الفروق الفقهية والأصولية

يعقوب الباحسين

الفروق الفقهية والأصولية مُقوّمَاتُها- شرُوطُهَا- نشأتُهَا- تطوّرُهَا دراسَة نظريَّة - وَصفيَّة- تَاريخيّة للدّكتور يَعقُوب بن عبد الوهاب البَاحسين كليّة الشريعَة - جَامعَة الإمَام محمَّد بن سعُود الإسلاَميَّة مكتبة الرشد الرياض شركَة الرياض للنشر وَالتوزيع

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى 1419 هـ - 1998 م (ح) مكتبة الرشد، 1418 هـ فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر الباحسين، يعقوب عبد الوهاب الفروق الفقهية والأصولية: مقوماتها، شروطها، نشأتها - الرياض. ... ص؛ ... سم ردمك 7 - 093 - 01 - 9960 1 - الفقه المقارن أ- العنوان ديوي 6، 251 1849/ 18 رقم الإيداع: 1849/ 18 ردمك: 7 - 093 - 01 - 9960 مكتبة الرشد للنشر والتوزيع المملكة العربية السعودية - الرياض - طريق الحجاز ص ب 17522 الرياض 11494 هاتف 4583712 تلكس 405798 فاكس ملي 4573381 فرع القصيم: بريدة - حي الصفراء - طريق المدينة ص ب 2376 هاتف 3242214 - فاكس ملي 3241358 فرع المدينة المنورة - شارع أبي ذر الغفاري- هاتف 8340600 شركة الرياض للنشر والتوزيع ص ب: 33620 - الرياض: 11458 - هَاتف: 4594779

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مقدمة

مقَدّمَة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فإِن البحث في الفروق يُعَدّ من مكمّلات العلوم، إِن لم يكن من ضروراتها، إِذ به يقع التمييز بين المتشابهات، وإليه يستند التفريق بين الأحكام، وعليه يعتمد العلماء في كثير من القضايا والواقعات. وقد استهوى البحث عن الفروق العلماء من كلّ صنف، فظهرت فيه المؤلفات المتنوّعة، والأبحاث الكثيرة، في العلوم الشرعيّة، والعلوم اللغويّة، والعلوم الأخرى (1).

_ (1) ومن المؤلفات التي تدخل في هذا الإِطار: • الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري (ت 395 هـ) • والفرق بين الخاصّ والمشترك من معاني الشعر لحسن بن بشر الآمدي (ت 371 هـ)، • والفرة بين الراء والعين لأبي سعيد محمَّد بن علي الجاواني (ت 561 هـ)، • والفرقان بين الآل والأمة لأبي موسى عيسى بن مهران المستعطف الشيعي. • ومن ذلك: الفرق بين النحو والمنطق لأبي العبّاس أحمد بن محمَّد السرخسي الطبيب (ت 286 هـ) • ومن المؤلفات في الفروق في الطبّ، الفرق بينالعلل التي تشتبه أسبابها، وتختلف أعراضها لأحمد بن إِبراهيم الطبيب المعروف بابن الجزّار المتوفى قبل سنة (400 هـ). • ومن المؤلفات في العلوم الإِسلامية والفلسفية: الفرق بين الحق والبطلان لشيخ الإِسلام ابن تيمية (ت 728 هـ)، • والفرق بين الصوفي والفقير لفخر الدين أبي عبد الله محمَّد بن إِبراهيم الفارسي الشيرازي المتوفى سنة (622 هـ). • والجمع والتفريق في آداب الطريقة لأبي سعيد أحمد بن محمَّد البصري المعروف بابن الأعرابي المتوفى سنة (340 هـ)، • وتحقيق القضية في الفرق بين الرشوة والهدية لعبد الغني بن إِسماعيل النابلسي المتوفى سنة (1143 هـ). • ومما يدخل في هذا المجال: الفارق بين المصنّف والسارق لجلال

وكان الاهتمام بذلك في العلوم الشرعية كبيرًا, ولاسيّما في ميداني الفقه والأصول. وقد جعل الزركشي (ت 794 هـ) الفرق والجمع واحدًا من أنواع الفقه العشرة، بحسب ما رآه، والتي هي: 1 - معرفة أحكام الحوادث نصًا واستنباطًا. 2 - معرفة الجمع والفرق. 3 - بناء المسائل بعضها على بعض، لاجتماعها في مأخذ واحد. 4 - المطارحات. 5 - المغالطات. 6 - الممتحنات. 7 - الألغاز. 8 - الحيل. 9 - معرفة الأفراد، أي معرفة ما لكلّ من الأصحاب من الأوجه القريبة.

_ = الدين السيوطي المتوفي سنة (911 هـ)، • والفارق بين المخلوق والخالق لعبد الرحمن بن سليم الموصلي المعروف بابن الباجة جي المولود سنة (1248 هـ)، وهو في الردّ على النصارى، • ومن ذلك الفرق والمعيار بين الأرقاء والأحرار لأبي الفرج علي بن حسن الأصفهاني المتوفى سنة (356 هـ)،. • والفرق المؤذن بالطرب في الفرق بين المعجم والعرب للشيخ مصطفي البكري المتوفّى سنة (1162 هـ)، • والفرق بين المقامين وتشبّه علي كرّم الله وجهه بذي القرنين لأبي سعيد محمَّد بن الحسن الخزاعي النيسابوري المتوفى في حدود سنة (540 هـ). انظر في بعض ذلك: كشف الظنون (2/ 1255 و 1256)، وِإيضاح المكنون (1/ 367 و 368، و 2/ 187 و 188).

10 - معرفة الضوابط والقواعد (1). وترجع أهمية ذلك إِلى أنّ معرفة الفروق ممّا تترتب عليها معرفة الأحكام الشرعية والمآخذ التي تتوجه إِلى ما يبدو أنه جامع بين أحكام الفروع الفقهية، حتى أنّهم جعلوه من أقوى الاعتراضات على العلّة، وأجدرها بالاعتناء به (2). وعلى الرغم من وفرة الكتب المؤلفة في المجال التطبيقي لهذا العلم، إِلا أنّني لم أجد دراسة مستقلة تبحث عن هذا العلم، من حيث هو، بحيث أنّها تبين موضوعه ومقوّماته، ونشأته، وتطوّره, ومناهجه. وجلّ ما رأيته كان مقدّمات لكتب محقّقة، تتناول هذا الموضوع، بتعريفه، وبيان أهمّيّته، وتعداد طائفة من مؤلفاته. وهي مقدّمات ليست بمستوى واحد، منها ما تتّصف بالسطحية والعجلة في التأليف، ومنها ما كانت مقدمات فيها نوع من الجديّة والالتزام بالمنهج العلمي. وأورد كثير من الباحثين كلامهم عن الفروق، في ضمن كلامهم عن القواعد الفقهية، بعَدِّها نوعًا منها، أو متفرّعة عنها. وقد يكون لما فعله علماء السلف، من جمعهم بين القواعد والفروق، في كتبهم المؤلّفة في الأشباه والنظائر، سندٌ في صنيعهم هذا، وليس ذلك ببعيد؛ للعلاقة القائمة بين الجمع والفرق. ولذلك رأيت أنّ الكتابة في هذا الموضوع، على وجه الاستقلال، بإِقامة دعامة له، تُؤصّله وتبيّن حدوده، وموضوعه، ومباحثه، ونشأته، وتطوره،

_ (1) المنثور في القواعد (1/ 69 - 71). (2) الإِبهاج (3/ 134) بإشراف جماعة من العلماء.

من الأمور المفيدة - إِن شاء الله. وأغلب ما في هذا الموضوع الذي أقدّمه للقاريء، كان في ثمرات تدريسي لموضوع القواعد الفقهية لطلبة الدراسات العليا في كلية الشريعة في جامعة الإِمام محمَّد بن سعود الإِسلامية، خلال أعوام كثيرة. وهو وإِن لم يكن من الموضوعات التي درّستها, لكنه كان يأتي ضمنًا وتبعًا، من خلال اطلاعي على مباحث العلماء في القواعد والضوابط الفقهية، وفي أحيان أخرى على مباحث التخريج والتفريع عند العلماء. وقد رأيت أنّ موضوع البحث في الفروق الفقهية يختلف عن موضوع البحث في الفروق الأصولية، وإِن كان يجمعهما المعنى العامّ للفروق. ولهذا فقد جعلت هذا البحث في فصلين، أحدهما لعلم الفروِق الفقهية، وآخرهما لعلم الفروق الأصوليّة، وجعلتُ في كلّ فصل تمهيدًا وطائفة من المباحث تناسب مسائله، وما يتناوله هذا العلم. وقد شجّعني على نشر هذا البحث وإِخراج مسوداته من أدراج مكتبتي، أنني لم أجد، في حدود اطلاعي، بحثًا مستقلًا يتناول هذا الموضوع، كما أشرت إِلى ذلك آنفًا. وإِنّني على ثقة بأن هذا الموضوع في حاجة إِلى دراسة أوسع ممّا قدّمت، وأنّ بحثي هذا ربّما كان نواة لبحوث أكثر تجلية لمسائل هذا العلم. على أنه مهما يكن من أمر هذا البحث، فإِني لم أقصد منه غير النفع، وتنبيه الباحثين إِلي أهميته، وضرورة العناية به. فإِن تحققّ منه ذلك فلله الحمد أولًا وآخرًا، وإِن كانت الأخرى فنعتذر لمن لم يجد فيه ذلك، وأن ينظر إِلى ما قصدناه منه، والأعمال بالنيّات، وصلّى الله على نبينا محمَّد. د. يعقوب عبد الوهاب الباحسين

الفصل الأول: علم الفروق الفقهية

الفصل الأول: علم الفروق الفقهية

تمهيد

تمهيد تعريف علم الفروق الفقهية - موضوعه- مسائله ومباحثه- الفائدة منه- العلوم التي استمدّ منها- حكمه. التعريف: تُعَد معرفة علم الفروق الفقهية تابعة لمعرفة الفروق الفقهية نفسها وما يعتدّ بها منها، وما لا يُعْتَدّ. ولهذا فلا بُدّ من تقديم تعريف الفروق الفقهية في اللغة والاصطلاح. معنى الفروق في اللغة: الفروق في اللغة جمع فَرْق، وهو ما يُميَّزُ به بين الشيئين. وذكر ابن فارس (ت 395 هـ) (¬1). أن مادة الكلمة أي الفاء والراء والقاف أصل صحيح يدلّ على تمييز وتزييل (¬2). وفي هذه المادة كلمات كثيرة تدل على معانٍ مُتعددة (¬3)، يُحتاج في إدخالها في المعنى الذي ذكره ابن فارس إلى نوع من التفسير والتأويل المتعسف، إضافة إلى المعاني التي ذكر ابن فارس أنها مما شذّت عن الأصل. ¬

_ (¬1) هو أبو الحسن أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي. كان إماماً في علم اللغة، ومشاركاً في علوم شتى. أصله من قزوين، أقام في همدان مدة، ثم انتقل إلى الري فنسب إليها. توفي سنة (395 هـ). وقيل: سنة (390 هـ)، وقيل سنة (369 هـ). ومن مؤلفاته: معجم مقاييس اللغة، والمجمل في اللغة، والصاحبي، والفصيح، وتمام الفصيح، وجامع التأويل في تفسير القرآن وغيرها. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان (1/ 100)، ومعجم الأدباء (4/ 80)، والأعلام (1/ 193)، ومعجم المؤلفين (2/ 40). (¬2) معجم مقاييس اللغة (4/ 493). (¬3) انظر في هذه المعاني لسان العرب والقاموس المحيط.

على أنه مهما يكن الأمر فإن الكثير من كلمات هذه المادة، تدل على التمييز بين الأشياء، والفصل بينها. وللعلماء آراء مختلفة بشأن تخفيف المادة وتثقيلها، فيرى بعضهم أن فَرَق فَرْقاً بالتخفيف للصلاح، وفَرَّق تفريقاً للإفساد (¬1): ويرى آخرون أنه بالتخفيف للمعاني والألفاظ، وبالتثقيل للأجسام. قال الجوهري (ت 393 هـ) (¬2). فَرَقْتُ أفرق بين الكلام، وفرّقت بين الأجسام (¬3). وهذا المعنى هو ما ذكره القرافي (ت 684 هـ) (¬4) عن بعض مشايخه الذين ذكر عنهم، أيضاً، أن وجه المناسبة في ذلك أن كثرة المبني، عند العرب، تدل على كثرة المعنى (¬5). لكنَّ ¬

_ (¬1) لسان العرب. (¬2) هو أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي. من أئمة علماء اللغة. تنقل في البلدان واستقر في نيسابور، وأخذ عن مشاهير علماء عصره كأبي علي الفارسي، وأبي سعيد السيرافي. قال عنه ياقوت: إنه من أعاجيب الزمان ذكاء وفطنة وعلماً، توفي في نيسابور سنة (393 هـ). وقيل غير ذلك. وأصله من الفاراب في بلاد الترك. من مؤلفاته: الصحاح، والمقدمة في النحو، وكتاب في العروض اسمه الورقة. راجع في ترجمته: يتيمة الدهر (4/ 406)، ومعجم الأدباء (6/ 151)، والأعلام (1/ 313)، ومعجم المؤلفين (2/ 267). (¬3) لسان العرب، والمصباح المنير. (¬4) هو أبو العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي البهنسي المالكي، المشهور بالقرافي، والملقب بشهاب الدين، ولد في مصر ونشأ فيها، وبرع في الفقه والأصول والتفسير وعلوم أخرى. توفي في القاهرة سنة (684 هـ). من مؤلفاته: أنوار البروق في أنواء الفروق، ونفائس الأصول في شرح المحصول، وشرح التنقيح في الأصول، والذخيرة في الفقه، وغيرها. (¬5) الفروق (1/ 4).

هذه الدعوى يخدشها وينقضها استعمالات القرآن الكريم. قال تعالى: (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ) (¬1). فخفف في البحر، وهو جسم، وقال تعالى: (فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) (¬2)، فخفف في ذلك، مع أنه في الأجسام. الفروق في الاصطلاح: لم أجد للفقهاء الذين تكلموا عن الفروق، تعريفاً لها، أو بياناً لمعناها، وإن كان بعضهم قد أشار إلى العلم نفسه، وذكر ما يشبه التعريف له، كما سنعلم ذلك فيما بعد. ويغلب على الظن أنهمي قصدون بالفروق وجوه الاختلاف بين الفروع الفقهية التي يشبه بعضها بعضاً في الصورة، ولكنها تختلف فيما بينها في الأحكام. وقد تكلم الأصوليون والجدليون عن الفروق كثيراً، إذ هي من الأمور المتفرعة عن مباحث القياس عندهم، فالفروق من قوادح العلة، المانعة من جريان حكمها في الفرع (¬3). ولهذا فإن تعريف الفروق الفقهية ينبغي أن يبحث عنه في هذه المواضع، أي مباحث العلة في القياس. وقد ¬

_ (¬1) سورة البقرة آية 50. (¬2) سورة المائدة آية: 25. (¬3) اختلفت آراء العلماء في بيان عدد ما يقدح بالعلة، فمنهم من ذكر خمسة وعشرين قادحاً كالآمدي (ت 631 هـ)، وابن الحاجب (ت 646 هـ)، ومنهم من اقتصر على ذكر ثمانية عوارض كإمام الحرمين (ت 478 هـ)، ومنهم من جعلها خمسة كفخر الدين الرازي (ت 606 هـ)، ومنهم من اتجه إلى غير ذلك. انظر: الإحكام للآمدي (4/ 69) وما بعدها، ومختصر المنتهى الأصولي لابن الحاجب (2/ 257) والمحصول للرازي (2/ 360) وما بعدها، ومنهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي ص (156) وما بعدها، وروضة الناظر لابن قدامة ص (339) وما بعدها ..

اختلفت عبارات العلماء في تعريفها، وإن تلاقى أكثرها في المعنى. وقبل أن نذكر بعض تعريفات الفرق، ننبه إلى أن الفرق عندهم يعني الأمر المانع من إلحاق الفرع بالأصل في الحكم، مع وجود الوصف المشترك المدعي علة، سواء كان ذلك لوجود وصف مختصّ بالأصل هو شرط للعلّة، ولم يوجد في الفرع، أو لوجود وصف في الفرع هو مانع، ولم يوجد في الأصل (¬1)، وفيما يأتي نذكر طائفة من عبارات العلماء في تعريف الفرق: 1 - قال إمام الحرمين (ت 478 هـ) (¬2) الفرق (هو المعارضة المتضمِّنة لمخالفة الفرع الأصل في علة الحكم) (¬3)، وقال: (إن حقيقة الفرق هي الفصل بين المجتمعين في موجب الحكم، بما يخالف بين حكميهما) (¬4). وفي هذين التعريفين اقتصار على ذكر الاختلاف بين الأصل والفرع ¬

_ (¬1) التحرير بشرح تيسير التحرير (4/ 166 و 167). (¬2) هو أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني النيسابوري الشافعي الأشعري الملقب بضياء الدين والمعروف بإمام الحرمين. من الفقهاء المتكلمين والأصوليين والمفسرين والأدباء. تنقل بين البلدان واستقر في نيسابور التي مات فيها سنة (478 هـ). من مؤلفاته: البرهان في أصول الفقه، والورقات في أصول الفقه، والإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، والغياثي، ونهاية المطلب في دراية المذهب، وغيرها. راجع في ترجمته: طبقات الشافعية الكبرى (3/ 249)، وطبقات الشافعية لابن هداية الله ص 174، وشذرات الذهب (3/ 358)، والفتح المبين (1/ 206)، ومعجم المؤلفين (6/ 184). (¬3) الكافية في الجدل ص 69. (¬4) المصدر السابق ص 298.

في علة الحكم أو موجبه، دون بيان لنوع هذا الاختلاف. ولهذا نجد إمام الحرمين (ت 478 هـ) - رحمه الله- أتْبَعَ تعريفيه ببيان ضروب الفرق، فقال: (ثم هو على ضربين: أحدهما: فصل الحكم عن العلة. والثاني: فصل الفرع عن الأصل بمعنى يفرّق بينهما بيّن) (¬1). ولم يكشف لنا عن هذا المعنى بإعطاء صفاته أو شروطه. 2 - وقال القرافي (ت 684 هـ): (هو إبداء معنى مناسب للحكم في إحدى الصورتين، مفقود في الأخرى) (¬2). وفي هذا التعريف قصرٌ للفارق على المعنى الذي ذكره، وهو المناسبة في إحدى الصورتين دون الأخرى، وفيه احتراز عن الفروق الفاسدة التي لا يُعْتَدّ بها للتفريق بين الصورتين، أو المسألتين. وقد ذكر القرافي (ت 684 هـ) في شرحه أمرين يقابلان المعنى المناسب للحكم، هما: أ- المعنى غير المناسب، كقياس الأرز على البرّ، في حكم الربا، فيقول المعترض: الفرق بينهما أن الأرز أشد بياضاً، أو أيسر تقشيراً في سنبله، من البر (¬3). فمثل هذا يُعَد في الأوصاف الطردية غير المعتد بها (¬4). ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) شرح تنقيح الفصول (ص 403). (¬3) المصدر السابق (ص 403). (¬4) رفع النقاب عن تنقيح الشهاب للشوشاوي ص (893 و 894) القسم الثاني بتحقيق عبد الرحمن الجبرين.

ب- المعنى المناسب لحكم آخر غير الحكم المذكور. كقياس المساقاة على القراض في جواز المعاملة على جزء مجهول. فيعترض على ذلك بوجود الفرق بينهما، إذ الشجر إذا ترك العمل فيه هلك، بخلاف النقدين فإنّ تركهما لا يؤدي إلى هلاكهما، وهذا معنى مناسب لأن يكون عقد المساقاة لازماً، وليس مناسباً لجوازه، لأن القول بجواز عقد المساقاة، وعدم لزومه يؤدي إلى جواز ردّه، بعد مدة، من غ ير عمل، مما يترتب عليه هلاك الشجر. وهذا الوصف لا مدخل له في الفرق بينهما باعتبار الغرر (¬1). 3 - وقال القاضي البيضاوي (ت 685 هـ) (¬2): هو جعل تعيّن الأصل علة، والفرع مانعاً (¬3). ومقتضى هذا التعريف أن الفرق ضربان: الضرب الأول: تعيّن أصل القياس، وما فيه من خصوصية علة ¬

_ (¬1) المصدر السابق ص (893 و 894). (¬2) هو أبو سعيد، وقيل أبو الخير عبد الله بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي الشيرازي الشافعي، الملقب بناصر الدين، والبيضاوي نسبة إلى البيضاء في بلاد فارس، على مقربة من شيراز. كان قاضياً عالماً بالفقه والأصول والعربية والمنطق والحديث، والتفسير، وملماً بعلوم أخرى. استقر في تبريز، وتوفي بها سنة (685 هـ)، وقيل سنة (691). من مؤلفاته: منهاج الوصول إلى علم الأصول، وأسرار التأويل في التفسير، وطوالع الأنوار في علم الكلام. راجع في ترجمته: مفتاح السعادة (1/ 478)، وشذرات الذهب (5/ 392)، والفتح المبين (2/ 88)، ومعجم المطبوعات (1/ 616)، ومعجم المؤلفين (6/ 98). (¬3) الوصول بشرح نهاية السول (3/ 100).

لحكمه، فلا يلحق به الفرع. والضرب الثاني: تعيّن الفرع، أو خصوصيته مانعاً من ثبوت حكم الأصل. مثال الأول قول الحنفية إن الخارج النجس من غير السبيلين ناقضٌ للوضوء، قياساً على الخارج منهما، والوصف الجامع بينهما خروج النجاسة. فيقول خصومهم إن بينهما فرقاً؛ لأن العلة الناقضة للوضوء في الأصل هي خروج النجاسة من السبيلين، لا مطلق خروج النجاسة وهذا المعنى غير متحقق في الفرع. ومثال الثاني قول الحنفية يجب القصاص على المسلم بقتل الذمي، قياساً على غير المسلم، والجامع هو القتل العمد العدوان. فيقول خصومهم إن بينهما فرقاً؛ لأن كون القاتل مسلماً مانعٌ من وجوب القصاص عليه، لشرفه (¬1). فقد جعل تعين الفرع مانعاً من الإلحاق. 4 - وقال صفي الدين الهندي (ت 715 هـ) (¬2): (الفرق عبارة عن إبداء ¬

_ (¬1) الوصول بشرح نهاية السول (3/ 100). (¬2) هو أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم بن محمد الأرموي الملقب بصفي الدين الهندي. ولد بالهند سنة (644 هـ). ثم خرج من بلده دهلي وتنقّل في البلدان؛ فزار اليمن، ثم حجّ وأقام بمكة ثلاثة أشهر التقى فيها بابن سبعين وسمع منه، ثم زار القاهرة، وبلاد الروم، ثم استوطن دمشق، وفيها توفي سنة (715 هـ). وكانت له مع شيخ الإسلام ابن تيمية مناظرات. من مؤلفاته: نهاية الوصول في دراية الأصول، الفائق في أصول الدين، الزبدة في علم الكلام. راجع في ترجمته: الدُّرر الكامنة (5/ 262)، وشذرات الذهب (6/ 37)، والأعلام (6/ 200)، ومعجم المؤلفين (10/ 152).

وصف في الأصل يصلح أن يكون علة مستقلة للحكم، أو جزء علة) (¬1). وفي هذا التعريف قَصْرُ الفرق على إبداء الخصوصية في الأصل، بإبداء وصف فيه يصلح أن يكون علة مستقلة، أو جزء علة، ولم يتطرق إلى ما في الفرع من خصوصية، تصلح أن تكون مانعاً من حكم العلة، كما هو في التعريفات السابقة. وبذلك يكون الفرق عنده، راجعاً إلى المعارضة في الأصل فقط. 5 - وقال عضد الدين الإيجي (ت 756 هـ) (¬2): (الفرق إبداء خصوصية في الأصل، هو شرط ... أو إبداء خصوصية في الفرع، هي مانع) (¬3). والمراد من ذلك هو أن يُظْهر المعترض خصوصية في الأصل تُجْعَل شرطاً للحكم، بأن تُجعل من علته، أو إبداء خصوصية في الفرع تُجْعَلُ مانعاً من الحكم، فالفرق على هذا راجع إلى إحدى المعارضتين، المعارضة في الأصل في الحالة الأولى، والمعارضة في الفرع ¬

_ (¬1) نهاية الوصول في دراية الأصول (8/ 3469). (¬2) هو عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار الإيجي الشيرازي الشافعي. قاضي القضاة المعروف بعضد الدين. كان من العلماء المبرزين في العلوم العقلية والأصول والمعاني والبيان والنحو والفقه وعلم الكلام. سجن في قلعة دريميان، بعد أن غضب عليه صاحب كرمان. توفي سنة (756 هـ). من مؤلفاته: الرسالة العضدية في الوضع، وشرح مختصر منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل لابن الحاجب، والمواقف في علم الكلام، وغيرها. راجع في ترجمته: طبقات الشافعية الكبرى (6/ 108)، والدرر الكامنة (3/ 110)، والإعلام (3/ 295)، ومعجم المؤلفين (5/ 119). (¬3) شرح مختصر المنتهى (2/ 276).

في الحالة الثانية (¬1). وما ذكر مبنيٌّ على أنه ليس على المعترض أن يتعرض لعدم الخصوصية، الموجودة في الأصل، في الفرع، ولا أن يتعرض لعدم الخصوصية، الموجودة في الفرع، في الأصل. لكن بعض العلماء ذهبوا إلى اشتراط ذلك فيكون الفرق مجموع المعارضتين المذكورتين (¬2). وقد ذكر الآمدي (ت 631 هـ) (¬3) أن القول بأن الفرق لا يخرج عن المعارضة في الأصل، أو الفرع، هو عند أبناء زمانه، أما المتقدمون فكانوا يرون أن الفرق هو مجموع الأمرين حتى لو اقتصر على أحدهما لا يكون فرقاً. وبنى اختلافهم في قبول الفرق ورفضه على ذلك (¬4). 6 - وجاء في كشاف اصطلاحات الفنون: إن الفرق، عند الأصوليين وأهل النظر، هو: (أن يُفرِّق المعترضُ بين الأصل والفرع، بإبداء ما يختص ¬

_ (¬1) شرح جمع الجوامع للمحلي بحاشية العطار (2/ 363). (¬2) شرح مختصر المنتهى (2/ 276)، وشرح جمع الجوامع (2/ 363). (¬3) هو سيف الدين علي بن أبي علي بن محمد التغلبي الآمدي الحنبلي، ثم الشافعي. جمع بين الحكمة والمنطق والكلام، والأصول والفقه، وبرع في الخلاف، وكان من الأذكياء. قيل عنه إنه لم يكن في زمانه أحفظ للعلوم منه. ولد بآمد، وأقام في بغداد، ثم انتقل إلى الشام ثم مصر، وكانت وفاته بدمشق سنة (631 هـ). ودفن بسفح جبل قاسيون. من مؤلفاته: غاية المرام في علم الكلام، والإحكام في أصول الأحكام في أصول الفقه، وغاية الأمل في علم الجدل، وغيرها. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان (2/ 455)، ومفتاح السعادة (2/ 55)، وشذرات الذهب (5/ 144)، ومعجم المؤلفين (7/ 155). (¬4) الإحكام (4/ 107).

بأحدهما، لئلا يصح القياس، ويقابله الجمع) (¬1). وهذا التعريف يصور الفرق، عند الأصوليين وأهل النظر، ويعبر عن ذلك بوضوح. وقد صوَّر إمام الحرمين (ت 478 هـ) ذلك، من قبل، بعبارة جامعة، بيّنت معنى الفرق والغاية منه، قال: (والقول الوجيز فيه أن قصد الجمع يَنْتَظِم بأصلٍ وفرعٍ، ومعنى رابط بينهما، على شرائط بينة، والفرق معنى يشتمل على ذكر أصل وفرع، وهما يفترقان فيه، وهذا يقع على نقيض غرض الجمع. ومن ضروراته معارضة معنى الأصل والفرع، ولكن الغرض منه مضادة الجمع بوجه فقه، أو بوجه شبه، إن كان القياس في فن الشبه، وعلى هذا لو سمى مسمٍّ الفرق معارضة لم يكن مبعداً، ولكن ليس الغرض من الإتيان بمعارضة على الطرد والعكس، لاتصال أحدهما بالآخر، بل القصد منه فقهٌ، ينتظم معارضتين، يشعر بمفارقة الأصل للفرع على مناقضة الجمع، فهذا سرّ الفرق) (¬2). وقد سبق أن ذكرنا ما قاله الآمدي (ت 631 هـ) من أن الفرق، عند المتقدمين، هو مجموع الأمرين، أي المعارضة في الأصل وفي الفرع. (حتى أنه لو اقتصر على أحدهما لم يكن فرقاً) (¬3)، وأنه - أي الفرق- على ما انتهى إليه علماء زمانه، هو إحدى المعارضتين (3). تعريف علم الفروق الفقهية: لم يتكلم الأصوليون عما يُسمى علم أو فن الفروق الفقهية، بل اقتصر ¬

_ (¬1) (3/ 1129). (¬2) البرهان (2/ 1068). (¬3) الإحكام (4/ 103).

حديثهم عنها، خلال كلامهم عن قوادح العلة في القياس، أو خلال كلامهم في موضوع الجدل، كما في الكافية في الجدل لإمام الحرمين (ت 478 هـ)، والجدل على طريقة الفقهاء لأبي الوفاء ابن عقيل (ت 513 هـ) (¬1). وعَلَم الجذل في علم الجدل لسليمان بن عبد القوي الطوفي (ت 716 هـ) (¬2)، وكالمعونة في الجدل لأبي إسحاق الشيرازي (ت 476 هـ) (¬3). ¬

_ (¬1) هو أبو الوفاء علي بن محمد بن عقيل البغدادي، من علماء الإسلام البارزين، ومن مجتهدي الحنابلة وأصولييهم، تتلمذ على عشرات العلماء، وكان من ملازمي القاضي أبي يعلى. اشتغل بمذهب المعتزلة ثم تركه، عرف بقوة الحجة، وحضور البديهة، والمناظرة والجدل. توفي سنة (513 هـ). من مؤلفاته: الواضح في أصول الفقه، والجدل على طريقة الفقهاء، والفنون، وكفاية المفتي، وعمدة الأدلة وغيرها. راجع في ترجمته: ذيل طبقات الحنابلة (1/ 142)، والمنهج الأحمد (2/ 252)، والأعلام (4/ 313). (¬2) هو أبو الربيع سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطوفي الصرصري، نسبته إلى قرية طوفا من أعمال صرصر في العراق، من علماء الحنابلة المشهورين. عُرف بقوة الحافظة وشدة الذكاء. اتهم بالرفض والانحراف، فعُزّر وضرب. تنقّل بين البلدان، وكان آخر عهده في مدينة الخليل التي توفي فيها سنة (716 هـ). من مؤلفاته: البلبل في أصول الفقه، اختصر فيه كتاب روضة الناظر لابن قدامة، وشرح مختصره هذا، والذريعة إلى معرفة أسرار الشريعة، وشرح الأربعين النووية، وتعاليق على الأناجيل. راجع في ترجمته: الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 366)، الدرر الكامنة (2/ 295)، شذرات الذهب (6/ 39) والأعلام (3/ 127)، والفتح المبين (2/ 120). (¬3) هو أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروز آبادي الشافعي، الملقب بجمال الدين. تفقه بشيراز، وقدم إلى البصرة، ثم بغداد، فاستوطنها، ولزم القاضي =

والمنهاج في ترتيب الحجاج لأبي الوليد الباجي (ت 474 هـ) (¬1)، والإيضاح لقوانين الاصطلاح لأبي محمد يوسف بن عبد الرحمن بن الجوزي (ت 656 هـ) (¬2)، وسائر كتب أصول الفقه الباحثة عن قوادح ¬

_ = أبا الطيب الطبري، وكان من أفصح وأورع وأنظر أهل زمانه. رحل إليه الفقهاء، ودرّس بالنظامية، كان فقيراً متعففاً قانعاً باليسير، ذكر أنه لم يحج لعدم قدرته المالية. توفي في بغداد سنة (476 هـ). من مؤلفاته: التنبيه والمهذب في الفقه، والتبصرة في أصول الفقه، واللمع وشرحه في أصول الفقه، وطبقات الشافعية. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان (1/ 9)، وطبقات الشافعية للأسنوي (2/ 83)، والأعلام (1/ 51)، ومعجم المؤلفين (1/ 68). (¬1) هو أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد التجيبي الأندلسي المالكي الباجي، ولد ببطليوس ثم رحل إلى باجة، وأقام بها زمناً طويلاً، ثم رحل إلى مصر والشام والعراق، فأخذ العلم عمن لقيه فيها من العلماء. وكانت رحلته طويلة استغرقت ثلاث عشرة سنة، عاد بعدها إلى بلده، فدرّس وعلّم وذاع صيته. تولّى القضاء في الأندلس، وكان نظّاراً قوي الحجة. قال عنه ابن حزم: لم يكن للمذهب المالكي، بعد القاضي عبد الوهاب إلا أبو الوليد الباجي، توفي سنة (474 هـ). من مؤلفاته: إحكام الفصول في أحكام الأصول، والمنتقى في شرح الموطأ، وكتاب الحدود، والإشارة، وغيرها. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان (2/ 142)، والديباج المذهب (ص 120)، وشذرات الذهب (3/ 344)، والفتح المبين (1/ 252). (¬2) هو أبو المحاسن يوسف بن عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، القرشي التيمي البكري البغدادي، الملقب بمحيي الدين، تفقه على أبيه، وولي الحسبة في جانبي بغداد، والنظر والوقوف العامة. حدّث في بلدان كثيرة منها مصر وبغداد، ودرس بالمستنصرية في بغداد، وأنشأ طائفة من المدارس في بلدان عدّة، منها المدرسة الجوزية في دمشق. قتله التتار صبراً، مع أولاده الثلاثة، يوم دخول هولاكو بغداد سنة (656 هـ). من مؤلفاته: معادن الإبريز في تفسير الكتاب العزيز، والإيضاح في قوانين الاصطلاح، وغيرها. ... =

العلة في القياس. أما الفقهاء الذين ألفوا في الأشباه والنظائر، والتي من محتوياتها الفروق الفقهية، فقد أشار بعضهم إلى شيء من ذلك، وذكروا ما يشبه التعريف لهذا العلم، وأوردوا شيئاً من أوصافه، لكن هؤلاء كانوا محدودين وقليلي العدد، وفيما يأتي نذكر بعض تلك التعريفات التي اطلعنا عليها: 1 - قال جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ) (¬1)، عن علم الفروق: إنه الفن (الذي يذكر فيه الفرق بين النظائر المتحدة تصويراً ومعنى، المختلفة حكماً وعلة) (¬2). ولم يورد هذا الكلام على أنه تعريف فني، وإنما ذكره على أنه وصف لهذا العلم، استثمره بعضهم، وحوّله إلى تعريف له، بإجراء بعض التعديل اليسير في الصياغة. ¬

_ = راجع في ترجمته: الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 258)، وشذرات الذهب (5/ 286)، والأعلام (8/ 236)، ومعجم المؤلفين (13/ 307). (¬1) هو جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد المصري الخضيري السيوطي الشافعي، ولد ونشأ في القاهرة، وقرأ على جماعة من العلماء. كان إماماً بارعاً في كثير من العلوم. فكان مفسراً ومحدثاً وفقيهاً ونحوياً وبلاغياً ولغوياً اعتزل التدريس والإفتاء والناس، وانصرف إلى التأليف. توفي سنة (911 هـ). من مؤلفاته: الدر المنثور في التفسير بالمأثور، والمزهر في اللغة، والإتقان في علوم القرآن، والأشباه والنظائر في فروع الشافعية، والأشباه والنظائر النحوية، وحسن المحاضرة وغيرها. راجع في ترجمته: شذرات الذهب (8/ 51)، والفتح المبين (3/ 65)، ومعجم المؤلفين (5/ 128). (¬2) الأشباه والنظائر (ص 7)، وانظر مقدمة تحقيق الاعتناء في الفرق والاستثناء.

