الفروق للسامري جـ 1 ط الصميعي
ابن سُنَيْنَة السامرّي
[مقدمة المحقق]
بِسمِ اللهِ الرَّحمَن الرَّحيم مُقَدمة الحمد لله القائل في كتابه العزيز {قُلْ هَلْ يَسْتَوي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (¬1) والقائل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (¬2). والقائل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (¬3). وأصلي وأسلم على النبي الهاشمي محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء وخير الخليقة الذي قال: (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين) (¬4). والقائل: (لعلي رضي الله عنه: (فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم) (¬5). والمروي عنه قوله: (ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقًا إلى الجنة) (¬6). ¬
وبعد: فإني لما اجتزت المرحلة التمهيدية كان علي اختيار موضوع مناسب للحصول على درجة الماجستير، فوفقني الله لاختيار مخطوطة في الفقه لا حد علمائنا الأفاضل الذين سبقونا وقتا وعلفا وفضلًا وجهدًا واحتسابًا ألا وهي مخطوطة الفروق لفقيه من فقهاء الحنابلة وهو محمد بن عبد الله السامري، المولود عام 535 هـ والمتوفى عام 616 هـ. ولا ريب فالمؤلِّف والمولَّف جديران بالاهتمام والدراسة والعناية والإبراز حيث أن لهما مكانتهما، المؤلِّف بين العلماء والمؤلَّف بين غيره من المؤلفات. ويوجد نسختان لهذه المخطوطة إحداهما نسخة الكتبة الظاهرية بدمشق ولقد حصلت على الجزء الأول والذي يختص بربع العبادات-وهو الموضوع الذي يهمني هنا- ويحتوي على كتاب الطهارة وكتاب الصلاة وكتاب الزكاة وكتاب الصيام وكتاب الاعتكاف وكتاب الحج. وعدد ورقاتها ثلاث وستون ورقة -ما عدا العنوان- وكل ورقة بها صفحتان، وكل صفحة تحتوي على ثلاثة عشر سطرًا وكل سطر يحتوى على إحدى عشرة كلمة إلى تسع كلمات. وقد ورد في أخرها أنه وافق الفراغ منه تسع عشر شهر الله المحرم سنة ست وخمسين وثمانمائة من الهجرة النبوية.
وقد جعلت هذه النسخة هي الأصل الذي اعتمدته في التحقيق. وأما النسخة الثانية فهي نسخة المكتبة العباسية بالبصرة، وهذه المكتبة مكتبة أهلية خاصة، ويصعب جدًّا الإطلاع على شيء من محتوياتها، خاصة في مثل هذه الظروف الحالية التي نشبت فيها الحرب بين العراق وإيران، وقد تفضل الله تعالى وتكرم علي فيسر لي الاطلاع على هذه النسخة بعد جهود مضنية، فلله الحمد والمنة. وهذه المخطوطة جمعت بمجلد واحد بدأت بكتاب الطهارة وسارت من حيث الكتب كسير نسخة الظاهرية وعدد صفحاتها مائة وثمانون صفحة في كل صفحة واحد وعشرون سطرًا في كل سطر ثلاث عشرة كلمة، لم أجد فيها تاريخ النسخ ولا اسم الناسخ. وأحب هنا أن أذكر باختصار ما قمت به من عمل حول هذا العالِم وحول مخطوطته (الفروق). فأقول: لقد قسمت عملي في هذا الموضوع إلى قسمين. القسم الأول خاص بالمؤلِّف وعصره وقسمته إلى تمهيد وبابين، تعرضت في التمهيد إلى ثلاثة أمور: -
الأول: تعريف كلمة الفروق. الثاني: أهمية هذا النوع من التأليف. الثالث: نموذج مما ألف في هذا النوع. أما الباب الأول فقد خصصته للحالة العلمية والدينية والحالة السياسية في عصر المؤلف. وأما الباب الثاني فهو خاص بالمؤلف اسمه ونسبه وولادته ووفاته وحياته العلمية والعملية، وقيمته وأثاره العلمية ومشائخه وتلامذته. وأما القسم الثاني: فهو خاص بالمخطوطة وقد اتبعت في تحقيقها: 1 - بذل الجهود في إخراج النص كما هو. 2 - وضع أي زيادة في نسخة عن الأخرى بين قوسين والإشارة إلى ذلك في الهامش. 3 - عند اختلاف اللفظ أثبت لفظ الظاهرية وأشير في الهامش إلى لفظ العباسية وعندما أقول (الظاهرية) فأنا أريد نسخة المكتبة الظاهرية، وعندما أقول (العباسية) فأنا أريد نسخة المكتبة العباسية. 4 - ترقيم الآيات القرآنية. 5 - تخريج الأحاديث وبيان درحتها من القوة والضعف. 6 - الاستشهاد من الكتب المعتمدة في المذهب للأحكام التي ذكرها المؤلف وفرق بينهما.
7 - ذكر ما ورد في المذهب من الروايات إلى لم يذكرها المولف وذلك قدر المستطاع. 8 - أتعرض غالبًا لذكر الرواية المعتمدة في المذهب. 9 - الإشارة إلى المذاهب الفقهية في غالبية الفصول على قدر الاستطاعة وخاصة منها ما يكون فيه خلاف مع الإحالة على الكتب المعتمدة في كل مذهب ما أمكن، وقد أقتصر على الإحالة إلى الكتب التي تعتني بالمذاهب الأربعة كالمغنى، والإفصاح، والمجموع، وبداية المجتهد وبدائع الصنائع وغيرها. 10 - إيضاح معاني الكلمات الغريبة. 11 - ترجمة مختصرة لكل علم من الأعلام المذكورين في الكتاب. 12 - التعريف بما يمر من الأمكنة. 13 - ختمت ذلك بفهارس لما يلي: أ - الآيات القرآنية. ب - الأحاديث النبوية. جـ - الأعلام. د - الأمكنة. هـ - المراجع. و- المواضيع. وقبل أن أنهي مقدمتي هذه رأيت أن أذكر بعضًا من الأسباب التي دعتني إلى اختيار هذه المخطوطة موضوعًا لرسالتي:
1 - أهمية هذا النوع من التأليف في الفقه. 2 - عدم طباعة أي كتاب مستقل من الكتب التي تعنى بالفروق -فقط- في المذهب الحنبلي -حسب علمي-. 3 - حاجة الكثيرين من العلماء والمتعلمين إلى الإطلاع عليها. 4 - شهرة مؤلفها وخاصة في المذهب الحنبلي. 5 - جودة هذه المخطوطة. 6 - الإسهام مع غيري من المحققين في التحقيق وإخراج تراث علمائنا الأفاضل إلى متناول الأيدي لكي تعم الفائدة. وفي الختام أتقدم بشكرى الجزيل إلى شيخي الفاضل المشرف على هذه الرسالة صاحب الفضيلة الشيخ صالح العلي الناصر رئيس قسم الفقه، الذي كان له دوره الفعال في إرشادي ومساندتي حتى وصلت إلى ما وصلت إليه ثم لا يفوتي أن أشكر كلية الشريعة ممثلة في عميدها الموقر وأعضاء هيئة التدريس لما لهم على من الفضل. فجزى الله الجميع عني وعن العلم وأهله خير الجزاء. كما أشكر كل من أعانني في هذا المجال من مشائخي وأقاربي وأصدقائي وأدعو الله لي ولهم جميعًا بالتوفيق وقبول العمل إنه سميع مجيب، وأسأله تعالى أن يجعل عملي هذا خالصًا لوجهه الكريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين (¬1). ¬
القسم الأول حديثي عن هذا القسم سيكون محتويًا على تمهيد وبابين. أما التمهيد فسيشمل تعريف كلمة فروق والحديث عن أهمية هذا النوع من التأليف وعلى ذكر نماذج مما ألف في هذا الفن. وأما الباب الأول فسيكون الحديث فيه حول الحالة العلمية والدينية والسياسية في عصر المؤلف. وأما الباب الثاني فهو خاص بالمؤلف اسمه ونسبه وولادته ووفاته وحياته العلمية والعملية وقيمته وآثاره العلمية ومشائخه وتلامذته.
التمهيد
التمهيد سيكون الحديث هنا مقصورًا على أمور ثلاثة الأمر الأول: تعريف كلمة الفروق لغة واصطلاحًا. الأمر الثاني: أهمية هذا النوع من التأليف. الأمر الثالث: ذكر نموذج مما ألف في الفروق في كل مذهب من المذاهب الأربعة.
الأمر الأول تعريف كلمة الفروق
الأمر الأول تعريف كلمة الفروق التعريف اللغوي: الفُروق جمع فَرْق، والفَرْق مكيال معروف بالمدينة (¬1) وهو ستة عشر رطلا (¬2). والفَرق خلاف الجمع وتفريق ما بين الشيئين حين يتمرقان، والفصل بين الشيئين وموضع المَفْرِق من الرأس (¬3). التعريف الاصطلاحي: الفروق باصطلاح الفقهاء (الفن الذي يبحث في المسائل المشتبهة في الصورة والمختلفة في الحكم والدليل والعلة) (¬4). ¬
الأمر الثاني أهمية هذا النوع من التأليف
الأمر الثاني أهمية هذا النوع من التأليف لقد اعتنى كثير من علماء المسلمين بهذا النوع وأفردوه بالبحث والتأليف، وذلك لما له من أهمية بالغة في إيضاح الفروق الدقيقة بين الكثير من المسائل التي تتشابه صورها وتختلف أحكامها وأسبابها وعللها. وقارئ أي كتاب من كتب الفروق عند قراءته لأي فصل من فصولها يبرز له فروق دقيقة لم تكن في علمه، ولربما كان يعلم ذلك بصفة عامة من خلال قراءته للكتب الفقهية الأخرى إلا أنها تظهر في كتب الفروق بمظهر أدق وكأنها جديدة على القارئ وكتب الفروق تزيل كثيرًا من الشبه، وتجلوا ما في الفكر من الصدأ، وتصقل الذهن، وتوجد في القارئ الدقة في النظر للأحكام عند التمييز بينهما. ويعيش القارئ جوا لم يكن يعهده في الكتب الفقهية الأخرى، فقد يمضي عليه ساعات طويلة في القراءة إلا أنه يستقصرها لما يجد من اللذة وحب الاستزادة، ولقد أحس بذلك كثير من علمائنا الأفاضل فبذلوا ما في وسعهم في التأليف في هذا النوع وأول من رأيت أنه ألف فيه أحمد بن سريج الشافعي المولود عام 249 هـ والمتوفى عام 306 هـ، والحق أن هؤلاء العلماء خلفوا لنا تراثًا علميًّا وثروة فقهية ضخمة مبنية على أسس متينة مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثروة تغنينا عن غيرها من الثروات الزائفة من قوانين بشرية وغيرها مما بني على أسس واهية. إذًا حق لهذا النوع من التأليف أن يبرز وحق له أن يقرأ ويستفاد منه.
الأمر الثالث بعض ما ألف في هذا النوع من المذاهب الأربعة
الأمر الثالث بعض ما ألف في هذا النوع من المذاهب الأربعة لم يكن التأليف في هذا النوع مقصورًا على مذهب من المذاهب دون غيره بل قد ألف فيه علماء كثيرون وهنا سأقتصر على ذكر نماذج مما ألف في هذا الفن على المذاهب الأربعة فقط بادئا باسم المؤلف ونبذة يسيرة عنه متبعًا لذلك بالمؤلَّف. أ - المذهب الحنفي: 1 - محمد بن صالح الكرابيسي أبو الفضل السمرقندي الحنفي المتوفى عام 322 هـ صنف الفروق في فروع الحنفية (¬1). 2 - أسعد بن محمد بن الحسين الكرابيسي النيسابوري الحنفي أبو المظفر جمال الإسلام توفي عام 570 هـ (¬2) من مؤلفاته الفروق (¬3). 3 - أحمد بن عبيد الله بن إبراهيم المحبوبي، النيسابوري، صدر الشريعة الأول فقيه حنفي توفي عام 630 هـ (¬4) من تصانيفه تلقيح ¬
ب- المذهب المالكي
العقول (¬1) في الفروق بين أهل النقول في فروع الفقه الحنفي (¬2). 4 - أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن مصطفى بن سليمان المارديني الأصل الحنفي المعروف، بابن التركماني (تاج الدين) ولد عام 681 هـ (¬3) وتوفي عام 744 هـ (¬4). وهو ممن ألف في فن الفروق في فروع الحنفية (¬5). ب- المذهب المالكي: 1 - أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن بن عبد الله الصنهاجي شهاب الدين ¬
أبو العباس القرافي، ولد عام 626 (¬1) وتوفي سنة 684 هـ (¬2) له مؤلفات عديدة من بينها (أنوار البروق في أنواع الفروق) (¬3). 2 - قاسم بن عبد الله بن محمد بن الشاط الأنصاري الإشبيلي ولد عام 643 هـ وتوفي عام 723 هـ. من مؤلفاته (أنوار البروق في تعقب مسائل القواعد والفروق) (¬4) ¬
جـ - المذهب الشافعي
3 - محمد بن علي بن حسين بن إبراهيم المالكي المكي مغربي الأصل ولد وتعلم بمكة المكرمة عام 1287 هـ وتوفي بالطائف عام 1367 هـ من مؤلفاته في هذا النوع (تهذيب الفروق) وهو مختصر لفروق القرافي (¬1). جـ - المذهب الشافعي: 1 - أحمد بن عمر بن سريج الفقيه البغدادي الشافعي المولود عام 249 هـ والمتوفى عام 306 هـ (¬2). وقد ورد أن من ضمن مولفاته (الفروق في فروع المذهب الشافعي) (¬3) ¬
2 - أبو محمد عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد حيوية الجويني الفقيه الشافعي والمتوفى عام 438 هـ (¬1) من مؤلفاته (الفرق والجمع) (¬2). 3 - سلامة بن إسماعيل بن جماعة الضرير أبو الخير المقدسي الشافعي المتوفى عام 480 هـ من مؤلفاته الوسائل في فروق المسائل (¬3). 4 - محمد بن علي بن عبد الواحد بن يحى بن عبد الرحيم المعروف بابن النقاش الشافعي ولد عام 720 هـ (¬4) وتوفي عام 763 هـ. له مؤلفات عديدة من بينها كتاب في (الفروق) (¬5). ¬
د- المذهب الحنبلي
5 - جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين أبي بكر بن عثمان بن محمد بن خضر بن أيوب بن محمد بن الشيخ همام الدين الخضيري السيوطي المولود عام 849 هـ (¬1) والمتوفى عام 911 هـ. له مؤلفات كثيرة منها (الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية) (¬2) رتبه على سبعة كتب خصص الكتاب السادس لما افترقت فيه الأبواب المتشابهة (¬3). د- المذهب الحنبلي: 1 - إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الدمشقي الفقيه الزاهد الورع العابد، الشيخ عماد الدين ¬
ولد بجماعيل سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة وتوفي سنة أربع عشرة وستمائة. ألف في هذا الفن كتاب (الفروق في المسائل الفقهية) (¬1). 2 - محمد بن عبد الله بن الحسين السامري الفقيه الفرضي يعرف بابن سنينه ويلقب نصير الدين. ولد بسامراء عام 535 هـ وتوفي عام 616 هـ (¬2) من مؤلفاته (الفروق) (¬3) وهو موضوع حديثنا 3 - عبد الرحيم بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بين إسماعيل الزريراتي البغدادي الفقيه ولد ببغداد ولم يحدد تاريخ ولادته وتوفي عام 741 هـ. اختصر كتاب الفروق للسامري وزاد عليها فوائد واستدراكات (¬4) ¬
4 - الشيخ عبد الرحمن بن ناصر عبد الله بن ناصر بن حمد آل سعدي ولد في بلدة عنيزة عام 1307 هـ وتوفي بها عام 1376 هـ، له مؤلفات عديدة منها (القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم النافعة) (¬1). ¬
الباب الأول الحالة العلمية والدينية والسياسية في عصر المؤلف
الباب الأول الحالة العلمية والدينية والسياسية في عصر المؤلف مرادنا هنا بعصر المؤلف هو مدة حياته رحمه الله وهي إحدى وثمانون سنة إذ قد كانت ولادته عام 535 هـ ووفاته عام 616 هـ (¬1). وفي هذا الباب سأتعرض للحالات السائدة والواقعية في هذه المدة وفي بغداد خاصة من الناحية العلمية والدينية سواء للخلفاء أو لغيرهم من الرعية، كما سأتعرض للحالة السياسية وما اعتراها من قوة أو ضعف، ومن تماسك أو تشتت، وسيكون الحديث في هذا الباب مقسمًا إلى فصلين، أولهما سأقصره على الحالة العلمية والدينية، وثانيهما على الحالة السياسية. ¬
الفصل الأول الحالة العلمية والدينية
الفصل الأول الحالة العلمية والدينية في الواقع أن عصر المؤلف الذي ولد فيه وترعرع وشب وبلغ أشده وشاخ، عصر يتشوق له ولمثله المسلم في عصرنا الحاضر، إذ به ارتفعت رايات العلم في كل بلد من العراق وخاصة في بغداد -وفي كل مسجد وسوق، وصار هو العمل الناجح والمحبب والمطلوب لدى الغالبية من الناس، عصر كأنه أوجد لنبوغ العلماء وعلو الهمم ومحو الأفكار، وكأن الناس خلقوا للبحث والعلم والجد والاجتهاد والمنافسة، عصر المؤلف عصر أناس فهموا العلم وقيمته، أعطوه حقه فأعطوا جزائهم، تعبوا فأدركوا مقصودهم، سهروا فحصلوا مرادهم، أقبلوا على العلم فقابلهم، خدموا العلم فخدمهم، أحسنوا إليه فعرف الله ذلك منهم فبلغهم مقاصدهم، ولم يكن ذلك كله مقصورًا على فئة دون فئة، فقد كان الخلفاء يجارون غيرهم في ذلك مع وجود فوارق يسيرة بسبب مسئوليتهم عن الخلافة وتدبير الأمور. ولقد كانت المذاهب الفقهية في ذلك الوقت منتشرة انتشارًا متفاوتًا، فقد كان بعض المذاهب أكثر انتشارًا من الآخر. وفي هذا الفصل سأقسم حديثي إلى ثلاثة مباحث: الأول: حالة الخلفاء علميًّا ودينيًّا. الثاني: حالة غير الخلفاء علميًّا ودينيًّا. الثالث: المذاهب الفقهية في ذلك الوقت.
المبحث الأول حالة الخلفاء العلمية والدينية
المبحث الأول حالة الخلفاء العلمية والدينية لم يكن خلفاء ذلك الوقت مشغولين بخلافتهم وسياستهم فقط، بل كانوا إلى جانب اهتمامهم بتدبير أمور رعيتهم داخليًّا وخارجيًّا يهتمون اهتمامًا ظاهرًا -مع تفاوت هذا الاهتمام من خليفة لآخر- في الناحية العلمية والدينية، سواء فيما هم عليه من صفات قولية أو فعلية، أو فيما اتصفوا به من تطيقات للتعليمات الشرعية، أو فيما عرفه منهم العامة والخاصة من حرص على مصالح رعيتهم، واحترامهم للعلماء وإكرامهم وتقديرهم لهم، أو فيما يبرز من أكثرهم من حبهم للعلم وطلبه ونشره. وسأقسم الحديث في هذا المبحث إلى أربعة مطالب: الأول: عن صفاتهم. الثاني: حرصهم على مصالح المسلمين وشدتهم على المفسدين. الثالث: تقديرهم للعلماء وإكرامهم لهم. الرابع: طلبهم للعلم.
المطلب الأول: صفاتهم
المطلب الأول: صفاتهم الخلفاء الذين صادفت حياة السامري خلافتهم أربعة وهم المقتفى (¬1) والمستنجد بالله (¬2)، والمستضيئ، (¬3) والناصر (¬4). كان هولاء الخلفاء يتصفون بالصفات الحميدة علميًّا ودينيًّا، فقد كان المقتفى محمود السيرة، مشكور الدولة، يرجع إلى فضل ودين وعقل ورأي وسياسة، جدد معالم الإمامة، ومهد رسوم الخلافة، وامتدت أيامه، ولم ير مع سماحته ولين جانبه بعد المعتصم (¬5) خليفة مثله في شهامته وصرامته، مع ¬
ما خص به من زهد وورع وعبادة، ولم تزل جيوشه منصورة حيث يممت (¬1)، وقد كان على قدم من العبادة قبل إفضاء الأمر إليه (¬2). وقد وصف المستنجد بالعدل والديانة مع ما قام به من أبطال المكوس (¬3) (¬4) وكان رفيقًا برعيته، يمتاز بفهم ثاقب، ورأي صائب، وذكاء غالب، وفضل باهر (¬5). أما المستضيئ, فقد ذكر السيوطي في تاريخه نقلًا عن ابن الجوزي قوله: ¬
(نادى برفع المكوس ورد المظالم وأظهر من العدل والكرم ما لم نره في أعمارنا) (¬1). وقد كان عادلًا، حسن السيرة في الرعية، كثير البذل للأموال، غير مبالغ في أخذ ما جرت العادة بأخذه، عايق الناس في وقته في أمن عام، وإحسان شامل، وطمأنينة وسكون، وكان حليمًا يحب العفو والصفح عن المذنبين (¬2). وجاء في البداية والنهاية (أنه من خيار الخلفاء وأعدلهم وأرفقهم بالرعايا، رفع عنهم المكوس والضرائب ولم يترك بالعراق مكسًا) (¬3).1 وفي أيامه أمن الناس ورزق سعادة عطمة في خلافته (¬4) وكان رحمه الله جوادًا كريمًا، مؤثرًا للخير كثير الصدقات سخيًّا محبًّا للسنة أبطل مظالم كثيرة (¬5). ¬
أما الناصر وهو الخليفة الرابع في حياة السامري وهو الخليفة الذي انتهت حياة السامري في خلافته، فقد جاء أنه بسط العدل وأمر بإراقة الخمور، وكسر الملاهي وإزالة المكوس والضرائب، فعمر البلاد وبسط الأرزاق (¬1). وقد قال ابن جبير (¬2) عند حديثه عن الناصر: (وهو مع ذلك يحب الظهور للعامة ويؤثر التحبب لهم وهو ميمون النقية عندهم قد استعدوا بأيامه رخاء، وعدلًا وطيب عيش فالكبير والصغير داع له) (¬3). والحق أن من اتصف بالعدل ورفع الظلم والعبادة وحب الخير وكثرة الصدقات والديانة والكرم والسماحة ولين الجانب والشهامة والزهد والورع حري بالتوفيق كما أنه لا يستغرب أي نبوغ في عهده من أي من البشر لتوفر أسبابه وعدم موانعه. ¬
المطلب الثاني: حرصهم على مصالح السلمين وشدتهم على المفسدين
المطلب الثاني: حرصهم على مصالح السلمين وشدتهم على المفسدين من تدبر الصفات المدونة في المطلب الأول عرف تمام المعرفة اهتمام أصحابها بأمور رعيتهم، حيث العدل محقق لمصالح الرعية، والديانة والعبادة يمنعان صاحبهما من أي عمل فيه ضرر على المسلمين ويحبذان له أي عمل فيه فائدة لهم. وما رفع الظلم إلا من الحرص على المصالح، وليست إزالة المكوس إلا مما يحقق المصالح، وليست إراقة الخمور وكسر الملاهي إلا نهيًا للرعية عن الالتواء وأمرا لهم في اتباع أوامر الله ورسوله مما يحقق مصالحهم. وفي خلافة المستنجد كان هناك رجل يسعى بالفساد بين الناس، فأمر المستنجد بسجنه فجاء إلى المستنجد رجل وبذل في هذا المسجون عشرة آلاف دينار فقال المستنجد له: أنا أعطك عشرة آلاف دينار على آخر مثله تأتيني به فأحبسه وأكفي الناس شره (¬1). ¬
المطلب الثالث: تقديرهم للعلماء وإكرامهم لهم
المطلب الثالث: تقديرهم للعلماء وإكرامهم لهم كانوا يحبون العلماء ويكثرون من مجالستهم رغبة في العلم وحبًّا لأهله، كانوا يقدرونهم ويكرمونهم وينزلونهم المنزلة اللائقة بهم. كانوا يستشيرونهم ويعملون بآرائهم، كانوا يولونهم المناصب الحساسة التي تليق بهم والتي لا يقوم بها قيامًا مرضيًّا غيرهم، كان وزراؤهم من العلماء الموثوق بهم، كانوا يزورونهم في مساجدهم وفي بيوتهم، كانوا يستمعون لمواعظهم ويقرؤون عليهم. فقد كان الخليفتان المقتفى والمستنجد يستشيران وزيرهما القاضي بن هبيرة ويأخذان بآرائه. وقد زار المقتفي أحمد بن مهلهل (¬1) بن عبد الله بن أحمد البرداني في مسجده (¬2)، كما أنه قد قرأ على موهوب (¬3) بن أحمد الجواليقي (¬4)، وحينما دعاه ليجعله إمامًا يصلي ¬
به الصلوات الخمس فحينما دخل ما زاد على أن قال: السلام على أمير المؤمنين فقال ابن التلميذ (¬1) النصراني: -وكان قائما- ما هكذا يسلم على أمير المؤمنين يا شيخ، فلم يلتفت إليه ابن الجواليقي وقال: يا أمير المؤمنين، سلامي هو ما جاءت به السنة النبوية، وروى الحديث (¬2)، ثم قال يا أمير المؤمنين، لو حلف حالف أن نصرانيًّا أو يهوديًّا لم يصل إلى قلبه نوع من أنواع العلم على الوجه المرضي لما لزمته كفارة، لأن الله ختم على قلوبهم ولن يفك ختم الله إلا الإيمان. فقال: صدقت وأحسنت، وكأنما ألجم ابن التلميذ بحجر، مع فضله وغزارة أدبه (¬3). ¬
وقد فرق المستضيئ أموالا عظيمة على المدارس والعلماء (¬1)، كما قد جعل للشيخ أبي الفتح حلقة بالجامع، ثم بعد مدة أمر ببناء دكة في جامع القصر (¬2). وقد رفع الناصر منزلة العالم علي بن (¬3) رشيد بن أحمد بن محمد بن حسينا الحربوي الذي توكل له (¬4). كل هذه أدلة قاطعة على ما يكنه هؤلاء الخلفاء للعلم والعلماء من محبة وتقدير واحترام وتشجيع. ¬
المطلب الربع طلبهم للعلم
المطلب الربع طلبهم للعلم كان الخلفاء في ذلك الوقت مع واقعهم السياسي تظهر فيهم نزعة دينية وعلمية تتمثل في استقامتهم وامتثالهم للأوامر الشرعية وحبهم للعلماء والأخذ بآرائهم وأقوالهم الشرعية، وكان بعضهم علاوة على ذلك كله كان هو بنفسه ينخرط بسلك طلاب العلم على قدره. فقد كان المقتفي عالمًا أديبًا كتب في خلافته وسمع الحديث (¬1)، وكان أول أمره متشاغلا بالدين ونسخ العلوم وقراءة القرآن، وقد روى عنه إمامه أبو منصور الجواليقي اللغوي والوزير بن هبيرة وغيرهما (¬2). وقد كان المستنجد بديع النظم وبليغ النثر له معرفة بآلات الفلك وغير ذلك (¬3)، أما الناصر، فقد أجاز له جماعة منهم أبو الحسن (¬4) عبد الحق اليوسفي، وأبو ¬
الحسن (¬1) علي بن عساكر البطائحي، وشهده (¬2). وقد اشتغل برواية الحديث، واستناب نوابا في الإجازة عند التسميع وأجرى عليهم جرايات (¬3). وقد أجاز هو لجماعة فكانوا يحدثون عنه في حياته وكتب للملوك والعلماء إجازات، وممن أجاز لهم فحدثوا عنه، ابن سكينة (¬4)، وابن الأخضر (¬5) وابن النجار (¬6)، وابن الدامغاني (¬7)، وآخرون. ¬
المبحث الثاني حالة غير الخلفاء دينيا وعلميا
المبحث الثاني حالة غير الخلفاء دينيًّا وعلميًّا تعرضت في المبحث الأول إلى حالة الخلفاء في عصر المؤلف من الناحيتين العلمية والدينية وذكرت ما يدل على اهتمامهم بذلك فيما يخصهم أنفسهم وفيما يخص العامة المتبقية وإن كان قد ظهر اهتمامهم الخاص كل منهم بنفسه من الناحية الدينية استقامة بشخصه واتباعًا للأوامر الشرعية، واجتنابًا للنواهي ومن الناحية العلمية حيث اتضح بعد نظرهم وسموه، وظهر منهم الطموح إلى المعالي في شتى العلوم فيما يخصهم، وظهر منهم التشجيع والتقدير والحب والإكرام فيما يخص غيرهم، إلا أن هذه الصفات لم تكن مقصورة على الخلفاء وحدهم، فقد كان لغيرهم من أفراد المجتمع النصيب الوافي من هذه الصفات، إذ قد كانوا على مستوى رفيع سواء من الناحية الدينية في الامتثال والانقياد للتعاليم الشرعية، وظهور الورع والزهد على الكثير منهم وحرصهم على تطبيق ما يوافق كتاب الله وسنة رسوله وجرأتهم على ذلك مهما كانت العواقب، وسواء من الناحية العلمية في الاضطلاع والتقدم في أنواع العلوم دينية كانت أو أدبية أو غير ذلك وفي هذا المبحث سأتناول حالة غير الخلفاء دينيًّا وعلميًّا مقسمًا ذلك إلى ثلاث مطالب، أولها خاص بورعهم وزهدهم، وثانيهما سيكون الحديث فيه حول جرأتهم على قول الحق وإنكار المنكر، وثالثها فيه بيان وإيضاح لبروزهم في أنواع العلوم.
المطلب الأول ورعهم وزهدهم
المطلب الأول ورعهم وزهدهم كان أغلب أهل ذلك العصر وخاصة منهم العلماء ومن حولهم يتصفون بالورع وبالزهد فقد اختلط ذلك بدمهم فأصبحوا لا يقيمون للدنيا وزنًا اللهم إلا ما لا بد منه وما يطمعون من ورائه بثواب أخروي بصفة مباشرة كالتصديق والإنفاق وإقامة المشاريع الخيرية، أو بصفة غير مباشرة كشراء الكتب التي تفيد صاحبها ومن حوله في حياته وتفيد ذريته ومن حولهم بعد مماته. فهذا الوزير ابن هبيرة يقول والله لقد كنت أسأل الله تعالى الدنيا لأخدم بما يرزقنيه منها العلم وأهله، فقد بالغ رحمه الله في تقريب خيار الناس من الفقهاء والمحدثين والصالحين واجتهد في إكرامهم وإيصال النفع إليهم وارتفع أهل السنة به غاية الارتفاع (¬1). وكانت السنة تدور عليه رحمه الله وعليه ديون، وقال: ما وجبت على زكاة قط (¬2) وحكى عنه أنه كان إذا مد السماط فأكثر ما يحضره الفقراء والعميان، فلما كان ذات يوم وأكل الناس وخرجوا بقى رجل ضرير يبكي، ويقول: سرقوا مداسي ومالي غيره، والله ما أقدر على ثمن مداسي، وما بي إلا أن أمشي حافيًا وأصلي، فقام الوزير من مجلسه، ولبس مداسه وجاء إلى الضرير، فوقف عنده وخلع مداسه ¬
والضرير لا يعرفه، وقال له البس هذا وأبصره على قدر رجلك، فلبسه، وقال: نعم، لا إله إلا الله كأنه مداسي، ومضى الضرير، ورجع الوزير إلى مجلسه، وهو يقول: سلمت منه أن يقول: أنت سرقته (¬1). وهذا الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل بن سلمة وقف كتبه (¬2) وكان عفيفًا من حب المال مهينا له، باع جميع ما ورثه، وكان من أبناء التجار فأنفقه في طلب العلم، وكان يفتح عليه من الدنيا جمل فلم يدخرها بل ينفقها على تلامذته (¬3). وقد حضر كتب ابن الجواليقي حين بيعت في بغداد، فنادوا على قطعة منها ستين دينارًا، فاشتراها بستين دينارًا والإنظار من يوم الخميس إلى يوم الخميس فخرج واستقبل طريق همدان، فوصل، فنادى على دار له، فبلغت ستين دينارًا، فقال: بيعوا، قالوا: تبلغ أكثر من ذلك قال: بيعوا، فباعوا الدار بستين دينارًا، فقبضها، ثم رجع إلى بغداد، فدخل يوم الخميس، فوفى ثمن الكتب ولم يشعر أحد بحاله إلا بعد مدة (¬4). ¬
وهذا إبراهيم النهرواني، يضرب به المثل بالورع، كان إذا خاط ثوبًا فأعطي الأجرة مثلًا قيراطًا أخذ منه حبة ونصفًا ورد الباقي، وقال خياطتي لا تساوي أكثر من هذا، ولا يقبل من أحد شيئًا (¬1). وقد ورد أن عبد الله بن أحمد البغدادي، لم يمت أحد من أهل العلم وأصحاب الحديث إلا وكان يشتري كتبه كلها، فحصلت أصول المشائخ كنده، وقد اشترى يومًا كتبًا بخمسمائة دينار ولم يكن عنده شيء فاستمهلهم ثلاثة أيام، ثم مضى ونادى على داره، فبلغت خمسمائة دينار فوفى بها ثمن الكتب (¬2). ¬
المطلب الثاني جرأتهم بقول الحق وإنكار المنكر
المطلب الثاني جرأتهم بقول الحق وإنكار المنكر قول الحق فضيلة لا يدركها إلا من وفقه الله، وكثير من أهل زمان حياة المؤلف وخاصة منهم العلماء وفق لهذا، لأنهم عرفوا تمام المعرفة جزاء قول الحق، وتوكلوا على الله حق توكله، وعملوالله أحبوا له وأبغضوا له، طريقهم قول الحق مهما كان الأمر، امتازت أقوالهم وأفعالهم بالصراحة والصدق لا يخشون في الله لومة لائم، يستهينون كل عناء ولوم وعتاب في قول الحق. فهذا أبو العباس أحمد (¬1) بن أبي غالب البغدادي زاره السلطان مسعود (¬2) في مسجده بالحربية (¬3) فتشاغل عنه بالصلاة وما زاد على أن قال: يا مسعود أعدل وادع الله لي، الله أكبر وأحرم بالصلاة (¬4). وجاء إليه رجل فقال: سل لي فلانًا في كذا فقال: قم معي فصل ركعتين ¬
وأسأل الله تعالى، فإني لا أترك بابًا مفتوحًا وأقصد بابًا مغلقًا (¬1). وكان الحسن بن أحمد بن الحسن لا يخشى السلاطين ولا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يمكن أحدًا أن يعمل في مجلسه منكرًا ولا سماعًا (¬2). وهذا ابن الجوزي رحمه الله، التفت مرة وهو في وعظه إلى ناحية الخليفة المستضيئ، فقال: يا أمير المؤمنين، إن تكلمت خفت منك، وإن سكت خفت عليك، وإن قول القائل لك اتق الله خير لك من قوله لكم إنكم أهل بيت مغفور لكم، كان عمر بن الخطاب يقول: إذا بلغني عن عامل لي أنه ظلم فلم أغيره فأنا الظالم، يا أمير المؤمنين، كان يوسف لا يشبع في زمن القحط حتى لا ينسى الجائع، وكان عمر يضرب بطنه عام الرمادة (¬3) ويقول قرقرا ولا تقرقرا والله لا ذاق عمر سمنًا ولا سمينًا حتى يخصب الناس فبكى المستضيئ وتصدق بمال كثير وأطلق المحابيس وكسى خلقًا من الفقراء (¬4). ¬
وهذا نصر الله بن (¬1) عبد العزيز الحراني، أنكر مرة على مظفر الدين (¬2) صاحب إربل (¬3) لما كانت له حران وأراق له خمرًا، فأحضره، وقال: أتعرفني؟ قال: نعم، بالظلم والفسق، أو معنى ذلك، فهم بضربه، فأشير عليه ألا يفعل، لأجل العامة وميلهم إليه (¬4). ¬
المطلب الثالث بروزهم في أنواع العلوم
المطلب الثالث بروزهم في أنواع العلوم في عصر المؤلف وفي بغداد بالذات كانت بغداد موردًا للمتعلمين، ومصدرًا للعلماء، فقد كثر الوافدون عليها لتلقي العلم عن أهله، حيث كثرت المدارس في ذلك الوقت، فقد بلغت ثلاثين مدرسة (¬1) وبرز أهل ذلك العصر بروزا ظاهرًا في فنون كثيرة من فنون العلم، فقد ذكر الدكتور عبد العزيز السعيد في كتابه ابن قدامة وآثاره الأصولية قوله: (وقد زادت هذه الحركة العلمية في القرن الخامس وفي مقدمتها علوم الشريعة الإسلامية وهذه الفترة من التاريخ الإسلامي هي فترة القمة في نمو التأليف لدى كل الطبقات من علماء المسلمين) (¬2). فقد برز أهل ذلك العصر في شتى العلوم، فقد كان منهم أئمة في القرآن تلاوة وحفظًا وتفسيرًا، ولا يقلون عن ذلك في الحديث وأصوله وشروحه وأسانيده بلغوا الذروة في الفقه وأصوله والفرائض، في اللغة والأدب، في النثر والشعر، في النحو والعروض والبلاغة، في علم المذاهب، في التاريخ والجغرافيا، في الطب والفلك والنجوم، في الحساب والجبر. ¬
فهذا موهوب بن أحمد الجواليقي، كان شيخ أهل اللغة في عصره، سمع الحديث وقرأ الأدب وبرع في علم اللغة والعربية، كان إمامًا في اللغة والأدب، مليح الخط كثير الضبط، صنف التصانيف، ونقل بخطه الكثير (¬1). وهذا محمد بن ناصر (¬2) السلامي الفارسي الأصل، ثم البغدادي مقدم أصحاب الحديث في وقته ببغداد، كان حافظًا ضابطًا متقنًا، ثقة من أهل السنة جيد النقل، صحيح الضبط، كثير المحفوظ، له يد باسطة في معرفة النحو واللغة، كانت أصوله في غاية من الصحة والإتقان، له معرفة تامة في المتون والأسانيد، حدث وأملى الحديث واستملى للأشياخ الكثير وخرج لهم التخاريج الكثيرة وتكلم فيها على الأسانيد ومعاني الأحاديث وفقهها (¬3). وهذا صدقه بن (¬4) الحسين البغدادي، فقيه، أديب، شاعر، متكلم، كاتب، مؤرخ، قرأ بالروايات وسمع الحديث، وقرأ علم الجدل والكلام والمنطق ¬
والفلسفة، والحساب ومتعلقاته من الفرائض وغيرها، وكتب خطًّا حسنًا صحيحًا، وقال شعرًا مليحًا وأفتى وناظر، له مصنفات حسنة (¬1). وهذا عبد الله بن أحمد بن الخشاب البغدادي، قرأ القرآن بالروايات له معرفة تامة بالحديث، قرأ الحساب والهندسة والفرائض، وشارك في أنواع العلوم، انتهى إليه معرفة النحو واللغة، كانت له معرفة بالحديث والمنطق والفلسفة، كان يكتب خطًّا حسنًا، ويضبط ضبطًا متقنًا، وما من علم من العلوم إلا كانت له فيه يد حسنة، له تآليف كثيرة (¬2). وهذا المبارك بن (¬3) الحسن بن طراد الباماوردي المعروف بابن المقابلة، كان أعلم أهل زمانه بالفرائض والحساب والدور حسن العلم بالجبر والمقابلة، وغامض الوصيات والمناسخات (¬4). ¬
وهذا ابن الجوزي -رحمه الله- حفظ القرآن وقرأ الحديث وتفقه وتعلم الفرائض والأدب، اجتمع فيه من العلوم ما لم يجتمع في غيره، صنف تصانيف عديدة في فنون العلم من التفاسير والفقه والحديث والوعظ والرقائق والتواريخ وغير ذلك، انتهت إليه معرفة الحديث وعلومه، له أشعار حسنة كثيرة تصانيفه أكثر من مائتي مصنف (¬1). وهذا عبد الله بن الحسين العكبري، مقرئ مفسر فقيه فرضي لغوي نحوي، إمام في علوم القرآن والفقه واللغة والنحو والعروض والفرائض والحساب، وفي معرفة المذاهب والمسائل والنظريات وقد زادت مؤلفاته على الثلاثين. (¬2) وهذا عبيد (¬3) الله بن علي البغدادي المعروف بابن المارستانية أديب فقيه محدث مؤرخ خطيب بليغ شاعر حافظ فصيح (¬4). ¬
وهذا عبد الغني بن (¬1) عبد الواحد بن علي الجماعيلي المقدسي، برع في الحديث ورجاله وصنف فيه تصانيف حسنة وكثيرة عدد منها صاحب الذيل على طبقات الحنابلة ما يزيد على الخمسة والأربعين مصنفًا (¬2). وهذا عبد الله بن أحمد بن قدامه، إمام من أئمة المسلمين وعلم من أعلام الدين في العلم والعمل، كان إمامًا في القرآن وتفسيره، إمامًا في الفرائض وأصول الفقه والنحو والحساب وفي النجوم السيارة والمنازل له تصانيف عديدة في الفروع والأصول تزيد على الثلاثين (¬3) إمام المذهب في عصره لا يماثله في مذهب الحنابلة إلا القاضي أبي يعلى وابن تيمية (¬4). وليس المجال هنا مجال سرد لجميع العلماء في شتى الفنون، وإنما مجال ذكر نماذج وأدلة على بروز أهل ذلك العصر وتقدمهم في أنواع العلم ولذا فسأكتفي بما ذكرت. ¬
والواقع أن بروز أهل ذلك العصر في الفنون المذكورة كان بروزًا علميًّا وعمليًّا علموا فعملوا. إذ لم يكن الأمر قاصرًا على تقدمهم في العلوم فقط، فقد صاحب هذا العلم تقييد له بالتأليف، فقد تعددت المؤلفات في جيع هذه الأنواع فأفادتهم ومن في عصرهم، وسرت فائدتها إلى من بعدهم ومنذ ذلك الحين وضوء هذه المؤلفات ينير السبيل لمن وصل إليه من سكان المعمورة في شتى العلوم، ومنذ ذلك الوقت والناس عيال على مؤلفاتهم ومؤلفات من قبلهم.
