الفروق الفقهية للدمشقي

أبو الفضل الدمشقي

دار الحكمة للطباعة والتوزيع والنشر الهضبة الخضراء - تقسيم ابن خلدون الطبعه الأولى، 2007 م

[مقدمة التحقيق]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة الطبعة الثانية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين لقد كان من ثمرات جهودنا العلمية نشر الفروق الفقهية لأبي الفضل مسلم الدمشقي في طبعته الأولى سنة 1992. واعتبرنا هذه الفروق من أطيب ثمار بستان علوم الفقه وكانت بهجتنا بصدوره غامرة، فهي من عطاء عالم من العلماء الذين لم تكتب لهم الشهرة، عالم استفاد كثيراً من أبرز أعلام المدرسة المالكية بالعراق القاضي عبد الوهاب البغدادي، وهي تنتمي إلى فن مهم من فنون الفقه الإسلامي توسع وأثري بفضل جهود أعلام الفقه، وتحقيقهم وبحثهم، ونظرهم في علل الأحكام، هو فن يسعد به من تقدم في دراسة الفروع الفقهية وحصلت له ملكة، فن يكون رافداً من روافد نهر علم مقاصد الشريعة. وفي الدراسة التي قدمنا بها لتحقيق الطبعة الأولى من فروق الدمشقي نبذة عن أهمية الفروق الفقهية تجلي فوائدها، نأمل أن يكون لنا بها إسهام علمي في بيان أهمية الفروق الفقهية، وتطور التأليف فيها. وفروق الدمشقي بعد ظهور طبعتها الأولى، عرفت بهذا العالم المغمور، وأبرزت منهجه في كتابه، وأفادت بمجموعة من الفروق الجارية على أحكام مذهبه المالكي سواء كانت موضوع قلمه أو من جمعه ونقله، مع ترتيبه

وتنسيقه، وموافقته على أحكامها واستنتاخه واجتهاده، وهو ما عهدناه في التصنيف الفقهي قديماً لدى علماء مختلف المذاهب التشريعية. لقيت تلك الطبعة من طلبة الفقه ورواد الثقافة الإسلامية من الإقبال ما أتاح لنا البهجة وما أثلج منا الصدر، فسرعان ما نفذت نسخها، وتساءل الكثير من طلبتنا عن الطريقة للحصول على نسخ من الكتاب، فلم يكن بدء من إعادة الطبع تلبية للرغبات، وكان الناشر للطبعة الأولى منصرفاً إلى الكتب ذات الحجم الكبير مهتماً بتوفير الموضوعات التي يعجز الكثير من الناشرين عن طبعها، أعانه الله وزادهُ من الفضل والتوفيق. وها هي الفرصة تتاح من جديد للدمشقي ولنا ولقراء الفقه المالكي ظهور طبعة ثانية، بفضل اهتمام وعناية الأستاذ عبد الله القاضي صاحب الفضل في خدمة تراثنا النفيس جزاه الله خيراً وهو صاحب دار الحكمة للنشر. وعندما شرعنا في مراجعة الطبعة الأولى استعداداً للثانية أصدرت دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث بدبي (دولة الإمارات) كتاباً في الفروق الفقهية معزوا للقاضي عبد الوهاب البغدادي في طبعتين بتحقيقين مختلفين، في نطاق عنايتها بشخصية القاضي وتراثه، وكانت أقامت له مؤتمراً حافلاً في دبي (من 16 إلى 22 مارس سنة 2003). لقي فيه القاضى العناية البالغة تعريفاً بجوانب نبوغه وبمصنفاته ومنهجه في تأليفها، وبجهوده الجبارة وقيمته بين أعلام المذهب المالكي. وبأثره في تياره. ومما رأت الدار أن تتحف به المشاركين في المؤتمر وسائر القراء فروق القاضى عبد الوهاب بتحقيقها الأول الذي قام به جلال القذافي الجهاني، ثم

طبعت بعيد المؤتمر الفروق نفسها بتحقيقها الذي قام به محمود سلامة الغرياني. وكانت النسخة المعتمدة لكلا المحققين واحدة فريدة يتيمة هي نسخة مكتبة الأوقاف بطرابلس ليبيا تحمل رقم (588). وقد انخدع المحققان لما رأيا على غلافها بخط مغاير نسبة الفروق إلى القاضي عبد الوهاب، فدفعهما ذلك إلى تحقيقها مؤكدين النسبة معرضين عن العهود لدى جمهور المحققين من استعمال معايير معينة يستدل بها على معرفة عنوان الكتاب والتأكد من صيغته ومعرفة المؤلف والتأكد من نسبة الكتاب إليه. من المعروف لدى المبتدئين في تحقيق كتب التراث أن إثبات نسبة المصنفات إلى أصحابها هي أهم شيء وأخطر خطوة من خطوات التحقيق، وقد تحدث المتخصصون عن هذه الطريقة طويلاً، ونحن ننصح المحققين بقراءة بعض الكتب التي ألفت في مناهج تحقيق التراث والتي عدد أربى المطبوعات منها على الخمسين كتاباً. ومن الواضح أن وجود اسم أحد المؤلفين على غلاف كتاب أو أول ورقة منه، ولو كانت بنفس الخط، لا ينفع وحده أبداً لإثبات نسبة الكتاب إلى مؤلفه، ومن يعتمد على ذلك فهو في جهل عظيم بفن التحقيق، وهذا الذي حدث لنسخة طرابلس. ثم إن هذه النسخة كانت النسبة فيها إلى المؤلف بخط مغاير، وقد أخبرنا الأستاذ إبراهيم الشريف (قسم المخطوطات بمركز جهاد الليبين) أنه بيّن هذه المغايرة لمن يطلب تصويرها، ولكنهم لم يأبهوا بذلك، وقد انزلقت أقدام كثير من المحققين انخدعوا بما وجدوا على بعض المخطوطات من

نسبتها إلى غير أهلها بخطوط ناسخين تجهل أغراضهم، ولا يعرف مستواهم العلمي والخلقي. ومن هؤلاء المحققين من تدارك خطأه بالرجوع عن ذلك. نعود فنقول: وإن وجود عبارة: قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب في أول ورقة في المخطوط لا يعني ذلك أن الكتاب للقاضى، وإلا لزم أن ينسب الكتاب إلى سحنون؛ لأن ثالث فرق ابتدأ بقول المؤلف: قال سحنون ... أو لزم أن ينسب الكتاب إلى مالك؛ لأن كثيراً من الفروق بدايتها: قال مالك. هذا مما لا يصح أبداً. وإنما معني ذلك أن صاحب الكتاب جمع فروقاً كثيرة لعلماء شتي، بعض هذه الفروق بل كثير منها للقاضي عبد الوهاب. وإذا اعتمدنا -في مناهج التحقيق- الاكتفاء بأول عبارة يبتدئ بها المؤلفون النقول عمن سبقهم، فإنه يلزم أن ننسب كتاب (كتاب البروق) للونشريسي إلى عبد الحق الصقلي؛ لأن أول فرق فيه منقول عنه أفيعقل ذلك؟ ثم كيف يعقل أن يقول القاضى وهو صاحب التأليف أو أحد المؤلفين عن نفسه عبارة (رحمه الله) وهو حي أثناء تأليف الكتاب؟ وإنما المعقول أن يقولها في حق غيره ممن نقل عنه أو استفاد منه. وقول الأستاذ الجهاني عن نسخة طرابلس من الفروق: (لم يذكر المحققان أنها نسبت إلى القاضي عبد الوهاب، بل نفياً أنها نسبت لأحد) أما في شقه الأول فصحيح، فإننا لم ننسبها للقاضي؛ لأننا جازمون بأنها ليست له، وأما الشق الثاني فغير صحيح، إذ أننا لم ننسب هذه النسخة لأحد؛ بل لم نتحدث عن نسبتها مطلقاً، ونحن إنما استعنا بها لا على أنها للدمشقي، وإنما لأننا

استفدنا منها أثناء المقابلة في الألفاظ، ولم نفعل ما فعل الأستاذ محمود الغرياني حيث اعتمد في تحقيق الكتاب الذي نسبه إلى القاضي - كالمحقق الأول على فروق الدمشقي مع أنه منكرٌ نسبته إليه، فكيف ينفيه تارة، وينسبه إلى الدمشقي تارة أخرى عندما يعتمد عليه، وإن هذا الشيء عجيب. ومما يؤكد أن نسخة طرابلس لا يمكن نسبتها إلى القاضي ما جاء في الفروق ص 91، ص 95 من النسخة المطبوعة بتحقيق الجهاني: "هذا قول بعض شيوخنا" أهـ. وجاء في نفس الفرق من فروق الدمشقي -الذي هو للقاضي عبد الوهاب على رأي السيد محمود- الفرق 34 ص 84 في نفس الموضوع: "وهذا قول القاضي -رحمه الله- في الدرس" اهـ. ولا شك أنه يعني القاضي عبد الوهاب؛ لأن هذا التفريق للقاضي عبد الوهاب نص عليه في شرح الرسالة عند قول صاحبها: ومن عليه دنانير أو دراهم من بيع ..... ينظر الجزء الرابع ص 279 - 280 من نسخة تمكروت المخطوطة. وهكذا يفند هذا الدليل نسبة المخطوطة إلى القاضي عبد الوهاب، ويثبت نسبة الفروق للدمشقي الذي توخى الأمانة بنسبة القول الفقهي لشيخه القاضي. وكما ترون فإن هذا الدليل لم ينهض إلا بالاطلاع على مصنف آخر للقاضي ما زال مخطوطاً، وهو شرح القاضي على الرسالة. وهذا الشرح المهم أسعفنا بدليل آخر يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك وَهْمَ من عزا نسخة طرابلس إلى القاضي وهو الدليل التالي: عندما تعرض القاضي عبد الوهاب في شرح الرسالة (مخطوطة تمكروت ج 5 ص 138 - 139) للمفاضلة بين مكة والمدينة واستدل لرأيه بَيَّنَ أن بعض الحانقين عمل مسألة في رد إجماع أهل المدينة زعم أنه نقض بها كلام القاضي أبي

الفرج -رحمه الله- .... ثم أتى بكلام هذا الرجل بلفظه، ثم قال: (وقد أجبنا عن كلام هذا الرذل وما أورده من الجهل في مقدمات كتاب الفروق ما أنت إن شاء الله تقف عليه ويرضيك ما أثبتناه فيه وبالله التوفيق) أهـ. فأين هذا الجواب، بل أين كلام صاحب الرد في فروق الدمشقي -الذي نسبناه خطأ إلى الدمشقي وهو للقاضى على رأي المحققين الجهاني والغرياني - وأين ذلك في كتاب الفروق الثابت النسبة إلى القاضي على زعمهما؟ أم النسخة التي أعتمدا عليها مبتورة الأول؟ أما قول الأستاذ الجهاني ص 18 في مقدمة تحقيقه معتمداً على ما قلناه أثناء تحقيق فروق الدمشقي في نقل عبارة القاضي عبد الوهاب في فروقه من قِبَلِ المواق، حيث عقب على ذلك بقوله: "فيها أن المواق قد وقف على كتاب القاضي عبد الوهاب، ونقل منه نصاً غير موجود في الفروق الدمشقية (1) بينما هو موجود في هذه النسخة المنسوبة للقاضي عبد الوهاب ... إلا إذا افترضنا أن الدمشقي نقلها من كتاب آخر من كتب القاضي عبد الوهاب -رحمه الله- لأن هناك فروقاً نقلها بالحرف عن فروق القاضي: وقد نسب المواق بعضها في عدة مواضع من كتابه إلى القاضى عبد الوهاب ولم ينسبها إلى الدمشقي (ثم ذكر تلك المواضع) أهـ. ظن المحقق الجهاني أن نقل المواق لبعض فروق القاضي في كتابه يثبت نسخة طرابلس إليه، وهذا فهم في غاية العجب، فإننا لم نختلف في أن ما نقله المواق أو غيره هو للقاضي عبد الوهاب، بل هو له، لكن الكلام منصب على الكتاب إليه. وإذا صح نسبة الكتاب إلى مؤلف بمجرد وجود كلام له نقله غيره عنه فيجب أن ننسب كتاب المواق إلى القاضي عبد الوهاب لأن به

فروقاً له. وهذا لا يقول به عاقل. ثم كيف ينتظر المحقق بفهمه هذا من المواق أن ينسب الفرق للدمشقي، وهو من كلام عبد الوهاب حتى ولو نقله غيره، فإن الكلام ينسب إلى صاحبه، وحتى نوضح المسألة لهذا المحقق مع أن ذكرها يستحيي منه لأن المبتدئين يعرفون ذلك، ولكننا مضطرون لمجاراة هذا الفهم العجيب فنقول: على فرض وجدنا كلاماً لابن عطية مثلاً في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، وأردنا أن ننقل هذا الكلام ولم يكن عندنا كتاب المحرر الوجيز أو كان عندنا ولكننا لم نجده فيه في موضعه المتوقع سنقول بلا شك: قال ابن عطية، ثم نذكر كلامه اعتماداً على ما جاء في كتاب القرطبي وما أكثر القول عن ابن عطية في تفسير القرطبي، ولا يمكن -والحالة هذه- أن يأتي أحد غريب الفهم فينسب كتاب القرطبي إلى ابن عطية. نرجع إلى مسألتنا: فإذا نقل أحد العلماء فرقاً أو فروقاً للقاضي من كتاب أحد تلاميذه أو حتى من كتاب متأخر جدًا عن زمن القاضي مثل الونشريسي، فإن النقل صحيح أعئ الفرق للقاضي وليس للدمشقي أو الونشريسي، ولكن هذا النقل لا يجعلنا ننسب الكتب التي حوت هذا الكلام إلى القاضي عبد الوهاب. وأما قول الجهاني: (أن ترتيب الكتابين يبين بما لا شك فيه أنهما كتابان مختلفان) هذا كلام صحيح، ولكن هذا لا يثبت النسخة الطرابلسية للقاضي، والأن المحقق لم يطلع إلا على نسخة طرابلس. وقد استقر في ذهنه -وأنى لك أن تتريل ذلك- أن هذه النسخة هي كتاب القاضي عبد الوهاب، ولو أطلع على بقية النسخ لوجدها كلها مختلفة ترتيباً وتنسيقاً وعدداً، لكننا لا نعرف

مؤلفيها، فلو أن المحقق -حفظه الله- وجدها أو على أغلفتها العبارة التي وضعها أحد النُّساخ على نسخة طرابلس لجزم ولابد أن هذه النسخ جميعها للقاضي عبد الوهاب، وأن القاضي لابد أن يكون قد ألف مجموعة من الكتب في الفروق، وأن ذلك قد انطلى على محققي فروق الدمشقي الذين لا خبرة لهما بفن تحقيق التراث، خصوصاً وأن الأستاذ الجهاني قد حقق كتاب النظائر ونسبه إلى من وجد اسمه مكتوباً على غلاف المخطوط وأشار إلى أن المؤلف ترجمته غير معروفة، وأن الكتاب لا تعرف له إلا هذه النسخة الوحيدة. ونقول هنا إن للكتاب نسخة في القرويين منسوبة للقاضى عبد الوهاب ولو رآها الأستاذ محمود الغرياني لسارع إلى تحقيقها ونسبتها إلى القاضي عبد الوهاب ولدفع بما إلى دار البحوث مبطلاً ما فعله الأستاذ الجهاني من نسبتها إلى القاضى الصنهاجي رقم هذه النسخة 2/ 382 ضمن مجموع، يراجع في بقية المعلومات عنها فهارس الشيخ محمد العابد الفاسي وهي أقدم من النسخة التي استعملها الأستاذ الجهاني إذ أنها منسوخة عام 973 هـ والنسخة التي اعتمدها المحقق الجهاني منسوخة على قوله سنة 1270 هـ. وتوجد نسخة في دار الكتب الوطنية بتونس منسوبة إلى أبي عمران الفاسي العالم المشهور وتوجد نسخة أخرى في تشستر بتي أيرلندا وقد نسب الكتاب فيها إلى ابن عبدون! مختلفة الترتيب مع النسختين السابقتين، ولكن المحتوى هو هو، فقد جاءت المسائل التي ابتدأت بها النسختان الأخريان جاءت في الورقة 13 /و. فهل تكفي هذه الكتابة في إثبات نسبة الكتاب إلى ابن عبدون أو إلى القاضي عبد الوهاب أو إلى غيره. ونزيد فنذكر الأستاذ الجاني إلي نسخة أيرلندا التي نسبت الكتاب إلى ابن عبدون قد نسبته إليه في الغلاف، وفي أول

مسألة وعند نهاية الكتاب. فهل هذا كاف؟ وحتى هذه النسخة التي ظن الأستاذ الجهاني أنها الوحيدة من كتاب النظائر والتي لم يعلق عليها إلا ست مرات في الكتاب تعليقات لا معني لها، فبقى الكتاب بحاجة إلى تحقيق زيادة على تصحيح النسبة، ولا نريد هنا أن نتتبع أخطاء الكتاب وتصحيفاته. أما المحقق الثاني الأستاذ محمود الغرياني فقد غمرته الفرحة -أكثر من صاحبه- باطلاعه على نسخة طرابلس، فظن أنه الوحيد الذي اطلع واكتشف هذا الكتاب فقال في مقدمة تحقيقه ص 9: "فهذا كتاب الفروق الفقهية للقاضي عبد الوهاب أقدمه اليوم في هذه الصورة محققاً على نسخة خطية وحيدة، تفردت بنسبة هذه الفروق للقاضي عبد الوهاب تصريحاً، ليكون تصحيحاً لخطأ توثيق غريب، كاد يؤدي إلى إزاحة هذا الجزء من تراث القاضي عبد الوهاب من النشر والظهور ... ". ثم تحدث المحقق الذي اكتشف هذه النسبة للكتاب، والتي غابت عن الناس قبله، رغم قراءتمم لهذه النسخة قبل اطلاع المحقق عليها بعقدين من الزمن، تحدث عن الداعي لنشره فقال: "وإذا كان هناك من داع لنشر هذا الكتاب منسوباً لمؤلفه رغم نشر نصف مادته -أو أكثر قليلاً- منسوبة لتلميذه الدمشقي، فهو إعادة الفضل لأهله .... ". وتحت عنوان (العثور على المخطوطة) قال المحقق: وعند مراجعة ما كتبه المحققان اتضح أيضاً أنهما (أي محققي كتاب فروق الدمشقي لا يعرفان لفروق القاضي عبد الوهاب مكاناً يوجد فيه، وهو نفس الموقف الذي اتخذه الدكتور حمزة أبو فارس عند تحقيقه فروق الونشريسي. إلا أن ما كنت قد أطلعت عليه من فهرس مخطوطات مركز دراسات جهاد الليبيين هو وجود مخطوطة

بعنوان. "فروق عبد الوهاب" وأنها توجد ضمن مخطوطات المركز برقم 588 ضمن مجموع أوله كتاب معين الحكام لابن عبد الرفيع، ولا يوجد لهذه المخطوطة أي ذكر عند محققي تراث القاضي عبد الوهاب أو تراث تلميذه. وقد أثار هذا الأمر استغراباً أدى بي إلى أن أسعى في سبيل تحصيل هذه المخطوطة والاطلاع عليها، والغريب في الأمر أن أجدها مخطوطة متكاملة واضحة الخط، كاملة الصفحات بها صفحة العنوان، وبما صفحة النهاية، وجميع ذلك بخط واحد، على نفس الدرجة من الوضوح، وهي تقطع بنسبتها إلى القاضى عبد الوهاب انتهى كلام المحقق. انظر إلى هذه الاستغرابات العجيبة وهذه النتائج الأعجب! وأول استغرابات المحقق أن من سبقه في الكتابة عن القاضى عبد الوهاب، أو عن تلاميذه لم يعرفوا هذه المخطوطة الكاملة الواضحة إلى أن جاء هو فاكتشفها وأخرجها للناس محققة تحقيقاً علمياً لم يسبق إليه. ونحن نستغرب استغرابه ونتعجب لتعجبه فقد عرفنا هذه النسخة وقرأناها قبل أن يسمع بها بأكثر من عقد من الزمن، وليس ذلك ادعاء، والدليل هو نشر اللوحة الأولى منها بصفحتيها في مقدمة تحقيق فروق الدمشقي الذي نشر منه 1992 م، فكيف يصح له أن يقول لا يعرفان لهذه النسخة وجوداً. ولا شك أنه أطلع على فروق الدمشقي، إلا أن يكون اطلع عليه بعد كتابته المقدمة، ولكن الرجل قد استعمل هذا الكتاب واستفاد منه رغم أنه لا يقر بنسبة إلى الدمشقي. إذن نحن نعرف هذه النسخة ولم ننسبها إلى القاضى لأنها نسبتها إليه غير ثابتة، بل العكس نحن نجزم حتى الآن بأنها من تأليف بعض تلاميذه. أما من هو هذا التلميذ فالله أعلم. يبقى الأمر مجهولاً إلى أن يعثر الأستاذ

محمود على نسخة أخرى على غلافها اسم مؤلف فينسبها إليه شريطة أن يكون العنوان وبقية الكتاب بخط واحد. لم نقل هذا الكلام سخرية -معاذ الله- ولكن ما قلناه هو منهج الرجل في إثبات نسبة الكتاب إلى مؤلفيها وقد صرح بذلك فيما نقلناه عنه حيث قال: "وجميع ذلك بخط واحد، على نفس الدرجة من الوضوح، وهي تقطع بنسبتها إلى القاضي عبد الوهاب". بل نحن ننصح هذا المحقق -وفق منهجه هذا- أن يعيد تحقيق كتاب آخر هو "فصول الأحكام وبيان ما مضى به العمل عند الفقهاء والحكام" رقمه في خزانة القرويين 1/ 382 وهو منسوب إلى القاضي عبد الوهاب وسيجد العنوان وبقية الكتاب بنفس الخط والوضوح، فيظفر بهذه الغنيمة التي لم يُفْطَن إليها من قبل فيقدمها إلى دار البحوث بدبي لتنشرها محققة تحقيقاً علمياً على نسخة فريدة، لم يعرفها، أو عرفها غلطا محققان أحدهما من تونس هو الدكتور أبو الأجفان، والأخرى الأستاذة البتول بنت علي من الغرب، حيث نسباها إلى الباجي، ولم يأخذا بمنهج الأستاذ محمود في إثبات نسبة الكتاب، وإلا فكيف يتجاهلان نسبة هذا الكتاب إلى القاضي عبد الوهاب في نسخة القرويين وينسباها إلى الباجي كما فعل محققا فروق الدمشقي تماماً. والمنظار الثاني الذي استعمله المحقق هو منظار المحقق المتشكك المتسائل، ذلك أن توافقاً من هذا النوع لا يمكن أن يكون نقلاً، والنقل من غير تصريح واضح به يؤثر على المصداقية العلمية للمؤلف. وقبل أن نرد ونطمس منظاره هذا نقول: إذا كان النقل من غير تصريح يؤثر على المصدأقية العلمية على المؤلف فمعنى ذلك أن القاضي أبا بكر بن

العربي فقد مصداقيته في كتابه "عارضة الأحوذي" الذي نقل فيه كلاماً كثيراً بل كثيرًا جدًا من كتب ابن عبد البر ولم يصرح بإسمه إلا في مواضع قليلة، كما أخبرنا به محققو كتاب العارضة. ثم بعد ذلك أين النقل من غير تصريح في كتاب الدمشقي الذي يقول المحقق إنه تتبعه خصوصاً في قسمه الدراسى، ومن نتائج هذا التتبع أنه وجد تحقيق الكتاب اعتمد على نسخة طرابلس (انظر هذا مع أنه قال سابقاً: إن المحققين لم يعرفاها ولم يطلعا عليها) ناسبًا إياها للدمشقي. ونقول للمحقق، إننا -كما سبق ذكره- لم ننسبها إلى الدمشقي ولا إلى غيره ولكننا اعتمدناها في تصحيح بعض الألفاظ كما اعتمد هذا المحقق على فروق الدمشقي مع أنه يشك في نسبته إلى مؤلفه. تعسف محمود الغرياني في بعض الأمور التي حاول أن يثبت بها ما أراد ومن ذلك أنه احتار لما رأى القاضي عياضا في المدارك لا يعزو كتاب الفروق للقاضي عبد الوهاب، فعمد إلى محاولة اتهام غيره بتحريف عبارة، معتبراً أصلها (الصحيح) هو الفروق والعبارة لعياض هي المروزي في سياق ذكر مؤلفات عبد الوهاب حيث يقول: (وكتابه الآخر المسمى بالمروزي في الأصول)، فقد توهم الغرياني أن المروزي تصحيف لـ (الفروق) وقال: "رغم أنني لم أجد القاضي عياض! ! ! قد ذكر هذا الكتاب في مداركه في النسختين المطبوعتين إلا أنني أتوقع أن يكون الكتاب المذكور باسم المروزي ضمن مؤلفات القاضي عبد الوهاب في المدارك هو تصحيف لكتاب الفروق، ولا يسعنا التأكد من ذلك إلا بمراجعة الأصول الخطية للمدارك، ذلك أن