2 - وقال الشيخ محمد الفاذاني (ت 1410 هـ) (¬1): (هو معرفة الأمور الفارقة بين مسألتين متشابهتين، بحيث لا نسوي بينهما في الحكم) (¬2). وقال عن الجمع والفرق: (أي معرفة ما يجتمع مع آخر في حكم، ويفترق معه في حكم آخر، كالذمي والمسلم يجتمعان في أحكام ويفترقان) (2). 3 - واعترض بعض الباحثين على التعريفين السابقين بأنهما غير مانعين من دخول الفروق بين المسائل المتشابهة، في أي علم من العلوم، في التعريف؛ إذ لم تُقَيّد المسائل المتشابهة بالفقهية. وذكر تعريفاً من عنده، رأى أنه جامع مانع، هو قوله: (العلم ببيان الفرق بين مسألتين فقهيتين متشابهتين صورة، مختلفتين حكماً) (¬3). والذي يبدو أن العلماء إنما كانوا يقصدون تعريف الفروق، بوجه عام، لا الفروق الفقهية، كما عرّفوا القاعدة بأنها قضية كلية، دون أن ¬

_ (¬1) هو الشيخ محمد ياسين بن الشيخ محمد عيسى الفاذاني، الأندنوسي أصلاً والمكي مولداً. والفاذاني نسبة إلى فاذان أحد أقاليم أندنوسيا، تلقى علومه في مكة على طائفة من العلماء، تولى تدريس علوم متعددة في المسجد الحرام. توفي في مكة سنة (1410 هـ). من مؤلفاته: الفوائد الجنية، وبغية المشتاق في شرح لمع أبي إسحاق، والدر المنضود شرح سنن أبي داود وغيرها. راجع في ترجمته: مقدمة المعتني بطبع كتاب الفوائد الجنية، رمزي سعد الدين دمشقية. (¬2) الفوائد الجنية (ص 98). (¬3) إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل لعبد الرحيم الزريراني - مقدمة المحقق د. عمر ابن محمد بن عبد الله السبيل (ص 19).

يحددوا مشتملاتها (¬1). لكن الذي يؤخذ على التعريفين المذكورين، وعلى تعريف المعترض د. عمر السبيل، أنها أدخلت في مادة التعريف ألفاظ المعرف، مما ترتب عليه أن يكون فيها الدور الممنوع، ولهذا فإنه لو أبدل لفظ الفرق أو الفارق، بغيره من الألفاظ التي تؤدي معناه، زال مثل ذلك الاعتراض، كأن يقال، مثلاً، هو العلم بوجوه الاختلاف بين مسألتين فقهيتين متشابهتين صورة، مختلفتين حكماً. على أن هذا لا يُعد تعريفاً، أو قولاً شارحاً لعلم الفروق نفسه، لأن العلم المذكور أوسع دائرة من ذلك، ولهذا فإننا نقترح تصوير هذا العلم بأنه: العلم الذي يُبْحَثُ فيه عن وجوه الاختلاف، وأسبابها، بين المسائل الفقهية المتشابهة في الصورة، والمختلفة في الحكم، من حيث بيان معنى تلك الوجوه، وماله صلة بها، ومن حيث صحتها وفسادها، وبيان شروطها ووجوه دفعها، ونشأتها وتطورها، وتطبيقاتها، والثمرات والفوائد المترتبة عليها. وإنما قلنا إن هذا تصوير لهذا العلم، بسبب أنه يفتقد لبعض شروط الحد أو الرسم، لما فيه من التفصيلات، وذكر ما لا يذكر من ذلك، عند المنطقيين، ولكننا وجدنا أن التصريح بذلك قد يُلقي ضوءاً يزيد ما نريده من علم الفروق الفقهية وضوحاً والله أعلم. ¬

_ (¬1) نظر تفصيل الكلام عن هذا الأمر في كتابنا (القواعد الفقهية- المبادئ والمقومات- المصادر- الدليلية- التطور).

موضوعه (¬1): إن بيان موضوع العلم يُعَدّ من الأمور الهامة، عند العلماء، وقد أولوه عنايتهم، وجعلوه أحد المبادئ العشرة، أو الرؤوس الثمانية في اصطلاحاتهم (¬2) ويعود ذلك إلى أنه المميز للعلم عن غيره، والمحدد لمجالاته التي لا ينبغي أن تتداخل مع غيرها. ويريدون بموضوع العلم ما يُبْحَث في ذلك العلم عن عارضه الذاتية، كالكلمة فإنها موضوع علم النحو، إذ يبحث فيه عما يعرض لها من حيث الإعراب والبناء، وأنواع الإعراب من رفع ونصب وجر وجزم، وكالأدلة، أو الأدلة والأحكام، فإنها موضوع أصول الفقه؛ إذ يبحث فيه عما يعرض لها من حيث الحجية وعدمها، وكيفية الاحتجاج بها، وغير ذلك (1). ¬

_ (¬1) انظر معنى موضوع العلم، وأنواع العوارض في كتابنا: أصول الفقه- الحد والموضوع والغاية (ص 8). (¬2) وهذه المبادئ هي: الاسم، الحد، والموضوع، والمسائل والمباحث، والعلوم التي استمد منها، ونسبته إلى العلوم الأخرى، وفضله، وفائدته، وواضعه، وحكمه الشرعي، وقد نظم هذه المبادئ أكثر من واحد، منهم ابن ذكري في كتابه تحصيل المقاصد، بقوله: فأول الأبواب في المبادئ ... وتلك عشرة على المراد الحد، والموضوع، ثم الواضع، ... والاسم، الاستمداد، حكم الشارع تصور المسائل، الفضيلة ... ونسبةٌ، فائدة جليلة (انظر رد المحتار لابن عابدين 1/ 36). كما نظمها العلامة الصبان، بقوله: إن مبادئ كل فن عشره ... الحد، والموضوع، ثم الثمره وفضله، ونسبة، والواضع، ... والاسم، الاستمداد، حكم الشارع مسائل، والبعض بالبعض اكتفى ... ومن درى الجميع حاز الشرفا (انظر إيضاح القواعد الفقهية للشيخ عبد الله بن سعيد اللحجي ص 9).

وعلى هذا يكون موضوع علم الفروق الفقهية هو الفروع أو المسائل الفقهية المتشابهة في الصورة، والمختلفة في الحكم، من حيث بيان أسباب الافتراق، أو الاجتماع، فيما بينها، وما يتعلق بذلك من الأمور. * * *

مسائله ومباحثه: (¬1) يمكن القول إن مباحث ومسائل علم الفروق الفقهية ذات صلة وثيقة بموضوعه، لأن موضوعات المسائل والمباحث هي نفسها موضوعات العلم، أو أنواعها أو أعراضها الذاتية، أو ما تركب من هذه الأمور، أو بعضها. ولما كان موضوع العلم، كما عرفنا، هو ما يبحث فيه عن الأحوال العارضة له، فإنَّ مسائله ومباحثه هي معرفة هذه الأحوال. وكما أن بدن الإنسان الذي هو موضوع علم الطب، بسبب أنه يبحث فيه عن الأعراض اللاحقة له، لا يدخل في حقيقة العلم، فكذلك المسائل الفقهية التي هي موضوع علم الفروق الفقهية، لا تدخل في حقيقة هذا العلم، لأن الذي يبحث فيه هو ما يعرض لها من الصفات الجامعة، أو المفرقة بينها. ومهما يكن من أمر فإن ما كتبه العلماء في هذا الشأن، يدخل ضمن ما يأتي: 1 - الفروق بين أحكام الجزئيات الفقهية، أو بين المسائل الفقهية، كالفرق بين اشتراط إذن الولي في انعقاد إحرام الصبي في الحج، وعدم اشتراطه في الصلاة (¬2). واشتراط الطهارة في صحة الطواف، وعدم ¬

_ (¬1) مسائل كل علم هي المطالب التي يبرهن عليها في العلم، ويكون الغرض من ذلك العلم معرفتها (التعريفات ص 225)، كمسائل العبادات والمعاملات ونحوها للفقه، ومسائل الأمر والنهي والعام والخاص والإجماع والقياس ونحوها لأصول الفقه (البحر المحيط 1/ 73) وانظر الكلام عن ذلك في كتابنا: أصول الفقه الحد- والموضوع والغاية (ص 19). (¬2) إيضاح الدلائل (1/ 257).

اشتراطها في السعي (¬1). وكانتقاض الوضوء بأكل لحم الجزور، وعدم انتقاضه بأكل لحم الغنم (¬2). 2 - الفرق والاستثناء: وهذا النوع من المسائل داخل في موضوع الفروق بين أحكام المسائل الجزئية، لكن طريقة عرضه تتخذ صورة أخرى، هي ذكر القاعدة أو الضابط، أو المسائل الفقهية وبيان ما يستثنى منها، وإنما كان التأليف في هذا المجال داخلاً في الفروق؛ لكون حكم المستثنى مخالفاً لحكم ما استثني منه. وقد يذكر سبب الاستثناء، وقد يهمل بأن يقتصر على ذكر المستثنيات التي تفارق حكم ما استثني منه، نحو قولهم: من وجبت عليه الجمعة اسْتُحِبَّ له التبكير فيها ... إلا في مسألتين: إحداهما: من به سلس البول. المسألة الثانية: إمام الجمعة يُسَنُّ في حقه الحضور لوقت الصلاة (¬3). أما الفروق بين المصطلحات الفقهية، أو الأصولية من حيث اختلاف ما يترتب عليها من أحكام، كالفرق بين الخطأ والنسيان، وبين الجهل الذي يُعْذر فيه والجهل الذي لا يُعْذر فيه، وبين الخبر والإنشاء، وبين الشرط والمانع، وبين العلة والسبب، وبين الشهادة والرواية وغير ذلك. فهو مما يدخل في الفروق الأصولية، التي سيرد الكلام عنها في الفصل الثاني من هذا البحث. * * * ¬

_ (¬1) المصدر السابق (1/ 256). (¬2) المصدر السابق (1/ 166). (¬3) الاعتناء في الفرق والاستثناء (1/ 250).

الفائدة من دراسة علم الفروق (¬1): للتعرف على الفروق الفقهية فوائد متعددة، سواء كان ذلك للمجتهد، أو لمن هو دونه في المرتبة. ونذكر فيما يأتي بعض هذه الفوائد: 1 - إن في دراستها تتحقق إزالة الأوهام التي أثارها بعض من اتهموا الفقه بالتناقض، بسبب إعطائه الأمور المتماثلة أحكاماً مختلفة، وتسويته بين المختلفات. كقولهم إن الشارع فرض الغسل من المنيّ وأبطل به الصوم بإنزاله عمداً، وهو طاهر، دون البول والمذي وهو نجس، وأوجب غسل الثوب من بول الصبية، والنَّضح من بول الصبي، من تساويهما، فبمعرفة أسباب التفريق في الحكم بين الصور المتشابهة، يُدْرَكُ وَهَنُ مثل هذه الاعتراضات وسقوطها. 2 - إن التعرف على هذه الفروق يُبَصِّرُ العالم بحقائق الأحكام وينير الطريق أمامه، لينقذه من التعثر في الاجتهاد، فهي شَحْذٌ للذهن، وتنبيه له، لئلا يقع في الوهم، ويتسرّع فيما يفتيه، ويصدره من الأحكام، بناء على الشَّبَه الظاهري. ولهذا نجد أبا عبد الله المازري (ت 536 هـ) (¬2)، عدَّ معرفة الفروق من جملة ما ينبغي أن يتوفّر في ¬

_ (¬1) ذكر ابن القيم (ت 751 هـ) في أعلام الموقعين شُبَهاً مختلفة ومتنوعة، وأمثلة عديدة مما قيل إنها متماثلة، ولكنها افترقت في الأحكام، ومنها ما هي مختلفة واتفقت في الأحكام والذي يتصل بهذا الموضوع، هو النوع الأول. (¬2) هو أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التميمي المازري، الملقب بالإمام، ... =

الفقيه الذي يفتي في زمانه (¬1). لئلا يقع في الخطأ، عند التخريج. قال أبو عبد الله القاسم البرزلي (ت 844 هـ) (¬2): (وقد يطرأ من يظن أنه بلغ رتبة الاجتهاد، فينظر المسائل بعضها ببعض، ويخرّج، وليس بصيراً بالفروق) (¬3). 3 - إن هذا العلم بكشفه عن الفروق بين المسائل يحققُ وضوحاً في علل الأحكام وما يعارض هذه العلل، ويدفعها، مما يهيئ للفقيه القياس الصحيح، ويحقّق له غلبة الظن في إلحاق الفروع بغيرها من الأصول. ويجعله مطمئناً إلى تخريجه. ¬

_ = ولد بمازر في جزيرة صقلية، وإليها نسب. كان من علماء المالكية البارزين في الفقه والأصول والكلام والحديث والأدب والطب، ومن المشاركين في علوم أخرى. كان حسن الخلق، وصاحب مجلس يؤنس حاضريه بما يذكره من النوادر والنكت، قالوا: إنه بلغ درجة الاجتهاد، ولم يفت بغير مشهور مالك. توفي سنة (536 هـ). من مؤلفاته: شرح التلقين للقاضي عبد الوهاب، وإيضاح المحصول من برهان الأصول في شرح كتاب البرهان لإمام الحرمين، والمعلم في شرح مسلم، والتعليقة على المدونة وغيرها. راجع في ترجمته: الديباج المذهب (ص 279)، وشجرة النور الزكية (ص 127)، والفتح المبين (2/ 26). (¬1) الفروق الفقهية للدمشقي- مقدمة المحقق (ص 33). (¬2) هو أبو القاسم أحمد بن محمد المعتل البلوي القيرواني، ثم التونسي، المالكي الشهير بالبرزلي فقيه مشارك في علوم أخرى. رحل إلى القاهرة في طريقه إلى الحج، وأفتى ووعظ في تونس، وصار إماماً بالزيتونة. توفي في تونس سنة (844 هـ)، عن مائة وثلاث سنين، وقيل غير ذلك. من مؤلفاته: الديوان الكبير في الفقه، والنوازل، والفتاوى. راجع في ترجمته: نيل الابتهاج (ص 225)، ومعجم المؤلفين (2/ 158)، و (8/ 94). (¬3) الفروق الفقهية للدمشقي - مقدمة المحقق (ص 33).

حكم معرفة الفروق الفقهية: لم أجد من العلماء من تكلم عن حكم معرفة علم الفروق الفقهية، بل إن العلماء قد اختلفوا في قبول قدح العلة بالفرق، ومنع الجمع بين الأصل والفرع، عند وجوده، فالمحققون من العلماء قبلوه، وخالفت طائفة أخرى فلم تقبله (¬1). وفصّل بعضهم في ذلك، فاختار القاضي البيضاوي (ت 685 هـ) أن الفرق، عند المعارضة في الأصل قادحٌ في العلة المستنبطة، دون المنصوصة، وأنه غير قادح في الفرع، لاختياره تبعاً لصاحب الحاصل، عدم جواز تعليل الحكم الواحد بعلتين مستقلتين، إن كانتا مستنبطتين، ولأنه يرى أن النقض لمانع غَيْرُ قادحٍ في العلة (¬2). ولكلِّ طائفةٍ من هؤلاء العلماء أدلتها، وما بنت عليه وجهة نظرها، وذكر هذه الاستدلالات والمناقشات ليس من مقصود هذا البحث؛ لأن ما نريده من ذلك تصوير الفرق، عند الأصوليين. وقد أتينا من ذلك بما يحقق المقصود ويبين المراد. ومما ينبغي التنبيه إليه أن أبا الربيع الطوفي (ت 716 هـ) تكلم عما يشبه بيان حكم الفروق. وإنما قلنا إنه يشبه الحكم، لأنه تكلم عن الاعتداد بالفرق واعتباره، وذكر ما يدل على ذلك (¬3). ولكنه لم يتكلم ¬

_ (¬1) نهاية الوصول في دراية الأصول (8/ 3469). (¬2) منهاج الوصول بشرح الأسنوي والبدخشي (3/ 77) و (3/ 100)، والحاصل (2/ 925) وانظر أيضاً في اختيار عدم جواز ذلك: المحصول لفخر الدين الرازي (2/ 384)، وشرح الكوكب المنير (4/ 323). (¬3) علم الجذل في علم الجدل (ص 73 - 75). =

عن هذا الاعتداد، أهو مباح، أو مندوب إليه، أو جائز؟ أهو شرط أو غير ذلك من الأحكام، ولهذا قلنا إننا لم نجد من تكلم عن حكمه من الفقهاء والأصوليين. وما كتب في الفروق، أو الجمع والفرق يُعَدُّ المجال التطبيقي لهذا القادح؛ إذ إن هذه الكتب تذكر الفروع الفقهية المتشابهة، وما يجمع بينها، وما يفرق بعضها عن بعض في الحكم، وبتعبير آخر إنها تبحث عن مبررات عدم إلحاق الفروع بالأصول، مع وجود التشابه الظاهري بينها، ولاشتراكها ببعض الأوصاف التي تقتضي الجمع. والذي يبدو لنا أن تقصّي ما يذكر في هذه الكتب، من العلل الجامعة، وما ينقضها في الجزئيات المختلفة، يحتاج إلى نظر دقيق، فما يذكر من المعاني المشتركة، ربما لم ينطبق على معنى العلة في اصطلاحهم، أو لم يكن ثابتاً بالطرق المعتد بها عندهم، كما أن ما به التفريق ربما لا يكون من الأمور المقبولة في رأيهم. وعلى هذا فإن تحديد حكم معين لتعلم الفروق الفقهية بإطلاق ليس كما ينبغي، ونجد أن المناسب هو تنوع الحكم باختلاف الحالات فهو بالنسبة لغير المجتهد أو المفتي جائز، وأما بالنسبة للمجتهد أو المفتي فهو واجب؛ لأنه داخل في شروط المجتهد والمفتي العلمية، لئلا تتناقض، ¬

_ = وقد استدل من الكتاب بقوله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [الزمر آية: 9]، ومن السنة بتفريقه صلى الله عليه وسلم بين بعض الأمور في الأحكام، ومن العقل بأن الإنسان بعقله يميل إلى العدل وعن الجور، وإلى الصدق وعن الكذب، وغلى البر وعن الفجور، وما أشبه ذلك، ومن الحس والطبع بأن كل أحد يميل بطبعه إلى الصورة الحسنة دون القبيحة، وإلى الصوت اللذيذ دون المستكرة، وإلى الرائحة العطرة، دون القذرة الكريهة والخبيثة.

أحكامه، ويقع في الخطأ أو السهو، وهو معدود من آلات ومكملات الاقتدار على الاستنباط والتخريج، كما أنه من مستلزمات القياس الذي يُعَدّ الاقتدار عليه من الشروط الأساسية في المجتهد- والله أعلم. * * *

المبحث الأول أقسام الفروق وشروطها

المبحث الأول أقسام الفروق وشروطها المطلب الأول: أقسام الفروق الفقهية. المطلب الثاني: شروط الفروق.

المطلب الأول أقسام الفروق الفقهية الفرع الأول: أقسامها من حيث موضوع التفريق. الفرع الثاني: أقسامها من حيث الاستقلال وعدمه. الفرع الثالث: أقسامها من حيث الصحة والفساد. الفرع الرابع: أقسامها من حيث تعين الأصل والفرع في العلة والمانعية. الفرع الخامس: أقسامها من حيث أقسام القياس.

المطلب الأول أقسام الفروق الفقهية

المطلب الأول أقسام الفروق الفقهية في كلام العلماء عن الفروق ذكروا لها أقساماً متعددة، ولكنها كانت تختلف بحسب الحيثيات والاعتبارات التي لوحظت عند التقسيم والتنويع، وسنذكر فيما يأتي أهم ما وجدناه في كلامهم من ذلك: الفرع الأول: أقسامها من حيث موضوع التفريق. وتنقسم بهذا الاعتبار إلى قسمين: القسم الأول: الفرق بين الأصل والفرع أو بين المقيس والمقيس عليه. وهذا القسم هو المتبادر إلى الناظر في معنى القياس، لأن أساس القياس هو الجمع بين الأصل والفرع في الحكم لاتفاقهما في العلة، ولهذا فإن هذا القسم من الفروق هو الأكثر من قسيمه الآخر، ومع ذلك فقد وقع الاختلاف في صحته (¬1). وهو أنواع، لأنه قد يكون معارضة في الأصل، أو معارضة في الفرع، أو معارضة فيهما. القسم الثاني: الفرق بين الوصف والحكم: وهذا القسم من الفروق اختلف فيه العلماء القائلون بصحة القسم السابق، ومن ردّه قال: إن الفرق هو نقيض الجمع وضده، والجمع يقع بين الأصل والفرع، لا بين الوصف والحكم، فينبغي أن يكون اعتراض المعترض متجهاً إلى ما قصده ¬

_ (¬1) الكافية في الجدل (ص 300).

المستدل في إثبات الجمع بين الأصل والفرع. ثم إن جمع الجامع يبقى بعد القدح بالفرق بين الوصف والحكم، إذ لا يؤثر ذلك في الجمع بين الأصل والفرع (¬1)، وهو الأساس الذي قام عليه القياس. وذهب القاضي أبو بكر (ت 403 هـ) (¬2). وإمام الحرمين (ت 478 هـ) إلى أن هذا الفرق صحيح، وأن الفارق إذا فرّق بين الوصف والحكم، وقطع ارتباط الحكم بالعلة، وجب انقطاع الفرع عن الأصل لا محالة (¬3). ووضح فخر الدين الرازي (ت 606 هـ) (¬4) هذا النوع في الجانب ¬

_ (¬1) الكاشف عن أصول الدلائل وفصول العلل (ص 111). (¬2) هو أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر البصري ثم البغدادي المالكي، المعروف بالقاضي الباقلاني من علماء الكلام الآخذين بمذهب الأشعري. وهو مشارك في علوم عدة كالأصول والعربية وغيرها، عرف بجودة الاستنباط وسرعة الجواب، وحدة الذكاء. توفي في بغداد سنة (403 هـ). من مؤلفاته: تمهيد الدلائل، ومناقب الأئمة، وهدية المسترشدين في علم الكلام، وإعجاز القرآن، والتقريب والإرشاد في أصول الفقه، وغيرها. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان (3/ 400)، وشذرات الذهب (3/ 168)، والأعلام (6/ 176)، والفتح المبين (1/ 221)، ومعجم المؤلفين (10/ 110). (¬3) الكاشف (ص 111). (¬4) هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين التيمي البكري الطبرستاني الرازي الشافعي الملقب بفخر الدين، والمعروف بابن الخطيب، قرشي النسب، ولد بالريّ وإليها نسب. كان من أبرز المتكلمين والأصوليين والفقهاء، والمفسرين، فضلاً عن كونه حكيماً وأديباً وشاعراً ومشاركاً في عدد من العلوم. توفي في مدينة هراة سنة (606 هـ)، ودفن في جبل قريب منها. من مؤلفاته: المحصول والمنتخب في أصول الفقه، والكاشف عن أصول الدلائل، والمعالم في أصول الدين، ومفاتيح الغيب في التفسير، والمعالم في أصول الفقه، ... =

التطبيقي بقوله: (إن من استدل في مسألة ظهار الذمي، مثلاً، فقال: صح طلاقه فصح ظهاره كالمسلم، إن لم يتقرر، عنده، أولاً أن الطلاق والظهار متقاربان متلائمان، حتى يلحق الفرع بالأصل لمشاركة الأصل في أحدهما. فيدل على ثبوت الثاني للمقاربة والارتباط. وإذا قطع الفارق هذا الارتباط بينهما، بإظهار فارق يوجب المباينة، ينقطع الفرع عن الأصل، في الحكم المطلوب استواؤهما فيه، إذ الحكم إنما يرتبط بعلته في الأصل والفرع جميعاً) (¬1). وتوضيحاً لما تقدم نقول في مسألة قياس الذمي على المسلم، في صحة الظهار، إن الوصف هو صحة الطلاق، وأن الحكم هو صحة الظهار، والأصل هو المسلم، والفرع هو الذمي. فإذا بيّن المعترض الفرق بين صحة الطلاق وصحة الظهار فإن ذلك يترتب عليه عدم جواز قياس الفرع على الأصل في حكم صحة الظهار، لعدم العلة الرابطة بينهما. ووجه الفرق بين الطلاق والظهار: أن (يقول إنما صح طلاق الذمي، لأنه لا يتضمن معنى يستحيل مع الكفر، وهو التكفير بالصوم، بل هو التحريم فحسب، والظهار منه لا يصح، لأنه يتضمن ما لا يصح معه الكفر) (¬2). ¬

_ = الفقه وغيرها. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان (3/ 381)، وطبقات الشافعية لابن هداية الله (ص 216)، وشذرات الذهب (5/ 20)، والأعلام (6/ 313) ومعجم المؤلفين (11/ 79). (¬1) المرجع السابق. (¬2) الكافية في الجدل (ص 298).

الفرع الثاني: أقسامها من حيث الاستقلال وعدمه

ومثل مسألة ظهار الذمي، قولهم بشأن زكاة الصبي: شخص تجب زكاة الفطر في ماله، فتجب زكاة المال في ماله كالبالغ (¬1). ويكثر هذا الفرق في الأقيسة التي تكون الجوامع فيها أحكاماً شرعية (1). الفرع الثاني: أقسامها من حيث الاستقلال وعدمه، وتنقسم بهذا الاعتبار إلى قسمين: القسم الأول: الفارق المستقل، أي الذي يصلح أن يكون علة، وحده، دون حاجة إلى أن ينضم إليه شيء آخر، ومثل هذا الفارق لا يؤثر، إذا جوّزنا تعليل الحكم بعلتين (¬2). لأن عدم إحدى العلتين في الفرع لا يضر، لاشتراكهما في العلة الأخرى. مثال ذلك: تعليل ولاية الإجبار في النكاح بالصغر والبكارة. فإذا انفردت البكارة في المعنسّة تثبت ولاية الإجبار، وإذا انفرد الصغر في الثيب الصغيرة تثبت ولاية الإجبار، فإيراد المعترض الفرق بوجود أحد الوصفين في الأصل دون الفرع، غير مقبول (¬3). القسم الثاني: الفارق غير المستقل، كالفارق بمزيد المشقة، ومزيد الضرر، وكثرة الحاجة وما أشبه ذلك. فمثل هذه الأمور لا تصلح أن تكون علة مستقلة؛ لأنها من باب صفة الصفة، التي لا تصلح للتعليل المستقل (¬4). وقد قالوا إن مثلها يفيد المعترض ويتوجه فارقاً (¬5). ¬

_ (¬1) الكاشف (ص 112). (¬2) نفائس الأصول (8/ 3459). (¬3) رفع النقاب عن تنقيح الشهاب/ القسم الثاني (ص 894). (¬4) المصدر السابق (ص 895)، ونفائس الأصول (8/ 3459). (¬5) رفع النقاب (ص 895).

الفرع الثالث: أقسامها من حيث الصحة والفساد

الفرع الثالث: أقسامها من حيث الصحة والفساد. وتنقسم بهذا الاعتبار إلى قسمين: القسم الأول: الفروق الصحيحة، وهي الفروق التي تتحقق فيها الشروط الآتية: 1 - أن يكون ما يُبْدَي من فرق معنى مناسباً للحكم، في إحدى الصورتين، مفقوداً في الصورة الأخرى (¬1). وقد ذكر الطوفي (ت 716 هـ) أن طريق النظر في الجمع والفرق بين الصور، هو أن يُنْظَرَ في الجامع والفارق، فيعتبر المناسب منهما، ويُلْغَى الطردي، بطريق تنقيح المناط (¬2). وقد نقل الزركشي (ت 794 هـ) (¬3) عن كتاب (الفرق والجمع) ¬

_ (¬1) رفع النقاب (ص 892). (¬2) علم الجذل في علم الجدل (ص 71). (¬3) هو أبو عبد الله محمد بن بهادر بن عبد الله المصري الزركشي الشافعي، الملقب ببدر الدين، عرف بالفقه والأصول والحديث والأدب وعلوم القرآن، تركي الأصل، مصري المولد والوفاة. تلقى علومه على جمال الدين الأسنوي وسراج الدين البلقيني وآخرين، رحل إلى حلب، وسمع الحديث في دمشق وغيرها، كان منقطعاً لا يتردد إلا إلى أحد أسواق الكتب. درس وأفتى. توفي في القاهرة سنة (794 هـ). من مؤلفاته: البحر المحيط في أصول الفقه، تشنيف المسامع شرح جمع الجوامع في أصول الفقه، والبرهان في علوم القرآن، وخبايا الزوايا، والمنثور في القواعد، وغيرها. راجع في ترجمته: الدرّر الكامنة (5/ 133)، وشذرات الذهب (6/ 335)، والأعلام (6/ 60)، ومعجم المؤلفين (9/ 121).

لنجم الدين المقدسي (ت 638 هـ) (¬1) أنه إذا تمت المناسبة بشروطها فهذا الفرق الصحيح (¬2). ومثال ذلك التفريق بين الهبة والبيع، في مسألة حصول الغرر، فعندما يقول المستدل لا تجوز الهبة مع الغرر قياساً على البيع، يُعْتَرَضُ عليه بالفرق بينهما، لأن البيع عقد معاوضة، والمعاوضة مكايسة يخل بها الغرر، بخلاف الهبة فإنها عقد فيه إكرام وإحسان محض، فلا يخل به الغرر، وكذلك أن الموهوب له، إذا لم يحصل على شيء، فلا يتضرر، بخلاف المشتري الذي يلحقه الضرر (¬3). 2 - تغليب الأنسب للحكم، إذا كان كلٌّ من الجامع والفارق مناسباً له. سواء كان الأنسب جامعاً أو فارقاً، فمثال الأنسب جامعاً ما ذكره ¬

_ (¬1) هو أبو العباس أحمد بن محمد بن خلف بن راجح المقدسي الحنبلي، ثم الشافعي. ويعرف بالحنبلي ويلقب بنجم الدين. تلقي علومه على طائفة من علماء عصره، ثم درّس في مدارس عدة، في بلدان مختلفة وبخاصة في دمشق، تنقل في البلدان، فسافر إلى بغداد وهمدان وبخاري واستفاد من علمائها. كان ذكياً برع في الحديث وعلم الخلاف، وعرف بأنه صاحب أوراد وتهجد. ناب في القضاء إلى أن مات سنة (638 هـ). من مؤلفاته: شرح المعالم لفخر الدين الرازي في الأصول، والفصول والفروق، وطريقة الخلاف، والدلائل الأنيقة، وغيرها. راجع في ترجمته: طبقات الشافعية للأسنوي (1/ 448)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 403)، وشذرات الذهب (5/ 189)، ومعجم المؤلفين (2/ 99). (¬2) البحر المحيط (5/ 316)، ويبدو أن الزركشي ذكر الكتاب بمعناه ومحتواه، لأن الوارد في ترجمة نجم الدين المقدسي أن كتابه اسمه (الفصول والفروق). (¬3) رفع النقاب (ص 893).

الطوفي (ت 716 هـ) بشأن قتل الأب ولده، إذ لا فرق في قتله بين أن يضربه بالسيف، أو يرميه بسهم، أو يذبحه. فإنه لا يقتل تغليباً للمعنى الجامع، وهو الإشفاق الوازع. وقد غلّب هذا المعنى المناسب على ما ورد عن مالك – رحمه الله- (ت 179 هـ) (¬1) في تفريقه بين القتل بالسيف والقتل بالذبح، فإنه رأى أن الذبح معنى مناسبٌ للقود، فيقاد به الأب، بخلاف القتل بالطرق الأخرى. ووجه التفريق والأرجحية عنده، هو أن القتل فيما سوى الذبح، يحتمل أنه أراد به ترويع ولده لتأديبه، فأفضى إلى القتل خطأ، بخلاف الذبح الذي لا يتحقق به معنى التأديب، فيجب القود – حينئذٍ – قياساً على الأجنبي، فرجّح مناسب القتل العمد العدوان، على مناسبة الإشفاق الوازع- بينما لم يعتد الجمهور بهذا الفرق واعتبروه وصفاً طردياً. ومثال الأنسب فارقاً، في المسألة المتقدمة، أن يقال إن المعنى المناسب الجامع بين الأب والأجنبي أنهما قاتلان، فينبغي أن يقاد الأب بالولد، كما هو الأمر في الأجنبي، لاشتراكهما في العلة المناسبة. فيقال: وصف الأبوّة معنى مناسب لإسقاط القود، وهو أكثر ¬

_ (¬1) هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك الأصبحي المدني ولد في المدينة سنة (93 هـ)، وقيل سنة (95 هـ). وأخذ العلم عن ربيعة بن عبد الرحمن وغيره، كان – رحمه الله- فقيه أهل المدينة، وأحد أئمة المذاهب الفقهية السنية الأربعة. توفي في المدينة سنة (179 هـ)، ودفن في البقيع. من آثاره: الموطأ، والمدونة الكبرى، وهي تمثل فتاواه وآراءه برواية تلاميذه. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان (3/ 284)، والديباج المذهب (ص 17 - 30)، والفتح المبين (1/ 112)، ومعجم المؤلفين (8/ 168)، والأعلام (5/ 257) ن وسائر الكتب المؤلفة في حياة وسيرة الإمام مالك.

مناسبة من المعنى الجامع، وهو القتل، ووجه ذلك أن شفقة الأب تمنع من تعمد قتل الولد، بخلاف الأجنبي (¬1). القسم الثاني: الفروق الفاسدة، وإلى جانب الفروق الصحيحة توجد فروق فاسدة، غير معتدّ بها عند العلماء، ولا تبنى عليها أحكام، وهي كثيرة نذكر بعضها فيما يأتي: 1 - الفرق بالأوصاف الطردية: والمقصود بالأوصاف الطردية التي لم يعلم كونها مناسبة ولا مستلزمة للمناسب (¬2). وقيل أنها الأوصاف التي لم يلتفت إليها الشارع، فيما عهد في تصرفه، كالطول والقصر، في عموم الأحكام، والذكورية والأنوثية في باب العتق (¬3). فلو قيل صحّ بيع الحبشي فيصح بيع التركي، فلو فرق بينهما بأن هذا أسود، وذاك أبيض، لكان تفريقاً باطلاً. قال في البحر المحيط: (ولو فتح هذا الباب لم يتم قياس، لأنه ما من صورتين إلا وبينهما فرق) (¬4). ومما عدّ من الأوصاف الطردية قول الحنفي بشأن عدم افتقار الوضوء إلى النية، عنده، طهارة بالماء فلم تفتقر إلى النية، كإزالة النجاسة. فيقول الفارق المعنى في الأصل أنها طهارة عينية والوضوء طهارة حكمية. فيصير الجامع طردياً (¬5). ¬

_ (¬1) علم الجذل في علم الجدل (ص 71، 72). (¬2) المحصول (2/ 355). (¬3) شرح مختصر الروضة (3/ 408). (¬4) (5/ 316). (¬5) نفائس الأصول (8/ 3467).

2 - الفرق بوصف مصطلح على ردّه بين العلماء. كما لو قيل في الزاني المحصن، يجب رجمه قياساً على ماعز (¬1). فيعترض بالفرق بينهما، بأن الرجم في ماعز وجب تطهيراً له، وهذا المعنى معدوم فيما قيس عليه، لأن الرجم في عقوبة الزاني المقصود منها الزجر. فمثل هذا الفرق باطلٌ غير معتد به (¬2)؛ لأن العلماء اصطلحوا على رد أن علة رجم ماعز هي التطهير. 3 - الفرق يون الأصل مجمعاً عليه، والفرع مختلفاً فيه، ومثلوا لذلك بما لو قيل: إن الحاجة إلى وجوب الزكاة على البالغ أكثر منها على الصبي، لأنها مما اتفق عليه في البالغ، ومما اختلف فيه في الصبي، ولو كانت الصورتان متساويتين في المصلحة لكانتا متساويتين في الاجتماع وعدمه (¬3). 4 - الفرق بكون الأصل منصوصاً على حكمه، والفرع مختلفاً فيه، وهو قريب مما سبق. قال الزركشي (ت 794 هـ): (لو صح الفرق بذلك بطلت الأقيسة كلها) (¬4). 5 - الفرق بما هو نتيجة افتراق الأصل والفرع في الاجتماع والخلاف، ومثلوا لذلك بما إذا قاس الفقيه النبيذ المشتدّ على الخمر، فاعتُرِض عليه بالفرق بينهما في أنَّ مُستْحِلَّ الخمر كافرٌ ومُستحِلّ النبيذ لا يفسق. ¬

_ (¬1) هو ماعز بن مالك الأسلمي. أقر بالزنا وهو محصن، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمه، فرجم. والحديث عن رجمه صحيح، ثبت في الصحيحين وغيرهما، انظر القصة وما ورد بهذا الشأن في نيل الأوطار (7/ 99) وما بعدها. (¬2) البحر المحيط (5/ 316). (¬3) المصدر السابق. (¬4) المصدر السابق.

الفرع الرابع: أقسامها من حيث تعين الأصل والفرع في العلية والمانعية

قال إمام الحرمين (ت 478 هـ): (وهذا يرجع حاصله إلى أن تحريم الخمر متَّفق عليه ثابت من جهة الشرع قطعاً، ومنكر ذلك جاحدٌ للشرع، وتحريم النبيذ مختلف فيه) (¬1). ومثل ذلك أيضاً، قياس المستولدة على المدَبّرة، في نقض القضاء بالبيع، إذ اعترض بالفرق بينهما، وذلك لكون الحكم في الأصل ظاهراً، وفي الفرع مجتهداً فيه (¬2). الفرع الرابع: أقسامها من حيث تعين الأصل والفرع في العلّية والمانعية. وتنقسم بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام هي: القسم الأول: تعين أصل القياس علة لحكمه، كقياس الشافعية الوضوء على التيمم في وجوب النية، بجامع أن كلاً منهما طهارة عن حدث، فيعترض الحنفي بالفرق بينهما، وهو أن وجوب النية في التيمم عائد إلى خصوصية التيمم في أنه طهارة بالتراب عن حدث، فافترقا (¬3). وكقياس الحنفية الخارج النجس من غير السبيلين في نقض الوضوء، على الخارج النجس من السبيلين، فيعترض الشافعية بالفرق بينهما، بأن العلة هي خروج النجاسة من أحد السبيلين، لا مطلق خروجها. القسم الثاني: تعيّن فرع القياس مانعاً من ثبوت حكم الأصل فيه، كقياس الحنفية المسلم على الذمي في وجوب القصاص عليه عند قتله الذمي، بجامع القتل العمد العدوان، فيعترض الشافعية على ذلك بالفرق بينهما؛ لأن الخصوصية في الفرع، وهي كونه مسلماً، مانعة من ثبوت ¬

_ (¬1) البرهان (2/ 1093 و 1094). (¬2) المصدر السابق. (¬3) شرح جمع الجوامع للجلال المحلي بحاشية الإنبابي (2/ 320).

الفرع الخامس: أقسامها من حيث أقسام القياس

حكم الأصل فيه (¬1). القسم الثالث: الجمع بين الأمرين السابقين، بأن يجعل المعترض تعين كل من الأصل والفرع مانعاً من ثبوت الحكم (¬2). ويرى بعضهم أن الفرق لا يتحقق إلا بذلك، أي مجموع المعارضتين، وقد ضّعف ذلك المحققون، ولكن إذا كان المقصود من المعارضة في الفرع انتفاء خصوصية الأصل، وفي الأصل انتفاء خصوصية الفرع، وإن لم يتعرض لانتفائها عن الفرع في الأول، وعن الأصل في الثاني، فهو قريب. ولكن إذا كانت المعارضة في الفرع معناها إبداء مانع يقتضي نقيض الحكم، وفي الأصل إبداء شرط فيه، فهو بعيد، لأنه لا يلزم في إبداء شرط في الأصل التعرض لإبداء مانع في الفرع وعكسه (¬3). الفرع الخامس: أقسامها من حيث أقسام القياس. وتنقسم الفروق، من هذه الحيثية، بحسب ما ينقسم إليه القياس، إذ قد يكون قياس علة، وقد يكون قياس دلالة، وقد يكون قياس شبه. القسم الأول: الفرق بقياس العلة: والفرق في هذا القياس، بعد استيفاء شروطه، يكون بمثل ما لو كانت العلة مبتدأة. فينظر الفارق إلى علة الأصل ويتكلم عليها، ومثلوا لذلك بما استدل به الشافعي على تعليق الطلاق قبل النكاح. أي أن المطلق، قبل النكاح لا يملك مباشرة التطليق، فلا يصح منه اللاق كالمجنون. فيفرّق الحنفي بينهما بأن المعنى في الأصل، أي المجنون، أنه غير مكلّف، وهذا مكلّف. فيتكلم الشافعية ¬

_ (¬1) المصدر السابق (2/ 320). (¬2) المصدر السابق (2/ 319 و 320). (¬3) تقريرات الشربيني على شرح جمع الجوامع (2/ 319 و 320).

عن ذلك بمقابلة علة الأصل بمثلها في الحكم، فيقولون لا فرق بين غير المكلف وغير المالك، بدليل البيع وغيره (¬1). القسم الثاني: الفرق بقياس الدلالة. والفرق في هذه الحالة قد يكون بحكم، وقد يكون بنظير، ومما مثلوا له بالتفريق بالحكم أن يقول الحنفي في سجود التلاوة: سجود يجوز فعله في الصلاة فيكون واجباً كسجود الصلاة. فيقول الشافعيةُ في التفريق بينهما، إن المعنى في الأصل أنه سجود لا يجوز أداؤه على الراحلة من غير عذر، فهو كسجود النفل. ومما مثلوا له بالتفريق بالنظير، أن يقول الشافعي في إيجاب الزكاة في مال الصبي: حرٌّ مسلم فتجب الزكاة في ماله كالبالغ. فيقول الحنفي في التفريق بينهما: إن البالغ يتعلق الحج بماله، فجاز أن تتعلق الزكاة بماله أيضاً، بخلاف الصبي (¬2). القسم الثالث: الفرق بقياس الشبه. ومثلوا لذلك بأن يقول الشافعية في عدم وجوب نفقة غير الوالد والولد، إن قرابتهما لا تجب بها النفقة مع اختلاف الدين، فلا تجب مع اتفاقه، كقرابة ابن العم. فيقول المعترض بالفرق بينهما، لأن الأصل، وهو قرابة ابن العم لا يتعلق بها تحريم المناكحة، وقرابة الفرع يتعلق به تحريم المناكحة، فهي كقرابة الولادة (¬3). ومن الملاحظ أن أبا الوليد الباجي (ت 474 هـ)، أدخل هذا القسم ضمن قسمين ذكرهما هما الفرق بعلة الحكم، والفرق بدلالة الحكم. والفرق بعلة الحكم عنده، هو كالفرق بقياس العلة المذكور سابقاً، أي إن ¬

_ (¬1) المعونة في الجدل (ص 262)، والكاشف (ص 114). (¬2) المعونة في الجدل (ص 263، 264)، والكاشف (ص 114 و 115). (¬3) المصدران السابقان.

والفرق بعلة الحكم عنده، هو كالفرق بقياس العلة المذكور سابقاً، أي إن المعنى الذي يتعلق به الحكم في الشرع موجود في الأصل وليس موجوداً في الفرع، وذكر أمثلة له، بعضها في حالة الاتفاق ع لى علة الأصل، وبعضها في حالة الاختلاف عليها. أما الفرق بدلالة الحكم فقد جعلها أربعة أضرب، هي: 1 - التفريق بين الفرع والأصل بحكم يختص بالفرع لا يفارقه. 2 - أن يفرّق بنفس الحكم في غير موضع الخلاف. 3 - أن يفرّق بحكم يشاكل الحكم المختلف فيه. 4 - أن يفرّق بضرب من الشبه (¬1). * * * ¬

_ (¬1) المنهاج في ترتيب الحجاج (ص 202 و 203).

المطلب الثاني شروط الفروق الفقهية الشرط الأول: صلاحية الفرق للإخلال بثبوت الحكم. الشرط الثاني: ذكر أصل يشهد له بالاعتبار. الشرط الثالث: أن يكون الوصف الفارق أخص من الوصف الجامع. الشرط الرابع: أن يرد إلى أصل. الشرط الخامس: أن يعكس ذلك في الفرع.

المطلب الثاني شروط الفروق الفقهية

المطلب الثاني شروط الفروق الفقهية لم يُفْرِد العلماء الذين تكلّموا عن الفروق الفقهية، شروطها ببحث خاص، بل كانت تَرِدُ عَرَضاً، أو ضمناً، خلال كلامهم عن الموضوع، بوجه عام. ويغلب على من ذكر ذلك عدم استقصاء هذه الشروط، وقد سبق لنا أن ذكرنا بعض هذه الشروط خلال كلامنا عن أقسام الشروط، وما قالوه عن الشروط الصحيحة والشروط الفاسدة. ونذكر فيما يأتي طائفة مما اطلعنا عليه في كلامهم عن ذلك. والمراد من الشرط في الاصطلاح (¬1): هو ما يتوقف عليه وجود الشيء، ويكون خارجاً عن ماهيته، ولا يكون مؤثراً في وجوده (¬2). أو هو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجودٌ ولا عدم لذاته (¬3). وفيما يأتي بعض هذه الشروط: الشرط الأول: صلاحية الفرق للإخلال بثبوت الحكم، سواء كان بإبداء خصوصية في الأصل هي شرط فيه، أو خصوصية في الفرع هي مانع من ثبوت حكم الأصل فيه. ¬

_ (¬1) ومعناه في اللغة العلامة. وفي لسان العرب أن الشَّرَط بالتحريك العلامة، والجمع أشراط. وأشراط الساعة أعلامها، وهو منه، والشَّر إلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه، وجمعه أشراط. (¬2) التعريفات (ص 111)، وذكر له تعريفاً آخر، هو: ما يتوقف ثبوت الشيء عليه. (¬3) انظر حاشية القليوبي على شرح الجلال المحلي على منهاج الطالبين 1/ 175.

الشرط الثاني: ذِكْرُ أصل يَشْهَدُ للفرق بالاعتبار، حتى لو كان صالحاً للإخلال بثبوت الحكم، وذلك لأننا لا نعلم التفات الشارع إليه (¬1). وهذا الشرط مما اختلف فيه العلماء، وبعض من اشترطه قال بوجوب ردّه إلى أصل، في جانبي الفرع والأصل جميعاً. وبعضهم أوجب ردّه إلى أصل في جانب الفرع دون الأصل، ولكلّ فريق أدلته. الشرط الثالث: أن يكون الوصف الفارق أخص من الوصف الجامع، وهذا شرط أورده بعض العلماء. وعلَّلوا ذلك بأنه (لو كان أعم منه لكان جمع الجامع بالوصف الأخص مقدماً على فرق الفارق بالأعم، بل الأخص يتضمن الأعم) (¬2). الشرط الرابع: أن يُرد الفرق إلى أصل، وهو شرط أورده بعض العلماء أيضاً، وهؤلاء منهم من اشترط ذلك في رد علة الأصل إلى أصل، وعلة الفرع إلى أصل أيضاً (¬3). ومنهم من قال إن علة الأصل لا تحتاج إلى أصل تُرَد إليه، ولكن علة الفرع محتاجة إلى ذلك (¬4). ورجح الرأي الأول أبو الوليد الباجي (ت 474 هـ)، وعلل ذلك بقوله: (الدليل على ذلك أنه متى لم يُرَد كلٌ منهما إلى أصلٍ كان مدعياً في الأصل والفرع علتين واقفتين، ومسلماً لعلة المسؤول وهي متعدية والمتعدية أولى من الواقفة) (¬5). ورجّح ابن عقيل (ت 513 هـ)، وأبو إسحاق ¬

_ (¬1) الإيضاح لقوانين الاصطلاح (ص 196)، والجدل على طريقة الفقهاء (ص 73). (¬2) الكاشف (ص 114). (¬3) المنهاج في ترتيب الحجاج (ص 202). (¬4) المصدر السابق، والجدل على طريقة الفقهاء (ص 73). (¬5) المنهاج في ترتيب الحجاج (ص 202).

الشيرازي (ت 476 هـ) الرأي الآخر القائل بأن علة الأصل لا تحتاج إلى أصل تُرَد إليه، أما علة الفرع فتحتاج إلى الرد إلى أصل (¬1). وعلل ابن عقيل (ت 513 هـ) ذلك، بأن حكم الأصل المقيس عليه ثبت بالنص، لا بالقياس، والعلة مستنبطة منه، بخلاف الفرع، فإن حكمه ثبت بغير النص (¬2). ولم تر طائفة أخرى من الأصوليين اشتراط ذلك، ومنهم ابن القصّار (ت 398 هـ) (¬3). الشرط الخامس: أن يعكس ذلك في الفرع: إذ اشترط بعض العلماء عند المعارضة بعلة الأصل، أن يعكس ذلك في الفرع، ليتبين ما يوجب الفرق بين الأصل والفرع، كأن يذكر معنىً في الأصل ويعكسه في الفرع. وخالفهم آخرون، وقالوا بعدم الحاجة إلى ذلك (¬4). وقد خطأ أبو الوليد الباجي (ت 474 هـ) هذا الرأي، وقال إنه غير صحيح، وعلل ذلك بقوله: (لأنه إذا لم يعكس في الفرع، لم يحصل الفرق، ولأنه إذا اقتصر على تعليل الأصل، ولم يعكس ذلك في الفرع، لم يَضُرَّ ذلك المستدل، لأنه إما أن يقول بالعكس على طريقة بعض أهل النظر، وإما أن يقول: علتك في الأصل لا تنافي ما ذكرت ...) (¬5). ¬

_ (¬1) المصدر السابق والجدل على طريقة الفقهاء (ص 73). (¬2) الجدل على طريقة الفقهاء ص 73. (¬3) المنهاج في ترتيب الحجاج (ص 202). وابن القصار: هو علي بن أحمد البغدادي القاضي أبو الحسن المعروف بابن القصار. تفقه بالأبهري، وولي قضاء بغداد، كان أصولياً نظاراً. قال بعض علماء زمانه هو أفقه من رأيت من المالكيين. كان ثقة قليل الحديث. توفي سنة (398 هـ). من مؤلفاته: عيون الأدلة، وإيضاح الملة في الخلافيات، والمقدمة في أصول الفقه. راجع في ترجمته: الديباج المذهب (ص 199)، ومعجم المؤلفين (7/ 12). (¬4) المنهاج في ترتيب الحجاج (ص 201)، والجدل على طريقة الفقهاء (ص 73). (¬5) المنهاج في ترتيب الحجاج (ص 201).

المبحث الثاني نشأة الفروق الفقهية وتطورها

المبحث الثاني نشأة الفروق الفقهية وتطورها

المبحث الثاني نشأة الفروق الفقهية وتطورها ليس لدينا ما نستطيع أن نحدد به على وجه قاطع، بداية صيرورة معرفة الفروق بين الفروع الفقهية، أو القواعد، علماً أو فناً متميزاً، ولكن طبيعة الموضوع تقتضي أن يكون نشوؤه مقارناً أو مقارباً لنشوء القواعد والضوابط الفقهية؛ إذ كما ينظر العالم إلى الفروع التي تتشابه في أحكامها، فإنه ينقدح عنده ذلك فيما يفارق غيره من الأحكام. وقد وردت عن الشارع طائفة من الأحكام المختلفة لفروع قد تلتبس على الناس لما بينها من تشابه ظاهري، كالبيع والربا الذين اشتبه أمرهما على اليهود، فقالوا إنما البيع مثل الربا، لكن الشارع نص على التفرقة بينهما بقوله: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) (¬1). وكما هو الشأن في بول الجارية وبول الصبي والتفريق بينهما بقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما يغسل من بول الجارية ويرشّ على بول الغلام" (¬2). وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم نماذج كثيرة، فرّق فيها النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين ¬

_ (¬1) البقرة: 275. (¬2) رُوي هذا الحديث بألفاظ وصيغ مختلفة. وقد قال البيهقي: الأحاديث المسندة في الفرق بين بول الغلام والجارية إذا ضُمّ بعضها إلى بعض قويت. والذي جاء في الحديث هو عن أبي السمع قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بحسن أو حسين، فبال على صدره، فجئت أغسله، فقال: يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام". وقد رواه من حديث أبي السمع أبو داود والبزار والنسائي، وابن ماجة وابن خزيمة والحاكم. تلخيص الحبير (1/ 37 و 38).

"هي لك أو لأخيك أو للذئب" (¬1). وقوله في ضالة الإبل: "مالك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها" (¬2). ففرّق بينهما بامتناع الإبل من صغار السباع، دون الغنم (¬3). وفرق صلى الله عليه وسلم بين الشاب والشيخ الصائمين، بتجويز القبلة للشيخ دون الشاب، لوجود قوة الشبيبة ودافع الشهوة عند الشاب، دون الشيخ (¬4). وقال في طعام تُصُدِّق به على بريرة (¬5): "هو لها صدقة ولنا هدية" (¬6). ففرّق بين الحكمين لاختلاف الجهتين (¬7). وقال جواباً لمن سأله عن رجلين عَطَسا عنده، فشمّت أحدهما، دون الآخر: "إن هذا حمد الله، وإن هذا ¬

_ (¬1) جزء من حديث متفق عليه رواه زيد بن خالد الجهني، فيما يتعلق بالشاة، قال صلى الله عليه وسلم: " ... خذها فإنما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب" نيل الأوطار (5/ 338)، وتلخيص الحبير (3/ 73). (¬2) وهو جزء من الحديث المتفق عليه من رواية زيد بن خالد الجهني، وفيما يتعلق بالتقاط ضالة الإبل ورد قوله صلى الله عليه وسلم: "مالك ولها؟ دعها فإن معها حذاءها وسقاءها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها صاحبها" نيل الأوطار (5/ 338)، وتلخيص الحبير (3/ 73). (¬3) علم الجذل (ص 74). (¬4) الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم كان في شأن مباشرة الصائم امرأته. فعن أبي هريرة أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخّص له، وأتاه آخر فنهاه عنها، فإذا الذي رخص له شيخ، وإذا الذي نهاه شاب ... " رواه أبو داود. انظر نيل الأوطار (4/ 211). (¬5) هي بريرة بنت صفوان مولاة عائشة بنت أبي بر الصديق رضي الله عنها كانت لعتبة بن أبي لهب. ذكرها بقي بن مخلد فيمن روى حديثاً واحداً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر: الأسماء واللغات (2/ 332). (¬6) حديث صحيح رواه الشيخان وغيرهما. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بلحم بقر، فقيل هذا ما تُصُدِّق به على على بريرة، فقال: هو لها صدقة، ولنا هدية). انظر: صحيح مسلم بشرح النووي (4/ 183). (¬7) علم الجذل (ص 74).

عَطَسا عنده، فشمّت أحدهما، دون الآخر: "إن هذا حمد الله، وإن هذا لم يحمد الله" (¬1)، ومثل ذلك غير قليل في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وفي كلام السلف، وعلماء الأمة الكبار، الشيء الكثير من تلك الفروع، المتفقة في الصورة، والمختلفة في الحكم. كاستحباب الإمام مالك – رحمه الله- (ت 179 هـ) للمرضع أن تتخذ ثوباً للصلاة، وعدم استحبابه ذلك لذي الدمل والجرح (¬2). وقوله بعدم إعادة مسح الرأس، إذا حلقه صاحبه، وبغسل رجليه، إذا نزع خفّيه، بعد أن مسح عليهما (¬3). وقوله يتوضأ الجنب، إذا أراد النوم، ولا تتوضأ الحائض، مع أن كلا المانعين موجب للغسل (¬4). وقوله: لا يجوز الخيار في النكاح ويجوز الخيار في البيع، مع أن كلاً منهما عقد معاوضة (¬5). وقوله: إذا أخطأ الدليلُ كان له أُجرة، وإذا عطبت السفينة لم يستحق الأجرة (¬6). ¬

_ (¬1) حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وغيرهما وفي مسلم عن أبي بردة قال: دخلت على أبي موسى وهو في بيت بنت الفضل بن عباس، فعطستُ فلم يشمتني، وعطستْ فشمتها، فرجعت إلى أمي فأخبرتها. فلما جاءها، قالت: عطس عندك ابني فلم تشمته، وعطست فشمتها، فقال: إنه عطس فلم يحمد الله، فلم أشمته، وعطست فحمدت الله، فشمتها. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه، فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه". انرظ: صحيح مسلم بشرح النووي (18/ 121). (¬2) عدة البروق (ص 82). (¬3) المصدر السابق (ص 89). (¬4) المصدر السابق (ص 104). (¬5) الفروق الفقهية للدمشقي (ص 78). (¬6) المصدر السابق (80 و 81).

وكقول أبي حنيفة – رحمه الله- (ت 150 هـ) (¬1): إذا خرج الدود من أحد السبيلين ينتقض الوضوء، وإن خرج من الجرح لم ينتقض (¬2). وقول محمد بن الحسن الشيباني (ت 189 هـ) (¬3) في النوادر: إذا نزل الدم إلى قصبة الأنف انتقض وضوؤه، وإذا وقع البول في قصبة الذكر لم ينتقض (¬4). وقوله في الأصل: إذا نقب البيت، وأدخل يده، وأخرج ¬

_ (¬1) هو النعمان بن ثابت الكوفي التيمي بالولاء، أحد أئمة المذاهب الفقهية السنية الأربعة. ولد في الكوفة سنة (80 هـ) ونشأ فيها، وتلقى علمه على حماد بن أبي سليمان، وتوفي في بغداد سنة (150 هـ). من آثاره: الفقه الأكبر في الكلام، والمسند في الحديث، والرد على القدرية، والمخارج في الفقه. راجع في ترجمته: طبقات الفقهاء للشيرازي (ص 86)، الفهرست (ص 284)، أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري (ص 1 - 141)، شذرات الذهب (1/ 277)، والفتح المبين (1/ 101) وما بعدها، ومعجم المؤلفين (13/ 104) وغير ذلك. ومنها الكتب الخاصة عن الإمام أبي حنيفة. (¬2) الفروق للكرابيسي (1/ 34). (¬3) هو أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، صاحب الإمام أبي حنيفة، ومدون فقه المذهب. صحب أبا حنيفة، وأخذ عنه الفقه، ثم عن أبي يوسف. التقى بالإمام الشافعي في بغداد، وناظره، تميّز بالفطنة والذكاء، وكان مقدماً في الفقه والعربية والحساب، توفي بالري سنة (189 هـ) وقيل سنة (187 هـ). من مؤلفاته: كتب ظاهر الرواية المعتمدة في المذهب الحنفي، وهي الجامع الكبير، والجامع الصغير، والسير الكبير، والسير الصغير، والمبسوط، والزيادات، وله كتب كثيرة غيرها. راجع في ترجمته: الجواهر المضيّة (3/ 122)، وأخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري (ص 120 - 130)، ووفيات الأعيان (3/ 324)، وطبقات الفقهاء للشيرازي (ص 135)، والفهرست (ص 287)، والفتح المبين (1/ 110). (¬4) الفروق للكرابيسي (1/ 35).

المتاع، وذهب، لم يقطع، ولو شق الجوالِق (¬1)، وأدخل يده، وأخرج المتاع قطع (¬2). ومثل ذلك يقال عن سائر الأئمة ممن لم نذكرهم، والأمثلة على ذلك كثيرة سواء كانت من منصوصات الأئمة، أو مما خُرّج لهم بأي وجه من وجوه التخريج. فمثل هذه الصور المتشابهة، ذات الأحكام المختلفة، أوجدت الحاجة إلى بيان الفروق بين المسائل، توضيحاً وكشفاً عن معانيها، ودفعاً للالتباس وما قد يساور بعضهم من وجود التناقض بين فتاوى العلماء، ومما ساعد على ذلك أمران: الأمر الأول: ما ظهر من نقد للقياس في الأحكام الشرعية، والقول أن القياس أساسه الجمع بين المتشابهات، والتفريق بين المختلفات، وهذا الأمر غير متحقق في الأحكام الشرعية، لأن الأحكام الشرعية والفقهية، في أحيان متعددة، تفرّق بين المتشابهات، وتجمع بين المتفرقات، فكان التنبيه على الفروق لبيان أن عدم إعطاء المتشابهات حكماً واحداً بالقياس، يعود إلى أن التشابه ظاهري يقابله اختلاف وفروق أوجبت اختلاف الحكم. والأمر الثاني: هو ضد الأمر السابق، وكأنه للتنبيه على الفروق بين المسائل، منعاً لقياس بعضها على بعض، وإعطائها حكماً واحداً، فيكون ذلك قياساً مع الفارق. غير أن إظهار الفروق بين الفروع الفقهية المتشابهة في الصورة والمختلفة في الأحكام كان في مجال الدرس، وفي مجال المناظرات والجدل، ولم ¬

_ (¬1) الجُوالق: وعاء من الأوعية- معرّب. جمعه جَوالق، وجواليق. (انظر لسان العرب). (¬2) الفروق للكرابيسي (1/ 308).

يعرف طريقه إلى التدوين. وحين نشطت حركة التدوين في الفقه، وظهرت المباحث المفردة ذات الموضوع الواحد واتجه العلماء إلى التأصيل واستنباط القواعد، كانت الظروف مهيئة للتدوين في الفروق. وذكر بعض الباحثين أن محمد بن الحسن (ت 189 هـ) هو أوّل من ألّف في الفروق في الفقه الإسلامي، وقال: (ونجد ذلك واضحاً في كتابه (الجامع الكبير) حيث كان أسلوبه ونهجه وطريقة عرضه للمسائل كلها تظهر الفرق بين المسألتين المتشابهتين، مما لا يدع مجالاً للشك أو اللبس) (¬1). وفي الحق أن في هذا الكلام نوعاً من المبالغة، فكتاب محمد بن الحسن (ت 189 هـ) المذكور في الفقه بعامة، وليس خاصاً بالفروق، وتنبيهاته إلى الفروق، في بعض المسائل، كان يأتي عند عرض أمثال تلك المسائل، وهي محدودة في نطاق الفقه الواسع، وقد عاصره الشافعي (ت 204 هـ) (¬2)، ومالك (ت 179 هـ) – رحمهما الله – وهما ممن نُقل ¬

_ (¬1) الفروق للكرابيسي (1/ 8) من مقدمة المحقق د. محمد طموم. (¬2) هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع القرشي المطلبي. أحد أئمة المذاهب السنية الأربعة ولد بغزة في فلسطين، على ما هو الصحيح والمشهور من الآراء سنة (150 هـ). وحمل إلى مكة وعمره سنتان، فنشأ فيها وحفظ القرآن، وهو ابن سبع سنين، وموطأ مالك وهو ابن عشر، وتفقه على مسلم بن خالد الزنجي فقيه مكة. لازم الإمام مالكاً، ثم قدم بغداد مرتين، وحدّث بها، واجتمع إليه علماؤها وأخذوا عنه ثم خرج إلى مصر، وأقام فيها حتى اختاره الله إلى جواره سنة (204 هـ)، ودفن في مقابرها.

عنهما فقه كثير وفيه تنبيهات على طائفة من الفروق، كما هو الشأن في كتب محمد بن الحسن (ت 189 هـ). إن المقصود من الكلام عن الفروق هنا، هو الكلام عن الفروق، على أنها عَلَمٌ على عِلْمٍ أو فن خاص، وعلى التدوين في ذلك استقلالاً، سواء كان منفرداً، أو ضمن متون أخرى. ويعزو ابن خلدون (ت 808 هـ) (¬1) الاهتمام بالفروق إلى نشوء المذاهب، وصيرورة كلّ مذهب علماً مخصوصاً، الأمر الذي جعل العلماء في حاجة إلى تنظير المسائل في الإلحاق، وتفريقها عند الاشتباه، مما يُحتاجُ معه إلى ملكة راسخة، يُقْتَدَرُ بها على التنظير والتفرقة (¬2). وعلى هذا فإنه من المستبعد أن ينشأ التأليف في الفروق، قبل ذلك. ¬

_ = راجع في ترجمته: وفيات الأعيان (3/ 305)، ومعجم الأدباء (17/ 381)، وطبقات الشافعية للأسنوي (1/ 11)، وشذرات الذهب (2/ 9 - 10)، وسائر الكتب المؤلفة في ترجمته. (¬1) هو ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد الحضرمي، الإشبيلي الأصل، التونسي المولد، ثم القاهري، المالكي المشهور بابن خلدون، من العلماء والمؤرخين والحكماء. برع في علوم كثيرة، ولكن كان أكثر ما شهره مقدمته التي كتبها لما ألفه في التاريخ، لما فيها من منهج جديد في دراسة التاريخ وتحليل المجتمعات، توفي في القاهرة سنة (808 هـ). من مؤلفاته: العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومقدمته المشهورة، وله شرح للبردة وتلخيص لبعض الكتب ومنها المحصول للرازي، وله عدد من الكتب في الحساب وأصول الفقه، وغير ذلك. راجع في ترجمته: نيل الابتهاج (ص 169)، وشذرات الذهب (7/ 76)، والأعلام (3/ 330)، والفتح المبين (3/ 14)، ومعجم المطبوعات العربية والمعربة (1/ 95)، ومعجم المؤلفين (5/ 188). (¬2) مقدمة ابن خلدون (ص 806).

إن الذي يبدو، من خلال النظر في المؤلفات في هذا العلم، أن القرن الرابع الهجري كان بداية للتدوين في هذا المجال، سواء كان على سبيل الانفراد، أو على سبيل دخوله ضمن باب أوسع. ففي هذا القرن ذكرت طائفة من المؤلفات، نذكر منها: 1 - الفروق لأبي العباس أحمد بن عمر بن سريج الشافعي المتوفي سنة (306 هـ) (¬1). 2 - المسكت للزبير بن أحمد بن سليمان الشافعي، المتوفي سنة (317 هـ) (¬2). ¬

_ (¬1) هو أبو العباس أحمد بن عمر بن سُرَيج من فقهاء الشافعية وأئمتهم، كان له فضل كبير في نشر مذهب الشافعي والدفاع عنه. حتى رشحوه على أنه مجدد الدين على رأس الثلاثمائة، تميز بالقدرة على المناظرة، وإيراد الحجج، وقد لقب بالباز الأشهب وبالأسد الضاري، ولد في بغداد ومات فيها سنة (306 هـ). من مؤلفاته: الرد على ابن داود في إبطال القياس، والتقريب بين المزني والشافعي، ومختصر في الفقه، والرد على عيسى بن أبان، وكتاب في الفروق، وغيرها. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان (1/ 49)، وطبقات الشافعية الكبرى (2/ 87)، وطبقات الفقهاء للشيرازي (ص 108)، وطبقات الفقهاء للأسنوي (2/ 20)، وشذرات الذهب (2/ 247)، والفتح المبين (1/ 165). (¬2) هو أبو عبد الله الزبير بن أحمد بن سليمان البصري المعروف بالزبيري، من أحفاد الزبير بن العوام. كان إماماً حافظاً لمذهب الشافعي، عارفاً بالقراءات والأدب، خبيراً بالأنساب، وقد كان أعمى. توفي قبل سنة (320 هـ)، وحدد ذلك بعضهم بسنة (317 هـ). من مؤلفاته: الكافي، والمسكت، والنية، وكتاب ستر العورة، وكتاب الهدية، وغيرها. راجع في ترجمته: طبقات الفقهاء للشيرازي (ص 108)، ووفيات الأعيان (2/ 69)، وطبقات الشافعية الكبرى (2/ 224)، وطبقات الشافعية للأسنوي (1/ 606).