المبحث الثالث المذاهب الفقهية في ذلك الوقت
المبحث الثالث المذاهب الفقهية في ذلك الوقت كانت بغداد في ذلك الوقت حاوية لمذاهب فقهية كثيرة، وكانت حالة تلك المذاهب كحالتها في أي وقت، تظهر أحيانًا وتختفي أحيانًا، ويرتفع شأن بعضها في كثير من الأوقات، ويقل بروز بعضها في بعض الأزمنة، وكان من العوامل الأساسية لهذا البروز أو الاختفاء ما يتصف به منتسبوها من القوة والنشاط، أو حينما ينتسب الخليفة لأحدها وهكذا. وكان من بين المذاهب الموجودة في ذلك الوقت، المذاهب الأربعة الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، والمذهب الشيعي والمذهب الظاهري إلى غيرها من المذاهب الأخرى. وكان من أبرزها المذاهب الأربعة، إلا أنها أيضًا تتفاوت في البروز من عدمه، وفي هذا المبحث سأقصر حديثي على المذاهب الفقهية الأربعة على وجه العموم وعلى المذهب الحنبلي على وجه الخصوص مع التعرض لأسباب بروزه، ولعدد قليل من الأئمة البارزين في هذا المذهب في ذلك الوقت مقسمًا حديثي إلى مطلبين: الأول: عن المذاهب الأربعة عامة. الثاني: عن المذهب الحنبلي خاصة.
المطلب الأول المذاهب الأربعة عامة
المطلب الأول المذاهب الأربعة عامة كانت المذاهب الفقهية الأربعة الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي في بغداد وفي عصر المؤلف على درجات متفاوتة من حيث الشيوع والبروز وكثرة الأتباع والعلماء والمنتسبين والمدارس. فمرة يرتفع وينتشر الحنفي وأخرى الحنبلي وفي أحيان يسيرة الشافعي إلا أن المذهب المالكي في ذلك الوقت في بغداد خاصة كان أقل هذه المذاهب الأربعة انتشارًا وبروزًا وأتباعًا ومنتسبين. فقد كان المذهب الحنفي أكثر انتشارًا من غيره في العراق، وقد ذكر مؤلف كتاب تاريخ المذاهب الإسلامية عندما تحدث عن البلاد التي ذاع فيها المذهب الحنفي ما يؤيد ذلك بقوله: (انتشر المذهب الحنفي في كل بلد كان للدولة العباسية سلطان فيه، وكان يخف سلطانه كلما خف سلطانها، غير أن بعض البلاد تغلغل فيه بين الشعب، وبعض البلاد كان فيه المذهب الرسمي من غير أن يسود بين الشعب في العبادات وكان في العراق وما وراء النهر والبلاد التي فتحت في المشرق المذهب الرسمي وكان مع ذلك مذهبًا شعبيًّا) (¬1). ففي هذا دلالة واضحة على قوة المذهب الحنفي في بغداد حيث هي عاصمة الدولة العباسبة، هذا وإن نازعه هذه القوة أحد المذهبين الشافعي والحنبلي ¬
في بعض الأوقات إما لقوته وكثرة أتباعه وإما لانتساب أحد الخلفاء إليه. وأما المذهب المالكي فهو كما أشرت إليه سابقًا من أقل المذاهب الأربعة انتشارًا في بغداد، فقد جاء في كتاب الفكر السامى في تاريخ الفقه الإسلامي عند ترجمة الأبهري (¬1) مالكي المذهب. (وعرض القضاء على الأبهري فامتنع وبعد موته وتلاحق أصحابه، خرج القضاء عن المالكية إلى الشافعية والحنفية وضعف مذهب مالك في العراق وقل طالبه، لأن الناس تابعون لمذهب الحكومة) (¬2). فهذا وإن كان في آخر القرن الرابع وقبل وقت حياة السامري إذ المترجم له توفي سنة 395 هـ إلا أنه دليل على رحيل المذهب المالكي من العراق في القرن الخامس وما بعده، وقد جاء في الكتاب نفسه بعد ذكر انتشار المذهب المالكي. (وهكذا نرى مذهب مالك قد انتشر في غرب البلاد الإسلامية، ولم ينتشر إلا قليلًا في شرقها ببلاد العراق وما ورائها) (¬3). أما المذهب الشافعي وإن كان له وجود في بغداد إلا أنه أقل بكثير من المذهب الحنفي وأكثر من المالكي، وقد جاء في كتاب تاريخ المذاهب الإسلامية. ¬
(ومع ما للمذهب الشافعي من مكان عند أهل العراق إلا أنه لم يستطع أن يغالب المذهب الحنفي في القضاء، ولا في السلطان عند الشعب، حتى أن الخليفة القادر (¬1) بالله ولى قاضيًا شافعيًّا لبغداد، فثار أهلها، ووقعت الفتن، فاضطر الخليفة إلى إرضاء أكثر الشعب، وعزل القاضي الشافعي) (¬2). أما المذهب الحنبلي فقد كان منتشرًا في بغداد في حياة السامري رحمه الله ولا أدل على ذلك من كثرة العلماء والقضاة الحنابلة في ذلك الوقت وفي بغداد بالذات، وسأفرد الحديث عن المذهب الحنبلي بمطلب خاص. ¬
المطلب الثاني المذهب الحنبلي خاصة
المطلب الثاني المذهب الحنبلي خاصة انتشار المذهب الحنبلي في بغداد في زمن المؤلف وما قبله لا يعتبر غريبًا بل يعتبر أمرا مألوفًا إذ بغداد هي منبع المذهب الحنبلي ومنطلقه ومنها شع نوره وبرز للعالم وخرج لغيرها فالإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ولد ونشأ وطلب العلم وامتحن ببغداد، فقد كان المذهب الحنبلي منتشرًا انتشارًا كثيرًا في بغداد قبل وقت السامري وانتسب إليه كثير من الخلفاء العباسيين وتولى القضاء كثير من القضاة الحنابلة وولوا ولايات عديدة في وقت المؤلف وقبله، وكان لانتشاره قبل حياة السامري آثار ظاهرة في بقائه وبروزه في حياة السامري، وحول المذهب الحنبلي وفي هذا المطلب سأتطرق لأمرين، الأول: انتشار المذهب الحنبلي وأسبابه، والثاني: ذكر تراجم مختصرة لبعض البارزين من الحنابلة في ذلك الوقت.
الأمر الأول انتشار المذهب الحنبلي وأسبابه
الأمر الأول انتشار المذهب الحنبلي وأسبابه في الواقع أن المذهب الحنبلي انتشر في بغداد في هذا الوقت انتشارًا واضحًا وجليًّا لا غبار عليه ولا يخفي على أحد، فقد كان المنتسبون له كثيرين من وزراء وعلماء وقضاة ومتعلمين وعامة، وإن كان هؤلاء وكثرتهم ليست مقصورة على هذا الوقت بالذات بل كان الأمر في السابق أكثر انتشارًا وأتباعًا فقد كان بعض الخلفاء العباسين ينتسبون إليه، وهذا كله في الواقع من أسباب بقائه وانتشاره في هذا الوقت، كما أن أسباب انتشاره في هذا الوقت ما يتمتع به منتسبوه من القيمة الاجتماعية عند الخلفاء وغيرهم، فقد علا قدرهم وارتفعت قيمتهم عند الخلفاء حتى كان منهم الوزير والقاضي والمسئول عن أمور الخليفة وكثير منهم عمل في الحسبة وفي التدريس والوعظ وإمامة بعض الخلفاء، ومنهم من كان وكيلًا للخليفة ومنهم من ولي ديوان الزمام (¬1) والتركات وعين على المظالم إلى غير ذلك من المناصب التي لها مساسها بالمجتمع وتدل على رضا الخليفة عن العامل فهذا كله من أسباب انتشار المذهب الحنبلي في ذلك الوقت، ولقد اطلعت على كتاب الذيل على طبقات الحنابلة فوجدت أن عدد من ترجم لهم ¬
مؤلفه وصادفت حياتهم وقت السامري سواء طالت أم قصرت وسواء ولدوا أو ماتوا أو تعلموا أو علموا ببغداد، وجدت أن عددهم يزيد على المائتين والستين عالمًا وهذا العدد غيض من فيض، فابن رجب رحمه الله لم يذكر إلا المشهورين منهم وخاصة من كان له دور في التعليم أو التأليف أو تولى على منصب، فإذا كان هذا عدد البارزين فما بالك بالآخرين وهذه أعداد لا يخفى أثرها على انتشار المذهب الحنبلي. وسأسرد هنا بعضًا من أسباب انتشار المذهب الحنبلي في وقت المؤلف رحمه الله: 1 - تقريب المقتفي لأمر الله لأحد علماء الحنابلة وهو موهوب بن أحمد بن محمد بن خضر بن الحسن بن محمد الجواليقي المتوفى عام 540 هـ حيث اختص بإمامته في الصلوات، وكان يقرأ عليه شيئًا من الكتب، وانتفع بذلك، وكان رحمه الله من أهل السنة المحامين عنها (¬1). 2 - تولي يحيى بن هبيرة الفقيه الحنبلي الوزارة من عام 544 هـ إلى وفاته عام 560 هـ وذلك لمدة ستة عشر عامًا (¬2). ¬
3 - احترام الخلفاء والوزراء للعلم وأهله فهذا الإمام المقتفي ووزيره ابن هبيرة الحنبلي، كانا يزوران أحد فقهاء الحنابلة أحمد بن مهلهل بن أحمد البرداني والذي انقطع في مسجده لا يخالطه أحد مشتغلا بذكر الله (¬1). 4 - تولي عبد الله بن يونس الحنبلي (¬2) مذهبا الوزارة للخليفة الناصر (¬3). 5 - تعيين الخليفة الناصر للعالم الحنبلي علي بن رشيد بن أحمد الحربوي وكيلًا له كما أنه رفع قدره ومنزلته (¬4). 6 - كون أحد فقهاء الحنابلة وهو المبارك بن شتيكين بن عبد الله (¬5) وكيلًا ¬
للخليفة الناصر واستمرت وكالته حتى توفي رحمه الله سنة 607 هـ (¬1). 7 - حبة الظاهر (¬2) للحنبلي محمد بن معالي بن غنيمة البغدادي (¬3) فقد صحبه في حياة والده الناصر وانتفع بصحبته كثيرًا (¬4). 8 - تعيين محمد بن علي بن مكي بن علي وخز البغدادي (¬5) مشرفًا على وكلاء ¬
الخليفة الناصر (¬1). 9 - تولي عدد كثير من الحنابلة القضاء في أوقات مختلفة من حياة المؤلف. 10 - ما يتمتع به كثير من علماء الحنابلة من القدرة العلمية والقيمة الاجتماعية كابن قدامة وابن الجوزي. 11 - تولي كثير منهم مناصب مختلفة كديوان الزمام وديوان التركات والمظالم والحسبة وغير ذلك. فكل ما ذكرت سابقًا -وعلى سبيل المثال- سواء منه ما كان مجملًا وما كان مفصلًا كل ذلك من أسباب انتشار المذهب الحنبلي في ذلك الوقت. والحقيقة أن المذهب الحنبلي وإن كنت قد وصفته بأنه منتشر في وقت المؤلف إلا أن ذلك إذا قورن بما قبله فهو أقل انتشارًا، إذ قد كان قبل حياة المؤلف أكثر انتشارًا في بغداد فقد كان بعض خلفاء الدولة العباسية حنبلي المذهب كالقائم (¬2) بأمر الله المتوفى عام 467 هـ ومن بعده ابنه المقتدي (¬3) ¬
بأمر الله (¬1). وقد ذكر مؤلف مفاتيح الفقه الحنبلي حينما تحدث عن انتشار المذهب الحنبلي ببغداد ونواحيها قوله: (ومن جهة ثانية ففيما بعد ذلك قوى أمره، بحيث أصبح سكان بغداد ونواحيها في القرن الخامس في عقائدهم على مذهب الحنابلة (¬2). ولا شك أن انتشار المذهب الحنبلي وقوته وكثرة أتباعه في القرن الخامس سيكون له آثار في انتشاره في القرنين السادس والسابع. ¬
الأمر الثاني تراجم مختصرة لبعض البارزين من الحنابلة في عصر المؤلف
الأمر الثاني تراجم مختصرة لبعض البارزين من الحنابلة في عصر المؤلف ذكرت سابقًا أن العلماء الحنابلة البارزين في حياة المؤلف كثيرون وتعرضت للعدد الذين ترجم لهم ابن رجب في كتابه الذيل على طبقات الحنابلة وأشرت إلى أن هذا العدد لا يمثل جميع المنتسبين إلى المذهب الحنبلي وإنما هو يمثل البارزين فقط ممن يعرفهم المؤلف، علمًا بأن هناك أعدادًا كثيرة ممن ينتسب إلى المذهب الحنبلي وترك التعرض لها المؤلف لعدم بروزهم في العلم أو المنصب وهنا سأذكر تراجم مختصرة لعشرة من العلماء الحنابلة الباررين في وقت السامري.
1 - يحيى بن هبيرة
1 - يحيى بن هبيرة هو يحيى بن هبيرة بن سعد بن الحسن بن أحمد بن الحسن بن الجهم بن عمر بن هبيرة بن علوان بن الحوفزان، وهو الحرث بن شريك بن عمرو بن قيس بن شرحبيل بن مرة بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكاية الشيبانيّ الدوري، ثم البغدادي، الوزير العالم العادل، صدر الوزراء، عون الدين، أبو المظفر. ولد عام 499 بالدور: قرية من أعمال الدجيل ودخل بغداد شابًّا، قرأ القرآن بالروايات وسمع الحديث الكثير وقرأ الفقه والأدب وفنونا من العلوم الأدبية، كانت له معرفة حسنة بالنحو، واللغة، والعروض، وصنف في تلك العلوم، كان متشددًا في إتباع السنة وسير السلف. تولى عدة أعمال ظهرت فيها كفاءته وأمانته ونصحه وقدرته، ظهر للمقتفي ذلك منه فقلده الوزارة عام 544 هـ واستمر على وزارته وبعد وفاة المقتفى وتولي ابنه المستنجد بالله أقره على الوزارة وبقي على وزارته حتى وفاته عام 560 هـ. بالغ رحمه الله في تقريب خيار الناس من الفقهاء والمحدثين والصالحين واجتهد في إكرامهم وإيصال النفع إليهم وارتفع أهل السنة به غاية الارتفاع، صنف رحمه الله كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح، المقتصد في النحو، واختصر كتاب إصلاح المنطق لابن السكيت، كتاب العبادات الخمس على مذهب الإمام أحمد بن حنبل (¬1). ¬
2 - الحسن بن أحمد بن الحسن
2 - الحسن بن أحمد بن الحسن الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل بن سلمة بن عثكل بن حنبل بن إسحاق الهمداني المقرئ المحدث الحافظ الأديب اللغوي الزاهد أبو العلاء، المعروف بالعطار شيخ همدان ولد سنة 488 هـ. قرأ القرآن وسمع الحديث، حافظ متقن مقرئ فاضل، حسن السيرة، مرضي الطريقة يعرف القراءات والحديث والأدب معرفة حسنة، كان يفتح عليه من الدنيا جمل فلم يدخرها بل ينفقها على تلامذته، كان لا يخشى السلاطين ولا تأخذه في الله لومة لائم ولا يمكن أحدًا أن يعمل في مجلسه منكرًا. له تصانيف كثيرة في أنواع من علوم الحديث والزهديات والرقائق وغير ذلك منها، زاد المسافر، كما صنف الوقف والابتداء والتجويد والمئات والعدد ومعرفة القراء وهو نحو من عشرين مجلدًا توفي سنة 569 هـ (¬1) ¬
3 - نصر بن فتيان النهرواني
3 - نصر بن فتيان النهرواني نصر بن فتيان بن مطر النهرواني ثم البغدادي أبو الفتح الفقيه الزاهد المعروف بابن المنى ناصح الإسلام وأحد الأعلام وفقيه العراق على الإطلاق ولد سنة 501 هـ وتوفي سنة 583 هـ. برع في الفقه أصولًا وفروعًا ومذهبًا وخلافًا، واشتغالًا وإشغالًا، ومناظرة، تصدر للتدريس وتخرج به أئمة كثيرون منهم موفق الدين المقدسي وفخر الدين بن تيمية (¬1). ¬
4 - ابن الجوزي
4 - ابن الجوزي عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن حمادي بن أحمد بن محمد بن جعفر بن عبد الله بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه القرشي التيمي البكري البغدادي، الحافظ المفسر، الفقيه الواعظ، الأديب جمال الدين أبو الفرج المعروف بابن الجوزي، شيخ وقته، وإمام عصره، ولد ببغداد سنة 508 هـ من الهجرة وقيل سنة تسع وقيل سنة عشر وقيل إحدى عشرة أو اثنى عشر وتوفي عام 597 هـ. حفظ القرآن وقرأ الحديث وتفقه وتعلم الفرائض والأدب، اجتمع فيه من العلوم ما لم يجتمع في غيره: صنف تصانيف عديدة في فنون العلم من التفاسير والفقه والحديث والوعظ والرقائق والتواريخ وغير ذلك، انتهت إليه معرفة الحديث وعلومه، له أشعار. حسنة كثيرة قيل إنها عشرة مجلدات، ألف في الطب. قرأ عليه جماعة كثيرون، وسمع عنه الحديث وروى عنه كذلك، قوى اتصاله رحمه الله بالخليفة المستضيئ. قال عنه الحافظ الذهبي (¬1): ما علمت أحدًا من العلماء صنف مثل ما صنف هذا ¬
الرجل ولقد تعرض صاحب الذيل على طبقات الحنابلة إلى ذكر مؤلفاته فذكر له أكثر من المائتين منها: زاد المسير في علم التفسير. مناقب أحمد بن حنبل. منهاج القاصدين. الإنصاف في مسائل الخلاف. المذهب في المذهب (¬1). ¬
5 - تقي الدين
5 - تقي الدين عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر الجماعيلي المقدسي، الحافظ الزاهد أبو محمد ويلقب تقي الدين حافظ الوقت ومحدثه ولد بجماعيل عام 541 هـ وتوفي عام 600 هـ. سمع بدمشق ورحل هو والشيخ الموفق إلى بغداد عام 561 هـ وأقاما بها أربع سنين نزلا على الشيخ عبد القادر. برع في الحديث ورجاله، وصنف فيه تصانيف حسنة، كان لا يرى منكرًا إلا غيره بيده أو لسانه، كان لا تأخذه في الله لومة لائم، سمع منه الحديث أناس كثير، أفتى وصنف، عدد صاحب الذيل على طبقات الحنابلة من تصانيفه ما يزيد على الخمسة والأربعين منها: المصباح في عيون الأحاديث الصحاح. تحفة الطالبين في الجهاد والمجاهدين. الجامع الصغير لأحكام التيسير النذير. العمدة في الأحكام (¬1). ¬
6 - عبد الله بن الحسين العكبري
6 - عبد الله بن الحسين العكبري عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن الحسين العكبري ثم البغدادي الأزجي المقري الفقيه المفسر الفرضي اللغوي النحوي الضرير محب الدين أبو البقاء بن أبي عبد الله بن أبي البقاء ولد ببغداد سنة 538 هـ وتوفي عام 616 هـ. كان إمامًا في علوم القرآن، إمامًا في الفقه، إمامًا في اللغة، إمامًا في النحو، إمامًا في العروض، إمامًا في الفرائض، إمامًا في الحساب، إمامًا في معرفة المذهب، إمامًا في المسائل والنظريات. ذكر له صاحب الذيل على طبقات الحنابلة ما يزيد على الثلاثين مصنفًا منها: تفسير القرآن. إعراب الحديث. بلغة الرائض في علم الفرائض. التلخيص في النحو. الاستيعاب في علم الحساب (¬1). ¬
7 - ابن قدامة
7 - ابن قدامة عبد الله بن أحمد بن قدامة بن مقدام بن نصر بن عبد الله المقدسي ثم الدمشقي الصالحي الفقيه الزاهد الإمام شيخ الإسلام وأحد الأعلام موفق الدين أبو محمد ولد عام 541 هـ وتوفي عام 620 هـ. رحل إلى بغداد عام 561 هـ وأقام بها نحوًا من أربع سنين وسمع الكثير من كثير من علمائها ثم رجع إلى دمشق وعاد إلى بغداد سنة 567 هـ، كان رحمة الله إماما من أئمة المسلمين وعلمًا من أعلام الدين في العلم والعمل كان إمامًا في القرآن وتفسيره، إمامًا في علم الحديث ومصطلحه إمامًا في الفقه، إمامًا في علم الخلاف، إمامًا في الفرائض وأصول الفقه والنحو والحساب وفي النجوم السيارة والمنازل. صنف رحمه الله تصانيف كثيرة حسنة أصولًا وفروعًا، ذكر صاحب الذيل على طبقات الحنابلة ما يزيد على الثلاثين مؤلفًا منها: البرهان في مسألة القرآن. المغني. الكافي. الروضة. مختصر العدل (¬1). ¬
8 - عبد الرحمن بن نجيم بن الحنبلي
8 - عبد الرحمن بن نجيم بن الحنبلي عبد الرحمن بن نجيم بن عبد الوهاب بن عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد الأنصاري الخزرجي السعدي العبادي الشيرازي الأصلي الدمشقي الفقيه الواعظ ناصح الدين أبو الفرج بن أبي العلاء بن أبي البركات بن أبي الفرج المعروف بابن الحنبلي ولد سنة 554 هـ وتوفي عام 634 هـ. أقام ببغداد مدة وقدم إليها حاجًّا سنة 612 هـ وأكرمه الخليفة الناصر، وعظ بكثير من البلدان، انتهت إليه رئاسة المذهب بعد الشيخ موفق الدين، كان رحمه الله فقيهًا فاضلًا أديبًا حسن الأخلاق، من تصانيفه: أسباب الحديث. الاستسعاد بمن لقيت من صالحي العباد في البلاد. الأنجاد في الجهاد (¬1). ¬
9 - مجد الدين بن تيمية
9 - مجد الدين بن تيمية عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن عبد الله الخضر بن محمد بن علي بن تيمية الحراني الفقيه الإمام المقرئ المحدث المفسر الأصولي النحوي مجد الدين أبو البركات شيخ الإسلام. ولد بحران سنة 590 هـ تقريبًا وتوفي سنة 652 هـ. ارتحل إلى بغداد سنة 603 هـ وأقام بها ست سنين يشتغل في الفقه والخلاف والعربية وغير ذلك، ثم عاد إلى حران ورجع إلى بغداد، حدث بالحجاز والعراق والشام وبلدة حران وصنف ودرس وكان من أعيان العلماء وبيته مشهور بالعلم والدين والحديث، من تصانيفه: أطراف أحاديث التفسير. أرجوزة في علم القراءات. الأحكام الكبرى. المنتقى من أحاديث الأحكام. منتهى الغاية في شرح الهداية (¬1). ¬
10 - يوسف بن عبد الرحمن بن الجوزي
10 - يوسف بن عبد الرحمن بن الجوزي يوسف بن عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن حماد بن الجوزي القرشيّ التيمي البكري البغدادي الفقيه الأصول الواعظ الصاحب الشهير محيي الدين أبو محمد وأبو المحاسن ابن الشيخ جمال الدين أبي الفرج. ولد سنة 580 هـ ببغداد وقتل رحمه الله سنة 656 هـ برع في الفقه والخلاف والأصول وكان رحمه الله كامل الفضائل معدوم الرذائل، له شعر جيد، ولي الحسبة بجانبي بغداد والنظر في الوقوف العامة ووقوف جامع السلطان ثم عزل عن الحسبة ثم عن الوقوف فانقطع في داره يعظ ويفتي ويدرس ثم أعيد إلى الحسبة سنة 615 هـ واستمر مدة ولاية الناصر ثم أقره ابنه الظاهر، من تصانيفه: معادن الإبريز في تفسير الكتاب العزيز. المذهب الأحمد في مذهب أحمد. الإيضاح في الجدل (¬1). ¬
الفصل الثاني الحالة السياسية
الفصل الثاني الحالة السياسية كانت حياة المؤلف رحمه الله بين عام 535 هـ 616 هـ، وإقامته بالعراق بين سامراء وبغداد، وكانت الخلافة في وقته للعباسيين فولادته في أول خلافة المقتفي لأمر الله أبو عبد الله محمد بن المستظهر بالله الذي بويع سنة 530 هـ بعد خلع ابن أخيه الراشد بالله أبو جعفر منصور بن المسترشد، واستمرت خلافة المقتفي حتى توفي عام 555 هـ (¬1) حيث بويع ابنه المستنجد بالله أبو المظفر يوسف بن المقتفي والذي مات عام 566 هـ (¬2). وفي يوم مماته بويع ابنه المستضيئ بأمر الله الحسن أبو محمد والذي دامت خلافته حتى وفاته عام 575 هـ (¬3) بعد أن عهد بالخلافة إلى ابنه الناصر لدين الله أحمد أبو العباس، وقد طالت مدة خلافته، حتى قيل: لم يل الخلافة أحد أطول منه، فقد بلغت مدة خلافته سبعًا وأربعين سنة استمرت حتى وفاته عام 622 هـ أي بعد وفاة السامري رحمه الله بست سنوات (¬4). وكانت المشاكل السياسية في هذا الوقت كثيرة جدًّا في البلدان المجاورة للعراق ¬
إلا أن العراق وبغداد خاصة أقل مشاكل من جاراتها وإن كانت لا تخلو من هذه المشاكل فقد على الخلافة العباسية قبل هذا الزمن ما لا يخفى من الوهن والضعف والانحلال، إلا أنها في هذا الوقت بالذات قد دبت فيها الحياة بعد أن كانت السيطرة التامة لسلاطين بني (¬1) بويه (¬2) ثم للسلاجقة (¬3) من بعدهم غير أن السلاحقة يختلفون في معاملتهم للخلفاء اختلافًا كبيرًا عمن سبقهم من بني بويه فمعاملتهم تمتاز عن معاملة بني بويه وأحسن بكثير، فهم يحسون ويشعرون بقيمة الخلفاء الدينية، ويظهرون احترامهم ويقدرونهم، وكانوا يعتقدون المذهب السني مذهب الخلفاء العباسيين، كل هذا مما قوى الخلفاء العباسيين، وبعث في نفوسهم الأمل لاستعادة قوتهم ونفوذهم، فقد بدأت هذه القوة وهذا النفوذ في أواخر العهد السلجوقي (¬4) وذلك من عهد المقتفي، فقد وهبه الله القوة هو ومن بعده من الخلفاء ويسر الله أمورهم حتى كان لهم الأمر والنهي وقويت شوكتهم وهابهم غيرهم فضعف أمر السلاجقة الذين سبقت لهم الصولة والجولة والأمر والنهي والتدبير في كل الأمور. ¬
وقد بدأ هذا الضعف من عام 533 هـ -أي بعد مبايعة المقتفي بثلاث سنوات- حيث ظهر عجز السلطان مسعود (¬1) ولم يبق له إلا الاسم وزادت قدرة وتمكن المقتفي، وعظمت هيبته وعلت كلمته، وقد ذكره السيوطي رحمه الله أن ذلك مبدأ صلاح الدولة العباسية (¬2). وفي عام 547 هـ مات السلطان مسعود وبموته زاد ضعف دولة السلاجقة وبمقدار هذا الضعف زادت قوة المقتفي فأمر ونهى ونفذت كلمته وساس البلاد ومهدها فعظم أمره وقوى على مخالفيه واشتد عليهم فخافوه وهابوه وزادت حرمته واستمر في تزايد طوال حياته (¬3). وقد ذكر ابن الأثير (¬4) في كتابه الكامل في التاريخ عند وفاة السلطان مسعود أنه بموته ماتت سعادة البيت السلجوقي فلم يقم بعده راية يعتد بها ولا يلتفت إليها (¬5). وقد ذكر صاحب سمط النجوم العوالي نقلًا عن ابن الجوزي قوله: ¬
(من أيام المقتفى عادت بغداد والعراق إلى يد الخلفاء ولم يبق لهم منازع، وقبل ذلك من دولة المقتدر (¬1) إلى وقته كان الحكم للمتغلبين من الملوك وليس للخليفة معهم إلا الاسم فقط) (¬2). وقد ذكر ابن الأثير أن المقتفي هو أول من استبد بالعراق منفردًا عن سلطان من أيام الديلم (¬3) إلى وقته (¬4). كما قد ذكر عن المستنجد أنه من أحسن الخلفاء سيرة مع رعيته ووصفه بالعدل وكثرة الرفق (¬5). أما المستضيئ فقد خطب له في مصر واليمن وكثير من البلدان المجاورة وأذعنت الملوك بطاعته (¬6). ووصف المستضيئ رحمه الله بالعدل والإحسان إلى رعيته، عاش الناس في وقته بأمان وطمأنينة وسكون لا مثيل له (¬7). ¬
أما الخليفة الناصر فكانت حياته مملوءة بالعز والإجلال والقوة، أحيا بهيبته الخلافة وملأ القلوب هيبة وخيفة فرهبه أهل الهند ومصر كما رهبه أهل بغداد (¬1). ملك مماليك وبلدان كثيرة، وخطب له بأماكن عديدة كالأندلس وبلاد الصين (¬2) وأفريقية (¬3)، وكانت تصرفات هؤلاء الخلفاء تمتاز بالحكمة والتروي والشورى، فقد ورد أنه لما تطاول أصحاب مسعود على المقتفي ولم يمكن المجاهرة بالحرب اتفق رأي الخليفة ووزيره ابن هبيرة على الدعاء على مسعود شهرًا، وابتدئا بالدعاء عليه سحرًا فلما تكامل الشهر مات مسعود ولم يزد على الشهر يومًا ولا نقص يومًا، وهما بهذا الدعاء مقتدين بالرسول صلى الله عليه وسلم حينما دعا على رعل وذكوان حينما نقضا العهد (¬4). ولذلك كله فقد منيت تصرفاتهم بالتوفيق بإذن الله، نصرهم الله على أعدائهم، وأنزل الله الرعب في قلوب مبغضيهم، إذا فحالة سياسة كهذه الحالة السائدة في عصر هؤلاء الخلفاء، استيلاء، وقوة، وهيبة وانتصار، وتغلب على ¬
كل عدو، وعز ورفعة، وعدل ورفق بالرعية، وشدة على المفسدين وحكمة وتروي ومشورة. حالة كهذه فيها قسط كبير من الخصوبة للعلم وأهله، ميادين واسعة للتقدم العلمي بين مختلف الطبقات الاجتماعية في ذلك الوقت. فهولاء الخلفاء جمعوا بين العلم والسياسة كان لهم حظ وافر من العلم ونصيب موفق من تسيير دفة الأمور. كان وزراؤهم في الغالب على نمطهم ومثالًا على ذلك الوزير ابن هبيرة، الذي تولى الوزارة أيام المقتفي عام 544 هـ واستمر بها حتى توفي في ولاية الناصر عام 590 هـ. فقد جمع هذا الوزير بين الحكمة والسياسة بين العلم والدهاء بين العقل وبين الفهم، بين التأليف وقضاء حوائج الناس، نشر العدل ورفع الظلم، رفع العلم وأهله، قرب العلماء ورفع قدرهم، ارتفعت رايات العلم في عهده. إذًا فلا غرابة في نبوغ علماء كالسامري في ذلك الوقت الذي كان الأمر فيه لهؤلاء الخلفاء ووزرائهم.
الباب الثاني المؤلف وشيوخه وتلامذته
الباب الثاني المؤلف وشيوخه وتلامذته في هذا الباب سأتحدث عن المؤلف وشيوخه وتلامذته مقسمًا ذلك إلى ثلاثة فصول: الأول: خاص بالمؤلف، اسمه، وولادته، ووفاته، وحياته. الثاني: خاص بمكانته وآثاره. الثالث: خاص بشيوخه وتلامذته.
الفصل الأول اسم المؤلف وولادته ووفاته وحياته
الفصل الأول اسم المؤلف وولادته ووفاته وحياته في هذا الفصل سيكون الحديث مقسما إلى مبحثين: الأول: عن اسم المؤلف وولادته ووفاته. الثاني: عن حياته العلمية والعملية.
المبحث الأول اسم المؤلف وولادته ووفاته
المبحث الأول اسم المؤلف وولادته ووفاته هذا المبحث سأقوم بتقسيمه إلى ثلاثة مطالب: المطلب الأول: اسم المؤلف. المطلب الثاني: ولادة المؤلف. المطلب الثالث: وفاة المؤلف.