تصحيفك بالغة أصابت النص المطبوع، وأفقدت الباحثين التسليم بما يثبت فيه من قراءة للنص" (مقدمة التحقيق ص 22 هامش 2). وقد كفانا مؤونة التعليق على هذا الكلام التهافت الدكتور عبد الحكيم الأنيس الباحث الأول في دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث بدبي، حيث قال: "اتفقت النسخ التي رجعت إليها (يعني من الدارك) (المخطوطتان والمطبوعتان) على تسميته بالمروزي" انظر كتابه (القاضي عبد الوهاب البغدادي المالكي في آثار القدماء والمحدثين ص 93 هامش 3، نشر دار البحوث بدبي). ونضيف إلى ذلك أن مختصري المدارك لابن حمادة وابن رشيق المخطوطين ليس فيهما إلا ما في الأصل ولا ذكر للفروق كما أفادنا الدكتور قاسم سعد الذي يملك صورتي نسختين منه كانتا من مصادر في كتابه القيم (جمهرة تراجم الفقهاء المالكية، نشر دار البحوث بدبي). وإن السيد الغرياني لفي غنى عن التعسف في إقامة هذا الدليل الضعيف القائم على احتمال أضعف، فقد نسب غير عياض له كتاباً في الفروق، والنقل عنه موجود. وقد ازدادت حيرة الغرياني أكثر بإفادة أقرب تلاميذ القاضي عبد الوهاب إليه وهو أبو الفضل الدمشقي في مقدمة فروق أن شيخه القاضي ألف كتاباً في الفروق وأنه أخبر تلميذه أنه تلف له ولم يعمل غيره. ورغم أن هذه الإفادة لا تمنع من وجود فروق للقاضي تناثرت في الكتب الفقهية قبل فقد الكتاب الأصل، ولا تمنع من إمكان العثور عليه ومن إعادة

تأليفه ... رغم ذلك فإن حيرة الغرياني دفعته إلى سلوك طريق المس من شخصية الدمشقي، والمنهج العلمي السليم في البحث لا يرتضي المس غير المبرر، فالدمشقي -في نظره- يشهد لنفسه عندما ينقل عن شيخه خبر ضياع كتابه، وإذا قبلنا شهادته انتفت عنه تهمة انتحال فروق شيخه كما قال في ص 22. ليس من الأدب مع أعلامنا المبادرة إلى اتهامهم، وليس من المنهج السليم رد أقوالهم بما عز لنا من تلك التهم الزائفة. فهذا الدمشقي اشتهر بوطيد علاقته بشيخه وتأثره به، وولوعه بالفروق كان بفضل شيخه القاضي، وكلام الدمشقي وثيقة يعتمدها الباحث، ومن نقد هذه الوثيقة وردها لأنه رأى في كتاب الدمشقي فروقاً معزوة لشيخه ولغيره، يقال له: اعلم أن الطريقة السائدة في التأليف الفقهي كثيراً ما تعتمد النقل مع الإضافة، فلا ضير في نقل بعض فروق شيخه أو الفروق المتداولة، فهذا العلم مثل غيره من الفنون الفقهية أثري بتراكم المعلومات، وتناقل الفروع والأحكام والتعليل والتنظير، وكان من المألوف نسبة الكتاب المتضمن لكثير من نصوص السالفين والنقل عنهم إلى جامعه الذي له دور في التنسيق والتنظيم والبيان -إضافة إلى النقل والاستشهاد- مع الإضافة البارزة في كثير من الأحيان. ألا ترون معنا أن كتابة مقدمات التحقيق تقتضي إلماماً بتاريخ علومنا الإسلامية ومعرفة بمناهج مؤلفيها، وبما كان معروفاً من طرق النقل وأساليب العرض والبيان.

لا شك أن القارئ الكريم مسلم بهذه الحقيقة التي تصرخ بها كتب منهج التحقيق وتدعمها محاضرات المنهج في الدراسات العليا، وتؤكدها خبرة المحققين الذين لا يختارون للتحقيق إلا ما يدخل ضمن دائرة اختصاصهم تجنباً لأسباب الزلل والتضليل. وأن من أدرك هذه الحقيقة ودرس القواعد الفقهية والأشباه والنظائر الفقهية وفروق مسائل الفقه ومارس مصنفاتها المؤلفة في مختلف عهود المعرفة الشرعية، لا يتصور ولا يخطر بباله أن المسائل التي ترد في مصنف من تلك المصنفات عند المؤلف نفسه فقط عندما يؤلف كتاباً آخر يوردها فيه، وكأنها أصبحت حكرًا عليه. هذا التصور وجدناه عند المحقق الغرياني، صرح به في مقدمة تحقيق الفروق عندما أراد نسبتها للقاضي عبد الوهاب ونفيها عن غيره (23 - 28) حيث أشار إلى التوافق بين مسائل الفروق وبين ما كتبه القاضي في كتبه الأخرى، توافق في الموضوعات، استدل به على أن (كاتب مسائل المعونة والتلقين والإشراف هو نفسه كاتب الفروق) وقدم نماذج لتلك الاتفاقات مثل جواز قراءة الحائض القرآن للضرورة، ورد هذا الحكم في فروق القاضي وفي معونته مع الاستدلال فيهما بما ورد من النهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو، ثم الكتابة إليهم به. ونقول: إن أحكام المسائل المكونة للفروق تتكرر في أكثر من كتاب يكرر ذكرها مصنفو الفروق وحتى المصنف الواحد فِى كتبه، كما هو الشأن في تكرار القواعد والضوابط في كتب الأشباه وكذلك النظائر التي تراها مكررة، فلتراجع كتبها عبر مراحل تطور تأليفها، ولينظر فروق الونشريسي الجامع لما

أثر عن عبد الحق الصقلي والدمشقي وغيرهما من القدامى الصائغين للفروق، وليقرأ ما كتب الباحثون الممتازون عن مناهج المؤلفين ومراحل تطور التأليف عندهم، إن عطاء علمائنا مستمر عبر العصور وأن واجب الدارسين المعاصرين فهم خصائص تراكم المعرفة الشرعية وإدراك مناهجهم في إثرائها ووحدة غايتهم في خدمتها وطرقهم في النقد والتحليل والتعقب، وذلك أجدى من المسارعة إلى الاتهام ودعوى الانتحال أو محاولة الهدم ورفع راية الباطل والضلال. ولم يكتف السيد محمود الغرياني بذلك، فأبدى في مقدمة تحقيقه شكا في شخصية أبي الفضل مسلم الدمشقي، محاولاً التطرق بذلك إلى نفي نسبة فروق فقهية له، مستخدماً لذلك من الأدلة ما ينبئ عن قلة معرفة بمناهج علمائنا في التأليف المتصل بالفقه وقواعده وفروقه، وعن انتفاء إدراك الضوابط المعهودة لإثبات النسبة، تلك الضوابط التي أفاض في بيانها مؤلفو منهج التحقيق، وسار عليها من أجادوا التحقيق وبرعوا في مجاله، وتنكبها آخرون فزلت بهم القدم، ونسبوا كتباً إلى غير مؤلفيها، وعرفت ساحة التحقيق أخطاء فادحة تعقبها بعض النقاد، وتداركها المنصفون من أهل الذكر والمعرفة. وقد حفزنا إصدار الفروق المنسوبة للقاضي عبد الوهاب إلى الإسهام في بيان الحقيقة في هذه المقدمة لطبعة فروق تلميذه الدمشقي للمرة الثانية، معتبرين أنه إسهام علمي نخدم به جانباً من ثقافتنا الفقهية التي تمثل عنصراً مهماً من عناصر حضارتنا الإسلامية الناشئة عن الدعوة الإسلامية دعوة الخير والهدى.

لقد أتاحت لنا هذه الطبعة الجديدة لفروق الدمشقي أن نزيد تأكيد نسبتها إلى صاحبها الذي لم يتوسع المترجمون القدامى من التعريف به -كما فعلوا مع كثير من فقهائنا- وفي اعتقادنا أن المرجو في كل باحث أن يضيف الجديد للمعرفة ببحثه، فنرجوا أن نكون بإثبات النسبة وبنشر هذا الكتاب في طبعتيه، قد أضفنا الجديد، وصححنا خطأ من تطاول على أعلامنا، ولم يتحر الصواب، ولم يستعمل المقاييس السلمية والضوابط الدقيقة لوضع الأمور في نصابها، ولم يدرك مناهج أعلامنا في التصنيف والتقعيد وعرض الأحكام، ذلك المنهج الذي تكامل فيه التأليف الفقهي بالجهود المتضافرة التي سار أصحابها في طريق قويم ينبغي دراسته وإدراك خصائصه قبل التصدي لتحقيق التراث الفقهي، فقد أثبت الواقع أن أهل الاختصاص أملك لوسائل النجاح في تحقيق كتب اختصاصهم، وأن التصدي للتحقيق ولنقد ما حقق يقتضي خبرة وممارسة ما فتئت جامعاتنا الإسلامية تدرب طلبة الدراسات العليا على امتلاكها، حتى يخرجوا من تراثنا المحجوب ما ينفع الناس على الصورة التي أرادها مؤلفوه بعد الاطمئنان إلى أهميته وصحة نسبته اطمئناناً مبيناً على التثبت والمنهج النقدي والفكر الموضوعي بعيداً عن العاطفة والأحكام الفجة التي يسوق إليها التسرع والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. المحققان مكة المكرمة 20 شوال 1424 هـ

تصدير

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تصدير الحمد لله ربنا العظيم، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، المبعوث رحمة للعالمين، بشريعة العدل والإحسان، التي نهض أعلام الأمة ببيانها وتفصيل أحكامها ونشرها. وبعد فقد تفاوت فقهاؤنا في التوغل في مجال الاجتهاد، وتنوعت وسائلهم وطرقهم في استعمال العقل المهتدي بتعاليم الوحي الإلهي، وكان من جملة هذه الطرق التنظير بين المسائل المتشابهة، وبيان الفروق بين الفروع التي ظاهرها التشابه، وهي متباينة في حقيقة أمرها. وقد أثمرت جهود الفقهاء في فن الجموع والفروق، وآتت أكلها الطيب، فتعددت مؤلفات هذا الفن وارتبطت بعلم القواعد الفقهية الدالة على أسرار الشريعة ومقاصدها، كما ربطها بعضهم بالمطارحات والمحاضرة العلمية. ولئن اشتهرت بعض كتب الفروق ولمعت نجوم أصحابها، فإن بعضها لم يشتهر ولم يتداول، وبقي ضمن المخطوطات التي لا تصل إليها الأيدي إلا نادراً. ومن هذا الصنف الثاني كتاب هام، صاحبه من الرواد الذين خاضوا مجال التأليف في هذا الفن الفقهي، بذل جهداً في التقعيد والتفصيل، واستعمل العقل في المسائل، مثبنا مدى خضوعها للنظر والتوجيه والتعليل. إنه أبو الفضل مسلم بن على الدمشقي المالكي من المركز العراقي، أحد تلاميذ علامتي بغداد الشهيرين أبي بكر الأبهري والقاضي عبد الوهاب

البغدادي، اللذين كان لهما الأثر الفعال في تيار المذهب المالكي ابتداء من النصف الثاني من القرن الرابع. لقد رأينا أن من المجدي اتجاه العناية إلى مصنفات أعلامنا المغمورين لنفض الغبار عن تراثهم وتقريبه للناس لتتحقق الاستفادة منه، فانصرفنا إلى كتاب (الفروق) للدمشقي إسهاماً منا في التعريف بأعلامنا الذين طواهم النسيان، وإبرازاً لأثر فقهى ينتمي إلى فن طريف يبين ضرباً من النشاط العقلي في ميدان التشريع، ويقنع الناس بأن شريعة الإسلام غير متناقضة ولا متهافتة، بل هي قائمة على المصالح مراعية للحقوق منسجمة مع مقتضيات العقول السليمة، هادفة إلى ما فيه الخير والسعادة. انصرفنا إذن إلى هذا الكتاب تحفزنا إليه جدواه ورغبتنا في أن يتوفر للقراء لون من القواعد الضابطة للمسائل، إذ بدون وسائل الضبط والربط بين الجزيئات العديدة يصعب حفظ الأحكام وإدراكها. وقد مهدنا لتحقيق هذا الكتاب بدراسة ذات ثلاثة فصول، الأول: للتعريف بالمؤلف، والثاني: لفن الفروق، والثالث: لفروق الدمشقي. فبالنسبة إلى المؤلف كانت المصادر شحيحة تضن بالمعلومات المعرفة بحياته وشخصيته، فاستغللنا الإفادات القليلة التي صرحت بها، وربطنا حياته ببيئته العراقية وعصره ومذهبه والنشاط العلمي والعلاقات بين الفقهاء، كما أبرزنا سند المؤلف إلى إمام مذهبه وأشرنا إلى قيمة شيخيه المعروفين وترجمنا لتلميذه السبتي المعروف.

وبالنسبة إلى فن الفروق عرفنا به وبينا حاجة المجتهد والمفتي إلى الفروق الفقهية، ثم استعرضنا مؤلفاتها في المذاهب، وهي مؤلفات لم ينشر أغلبها. كما حللنا فروق الدمشقي ودرسناها لتتجلى أهميتها ومنهجها. أما منهجنا في التحقيق فقد اعتمدنا فيه ما يلي: - إخراج نص الفروق بشكل سليم دقيق قدر الإمكان. - ترتيب الفروق حسبما جاء في النسخة التونسية التي نسبت الفروق إلى مسلم الدمشقي، وقد جعلناها أصلاً. - مقابلة النص بما جاء في النسخ الأخرى التي سيرد وصفها، مع الاستعانة بفروق الونشريسي الموسوم بعدة البروق، وتهدف هذه المقابلة إلى اختيار النص السليم لإثباته بالصلب، مع إثبات أهم الفروق بين النسخ بالهامش والإعراض من أغلب الأخطاء والتصحيف الذي لم نر في إثباته بالهامش جدوى. - الإشارة إلى الموطن الذي يوجد به الفرق في النسخ المعتمدة، إن وجد بها أو ببعضها، حيث إن هذه النسخ مختلفة في إثباتها للفروق وفي ترتيبها، وإذا كان للفرق ما يطابقه أو يقاربه من فروق الونشريسي أشرنا إلى صفحته ورقمه في المطبوع. - وضع العبارات المضافة إلى الأصل بين عافقتين، وهي التي رأينا النص يحتاج إليها لسلامة المعنى، وهي مستمدة من النسخ الأخرى أو من عدة البروق، وفي النادر هي من اقتراحنا بعد الفحص والتأمل وتأكد الحاجة إليها في السياق ليتضح المعنى المقصود.

- تخريج الأحاديث الواردة ضمن الفروق. - التعريف بالأعلام المذكورين ممن لم تسبق الترجمة لهم في المقدمة التمهيدية. - توثيق الأقوال المنقولة من المدونة الكبرى ومن بعض المصادر الفقهية. - إسناد أرقام إلى الفروق بلغت 128، وتعتمد هذه الأرقام في فهرسي القواعد والمصطلحات وتصحب عناوين الفروق في فهرس الموضوعات. - الإشارة إلى بداية اللوحة في الأصل بالخط المائل مع إثبات رقمها بالهامش بين عاقفتين مصحوباً بالحرف (أ) للوجه والحرف (ب) للظهر. هذا وقد ذيلنا نص الفروق بالفهارس التي رأيناها ميسرة للاستفادة من هذا الكتاب، وهي التالية: الآيات القرآنية، الأحاديث النبوية، القواعد الفقهية والأصولية، المصطلحات الفقهية، الموضوعات. والملاحظ: أن فهرس المصطلحات يرشد القارئ إلى الفروق التي جاء بها كل مصطلح فقهي بلفظه أو بمعناه، ويعرفه بمواطن المسائل ذات الصلة بالمصطلح، إذ يتضمن الفرق الواحد أكثر من مسألة ويشير إلى أكثر من موضوع. وأن فهرس الموضوعات يشتمل -بعد مقدمة التحقيق- على عناوين جميع الفروق، وقد صغنا هذه العناوين وجعلنا كل واحد منها متضمناً حكمي المسألتين اللتين بينهما فرق بأسلوب راعينا فيه الاختصار ما أمكن.

نسأل الله العلي القدير أن ينفع بهذا العمل العلمي، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يلهمنا السداد، وأن يوفق قراء هذا الكتاب إلى الصفح عن السهو والخطأ، وإلى إرشادنا إلى الصواب تحقيقاً للتعاون على البر والتقوى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. تونس في 21 شوال 1411 = 6 ماي 1991 المحققان محمد أبو الأجفان حمزة أبو فارس

الدراسة

الدراسة الفصل الأول: مؤلف الفروق الفصل الثاني: فن الفروق الفصل الثالث: فروق الدمشقي

الفصل الأول: مؤلف الفروق

الفصل الأول: مؤلف الفروق من هو مسلم الدمشقي؟ مؤلف هذا الكتاب هو أبو الفضل مسلم بن علي بن محمد بن حسن الدمشقي. ترجم له القاضي عياض ترجمة موجزة، ووصفه بقوله: (فقيه مالكي مشهور) (¬1). وهذه الشهرة لم تتجاوز حدود عصر مترجمه عياض (-544) فيما يبدو، حيث لم نجد له ذكراً في المصادر الموالية لهذا العصر باستثناء ما جاء في (مختصر المدارك) لابن حمادة وفي (الديباج المذهب) حيث لخص ابن فرحون ما عند عياض في سطرين (¬2). وكان فيما أُغفل، مما يتعلق بحياة هذا الرجل، تاريخ ولادته وتاريخ وفاته، ولم يُذكر من شيوخه إلا الذي أكثر ملازمته وهو القاضي أبو محمد عبد الوهاب البغدادي (-422) ومن تلاميذه إلا قاسمًا المأموني السبتي (-448) وأفادنا مترجمنا نفسه في فروقه أنه درس على الشيخ أبي بكر الأبهري (-375). ¬

_ (¬1) المدارك: 8/ 57. (¬2) الديباج: / 347.

العراق في عصره

ومن تواريخ الوفاة لهؤلاء نستنتج أن أبا الفضل مسلماً عاش في النصف الثاني من القرن الرابع هـ والنصف والأول من القرن الخامس هـ، ولا يُستبعد أنه وُلد في السنوات الأولى من النصف الثاني من القرن أو في نهاية العقد الأول منه، إذ بذلك يتأتى له الاستفادة من مجالس الأبهري ودروسه العالية، ونستنتج أيضاً أنه صحب القاضي عبد الوهاب في سن نضجه، وأنه تجاوز السبعين من العمر في تقديرنا. العراق في عصره في عصر مسلم الدمشقي كانت الخلافة العباسية بالعراق على غاية من الضعف والانحلال، وكان الصراع على السلطة على أشده: فتن منتشرة وهرج ومرج، وصراع بين الفرس والأتراك، ومحن متلاحقة تنزل بالمسلمين، وتضعف شوكتهم (¬1). وفي هذا الجو السياسي المدلهم ظهرت مذاهب هدامة، زادت حدة التشتت، وذر قرن بدع يناوئ أصحابُها المتمسكين بالسنة، وازداد لهيب التطاحن المذهبي اشتعالاً. مع كل ذلك كانت العراق تحتضن حركة علمية، وتشهد نشاط العلماء في مختلف الفنون، وكانت المذاهب الفقهية تتعايش ويثري أصحابها المكتبة الإسلامية بالمؤلفات الغزيرة القيمة. والمذهب المالكي الذي يعتنقه مسلم الدمشقي هو أحد المذاهب السنية التي كانت إذ ذاك بالعراق تعارض المذاهب الشيعية وتناقش آراءها، وتصحح ¬

_ (¬1) انظر البداية والنهاية، الجزءين: 11 - 12، والعبر: 2/ 176 - 295.

ظهور المذهب المالكي بالعراق وانتشاره

الباطل من العقائد التي أعلنتها بعض الفرق، وتدحض زيف المغرضين والمبتدعة (¬1). ظهور المذهب المالكي بالعراق وانتشاره ابتدأ انتشار المذهب المالكي بالعراق على يد بعض تلاميذ الإمام مالك الذين شدوا رحالهم إلى المدينة المنورة للأخذ عن إمامها أمثال: - أبي أيوب سليمان بن بلال قاضي بغداد (¬2) (-176). - أبي عبد الرحمن عبد الله بن المبارك (¬3) (-181). - أبي سعيد عبد الرحمن بن مهدي العنبري البصري المحدث (¬4) (-198). - أبي العباس الوليد بن مسلم بن السائب الدمشقي (¬5) (-199). - أبي زكريا يحيي بن يحيي بن بكير التميمي النيسابوري (¬6) (-226). وفي القرن الثالث تواصل امتداد المذهب المالكي بالعراق بواسطة طلبته الذين أخذوا عن أصحاب مالك المدنيين، وعادوا بفمهه وبما رووا عنه من أحاديث لينشروها بالعراق، ومنهم أبو الفضل أحمد بن المعذل البصري (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: الإمام الشيرازي حياته وآثاره: 29 - 34. (¬2) تهذيب التهذيب: 4/ 125، الديباج: 1/ 373. (¬3) البداية والنهاية: 10/ 177، الديباج: 1/ 407. (¬4) المدارك: 3/ 202، تاريخ بغداد 10/ 240 رقم 5366. (¬5) شجرة النور: 58 رقم 22. (¬6) المصدر نفسه: 58 رقم 23. (¬7) المدارك: 4/ 5. طبقات الشيرازي: 164.

وفي هذا القرن لمع نجم أسرة عراقية مالكية أنجبت الكثير من الأعلام، وهي التي يقول عنها البرهان بن فرحون: "من أجل بيوت العلم بالعراق وأرفع مراتب السؤدد في الدين والدنيا، وهم نشروا هذا المذهب هناك، وعنهم اقتبس، فمنهم من أئمة الفقه ومشيخة الحديث عدة كلهم جلة، ورجال سنة، روي عنهم في أقطار الأرض، وانتشر ذكرهم ما بين المشرق والمغرب، وتردد العلم في طبقاتهم وبيتهم نحو ثلاثمائة عام، من زمن جدهم الإمام: حماد بن زيد وأخيه سعيد، ومولدهما في نحو المائة، إلى وفاة آخر من وصف منهم بعلم، وهو المعروف بابن أبي يعلى، ووفاته قرب أربعمائة" (¬1). ومن مشاهير فقهاء هذه الأسرة المالكية بالعراق: - أبو سيف يعقوب بن إسماعيل بن حماد (¬2) (-246). - أبو إعاعيل حماد بن إسحاق البغدادي (-269) ألف كثيراً من الكتب، منها: المهادنة، والرد على الشافعي (¬3). - القاضى أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق (- حوالي 284) أخو أبي إسماعيل حماد المذكور. تفقه به أهل العراق من المالكية. يذكر أبو الوليد الباجي أنه لم يبلغ درجة الاجتهاد بعد مالك إلا القاضي إسماعيل (¬4)، وقد اشتهر بالرد على المخالفين من الشافعية والحنفية (¬5). ¬

_ (¬1) الديباج: 1/ 282 - 283. (¬2) شحرة النور: 65. (¬3) الديباج: 1/ 134. (¬4) الديباج: 1/ 282 - 290، العبر للذهبي: 2/ 67. (¬5) طبقات الشيرازي: 165.