3 - الفروق لأبي الفضل محمد بن صالح الكرابيسي الحنفي المتوفي سنة (322 هـ) (¬1). وقد ذكرت إلى جانب ما تقدم كتب أُخرى، على سبيل التوهم أو الخطأ، نذكر منها: 1 - كتاب (الفروق) لأبي عبد الله محمد بن علي الحكيم الترمذي المتوفي سنة (320 هـ) (¬2). 2 - كتاب (المطارحات) الذي نسبوه خطأ إلى أحمد بن محمد البغدادي المعروف بابن القطان المتوفي سنة (359 هـ) (¬3). ¬

_ (¬1) هو أبو الفضل محمد بن صالح الكرابيسي السمرقندي، من فقهاء الحنفية، والكرابيسي نسبة إلى الكرابيس وهي الثياب. توفي سنة (322 هـ). من مؤلفاته (الفروع في فروع الحنفية). راجع في ترجمته: الأعلام (6/ 162)، ومعجم المؤلفين (10/ 85)، وهدية العارفين (2/ 33). (¬2) هو أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن المعروف بالحكيم الترمذي كان محدثاً زاهداً وصوفياً، نُفي من ترمذ بسبب اتهامه بالكفر، لما أبداه من آراء شاذة في بعض الأمور العقدية، وقد اختلف في تاريخ وفاته، فقيل سنة (255 هـ)، وقيل سنة (285 هـ)، وقيل سنة (320 هـ)، وهو الراجح عند بعض من ترجم له. من مؤلفاته: الفروق، وختم الولاية، وعلل الشريعة، ورياضة النفس، والكسب والصلاة ومقاصدها، وغيرها. راجع في ترجمته: طبقات الشافعية الكبرى (2/ 20)، والأعلام (6/ 272)، ومعجم المؤلفين (10/ 315) وقد ذكر أنه كان حياً سنة (318 هـ). (¬3) هو أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي المعروف بابن القطان. كان من فقهاء الشافعية تتلمذ على علماء بغداد، وكان ممن أخذ عنهم الفقه ابن سُريج (ت 306 هـ). توفي سنة (359 هـ). من مؤلفاته: ذكروا أن له مصنفات في أصول الفقه وفروعه. ... =

أما كتاب الحكيم الترمذي (ت 320 هـ) فلم يتضح لنا وجه في عدة من المؤلفات في الفروق الفقهية، بل هو في مجال آخر. لقد ذكره صاحب كشف الظنون (¬1) وأحال في معلومته عنه إلى كتاب طبقات الشافعية الكبرى للإمام ابن السبكي (ت 771 هـ) (¬2)، الذي قال عنه في ترجمته له (ومن تصانيف الترمذي (ت 320 هـ)، كتاب الفروق لا بأس به، بل ليس في بابه مثله، يفرق فيه بين المداراة والمداهنة، والمحاجة والمجادلة، والمناظرة والمغالبة، والانتصار والانتقام، وهلم جرّا من أمور متقاربة المعنى) (¬3). ومثل هذا الوصف، يبعد هذا الكتاب عن المجال الذي نتحدث عنه. ¬

_ = راجع في ترجمته: وفيات الأعيان (1/ 53)، والأعلام (1/ 209)، ومعجم المؤلفين (2/ 75). (¬1) (2/ 1258). (¬2) هو أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي الأنصاري الشافعي الملقب بتاج الدين. ولد في القاهرة، وسافر مع والده إلى دمشق فلزم الإمام الذهبي، وتخرّج به، تولى منصب القضاء وخطابة الجامع الأموي ومهنة التدريس في غالب مدارسها، وقد تعرض لشدائد ومحن واتهامات لم تمر على قاضٍ قبله، كان طلق اللسان قوي الحجة. والسبكي نسبة إلى سبك من أعمال المنوفية في مصر. توفي في دمشق بالطاعون سنة (771 هـ). من مؤلفاته: طبقات الشافعية الكبرى والوسطى والصغرى، وجمع الجوامع في أصول الفقه، ورفع الحاجب عن شرح مختصر ابن الحاجب، والإبهاج في شرح المنهاج، وغيرها. راجع في ترجمته: الدرر الكامنة (3/ 232)، وشذرات الذهب (6/ 221)، وكشف الظنون (1//595 و 596)، والأعلام (4/ 184)، ومعجم المؤلفين (6/ 226). (¬3) طبقات الشافعية الكبرى (2/ 20).

وأما كتاب المطارحات فقد نسبوه إلى أحمد البغدادي المعروف بابن القطان المتوفي سنة (359 هـ) ويبدو أن هؤلاء قد وقعوا في الوهم؛ لأن الكتاب المذكور هو لأبي عبد الله الحسين بن محمد القطان (¬1)، الذي ترجم له ابن السبكي (ت 771 هـ) فيمن توفي بين الأربعمائة والخمسمائة (¬2)، فهو غير داخل في الفترة التاريخية التي نتحدث عنها، وعلى الرغم من ذلك فإن كتاب (المطارحات) ليس في الفروق الفقهية، بل هو في فنٍّ آخر يتصل بالألغاز وامتحان المسؤول وإحراجه. قال عنه الأسنوي (ت 772 هـ) (¬3) (إنه تصنيف لطيف، وضع للامتحان، ولهذا لقب بالمطارحات) (¬4). وقد يقال إن المطالبة ببيان ¬

_ (¬1) هو أبو عبد الله الحسين بن محمد القطان من فقهاء الشافعية عرف بكتابه (المطارحات)، وإذا ذكر قيل صاحب المطارحات. جعله ابن السبكي فيمن توفي بين الأربعمائة والخمسمائة. من مؤلفاته: المطارحات. راجع في ترجمته: طبقات الشافعية الكبرى (3/ 163 و 164). (¬2) طبقات الشافعية الكبرى (3/ 163، 164). (¬3) هو أبو محمد عبد الرحيم بن الحسن بن علي الأسنوي الشافعي الملقب بجمال الدين. ولد بأسنا في صعيد مصر، وقدم إلى القاهرة، وتلقى علومه على عدد من علمائها، ولي الحسبة ووكالة بيت المال، ثم اعتزل. برع في التفيسر، والفقه، والأصول، والعربية، والعروض، وكانت وفاته بمصر سنة (772 هـ). من مؤلفاته: التمهيد في تخريج الفروع على الأصول، والكوكب الدري في تخريج الفروع الفقهية على المسائل النحوية، ونهاية السول شرح منهاج الوصول في أصول الفقه، وطبقات الشافعية، والهداية إلى أوهام الكفاية في فروع الفقه الشافعي. راجع في ترجمته: الدرر الكامنة (3/ 147)، وشذرات الذهب (6/ 223)، والأعلام (3/ 344)، معجم المؤلفين (5/ 23)، ومعجم المطبوعات (1/ 445)، وهدية العارفين (1/ 561). (¬4) طبقات الشافعية (2/ 387).

الفروق ربما كانت من مجالات الامتحان والألغاز، ولكن المنهج الذي اتبع في الكتاب، كما يتضح مما عرضه ابن السبكي (ت 771 هـ) في ترجمة المؤلف (¬1)، وما بينه صاحب كشف الظنون (¬2)، ليس كمنهج الكتب المعهودة في الفروق، وأياً ما كان الأمر، فإن الكتاب ليس داخلاً، كما ذكرنا، في الفترة التاريخية التي نتحدث عنها ويبقى بعد ذلك، الحديث عن الكتب الثلاثة التي ذكرناها أولاً، وهي كتاب الفروق لابن سُريج (ت 306 هـ) وكتاب المسكت للزبير بن أحمد (ت 317 هـ)، وكتاب الفروق لمحمد بن صالح الكرابيسي (ت 322 هـ). أما كتاب (الفروق) لأبي العباس ابن سُرَيج (ت 306 هـ)، فقد ذكره صاحب كشف الظنون باسم (الفروق في فروع الشافعية)، وقال إنه مشتمل على أجوبة عن أسئلة متعلقة بمختصر المزني (¬3). وما قاله معلومات غير كافية للحكم على طبيعة الكتاب. وأكثر من ترجم لابن سُرَيج، لم يذكروا الكتاب، وإن كانوا قد ذكروا كثرة مؤلفاته، وأنها ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية الكبرى (3/ 163 و 164). (¬2) (2/ 1713). (¬3) (2/ 1258). والمزني هو: أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني المصري، صاحب الإمام الشافعي، وناصر مذهبه، وأعرف الشافعية بطرقه وفتاويه وما ينقله عنه، عرف بالزهد وحدة الفهم. توفي في مصر ودفن فيها سنة (264 هـ). من مؤلفاته: الجامع الكبير، والجامع الصغير، ومختصر المختصر، والمنثور، والمسائل المعتبرة، وغيرها. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان (1/ 196)، وطبقات الشافعية الكبرى (1/ 238)، وطبقات الشافعية للأسنوي (1/ 34)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 58)، والأعلام (1/ 329)، والفتح المبين (1/ 156).

أربعمائة مصنف ولكنها كانت غير منتشرة، وعزيزة الوجود حتى في زمن ابن السبكي (ت 771 هـ) (¬1). وأما كتاب (المسكت) للزبير بن أحمد الشافعي المتوفي سنة (317 هـ)، فقد ذكره بعض من ترجم له، كابن السبكي (ت 771 هـ)، والأسنوي (ت 772 هـ) وابن قاضي شهبة (ت 851 هـ) (¬2)، وليس في كلامهم ما يدل على أنه في الفروق بخاصة، بل كلامهم ينعته بأنه كالألغاز. قال الأسنوي: هو كالألغاز وكتاب غريب اختصره بعض الفضلاء) (¬3)، ونقل ذلك عنه صاحب كشف الظنون (¬4)، وقال ابن قاضي شهبة (ت 851 هـ): (والمسكت كالألغاز قليل الوجود) (¬5). وما نقله ابن السبكي (ت 771 هـ) عن الكتاب لا يعطى تصوراً واضحاً عنه (¬6). فما نقله عنه مسألة فيها فرق، وكلام آخر طويل ليس فيه شيء من ذلك. ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية الكبرى (3/ 163 و 164). (¬2) هو أبو بكر بن أحمد بن محمد الأسدي الشهبي الدمشقي، الملقب بتقي الدين والمكنى بأبي الصدق، والمعروف بابن قاضي شهبة بسبب أن أحد أجداده كان قاضياً في شهبة من قرى حوران، كان عالماً وفقيهاً ومؤرخاً. توفي سنة (851 هـ). من مؤلفاته: الإعلام بتاريخ الإسلام، ومناقب الإمام الشافعي، وطبقات النحاة واللغويين ومدارس دمشق وحماماتها، وطبقات الشافعية، وشرح المنهاج، وشرح التنبيه، وغيرها. راجع في ترجمته: نظم العقيان (ص 94)، وشذرات الذهب (7/ 269)، والأعلام (2/ 61)، ومعجم المؤلفين (3/ 57). (¬3) طبقات الشافعية (1/ 606 و 607). (¬4) (2/ 1676). (¬5) طبقات الشافعية (1/ 95). (¬6) طبقات الشافعية الكبرى (2/ 221).

وما نقله محقق إيضاح الدلائل عن مطالع الدقائق للأسنوي (ت 772 هـ) (¬1). لا يكفي في الحكم على أنه كتاب في الفروق، فالقول بأنه اشتمل على فروق، وعلى فنون أخرى، وصف مبهم ينطبق على كثير من الكتب التي ليست في الفروق، على أن الأسنوي (ت 772 هـ) نفسه نعته في الطبقات بما يشبه أنه في الألغاز (¬2). وأما كتاب الفروق لأبي الفضل محمد بن صالح الكرابيسي (ت 322 هـ)، فقد ذكر بأن مصنفة رتبه على أبواب الفقه (مورداً في كل باب طائفة من المسائل المتشابهة، موضحاً الفرق بين كل مسألتين متشابهتين منها، بأسلوب سهل وعبارة واضحة) (¬3). وبعد هذه الفترة، أي القرن الرابع، كثرت المؤلفات في الفروق الفقهية، وحظي هذا العلم، أو الفن باهتمام العلم والمؤلفين. وقد وجدنا أن من العلماء من أفرد هذا الموضوع بكتاب خاص، ومنهم من أدخله في ضمن مجموعة من العلوم والفنون. على أنه مهما يكن الأمر، فإن هذه الكتب تشهد لميلاد إفراد التأليف في الفروق الفقهية، في القرن الرابع الهجري. ومما يقوي ذلك أن ¬

_ (¬1) (1/ 35) من مقدمة المحقق. (¬2) طبقات الشافعية (1/ 606 و 607)، وانظر طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 95). (¬3) إيضاح الدلائل (1/ 28) من مقدمة المحقق د. عمر بن محمد السبيل. وذكر المحقق أن هذا الكتاب المخطوط يقوم بتحقيقه أحد الباحثين في كلية الشريعة بجامعة أم القرى لنيل درجة الدكتوراه علماً بأن هذا الكلام ورد في مقدمة تحقيق إيضاح الدلائل المطبوع سنة (1414 هـ).

أبا محمد عبد الله بن يوسف الجويني المتوفي سنة (438 هـ) (¬1)، ذكر في مقدمة كتابه (الفروق) أنه رأى لبعض مشايخه المتقدمين، مجموعاً في هذا الباب، لكنه قال إنه كان مشتملاً على مسائل معدودة قليلة، ولا يكاد يحصل مقصود هذا الباب إلا بالزيادة على ما جمع المتقدمون. وليس لدينا تصور واضح وأكيد، عن ظهور التأليف في هذا المجال، أي الفروق في الفقه، قبل القرن الرابع الهجري. وما يذر من أسماء لبعض الكتب، ربما كان في ميادين أُخَر، فضلاً عن أنه من الصعب أن يحكم عليها من العناوين. ويظهر من استقراء المؤلفات في هذا الموضوع أن القرن الخامس الهجري كان العصر الذهبي لهذا العلم، ففيه ظهرت أبرز المؤلفات في هذا المجال، كما كان العصر الذهبي لهذا العلم، ففيه ظهرت أبرز المؤلفات في هذا المجال، كما كان عدد المؤلفات فيه أكثر من أي عصر آخر. ويليه في ذلك القرنان السابع والثامن. وبعد ذلك أخذ التأليف في الفروق الفقهية بالضمور، وقلت المؤلفات التي تناولت موضوعه، واعتمد العلماء على مؤلفات السابقين. ولم نعلم في القرن العاشر كتاباً يتناول هذا الموضوع، بانفراد، غير كتاب (عدة ¬

_ (¬1) هو أبو محمد عبد الله بن يوسف بن حيويه الطائي الجويني الشافعي، والد إمام الحرمين، قرأ في بلده (جُوين) من أعمال نيسابور على والده وآخرين، ثم خرج إلى نيسابور ومرو، فأخذ عن علمائها، كان إماماً في الفقه والتفسير والأصول والعربية والأدب. وكان مهيباً وقوراً. توفي سنة (438 هـ) في مدينة نيسابور. من مؤلفاته: التفسير الكبير، والتلخيص في أصول الفقه، والتبصرة، والتذكرة، والسلسلة، والجمع والفرق المعروف بالفروق، والوسائل في فروق المسائل، وغيرها. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان (2/ 250)، وطبقات الشافعية الكبرى (3/ 208)، وطبقات الشافعية للأسنوي (1/ 338)، والأعلام (4/ 146)، ومعجم المؤلفين (6/ 165).

البروق) لأبي العباس الونشريسي (ت 914 هـ) (¬1). ثم لم نعلم بعد ذلك، شيئاً غير مؤلفات قليلة، مجهولة المؤلف، وغير واضحة في زمن تأليفها، مما لا يفيدنا في الحكم على فترات التأليف. ولكننا نذكر هنا أن موضوع الفروق الفقهية لم يهمل كليّاً، فقد ذكرت الفروق في ضمن الكتب المؤلفة في القواعد، أو الأشباه والنظائر، كما هو الشأن في كتابي الأشباه والنظائر لجلال الدين السيوطي (ت 911 هـ)، والأشباه والنظائر لابن نجيم (ت 970 هـ) (¬2). وما جاء من المؤلفات في القواعد أو شروحها كان عيالاً عليهما، في الغالب. وفي العصر الحاضر ظهر اتجاه إلى استخراج الفروق الفقهية الواردة، تبعاً في كتب الفقه سواء كان باستخراج الفروق من كتاب معين، أو باستخراج الفروق، عند أحد العلماء، من خلال النظر في مؤلفاته، كما سنذكر ذلك فيما بعد. ¬

_ (¬1) هو أبو العباس أحمد بن يحيى بن محمد الونشريسي التلمساني. من علماء المالكية وفقهائها تتلمذ على علماء تلمسان، ثم فر إلى فاس، بعد أن انتهبت داره، وتعرض للخطر. وظل فيها حتى مات سنة (914 هـ). من مؤلفاته: إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، والمنهج الفائق والمنهل الرائق في أحكام الوثائق، والفروق في مسائل الفقه، والمختصر في أحكام البرزلي، وعدة البروق في جمع ما في المذهب من الفروق. راجع في ترجمته: شجرة النور الزكية (ص 274 و 275)، والأعلام (1/ 269). (¬2) هو زين العابدين بن إبراهيم بن محمد المشهور بابن نجيم المصري، من فقهاء وأصوليي الحنفية في القرن العاشر الهجري. توفي سنة (970 هـ). من مؤلفاته: البحر الرائق في شرح كنز الدقائق، وشرح المنار في الأصول، والفوائد الزينية في مذهب الحنفية، والأشباه والنظائر على مذهب الحنفية. راجع في ترجمته: شذرات الذهب (1/ 358)، والأعلام (3/ 64)، والفتح المبين (3/ 78)، ومعجم المطبوعات (1/ 265).

المبحث الثالث المؤلفات في الفروق الفقهية

المبحث الثالث المؤلفات في الفروق الفقهية المطلب الأول: المؤلفات في الفروق الفقهية استقلالاً. المطلب الثاني: المؤلفات في الفرق والاستثناء. المطلب الثالث: المؤلفات في مسألة واحدة، أو مسائل محدودة. المطلب الرابع: المؤلفات التي تناولت الفروق الفقهية تبعاً. المطلب الخامس: المؤلفات المعاصرة. الخاتمة:

المبحث الثالث المؤلفات في الفروق الفقهية من الملاحظ أن الكتب المؤلفة من الفروق الفقهية، قد اتخذت صوراً عدة، وتنوعت مناهجها في عرض ما تذكره من الفروق، ومن الممكن بعد استقراء ما اطلعنا عليه من الكتب المؤلفة في ذلك، أن نذكر أن المؤلفات في الفروق بين الفروع الفقهية، قد اتخذت الصور الآتية: 1 - أنها جميعاً اتفقت في تناولها الكلام عن الفروع الفقهية المتشابهة في الصورة، والمختلفة في الأحكام. سواء كان ذلك بالاقتصار على ذكر الفرق، أو إضافة ذكر الجامع إليه، ولهذا فإن الكثير من الكتب الداخلة في هذا المجال تحمل عناوينها اسم الفرق والجمع، وهما أمران متصلان غير منفكين في هذا الموضوع. 2 - اتبعت هذه الكتب، في عرضها للفروق- بحسب ما اطلعنا عليه- ترتيب ذلك وفق الأبواب الفقهية، بدءً بكتاب الطهارة، ثم الصلاة، ثم ما يلي ذلك، بحسب مناهج ترتيبها في كتب الفقه. 3 على الرغم من اتفاق هذه الكتب في الموضوع الذي تناوله، لكنها تنوعت صور تناولها لهذا الموضوع، ومن الممكن أن نلحظ في ذلك المناهج الآتية: أ- منهج ذكر الفروع الفقهية المتشابهة في الصورة، والمختلفة في الحكم، مع بيان الفرق بينها، دون التعرض إلى أكثر من ذلك، إلا نادراً، سواء كانت تلك الفروع من باب واحد، أو من بابين أو أكثر من أبواب

الفقه، كما هو الشأن في كتاب (الفروق) لأسعد بن محمد النيسابوري الكرابيسي (ت 570 هـ) (¬1)، وعدة البروق لأبي العباس أحمد الونشريسي المتوفي سنة (914 هـ)، والفروق الفقهية لأبي الفضل مسلم بن علي الدمشقي المتوفي في القرن الخامس الهجري (¬2). وإيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل لعبد الرحيم الزريراني المتوفي سنة (741 هـ) (¬3)، وغيرها. وكان المؤلفون – في ¬

_ (¬1) هو أبو المظفر أسعد بن محمد بن الحسين الكرابيسي النيسابوري الملقب بجمال الإسلام. والكرابيسي نسبة إلى الكرابيس وهي نوع من الثياب. من فقهاء وأدباء الحنفية. توفي سنة (570 هـ)، وقيل غير ذلك. من مؤلفاته: الفروق في المسائل الفقهية، والموجز في الفقه شرح مختصر أبي حفص عمر. راجع في ترجمته: الجواهر المضية (1/ 386)، وتاج التراجم (ص 17)، ومعجم المؤلفين (2/ 247)، والأعلام (1/ 301). (¬2) هو أبو الفضل مسلم بن علي بن عبد الله الدمشقي. من علماء المالكية تتلمذ على القاضي عبد الوهاب، والشيخ أبي بكر الأبهري، ولا توجد عنه معلومات كافية. توفي في القرن الخامس الهجري. من مؤلفاته: الفروق الفقهية. راجع في ترجمته: مقدمة محققي كتاب الفروق الفقهية للدمشقي. (¬3) هو أبو محمد عبد الرحيم بن عبد الله الزريراني البغدادي الحنبلي، الملقب بشرف الدين. من فقهاء الحنابلة في القرن الثامن، ولد ونشأ في بغداد، وارتحل إلى دمشق ومصر طلباً للعلم، وعاد إلى بغداد، فدرّس فيها وناب في القضاء، توفي في بغداد سنة (741 هـ)، عن نحو ثلاثين سنة، والزريراني نسبة إلى زريران، قرية تبعد عن بغداد بسبعة فراسخ. من مؤلفاته: مختصر طبقات الحنابلة للقاضي أبي الحسن وذيل عليها، وإيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل. راجع في ترجمته: الدرر الكامنة (2/ 151)، وشذرات الذهب (6/ 130)، ومعجم المؤلفين (5/ 207).

الغالب- يطلقون على مؤلفاتهم عنوان (الفروق)، وربما أطلق عليها بعضهم عنوان (النظائر). ومن الملاحظ أن أكثر هؤلاء تعرضاً للجامع هو أبو الفضل الدمشقي، مع صغر حجم كتابه (¬1). ب- ذكر الفروق بعد التعرّض إلى قواعد وضوابط الباب الفقهي، ثم ذكر ما يستثنى من الدخول في تلك الضوابط والقواعد، ولا يتعرض إلى بيان وجه الفرق إلا في مسائل محدودة من ذلك. يوردها على هيئة اعتراض وجواب. والكتب المؤلفة وفق هذا المنهج يرد في عنوانها ذكر الفرق والاستثناء، كما في كتاب الاستغناء في الفرق والاستثناء لبدر الدين البكري (ت؟) (¬2)، وأحياناً لا يرد الفرق في عنوانها، ككتاب المناقضات في الحصر والاستثناء لأحمد بن الحسين الفنّاكي المتوفي سنة (448 هـ) (¬3). ويبدو أن تسمية هذا النوع بالحصر والاستثناء ¬

_ (¬1) وقد فعل المؤلف ذلك في أغلب ما ذكره من الفروق، بل لم يترك ذلك إلا في مواضع قليلة، ولكنه كان يعرض ذلك بإيجاز، قد يكون بكلمتين، كقوله وكلاهما كذا، أو وكلا المسألتين هو كذا. (¬2) هو بدر الدين محمد بن أبي بكر بن سليمان بن الزكي البكري المصري الشافعي. تلقى علومه عن طائفة من علماء عصره، ذكر منهم جمال الدين الأسنوي المتوفي سنة (772 هـ). وليست لدينا معلومات عن سنة وفاته. ولكنه عاش في القرنين الثامن والتاسع الهجريين. من مؤلفاته: المذاكرة في عمل أهل الآخرة، والاعتناء في الفرق والاستثناء، غيرها. راجع في ترجمته: مقدمة محقق كتاب (الاستغناء في الفرق والاستثناء) د. سعود الثبيتي، ومعجم المؤلفين (10/ 48)، وإيضاح المكنون (1/ 98). (¬3) هو أحمد بن الحسين الفناكي الرازي، من فقهاء الشافعية، ولد بالريّ وتفقه ... =

أقرب إلى تصوير واقع ما هو موجود في كتاب الاستغناء في الفرق والاستثناء للبكري (ت؟)، لأنها كانت تذكر ما هو حاصرٌ للفروع الفقهية في مجال معين كالضوابط والقواعد الخاصة، عند بدء الكلام، ثم تذكر ما يستثني منها. أما الفروق فكان التعرّض إليها، كما سبق الكلام، غير كثير، والذي نقصده من ذلك هو بيان وجه الفرق أو علله وأسبابه، وإلا فإن الاستثناء نفسه يعني الاختلاف، وافتراق ما استثنى عما استثني منه في الحكم. ج- منهج الاقتصار على بيان الفروق في مسألة معينة، أو عدد محدود من المسائل، في رسائل صغيرة. د- منهج تناول الفروق بين المسائل، لا على وجه الاستقلال في التأليف، بل في ضمن كتب أخرى، معدودة من المؤلفات في القواعد الفقهية. وسنذكر فيما يأتي ما اطلعنا عليه من التأليف، وفقاً لهذه المناهج.، ¬

_ = بالعراق، وخراسان، وممن تفقه عليهم أبو حامد الإسفراييني، وابو عبد الله الحليمي، وسهل الصعلوكي، وغيرهم. توفي في بروجرد سنة (448 هـ). وقد جاوز التسعين. من مؤلفاته: المناقضات. راجع في ترجمته: طبقات الشافعية لابن الصلاح (1/ 339)، وطبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (3/ 7)، وطبقات الشافعية للأسنوي (2/ 269).

المطلب الأول المؤلفات في الفروق الفقهية استقلالا

المطلب الأول المؤلفات في الفروق الفقهية استقلالاً وفي هذه المؤلفات ذكرت الفروع الفقهية المتشابهة في الصورة والمختلفة في الأحكام، ويغلب أن يكون ذلك بين صورتين متشابهتين، مختلفتين في الحكم، كالتفريق بين إلزام المرأة بالتلبية، وعدم إلزامها بالإقامة (¬1). وكالتفريق بين جواز التنفل قاعداً، وعدم جوازه مضطجعاً (¬2)، وكالتفريق بين انعقاد نكاح الصبي، وبيعه، وعدم انعقاد طلاقه وعتقه (¬3)، والتفريق بين صحة بيع صبرة لم ير المشتري باطنها، وعدم صحة بيع ثوب لم يُرَ باطنه (¬4)، والتفريق بين صحة الوضوء للصلاة، قبل دخول وقتها، وعدم صحة ذلك في التيمم (¬5). ومن المؤلفات التي ذكرت في هذا المجال (¬6): ¬

_ (¬1) عدة البروق (ص 112) (الفرق 48). (¬2) المصدر السابق (ص 113) (الفرق 50). (¬3) المصدر السابق (ص 227) (الفرق 284). (¬4) إيضاح الدلائل (1/ 283). (¬5) المصدر السابق (1/ 151). (¬6) نشير هنا إلى أننا أهملنا ذكر بعض المؤلفات التي ذكرت لبعض علماء القرن الثالث، وبعض المؤلفات التي كتبها علماء من القرن الرابع، أو ممن جاء بعدهم، لكونها ليست في الفروق الفقهية، أو لعدم وضوح موضوعها ومحتوياتها، وقد ذكرنا طائفة منها في المبحث السابق، ووضحنا عدم دخولها في المجال الذي نبحث فيه.

1 - الفروق لأبي العباس أحمد بن سريج الشافعي المتوفي سنة (306 هـ). وقد سبق الكلام عنه، عند الكلام عن نشأة الفروق وتطورها. 2 - الفروق لأبي الفضل محمد بن صالح الكرابيسي الحنفي المتوفي سنة (322 هـ) (¬1) وهو كسابقه، مما تقدم ذكره في الحديث عن نشأة الفروق وتطورها. 3 - فروق مسائل مشتبهة في المذهب، لأبي القاسم عبد الرحمن بن محمد الكناني المالكي المعروف بابن الكاتب. المتوفي سنة (408 هـ) (¬2). وقد ذكر محققاً الفروق الفقهية لأبي الفضل مسلم الدمشقي ¬

_ (¬1) هو أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي المالكي. من أهالي سبتة في المغرب، طلب العلم في الأندلس، وأخذ عن جماعة في قربة. تولى القضاء بمسقط رأسه سبتة مدة طويلة. ثم نقل إلى غرناطة، كان إماماً في الحديث وعلومه، وفي النحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم وله شعر حسن. توفي في مراكش سنة (544 هـ). من مؤلفاته: الإكمال في شرح كتاب مسلم؛ أكمل به المعلم في شرح كتاب مسلم للمازري، ومشارق الأنوار، وكتاب التنبيهات، والشفا بتعريف حقوق المصطفى، وغيرها. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان (3/ 152)، وشذرات الذهب (4/ 138)، والأعلام (5/ 99). (¬2) هو أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد الكناني المالكي المعروف بابن الكاتب. من فقهاء المالكية، أخذ عن ابن شبلون، والقابسي وغيرهما، رحل إلى المشرق وأخذ عن طائفة من علمائه، وكانت بينه وبين أبي عمران الفاسي مناظرات. توفي سنة (408 هـ)، ودفن في داره في القيروان. من مؤلفاته: فروق مسائل مشتبهة في المذهب. راجع في ترجمته: شجرة النور الزكية (ص 106).

(ت القرن الخامس) أن القاضي عياض (ت 544 هـ) (¬1) ذكر في المدارك أنه وقف على تلك الفروق في جزء منطوٍ على واحد وأربعين فرقاً (¬2). وليست لدينا معلومات كافية عنه. 4 - الجموع والفروق للقاضي عبد الوهاب بن علي البغدادي المالكي المتوفي سنة (422 هـ) (¬3). ذكره تلميذه أبو الفضل مسلم بن علي الدمشقي، في كتابه الفروق الفقهية. قال: (وقد كان القاضي- رحمه الله- حدثني أنه عمل كتاباً سماه بالجموع والفروق، وأنه تلف له، ولم يَعْمل غيره) (¬4). لكن ذكر محققاً كتاب الدمشقي، أن للقاضي عبد الوهاب (ت 422 هـ) كتاب (الفروق في مسائل ¬

_ (¬1) (ص 37). (¬2) هو عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي المالكي، ولد ببغداد وفيها نشأ، وتلقى قدراً من علومه على الأبهري، وابن القصار، وابن الجلاّب، وغيرهم. كان فقيهاً وأصولياً وأديباً وشاعراً، رحل إلى الشام والتقى فيها بالشاعر أبي العلاء المعري الذي رحب به، واستضافه، ثم رحل إلى مصر وبقي فيها إلى أن مات سنة (422 هـ). وقد تولى القضاء في مناطق متعددة. من مؤلفاته: الإفادة، والتلخيص، والإشراف على مسائل الخلاف، والتلقين في فقه مالك وشرح المدونة، وغيرها. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان (2/ 387)، والديباج المذهب (ص 159)، وشذرات الذهب (3/ 223)، والفتح المبين (1/ 230)، ومعجم المؤلفين (6/ 226). (¬3) الفروق الفقهية (ص 61). (¬4) هو أبو عبد الله محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري الأندلسي الغرناطي، الشهير بالموّاق. كان من علماء المالكية ومفتيهم، قيل أنه كان حافظاً للمذهب ضابطاً لفروعه، مطلعاً عليها من خباياها. توفي سنة (897 هـ) عن سن عالية. ... =

الفقه)، وأن الموّاق نقل عنه في شرحه على المختصر الخليلي (¬1). كما ذكره الطوفي (ت 716 هـ) في كتابه (علم الجذل)، وقال عنه إنه كتاب لطيف لكنه كثير الفائدة (¬2). 5 - النظائر الفقهية لأبي عمران موسى بن عيسى الفاسي القيرواني المتوفي سنة (430 هـ) (¬3). ولسنا نعلم عن منهجه ولا طبيعة محتواه شيئاً. وقد ذكر أنه مخطوط في دار الكتب الوطنية بتونس، ضمن مجموع رقمه (1694)، ولكن لم نطلع عليه. 6 - الفروق الفقهية لأبي الفضل مسلم بن علي الدمشقي المالكي المتوفي في القرن الخامس الهجري، وهو كتاب صغير الحجم، انتهج فيه المؤلف الإيجاز في العرض، مع وضوح العبارة، ودقتها. وكان يورد ¬

_ = من مؤلفاته: التاج والإكليل في شرح مختصر خليل، والمختصر في فروع الفقه المالكي، وسنن المهتدين في مقامات الدين وغيرها. راجع في ترجمته: نيل الابتهاج (ص 324)، وشجرة النور الزكية (ص 262)، ومعجم المؤلفين (12/ 133). (¬1) (ص 38) من مقدمة التحقيق. (¬2) علم الجذل في علم الجدل (ص 73). (¬3) هو أبو عمران موسى بن عيسى الفاسي القيرواني الغفجومي المالكي. أصله من فاس واستوطن القيروان، وحصلت له بها رئاسة العلم، تتلمذ على عدد من علماء عصره، منهم القاضي أبو بكر الباقلاني في بغداد، جمع حفظ المذهب إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة معانيه، والعلم بالقراءات وغيرها توفي سنة (430 هـ). من مؤلفاته: التعاليق على المدونة ولم يكمله، والنظائر الفقهية، والمذهب الرائق في تدبير الناشئ من القضاة وأهل الوثائق، وقلادة التسجيلات وغيره. راجع في ترجمته: الديباج المذهب (ص 344)، وشذرات الذهب (3/ 247)، وهدية العارفين (2/ 480)، ومعجم المؤلفين (13/ 44).