المطلب الأول: اسم المؤلف
المطلب الأول: اسم المؤلف: هو محمد بن عبد الله بن الحسين السامري (¬1) بضم الميم وكسر الراء (¬2) مع تشديدها -يلقب نصير الدين، ويعرف بابن سنينه، ولقب أيام ولايته (معظم الدين)، وقد ذكر ابن رجب (¬3) أن ابن النجار نسبه فقال: محمد بن عبد الله بن الحسين بن أحمد بن قاسم بن إدريس المعروف بابن سنينه (¬4). ¬
المطلب الثاني ولادته
المطلب الثاني ولادته مكانها: جميع الكتب التي اطلعت عليها سواء كانت معاجم أو كتب فقهية أو تاريخية على أن السامري محمد بن عبد الله مؤلف المستوعب والفروق والبستان مولود بسامراء (¬1). تاريخها: ليس هناك أي خلاف في تاريخ وفاته بين الكتب التي تعرضت لها إذ قد حددتها جميع الكتب بعام 535 هـ (¬2). ¬
المطلب الثالث وفاته
المطلب الثالث وفاته مكانها: ليس هناك خلاف في مكان وفاته فالاتفاق موجود على أن وفاته ببغداد. تاريخها: أغلب الكتب التي اطلعت عليها وتناولت تاريخ وفاة السامري حددت ذلك في ليلة السابع عشر من شهر رجب عام 616 هـ، إلا ما كان من ابن بدران في كتابه المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل عند ذكره لكتاب المؤلف -المستوعب- تعرض لتاريخ وفاته وذكر أنه توفي سنة عشر وستمائة (¬1). والأرجح هو التحديد الأول عام 616 هـ لأنه ورد في كتاب الذيل على طبقات الحنابلة وهو أقدم من ابن بدران ومختص بتراجم الحنابلة كما أنه موجود بكتاب شذرات الذهب وهو أقدم أيضًا، كما أن ابن بدران لم ينسب ذلك. التحديد لأحد والله أعلم. ¬
المبحث الثاني حياته العلمية والعملية
المبحث الثاني حياته العلمية والعملية ولد السامري رحمه الله -كما سبق ذكره- بسامراء عام 535 هـ، ووفقه الله للانصراف إلى طلب العلم، ورزق شغفًا في حب العلم، وفهما لدقائقه، ودقة في التفريق بين صوره. وقد تلقى العلم على عدد من العلماء الأفاضل في وقته وهم: 1 - إبراهيم بن دينار بن أحمد بن الحسين النهرواني. 2 - محمد بن عبد الباقي المعروف بابن البطي. 3 - عبد اللطيف بن أبي سعد. أما التدريس فلم يذكر أنه جلس كغيره وإنما ورد في بعض تراجمه أن المؤرخ ابن الساعي نقل عنه (¬1). كما أن ابن رجب ذكر عند ترجمة يحيى بن أبي منصور أنه لقي السامري (¬2)، وقد تولى السامري رحمه الله بعض المناصب إذ قد تولى القضاء بسامراء مدة، ثم ولي القضاء والحسبة ببغداد إلا أنه عزل عن القضاء وبقي على الحسبة، وبعد ¬
ذلك عزل عن الحسبة وولي إشراف ديوان الزمام، ثم عزل أيضًا عن ذلك وألزم بيته مدة من الزمن ثم أذن له بالعودة إلى بلده فعاد إليها وفي أخر عمره عاد إلى بغداد وبقي بها حتى توفي رحمه الله. وقد حاولت التعرف على أي تاريخ لما تولاه من الأعمال إلا أنني لم أجد في الكتب التي اطلعت عليها أي دلالة تحدد ذلك تحديدًا دقيقًا. ورغم ما تولاه من القضاء مرارًا والحسبة والإشراف على ديوان الزمام، وما حصل له من عزل عن المناصب المرة تلو الأخرى وما عمل تجاهه، رغم ذلك كله لم تفتر عزيمته ولم تعقه التقلبات في المناصب والمواقف التي قد تغيظه، لم يؤخره ذلك كله عن التأليف. فقد ألف رحمه الله مؤلفات لها قيمتها في المذهب الحنبلي وهي: 1 - كتاب المستوعب في الفقه. 2 - كتاب الفروق في الفقه. 3 - كتاب البستان في الفرائض.
الفصل الثاني مكانة المؤلف وآثاره العلمية
الفصل الثاني مكانة المؤلف وآثاره العلمية الحديث في هذا الفصل سيكون متضمنًا لأمرين: الأول: مكانة المؤلف العلمية. الثاني: آثاره العلمية. وسأتحدث عن كل واحد منهما تحت مبحث فمكانته تحت المبحث الأول وآثاره تحت المبحث الثاني.
المبحث الأول مكانة المؤلف العلمية
المبحث الأول مكانة المؤلف العلمية قيمة كل عالم بارز في أي فن من فنون العلم تظهر بأمرين أو بأحدهما. فقد تظهر في حياته إما فيما يتولاه من مناصب يكون لها أثرها الفعال وعاقبتها الحسنة وذكراها الطيبة فيما يتم على يديه من الأمور العديدة التي لها أثرها في نفع المجتمع وفي إبراز هذا الفن حاضرًا ومستقبلًا. وإما فيما يقوم به من تعليم وإرشاد لأي طبقة من طبقات المجتمع أو لجميع الطبقات، وقد لا تظهر إلا بعد مماته فقط وذلك لمن قل اتصاله بالمجتمع أو اتصل وقل أثره وإنما كان له دور في التأليف في أي فن، تأليف له قيمته العلمية حتى يكون مرجعًا لمن بعده، فبعض العلماء لم تظهر قيمته إلا بعد مماته وهو من اقتصر على التأليف -وإن كان البعض من هذا النوع قد تظهر في حياته- وبعضهم تظهر قيمته في حياته وبعد مماته وهم من جمعوا بين أي عمل له دوره في بروزهم في حياتهم وبين التأليف في أي فن من فنون العلم تأليف يصح الاعتماد عليه. ومؤلفنا رحمه الله من العلماء الذين جمعوا بين الأمرين، ففي حياته تولى مناصب عديدة لها مساسها بالمجتمع، فتولى القضاء، وتولى الحسبة، وتولى ديوان الزمام، وهذه الأعمال لها مساسها المباشر المستمر بالمجتمع، فكان له قيمته
في وقته من هذه الجهة. أما التدريس فلم يذكر أنه قام به قيامًا منتظمًا أو خصص له مجلس أو درس، ولربما كان ذلك بسبب مناصبه واشتغاله بالتأليف. وأما قيمته رحمه الله بعد مماته فقد ظهرت وبرزت من خلال صفحات ما ألفه وكثرة مراجعيه ودارسيه والناقلين منه، فقد رجع إلى مؤلفاته -وأخص منها المستوعب- الكثير من علماء الحنابلة واستعانوا وانتفعوا بما سجله ودونوا بمؤلفاتهم بعضًا من تعبيراته وآرائه رحمه الله وقد عد قوله ورأيه مع البارزين من علماء الحنابلة في تلك المؤلفات. وقد اطلعت على مؤلفات عديدة من مؤلفات الحنابلة نقلوا منه وأشاروا إليه وإلى مؤلفاته وذكرت أقواله وآراؤه في مؤلفاتهم، ومنها على سبيل المثال: 1 - النكت والفوائد السنية (¬1). 2 - الفروع لابن مفلح (¬2). 3 - تصحيح الفروع (¬3). 4 - القواعد لابن رجب (¬4). مطالب أولى النهي (¬5). ¬
5 - شرح منتهى الإرادات (¬1). 6 - الآداب الشرعية (¬2). 7 - حاشية العنقري على الروض المربع (¬3). 8 - حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع جمع عبد الرحمن بن محمد بن قاسم (¬4). 9 - الفواكه العديدة (¬5). 10 - المبدع في شرح المقنع (¬6). 11 - المطلع على أبواب المقنع (¬7). 12 - كشاف القناع (¬8). 13 - الاختيارات الفقهية (¬9). 14 - تجريد زوائد الغاية مع مطالب أولي النهي (¬10). وقد أثنى عليه رحمه الله وعلى مؤلفاته كثير من العلماء أثناء مرورهم على ترجمته أو ذكر معلومات عن أبي مؤلف من مؤلفاته فقد وصفوه بصفات حميدة، صفات علمية لا يوصف بها إلا من علا قدره وارتفعت منزلته، فقد ذكر الإمام ابن رجب ¬
عند الترجمة له في كتاب الذيل على طبقات الحنابلة بعضًا من الصفات العلمية القيمة فأورد أنه برع في الفقه والفرائض وقال عنه عند ذكره لاسمه (محمد بن عبد الله بن الحسين السامري الفقيه الفرضي، كما ذكر ما قاله عنه ابن النجار (قال ابن النجار كان شيخا جليلًا فاضلًا نبيلًا حسن المعرفة بالمذهب والخلاف، وقال عنه ابن بدران (مجتهد المذهب) (¬1). كما أن من الأدلة الدالة على رفعة قدره وعلو مكانته بين العلماء والمتعلمين ما يظهر من مقدمتيه في كتابية المستوعب والفروق حيث ظهر من هاتين المقدمتين أنه لم يؤلف هذين الكتابين إلا بطلب وسؤال وذلك من الشواهد على سمو مكانته العلمية في حياته. ¬
المبحث الثاني آثاره العلمية
المبحث الثاني آثاره العلمية خلف السامري رحمه الله آثارًا علمية ضخمة جدًّا، وإن لم تكن ضخمة في حجم أوراقها إلا أن ضخامتها تكمن في معناها وفائدتها فقد خلف مؤلفات ثلاثة: أولها: المستوعب في الفقه. وثانيها: الفروق في الفقه. وثالثها: البستان في الفرائض وقد سمي في بعض كتب التراجم (البيان) (¬1). أما المؤلفين الأول والثاني فهما موجودان ولا يزالان مخطوطين. وأما الثالث وهو البستان أو البيان فلم أجد ما يدلني عليه وهل هو موجود أم لا؟ وكل ما وجدت عنه ذكر اسمه من ضمن مؤلفات السامري وأنه في الفرائض، أما عن وجوده وفي أي مكتبة فلم أعثر على شيء من هذا، ومن الاحتمالات أن هذا المؤلَّف داخل ضمن مؤلفه الكبير المستوعب، إذ قد أفرد في المستوعب كتابًا للفرائض في الجزء الثالث يحتوي على أكثر من خمس وثمانين صفحة وفي ¬
هذا المبحث سأتحدث عن هذين الكتابين: 1 - المستوعب. 2 - الفروق. وسيكون الحديث عن كل واحد تحت مطلب، فالمستوعب تحت المطلب الأول، والفروق تحت المطلب الثاني. أما المؤلف الثالث وهو البستان أو البيان فلن أفرد له مطلبًا خاصًّا به وسأكتفي بما قلت عنه سابقًا.
المطلب الأول المستوعب
المطلب الأول المستوعب كتاب المستوعب كتاب قيم من جميع النواحي فله من اسمه نصيب وافي، إذ قد استوعب كثيرًا من كتب الحنابلة التي سبقت المؤلف كما ورد في ذكر مقدمته والتي نصها (بسم الله الرحمن الرحيم، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت قال الشيخ الإمام العالم نصير الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسين بن أحمد بن القاسم بن إدريس السامري رحمة الله عليه: الحمد لله على إنعامه العميم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها الخلود في دار النعيم وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الهادي إلى الصراط المستقيم صلى الله عليه وعلى آله أفضل الصلاة وسلم أطيب التسليم ما راق نسيم وانتجع الكلأ مسيم. سألتموني أسعدكم الله وإياي بطاعته وعمكم وإياي برحمته تأليف كتاب في الفقه على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رضي الله عنه يحصل لكم به الفقه في مذهبه ويسهل عليكم السبيل إلى طلبه مختصر الألفاظ جم المعاني فأجبتكم إلى ذلك محترمًا لمسألتكم وملبيًا لدعوتكم وضمنت كتابي هذا من أصول المذهب وفروعه ما استوعب جميع ما تضمنه مختصر الخرقي والتنبيه للخلال والإرشاد لابن أبي موسى (¬1) والجامع الصغير والخصال للقاضي أبي يعلى ¬
والخصال لابن البنا (¬1) وكتاب الهداية لأبي الخطاب (¬2) والتذكرة لابن عقيل (¬3). ¬
فمن حصل كتابي هذا أغناه عن جميع هذا الكتب المذكورة إذ لم أخل بمسألة منها إلا وقد ضمنته حكمها وما فيها من الروايات وأقاويل أصحابنا التي تضمنتها هذه الكتب اللهم إلا أن يكون في بعض نسخها نقصان ولقد تحريت أصح ما قدرت عليه منها ثم زدت على ذلك مسائل وروايات لم تذكر في هذه الكتب نقلتها من الشافي للخلال ومن المجرد ومن كفاية المغني ومن غيرها من كتب أصحابنا رضي الله عنهم. وسألت الله أن يعينني على حسن الإيراد وأن يسلك بي في ذلك سبيل الرشاد وأن يعصمني فيه من الزلل وأن يوفقني للصواب من القول والعمل وأن يجعله خالصًا لوجهه وينفعني به وجميع المسلمين إنه سميع مجيب) ... إلى آخر المقدمة. وهذا الكتاب لا يزال مخطوطًا، وقد اطلعت على صورة لإحدى نسخ مخطوطاته وهي التي نقلت منها أول المقدمة. وبعد نظري لهذا الكتاب ظهر لي: 1 - أنه يذكر الروايات والأوجه والأقوال. 2 - يذكر أقوال وآراء من سبقه كابن أبي موسى والخرقي والقاضي والخلال وابن عقيل والأثرم وابن حامد (¬1) وابن البنا وأبي الخطاب وابن ¬
شاقلا (¬1) وأبو حكيم شيخه. 3 - له ترجيحات وذلك عند تعرضه للخلاف في بعض الأحكام، فمرة يقول (وهو الصحيح عندي) (¬2) وأخرى (والصحيح عندي أنه) (¬3) وثالثه (وعندي أنه) (¬4) ورابعه (والتحقيق عندي) (¬5). 4 - الإقلال من ذكر الأدلة الشرعية على الأحكام إذ لو ساقها على كل حكم كغيره من أمهات الكتب لبلغ أضعاف أضعاف ما بلغه حاليًا، وليس معنى هذا ندرة ذكره للدليل، وإنما إذا قيست الأدلة بالأحكام فهي قليلة جدًّا. 5 - قسم الكتاب في المخطوطة التي اطلعت عليها إلى ثلاث أجزاء الأول يبدأ بكتاب الطهارة وينتهي بانتهاء كتاب البيوع وعدد صفحاته خمسمائة وسبعون صفحة بمائتين وخمس وثمانون ورقة، الثاني يبدأ بكتاب الضمان وينتهي بكتاب الطلاق وعدد صفحاته مائة وأربع وخمسون صفحة بسبع وسبعين ورقة ¬
الثالث يبدأ بكتاب الجنايات وينتهي بباب الكراهة وعدد صفحاته أربعمائة وستون صفحة بمائتين وثلاثين ورقة. 6 - سيره بالنسبة للمواضيع كسير غالبية الفقهاء الحنابلة، والحقيقة أن المستوعب من الكتب المعول عليها في المذهب الحنبلي فقد رجع إليه كثير من علماء الحنابلة في مؤلفاتهم كما ذكرت ذلك سابقًا. ولقد قال صاحب كتاب الذيل على طبقات الحنابلة: (وفي كتابيه "المستوعب" و "الفروق" فوائد جليلة ومسائل غريبة (¬1) كما قال ابن بدران في كتابه المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل عن المستوعب" وهو كتاب مختصر الألفاظ كثير الفوائد والمعاني -إلى أن قال- وبالجملة فهو كتاب أحسن متن صنف في مذهب الإمام أحمد رحمه الله) (¬2). ¬
المطلب الثاني الفروق
المطلب الثاني الفروق هذا الكتاب الذي خلفه مؤلفنا رحمه الله وهو موضوع الرسالة ألفه السامري بعد إلحاح من بعض المحيطين به والحريصين على ما ينفعهم وما ينفع من بعدهم، كما ظهر ذلك من مقدمته لهذا الكتاب والتي سأذكرها في مكانها في هذا المطلب. هذا الكتاب من الكتب الفقهية التي تعتني بإيضاح الفروق بين الأحكام المتفقه في الصورة والمختلفة في الحكم. سار المؤلف في كتابه هذا كسير فقهاء مذهبه من حيث ترتيب المواضيع، فبدأ بقسم العبادات ثم أتبعه بالمعاملات ... الخ. وحيث أن موضوعي مختص بالقسم الأول وهو قسم العبادات فإنني سأقصر حديثي على هذا القسم فأقول: بدأ المؤلف كتاب الفروق بمقدمه حمد الله فيها وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم بين سبب تصنيفه لهذا الكتاب وهذا نص مقدمته: (بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر وأعن الحمد لله الذي أنزل الفرقان وأوضح البيان وصلى الله على رسوله سيدنا محمد النبي وآله وأصحابه وأزواجه والتابعين لهم بإحسان، وبعد فإنه تكرر سؤال بعض أصحابنا كثرهم الله تعالى أن أصنف كتابًا على
مذهبنا يتضمن المسائل المشتبهة صورها المختلفة أحكامها وأوضح الفروق بينهما وأبين مآخذ أحكامها وأدلتها وعللها ليتضح للفقيه طرق الأحكام ويكون قياسه للفروع على الأصول متسق النظام ولا يلتبس عليه طرق القياس فيبني حكمه على غير أساس، فأجبته إلى ذلك مع ما أنا عليه من كثرة الهموم وتقسم الفكر متضرعًا إلى الله سبحانه في معونتي وخاضعًا له في توفيقي وعصمتي وهو بكرمه يسمع ويجيب فنبدأ بكتاب الطهارة فنقول) ..... وبعد ذلك بدأ بكتاب الطهارة ثم ذكر تحته أربعين فصلًا كل فصل يحتوي على فرعين أحدهما يشبه الآخر في صورته ويختلف عنه في حكمه. ثم ثنى بكتاب الصلاة وذكر تحته ثمانية عشر فصلًا ثم جاء بكتاب الزكاة وذكره تحته واحدًا وعشرين فصلًا ثم كتاب الصيام وذكر فيه سبعة عشر فصلًا ثم الاعتكاف وهو فصلان ثم الحج وهو آخر قسم العبادات وذكره فيه ثمانية وعشرين فصلًا. وبذا يظهر لنا أنه قسم العبادات إلى ستة كتب: الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والاعتكاف والحج وأن مجموع ما ذكره تحت هذه الأبواب من الفصول مائة وستة وعشرون فصلًا.
طريقته في هذا الكتاب
طريقته في هذا الكتاب: من الواضح أن ما بداخل أي كتاب في الغالب له نصيب من اسمه، فاسم كتاب السامري (الفروق) ومن مقدمته السابقة يتضح لنا جليًّا أنه سيذكر الأحكام المتشابهة صورها المختلفة أحكامها، ولقد سار المؤلف في كتابه هذا على هذا المنهج الذي ذكره في مقدمته وسمى به كتابه. ولقد حصل من سيره على هذا النحو أمران: أولهما: أن هذا الكتاب لم يتعرض لجميع الأحكام الفقهية التي تعرضت لها الكتب الأخرى مختصرة كانت أم مطولة، والسبب في هذا أنه لا يذكر من الأحكام إلا ما كان له شبيهًا في الصورة ومخالفًا في الحكم. ثانيهما: أن الأحكام المذكورة تحت الكتب التي اعتمدها في تقسيمه ككتاب الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والاعتكاف والحج لم تكن مختصة في كتابها فقط كسائر المؤلفات الأخرى -وإن كان أغلبها يختص بالكتاب الذي هو تحته فقد تجد حكمًا خاصًّا بالصيام فرعًا في فصل في كتاب الطهارة وقد تجد حكمًا خاصًّا بالحج أو الصلاة فرعًا في فصل في كتاب الصيام. وقد تجد حكمًا خاصًّا بالصلاة أو الصيام أو الزكاة فرعًا في فصل في كتاب الحج، ولكن الفرع الأول دائمًا من الأحكام الداخلة تحت الكتاب إلا في فصل واحد من الفصول التي تحت كتاب الصيام ففرعه الأول حول صلاة التطوع والثاني حول صيام التطوع.
وما سبق كله أمر يفرضه واقع الكتاب اسمه وسبب تأليفه والمؤلف رحمه الله كون كل فصل من فرعين أحدهما يشبه الآخر في الصورة ويختلف عنه في الحكم، بدأ كل فصل بذكر فرعيه، ثم أتبع ذلك بالفرق بين هذين الفرعين أو الحكمين، ويفرق بينهما بالنص وأخرى بغير النص وفي غالب الفصول اعتمد ذكر فرق واحد، وفي نوادر ذكر أكثر من فرق، وقد يورد اعتراضات ويرد عليها، ولقد حاول الإبتعاد في مؤلفه هذا أو قلل من أن يعزو أي حكم على مسألة إلى غيره من العلماء أو أن ينقل كلامهم من مؤلفاتهم ماعدا ما ذكره عن الإمام أحمد من نقل أو نص وكذلك نوادر عن القاضي. أما عن الأحكام ورواياتها وأوجهها وراجحها ومرجوحها، فهو رحمه الله لم يلتزم بما ذكره في مقدمته إذ قد قال: (وبعد فإنه تكرر سؤال بعض أصحابنا كثرهم الله تعالى أن أصنف كتابًا على مذهبنا) الخ وكان من الأولى حسب ما ذكره في مقدمته أن يلتزم المذهب ولا يتعرض لذكر الروايات المرجوحة في فروع فصوله سواء ذكر هذه الروايات ولم يتعرض لغيرها أو ذكر أن هناك روايتين إلا أنه رحمه الله سار كالتالي: 1 - في أغلب الفصول التزم المذهب ولم يتعرض لذكر الروايات الأخرى المرجوحة إن وجدت. 2 - في بعض الفصول ذكر الروايتين وبين الصحيح منها. 3 - في بعض الفصول ذكر الروايتين ولم يقدم واحدة على الأخرى.
مخطوطات الفروق
4 - في بعض الفصول ذكر الروايتين ولم يقدم واحدة على الأخرى رغم أن الصحيح والمذهب واحدة منهما. 5 - في بعض الفصول لم يتعرض لذكر الروايات رغم وجود رواية أصح من التي ذكرها. مخطوطات الفروق: لم أجد لهذا الكتاب إلا مخطوطتين فقط الأولى في المكتبة الظاهرية واعتبرتها أصلًا أثناء تحقيقي وقسم العبادات الذي هو موضوعي يتكون في هذه المخطوطة من أربع وستين ورقة فيها مائة وسبع وعشرون صفحة بكل ورقة صفحتان ما عدا الورقة الأولى فليس بها إلا صفحة واحدة بكل صفحة ثلاث عشر سطرا وبكل سطر إحدى عشرة كلمة والثانية توجد بمكتبة أهلية بالبصرة اسمها المكتبة العباسية وقسم العبادات فيها يتكون من سبع وخمسين صفحة مفقود منها ست صفحات في أولها في كل صفحة واحد وعشرون سطرًا وفي كل سطر ثلاث عشرة كلمة وهذه المخطوطة تحمل رقم 39 / جـ في المكتبة العباسية. وكتاب الفروق هذا مع أهميته إلا أنه أقل أهمية من كتاب المؤلف المستوعب لأن المستوعب كتاب عام وشامل لجميع الأحكام الفقهية التي تعرض لها غيره وللروايات والأوجه. أما كتاب الفروق فهو خاص بالأحكام المتشابهة صورة والمختلفة حكمًا ليذكر الفرق بينهما. وقد كان الرجوع له قليلًا لأمرين: الأول أن لمؤلفه كتابًا آخر أوسع وأشمل منه وأكثر شهرة وهو المستوعب. الثاني أنه خاص بالفروق فقط.
ولقد اطلعت على كتاب الفواكه العديدة في المسائل المفيدة فوجدت في الجزء الأول منه ثلاثة نقول من الفروق (¬1) وكذلك حاشية العنقري على الروض المربع (¬2) ولقد أثنى ابن بدران على هذا المؤلف وقال بأنه كتاب نافع جدًّا (¬3). ¬
الفصل الثالث مشائخه وتلامذته
الفصل الثالث مشائخه وتلامذته الجنس البشري وحدة متكاملة بعضها يكمل بعضًا ما نقص من فرد يكمله الآخر وقد جرت العادة بإذن الله، أن كل شخص يبرز في فن مهما كان علميا أو حرفيًّا أو غيره يكون لغيره سبب في بروزه حيث يلتقي التدريب والتمرين على يد غيره من البشر على هذا الفن ويسمون معلمين أو مشائخ أو أساتذة، ولكل وقت ومجتمع مصطلحه، كما أن هذا الشخص الذي برز في هذا الفن أيضًا يكون له دوره في بروز غيره في وقته ويسمى من تلقى منه ذلك الفن طالبا أو تلميذا كما سمي هو من قبل. ومؤلفنا السامري رحمه الله من هذا النوع، فقد يسر الله له البروز في العلم على يد مشائخ معروفين بسعة العلم وغزارته كما أنه رحمه الله قد انتفع منه أناس ممن دونه في السنن والعلم. وفي هذا الفصل سأتناول بالذكر من كان لهم دور في تعليمه رحمه الله وساعيهم مشائخه وسيكون الحديث عنهم تحت مبحث خاص، كما سأتناول في مبحث أخر ما وصلت إليه من معلومات عمن كان له دور في إفادتهم وتعليمهم، وسيكون هذا الفصل مقسمًا إلى مبحثين: الأول: مشائخه. الثاني: تلامذته.
المبحث الأول مشائخ المؤلف
المبحث الأول مشائخ المؤلف بقدر ما يجالس المتعلم العلماء وطلبة العلم والمعلمين، وبقدر إقباله على الاستماع، وبقدر ما منحه الله من قدرة على الفهم والحفظ والاستيعاب، وبقدر ما يناقش ويسأل، وبقدر ذلك كله يكون قدره ومنزلته العلمية، إذ ليس من المتوقع أو المعهود تقدم ملحوظ أو بروز علمي أو تحصيل في أي فن لأي شخص بغير معلم، فالمعلم يقوم بحل ما يعترض تلميذه من أي مشكلة علمية، يقوم بإيضاح ما غمض عليه، ولذلك فإن قدرة المعلم العلمية لها أثرها في ارتفاع تحصيل المتعلم كما وكيفًا. والسامري رحمه الله، ممن وفق في ذلك كله فقد طلب العلم على من علت منزلته، وارتفع قدره علميًّا في عصره. ولقد ورد في تراجم السامري التي اطلعت عليها (¬1) أن من مشائخه: 1 - إبراهيم بن دينار النهرواني. 2 - أبو الفتح بن البطي. 3 - عبد اللطيف بن أبي سعد. وسأذكر هنا تراجم مختصرة لهولاء الثلاثة. ¬
1 - إبراهيم بن دينار
1 - إبراهيم بن دينار هو "إبراهيم بن دينار بن أحمد بن الحسين بن حامد بن إبراهيم النهرواني الرزاز، الفقيه الفرضي، الزاهد الحكيم الورع، أبو حكيم" (¬1)، كانت ولادته رحمه الله سنة ثمانين وأربعمائة من الهجرة له اهتمام ظاهر في سماع الحديث وفي الفقه، وقد سمع الحديث من أبي الخطاب الكلوذاني وغيره، كان يتمتع بصفات طيبة علمية وعملية ودينية منها أنه زاهد عابد، كثير الصوم، يضرب به المثل في الحلم والتواضع. تال للقرآن، يقوم الليل ويصوم النهار، كان مؤثرًا للخمول، برع في المذهب والخلاف والفرائض، أفتى وناظر. كانت له مدرسة بناها بباب الأزج، يدرس ويقيم بها، كما أنه قد فوضت إليه في أخر عمره المدرسة التي بالمأمونية ودرس بها. قرأ عليه العلم خلق كثير وانتفعوا به. قال ابن الجوزي: قرأت عليه القرآن والمذهب والفرائض (¬2). ممن قرأ عليه وانتفع به السامري رحمه الله (¬3). سمع منه الحديث جماعة منهم: ابن الجوزي. ¬
وله تصانيف في المذهب والفرائض، صنف شرحًا للهداية، كتب منه تسع مجلدات، ومات ولم يكمله. كان رحمه الله يقول الشعر ومن ذلك: فكم من فتى يعجب الناظرين ... له ألسن وله أوجه ينام إذا حضر المكرمات ... وعند الدناءة يستنبه وله غير ذلك (¬1). توفي رحمه الله يوم الثلاثاء بعد الظهر ثالث عشر جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وخمسمائة من الهجرة (¬2). ¬
2 - ابن البطي
2 - ابن البطي محمَّد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان البغدادي أبو الفتح بن أبي القاسم الحاجب المعروف بابن البطي (¬1). وقد ذكر ابن كثير (¬2) عند تعرضه لاسمه في حوادث سنة أربع وستين وخمسمائة أن اسمه (محمَّد بن عبد الله بن عبد الواحد بن سليمان (¬3) ولد رحمه الله سنة سبع وسبعين واربعمائة من الهجرة وتوفي سنة أربع وستين وخمسمائة (¬4). كان في وقته محدث بغداد، بارك الله له في عمره، انتشرت عنه الرواية, عرف بالنزاهة والتورع عن حطام الدنيا، قصده كثير من طلبة العلم وسمعوا عليه، كان حسن الطريقة معروفا بالأمانة والصدق، محبا للحديث، سمع منه شيوخ كبار (¬5)، كما سمع منه السامري (¬6). ¬
3 - عبد اللطيف بن أبي سعد
3 - عبد اللطيف بن أبي سعد عبد اللطيف بن إسماعيل بن شيخ الشيوخ أبي سعد وكنيته أبو الحسن ولقبه ضياء الدين، ولد سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة، وكان صالحًا ثقة، وكان شيخ الرباط الذي بالمشرعة شرقي بغداد سمع منه السامري (¬1) وغيره (¬2) توفي في ذي القعدة من عام ست وتسعين وخمسمائة وذلك بدمشق (¬3). ¬
المبحث الثاني تلامذته
المبحث الثاني تلامذته مجهودات أي شخص في حياته العلمية والعملية تبرز في حياته وتعرف بعد مماته من دراسة سيرته وحياته. ومؤلفنا رحمه الله أوردت سيرته وحياته في كتب عديدة، إلا أن هذه الكتب الي تعرضت لترجمته لم يرد فيها خبر واضح بأنه جلس للتدريس كغيره، وإنما ورد في بعضها إشارات تفيد بأن هناك عدد يسير من المتعلمين في وقته استفادوا منه. فقد ذكر صاحب الذيل على طبقات الحنابلة عند ترجمته للسامري أن ابن الساعي المؤرخ نقل عنه (¬1). كما قد ذكر عند ترجمته ليحيى بن أبي منصور "لقي الكبار كالسامري مصنف المستوعب" (¬2). وفي هذا المبحث سأذكر ترجمتين لهذين العالمين. ¬
1 - ابن الساعي
1 - ابن الساعي هو علي بن أنجب (¬1) بن عثمان بن عبد الله أبو طالب تاج الدين ابن الساعي مؤرخ، لغوي، مفسر، فقيه، محدث. ولد ببغداد (¬2) سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة من الهجرة وتوفي سنة أربع وسبعين وستمائة هجرية ببغداد له تصانيف كثيرة منها: الجامع المختصر في عنوان التاريخ وعيون السير وطبقات الفقهاء والإيضاح عن الأحاديث الصحاح، وشرح المقامات للحريري (¬3). ¬
2 - يحيى بن أبي منصور
2 - يحيى بن أبي منصور هو يحيى بن أبي منصور بن أبي الفتح بن رافع بن علي بن إبراهيم الحراني، الفقيه المحدث، المعمر، جمال الدين، أبو زكريا بن الصيرفي، ويعرف بابن الجيشي أيضًا نزيل دمشق. ولد سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة بحران. سمع بها من الحافظ عبد القادر الرهاوي (¬1) وغيره. رحل إلى بغداد سنة سبع وستمائة فسمع من علماء كثيرين، لقي الكبار كالسامري، مصنف المستوعب، والشيخ أبي البقاء، والشيخ الموفق (¬2) سمع بالموصل من جماعه. برع رحمه الله في المذهب الحنبلي ودرس وناظر، وكان فقيهًا متعبدًا، ضخم العلم والعمل. له حلقة بجامع دمشق تخرج به جماعة، وروى الكثير. له تصانيف عديدة منها (نوادر المذهب)، (عقوبات الجرائم). سمع منه أناس كثير منهم الشيخ ابن تيمية. ¬
توفي رحمه الله سنة ثمان وسبعين (¬1) وستمائة من الهجرة (¬2). ¬
القسم الثاني
صورة الورقة الأولى المتضمنة لعنوان الكتاب واسم المؤلف من النسخة الظاهرية
صورة الورقة الثانية من نسخة الظاهرية
صورة الورقة الأخيرة من الجزء الأول
[مقدمة المصنف]
بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر وأعن الحمد لله الذي أنزل الفرقان وأوضح البيان وصلي الله على رسوله سيدنا محمَّد النبي وآله وأصحابه وأزواجه والتابعين لهم بإحسان، وبعد. فإنه تكرر سؤال بعض أصحابنا كثرهم الله تعالى أن أصنف كتابًا على مذهبنا (¬1) يتضمن المسائل المشتبهة صورها المختلفة أحكامها (وأوضح الفروق بينهما وأبين (¬2) مآخذ أحكامها) وأدلتها وعللها ليتضح للفقيه طرق الأحكام ويكون قياسه للفروع على الأصول متسق النظام ولا يلتبس عليه ¬
طرق القياس فيبني حكمه على غير أساس فأجبته إلى ذلك مع ما أنا عليه من كثرة الهموم وتقسم الفكر متضرعًا إلى الله سبحانه في معونتي وخاضعًا له في توفيقي وعصمتى وهو بكرمه يسمع ويجيب. فنبدأ بكتاب الطهارة فنقول: -
كتاب الطهارة
كتاب (¬1) الطهارة (¬2) فصل (¬3): إذا طرح في الماء تراب فتغير به طعمه أو لونه أو ريحه لم يسلبه التطهير (¬4). ¬
ولو طرح فيه طاهر غير التراب كالزعفران والعصفر والصابون والملح الحجري ونحوه فتغير بمخالطته بعض صفاته سلبه التطهير (¬1). والفرق بينهما: أن التراب يوافق الماء في صفتيه الطهارة والتطهير (¬2) فلا يسلبه بمخالطته شيئًا منهما كما لو تغير الماء العذب بالماء المالح أو المر وليس كذلك غيره من الطاهرات لأنها لا تطهير فيها فإذا تغير بمخالطتها بقي الوصف الذي يوافقه فيه وهو الطهارة وسلبه الوصف ¬
الذي يخالفه فيه وهو التطهير لمخالفتها له فيه وذلك لأن المخالط للماء (¬1) على ثلاثة أضرب. أحدهما ما يوافق الماء في صفتيه الطهارة والتطهير وهو التراب فلا يسلبه بمخالطته شيئًا منهما (¬2). والثاني ما يخالف الماء في صفتيه المذكورتين (¬3) وهو النجاسة فيسلبه بمخالطته الصفتين جميعًا (¬4). الثالث ما يوافقه في الطهارة ويخالفه في التطهير فيسلبه بمخالطته ما يخالفه فيه وهو التطهير ويبقى ما يوافقه فيه وهو الطهارة (¬5). فصل: إذا تغير الماء بجريانه على معادن الملح والكبريت (¬6) أو الزرنيخ (¬7) أو ¬
الكحل (¬1) أو المغره (¬2) ونحوها لم يسلبه التطهير (¬3). ولو طرح فيه شيء من ذلك فتغير زالت طهوريته (¬4). والفرق بينهما: أن تغيره بجريانه على معادن هذه الأشياء لا يمكن الاحتراز منه فعفي عنه للعسر والمشقة كما عفى عن تغيره بالطحلب (¬5) والحشحيش الثابت في الغدران وأوراق الأشجار الساقطة في السواقي والأنهار (¬6) وليس كذلك إذا حملت هذه الأشياء فطرحت فيه لأنه قد أمكن الاحتراز منها فلم يعف عنها (¬7). ¬
فصل: إذا طرح في الماء ملح مائي فغيره فهو على طهوريته (¬1). ولو طرح فيه ملح حجري فغيره زالت طهوريته (¬2). والفرق بينهما: أن الملح المائي طهور قبل جموده لأنه ماء فهو كماء البحر فإذا ذاب عاد إلى طهوريته كالثلج والبرَد (¬3) إذا ذابا أو أذيبا فانهما يكونان طهورين (¬4) بخلاف الملح الحجري فإنه ليس بطهور بحال لأنه ليس أصله الماء فهو كالنورة والزرنيخ (¬5). فصل: إذا أصاب الماء نجاسة ولم يتغير بها شيء من صفاته فإن كان قلتين (¬6) ¬
لم ينجس (¬1). وإن كان دون القلتين نجس في أصح الروايتين (¬2) (¬3). ¬
والفرق بينهما: من حيث النص وهو قوله - عليه السلام - (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثًا) وفي لفظ (لم ينجسه شيء) (¬1) فدل على أن ما دون القلتين ¬