- أبو محمد يوسف بن يعقوب بن حماد، ابن عم القاضي إسماعيل (¬1) (-297). - أبناؤه أبو العباس أحمد (-301) وأبو يعلى الحسن (306) وأبو عمر محمد القاضي (¬2) (-؟ ) - أبو إسحاق إبراهيم بن حماد (¬3) (-323) شيخ أبي بكر الأبهري. وقد عرف القرن الرابع مزيد انتشار المذهب المالكي بالعراق، وظهر فيه كثير من فقهاء المالكية الذين كان لهم أثر في دعم المذهب وتدوين مسائله وشرح أمهاته، مثل مختصر ابن عبد الحكم، ومدونة الإمام سحنون. ولا شك أن أبا الفضل الدمشقي أخذ عن أعلام هذه المدرسة المالكية بالعراق، ممن كان لهم عطاء فقهي خلال النصف الثاني من هذا القرن، وكان لهم إشعاع علمي تجاوز حدود القطر العراقي. ونقتصر -هنا- على التعريف بالذي أكد الدمشقي نفسه أنه تلقى عنه وهو الشيخ أبو بكر الأبهري (¬4)، ثم بالذي صرحت المصادر أنه شيخه وهو القاضي عبد الوهاب. ¬

_ (¬1) الديباج: 2/ 373. (¬2) شجرة النور: 78. (¬3) الديباج: 1/ 261، الشجرة: 78، وفيها كنيته أبو الأزهر. (¬4) ذكره في الفرق رقم 88.

شيخه الأبهري

شيخه الأبهري هو محمد بن عبد الله بن صالح بن عمر (¬1)، يرجع نسبه إلى زيد مناة ابن تميم، كان إمام أصحابه في وقته، ثقة أميناً صالحاً خيراً ورعاً نبيلاً عالماً، وكان أحد أئمة القرآن العارفين بوجوه قراءاته جمع إلى ذلك علو الإسناد والفقه الجيد. حدث ببغداد عن جماعة منهم أبو عروبة الحراني وأبو بكر بن الجهم الوراق وابن داسة والبغوي وأبو زيد المروزي، وتفقه بها على القاضي أبي عمر ابن يوسف سالف الذكر وابن المنتاب وابن بكير. وكان قيماً برأي مالك، حريصاً على نشر مذهبه والاحتجاج له والرد على من خالفه. ومن تألفيه: شرحان على مختصري ابن عبد الحكم، وكتاب في الأصول والرد على المزني والشافعي، وإجماع أهل المدينة، وفضل المدينة على مكة. ولكثرة الآخذين عنه من الطلبة قيل: (لم ينجب أحد بالعراق من الأصحاب -بعد إسماعيل القاضي- ما أنجب أبو بكر الأبهري). وإضافة إلى طلبته العراقيين توافد عليه الآخذون عنه من أهل خراسان ومصر وإفريقية والأندلس، وقد اشتهر بسخائه ومواساته لطلبة العلم ولمن يرد عليه من الغرباء، وكانت تقدم إليه أموال من بعض المحسنين وبعض الرؤساء الذين يوصون له بحزء من ممتلكاتهم قبل موتهم. ¬

_ (¬1) ترجمته في: طبقات الشيرازي: 167، تاريخ بغداد: 5/ 16، شذرات الذهب: 3/ 85، فهرست ابن النديم: 1/ 297، المدارك: 6/ 183، الديباج: 2/ 206 - 210.

شيخه القاضى عبد الوهاب

ومن مظاهر سخائه وإحسانه أنه حبس كتبه على أصحابه، ووزع أموالاً عليهم وعلى الفقراء والمحتاجين من جيرانه قبل موته. وكانت وفاته ببغداد لسبع خلون من شوال سنة خمس وسبعين وثلاثمائة، وسنه نحو الثمانين، وصُلي عليه بجامع المنصور. شيخه القاضى عبد الوهاب هو أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر بن أحمد البغدادي (¬1). أحد أئمة المذهب المالكي، كان حسن النظر جيد العبارة. سمع من كثيرين مثل أبي عمر بن السماك؛ وأبي خلاد النصيبي؛ وتفقه على أبي بكر الأبهري (¬2) وكبار أصحابه كأبي الحسن القصار (-397) وأبي القاسم بن الجالاب (-378) ودرس الفقه والأصول والكلام على القاضي أبي بكر الباقلاني (- 403) وصحبه. له تآليف مفيدة في مسائل مذهبه وفي الخلاف وفي الأصول، منها: التلقين، وشرحه لم يتم، وشرح الرسالة الفقهية لأبي محمد بن أبي زيد، والممهد في شرح مختصر الشيخ أبي محمد، وشرح المدونة، لم يتم، والنصرة لمذهب إمام ¬

_ (¬1) ترجمته في طبقات الشيرازي: 168، تاريخ بغداد: 11/ 31، مرآة الجنان: 41/ 3، سير أعلام النبلاء: 17/ 429 رقم 287، الديباج: 2/ 26، المرقبة العليا: 40 - 42، حسن المحاضرة: 1/ 314. (¬2) ينفى الشيرازي أخذ القاضي عبد الوهاب من الأبهري ويقول: كان قد رأى أبا بكر الأبهري إلا أنه لم يسمع منه شيئاً؛ ولكن القاضي عياضًا يعارضه ويذكر أن ذلك غير صحيح، ويقول: بل قد حدث عنه وأجازه. (المدارك: 7/ 221).

علاقته بالقاضي عبد الوهاب

دار الهجرة، والمعونة في مذهب عالم المدينة، وأوائل الأدلة في مسائل الخلاف، والإشراف على نكت مسائل الخلاف، وفي أصول الفقه له التلخيص، والإفادة والمروزي، كما ألف فروقاً فقهية. روى عنه جماعة منهم أبو عبد الله الميارزي وأبو بكر الخطيب البغداديان، والقاضي ابن الشماخ الغافقي (¬1)، والمهدي بن يوسف الأندلسيان وتفقه به كثيرون منهم أبو الفضل مسلم وأبو العباس أحمد بن قيس الدمشقيان. غادر بغداد في آخر عمره متجهاً إلى الغرب والأندلس بعد أن مهد لذلك بمراسلة بعض فقهاء القيروان ومجاهد الموفق صاحب دانية، ولما وصل مصر عدل عن مواصلة الرحلة واستقر بها، فحصلت له هناك حظوة، ونال فيها حظاً من الدُّنيا، ولكن لم يلبث أن عاجلته المنية بها في شعبان سنة 422 هـ، ففاضت روحه إلى بارئها بعد أن قال: (لا إله إلا الله، لما عشنا متنا). وقد عاش القاضي عبد الوهاب زهاء الستين سنة، ودفن قرب ابن القاسم وأشهب. علاقته بالقاضي عبد الوهاب ومما يلاحظ أن أبا الفضل مسلماً قد شارك شيخه عبد الوهاب في الأخذ عن أبي بكر الأبهري، فاغترفا معاً من معين علم هذا العالم المجتهد، ثم واصلا نشر فقه مذهبهما بعده، ويترجح أنهما كانا متقاربين في السن، وأن تتلمذ أبي ¬

_ (¬1) أبو عبد الله محمد بن الحبيب من أهل العلم والفضل، حمل عن القاضي عبد الوهاب جميع كتبه وأخذ عنه أهل الأندلس بعد رحلته المشرقية كتب القاضي عبد الوهاب، وهكذا يكون له الفضل في نشر هذه المؤلفات العراقية بالأندلس. (المدارك: 8/ 165).

مكانة شيخي الدمشقي

الفضل على القاضي عبد الوهاب كان بدافع الحرص الشديد على الاستفادة من علم القاضي الغزير، ولم يكن التقارب في السن يمنع من التلقي والأخذ. على أن صلة أبي الفضل بالقاضي لم تكن كعلاقة طالب بأستاذه بل تجاوزت ذلك، وتوطدت عراها وطال مداها، واصطبغت بتقدير بالغ، حمله هذا التلميذ نحو شيخه، وجعله يتفانى في خدمته حتى اشتهرت هذه العلاقة السامية الحميمة بينهما، وصار الدمشقي معروفاً بين الناس بـ (غلام عبد الوهاب) بعد أن (اختص بالقاضى أبي محمد بن نصر وأطال صحبته وخدمته) (¬1) كما عبر عياض. وإننا نستنتج مما تقدم أن مرحلة الدراسة والتعلم في حياة الدمشقي قد طالت. مكانة شيخي الدمشقي إن لهذين الشيخين اللذين أخذ عنهما مسلم الدمشقي مكانةً ساميةً في مختلف أنحاء العالم الإسلامي التي انتشر بها مذهبهما، بفضل خدمتهما له، وتأليفهما الجامعة لأصوله وفروعه الميسرة لدراسته، وقد كانا يعتبران من بين نخبة من أعلام هذا المذاهب ذاع صيتها في الافاق، كما يدل على ذلك الأثر المتداول في أوساط المالكية، وهو (لولا الشيخان والمحمدان والقاضيان لذهب المذهب) (¬2) ولبعضهم نظم في هذا المعنى، مع إضافة أربعة آخرين، وهو: ¬

_ (¬1) المدارك: 7/ 57. (¬2) معالم الإيمان: 3/ 110.

عشرة من فحول العلم لولاهم ... لذهب المذهب الذي بهرا محمدان كذا الشيخان والقاضيان ... والقرينان، ثم الأخوان جرا فالشيخان: أبو بكر الأبهري، وعبد الله بن أبي زيد القيرواني. والمحمدان: محمد بن المواز، ومحمد بن سحنون القيرواني. والقاضيان: أبو الحسن بن القصار، وأبو محمد عبد الوهاب. والقرينان: أشهب وابن نافع. والأخوان: مطرف وابن الماجشون. فهولاء من جلة فقهاء المذهب، وفيهم ثلاثة (¬1) من أبرز أعلام المركز العراقي، كان لهم أثر في دعم المالكية بهذا المركز. سند الدمشقي إلى إمام المذهب وبعد هذا يحس بنا أن نقدم هذا الرسم الذي يوضح سند مترجمنا إلى إمام دار الهجرة مؤسس المذهب مالك بن أنس، وهو مقتبس من طبقات المالكية في العراق: ¬

_ (¬1) ثالث شيخي الدمشقي هو ابن القصار، وهو من أقران مسلم الدمشقي.

الإمام مالك (-179 هـ) عبد الملك بن الماجشون (-212) - عبد الله بن مسلمة القعنبي (-221) أحمد بن المعذل (-؟ ) القاضي إسماعيل بن إسحاق (-282) محمد بن يوسف بن يعقوب (-320) أبو بكر الأبهري (-375) القاضي عبد الوهاب بن علي نصر البغدادي (-422) أبو الفضل مسلم بن علي الدمشقي (-؟ )

بيئته

بيئته لقد ترجم عياض لأبي الفضل مسلم بن علي ضمن أهل الشام، وهو ينسب إلى دمشق، كما رأينا، وغاية ما يثبته هذا الأمر هو نسبته الشامية. ولكن ما ذكر من اختصاصه بشيخه القاضي عبد الوهاب وطول صحبته وملازمته له، وما أسلفناه من كون مفارقة هذا القاضي لبغداد إنما كانت في آخر حياته، يجعلنا نقدر أن أبا الفضل عاش أطول فترة في حياته ببغداد، أما ولادته فمجهول مكانها كما جهل وقتها، وهو إن لم يكن مولوداً ببغداد فإنه وافد عليها في طفولته أو شبابه، وبذلك يتأتى أخذه عن أبي بكر الأبهري، واستفادته منه، ولعل بذرة علاقته بالقاضي أبي محمد عبد الوهاب نبتت في المجالس العلمية للأبهري، فاينعت وازدهرت، كما ازدهرت ملكتا الطالبين المتلازمين: البغدادي والدمشقي وتعاضدت جهودهما في خدمة مذهبهما المالكي الذي رجحاه، ومالا إلى مناصرته وإثرائه بالتآليف القيمة. أقرانه يعد تلاميذ أبي بكر الأبهري أقراناً لأبي الفضل الدمشقي، وهم كثيرون، ومنهم الوافدون على العراق، ونذكر من العراقيين: - أبا القاسم عبيد الله بن الحسين المعروف بابن الجلاب البصري (¬1) (-378) صاحب (التفريع). ¬

_ (¬1) الديباج: 1/ 461، شذرات الذهب: 3/ 93.

تلميذه

- أبا الحسن علي بن أحمد قاضي بغداد (-398) كان إماماً فقيهاً أصولياً حافظاً (¬1). - أبا سعيد أحمد القزويني، من كبار أصحاب الأبهري (¬2). - أبا عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله بن خويز منداد، كان فقيهاً متكلماً أصولياً (¬3). ونذكر من أقران الدمشقي في حلقة القاضي عبد الوهاب أبا الفضل محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن عمروس البغدادي المقري الذي انتهت إليه الفتيا في مذهب مالك ببغداد (¬4) (-452). تلميذه لم تذكر كتب التراجم إلا اسم تلميذ واحد من تلاميذ مسلم الدمشقي (¬5) هو: قاسم بن محمد بن هشام الرعيني المعروف بابن المأموني، وهو من أسرة شهيرة بسبتة، أخذ عن أعلامها كعبد الرحمن بن العجوز (¬6)، والقاضي أبي إسحاق بن يربوع (¬7)، كما أخذ عن بعض أعلام الأندلس عندما رحل إليها كابن الدباغ وأبي عمر الباجي، وفي رحلة حجه لقي علماء بمصر، وسمع من ¬

_ (¬1) الشجرة: 92. (¬2) طبقات الشيرازي: 167. (¬3) المدارك: 7/ 77، الديباج: 2/ 229، الفكر السامي: 9/ 113. (¬4) طبقات الشيرازي: 169، الشجرة: 105. (¬5) المدارك: 8/ 57. (¬6) ترجمته في المدارك: 8/ 204، والغنية: 230. (¬7) ترجمته في المدارك: 8/ 175.

علاقة المالكية في العراق بنظرائهم

عبد الوهاب بن منير، وأبي محمد عبد الغني الحافظ، وأبي القاسم بن أبي يزيد، ثم سكن المرية وإشبيلية، فأخذ عنه جلة من مشيخة الأندلس، كأبي المطرف الشعبي، وأبي بكر بن صاحب الأحباس القاضي. وألف قاسم بن المأموني كتاباً في المناسك رواه عنه ابنه حجاج، وكانت وفاته سنة 448، وقد نيف على السبعين (¬1). ولا يبعد أن يكون أبو محمد حجاج المذكور تلقى أيضاً عن مسلم الدمشقي، لما لوحظ في ترجمته من حرصه على السماع من مشيخة أبيه، ولأنه رافق أباه في رحلة حجه، وهي الرحلة التي أتاحت لهما لقاء مسلم الدمشقي، وانصرف بعدها حجاج إلى المرية فحاز فيها رئاسة وجاها، ثم عاد إلى سبتة في دولة المرابطين (¬2). علاقة المالكية في العراق بنظرائهم وضع المدرسة المالكية بالعراق يكتسي صبغة خاصة، نجمت عن احتكاك فقهائها بسائر فقهاء العراق المنتمين إلى مدارس تشريعية أخرى، مثل الحنفية الذين يقولُ عنهم ابن خلدون: (استكثروا من القياس ومهروا فيه، فلذلك قيل: أهل الرأي) (¬3). وهم قد اشتهروا أيضاً بالفقه التقديري وافتراض الصور العقلية ووضع أحكام بها. وقد تأثر علماء المالكية العراقيون بإخوانهم الحنفية وببعض التيارات الأخرى التي يعايشونها في هذه البيئة المتحضرة ... فصاروا يتوسعون في استعمال الرأي ¬

_ (¬1) المدارك: 8/ 86. (¬2) المدارك: 8/ 176. (¬3) المقدمة: 318.

والقياس، وتميزت طريقتهم في دراسة المدونة السحنونية عن طريقة نظرائهم من فقهاء إفريقية المالكيين، وقد تحدث أبو العباس أحمد المقري عن الطريقتين وسماها بالاصطلاحين، وقال: (أهل العراق جعلوا في مصطلحهم مسائل المدونة كالأساس، وبنوا عليها فصول المذهب بالأدلة والقياس، ولم يعرجوا على الكتاب بتصحيح الروايات، ومناقشة الألفاظ، ودأبهم القصد إلى إفراد المسائل، وتحرير الدلائل، على رسم الجدليين، وأهل النظر من الأصوليين. وأما الاصطلاح القروي فهو البحث عن ألفاظ الكتاب، وتحقيق ما احتوت عليه بواطن الأبواب، وتصحيح الروايات، وبيان وجود الاحتمالات، والتنبيه على ما في الكلام من اضصراب الجواب، واختلاف المقالات، مع ما انضاف إلى ذلك من تتبع الآثار، وترتيب أساليب الأخبار، وضبط الحروف على حسب ما وقع في السماع، وافق ذلك عوامل الإعراب أو خالفها (¬1). ومن فقهاء هذه المدرسة المالكية العراقية من انكب على تدوين مسائل الخلاف المذهبي وعلى مناقشة من خالفهم في المسائل، كما رأينا في لائحة عناوين مؤلفات الأبهري والقاضي البغدادي شيخي الدمشقي، ومنهم من انصرف إلى التأليف في أصول الفقه على مذهبه مثل أبي عبد الله محمد بن أحمد ابن مجاهد الطائي البصري نزيل بغداد (¬2) (-370). وكان لأعلام هذه المدرسة المالكية بالعراق علاقة وطيدة بأعلام المدارس المالكية الأخرى: فهم يتبادلون الإجازات العلمية (¬3) والكتب الفقهية ويجرون ¬

_ (¬1) أزهار الرياض: 3/ 22. (¬2) الديباج: 2/ 210. (¬3) من ذلك أن ابن أبي زيد القيرواني أجاز لابن مجاهد البغدادي عندما استجازه (الديباج: 2/ 210). واستجاز ابن أبي زيد هذا أبا بكر الأبهري (المدارك 6/ 217).

الحوار في المسائل ويثيرون النقاش تارة بصفة مباشرة وتارة بواسطة المكاتبة أو التأليف (¬1). وقد رأينا من تلاميذ الأبهري والقاضي البغدادي طلبة أندلسيين (¬2)، ومن تلاميذ مسلم الدمشقي سبتيا. ورأينا الأبهري والبغدادي من المبادرين إلى شرح الرسالة الفقهية (¬3) والتعليق على مسائلها وتأصيلها، وقد بيعت أول نسخة منها (ببغداد في حلقة أبي بكر الأبهري بعشرين ديناراً ذهبا) (¬4). وهكذا لم يمنع كون العراق في غير طريق الحج -الذي سلكه أهل المغرب والأندلس- من الرحلة إلى أقطاب المالكية بها (¬5)، وربط الوشائج العلمية بهم. ¬

_ (¬1) من ذلك الحوار العلمي الذي دار في قضية إثبات الكرامات ومناقشة ابن أبي زيد في موضوعها، وقد أسهم فيه أبو بكر الباقلاني بتأليف: (المدارك: 6/ 219). (¬2) أشار المقري إلى ارتحال أعلام الأندلس إلى بغداد للأخذ عن الأبهري (أزهار الرياض: 3/ 27). (¬3) لأبي محمد عبد الوهاب البغدادي نظم في التنويه بهذه الرسالة مطلعه: (معالم الإيمان: 3/ 112). رسالة علم صاغها العلم النهد قد اجتمعت فيها الفرائض والزهد (¬4) معالم الإيمان: 3/ 111. (¬5) يذكر ابن خلدون أن أهل المغرب والأندلس اقتصروا على تقليد المذهب المالكي، لأنهم كانوا يرحلون إلى الحجاز وهو منتهى سفرهم وأما العراق فلم يكن في طريقهم فاقتصروا على علماء المدينة وشيخهم الامام مالك (المقدمة: 321). ولئن كان هذا يصدق على واقع القرن الثاني، فإننا نلاحظ بعده انطلاق الرحلة العلمية إلى العراق، واتصال طلبة المغرب والأندلس بأعلام المذهب المالكي بهذا المركز الاسلامي الذي تعايشت فيه كثير من مذاهب التشريعية.

ضعف الذهب المالكي بالعراق

ضعف الذهب المالكي بالعراق لا يفوتنا في خاتمة مطاف حديثنا عن المذهب الذي كان يتبعه مترجمنا مسلم الدمشقي، أن نلاحظ ما أخذ يطرأ عليه من ضعف يتجلى في تناقص مقلديه من أهل العراق، وذلك نتيجة لعدم إسناد الخلفاء خطة القضاء إلى علماء المالكية، وتقليدها إلى الشافعية والحنفية، ابتداء من أواخر القرن الرابع، بينما كان المذهب المالكي مزدهراً كثير الأتباع قبل هذه الفترة عندما كان أعلام المالكية يتولون القضاء وسائر الخطط الشرعية خاصة من آل حماد. يقول أبو بكر الخطيب: (بعد موت الأبهري وكبار أصحابه وتلاحقهم به وخروج القضاء عنهم إلى غيرهم من مذهب الشافعي وأبي حنيفة ضعف مذهب مالك بالعراق، وقل طالبه لاتباع الناس أهل الرئاسة والظهور) (¬1). إنه عامل للضعف ظهر في حياة أبي الفضل الدمشقي، هيأ لمزيد انحسار المذهب في عهود موالية عندما تضافرت العوامل، أما آثار فقهاء العراق في عهد الازدهار فما زالت من مصادرنا الثقافية المفيدة إلى اليوم. ¬

_ (¬1) المدارك: 6/ 188 - 189.

الفصل الثاني: فن الفروق

الفصل الثاني: فن الفروق التعريف: الفرق في اللغة: الفصل، تقول: فرقت بين الشيء، فصلت أبعاضه؛ وفرقت بين الحق والباطل: فصلت (¬1) - ومنه قوله تعالى: {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (¬2). قال ابن عباس وغيره: المعنى أفصل بيننا وبينهم بحكم وافتح (¬3). والفرق خلاف الجمع، يقال: فرقَه يفرُقه فرقاً، وفرَقه. وقيل: فرَق للصلاح فرقاً، وفرَّق للإفساد تفريقاً، وانفرق الشيء وتفرق وإفترق (¬4). وذهب ابن الأعربي إلى أن (فرَق) المخفف يستعمل في المعاني، نحو فرقت بين الكلاميين، وأن (فرَّق) المثقل في الأعيان، نحو فرَّقت بين العينين (¬5). وحكى غيره أنهما بمعنى والتثقيل للمبالغة، وحينئذ يكون التفرق والافتراق سواء (¬6). ¬

_ (¬1) المصباح المنير: فرق. (¬2) المائدة: 25. (¬3) المحرر الوجيز، لابن عطية: 4/ 405. (¬4) لسان العرب: فرق. (¬5) المصباح: فرق. (¬6) النهاية: لابن الأثير: 3: 135.

وجرى هذا الخلاف في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: (البيعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه، ما لم يتفرقا ... ) (¬1). ونقل الإمام القرافي عن بعض شيوخه أن التفريق بين التخفيف والتشديد هنا، كان (وجه المناسبة فيه أن كثرة الحروف عند العرب تقتضي كثرة المعنى أو زيادته أو قوته، والمعاني لطيفة، والأجسام كثيفة، فناسبها التشديد وناسب المعاني التخفيف) (¬2). ولئن اطردت هذه القاعدة في قوله تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} (¬3). وقوله تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} (¬4). فإنهما لم تصدق في قوله تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} (¬5). فخفف في البحر وهو جسم وكذلك في الآية السالفة: {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (¬6). ونقل الاسنوي عن الجوهري أن العرب تستعمل صيغة التخفيف (فرقت بين الشيئين فرقاً وفرقاناً) كما تستعمل صيغة التشديد (فرقت تفريقاً وتفرقة) ثم قال: يكون اللفظ المستعمل في المعاني الفقهية المخفف، إلا أن يقصد معني التكثير (¬7). ولاحظ محمد بن علي بن حسين المكي المالكي أن التمييز بين التخفيف وبين التشديد هنا هو الغالب في الاستعمال العربي، وأنه لا يكاد يسمع من ¬

_ (¬1) مالك في الموطإ، كتاب البيوع، بيع الخيار، (الزرقاني على الموطإ: 3/ 320). (¬2) الفروق: 1/ 4. (¬3) النساء: 130. (¬4) البقرة: 102. (¬5) البقرة: 50. (¬6) المائدة: 25. (¬7) مطالع الدقائق في تحرير الجوامع الفوارق، للإسنوي: 3 / أ، مخطوط الأوقاف، ببغداد: 3959.