الفرق مبتدئاً بقوله: (فرق بين مسألتين)، ثم يذكر المسألتين، ويتبع ذلك ببيان الفرق. والكتاب مطبوع نشرته دار الغرب بتحقيق محمد أبو الأجفان، وحمزة أبو فارس. وقد ذكرا بأنهما اختارا من بين نسخة المخطوطة ما كانت أكثر فروقاً. وبلغت الفروق فيها (128) فرقاً، ولم يكن للمؤلف منهج معين في ترتيب تلك الفروق. 7 - الفروق لأبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني الشافعي المتوفي سنة (438 هـ). وهو والد إمام الحرمين. وقد صدّره مؤلفه بمقدمة عن علم الفروق، وسبب تأليف الكتاب. وهو مرتب على أبواب. الفقه احتوى على فروع كثيرة، ودقيقة. ويَعُده بعضهم أوفى كتاب في الفروق، إذ جمع ما يزيد على (1200) فرق (¬1). وربما أورد من الفروق ما لا يوجد في كتاب غيره (¬2). قال عنه الطوفي (ت 716 هـ)، بعد أن ذكر أن المؤلف صدر كتابه بيسير من الفروق الأصولية: هو أكبر ما رأيت في كتب الفروق، وأكثرها مسائل، وأجودها مدارك، وألطفها مآخذ) (¬3). وقد حقق قسماً منه الباحث عبد الرحمن المزيني لنيل درجة الماجستير من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سنة (1405/ 1406 هـ). وقد ذُكِر لهذا الكتاب اسم آخر هو (الجمع والفرق) (¬4). ¬

_ (¬1) مقدمة المحقق (ص 37). (¬2) المصدر السابق. (¬3) علم الجذل (ص 73). وتوجد من الكتاب نسخة مخطوطة بدار الكتب تحت رقم (80) فقه شافعي. (¬4) البحر المحيط (5/ 314).

8 - الأجناس والفروق لأبي العباس أحمد بن محمد الناطفي الطبري الحنفي المتوفي سنة (446 هـ) (¬1). 9 - النكت والفروق لمسائل المدونة، لأبي محمد عبد الحق بن محمد بن هارون القرشي الصقلي المالكي المتوفي سنة (466 هـ) (¬2). وقد ألّفه صاحبه في فروق المدونة، ونعت بأنه (كتاب قيّم به فوائد جمّة) (¬3). 10 - الوسائل في فروق المسائل لسلامة بن إسماعيل بن جماعة المقدسي الشافعي المتوفي سنة (480 هـ) (¬4). ذكره الأسنوي (ت 772 هـ) في ¬

_ (¬1) هو أبو العباس أحمد بن محمد بن عمر الناطفي أحد فقهاء الحنفية. والناطفي نسبة إلى عمل الناطف وبيعه، وهو نوع من الحلوى توفي سنة (446 هـ). من مؤلفاته: الأجناس والفروق، والواقعات، والروضة، والهداية. راجع في ترجمته: تاج التراجم (ص 9)، والجواهر المضية (1/ 297)، والأعلام (1/ 213)، ومعجم المؤلفين (2/ 140). (¬2) هو أبو محمد عبد الحق بن هارون السهمي القرشي الصقلي، من فقهاء المالكية. نشأ وتعلم في صقلية، وحج مرتين ولقي إمام الحرمين سنة (450 هـ)، وزار مصر مراراً، وكانت وفاته في الإسكندرية سنة (466 هـ). من مؤلفاته: النكت والفروق لمسائل المدونة، وتهذيب المطالب في شرح المدونة، وتهذيب المطالب استدراك على مختصر البرادعي. راجع في ترجمته: معجم المؤلفين (5/ 94)، والأعلام (3/ 282). (¬3) الفروق للدمشقي- مقدمة المحققين (ص 38). (¬4) هو أبو الخير سلامة بن إسماعيل بن جماعة المقدسي الضرير الشافعي. من فقهاء الشافعية في القرن الخامس. نعته بعضهم بأنه عديم النظير في زمانه، لما خصه الله به من كثرة الحفظ وحضور القلب وصفاء الذهن. توفي سنة (480 هـ). من مؤلفاته: الوسائل في فروق المسائل، شرح المفتاح لابن القاص، وتصنيفٌ في أحكام التقاء الختانين. ... =

الطبقات (¬1). وأثنى عليه الزركشي (ت 794 هـ) وأدخله مع كتاب أبي محمد الجويني في كلامٍ واحد قال بعد أن ذكر النوع الثاني من أنواع الفقه، وهو الجمع والفرق: (ومن أحسن ما صُنِّف فيه كتاب الشيخ أبي محمد الجويني، وأبي الخير ابن جماعة المقدسي) (¬2) ونقل عنه في البحر المحيط في أكثر من موضع (¬3)، وذكره الطوفي (ت 716 هـ) في علم الجذل (¬4). 11 - الفروق لأبي العباس أحمد بن محمد الجرجاني الشافعي المتوفي سنة (482 هـ) (¬5). واشتهر كتابه باسم (المعاياة). وكان المؤلف إذا ذُكِر، قيل: صاحب المعاياة (¬6). وذكره في كشف الظنون باسم (المعاياة في العقل) (¬7). وقال ابن قاضي شهبة (ت 851 هـ) ¬

_ = راجع في ترجمته: طبقات الشافعية للأسنوي (2/ 411)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 252)، ومعجم المؤلفين (4/ 236). (¬1) (2/ 411). (¬2) المنثور (1/ 69). (¬3) انظر على سبيل المثال: (5308) وقد أطلق الكلام، ولم يذكر عنوانه بل قال: ذكره في الفروق. (¬4) علم الجذل (ص 73). (¬5) هو أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد الجرجاني الشافعي. من فقهاء الشافعية وقضاتهم في القرن الخامس. تولى قضاء البصرة والتدريس فيها. وتوفي في طريق عودته من أصبهان إلى البصرة، في سنة (482 هـ). من مؤلفاته: الشافي، والتحرير، والبلغة في فروع الشافعية، والمعاياة، والمنتخب من كنايات الأدباء وإشارات البلغاء. راجع في ترجمته: طبقات الشافعية الكبرى: (3/ 31)، ومعجم المؤلفين (2/ 66)، والأعلام (1/ 214). (¬6) طبقات الشافعية الكبرى (3/ 31). (¬7) (2/ 1730).

عن هذا الكتاب إنه (يشتمل على أنواع من الامتحان كالألغاز، والفروق، والاستثناءات من الضوابط) (¬1). وقد رتبه المؤلف على أبواب الفقه، وعنون لها بعناوين الفقه. ويذكر د. محمد طموم أن مسائله (ليست كلها على نهج واحد، فالبعض ذكر لإظهار الفرق بين كل مسألتين، والبعض لإظهار الحكم ب التفصيل، والبعض الآخر ذكر على طريقة السؤال والجواب، وصيغته كالألغاز) (¬2). 12 - الكفاية في الفروق لأبي عبد الله الحسين بن عبد الله الطبري (¬3) المتوفي في مطلع القرن الخامس الهجري. وقد ذكر هذا الكتاب الأسنوي (ت 772 هـ) في طبقاته (4)، وذكر أن كتابه هذا يقارب المختصر المعروف بالتبريزي، وأنه يعرف بـ (الكفاية في الفروق واللطائف) (¬4). ونسب حاجي خليفة في كشف الظنون هذا ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية (1/ 267). (¬2) مقدمة تحقيق الفروق للكرابيسي (ص 11). وللكتاب مخطوطة بدار الكتب المصرية برقم (915) فقه شافعي وعدد أوراقها (206) ويقوم بتحقيقه إبراهيم بن ناصر البشر لنيل درجة الدكتوراه في جامعة أم القرى. (انظر إيضاح الدلائل – مقدمة المحقق ص 36). (¬3) هو أبو عبد الله الحسين بن عبد الله الطبري ذكره الشيرازي في طبقات الفقهاء، وقال أن له مختصراً في الفقه مليحاً، ورأي الأسنوي أن هذا الكتاب هو الكفاية في الفروق واللطائف. توفي بعد الأربعمائة بقليل. من مؤلفاته: الكفاية في الفروق واللطائف. راجع في ترجمته: طبقات الفقهاء للشيرازي (ص 126)، وطبقات الشافعية للأسنوي (2/ 164)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 184). (¬4) طبقات الشافعية (2/ 164).

الكتاب لأبي عبد الله الحسين بن محمد الحناطي الطبري (¬1)، وتابعه على ذلك البغدادي في هدية العارفين (¬2). لكن ما اطلعنا على من ذكر للحناطي كتاباً في الفروق، من أصحاب الطبقات، وقد أدى هذا إلى وقوع وهم في نسبة هذا الكتاب، عند بعض الباحثين. 13 - الفروق لأبي المظفر أسعد بن محمد بن الحسين النيسابوري الحنفي المتوفي سنة (570 هـ). جعله مؤلفه في (779) بحثاً، اشتمل كل بحث منها على مسألتين، أو المسائل المختلفة في الحكم والمتشابهة في الصورة، وقد رتّب المباحث وفق ترتيب الأبواب الفقهية، وألحق في آخره مسائل متفرقة، تنتمي إلى أكثر من باب. وبين المؤلف في مقدمة كتابه أن ما فيه من مسائل التقطها من الكتب، ليس فيها قياس واستحسان، وأنه سمع الفروق بينها من أبي العلاء صاعد بن محمد البخاري النيسابوري المتوفي سنة ¬

_ (¬1) (2/ 1499). والحناطي هو أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسن الطبري الشافعي. من علماء وفقهاء الشافعية في القرن الخامس الهجري. أصله من طبرستان، قدم بغداد وحدّث بها. توفي بعد الأربعمائة. والحناطي نسبة إلى بيع الحنطة، فلعل بعض أجداده كان يبيعها. من مؤلفاته: الفتاوى، وقال ابن السبكي: إن له مصنفات نفيسة كثيرة الفوائد والمسائل الغريبة المهمة. كما نسب إليه بعضهم كتاب الكفاية في الفروق. راجع في ترجمته: الأسماء واللغات (2/ 254)، وطبقات الشافعية الكبرى (2/ 254)، ومعجم المؤلفين (4/ 48). (¬2) (1/ 311).

(502 هـ) (¬1)، فاستحسنها، وأراد إفرادها ليسهل حفظها، واستعان بالله على إتمامها (¬2). 14 - الفروق لأبي المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني الطبري الشافعي المتوفي سنة (502 هـ) (¬3). ويبدو أن هذا الكتاب على نمط المعاياة، وقد نقل عنه ابن السبكي (ت 771 هـ) في مواضع متعددة من الأشباه والنظائر، وكان في غالب نقله عنه يذكره مع الجرجاني (ت 482 هـ)، ويقول: قال الجرجاني في المعاياة، والروياني في الفروق (¬4)، وطريقته أنه يورد الضوابط الفقهية، ثم يذكر ما استثني منها (4). ¬

_ (¬1) هو أبو العلاء صاعد بن محمد بن عبد الرحمن البخاري الأصبهاني النيسابوري القاضي الحنفي. كان مقدماً على أقرانه فضلاً وعلماً، وصار مفتياً في أصبهان. توفي قتيلاً في الجامع العتيق يوم عيد الفطر، على يد أحد الباطنية، سنة (502 هـ). راجع في ترجمته: الجواهر المضيّة (2/ 267)، وشذرات الذهب (4/ 4). (¬2) الفروق (1/ 33). (¬3) هو أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد الروياني الشافعي، الملقب بفخر الإسلام. أحد كبار أئمة المذهب الشافعي. أصله من رُويان بنواحي طبرستان. تفقه في بلده على أبيه وجده، تنقل بين بخاري، وغزنة ونيسابور، والري، وآمل طبرستان، وبغداد. وكان آخر مطافه مسقط رأسه في آمل، قتل سنة (502 هـ). كان حافظاً للمذهب، نقل عنه أنه قال: لو احترقت كتب الشافعي لأمليتها من حفظي. من مؤلفاته: البحر، والكافي، وحلية المؤمن، والفروق، وكتاب القولين والوجهين، وغيرها. راجع في ترجمته: طبقات الشافعية الكبرى (4/ 264) وشذرات الذهب (4/ 4) والأعلام (4/ 175)، ومعجم المؤلفين (6/ 206). (¬4) الأشباه والنظائر (1/ 201)، و (1/ 363)، و (1/ 430).

15 - الفروق في المسائل الفقهية لإبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الحنبلي المتوفي سنة (614 هـ) (¬1). وقد ذكره ابن رجب في ذيل الطبقات (¬2)، كما ذكره صاحب شذرات الذهب (¬3). 16 - الفروق لأبي عبد الله محمد بن عبد الله السامري الحنبلي المتوفي سنة (616 هـ) (¬4)، وهو المعروف بابن سُنَيْنَة. وقد عُني ببيان الفروق المشتبهة صورها المختلفة أحكامها. رتبه على أبواب الفقه وجعله كتباً، وجعل الكتب في فصول يذكر فيها الفروع الفقهية، ويفرق بينها. وقد أفاد كثيراً من كتاب الفروق للكرابيسي (ت 570 هـ)، وتأثر بمنهجه وسلك طريقته في عرض المادة العلمية ¬

_ (¬1) هو أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الواحد بن عليبن سرور المقدسي العمادي الحنبلي الملقب بعماد الدين، من فقهاء وعلماء الحنابلة. تنقّل بين جماعيل ودمشق وبغداد والموصل، وأخذ عن علماء كل منها. عرف بالتواضع والورع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. توفي سنة (614 هـ). من مؤلفاته: الفروق في المسائل الفقهية، كتاب في الأحكام لم يتمه. راجع في ترجمته: الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 93). وشذرات الذهب (5/ 57)، ومعجم المؤلفين (1/ 56). (¬2) (2/ 94). (¬3) (5/ 58). (¬4) هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله السامُرّي الملقب بنصير الدين، والمعروف بابن سُنَيْنَة. من علماء الحنابلة برع في الفقه والفرائض. قال ابن رجب: ما أظنه روي شيئاً بالحديث، تنقل بين وظائف متنوعة منها القضاء والحسبة في بغداد وسامراء. توفي في بغداد سنة (616 هـ). من مؤلفاته: المستوعب في الفقه، وكتاب الفروق، والبستان في الفرائض. راجع في ترجمته: الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 120)، وشذرات الذهب (5/ 70)، والأعلام (6/ 231).

للكتاب) (¬1). ويذكر محقق إيضاح الدلائل للزريراني د. عمر بن محمد السبيل من ذلك أنه (نقل عنه فصولاً كثيرة، حتى أنه لا يكاد يخلو باب من أبواب الكتاب، دون أن ينقل عنه فصلاً أو أكثر، مشيراً إلى ذلك في مواضع يسيرة) (¬2). وقد حقّق قسماً منه، وهو الباب المتعلق بالعبادات محمد بن إبراهيم اليحيى للحصول على درجة الماجستير من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلام. 17 - تلقيح العقول في فروق المنقول، لأحمد بن عبيد الله المحبوبي الحنفي المتوفي سنة (630 هـ) (¬3) رتبه مؤلفه على أبواب الفقه، والغرض منه التفريق بين الفروع الفقهية. وقد أخطأ البغدادي (ت 1329 هـ) في هدية العارفين في نسبة هذا الكتاب لأسعد بن محمد الكرابيسي (¬4)، ولعل الذي أوقعه في ذلك ما ذكره ابن نجيم (ت 970 هـ) في الفن السادس من الأشباه والنظائر (¬5). وقد حقق الكتاب عبد الهادي شير الأفغاني للحصول على درجة الماجستير في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر سنة (1405 هـ) (¬6). ¬

_ (¬1) إيضاح الدلائل (1/ 112) (مقدمة المحقق). (¬2) المصدر السابق. (¬3) هو أحمد بن عبيد الله بن إبراهيم المحبوبي النيسابوري- الملقب بصدر الشريعة الأول. من فقهاء الحنفية. توفي سنة (630 هـ). من مؤلفاته: تلقيح العقول في فروق المنقول. راجع في ترجمته: الجواهر المضيّة (1/ 196)، ومعجم المؤلفين (1/ 308)، وكشف الظنون (1/ 481 و 2/ 1258). (¬4) (1/ 204). (¬5) ص (418). (¬6) مقدمة تحقيق إيضاح الدلائل ص (29) هامش (2). ... =

18 - الفصول والفروق لأبي العباس نجم الدين أحمد بن محمد بن خلف ابن راجح المقدسي الحنبلي ثم الشافعي المتوفي سنة (638 هـ). وقد ذكره الأسنوي في طبقات الشافعية (¬1)، وابن قاضي شهبة في طبقات الشافعية (¬2)، وعمر كحالة في معجم المؤلفين (¬3). وذكره الزركشي في البحر المحيط باسم (الفرق والجمع)، ونقل عنه ما يفهم منه أنه تكلم عن الفرق في الأصول، أيضاً كقوله: (إذا تمت المناسبة بشروطها فهو الفرق الصحيح، وأما الفروق الفاسدة فكثيرة ...) ثم ذكر بعضها (¬4). 19 - الفروق لأبي العباس كمال الدين أحمد بن كشاسِب الشافعي المتوفي سنة (643 هـ) (¬5). ذكره ابن السبكي (ت 771 هـ) في الطبقات الكبرى (¬6) والأسنوي ¬

_ = وتوجد من الكتاب نسخة مخطوطة في دار الكتب المصرية رقم (982) فقه حنفي، وفي مكتبة حاجي محمد أفندي التابعة للمكتبة السليمانية في أسطمبول برقم (984)، وفي مكتبة عارف حكمت بالمدينة برقم (1178). (¬1) (1/ 449). (¬2) (1/ 403). (¬3) (2/ 99). (¬4) البحر المحيط (5/ 316). (¬5) هو أبو العباس أحمد بن كشاسب الدُّزْماري الملقب بكمال الدين. والدزماري نسبة إلى قلعة دزمار الحصينة في نواحي أذربيجان قرب تبريز. من فقهاء الشافعية، كان صالحاً متصوفاً كثير الحج والخير. توفي سنة (643 هـ). من مؤلفاته: الفروق، وشرح التنبيه للشيرازي، وسماه رفع التمويه عن مشكل التنبيه. راجع في ترجمته: طبقات الشافعية الكبرى (5/ 13)، وطبقات الشافعية للأسنوي (1/ 315). (¬6) (5/ 13).

(ت 772 هـ) في طبقات الشافعية (¬1). وابن قاضي شهبة (ت 851 هـ) في طبقات الشافعية (¬2). ولم يذكروا اسم الكتاب في ترجمته، بل ذكروا أن له كتاباً في الفروق. وليست لدينا معلومات كافية عنه. 20 - الفروق لأبي عبد الله محمد بن عبد القوي بن بدران المقدسي الحنبلي المتوفي سنة (699 هـ) (¬3). ذكره ابن رجب في الذيل على طبقات الحنابلة (¬4). كما ذكره ابن العماد في شذرات الذهب (¬5). ولم نطلع على معلومات تبين منهجه وطريقته، في عرض مادته، ولا محتوى الكتاب أيضاً. 21 - الجمع والفرق. لسراج الدين يونس بن عبد المجيد بن علي الهذلي الأرمنتي الشافعي المتوفي سنة (725 هـ) (¬6). ¬

_ (¬1) (1/ 316). (¬2) (1/ 431). (¬3) هو أبو عبد الله محمد بن عبد القوي بن بدران المقدسي المرداوي الملقب بشمس الدين. ولد بمردا من قرى نابلس، وتتلمذ على عدد من علماء عصره. أفتى ودرّس في الصالحية. وتتلمذ عليه عدد من العلماء في العربية والفقه. وممن تتلمذ عليه في العربية شيخ الإسلام ابن تيمية. توفي في دمشق سنة (699 هـ)، ودفن في سفح جبل قاسيون. من مؤلفاته: عقد الفرائد وكنز الفوائد، وهو قصيدة دالية طويلة في الفقه، وكتاب مجمع البحرين لم يتمه، وكتاب الفروق، ومنظومة في الآداب. راجع في ترجمته: الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 342)، وشذرات الذهب (5/ 452)، ومعجم المطبوعات العربية ص (1729)، والأعلام (6/ 214). (¬4) (2/ 343). (¬5) (5/ 453). (¬6) هو يونس بن عبد المجيد بن علي بن داود الهذلي الأرمنتي الملقب بسراج ... =

ذكره ابن السبكي في الطبقات الكبرى (¬1)، والأسنوي في طبقات الشافعية (¬2). وابن العماد في شذرات الذهب (¬3). لكنهم لم يقدموا لنا وصفاً له يوضح منهجه في تناوله لموضوعه. 22 - إيضاح الدلائل في الفرق بين المسائل، لأبي محمد شرف الدين عبد الرحيم بن عبد الله الزريراني البغدادي الحنبلي، المتوفي سنة (741 هـ). وسماه بعضهم تنقيح الفروق، ويعود ذلك إلى ما ذكره المؤلف في مقدمة كتابه من أنه ألفه استجابة لمن طلب منه تنقيح كتاب (الفروق) للسامري (ت 616 هـ). وقد زاد على هذا التنقيح طائفة من النكت والفوائد، وعزا أحاديثه إلى مشهور الصحاح والمسانيد (¬4). وقد رتب الكتاب على أبواب الفقه، وبحث الفروق بين كل مسألتين ¬

_ = الدين. ولد بأرمنت في صعيد مصر، وتفقه بقوص ثم القاهرة. كان عالماً بالفقه والأصول مع كونه أديباً شاعراً. حدّث وأفتى وولي القضاء في عدد من مدن مصر. توفي في قوص سنة (725 هـ). من مؤلفاته: الجمع والفرق، والمسائل المهمة في اختلاف الأئمة. راجع في ترجمته: طبقات الشافعية الكبرى (6/ 267)، وطبقات الشافعية للأسنوي (1/ 164)، وشذرات الذهب (6/ 70)، ومعجم المؤلفين (13/ 349). (¬1) (6/ 267). (¬2) (1/ 165). (¬3) (6/ 70). (¬4) إيضاح الدلائل (1/ 142).

متشابهتين في الصورة، مختلفتين في الحكم تحت عنوان (فصل). وكانت الفروق في بعض المسائل مبنية على قواعد أصولية، وفي بعضها على قواعد فقهية، وفي بعضها على نص ظاهر في التفريق. وقد أبدى المؤلف تعقيبات على السامري صاحب الأصل المنقح (¬1). بلغت فصوله الممثلة للفروق (825) فصلاً. حققه د. عمر بن محمد السبيل للحصول على درجة الماجستير من جامعة أم القرى، ونشره مركز إحياء التراث الإسلامي بمكة المكرمة في جزئين سنة (1414 هـ). 23 - الفروق لتاج الدين أحمد بن عثمان بن إبراهيم التركماني المارديني الحنفي المتوفي سنة (744 هـ) (¬2). ذكره في كشف الظنون، خلال تعرضه للتعريف بكتاب الفروق لأسعد الكرابيسي (ت 570 هـ) (¬3). ¬

_ (¬1) المصدر السابق- مقدمة المحقق (1/ 118 - 121). (¬2) هو أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن مصطفى المارديني الأصل، الحنفي، الملقب بتاج الدين، والمعروف بابن التركماني. عالم حنفي متنوع المعارف فقهاً، وأصولاً، ومنطقاً وعربيةً، وعروضاً، وهيئة، وغيرها. أفتى ودرّس، وحدّث، وناب في الاحكم. توفي في القاهرة سنة (744 هـ). من مؤلفاته: شرح الهداية في الفقه الحنفي، وشرح التبصرة للخرقي في الهيئة، وشرح المقصد الجليل في علم الخليل لابن الحاجب في العروض، وشرح الشمسية في المنطق، وأحكام الرمي والسبق، وغالب هذه الكتب لم يكمل. راجع في ترجمته: الجواهر المضيّة (1/ 197)، والدرر الكامنة (1/ 232)، وشذرات الذهب (6/ 140)، ومعجم المؤلفين (1/ 309). (¬3) (2/ 1257).

وليست لدينا معلومات عنه، ولم يُذْكر فيما اطلعنا عليه من الكتب التي ترجمت للمؤلف. 24 - الفروق لأبي أمامة شمس الدين محمد بن علي بن عبد الواحد المغربي المصري الشافعي المعروف بابن النقاش المتوفي سنة (763 هـ) (¬1). ذكره ابن حجر (ت 852 هـ) (¬2)، وابن قاضي شهبة (ت 851 هـ)، ¬

_ (¬1) هو أبو أمامة محمد بن علي بن عبد الواحد بن يحيى الدُّكّالي ثم المصري الشافعي المعروف بابن النقاش. فقيه وأصولي ومفسر، ونحوي وأديب. وعظ ودرّس في دمشق، وحماة، والجامع الأزهر في القاهرة. وكانت له علاقة جيدة مع كثير من أمراء زمانه. توفي سنة (763 هـ). من مؤلفاته: النظائر والفروق، وشرح العمدة، وتكميل المقاصد لابن مالك في النحو، وتخريج أحاديث الرافعي، وتفسير مطول للقرآن سماه السابق واللاحق، والمذمّة في استعمال أهل الذمة. راجع في ترجمته: الدرر الكامنة (5/ 325)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (2/ 282)، وشذرات الذهب (6/ 198)، ومعجم المؤلفين (11/ 25)، والأعلام (6/ 286). (¬2) الدرر الكامنة (5/ 325). وابن حجر هو أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني الشافعي الملقب بشهاب الدين والمعروف بابن حجر. أصله من عسقلان في فلسطين، ومولده ونشأته ووفاته في القاهرة. ففيه ومحدث ومؤرخ وأديب، وملم بعلوم أخرى. تنقل في البلدان طلباً للعلم، والالتقاء بالشيوخ. حدّث وأفتى ودرّس وتولى القضاء. توفي سنة (852 هـ). من مؤلفاته: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، والدُّرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة، ولسان الميزان، والإصابة في تمييز الصحابة، وغيرها. راجع في ترجمته: شذرات الذهب (7/ 270)، والأعلام (1/ 178)، ومعجم المؤلفين (2/ 20).

لكنه ذكر أن اسم الكتاب (النظائر والفروق) (¬1). وفي شذرات الذهب مثل ذلك (¬2). 25 - مطالع الدقائق في تحرير الجوامع والفوارق، لجمال الدين عبد الرحيم ابن الحسن الأسنوي الشافعي المتوفي سنة (772 هـ). وقد رتبه على أبواب الفقه، وكان من منهجه أن يذكر فرعين متشابهين، ويذكر الجامع بينهما، إن لم يكن واضحاً، ثم يذكر وجه الفرق، فهو كما جاء في عنوان لبيان الجوامع والفوارق. وقد ضمّن كتابه (394) فرق (¬3). وقد حقق هذا الكتاب د. نصر فريد محمد واصل للحصول على درجة الدكتوراه من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر سنة (1392 هـ). 26 - الجمع والفرق. لعلي بن يحيى بن راشد الوشلي الزيدي اليمني المتوفي سنة (777 هـ) (¬4). ذكره محقق إيضاح الدلائل، ونقل عن مقدمة محقق كتاب مطالع ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية (2/ 283). (¬2) (6/ 198)، وكذلك حاجي خليفة في كشف الظنون (2/ 1258). (¬3) إيضاح الدلائل- مقدمة المحقق (1/ 38). وقد نقل ذلك عن محقق مطالع الدقائق ص (185). وقد ذكر للأسنوي عدا ما هو مذكور في المتن، عنوانان، هما: أ- البدور الطوالع في الفروق والجوامع (الدرر الكامنة 3/ 148). ب- نزهة النواظر في رياض النظائر (هدية العارفين (1/ 561). (¬4) هو علي بن يحيى بن راشد الوشلي الزيدي اليمني. من علماء وفقهاء الزيدية توفي في صعدة سنة (777 هـ). من مؤلفاته: الزهرة على اللمع، والجمع والفرق. راجع في ترجمته: معجم المؤلفين (7/ 260).

الدقائق للأسنوي ص 179، أن بعض العلماء قال عنه (وأتى بالجمع والفرق بما لم يأت به أحد) (¬1). 27 - الفروق للشيخ بايزيد بن إسرائيل بن حاجي داود مرغايتي المتوفي في أوائل القرن التاسع الهجري (¬2). وهو كتاب موجز يقع في (32) ورقة، سقط من النسخة التي اطلعنا عليها عشرة أوراق من أولها. رتب مسائله على الأبواب الفقهية، وكان ما يعرضه في الفروق في كل باب ليس كثيراً، كان يبين الفرق بين مسألتين متشابهتين في الصورة، مختلفتين حكماً، تارة بذكر ذلك مباشرة، وتارة بذكره في معرض سؤال كأنما هو لغز وامتحان، كقوله: شخص قتل ولده وجب عليه القصاص بقتله كيف يُتَصَوّر هذا؟ جوابه: هذا قتل ابنه من الرضاع يجب عليه القصاص (¬3). وكقوله في كتاب النفقات، تلزمه نفقة زوجته ولا تلزم نفقة أولاده، كيف يُتَصوّر هذا؟ جوابه: عبدٌ أو مكاتب تزوج بزوجة وأتت منه بأولاد، فإنه تلزمه نفقة الزوجة، دون الأولاد (¬4). 28 - الفروق لأبي عبد الله محمد بن يوسف العبدري الموّاق الغرناطي المالكي المتوفي سنة (897 هـ). وقد ذكره محققاً الفروق الفقهية للدمشقي، دون أية معلومات ¬

_ (¬1) إيضاح الدلائل- مقدمة المحقق (1/ 38). (¬2) لم أطلع على ترجمة له. وتقدير تاريخ الوفاة مبني على تاريخ الانتهاء من تأليف الكتاب، وهو سنة (802 هـ). (¬3) ورقة (10) ب. (¬4) ورقة (11) ب.

عنه (¬1). 29 - عدة البروق في جمع ما في المذهب من الفروق، لأبي العباس أحمد ابن يحيى الونشريسي المالكي المتوفي سنة (914 هـ). ذكر مؤلفه في مقدمته أنه ألّفه ليستعان به على حل كثير من المناقضات الواقعة في المدونة وغيرها من أمهات الروايات (¬2) وقد رتبه وفق ترتيب الأبواب الفقهية، بدءاً بكتاب الطهارة وانتهاء بكتاب الجراحات والديات. وذكر فيه (1155) مسألة بيّن فيها وجه الفرق بين حكمين مختلفين في فرعين متشابهين، وكانت طريقته في العرض أنه يبدأ بقوله: (إنما)، قال مالك، أو (إنما) لم يجز، أو أي لفظ آخر بعد (إنما)، ويقابله بالفرع المختلف معه في الحكم ثم يُظهر وجه الفرق بينهما. ولمحقق الكتاب طائفة من الملحوظات، أوردها في مقدمة تحقيقه، استدرك بها على المؤلف، ونبّه على بعض وجوه الخلل، كما نبّه إلى بعض محاسنه. قام بتحقيقه حمزة أبو فارس، ونشرته مطبوعاً دار الغرب الإسلامي سنة (1410 هـ/ 1990 م). ¬

_ (¬1) ص (40) وقد ذكر المحققان كتاباً لأبي عبد الله محمد بن يوسف باسم (فروق بين مسائل فقهية متشابهة الأحوال متخالفة الاعتبار) وفي كلامهما ما يشير إلى أنه شخص آخر غير المواق- وذكرا أنهما عثرا على نسخة منه في مكتبة آل ابن عاشور التونسي تشتمل على (56) لوحة، وأنه كان على صفحة العنوان، بعد اسم الكتاب (لمن سمي نفسه محمد بن يوسف، كان بعد أواسط القرن الخامس) وفي ترتيب أبواب النسخة تخليط لا يدري أهو من الأصل أم من الناسخ (انظر الهامش 60 من ص (40) من كتاب الفروق للدمشقي). (¬2) ص (79).

30 - وقد ذكرت كتب غير ذلك في الفروق، ولكنها لم تتضح فترتها الزمنية، لعدم معرفتنا بتاريخ وفاة مؤلفيها، أو لعدم معرفة المؤلف نفسه، ومن هذه الكتب: أ- الفروق لأحمد بن محمد الأردستاني (¬1). ذكره محقق إيضاح الدلائل، ووصفه بأنه مؤلف صغير سلك مؤلفه فيه منهج أسعد الكرابيسي في فروقه (¬2). ب- تحرير الفروق لنجم الدين علي بن أبي بكر النيسابوري (¬3). ذكره البغدادي في الجزء الأول من إيضاح المكنون باسم (تحرير الفروق)، وقال: إن أوله: الحمد لله الذي هدانا بالإسلام (¬4)، ثم ذكره في الجزء الثاني من كتابه المذكور باسم (الفروق في الفرع)، وأن أوله: الحمد لله الذي هدانا بالإسلام (¬5). وليست لدينا معلومات أخرى عن الكتاب، ولا عن تاريخ وفاة المؤلف أو عن حياته. ج- الفروق على مذهب أبي حنيفة. وهو لمؤلف مجهول. ذكر محقق إيضاح الدلائل في مقدمته لهذا ¬

_ (¬1) لم نطلع على ترجمة للمؤلف، ولا على تاريخ وفاته أو عصره أو مذهبه الفقهي. (¬2) إيضاح الدلائل (1/ 30) من مقدمة المحقق، الذي ذكر أن هذا الكتاب منه نسخة مخطوطة في خزائن الأوقاف ببغداد ضمن مجموع برقم (3677)، وفي مكتبة برلين العامة ضمن مجموع برقم (2102). (¬3) لم نطلع على ترجمة للمؤلف، ولا نعرف تاريخ وفاته، أو عصره أو مذهبه. (¬4) إيضاح المكنون (1/ 232). (¬5) السابق (2/ 188).