يحمل الخبث وينجس وإن لم يتغير وإلا لم يبق للتحديد فائدة لأن ما يتغير بمخالطة النجاسة ينجس قليلًا كان أو كثيرًا. فصل: إذا زال تغير الماء النجس بنفسه وكان قلتين طهر بذلك (¬1) فإن كان دون القلتين لم يطهر بذلك (¬2). والفرق بينهما: أن القلتين فصاعدا علة تنجيسه تغيره وقد زال فطهر كما لو وقع فيه نجاسة لم تغيره فإنه يكون طاهرا بخلاف ما دون القلتين فإن علة تنجيسه موجودة بعد زوال الغيار فكان نجسًا كما لو أصابته نجاسة لم يتغير بها فإنه يكون نجسًا مع عدم التغير (¬3) كذلك ها هنا. فصل: إذا كان الماء فوق (¬4) القلتين فوقع فيه ¬
خمسة (¬1) أرطال بول كلب ولم تغيره جاز استعمال جميعه (¬2) غرفة بعد غرفه (¬3). ولو وضع كلب يده فيه لم يجز أن يستعمل منه غرفة بعد غرفة ويد الكلب فيه (¬4). والفرق بينهما أن بوله نجاسة مايعة سقط حكمها باستهلاكها في الماء وهو محكوم بطهارته فجاز استعمال جميعه (¬5). ¬
وليس كذلك يده لأنها عين قائمة حكمها بأن فإن أزالها أولًا جاز استعمال جميع الماء بعد ذلك لأنه طاهر لا نجاسة فيه. وإن غرف منه شيء ويد الكلب فيه فالمغروف طاهر والباقي نجس لأنه دون القلتين وفيه نجاسة قائمة (¬1). فصل: وإذا ولغ الكلب في إناء فيه قلتان فصاعدا ماء طهورا فالماء والإناء طاهران (¬2) ولو لم يكن فيه قلتان فطرح فيه قلتان أو أكثر ماء طهورا ولم يتغير فالماء طاهر والإناء نجس (¬3). والفرق بينهما: أن ولوغه في القلتين لم يوثر في نجاسة الماء فلم يؤثر في نجاسة الإناء فبقى الماء والإناء على طهارتهما بخلاف ما إذا ولغ فيه وليس فيه ¬
قلتان فإنه ينجس فإذا طرح فيه قلتان أو أكثر فالماء طاهر لبلوغه ما حده الشرع به غير متغير والإناء على نجاسته لأنه لم يرد عليه الغسلات السبع التي جعلها الشرع مزيلة لنجاسته (¬1). ولا يعرف ماء طاهر في إناء نجس إلا في مسألتين هذه المسألة والأخرى إذا كان الإناء من جلود الميتة والماء قلتان فصاعدا غير متغير. فصل: اتخاذ الآنية من الذهب والفضة حرام على الرجال والنساء (¬2) واتخاذها من غيرها من سائر الجواهر الطاهرة الكثيرة القيمة كالياقوت والزمرد وغير ذلك مباح (¬3). ¬
والفرق بينهما: أن أواني الذهب والفضة نهى الشرع عن استعمالها يقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة) (¬1). وقال أيضًا (الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر (¬2) في جوفه نار جهنم) (¬3). وإذا حرم الاستعمال حرم الاتخاذ لأن ما لا يجوز استعماله لا يجوز اتخاذه كالطنبور (¬4) والبربط (¬5) ولأن السرف والخيلاء فيها ظاهر يعرفه كل أحد فيفضي إلى كسر قلوب الفقراء. ¬
وليس كذلك غيرهما من الجواهر الطاهرة لأنه لم يرد الشرع بتحريم الآنية والسرف والخيلاء غير ظاهر فيها لأنه لا يعرفه إلا الخواص من الناس فلا يفضي إلى كسر قلوب الفقراء فافترقا. فصل: إذا كان ماء في أواني فنجس بعضها واشتبهت عليه ولم يجد غيرها جاز له التحري (¬1) فيها للشرب مع الضرورة (¬2) ولا يجوز مع عدم الضرورة (¬3) ولا يجوز التحري فيها للطهارة (¬4) ¬
والفرق بينهما: أنه اشتبه المباح بالمحظور فلم يجز التحري فيما لا تبيحه الضرورة كما لو اشتبهت أخته بالأجانب (¬1) والمطلقة بغيرها والمعتق بغيره (¬2). وليس كذلك تحري المضطر للشرب لأن ذلك تبيحه الضرورة بدليل إباحة الميتة له (¬3) وكذلك يجوز للمضطر التحري في مسلوختين إحداهما ميتة ولا يجوز ذلك لغير المضطر. ويجوز التحري في القبلة حال اشتباهها (¬4) لأن الضرورة تبيح تركها حال المسايفة (¬5). ¬
فرق آخر أنه لا فائدة في التحري فيها للطهارة لأنه لا يحصل الطهارة لأن الحدث متيقن ويقين الحدث لا يزول بطهارة مشكوك فيها فإذا لم يزل حدثه لا تصح صلاته ثم لا يأمن التنجيس فإذا ثبت بقاء الحدث وبقاء الصلاة في ذمته فعليه فعلها بالتيمم ليحصل له تأدية فرضه بيقين ولم يجز له استعمال شيء من الماء بالتحري خوفًا من التنجيس به. وأما التحري فيه للشرب مع الضرورة ففيه فائدة وهو إحياء النفس وغاية ما يقدر أنه شرب النجس وذلك جايز مع الضرورة بدليل أنه لو لم يجد المضطر إلا ماء نجسًا جاز له شربه كما يجوز له أكل الميتة وكذلك يجوز له التحري في مسلوختين إحداهما ميته والأخرى مذكاة ولا يجوز لغير المضطر التحري في ذلك. فصل: فإذا ثبت أنه لا يتحرى (¬1) في الأواني فإنه يصلي بالتيمم (¬2) صلاة واحدة ويجزيه. ولو اشتبهت عليه الثياب الطاهرة بالنجسة لم يجز له التحري فيها ولزمه تكرار فعل الصلاة في ثوب بعد ثوب بعدد النجس وزيادة صلاة ليحصل له تأدية فريضته بيقين (¬3). ¬
والفرق بينهما: أن الواجب عليه تأدية فرضه بيقين وإذا صلى بالتيمم مرة واحدة فقد أدى فريضته بيقين لأن فرضه الصلاة بالتيمم وقد فعله فلا يلزمه غير ذلك كما لو نجست جميع الأواني. والدليل على أن فرضه الصلاة بالتيمم أنه لا يخلو إما أن يقال يتوضأ من أحدهما من غير تحر فهو خرق الإجماع أو يقال يتوضأ بالتحري فقد أبطلنا ذلك (¬1). أو يقال يتوضأ من كل واحدة منهما ويصلي فهذا تنجس قطعًا ويقينًا أو يقال يترك الصلاة مع قدرته على التيمم فلا قائل بذلك فلم يبق إلا التيمم وهو ما قلناه. وليس كذلك في الثياب لأن فرضه تأدية الصلاة بيقين ولا يحصل ذلك ¬
إلا بتكرار فعل الصلاة في ثوب بعد ثوب بعدد النجس وزيادة صلاة فلزمه ذلك كما لو كان عليه صلاة من صلوات يوم لا يعلم عينها فإنه يلزمه قضاء جميع صلوات اليوم ليؤدي فرضه بيقين كذلك ها هنا. فصل: إذا أخبره ثقة أن هذا الكلب ولغ في هذا الإناء (¬1) والآخر لا في ذلك الإناء نظرنا فإن لم يوقتا وقتا حكمنا بنجاستهما جميعًا وإن وقتا وقتًا لا يتسع ولوغه فيهما حكمنا بطهارتهما جميعًا (¬2). والفرق بينهما: أنهما إذا لم يوقتا أمكن صدقهما جميعًا بأن يراه كل واحد منهما يلغ في الإناء الذي ذكره في غير الوقت الذي رآه الآخر وإذا أمكن صدقهما وقولهما مقبول وجب العمل به (¬3) وثبت ولوغه فيهما فحكمنا بنجاستهما. ¬
وليس كذلك إذا وقتا وقتًا لا يتسع لولوغه فيهما لأنه لا يمكن. الجمع بين قولهما (¬1) لضيق الوقت عن ولوغه فيهما فإذا ثبت ذلك لم يحتمل صدقهما جميعًا وليس أحدهما أولى بقبول القول من الآخر فيتعارض قولاهما ويسقطان كما تسقط البينتان بالتعارض ويبقى الإناءان على أصل الطهارة. فصل: يصح الوضوء (¬2) للصلاة قبل دخول وقتها. ولا يصح التيمم للصلاة قبل دخول وقتها (¬3). والفرق بينهما: أن الوضوء والتيمم مأمور بهما بعد دخول وقت الصلاة لقوله تعالى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية (¬4) والقيام إلى ¬
الصلاة إنما يكون بعد دخول وقتها فظاهر الأمر يقتضي وجوب الوضوء والتيمم عند إرادة القيام إلى الصلاة لأن (¬1) الشرع ورد في الوضوء يجب تقديمه على الوقت لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة فلما كان يوم الخندق وقيل (بل) (¬2) يوم الفتح (¬3) جمع بـ أربع صلوات بوضوء واحد فقال له عمر (¬4) رضي الله عنه في ذلك أعمدا فعل ذلك رسول الله فقال (عمدًا فعلت ذلك يا عمر لكي لا تحرج أمتي) (¬5) ثم إن ¬
الإجماع على جواز تقديم الوضوء على وقت الصلاة وبقي ظاهر (الأمر) (¬1) في التيمم بحاله. وأيضًا ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (جعلت لي الأرض مسجدًا وترابها طهورًا أينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت) (¬2) فجعل شرط تيممه حالة إدارك الصلاة، وحالة إدراك الصلاة حالة دخول وقتها. وفرق آخر: وهو أن الوضوء يرفع الحدث (¬3) ويصح بنيته رفع الحدث وإن لم ينو غيره وإذا ارتفع حدثه استباح الصلاة وغيرها مما يشترط له الوضوء. وليس كذلك التيمم لأنه لا يرفع الحدث ولا يصح بنيته رفع الحدث وإنما يصح بنية استباحة صلاة الفرض فلذلك لم يصح إلا في وقت جواز فعلها (والله أعلم) (¬4). فصل: (¬5) الترتيب في أعضاء الوضوء واجب (¬6). ¬
ولا يجب في الميامن مع (¬1) المياسر (¬2). والفرق بينهما: أن اليمنى مع اليسرى في حكم العضو الواحد بدليل أن الماسح على خفيه لو خلع أحدهما بطلت طهارة رجليه جميعًا كما لو خلع الخفين وكذلك لو مسح على أحد خفيه وغسل الرجل لم يجزه ذلك كما لو مسح على خف فيه خرق قد ظهر منه بعض القدم وغسل ما ظهر من القدم لأن ذلك تبعيض العضو الواحد وذلك لا يجوز. فإن قيل فإذا كانا في حكم العضو الواحد فلم لا يجزي غسل أحدهما بما غسل به الآخر كما يجزئه إجراء الماء من موضع العضو إلى موضع آخر منه. قلنا: ما دام الماء على اليد الواحدة أو الرجل الواحدة فهو في محل التطهير يجري على أبعاضه فيطهرها ولا يعد بانتقاله من محل منه إلى محل آخر منه منفصلا ولا مستعملًا ما لم ينفصل عن محل التطهير ألا ترى أن الماء القليل إذا ورد على الثوب النجس بالبول يطهره فلا يقال إنه بإصابته لأول جزء من محل النجاسة ينجس فلا يطهر ما سرى إليه من بقية محل النجاسة وإنما كان كذلك لأن الشرع جعل للماء حكم التطهير ما لم ينفصل عن محل التطهير فكذلك في مسألتنا فإذا انفصل عن اليد والرجل تغير حكمه وصار له حكم آخر وسمى مستعملًا بانفصاله عن محل ¬
الاستعمال فزال عنه حكم الطهورية فلذلك لم يرفع حدث اليد الأخرى كما لا يرفع حدث غيرها وكما لو غسل بعض يده وانفصل الماء عنها فأعاده فغسل به باقي اليد فإنه لا يطهر باقيها لأنه بانفصاله صار مستعملا والله أعلم. فصل: إذا توضأ لنافلة جاز له أن يصلي به فريضة وغيرها (¬1). ولو تيمم لنافلة لم يجز أن يصلي به فريضة (¬2). ¬
والفرق بينهما: أن الوضوء يرفع الحدث ومع ارتفاع الحدث يستبيح فعل النوافل والفرائض بدليل أنه لو نوى بوضوءه رفع الحدث استباح ذلك. وليس كذلك التيمم فإنه لا يرفع الحدث وإنما تستباح به الصلاة مع قيام الحدث فلهذا لا يستبيح به الفريضة حتى ينويها لأن رتبة الفرض أعلى من رتبة النفل فلا يصح الأعلي بنية الأدنى كما لو أحرم بالصلاة بنية النفل ثم أراد أن يقلبها إلى الفرض فإنه لا يصح كذلك ها هنا (والله أعلم) (¬1). فصل: يجزي المسح في الطهارة الصغرى على الخفين والجرموقين (¬2) والجوربين (¬3) وعمامة (¬4) الرجل وخمار (¬5) المرأة (¬6). ولا يجزئ المسح في الطهارة الكبرى على شيء من ذلك. ¬
والفرق بينهما: ما روى صفوان (¬1) بن عسال المرادي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين (أو سفرى) (¬2) أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من بول أو غائط ¬
أو نوم (¬1) ثم يحدث لذلك (¬2) وضوءا. ومن المعنى أن الوضوء يتكرر سببه في كل وقت فيشق خلع الخف وما في معناه فرخص في المسح عليه بخلاف الطهارة الكبرى فإنه لا يتكرر سببها مثل الوضوء فلا يشق خلع الخف لأجلها. فصل: المسح فيما يجوز المسح عليه مؤقت بيوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر (¬3) إلا الجبيرة (¬4) فإنه يجوز المسح عليها إلى أن يحلها ¬
وإن طالت المدة (¬1) والفرق بينهما: ما روى مسلم (¬2) في صحيحه وغيره عن شريح (¬3) بن هانئ قال سألت عائشة (¬4) (رضي (¬5) الله عنها) عن المسح على الخفين فقالت ¬
ائت عليا (¬1) فإنه أعلم بذلك فأتيت عليًّا - عليه السلام - فسألته فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن يمسح المقيم يومًا وليلة والمسافر ثلاثًا (¬2). وأما الجبيرة فلما روى أن عليًّا كرم (¬3) الله وجهه كسر زنده (¬4) يوم أحد (¬5) فجبره فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسح على الجبيرة ¬
ولم يوقت (¬1). ومن المعنى أن جواز المسح على الخفين لأجل المشقة في خلعهما ولا مشقة في خلعه بعد الوقت المقدر وجواز المسح على الجبيرة لخوف الضرر بحلها قبل البرئ فقدر بذلك والله أعلم. فصل: (¬2) إذا توضأ وغسل إحدى رجليه وأدخلها الخف ثم غسل الأخرى وأدخلها لم يجزه المسح عليهما (¬3). ¬
فلو خلع الملبوس أولًا ثم عاد لبسه أجزأه المسح عليها (¬1). والفرق بينهما: أن في المسألة الأولى لبس الخف قبل كمال الطهارة فلم يجز له المسح عليه كما لو لبسه قبل غسل تلك الرجل. وأما إذا خلعه ثم عاد لبسه فقد لبس الخفين بعد كمال الطهارة فجاز له المسح عليهما كما لو لم يلبس شيئًا منهما قبل كمال الطهارة. فصل: (¬2) إذا لبس خفيه قبل كمال الطهارة ثم أحدث وتوضأ ولم يمسح على خفيه ثم خلعهما قبل أن ينشف يداه أجزأه غسل رجليه لاتمام طهارته ولو مسح على خفيه اللذين قد لبسهما على طهارة كاملة ثم خلعهما وغسل رجليه قبل أن ينشف يداه فالأشبه عندي أنه لا يجزيه غسل رجليه (¬3). ¬
والفرق بينهما: أن في المسألة الأول خلع الخفين قبل أن يمسح عليهما فلم يؤثر ذلك في طهارته كما لو خلعهما قبل شروعه في الوضوء أجزأه غسل رجليه لأن غسل بقية أعضاء الوضوء لم يبطل والموالاة فيها حاصلة. وليس كذلك إذا مسح على الخفين لأن طهارته تمت وارتبط مسحها بغسلها فلما مسح وخلع بطلت طهارته كما لو خلعهما بعد نصف يوم وإذا بطلت طهارته لم يجز غسل رجليه بعد بطلان الطهارة بل يستأنفها كما لو خلعهما بعد أن أحدث. فصل: إذا توضأ قبل الاستنجاء صح وضوءه على إحدى الروايتين (¬1). وإن تيمم قبل الاستنجاء لم يصح تيممه على أصح الوجهين (¬2) (¬3). ¬
والفرق بينهما: أن الوضوء يرفع الحدث وبقاء النجاسة على محل الاستنجاء لا يمنع رفع الحدث كما لو كانت النجاسة على ركبته أو ظهره فإنه يصح وضوءه معها كذلك ها هنا. وليس كذلك التيمم لأنه لا يرفع الحدث وإنما يبيح الصلاة مع قيام الحدث وإذا ثبت أن حكمه استباحة الصلاة فمع وجود النجاسة لا يحصل استباحة الصلاة فلم يفد التيمم حكمه فكذلك (¬1) لم يصح. فصل: (¬2) إذا أخذ المستجمر (¬3) الحجر بيمينه وذكره بيساره ثم أمر الذكر على الحجر فلا بأس بذلك. وإن أمر الحجر بيمينه على الذكر فقد خالف السنة سواء تحركت يساره أو لم تتحرك (¬4). ¬
والفرق بينهما: أنه إذا أمر الحجر على الذكر حصل الاستنجاء (¬1) باليمين وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستنجاء باليمين (¬2) وأما إذا لم يحرك اليمين حصل الإستنجاء باليسار لا باليمين فلذلك لم يكن به بأس يوضح هذا أنه لو أمسك إنسان سكينًا فحكت شاة حلقومها بها حتى تقطعت أوداجها وحلقومها ومسك السكين لم يحرك يده فإن الشاة ميته لأن فعل الذبح غير منسوب إلى ممسك السكين كذلك في مسألتنا. فصل: خروج الدم اليسير من السبيلين ينقض الوضوء (¬3). ¬
وخروجه من غير السبيلين من البدن لا ينقض الوضوء (¬1). والفرق بينهما: (من وجهين (¬2) أحدهما) أن الطهارة في أصل الوضع لا تجب إلا من نجاسة لأنها شرعت لنفيها ورفعها وأصل النجاسة ما خرج من الحيوان والمنافذ المخلوقة لخروج النجاسة هي السبيلان فما يخرج منهما وإن قل وندر أو حكم له بالطهارة كالريح يلحق بغالب الخارج في البخاري التطهير ولهذا أوجب أصحابنا الإستنجاء من النادر كالحصا والدود والشعر (¬3) كما أوجبوه من الغالب وكان القياس عندهم البخاري الاستنجاء من الريح إلا أن الشرع منع من ذلك فقال النبي صلى (¬4) الله عليه وسلم (ليس منا من استنجى من الريح) (¬5). ¬
فأما المخارج غير السبيلين فإنها خلقت في الأصل لخروج الطاهرات من الريق والمخاط والدمع والعرق واللبن فصار (¬1) خروج النادر اليسير منها وإن كان نجسًا ملحقًا بالغالب مما يخرج منها في أنه لا ينقض الوضوء حتى إذا أكثر الخارج النجس وغلب قوى وصار أصلا بنفسه غير تابع لغيره فنقف حيث صار أصلا (بنفسه) (¬2) كالخارج من السبيلين. فصل: خروج النجاسات من غير السبيلين ينقض الوضوء كثيرة (¬3). ولا ينقض يسيره (¬4) (¬5). والفرق بينهما: ما روى الدارقطني (¬6). ¬
(بإسناده) (¬1) عن أبي هريرة (¬2) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس في القطرة ولا في القطرتين من الدم وضوء وإنما الوضوء من كل دم سائل) (¬3) وهذا نص قاطع في الفرق. فصل: ينتقض الوضوء بخروج الدود (5) (¬4) من أحد السبيلين (¬5) ولا ينتقض ¬
بخروج الدود (5) (¬1) من الجرح (¬2) على ما اختاره الخرقي (¬3) (¬4). والفرق بينهما: أن الدوده الخارجة من السبيلين متولدة من النجاسة وخروج النجاسة اليسيرة من السبيلين ينقض الوضوء كالكثيرة. وليس كذلك الدودة الخارجة من الجرح فإنها متولدة من الدم والوضوء لا ينقض بخروج الدم من غير السبيلين إلا إذا كان كثيرًا فاحشًا والدودة (¬5) الواحدة ليست فاحشة فلذلك لم ينقض خروجها. ¬
فصل: نزول الدم إلى قصبة الأنف ينقض الوضوء (¬1). ونزول البول إلى قصبة الذكر لا ينقض الوضوء ما لم يخرج إلى ظاهر (¬2). والفرق بينهما: أن قصبة الأنف في حكم الظاهر الذي يلحقه التطهير بدليل أنه يجب تطهيره من النجاسة والحدث بالإستنشاق فخروج النجاسة إليه ينقض الوضوء كما لو خرجت من الأنف. وليس كذلك قصبة الذكر لأنها في حكم الباطن الذي (لا) (¬3) يلحقه حكم التطهير بدليل أنه لا يجب غسله من نجاسة ولا من حدث ولا يسن أيضًا كالمثانة (¬4) وكالمعا (¬5) التي يجري فيها النجو (¬6) وكبواطن العروق التي يتردد فيها الدما فافترقا. فصل: (¬7) إذا مس الرجل ذكر الخنثى المشكل انتقض وضوءه (¬8). ¬
ولو مسته المرأة لم ينتقض وضوءها (¬1). والفرق بينهما: أنه لا ينفك مس الرجل من نقض وضوئه لأنه إن كان الخنثى رجلًا فقد مس فرجه وإن كان امرأة فقد مس بدنها وكل ذلك ينقض وضوء الرجل. وليس كذلك مس المرأة لأنه يحتمل أن الخنثى امرأة فتكون قد مست جسم امرأة وذلك لا ينقض وضوئها. فصل: (¬2) إذا مست المرأة قبل الخنثى المشكل انتقض وضوؤها (¬3). ولو مسه الرجل لم ينتقض وضوؤه (¬4). والفرق بينهما: ما تقدم في الفصل الذي قبله. ¬
فصل: ينتقض الوضوء بأكل لحم الجزور (¬1). ولا ينتقض بأكل لحم الغنم (¬2). والفرق بينهما: ما روى أحمد (¬3) رحمة الله عليه بإسناده عن أسيد (¬4) بن حضير ¬
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا من لحوم الإبل ولا توضئوا من لحوم الغنم وصلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في مرابض (¬1) الإبل) (¬2). وروى مسلم في صحيحه عن جابر (¬3) بن عبد الله أن رجلًا سأل النبي ¬
صلى الله عليه وسلم أأتوضأ من لحوم الغنم، قال: (إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ) قال: أأتوضأ من لحوم الإبل قال (نعم) (¬1) توضأ من لحوم الإبل) (¬2). وروى الترمذي (¬3) بإسناده عن البراء (¬4) بن عازب عن النبي صلى الله ¬
عليه وسلم أنه سئل عن الوضوء من لحوم الإبل فقال (توضئوا منها) وسئل عن الوضوء من لحوم الغنم فقال (لا تتوضئوا منها) (¬1). والوضوء إذا أطلق في الشرع إنما يراد به الوضوء للصلاة لا سيما وقد قرنه بالصلاة فقال توضأوا منها وصلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في معاطن (¬2) الإبل (¬3). ¬
فصل: يجوز وطء من عليها غسل الجنابة (¬1). ولا يجوز (وطء) (¬2) من عليها غسل الحيض (¬3). والفرق بينهما: أن نفس خروج الجنابة لا يمنع الوطء فحدثه أولى أن لا يمنع ولأنه لو منع حدث الجنابة الوطء لامتنع الوطء رأسًا لأن بالتقاء الختانين يحصل حدث الجنابة فلو منع لامتنع تمام الوطء وأدى إلى أن يكون الشيء يمنع نفسه (¬4) وليس كذلك حدث الحيض لأنه يمنع الوطء لأن الله تعالى منع وطء الحيض (¬5) (لأنه يمنع الوطء لأن الله تعالى منع (¬6) من وطء الحائض) وعلق إباحة وطئها بشرطين أحدهما انقطاع الدم ¬
والثاني الغسل. فقال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} (¬1) يعني ينقطع دمهن -فإذا تطهرن يعني (فإذا) (¬2) اغتسلن كذا فسره ابن عباس (¬3) فلهذا لم يجز وطئها حتى تغتسل. فصل: إذا دخل في الصلاة بالتيمم ثم قدر على الماء وهو في الصلاة بطلت صلاته ولزمه الصلاة بالوضوء (¬4). ¬
ولو شرع في صوم الكفارة ثم قدر على العتق أو دخل في صوم التمتع ثم قدر على الهدي لم يلزمه الانتقال إلى العتق ولا إلى الهدي (¬1). والفرق بينهما: أن الواجب عليه تأدية الصلاة بطهارة الماء مع القدرة عليه وإنما يجزئ بالتيمم مع عدمه لضرورة العلم فمتى قدر على الماء قبل سقوط فرض الصلاة عنه لزمه فعلها بالماء كما لو قدر عليه قبل الدخول فيها وهذا صحيح فإن الصلاة إذا (¬2) أبيحت لضرورة متى زالت الضرورة قبل الفراغ منها (بطلت كصلاة المستحاضة (¬3) إذا انقطع دمها قبل الفراغ منها) فإنها تبطل كذلك ها هنا. ¬
ولا يلزم على هذا إذا زالت الضرورة بعد الفراغ من الصلاة. لأنه لا يمكن اعتبار زوال العذر قبل فراغ (¬1) الصلاة بزواله بعد الفراغ منها كما لا يجوز اعتبار الحدث وانقضاء مدة المسح وظهور بعض القدم وانقطاع دم الإستحاضة في حال الصلاة بما بعد الفراغ منها والمعنى فيما إذا زالت الضرورة بعد الفراغ من الصلاة أنه فرغ من فرضه بالبدل قبل وجود المبدل فأجزأه كالمعتدة الصغيرة إذا حاضت بعد انقضاء عدتها بالشهور وذلك لأنه إذا فرغ من العبادة قبل وجود ما يبطلها حكم بصحتها فلا تبطل بما تجدد بعد ذلك كما لو أحدث بعد الفراغ من الصلاة وأما الكفارة والهدي فالاعتبار فيها بحالة الوجوب فإذا كان فقيرًا لزمه الصوم فلو قدر على العتق والهدي قبل شروعه في الصوم لم يلزمه الانتقال إليه على الصحيح من المذهب (¬2) فلأن لا يلزمه الإنتقال بعد الشروع في الصوم أولى ولأن الصوم لا يخرج عن أن يكون قربة بالقدرة على العتق والهدي بخلاف التيمم فإنه يبطل بالقدرة على الماء بدليل أنه لو قدر عليه في الصلاة قبل أن يفرغ منها ثم انقلب الماء لم يجز له التطوع بذلك التيمم لو لم يجد ذلك الماء المنقلب وهو في الصلاة. فصل: إذا لم يجد من الماء إلا ما يكفيه لبعض طهارته لزمه استعماله مع ¬
التيمم ولا يجزئه التيمم إلا بعد استعماله (¬1) ولو كان بعض محل طهارته جريحًا أو قريحًا فخاف الضرر بإصابة الماء لزمه غسل الصحيح والتيمم لمحل الألم وهو مخير في تقديم التيمم وتأخيره (¬2). ¬
والفرق بينهما: أن علة جواز التيمم في المسألة الأولى عدم الماء ولا يكون عادما له حتى يستعمل الماء الذي معه بخلاف التيمم للجرح فإن علة جوازه خوف الضرر وذلك موجود قبل استعمال الماء (وبعده) (¬1). فصل: إذا كان بعض محل طهارته جريحًا أو قريحًا فخاف الضرر بإصابة الماء له لزمه غسل الصحيح ويتيمم لمحل الألم جنبًا كان أو محدثًا وهل يلزمه مع ذلك المسح على محل الألم على روايتين (¬2). ¬
ولو كان به جبيرة أجزأه مع غسل الصحيح المسح عليها من غير تيمم (¬1). والفرق بينهما: ما روى أبو داود (¬2) في سننه بإسناده عن: جابر قال خرجنا ¬
في سرية فأصاب رجلًا منا حجر فشج (¬1) رأسه ثم احتلم فقال لأصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم فقالوا ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه فقال (قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذا لم يعلموا إنما شفاء العي (¬2) السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه ثم يمسح عليه ويغسل سائر جسده) (¬3). ¬
وأما الجبيرة فلما روى أن عليا رضي الله عنه (¬1) كسر زنده يوم أحد فجبره فأمره النبي صلى الله عليه وسلم (أن يمسح عليه) رواه زيد (¬2) عن أمامه (¬3). وفي لفظ أن عليا رضي الله عنه (¬4) قال ما أصنع مسح بالجبيرة فقال (امسح عليها) ولم يأمره بالتيمم (¬5). فصل: إذا نوى بتيممه الجنابة والحدث ثم أحدث الحدث الأصغر بطل تيممه للحدث الأصغر ولم يبطل تيممه للجنابة (¬6) ولو قدار على استعمال الماء أو دخل عليه وقت صلاة أو خرج عنه وقت صلاة بطل تيممه لهما جميعًا (¬7). ¬
والفرق بينهما: أنه لما نوى بتيممه الحدث والجنابة صار كأنه تيمم لهما تيممين فكل تيمم قام مقام مبدله فهو كما لو اغتسل فنوى الطهارتين وقلنا يجزئ عنهما ثم أحدث الحدث الأصغر فإنه تبطل طهارته الصغرى دون الكبرى كذلك ها هنا. وليس كذلك إذا قدر على استعمال الماء أو دخل عليه وقت صلاة أو خرج عنه وقت صلاة لأن التيمم إنما يقوم مقام الغسل إلى مدة مقدرة فإذا انتهت المدة انتهى حكمه كطهارة المسح على الخفين. فصل: إذا طهرت الحائض فتيممت لذلك ثم أحدثت لم يمنع حدثها جواز وطئها بذلك التيمم (¬1). ولو قدرت على استعمال الماء أو دخل (¬2) وقت صلاة أو خرج وقت صلاة لم يجز وطئها بذلك التيمم (¬3). والفرق بينهما: ما تقدم في الفصل (الذي) (¬4) قبله وأن تيممها لاستباحة وطئها أو لحدث الحيض قائم مقام غسلها ثم الغسل لا يبطل بالحدث الأصغر فكذلك ما قام مقامه وليس كذلك قدرتها على استعمال الماء وخروج الوقت ¬
ودخوله لأن بذلك انتهت مدة التيمم فانتهى حكمه كطهارة المسح على الخفين. فصل: صوف الميتة وشعرها ووبرها طاهر (¬1). وظفرها وقرنها وعظمها نجس (¬2). والفرق بينهما. أن الأصواف والأوبار والأشعار لا روح فيها بدليل أنه (¬3) لا تحس ¬
ولا تألم ولم يكن فيها حياة ففارقتها (لأنه لو كان فيها (¬1) حياة أو روح ففارقتها) لم يجز أخذها حال حياة الحيوان كسائر أعضائه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما أبين من حي فهو ميت) (¬2) ولا يدل نموها على أن فيها روحا وحياة فإن النخيل والأشجار تنمي بحالها ولا روح فيها فكذلك البيض وإذا ثبت أنه لا روح فيه ولم تحله حياة لم ينجس بالموت لأنه لا يسمى ميتة إلا ما كان فيه روح ففارقته ولا يلزم على هذا ما جسا (¬3) من العقب وتشظا (¬4) من أطراف الأنامل وطال من الظفر والقرون فإنه لا يحس ولا يألم لأن ذلك قد كانت فيه روح وحياة فزالت وإنما لم يحكم بنجاسته لاتصاله بالجملة الحية كاليد الشلاء (¬5) فإذا قطع حكمنا بنجاسته بخلاف الصوف والشعر وأما العظم والقرن والظفر ففيها روح وحياة بدليل قوله عَزَّ وَجَلَّ (¬6): (قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة) (¬7) ولا يحيي إلا ما كان فيه حياة ولأنها تحس ببرد (¬8) البارد وحرارة الحار وبألم في (¬9) باطن القرن دم ولا يكون ذلك إلا فيما فيه روح وحياة وإنما لم تحس وتألم بقطع ما طال من القرون والأظفار لما بينا أن الروح والحياة فارقتها وإذا ثبت أن فيها روحًا وحياة نجست بالموت كاللحم والعصب والجلد. ¬
فصل: إذا تخللت الخمرة بنفسها فصارت خلا طهرت وحلت (¬1). وإن خللها إنسان بأن طرح فيها خلا أو دبسًا أو ملحًا فصارت خلا لم تطهر ولم تحل (¬2). ¬
والفرق بينهما: أنها إذا تخللت بنفسها زالت علة التنجيس والتحريم وهي صفة الخمرية لأنها كانت في الأصل طاهرة مباحة وهي العصير وإنما حكمنا بنجاستها لحدوث (صفة) (¬1) الخمرية فإذا زالت عادت إلى أصلها لأن الحكم إذا ثبت لعلة زال بزوالها كما في سائر المعقولات وليس كذلك إذا تخللت بما طرح فيها مما ذكرناه لأن المطروح فيها ينجس بملاقاتها فإذا زالت علة تنجيس الخمر وهي الشدة بقي نجاسة المطروح فيها فنجسها كما لو وقع في الخل نجاسة وكما لو خللها بشيء نجس فإنها لا تطهر كذلك ها هنا فإذا ثبت نجاستها كانت حراما. فصل: لا يطهر شيء من النجاسات بالإستحالة مثل إن احترقت فصارت رمادًا أو وقع خنزير في ملاحة فصار ملحا وما أشبه ذلك فكله على نجاسته (¬2). ¬
بخلاف الخمرة إذا استحالت بنفسها فإنها تطهر (¬1). والفرق بينهما: أن الخمرة نجست بالاستحالة فطهرت بالاستحالة لزوال علة تنجيسها بخلاف بقية النجاسات فإنها لم تنجس بالاستحالة فلم تطهر بالاستحالة لأن علة تنجيسها لم تزل فهو كما لو عمل الدبس النجس ناطفا (¬2) ونحو ذلك. فصل: لا يجزئ في بول الجارية إلا الغسل في كل حال. ويجزي النضح (¬3) في بول الغلام ما لم يبلغ حدا يأكل الطعام ويشتهيه (¬4). ¬
كذا نص عليه أحمد رضي الله عنه وقال: ليس المراد إذا طعم لأنه يلعق العسل ساعة يولد والنبي صلى الله عليه وسلم حنك الحسن (¬1) بالتمر فقد طعم ولكن المراد إذا كان يأكل ويريد الأكل كذا حكاه عنه الخلال (¬2) في كتاب الشافي (¬3). والفرق بينهما: ما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه بال عليه الحسين (¬4) رضي ¬
الله عنه (¬1) فقالت له لبابة (¬2) بنت الحارث البس ثوبًا وأعطني ثوبك حتى أغسله فقال (إنما يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام) (¬3). رواه أبو داود في سننه عن لبابة وأبي السمح (¬4) وعن أم قيس (¬5) بنت ¬
محصن إلا أن (في) (¬1) حديث أم قيس أنها قالت أتيت بابن لي لم يأكل الطعام فبال عليه (¬2) ورواه علي رضي الله عنه (¬3) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (بول الغلام ينضح وبول الجارية يغسل) (¬4) ففرق بينهما (¬5). ¬
وعلة الفرق بينهما أن بول الجارية في كل أحوالها يجري تحتها ولا يبعد عنها فلا يصعب الاحتراز منه. والغلام ما لم يبلغ حدًّا يأكل الطعام ويشتهيه لا يزال محبنطيا (¬1) دائمًا وخروج بوله (¬2) قوي جدًّا يصيب من بعد عنه ويصعب الاحتراز منه (والغلام ما لم يبلغ (¬3) حدًّا يأكل الطعام ويشتهيه) وذلك مما يكثر فلو كلف غسله لشق وأدى إلى الحرج وما جعل علينا في الدين من حرج فلهذا يجزي (¬4) النضح عليه فإذا بلغ حدا يشتهي الطعام ويريده قعد حينئذ وضعف خروج بوله (¬5) فصار يمكن الاحتراز منه كما يمكن الاحتراز من بول الجارية ولا يشق (غسله (¬6) حينئذ) فوجب غسله. فصل: الحيض يمنع (فعل) (¬7) الصلاة والصوم ويمنع وجوب الصلاة ولا يمنع وجوب الصيام فيجب على الحائض قضاء الصوم ولا يلزمها قضاء الصلاة (¬8) ¬
والفرق بينهما: ما روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كنا نحيض عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نقضي الصلاة ولا نؤمر بالقضاء وروى عنها أيضًا أنها قالت كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة (¬1) لأن الصلاة تكثر في زمن الحيض فلو لزمها قضاء ما يفوتها فيه شق عليها وربما كان حيضها خمسة عشر يومًا من كل شهر فيجب عليها قضاؤها مع صلوات طهرها فيشق ذلك عليها فسامحها الشرع بذلك بخلاف الصوم فإنه قليل في زمان حيضها فلا يشق قضاؤه ولو في كل شهر يوم أو يومين إن لم يسهل عليها قضاؤه متتابعًا فلذلك، لزمها قضاؤه. فصل: إذا انقطع دم الحائض جاز لها الصوم وصح منها قبل أن تغتسل ولم يجز لها الصلاة ولا الطواف حتى تغتسل (¬2). والفرق بينهما: أن الصوم عبادة لا يشترط لها الطهارة فصح من الحائض بعد طهرها وقبل غسلها. ¬