في مختلف العلوم

الفقهاء إلا قولهم: ما الفرق بين المسألتين؟ ولا يقولون ما المفرّق بينهما، على أنهم كثيراً ما يقولون في الأفعال، دون اسم الفاعل: فرِّق بين المسألتين، ويقولون: بأي شيء نفرق بينهما (بالتشديد) (¬1). وفي الاصطلاح الفقهي تعتبر الفروق من الفنون التابعة للأشباه والنظائر، وتمثل ضرباً من ضروب القواعد الفقهية التي كان السلف يدركون أهميتها منذ صدر الإسلام، فمما جاء في رسالة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري في القضاء، قوله: (اعرف الأمثال والأشباه، ثم قس الأمور عندك، فاعمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق فيما ترى). ولاحظ الإمام السيوطي (-911) أن هذه النصيحة (صريحة في الأمر بتتبع النظائر وحفظها ليقاس عليها ما ليس بمنقول) وأن فيها (إشارة إلى أن من النظائر ما يخالف نظائره في الحكم لمدرك خاص به، وهو الفن المسمى بالفروق الذي يذكر فيه الفروق بين النظائر المتحدة تصويراً ومعنى، المختلفة حكماً وعلة) (¬2). في مختلف العلوم إن فكرة التفريق بين المعاني لم تنحصر في مجال الفقه الإسلامي، بل ظهرت في سائر العلوم، للتمييز والفصل ومزيد البيان. ¬

_ (¬1) تهذيب الفروق والقواعد السنية: 1/ 10. (¬2) الأشباه والنظائر: 7. وقد جعل السيوطي في أشباهه (الكتاب السادس في أبواب متشابهة وما افترقت فيه) وضمنه فروق ومسائل من أبواب مختلفة مرتبة (ص 515 - 531).

ففي اللغة ألف أبو هلال العسكري (¬1) (-400) كتاباً شهيراً في الفروق (¬2) لما أدرك ضرورة إبراز (الفرق بين معان تقاربت حتى أشكل الفرق بينها نحو العلم والمعرفة والفطنة والذكاء ... ) وأدرك أن ما يصنف في الفروق اللغوية (يكفي الطالب ويقنع الراغب مع كثرة منافعه فيما يؤدي إلى المعرفة بوجوه الكلام والوقوف على حقائق معانيه والوصول إلى الغرض فيه) (¬3). وألف أبو العباس أحمد بن محمد السرخسي (-286) كتاب (الفرق بين النحو والمنطق) (¬4). وفي العقائد ألف أبو بكر محمد بن الطيب المعروف بالقاضي الباقلاني (-403) كتاب (تصرف العباد والفرق بين الخلق والاكتساب) (¬5) كما ألف (الفرق بين معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء) (¬6). وفي الطب ألف أحمد بن إبراهيم بن الجزار (حوالي 369 هـ) كتاب الفرق بين العلل التي تشتبه أسبابها وتختلف أغراضها (¬7). ¬

_ (¬1) ترجمته في: معجم الأدباء: 8/ 258، بغية الوعاة: 1/ 506. (¬2) نشرته دار الآفاق الجديدة ببيروت سنة 1979 في طبعة ثالثة مع ترجمة لمؤلفه من إعداد عادل نويهض بعنوان (الفروق في اللغة) كما نشرته دار الكتب العلمية ببيروت سنة 1981 بتحقيق حسام الدين تحت عنوان (الفروق اللغوية). (¬3) الفروق في اللغة: 9. (¬4) كشف الظنون: 2/ 1256، وقد ترجم الزركلي لأبي العباس السرخسي، ولم ينسب له هذا الكتاب (الأعلام: 1/ 195). (¬5) المدارك: 7/ 69. (¬6) ألفه لما بعث إليه الشيخ أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني يسأله عن مسألة الكرامة- انظر (المعيار: 2/ 443). (¬7) كشف الظنون: 2/ 1256، وهو من كتب ابن الجزار المفقودة، وترجم الزركلي لابن الجزار، ولم ينسب له هذا الكتاب (الأعلام: 1/ 82).

وفي أصول الفقه ألف البلقيني رسالة في الفرق بين الحكم بالصحة والحكم بالوجب ضمنها ستة فروق (¬1). وألف إسماعيل؛ بن معلى المحلي الشافعي كتابه الوسوم بـ (الليث العابس في صدمات المجالس)، فر من تأليفه سنة 871 هـ وجعل قسمًا منه للفرق بين الأصول (¬2) من اللوحة 13 إلى اللوحة 21. وهناك تأليف موسوم بـ (فروق الأصول) (¬3) ينسب إلى عوض أفندي (؟ ) بدايته: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الحمد لله المحمود ذي القدم الموجود لا عن العدم المتنزه عن الند ...... ). جاء الفرق الأول فيه بين الشرط اللازم وبين الشرط غير اللازم. ومن فروقه الفرق بين الشرط والسبب، وها نحن نقدم هذا الفرق كمثال يصور الأسلوب الذي جرى عليه مؤلف هذا الكتاب: (فرق آخر بين الشرط والسبب، فنقول: إن الشرط ما لا أثر له، لأنه علم على ثبوت الحكم، كمن قال لأمرأته: أنت طالق إن دخلت الدار، يقع الطلاق عند دخولها بقوله: أنت طالق، وهو سبب لوقوع الطلاق عند وجود ¬

_ (¬1) ذكرها الدكتور محمد طموم، وأفاد أن منها نسخة نحطوطة بدار الكتب: 25597 بـ 17 صفحة، (الفروق للكرابيسي: 12). (¬2) كشف الظنون: 2/ 1571، أشار إلى قسم القواعد الأصولية منه الدكتوران طموم والثبيتي وأفاد الأول أن منه مخطوطة بدار الكتب 176 أصول - طلعت، وأفاد الثاني أن منه صورة بالمكروفلم في مركز البحث العلمي 101 أصول. (الفروق للكرابيسي، ص 12، الاستغناء للبكري، (ص 79 - 80). (¬3) منه نسخة مخطوطة بدار الكتب الوطنية بتونس ضمن مجموع، رقمه 7329 - من 215 أإلى 220 ب، جاء في آخرها: انتهت الرسالة للمرحوم عوض أفندىِ رحمه الله سنة 1234، وفي المجموع تواريخ أخرى مختلفة متقاربة، الخط تونسي واضح، والمداد أسود إلا بعض الكلمات بالأحمر.

الفروق الفقهية والحاجة إليها

الشرط، وهو دخول الدار، ودخول الدار ليس بمؤثر في وقوع الطلاق، لكن السبب قد تعلق بالشرط، فأثر عند وجوده؛ فبان الفرق بينهما). الفروق الفقهية والحاجة إليها يكون الفرق تارة بين فرعين، وتارة بين قاعدتين فقهيتين (¬1)، وتارة أخرى بين عبارات لغوية أو اصطلاحية لها علاقة بالفقه أو بالأصول، ويترتب على إقامة الفرق أحكام مختلفة، كما في الفرق بين الشهادة والرواية مع ما يظهر من تشابه في كون كل منهما يتضمن نقل خبر (¬2)، وقد حكى القرافي أنه أقام يطلبه نحو ثمان سنين وكان يسأل العلماء عن هذا الفرق فلم يظفر به إلا في شرح البرهان للميازري. وكما يقع الحرص على معرفة العلة لإجراء القياس ومعرفة أوجه الشبه لجمع النظائر بما يربط بينها من المعاني، كذلك يهتم الفقهاء باستجلاء وجه الفرق للتفريق في الحكم، وذلك ما يقتضي دقة تأمل وعمق نظر وبحث. ومعرفة النظائر الجامعة للمسائل، والعلل الرابطة بين الفروع وأصولها، والروق الصحيحة الفاصلة بين المسائل المتشابهة في الظاهر، ضرب من ضروب الفقه، وممن عد هذه العرفة من أنواع الفقه بدر الدين الزركشي (794) عندما جزأ الفقه إلى عشرة أنواع منها (معرفة الجمع والفرق) ولاحظ أن جل مناظرات السلف يجري على هذا النوع، وأن بعضهم حصر الفقه فيه فقال: (الفقه فرق وجمع). وأكد أن الفروق القوية هى التي تكون مؤثرة في ¬

_ (¬1) تهذيب الفروق والقواعد السنية، لمحمد علي بن حسين: 1/ 3. (¬2) فروق القرافي: 1/ 4 - الفرق الأول.

الأحكام، فقال: (كل فرق بين مسألتين مؤثر ما لم يغلب على الظن أن الجاء أظهر) واستدل بقول إمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك الجويني (-478): (لا يكتفى بالخيالات في الفروق، بل إن كان اجتماع مسألتين أظهر في الظن من افتراقهما وجب القضاء باجتماعهما، وإن انقدح فرق على بعد ... فافهموا ذلك فإنه من قواعد الدين) (¬1). ويستفاد من ذلك أن الفروق التي يعتبرها الفقيه ويحتاج إلى معرفتها في الاستنباط، وإلى مراعاتها في المناظرات، هي التي تكون قريبة صحيحة، وأما البعيدة فلا تعتبر عند الاجتهاد ولا تراعى عند البحث والمناظرة لضعفها إزاء المعنى الجامع الذي غلب على ظن الفقيه أنه أظهر في مسألتين. وقد تصدى العلماء الراسخون لمعارضة الفروق الغريبة البعيدة عن الصواب، ومن ذلك هذا الفرق الذي أعلنه بعض الأشياخ لا سئل (لِمَ لا تقضي الحائض الصلاة كما تقضي الصوم، وكلاهما فرض؟ فأجاب عن ذلك، قال: نعم، لأن حواء - رضي الله عنها. أتاها الحيض وهي في الصلاة فسألت آدم -عليه السلام- عن ذلك، فأوحى الله إليه أن مرها تترك الصلاة. ثم أتاها الحيض وهي صائمة، فتركت الصيام قياسًا على الصلاة، ولم تسأل عن ذلك، فأوحى الله إلى آدم أن مرها تقضي الصيام عقوبة لترك السؤال) وقد تولى أبو بكر بن العربي الرد على القائل بهذا الفرق، فذكر أن (هذه دعوى فارغة طويلة عريضة، لا برهان عليها ولا أثر ولا خبر، وهي من أعظم حجج أهل الظاهر في إبطال القياس). ¬

_ (¬1) المنثور في القواعد، للزركشي: 1/ 69.

والفرق الصحيح هو الذي أورده أبو العباس الونشريسي، ونصه: (إنما تقضي الحائض الصوم ولا تقضي الصلاة، وكلاهما عبادة بدنية، لأن المشقة تلحق في قضاء الصلاة لتكرارها، فلو ألزمت القضاء لشق ذلك عليها، ولأنها كما تشاغلت به تعطلت عن أشغالها وعما يصلح من شأنها، ولا كذلك الصوم، إذ لا مشقة في قضائه، إذ هو غير متكرر في السنة، وربما حاضت فيه وربما لم تحض) (¬1). هذا وقد كان الإمام أبو عبد الله المازري (-536) أشار إفى أهمية التفريق بين المسائل، واعتبر أن أقل مراتب الفقهاء تقتضي مستوى معينًا من المعرفة الفقهية، وعناصر من الثقافة الشرعية، منها القدرة على التنظير بين المسائل المتشابهة والتفريق بين المختلفة، يقول الإمام المازري: (الذي يفتي في هذا الزمان أقل مراتبه في نقل المذهب أن يكون قد استبحر في الاطلاع على روايات المذهب وتأويل الشيوخ لها وتوجيههم فيها: من اختلاف ظواهر واختلاف مذاهب، وتشبيههم مسائل بمسائل قد يسبق إلى النفس تباعدها، وتفريقهم بين مسائل ومسائل قد يقع في النفس تقاربها وتشابهها) (¬2). وهذا المعنى لاحظهُ أبو القاسم البرزلي (-841) بعد ذلك، وحذر ممن يدعي الاجتهاد ويعمد إفى القياس وهو جاهل بالفروق غير بصير بما، يقول: (قد يطرأ من يظن أنه بلغ رتبة الاجتهاد، فينظر المسائل بعضها ببعض، ويُخرج، وليس بصيرًا بالفروق) (¬3). ¬

_ (¬1) عدة البروق: 103، الفرق: 37. (¬2) مواهب الجليل، للحطاب: 6/ 97. (¬3) النوازل: 1/ 9/ ب.

تآليف الفروق الفقهية

وقد أوضح أبن خلدون أكيد الحاجة إلى الملكة الراسخة التي يقتدر بها على التنظير والتفرقة، وهي المتوفرة لدى فقهاء عصره بعد أن ضاق مجال الاجتهاد وانعدام المطلق منه، يقول عن هولاء الفقهاء: ( .... لم يكن لهم سبيل إلى الاجتهاد والقياس فاحتاجوا إلى تنظير المسائل فِى الإلحاق وتفريقها عند الاشتباه بعد الاستناد إلى الأصول المقررة من مذهب إمامهم، وصار ذلك كله يحتاج إلى ملكة راسخة يقتدر بها على ذلك النوع من التنظير أو التفرقة، واتباع مذهب إمامهم فيها ما استطاعوا، وهذه الملكة هي علم الفقه لهذا العهد) (¬1). تآليف الفروق الفقهية قبل أن تستقل الفروق الفقهية بمصنفات خاصة كانت الفروق متداولة على ألسنة الفقهاء، تنبني عليها أحكام، وينجم عنها الاستثناء من القواعد. وفي الكتب الفقهية تتناثر كثير من الفروق (¬2)، نذكر منها للتمثيل هذه الفروق: 1 - جاء في الفرق بين انعزال الوكيل إذا مات موكله وعدم انعزال القاضي إذا مات الخليفة الذي ولاه، ما يلي: ¬

_ (¬1) المقدمة: 321. (¬2) الذين ساقوا فروقًا في كتبهم الفقهية أبو الوليد الباجي في (المنتقى: 5/ 53) وفي (فصول الأحكام: ح 166 - 167) وأبو عبد الله الحطاب في (مواهب الجليل: -2361؛ - 1/ 240، (فرق منقول من التوضيح لخليل بن إسحاق) 2/ 538، وأبو علي الحسن بن رحال في: كشف القناع: 80 فرق من تنبيهات عياض في تضمين الصناع والأجزاء).

(إن الموكل إذا مات أو خلع ينعزل الوكيل، والخليفة إذا مات أو خلع لا تنعزل قضاته وولاته، ووجه الفرق: أن الوكيل يعمل بولاية الموكل وفي خالص حقه أيضًا، وقد بطلت أهلية الولاية، فينعزل الوكيل، والقاضي لا يعمل بولاية الخليفة وفي حقه، بل بولاية المسلمين وفي حقهم، وإنما الخليفة بمنزلة الرسول عنهم، لهذا لم تلحقه العهدة كالرسول في سائر العقود والوكيل في النكاح، وإذا كان رسولًا كان فعله بمنزلة فعل عامة المسلمين وولايتهم بعد موت الخليفة باقية فيبقى القاضي على ولايته) (¬1). 2 - ذكر الإمام المازري الفرق بين الجبائر وبين الخفين في المسح عليها، حيث اشترط الطهارة في الخفين دون الجبائر، فقد صاغ هذا السؤال: لم كانت الجبائر خلاف الخفين في الطهارة؟ ثم أجاب عنه بهذا الجواب المتضمن للفرق. (إنما لم نشترط الطهارة في مسح الجبيرة، واشترطناها في مسح الخفين، لأن لبس الخفين اختياري، يمكن أن يؤمر اللابس إذا أراد السح ألا يلبسهما إلا على طهارة، فلما أمكن ذلك جاء الشرع به، ولا يمكن أن يقال للإنسان: لا يجرح ولا يكسر إلا على طهارة، فلما لم يكن ذلك لم يجئ الشرع به) (¬2). 3 - وجاء في الفرق بين الغرباء الطواف لهم أفضل من التنفل بالصلاة وبين أهل مكة التنفل بالصلاة أفضل لهم من طواف التطوع، ما يلي: ¬

_ (¬1) بدائع الصنائع: 7/ 16. (¬2) شرح التلقين، للإمام المارزي: 1/ 39 ب، والملاحظ أن الإمام المازري ساق الكثير من الفروق الفقهية بين المسائل في شرحه هذا.

(إن أهل مكة مقيمون فلا يتعذر عليهم الطواف أي وقت أرادوه، فكان التنفل بالصلاة أفضل، لأنها في الأصل أفضل من الطواف، والغرباء بخلاف ذلك، لأنهم يرجعون لأوطانهم فلا يتمكنون من الطواف، فكان الطواف أفضل، لأنه يخاف فواته) (¬1). 4 - وأورد أبو الطاهر إبراهيم بن بشير المهدوي في الفرق بين الهبة وبين الصدقة لمحوله: (لا تفترق الهبة من الصدقة إلا في وجهين، أحدهما: أن الهبة تعتصر وأن الصدقة لا تعتصر، والثاني: أن الهبة يصح الرجوع فيها بالبيع والهبة، ولا يجوز ذلك في الصدقة) (¬2). 5 - وقال أبو الحسن المنوفي (-939) موضحًا لفرق بين الدم الذي لا تؤثر نجاسته القليلة وبين غيره من النجاسات التي يؤثر قليلها وكثيرها، قال: (الفرق بينهما أن الدم مما تعم به البلوى ولا يكاد يُتحفظ منه، لأن بدن الإنسان كالقربة المملوءة دمًا، بخلاف سائر النجاسات، إذ يمكن التحرز منه في الغالب) (¬3). تناثرت الفروق -إذن- في الكثير من المصنفات الفقهية، ووجدت في مختلف الأبواب المتناولة للعبادات وللمعاملات. وأختار بعض المصنفين في فن القواعد الفقهية أن يخصصوا أبوابًا للفروق يقدمون فيها فروق موضوعات فقهية متنوعة. ومنهم عبد الرحمن السيوطي في (الأشباه والنظائر) فقد ترجم للكتاب السادس منه بـ (أبواب متشابهة وما ¬

_ (¬1) مواهب الجليل، للحطاب: 2/ 538، وهو ينقل عن شرح الرسالة للقاضي عبد الوهاب. (¬2) التحريي: 41 أ - ب، مخطوط خزانة ابن عاشور بتونس. (¬3) كفاية الطالب الرباني: 2/ 118.

المذهب الحنفي

افترقت فيه) (¬1) وتبعه زين الدين إبراهيم بن نجيم في (أشباهه) فجعل الفن الثالث منه (الجمع والفرق) (¬2). وقد واكب الجهد المشار إليه - في صوغ فروق موزعة على أبواب أو مجتمعة في باب واحد، جهد آخر بذله بعض علماء القواعد الفقهية من مختلف المذاهب التشريعية، أثمر عديد المصنفات الخاصة بالفروق، كان الكثير منها شاملًا لفروق مسائل فقهية متنوعة، وبعضها مقتصرًا على التعمق في توضيح فرق بين مسألتين، كما سنرى في العرض الموالي. المذهب الحنفي - كتاب الفروق، لأبي الفضل محمد بن صالح المعروف بالكرابيسي من أهل سمرقند (¬3) (-322). - كتاب الأجناس والفروق، لأبي العباس أحمد بن محمد الناطفي الطبري (¬4) (- 446) - كتاب الفروق، لأبي المظفر أسعد بن محمد الكرابيسي النيسابوري (¬5) (-570). ¬

_ (¬1) الأشباه، السيوطي: 515 - 531. (¬2) الأشباه، لابن نجيم: 359 - 465. (¬3) حصلنا على مصورة منه، أصلها بمكتبة الأوقاف ببغداد 3533.، وأفاد الدكتور سعود الثبيتي أنه توجد منه نسخة بدار الكتب المصرية: 1923: ومكروفيلم بمركز البحث العلمي بأم القرى: 42 فقه عام. (¬4) كحالة: 2/ 140 - مفتاح السعادة: 2/ 279 - 280 - الأعلام: 1/ 207. (¬5) نشرته وزارة الأوقات والشؤون الإسلامية بالكويت في جزءين بتحقيق الدكتور محمد طموم، ومراجعة الدكتور عبد الستار أبو غدة، ط 1، شركة المطبعة العصرية بالكويت: 1982.

المذهب المالكي

- تلقيح العقول في فروق المنقول، لأحمد بن عبيد الله المحبوبي (¬1) (-630). - الفروق لأحمد بن عثمان التركماني (¬2) (-774) (؟ ). المذهب المالكي - فروق مسائل مشتبهة من المذهب، لأبي القاسم عبد الرحمن بن علي الكناني المعروف بابن الكاتب (-408) ذكر عياض أنه وقف عليها في جزء منطو على أحد وأربعين فرقًا (¬3). - الفروق في مسائل الفقه، للقاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي (¬4) (-422) نقل عنه المواق في شرحه على المختصر الخليلي (¬5). - النكت والفروق لمسائل المدونة، لأبي محمد عبد الحق بن محمد بن هارون الصقلي (¬6) (-466) وهو كتاب قيم به فوائد جمة، ألفه صاحبه في فروق المدونة. - الفروق، لأبي الفضل مسلم بن علي الدمشقي (-؟ ) الذي نقدم لتحقيقه. - أنوار البروق في أنواء الفروق، لأبي العباس شهاب الدين أحمد القرافي (-684) وهو الكتاب الشهير المتداول المعروف اختصارًا بفروق القرافي، وقد اهتم بتهذيبه واختصاره بعض أعلام المالكية، هم: ¬

_ (¬1) منه نسخة بدار الكتب 982 فقه حنفي، كما ذكر الدكتور الثبيتي (الاستغناء: 1/ 78). (¬2) كشف الظنون: 2/ 1257. (¬3) المدارك: 7/ 252 - 253، وانظر كتاب العمر: 1/ 2/ 663 - 664. (¬4) الديباج: 2/ 28. (¬5) التاج والإكليل: 2/ 7. (¬6) الديباج: 2/ 56، وتوجد من هذا الكتاب نسخة مخطوطة بالخزانة الملكية بالرباط رقمها 261، أوراقها 144، وأخرى بمراكش وصورة على المكروفيلم في مركز البحث العلمي بأم القرى: 243. ويقوم الطالب السعودي أحمد الحبيب بتحقيقه لنيل الدكتوراه بجامعة أم القرى، مكة.

* أبو عبد الله محمد إبراهيم البقوري (¬1) (-707). * أبو عبد الله محمد بن عبد السلام الربعي التونسي (¬2) (-715). * سراج الدين قاسم بن عبد الله الأنصاري المعروف بابن الشاط السبتي (-727) وكتابه موسوم بـ (إدرار الشروق على أنواء الفروق) (¬3). * محمد على بن حسين المالكي مفتي مكة (-1367) وكتابه عنوانه: (تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية) (¬4). * عبد العزيز أبو عتور التونسي (-؟ ) جعل كتابه بعنوان (ترتيب مباحث الفروق للقرافي) (¬5). * أبو المنتصر محمد رواس قلعه جي، وضع فهرسًا تحليليًا بترتيب أبجدي للمسائل، ملحق بطبعة الفروق التي أصدرتها دار المعارف ببيروت (د. ت). - الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام (¬6)، للشهاب القرافي، جعل مسائله ضمن الإجابة عن أربعين سؤالًا، وصبغة الفروق فيها واضحة جلية. ¬

_ (¬1) منه نسختان بدار الكتب الوطنية بتونس: 2118 و 14982 تنسبان خطأ إلى المقري ويقوم بتحقيقه لنيل دكتوراه الحلقة الثالثة الطالب الكويتي سعد العتري بإشراف الدكتور محمد أبي الأجفان، المعهد الأعلى للشريعة، جامعة الزيتونة، تونس. وانظر عن البقوري: نفح الطب: 2/ 53. (¬2) ترجمته ومصادرها في: تراجم المؤلفين: 2/ 338 رقم 196، واختصاره للفروق منه نسخة بدار الكتب الوطنية بتونس: 14946. (¬3) مطبوع مع فروق القرافي، دار إحياء الكتب العربية، مصر 1344. يقول الأمير: عليك بفروق القرافي ولا تقبل منها إلا ما قبله ابن الشاط، (تهذيب الفروق والقواعد السنية: 1/ 3). (¬4) مطبوع بهامش الفروق، وإدرار الشروق، الطبعة المذكورة بالهامش قبل هذا. (¬5) رأينا منه نسخة مخطوطة بمكتبة آل ابن عاشور: 83 - أوراقها 16. (¬6) نشره مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب سنة 1967 بتحقيق عبد الفتاح أبي غدة.

