ بِهِ الشِّهَابُ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْإِيرَادِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ بَاطِلٌ وَعَلَى تَسْلِيمِ جَوَابِهِ عَمَّا أَوْرَدَ عَلَى دَعْوَاهُ الْمَذْكُورَةِ مِنْ إخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْأَعْرَافِ فِي سِيَاقِ مَدْحِهِمْ لَا ذَمِّهِمْ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 47] إلَخْ يَبْقَى هُوَ مُطَالَبًا بِدَلِيلِ الْمَنْعِ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الدُّعَاءِ وَلَمْ يَأْتِ بِدَلِيلٍ وَلَا شُبْهَةٍ اهـ كَلَامَ ابْنِ الشَّاطِّ بِتَصَرُّفٍ. [الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ عَلَى ثُبُوتِهِ] (وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ) أَنْ يَسْأَلَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ عَلَى ثُبُوتِهِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: مِنْهَا أَنْ يَقُولَ جَعَلَ اللَّهُ مَوْتَ مَنْ مَاتَ مِنْ أَوْلَادِك حِجَابًا مِنْ النَّارِ، وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَوْمَ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ لِي سَنَةً، وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِي كَفَّارَاتٍ لِمَا بَيْنَهُنَّ. قَالَ الْأَصْلُ: فَالدُّعَاءُ بِهَذِهِ الْأَدْعِيَةِ الثَّلَاثَةِ وَنَظَائِرِهَا مَعْصِيَةٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ طَلَبٌ لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ قَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَلَى أَنَّ «مَنْ مَاتَ لَهُ اثْنَانِ مِنْ الْوَلَدِ كَانَا حِجَابًا لَهُ مِنْ النَّارِ» ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ «صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ وَصَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً» ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «الصَّلَاةُ إلَى الصَّلَاةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا» قَالَ وَأَمَّا مَا يُقَالُ مِنْ أَنَّ أَمْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَنَا بِأَنْ نَدْعُوَ لَهُ بِقَوْلِنَا اللَّهُمَّ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ وَابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي وَعَدْته إنَّك لَا تُخْلِفْ الْمِيعَادَ مَعَ إنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ «الْوَسِيلَةَ دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ لِعَبْدٍ صَالِحٍ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ إيَّاهُ وَأَنَّ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ هُوَ الشَّفَاعَةُ» ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أُعْطِيهَا فَيَلْزَمُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إمَّا إبَاحَةُ الدُّعَاءِ بِمَا هُوَ ثَابِتٌ وَإِمَّا الْإِشْكَالُ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ كَوْنِهِ أُعْطِيهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَيَدْفَعُهُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ ذَكَرُوا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمَ أَنَّهُ أُعْطِيَ هَذِهِ الْأُمُورَ مَرْتَبَةً عَلَى دُعَائِنَا وَأَعْلَمَ أَنَّ دُعَاءَنَا يُحَصِّلُ لَهُ ذَلِكَ فَحَسُنَ أَمْرُنَا بِالدُّعَاءِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ هَذِهِ الْأُمُورِ وَحَسُنَ الْإِخْبَارُ بِحُصُولِهَا؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمَ بِوُقُوعِ سَبَبِ حُصُولِهَا وَالْمُحَرَّمُ إنَّمَا هُوَ الدُّعَاءُ بِحُصُولِ شَيْءٍ قَدْ عُلِمَ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ دُعَائِنَا. اهـ. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِأَنَّ جَوَابَهُ هَذَا عَمَّا ذَكَرَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَنَا بِأَنْ نَدْعُوَ لَهُ بِمَا ذَكَرَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنْ تَحْصِيلِ الْمَعْلُومِ الْحُصُولَ مَمْنُوعٌ وَذَلِكَ هُوَ عَيْنُ دَعْوَاهُ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ أَتَى بِهَا عَلَى أَنَّهُ يَتَّجِهُ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ أَنْ يَكُونَ دُعَاءُ الدَّاعِي بِهَا بِتَحْسِينِ عَاقِبَتِهِ وَذَلِكَ مَجْهُولٌ عِنْدَهُ اهـ. قُلْت بَلْ يَتَّجِهُ فِي جَمِيعِ أَمْثِلَةِ هَذَا الْقِسْمِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْجَلَالِ السُّيُوطِيّ أَنَّ مِنْ الدُّعَاءِ بِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مِنْ قَبِيلِ التَّحَدُّثِ بِالنِّعْمَةِ أَيْ أَوْ الْحَمْلِ عَلَيْهِ فَافْهَمْ. [الْقِسْمُ الْخَامِسُ فِي الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ مَا دَلَّ السَّمْعُ الْوَارِدُ بِطَرِيقِ الْآحَادِ عَلَى ثُبُوتِهِ] (وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ) أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيَ مَا دَلَّ السَّمْعُ الْوَارِدُ بِطَرِيقِ الْآحَادِ عَلَى ثُبُوتِهِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: مِنْهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ جَمِيعَ ذُنُوبِهِمْ، وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اكْفِنِي أَمْرَ الْعُرْيِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى تَسْتَتِرَ عَوْرَتِي عَنْ الْأَبْصَارِ، وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إذَا قَبَضْتنِي إلَيْك وَأَمَتَّنِي فَلَا تُحْيِنِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى أَسْتَرِيحَ مِنْ وَحْشَةِ الْقَبْرِ. قَالَ الْأَصْلُ: فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَدْعِيَةِ الثَّلَاثَةِ وَأَمْثَالِهَا مُسْتَلْزِمٌ لِتَكْذِيبِ حَدِيثٍ مِنْ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّحِيحَةِ وَالْوَارِدَةِ بِطَرِيقِ الْآحَادِ فَيَكُونُ مَعْصِيَةً لَا كُفْرًا؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ إنَّمَا يَكُونُ بِجَحْدِ مَا عُلِمَ ثُبُوتُهُ بِالضَّرُورَةِ أَوْ بِالتَّوَاتُرِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ قَدْ دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ النَّارَ وَخُرُوجِهِمْ مِنْهَا بِشَفَاعَةٍ وَبِغَيْرِ شَفَاعَةٍ وَدُخُولُهُمْ النَّارَ إنَّمَا هُوَ بِذُنُوبِهِمْ فَلَوْ غُفِرَ لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ ذُنُوبُهُمْ كُلُّهَا لَمْ يَدْخُلْ أَحَدٌ النَّارَ وَمَا عُدَّ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَنْ يَقُولَ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ فِيهِ رَدٌّ عَلَى النُّبُوَّةِ حَيْثُ أَرَادَ الدَّاعِي بِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي الْمَغْفِرَةَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَشَرَكَ مَعَهُ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا طَلَبَهُ. وَكَذَا إنْ أَرَادَ مَغْفِرَةَ جَمِيعِ ذُنُوبِهِ وَشَرَكَ مَعَهُ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ مُرِيدًا فِي حَقِّهِمْ الْمَغْفِرَةَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَصَحَّ التَّعْمِيمُ فِي

[القسم السادس من الدعاء المحرم الذي ليس بكفر وهو أن يطلب الداعي من الله تعالى ثبوت أمر دل السمع الوارد بطريق الآحاد على نفيه]

مِنْ هَذَا الدُّعَاءِ، وَمَنْصِبُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَزَّهٌ عَنْ الْمَكْرُوهَاتِ بَلْ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَقَلُّ الْأَحْوَالِ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا فَمِنْ ذَلِكَ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَرِبَتْ يَدَاك وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ» لَمَّا تَعَجَّبَتْ مِمَّا لَمْ تَعْلَمْ مِنْ كَوْنِ الْمَرْأَةِ تُنْزِلُ الْمَنِيَّ كَمَا يُنْزِلُ الرَّجُلُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا أَرَادَ إذَايَتَهَا بِالدُّعَاءِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَيْك بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاك» لَيْسَ مِنْ الْإِرْشَادِ مَا يَقْتَضِي قَصْدَ الْإِضْرَارِ بِالدُّعَاءِ فَقَدْ اُسْتُعْمِلَ الدُّعَاءُ لَا عَلَى وَجْهِ الطَّلَبِ وَالتَّقَرُّبِ وَهُوَ عَيْنُ مَا نَحْنُ فِيهِ. قُلْت لَفْظُ الدُّعَاءِ إذَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعُرْفِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQحَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ الدَّاخِلِينَ النَّارَ الْخَارِجِينَ بِالشَّفَاعَةِ أَمَّا إنْ شَرَكَهُمْ مَعَهُ فِي جُمْلَةِ مَا طَلَبَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ مَغْفِرَةِ جَمِيعِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِيهِ حِينَئِذٍ رَدٌّ عَلَى النُّبُوَّةِ فَيَكُونُ مُحَرَّمًا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ. وَإِنْ أَطْلَقَ الدَّاعِي قَوْلَهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ جَازَ لِأَنَّ لَفْظَةَ افْعَلْ فِي سِيَاقِ الثُّبُوتِ فَلَا تَعُمُّ، وَكَذَلِكَ الْأَلْفَاظُ الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْمَلَائِكَةِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ بِهَا الْمَغْفِرَةَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِمْ {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر: 7] أَيْ تَابُوا مِنْ الْكُفْرِ وَاتَّبَعُوا الْإِسْلَامَ وقَوْله تَعَالَى {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ} [الشورى: 5] لَا عُمُومَ فِيهَا لِكَوْنِهَا أَفْعَالًا فِي سِيَاقِ الثُّبُوتِ فَلَا تَعُمُّ إجْمَاعًا، وَلَوْ كَانَتْ لِلْعُمُومِ لَوَجَبَ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهَا الْخُصُوصَ وَهُوَ الْمَغْفِرَةُ مِنْ الْجُمْلَةِ لِلْقَوَاعِدِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا الْمِثَالُ الثَّانِي فَلِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ «الْخَلَائِقَ يُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا» ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ رُجُوعُ الْأَرْوَاحِ إلَى الْأَجْسَادِ «إنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ خَفْقَ أَنْعِلَةِ الْمُنْصَرِفِينَ» ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي قَتْلَى بَدْرٍ «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ» وَلَيْسَ ذَلِكَ خَاصًّا بِهِمْ إجْمَاعًا اهـ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَا قَالَهُ مِنْ الدُّعَاءِ بِهَذِهِ الْأَدْعِيَةِ وَنَحْوِهَا مَعْصِيَةٌ مُجَرَّدُ دَعْوَى، وَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يُدْعَى إلَّا بِمَا يَجُوزُ وُقُوعُهُ؟ لَا أَعْرِفُ لِذَلِكَ وَجْهًا وَلَا دَلِيلًا. وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يُكَلِّفَ اللَّهُ خَلْقَهُ أَنْ يَطْلُبُوا مِنْهُ الْمَغْفِرَةَ لِذُنُوبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ قَضَى بِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا يُغْفَرُ لَهُ وَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ الْمُنَافَاةُ بَيْنَ طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ وَوُجُوبِ نَقِيضِهَا؟ هَذَا أَمْرٌ لَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا إلَّا مُجَرَّدَ التَّحَكُّمِ بِمَحْضِ التَّوَهُّمِ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا عُمُومَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا} [غافر: 7] وقَوْله تَعَالَى {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ} [الشورى: 5] لِكَوْنِهَا أَفْعَالًا فِي سِيَاقِ الثُّبُوتِ خَطَأٌ فَاحِشٌ؛ لِأَنَّهُ الْتَفَتَ إلَى الْأَفْعَالِ دُونَ مَا بَعْدَهَا مِنْ مَعْمُولَاتِهَا وَالْمَعْمُولَاتُ فِي الْآيَتَيْنِ لَفْظًا عُمُومٌ، وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ كَلَّفَ هَذَا الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ شَطَطًا وَادَّعَى دَعْوًى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا وَهْمًا مِنْهُ وَغَلَطًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى أَنَّ طَلَبَ نَفْيِ مَا دَلَّ السَّمْعُ الْقَاطِعُ عَلَى ثُبُوتِهِ لَيْسَ بِكُفْرٍ إلَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ يُكَفِّرُ بِالْمَآلِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْهَبَهُ اهـ. [الْقِسْمُ السَّادِسُ مِنْ الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ وَهُوَ أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ الْوَارِدُ بِطَرِيقِ الْآحَادِ عَلَى نَفْيِهِ] (الْقِسْمُ السَّادِسُ) أَنْ يَطْلُبَ الدَّاعِي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ثُبُوتَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ الْوَارِدُ بِطَرِيقِ الْآحَادِ عَلَى نَفْيِهِ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ: مِنْهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَسْتَرِيحَ مِنْ غَمِّهَا وَوَحْشَتِهَا مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ قَبْلَ غَيْرِي، وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَوَّلَ دَاخِلٍ الْجَنَّةَ، وَمِنْهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ الْأَغْنِيَاءَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْفُقَرَاءِ لِكَوْنِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ. قَالَ الْأَصْلُ: فَكُلُّ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَدْعِيَةِ الثَّلَاثَةِ مُضَادٌّ لِخَبَرٍ مِنْ أَخْبَارِ النُّبُوَّةِ فَيَكُونُ مَعْصِيَةً لَا كُفْرًا؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ هُنَا مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلُ دَاخِلِ الْجَنَّةِ» ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ «الْفُقَرَاءَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ» اهـ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا مُضَادَّةَ بَيْنَ التَّكْلِيفِ بِطَلَبِ أَمْرٍ مَا وَنُفُوذِ الْقَضَاءِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ وَمُدَّعِي ذَلِكَ مُطَالَبٌ بِالدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَأْتِ عَلَى ذَلِكَ بِدَلِيلٍ إلَّا مُجَرَّدَ دَعْوَى الْمُضَادَّةِ اهـ بِلَفْظِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [الْقِسْمُ السَّابِعُ مِنْ الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ الَّذِي لَيْسَ بِكُفْرٍ وَهُوَ الدُّعَاءُ الْمُعَلَّقُ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى] (الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ مِنْ الدُّعَاءِ وَقَاعِدَةِ مَا لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ) . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الدُّعَاءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ دُعَاءٌ النَّدْبُ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ مِنْ جِهَةِ مُتَعَلِّقِهِ مَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَمَا يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ وَهُوَ أَحَدُ خَمْسَةِ أَسْبَابٍ: (السَّبَبُ الْأَوَّلُ) الْأَمَاكِنُ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِالْقُرْبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَالْحَمَّامَاتِ وَمَوَاضِعِ النَّجَاسَاتِ وَالْقَاذُورَاتِ وَالْكَنَائِسِ وَمَوَاضِعِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَالْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَاتِ كَنَحْوِ الْخَانَاتِ وَالْأَسْوَاقِ الَّتِي يَغْلِبُ فِيهَا وُقُوعُ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَالْأَيْمَانِ الْحَانِثَةِ «لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ» . (وَالسَّبَبُ الثَّانِي) الْهَيْئَاتُ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِالْقُرْبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَحَالَةِ النُّعَاسِ وَفَرْطِ الشِّبَعِ وَمُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ وَمُلَابَسَةِ النَّجَاسَاتِ وَالْقَاذُورَاتِ وَقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ فَإِنْ فَعَلَ الدُّعَاءَ فِي الْأَمَاكِنِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ عَلَى حَالَةٍ مِنْ تِلْكَ الْأَحْوَالِ صَحَّ مَعَ فَوَاتِ رُتْبَةِ الْكَمَالِ. (وَالسَّبَبُ الثَّالِثُ) كَوْنُهُ سَبَبًا