أو فلم يمنع منه حدث الحيض كالوقوف بعرفة والزكاة. وليس كذلك بقية العبادات المذكورة لأن من شرطها الطهارة فلا يصح من الحائض قبل غسلها كما لا يصح من الجنب أو فمنع منها حدث الحيض كما يمنع منها حدث الجنابة يؤيد ذلك أن حديث الجنابة أوسع حكمًا من حدث الحيض بدليل أنه لا يمنع الوطء ويمنعه حدث الحيض ولا يجب نقض ظفر الشعر في الغسل من الجنابة ويجب نقضه في الغسل من الحيض فإذا منع حدث الجنابة هذه فحدث الحيض أولى. فصل: لأقل الحيض حد (¬1). وليس لأقل النفاس حد (¬2). ¬
والفرق بينهما: أن الحيض دلالة تعلم (بها) (¬1) براءة الرحم فوجب أن تتقدر أقله وأكثره بعد ليحكم بانقضاء العدة به. بخلاف النفاس لأنه قد ثبت وجوب الغسل وبراءة الرحم بالولادة لا بالنفاس فلا حاجة إلى تقدير أقله. وفرق آخر أن للنفاس علمًا ظاهرًا يدل على كونه نفاس وهو الولادة فاستوى قليله وكثيره لوجود العلم الدال عليه بخلاف الحيض فإنه ليس معه علم يدل على كونه حيضًا إلا المدة المقدرة المعتادة فإذا لم توجد المدة لم توجد دلالته فلم يجعل حيضًا كدم الاستحاضة والدم الخارج قبل تسع سنين وبعد ستين سنة. ¬
كتاب الصلاة
كتاب الصلاة (¬1) فصل: يكفر المسلم المكلف بترك الصلاة من غير عذر مع اعتقاده وجوبها (¬2). ¬
ولا يكفر بترك غيرها من العبادات (¬1). والفرق بينهما: ما روى أحمد (رحمه (¬2) الله) ومسلم في صحيحه وابن أبي حاتم (¬3) بأسانيدهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة) وفي لفظ آخر: (ليس بين العبد والكفر إلا ترك الصلاة) وفي لفظ: بين الرجل وبين الشرك ترك الصلاة) (وفي لفظ) (¬4) ¬
(بين الرجل وبين الكفر أن يترك الصلاة) وروى أحمد (و) (¬1) ابن أبي حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بيننا وبينهم ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر (¬2). وفي ذلك من الأخبار ما يطول شرحها. ولم ينقل في بقية العبادات مثل ذلك. ولأن الصلاة يحكم بإسلامه بفعلها فحكم بكفره بتركها كالشهادتين بخلاف بقية العبادات. وفرق آخر أن الصلاة سميت إيمانا بدليل أنه لما نسخت القبلة قالوا: كيف بأصحابنا الذين ماتوا (وهم) (¬3) يصلون إلى بيت المقدس فنزل {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (¬4) رواه البراء وهو مجمع على صحته (¬5). وإذا كانت إيمانا كفر بتركها كما لو ترك اعتقاد التوحيد، ولم يسم غيرها من العبادات إيمانا. ¬
فصل: إذا اشتبهت عليه جهة القبلة في السفر أجزأه أن يصلي مرة واحدة بالإجتهاد ولا يلزمه أن يصلى إلى أربعة (¬1) جهات (¬2). ولو اشتبهت عليه الثياب الطاهرة بالنجسة لم يجزه أن يصلي في أحدها بالإجتهاد بل يلزمه أن يصلي في ثوب بعد ثوب بعدد النجسة وزيادة صلاة (¬3). والفرق بينهما: أن فرضه في القبله الإجتهاد لا العين بدليل أنه (لو) (¬4) صلى بالاجتهاد إلى جهة فبان أنه أخطأ القبلة لم يلزمه القضاء (¬5) ولو صلى من غير اجتهاد فأصاب جهة القبل لم يجزه ولزمه الإعادة (¬6) وكذلك لو أداه اجتهاده أن القبلة في جهة فخالفها وصلى إلى غيرها فصادفت صلاته جهة القبلة لم يجزه (¬7) ¬
وإذا ثبت أن فرضه الاجتهاد فقد فعله فلا يجب عليه غيره. وأما في الثياب ففرضه تأدية الصلاة في سترة طاهرة بيقين مع القدرة عليها وهو قادر عليها بما ذكرناه من تكرار فعل الصلاة فلزمه ذلك ليحصل له تأدية فرضه بيقين كما لو كان عليه صلاة من صلوات يوم لا يعلم عينها فإنه يلزمه قضاء جميع صلوات اليوم ليحصل له تأدية فرضه بيقين (¬1) كذلك ها هنا (¬2). فصل: إذا اشتبهت عليه جهة القبلة فصلى أربع صلوات في أوقاتها كل صلاة في جهة اجتهاد أجزأته جميعها مع القطع واليقين أنه قد صلى ثلاث (صلوات) (¬3) منها إلى غير جهة القبلة (¬4). ¬
ولو لمس خنثى مشكل ذكره وصلى الظهر ثم توضأ ولمس فرجه وصلى العصر لزمه قضاء صلاة الظهر والعصر (¬1). والفرق بينهما: أن فرضه في حال اشتباه القبلة أن يصلي إلى جهة يؤديه اجتهاده إلى أنها جهة القبلة لا إصابة عين القبلة بدليل ما ذكرنا في الفصل الذي قبله وقد فعل ذلك فلم يلزمه غيره كما لو صلى بالاجتهاد إلى جهة ثم تيقن بعد ذلك أنها غير جهة القبلة فإنه لا يلزمه الإعادة (¬2) لكونه أدى ما عليه بل هذا أولى لأنه إذا لم يلزمه الإعادة في صلاة واحدة مع يقينه قطعًا أنها بعينها كانت إلى غير جهة القبلة فأولى أن لا يلزمه (إعادة) (¬3) أربع صلوات إحداهن إلى القبلة قطعًا لأن المشقة في قضاء الأربع أكثر، وهو شاك في عين اللواتي يجب قضاءهن. فأما الخنثى (المشكل) (¬4) ففرضه أن يؤدي الصلاة بطهارة محكوم بصحتها فإذا مس ذكره خاصة لم يحكم بنقض طهارته بل ببقائها لأنه يحتمل أن يكون امرأه والذكر خلقة زايدة من بدنها فلا ينتقض وضوؤه بمسه والأصل بقاء الطهارة فلا يبطله بالشك فحكمنا ببقاء الطهارة وصحتها فصحت صلاته بها فإذا توضأ بعد ذلك ثم مس فرجه ثم صلى العصر فقد ثبت الآن قطعًا أنه صلى إحدى الصلاتين بغير طهارة فلو علمنا أي الصلاتين هي ¬
يقينًا بانكشاف حال الخنثى لزمه إعادتها خاصة ولم يلزمه غير ذلك. سواء كانت الظهر أو العصر لأنه إنما حكمنا بصحة صلاة الظهر لحكمنا ببقاء الطهارة فإذا بأن بطلان الطهارة بطلت الصلاة كما لو تيقن الطهارة وشك في الحدث وصلى فإنا نحكم بصحة صلاته فلو (¬1) تيقن بعد ذلك أنه كان أحدث قبل الصلاة بطلت ولزمه إعادتها فإذا ثبت هذا ولم يعلم أي الصلاتين هي لزمه إعادتهما جميعًا لأن عليه صلاة من صلاتين لا يعلم عينها فلزمه إعادتهما جيمعًا كما لو نسي صلاة من صلوات يوم (وليلة) (¬2) لا يعلم عينها فإنه يلزمه قضاء جميع صلوات اليوم ليحصل له تأدية فرضه بيقين بخلاف الصلاة بالاجتهاد في جهة القبلة فإنه لو بأن له الخطأ (قطعًا) (¬3) بعد الفراغ لم يلزمه الإعادة فبان الفرق بينهما. فصل: إذا خفي عليه وقت الصلاة فتحرى فيه فبان أنه صلى قبله لم تجزه ولزمه القضاء (¬4). ولو خفيت عليه جهة القبلة فصلى بالتحري إلى جهة فلم تكن جهة القبلة أجزأه ولا إعادة (عليه) (¬5) (¬6). ¬
والفرق بينهما: أن في حال اشتباه الوقت يمكنه فعل الصلاة في وقت يجزئ فعلها فيه إما في وقتها أو بعده قضا بأن يؤخرها وإن لم يؤخرها فقد فرط بفعلها قبل وقتها فلزمه القضاء. وليس كذلك حال اشتباه القبلة لأنه لا يمكنه الصلاة إليها (إلا) (¬1) بيقين لأنه لا يجوز له تأخيرها حتى يصيب عين القبلة فلهذا لم يلزمه الإعادة (¬2). ¬
فصل: إذا صلى المسافر صلاة فرض في سفينة فدارت عن القبلة لزمه أن يدور إلى القبلة كلما دارت السفينة، ولو صلى فيها نافلة لم يلزمه أن يدور إلى القبلة كما دارت السفينة (¬1). والفرق بينهما أن الفريضة لا يجوز ترك القبلة فيها إلا مع الخوف ولا خوف ها هنا فلزمه استقبالها, وليس كذلك النافلة لأنه (لا) (¬2) يجوز للمسافر ترك استقبال القبلة فيها بدليل جواز فعلها حيث توجهت به راحلته (¬3) والسفينة بمنزلة الراحلة. فصل: إذ لم يجد سترة للصلاة فبذلت له سترة هبه (¬4) لم يلزمه قبولها وإن بذلت له سترة عارية (¬5) لزمه قبولها (¬6). ¬
والفرق بينهما: أن عليه في قبولها هبة منه فلم يلزمه قبولها كما لو بذلت له الرقبة في الكفارة هبة فإنه لا يلزمه قبولها (¬1) كذلك ها هنا. وليس كذلك العارية لأنه لا منة فيها فلزمه قبولها كما لو بذل له الماء في الوضوء فإنه لما لم يكن فيه منه لزمه قبوله (¬2) كذلك ها هنا. ¬
فصل: يجوز الأذان (¬1) لصلاة الفجر قبل دخول وقتها. ولا يجوز ذلك لغيرها من الصلوات (¬2). والفرق بينهما: ما روى ابن عمر (¬3) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن بلالًا (¬4) ¬
يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم (¬1) مكتوم) (¬2). فلو لم يجز لنهاه عن ذلك ولم يرد مثل ذلك في غيرها من الصلوات فبقيت على مقتضى الدليل وأنه لا يجوز قبل الوقت لأنه دعاء إلى الصلاة فلم يجز قبل وقتها كالإِقامة. وفرق آخر أن صلاة الفجر يدخل وقتها والنياس (¬3) نيام وفيهم الجنب والمحدث فاحتيج إلى تقديم الأذان ليتأهب الناس إلى الصلاة وهذا زيد في أذانها التثويب (¬4) بخلاف بقية الصلوات فإنه يدخل وقتها والناس مستيقظون فلا تحتاج إلى تقديم الأذان. ¬
فصل: إذا صلى على سجادة فرأى على موضع سجوده نجاسة فأقلب (¬1) طرفها الطاهر وغطا به موضع النجاسة وسجد عليه صحت صلاته. ولو أخذ بيده طرف السجادة وأزالها من موضعها وسجد موضعها بطلت صلاته (¬2). والفرق بينهما أن في المسألة الأولى (¬3) لم يحمل النجاسة ولا سجد عليها فصحت صلاته. وفي الثانية حمل النجاسة في صلاته فلذلك بطلت صلاته. فصل: لا تصح الصلاة في معاطن الإبل وهي التي تأوي إليها وقيل هي التي تقف فيها حين ترد الماء. وتصح في مراح الغنم الذي تأوي إليه (¬4). ¬
والفرق بينهما: ما روى أحمد رحمه الله بإسناده عن أسيد بن حضير (¬1) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (توضأوا من لحوم الإبل ولا توضأوا من لحوم الغنم وصلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في معاطن الإبل) (¬2). وروى عبد الله (¬3) بن مغفل المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في معاطن الإبل فإنها خلقت من الشياطين) (¬4). وقد نهى أن يصلوا (¬5) في مآوي الشياطين ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اخرجوا من هذا الوادي فإن فيه شيطانا) (¬6). ¬
فلم يصل فيه حتى إذا خرج منه صلى والله أعلم (¬1). فصل: إذا صلى محدثًا ناسيًا لحدثه لم تصح صلاته (¬2). ولو صلى وعليه نجاسة فاحشة كبيرة ناسيًا لها فصلاته صحيحة (¬3). ¬
والفرق بينهما: أن الطهارة من الحدث شرط في صحة الصلاة بالإجماع فلم تسقط بالسهو والنسيان كسائر شروطها وليس كذلك الطهارة من النجاسة لأنها ليست شرطًا في صحة (¬1) الصلاة بل هي واجبة مع الذكر وتسقط بالنسيان كسائر واجبات الصلاة من التكبيرات والتسبيحات وقوله سمع الله لمن حمده والتشهد الأول والدليل على سقوطها بالنسيان ما روى أبو سعيد الخدري (¬2) أن النبي صلى الله عليه وسلم خلع نعله في الصلاة فخلع الناس نعالهم فقال: (ما لكم خلعتم نعالكم) فقالوا رأيناك خلعت نعلك فخلعنا نعالنا فقال (أتاني جبريل فأخبرني أن فيها قذرًا أو قال دم حلمه) (¬3) فلو لم تسقط ¬
بالسهو (¬1) وتصح الصلاة لاستأنف الإحرام بالصلاة. فصل: لا تصح إمامة الأخرس بناطق ولا بأخرس مثله (¬2) نص عليه في رواية حنبل (¬3) ¬
وتصح إمامة الأمي بأمي مثله (¬1). والفرق بينهما: ما ذكره القاضي (¬2) في المجرد (¬3) وهو أن الأخرس ما يوس منه القراءة بخلاف الأمي فإنه غير مايوس منه القراءة. فصل: من سافر لمعصية لا يجوز له قصر الصلاة فيه طويلًا كان سفره أو قصيرًا ولا الجمع بين الصلاتين ولا الفطر في شهر رمضان ولا المسح أكثر من يوم وليلة (¬4). ¬
ويجزئه الصلاة في بالتيمم مع عدم الماء (¬1). والفرق بينهما: أن التيمم ليس برخصة (¬2) تستباح بالسفر وإنما هو ¬
عزيمة (¬1) يجب عند عدم الماء بدليل أنَّه يجب في الحضر بخلاف بقية الأشياء المقدم ذكرها فإنها كلها رخص لا تستباح إلا بالسفر المباح وسفر المعصية لا يستباح به شيء منها. فصل: إذا نوى المسافر الَّذي يجوز له قصر الصلاة الإقامة ببلدة (¬2) صار في حكم المقيم ولم يجز له القصر، فلو خرج منه بنية السفر إلى موضع يبيح القصر جاز له القصر فإن عاد لأخذ شيء نسيه أو لحاجة ولم ينو الإقامة بعوده فله القصر فيه (¬3) ولو خرج من بلده بنية السفر إلى مسافة القصر جاز له القصر فلو عاد إلى بلده لأخذ شيء نسيه أو لحاجة لم يجز له القصر (¬4). والفرق بينهما: أنَّه إنما كان مقيمًا في غير بلده بالنية وإذا فارقه مسافرا زالت الإقامة وانقطعت النية فلم يصر (بعوده) (¬5) لحاجة مقيما وليس كذلك إذا سار عن بلده ثم عاد إليه لأنه قد عاد إلى وطنه فكان مقيمًا لذلك. فصل: (¬6) إذا نسى صلاة سفر ولم يذكرها إلا في سفر آخر جاز له ¬
قصرها (¬1) وإن ذكرها في الحضر بين السفرين فلم يقضها حتَّى سافر السفر الثاني لم يجز له قصرها (¬2). والفرق بينهما: أنَّه إذا ذكرها في الحضر بين السفرين لزمه فعلها تامة حيث ذكرها بدليل قوله - عليه السلام - (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فذلك وقتها لا وقت لها غيره (¬3). فإذا كان وقتها حال ذكرها وقد ذكرها في الحضر صارت صلاة حضر فصار كما لو دخل عليه وقتها في الحضر ولم يصلها حتَّى خرج وقتها فإنه يلزمه فعلها تامة (¬4) سواء قضاها في الحضر أو في السفر كذلك ها هنا. وليس كذلك إذا لم يذكرها إلا في السفر الثاني لأنها لم تجب عليه في الحضر فيلزمه فعلها تامة ولم يذكرها في الحضر فيصير الحضر وقتًا لها بذكره لها فيه على ما دل عليه الحديث فيلزمه أداؤها تامة وإذا انتفت الحالتان بقيت صلاة سفر لم يذكرها إلا في السفر فجاز له قصرها كما لو كان السفر واحدا ولا يلزم على هذا إذا نسي صلاة ¬
حضر فذكرها في سفر فإنه يلزمه فعلها تامة (¬1) لأنها وجبت عليه تامة واستقر وجوبها تامة فلزمه فعل ما وجب عليه كما لو ذكرها في الحضر، ولم يلزمه إذا نسي صلاة سفر فذكرها في الحضر لأنه حيث ذكرها في الحضر لزمه إتمامها (¬2) لما ذكرناه من الحديث فصار كأنها وجبت عليه بالحضر بخلاف ما إذا وجبت عليه في السفر ولم يذكرها إلا في سفر آخر. فصل: إذا دخل المسافر بلدًا فيه زوجة له أو تزوج ببلد ولم ينو الإقامة فيه مدة يصير (فيها) (¬3) في حكم المقيم لم يجز له القصر (¬4). ولو دخل بلدًا فيه أبواه أو أولاده أو له فيه دار أو (¬5) مال أو كان وطنًا (¬6) له قديمًا وقد انتقل عنه واستوطن غيره لم يمنعه ذلك من القصر (¬7). ¬
والفرق بينهما ما روى أن عثمان (¬1) رضي الله عنه صلى بمنى الظهر أربعًا فأنكر عليه عبد الله (¬2) بن مسعود وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع ومع أبي (¬3) بكر وعمر ركعتين فقال ¬
عثمان: إني تأهلت وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (من تأهل من بلد فهو من أهله) (¬1) ولأنه مع زوجته في بلد لا يجوز لزوجته القصر فيه فلم يجز له القصر فيه كالملاح والمكاري (والفيج) (¬2) إذا كانوا يسافرون بأهلهم دائمًا وليس لهم نية المقام ببلد (¬3) ولا يلزم على هذا إذا سافر بزوجته لحاجة ونيته العود إلى وطنه أو ليقيم في بلد غيره لأن ذلك السفر يجوز لزوجته القصر فيه وليس كذلك إذا دخل بلدًا فيه أبواه وأولاده أو له فيه مال أو دار أو كان له (¬4) وطن فانتقل عنه واستوطن غيره لأنه لم يخرج بذلك من حكم المسافر بدليل أنَّه لو كان يسافر بأبيه أو بأمه أو بأولاده أو بماله دائمًا ولم ينو الإقامة ببلد جاز له القصر بخلاف ما لو كان (¬5) يسافر بزوجته لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده قصروا الصلاة بمكة وقد كانت وطنًا لهم لأنهم قد انتقلوا عنها واستوطنوا غيرها فدل ذلك على ما قلنا. ¬
فصل: إذا جمع بين الصلاتين في وقت أولهما لم يجز (له) (¬1) أن يفرق بينهما إلا بقدر الإقامة والوضوء وإن صلى بينهما سنة الصلاة فهل يبطل الجمع على روايتين. وإن كان الجمع في وقت الثانية (منهما) (¬2) لم يشترط مواصلتهما وجاز التفريق بينهما في أصح الوجهين (¬3). والفرق بينهما: أن وقت الأولة لا يجوز أن يصلي فيه الثانية إلا بالجمع فإذا لم توجد المواصلة لم يوجد الجمع فيصير فاعلا للثانية في غير وقتها بغير جمع فلم يجز. وليس كذلك إذا جمع في وقت الثانية لأنه إذا أخر الثانية عن الأولة بالتفريق بينهما كان مصليًا لكل واحدة من الصلاتين في وقتها وذلك جائز لأنه إنما جاز تأخير الأولة لأنه نوى في وقتها (بالتأخير) (¬4) الجمع فصار وقت الثانية وقتًا للأولة فلم يأثم بالتأخير وصار كأن عليه صلاة فائته بالنسيان وصلاة الوقت فإنه (لا) (¬5) يجوز له التفريق بينهما كذلك ها هنا. ¬
فصل: (¬1) إذا جمع بين الصلاتين في وقت الأولة منهما وتوضأ بينهما ثم بان أنَّه صلى الأوله بغير وضوء فالصلاتان باطلتان. ولو جمع بينهما في وقت الثانية وتوضأ بينهما ثم بأن أنَّه صلى الأوله بغير وضوء فالأولة باطلة والثانية صحيحة (¬2). والفرق بينهما أنَّه إذا كان الجمع في وقت الأولة فالثانية مفعوله قبل وقتها والصلاة لا تصح قبل وقتها إلا بشرط أن تكون مجموعة مع الأولة قبلها بحيث لا تؤخر عنها إلا بمقدار الإقامة والوضوء فإذا بطلت الأولة بكونه صلاها بغير وضوء بقيت الثانية مفعوله قبل وقتها غير مجموعة مع التي قبلها فبطلت كما لو تعمد ترك الأولة وصلى الثانية وحدها في وقت الأولة وكما لو بطل الجمع بأن لم ينوه أو بأن أخر الأولة تأخيرًا يبطل الجمع أو غير ذلك. وليس كذلك إذا كان جمعه في وقت الثانية لأن الثانية مفعوله في وقتها لا تعلق لها بالأوله ولهذا لا يشترط أن ينوي الجمع عند فعلها ويجوز أن يفصل بينهما بالزمان والكلام ولا يشترط وجود العذر الَّذي يجمع لأجله ¬
كالمطر ونحوه في وقت الجمع كما يشترط وجوده عند الجمع في وقت الأوله وإنما يكفيه أن ينوي في وقت الأوله أن يجمع بينهما في وقت الثانية بحيث لا يأثم بتأخير الأولة وإذًا لم يكن للثانية تعلق بالأوله ولم تبطل ببطلانها كما لو صلى كل صلاة بوقتها. فصل: إذا صلى الصبي الظهر يوم الجمعة ثم بلغ قبل أن يصلوا الجمعة لزمه فرض الجمعة. ولو صلى العبد (الظهر) (¬1) ثم أعتق أو صلى المسافر الظهر ثم قدم والإمام في الجمعة لم تلزمهما الجمعة (¬2). والفرق بينهما: أن العبد والمسافر أديا ما فرض عليهما في الوقت وهما من أهله فلم يبطل بعد كماله والحكم بصحته كما لو صليا (¬3) جمعة في بعض القرى ثم قدما (¬4) مصرًا فوجدا (¬5) إمامه في الجمعة أو صليا (¬6) في أحد جانبي ¬
المصر الجمعة ثم عبرا (¬1) إلى الجانب الآخر فإنه يجزئهم ما صلوه ولا يلزمهم حضور الجمعة الأخرى كذلك ها هنا. وليس كذلك الصبي لأنه لم يؤد ما فرض عليه في الوقت لأنه صلى الظهر وليس هو من أهل الفرض فلم يحتسب (به) (¬2) عن الفرض كما لو صلى تطوعًا. ¬
كتاب الزكاة
كتاب الزكاة (¬1) فصل: إذا وجب عليه زكاة خمس من الإبل شاه فأخرج عنها بعيرًا لم يجزه (¬2) ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
ولو وجب عليه بنت (¬1) لبون فأخرج عنها حقه (¬2) أو جذعه (¬3) أجزأه (¬4). والفرق بينهما: أن الواجب في خمس من الإبل شاة فإذا أخرج عنها بعيرًا فقد انتقل إلى غير الجنس الواجب وذلك لا يجزي كما لو أخرج تبيعا (¬5) عن بعير أو بعيرا عن تبيع فإنه لا يجزي لأنه أخرج (من) (¬6) غير الجنس كذلك ها هنا. وليس كذلك إذا أخرج عوض بنت لبون حقه أو جذعه لأنه لم ينتقل إلى جنس آخر وإنما هو من جنس الواجب أجود منه فهو كما لو أعطى عن ¬
المراض صحيحه وعن المهازيل (¬1) سمينة وعن الصغار كبيرة (¬2). فصل: إذا ملك تسعا وثلاثين شاه أحد عشر شهرا ثم ولدت أحدها (¬3) سخلة (¬4) فلا زكاة عليه فيها حتَّى يحول عليها حول كامل بعد أن كملت أربعين بالسخلة (¬5). ولو ملك مائة وعشرين شاه حولا إلا يوما وفي اليوم الأخير نتجت ¬
أحدها (¬1) سخلة لزمه شاتان عند تمام حول الأمهات (¬2) وكان سبب وجوب (الشاة) (¬3) الثانية وجود السخلة كما لو كانت مائة وإحدى وعشرين في جميع الحول. والفرق بينهما: أن ما دون الأربعين ليس بسبب لوجوب الزكاة فلا ينعقد عليها الحول ولا يعتبر نتاجه في وجوب زكاته قبل الحول ¬
بخلاف النصاب فإنه سبب لوجوب الزكاة فانعقد الحول عليه وكان لنتاجه حكمه في وجوب الزكاة لأنه بعضه يدل على صحة ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم عد عليهم السخلة يروح بها الراعى على يديه (¬1)، ولا يكون ذلك إلا فيما إذا نتج النصاب فصاعدا. فصل: (¬2) إذا نوى علف السائمة (¬3) لم ينقطع بذلك حكم السوام ما لم يعلفها (¬4) ولو كان له عروض للتجارة فنوى اقتناءها صارت للقنية وانقطع حول ¬
التجارة (¬1). والفرق بينهما: أن المعلوفة إنما تسقط زكاتها لما يلزم من كلفها ومؤونة علفها فما لم يوجد العلف لم يلزم كلفة بنية العلف وليس كذلك المسألة الأخرى لأن عروض التجارة إنما صارت سببًا لوجوب الزكاة بأن نواها للتجارة عند ابتياعها فإذا نواها للقنية بطلت النية الأولة فبطل حكمها فنية القنية للعروض قائمة مقام علف السائمة في منع وجوب الزكاة. ونية العلف من غير وجود العلف كالإرتيا والتفكر في إيجاد نية القنية لا كوجود نية القنية. فصل: إذا اشترى الخباز ملحا ليخبز به خبزا يبيعه فحال عليه الحول (عنده) (¬2) وقيمته نصاب وجب عليه (¬3) زكاة قيمته ¬
ولو اشترى حطبًا ليخبز به خبزًا يبيعه فحال عليه الحول عنده وقيمته نصاب لم يجب عليه (¬1) زكاة قيمته. وكذلك إذا اشترى الصباغ العصفر والنيل ليصبغ به ثياب الناس بالأجرة فحال عليه الحول عنده وقيمته نصاب لزمه زكاته (¬2). ولو اشتري القصار (¬3) أشنانا (¬4) أو صابونا أو قلي (¬5) أو نورة لقصر (¬6) ثياب الناس بالأجرة فحال عليه الحول عنده لم تجب فيه زكاة (¬7). والفرق بينهما: أن الملح والعصفر والنيل أعده للاعتياض عنه لأن ما يأخذه (عنه) (¬8) ¬
من ثمن الخبز عوض عن جميع أجزائه وكذلك ما يأخذه (الصباغ) (¬1) من أجرة الصبغ هي في حكم العوض عن عين النيل والعصفر فوجبت فيها زكاة التجارة كالسلع المعدة للبيع. وليس كذلك الحطب والأشنان والصابون والقلى والنورة للقصارة لأنها غير معدة للاعتياض عن عينها (¬2) لأنها تتلف ولا يقع التسليم في عينها إلى صاحب الثوب وإنما يستعان بها على القصارة والخبز فهي كأدوات القصارين والخبازين من الكوذينات بالأعواد (¬3) وأحاجين الخبازين والخوان (¬4) وما أشبه ذلك كل ذلك لا زكاة في شيء منه كذلك هذه. فصل: إذا كانت له جارية للخدمة فنواها للتجارة لم تصبر للتجارة ما لم يبيعها ¬
ولو كانت للتجارة فنواها للخدمة صارت للخدمة ولم يجب (في) (¬1) قيمتها زكاة التجارة (¬2). والفرق بينهما: أنَّه إذا كانت للخدمة فنواها للتجارة فقد نوى التجارة (ولم يفعلها) (¬3) ¬
فلم يبطل حكم الخدمة بمجرد النية ولم تصر للتجارة فبقيت بحالها كما لو نوى المقيم السفر ولم يسافر لم يصر مسافرا وبقى مقيما لهذا المعنى فإنه نوى السفر ولم يفعله فبقي على الإقامة كذلك ها هنا. وليس كذلك إذا كانت للتجارة فنواها للخدمة لأنه نوى الخدمة وفعلها فبطل حكم ما كان نواه قبله وصارت للخدمة كما لو نوى المسافر الإقامة فإنه يبطل حكم السفر ويصير مقيما كذلك ها هنا. والمعنى في ذلك أن السفر والتجارة عمك فما لم يوجد لا يحكم به والإقامة والخدمة ترك العمل والترك يحصل مع النية من غير عمل فافترقا (¬1). فصل: إذا ملك بالوصية عروضًا ونواها حال تملكها للتجارة صارت للتجارة ولزمه زكاتها (¬2). ولو ملكها بالميراث ونواها حال تملكها للتجارة لم تصر للتجارة ولم ¬
تجب فيها زكاة (¬1) والفرق بينهما: أن الوصية سبب يحصل به الملك من جهته بدليل أنَّه لو لم يقبل الوصية لم يملك المال الموصى به فدل على أنَّه سبب يحصل به الملك من جهته. فإذا نوى (به) (¬2) التجارة كان للتجارة كما لو ملكه بالشراء ونوا به التجارة وليس كذلك الإرث لأن الملك لا يحصل به من جهته لأنه يدخل في ملكه بغير اختياره سواء أراده أو لم يبرده وإذا لم يوجد منه سبب صار كما لو كان في ملكه عروض للقنية فنواها للتجارة فإنها (لا) (¬3) تصير للتجارة كذلك ها هنا. ¬
فصل: إذا خرصت الثمار على أربابها يجب (على الخارص) (¬1) أن يترك لهم الثلث أو الربع وإن لم يفعل جاز لأرباب الأموال أن يأخذوا بقدر ذلك ولا يحسب ذلك من النصاب نص عليه. وكذلك إن لم يخرج الإمام خارصًا وأخرج رب المال من خرص ثمرته جاز له أن يخرج (¬2) بقدر ذلك (¬3). فأما الزروع فقال القاضي قياس المذهب أن لا يترك لهم منها شيئًا (¬4). والفرق بينهما: أن الأصل لا يجوز إسقاط شيء من الزكاة بعد وجوبه كما لا سائر الأموال والزروع قد وجبت الزكاة في جميعها فلم يجز إسقاط الزكاة عن بعضها ¬
أو فلم يجز إسقاط شيء من زكاتها كسائر الأموال الزكوية وإنما تركنا هذا الأصل في الثمار للخبر (¬1) وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (إذا خرصتم فدعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع) (¬2) وروى جابر بن عبد الله الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (خففوا في الخرص فإن في المال العرية (¬3) والأكلة والواطية والوصية والعامل والنوائب (¬4) ¬
وما وجب في الثمرة من حق) (¬1) (¬2) ونعني بالواطية السابلة المجتازين بالثمار فيأكلون منها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مر أحدكم ببستان ¬
أخيه فليأكل (منه) (¬1) ولا يتخذ خبيئة) (¬2) (¬3). والأكلة يعني بها ما يأكله رب المال وعياله فعلمنا بالأثر في الثمار ولا أثر في الزروع ولأن النفوس تتوق إلى أكل الثمار ما لا تتوق إلى أكل الزروع فافترقا. فصل: إذا غصب المال أو سرق أو كان دينًا فجحده الغريم ثم عاد إلى مالكه لم تجب زكاته لما مضى (¬4) ¬
ولو غصب رب المال بأن حبس عن ماله حولا أو أحوالا لم يمنع ذلك وجوب زكاته لما مضى نص عليه في رواية ¬
الميموني (¬1) فقال تؤدى زكاة مال المفقود إذا صار إلى الورثة لما مضى (¬2). والفرق بينهما: أن بغصب (¬3) المال وسرقته وضلاله قد خرج عن يد مالكه وتصرفه وعن إرصاده للنماء لأنه لا طريق (له) (¬4) إلى الانتفاع به وإلى تنميته بحال فلم تجب زكاته كما لو صاغه حليا أو جعل الماشية للعمل وهذا لأن الزكاة لا تجب إلا في مال معد للنماء والزيادة وهذا المال ليس بمستنما لأنه لا طريق له إلى الانتفاع به بحال فهو كالتالف يوضح ذلك أن في الأصل ¬
المقيس عليه يده على المال ولم يفته سوى تنميته والمسروق والمغصوب قد خرج عن يده وتنميته فهو بإسقاط الوجوب أولى. وليس كذلك إذا غصب رب المال لأنه (¬1) بغصبه لم يخرج المال عن يده وتصرفه بدليل أنَّه لو باعه في دار الحرب نفذ بيعه ويمكنه التصرف فيه وتنميته بوكيله فلم يخرج عن إرصاده للنما فهو كما لو كان في يده ولأن المال في يده حكمًا ولهذا لا يلزم حابسه ضمان المال إن تلف فافترقا. فصل: (¬2) لا تجب زكاة المال المغصوب والضال (¬3) وتجب زكاة الفطر (¬4) عن العبد ¬
المغصوب والآبق (¬1) والضال (¬2). والفرق بينهما: أن زكاة المال لا تجب إلا في مال معد للنما والنما لا يحصل مع عدم القدرة على التصرف فلذلك لم تجب زكاته. وليس كذلك صدقة الفطر لأن سببها ملك الرقيق والغصب والإباق لا يؤثران في الملك فلذلك وجبت زكاة الفطر كما تلزمه نفقتهم. فصل: إذا حال الحول على عبيد التجارة وجبت زكاة فطرتهم مع زكاة قيمتهم نص عليه (¬3) ¬
ولو حال الحول على نصاب من الماشية وهي سائمة للتجارة أو حال الحول على نخيل للتجارة وقد أثمرت في الحول ثمرة تجب فيها الزكاة وجبت زكاة التجارة في الجميع ولم يجب غيرها (¬1). والفرق بينهما: أن فطرة عبيد التجارة وزكاة قيمتهم حقان يجبان بسببين مختلفين في محلين فلا يتنافيان أصله الجزاء والقيمة في قتل الصيد المملوك والنفقة والزكاة والدية والكفارة وأجرة الأرض وزكاة الخارج منها وبيان الوصف أن صدقة الفطر تجب لسبب رأس تلزمه مؤونته عند خروج شهر رمضان لا تعلق لها بالمالية ولهذا تجب في حق ولده الحر وزوجته الحرة ولا مالية فيهما. ¬
وزكاة التجارة تجب لسبب المال النامي بمعناه فلا تنافي بينهما وليس كذلك زكاة السوم والتجارة لأنهما جميعًا يجبان بسبب واحد وهو المال ولهذا لو انتفى المال انتفيا جميعًا فكذلك ما بينا على المال الواحد. فصل: نقصان النصاب (في بعض الحول) (¬1) شهرا أو شهرين يمنع وجوب الزكاة (¬2). ونقصان السوم في بعض الحول شهرًا أو شهرين لا يمنع ¬
وجوب الزكاة (¬1)، والفرق بينهما: أن مقدار النصاب أصل والسوم صفة فنقصان الأصل يمنع وجوب الزكاة ونقصان الصفة لا يمنع وجوبها بدليل أنَّه لو ملك أربعين شاة أحد عشر شهرا فتوالدت تسعًا (¬2) وثلاثين سخلة وتماوتت أمهات السخال ولم يبق إلا السخال والشاة الأخرى ثم تم الحول لم تسقط الزكاة لوجود كمال النصاب في جميع الحول ولو مات شاة واحدة وبقيت تسعة (¬3) وثلاثون وتم الحول لم تجب الزكاة لأن ها هنا نقص النصاب وفي الأول نقصت الصفة وهذه الصفة مؤثرة في إسقاط الزكاة. ¬
فإن الزكاة لا تجب في الصغار على إحدى الروايتين كالمعلوفة والعوامل سواء فافهم ذلك. فصل: ما زاد على نصاب الذهب والفضة تجب الزكاة فيه بحسابه وإن قل وكذلك حكم الزروع والثمار (¬1). بخلاف ما زاد على نصاب المواشي فإنه يعتبر (فيه) (¬2) الأوقاص (¬3) المعتبرة بين النصب (¬4). ¬
والفرق بينهما: أنَّه لو أوجبنا الزكاة في الوقص في الماشية لم يخل. إما أن نوجب في ست من الإبل شاتين فيجحف برب المال أو نوجب شاة وخمس شاه فيفضي إلى سوء المشاركة واختلاف الأيدي بين الفقراء والمالك فضرب الشرع الأوقاص ليزول ذلك لطفًا منه بأرباب الأموال ورحمة لهم. وأما الذهب والفضة والزروع والثمار فإذا أوجبنا الزكاة فيما زاد على نصابها أوجبناها بحساب ذلك ويمكن أخذ ذلك من غير ضرر لأنها أموال تتجزيء وتتبعض فلا معنى لضرب الوقص وهذا لأن الزكاة وجبت مواساة للفقراء يجزو (¬1) من المال ولهذا أوجبها الشرع في قدر يحتمل المواساه فإذا بلغ ذلك القدر وجبت فيه الزكاة وفيما زاد عليه قليلا كان أو كثيرا لأنه لا فائدة بعد احتماله لضرب مقدار لا توجب فيه الزكاة إلا أن يكون في الإيجاب ضرر على رب المال إما بالإحجاف أو بسوء المشاركة على ما بينا ولا ضرر عليه فيما عدا الماشية فافترقا (والله أعلم) (¬2). ¬
فصل: إذا ورث جماعة أموالا غير زكوية كالخيل (¬1) والبغال والحمير والأثاث وماشية زكوية فكان نصيب كل واحد (¬2) منهم من الماشية الزكوية نصابا أو كانت الماشية الزكوية لجماعتهم نصابا وكانت خلطة صحيحة وجبت الزكاة فيهما قبل القسمة (¬3). ¬
ولو ملكوا ذلك بالغنيمة لم يجر ذلك في حول الزكاة إلا بعد القسمة (¬1). والفرق بينهما: أن بالإرث ثبت لكل واحد منهم الملك على نصيبه من كل صنف من التركة ثبوتا مستقرا وليس لأحد أن يعدل به عن حصته من ذلك الجنس إلى غيره من الأجناس ولذلك جرى في حول الزكاة كما لو ملكوه بالشراء أو بالهبة. وليس كذلك الملك بالغنيمة لأنه لا يثبت به الملك لكل واحد على نصيبه من كل صنف لأن الإمام له أن يقسم بينهم قسمة تحكم فله أن يجمع حق كل واحد منهم من كل صنف في أي الأجناس شاء ويعطيه حقه من جميع أجناس الغنيمة من جنس واحد فلذلك لم يجر في حول الزكاة (و) (¬2) لأنه لم يتعين الملك لمالك معين فإن كانت جميع الغنيمة جنسا (واحدا) (¬3) زكويا جرى في حول الزكاة قبل القسمة كالميراث سواء. فصل: إذا كان نصيب جميع الغانمين بعد الخمس نصابا من الأموال الزكوية ¬
وشرائط الخلطة موجودة جرى في حول الزكاة (¬1). وإن لم يكمل نصابا إلا بالخمس أو ببعضه لم يجر في حول الزكاة (¬2). والفرق بينهما: أن الخمس لا زكاة فيه سواء كان مشتركا مع الغانمين أو (قد) (¬3) عزله الإمام لأهله لأن أهله غير متعينين فهو كمال الفي وإذا لم يكن فيه زكاة لم يصح الخلطة معه. (كمال المكاتب وغيره من أموال من ليس (¬4) من أهل الزكاة وإذا لم يصح الخلطة معه) اعتبر نصيب الغانمين بنفسه كما يعتبر مال جميع الخلطاء فإن وجدت شرائط وجوب الزكاة فيه وجب وإن اختل شرط منها لم يجب. فصل: إذا ملك عقارا قيمته نصاب وأكثر لم تجب زكاة قيمته سواء كان للسكنى أو للكرى (¬5). ¬
ولو ملك حليا للكرى وجبت زكاة قيمته (¬1). والفرق بينهما: أن العقار ليس من الأموال الزكوية ونعني بالزكوية التي يجب فيها الزكاة في عينها فإذا لم يكن للتجارة لم يجب زكاة قيمتها كالعبد والخيل والبغال والحمير والسلاح وأدوات الصناع. وليس كذلك الحلى من الذهب والفضة لأنه من الأموال الزكوية التي تجب في عينها الزكاة (¬2) فإذا أعده للكرى فما صرفه عن إرصاده للنماء فوجبت ¬
زكاته كما لو أرصده للتجارة وإنما أسقطا زكاته إذا أعده لاستعمال مباح غير الكرى لأنه صرفه عن جهة النمو إلى (جهة) (¬1) استعمال مباح فهو كالإبل العوامل. فصل: إذا كاتب عبده على ألف فحال عليها الحول قبل قبضها لم تجب زكاتها حتَّى يحول عليها الحول بعد قبضها (¬2). ولو أصدقها ألفا فحال عليها الحول قبل قبضها وقبل الدخول بها لزمها زكاتها (¬3) مع أن ملكها معرض للزوال ¬
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬
(عنها) (¬1) بردتها أو عن نصفها بطلاقها قبل الدخول وكذا لو أسلم إليه إنسان ألفا من طعام إلى أكثر من حول فإنه يجب زكاة الألف على المسلم إليه إذا تم الحول بعد قبضها (¬2) مع أن ملكه معرض للزوال عنها بانفساخ عقد المسلم بتعذر المسلم فيه وكذلك إذا باع شيئًا يحتاج إلى قبض وقبض ثمنه ولم يقبض المبيع حتَّى حال الحول من حين العقد وجبت زكاة الثمن على البائع (¬3) مع أن ملكه معرض للزوال عنه بتلف المبيع قبل قبضه وكذلك لو (¬4) أجر دارا أربع سنين بنصاب بشرط التعجيل أو مطلقًا فإن الأجرة تكون حاله وإذا حال الحول وجبت زكاتها (¬5) مع أن ملك معرض ¬
للزوال عنها بانهدام الدار. والفرق بين هذه المسائل ومال الكتابة: أن مال الكتابة لا يتم ملكه عليه إلا بقبضه بدليل أنَّه لو حلت نجوم الكتابة ولم يؤدها معتقه السيد لم يثبت له في ذمته شيء منها فيبيعه به بعد عتقه ولو كان قد ملك مال الكتابة قبل قبضه لوجبت (له) (¬1) مطالبته (به) (¬2) بعد عتقه (كما لو تعلق بذمته (¬3) دين لأجبي بغير إذن سيده فإنه يبيعه به بعد عتقه) ولأن الكتابة عقد غير لازم من جهة العبد بدليل أنَّه لا يملك إجبار العبد على القيام على الكتابة إذ امتنع من ذلك وإذا لم يكن (¬4) لازما لم يتم الملك على العوض فيها بمجرد العقد كالجعالة وإذا لم يتم ملكه عليه لم يجر في حول الزكاة كمال العبد والمال الَّذي في يد المكاتب. وليس كذلك بقية المسائل لأن الملك في الصداق قبل الدخول ملك تام وكذلك حكم العوض في جميع المسائل المذكورة بدليل أنَّه يجوز التصرف فيه بأنواع التصرفات. ¬
ولو كانت الأجرة جارية جاز للمؤجر وطئها وكذلك لو كان رأس مال السلم أو ثمن البيع الَّذي لم يقبض جارية جاز للبائع وطئها والوطء لا يجوز إلا في ملك تام وإذا كان الملك فيها تاما ويملك قبضها وتنميتها وجبت زكاتها كسائر الأموال الزكوية وليس في ذلك أكثر من أن الملك فيها معرض للزوال وذلك لا يمنع وجوب الزكاة وجميع (¬1) الأموال الملك فيها معرض للزوال بتلفها وبموت مالكها ومع ذلك تجب زكاتها ولا يمنع ذلك وجوبها كذلك ها هنا والله أعلم. فصل: يلزم العامل في المساقاة (¬2) والمزارعة (¬3) زكاة حصته (¬4) من الزرع والثمرة قبل القسمة (¬5) (فلا يلزم العامل في المساقاة (¬6) والمزارعة زكاة حصته من الزرع والثمرة قبل القسمة) ولا يلزم المضارب زكاة حصته من الربح ¬
ما لم يقسمها (¬1) (¬2). والفرق بينهما: أن العامل يستقر ملكه على حصته من الثمرة والزرع منذ وقت ظهورها بدليل أنَّه لو ذهب من الزرع والثمرة (¬3) مهما ذهب كان الباقي بينهما على ما شرطاه فدل على أن ملكه ثابت كما لرب (¬4) المال فلزمه زكاته كرب المال وليس كذلك المضارب لأن ملكه لا يستقر على الربح إلا بالقسمة بدليل أنَّه لو تلف من المال شيء جبر من الربح (لأن الربح) (¬5) وقاية ¬
لرأس المال وإذا لم يستقر ملك المضارب على حصته من الربح لم يلزمه زكاتها كمال الكتابة. فصل: ما لا يشترط الحول لوجوب زكاته كالزرع (¬1) والثمار والمعدن لا يتكرر وجوب زكاته بتكرر الحول. وما يشترط لوجوب زكاته الحول كالذهب والفضة وقيم عروض التجارة والمواشي يتكرر وجوب زكاتها بتكرر الحول (¬2). والفرق بينهما: أن الزروع والثمار والمعدن يتكامل النما فيها دفعة واحدة ولا نما لها بعد ذلك بنفسها ولا هي معدة للنما فلا يجب فيها زكاة ثانية كالعوامل وليس كذلك الذهب والفضة وقيم عروض التجارة لأن النما يتكرر فيها بتكرار (¬3) الحول فتكررت الزكاة فيها (بتكرر الحول) (¬4) ¬
فصل: يجوز صرف الزكاة للغزاة (¬1) الذين لا حق لهم في الديوان (¬2) كانوا أغنياء أو فقراء (¬3)، ولا يجوز صرفها إلى من يحج إلا مع فقره (¬4) ¬
والفرق بينهما: أن الحاج يأخذ (ها) (¬1) لحاجة نفسه إليها فلا يجوز مع الغنا لعدم علة الجواز كما لو أخذها لنفقته. وليس كذلك الغزاة لأنهم يأخذونها لحاجة غيرهم إليهم وهي دفع العدو عن المسلمين وهذه العلة موجودة مع غناء الغزاة وفقرهم فلذلك جاز صرفها إليهم مع الغنا فافترفا. ¬
فصل: يخرج أجرة كيال الزرع والثمار ليعلم مقدارها فتؤخذ زكاتها من سهم العامل (¬1). فأما أجرة كيال مقدار الزكاة لقبضها من رب المال فيجب على أرباب الأموال (¬2) ذكرهما القاضي في المجرد. والفرق بينهما: أن كيل أصول الأموال هو لتحقيق مقدار الواجب فيها وذلك لا يلزم أرباب الأموال بل يلزم (¬3) العمال لأنه من عملهم كأجرة الكاتب والحاسب وعداد المواشي وحاشرها فكل أولئك أجرتهم من سهم العامل كذلك الكيال وليس كذلك أجرة كيال الزكاة لأن إيفاء الزكاة واجب على أرباب الأموال ولا يحصل ذلك إلا بالكيل فلزمهم أجرته كما يلزم من باع مكيلا أو موزونا أجرة كيله لأن عليه إيفاءه. ¬
فصل: لا يجب على الرجل فطرة زوجته الناشز (¬1) (¬2)، ويلزمه فطرة عبده الآبق (¬3). ¬
والفرق بينهما: أن الفطرة جارية مجرى النفقة بدليل قوله - عليه السلام - أدوا زكاة الفطر عمن تمونون (¬1) فهي (تجب) (¬2) عن من تجب (¬3) نفقته والناشز لا يلزمه نفقتها لأن نفقتها لا تجب إلا بالتمكين فكذلك فطرتها. وأما الآبق فنفقته لازمة لمولاه بدليل أن من رده على مولاه يرجع على مولاه بما أنفقه عليه وذلك لأن نفقته تجب بالملك وهو موجود ولا يعتبر في وجوب الفطرة الانتفاع بالعبد بدليل أنَّه لو كان له عبد زمن لا منفعه له (¬4) ¬
فإنه تلزمه فطرته كما تلزمه نفقته كذلك ها هنا (والله أعلم) (¬1). * * * ¬
كتاب الصيام
كتاب الصيام (¬1) فصل: لا يصح شيء من الصيام الواجب إلا بنية من الليل (¬2) ¬
ويصح صوم النفل بنيته من النهار قبل الزوال وبعده (¬1). والفرق بينهما: ما روى أبو داود والدارقطني (في سننهما) (¬2) بإسنادهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (من لا يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له) (¬3) فهذا عام في كل صوم. ¬
وأما النفل فإنَّه خرج منه بدليل خصه وهو خبر عائشة رضي الله عنها أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يسأل (هل عندكم شيء) فإذا قلنا لا قال (فإنِّي إذًا صائم) (¬1). فخرج النفل بهذا النص من عموم النص الأول وبقي ما عداه على عمومه ومن المعنى أن النفل قصد الشرع تكثيره وسهل طريقه بدليل أنَّه جوز صلاة التطوع على الراحلة (و) (¬2) إلى غير جهة القبلة (¬3) وجالسا في الحضر (¬4) كل ذلك على خلاف الفرض فكذلك هذا (¬5). فصل: إذا نوى ليلا الصيام ثم فعل ما ينافيه كالأكل والشرب لم تنفسخ بذلك نيته ما لم يفسخها بقلبه (¬6) ولو نوى صيام جيع الشهر وقلنا يصح صيام الشهر بنية ¬
واحدة ثم أفطر في بعض أيامه لعذر أو لغير عذر لم يصح له صيام باقية بتلك النية (¬1) والفرق بينهما: أن أكله وشربه في أثناء الليل لم يغير حكم نيته لأن حكمها صوم النهار وذلك موجود وإذا لم يتغير حكم نيته بقيت على صحتها كما لو لم يأكل بعدها. وليس كذلك إذا أفطر في بعض أيام الشهر لأن فطره أبطل حكم نيته لأن حكمها صوم جيع أيام الشهر فإذا أفطر بعضها فقد بطل حكم نيته فيما أفطره وإذا بطل حكمها فيه لم يصح صيام ما بعده بنية قد بطل حكمها كما لو فسخ نية الصوم وإنما (لم) (¬2) يبطل حكم نيته فيما صامه من الأيام بها قبل فطره لأن صيامها تم وكمل فلم يلحقه البطلان فإن قيل نيته لجميع الشهر كنيات متعددة بعد (¬3) أيام الشهر فإذا أبطلت نيته لبعض الأيام بقيت نيته لبقية الأيام فيجب أن يصح كما لو نوى لكل يوم في ليلته نية مفردة. قلنا هذا لا قائل به لأنه لا يصح أن ينوي صيام يوم من رمضان قبل ليلته بدليل أنَّه لو نوى آخر يوم من شعبان صيام أول (يوم) (¬4) من رمضان لم يصح وكذلك لو نوى أول ليلة من رمضان صيام اليوم الثالث ¬
وما بعده أو نوى صيام نصف الشهر أو عشرين يومًا منه لم يصح صيامها بتلك النية وإنما صح صوم (جميع) (¬1) الشهر بنية واحدة لأنه عبادة واحدة فجعلت النية لصوم (¬2) جميعه كالنية لصوم (يوم) (¬3) واحد والله أعلم. فصل: يقبل في (رؤية) (¬4) هلال شهر رمضان قول عدل واحد (¬5). ¬
ولا يقبل في سائر الشهور إلَّا عدلان (¬1). والفرق بينهما: ما روى عن ابن عباس أنَّه قال أن رسول لله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بالصوم بشهادة الواحد ولا يقبل في الفطر إلَّا اثنين (¬2) ولأن الشهادة في غير شهر رمضان شهادة يلحق الشاهد فيها التهمة فكان من شرطها العدد كسائر الشهادات بخلاف الشهادة على هلال شهر رمضان لأنه لا يلحقه فيها التهمة وفرق آخر وهو أن المعنى الذي أوجب قبول قول الواحد في هلال شهر رمضان هو الذي أوجب أن لا يقبل في هلال شوال إلَّا عدلين وهو الاحتياط للعبادة. فصل: (¬3) وإذا شهد عدلان برؤية هلال شهر رمضان فصام النَّاس ثلاثين يومًا فم يروا هلال شوال لأجل الغيم جاز لهم الفطر ووجب (¬4) ولو عدموا ¬
الهلال مع الصحو لم يجز لهم الفطر (¬1). والفرق بينهما: أن شهادة العدلين يجب بها الصوم والفطر إذا شهدا برؤية هلال شوال فإذا صاموا ثلاثين يومًا فقد أكملوا العدة بشهادتهما ولم يوجد ما يقدح فيهما فوجب الفطر كما لو شهدا برؤية هلال شوال ¬
وليس كذلك إذا عدموا الهلال مع الصحو لأن عدم الهلال مع الصحو يقين والحكم بالشهادة ظن واليقين مقدم على الظن وقد وجد ما يقدح في شهادتهما واتضح أن الذي شهدا به من رؤية هلال شهر رمضان كان خيالًا لا هلالًا لأنه لو كان رؤيته صحيحة لما تصور عدم هلال شوال بعد ثلاثين يومًا لا سيما وهذا يكون هلال تمام فيكون أكبر من الذي شهدا برؤيته لأنه هلال نقصان فعدم رؤية هلال التمام أوضح دليل على بقاء شهر رمضان فلذلك لم يجز الفطر لأن ذلك اليوم من شهر رمضان فلا يجوز فطره كبقية أيامه. فصل: إذا طلع الفجر وقد أولج في زوجته فنزع في الحال فعليه القضاء والكفارة (¬1) ¬
ولو حلف لا يلبس قميصًا وهو لابسه فخلعه في الحال أولًا يسكن دارًا وهو فيها فخرج منها في الحال لم يحنث (¬1). والفرق بينهما: أن النزع جماع لأن الجماع إيلاج ونزع بدليل أنَّه يلتذ به كما يلتذ بالإيلاج فكان حكمه حكم الإيلاج وليس كذلك خلع القميص والخروج من الدار لأن ذلك ليس بلبس ولا سكنى ولا فيه معنى ذلك فهذا (¬2) لم يحنث، والنزع فيه معنى الجماع فلهذا تعلق به ما يتعلق بالإيلاج. فصل: قد بينا أنَّه إذا طلع عليه الفجر وهو مجامع فسد صومه لأن النزع فيه معنى الجماع (¬3) فلو قال إن وطئتك فأنت طالق (¬4) فأولج فيها طلقت فلو نزع (¬5) لم يلزمه مهر ولا حد (¬6). ¬
والفرق بينهما: أن فساد الصوم أوسع من وجوب المهر والحد بدليل أنَّه لو وطئ زوجته في نهار رمضان فسد صومه ولا يلزمه حد ولا مهر ولذلك افترقا (¬1). فصل: إذا أكل شاكًّا في طلوع الفجر وبقى على شكه فلا قضاء عليه (¬2) وإن أكل شاكا في غروب الشَّمس وبقى على شكه فعليه القضاء (¬3) ¬
والفرق بينهما: أن الأصل بقاء الليل فلا يزيله بالشك. (والأصل بقاء النهار (¬1) فلا يزيله بالشك) فلهذا افترقا. فصل: إذا أكل معتقدًا أن الشَّمس لم تغلب فبان أنها قد غابت (فصومه صحيح) (¬2) ولا قضاء عليه (¬3). وإن أكل معتقدًا أن الفجر قد طلع فبان أن أكله كان قبل طلوع الفجر لم يصح صومه (¬4) وعليه القضاء (¬5). والفرق بينهما: أنَّه إذا أكل بعد غروب الشَّمس معتقدا أنها لم تغرب فقد قصد إبطال الصوم بعد تمامه وكماله لأن بغروب الشَّمس قد انتهى صومه وتم ¬
بدليل قول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (إذا غربت الشَّمس أفطر الصائم أكل أم لم يأكل) (¬1) وإذا انتهى صومه وكمل لم يلحقه الفساد بأكله ولا باعتقاده أنَّه يأكل فيه فلم يبطل كما لو نوى إبطال الصوم أو الصلاة بعد خروجه منهما وبعد كمالهما. وأما إذا (كان) (¬2) معتقدا أن الفجر قد طلع فقد قصد الإفطار بالنهار فزالت نية الصوم باعتقاده (و) (¬3) إبطاله فلا يصح صومه بعد ذلك لعدم النية من الليل لأنه لم يجدد النية قبل طلوع الفجر وهذا في الصيام الواجب فأما النفل فإنَّه يصح مع (¬4) نية الفطر فإن (¬5) نوى الصيام في النهار صح صومه للحديث المنقول في ذلك وقد سبق (ذكره) (¬6). فصل: إذا نوى الصائم الإفطار ثم بدا له فلم يفطر وعاد نوى إتمام صومه لم يصح صومه إن كان فرضًا (¬7). وإن كان نفلا صح (¬8). ¬
والفرق بينهما: أن صوم الفرض يشترط لصحته النية (¬1) في جميع النهار على ما سبق بيانه فإذا نوى الإفطار في بعض النهار فقد عرى ذلك الزمان عن النية فبطل الصوم لعدم شرطه وهو النية. فأما صوم النفل فلا يشترط لصحته النية في جميع النهار بدليل أنَّه إذا أصبح بنية الفطر ثم نوى الصيام صح صومه يدل عليه أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول هل عندكم شيء يعني طعامًا (¬2) يأكله فإذا قالوا لا قال (فإنِّي إذًا صائم) (¬3) فدل على أنَّه قد (¬4) كان نوى الإفطار وإذا ثبت هذا فلم يوجد منه إلَّا نية الإفطار وقد أبطلها بنية الصيام بعدها في وقت يصح الصوم بابتداء النية (فيه) (¬5) فصح كما لو أصبح بنية الإفطار ثم نوى صوم التطوع. فصل: من دخل في صوم التطوع أو صلاة التطوع لم يلزمه إتمامها بل يستحب له ولو خرج منها لم يلزمه القضاء (¬6). ¬
ومن دخل في حج التطوع أو عمرة التطوع لزمه إتمامهما فإن أفسدهما أو فات وقت الحج لزمه القضاء في أصح الروايتين (¬1). والفرق بينهما: من حيث النص والمعنى: أما النص فما رواه البُخَارِيّ (¬2) في صحيحه عن جويرية (¬3) بنت الحارث ¬
أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم جمعة وهي صائمة فقال لها (أصمت أمس) قالت لا قال (أتريدين أن (¬1) تصومين (¬2) غدًا) قالت لا (قال) (¬3) (فافطري) (¬4). وهذا (¬5) نص فإنَّه لو كان بالشروع قد لزمها الصوم وإتمامه لحرم عليها خروجها منه فكيف يأمر به. وروى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فيقول ((أ) (¬6) عندك غدا) فأقول لا فيقول (إنِّي صائم) (قالت) (¬7) فأتاني يومًا فقلت يرسول (¬8) الله إنه قد أهديت لنا هدية فقال (ما هي) قلت حيس (¬9) فقال ((أما) (¬10) إنِّي قد أصبحت صائمًا) ¬
قالت ثم أكل. وفي لفظ: ((قال) (¬1) هاتيه فأكل ثم قال إنِّي كنت قد أصبحت صائمًا) (¬2). وهو نص في جواز الخروج من التطوع وقد رواه أبو داود في سننه (¬3) أَيضًا وروى أَحْمد وأبو داود رحمهما الله بإسنادهما عن أم هانئ (¬4) أنها قالت لما كان يوم فتح مكة جاءت فاطمة (¬5) فقعدت عن يسار النَّبِيّ صلى الله ¬
عليه وسلم وجاءت أم هانئ فقعدت عن يمينه وجاءت الوليدة بإناء فيه شراب فشرب منه ثم ناوله أم هانئ فشربت منه ثم قالت يَا رسول الله لقد أفطرت كنت صائمة فقال لها (أكنت تقضين شيئًا) قالت لا قال (فلا يضرك إن كان تطوعًا) (¬1). وفي لفظ آخر رواه أَحْمد رحمه الله أنَّه قال لها (الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر) (¬2). وفي لفظ آخر كنت صائمة فكرهت أن أرد سؤرك فقال (إن كان قضاء من شهر رمضان فاقض يومًا مكانه وإن كان تطوعًا فإن شئت فاقضي وإن شئت فلا (¬3) تقضي) (¬4). ونقله الدارقطني (¬5) بهذا اللفظ وهو نص فإن طعن علي هذا الحديث ¬
بأن فتح مكة كان في شهر رمضان فكيف تكون صائمة قضا أو تطوعًا. فالجواب أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة ثمانية عشر يومًا حتَّى دخل شوال وكان جميع تلك الأيام تسمى أيام الفتح وكان (في) (¬1) بعض أيام شوال فكيف يطعن فيه وقد رواه الأئمة المذكورون ولم يقدح أحد في إسناده (¬2). وأما الحج والعمرة فأمر الله عَزَّ وَجَلَّ (¬3) بإتمامهما بقوله تعالى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (¬4) ولم يفرق بين الفرض والنفل والأمر يقتضي الوجوب وقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (من كسر أو عرج فقد حل وليحج من قابل) (¬5) ولم يفرق أَيضًا ولو كان الحكم يختلف لبينه لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. وأما من حيث المعنى فإن الصوم والصلاة يخرج منهما بالفساد فلا يلزمه ¬
إتمام نفلهما بالشروع فيهما ولا قضاء فيهما (¬1) بالخروج منهما كالاعتكاف وكما لو دخل في صوم يظنه عليه ثم بان (له) (¬2) أنَّه ليس عليه، وكالطهارة. وتحقيق هذا الكلام أن الملتزم لهذه العبادة متطوع قبل الشروع ولم يتجدد إلا الشروع وهو عبارة عن ملابسة الشيء على ما هو عليه وهذا لا يوجب تغيير وصفه وهذه قاعدة الشرع يوضح هذا أن المتطوع قبل الشروع مخير في جميع أجزاء المتطوع به فبعد الشروع لا يصير (مجبرًا على بعض (¬3) أجزائه لأنه يصير) مجبرا على فعل التبرع وذلك لا يجوز كمن أخرج درهمين ليتصدق بهما فتصدق بأحدهما وامتنع من التصدق بالآخر لا يلزمه شيء (¬4). وكذلك من نوى أن يصلي أربع ركعات وشرع فيهما فصلى ركعتين ثم سلم لم يلزمه فعل الركعتين الأخريين ولو لزمه بالشروع لم يجز تغييرها كما في النذر وإذا ثبت أنَّه لا يجب عليه الإتمام لم يلزمه القضاء. وأما إذا شرع في حج تطوع أو عمرة تطوع فإنَّه كان مخيرًا فيه قبل الشروع ثم إذا دخل فيه لا يلزمه بالمباشرة فعل ما لم يباشره وإنما يلزمه فعل ما يخرج به من الإحرام فإن الإحرام لا ينعقد في الشرع إلَّا لازما وباب الخروج لا يحصل إلَّا بالتحلل المشروع من الطواف والحلاق حتَّى لو أفسده لم يخرج منه بالفساد بخلاف الصوم والصلاة فإنَّه يخرج منهما بالفساد، وكذلك يخرج بكل ما ينافيه وأما قضاء الحج والعمرة فإن قلنا يجب فلأن الشرع خصهما ¬
عن بقية العبادات بأحكام لم يشرعها في غيرهما بدليل أن نفل الحج كفرضه في جيع اللوازم والكفارات. وبدليل أنَّه لا يخرج منه بالفساد وبدليل أنَّه لو شرع في حج يظن أنَّه عليه ثم بأن أنَّه ليس عليه لزمه المضي فيه بخلاف سائر العبادات فلذلك افترقا في وجوب القضاء. فصل: الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفًا على أنفسهما فعليهما القضاء بلا كفارة (¬1) وإن أفطرتا خوفًا على ولديهما جاز وعليهما مع القضاء كفارة وهي أن يطعما عن كل يوم مسكينًا (¬2). ¬
والفرق بينهما: أن خوفهما على أنفسهما يخصهما فلا يجب بالفطر لأجله إلَّا القضاء كالمرض (¬1) وأما إذا أفطرتا خوفًا على ولديهما فعليهما الكفارة لقوله تعالى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (¬2) قال ابن عباس (رضي الله عنهما) (¬3) نسخت هذه الآية وبقيت الرخصة للشيخ الكبير والعجوز والحامل والمرضع إذا خافتًا أفطرتا وأطعمتا (مكان) (¬4) كل يوم مسكينًا (¬5). فصل: (¬6) إذا صام المسافر ثم جامع ولم ينو بجماعه الفطر لزمه الكفارة (¬7) وإن نوى ¬
به الفطر فقياس المذهب أنَّه لا كفارة عليه (¬1). والفرق بينهما: أنَّه إذا لم يقصد الفطر فقد صادف وطئه شهر رمضان وتمحص هتكا من غير شبهة فلزمته الكفارة بذلك كالمقيم وليس كذلك إذا قصد به الإفطار لأنه قد قصد رخصة مباحة وله الترخص بها كماله الترخص بالأكل فلذلك لم يلزمه كفارة. فصل: إذا كان على الميت صوم شهر رمضان وقد آخره لغير عذر أطعم عنه كل يوم مسكين ولا يصام عنه (¬2) وإن كان عليه صوم ¬
منذور جاز أن يصومه عنه وليه (¬1). نص عليه والفرق بينهما: ما روى أبو بكر بإسناده عن ميمون بن (¬2) مهران أن ابن عباس سال (¬3) عن رجل مات وعليه نذر صوم شهر وعليه صوم شهر رمضان فقال أما رمضان فيطعم عنه وأما النذر فيصام عنه (¬4). ¬
وروى الأثرم (¬1) وعبد العزيز بإسنادهما عن ابن عمر قال سئل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن رجل مات وعليه صوم شهر رمضان قال (يطعم عنه كل يوم مسكين) (¬2). ولم يأمر بالصيام عنه وروى ابن عباس رضي الله عنهما قال جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أختي ماتت وعليها صيام شهرين متتابعين قال (أرأيت لو كان على أختك دين أكنت قاضيته) (¬3) قالت نعم قال (فحق الله أحق) (¬4). قال أبو عيسى التِّرْمِذِيّ حديث ابن عباس حديث صحيح (¬5) ولأن صوم شهر رمضان لزمه بأصل الشرع فانتقل عند العجز عن صومه إلى الفدية كالشيخ الفاني. ¬
وأما النذر فهو أوجبه على نفسه فوجب أن يؤدى عنه ما أوجبه كالديون وهذا لأن ما وجب بأصل الشرع آكد مما أوجبه على نفسه بدليل أنَّه يقتل بترك الصلاة المفروضة ولا يقتل بترك الصلاة المنذورة وكذلك إذا نذر صيام الدهر ثم سافر فأفطر في شهر رمضان فلا وقت للقضاء غير زمان النذر فيقضى ما عليه ويترك النذر لأن النذر وجب بإيجابه على نفسه والقضاء وجب ابتداء من عند الله تعالى فكان أقوى مما وجب بقوله فإذا ثبت ذلك فالنيابة إنما تدخل في العبادة على حسب خفتها ولهذا قالوا الصلاة لا تدخلها النيابة لأنه لا مدخل للمال فيها وتدخل في الحج لأن للمال مدخلا فيه. فصل: يجوز للمسافر التطوع بالصلاة من غير كراهة مع استحباب قصر الصلاة (¬1) (له) (¬2) ولا يجوز له التطوع بالصوم في شهر رمضان مع استحباب الفطر له (¬3). ¬
والفرق بينهما: أن نهار شهر رمضان زمان متعين للفرض فلا يصح (منه) (¬1) أن يصوم (فيه) (¬2) تطوعًا كما في الحضر. وليس كذلك وقت الصلاة فإنَّه ليس جميعه متعين للفرض بدليل أنَّه يجوز التطوع بالصلاة فيه قبل (فعل) (¬3) الفرض وبعده سفرًا وحضرا فلذلك جاز فعل النوافل فيه فإن تضايق وقت الصلاة فلم يبق منه إلا قدر ما يفعلها تعين ذلك للفرض ولم يجز الاشتغال بغيره من النوافل (والله أعلم) (¬4). فصل: (¬5) إذا نوى الصيام ليلا ثم أغمي عليه جميع النهار لم يصح صومه (¬6) ¬
ولو نام جميع النهار فصومه صحيح (¬1). والفرق بينهما: (¬2) أن حكم النائم حكم المستيقظ في كثير من الأحكام منها صحة صلاته (¬3) (¬4) وضمانه (¬5) لما يتلفه من الأموال في حال نومه. وإذا صحت صلاته صح صومه لأن النائم متى أوقظ استيقظ. وليس كذلك الإغماء لأنه يزيل العقل ولا يمكن الإيقاظ منه كما يوقظ ¬
النائم فألحق بالجنون يؤكد ذلك أنهما استويا في شروع الغسل في حقهما إذا أفاقا من غير احتلام (¬1) بخلاف النائم. فصل: إذا اشتبهت الأشهر على الأسير فتحرى وصام شهرًا فوافق شهر رمضان أو ما بعده أجزأه فإن وافق ما قبله لم يجزه (¬2). ولو اشتبه عليه وقت الوقوف بعرفة فوقف بالاجتهاد فبان أنَّه وقف قبل وقت الوقوف أجزأه (¬3). والفرق بينهما: أن الصوم يمكنه أداؤه بيقين بأن يؤخر فإما أن يصادف وقته أو ما بعده فأما إذا لم يؤخره فقد فرط بتقديمه فلم يجزه كما لو قدر على وقته من غير اشتباه وليس كذلك الوقوف بعرفة لأنه لا يمكنه أداؤه بيقين لأنه لو أخر الوقوف لم يأمن الفوات فلهذا لم يلزمه الإعادة بخلاف الصوم. ¬
فصل: إذا نذر أن يصوم يوم الخميس أو يصلي فيه لم يجزه الصوم والصلاة قبله (¬1). ولو نذر أن يتصدق بدرهم يوم الخميس فتصدق به قبله أجزأه (¬2). والفرق بينهما: أن الصدقة يجوز تعجيلها قبل وقت وجوبها بدليل (جواز) (¬3) ¬
تعجيل الزكاة (¬1) وليس كذلك الصلاة والصيام فإنَّه لا يجوز تعجيلها قبل وقت وجوبها بدليل أنَّه لا يجوز تعجيل الصلاة المفروضة ولا الصوم المفروض قبل وقت وجوبهما فلذلك افترقا. * * * ¬
كتاب الاعتكاف
كتاب الاعتكاف (¬1) فصل: إذا نذر أن يعتكف عشرة أيام متتابعة وأطلق لم يلزمه اعتكاف ليلة أول يوم منها وهل يلزمه اعتكاف الليالي المتخللة للأيام على وجهين (¬2). ¬
ولو عين وقت الأيام بأن قال العشر الفلاني من الشهر الفلاني كقوله لله علي أن أعتكف العشر الأخير من شهر رمضان أو العشر الأول من المحرم ونحو ذلك لزمه اعتكاف ذلك العشر بجميع لياليه فيدخل معتكفه قبل غروب الشَّمس من أول لياليه ويخرج بعد غروب الشَّمس من آخر أيامه (¬1). والفرق بينهما: أنَّه إذا أطلق الأيام انصرف نذره إلى مجرد الأيام، والأيام عبارة عن بياض النهار فلا يلزمه اعتكاف ما قبلها من الليالي وإنما لزمه اعتكاف ما يتخللها من الليالي على أحد الوجهين لأن التتابع لا يحصل إلَّا بدخول الليل مع النهار فأما الليلة الأوله فهي مفردة عن يومها فلا يلزمه اعتكافها كما لو نذر اعتكاف يوم فإنَّه لا يلزمه اعتكاف ليلته معه وأما إذا عين وقت الأيام انصرف نذره إلى جميع ذلك العشر من أوله إلى آخره ¬
وأول العشر من أول لياليه كالشهر لأن كل ليلة تابعة لليوم الذي بعدها بدليل أنَّه لو قال (لها) (¬1) أَنْتَ طالق في شهر كذا طلقت بأول جزء من أول ليلة منه (¬2) وكذلك لو نذر أن يعتكف الشهر الفلاني فإنَّه يلزمه الاعتكاف من (قبل) (¬3) غروب الشَّمس من أول ليلة منه (¬4) فإذا ثبت أن هذه الليلة أول العشر لزمه اعتكافها كبقية أيامه ولياليه. فصل: إذا نذر أن يعتكف العشر الأخير من الشهر الفلاني أجزأه اعتكاف ما بعد العشرين الأولين من الشهر إلى آخره تاما كان الشهر أو ناقصًا (¬5). ولو نذر أن يعتكف عشرة أيام مطلقًا فاعتكف العشر الأخير من الشهر فإن كان الشهر تامًّا أجزأه وإن كان ناقصًا لم يجزه حتَّى يضيف إليها يومًا آخر من الشهر الثاني (¬6). والفرق بينهما: أن العشر الأخير من الشهر عبارة عما بعد العشرين الأولين إلى آخر الشهر فهو كما لو قال لله علي أن أعتكف الشهر الأخير من السنة ¬
فإنه يجزئه اعتكاف ذي الحجة تامًّا كان (الشهر) (¬1) أو ناقصا لأنه قيد الشهر بالذكر وكذلك قيد العشر بالذكر فكان عليه ما قيده تامًّا كان أو ناقصا. وأما إذا نذر اعتكاف عشرة أيام مطلقًا فإنَّه قيد النذر بذكر العدد فلا يجزئه أقل منه فإن كان الشهر تامًّا أجزأه لأنه قد أتى بالعدد المنذور وإن كان ناقصا لزمه إتمامه بيوم من الشهر الآخر ليتم العدد المنذور. * * * ¬
كتاب الحج
كتاب الحج (¬1) فصل: لا يجوز للمرأة أن تنشئ السفر للحج إلَّا ومعها ذو محرم فإن لم تجد محرمًا يحج معها لم يجب عليها الحج (¬2) ويجوز لها أن تسافر مهاجرة بغير محرم (¬3). والفرق بينهما: ما اتفق البُخَارِيّ ومسلم على صحته وأخرج في الصحاح كلها عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه قال: سمعت رسول الله صلى الله ¬
عليه وسلم وهو يخطب وهو يقول: (لا يخلون رجل بامرأة إلَّا ومعها ذو محرم ولا تسافر امرأة إلَّا ومعها ذو محرم) فقال رجل يرسول (¬1) الله إنِّي اكتتبت في غزوة كذا وانطلقت امرأتي حاجة فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (اخرج (¬2) معها) (¬3). فمنه دليلان أحدهما نهيه أن تسافر إلَّا ومعها ذو محرم. والثاني أنَّه أمره بترك الغزو واللحاق بزوجته يحج معها فلولا خوف (¬4) ذلك لم يأمره بترك الجهاد لأجله ولأن سفر الحج لم يضطرها إليه الخوف على نفسها فلم يجز لها إنشاؤه بغير محرم كسفر التجارة والفرجة وزيارة الأهل. وأما سفرها للهجرة فبالإجماع يجوز بغير محرم لأنها تخاف على نفسها ودينها في دار الحرب والنفس والدين لا عوض لهما فلا يجوز تضييعهما بخوف فرع من فروعهما بدليل أنَّه لو أكرهت على الزنا بالقتل من قادر عليه جاز لها المطاوعة (¬5) وبدليل أنَّه يجوز لها المهاجرة بغير محرم وإن لم يصحبها امرأة بخلاف سفرها للحج. ¬
فصل: إذا أرادت المرأة أن تخرج بحجة الإِسلام لم يكن لزوجها منعها (¬1) وإن أرادت الخروج بحجة نذر فله منعها في إحدى الروايتين (¬2). والفرق بينهما: أن حجة الإِسلام آكد لأنها وجبت بإيجاب الله تعالى وهو (¬3) أحد أركان الإِسلام الخمس ولا يؤدي أداؤها إلى دحض حق الزوج فلم يكن له منعها (منها) (¬4) كالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان. وليس كذلك الحجة المنذورة لأنها ليست من أركان الإِسلام ولا وجبت ابتداء بالشرع وإنما وجبت بالنذر فلو لم يكن للزوج منعها منها أدى إلى دحض حقه لأنه (لا) (¬5) يمكنها أن تنذر أن تحج كل سنة وأن تعتمر في السنة مرارًا فيفوت حق الزوج بالكلية والذرايع عندنا معتبرة (¬6) فلذلك كان له منعها منها. ¬
فصل: إذا أحرم بحجتين أو بعمرتين انعقد إحرامه بأحدهما ولم يلزمه غيرها (¬1) ولو أحرم بحجة وعمرة صح إحرامه بهما ولزمتاه جميعًا (¬2). والفرق بينهما: أن الحجتين والعمرتين عبادتان لا يصح المضى فيهما ولا في شيء عن أفعالهما معا بوجه من الوجوه، فلم يصح الإحرام بهما جميعًا كالصلاتين بخلاف الحج والعمرة فإنَّه يصح المضي (فيهما) (¬3) في أكثر أفعالهما معا وهو الطواف والسعي والحلق فلهذا صح الإحرام بهما. فصل: يجوز إدخال الحج على العمرة وهو أن يحرم بالعمرة وحدها ثم يدخل الحج عليها (¬4) قبل الطواف ويصير قارنا (¬5). ولا يجوز إدخال العمرة على الحج بحال نص عليهما (¬6). ¬
والفرق بينهما: ما روي عن (¬1) عائشة (رضي الله عنها (¬2) أنها أحرمت بالحج) (¬3) فحاضت فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقال لها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (مالك) قالت: لا أصلي فقال لها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (أهلي بالحج ومعناه لي بالحج واصنعي ما يصنع الحاج غير ألا تطوفي بالبيت ولا تصلي حتَّى تطهري). ¬
وفي لفظ آخر (انسكي المناسك كلها غير أن لا تطوفي بالبيت حتَّى تطهري) (¬1). فدل على أنَّه يجوز إدخال الحج على العمرة و (أنَّه) (¬2) يصير قارنا وروى أن رجلًا سأل عليًّا رضي الله عنه (¬3) فقال إنِّي أهللت بالحج فهل أستطيع أن أقرن فقال لا إنما ذلك لو كنت (محرما (¬4) بالعمرة) (¬5). فدل على الفرق بينهما ولأن القارن يفعل ما يفعله المفرد على أصلنا (¬6) فلا يستفيد بإدخال العمرة على الحج إلَّا ما قد استفاده بالعقد الأول فلا يصح كمن عقد الإجارة (¬7) على منفعة مدة فإنَّه لا يجوز أن يعقد عليها إجارة أخرى لتلك المدة (¬8) وعكسه إدخال الحج على العمرة لأنه يستفيد ¬
بذلك ما لا يستفيده بالعمرة من الوقوف والرمي وغير ذلك ولأن الحج أقوى والعمرة أضعف فكان في قوة الأقوى أن يدفع الضعيف ولا يمكنه من الدخول عليه ولم يكن في قوة الأضعف أن يدفع الأقوى من الدخول عليه. فصل: يحرم على المحرم قتل صيد البر (¬1). ولا يحرم عليه قتل صيد البحر (¬2). والفرق بينهما: قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيكُمْ صَيدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} (¬3). فلهذا افترقا. فصل: إذا قتل المحرم البراغيث لم يلزمه شيء (¬4). ولو قتل قملة لزمه أن يتصدق بشيء مهما كان على إحدى الروايتين (¬5). ¬
والفرق بينهما: ما روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت يقتل المحرم الهوام كلها إلَّا القملة فإنَّها منه (¬1) ولأن البراغيث تتولد من الأرض فهي من هوام الأرض وهوام الأرض يجوز قتلها بغير ضمان كالعقرب (¬2). وأما القملة فإنَّها تتولد من البدن وفي إتلافها ترفه له وإزالة أذى فلزمه الضمان بذلك كما لو حلق الشعر وقلم الأظفار (¬3). ¬
فصل: يحرم على المحرم عقد النكاح كما يحرم عليه الوطئ (¬1) ولا يحرم عليه شراء الإما (¬2). والفرق بينهما أن عقد النكاح موضوع للاستمتاع بدليل أنَّه لا يصح على من لا تحل له كأخته من الرضاعة وإذا ثبت أنَّه موضوع للاستمتاع كان من دواعيه ودواعيه محرمة على المحرم كالقبلة واللمس والنظر بشهوة (¬3) وكذلك عقد النكاح وأما شرى (¬4) الإماء فليس بموضوع للاستمتاع بدليل أنَّه يصح شراء من هي محرمة عليه. وإذا لم يكن موضوعًا للاستمتاع لم يحرم كشراء المماليك. ¬
فصل: إذا قتل المحرم صيدًا بعد صيد لزمه الجزاء لكل واحد منهما سواء كان قد أخرج جزاء الأول قبل قتله للثاني أو لم يخرجه (¬1). ولو كرر غيره من محظورات الإحرام مثل إن حلق ثم حلق أو وطئ ثم وطئ أو لبس ثم لبس أو تطيب ثم تطيب أجزأه كفارة واحدة ما لم يكفر عن الأولى قبل فعله للثاني (¬2). ¬
والفرق بينهما: أن الواجب بقتل الصيد جزاء المتلف لا كفارة بدليل قوله تعالى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} (¬1) وبدليل أنَّه لو اشترك جماعة في قتل صيد لم يلزمهم إلَّا جزاء واحد (¬2) كما لو قتلوا عبدا ولو كان جزاء الفعل للزم كل واحد جزاء كما لو اشترك جماعة في قتل أدمي خطأ فإنه يلزم كل واحد كفارة (¬3) لأنها جزاء الفعل وبدليل أنَّه يضمن ماله مثل بمثله ¬
من النعم ولا (¬1) مثل له بقيمته وهذا سبيل ضمان (¬2) الأموال وإذا ثبت أنَّه مضمون ضمان المال وجب بكل صيد جزاؤه ولم يتداخل كما لو أتلف صيدًا أو غيره من الأموال على آدمي وإنما يسمى (¬3) في القرآن كفارة لأنه مكفر للذنب لا أن حكمه حكم الكفارات في التداخل وأما غير الصيد من محظورات الإحرام فالواجب به جزاء الفعل لا قيمة المتلف بدليل أنَّه لا يعتبر ما زاد على ما يوجب الفدية من اللباس والطيب والحلق فيجب فيجب بحلق جميع الرأس ما يجب بحلق أربع شعرات ويجب بكثير الطيب واللباس ما يجب بقليله وإذا ثبت أنَّه جزاء الفعل فهو كفارة لأن حكمه حكم الكفارات لأن الكفارة لا تختلف في القتل سواء كان المقتول صغيرًا أو كبيرًا (أ) (¬4) وشريفا أو عبدا. والصيد بخلاف ذلك وإذا ثبت أنَّه جزاء الفعل وانه كفارة فما كان منه من جنس واحد تداخل كالحدود والكفارات فإن ما كان منها من جنس (واحد) (¬5) يتداخل كذلك ها هنا. فصل: إذا اشترك جماعة في قتل صيد لم يلزمهم إلَّا جزاء واحد بينهم إذا كان مالا ¬
وإن كان صومًا لزم كل واحد منهم صوم كامل (¬1). والفرق بينهما: أن الجزاء بالمال بدل فهو كالبدل من سائر الأموال والصوم حق على البدن وفيه معنى العقوبة فكمل كالحد فإنَّه لو قذف جماعة واحدا لزم كل واحد منهم حد كامل (¬2). فصل: لا يحرم خطبة المحرمة (¬3). ويحرم خطبة المعتدة (¬4). ¬
والفرق بينهما: أن المرجع في انقضاء العدة إلى المرأة إذا ادعت من ذلك ممكنا فلا تؤمن أن تخبر بانقضاء عدتها قبل انقضائها حرصا على الزوج ومبادرة إلى الجماع فلذلك حرمت خطبتها في عدتها. وليس كذلك التحلل من الإحرام فإنَّه ليس المرجع فيه إليها وإنما المرجع فيه إلى زمان معلوم وفعل معلوم يشاهد منها وهو النحر والطواف فإذا طافت يوم النحر فقد حلت من كل شيء لهذا لم تحرم الخطبة في الإحرام. فصل: إذا خرج في عينيه شعر يؤلمه فازاله أو نزل شعره فغطى عينيه فقص منه ما نزل على عينيه فلا فدية عليه (¬1) ولو تأذى بهوام رأسه فحلق شعره فعليه الفدية (¬2). والفرق بينهما: أن في المسألة الأولى (¬3) ألجأه الشعر إلى القطع فهو كما لو صال عليه صيد فقتله (¬4)، أو افترش الجراد في طريقه فقتله بالمشي عليه (¬5). وفي المسألة الثَّانية ألجأه إلى حلق الشعر غيره وهو التأذي بالهوام فهو ¬
كما لو قتل صيدًا للمجاعة فإنَّه يضمنه (¬1) لأنه ألجأه إليه معنى في نفسه وهو الجوع دون الصيد. فصل: إذا حبس الحلال حمامة في الحل فماتت ومات فرخها في الحرم بسبب حبسها ضمن فرخها دونها (¬2). ولو حبس الحلال حمامة في الحرم فماتت ومات فرخها في الحل بسبب حبسها ضمنهما جميعا (¬3). والفرق بينهما: أن في المسألة الأولى (¬4) أتلف الأم في الحل فلم يضمنها كما لو قتلها ولا فرخ لها ويضمن فرخها لأنه تلف في الحرم بسبب من جهته فهو كما لو رمى سهما من الحل إلى الحرم فقتل صيدًا. وفي المسألة الثَّانية أتلف الأم في الحرم فضمنها لذلك ويضمن الفرخ لأنه تلف بسبب صدر منه في الحرم (فهو) (¬5) كما لو رمى سهما من الحرم إلى الحل فقتل صيدًا في الحل فإنَّه يضمنه كذلك ها هنا. ¬
فصل: إذا كان أصل الشجرة في الحرم ولها غصن في الحل فقطعه حلال (¬1) ضمنه (¬2) ولو كان على هذا الغصن صيد فقتله حلال (¬3) لم يضمنه في أصح الروايتين (¬4). والفرق بينهما: أن الغصن معتبر بأصله بدليل أن بقاءه ببقائه وتلفه بتلفه والأصل مضمون لكونه في الحرم فكذلك الغصن. وأما الطائر الذي على هذا الغصن فليس بمعتبر به بدليل أنه ليس تلفه بتلفه ولا بقاؤه ببقائه وإذا ثبت أنه غير معتبر به وهو يحملته في الحل لم يضمن كما لو كان على أرض الحل وكما لو كان أصل هذه في الحل وبعض أغصانها في الحرم وهذا الصيد على غصن منها في الحل فقتله حلال وأنه (¬5) لا ضمان عليه كذلك ها هنا. ¬
فصل: إذا قتل المحرم من (¬1) الحرم حمامًا مصوتا ضمنه غير مصوت. ولو أتلف على آدمي حماما مصوتا ضمنه لصاحبه بقيمته مصوتًا (¬2). والفرق بينهما: أن صيد الحرم يضمن لحق الله تعالى والتعليم لا يتقوم في حق الله تعالى بدليل أنه لو أتلف عبدا كاتبا عالما فإنه لا يضمن إلا كفارة قتل عبد غير كاتب ولا عالم (¬3) كذلك ها هنا. وأما إذا أتلف على آدمي حماما مصوتا فالواجب عليه قيمته مصوتا لأن التعليم يتقوم في حق الآدميين بدليل أنه لو أتلف عاجه عبدا كاتبا أو عالما فإنه يلزمه له (¬4) قيمته كاتبا وعالما (¬5) وكذلك لو قتل له بازيا معلما لزمته له قيمته معلما كذلك ها هنا. ¬
فصل: إذا قبل الشيخ المحرم زوجته لشهوة فلم ينزل أثم ولزمه دم شاه (¬1) ولو قبل الشيخ الصائم زوجته فلم ينزل لم يلزمه القضاء ولا غيره (¬2). والفرق بينهما: أن التقبيل للشهوة من دواعي الجماع وذلك حرام على المحرم فإذا فعله لزم دم شاه كالتطيب. وأما الصوم فلا تحرم فيه دواعي الوطء بدليل أنه لا يحرم فيه عقد النكاح ولا التطيب ولا التقبيل في حق من لا تحرك القبلة شهوته بدليل ما روى أحمد رحمه الله في المسند عن عمرو (¬3) بن العاص قال كنا عند النبي صلى ¬
الله عليه وسلم فجاءه شاب وقال يا رسول الله أأقبل وأنا صائم فقال (لا) ثم جاء شيخ فقال يا رسول الله (¬1) أأقبل وأنا صائم فقال (نعم) فنظر بعضنا إلى بعض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد علمت نظر بعضكم إلى البعض إن الشيخ يملك نفسه) (¬2). وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول لله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم وكان أملككم لأربه (¬3) (¬4) وإذا ثبت أنه غير حرام في حق الشيخ لأنه لا يخاف الإنزال فما لم يتصل به الإنزال لا يأثم به ولا يبطل به الصوم كالمضمضة بالماء إذا لم يعبر منه شيء إلى حلقه. ¬
فصل: إذا أرسل الحلال (¬1) كلبه على صيد في الحل فطرد (هـ) (¬2) الكلب حتى قتله في الحرم فلا ضمان عليه (¬3). ولو رمى سهمه إلى صيد في الحل فدخل السهم إلى الحرم فقتل ذلك الصيد أو غيره من الصيود فِي الحرم لزمه جزاؤه (¬4). والفرق بينهما: أن الرمي فعل مباشرة بدليل أنه تتصل قوته به فتختلف قوته) باختلاف (¬5) قوته). ولو رمى إنسانًا فمات لزمه القصاص فصار كما لو باشر القتل بيديه. ¬
وليس كذلك إرسال الكلب لأن الكلب له اختيار وفعله ليس بمباشرة من مرسله بدليل أنه لو أرسل كلبا على إنسان فقتله لا يجعل كالقاتل مباشرة ولا يجب عليه بذلك القصاص وإنما هو سبب لم يتعد فيه لأن إرساله في الحل على صيد (في الحل) (¬1) يجوز وإذا لم يكن متعديًا فيه لم يلزمه به ضمان كما لو حفر بئرًا فإنه إن كان متعديًا في حفرها ضمن ما تلف بها وإن لم يكن متعديا في حفرها لم يضمن (¬2). فصل: إذا تحلل من عمرته ووطئ ثم أحرم بالحج وأكمله ووطئ ثم ذكر أنه طاف أحد الطوافين بغير طهارة ولم يعلم أي الطوافين هو فإن كان حجته (¬3) وعمرته واجبتين لم يجزه واحد منهما وعليه فعلهما (¬4). وإن كان (¬5) تطوعًا لم يلزمه قضاؤهما كما يلزمه لو تحقق بطلانهما ذكره القاضي في المجرد (¬6). ¬
والفرق بينهما أنه يحتمل أن يكون النسكان صحيحين فيجزيا عما في ذمته ويحتمل أن يكونا باطلين فلا يجزيا عنه والأصل بقاء ما في ذمته فلا يسقط بالشك. وإن كانا عن تطوع فيحتمل أن يكونا صحيحين فلا يلزمه قضاؤهما ويحتمل أن يكونا باطلين فيلزمه قضاؤهما. والأصل براءة ذمته من القضاء فلا يجب بالشك وبيان احتمال صحتهما بأن يكون طواف العمرة بطهارة وطواف الحج بغير طهارة فقد صحت العمرة وصحت حجته (إذا) (¬1) أعاد لأن (¬2) طوافه وسعيه معا فعلى هذا يصح (منه) (¬3) النسكان وعليه دم التمتع ودم لوطئه في الحج قبل الطواف (¬4). واحتمال بطلانهما بأن يكون طواف العمرة بغير طهارة فلا يعتد به ويكون قد حلق فيها فعليه دم وقد وطئ قبل التحلل منها فأفسدها فعليه دم ثم قد أحرم بالحج على عمرة فاسدة فلم ينعقد إحرامه بالحج وإنما هو ماض في عمرة فاسدة فسقط وقوفه بعرفة وتوابعه من أفعال الحج كلها ¬
ويقع طوافه وسعيه للحج عن العمرة الفاسدة. ويتحلل منها فعلى هذا قد أفسد العمرة وعليه دم الحلاق فيها ودم لإفسادها وعليه قضاؤها ويبقى الحج كأنه لم يوجد إحرامه به فعلى هذا ما صح له حج ولا عمرة وعليه دمان هما شاتان بكل حال (¬1) لأنه لا ينفك من وجوبهما عليه لأنه (و) (¬2) إن كان طواف العمرة بغير طهارة فعليه دم الحلاق فيها (ودم) (¬3) لفسادها وإن كان طواف الحج بغير طهارة فعليه دم التمتع (¬4) ودم الوطئ في الحج قبل طوافه فلهذا لزمه شاتان (¬5). فصل: قد ذكرنا أنه إذا (ذكر أنه) (¬6) طاف طواف أحد النسكين ولم يعلم أيهما هو بغير طهارة لا يجزئه شيء منهما عن الفرض وعليه إعادتهما (¬7). ولو فرغ من أحد النسكين ثم شك بعد ذلك هل طاف فيه أم لا أجزأه فرضا كان أو نفلا (¬8). ¬
والفرق بينهما: أن بالفراغ من النسك قد حكمنا بصحته وتمامه ولا يزول ذلك بالشك ولا يلزمه بالشك شيء كما لو شك بعد الفراغ هل صلى ثلاثًا أو أربعا أوشك بعد الفراغ من الطهارة هل أخل بغسل شيء من أعضاء الوضوء أم لا فإنه لا يلتفت إلى الشك نص عليه لأنه شك بعد الفراغ وبعد الحكم بصحة العبادة في ترك بعضها ولم يقطع على تركه فلم يبطل الحكم بصحتها بالشك. وليس كذلك إذا ذكر بعد الفراغ من النسكين أنه طاف أحد طوافيهما إلى غير طهارة لأنه قد تيقن قطعًا بطلان أحد الطوافين بكونه على غير طهارة وإنما شك في عينه فلزمه أغلظ الأمرين كما لو تحقق أن عليه صلاة من صلوات يوم لا يعلم عينها فإنه يلزمه أن يصلى جميع صلوات اليوم ليحصل له تأدية فرضه بيقين كذلك ها هنا. فصل: إذا حج عن نفسه ثم أراد أن يعتمر عن غيره أو حج عن غيره ثم أراد أن يعتمر عن نفسه لزمه أن يحرم بالعمرة من الميقات فإن أحرم بها من أدنى الحل لزمه دم وكذلك إن اعتمر عن نفسه ثم أراد أن يحج أو يعتمر عن نفسه (¬1) (أو اعتمر عن غيره ثم أراد أن يحج أو يعتمر عن نفسه) (¬2) متى كان النسكان عن اثنين لزمه أن يحرم بالثاني حجا كان أو عمرة من الميقات نص عليه فإن أحرم بالحج من مكة أو بالعمرة من أدنى الحل لزمه ¬
دم ومتى كان النسكان عن واحد مثل إن حج أو اعتمر عن نفسه فإنه يجوز له أن يعتمر بعد ذلك عن نفسه مرارا من أدنى الحل ولا دم عليه وكذلك إن حج أو اعتمر عن غيره فله أن يعتمر عن ذلك الغير مرارا من أدنى الحل ولا دم عليه. وكذلك إن اعتمر عن غيره فله أن يحرم بالحج عن ذلك الغير من مكة ولا دم عليه كما لو كان الحج والعمرة جميعا عن نفسه (¬1). ¬
والفرق بينهما: أن الواجب أن يحرم بالإنساك من مواقيتها المشروعة فمتى أحرم بها دونها لزمه دم فإذا اتفق النسكان عن واحد فالإحرام بالأول من الميقات حجا كان أو عمره يقع له فإذا أحرم بعد ذلك بالحج من مكة وبالعمرة من أدنى الحل فقد فعل المشروع لأن تلك المواقيت المشروعة في حقه لأن ما بعد النسك الأول يكون كالتبع له فلذلك لم يلزمه دم. فأما إذا كان النسكان عن الاثنين فالإحرام من الميقات بالنسك الأول يحصل لمن ذلك النسك له فلو جوزنا أن يفعل نسكا آخر عن غيره من غير الميقات المشروع في حق هذا الثاني أدى إلى أن يحرم به دون ميقاته وذلك لا يجوز فإذا خالف وفعل لزمه الدم لإحرامه بالنسك دون ميقاته المشروع في حقه.
فصل: إذا أبهم إحرامه في أشهر الحج بأن نوى إحراما مطلقا ولم يعين حجا ولا عمرة ولا قرانا انعقد إحرامه صحيحا وله صرفه إلى ما شاء من حج أو عمره أو قران (¬1). ولو أحرم بصلاة أو صيام مبهما لم يصح حتى يعين ما أحرم به حال إحرامه (¬2). والفرق بينهما: أن الحج والعمرة ليس من شرط صحة الإحرام بهما التعيين بدليل ما روى عن علي بن أبي طالب وأبي موسى (¬3) الأشعري أنهما أحرما باليمن ¬
فقالا إهلال كإهلال النبي (¬1) صلى الله عليه وسلم فأقرهما النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك (¬2). وبدليل أنه يجوز ويستحب للقارن والمفرد اللذان لا هدي معهما أن يفسخا نيتهما لما أحرما به قبل وقوفهما بعرفة وينويا إحرامهما ذلك لعمرة مفردة فإذا فرغا منها وتحللا أحرما بالحج ليصيرا متمتعين ويجوز لمن أحرم بالعمرة مفردة أن يدخل عليهما الحج قبل الطواف فإذا جاز صرف الإحرام المعين لنسك إلى نسك غيره فأولى أن يجوز صرف إحرام مبهم لم يعين لنسك بعينه فلذلك جاز الاحرام مبهما. وليس كذلك الصلاة والصيام لأن من شرط صحة الإحرام بهما التعيين بدليل أنه لا يصح إلا تعيين النية فإذا عين بالنية شيئًا لم يجز تغييره ولا قلب النية إلى غيره (¬3) ولم يرد في ذلك مثل ما ورد في الاحرام فافترقا. فصل: إذا أحرم مبهما نظرنا فإن كان في أشهر الحج فله صرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة أو قران والأفضل صرفه إلى التمتع (¬4) وإن كان في غير أشهر ¬
الحج انعقد إحرامه بعمرة (¬1). والفرق بينهما: أن الإحرام بالحج في غير أشهره مكروه فلهذا لم يقع موقعا موقوفًا وانصرف إلى غير المكروه. ويفارق إذا كان (ذلك) (¬2) في أشهر الحج لأنه وقت للإحرام بالحج فلهذا وقع موقوفًا. الطهارة شرط في صحة الطواف (¬3). وليست (¬4) شرط في السعي ولا واجبه بل مستحبة (¬5). ¬
والفرق بينهما: أن الطواف بالبيت صلاة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله تعالى أحل لكم فيه النطق فمن نطق فلا ينطق إلا بخير) (¬1) وقوله صلاة أي مثل الصلاة كقوله تعالى {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (¬2) أي مثل أمهاتهم وإذا كان كذلك وجب أن يكون حكمه حكم الصلاة في جميع أحكامها إلا فيما استثناه وهو إباحة النطق ولأنها عبادة تتعلق بالكعبة تجب لها الطهارة فكانت الطهارة شرطا في صحتها كالصلاة وأما السعي فقد روى أن النبي صلى الله علي قال لعائشة رضي الله عنها لما حاضت (اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت) (¬3) ولأنه نسك لا يتعلق بالبيت فلم يشترط له الطهارة كالوقوف. فصل: الصبي المميز لا يصح إحرامه بالحج إلا بإذن وليه (¬4) وينعقد إحرامه ¬
بالصلاة بغير إذنه (¬1). والفرق بينهما: أن الصلاة لا يفتقر إتمامها إلى إنفاق مال فلا يكون بالإحرام بها متصرفا في مال فانعقدت بغير إذن الولي كالصيام بخلاف الحج لأن في انعقاده إنفاق مال فيفضي إلى تصرفه في المال وذلك لا يجوز فلهذا لم ينعقد كالبيع وعقد النكاح. فصل: إذا أفسد العبد حجه بالوطء ثم أعتق قبل فوات وقت الوقوف أجزأه قضاؤه من قابل عن حجة الإسلام (¬2) ولو كان عتقه بعد فوات وقت الوقوف في الفاسدة لم يجزه قضاؤها من قابل عن حجة الإسلام ويلزمه القضاء وحجة الإسلام (¬3). ¬
والفرق بينهما: أنه إذا اعتقه قبل فوات وقت الوقوف كانت هذه الحجة تجزيه عن حجة الإسلام لو سلمت من الفساد فيكون قد أفسد حجة الإسلام لأنه إذا كان عتقه قبل فوات (وقت) (¬1) الوقوف يمكنه أن يقف فتجزئه عن حجة الإسلام فيصير كأنه أفسد حجة الإسلام فيجزئه (¬2) القضاء عن حجة الإسلام وليس كذلك إذا كان عتقه بعد فوات وقت الوقوف في الفاسدة فهذه الفاسدة لو سلمت من الفساد لم تجزه عن حجة الإسلام فيكون القضاء عن غير حجة الإسلام بل عما أحرم به فلا تجزيه عن حجة الإسلام كما لو كانت واجبه عليه بالنذر (¬3) ولا يجوز أن يتقدم القضاء على حجة (¬4) الإسلام (لأن حجة الإسلام) (¬5) وجبت ابتداء بأصل الشرع والقضاء وجب بسبب من جهته فهو كما لو التزمها بالنذر. قال القاضي في المجرد وكذلك حكم الصبي إذا أفسد حجه (بوطئه) (¬6) فيه ثم بلغ إن كان بلوغه قبل فوات وقت الوقوف أجزأه القضاء عن حجة الإسلام. وإن كان بلوغه بعد فوات وقت الوقوف لم يجزه القضاء عن حجة الإسلام والفرق بينهما ما ذكرناه. ¬
فصل: إذا استنيب في حجه عن غيره فبدأ فاعتمر عن نفسه ثم حج عن ذلك الغير ضمن جميع ما أنفق لأنه صرف سفره إلى نسك عن نفسه لا إلى ما أمر به فلهذا ضمن فإذا ثبت ذلك فإن كان المنوب عنه ميتا وقعت الحجة عنه وإن كان حيا وقعت الحجة عن النائب وهو فاعلها دون النوب عنه (¬1). ¬
والفرق بينهما: أن الميت إذا أعزى إليه عبادة وقعت عنه سواء كان قد أذن فيها أو لم يأذن لأنه معدوم الإذن عاجز عن اكتساب الثواب فيصير كأنه أهدى إليه ثوابا (¬1). وأما الحي فبخلافه (لأنه) (¬2) قادر على الاكتساب صحيح الإذن ولم يوجد منه إذن في ذلك وإذنه الأول بطل حكمه لأنه لما صرف النائب سفره إلى نسك عن نفسه لا إلى ما أمر به المنوب عنه صار النائب مخالفا فيما يفعله بعد ذلك فلهذا لم يقع عن المنوب عنه. فصل: إذا أتلف صيدا ما خضا (¬3) ضمنه. ممثله ما خضا من النعم ولا يخرجه بل يقومه ما خضا ثم يشتري بالقيمة طعاما ويتصدق به على المساكين (¬4) ذكره القاضي في المجرد ¬
ولو تبرع رب المال بإخراج الماخض في الزكاة جاز وكان أفضل من الحايل (¬1). والفرق بينهما: أن المقصود من جزاء الصيد اللحم. والحمل ينقص اللحم ويقلله فالحائل أنفع للفقراء (من الماخض) (¬2). وليس كذلك في الزكاة لأنه ليس المقصود منهما اللحم بل الدر والنسل (وهي أنفس (¬3) قيمة) بدليل أنه لا يخرج إلا الأنثى والماخض أقرب إلى الدر والنسل وهي أنفس قيمة من الحايل فكانت أفضل. فصل: إذا قتل الذمي (¬4) صيدا في الحرم لزمه ضمانه (¬5) ولو أحرم وقتل صيدا (¬6) لم يلزمه ضمانه (¬7) والفرق بينهما: أن صيد الحرم يضمن لأجل حرمة الحرم وحرمة الحرم قائمة في حق الذمي كما هي في حق المسلم فاستويا في ضمان الجزاء كما لو أتلف على آدمي مالا فإنه يضمنه كما يضمنه المسلم لو أتلفه لانهما سواء في ضمانه لأن ¬
ضمانه لحق مالكه وليس كذلك الصيد في الإحرام لأنه مضمون لأجل حرمة الإحرام ولا يصح الإحرام من الذمي فلم يوجد سبب الضمان في حقه فلذلك لم يضمنه. فصل: إذا أحصر (¬1) المحرم بعدو جاز له التحلل (¬2). وإن أحصر بمرض لم يجز له التحلل إلا أن يكون قد شرط في ابتداء إحرامه أنه إذا مرض تحلل (¬3). ¬
والفرق بينهما: قوله تعالى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (¬1) حكى عن أبي عبيد (¬2) وثعلب (¬3) أنهما قالا: يقال أحصره العدو وحضره المرض فلإحصار العدو بألف قبل الحاء وحصر المرض بغير ألف. وروى عن ابن عمر وابن عباس (رضي الله عنهما) (¬4) وهو ترجمان القرآن أنهما قالا لا إحصار إلا من عدو (¬5) وروي عن ابن عمر وابن عباس وابن الزبير (¬6) ¬
ومروان بن الحكم (¬1) أنهم سئلوا عن رجل صرع ببعض الطريق فقالوا يتداوى مما لا بد له منه ويفتدي فإذا صح اعتمر وتحلل من إحرامه ثم عليه الحج من قابل (¬2) فلو أبيح له التحلل بالمرض لم يخف عن هولاء الأعلام من علماء الصحابة (ثم قرائن الآية) (¬3) وسببها يدل على أنها واردة في حصر (¬4) العدو بدليل أنها نزلت في عام الحديبية (¬5) في إحصار ¬
المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصدهم عن الاعتمار (و) (¬1) بدليل أنه قابل الإحصار بالأمن فقال {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ (إلى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}) (¬2) (¬3). ولا يكون الأمن إلا في مقابلة الخوف فأما المرض فيقابل بالشفاء والعافية والبرء (والنقه) (¬4) والإبلال ونحو ذلك وبدليل أنه ابتدأ بذكر حكم المرض بعد ذكر الحصار (¬5)، فقال تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية) (¬6). ولو كان المراد بالأول المرض لم يستأنف (¬7) ذكره ثانيا وكان ترتيب الأحكام عليه أولًا بدليل أنه خاطب الجماعة بالإحصار والذي يحصل به حصر (¬8) الجماعة في حالة واحدة هو العدو فأما المرض فيبعد أن يعم الجماعة ولهذا لم يخاطبهم به بلفظ الجمع بل قال فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه. فثبت أن الآية إنما أريد بها الإحصار بالعدو دون المرض وإن حكم المرض يخالف ذلك لأنه استأنف ذكره لأن المحصور بالعدو إذا صده عن مكة ¬
يستفيد بالتحلل الإعراض عن جهة مكة والرجوع إلى أهله والخلاص بالكلية لأنه إن قلنا له أقم على ذلك (¬1) مصابرا للعدو أو أهجم عليه كان في ذلك من الضرر ما لا خفاء به وفي (التحلل و) (¬2) الرجوع إلى أهله والتصرف في بقية جهات الدنيا تخلص من ذلك فلهذا جاز له التحلل وليس كذلك المحصور بالمرض لأنه لا يتخلص بتحلله عن الضرر والأذى الذي وقع فيه فلم يجز له التحلل كمن أخطأ الطريق وضل فلم يقدر على الوصول إلى مكة ولا إلى عرفه فإنه لا يجوز له التحلل كذلك هذا وذلك لأن المريض قال استفيد الرجوع إلى أهلي فحركته في رجوعه كحركته في مضيه إلى مكة فيمضي ولا يبطل عمله وإن أراد المقام فسواء عليه كونه محرما أو متحللا لأن مرضه لا يزول بالتحلل ولا يستفيد به فائدة فهو كالضال لما لم يستفد بتحلله فائدة ولا خلاصا مما وقع فيه من الحيرة قيل له كن على إحرامك لا فائدة لك في التحلل فإن قيل المريض يستفيد بالتحلل لبس المخيط والطيب والحلاق قلنا جميع ذلك يباح له لأجل الحاجة بالمرض وأكثر ما فيه لزوم الفدية وذلك لا يبيح له التحلل ألا ترى أن من دعته الحاجة إلى اللبس لحر أو برد وإلى الحلاق لأذى يباح له ذلك وتلزمه الفدية ولا يجوز له التحلل وكذلك من أخطأ الطريق وضل إذا شق عليه العرى وطول الشعر أبحنا له اللبس والحلق وعليه الفدية ولا يباح له التحلل (¬3) كذلك ها هنا (¬4) والله أعلم. ¬
تم ربع العبادات وهو آخر الجزء الأول من كتاب الفروق والحمد لله رب العالمين على سوابغ نعمه وصلواته على خيرته من خلقه سيدنا محمد النبي وآله الطيبين الطاهرين. ووافق الفراغ منه تسعة عشر شهر الله الشهر المحرم سنة ست وحمسين وثمانمائة من الهجرة النبوية يتلوه في الجزء الثاني كتاب البيوع.
فهرس المراجع
فهرس المراجع
1 - القرآن الكريم. 2 - آثار البلاد وأخبار العماد، تصنيف الإمام زكريا بن محمد بن محمود القزويني-1203 - 1283 دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت 1399 هـ. 3 - الآداب الشرعية والمنح المرعية، لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي المتوفي سنة 763 هـ، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، 1391 هـ / 1971 م. 4 - ابن قدامة وآثاره الأصولية، دراسة علمية أعدها الدكتور عبد العزيز بن عبد الرحمن السعيد، الطبعة الثانية 1399 هـ. 5 - أثر الأدلة المختلف فيها، للدكتور مصطفى ديب البغا، نشر وتوزيع دار الإمام البخاري دمشق. 6 - الأحكام السلطانية، للقاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء الحنبلي، المتوفي سنة 458 هـ، تصحيح وتعليق محمد حامد الفقي، شركة مكتبة ومطبعة أحمد بن سعد نبهان، سروبايا - أندنوسيا، الطبعة الثالثة 1394 هـ. 7 - الأحكام الفقهية في المذاهب الإسلامية الأربعة، للشيخ أحمد محمد عساف، الطبعة الأولى، دار إحياء العلوم بيروت 1379 هـ.
8 - الإحكام في أصول الأحكام، تأليف الشيخ الإمام العلامه سيف الدين أبي الحسن علي بن أبي علي بن محمد الآمدي المتوفى سنة 631 هـ، قام بالتعليق عليه عبد الرزاق عفيفي، وتصحيح الشيخ عبد الله الفديان، وعلى الحمد الصالحي، الطبعة الأولى 1387 هـ مؤسسة النور للطباعة والتجليد، الرياض. 9 - أحكام القرآن لابن العربي، لأبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي 468 - 543 هـ، تحقيق على محمد البجاوي، الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر ببيروت لبنان، الطبعة الثالثة 1392 هـ. 10 - أحكام القرآن للجصاص، للإمام أحمد بن علي أبو بكر الرازي المعروف بالجصاص 305 - 370 هـ، تحقيق محمد الصادق قمحاوي، الناشر دار المصحف شركة مكتبة ومطبعة عبد الرحمن محمد، الطبعة الثانية. 11 - أحمد بن حنبل بين محنة الدين ومحنة الدنيا، لأحمد عبد الجواد الدومي، الطبعة الأولى. 12 - الاختيارات الفقهية من فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية، المتوفي سنة 728 هـ اختيار علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عباس البعلي، المتوفي سنة 803 هـ، تحقيق محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت لبنان.
13 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، تأليف محمد ناصر الدين الألباني، بإشراف محمد زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1399 هـ. 14 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر (363 - 463 هـ) مطبوع مع الإصابة. 15 - الأشباه والنظائر، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، المتوفي سنة 911 هـ، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه. 16 - الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان، لزين العابدين بن إبراهيم بن نجيم، المتوفي سنة 970 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان 1400 هـ / 1980 م. 17 - الإصابة في تمييز الصحابة، تأليف شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي العسقلاني المعروف بابن حجر (773 - 852 هـ). مطبعة السعادة بجوار محافظة مصر، المطبعة الأولى 1328 هـ 18 - أصول التخريج ودراسة الأسانيد، للدكتور محمود الطحان، عنيت بتصويره وطبعه دار القرآن الكريم، بيروت، الطبعة الثانية 1399 هـ.