- الفرق بين الخوارق الثلاثة: المعجزة والكرامة والسحر، لأحمد بن البناء الأزدي المراكشي (¬1) (- 721). - عدة البروق في جمع ما في المذهب من الجموع والفروق، لأبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسي (¬2) (-914). - الفروق لأبي عبد الله محمد بن يوسف العبدري المواق الغرناطي (¬3). - الفرق بين الطلاق البائن والرجعي، لمحمد المهدي العمراني الوزاني (¬4) مفتي فاس (-1342). - فروق بين مسائل فقهية متشابهة الأحوال مختلفة الاعتدال عبد الله محمد بن يوسف (¬5). ¬

_ (¬1) جذوة الاقتباس، لابن القاضي: 1/ 152. (¬2) طبع على الحجر بفاس، ثم نشرته دار الغرب الإسلامى ببيروت بتحقيق الأستاذ حمزة أبو فارس سنة 1990. ويذكر مؤلفه في مقدمته أنه سبق له أن ألف كتابًا في الجموع والفروق فأتلفه بعض الهمج فأعاد تأليفه وجدده (عدة البروق: 79 ط دار الغرب). (¬3) المواق هو صاحب (التاج والإكليل المختصر خليل) وسنن المهتدين) وقد أجاز بمؤلفاته الخطيب الفقيه أبا الفرج عبد الله بن أحمد البقني - انظر (ثبت البلوي: 190). (¬4) ترجمته ومصادرها في: الأعلام، للزركلي: 7/ 235، وكتابه مطبوع على الحجر بفاس مع رسالة للمؤلف نفسه في جواز الذكر بالجنازة ورفع الصوت بالهيللة، يعارض بها تأليفًا لمحمد الرهوني ينهج فيه منهج المنع واعتبار ذلك من البدع المنكرة. (¬5) عثرنا على نسخة من هذا الكتاب بمكتبة آل ابن عاشور (المرسى- تونس) رقم ف أ 98 - 95 تشتمل على 56 لوحة - مسطرتها: 22 - بخط مغربي واضح أسود محلى بالأحمر، في أوراقها الأولى طمس (17 ورقة) والبقية واضحة. على صفحة العنوان، بعد اسم الكتاب، ما يلى: (لمن سمى نفسه محمد بن يوسف كان بعد أواسط القرن الخامس، وهو يعني بما في كتب المتقدمين من أهل المذهب المالكي مثل ابن أبي زيد والقاضي إسماعيل، وفي ترتيب أبواب هذه النسخة تخليط لا يدري أهو من الأصل أم من الناسخ).

المذهب الشافعي

المذهب الشافعي - الفروق في فروع الشافعية، لأبي عبد الله محمد بن علي الحكيم الترمذي (¬1) (-255) - الفروق لأبي العباس أحمد بن عمر بن سريج (-306) وهي تشتمل على أجوبة عن أسئلة متعلقة بمختصر المزني (¬2). - الفروق، لأبي محمد عبد الله بن يوسف بن حيويه الجويني (-438) والد إمام الحرمين (¬3). - مطالع الدقائق في تحرير الجوامع والفوارق، لبي محمد عبد الرحيم بن الحسن الإسنوي (¬4) (-772). وقد ذكر الإسنوي في مقدمة مطالعه كتبًا أخرى تتضمن فروقًا ومطارحة بالمسائل، منها كتاب الوسائل في فروق المسائل لأبي الخير سلامة بن إسماعيل ابن جماعة المقدسي، وكتاب المطارحات لأبي عبد الله محمد بن أحمد القطان (-407) وكتاب المسكت لأبي عبد الله الزبيري، وكتاب المعاياة للقاضي أبي العباس أحمد بن محمد بن أحمد الجرجاني (¬5). ¬

_ (¬1) كشف الطون: 2/ 1258. (¬2) المصدر نفسه: 2/ 1257. (¬3) أفاد الدكتور سعود الثبيتي أن عبد الرحمن المزني يقوم بتحقيق جزء منه في جامعة الإمام محمد بن سعود، وأن نسخة منه في ترخان: 146 أصول فقه، وفي مكتبة شسشربيتي نسخة رقمها 4613. (¬4) لدينا مصورة منه أصلها بمكتبة الأوقاف العامة ببغداد: 3959، وأفاد الدكتور الثبيتي أنه حققه نصر فريد محمد وهو مطبوع على الاستنسل. (¬5) مقدمة مطالع الدقائق، نسخة الأوقاف ببغداد: 3959، وكتاب المعاياة والامتحان مخطوط منه نسخة بالخزانة العامة بالرباط (المغرب) 913 د يشتمل على 99 لوحة.

- الاستغناء في الفرق والاستثناء، لبدر الدين محمد بن أبي بكر بن أبي سليمان البكري المصرىِ (¬1) (عاش في النصف الثاني من القرن الثامن والنصف الأول من القرن التاشع). - الكفاية في الفروق لأبي عبد الله الحسين بن عبد الله الطبري الشافعي، المتوفي في مطلع القرن الخامس (¬2). - الفروق لأبي المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني الشافعي المتوفي سنة 502 هـ. نقل عنه أبن السبكي في أشباهه (¬3). - الفروق لأبي العباس كمال الدين أحمد الدزماري الشافعي المتوفي سنة 643 هـ (¬4). ¬

_ (¬1) كان تحقيق قسم العبادات من هذا الكتاب موضوع رسالة دكتوراه للطالب سعود اللثبيتي، بجامعة أم القرى ونشره مركز إحياء التراث الإسلامي بمعهد البحوث العلمية لهذه الجامعة، في جزءين سنة 1408 - 1488 ويحتوي كتاب الاستغناء على ستمائة قاعدة فقهية، يقول الدكتور الثبيتي عن منهج البكري في عرضها: (يذكر القواعد الفقهية مرتبة حسب أبواب الفقه، مستثنيًا من كل قاعدة ما يخرج عنها من فروع فإذا عرض له فرع يشتبه مع آخر ذكر الفرق بينهما وأحيانًا تشتبه إحدى المسألتين التي فرق بينهما مع مسألة أخرى فيذكر الفرق، وقد يذكر أكثر من فرق، والمؤلف في عرضه للفروق بين المسائل اتخذ طريقة السؤال والجواب) (الاستغناء 82/ 1)، وقد ظهرت لكامل نص هذا الكتاب طبعة أخرى بتحقيق الشيخين عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض أصدرتها دار الكتب العلمية ببيروت سنة 1411 هـ /1991 م دون أن يشير المحققان إلى الطبعة السالفة، واسم الكتاب فيها (الاعتناء في الفرق والاستثناء). وقد اعتمد المحققان على ثلاث نسخ مخطوطة. بينما اعتمد الدكتور الثبيتي أربع نسخ من خمس عشر عليها، ورجح أن الاسم (الاستغناء ... ) بقرائن قوية، وكان جهده في الدراسة والترجمة للمؤلف واضحًا. (¬2) الفروق الفقهية للدكتور يعقوب الباحسين، ص 90. (¬3) م. ن. ص 92. (¬4) م. ن. ص 95 - 96.

المذهب الحنبلي

- الجمع والفرق لسراج الدين يونس بن عبد المجيد بن علي الهذلي الشافعي المتوفي سنة 725 هـ (¬1). - الفروق لأبي أمامة شمس الدين محمد بن على بن عبد الواحد الشافعي المعروف بابن النقاش المتوفي سنة 763 هـ (¬2). المذهب الحنبلي - الفروق، لأبي عبد الله نصير الدين محمد بن عبد الله السامري بن سُنينةَ (¬3) (-616). - الفصول في الفروق، لأبي العباس أحمد بن محمد بن راجح المقدسي (-638). - إيضاح الدلائل في الفروق بين المسائل، لأبي محمد عبد الرحمن الزريراني (¬4). - القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة، لعبد الرحمن بن ناصر السعدي (¬5) (؟ ). ¬

_ (¬1) م. ن. ص 96 - 97. (¬2) م. ن. ص 99 - 100. (¬3) شذرات الذهب: 5/ 70، الاعلام، للزركلي: 7/ 108. ومن هذا الكتاب صورة بالمكروفيلم في مركز البحث العلمي بأم القرى: 36 أصول فقه كما أفاد الدكتور الثبيتي (الاستغناء: 1/ 80). (¬4) الكتب الثلاثة الأخيرة ساقها الدكتور الثبيتي ضمن المذهب الحنبلي في الفروق، وأفاد أن الأخير تتوفر منه صورة في مركز البحث العلمي بأم القرى: 344 فقه عام (الاستغناء: (1/ 80). (¬5) نشرت مكتبة المعارف بالرياض هذا الكتاب في طبعة جديدة سنة 1985، وهو يتضمن قسمين، أولهما: فيه ستون قاعدة في ما تجتمع فيه الإحكام من الأصول والقواعد وثانيهما: فيه فروق بين مسائل فقهية مشتبهات، وقد نوع المؤلف الفروق نوعين: حقيقية صحيحة، وصورة ضعيفة.

أهمية الفروق

أهمية الفروق يتنوع النشاط الفكري للفقيه، زهو يستنبط الأحكام من الأدلة المتنوعة، فيعتمد تارة على النصوص المنقولة، وتارة على المصادر العقلية، وتارة يخرج على الأقوال في مذهبه ... ومن أنواع نشاطه التوجيه والتعليل وبيان الحكمة الشرعية، والتفريق بين ما ظاهره متشابه. ويدل أهتمام فقهائنا بالفروق بين المسائل على أن هذه الشريعة لا تناقض فيها، وأن العقل يدرك مقاصدها ويفهم الكثير من حكمها، وبذلك ينبني الاجتهاد على مراعاة المصالح ويتوخى جلبها ويعتمد على درء المفاسد وتجنبها. وبهذا النشاط العملي في إطار نصوص الوحي وتعاليمه كانت الشريعة الإسلامية خالدة. - الفروق في المسائل الفقهية لإبراهيم بن عبد الواحد القدسي الحنبلي المتوفي سنة 614 هـ، ذكره ابن رجب في ذيل طبقاته (¬1). - الفروق لأبي عبد الله محمد بن عبد القوي بن بدران القدسي الحنبلي المتوفي سنة 699 هـ (¬2). ¬

_ (¬1) الفروق الفقهية والأصولية للدكتور يعقوب الباحسين، ص 93. (¬2) م. ن. ص 96.

الفصل الثالث: فروق الدمشقي

الفصل الثالث: فروق الدمشقي عرفنا أن أبا الفضل الدمشقي ينتمي إلى مذهب اهتم فقهاؤه بالفروق، وكان يعيش في المركز العراقي المشتهر بالنشاط العقلي، وكان يلازم كثيرًا شيخه القاضي عبد الوهاب الذي من بين مصنفاته كتاب فروق فقهية، وقد ظهرت لدى بعض معاصريه عناية بالفروق، ومنهم أبو الحسن علي الطابثي البصري الذي رحل إلى مصر فلقي أبا القاسم بن الكاتب (وكتب عنه الفروق في مسائل سأله عنها) (¬1). وقد أشعرنا الدمشقي في مقدمة كتابه أنه يقتفي أثر شيخه القاضي عبد الوهاب في صوغ الفروق الفقهية، وأن أصحاب هذا الشيخ ذكروا فروقًا، وهم أقرانه الذين جمعته بهم مجالس القاضي، وهو في كتابه يذكر شيخه هذا سبع مرات ناقلًا عنه بعض آرائه الفارقة بين السائل، كما يعزو فروقًا لبعض أصحابه من رجال مذهبه، وينسب أقوالًا لأربابها وغالبًا ما ينسبها للإمام ماللث، وقد وثقنا أقواله من المدونة، فتبين بهذا التوثيق أن مسلمًا الدمشقي قد انخرط في سلك دارسي فقه المدونة، متأثرًا بالطريقة العراقية التي أسلفنا إشارة المقري لصبغتها العقلية. ¬

_ (¬1) المدارك: 7/ 227.

وواكب مسلم الدمشقي بهذا العمل العلمي مالكيًا آخر معاصرًا له من المركز الصقلى مولعًا بخدمة فقه المدونة، وهو أبو محمد عبد الحق صاحب (النكت والفروق لمسائل المدونة) وهما يمهدان الطريق أمام عالم مالكي آخر اهتم بفروق المدونة وبعض مدونات المذهب الأخرى، وهو أبو العباس أحمد الونشريسي الذي يقول في مقدمته لعدة البروق: (وضعت في الجموع والفروق، مجموعًا مطبوعًا وسميته بعدة البروق في جمع ما في المذهب من الجموع والفروق يستعان به على حل كثير من المناقضات الواقعة في المدونة وغيرها من أمهات المرويات) (¬1). وقد أكد الدمشقي أن الفروق تشكل على كثير من الناس فيصعب حفظها. ولاحظ أن فروق الفقهاء من أصحاب القاضي عبد الوهاب لم تفرد بتأليف بل انتشرت في تضاعيف الكتب، فقصد بتأليفه هذا جمع الكثير منها وتسهيل تناولها وتقريب فهمها، ملاحظًا أنها تحتاج إلى نظر وبحث. وقد سلك في تأليفه منهج الاختصار في العبارة، فكان تعبيره دقيقًا مع الوضوح، واقتصر على ما أشكل أمره وخفي حكمه، وهو يقول: (العلم على ضربين: جلي لا يحتاج إلى تبيين، وخفي يفتقر إلى تفسير، ولو كان العلم كله جليًا كان العالم به دريًا، ولم يكن للعلماء فضل على من سواهم، ولا زيادة مزية على من ناواهم) (¬2) ـ. ¬

_ (¬1) عدة البروق: 79. (¬2) مقدمة المؤلف، انظر ص 85.

وقد يتعرض إلى الخلاف في المسألة التي يتناولها (¬1)، وأحيانًا يشير إلى أن الفرق غير مسلم بل هو محتمل للنظر (¬2)، ومعلوم أن أغلب الفروق في المجال الفقهي ليعست راجعة إلى نصوص قرآنية أو حديثية، وإنها تمثل ضربًا من الاجتهاد والتوجيه للأحكام كما أسلفنا، والتأليف فيها يقتضي تعمقًا في إدراك الأسرار الشرعية والعلل، ودربة على التوجيه والتأصيل، وتجلى هذا عند الدمشقي وهو يصوغ فروقًا يبتكرها، أو يرجح فرقًا على آخر معتبرًا الراجح (أقيس) من المرجوح (¬3)، كما يرجح بين الأقوال في المسائل الفرعية التي يبنيها على الفروق (¬4). أما الأسلوب فهو يلتزم فيه: - الابتداء بعبارة: (فرق بين مسألتين). - يورد بعدها المسألتين اللتين اختلف حكماهما. - ثم ينبت ما يجمع بينهما في الظاهر، مما يجعل متبادرًا إلى الذهن تشابهما في الحكم. - ثم يذكر عبارة: (الفرق بينهما). - يورد بعدها بيان الفرق بين المسألتين، مما يزيل الإشكال الناجم عن المعنى الجامع بينهما مع اختلاف حكميهما. ¬

_ (¬1) كما في الفرق رقم: 127. (¬2) كما في الفرقين: 68 و 108. (¬3) كما في الفرق: 74، وهو في الفرق 117 يورد رأي بعض الأصحاب ثم ينقده، ويذكر رأيه في التفريق بين المسألتين. (¬4) كما في الفرق: 79.

نسخ (فروق الدمشقي) والمعتمد منها

- ثم يختم غالبًا بقوله: (فافترقا) وقد يستعمل عبارة: (فلهذا افترقا). وهو قد يورد للمسألتين أكثر من فرق (¬1). وأحيانًا يتوقع اعتراضًا فيذكره ثم يجيب عنه كما يفعل بعض الفقهاء في مؤلفاتهم (فإن قيل: ... قلت: ... ) (¬2). وهو يلاحظ أن المسائل التي يعرضها يمكن أن تجر إلى بحث عميق وتفصيل، ولكنه آثر الاختصار والاقتصار على التفريق بين المسائل، يقول: (كل مسألة من هذه المسائل يطول الكلام فيها إلا أن الغرض بيان النكت التي بها يقع الفرق) (¬3). وهكذا تكون هذه الفروق الفقهية للدمشقي إحدى الحلقات في سلسلة المصنفات المهتمة بفروق المسائل الدالة على مدى توغل فقهائنا في مجال البحث والنظر والتعليل والتوجيه. نسخ (فروق الدمشقي) والمعتمد منها إن النسخ المعروفة من كتاب الفروق للدمشقى ست، أمكننا الحصول على صور لأربع منها، وتعذر حصولنا على مصورة لإحداها -رغم جهودنا المبذولة لذلك- وهي الموجودة بخزانة القرويين وقد وصفها الأستاذ محمد العابد الفاسي في فهرس مخطوطات هذه الخزانة (3/ 273 رقم 1193) وسماها بـ (كتاب فقهى على مذهب الإمام مالك) وذكر أنها (في أوراق متلاشية ¬

_ (¬1) كما في الفرق: 35. (¬2) كما في الفرق: 47. (¬3) انظر الفرق: 40.

وبعضها ممزق مع خرق السوس غير مرتب) وساق مقدمة الكتاب وبعض فروقه وخاتمته وهي (تم الكتاب بحمد الله وحسن عونه تأليف مسلم بن عبد الله بن محمد الدمشقي) أوراقه 72، وما ساقه لا يختلف إلا يسيرًا عما جاء في النسخ الأخرى، ويؤكد نسبة الكتاب إلى مسلم الدمشقي وإن أسقط من سلسلة نسبه أبوه علي. أما النسخ التي اعتمدناها في التحقيق فنسختان منها تتوفر عليها دار الكتب الوطنية بتونس ونسخة في مكتبة شستربيني بإيرلندا وأخرى في مكتبة الأوقاف بطرابلس (ليبيا) وهي تتفاوت في سلامة النص وصحته، وتختلف في عدد الفروق التي تضمنتها كل نسخة، ولا تتفق في نسبة الكتاب إلى مؤلفه، فبينما تنسبه إحدى النسختين التونسبين إلى مسلم الدمشقي، تغفل سائر النسخ المعتمدة نسبته إلى أحد. وفيما يلي وصف لكل نسخة من هذه النسخ المعتمدة في التحقيق: 1 - نسخة دار الكتب بتونس أول مجموع 1692 (من 1 ب إلى 22 ب) وفي وجه اللوحة الأولى من المجموع أسماء الكتب التي يتضمنها على النحو التالي: - فروق متفق ظاهرها مختلف باطنها، للعلامة الدمشقي. - إعمال النظر والفكر في تحرير الصاع التونسي بالنبوي. - الاستنباط لابن قاسم. - تعريف علم الفرائض. - شرح ابن يامون في آداب النكاح (الجواهر المنظومة على شرح المنظومة).

أوراق المجموع: 132 - مقاسه: 20 × 15. وبالنسبة لكتاب الفروق فإن ناسخه صالح بن محمد بوغربال، نسخه بمداد أسود وجعل للعناوين اللون الأحمر، وخطه التونسي واضح - المسطرة: 21 - وتاريخ نسخه: شعبان سنة 1399. وقد سميناها (الأصل) لما سيأتي بيانه. 2 - نسخة دار الكتب الوطنية بتونس ضمن مجموع 14862 كان يحمل رقم 3217 من رصيد المكتبة الأحمدية حبسه المشير محمد الصادق باشا باي صاحب المملكة التونسية على الخزائن العلمية بالجامع الأعظم سنة 1291 هـ ـ. في المجموع 153 لوحة، ومقاسة 21 × 15.5. في آخره تاريخ 4 شعبان 1184 هـ وليس به اسم الناسخ. يشتمل على الكتب التالية: - النظائر لابن عبدون، من أوله إلى 21 ب. - الفروق من 22 أإلى 62 ب. - فضل القرآن للنووي من 63 ب إلى 96 أ. - فضل القرآن لحسين بن علي بن طلحة الرجراجي الشوشاوي. وبالنسبة للفروق، فإن الخط مغربي جميل بمداد أسود إلا العناوين فهي بالأحمر - المسطرة: 24 - . وقد رمزناها لها بـ ص.

3 - نسخة مكتبة الأوقاف بطرابلس (ليبيا) رقمها 588 ثانية مجموع جاء في أوله معين الحكام لابن عبد الرفيع. كتبت الفروق بخط مغربي واضح بمداد أسود والعناوين بخط مكبر، مع شكل لبعض الكلمات. أوراق الفروق: 24 ورقة- مسطرتها: 19. مقاسها 16 × 21. ناسخها الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى المغربي الموحد المالكي وتاريخها غير واضح. وهذه النسخة خالية من المقدمة. وقد رمزنا لها بـ (ط). 4 - نسخة شستربيتي بايرلندا رقم 4507، منها مصورة بمعهد المخطوطات العربية رقمها 2/ 1901 - في مجموع من 24 ب إلى 68 ب، وأوله النظائر لابن عبدون - المسطر: : 21 - المقاس: 19 × 15.5. خطها مغربي من القرن الثاني عشر الهجري تقديرًا. وقد رمزنا لها بـ (ر). هذد النسخ التي اعتمدناها لم تسلم من الأخطاء والتصحيف، لهذا سلكنا طريقة النص المختار وأثبتنا بالأصل ما رأيناه صوابًا، واقتصرنا على التنبيه على بعض الفروق بالهامش دون إثبات جميع الفروق بين النسخ تجنبًا لإثقال الهامش بما لا جدوى فيه.

ونظرًا لاختلاف. النسخ في عدد الفروق وفي ترتيبها رأينا أن نختار ترتيب إحداها، فوقع اختيارنا على التي رأيناها أكثر عددًا في الفروق، وهى التي انفردت بنسبة الكتاب إلى مسلم الدمشقي، من بين النسخ الأربع السالفة - وقد سمياها (الأصل) لهذا الاعتبار دون غيره، وأشرنا إلى بداية كل لوحة منها. كما استعنا عند التحقيق بنسخة خامسة تقع ثالثة مجموع بدار الكتب الوطنية (تونس) رقمه 1694، تملأ اللوحات من 52 أإلى 83 أ -ولا تنسب فيها الفروق إلى مؤلفها، إلا أن في الورقة الأولى من المجموع نسبتها خطأ- بخط مغاير- إلى الونشريسي. كان المجموع ملكًا لمحمد المختار شويخة ثم لمحمد المنستيري في تاريخ 1369، ثم اشترته دار الكتب الوطنية بتونس سنة 1966. كتبت الفروق في المجموع بخط تونسي مجوهر مليح دون ذكر لاسم الناسخ المقاس: 21 × 5. 15 - المسطر: 25 - .

مخطوطات الكتاب

الصفحة الأولى من "الأصل" نسخة دار الكتب الوطنية بتونس: 1692

الصفحة قبل الأخيرة من "الأصل"

صفحتان من ص نسخة دار الكتب الوطنية بتونس 14862

الصفحة الأولى من "ط" نسخة مكتبة الأوقاف بطرابلس: 588

الصفحة الثانية من ط

صفحة من "ر" نسخة مكتبة شستربيتي، بإبرلندا 4587

الصفحة الأخيرة من النسخة التي استعنا بها من دار الكتب الوطنية بتونس: 1694

الفروق الفقهية لأبي الفضل مسلم بن علي الدمشقي

مقدمة الكتاب

مقدمة الكتاب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. قال الشيخُ الفقيهُ الأجلُ أبو الفضل مسلم بن علي الدمشقي، رحمه الله تعالى: الحمد لله على ما أفضل وأنعم، وصلى الله على محمد أفضل صلاة وأكرم، وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد فإنني سُئلتُ أن أذكر (¬1) شيئًا من فروق المسائل المتفق ظاهرها المختلف باطنها، لأن ذلك مما يشكل على كثير من الناس. فاعلم أنه [باب] (¬2) كثير الفروع، يحتاج إلى نظر وبحث، وقد [أجبتُ] (¬3) إلى ذلك رجاءَ ثوابِ الله تعالى. وقد كان القاضي (¬4)، رحمه الله تعالى، حدثني أنه عمل كتابًا، وسماهُ بالجموع والفروق، وأنه تلف له، ولم يعمل غيره، وقد ذكر أيضًا أصحابه (¬5) فروقًا مفترقة، يصعب حفظها على من رامها وتشتدُ على من طلبها (¬6)، لأنهم (¬7) لم ¬

_ (¬1) ر: فإنك سألتني أن أذكر لك. (¬2) زيادة من ر. (¬3) في الأصل: أجبتك. (¬4) يعني أبا محمد عبد الوهاب بن نصر البغدادي شيخه. (¬5) ر: أصحابنا. (¬6) في الأصل: وتشتد عن مطلبها. (¬7) في الأصل: إذا.