الكتاب الذي حقّقه أنه صغير الحجم اتبع فيه مؤلفه منهج أسعد الكرابيسي في فروقه (¬1). د- الفروق في الأحكام على مذهب المالكية. وهو لمؤلف مجهول أيضاً. ذكره محقق إيضاح الدلائل، وقال إنه مرتب على أبواب الفقه (¬2). هـ- وذكر بعض الباحثين كتباً في الفروق الفقهية، لكنهم ذكروها توهماً، إذ هي ليست في الفروق الفقهية، ونكتفي من ذلك بذكر كتاب واحد ذكره محقق إيضاح الدلائل في مقدمته. وهو كتاب (قرة العين والسمع في بيان الفرق والجمع) (¬3) لبدر الدين محمد بن عمر العادلي المتوفي سنة (970 هـ) (¬4). لكن هذا الكتاب هو في بيان الفرق والجمع في مذهب الصوفية، لا الفرق والجمع في الأحكام الفقهية. ¬

_ (¬1) إيضاح الدلائل- مقدمة المحقق (1/ 30) وقد ذكر في الهامش (2) من الصفحة نفسها أن له نسخة مصورة على الميكروفلم بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ضمن مجموع برقم (2102) من فهرس الميكروفلم. (¬2) المصدر السابق (1/ 34). وقد ذكر المحقق أنه مخطوط يوجد في مكتبة شستربتي برقم (4507/ف)، وأن منه نسخة مصورة على الميكروفلم بالمكتبة المركزية لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ضمن مجموع برقم (4507/ 2/ف). (¬3) إيضاح الدلائل مقدمة المحقق (1/ 39). (¬4) هو بدر الدين محمد بن عمر بن أحمد العادلي من الصوفية. توفي حوالي سنة (970 هـ). من مؤلفاته: العادلية في بيان الفرق والجمع في مذهب الصوفية. راجع في ترجمته: معجم المؤلفين (11/ 76).

و- الفروق لمحمد بن يوسف الأندلسي الأنصاري المالكي ذكره الطوفي (ت 716 هـ) وقال عنه أنه (كتاب جامع كبير الفوائد والمسائل) (¬1). * * * ¬

_ (¬1) علم الجذل ص (73). ولم نجد ترجمة للمؤلف. لكنه كان قبل القرن الثامن الذي هو القرن الذي توفي في أوائله الطوفي. وذكر محققاً كتاب الفروق للدمشقي هذا الكتاب باسم (فروق) مسائل فقهية متشابهة الأحوال متخالفة في الاعتبار (ص 40).

المطلب الثاني المؤلفات في الفروق والاستثناء

المطلب الثاني المؤلفات في الفروق والاستثناء والمؤلفات في هذا النوع داخلة في موضوع الفروق الفقهية، وتُعدُّ واحدة من صورها، التي ذكرناها في بداية هذا المبحث. والأساس في هذه الكتب هو ذكر القاعدة، أو الضاب، أو الحكم الفقهي العام، ثم ذكر الجزئيات المستثناة من ذلك. وهذا الاتجاه موجود في كتب القواعد الفقهية بوجه عام، بل في بعض كتب الفقه أيضاً، ولكن الذي نقصده منها هو الكتب المؤلفة أصالة في هذا الموضوع، وهي كتب قليلة جداً، إذا قيست بغيرها من الأنواع. وما عرفناه من ذلك كتابان، هما: 1 - المناقضات في الحصر والاستثناء لأحمد بن الحسين الفنّاكي المتوفي سنة (448 هـ). 2 - الاستغناء في الفرق والاستثناء لبدر الدين محمد بن أبي بكر بن سليمان البكري الشافعي المتوفي في أوائل القرن التاسع الهجري. وما عدا ذلك، فإدخاله في هذا المجال فيه نوع تساهل، وسأكتفي بذكر كتابين قيل إنهما من هذا الباب، وهما: (كتاب القواعد في فروع الشافعية) للشيخ شرف الدين عيسى بن عثمان الغزي (ت 799 هـ) (¬1)، ¬

_ (¬1) هو عيسى بن عثمان الغزّي الملقب بشرف الدين من علماء الشافعية في القرن الثامن. تصدر للإفتاء، واشتغل بالتأليف. كان فقير الحال ثم استغنى من جهة زوجة تزوجها، فماتت، فورث منها مالاً. واتفق له ذلك في أكثر من واحدة. توفي سنة ... =

وآخرهما كتاب (التلخيص) لأبي العباس أحمد المعروف بابن القاصّ المتوفي سنة (335 هـ) (¬1). وفيما يأتي تعريف بهذه الكتب: 1 - كتاب (المناقضات) لأحمد بن الحسين الفنّاكي الرازي المتوفي سنة (448 هـ). وذكره بعضهم باسم (المناقضات في الحصر والاستثناء). وهي تسمية تعبر عن هذا النوع من التأليف بما هو أقرب إلى تصويره من تعبير الفرق والاستثناء. قال ابن الصلاح (ت 643 هـ) (¬2): (رأيت له كتاب ¬

_ = (799 هـ). من مؤلفاته: شرح المنهاج، ومختصر روضة الطالبين، ومختصر المهمات، وآداب القضاء، والقواعد في فروع الشافعية، وغيرها. راجع في ترجمته: الدرر الكامنة (4/ 241)، والأعلام (5/ 105)، وكشف الظنون (1/ 618) و (2/ 1359). (¬1) هو أبو العباس أحمد ابن أبي أحمد الطبري ثم البغدادي، والمعروف بابن القاصّ بسبب أن والده كان يقص الأخبار والآثار، أو هو نفسه كان يقوم بذلك. كان من أئمة فقهاء الشافعية في زمانه. توفي في طرسوس سنة (335 هـ) وقيل سنة (336 هـ). من مؤلفاته: المفتاح في الفقه الشافعي، وأدب القاضي، والتلخيص في فروع الفقه الشافعي. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان (1/ 51)، وطبقات الشافعية الكبرى (2/ 103)، ومعجم المؤلفين (1/ 149). (¬2) هو أبو عمرو تقي الدين عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الكردي الشهرزوري الموصلي الشافعي المعروف بابن الصلاح، تلقى العلم عن والده، ثم عن طائفة من علماء الموصل، ثم عن علماء متعددين في الأمصار التي تنقّل إليها. جمع بين التفسير والحديث والفقه والأصول والنحو ومعرفة الرجال، مع مشاركة في علوم عديدة. توفي في دمشق سنة (643 هـ)

"المناقضات"، ومضمونه الحصر والاستثناء، شبه موضوع تلخيص ابن القاص (ت 335) (¬1). ومن أمثلته ما ذكره ابن السبكي (ت 771 هـ) في طبقاته. قال: وفيه يقول الفناكي (ت 448 هـ): من اشترى شيئاً شراءً صحيحاً لزمه الثمن إلا في مسألة واحدة، وهي المضطر يشتري الطعام بثمن معلوم، فإنه لا يلزمه الثمن، وإنما تلزمه القيمة. ذكره أبو علي الطبري (ت 350 هـ) (¬2)، واحتج بأن النبي- صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع المضطر (¬3). وفي تشبيه كتاب (المناقضات) بالتلخيص لابن القاص (ت 335 هـ) يضعف عد هذا الكتاب، من الكتب المؤلفة في ذلك أصالة، أو استقلالاً. 2 - الاستغناء في الفرق والاستثناء لبدر الدين محمد بن أبي بكر بن سليمان البكري الشافعي المتوفي في أوائل القرن التاسع الهجري. ¬

_ = من مؤلفاته: الفتاوى، ومعرفة أنواع علوم الحديث المعروف بمقدمة ابن الصلاح، وطبقات الشافعية، وأدب المفتي والمستفتي. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان (2/ 408)، وطبقات الشافعية الكبرى (5/ 137)، وشذرات الذهب (5/ 221)، والأعلام (4/ 207)، والفتح المبين (2/ 63)، ومعجم المؤلفين (6/ 257). (¬1) طبقات الشافعية لابن الصلاح (1/ 339). (¬2) هو أبو علي الحسن أو الحسين بن القاسم الطبري الشافعي، من فقهاء الشافعية وأصولييهم، ومتكلميهم. درس في بغداد وعاش فيها. توفي سنة (350 هـ). من مؤلفاته: الإفصاح في الفقه الشافعي، والمجرد في النظر، وكتاب في أصول الفقه وغيرها. راجع في ترجمته: طبقات الشافعية الكبرى (2/ 217)، والأعلام (2/ 210)، ومعجم المؤلفين (3/ 270). (¬3) طبقات الشافعية الكبرى (3/ 7).

رتبه مؤلفه على أبواب الفقه مبتدئاً بكتاب الطهارة، ومنتهياً بكتاب أمهات الأولاد، وفي كل كتاب كان يذكر الأركان والشروط لما يريد أن يتحدث عنه، ثم يذكر ما فيه من ضوابط، مطلقاً عليها اسم القواعد، ثم يذكر ما يستثنى منها، وإذا وجد خلال عرضه للأحكام، ما يثير تساؤلاً في وجه الافتراق بين حكمي مسألتين متشابهتين، بيّن وجه الفرق، ولم يكن ذلك في كل ما عرضه، بل في بعض منه. فمادة الكتاب في الضوابط والقواعد وما يستثنى منها، أما التنبيه على الفروق فكان يأتي تابعاً، ولم يكن متناولاً لجميع المسائل. وقال المؤلف – رحمه الله- إنه جعل قواعده ستمائة قاعدة أصلية. حقق الدكتور سعود بن مسعد الثبيتي قسم العبادات منه للحصول على درجة الدكتوراه من كلية الشريعة في جامعة أم القرى، ونشر هذا القسم مركز إحياء التراث الإسلامي بمكة المكرمة في جزئين سنة (1408 هـ/1988 م)، كما حققه كاملاً باسم (الاعتناء في الفرق والاستثناء) عادل أحمد عبد الموجود، وعلى محمد معوض، ونشرته دار الكتب العلمية في بيروت، في مجلدين سنة (1411 هـ/1991 م). وما عدا هذين الكتابين، كان تناول الاستثناء من الأحكام أو القواعد، يرد تبعاً، ولم يكن من أهداف المؤلفين ذلك. وهذه ظاهرة موجودة، كما ذكرنا، في سائر كتب القواعد والضوابط الفقهية، ولكننا سنكتفي بذكر كتابين أشير إليهما في كلام العلماء بهذا الشأن، أحدهما معدود في كتب القواعد والضوابط الفقهية، وآخرهما معدود في كتب الفقه.

1 - أما أولهما فهو كتاب القواعد في فروع الشافعية للشيخ عيسى بن عثمان الغزي المتوفي سنة (799 هـ). جاء في كشف الظنون عن هذا الكتاب، إنه يذكر القاعدة وما يستثنى منها، وأدخل فيها ألغاز الأسنوي (ت 772 هـ)، وزاد عليها (¬1). ومثل هذا الكلام لا يكفي في إدخال هذا الكتاب في المؤلفات التي اختصت بذكر الفرق والاستثناء، وأبعد من ذلك أن يذهب بعض الباحثين إلى أنه من أكثر المؤلفات في ذكر المستثنيات (¬2). 2 - وأما الكتاب الآخر الذي ذكر في ضمن هذا النوع من التأليف، فهو كتاب (التلخيص) لأبي العباس ابن القاص (ت 335 هـ). وهو في واقعه كتاب في الفقه موجز، لكنه كبير الفائدة، حسن التأليف، دال على دقة مؤلفه وحسن نظره. وهو كثيراً ما يذكر الضوابط والأحكام، ثم يتبع ذلك بما يستثنى منها، وبهذا شُبّه به كتاب (المناقضات) للفناكي (¬3). غير أن مثل هذا الاتجاه يؤدي إلى إضاعة ما بين الأنواع من الفواصل والحدود، ويدخل عشرات الكتب في هذا النطاق، وفي ذلك من التساهل ما فيه. ¬

_ (¬1) (2/ 1359). (¬2) الاستغناء في الفرق والاستثناء للبكري- مقدمة المحقق (1/ 85). (¬3) طبقات الشافعية لابن الصلاح (1/ 339).

المطلب الثالث التأليف في بيان الفرق في مسألة معينة أو مسائل قليلة محدودة

المطلب الثالث التأليف في بيان الفرق في مسألة معينة أو مسائل قليلة محدودة والمؤلفات في هذا المجال لا تخرج عن أن تكون رسائل صغيرة في موضوع معين، يرى مؤلفها أنها ربما أوقعت طلبة العلم وغيرهم في الالتباس والخلط بين الأمور المختلفة، على ظن أنها شيء واحد. والتأليف في هذا المجال عمّ مختلف العلوم، ومنها مصطلحات أصول الفقه (¬1). والذي يتصل بموضوعنا هو ذكر ما يتعلق بالفروق الفقهية. ومثل هذا التأليف تصعب الإحاطة به فقد يرد مثل ذلك في ثنايا الكلام للعلماء، أو ضمن فتاوى لهم في مسائل معينة، ونكتفي هنا بذكر نماذج من ذلك: 1 - لمحة المختطف في الفرق بين الطلاق والحلف. لشيخ الإسلام أبي العباس (¬2) ¬

_ (¬1) من ذلك الفرق بين الخوارق الثلاثة المعجزة والكرامة والساحر لأحمد بن البنا الأزدي المراكشي المتوفي سنة (721 هـ). ومن ذلك الفرق بين الحكم بالصحة والموجب لأحمد بن عبد الرحيم العراقي المتوفي سنة (826 هـ)، والاقتناص في الفرق بين الحصر والاختصاص لتقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي المتوفي سنة (756 هـ)، وغيرها. (¬2) هو أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الملقب بتقي الدين والمعروف بابن تيمية الحراني ثم الدمشقي. ولد بحران وتحول به أبوه إلى دمشق، فظهر نبوغه، واشتهر بين العلماء. ثم ذهب إلى مصر، فتعصب عليه جماعة من أهلها فسجن مدة، ثم نقل إلى الإسكندرية، ثم أطلق فعاد إلى دمشق. والشيخ - رحمه الله- من أبرز علماء الحنابلة ومجتهديهم. كان عالماً بالفقه والأصول والحديث والتفسير والعربية وغيرها. توفي في دمشق سنة (728 هـ). ... =

أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية المتوفي سنة (728 هـ). 2 - الفرق بين مطلق الماء والماء المطلق لعلي بن عبد الكافي السبكي المتوفي سنة (756 هـ) (¬1) وهو وارد ضمن فتاويه (¬2). ¬

_ = من مؤلفاته: مجموعة فتاويه ومنهاج السنة، وأصول التفسير، ودرء تعارض العقل والنقل، والاستقامة وغيرها. راجع في ترجمته: الدرر الكامنة (1/ 168)، وشذرات الذهب (6/ 80)، ومعجم المؤلفين (1/ 261)، وهدية العارفين (1/ 105). (¬1) هو أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي السبكي الأنصاري الخزرجي الشافعي، الملقب بتقي الدين، من علماء الشافعية في عصره، فقهاً وأصولاً وحديثاً وتفسيراً وأدباً. ولد في سبك من أعمال المنوفية في مصر، وانتقل إلى القاهرة، ثم الإسكندرية، ثم إلى الشام. فأخذ العلم والحديث عن جماعة كثيرين. وولي قضاء الشام، واعتل فعاد إلى القاهرة. درّس وأفتى وتولى مشيخة الميعاد بالجامع الطولوني. توفي في القاهرة سنة (756 هـ). من مؤلفاته: الدر النظيم في التفسير لم يكمله، وإحياء النفوس في صفة إلقاء الدروس، والسيف المسلول على من سب الرسول، وكثير غيرها. راجع في ترجمته: طبقات الشافعية الكبرى (6/ 146) وقد أطنب في مدحه والثناء عليه، فهو والده، وطبقات الشافعية للأسنوي (2/ 75)، وشذرات الذهب (6/ 180)، والأعلام (4/ 302) والفتح المبين (2/ 168). (¬2) الإشارات إلى أسماء الرسائل المودعة في بطون المجلدات والمجلات لأبي عبيدة مشهور ابن حسن آل سلمان ص 124، نشر دار الصميعي للنشر والتوزيع في الرياض ط 1 سنة (1414 هـ/ 1994 م).

المطلب الرابع المؤلفات التي تناولت الفروق الفقهية في ضمن مباحثها

المطلب الرابع المؤلفات التي تناولت الفروق الفقهية في ضمن مباحثها وهذا النمط من الكتب ليس تأليفاً خاصاً بالفروق، وإنما هو مؤلفات في القواعد الفقهية، أو الأشباه والنظائر، أي الكتب الجامعة لفنون متعددة، ترتبط فيما بينها برباط معين. وفي مثل هذه الكتب ترد الفروق على صور متعددة، تارة بذكر القواعد أو الضوابط، أو المسائل، وما يستثنى منها، وتارة بإدخال طائفة من فروق المسائل تحت عناوين الفروق، أو النظائر، وتارة بطرق أخرى غير ذلك، كأن تذكر من خلال الألغاز، أو بعض المسائل. وتتبُّع هذه الكتب، واستقصاؤها، لا يحقق فائدة كبيرة، لكونها لم تبحث في الفروق بين الفروع الفقهية أصالةً، ولأنها تقتصر على ذكر نماذج محدودة، تفصح عن المراد، وتبين المقصود، وهي تمثل اختيارات من بعض كتب الفروق. ومما ينبغي التنبيه إليه إن هذه الكتب، حين النظر إلى محتوياتها، نجدها مكررة، وأن بعضها أخذ من بعض، ولهذا فسنكتفي بذكر أهم كتابين، رأيناهما يمثلان هذا الجانب، هما كتاب الأشباه والنظائر للسيوطي (ت 911 هـ)، وكتاب الأشباه والنظائر لابن نجيم (ت 970 هـ)

وفيما يأتي بيان للفروق في هذين الكتابين: أولاً: كتاب (الأشباه والنظائر) لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي المتوفي سنة (911 هـ). وقد أدخل الفروق في الكتاب السادس من كتابه الأشباه والنظائر، الذي قسمه إلى سبعة كتب. والكتاب المذكور من أصغر أبواب الأشباه والنظائر، إذ لم يتجاوز ثماني عشرة صفحة من مجموع صفحات الكتاب البالغة (572) صفحة عدا الفهارس. وقد ذكر فيه ما افترق فيه اللمس والمسّ، وما افترق فيه الوضوء والغسل، وما افترق فيه غسل الرجل ومسح الخف، وما افترق فيه الرأس والخف، وما افترق فيه الوضوء والتيمم، وما افترق فيه المني والحيض، وما افترق فيه الحيض والنفاس، وغير ذلك (¬1). وفي الكتاب السابع الذي هو في نظائر شتى، نجد بعض الفروق المتناثرة فيه (¬2). كذلك نجد في الكتاب الخامس، الذي هو في نظائر الأبواب (¬3)، طائفة من الفروق، لكنها وردت على طريقة ذكر الضوابط وما يستثنى منها. ثانياً: كتاب الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان، لزين الدين إبراهيم المشهور بابن نجيم المتوفي سنة (970 هـ). وقد تكلم عن الفروق في أكثر من موضع، منها ما ذكره في الفن ¬

_ (¬1) ص (544) وما بعدها. (¬2) ص (561). (¬3) ص (453).

الثالث من كتابه المكون من سبعة فنون، حيث جعله في الجمع والفرق، وكان أكثره في الجمع وفي فوائد متنوعة، لكنه ذكر طائفة من الفروق، كالفرق بين الوضوء والغسل، ومسح الخف وغسل الرجل، ومسح الرأس والخف، والوضوء والتيمم، ومسح الجبيرة ومسح الخف، والحيض والنفاس، والأذان والإقامة، وسجود السهو وسجود التلاوة، وسجود التلاوة وسجود الشكر، والإمام والمأموم، والجمعة والعيد، وغير ذلك من المسائل التي تناولها فيما يقرب من ثماني صفحات. ومن المواضع التي ذكر فيها الفروق، الفن السادس من كتابه هذا، إذ جعله في الفروق، وهي مسائل قليلة لا تتجاوز أربع صفحات (¬1)، وقد ذكر المؤلف أنه جمعها من فروق الكرابيسي، منها ما هي من الحج، ومنها ما هي من النكاح، ومنها ما هي من الطلاق، ومنها ما هي من العتاق (¬2). ¬

_ (¬1) ص (372 - 379). (¬2) ص (418 - 421).

المطلب الخامس التأليف في الفروق الفقهية في العصر الحاضر

المطلب الخامس التأليف في الفروق الفقهية في العصر الحاضر لا أعلم نشاطاً هاماً للعلماء المعاصرين، في التأليف في الفروق الفقهية، بل إننا لا نجد- بحسب ما اطلعنا عليه- مَنْ أفردها بالتأليف، بعد القرن العاشر الهجري. فقد اكتفى العلماء بما جاء في كتب من سبقهم، ورددوا ما جاء فيها، دون إضافات تذكر. ومع ضعف نشاط العلماء المعاصرين في هذا المجال، فإن العلم بما تحقق على أيديهم أمر مطلوب، ولا يخلو عن فائدة، وقد رأيت أن ما ألّفوه لا يخرج عن المجالات الآتية: المجال الأول: اختيار عدد من الفروق الفقهية، مما ورد في كتب العلماء السابقين. والذي اطلعنا عليه بهذا الشأن كتاب (القواعد والأصول الجامعة، والفروق والتقاسيم البديعة النافعة) للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي المتوفي سنة (1376 هـ) (¬1). ولم يفرد- رحمه الله- الفروق بالبحث، بل جاءت ضمن ¬

_ (¬1) هو عبد الرحمن بن ناصر السعدي. من علماء نجد المعاصرين. ولد بعُنَيْزة في القصيم وتوفي فيها سنة (1376). درّس ووعظ وأفتى وخطب في جامع عنيزة. من مؤلفاته: تيسير الكريم المنام في تفسير آيات الرحمن، وطريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والفروق والضوابط والأصول، ورسالة في القواعد الفقهية، والقواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة. راجع في ترجمته: معجم المؤلفين (3/ 396، 397)، والأعلام (3/ 340).

كتابه سالف الذكر. وبلغ عدد الصفحات التي ذكرت فيها تلك الفروق (42) صفحة، من مجموع صفحات الكتاب البالغة (187) صفحة. وكان عمله انتقائياً لفروق استحسنها. وقد ذكر (أن أصل هذا الباب أن تعرف أن الشارع لا يفرق بين المسائل المتشابهات، إلا أن كل واحد منها انفرد بوصف باين به الآخر، لأن الشارع يحكم على المسائل المتماثلات أوصافها بحكم واحد .. ويفرّق بين المسائل المختلفة في أوصافها) (¬1). وقد قسّم الفروق إلى قسمين حقيقية وصورية، وقال: إن (الحقيقية هي المسائل المتباينة في أوصافها) (¬2). وأن الصورية (هي الفروق الضعيفة التي لا تجد فرقاً حقيقياً بين معانيها وأوصافها، بل يفرّق بعض أهل العلم بينهما فرقاً صورياً، عند التأمل فيه لا تجد له حقيقة) (1). وفي المجال التطبيقي جعل الفروق نوعين الفروق الصحيحة، والفروق الضعيفة، وكان ينبه على وجه الضعف، عند ذكره الفروق الضعيفة، وهو يعني بالصحيحة الحقيقية، وبالضعيفة الصورية. المجال الثاني: استخراج الفروق الفقهية من كتاب معين. ومما وجدناه في هذا المجال كتاب (الفروق الفقهية في المذهب ¬

_ (¬1) القواعد والأصول الجامعة (ص 115). (¬2) هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن قدامة العدوي القرشي الجماعيلي المقدسي ... =

الحنبلي كما يراها ابن قدامة المقدسي) (2). للدكتور عبد الله ابن حمد القطيمل. ففي هذا الكتاب قام المؤلف في الجزء الأول منه (¬1) بالنظر في ثلاثة أجزاء من كتاب المغني لابن قدامة المقدسي (ت 620 هـ)، وهي المتعلقة بالطهارة والصلاة، فاستخرج منها (200) مئتي فرق، وفي الجزء الثاني (¬2) نظر في الجزء الرابع من كتاب المغني الذي تناول موضوعات الزكاة والصيام والاعتكاف فاستخرج منه (138) ثمانية وثلاثين ومئة فرق. وعمل المؤلف استقرائي، اعتمد على تتبع ما في الكتاب من الفروق وجمعها، وليس له عمل وراء ذلك. المجال الثالث: استخراج الفروق الفقهية لبعض العلماء، دون الالتزام بكتاب معين، وهذه الفروق وردت عندهم عَرَضاً في مؤلفاتهم، ولم يكن غرضهم أن تكون هدفاً أساساً لهم في ¬

_ = ثم الدمشقي الملقب بموفق الدين. كان من أئمة المذهب الحنبلي في زمانه. أخذ علمه من أعيان علماء بلده، ثم في بغداد والموصل ومكة. توفي سنة (620 هـ)، ودفن في سفح جبل قاسيون بدمشق. من مؤلفاته: المغني، والكافي، والمقنع، والعمدة، ومختصر الهداية لأبي الخطاب في الفقه، وروضة الناظر في أصول الفقه، وغيرها. راجع في ترجمته: فوات الوفيات (1/ 433)، وذيل طبقات الحنابلة (2/ 133 - 149)، وشذرات الذهب (5/ 88)، والفتح المبين (2/ 53)، والأعلام (4/ 67). (¬1) طبع في مطابع الصفا بمكة سنة (1413 هـ). (¬2) طبع في مطابع الصفا بمكة سنة (1414 هـ).

التأليف، لكن بعض الباحثين المتأخرين نظروا في هذه الكتب وجمعوا ما فيها من الفروق، ورتبوها، ونسبوها إلى من ذكروها عرضاً، في مؤلفاتهم. ومن ذلك كتاب (الفروق لابن قيم الجوزية) (¬1). جمع وترتيب يوسف الصالح. وقد اعتمد الجامع فيه على ما كتبه الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد، في كتابه (التقريب لفقه ابن القيم)، حيث أورد في آخره مبحث الفروق لابن القيم (ت 751 هـ) وأشار إلى مواضعها المنثورة في كتبه. والكتاب ليس خاصاً بالفروق الفقهية، بل تناول الفروق عند ابن القيم (ت 751 هـ) بوجه عام: منها فروق في باب التوحيد، وفروق من باب السلوك، وفروق في باب أصول الفقه، وفروق من باب الفقه، وفروق من باب اللغة. وكان عدد الفروق الفقهية في ذلك عشرة فروق متنوعة، تدخل في أبواب فقهية متنوعة، كالفرق بين الحائض والجنب، والفرق بين الطواف والصلاة، والفرق بين العاجز عن الطهور حساً ¬

_ (¬1) هو أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي ثم الدمشقي الحنبلي. من فقهاء الحنابلة وأصولييهم ومجتهديهم البارزين. وكان إلى جانب ذلك مفسراً ومتكلماً ونحوياً ومحدثاً ومشاركاً في علوم كثيرة. لازم الإمام ابن تيمية وأخذ عنه العلم، وسجن معه في قلعة دمشق. توفي سنة (751 هـ)، ودفن في سفح جبل قاسيون بدمشق. من مؤلفاته: أعلام الموقعين عن رب العالمين، وزاد المعاد في هدي خير العباد، وإغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، والطرق الحكمية، وبدائع الفوائد، غيرها. راجع في ترجمته: الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 447)، والدرر الكامنة (5/ 137)، وشذرات الذهب (6/ 168)، ومعجم المؤلفين (9/ 106)، وقد كتبت عن حياته، وعن فقهه، وعن جوانبه العلمية الأخرى طائفة من الكتب.

والعاجز عنه شرعاً، والفرق بين لمس الذكر وسائر الجسد في نقض الوضوء، والفرق بين النكاح والسفاح، والفرق بين حقوق الملك وحقوق المالك، والفرق بين الأبدال واستباحة المحظور، والفرق بين المتمتع والقارن، والفرق بين دم الشكران ودم الجبران، والفرق بين أن يقول: أنت حر بعد موتي، وبين أن يقول: إن مت وأنت في ملكي فأنت حر بعد موتي (¬1). المجال الرابع: التأليف في بيان الفرق في مسألة معينة، أو مسائل محدودة. وهذا النوع من التأليف ظهر عند العلماء السابقين، وقد ذكرنا بعضاً من الرسائل، أو الفتاوى الواردة في ذلك. وليست لدينا معلومات كافية عن الكتابة في هذا الموضوع، فقد تكون هناك مؤلفات كثيرة على هيئة رسائل، أو فتاوى، لم نطلع عليها، لعدم ذكرها في المظان المتوقع وجودها فيها، وطبيعة هذا التأليف تؤذن بمثل ذلك. ومن الرسائل المعاصرة في هذا الشأن، رسالة (الفرق بين الطلاق البائن والطلاق الرجعي)، لمحمد المهدي العمراني الوزاني المالكي، مفتي فاس المتوفي سنة (1342 هـ) (¬2). ¬

_ (¬1) الفروق لابن قيم الجوزية ص (119 - 125). (¬2) هو أبو موسى محمد المهدي بن محمد بن محمد بن الخضر المراني الوزاني الفاسي. ولد بوزان، ووفد على تونس وانتفع به الناس، من فقهاء المالكية في القرن الرابع عشر الهجري، مع مشاركة في عدد من العلوم. توفي بفاس سنة (1342 هـ). من مؤلفاته: حاشية على شرح التاودي لتحفة ابن عاصم في الفقه، المنح السامية من النوازل الفقهية، حاشية على شرح المكودي للألفية في النحو، ورسالة في الرد على الشيخ محمد عبده في التوسل. راجع في ترجمته: معجم المؤلفين (12/ 60).

الفصل الثاني علم الفروق الأصولية

الفصل الثاني علم الفروق الأصولية تمهيد في: تعريفه- موضوعه- مسائله- مباحثه- والفائدة منه- والعلوم التي استمدّ منها- وحكمه. المبحث الأول: أنواع الفروق بين القواعد والأصول. المطلب الأول: الفروق بين معاني المصطلحات وحقائقها. المطلب الثاني: الفروق بين الأصول ببيان الفروق بين الأحكام والآثار المترتبة عليها. المبحث الثاني: نشأة الفروق الأصولية وتطورها. المطلب الأول: نشأة الفروق الأصولية بنوعيها. المطلب الثاني: المؤلفات في الفروق الأصولية. الخاتمة.

تمهيد

تمهيد تعريف علم الفروق الأصولية- موضوعه- ومسائله ومباحثه- وفائدته- والعلوم التي استمد منها- وحكمه. تعريفه: لا يوجد تعريف خاص بعلم الفروق الأصولية، أو الفروق بين القواعد والأصول، لأنه لا يوجد علمٌ بهذا المصطلح، بل إنه ليست هناك مؤلفات مقتصرة على تلك الفروق، بالمعنى الدقيق لها. ولكننا ندرك، من خلال كلام العلماء عن التفريق بين القواعد والمصطلحات الأصولية، أنهم يلجؤون إلى ذلك عند يقع اشتباه أو التباس بين معاني مصطلحين أو أكثر، بحسب الظاهر. وعلى هذا فإنه يمكن القول إن ما ذكر في تعريف الفروق الفقهية ينطبق على الفروق الأصولية، ولكن يتميز أحدهما عن الآخر، بنوع ما يقع به التشابه الظاهري، مع الاختلاف في المعنى أو الحكم، وموضوع كل منهما هو المميز لأحدهما عن الآخر. وإذا أردنا أن نتكلم عن الفروق بين القواعد والأصول على أنها علم، نقلنا تعريف علم الفروق الفقهية، إلى هذا المجال، مع استبدال موضوع القواعد والأصول بموضوع المسائل الفقهية، وقلنا: هو العلم بوجوه الاختلاف بين قاعدتين أو مصطلحين أصوليين متشابهين في تصويرهما، أو ظاهرهما، لكنهما مختلفان في عدد من أحكامهما. موضوعه: موضوع علم الفروق الأصولية هو مصطلحات وقواعد وضوابط أصول الفقه المتشابهة في صورتها، أو معناها، من حيث بيان ما

تختلف فيه من الأحكام، أو بيان ما تختلف وتجتمع فيه أيضاً. مسائله ومباحثه: أما مسائل علم الفروق في أصول الفقه فهي القواعد والضوابط والمصطلحات الأصولية المتشابهة في صورتها أو معناها، من حيث ما يعرض لها من وجوه الوفاق أو الاختلاف في الأحكام. الفائدة منه: إن دراسة علم الفروق في أصول الفقه، تحقق فوائد كثيرة، من الصعب حصرها، ولكن يمكن أن نذكر بعضها فيما يأتي: 1 - إن من أهم ما يستفاد من دراسة هذا العلم أنه يكشف عن أن الاختلافات الواقعة بين الفقهاء فيما استنبطوه من أحكام فقهية، لم تكن اختلافات اعتباطية، وإنما هي اختلافات مردودة إلى أسس علمية، ومناهج في الاستنباط مختلفة، وإلى الاختلاف في إقرار بعض الأدلة أو أنواعها، مما يُعدّ من الأمور الطبيعية والإنسانية التي تحصل في أغلب العلوم. وبذل تتحقق فائدة مهمة، وهي إزالة الشكوك عن بعض النفوس التي تَسْتَغْرِب مثل تلك الاختلافات. 2 - إن هذا العلم يمكن المتعلم من الفهم الدقيق لما يدرسه، وذلك بربطه كثيراً من الجزئيات، بعد معرفته مآخذها، في سلك واحد. 3 - إن هذا العلم يُعَرّف المتعلم أسرار الفروق بين أحكام المسائل الفقهية المتشابهة، بمعرفته الفروق بين القواعد والضوابط الأصولية التي بنيت عليها هذه المسائل. 4 - يجنب المتعلم الخلط بين المسائل، والوقوع في الالتباس، والخطأ في الأحكام؛ بسبب جمعه من بين مسائل يظن أنها في ضمن قاعدة أو ضابط معين، مع أنها متنوعة القواعد والضوابط.