فِي غَيْرِ الدُّعَاءِ انْتَسَخَ مِنْهُ حُكْمُ الدُّعَاءِ وَلَا يَنْصَرِفُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الدُّعَاءِ إلَّا بِالْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ فَإِذَا اسْتَعْمَلَهُ مُسْتَعْمِلٌ فِي غَيْرِ الدُّعَاءِ فَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ فِيمَا هُوَ مَوْضُوعٌ لَهُ عُرْفًا وَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَنْصَرِفُ بِصَرَاحَتِهَا لِلدُّعَاءِ وَتُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ فَلَيْسَ مَا فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَهَاهُنَا انْتَهَى مَا جُمِعَ مِنْ الْقَوَاعِدِ وَالْفُرُوقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ـــــــــــــــــــــــــــــS. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــQلِحُصُولِ الْكِبْرِ وَالْخُيَلَاءِ لِلدَّاعِي كَدُعَاءِ أَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ وَالْجَمَاعَاتِ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ جَهْرًا لِلْحَاضِرِينَ فَقَدْ كَرِهَهُ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَجْتَمِعُ لِهَذَا الْإِمَامِ التَّقَدُّمُ فِي الصَّلَاةِ وَشَرَفُ كَوْنِهِ نَصَّبَ نَفْسَهُ وَاسِطَةً بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِبَادِهِ فِي تَحْصِيلِ مَصَالِحِهِمْ عَلَى يَدِهِ بِالدُّعَاءِ فَيُوشِكُ أَنْ تَعْظُمَ نَفْسُهُ عِنْدَهُ فَيَفْسُدَ قَلْبُهُ وَيَعْصِيَ رَبَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يُطِيعُهُ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَنْ يَدْعُوَ لِقَوْمِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ بِدَعَوَاتٍ فَقَالَ لَا إنِّي أَخْشَى أَنْ تَشْمَخَ حَتَّى تَصِلَ إلَى الثُّرَيَّا إشَارَةً إلَى مَا ذُكِرَ وَيَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى كُلُّ مَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلدُّعَاءِ لِغَيْرِهِ وَخَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ الْكِبْرَ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَالْأَحْسَنُ لَهُ التَّرْكُ حَتَّى تَحْصُلَ لَهُ السَّلَامَةُ. (وَالسَّبَبُ الرَّابِعُ) كَوْنُ مُتَعَلِّقِهِ مَكْرُوهًا فَيُكْرَهُ كَرَاهَةَ الْوَسَائِلِ لَا كَرَاهَةَ الْمَقَاصِدِ كَالدُّعَاءِ عَلَى اكْتِسَابِ الرِّزْقِ بِنَحْوِ الْحِجَامَةِ وَنَزْوِ الدَّوَابِّ وَالْعَمَلِ فِي الْحَمَّامَاتِ مِنْ الْحِرَفِ الدَّنِيئَاتِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الِاكْتِسَابِ بِغَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ دُعَاءٍ نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَتِهِ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ الْوَسَائِلِ. (وَالسَّبَبُ الْخَامِسُ) مَا جَرَى عَلَى أَلْسِنَةِ نَحْوُ الْمُتَحَدِّثِينَ فِي مَجَالِسِهِمْ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِمْ مَا أَقْوَى فَرَسَ فُلَانٍ أَبْلَاهَا اللَّهُ بَدَنِيَّة أَوْ سَبُع وَعَلَى أَلْسِنَةِ السَّمَاسِرَةِ فِي الْأَسْوَاقِ عِنْدَ افْتِتَاحِ النِّدَاءِ عَلَى السِّلَعِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِمْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى خَيْرِ الْأَنَامِ مِمَّا هُوَ خَبَرٌ فِي الْأَصْلِ أُرِيدَ بِهِ الدُّعَاءُ عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ مَالِكٌ كَمْ يَقُولُونَ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الدُّعَاءِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ خَيْرٌ وَمَعْنَاهُ الدُّعَاءُ، وَكُلُّ مَا يَجْرِي أَيْ عَلَى لِسَانِ الْعَامَّةِ وَغَيْرِهِمْ هَذَا الْمَجْرَى وَلَا يُرِيدُونَ شَيْئًا مِنْ حَقِيقَتِهِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ بَلْ قَدْ أَشَارَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى تَحْرِيمِهِ فَقَالَ كُلُّ مَا يُشْرَعُ قُرْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ إلَّا قُرْبَةً لَهُ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّلَاعُبِ اهـ. قَالَ الْأَصْلُ وَكَلَامُنَا هُنَا إنَّمَا هُوَ فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَنْصَرِفُ بِصَرَاحَتِهَا لِلدُّعَاءِ وَتُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ، وَأَمَّا مَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعُرْفِ فِي غَيْرِ الدُّعَاءِ حَتَّى انْتَسَخَ مِنْهُ حُكْمُ الدُّعَاءِ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يَنْصَرِفُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الدُّعَاءِ إلَّا بِالْقَصْدِ وَالسُّنَّةِ فَلَا حَرَجَ عَلَى مُسْتَعْمِلِهِ فِي غَيْرِ الدُّعَاءِ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَعْمَلَهُ فِيمَا هُوَ مَوْضُوعٌ لَهُ عُرْفًا وَمِنْ ذَلِكَ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَرِبَتْ يَدَاك وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ» لَمَّا تَعَجَّبَتْ مِمَّا لَمْ تَعْلَمْ مِنْ كَوْنِ الْمَرْأَةِ تُنْزِلُ الْمَنِيَّ كَمَا يُنْزِلُ الرَّجُلُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا أَرَادَ أَذِيَّةَ عَائِشَةَ وَلَا غَيْرَهَا بِالدُّعَاءِ إذْ لَيْسَ مِنْ الْإِرْشَادِ مَا يَقْتَضِي الْإِضْرَابَ بِالدُّعَاءِ، وَإِنَّمَا اُسْتُعْمِلَ ذَلِكَ فِيمَا غَلَبَ بِالْعُرْفِ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ الدُّعَاءِ فَيَكُونُ مُبَاحًا لَا مَكْرُوهًا؛ لِأَنَّ مَنْصِبَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَزَّهٌ عَنْ الْمَكْرُوهَاتِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ بَلْ أَقَلُّ الْأَحْوَالِ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهَا مُبَاحًا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا. اهـ. قُلْت وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ عَنْ الْأَصْلِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ أَنَّ لِكَرَاهَةِ الدُّعَاءِ سَبَبًا سَادِسًا مِمَّا يَعْرِضُ لَهُ فَيَقْتَضِي كَرَاهَتَهُ وَهُوَ كَوْنُهُ بِالْأَلْفَاظِ الْعَجَمِيَّةِ الصَّادِرَةِ مِمَّنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَجَمِ الضَّلَالُ وَالْفَسَادُ فَيُكْرَهُ الدُّعَاءُ وَالرَّقْيُ بِهَا قَبْلَ مَعْرِفَةِ مَعْنَاهَا سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ. هَذَا تَهْذِيبُ مَا قَالَهُ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْفَرْقِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَبِهِ يَتِمُّ مَا قَصَدْته مِنْ تَهْذِيبِ الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السُّنِّيَّةِ بِمَا وَفَّقَ اللَّهُ إلَيْهِ وَأَعَانَ عَلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالْفَوَائِدِ الْعَلِيَّةِ وَأَسْتَغْفِرُهُ تَعَالَى مِنْ كُلِّ قَوْلٍ لَا يُوَافِقُ الْعَمَلَ، وَمِنْ كُلِّ مَا ادَّعَيْته وَأَظْهَرْته مِنْ الْعِلْمِ بِدِينِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ التَّقْصِيرِ فِيهِ وَالزَّلَلِ، وَمِنْ كُلِّ خَطْرَةٍ دَعَتْنِي إلَى تَزَيُّنٍ وَتَصَنُّعٍ، فِي كِتَابٍ سَطَرْته أَوْ كَلَامٍ نَظَمْته أَوْ عِلْمٍ أَفَدْته حَتَّى أَدَّى إلَى التَّرَفُّعِ، وَأَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنِي وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا عِلْمنَا عَامِلِينَ وَلِوَجْهِهِ بِهِ مُرِيدِينَ، وَأَنْ لَا يَجْعَلَهُ وَبَالًا عَلَيْنَا، وَأَنْ يَضَعَهُ فِي مِيزَانِ الصَّالِحَاتِ إذَا رُدَّتْ أَعْمَالُنَا إلَيْنَا، إنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ رَءُوفٌ بِعِبَادِهِ رَحِيمٌ، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ يَوْمَ الدِّينِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، وَبِفَضْلِهِ تَنْزِلُ الْبَرَكَاتُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى خَيْرِ مَوْلُودٍ، دَعَا إلَى أَفْضَلِ مَعْبُودٍ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْمُنْقِذِ مِنْ حَالِكِ الضَّلَالِ وَآلِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَكَانَ تَحْرِيرُ خَاتِمَتِهِ فِي بَلَدِ جمبن سمطرا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الرَّابِعِ مِنْ ثَانِي الثَّانِي مِنْ الرَّابِعِ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ مِنْ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ هِجْرَةِ سَيِّدِ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالْبَشَرِ صَلَى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَم وَعَلَى آلِهِ وَمَنْ انْتَمَى إلَيْهِ.

§1/1