[الفروق]

يقصدوا إلى إفرادها، بل أوردوها في تضاعيف الكتب. وأنا أثبت لك من ذلك ما يسهل عليك [تناوله] (¬1) ويقرب فهمه، قاصدًا في ذلك وجه الاختصار، والله تعالى المستعان. قال كاتب هذا الكتاب: وقد أسقطتُ من ذلك ما ظهر فرقه وبان وجهُهُ وأوردتُ ما أشكل أمرُهُ وخفي حكمهُ؛ إذ العلم على ضربين: جلي لا يحتاجُ إلى تبيين، وخفي يفتقر إلى تفسير. ولو كان العلم كله جليًا، كان العالم به دريًا، ولم يكن للعلماء فضل على من سواهم ولا زيادة على من ناواهم. ألا ترى قوله تعالى {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} (¬2) وقوله تعالى {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (¬3). فلذلك صنعت ما وصفت. [الفروق] 1 - فرق بين مسألتين: إذا نسي (¬4) الحاكمُ قضية قضى بها، فشهد عنده بذلك شاهدان وجب عليه إمضاؤها، وإذا شهد شهود الفرع (¬5) ونسي الشهادة شهود الأصل لم تقبل شهادتهم؛ وفي كلا الموضعين هو نقل عن الغير. الفرق بينهما: أن الشهادة على الحكم شهادة [بحق] (¬6) على الحاكم وليس بنقل شهادة، وشهادة الفرع إنما يثبت حكمها بثبوت شهادة الأصل؛ لأنها ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، مثبتة من ر. (¬2) آل عمران: 8. (¬3) النساء: 82. (¬4) ط، ر، ص: قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: إذا نسى. (¬5) في الأصل: الفروع، والمثبت من ر. (¬6) ساقطة من الأصل، مثبتة من ر.

2

نقل، والنقل يفتقر إلى صحة المنقول عنه، فإذا نسي شاهد الأصل الشهادة لم تقبك شهادة الفرع، فلذلك افترقا (¬1). 2 - فرق بين مسألتين: إذا نسي شاهد الأصل الشهادة لم تقبل شهادة الفرع، وإذا نسي المخبر الخبر جاز لمن روى عنه أن يخبر بذلك، وفي كلا الموضعين هو نقل. الفرق بينهما: أن شهادة الفرع إنما ثبت حكمها بثبوت شهادة الأصل؛ لأنها فرع لها، وليس كذلك الخبرُ؛ لأن الراوي ليس بفرع للمروي عنه، فلم يفتقر [في ذلك] (¬2) إلى ثبوته، ولأ [ن] المخبر لما جاز له أن يخبر بذلك عن الناقل عنه جاز للناقل أن يخبر بذلك، وإن كان المخبر قد نسيه. وأيضًا لما لم يكن لشاهد [الأصل أن يشهد بتلك الشهادة وإن شهد بما عنده شهود الفرع لم يكن لشهود] (¬3) الفرع أن يشهدوا (¬4) بتلك الشهادة إذا نسيها شاهد الأصل. ولأنه لما لم يجز أن يشهد شاهد الفرع مع وجود شاهد الأصل، لم يجز أن يشهد في حال نسيانه بتلك الشهادة. ولما [كان] لناقل الخبر أن يرويه مع وجود راويه (¬5)، كان له أن يرويه مع نسيانه (¬6). ¬

_ (¬1) هذا الفرق في: ط 13 ب، وفي ر: 25 أ. وانظر: عدة البروق: 499، رقم 753. (¬2) في الأصل غير واضحة، وفي ر: فيه ما أثبتناه من عدة البروق. (¬3) ساقط من الأصل، مثبت من ر. (¬4) في الأصل يشهد، والإصلاح من ر. (¬5) في الأصل: رواية، والمثبت من ر. (¬6) هذا الفرق في ط: 13 ب - 14 أ، وانظر عدة البروق: 506، رقم 768.

3

3 - فرق بين مسألتين: يحكم بأعدل البينتين فيما عدا النكاح، ولا يحكم بذلك في النكاح، وفي كلا الموضعين قد وجد الأعدل. الفرق بينهما: أن النكاح لا يصح (¬1) فيه التداعي، إذ المرأة لا يصح أن يملكها شخصان، وليس كذلك [غير النكاح] (¬2)؛ لأن التداعى يصح [فيه] (¬3) لصحة ملك الشخصين له، ولما لم يجز أن يحكم فيه باليمين إذا عدمت البينة، فيستحق كل واحد من المتداعيين شيئًا (¬4) من المحلوف عليه، والمرأة لا تصح قسمتها (¬5)، لم يجز أن يحكم فيها بأعدل البينتين، وليس كذلك ما عداه؛ لأنه يحكم بالإيمان عند عدم البينة لصحة وقوع القسم فيه؛ ولأن (¬6) البُضع (¬7) لا يجوز أن يُقر على الشك، وفي الحكم بأعدل البينتين إقرارٌ على الشك، لأن طريق (¬8) العدالة والاجتهاد، والاجتهاد لا يتبين إلا مع صحة المجتهد فيه، وليس كذلك ما عاد النكاح، فافترقا (¬9). ¬

_ (¬1) في الأصل: لا يصلح بينهما. (¬2) ساقط من الأصل، مثبت من ر. (¬3) سقطت من الأصل: مثبتة من ر. (¬4) في الأصل: قيمتها والمثبت من ر. (¬5) في الأصل: قيمتها، وهو تصحيف، والمثبت من ر. (¬6) في الأصل: لأن. (¬7) البُضع، بضم الباء، جمعه ابضاع، يطلق على الفرج والجماع ويطلق على التزويج أيضًا (المصباح: بضع). (¬8) في الأصل: طريقة. (¬9) الفرق في ط: 14 أ، وفي ر: 25 ب. وفي عدة البروق: 508 رقم 772، توجيه آخر للفروق بين المسألتين نصه: إنما يقضى بأعدل البينتين في البيع، ولا يقضى به (كذا) في النكاح)، لأن زيادة العدالة تنزل منزلة شاهد واحد، والشاهد الواحد لا يقضي به مع اليمين في النكاح بخلاف البيع.

4

4 - فرق بين مسألتين: إذا حلف على شيء ألا يفعله بالطلاق، فشهدت بينةٌ: أنه فعله، لزمه الطلاق، ولو شهدت بينة أنه فعل شيئًا ما فحلف بالطلاق (¬1)، أنه ما فعله، لم يلزمه الطلاق، وفي كلا الموضعين قد قامت البينةُ على فعل ما حلف عليه. الفرق بينهما: أنه اذا حلف بالطلاق أنه لا يفعل فقد ترتبت اليمين عليه، فإذا قامت البينة بفعل ذلك الشيء توجه عليه الحكم باليمين المترتبة عليه، وليس كذلك إذا حلف بعد الشهادة أنه ما فعل ما شهد [عليه] (¬2) به؛ لأنه لم يترتب عليه حكمٌ قبل الشهادة، فحصل ذلك تكذيبًا لشهادتهم، فافترقا لذلك (¬3). 5 - فرق بين مسألتين: إذا ارتضيا أن يحكم بينهما رجلٌ لزمهما ما يحكم به عليهما، ولم يكن لأحدهما الرجوعُ عنه، وإذا ارتضيا شهادة شاهد لم يلزمهما ذلك، وكان للمشهود عليه الرجوع، وفي الجميع التحكيم موجود (¬4). الفرق بينهما: أن إمضاء الشهادة إنما [هو] (¬5) استدعاء لما يعلمانه (¬6) فإذا ادعيا خلاف ذلك كان لهما أولمن ادعاه منهما الرجوع، لأنه يقول: لم يأت بما ¬

_ (¬1) العبارة مضطربة في الأصل، والمثبت من ر. (¬2) سقطت من الأصل، أثبتناها من ر. (¬3) الفرق في ط: 14 ب، وفي ر: 25 ب. (¬4) اضطربت العبارة قي الأصل، والمثبت من ر، ط. (¬5) سقطت من الأصل، أثبتناها من ر. (¬6) في الأصل: يعلمه، والمثبت من ر.

6

أعلمه، وليس كذلك التحكيم، لأنه استدعاء لما لا يعلمانه، فلم يكن فيه رجوع؛ لأنه لا يصحُ فيه تكذيبٌ من المحكوم عليه (¬1). 6 - فرق بين مسألتين: إذا دفع رجل لرجل مالًا وأمره بدفعه إلى زيد، فادعى أنه دفعه إليه وأنكر المبعوثُ إليه، لم يُقبل قولُ المأمور إلا أن يقيم بينةً على الدفع، وإن ادعى تلف المالِ صُدق، و [في] (¬2) كلا المسألتين هو مدع لإخراج المالِ عن يده. الفرق بينهما: أنه مؤتمن في التلف فلذلك صدق، وليس كذلك الإعطاء، لأنه يحتاج إلى توثق من القابض، إذ لم يؤمر بتضييع المال، فإذا دفعه بغير بينة كان مفرطًا فلزمه ذلك، هكذا قال بعض أصحابنا. وأقيس منه أن يقال: إنه مدع لإشغال ذمة (¬3) غيره وبراءة ذمته فلم يُقبل قوله، وليس كذلك في التلف، لأنه غير مدع لإشغال ذمة غيره (¬4). 7 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬5): إذا أمره ببيع سلعة من السلع كان ذلك إقرارًا له بالبيع وبقبض الثمن، وإذا أذنت المرأة لوليها في التزويج لم يكن ذلك إذنًا له في قبض المهر، إلا أن توكله، وكلاهما [عقد معاوضة] (¬6). ¬

_ (¬1) الفرق في ط: 14 ب، وفي ر 25 ب، 26 أ. انظر عدة البروق 507، رقم 771. (¬2) سقطت من الأصل، أثبتناها من ر، ط. (¬3) الذمة في اللغة: العهد: تقول: أعطت فلانًا ذمة أي عهدًا - وتطلق أيضًا على الكفالة، تقول: فلان في ذمتي أي كفالتي وضماني. وفي الشرع عرفها كثير من الفقهاء، ومن ذلك تعريف الإمام شهاب الدين القرافي (معنى شرعي مقدر في المكلف قابل للالتزام واللزوم) الفرق 183 من فروق القرافي: 3/ 230 - 231. وللفقيه محمد بن أحمد المسناوي تأليف في الذمة موسوم بـ (صرف الهمة إلى تحقيق معئ الذمة). منه نسخة خطة بمكتبة الشيخ محمد أبي خبزة التطواني، تفضل بمدنا بمصورة منها. (¬4) الفرق في: ر 26 أ-26 ب. وانظر: المدونة: 3/ 269 - عدة البروق: 529، رقم 808. (¬5) المدونة: 2/ 158. (¬6) العبارة مصحفة في الأصل، والإصلاح من ر.

8

الفرق بينهما: أن عقد البيع مفتقرٌ إلى ذكرِ الثمن، فكان الإذنُ بالبيع إذنًا بقبض الثمنِ، وعقد النكاح غير مفتقر إلى ذكر المهر، فلم يكن الإذنُ فيه إذنًا بقبض المهر، ولأن المقصود من البيع الثمنُ، فكان الإذنُ فيه إذنًا بالمقصود، وعقد النكاح المقصود فيه [الوصلة] (¬1) والألفة دون العوض، فلم يكن الإذن فيه إذنًا بقبض العوض. 8 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬2): إذا دفع رجل لرجل مالا، وأمره أن يشتري به سلعة فاشترى غيرها، وأدعى أنه بذلك أمره ربُها، وأنكر ذلك [ربها] كان القول قول [المأمور، وإذا دفع إليه سلعة ليبيعها بثمن فباعها بدون ما أمره به وأدعى أنه بذلك أمره ربما فأنكر ربما، نظر فإن كانت السلعة لم تفت كان القوك قول الآمر، وإن فاتت كان القول قول المأمور] (¬3)، وفي كلا الموضعين قد وجد الإنكار من الآمر (¬4). الفرق بينهما: إذا اختلفا في [عين] (¬5) السلعة المأمور بشرائها [يصير] (¬6) المأمورُ مدعى عليه فكان القول قوله، وإذا اختلفا في ثمن السلعة، وهي لم تفتْ، كان الآمر مدعى عليه، فكان القول قوله، إذ الأصول مبنية على هذا. وبيان (¬7) المسألة الأولى من المسألة الثانية، إذا فاتت السلعة المأمور ببيعها، لأن المأمور حينئذ مُدعى عليه (¬8). ¬

_ (¬1) صحفت في الأصل، وأثبتناها من ر. (¬2) المدونة: 3/ 266 - 271. (¬3) ساقط من الأصل، مثبت من ر، ط. (¬4) في الأصل عبارة مضطربة. (¬5) في الأصل: غير، وهو تصحيف، والمثبت من ط، ر. (¬6) في الأصل: حصل، وهو تصحيف، والإصلاح من عدة البروق. (¬7) كذا في الأصل: وفي ط: ورأوا، وفي ر: ووزن. (¬8) الفرق في ط: 10 أ- 10 ب، وفي ر: 26 ب. وانظر عدة البروق: 528، رقم 807.

9

9 - فرق بين مسألتين: إذا بيع ملكُ الغير وقف [البيع] (¬1) على إجازة [ربه] (¬2). فإن مات ربهُ انتقل ملكُ المبيع إلى البائع كان له من الرد والإمضاء ما لمالكه، وإذا باع العبدُ شيئًا مما يملكه، ووقع البيعُ على إجازة سيده فإن أعتقه قبل علمه بذلك لزمهُ البيعُ ولم يكن له خيارٌ، وكلا العقدين موقوف على الإجازة. الفرق [بينهما] (¬3): أن العبد إنما مُنع من إمضاء البيع لحق السيد، فإذا أعتقه زال حقه، فزال المنع بزواله، وليس كذلك ملك الغير، لأنه موقوف على إذنه، فإذا مات انتقل (¬4) الإذنُ إلى مستحق المبيع، فثبت له من ذلك ما كان ثابتًا لمالكه أولًا فكان [له] (¬5) أن يجيزه أو يردهُ، لأنهُ غير ملك له أولًا، بخلاف العبد (¬6). 10 - فرق بين مسألتين: إذا ادعى المرتهنُ تلف الرهن (¬7)، وهو مما يغابُ [عليه] (¬8)، ولم يقبل قولهُ لزمهُ الغرمُ، وإذا ادعى المودع تلف الوديعة قبل قوله، وفي كلا الموضعين الدعوى فيما يُغاب عليه موجودة. الفرق بينهما: أن المرتهن غير أمين، فلم يقبل قوله فيما يغاب عليه، والمودع مؤتمن مقبول القول فيما يذكره، إلا أن يوجد خلافه. وأيضًا [فإن] (¬9) الرهن ¬

_ (¬1) زيادة من عدة البروق. (¬2) تصحيف بالأصل، والصواب ما أثبتناه من ط، ر، وعدة البروق. (¬3) ساقطة من الأصل. (¬4) في الأصل عبارة مضطربة. (¬5) سقطت من الأصل، أثبتناها من ط، ر. (¬6) الفرق في ط 15 ب، وفي: ر 27 أ. انظر: عدة البروق 418، رقم 619. (¬7) المدونة: 15/ 148 مط السعادة. (¬8) سقطت من الأصل. (¬9) في الأصل إن.

11

إذا كان مما يغاب عليه حصل في ذمة المرتهن، لأنه قبض لحق نفسه فلم يقبل قوله في تلفه؛ لأنه مدع لبراءة ذمته، إذ هي [في] (¬1) الأصل مشغولة، والوديعة ليست في ذمة المودع، لأنه قبضها لنفعة رب المال دون منفعة نفسه، فكان القول قوله في التلف، لأن الأصل براءة الذمة، فلهذا افترقا (¬2). 11 - فرق بين مسألتين: إذا أودع عنده دنانير فاشترى بها سلعة، فليس للمودع أن يأخذ تلك السلعة على أنما بدلٌ لدنانيره، وإذا أودع [عنده] (¬3) سلعة فاشترى بما سلعة كان المودع مخيرًا، إن شاء ضمنه القيمة، وإن شاء أخذ السلعة، وفي كلا الموضعين هو أخذ لغير ما أودعه. الفرق بينهما: أن الدنانير والدراهم لا تتغير، ولا يصحُ دخول القيمة فيها، فإذا كان كذلك، فلا يصحُ أن يأخذ السلعة المشتراة بالدنانير، لأنه يحصلُ أخذُ القيمة بالدنانير، وليس كذلك إذا كانت الوديعة سلعة، لأن القيمة تؤخذ فيها، فإذا أخذ السلعة المشتراة فكأنه أخذ القيمة فيها (¬4). 12 - فرق بين مسألتين: إذا تعدى المودع على الوديعة فاشترى بها تجارة فربح فيها، كان له الربحُ، وإذا تعدى القارض في مالَ القراضَ فاشترى غير الذي أمره ربُ المالِ بشرائه (¬5)، كان ربُ المالِ بالخيار بين أن يضمنه وبين أن يقره على القراض ويقاسمه الربح، وفي [كلا] (¬6) الموضعين التعدي موجود. ¬

_ (¬1) سقطت من الأصل. (¬2) الفرق في: ط 15 ب -16 أ. وفي ر 27 أ. وانظر عدة البروق: 604، رقم 932. (¬3) سقطت من الأصل. أثبتناها من ر. (¬4) الفرق في ط 16 أ، وفي: ر 27 أ -27 ب. (¬5) اضطربت العبارة في الأصل. (¬6) سقطت من الأصل، أثبتناها من ر.

13

الفرق بينهما: أن الوديعة لم يقصد بها ربها التنمية، وإنما قصد بما الحفظ، فلم يزل غرضه بتعدي المودع عليها؛ لأن الحفظ موجود، فلم يدخل عليه [الربح] (¬1)، وليس كذلك في القراض؛ لأن رب المال قصد به التنمية، فلو لم يكن له الخيار لكان العامل قد منعه غرضه وليس له ذلك (¬2). 13 - فرق بين مسألتين: قال ابن عبد الحكم (¬3): من أمر رجلًا يقضي عنه نصف دينار لغريم فقضى عنه دراهم (¬4)، كان الآمر بالخيار، إن شاء دفع إليه نصف دينار، وإن شاء [دفع إليه] (¬5) الدراهم، ولو دفع عنه عرضًا في نصف الدينار كان على الآمر أن يدفع إليه نصف الدينار، و [في] (¬6) كلا الموضعين قد دفع غير ما أمره به. الفرق بينهما: أن الدراهم والدنانير ينوب بعضها عن بعض ويقوم مقامها؛ لأنها قيم المتلفات وأروش الجنايات، فكان (¬7) مخيرًا في الدراهم لأن أحدهما [ينوب عن] (¬8) الآخر، وليس كذلك في العروض؛ لأنها لا ينوب بعضها عن ¬

_ (¬1) سقطت من الأصل، أثبتناها من ر. (¬2) الفرق في: ط 16 أ، وفي: ر 27 ب. وانظر: عدة البروق 665، رقم 1047. (¬3) أبو محمد عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن الليث، مولى عثمان بن عفان، ولد بمصر سنة 150 هـ، سمع من مالك، وروى عن ابن وهب وابن القاسم وأشهب كثيرًا من أقوال وآراء مالك التي سمعوها منه، من تأليفه المختصر الكبير والمختصر الصغير، توفي سنة 214 هـ، ممن ترجم له: عياض: ترتيب المدارك 3/ 363 - 368، ابن النديم: الفهرست: 281. (¬4) في الأصل: الدراهم. (¬5) ساقط: من الأصل. (¬6) ساقط من الأصل. (¬7) في الأصل: وكان. (¬8) ساقط من الأصل.

14

بعض و [لا] (¬1) يقوم مقامها، فإذا دفع عنه سلعة فكأنه باعه إياها بالنصف الدينار الذي أمره بدفعه، فلهذا لم يكن مخيرًا (¬2). 14 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬3): إذا قبض المودع الوديعة [بغير بينة فإنه يقبل قوله في ردها، وإذا أخذها] (¬4) ببينه لم يقبل (¬5) قوله في ردها إلا ببينة، وإن ادعى تلفها صدق سواء قبضها ببينة أو بغير بينة، وفي كلا الموضعين هو مدع لإخراجها عن يده. الفرق بينهما: [أنه] (¬6) إذا قبضها [بغير بينة قبل قوله في ردها، لأنه مؤتمن على الرد، وإذا قبضها] (¬7) ببينة لم يُقبل قولهُ في ردها [إلا ببينة] (¬8)؛ لأنه غير مؤتمن على الرد، وفي التلف القولُ قولهُ؛ لأنهُ مؤتمن عليه، ولأن التلف لا يمكنه الإشهادُ [عليه] (¬9)، ويمكنه ذلك في الرد، فافترقا (¬10). 15 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬11): إذا اشترى شقصا (¬12) بعبدٍ فهلك العبدُ، ثم قام الشفيعُ يطلبُ الشفعة فالقولُ قولُ المشتري في قيمة العبد، وإذا ضاع الرهنُ، الذي يُغاب عليه، عند المرتهن، واختلفا في صفته، قيل للمرتهن: صفهُ، ¬

_ (¬1) ساقط من الأصل. (¬2) الفرق في ط 16 أ - 16 ب، ر 27 ب. انظر عدة البروق 529، رقم 809. (¬3) المدونة: 15/ 148. (¬4) ساقط من الأصل، أثبتناه من ر. (¬5) في الأصل عبارة مضطربة. (¬6) ساقطة من الأصل. (¬7) ساقط من الأصل، والمثبت من ط. (¬8) ساقط من الأصل، وأثبتناها من ر. (¬9) ساقطة من الأصل، أثبتناها من ر. (¬10) الفرق في: ط 16 ب، وفي: ر 28 أ. وانظر عدة البروق 664، رقم 1044. (¬11) المدونة: 4/ 218 - 219. (¬12) الشقص: الطائفة من الشيء، والجمع: أشقاص. (المصباح: شقص). والمراد نصيب الشريك من العقار، يكون فيه حق الشفعة لشريكه عند بيعه.

16

فإذا وصفه حلف على تلك الصفة، ثم لزمه قيمتها، وفي كلا الموضعين المستحق قيمة. الفرق بينهما: أن الشفيع مدع على المشتري فكان القولُ قولَ المشتري في قيمة العبد، فإن شاء الشفيعُ أخذ، وإن شاء ترك، وليس كذلك الرهن؛ لأن القيمة إنما تجب عند ثبوت صفته، لأن الاختلاف إنما هو في الصفة، فلهذا لم يكن بُدٌ من [وصفه] (¬1). 16 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬2): إذا استدان السفيه [دينا بغير إذن وليه] (¬3) ثم فك حجره لم يتبع بالدين، وإذا استدان العبد [دينا بغير إذن سيده] (¬4) ثم اعتق، اتبع بذلك الدين، إذا لم يكن السيد أسقطه عنه قبل العتق، وكلاهما محجور عليه. الفرق بينهما: أن الحجر على العبد حق لغيره، وهو السيد، فإذا [زال] (¬5) حق السيد لزم العبد كل ما كان ممنوعًا منه (¬6)، بخلاف السفيه إنما ضرب الحجر عليه [لحق نفسه] (¬7)، فإذا لم يلزمه الدين في حال الحجر [لم] (¬8) يلزمه بعده؛ لأن حقه ثاتت، ولأن (¬9) في إلزامه الدين إبطالًا لفائدة الحجر، لأن فائدته حفظ ماله، فإذا لزمه الدين لم يوجد [الحفظ] (¬10)، والعبد لا يوجد هذا المعنى فيه (¬11). ¬

_ (¬1) في الأصل: صفته، الفرق في: ط، 16 ب - 17 أ، وفي ر: 28 أ. وانظر عدة البروق، ص 645، رقم 999. (¬2) المدونة: 4/ 114. (¬3) ساقط من الأصل، مثبت من ر. (¬4) ساقط من الأصل، مثبت من ر. (¬5) ساقطة من الأصل. (¬6) ر، ط: منه لحقه. (¬7) في الأصل: عليه لنفسه. (¬8) ساقط من الأصل. (¬9) في الأصل: لأن. (¬10) ساقطة من الأصل. (¬11) الفرق في: ط 17 أ، وفي ر 28 أ - 28 ب. وانظر عدة البروق: 565، رقم 857.

17

17 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬1): إذا وضع العبد المأذون له في التجارة من الثمن جاز، إذا قصد بذلك وجه التجارة، وكذا المفوض إليه، وإذا باع الوكيل الغير المفوض [إليه] (¬2) فوضع من الثمن لم يجز، والإذن في البيع موجود في الجميع. الفرق [بينهما] (¬3): أن العبد المأذون له في التجارة والمفوض إليه قد فوض إليهما التدبير، فكل ما رأياه وجه النظر جاز، [فالعبد إذا وضع من الثمن والوكيل الفوض إليه إنما ذلك تدبير لما يرجوانه فيما بعد ذلك، فلذلك جاز، لأنهما مأذون لهما في ذلك] (¬4)، وليس كذلك غير المفوض إليه، لأنه لم يفوض إليه التدبير [فلم يجز وضعه من الثمن] (¬5). فإن قيل: قد فُوض إليه المصلحة في بيع هذه السلعة، فكل ما رآه وجهًا للبيع والمصلحة يجب أن يجوز؟ قيل: ما ذكرته غير لازم، لأنه وإن كان مفوضًا إليه التدبير في هذه السلعة فليس له الوضع في الثمن؛ لأنه لا يرجو بذلك شيئًا، وليس كذلك المأذون والمفوض إليه، لأنهما يرتقبان بالوضع (¬6) المصلحة فيما [بعد] (¬7)، فلهذا افترقا (¬8). 18 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬9): تغيرُ السواق فوتٌ في البيع الفاسد، وليس بفوت في الرد بالعيب، وكلا العقدين غير لازم. ¬

_ (¬1) المدونة: 13/ 92 مط السعادة. (¬2) ساقطة من الأصل، أثبتناها من ط، ر. (¬3) ساقطة من الأصل، أثبتناها من ط، ر. (¬4) ساقطة من الأصل، أثبتناها من ط، ص. (¬5) ساقطة من الأصل، أتبتناها من ط، ر. (¬6) في الأصل: بالوضع له. (¬7) ساقطة من الأصل. (¬8) الفرق في: ط 17 أ - 17 ب، وفي: ر 28 ب. (¬9) المدونة: 9/ 145 مط السعادة.

19

الفرق بينهما: أن البيع إذا كان في العقود عليه عيب فهو عقد على خيار وتغير الأسواق لا يؤثر في بيع الخيار، والبيع الفاسد ليس فيه خيارٌ، فأثر فيه تغير الأسواق، ولأن البائع والمشتري متساويان في العقد، فلم يكن للمشتري ردُ البيع إذا تغيرت الأسواق، لأن في رده حيفًا على البائع؛ لأنه ربما كان وقت رده أنقص قيمة (¬1) من وقت قبضه، وليس كذلك الردُ بالعيب؛ لأن المشتري غيرُ مساو للبائع فيما أوجب الرد، وهو العيب، إذ هو من جملته، وربما كان عالمًا به فيكون قد دخل على علم من رجع ذلك إليه. ألا ترى أنه لو باعه ثوبًا دلس فيه بعيب فقطعه المشتري، تقطيع مثله، كان للمشتري ردهُ من غير لزوم شئ في قطعه لأن البائع لما باعه، وهو عالم بكون العيب [فيه] (¬2)، قد دخل (¬3) على القطع، فكأنه أذن له في ذلك، وكذلك الرد بالعيب (¬4). 19 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬5): يجوز البراءة في الرقيق دون غيره، والجميع براءة من عيب. الفرق بينهما: أن البراءة إنما جازت في الرقيق لضرورة، وهو أن العيوب في الرقيق تخفى، وفي غيره لا تخفى، فلم تكن ضرورة في بيعه بالبراءة (¬6). ¬

_ (¬1) في الأصل صحفت إلى: لقيمته. (¬2) سقطت من الأصل، أثبتناها من ر. (¬3) في الأصل صحفت إلى: فدخل. (¬4) الفرق في: ر: 28 ب - 29 أ. وانظر عدة البروق: 444، رقم 670. (¬5) المدونة: 3/ 335 .. (¬6) الفرق في: ر 29 أ. وانظر: عدة البروق 469، رقم 704.

20

20 - فرق بين مسألتين: روى ابن القاسم (¬1) أن الولد إذا حدث في أيام الخيار كان للمشتري إذا اختار الإمضاء، وإذا وهب لها مال أو جرحت فأخذت عوضًا بذلك لم يكن له إذا اختار الإمضاء، والجميع قد وجد في أيام الخيار. الفرق بينهما: أن الولد قد وقع عليه عقدُ البيع، فكان له إذا اختار الإمضاء، لأنه كعضو منها، ألا ترى أنه يعتق لعتقها، وغير الولد لم يقع عليه عقد البيع، لأنه منفصل منها، فلم يكن له (¬2). 21 - فرق بين مسألتين: قال ابن القاسم (¬3): إذا اشترى اثنان سلعة بالخيار، فاختار أحدهما الرد الآخر الإمساك، كان للمختار الرد أن يرد، ولا يلزم صاحبه أن يرد معه، وإذا اختار أحد الورثة الرد فيما كان للميت من الخيار دون سائر الورثة لم يكن له ذلك، وفي كلا الوضعين هو حق لكل واحد. الفرق بينهما: أن الخيار إنما انتقل إلى الورثة عن الميت فقاموا مقامه، وكان لهم ما كان له [لم يكن له] (¬4) إلا الرد أو الإمساك، فكذلك الورثة مثله، كمن اشترى سلعًا (¬5) بالخيار فاختار إمضاء البيع في أحدها والرد في الباقي فليس له ذلك؛ لأنها صفقة واحدة فلا سبيل إلى تبعيضها، فكذلك الورثة؛ وليس ¬

_ (¬1) أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة العتقي، من أصحاب مالك الأثبات، خرج له البخاري، روى عنه جماعة منهم أصبغ وسحنون ولد حوالي ور 132 هـ، وتوفي سنة 191؛ له ترجمة في: الانتقاء ص 50، ترتيب المدارك 3/ 244 - 261، تذكرة الحفاظ: 1/ 356. (¬2) الفرق في: ر 29 أ، وفي ط 17 ب. وانظر عدة البروق 433، رقم 654. (¬3) المدونة: 10/ 11 - (مط السعادة). (¬4) ساقط من الأصل، أثبتناه من ر، ص. (¬5) في الأصل: سلعة، وفي ر: سلعًا كثيرة.

22

كذلك أحد الشريكين، لأن الخيار ثابتٌ لكل واحد من جهة [البائع لا من جهة] (¬1) الانتقال، فكان له أن يرد دون صاحبه (¬2). 22 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬3): ينتقل الخيار إلى الورثة بالموت فيكون لهم ما كان للميت، ولا يصح نقل الخيار بالشراء، وهو أن يشتري منه سلعة قبل تمام أيام الخيار ويشترط أن ما كان له [من] (¬4) الخيار فهو له، وفي الموضعين هو نقل خيار. الفرق بينهما: أن الاشتراء، قبل تمام أيام الخيار، يقطع الخيار فيما بين البائع الأول والمشتري منه، إذا كان الثاني وقع من غير شرط، فإذا شرط الخيار الذي كان له لم يصح، لأنه لما اختار بيعه (¬5) فقد اختار إمضاء البيع ولزمه، ولأنه بائعٌ لما لم يستقر ملكُه عليه، لأن ملكه إنما يستقر بتمام مدة الخيار، وليس كذلك الورثة، لأنهُ حقٌ ثابتٌ للميت، فانتقل إليهم كسائر حقوقهم، فوجب لهم ما وجب للميت (¬6). 23 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬7): لا يجوز الخيار في النكاح ويجوز في البيع، وكلاهما عقد معاوضة. ¬

_ (¬1) سقطت من الأصل، أثبتناها من ر. (¬2) الفرق في: ر 29 أ - 29 ب. (¬3) المدونة: 4/ 10 مط السعادة. (¬4) في الأصل: حق، وهو تصحيف. وما أثبتناه من ر. (¬5) بيعه: لم ترد في ر، ط. (¬6) الفرق في: ر 29 ب. (¬7) المدونة: 2/ 159 - و 3/ 223.

24

الفرق [بينهما] (¬1): أن الخيار إنما جعل في البيع ليختبر البيع، وهذا المعنى غير موجود في النكاح؛ لأن الاختبار لا يصح فيه، وذلك أنه لا يجوز (¬2) إلا مع رفع الخيار، ولأن البيع مبنيٌ على المكايسة والمغابنة فجعل الخيار فيه لئلا يدخل الغبنُ على أحد التبايعين، والنكاحُ مبنيٌ على الألفة والوصلة، فلم يحتج فيه إلى الخيار، فافترقا (¬3). 24 - فرق بين مسألتين: إذا إدعى [أحدُ] (¬4) المتبايعين في الخيار الإمضاء والآخر الردّ كان القول قولّ مدعي الرد، وإذا ادعى أحد التبايعين فساد البيع وادعى الآخر الصحة كان القول قول مدعي الصحة، وفي الجميع كل واحد مدع [نقض البيع] (¬5). الفرق بينهما: أن في الخيار مدعى الإلزام مدع على مدعى الرد فكان القول قول [مدعى] (¬6) الرد، لأن الأصل براءة ذمته، ومدعى الفساد للبيع مدع لبراءة ذمته، والأصل (¬7) شغلها، فلم يكن القول قوله، وكان القول قول مدعي الصحة؛ لأنه مدَّعي عليه، والأصول على هذا، فافترقا (¬8). 25 - فرق بين مسألتين: قال ابن القاسم (¬9): إذا دفع رجل إلى رجل مالا، وأمره أن يشتري سلعة فتلف المال قبل الشراء، لم يلزم الآمر أن يدفع إليه الثمن ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، والمثبت من ط، ر (¬2) في الأصل: لا يوجد. والمثبت من ر. (¬3) الفرق في: ر 29 ب - وفي ط 7 أب. وانظر عدة البروق: 227 - رقم 283. (¬4) ساقطة من الأصل، والمثبت من ر، ط. (¬5) ساقط من الأصل، والمثبت من ر، ط. (¬6) سقطت من الأصل: أثبتناها من ر. (¬7) في الأصل، وط: ولأن الأصل، والمثبت من ر وعدة البروق. (¬8) الفرق في: ر 29 ب. وانظر: عدة البروق: 434، رقم 655. (¬9) المدونة: 10/ 78 مط السعادة.

26

ثانية، ولو تلف المال المدفوع بعد الشراء لزمه دفع الثمن ثانية، وفي كلا الموضعين قد تلف المال. الفرق بينهما: أن التلف إذا كان قبل الشراء فالأمر إنما تعلق بعين (¬1) ذلك المال دون غيره، إذا ذهب لم يلزم الآمر [بدله] (¬2)، وليس كذلك إذا كان التلف بعد الشراء؛ لأن الأمرَ لم يتعلق بعين (¬3) مخصوصة، فلزمه بدله (¬4). 26 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬5): فيمن باع دابة واستثنى ركوبها، إن كان يسيرًا مثل اليوم واليومين جاز، وإن كان كثيرًا لم يجز، ولو اشترط عليه ركوبها جاز قليلًا أو كثيرًا، وفي كلا الموضعين فهو ركوب منضم إلى البيع. الفرق بينهما: أن استثناء الركوب الكثير غرر في البيع، إذ لا يسلم إليه المبيع، إلا بعد انقضاء (¬6) مدة الركوب فيدخلها الغرر، وهى باقية على ملكه، وليس كذلك اشتراط الركوب، لأن المشتري يتسلم الدابة، وإنما ذلك إجارة وبيع، والإجارة والبيع جائزة (¬7). 27 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬8): يجوز بيع الشاة واستثناء (¬9) أطرافها في السفر، ولا يجوز ذلك في الحضر، وفي كلا الموضعين قد وجد الاستثناء في الأطراف. ¬

_ (¬1) في الأصل: ور: بغير، وهو تصحيف. (¬2) في الأصل: بذلك، والمثبت من ر. (¬3) في الأصل: ور: بغير، وهو تصحيف. (¬4) الفرق في: ر 29 ب: وانظر عدة البروق: 526، رقم 802. (¬5) المدونة: 3/ 422. (¬6) في الأصل: نقض، وهو تصحيف، والمثبت من ر، ط. (¬7) الفرق في: ر 30 أ، وفي ط 17 ب - 18 أ. وانظر: عدة البروق: 418، رقم 620. (¬8) المدونة: 3/ 291. (¬9) في الأصل: واستثناء، وما أثبتناه من ر، ط.

28

الفرق بينهما: أن السفر لا قيمة للأطراف فيه فحصل كالذي لا حكم له، وفي الحضر لها قيمة فيدخل ذلك المخاطرة (¬1). 28 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬2): إذا أخطأ الدليل كان له أجرة (¬3)، وإذا عطبت السفينة لم يستحق الأجرة، والمقصود في الجميع البلوغ. الفرق بينهما: أن أجرة الدليل إنما هي أجرةٌ على الاجتهاد [والاجتهاد موجود منه في حال الخطأ وحال الإصابة؛ لأنه ليس عليه أكثر من الاجتهاد] (¬4). ألا ترى أن الغائب عن القبلة لما كان فرضهُ الاجتهاد أجزأته الصلاةُ وإن أخطأ القبلة؛ لأنه فعل ما لزمه، والأجرة في السفينة إنما هي على حصول منفعةٍ دون اجتهاد، فإذا تعذرت النفعة (¬5) بطل استحقاق الأجرة (¬6). 29 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬7): لا بأس بجذاذ النخل على أن للعامل ربع الثمرة أو جزءًا منها، قل أو كثر، ولا يجوز ذلك في نفض الزيتون، وفي كلا الموضعين هي إجارة بجزء من الثمرة. الفرق بينهما: أن ثمرة النخل معروفة وما يجذ منها [معروف] (¬8) فجازت الإجارة بجزء منها، إذ الإجارة معلومة، وليس كذلك نفض الزيتون؛ لأنه غير ¬

_ (¬1) الفرق في: ر 30 أ، وفي: ط 18 أ. وانظر عدة البروق: 419، رقم 621. (¬2) البيان والتحصيل: 8/ 451، 498. (¬3) إنما تكون للدليل المخطئ أجرة إذا كان عالمًا بالمسالك والطرق، أما الجاهل الذي يغر غره فلا أجر له. (البيان والتحصيل: 8/ 451). (¬4) ساقط من الأصل، أثبتناه من ر، ط. (¬5) في الأصل: السفينة، وما أثبتناه من ر، ط. (¬6) الفرق في: ر 30 أ، وفي ط 18 أ - 18 ب. وانظر: عدة البروق 554، رقم 836. (¬7) المدونة: 11/ 101 - 102 مط السعادة. (¬8) ساقطة من الأصل، أثبتناها من ر، ط.

30

معلوم، [لأنه] (¬1) إنما يسقط على حسب [الأحوال] (¬2) وتغير الأزمان , فتحصل (¬3) الأجرة مجهولة، فلهذا افترقا (¬4). 30 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬5): من استهلك شيئًا (¬6) مما يُكال أو يُوزن كان عليه مثله، وإن استهلك شيئًا من العروض والحيوان كان عليه قيمته، والجميع عرض. الفرق بينهما: أن المستهلك لا بد فيه من بدل، فإذا كان مما له مثلٌ كان الابدال منه (¬7)؛ لأنه أسهل من القيمة؛ إذ القيمة تحتاج إلى الاجتهاد، والمثل غيرُ محتاج إليه، وما لا مثل له لا بد فيه من القيمة؛ لأنه عوض منها، ولأن ما يُكال أو يوزنُ لا يتعذرُ، وما عداه أمثاله متعذرة فافترقا (¬8). 31 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬9): إذا استهلك العبدُ لقطةً قبل تمام السنة كانت في رقبته وإذا استهلكها بعد السنة في ذمته، وإن استهلك الحرُ لقطةً كانت في ذمته، كان استهلاكُها قبل السنةِ أو بعدها، والجميعُ استهلاكٌ. الفرق بينهما: أن الاستهلاك في حق العبد إذا كان قبل السنة كان ذلك تعديًا، وإذا تعدى على مالِ الغير كان ذلك في رقبته، وإن كان بعد السنةِ لم ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل، أثبتناها من ر، ط. (¬2) ساقطة من الأصل، أثبتناها من ر، ط. (¬3) في الأصل: وتحصل، وما أثبتناه من ر، ط. (¬4) الفرق في ر 30 أ - 30 ب وفي: ط 18 ب. (¬5) المدونة: 4/ 182 - 195. (¬6) في الأصل عبارة مضطربة. (¬7) اضطربت العبارة في الأصل وفي ر، وما أثبتناه من ط. (¬8) الفرق في: ر 30 ب، وط 18 ب. وانظر: عدة البروق 618، رقم 954. (¬9) المدونة: 4/ 466.

32

يكن متعديًا؛ لأنه مأذونٌ له في إنفاقها، فكانت في ذمته دون رقبته، كما لو أذن له رجلٌ في إنفاق شيءٍ من ماله، وأما الحرُ فأحواله (¬1) متساويةٌ في التعدي وغيره: أن ذلك في ذمته دون رقبته، فلذلك استوى استهلاكهُ قبل السنة وبعدها، فافترق حكمُ العبد والحر (¬2). 32 - فرق بين مسألتين: إذا غصب دارًا أو دابة لم يلزمه ردُّ الغلةِ في إحدى الروايات عن مالك (¬3)، وإذا غصب غنمًا فجز أصوافها، وحلب ألبانها لزمهُ ردُ ذللث مع الرقاب، إن كان موجودًا، أو قيمته إن كان معروفًا، وفي كلا الوضعين هو غاصب. الفرق بينهما: أن الغلة غيرُ منفردة عن الشيء المغصوب، واللبن والصوف متصل بالشيء المغصوب، فكانت كأنها غُصبت معه، فلزم ردُها مع المغصوب. وأيضًا فإن الغلة نماءٌ من غير العين المغصوب، والصوف واللبنُ نماءٌ من نفس العين الغصوب فلهذا افترقا (¬4). 33 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬5): إذا انهارت بئرُ الأرض المستأجرة لزم ربها أن يتفق عليها بقدر سنةٍ واحدةٍ، وقال في المساقى: إذا انهارت البئر لم يلزم إصلاحها ربّ الحائِط، وَخير العاملُ بين عملها ويكون له الثمن وبين أن يترك المساقاة، وكلاهما عقد لازم. ¬

_ (¬1) في الأصل: فأفعاله، وما أثبتناه من ر، ط. (¬2) الفرق في: ر 30 ب - 31 أ - وفي: ط 18 ب - 19 أ. وانظر: عدة البروق: 668، رقم 1053. (¬3) المدونة: 4/ 184. (¬4) الفرق في ر: 45 ب - 46 أ. وانظر عدة البروق: 623، رقم 963. (¬5) المدونة: 11/ 171 مط السعادة.

34

الفرق بينهما: أن الأرض إذا كانت مستأجرة فقد اعتاض ربها بدل النفقة، فعليه إيصال (¬1) المنفعة إلى المستأجر، وفي المساقاة لم يقبض ربُّ الأصل بدل نفقته (¬2) فلم يلزمه إصلاح البئرِ فافترقا (¬3). 34 - فرق بين مسألتين: قال [مالك] (¬4): إذا أقرضهُ طعامًا أو غيره إلى أجل، فأتاه به قبل الأجل لزمه أخذهُ، ولا يلزمه أخذه في السلم قبل محل الأجل (¬5)، وفي الموضعين إبراءُ ذمته. الفرق بينهما: أن الأجل في القرض حقٌ للمستقرض خاصة، فإذا قدمه فقد (¬6) رضي بإسقاط حقه ولزم المقرض أخذهُ؛ إذ لا حق له في الأجل، والأجل في السَّلَم حق للجميع، فإذا اختار أحدهُما إسقاطه لم يلزم ذلك الآخر، هذا قول القاضي رحمه الله تعالى في الدرس. فإن قيل: وكيف كان الأجل في القرض حقًا للمستقرض دون المقرض بخلاف السلَم؟ قيل له: لأن المنفعة في القرض للآخذ خاصة؛ إذ لو كان للدافع منفعة فيه لم يجز القرض ويمنع (¬7) عن ذلك، فلهذا كان الأجل له خاصة، والمسلم حق للجميع؛ لأنه أسلمُ إليه لما يرجوه من تغير الأسواق ونفاق تلك السلعة، ¬

_ (¬1) في الأصل: اتصال، وما أثبتناه من عدة البروق. (¬2) في الأصل: منفعته، وما أثبتناه من عدة البروق. (¬3) الفرق في: ر 46 أ. وانظر: عدة البروق: 555، رقم 838. (¬4) ساقطة من الأصل، أثبتناها من ر، ط. (¬5) المدونة: 9/ 43، مط السعادة. (¬6) في الأصل: قد، والمثبت من ر، ط. (¬7) في الأصل: وينفع، وهو تصحيف، والمثبت من ر.

35

وينتفع المسلم إليه بتقديم السلم للثمن، فكل واحد منهما له منفعة (¬1). وأيضًا [فإنه] (¬2) إنما قدم إليه الثمن ليترخص تلك السلعة إذا [أتته] (¬3) عند الأجل، فإذا قدمت قبلهُ بطل هذا الغرضُ (¬4). 35 - فرق بين مسألتين: إذا اقترض منه شيئًا فرد إليه أفضل منه جاز، وإن رد إليه أزيد منه لم يجز، وفي الجميع قد حصل الفضل. الفرق بينهما: أن الزيادة في المثل تخرجُ عن حد الماثلة (¬5)؛ لأنه إذا اقترض منه كُر (¬6) حنطة، فرد إليه كُر حنطة ونصفًا تحصل الماثلةُ، فلم يجز ذلك، كما لو باعه كُرًا بكُر ونصف، وليس كذلك تغيير [الصفة] (¬7)، لأن (¬8) الماثلة حاصلةٌ. ألا ترى أنه يجوز كرُ حنطةٍ محمولة بكرٍ (¬9) سمراء، وكذلك دينار بدينار أرفع منه. وفرق بعضُ أصحابنا. مما رُوي (أن النبي صلى الله عليه وسلم، اقترض بكرًا، فرد جلًا رباعيًا أفضل مما أخذ) (¬10). ¬

_ (¬1) في الأصل: اضطربت العبارة، والمثبت من ر، ط. (¬2) ساقطة من الأصل، مثبتة من ر. (¬3) ساقطة من الأصل، مثبتة من: ر، ط. (¬4) الفرق في: ر 45 ب، وفي ط 19 أ - 9 أب. (¬5) في الأصل: المماثلات، والمثبت من ر، ط. (¬6) الكُر بضم الكاف: مكيال طعام كان معروفًا، وهو ستون قفيزًا، وجمعه أكرار، كقُفل وأقفال، (الصحاح: كرر، المصباح: كرر). (¬7) سقطت من الأصل: أثبتناها من ر، ط. (¬8) في الأصل: إذا، والمثبت من ر، ط. (¬9) في الأصل: بكرا، والمثبت من ط. (¬10) عن أبي رافع (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرًا، فقدمت عليه إبلٍ من الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضى الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا خيارًا رباعيًا، فقال: أعطه إياه، إن خيار الناس أحسنهم قضاء). أخرجه مسلم، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، جواز إقراض الحيوان (مسلم بشرح النووي 11/ 36). وأخرجه مالك بلفظ قريب من هذا في كتاب البيوع، باب ما يجوز من السلف (الموطأ: 2/ 680 رقم الحديث: 89)، وانظر المدونة، 9/ 138 - 139.