19 - أصول الفقه للشيخ محمد الخضري بك، المكتبة التجارية الكبرى بمصر، الطبعة الخامسة 1385 هـ. 20 - أضواء على البحث والمصادر، للدكتور عبد الرحمن عميرة، دار المعارف السعودية بالرياض الطبعة الأولى 1397 هـ. 21 - الإعلام، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين بيروت لبنان، الطبعة الرابعة 1979 هـ 22 - أعلام النساء، تأليف عمر رضا كحالة، مؤسسة الرسالة بيروت، الطبعة الثالثة 1397 هـ 23 - أعلام الموقعين، تأليف شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية، المتوفي سنة 751 هـ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة بمصر، الطبعة الأولى 1374 هـ. 24 - الإفصاح عن معاني الصحاح، عون الدين أبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة الحنبلي المتوفي سنة 560 هـ، ملتزم الطبع والنشر، المؤسسة العيدية بالرياض 1398 هـ. 25 - الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، الألمعي الفاضل الشيخ محمد الشربيني الخطيب، مطبعة دار إحياء الكتب العربية لأصحابها عيسى البابي الحلبي وشركاه. 26 - الإقناع، لأبي شرف الدين موسى الحجاوي المقدسي المتوفى
سنة 968 هـ، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت لبنان. 27 - الأم، لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة 204 هـ، الطبعة الثانية، دار المعرفة للطباعة والنشر، 1393 هـ / 1973 م. 28 - الأمنية في إدارك النية، لأبي العباس أحمد بن إدريس القرافي المتوفي سنة 684 هـ، تحقيق مساعد بن قاسم الفالح 1400/ 1401 هـ. 29 - الإنتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء، تأليف الإمام أبي عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي المتوفى عام 463 هـ، دار الكتاب العلمية، بيروت لبنان. 30 - الإنصاف في معرفة الراجع من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل، تأليف علاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي الحنبلي المتوفي سنة 885 هـ، تصحيح وتحقيق محمد حامد الفقي، الطبعة الأولى 1374 هـ. 31 - الإيضاح والتبيان في مصفة المكيال والميزان، لأبي العباس نجم الدين بن الرفعة الأنصاري المتوفي سنة 710 هـ، تحقيق الدكتور محمد أحمد إسماعيل الخاروف، من منشورات مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة 1400 هـ. 32 - إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون في أسامي الكتب
والفنون للعالم إسماعيل باشا بن محمد أمين بن مير سليم المتوفي سنة 1339 هـ، عني بتصحيحه وطبعه على نسخة المؤلف العبدان الفقيران إلى الله الغني محمد شرف الدين بالتقابا رئيس أمور الدين والمعلم رفعت بيلكه الكليسي، منشورات مكتبة المثنى ببغداد. 33 - بدائع الصنائع، علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي المتوفي سنة 587 هـ مطبعة العاصمة بالقاهرة. 34 - بدائع الفوائد، للعلامه الإمام شيخ الإسلام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الدمشقي المشتهر بابن قيم الجوزية المتوفي سنة 751 هـ، الناشر دار الكتاب العربي، بيروت لبنان. 35 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد، أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الشهير بابن رشد الحفيد المتوفي سنة 595 هـ، دار الفكر، بيروت. 36 - البداية والنهاية، تأليف الإمام عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي المتوفي سنة 774 هـ، أشرفت على طبعه وإخراجه وطبعته على نفقتها مكتبة المعارف بيروت، الطبعة الأولى 1966 م. 37 - البغية في ترتيب أحاديث الحلية، للعلامة المحدث السيد عبد
العزيز بن الإمام الحافظ الحجة شيخ الإسلام السيد محمد بن الصديق رضي الله عنهما، عني تصويره وطبعه دار القرآن الكريم بيروت، ومعه مفتاح التريب لأحاديث تاريخ الخطيب. 38 - بلوغ المرام من أدلة الأعمام، تأليف الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (773 - 852 هـ)، عنى بتصحيحه والتعليق عليه عبد الله الصديق الغماري، ملتزم الطبع والنشر عبد الحميد أحمد حنفي، الطبعة الأولى. 39 - البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف، تأليف ابن حمزة الحسيني الحنفي الدمشقي (1054 - 1120 هـ) تحقيق الدكتور حسين عبد المجيد هاشم. 40 - التاريخ الإسلامي العباسي، للدكتور على إبراهيم حسن، مكتبة النهضة المصرية مطبعة السنة المحمدية. 41 - تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والإجتماعي، تأليف الدكتور حسن إبراهيم حسن، ملتزم الطبع مكتبة النهضة، المصرية لأصحابها حسن محمد وأولاده، الطبعة السابعة 1964 م. 42 - تاريخ الخلفاء، لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي المتوفي سنة
911 - هـ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار نهضة مصر للطبع والنشر 1395 هـ 43 - تاريخ دولة آل سلجوق، الإمام عماد الدين محمد بن محمد بن حامد الأصفهاني، إختصار الشيخ الإمام الفتح بن علي بن محمد البنداري الأصفهاني، منشورات دار الآفاق الجديدة، الطبعة الثانية 1978 م 44 - تاريخ الدولة العباسية وحضارتها، مقرر ثالثة متوسط المعهد العلمي، لمجموعة من المؤلفي، الطبعة الثانية 1400 هـ 45 - تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي عن أبي زكريا يحيى بن معين في تخريج الرواة وتعديلهم، تحقيق الدكتور أحمد محمد نور سيف، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، مكة المكرمة. 46 - تاريخ قضاة الأندلس، تأليف الشيخ أبو الحسن بن عبد الله بن الحسن النباهي المالقي الأندلسي، المكتبة التجارية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت. 47 - تاريخ المذاهب الإسلامية، الجزء الثاني في تاريخ المذاهب الفقهية، تأليف محمد أبو زهرة، ملتزم الطبع والنشر دار الفكر العربي. 48 - تحقيق النصوص ونشرها، عبد السلام هارون،
الناشر مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة الرابعة، 1397 هـ. 49 - تخريج الفروع على الأصول، للإمام شهاب الدين محمود بن أحمد الزنجاني المتوفى 656 هـ، تحقيق محمد أديب صالح، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة 1399 هـ 50 - تذكرة الحفاظ، للإمام أبو عبد الله شمس الدين الذهبي المتوفى 748 هـ، دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان. 51 - تراجم رجال القرنين السادس والسابع المعروف بالذيل على الروضتين، للحافظ المؤرخ شهاب الدين أبي محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة المقدسي الدمشقي المتوفي سنة 665 هـ، عني بنشره وراجع أصله السيد عزت العطار الحسيني، الطبعة الثانية 1974 م. 52 - ترتيب القاموس المحيط، للأستاذ الطاهر أحمد الزواوي، دار الكتب العلمية 1399 هـ. 53 - التعليق المغني على الدارقضي، تأليف المحدث العلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، ملتزم طبعه ونشره السيد عبد الله هاشم يماني المدني، المدينة المنورة وهو بهامش سنن الدارقطني. 54 - تفسير الطبري المسمى جامع البيان عن تأويل آي القرآن،
لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (224 - 310 هـ) حققه وعلق حواشيه محمود محمد شاكر وخرج أحاديثه أحمد محمد شاكر، دار المعارف بمصر. 55 - تقريب التهذيب، لخاتمة الحفاظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (773 - 852 هـ) حققه وعلق حواشيه وقدم له عبد الوهاب عبد اللطيف، ملتزم نشره محمد سلطان النمنكاني، صاحب المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، الطبعة الثانية 1395 هـ. 56 - تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، لشيخ الإسلام قاضي القضاة الحافظ أبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني الشافعي (773 - 852 هـ)، تحقيق وتعليق الدكتور شعبان محمد إسماعيل، الناشر مكتبة الكليات الأزهرية. 57 - تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، للحافظ أبي الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني المتوفي سنة 852 هـ وهو مطبوع مع المجموع. 58 - تلخيص المستدرك، للحافظ أبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي المتوفى 848 هـ وهو في ذلك المستدرك.
59 - تيسير العلام شرح عمدة الأحكام، تأليف عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام، مطبعة المدني. 60 - تهذيب التهذيب، للإمام الحافظ الحجة شيخ الإسلام شهاب الدين أبي الفضل أحمد ابن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852 هـ، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية الكائنة في الهند بمحروسة حيدر أباد الدكن، الطبعة الأولى 1352 هـ. 61 - جامع الأصول في أحاديث الرسول، تأليف الإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد: ابن الأثير الجزري المتوفى سنة 606 هـ، حقق نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه عبد القادر الأرناؤوط نشر وتوزيع مكتبة الحلواني وطبعة الملاح ومكتبة دار البيان 1390 هـ. 62 - الجامع الكبير، لأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية 1399 هـ 63 - كتاب الجرح والتعديل، للإمام أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم حمد بن إدريس بن المنذر التميمي الرازي المتوفى 327 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى بمطبعه مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن- الهند 1271 هـ. 64 - حاشية جلبي على شرح العناية، تأليف الشيخ سعد الله بن عيسى المفتي الشهبر بسعدي جلبي وبسعدي أفندي المتوفي سنة
945 - هـ، مطبوعة بهامش فتح القدير، دار إحياء التراث العربي. 65 - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، للشيخ محمد عرفة الدسوقي، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي بمصر. 66 - حاشية رد المحتار، محمد أمين الشهير بابن عابدين، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر الطبعة الثانية 1386 هـ / 1966 م. 67 - حاشية الروض المربع شرح زاد المستنقع، جمع عبد الرحمن بن محمد بن عاصم النجدى، الطبعة الأولى 1397 هـ. 68 - حاشية الروض المربع، تأليف العالم العلامة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري. 69 - الحاوي للفتاوي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، المتوفى 911 هـ، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الثانية 1395 هـ / 1975 م 70 - حسن الأثر فيما فيه ضعف واختلاف من حديث وخبر وأثر تصنيف المرحوم الشيخ محمد بن السيد درويش الحوت،
الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت لبنان. 71 - الحكم والإدارة في الإسلام، دراسة تحليلية مقارنة للدكتور أكرم رسلان ديرانية، دار الشروق، جدة، الطبعة الأولى 1399 هـ. 72 - خلاصة السيرة المحمدية وحقيقة الدعوة الإسلامية وكليات الدين وحكمه، تأليف السيد محمد رشيد رضا، دار المنار، الطبعة الرابعة، 1373 هـ. 73 - دائرة معارف القرن العشرين، تأليف محمد فريد وجدي، دار المعرفة بيروت لبنان، الطبعة الثالثة 1971 م. 74 - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، تأليف شيخ الإسلام شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني المتوفي سنة 852 هـ، حققه وقدم له ووضع فهارسه محمد سيد جاد الحق، دار الكتب الحديثة، الطبعة الثامنة 1385 هـ 75 - درة الغواص في محاضرة الخواص، برهان الدين إبراهيم بن فرحون المالكي، دار التراث والمكتبة العتيقة. 76 - الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب لإبراهيم بن علي بن فرحون المالكي المتوفي سنة 799 هـ، تحقيق وتعليق الدكتور محمد الأحمدي أبو النور دار التراث للطبع والنشر القاهرة.
77 - ذخائر المواريث في الدلالة على مواضيع الحديث، تصنيف الشيخ عبد الغني بن إسماعيل بن عبد الغني بن إسماعيل المعروف بالنابلسي الحنفي (1050 - 1143 هـ) دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت لبنان. 78 - ذيل تارخ بغداد، للحافظ محب الدين أبي عبد الله محمد بن محمود بن الحسن المعروف بابن النجار البغدادي المتوفي سنة (643 هـ)، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد الدكن، الطبعة الأولى 1398 هـ. 79 - ذيل تذكرة الحفاظ، تأليف أبو المحاسن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الحسيني الدمشقي الشافعي (715 - 765 هـ) الناشر دار إحياء التراث العربي، ومعه لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ تقي الدين بن فهد المكي. 80 - كتاب الذيل على طبقات الحنابلة، للشيخ الإمام زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين أحمد البغدادي المشهور بابن رجب (736 - 795 هـ)، دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت لبنان. 81 - ذيل وفيات الأعيان، تأليف أبي العباس أحمد بن محمد المكناس الشهير بابن القاضي المتوفي سنة 1025 هـ، تحقيق محمد الأحمدي أبو النور، الناشر دار التراث القاهرة، المكتبة العتيقة تونس.
82 - رحلة ابن بطوطة المسماه تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي ثم الطنجي المعروف بابن بطوطة، روجعت وصححت على عدة نسخ صحيحة بمعرفة لجنة من الأدباء، يطلب من المكتبة التجارية الكبرى بمصر. 83 - رحلة ابن جبير، تحقيق دكتور حسين نصار. 84 - الروايتين والوجهين للقاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء الحنبلي المتوفي سنة 458 هـ، مخطوط مصور في مكتبة مركز البحث العلمي والتراث الإسلامي بمكة المكرمة. 85 - روضة الطالبين أبي زكريا الحسين بن شرف النووي الدمشقي المتوفي سنة 676 هـ، المكتب الإسلامي. 86 - الروض المربع منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، المتوفى سنة 1051 هـ، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض 1390 هـ / 1970 م. 87 - رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين للإمام الحافظ الفقيه أبي زكريا محيي الدين يحيى النووي المتوفي سنة 676 هـ، تحقيق رضوان محمد رضوان 1374 هـ، الناشر دار الكتاب العربي بمصر.
88 - الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة، للإمام يحيى بن أبي بكر العامري اليمني، أشرف على ضبطه وتصحيحه عمر الديراوي أبو جحلة، الناشر مكتبة المعارف بيروت، الطبعة الثانية 1979 م. 89 - زاد المعاد تأليف الإمام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن قيم الجوزية المتوفي سنة 751 هـ. مطبعة مصطفى البابي الحلبي مصر، الطبعة الثانية 1369 هـ. 90 - زوائد الكافي والمحرر على المقتع الإمام عبد الرحمن بن عبيدان، المكتب الإسلامي 91 - سبل السلام شرح بلوغ المرام تأليف محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير الكحلاني ثم الصنعاني المعروف بالأمير المتوفى سنة 1182 هـ، يطلب من المكتبة التجارية بمصر، الطبعة الرابعة. 92 - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة تخريج محمد ناصر الدين الألباني، منشورات المكتب الإسلامي، الطبعة الرابعة 1398 هـ. 93 - سنن أبي داود للإمام الحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي (202 - 275)، إعداد وتعليق عزت عبيد
الدعاس، نشر وتوزيع محمد على السيد، حمص الطبعة الأولى 1388 هـ ومعه كتاب معالم السنن للخطابي 319 - 388 هـ وهو شرح عليه. 94 - سنن ابن ماجة للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجة (207 - 275 هـ) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياءء التراث العربي. 95 - سنن الترمذي لأبي عيسي محمد بن عيسى بن سورة (209 - 297 هـ) تحقيق أحمد شاكر، الطبعة الأولى 1356 هـ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده. 96 - سنن الدارقطني تأليف شيخ الإسلام الإمام الكبير علي بن عمر الدارقطني (306 - 385 هـ)، صححه ونسقه ورقمه وحققه والتزم طبعه عبد الله هاشم يماني المدني، المدينة المنورة وبذيله التعليق المغني على الدارقطني. 97 - سنن الدارمي للإمام الكبير أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي المتوفى سنة 255 هـ، طبع بعناية محمد أحمد في همان، نشرته دار إحياء السنة النبوية. 98 - السنن الكبرى لإمام المحدثين أحمد بن الحسين بن علي البيهقي المتوفي سنة 458 هـ، الطبعة الأولى بمطبعة مجلس في دائرة المعارف النظامية الكائنة في الهند ببلدة حيدر آباد الدكن
1344 - هـ، وفي ذيله الجوهر النقي لابن التركماني المتوفى 745 هـ. 99 - سنن النسائي للحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر بن سنان بن دينار النسائي المتوفى 303 هـ دار إحياء التراث العربي بيروت، الطبعة الأولى 1348 هـ. 100 - سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي تأليف عبد الملك بن حسين بن عبد الملك العصامي المكي 1049 هـ، طبع على نفقة الشيخ علي بن الشيخ عبد الله الثاني حاكم قطر، المطبعة السلفية ومكتبتها القاهرة 1379 هـ. 101 - سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تأليف أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي المتوفى 151 هـ وتهذيب أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب، الحميري، المتوفي سنة 218 هـ تحقيق وضبط وتعليق محمد محيي الدين عبد الحميد، مكتبة محمد على صبيح وأولاده بميدان الأزهر بمصر 1383 هـ. 102 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب للمؤرخ الفقيه الأديب أبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي المتوفى 1089 هـ، منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت. 103 - شرح الأسنوي للإمام جمال الدين عبد الرحيم الأسنوي المتوفى سنة 772 هـ وهو مع شرح البدخشي، مطبعة محمد على صبيح وأولاده.
104 - شرح البدخشي للإمام محمد بن الحسن البدخشي، مطبعة محمد صبيح وأولاده. 105 - شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول ألفه الإمام الكبير شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي المتوفي سنة 684 هـ، حققه طه عبد الرؤوف سعد، منشورات مكتبة الكليات الأزهرية ودار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة، الطبعة الأولى 1393 هـ، 1973 م. 106 - شرح الزرقاني على موطأ الإمام ملك شرح الإمام سيدي محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني، ملتزم الطبع والنشر عبد الحميد أحمد حنفي. 107 - شرح السنة تأليف الإمام المحدث المفسر الفقيه محيي السنة أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي (436 - 516 هـ)، تحقيق شعيب الأرناؤوط ومحمد زهير الشاويش، المكتب الإسلامي الطبعة الأولى 1390 هـ. 108 - شرح العناية وهو على الهداية للإمام أكمل الدين محمد بن محمود البابرتي المتوفي سنة 786 هـ وهو في هامش فتح القدير، دار إحياء التراث العربي. 109 - الشرح الكبير للدردير على مختصر خليل للشيخ أحمد بن محمد
الدردير، المتوفي سنة 1201 هـ، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي- مصر. 110 - الشرح الكبير شمس الدبن أبي الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد ابن قدامة المقدسي، المتوفي سنة 682 هـ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كلية الشريعة بالرياض. 111 - شرح الكوكب المنير المسمى بمختصر التحرير تأليف العلامة الشيخ محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي الحنبلي المعروف بابن النجار المتوفي سنة 972 هـ، تحقيق الدكتور محمد الزحيلي والدكتور نزيه حماد منشورات جامعة الملك عبد العزيز، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة 1400 هـ. 112 - شرح منتهى الإرادات، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي المتوفى سنة 1051 هـ المكتبة السلفية، المدينة المنورة. 113 - شرح منع الجليل على مختصر خليل العلامة الشيخ محمد عليش، مكتبة النجاح، طرابلس ليبيا. 114 - الصحاح لإسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار الكتب بمصر.
115 - صحيح ابن خزيمة للإمام الأئمة أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري (223 - 311 هـ)، حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه وقدم له الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي. 116 - صحيح البخاري لإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (194 - 256 هـ) يطلب من مكتبة الجمهورية العربية لصاحبها عبد الفتاح عبد الحميد مراد بشارع الصنادقية بالأزهر بمصر. 117 - صحيح مسلم للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (206 - 261 هـ)، وقف على طبعه وتحقيق نصوصه وتصحيحه وترقيمه وعدد كتبه وأبوابه وأحاديثه محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، وعليه تعليق لملخص شرح الإمام النووي مع زيادات عن أئمة اللغة. 118 - كتاب الصلاة وحكم تاركها لابن قيم الجوزية، تحقيق تيسير زعيتر، الطبعة الأولى، المكتب الإسلامي 1401 هـ. 119 - كتاب الضعفاء الصغير للإمام الحافظ أمير المؤمنين في الحديث أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق محمود إبراهيم زايد، الطبعة الأولى 1396 هـ، دار الوعي بحلب. 120 - طبقات الحنابلة للقاضي أبي الحسين محمد بن أبي يعلى، الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت لبنان
الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت لبنان. 121 - طبقات الشافعية الكبرى للإمام تاج الدين تقي الدين السبكي- الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت لبنان، الطبعة الثانية. 222 - طبقات الشافعية لأبي بكر بن هداية الله الحسيني المتوفى (1014 هـ) حققه وعلق عليه عادل نويهض، منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت، الطبعة الثانية 1979 م. 123 - الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد بن منيع البصري الزهري المكنى بأبي عبد الله (168 - 230 هـ)، دار بيروت للطباعة والنشر 1358 هـ. 124 - العالم الإسلامي في العصر العباسي للدكتور حسن أحمد محمد- وأحمد إبراهيم الشريف، مكتبة النهضة المصرية. 125 - العدة شرح العمدة بهاء الدين عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي مكتبة الرياض الحديثة بالرياض. 126 - العقود الدرية في تنقيح الفتاوي الحامدية الشيخ العلامة محمد أمين الشهير بابن عابدين، الطبعة الثانية دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت لبنان. 127 - علل الحديث تأليف الإمام أبي محمد عبد الرحمن الرازي
الحافظ ابن الإمام أبي حاتم (240 - 327 هـ)، يطلب من مكتبة المثنى ببغداد. 128 - علماء نجد خلال ستة قرون تأليف فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح البسام الطبعة الأولى 1398 هـ. 129 - عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجابة تأليف أبو العباس الغبريني أحمد بن أحمد بن عبد الله (644 - 714 هـ)، حققه وعلق عليه عادل نويهض، منشورات د ار الآفاق الجديدة بيروت، الطبعة الثانية 1979 م. 130 - غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سحم الهروي المتوفى 224 هـ الناشر دار الكتاب العربي، بيروت لبنان، طبعه مصورة عن السلسلة الجديدة من مطبوعات دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند 1396 هـ. 131 - فتاوي الإمام النووي المسماه بالمسائل المنثورة ترتيب علاء الدين العطار، الطبعة الأولى مطبعة الإستقامة 1352 هـ. 132 - الفتاوي السعدية تأليف العالم المحقق الشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي، الطبعة الأولى 1388 هـ. 133 - فتاوي شيخ الإسلام أحمد بن تيمية جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الطبعة الأولى على نفقة صاحب الجلالة الملك المعظم سعود بن عبد العزيز آل سعود 1382 هـ.
134 - فتح الباري شرح صحيح الإمام البخاري، للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني 773 - 852 هـ، المطبعة السلفية، الثانية 1400 هـ. 135 - فتح العزيز شرح الوجيز تأليف الشيخ أبي القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي المتوفي سنة 623 هـ وهو مع كتاب المجموع، المكتبة السلفية المدينة المنورة. 136 - فتح القدير شرح الهداية للمرغيناني تأليف الشيخ كمال الدين محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد المعروف بابن الهمام المتوفي سنة 861 هـ مطبوع مع الهداية، دار إحياء التراث العربي. 137 - الفتح المبين في طبقات الأصوليين تأليف صاحب الفضيلة الأستاذ العلامة المحقق الشيخ عبد الله مصطفى المراغي، الناشر محمد أمين دمج وشركاه بيروت لبنان، الطبعة الثانية، 1394 هـ. 138 - الفروع تأليف الشيخ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن مفلح المقدسي المتوفى سنة 763 هـ، الطبعة الثانية 1383 هـ، دار مصر للطباعة. 139 - الفروق لشهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي الصنهاجي المتوفي سنة 684 هـ، نشر دار المعرفة ببيروت.
140 - الفقه على المذاهب الأربعة عبد الرحمن الحريري، المكتبة التجارية الكبرى، الطبعة الثالثة. 141 - الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي تأليف محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الفاسي (1291 - 1376 هـ)، خرج أحاديثه وعلق عليه، عبد العزيِز بن عبد الفتاح القارئ، الناشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى 1396 هـ 142 - الفوائد البهية في تراجم الحنفية تأليف العلامة أبي الحسنات محمد بن عبد الحي اللكنوي الهندي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت لبنان. 143 - الفواكه العديدة في المسائل المفيدة أحمد بن محمد المنقور التميمي النجدي، الطبعة الأولى، المكتب الإسلامي 1380 هـ. 144 - الفهرست لابن النديم تأليف محمد بن إسحاق يكني أبا الفتح أو أبا الفرج المتوفي سنة 385 هـ، الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت لبنان 1398 هـ. 145 - القاموس المحيط للشيخ مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزأبادي الشيرازي المتوفي سنة 817 هـ. 146 - القواعد هي الفقه الإسلامي للحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلي، المتوفي سنة 795 هـ، الطبعة الأولى، مكتبة الكليات الأزهرية 1392 هـ / 1972 م.
147 - القواعد النورانية الفقهية شيخ الإسلام بن تيمية، الطبعة الأولى، مطبعة السنة المحمدية القاهرة، 1370 هـ / 1951 م. 148 - القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، مطبعة المدني 1375 هـ / 1956 م. 149 - قوانين الأحكام الشرعية ومسائل الفروع الفقهية محمد بن أحمد بن جزي الغرناطي المالكي، المتوفي سنة 741 هـ، طبعة جديدة منقحة، دار العلم للملايين بيروت 1974 م. 150 - الكافي أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي المتوفي سنة 463 هـ، الطبعة الأولى، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض 1398 هـ / 1978 م. 151 - الكافي أبي محمد موفق الدين عبد الله بن قدامة المقدسي، المتوفي سنة 620 هـ، الطبعة الثانية، المكتب الإسلامي، 1399 هـ / 1979 م. 152 - الكامل في التاريخ لابن الأثير تأليف الشيخ العلامة عز الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد ابن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الأثير، دار صادر، دار بيروت، للطباعة والنشر بيروت 1385 هـ / 1965 م. 153 - الكتاب الحادي عشر من آثار يحيى بن معين في الجرح
والتعديل، من كلام أبي زكريا يحيى بن معين 158 - 233 هـ، رواية أبي خالد الدقاق يزيد بن الهيثم بن طهمان البادي، تحقيق الدكتور أحمد محمد نور سيف، دار المأمون للتراث. 154 - كشاف القناع عن متن الإقناع منصور بن يونس بن إدريس البهوتي المتوفي سنة 1051 هـ، مكتبة النصر الحديثة، الرياض. 155 - كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة تأليف الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي 735 - 807 هـ تحقيق عبد الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1399 هـ. 156 - كشف الخفا ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للمفسر المحدث الشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي المتوفي سنة 1162 هـ، أشرف على طبعه وتصحيحه والتعليق عليه، أحمد الغلاش، مؤسسة الرسالة. 157 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون للعالم الفاضل مصطفى بن عبد الله الشهير بحاجي خليفة (1017 - 1067) منشورات مكتبة المثنى، بغداد. 158 - الكفاية جلال الدين الخوارزمي الكرلاني، دار إحياء التراث العربي. 159 - كفاية الطالب الرباني لرسالة ابن أبي زيد القيرواني أبي
الحسن علي بن محمد بن محمد بن محمد بن خلف المصري الطبعة الأولى مطبعة المدني بمصر 1383 هـ / 1963 م. 160 - الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة للشيخ نجم الدين الغزي (977 - 1061 هـ) حققه وضبط نصه الدكتور جبرائيل سليمان جبور، منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت. 161 - لسان العرب المحيط للعلامة محمد بن مكرم بن علي بن أحمد الأنصاري المشهور بابن منظور (630 - 711 هـ) قدم له الشيخ عبد الله العلايلي، إعداد وتصنيف يوسف خياط، دار لسان العرب، بيروت. 162 - لسان الميزان للإمام الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى 852 هـ، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت لبنان الطبعة الثانية 1390 هـ. 163 - المبدع في شرح المقنع لأبي إسحاق برهان الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح المتوفي سنة 844 هـ، المكتب الإسلامي، دمشق 1394 هـ-1974 م. 164 - المبسوط في الفقه الحنفي تأليف الشيخ أبو بكر محمد بن أحمد بن سهل السرخسي المتوفى 490 هـ، الطبعة الثالثة، دار
المعرفة للطباعة والنشر، 1398 هـ / 1978 م. 165 - كتاب المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين للإمام الحافظ محمد بن حبان بن أحمد بن أبي حاتم التميمي البستي المتوفي سنة 354 هـ، حققه وراجع نصوصه وصنع فهارسه وعلق عليه محمود إبراهيم، دار الوعي بحلب، الطبعة الأولى 1396 هـ. 166 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر البهمي المتوفى 807 هـ بتحرير الحافظين الجليلين العراقي وابن حجر، الناشر دار الكتاب بيروت لبنان، الطبعة الثانية 1967 م. 167 - المجموع شرح المهذب للإمام أبي زكريا محيي الدين ابن شرف النووي المتوفي سنة 676 هـ، مطبوع معه فتح العزيز، المكتب السلفية المدينة المنورة. 168 - المحرر مجد الدين أبي البركات المتوفى 652 هـ، مطبعة السنة المحمدية 1369 هـ / 1950 م. 169 - مختصر الخرقي أبي القاسم عمر بن الحسن الخرقي المتوفى 344 هـ الطبعة الثانية المكتب الإسلامي 1384 هـ / 1964 م. 170 - مختصر خليل للشيخ خليل بن إسحاق المالكي المتوفي سنة 767 هـ، طبع بدار إحياء الكتب العربية. 171 - مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لشيخ الإسلام
الإمام مجدد القرن الثاني عشر محمد بن عبد الوهاب المتوفى بالدرعية سنة 1206 هـ، تحقيق محمد الفقي، مطبعة السنة المحمدية 1375 هـ. 172 - مختصر صحيح مسلم للحافظ الكبير زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة أبو محمد المنذري المتوفى سنة 656 هـ، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، إحياء التراث الإسلامي، الكويت. 173 - المختصر في أصول الففه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل تأليف علي بن محمد بن علي بن عباس بن شيبان المعروف بابن اللحام المتوفي سنة 803 هـ، حققه وقدم له ووضع حواشيه وفهارسه الدكتور محمد مظهر بقا، من منشورات مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية مكة المكرمة 1400 هـ. 174 - المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل عبد القادر بن أحمد بن مصطفى المعروف بابن بدران المتوفي سنة 1346 هـ 175 - المدونة الكبرى الإمام مالك بن أنس المتوفي سنة 179 هـ، الطبعة الأولى، مطبعة السعادة بمصر. 176 - المذهب الأحمد في مذهب الإمام أحمد محيي الدين يوسف ابن
الشيخ جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد المعروف بابن الجوزي، المتوفى سنة 656 هـ، الطبعة الثانية بومباي الهند 1379 هـ / 1959 م. 177 - كتاب المراسيل تصنيف الحافظ أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي (240 - 327 هـ)، بعناية شكر الله بن نعمة الله قوجاني، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1397 هـ. 178 - مسائل الإمام أحمد بن حنبل المتوفي سنة 240 هـ رواية ابنه عبد الله بن أحمد، المتوفى 290 هـ، تحقيق زهير الشاويش، الطبعة الأولى، المكتب الإسلامي 1401 هـ. 179 - مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية أبي داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد السجستاني، دار الصرفة للطباعة والنشر، بيروت لبنان. 180 - مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري المتوفي سنة 275 هـ، تحقيق زهير الشاويش، الطبعة الأولى، المكتب الإسلامي 1400 هـ. 181 - المستدرك على الصحيحين للإمام الحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري المتوفي سنة 405 هـ وبذيله التلخيص للحافظ الذهبي، دار الفكر، بيروت 1389 هـ.
182 - المستوعب تأليف الشيخ نصير الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسين بن أحمد السامري المتوفى سنة 616 هـ مخطوط مصور في مركز البحث العلمي والتراث الإسلامي بكلية الشريعة بمكة المكرمة. 183 - المسند للإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل (164 - 224 هـ) المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1398 هـ وبهامشه منتخب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال. 184 - مسند أبي عوانة للإمام الجليل أبي عوانه يعقوب بن إسحاق الإسفرائيني المتوفي سنة 316 هـ، الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت لبنان. 185 - مسند الإمام الشافعي للإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه (150 - 204 هـ) دار الكتب العلمية بيروت لبنان، الطبعة الأولى 1400 هـ. 186 - مشاهير علماء نجد وغيرهم تأليف عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ، طبع على نفقة المؤلف، بإشراف دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، الطبعة الثالثة 1394 هـ 187 - مشكاة المصابيح تأليف محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، الطبعة
الثانية 1399 هـ. 188 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي تأليف العلامة أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي المتوفي سنة 770 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان 1398 هـ. 189 - مصنف عبد الرزاق أبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، المتوفي سنة 211 هـ الطبعة الأولى، منشورات المجلس العلمي 1390 هـ. 190 - مطالب أولى النهي في شرح غاية المنتهى مصطفى السيوطي الرحيباني، الطبعة الأولى، المكتب الإسلامي 1380 هـ / 1961 م. 191 - المطلع على أبواب المقنع أبي عبد الله شمس الدين محمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي المتوفي سنة 709 هـ، الطبعة الأولى، المكتب الإسلامي 1385 هـ / 1965 م. 192 - المعارف أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الكاتب الدينوري المتوفى 276 هـ، تصحيح وتعليق ومراجعة محمد إسماعيل عبد الله الصاوي، دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان، الطبعة الثانية 1390 هـ. 193 - معجم البلدان للشيخ الإمام شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي المتوفي سنة 626 هـ،
الناشر: دار صادر للطباعة والنشر، دار بيروت للطباعة والنشر بيروت. 194 - المعجم الصغير للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني المتوفي سنة 360 هـ، صححه وراجع أصوله عبد الرحمن محمد عثمان، الناشر المكتبة السلفية لصاحبها محمد عبد المحسن الكتبي المدينة المنورة. 195 - المعجم الكبير للطبراني، الدار العربية للطباعة، الطبعة الأولى، بغداد 1978 م. 196 - معجم المؤلفين وضع عمر رضا كحالة الناشر دار مكتبة المثنى، دار إحياء التراث العربي بيروت. 197 - المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي رتبه ونظمه لفيف من المستشرقين ونشره الدكتور أ. ى. وينسنك أستاذ العربية بجامعة ليدن. 198 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم وضعه محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي. 199 - المغرب في ترتيب المعرب للإمام أبي الفتح ناصر بن عبد السيد بن علي المطرزي الفقيه الحنفي (538 - 616 هـ)، الناشر دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. 200 - المغني لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة،
المتوفي سنة 620 هـ، تصحيح الدكتور محمد خليل هراس، الطبعة الثانية، مطبعة الإمام. 201 - مغني ذوي الأفهام يوسف بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي، الطبعة الأولى على نفقة دار الإفتاء 1388 هـ. 202 - مغني المحتاج محمد الشربيني الخطيب، المتوفي سنة 977 هـ، شركة مكتبة مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر 1377 هـ- 1958 م. 203 - مفاتيح الفقه الحنبلي تأليف الدكتور سالم على الثقفي الأستاذ بجامعة الملك عبد العزيز، الطبعة الأولى 1398 هـ 204 - مفتاح كنوز السنة معجم مفهرس عام تفصيلي، وضع للكشف عن الأحاديث النبوية الشريفة المدونة في كتب الأئمة الأربعة عشر الشهيرة، وضعه باللغة الإنكليزية الدكتور أ. ى. وينسنك ونقله إلى اللغة العربية محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر سهيل اكيديمي لاهور. 205 - مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العلمين، أو النيات في العبادات للدكتور محمد سليمان الأشقر، مكتبة الفلاح، الكويت، الطبعة الأولى 1401 هـ. 206 - مقدمة ابن خلدون عبد الرحمن بن خلدون المغربي، دار إحياء
التراث العربي بيروت لبنان، الطبعة الثالثة. 207 - مقرر الفقه للصف الأول ثانوي تأليف عبد الله البراهيم الخزيم وعبد العزيز عبد الله الرويس، الطبعة الثالثة 99 هـ، من مطبوعات وزارة المعارف السعودية. 208 - مقرر الفقه للأول متوسط لمجموعة من المؤلفين، الطبعة الرابعة 1398 هـ، ممطبوعات وزارة المعارف بالمملكة العربية السعودية. 209 - المقنع تأليف شيخ الإسلام موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، 620 هـ وهو مع الإنصاف للمرداوي تصحيع وتحقيق محمد حامد الفقي، الطبعة الأولى 1374 هـ. 210 - منار السبيل في شرح الدليل للشيخ إبراهيم بن محمد بن سالم بن ضويان، المتوفي سنة 1353، الطبعة الثالثة، المكتب الإسلامي 1392 هـ. 211 - مناقب الإمام أحمد بن حنبل للحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، تصحيح محمد أمين الخانجي الكتبي وهو الناشر، الطبعة الأولى. 212 - منال الطالب في شرح طوال الغرائب لمجد الدين أبي السعادات
المبارك بن محمد بن الأثير 544 - 606 هـ، تحقيق دكتور محمود محمد الطناحي، دار المأمون للتراث. 213 - منتخبات التواريخ لدمشق تأليف محمد أديب آل تقى الدين الحصيني، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الأولى 1399 هـ. 214 - المنتقي وهو شرح لموطأ الإمام ملك تأليف القاضي أبي الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث الباجيّ الأندلسي (403 - 494 هـ) الناشر دار الكتاب العربي، طبعة مصورة عن الطبعة الأولى لمولاي عبد الحفيظ سنة 1332 هـ. 215 - المنَجِّد في اللغة تأليف أبي الحسن علي بن الحسن الهنائي المشهور بكراع المتوفى 310 هـ، تحقيق دكتور أحمد مختار عمر وضاحي عبد الباقي، توزيع عالم الكتب 1396 هـ. 216 - المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد، مجير الدين عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن العليمي (860 - 928 هـ) تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. 217 - الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق الشاطبي إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي المتوفى 790 هـ، تحقيق عبد الله دراز، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت لبنان.
218 - موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي المتوفى 807 هـ، حققه ونشره محمد عبد الرازق حمزة مدير دار الحديث بمكة المكرمة والمدرس بالحرم المكي الشريف، المطبعة السلفية ومكتبتها. 219 - موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية تأليف الدكتور أحمد شلبي الناشر مكتبة النهضة المصرية، الطبعة الثامنة 1978 م. 220 - الموطأ للإمام مالك بن أنس رضي الله عنه المتوفى سنة 179 هـ، قدم له ونسقه فاروق سعد، منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت، الطبعة الأولى 1979 م ومعه كتاب إسعاف المبطأ برجال الموطأ للسيوطي. 221 - المهذب في اختصار السنن الكبير اختصار المحدث محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي 673 - 748 هـ، حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه الأستاذان حامد إبراهيم أحمد ومحمد حسين العقبي، الناشر زكريا علي يوسف. 222 - ميزان الاعتدال تأليف أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفي سنة 748 هـ، تحقيق على محمد البجاوي،
الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت لبنان الطبعة الأولى 1382 هـ. 223 - النتف في الفتاوي قاضي القضاة أبي الحسن علي بن الحسين بن محمد السعدي، مطبعة الإرشاد بغداد. 224 - نصب الراية لأحاديث الهداية للإمام الحافظ البارع العلامة جمال الدين أبي محمد عبد الله بن يوسف الحنفي الزيلعي المتوفي سنة 762 هـ، مع حاشيته النفيسة المهمة بغية الألمعي في تخريِج الزيلعي، الناشر المكتبة الإسلامية، لصاحبها رياض الشيخ، الطبعة الثانية 1393 هـ. 225 - نظام الحكم والإدارة في الدولة الإسلامية منذ صدور الإسلام إلى سقوط الدولة العباسية تأليف محمد عبد الله الشباني، الناشر مؤسسة الرويبة للنشر والتوزيع، الرياض 1399 هـ. 226 - النظم الإسلامية نشأتها وتطورها تأليف الدكتور صبحي الصالح، دار العلم للملايين بيروت، الطبعة الرابعة 1978 م. 227 - النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لمجد الدين بن تيمية تأليف شمس الدين بن مفلح الحنبلي المقدسي المتوفى سنة 763 هـ، مطبعة السنة المحمدية 1369 هـ / 1950 م وهو بهامش المحرر.
228 - نيل الأوطار وهو شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار تأليف محمد بن علي بن محمد الشوكاني (1172 - 1250 هـ)، ملتزم الطبع والنشر شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة الثالثة 1380 هـ. 229 - الوافي بالوفيات تأليف صلاح الدين الصفدي المتوفى سنة 764 هـ، باعتناء س. ديدربنغ، يطلب من دار النشر فرانز شتايز بفيسبادن، الطبعة الثانية 1381 هـ. 230 - كتاب الوفيات أحمد بن حسن بن علي بن الخطيب، تحقيق عادل نويهض، الطبعة الثانية 1978 م. 231 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان (608 - 681 هـ)، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار صادر بيروت 1398 هـ. 232 - هداية الراغب لشرح عمدة الطالب عثمان بن أحمد النجدي الحنبلي المتوفي سنة 1100 هـ، مطبعة المدني، على نفقة محمد سرور الصبان 1379 هـ / 1960 م. 233 - الهداية لشيخ الإسلام برهان الدين أبي الحسن علي بن عبد الجليل أبي بكر المرغيناني المتوفى سنة 593 هـ، دار إحياء التراث العربي.
234 - الهداية لأبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني المتوفي سنة 510 هـ، مطابع القصيم، الطبعة الأولى 1390 هـ. 235 - هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين مؤلفه إسماعيل باشا البغدادي المتوفى 1399 هـ، مكتبة المثنى بيروت.