5 - إن هذا العلم يوضح معاني المصطلحات والقواعد والضوابط الأصولية بدقة، إذ إن الأشياء تزداد وضوحاً ببيان ما يضادها، ويخالفها في الأحكام. العلوم التي استمد منها: أما المصادر التي تُمِدّ هذا العلم فهي بحسب النظر في طبيعته، واستقراء ما تُطرّق إليه من الفروق المذكورة، تتناول طائفة من العلوم أهمها علم الكلام واللغة العربية وأصول الفقه والأحكام الشرعية. فأما علم الكلام فالاستمداد منه بسبب توقف الأدلة الشرعية على معرفة الباري -سبحانه-، وصدق رسوله -صلى الله عليه وسلم- المبلغ عنه فيما قال، لتعلم حجيتها وإفادتها للأحكام شرعاً. وذكر بعض العلماء أن علم أصول الفقه، الذي يعد مادة الفروق الأصولية، استمد طائفة من مباحثه من علم الكلام، وقد استثمرت طائفة من ذلك في الفروق، كالتمييز بين الحجة والبرهان والدليل (¬1). وقد أضاف الزركشي (ت 794 هـ) إلى ذلك معرفة العلم والظن والنظر وغيرها (¬2). وهي إضافة صحيحة لما يترتب على معرفة ذلك من التفريق بين الأحكام المترتبة على الأدلة القطعية، أو الظنية. وأما علوم اللغة العربية فلأن معرفة دلالة الأدلة متوقفة عليها، وفهمها مستند إلى وجوهها المتعددة، وهذا يعود إلى أن كثيراً من المصطلحات الأصولية معتمدة في فهم معناها، والفروق فيما بينها، على فهم اللغة، كمعنى الأمر والنهي ودلالتهما، وصيغ العموم والخصوص، والمطلق ¬

_ (¬1) الوصول إلى الأصول لابن برهان (1/ 56). (¬2) البحر المحيط (1/ 69).

والمقيد، والمجمل والمبين، والحقيقة والمجاز، والاستثناء والاشتراك، والمنطوق والمفهوم، والاقتضاء والإشارة والتنبيه والإيماء ومعاني الحروف، وغير ذلك. وأما استمداده من أصول الفقه فواضح، لأن موضوع هذا العلم داخل في أصول الفقه، إذ هو يتناول من تلك الأصول ما تشابه منها في الظاهر، واختلف في طائفة من أحكامه. وأما استمداده من الأحكام الشرعية فلأن الفروق بينها مستندةٌ إلى الفروق بين القواعد الأصولية، إذ هي ثمرتها ونتيجتها. ومما استمد منه هذا العلم، طائفة من المصادر الأخرى كالقرآن الكريم، والحديث الشريف، وما اتصل بهما من العلوم. حكمه: وهذا العلم كسابقه- أي علم الفروق الفقهية- من حيث عدم خوض العلماء في حكمه. غير أنه لما كان مبنياً على علم أصول الفقه، فإننا نرشح أن يكون حكمه كحكم أصله، الذي انبنى عليه. وحيث ذهب جمهور العلماء إلى أن تعلم أصول الفقه يُعَد من فروض الكفاية (1)، فإن هذا العلم يكون كذلك، ويكون شأنه شأن الفقه والفروق الفقهية (¬1). وما نقل عن بعضهم من أن تعلم أصول الفقه فَرْضُ عينٍ محمول على أنه للمجتهد (¬2). وعلى هذا فإن الخلاف بينهم يكون لفظياً (¬3). لأن الكلام ¬

_ (¬1) انظر كتابنا: أصول الفقه- الحدّ والموضوع والغاية ص (130). (¬2) المختصر في علم أصول الفقه (2/ 14). (¬3) المصدر السابق، وشرح الكوكب المنير (1/ 47).

عام ولا يتعلق بالمجتهد، أما لو تعلق به فإنه لا يمكن للمجتهد أن يجتهد من دون معرفة أصول الفقه، أو الفروق بينها. ولا نظنّ أحداً لا يقول بأنه فرض عين عليه. وإلى ذلك يشير كلام ابن حمدان (ت 695 هـ) (¬1) في كتابه (صفة الفتوى والمفتي والمستفتي) (¬2). ¬

_ (¬1) هو أبو عبد الله أحمد بن حمدان بن شبيب الحراني الحنبلي الملقب بنجم الدين. ولد بحرّان، ورحل إلى حلب ودمشق، وأخذ العلم عن طائفة من العلماء منهم عبد القادر الرهاوي، والخطيب، وابن تيمية وغيرهم. كما تتلمذ عليه كثير من العلماء المعروفين. وارتحل إلى القاهرة وحدّث فيها، وولي نيابة قضائها، وبقي فيها حتى توفي سنة (695 هـ). بعد أن أسنّ وكفّ بصره. من مؤلفاته: الرعاية الكبرى، والرعاية الصغرى في الفقه، والوافي في أصول الفقه، وصفة الفتوى والمفتي والمستفتي. راجع في ترجمته: شذرات الذهب (5/ 428)، والمدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل ص (410)، والأعلام (1/ 119). (¬2) ص (14).

المبحث الأول أنواع الفروق بين الأصول

المبحث الأول أنواع الفروق بين الأصول المطلب الأول: الفروق بين معاني المصطلحات وحقائقها. المطلب الثاني: الفروق بين الأصول ببيان الفروق بين الأحكام والآثار المترتبة عليها.

المبحث الأول أنواع الفروق بين الأصول إن الفروق بين الأصول تختلف عن الفروق بين المسائل الفقهية، لأنها ليست فروقاً بين أصول وفروع، أو مقيس ومقيس عليه، إذ لا قياس في الكلام عن الفروق الأصولية. إن الكلام في الفروق الأصولية يدخل - في الغالب- بحسب ما ظهر لنا في نطاق الأمرين الآتيين: الأمر الأول: التفريق بين معاني المصطلحات الأصولية عن طريق التمييز بين حقائقها، وما تؤديه من المعاني، سواء كان ذلك عن طريق التعريف بالحد أو الرسم، أو عن طريق التقسيم، أو أي طريق آخر. الأمر الثاني: التفريق بين الأصول ببيان أحكام كل منها، وما يترتب عليها من الآثار. وسوف نبحث هذين الأمرين في المطلبين الآتيين:

المطلب الأول: التفريق بين الأصول ببيان معاني المصطلحات والتمييز بين حقائقها

المطلب الأول: التفريق بين الأصول ببيان معاني المصطلحات والتمييز بين حقائقها وهذا النوع من التفريق يكاد يدخل في كل مباحث أصول الفقه، إذ إن جميع قواعده يخالف بعضها بعضاً، وإلا كانت شيئاً واحداً، ولا نعني بذلك أنها متنافرة، بل هي منسجمة، وإن كان بينها اختلاف في المعنى والدلالة، كالفرق بين الفرض والواجب، والمكروه والحرام، والمكروه تحريماً والمكروه تنزيهاً، والوجوب ووجوب الأداء، والأداء والقضاء والإعادة، والواجب المخيّر والواجب المعيّن، والواجب الموسع والواجب المضيق، وفرض العين وفرض الكفاية، وسنة العين وسنة الكفاية، وخطاب التكليف وخطاب الوضع، والسبب والعلة، والسبب والشرط، والصحة والفساد، والرخصة والعزيمة، والمانع والشرط، والشرط الشرعي والشرط الجعلي، وكالفرق بين تنقيح المناط وتحقيقه وتنقيحه، وبين النسخ والتخصيص، والمطلق والعام، وبين أنواع القياس من طرد وعكس وشبه ودلالة، وخفيّ وجليّ، وبين أنواع الإجماع، وبين أنواع الألفاظ، من حيث دلالاتها، كالفرق بين النص والظاهر، والمجمل والمشكل والخفيّ والمتشابه، والحقيقة والمجاز، والمشترك والمترادف، وكالفرق بين العلم والظن، والشك والوهم، وغير ذلك من الأمور التي هي على هذا المنوال. وإننا لنجد مثل ذلك في جميع المباحث الأصولية. وقد لجأ عدد غير قليل من الأصوليين إلى جعل أوائل كتبهم في التعريفات، وبيان معاني المصطلحات

الأصولية، والفرق فيما بينها، كما في العدة للقاضي أبي يعلى (ت 458 هـ) (¬1)، والتمهيد لأبي الخطاب (ت 510 هـ) (¬2). والمنتهى ومختصره لابن الحاجب (ت 646 هـ) (¬3)، وشرح الكوكب ¬

_ (¬1) هو أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد الفراء البغدادي الحنبلي. ولد في بغداد ونشأ فيها وتفقه على أبي عبد الله بن حامد وغيره. وقد كان أبو يعلى عالم عصره في الأصول والفروع وأنواع الفنون، وإماماً لا يشق له غبار، سمع الحديث الكثير، وحدّث وأفتى ودرّس، فتخرّج به عدد من العلماء. توفي في بغداد سنة (458 هـ)، ودفن بمقبرة باب حرب. من مؤلفاته: العدة والكفاية في أصول الفقه، والمجرد في الفقه على مذهب الإمام أحمد، وردود على بعض الفرق، والأحكام السلطانية، وغيرها. راجع في ترجمته: طبقات الحنابلة (2/ 193)، وشذرات الذهب (3/ 306)، والمنهج الأحمد (2/ 128)، والأعلام (6/ 99)، ومعجم المؤلفين (9/ 245). (¬2) هو أبو الخطاب محفوظ ابن أحمد بن الحسن الكلوذاني البغدادي الحنبلي، والكلوذاني نسبة إلى كلواذي بلدة قريبة من بغداد. ولد ونشأ في بغداد، وتتلمذ على القاضي أبي يعلى، وحدّث عن الجوهري، كان إمام الحنابلة في عصره، بارعاً في الفقه والأصول وعلم الخلاف والفرائض، وكان الكيا الهراسي إذا رآه مقبلاً، قال: قد جاء الفقه. تولى التدريس والإفتاء وتتلمذ عليه عدد من أئمة الحنابلة، منهم عبد القادر الجبلي وغيره. توفي في بغداد سنة (510 هـ). من مؤلفاته: التمهيد في أصول الفقه، والانتصار في المسائل الكبار، ورؤوس المسائل، والهداية في الفقه، وعقيدة أهل الأثر. راجع في ترجمته: ذيل طبقات الحنابلة (1/ 116)، وشذرات الذهب (4/ 27)، والمنهج الأحمد (2/ 233)، والأعلام (5/ 291)، والفتح المبين (2/ 11). (¬3) هو أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس الكردي الأصل المالكي المذهب، الملقب بجمال الدين، والمعروف بابن الحاجب، لكون أبيه جندياً حاجباً عند الأمير عز الدين الصلاحي. عرف بالفقه والقراءة والأصول والنحو والصرف والعروض. =

المنير لابن النجار (ت 972 هـ) (¬1). والحدود في الأصول لأبي الوليد الباجي (ت 474 هـ). إن الذي يدعونا إلى أن نجعل الكلام عن التقاسيم وتعريفات المصطلحات، وبيان محترزاتها، كلاماً في الفروق، إن العلماء حينما يوردون التعريفات لا يقتصرون على ذلك، بل يتبعون ذلك بشرحها، وبيان محترزاتها أو قيودها التي تمنع من دخول ما ليس من أفراد المعرّف، وتجمع ما هو من أفراده. وذلك كله يُعَدّ كلاماً في الفروق، وإن لم يكن مقصوداً به ذلك أصالةً. وتوضيحاً لذلك نذكر بعض الأمثلة من كتبهم، تشهد لما نقول. فمما يوضح ذلك من التقاسيم قول الآمدي (ت 631 هـ) ¬

_ = ولد بمصر ودرس وتفقه بمذهب مالك، وتخرّج عليه عدد من العلماء، ثم انتقل إلى دمشق ودرّس بجامعها، ثم عاد إلى القاهرة وأقام بها مدة، ثم انتقل إلى الإسكندرية وكانت وفاته فيها سنة (646 هـ). من مؤلفاته: الإيضاح شرح المفصل للزمخشري، ومنتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل، ومختصر منتهى السول والأمل وغيرها. راجع في ترجمته: وفيات الأعيان (2/ 413)، ومفتاح السعادة (1/ 125)، والديباج المذهب ص (189)، وشذرات الذهب (5/ 234)، والأعلام (4/ 211). (¬1) هو أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي المصري الحنبلي الملقب بتقي الدين، والشهير بابن النجار. ولد ونشأ في القاهرة وتلقى علومه على والده، وعلى كبار علماء عصره. قضى حياته -بعد أن استوى سوقه- في التعلم والتعليم والإفتاء والجلوس في إيوان الحنابلة للقضاء والفصل في الخصومات. كان معروفاً بالصلاح والتقوى والفقه والزهد. توفي سنة (972 هـ). من مؤلفاته: منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزياداته في الفقه الحنبلي، والكوكب المنير المسمى بمختصر التحرير، وشرحه في أصول الفقه. راجع في ترجمته: الأعلام (6/ 6)، ومعجم المؤلفين (8/ 276).

في بيان أقسام الحكم الشرعي: (وإذا عرف معنى الحكم الشرعي فهو إما أن يكون متعلقاً بخطاب الطلب والاقتضاء، أو لا. فإن كان الأول فالطلب إما للفعل أو للترك، وكل واحد منهما إما جازم أو غيره. فما تعلق بالطلب الجازم للفعل أو للترك، وكل واحد منهما إما جازم أو غيره. فما تعلق بالطلب الجازم للفعل فهو الوجوب، وما تعلق بالطلب الجازم للترك فهو الحرمة، وما تعلق بغير الجازم فهو للكراهة. وإن لم يكن متعلقاً بخطاب الاقتضاء فإما أن يكون متعلقاً بخطاب التخيير، أو غيره، فإن كان الأول فهو الإباحة، وإن كان الثاني فهو الحكم الوضعي، كالصحة والبطلان، ونصب الشيء سبباً ...) (¬1). فمثل هذا التقسيم والحصر الذي ذكره الآمدي (ت 631 هـ) تتضح منه الفروق بين الحكمين الوضعي والتكليفي، كما تتضح منه الفروق بين أربعة أنواع من الحكم التكليفي هي: الوجوب، والحرمة، والكراهة، والإباحة. ومما يوضح ذلك من التعريفات، قول الآمدي (ت 631 هـ) أيضاً، في تعريف المحظور أو الحرام: (هو ما ينتهض فعله سبباً للذم شرعاً بوجهٍ ما، من حيث هو فعل له) (¬2). فبعد ذكر هذا التعريف، ذكر قيوده، فقال: (فالقيد الأول فاصلٌ له عن الواجب والمندوب وسائر الأحكام، والثاني فاصل له عن المخيّر ... والثالث فاصل له عن المباح الذي يستلزم فعلُه تَرْكَ واجبٍ، فإنّه يُذَمُّ عليه، لكن لا من جهة فعله، بل لما لزمه من ترك الواجب) (1). وقد يتطرقون، أحياناً، إلى الفروق بالتنصيص عليها من خلال بحثهم في موضع معين، كالذي فعله الآمدي (ت 631 هـ) وغيره، عند الكلام ¬

_ (¬1) الإحكام (1/ 96). (¬2) الإحكام (1/ 113).

على النسخ، إذ أفرد فصلاً في بيان الفرق بين النسخ والبداء (¬1)، وفصلاً في بيان الفرق بين التخصيص والنسخ (¬2)، وكالذي فعله القاضي أبو يعلى (ت 458 هـ) في الفرق بين العام والظاهر (¬3)، والفرق بين النسخ والتخصيص (¬4)، وفخر الدين الرازي (ت 606 هـ) في الفرق بين المطلق والعام (¬5)، والطوفي (ت 716 هـ) في الفرق بين التخصيص بالاستثناء والتخصيص بغير الاستثناء والفروق بين الاستثناء والنسخ (¬6). ¬

_ (¬1) المصدر السابق (3/ 109). (¬2) المصدر السابق (3/ 113). (¬3) العدة (1/ 140 و 141) قال، بعد تعريف كل من العموم والظاهر: والفرق بين العموم والظاهر أن العموم ليس بعض ما تناوله اللفظ بأظهر من بعض، وتناوله للجميع تناول واحد، فيجب حمله على عمومه إلا أن يخصصه دليل أقوى منه، أما الظاهر فإنه يحتمل معنيين إلا أن أحدهما أظهر وأحق باللفظ من الآخر، فيجب حمله على أظهرهما، ولا يجوز صرفه عنه إلا بما هو أقوى منه. وكل عموم ظاهر، وليس كل ظاهر عموماً، لأن العموم يحتمل البعض، إلا أن الكل أظهر. (¬4) المصدر السابق (3/ 779). قال المؤلف: (والفرق بين النسخ والتخصيص من وجوه: أحدها: من شرط الناسخ أن يتأخر عن المنسوخ، ولا يقارنه، وأما التخصيص فالذي يقع به التخصيص يصح أن يسبق المخصوص، ويقارنه، ويتأخر عنه. والثاني: لا يصح النسخ إلا بمثل المنسوخ في القوة أو أقوى منه، والتخصيص يصح بمثل المخصوص وما دونه، وأضعف منه؛ لأن التخصيص لا يرفع كل الخطاب، وإنما يخص بعضه، وترك الباقي على ما هو عليه ... الثالث: النسخ يرفع كل النطق، والتخصيص ينفي بعض اللفظ). (¬5) المعالم في أصول الفقه ص (83). (¬6) شرح مختصر الروضة (2/ 585).

المطلب الثاني التفريق بين الأصول ببيان الفرق بين الأحكام والآثار المترتبة عليها

المطلب الثاني التفريق بين الأصول ببيان الفرق بين الأحكام والآثار المترتبة عليها ومما يتحقق به التفريق بين الأصول، الأحكام والآثار المترتبة عليها، استدلالاً بالأثر على المؤثر. فالفرق بين الفرض والواجب، عند الحنفية، مثلاً، رتبوا عليه أن ترك القراءة في الصلاة يبطلها، لثبوتها بنص القرآن، قال تعالى: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ) (¬1). أما ترك الفاتحة بعينها فلا يبطلها، لأن الأمر بها ثبت بخبر واحد، وهو يفيد الظن (¬2). والزكاة عندهم فرضٌ لثبوتها بالقاطع وهو نص القرآن، وزكاة الفطر واجبة لأنها ثبتت بأخبار الآحاد، فما ثبت بالقاطع يكون منكره كافراً، وما ثبت بما هو دونه فلا يكون كافراً (¬3). ورتبوا على التفريق بين الحرام والمكروه استحقاق العقاب على فاعل الحرام، دون فاعل المكروه (¬4). ورتّب جمهور الحنفية الذين فرقوا بين الوجوب ووجوب الأداء أحكاماً على ذلك، وقالوا: إن الوجوب هو شغل الذمة بالملزوم، وهذا يتوقف على الأهلية، ووجود السبب، أما وجوب الأداء فهو لزوم تفريغ الذمة عن الواجب بواسطة الأداء، وهو يتوقف على الأهلية والسبب والخطاب واستطاعة سلامة الأسباب، وغير ذلك (¬5). ¬

_ (¬1) المزمل آية: (20). (¬2) الاختيار لتعليل المختار (1/ 54). (¬3) أصول الفقه لعباس متولي حمادة ص (273). (¬4) روضة الناظر بشرح نزهة الخاطر العاطر (1/ 123 و 124). (¬5) البحر المحيط (1/ 180).

والتفريق بين الصحة والبطلان تترتب عليه آثار في الدنيا والآخرة، فلو كان في العبادات فإنه يقع مجزياً، وتبرأ به ذمة المكلف، وإن كان معاملة فإنه تثبت به الملكية، وإن كان إجازة فإنه يثبت به ملك المنفعة بالعوض، وإن كان إعارة فإنه يثبت به المنفعة من دون عوض، وهكذا. بخلاف البطلان الذي لا تترتب عليه هذه الآثار (¬1). والتفريق بين الفاسد والباطل، عند الحنفية، رتبوا عليه في المعاملات أن العقود الباطلة لا تترتب عليها آثارها التي رتّبها الشارع عليها، فلا يفيد العقد الملك، ولو اتصل بالقبض، فهو عندهم كالمعدوم. أما الفاسد فإنه وإن كان لا تترتب عليه آثاره، ولكنه إن اتصل به القبض، ملكه المشتري، ووجبت عليه قيمته لا ثمنه، مع إثم العاقدين بذلك (¬2). والتفرق بين العلة القاصرة والعلة المتعدية يترتب عليه نشر حكم ما فيه العلة المتعدية إلى جزئيات كثيرة، والاقتصار على الجزئية التي ورد بشأنها النص في القاصرة. إلى غير ذلك من الأمور المنتشرة في مصطلحات وقواعد أصول الفقه. ¬

_ (¬1) أصول الفقه لعباس متولي حمادة ص (317 و 318). (¬2) المصدر السابق ص (318 و 319).

المبحث الثاني نشأة الفروق بين الأصول وتطورها

المبحث الثاني نشأة الفروق بين الأصول وتطورها المطلب الأول: نشأة الفروق بين الأصول بنوعيها. المطلب الثاني: المؤلفات في الفروق بين الأصول

المطلب الأول نشأة الفروق بين الأصول

المطلب الأول نشأة الفروق بين الأصول ذكرنا في مبحث أنواع الفروق بين المصطلحات والقواعد الأصولية، النطاق الذي يدور حوله الكلام عنها، وعرفنا أن من الممكن أن نجدهافي مجالين، مجال التفريق بين معاني المصطلحات بما يميز بعضها عن بعض بالوصف تارة، وبالتعريف تارة، وبالتقسيم أو غيره تارةً أخرى. أو في مجال التفريق فيها عن طريق التفريق بين الأحكام المترتبة عليها. ولا يعني هذا انعدام التصريح بالفرق في أحيانٍ قليلة. وعلى هذا فمن الممكن القول: إن نشأة الكلام عن الفروق الأصولية هو نشأة الكلام في المجالين السابقين، ويغلب أن يكون ذلك بعد استقرار علم أصول الفقه، وانتشار التمذهب، واتساع نطاق الجدل في ذلك. وهو أمر اتضحت سماته، ونضجت مباحثه في القرن الرابع الهجري، وازداد ذلك وضوحاً ونضوجاً في القرن الخامس الهجري وما بعده. ولكن مع ذلك ظهرت بوادر له قبل هذه الفترة، وعلى وجه تقريبي في القرن الثاني الهجري. ففي رسالة الشافعي (ت 204 هـ) - رحمه الله- شواهد متعددة على ذلك، ككلامه عن الفرق بين رواية الحديث والشهادة. قال: (قال: فكيف يكون الحديث كالشهادة في شيء، ثم يفارق بعض معانيها في غيره؟ فقلت له: هو مخالف للشهادة- كما وصفتُ لك- في بعض أمره، ولو جعله كالشهادة في بعض أمره، دون بعض، كانت الحجة لي فيه بينة -إن شاء الله. قال: وكيف ذلك وسبيل الشهادات سبيل واحدة؟ قال: فقلت: أتعني في بعض أمرها، دون بعض،

أم في كلّ أمرها؟ قال: بل في ل أمرها. قلت: فم أقلّ ما تقبل على الزنا؟ قال: أربعة. قلت: فإن نقصوا واحداً جلدتهم؟ قال: نعم. قلت: فكم تقبل على القتل والكفر وقطع الطريق الذي تَقْتُلُ به كله؟ قال: شاهدين. قلت له: كم تقبل على المال؟ قال: شاهداً وامرأتين. قلت: فكم تقبل في عيوب النساء؟ قال: امرأة. قلت: ولو لم يتموا شاهدين وشاهداً وامرأتين لم تجلدهم كما جلدت شهود الزنا؟ قال: نعم. قلت: أفتراها مجتمعةً ... إلخ (¬1). وهكذا يستمر الشافعي في كلامه. ومثل هذا التفريق وقع في كلامه في مواضع عدة، كتفريقه بين ما هو مقطوع به لا يسع الشك فيه، فيستتاب منكره وما كان محتملاً للتأويل ¬

_ (¬1) الرسالة ص (384 - 387).

لا يترتب عليه ذلك؟ (¬1) وكتفريقه بين أنواع المنقطع، وبيان وجه قبول بعضه دون بعض (¬2) وتفريقه في مباحث القياس بين طائفة من الأمور مَنَعَ من قياس بعضها على بعض، وبَيَّنَ وجه المنع في ذلك، واختلاف المقيس عن المقيس عليه (¬3)، وغير ذلك كثير. وكانت طريقته معتمدة على الحجاج والبرهنة، مصحوبة بالجوانب التطبيقية من واقع الأحكام الشرعية. وفي القرن الرابع ظهر الكلام في الفروق الأصولية، من خلال مباحث العلماء وكلامهم في أصول الفقه، وفي كتاب أبي بكر الجصاص الرازي (ت 370 هـ) (¬4) في الأصول، دلالات واضحة على ذلك، سواء كانت بنقله مثل ذلك عن غيره، أو بما أبداه هو في هذا المجال. ونكتفي بأمثلة محدودة تبين ما نقول؛ فقد نقل عن أستاذه أبي الحسن الكرخي ¬

_ (¬1) الرسالة ص (460). (¬2) المصدر السابق ص (461). (¬3) المصدر السابق. (¬4) هو أبو بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي المعروف بالجصاص. من الفقهاء المجتهدين. ورد إلى بغداد شاباً، ودرس وجمع وتفقه على أبي الحسن الكرخي، وأبي سهل الزُّجاجي، وتخرّج به المتفقهة، وكان على جانب كبير من الزهد والورع. توفي في بغداد سنة (370 هـ). من مؤلفاته: الفصول في الأصول، وشرح الجامع الكبير لمحمد بن الحسن، وشرح مختصر الطحاوي، وأحكام القرآن، وغيرها. راجع في ترجمته: الفهرست ص (293)، والجواهر المضيّة (1/ 220)، ومفتاح السعادة (2/ 52)، وطبقات الفقهاء للشيرازي ص (144)، والأعلام (1/ 171)، ومعجم المؤلفين (2/ 7).

(ت 340 هـ) (¬1) التفريق بين الاستثناء والتخصيص (¬2)، وجواز تأخير بيان المجمل، وعدم جواز تأخير بيان ما يمكن استعمال حكمه (¬3). والتفريق بين الدليل والعلة (¬4) وتجويز التعليل بالعلة المتعدّية وعدم تجويز ذلك بالعلة القاصرة (¬5). وهذا عدا ما كان يذره من التعريفات وبيان صفات المصطلحات، ومحترزاتها، والفرق فيما بينها وبين غيرها، مما جاء في كتابه كثيراً. وفي القرن الخامس نضج علم أصول الفقه، واتضحت مناهجه، وظهرت فيه أمّهات الكتب الأصولية، كما ظهرت فيه طائفة من كتب الجدل وترتيب الحجاج، ووضع الاعتراضات والإجابات عنها، حول القواعد والضوابط الأصولية، كالكافية في الجدل لأبي المعالي إمام الحرمين ¬

_ (¬1) هو أبو الحسن عبيد الله بن الحسين بن دلال الكرخي الحنفي. انتهت إليه رياسة العلم في أصحاب أبي حنيفة. درّس في بغداد وتتلمذ عليه كثيرون. كان صبوراً على الفقر، كثير العبادة، أصيب آخر عمره بالفالج، وتوفي في بغداد سنة (340 هـ). من مؤلفاته شرح الجامع الكبير، وشرح الجامع الصغير في فروع الفقه الحنفي، ومسألة في الأشربة وتحليل نبيذ التمر، ورسالة في أصول الفقه. راجع في ترجمته: الجواهر المضيّة (2/ 492)، والفهرست لابن النديم ص (293)، وطبقات الفقهاء للشيرازي ص (124)، وشذرات الذهب (2/ 358)، وتاج التراجم ص (39)، والفتح المبين (1/ 186)، والأعلام (4/ 193)، ومعجم المؤلفين (1/ 239). (¬2) الفصول في الأصول (1/ 251). (¬3) المصدر السابق (2/ 46). (¬4) المصدر السابق (4/ 9). (¬5) المصدر السابق (4/ 139).

(ت 478 هـ). والمعونة في الجدل لأبي إسحاق الشيرازي (ت 476 هـ)، والمنهاج في ترتيب الحجاج لأبي الوليد الباجي (ت 474 هـ). ومما يمكن أن يدخل في هذا المجال كتاب الجدل على طريقة الفقهاء لأبي الوفاء على ابن عقيل، وهو وإن كان قد توفي سنة (513 هـ)، لكن أغلب حياته العلمية كانت من معطيات القرن الخامس. ومع كل هذا النضج في علم أصول الفقه، والتأكيد فيه على جوانب التعريفات والفروق فيما بين المفاهيم، لم نجد من أفرد الفروق بين القواعد والضوابط الأصولية في كتاب، كما فعلوا ذلك في الفروق بين المسائل الفقهية. ولعل ذلك يعود إلى وضوح القواعد والمصطلحات عند الأصوليين، وتميز بعضها عن بعض، بما قدموه لها من التعريفات، وبما اشتملت عليه محترازاتها من التمييز والفصل بين ما تشابه منها. ومن الممكن القول: إن الفروق كانت داخلة في ضمن المباحث الأصولية نفسها، فقلما تذكر العلة، مثلاً، دون ذكر السبب وما يختلف فيه كل منهما عن الآخر، أو يذكر السبب دون أن يفرّق فيما بينه وبين الشرط، أو يذكر الحكم التكليفي دون بيان ما يختلف به عن الحكم الوضعي، أو يذكر النسخ دون بيان ما يفترق به عن التخصيص، إن لم يكن بعنوان الفروق، ففي بيان ما تميز به كل منهما عن الآخر. وتُعَدُّ المباحث الأصولية التي من هذا القبيل قليلةً جداً، وهي محصورة محدودة، بخلاف المسائل الفقهية الكثيرة والمتجددة على مر العصور. ولهذا لم يجد العلماء- على ما يبدو- ما يشجعهم على إفراد الفروق الأصولية في مباحث أو كتب خاصة. وما ورد من ذلك كان قليلاً ومحدوداً، وأغلبه كان رسائل صغيرة

بمسائل معينة، ربما كانت مثار اختلاف أو جدل نتيجة اختلاط مفاهيمها عند بعض العلماء، وسنذكر طائفة منها في المطلب التالي. ولعل كتاب أنوار البروق في أنواء الفروق لأبي العباس القرافي المتوفي سنة (684 هـ) هو الكتاب اليتيم الذي يُذْكر في هذا المجال، ولكنه كان متسع الجوانب متشعباً في فروقه، ولم يكن خاصاً في مجال الفروق بين المصطلحات الأصولية، وعدّ ما فيه فروقاً بين القواعد، أو فروقاً بين الأصول فيه ضرب من التساهل، إذ الكتاب – كما سنعلم ذلك من التعريف به- متنوع الموضوعات، جامع لمصطلحات تدخل في مجالات عدة، منها ما هي في الأصول، ومنها ما هي في الفقه، ومنها ما هي في مجالات أخر. هذا ما يتعلق بالمجال الأول، أما المجال الثاني في التفريق بين الأصول، الذي هو بيان الفروق بين الأصول أو القواعد عن طريق بيان الفروق بين الأحكام، فيكون ذلك بردّ الخلافات في أحكام الفروع إلى أصول، يختلف بعضها عن بعض، فيما يترتب عليه من أحكام، ومن الممكن أن نجد في الكتب المؤلفة في تخريج الفروع على الأصول نموذجاً لها، في طائفة من الأحكام. وقد ظهر هذا النوع من التفريق في القرن الرابع الهجري، وفق المعلومات المتوفرة لدنيا. إذ إن أقدم كتاب عرفناه واطلعناه عليه في هذا المجال هو كتاب (تأسيس النظائر) لأبي الليث السمرقندي الحنفي المتوفي سنة (373 هـ) (¬1). وفي القرن الخامس عرفنا كتاب (تأسيس ¬

_ (¬1) هو أبو الليث نصر بن محمد السمرقندي الحنفي، الملقب بإمام الهدى، وهو من علماء الحنفية المشهورين، قال عنه القرشي: (هو الإمام الكبير صاحب الأقوال المفيدة والتصانيف المشهورة) توفي سنة (373 هـ)، وقيل سنة (393 هـ). ... =

النظر) المنسوب إلى أبي زيد الدبوسي المتوفي سنة (430 هـ) (¬1). وهو كتاب مطابق لكتاب تأسيس النظائر للسمرقندي (ت 373 هـ)، عدا زيادة يسيرة في آخره. ولم يُعْرَف لغير الحنفية. كتاب في هذا المجال قبل القرن السابع الهجري، إذ ألّف أبو المناقب الزنجاني المتوفي في سنة (656 هـ) (¬2) ¬

_ = من مؤلفاته: تأسيس النظائر الفقهية، وكتاب عيون المسائل، وكتاب النوازل في الفقه، وتنبيه الغافلين وبستان العارفين. راجع في ترجمته: الجواهر المضيّة للقرشي (1/ 544 و 545)، وتاج التراجم لابن قطلوبغا ص (79)، ومفتاح السعادة (2/ 142)، وكشف الظنون (1/ 334). (¬1) هو أبو زيد عبيد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي البخاري الحنفي، نسبة إلى دبوسية قرية بين بخاري وسمرقند، من فقهاء الحنفية وأصولييهم. قيل: إنه أول من وضع علم الخلاف، وأبرزه للوجود. وكان يُضْرَب به المثل في النظر واستخراج الحجج. توفي في بخاري سنة (430 هـ)، وقيل سنة (432 هـ). من مؤلفاته: تقويم الأدلة، والأنوار، وتأسيس النظر في الأصول، والأمد الأقصى في الحكم والنصائح. راجع في ترجمته: الجواهر المضيّة (2/ 449)، ومفتاح السعادة (2/ 53)، وشذرات الذهب (3/ 246)، والفتح المبين (1/ 236)، ومعجم المؤلفين (1/ 467)، ومعجم المطبوعات العربية والمعرّبة (1/ 866). (¬2) هو أبو المناقب، وقيل أبو الثناء محمود بن أحمد بن بختيار الزنجاني الشافعي. كان بحراً من بحار العلم، كما يقول الأسنوي. برز في الفقه والأصول والتفسير والحديث. استوطن بغداد وتولى فيها القضاء مدة ثم عُزل. ودرّس في المدرسة النظامية والمستنصرية، واستُشهد ببغداد أيام دخول التتار بقيادة هولاكو سنة (656 هـ). من مؤلفاته: السحر الحلال في غرائب المقال في فروع الشافعية، وتهذيب الصحاح للجوهري، وتخريج الفروع على الأصول. راجع في ترجمته: طبقات الشافعية الكبرى (5/ 154)، وطبقات الشافعية ... =

كتابه (تخريج الفروع على الأصول)، وهو كتاب قيمٌ ونافع في بابه. وفي القرن الثامن ألّف الأسنوي (ت 772 هـ) كتاب (التمهيد في تخريج الفروع على الأصول) وكتاب (الكوكب الدّري فيما يتخرج على الأصول النحوية من الفروع الفقهية). ثم خمد هذا النوع من التأليف، حتى استجاب محمد بن عبد الله التمرتاشي الحنفي المتوفي سنة (1004 هـ) (¬1) إلى نداء الأسنوي (ت 772 هـ)، ودعوته علماء المذاهب الأخرى بأن يحذوا حذوه، ويؤلفوا على نمط كتابه (التمهيد) في مذاهبهم، فألف كتابه (الوصول إلى قواعد الأصول)، نحا فيه نحو الأسنوي، ونقل عنه الشيء الكثير، وجعل الجانب التطبيقي في مجال المذهب الحنفي. ولا شكّ أنّ هذا النوع من التأليف يُظهر الاهتمام فيه في جانب الاختلاف في القاعدة الأصولية وما ينبني عليها من الأحام، وليس الغرض منه بيان الفروق بين القواعد. والذي دعانا إلى اعتباره ممثلاً لما يؤلف في الفروق الأصولية، أيضاً، ¬

_ = للأسنوي (2/ 15)، والأعلام (7/ 161)، والفتح المبين (2/ 70)، ومعجم المؤلفين (12/ 148). (¬1) هو محمد بن عبد الله بن أحمد الخطيب التمرتاشي الحنفي. ولد بغزة وتلقى علومه في البداية على مفتي الشافعية فيها، ثم سافر إلى مصر أكثر من مرة، وتفقه على الشيخ زين الدين بن نجيم صاحب البحر وغيره. فارتفع ذكره، وقصده الناس للفتوى. توفي في غزة سنة (1004 هـ). من مؤلفاته: تنوير الأبصار وجامع البحار، ومعين المفتي على جواب المستفتي، ومسعف الحكام على الأحكام، والوصول إلى قواعد الأصول، ورسائل كثيرة منها رسالة في النقود، وغيرها. راجع في ترجمته: الأعلام (6/ 239)، والفتح المبين (3/ 86).

هو أنه قد يرد في المؤلفات التي من هذا القبيل، عند بيان اختلاف العلماء، ذكر بعض الفروق بين القواعد أو المصطلحات الأصولية، من خلال عرض الاختلاف في الأحكام، كالتفريق بين الصحيح والفاسد عند من يقول به، والواجب العيني والواجب الكفائي، والواجب الموسع والواجب المضيق، والفرق بين المكروه تنزيهاً والمكروه تحريماً، والفرق بين الحرام والمكروه تحريماً، وغيرها. فالفروق في الأحكام تقود إلى الكلام عن الفروق بين القواعد والأصول التي أدت إليها. وليس من المستنكر أن يقال إن عدّ مثل هذا ممثلاً للفروق بين القواعد الأصولية ضعيف، لكنه، مع ذلك، يظهر فيه مثل ذلك التمثيل، وإن كان قليلاً وضعيفاً وفي حاجة إلى تأويل، وإنما لجأنا إليه لشحة التأليف في هذا المجال. ولتوضيح ذلك نذكر فيما يأتي بعض الأمثلة التي ينكشف بها معنى ما نقول: 1 - جاء في تأسيس النظر أن الرجل إذا أوجب على نفسه المشي إلى الحرم أو إلى المسجد الحرام لا تلزمه حجة ولا عمرة عند أبي حنيفة، لأن اللفظ تناولها عن طريق العموم، وهو بخلاف ما لو أوجبهما أو أوجب أحدهما على نفسه على جهة الخصوص. أما صاحباه أبو يوسف (ت 182 هـ) (¬1) ومحمد بن الحسن (ت 189 هـ) فيوجبان ¬

_ (¬1) هو أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي، صاحب الإمام أبي حنيفة. من الفقهاء والأصوليين المجتهدين. وإلى جانب ذلك فهو محدّث وحافظ وعالم بالتفسير والمغازي وأيام العرب. تفقه على الإمام أبي حنيفة، وروى عنه محمد بن الحسن وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، تولى القضاء لثلاثة من خلفاء بني العباس هم: المهدي والهادي والرشيد. ودُعي بقاضي القضاة. توفي في بغداد سنة (182 هـ). من مؤلفاته: كتاب الخراج، وأدب القاضي، واختلاف الأمصار، وكتاب البيوع، ... =

عليه حجّاً أو عمرة، لأن البيت يدخل في الحرم في الذكر اللفظي العام، فصار كما لو ذكر بيت الله تعالى - نصاً- وفي هذا تفريق بين ما يتناوله اللفظ، في دلالته، عن طريق العموم، وما يتناوله عن طريق النص والخصوص. ولو لم يكن هناك فرق ما اختلف الحكمان عند الاختلاف في هذا الأصل (¬1). وعلى ذلك بنوا مسائل كثيرة، منها: أنه إذا قال الرجل لامرأته: أنت عليّ كأمي ولا نية له فإنه لا يصير مظاهراً عند أبي حنيفة، وذلك لأن ظهر الأم إنما يدخل بطريق العموم، فلا يجعل كالمخصص به. وعند صاحبيه يصير مظاهراً (1). 2 - ذهب الشافعي (ت 204 هـ) - رحمه الله- إلى أن الخارج النجس من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، لأن النص ورد بخروجه من أحد السبيلين، خلافاً لأبي حنيفة (ت 150 هـ) - رحمه الله- الذي ذهب إلى أنه ناقضٌ للوضوء. ومن ذلك عدم إيجاب الكفارة فيمن أفطر في نهار رمضان عامداً بالأكل والشرب، لأن النص ورد بخصوص الجماع، خلافاً للحنفية الذين أوجبوها بذلك أيضاً. وهذا بناء على التفريق بين العلة المتعدية والعلة القاصرة، فالحنفية يمنعون التعليل بالقاصرة متى أمنت المتعدية، والشافعية يجيزون ذلك: ¬

_ = وغيرها. راجع في ترجمته: الجواهر المضيّة (3/ 111)، والفهرست ص (286)، وطبقات الفقهاء للشيرازي ص (134)، وأخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري ص (90)، والفتح المبين (1/ 108)، ومعجم المؤلفين (13/ 240). (¬1) انظر هذا الأصل والفروع المبنية عليه في تأسيس النظر ص (22 - 26).

وهذه الأحكام اقتضت التفريق بين العلل القاصرة (¬1). ومبررات تجويز التعليل بالقاصرة، مع إمكان المتعدية وعدم تجويزه عند عدم إمكان ذلك، وفي هذا نوع كلام في الفرق. 3 - ذهب الشافعية إلى أن الإجارة الفاسدة لا تفيد ملك المنافع، وإلى أن بيع المكره وإجارته لا ينعقدان، وإلى أن العاصي بسفره لا يترخص ترخص المسافرين، وخالفهم الحنفية في ذل. والاختلاف في الأحكام، هنا، مبنيّ على التفريق بين الصحيح والفاسد، أو عدمه. فالشافعية الذين لم يفرقوا بينهما أبطلوا جميع هذه التصرفات، والحنفية الذين فرقوا بينهما اعتدوا بذلك بشروط وقيود (¬2). والصحة والبطلان من الأحكام الوضعية، وهي من مباحث علم أصول الفقه. 4 - فرّقت طائفة من العلماء بين ما هو فرضٌ من الأفعال وما هو واجب، ولم تجعلهما شيئاً واحداً، وبنت ذلك على الدليل الأصولي الذي يثبت به كلٌّ منهما. وفي هذا تفريق بين نوعين من الأدلة يختلف ما يترتب عليهما بناء على الاختلاف الواقع بينهما، فالفرض يثبت بالقطعي، والواجب يثبت بما هو دونه، إلى غير ذلك من الأمور. ¬

_ (¬1) انظر الخلاف في ذلك، والفروع التي انبنت عليه في تخريج الفروع على الأصول ص (47) وما بعدها. (¬2) انظر ذلك في كتاب تخريج الفروع على الأصول ص (168) وما بعدها.

المطلب الثاني المؤلفات في الفروق الأصولية

المطلب الثاني المؤلفات في الفروق الأصولية يشمل التأليف في مجال الفروق الأصولية القواعد والضوابط والمعاني الواسعة الشاملة التي لا تقف عند حدود المسائل الجزئية، ومنها المصطلحات ذات الدلالات المحددة المعينة، وما تمت إلى ذلك من الأمور، ومثل هذا النوع من التأليف في الفروق ذو فائدة عظيمة لما في معرفة الفروق الأصولية نفسها من الفوائد الكثيرة التي سبق ذكرُ طائفةٍ منها. كما أنه يعطي تصوراً واضحاً ودقيقاً لكثير من المسائل والأحكام، وقد عدَّ القرافي (ت 684 هـ) هذا النوع من الفروق في مرتبة أعلى من مرتبة البحث بين المسائل الجزئية وقال: (فله من الشرف على تلك الكتب شرف الأصول على الفروع) (¬1). والمؤلفات في هذا المجال قليلة جداً، نذكر فيما يأتي أهم ما عرفناه منها: 1 - أنوار البروق في أنواء الفروق، المشتهر باسم الفروق لشهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي الصنهاجي المالكي المتوفي سنة (684 هـ). وهو من الكتب النفيسة ذات الفوائد العظيمة، ويدل على طول باع مؤلفه في دقة الفهم، وحسن الإدراك. وقد ضمّن كتابه (548) قاعدة وضح كلاً منها بما يناسبها من الفروع الفقهية. ولم تكن القواعد عنده ما عرف في اصطلاح أهل الفن، وإنما هي أوسع من ذلك، فتشمل إلى جانب ما عرف في الاصطلاح، المعاني العامة للأحكام. ومن أمثلة موضوعاته التي فرق بينها: ¬

_ (¬1) أنوار البروق (1/ 4).

الفرق بين الشهادة والرواية، والفرق بين قاعدتي الخبر والإنشاء، والفرق بين قاعدتي الشرط والاستثناء في الشريعة ولسان العرب، والفرق بين قاعدتي الشرط والمانع، والفرق بين قاعدتي ما تشرع فيه البسملة وما لا تشرع، والفرق بين قاعدة المقاصد وقاعدة الوسائل، والفرق بين قاعدة اقتضاء النهي الفساد في نفس الماهية وبين قاعدة اقتضاء النهي الفساد في أمر خارج عنها، والفرق بين قاعدة النسيان في العادات لا يقدح، وقاعدة الجهل يقدح. وقد بين المؤلف منهجه في كتابه، فقال: (وجعلت مبادئ البحث في القواعد بذكر الفروق والسؤال عنها بين فرعين أو قاعدتين، فإن وقع السؤال عن الفرق بين الفرعين فبيانه بذكر قاعدة أو قاعدتين يحصل بهما الفرق، وهما المقصودتان، وذكر الفرق وسيلة لتحصيلهما، وإن وقع السؤال عن الفرق بين القاعدتين فالمقصود تحقيقهما، ويكون تحقيقهما بالسؤال عن الفرق بينهما أولى من تحقيقهما بغير ذلك، فإن ضمَّ القاعدة إلى ما يُشاكلها في الظاهر ويضادها في الباطن أولى (¬1). وإنما اعتبرنا هذا الكتاب في الفروق الأصولية لكونه احتوى على كثير من الفروق بين المصطلحات والقواعد الأصولية (¬2)، ولأنه بحث الفروق بين المصطلحات العامة، سواء كانت لغوية أو فقهية أو غيرها، بمنهج تقعيدي، ولم يكن بحثه فيها متعلقاً بجزئيات الأحكام، وأسباب اختلاف بعضها عن بعض، وإن كان مثل ذلك يرد ¬

_ (¬1) أنوار البروق (1/ 3). (¬2) ومن أمثلة ذلك: ... =

في كلامه، لكنه كان من آثار الفروق بين المفاهيم والمصطلحات. وعدّ ما يذكره المؤلف فروقاً بين القواعد بإطلاق فيه نوع من التساهل، سواء كان من المؤلف نفسه، أو من الكاتبين الذين جاؤوا بعده. هذا وقد كتب حول هذا الكتاب تعليقات وحواشٍ ومختصرات، نذكر منها ما يأتي: أ- إدرار الشروق على أنواء الفروق لسراج الدين قاسم بن عبد الله الأنصاري المعروف بابن الشاط المتوفي سنة (723 هـ) (¬1). وقد ¬

_ = * الفرق بين قاعدة خطاب التكليف، وقاعدة خطاب الوضع. * الفرق بين قاعدة تقدم الحكم على سببه دون شرطه، أو شرطه دون سببه، وبين قاعدة تقدُّمه على السبب والشرط جميعاً. * الفرق بين قاعدة النهي الخاص وبين قاعدة النهي العام. * الفرق بين قاعدة المأمور به يصح مع التخيير، وقاعدة النهي عنه لا يصح مع التخيير. * الفرق بين قاعدة خطاب غير المعين، وقاعدة الخطاب بغير المعين. * الفرق بين قاعدة المقاصد، وقاعدة الوسائل. * الفرق بين قاعدة مفهوم اللقب، وبين قاعدة غيره من المفهومات. وغير ذلك كثير. (¬1) هو قاسم بن عبد الله بن محمد الشاط الأنصاري الأشبيلي، الملقب بسراج الدين. من فقهاء المالكية وأصولييهم ونظارهم مع إحاطة بعلوم أخرى. نعت بجودة الفكر. توفي سنة (723 هـ). من مؤلفاته: إدرار الشروق على أنوار البروق في تعقب مسائل القواعد والفروق، وغنية الرائض في علم الفرائض، وتحرير الجواب في توفير الثواب، وغيرها. راجع في ترجمته: الديباج المذهب ص (225)، والفتح المبين (2/ 123)، ومعجم المؤلفين (8/ 105)، والأعلام (5/ 177).

تعقب فيه القرافي، وصحح بعض معلوماته. ولأهمية تعقيبات ابن الشاط قيل: (عليك بفروق القرافي، ولا تقبل منها إلا ما قبله ابن الشاط، كما في ضوء الشموع) (¬1). ب- تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية للشيخ محمد علي بن حسين المتوفي سنة (1367 هـ) (¬2). وهو تهذيب لفروق القرافي، مع مراعاة ما كتبه ابن الشاط (ت 723 هـ) في إدرار الشروق، وهو تلخيص، كما ذكر المؤلف، للكتابين المذكورين، مع التهذيب والترتيب والتوضيح. وفيه زيادات قليلة، وإجابات عن إشكالات ترك جوابها. ج- مختصر قواعد القرافي (ت 684 هـ) لأبي عبد الله محمد بن إبراهيم البّقوري المتوفي سنة (707 هـ) (¬3). وقد طبع هذا ¬

_ (¬1) تهذيب الفروق والقواعد السنية (1/ 3) بحاشية الفروق للقرافي. (¬2) هو محمد علي بن حسين بن إبراهيم المالكي المكي. مغربي الأصل. ولد بمكة وتعلم فيها. وتنقل في عدد من البلدان كإندونيسيا وسومطرة والملايا. برع في الفقه والنحو وعلوم أخرى، وتولى الإفتاء للمالكية بمكة. توفي سنة (1367 هـ) /1948 م). من مؤلفاته: تهذيب الفروق، وتدريب الطلاب في قواعد الإعراب، والسوانح الحازمة وغيرها. راجع في ترجمته: الأعلام (6/ 305). (¬3) هو أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن محمد البقوري الأندلسي المالكي، من فقهاء المالكية وأصولييهم ومحدثيهم زار مصر في طريقه إلى الحج، وعند رجوعه توفي في مراكش سنة (707 هـ). والبقوري نسبة إلى بقور من بلدان الأندلس. من مؤلفاته: إكمال الإكمال للقاضي عياض على شرح صحيح مسلم، وحاشية على فروق القرافي. ... =

الكتاب محققاً بجزئين (¬1) باسم (ترتيب الفروق واختصارها). ولعل ذلك يعود على واقع الكتاب نفسه، وإلى أن المخطوطات التي اعتمد عليها المحقق، منها ما ذكر الكتاب باسم ترتيب الفروق، ومنها ما ذكره باسم اختصار الفروق. وقد رتب المؤلف قواعد القرافي في ثلاث مجموعات. هي: القواعد النحوية وما يتعلق بها، والقواعد الأصولية، والقواعد الفقهية، وقدم لها بمجموعة من القواعد الكلية، وهي ثلاث عشرة قاعدة، أفادها من كتاب (قواعد الأحكام في مصالح الأنام) للشيخ عز الدين بن عبد السلام (ت 660 هـ)، وبذلك تكون مجموعات القواعد فيه أربعاً. ومن الملاحظ أن الشيخ كان يُعَنْوِن مسائله باسم (قاعدة) بدلاً من (الفرق). وفي اختصار القواعد اتبع طريقة حذف بعض الأمثلة، وإسقاط بعض الكلام، وترك الكلام عن طائفة أخرى من القواعد. وكان ما ذكره (221) إحدى وعشرين ومائتي قاعدة، من مجموع القواعد التي وردت في فروق القرافي، والبالغة (548) قاعدة، أوردها في ضمن فروقه البالغة أربعة وسبعين ومائتي فرق. ¬

_ = راجع في ترجمته: الديباج المذهب ص (322) وشجرة النور الزكية ص (211)، والفتح المبين (2/ 105)، ومعجم المؤلفين (8/ 216). (¬1) طبع بتحقيق عمر بن عباد في المملكة المغربية في جزئين، الأول في 1414 هـ/ 1994 م والثاني في 1416 هـ/ 1996 م، بمطبعة فضالة، ونشرته وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية المغربية.

د- مختصر أنوار البروق لأبي عبد الله محمد بن أبي القاسم الرَّبْعي الملقب بشمس الدين المتوفي سنة (715 هـ) (¬1). هـ- ترتيب مباحث الفروق للقرافي، لعبد العزيز بوعتور التونسي. 2 - الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام، وتصرفات القاضي والإمام، لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي المتوفي سنة (684 هـ)، السابق ذكره. وهو كتاب صغير الحجم، نبّه إليه القرافي في مقدمة كتابه الفروق، فهو أسبق في زمن تأليفه من كتاب أنوار البروق. وكان سبب تأليفه مناقشة جرت بين القرافي وبعض فقهاء زمانه، بشأن (الفرق بين الفتيا التي تبقى معها فتيا المخالف، وبين الحكم الذي لا ينقضه المخالف، وبين تصرفات الحكام وتصرفات الأئمة، مثل الاختلاف في إثبات هلال رمضان بالشاهد الواحد، هل يلزم ذلك من لا يرى إثباته إلا بشاهدين أم لا؟ ... إلخ) (¬2). وجعله على هيئة أسئلة يجاب عنها، وكان عدد الأسئلة فيه أربعين سؤالاً، لكنه محصور في الجانب المحدد بالعنوان. وإنما عدّ في قسم المؤلفات في الفروق بين ¬

_ (¬1) هو أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم بن عبد السلام الرَّبْعي التونسي من علماء المالكية وقضاتهم ومفتيهم. برع في الفقه والأصول والتفسير، توفي في القاهرة سنة (715 هـ). من مؤلفاته: مختصر تفسير ابن الخطيب، ومختصر التفريع، ومختصر أنوار البروق للقرافي. راجع في ترجمته: الديباج المذهب ص (323)، ومعجم المؤلفين (11/ 141). (¬2) انظر ص (18 و 19) من الكتاب المذكور.

القواعد لتناوله معاني عامة تدخل في ضمنها كثير من الوقائع الجزئية. 3 - الليث العابث في صدمات المجالس لإسماعيل بن علي الصعيدي القاهري المحلي الشافعي المتوفي- على ما ذكره بعضهم- سنة (880 هـ) (¬1). وهو رسالة صغيرة ذكر فيها طائفة من الفروق بين طائفة من المصطلحات والضوابط الأصولية. وجعلها في القسم الثاني من كتابه، وهو قسم الصدمات. وفي عدّ هذا الكتاب من كتب الفروق بين القواعد نوع من التساهل في المصطلح يجعل المعاني العامة التي لا تقتصر على الجزئيات المحدودة، قواعد، كما كان الشأن عند القرافي. على أن ما ذكر من محتوياته يدل على أنه في الفروق بين المصطلحات الأصولية. كان منهجه ذكر الفروق بين المصطلحات المتشابهة بإيجاز، وإيراد كل فرق بين أمرين تحت عنوان (صَدْمة) (¬2). ومما ذكره من ذلك: الفرق بين الشرط اللازم والشرط غير اللازم، ¬

_ (¬1) هو إسماعيل بن علي بن حسن بن هلال بن معلّى، فقيه شافعي أصله من الصعيد. ولد في القاهرة وفيها نشأ. كان من أصدقاء السخاوي المؤرخ المعروف (ت 902 هـ). كان يتكسّب في دكّان له، ويختلس فرصاً للتدريس. كان حيّاً سنة (871 هـ) وذكر أنه توفي سنة (880 هـ). من مؤلفاته: الليث العابس في صدمات المجالس، وشرح قواعد ابن هشام. راجع في ترجمته: الأعلام (1/ 319 و 320)، ومعجم المؤلفين (2/ 280). (¬2) الفروق في مسائل الحكم للدكتور راشد بن علي الحاي ص (22) (رسالة دكتوراه على الآلة الكاتبة).

والفرق بين الشرط والسبب، وبين السبب من حيث الاسم والمعنى، وبين السبب والعلة، وبين العلة والدليل، وبين العلة والحجة، وبين العلل الحسية والعلل الشرعية (¬1). 4 - فروق الأصول: وهو منسوب إلى عوض أفندي، الذي انتهى منه سنة (1234 هـ). كان فرقه الأول بين الشرط اللازم والشرط غير اللازم، ومما ذكره الفرق بين الشرط والسبب (¬2). ومما يوضح طريقته ومنهجه قوله: (فرق آخر بين الشرط والسبب، فنقول: إن الشرط ما لا أثر له، لأنه علم على ثبوت الحكم، كمن قال لامرأته: أنت طالق، إن دخلت الدار، يقع الطلاق عند دخولها بقوله: أنت طالق، وهو سبب لوقوع الطلاق، عند وجود الشرط، وهو دخول الدار. ودخول الدار ¬

_ (¬1) الفروق للكرابيسي، مقدمة المحقق (1/ 12). وقد ذكر صاحب كشف الظنون أنه فرغ من تأليفه سنة (871 هـ). (2/ 1571)، وذكره البغدادي في هدية العارفين (2/ 417)، غير أن البغدادي قال: أنه في الأصول بينما قال صاحب كشف الظنون إنه في شرح مشكلات الأبيات وإعرابها، ألفه بعض العلماء تقرباً إلى الأكابر، مرتباً على الحروف الهجائية في مجلد، أوله (الحمد لله رب العالمين). ولعل الكتاب جامع لموضوعات متعددة، كانت الفروق بعض ما فيه. ولهذا اختلف حكم هؤلاء عليه، والذي يرشح ذلك أن محقق الفروق للكرابيسي ذكر أن فروق الأصول فيه من ورقة (13) إلى ورقة (21). انظر مقدمة محقق الفروق للكرابيسي (1/ 12). (¬2) الفروق لأبي الفضل الدمشقي – مقدمة المحققين ص (30). وقد ذكر المحققان أنه توجد نسخة مخطوطة منه بدار الكتب الوطنية بتونس ضمن مجموع رقمه (7329) من ورقة (15) إلى ورقة (22).

ليس بمؤثر في وقوع الطلاق، لكن السبب قد تعلق بالشرط، فأثر عند وجوده، فبان الفرق) (¬1). 5 - وهناك مؤلفات صغيرة في توضيح الفروق في نطاق محدود، منها: أ- رسالة صغيرة بعنوان (الفرق بين الحكم بالصحة والحكم بالموجب) لسراج الدين عمر بن رسلان البلقيني الكناني العسقلاني الشافعي المتوفي سنة (805 هـ) (¬2). وقد ذكر فيها ستة فروق بين هذين الأمرين. ذكر السيوطي (ت 911 هـ) بعضها في كتابه (الأشباه والنظائر) (¬3). وقد حققها د. حمزة الفعر، ونشرها في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة (¬4). ب- الفرق بين الحكم بالصحة والحكم بالموجب لولي الدين أحمد ابن عبد الرحيم المعروف بأبي زرعة العراقي المتوفي سنة ¬

_ (¬1) انظر مقدمة محققي (الفروق الفقهية) لمسلم الدمشقي ص (30 و 31). (¬2) هو عمر بن رسلان بن نصير البلقيني الكناني العسقلاني الشافعي الملقب بسراج الدين. من علماء الشافعية ذوي المكانة المرموقة في عصره. أثنى عليه مشايخه، وقيل إنه كان أعجوبة عصره في الحفظ والاستذكار. برع في الفقه والأصول وعلوم أخرى توفي سنة (805 هـ) في القاهرة. من مؤلفاته: تصحيح المنهاج في الفقه، ومحاسن الاطلاع في الحديث، وحواش على الروضة، ورسالة في الفرق بين الحكم بالصحة، والحكم بالموجب، وغيرها. راجع في ترجمته: شذرات الذهب (7/ 51)، والفتح المبين (3/ 10) والأعلام، (5/ 46)، ومعجم المؤلفين (7/ 284). (¬3) ص (558). (¬4) العدد 13 السنة الرابعة سنة (1412 هـ).

(829 هـ) (¬1). ذكر المؤلف فيه أنه وجد لشيخه البلقيني (ت 805 هـ) فروقاً أبداها في الفرق بين الحكم بالصحة، والحكم بالموجب. وقال: كنت سمعتها منه، أو بعضها، وفي كلها أو بعضها نظرٌ سأذكره ... إلخ) (¬2). ج- الفرق بين العلم بالوجه وبين العلم بالشيء من ذلك الوجه، لابن كمال باشا المتوفي سنة (940 هـ) (¬3). وقد نشرها عبد الرحمن ¬

_ (¬1) هو أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن الكردي الأصل، القاهري المولد الشافعي المذهب، الملقب بولي الدين، والمعروف بابن العراقي الصغير. فقيه وأصولي ومشارك في عدد من العلوم كالحديث والعربية وغيرها. ولي القضاء سنة (824 هـ)، وتوفي سنة (829 هـ). من مؤلفاته: شرح جمع الجوامع، وشرح سنن أبي داود، ومختصر الكشاف وتخريج أحاديثه، ورسالة في الفرق بين الحكم بالصحة، والحكم بالصحة، والحكم بالموجب. راجع في ترجمته: شذرات الذهب (7/ 173)، والأعلام (1/ 148). (¬2) الفواكه العديدة في المسائل المفيدة للشيخ أحمد محمد المنقور (2/ 107)، والفتح المبين (3/ 28). (¬3) هو أحمد بن سليمان بن كمال باشا الحنفي، الملقب بشمس الدين والشهير بابن كمال باشا، كان تركياً مستعرباً من أهالي أدرنة. اشتغل بالعلم وهو شاب، وقرأ على من كان في بلده من العلماء، وبعد إتقانه العلوم اشتغل بالتدريس، ثم صار قاضياً، ثم تولى أمر دار الحديث، ثم صار في آخر عهده مفتياً في القسطنطينية حتى توفاه الله سنة (940 هـ). من مؤلفاته: تفسير للقرآن لم يتمه، حواشٍ على تفسير الكشاف، وتجريد التجريد في علم الكلام، وحواشٍ على شرح المفتاح للسيد الشريف الجرجاني، وحواشٍ على التلويح، وغيرها. راجع في ترجمته: شذرات الذهب (8/ 238)، الأعلام (1/ 133).

ابن عقيل في (الذخيرة في المصنفات الصغيرة) (¬1). وذكرها بعض الباحثين باسم (فروق الأصول) (¬2). د- إتقان الضبط في الفرق بين السبب والشرط. جاء في آخرها (انتهت على يد ابن مؤلفها محمد الطيب وفقه الله وأسعده برضاه آمين بتاريخ الحادي عشر من ربيع الأنوار عام ست وخمسين ومائتين وألف) (¬3). هـ- فروق الأصول. وهي رسالة لبعض المتأخرين. قال حاجي خليفة (¬4): (إن أولها الحمد لله المحمود، ذي القدم الموجود ..) (¬5). 6 - ومن المؤلفات المعاصرة: ¬

_ (¬1) السفر الأول ص (281 - 285)، انظر الإشارات إلى أسماء الرسائل المودعة في بطون المجلات ص (124) لأبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمانه. (¬2) الفروق في مسائل الحكم عند الأصوليين ص (20) (على الآلة الكاتبة). (¬3) المصدر السابق ص (21). (¬4) هو مصطفى بن عبد الله القسطنطيني الحنفي الشهير بين علماء بلده بكاتب جلبي، وبين أهل الديوان بحاجي خليفة. تركي الأصل مؤرخ بحّاثة عارف بالكتب ومشارك في بعض العلوم. تولى أعمالاً كتابية، وتنقل في البلدان، واهتم بتدوين أسماء الكتب. توفي في القسطنطينية سنة (1067 هـ). من مؤلفاته: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، وهو من أنفع وأجمع ما كتب في موضوعه في اللغة العربية، وتحفة الكبار في أسفار البحار، ومسلم الوصول إلى طبقات الفحول، وغيرها. راجع في ترجمته: مقدمة كشف الظنون (1/ 732)، والأعلام (7/ 236)، ومعجم المؤلفين (12/ 262). (¬5) كشف الظنون (2/ 1257).

أ- الفروق في أصول الفقه. لعبد اللطيف الحمد. وهو رسالة دكتوراه سُجِّلت في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، ذكر فيها مائة وتسعين فرقاً، نبه عليها الأصوليون. وجعل بحثه في ثلاثة أبواب، الباب الأول في فصلين أولهما في الفروق في المقدمات، وثانيهما في الفروق في الأحكام، ومجموع فروق هذا الباب 64 أربعة وستون فرقاً. والباب الثاني في الفروق في الأدلة والاجتهاد والفتوى. وهو في ثلاثة فصول، الأول في الأدلة النقلية، والثاني في الأدلة الاستنباطية، والثالث في الاجتهاد والتقليد والفتوى والتعارض والترجيح. ومجموع فروق هذا الباب 63 ثلاثة وستون فرقاً. والباب الثالث في ثلاثة فصول، الأول في الألفاظ، والثاني في عوارض الأدلة، والثالث في الأوامر والنواهي، ومجموع فروق هذا الباب 63 ثلاثة وستون فرقاً. ب- الفروق في مسائل الحكم عند الأصوليين للدكتور راشد بن علي الحاي، وهو رسالة دكتوراه قدمت إلى كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ومجالها أضيف من مجال الرسالة السابقة.

خاتمة

خاتمة اتضح لنا من خلال ما قدمناه من عرض لموضوع الفروق، في مجالي المسائل الفقهية الفرعية، والقواعد والضوابط الفقهية والأصولية الكلية ما يأتي: 1 - أن الفروق لم تدرس من الجانب النظري على أنها علم من العلوم، سواء كان ذلك في مجال الفقه أو الأصول، بل إن ما اطلعنا عليه من الكتب المؤلفة في الفروق، كان يبدأ ببيان الفروق بين المسائل الفقهية مباشرةً، ووفق ترتيب الأبواب الفقهية، دون بيان معنى الفروق وما يقصد منها. وكان قليل منها يذكر سبق غيره في ذلك، ولكن دون توضيح وبيان لما يقصد منها، وإن كان بعضها يشير إلى أهمية معرفتها، والفائدة المتوخاة منها (¬1). 2 - إن الفقهاء نشطوا في المجال التطبيقي للفروق، وأثروه بطائفة من المؤلفات المبينة للفروق بين المسائل وأسبابها. أما مجال الأصول فكان الكلام عن الفروق فيه يجري من خلال عرض قضايا ومسائل أصول الفقه في مظانها المعلومة، وفق المنهج الذي ذكرناه في موضعه، وما ظهر من مؤلفات كان في مجال محدود، وكانت قليلة جداً، إذا قيست بالمؤلفات في مجال الفروق الفقهية. ولم نعرف كتاباً خاصاً في ذلك. أما كتاب الفروق للقرافي (ت 684 هـ) فعدّه كتاباً خاصاً ¬

_ (¬1) الفروق الفقهية للدمشقي ص (61 و 62).

في هذا المجال يُعَدّ ضرباً من التساهل، لأن الكتاب واسع التناول للموضوعات، وفيه إطلاق القواعد على طائفة من الأمور لا تُعَدّ في عرف العلماء من القواعد. 3 - ومن الملاحظ أن طائفة من كتب الفروق كان الغرض من تأليفها الدفاع عن المذهب وإزالة ما يرى فيه من تعارض أو تناقض. قال الونشريسي (ت 914 هـ): أما بعد: فإني كنت قد وضعت في الجموع والفروق مجموعاً مطبوعاً وسميته بعدة البروق في جمع ما في المذهب من الجموع والفروق، يستعان به على حل كثير من المناقضات الواقعة في المدونة، وغيرها من أمهات الروايات) (¬1). ويبدو أن هذا كان هو الغرض من المؤلفات الأخرى، وإن لم يصرح أصحابها بذلك. ولهذا فمن المتوقع أن يكون في طائفة منها شيء من التكلف، وضعف التأويل. 4 - اكتفى مؤلفو الفروق ببيان الفرق بين المسائل، دون أن يعيّنوا نوعها، أهي خصوصية في الأصل بإبداء وصف يصلح أن يكون علة مستقلة للحكم أو جزء علة، أو خصوصية في الفرع تصلح أن تكون مانعاً. وعلى هذا فإننا نجد أن أمام العلماء المعاصرين مجالات عدة، للكتابة في الفروق، يمكن أن نجمل بعضها فيما يأتي: أ- دراسة علم الفروق دراسة نظرية موسعة، تتناول المقدمات الأساسية فيه، وتطوره ومساره التاريخي، والتعريف بما أُلّف فيه. ¬

_ (¬1) عدة البروق ص (79).

ب- ملاحظة ما يرد في كتب الفقه من الفروق ومقارنتها بما يذكر في كتب الفروق، مما يطلع الباحث على المجالات التي أهمل ذكرها في هذه الكتب، وبذلك تتحقق إضافات مفيدة إلى الكتب الموجودة. ج- دراسة الفروق المذكورة نفسها، وبيان وجاهتها فيما ذكرت فيه. د- بيان نوع الفروق التي وردت في كتب الفروق، أهي خصوصية في الأصل، أو خصوصية في الفرع؟ وما هي هذه الخصوصية. هذا ومن الممكن أن يجد الباحث مجالات أخر للبحث في هذا العلم. ولا يفوتني أن أؤكد ما ذكرته في المقدمة، من أن بحثي هذا ربما كان نواة لبحوث أكثر تجلية لمسائل هذا العلم، وأن ما أردته، هو أن يكون محققاً فائدة للباحثين. والله جل ثناؤه الموفق

§1/1