36

وفي هذا الفرق نظر؛ لأنه دليل على المسألة دون الفرق بينها وبين ما ذكرناه. فرق آخر: [وهو] (¬1) لأن التهمة تقوى في زيادة المثل دون الصفة؛ لأنه إذا دفع عن كُرٍ كُرا (¬2) ونصفا اتُهم بأن يكون إنما أقرضه لأجل ذلك، وليس كذلك في زيادة الصفة؛ لأنهُ إذا دفع عن كرّ محمولة كُرًا سمراء لم تقع التهمة في ذلك كما وقعت في زيادة المثل (¬3). 36 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬4): لا يحل ما للمفلس من دين، ويحلُ ما كان عليه من دين، وفي كلا الموضعين الأجل لم يحل. الفرق بينهما: أن المفلس ذمته (¬5) قد خربت بالتفليس، فلم يكن بدٌ من أخذ الدين كلّه؛ لأنها متى لم تؤخذ أدى إلى إسقاطها، وليس كذلك ما كان له من دين؛ لأن ذمة من هو عليه لم تخرب، فلهذا افترقا (¬6). 37 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬7): يجوز بيعُ تراب المعدن، ولا يجوز بيع ترابِ الصاغة، وفي كلا الموضعين فالعين المشتراةُ مرئيةٌ. الفرق بينهما: أن تراب المعادنِ إنما جاز بيعُه، لأن ما فيه من الذهب والفضة معروفٌ عند أهل النظر، وتراب الصاغة لا يُعلم ما فيه فيحصل مجهولًا، ولا يصح بيعه. ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل: أثبتناها من ر. (¬2) في الأصل: بكرا. والمثبت من ر. (¬3) الفرق في: ر 46 أ - 46 ب، وفي ط 19 ب. وانظر عدة البروق 423، رقم 630. (¬4) المدونة: 4/ 121. (¬5) في الأصل: ذمة، والمثبت من ر، ط. (¬6) الفرق في: ر 46 ب، وفي ط 19 ب - 20 أ. (¬7) المدونة: 3/ 127، 216.

38

وفرق بعض أصحابنا من أهل النظر (¬1) بأن قال: تراب المعادن لا يدخله غش لأنه صنعة الخالق تعالى، وتراب الصاغة يدخله الغش؛ لأنه مخلوق، وفيه نظر (¬2). 38 - فرق بين مسألتين: قال مالك: يجوزُ بيعُ ترابِ المعادنِ، ولا يجوزُ بيع الضريبة (¬3)، وهو ما يخرج من المعدن في اليوم، وفي كلا الموضعين هو تراب. الفرق بينهما: أن الضريبة مجهولة [لأنه] (¬4) لا يُعرف ما يخرج في ذلك اليوم، وليس كذلك في التراب؛ لأنه معلومٌ غيرُ مجهول، فافترقا (¬5). 39 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬6): إذا دفع إلى حائكٍ (¬7) غزلاً، وقال: انسجه ثوبًا ولك نصفُ الثوب، لم يجز، وإن قال: انسجه ثوبًا ولك (¬8) نصف الغزل، جاز؛ وفي كلا الموضعين هي إجارة بنصف ما دفع. الفرق بينهما: أنه [إذا] (¬9) جعل بنصف (¬10) الثوب أجرة لعمله، حصلت إجارة مجهولة، لأن الثوب في الحال غير معلوم، وإذا استأجر بنصف الغزل حصلت الإجارةُ معلومةً" (¬11). ¬

_ (¬1) في الأصل: البصرة. وما أثبتناه من ر، ط. (¬2) الفرق في: ر 46 ب. وفي: ط 20 أ. وانظر عدة البروق: 419، رقم 622. (¬3) ر: تراب الضريبة. (¬4) ساقطة من الأصل: أثبتناها من ر. (¬5) الفرق في: ر 46 ب - 47 أ. انظر عدة البروق: 419، رقم 623. (¬6) المدونة 11/ 51. مط السعادة. (¬7) في الأصل: صاحبك، وهو تحريف، والمثبت من ر، ط. (¬8) في الأصل: أنسج ولك، والمثبت من ر. (¬9) ساقطة من الأصل: والمثبت في ر، ط. (¬10) ساقطة من الأصل، أثبتناها من ر، ط. (¬11) الفرق في: ر 47 أ، وفي ط 20 أ. انظر عدة البروق: 539، رقم 822.

40

40 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬1): توضع الجوائح في الثلث فما فوقه ولا توضح فيما دونه، ويجوز أن تُكترى الدارُ فيها شجرة مثمرة قبل أن يبدو صلاحها، إذا كانت قيمتها الثلث من كراء الدار فدون، ولا يجوز إذا كان فوق (¬2) الثلث، ويجوز عنده استثناء الثمرة [الثلث] (¬3) فما دونه ولا يجوز ما فوقه، وكذلك تعاقل المرأة [الرجل إلى] فى الثلث، وغير ذلك مما يراعى فيه الثلث (¬4). الفرق بين الثلث وما فوقه في الجملة: أن الثلث لا حكم له؛ لأنه في حيز القليل، وما فوق الثلث له حكم، [لأنه] (¬5) في حيز الكثير، والأصول مبنية على أن القليل تبع للكثير، إذ هو المقصود. ألا ترى أن مالكًا قال: إذا اشترى عدة ثياب فوجد بعضها معيبًا فأراد رده فإنه ينظر، فإن [كان] (¬6) هو المقصود بالشراء كان له رد الجميع، [وإن كان ليس بمقصود لم يكن له أن يرد الجميع] (¬7) ورده وحده، فلهذا فرق مالك بين الثلث [فما فوقه] (¬8)، وكلُ مسألةٍ من هذه المسائل يطولُ الكلامُ فيها، إلا أن الغرض بيانُ النكت التي بها يقع الفرق (¬9). ¬

_ (¬1) المدولة: 2/ 25، 11/ 147، 16/ 118، مط السعادة. (¬2) في الأصل: فرق، وهو تصحيف. (¬3) ساقطة من الأصل، أثبتناها من ص. (¬4) انظر ما يراعى فيه الثلث في باب الأثلاث من (أصول الفتيا، لابن حارث: 372 - 375). (¬5) ساقطة من الأصل، وما أثبتناه من ر. (¬6) ساقطة من الأصل، أثبتناها، أثبتناها من ر. (¬7) ساقط من الأصل، أثبتناها من ر، ص. (¬8) ساقط من الأصل، مثبت من ر، ص. (¬9) الفرق في: ر 47 أ.

41

41 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬1): يجوز عفو الأب عن نصف صداق ابنته البكر بعد الطلاق، ولا يجوز قبل الطلاق. وفي كلا الموضعين هو عفوٌ [عن صداق] (¬2). الفرق بينهما: أن عفو الأب إنما يجوزُ عليها على وجه النظر، وإذا لم يكن نظرٌ لم يجز، فقبل الطلاق ليس بنظر عفوه؛ إذ لا منفعة لابنته في ذلك، وبعد الطلاق فهو نظر، لأن فيه منفعة؛ لأنه يكون داعيًا إلى رغبة الأزواج فيها بحسن الأحدوثة عنها بوضع الصداق عن الزوج (¬3). 42 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬4): إذا تزوجها على خمر أو خنزير فسخ النكاح قبل البناء، وإذا خالعته بذلك مضى [لخلع، ورد ما أخذ] (¬5). وفي كلا الموضعين عقد. الفرق بينهما: أن الخلع طلاقٌ لا يفتقر إلى عوض؛ لأنه يخرجُ البضع عن ملك الزوج، فلم يفسد بفسادِ العوض، وليس كذلك عقد النكاح لأنه [يفتقر] (¬6) إلى العوض، فلم يصح العقدُ. وأيضًا فإن الخلع طلاقٌ، والطلاق (¬7) لا يمكن رفعُه بعد وقوعه. وعقدُ النكاح يمكنُ رفعه، فلهذا افترقا (¬8). ¬

_ (¬1) المدونة: 2/ 142. (¬2) ساقط من الأصل , والمثبت من ط (¬3) الفرق في: ر 47 أ - 47 ب، وفي ط: 20 أ - 20 ب. وانظر: عدة البروق: 254، رقم 331. (¬4) المدونة: 5/ 27 - مط السعادة. (¬5) ساقط من الأصل، والمثبت من ط. (¬6) ساقطة من الأصل، مثبتة, من ر، ط. (¬7) في الأصل عبارة مضطربة، والمثبت من ر، ط. (¬8) الفرق في: ر 47 ب، وفي ط 20 ب. انظر عدة البروق: 256، رقم 337.

43

43 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬1): يصحُ عقدُ النكاح من غير ذكر مهر، ولا يصحُ عقدُ بيع إلا بذكرِ الثمن، وكلاهما عقدُ مُعاوضةٍ. الفرق بينهما: أن القصد في النكاح الألفة والوصلة دون المهر، فصح وإن لم يذكره، والمقصود من البيع الثمن؛ لأنه مبنيٌ على المكايسة والمغابنة، فلم يصح إلا بالثمن، إذ هو المقصود (¬2). 44 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬3): يفسخُ نكاحُ المرتد، ولا يرتجع وإن رجع إلى الإسلام من كفره. وإذا أسلم الكافرُ ثبت على النكاح، وكلاهما إسلام من كفر. الفرق بينهما: أن الردة قد يُغلظ في بابها ما لم يغلظ في باب الكفر (¬4) الأصلي، ألا ترى أنه لا يُقرُ على ارتداده، بخلاف الكافر الأصلي (¬5). 45 - فرق بين مسألتين: قال مالك: لا يُحلُ الوطُ في الحيض المطلقة ثلاثًا للذي طلقها، [وهو يفسد الصوم والحج] (¬6) ويوجب المهر والحد، والوطء في الحيض ممنوع في الجميع (¬7). الفرق بينهما: أن التحليل شرطٌ فيه صفةٌ زائدةٌ على الوطء [وهو] (¬8) أن يكون مباحًا، وإفساد الحج والصوم ووجوب المهر لم يشترط فيه صفة زائدة (¬9) ¬

_ (¬1) المدونة: 2/ 181. (¬2) الفرق في: ر 47 ب، وفي ط: 20 ب. انظر عدة البروق: ق 256، رقم 336. (¬3) المدونة: 2/ 213 (¬4) في الأصل: الكافر، والمثبت من ر. (¬5) الفرق في: ر 47 ب، وفي: ط هـ 2 ب. انظر عدة البروق 241، رقم 309. (¬6) ساقط من الأصل، والمثبت من ر. (¬7) في الأصل: ممنوع منه، والمثبت من ر. (¬8) ساقطة من الأصل، مثبتة من ر. (¬9) في الأصل: زيادة والمثبت من ر.

46

على الوطء، بل هو يتعلق بنفس الوطء، فإذا وجد وجب الحكمُ سواء كان مباحًا أو محظورًا (¬1). 46 - فرق بين مسألتين: [قال القاضي] (¬2): العدة في الوفاة قبل الاستبراء (¬3)، وفي الطلاق بعده، وكلاهما عدة. الفرق بينهما: أن عدة الطلاق أقراءٌ، والشهور بدلٌ منها، ولا يصحُ الانتقال إلى الأبدال إلا مع عدم مبدلاتها (¬4)، ولا يعدم البدل في العدة، وهو الأقراء إلا بعد الاستبراء غير يُعلم (¬5) أنها من أهل الشهور، والعدة في الوفاة مرور (¬6) زمان، وذلك غيرُ موقوفٍ على شيء يتوقع، ولأن العدة في الوفاة المقصود منها الشهور، والعدة في الطلاق المقصود منها الاستبراء، فلهذا افترقا (¬7). 47 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬8): تنصرف كنايةُ الظهار إلى الطلاق، ولا تنصرف كنايةُ الطلاق إلى الظهار، وكلاهما كناية. الفرق بينهما: أن الطلاق يفيد معنى لا يفيده الظهار، وذلك أنه يقطع العصمة، فكانت (¬9) رتبتهُ ارفع من رتبة الظهار، فلم يصح أن تنصرف كنايته ¬

_ (¬1) الفرق في: ر 47 ب، 48 أ. (¬2) ساقطة من الأصل، والمثبت من ر، ط. (¬3) في: عدة البروق: الريبة. (¬4) في الأصل: عبارة مضطربة. (¬5) ط، ر: لأن ذلك يعلم. (¬6) في الأصل: من، والمثبت من ط. (¬7) الفرق في: ر 48 أ، وفي ط 20 ب - 21 أ. وانظر عدة البروق: 317، رقم 433 (¬8) المدونة: 6/ 50. مط السعادة. (¬9) في الأصل: وكانت، والمثبت من ر.

48

إلى الظهار؛ لأنه دونه في الرتبة، ويصح انصراف كناية الظهار إلى الطلاق، لأنه انصرافٌ إلى ما هو أعلى من رتبته على ما بيناه. فإن قيل: هذا المعنى موجود في صريحه، ومع ذلك لا ينصرف إلى الطلاق؟ . قيل له: المعتبر في الصريح اللفظ، واللفظ لا يصحُ صرفهُ إلى غير ما وضع له إلا على طريق المجاز، والكنايةُ المعتبرُ فيها معناها دون لفظها والمعاني يصحُ نقلها إذا كانت فائدتها موجودة فيما نقلت إليه، ألا ترى أنا لا نصرف كناية الطلاق إلى الظهار؛ لأن المعنى غيرُ موجود فيه (¬1). 48 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬2): إذا قال: كلُ امرأة أتزوجها فهي طالقٌ لم يلزمه ذلك، وكان له أن يتزوج. وإذا قال: كل امرأةٍ أتزوجها فهي عليّ كظهر أمي لزمه الظهار، والجميع مانعٌ من الوطء. الفرق بينهما: أن النكاح لا يلزمه إسقاطهُ عن نفسه فلم يلزمه؛ لأنه يؤدي إلى منع الاستباحة وإلى الزنى الممنوع، الذي أباح الله نكاح الإماء لأجله,، والظهار يمكنه إسقاطه عن نفسه بالكفارة، فيصل إلى الاستباحة، فافترقا (¬3). 49 - فرق بين مسألتين: إذا ظاهر من أجنبية لم يلزمه الظهار إلا بشرط التزويج، وإذا آلى منها لزمه الإيلاء مئ نكحها، وكلاهما يمنع الوطء، وهما أيضًا من أحكام النكاح. الفرق بينهما: أن حقيقة الظهار تشبيه محلل. بمحرم، وهذا المعنى لا يوجد في الأجنبية، إذ هى محرمة عليه، فحصل تشبيه محرم بمحرم، وذلك غير ما وُضع ¬

_ (¬1) الفرق في ر: 48 أ - 48 ب. انظر عدة البروق: 307، رقم 413. (¬2) المدونة: 2/ 301 - 302. (¬3) الفرق في: ر 48 ب: وفي ط 21 أ. وانظر عدة البروق 303، رقم 405.

50

له الظهار فلم يلزم، وليس كذلك الإيلاء؛ لأنه يمين على ترك وطء، وهذا المعنى موجود في الأجنبية كوجوده في الزوجة، فافترقا (¬1). 50 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬2): إذا قال لإحدى نسائه: أنت طالق ولم يعينها طُلقهن كُلُهُن، واذا قال لأحد عبيده: أنت حر، ولم يعينه، كان مخيرًا (¬3) في عتق من شاء منهم، وعدم التعيين موجود [في كليهما] (¬4). الفرق بينهما: أن الطلاق لا بد له من مصادفة محل يقعُ فيه؛ إذ لا يصحُ أن يكون في الذمة، وليس كذلك العتقُ؛ لأنه يصحُ أن يكون في الذمة من غير افتقار إلى محل يقعُ فيه، لأن حكمه حكم النذر، ألا ترى أنه يصحُ أن يقول: لله عليّ عتق رقبة، وليست في ملكه، ولا يصحُ أن يقول ذلك في الطلاق، فكان (¬5) الخيار في العتق دون الطلاق لهذا المعنى. [هذا قول] (¬6) القاضي في الدرس. ولأنه لما جاز له أن يشتري أحد عبيد (¬7) غير معين، ويختار من شاء منهم، كان له أن يختار في العتق إذا أعتق أحد عبيده ولم يعينه، ولا لم يصح أن يعقد على امرأتين ثم يختار أيهما شاء، لم يصح أن يطلق إحداهما ثم يختار؛ لأن الطلاق فرع لعقد [النكاح] (¬8)، كما أن العتق فرع لعقد البيع. ¬

_ (¬1) الفرق في: ر 48 ب، وفي 21 أ - أ 21 ب. انظر عدة البروق 303، رقم 406. (¬2) المدونة: 2/ 121. (¬3) ر: كان له الخيار. (¬4) ساقط من الأصل، والمثبت - من ص. (¬5) في الأصل: وكان. (¬6) ساقطة من الأصل، والمثبت من ر. (¬7) في الأصل: عبيده. (¬8) زيادة يقتضيها السياق.

51

وأيضًا فإن العتق أضعف رتبة من الطلاق، ألا ترى أنه يبطلُ في مواضع عدة، منها: عتق المفلس إذا ردهُ الغرماءُ، ومنها عتقُ المرأة ذات الزوج الزائد على الثلث إذا ردهُ الزوجُ وغير ذلك. والطلاق لا يمكن (¬1) إبطاله بعد وقوعه، فلهذا افترقا. 51 - فرق بين مسألتين: يُجبر المطلق (¬2) في الدمُ على الرجعة (¬3)، بخلاف المطلق في الطهر الذي مس فيه لا يجبر على الرجعة، وكلا الطلاقين ممنوع منه. الفرق بينهما: أن المطلق في الحيض أدخل (¬4) الضرر على المرأة بتطويل [العدة عليها] (¬5) فعوق بالارتجاع، وهذا المعنى غير موجود في الطلاق في الطهر الذي مس فيه؛ لأنه لم يطول عليها عدة إذ هي تعتد به قرءًا كاملًا، فافترقا (¬6). 52 - فرق بين مسألتين: إذا قال رجل لامرأة أجنبية: إن تزوجتك فأنت علىّ كظهر أمي لزمه الظهار متى تزوجها، فإن صام شهرًا قبل تزويجه ينوي بذلك عن ظهاره ثم صام الثاني بعد التزويج لم يجزه حتى يصوم شهرين بعد تزويجه، وإذا قال لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي، فصام شهرًا، ثم طلقها، ثم راجعها، ¬

_ (¬1) في الأصل: فلا يمكن، والمثبت من ر. الفرق في: ر 49 أ - 49 ب. وانظر: عدة البروق: 285، رقم 385. (¬2) في: عدة البروق، ور، وط: الحيض، والمعنى واحد. والمطلق في حيض أو نفاس يجبره الحاكم على الرجعة إن كان طلاقه رجعيًا، وتتواصل فترة جبره طيلة مدة العدة، فإن انقضت بانت عنه (الشرح الصغير: 2/ 538 - 539). والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعمر لما طلق ابنه عبد الله في الحيض: (مر فليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن ضاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التى أمر الله أن يطلق لها النساء) أخرجه مالك والشيخان. (¬3) انظر المسألة في المدونة: 5/ 104 مط السعادة. (¬4) في الأصل: فأدخل، والمثبت من: ر، ط. (¬5) ساقط من الأصل، والمثبت من ص. (¬6) الفرق في: ر 49 أ، وفي: ط 21 ب. وانظر عدة البروق 274، رقم 364.

53

أجزأه صوم شهر [آخر] (¬1) إذا وصله بالأول، وفي كلا الموضعين قد صام الشهر الثاني في نكاح مبتدأ. الفرق بينهما: أنه صام قبل التزويج فقد أوقعه قبل لزومه؛ لأنه إنما يلزمه (¬2) بوجود شرطه، ، وشرطه التزويج، وتقديم المشروط على غير جائز فلم يجزه، وليس كذلك إذا صام وهي زوجته؛ لأنه أوقعه عند لزومه، لأن الظهار لازمٌ له، فافترقا (¬3). 53 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬4): إذا قال لزوجته: أنت طالق ثلاثًا وأنت عليّ كظهر أمي، فلا ظهار عليه، وإن قال: أنت عليّ كظهر أمي وأنت طالق ثلاثًا، فعليه الظهار إذا عادت [إليه] (¬5)، والجميع ظهار وجد مع طلاق. الفرق بينهما: أن الظهار لا يصحُ ولا يتوجه إلا بوجود حقيقته، وحقيقته تشبيه محلل بمحرم، ولا يلزم في (¬6) الأجنبية، لأن معناه لا يوجد فيها، وإن قال لامرأته: أنت طالق ثلاثًا صارت أجنبية منه، فلا فرق بين ظهاره منها أو من غيرها، فلم يتوجه إليها ظهارٌ، وإذا قال لها: أنت عليّ كظهر أمي، فقد أوقع الظهار وهي وزوجته، فلزمه (¬7) ذلك، فإذا أحدث بعده طلاقًا لم يزل ما قد ترتب عليه وتوجه إليه فلزمه، فافترقا (¬8). ¬

_ (¬1) ساقطة من الأصل: أثبتناها من ر. (¬2) في الأصل عبارة مضطربة، والإصلاح من ر. (¬3) الفرق في: ر 48 ب - 49 أ. (¬4) المدونة: 2/ 303 - 304. (¬5) ساقطة من الأصل، والمثبت من ط. (¬6) في في الأصل: إلا في، والإصلاح من ط. (¬7) في الأصل: وهي زوجة فلزم. (¬8) الفرق في: ر 49 ب، وفي: ط 21 ب: وانظر عدة البروق 305، رقم 409.

54

54 - فرق بين مسألتين: قال مالك: إذا قال لامرأته: أنت طالق رأس الشهر، وقع الطلاقُ في الحال، وإذا قال لأمته: أنت حرة رأس الشهر، وقف العتقُ إلى أجله (¬1)، والطلاقُ والعتق قد علقا بوقت لا بد أن يأتي. الفرق بينهما: أن الطلاق إنما يقع في الحال، لأن الوطء لا يجوز أن يترقب (¬2) بحال، أصله: نكاح المتعة، لما كان الوطء مؤقتًا (¬3) فيه لم يجز، فإذا علق وقوع الطلاق فقد وقت الوطء؛ لأنهُ يطأ إلى وقت وجوده، ويحرم عليه، وهو وقت لا بد منه فأوقعنا الطلاق في الحال لهذه العلة، وليس كذلك العتق؛ لأن العتق إذا علقه برأس الشهر فإنما وقت الخدمة، وذلك جائز، لأن المنفعة كالإجارة إليه، ألا ترى أنه يمنع من وطئها، فافترقا (¬4). 55 - فرق بين مسألتين: قال عبد الملك (¬5): إذا قال رجل لامرأته الحامل: أنت طالقٌ إذا وضعت واحدةً، وأنت طالقٌ الساعة واحدة طُلقت اثنتين (¬6)، وإذا قال: أنت طالقٌ الساعة واحدةً، وأنت طالقٌ إذا وضعتِ واحدة لم تطلق إلا واحدة، وكلاهما [طلاق] (¬7) معلق (¬8) بوضع الحمل. ¬

_ (¬1) في الأصل: إلى آخره. (¬2) في الأصل: أن يترتب (¬3) في الأصل: مترقبًا، والمثبت من ر. (¬4) الفرق في: ر 49 ب - 50 أ. (¬5) أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، من فقهاء المالكية، كان فصيحًا، دارت عليه الفتوى وعلى أبيه من قبل، تفقه بأبيه وبمالك وغيرهما، وبه تفقه جماعة منهم: ابن حبيب وسحنون وابن المعذل، توفي سنة 212 هـ، له ترجمة في: الانتفاء ص 58.57، ترتيب المدارك 3/ 136 - 144. (¬6) في الأصل اثنين: والإصلاح من ر، ط. (¬7) ساقطة من الأصل، أثبتناها من ر، ط. (¬8) في الأصل: معلوم، والإصلاح من ر، ط.

56

الفرق بينهما: أنه لا قال: [أنت طالق] (¬1) إذا وضعت، طلقت في الحال، وصارت مطلقة رجعية، فلما قال: [أنت طالق الساعة حصل مطلقا لزوجة رجعية، والطلادتى يلحق المطلقة الرجعية، فلزمه اثنتان، وإذا قال لها: أنت طالق [الساعة طلقت واحدة وبقيت مطلقة رجعية، فإذا قال قال لها: أنت طالق] (¬2) إذا وضعت فقد علق وقوع الطلاق بوقت هي فيه غير زوجة لا يقع فيه عليها طلاق، إذ بالوضع تبين منه وتخرج به من العدة، فافترقا (¬3). 56 - فرق بين مسألتين: قال ابن عبد الحكم في المختصر الكبير: إذا قال [رجل] (¬4) لامرأته: كل امرأةٍ أتزوجها عليك فهي عليّ كظهر أمي، فعليه كفارةٌ واحدةٌ، وإذا قال: كل امرأة أتزوجها عليك فالمرأة التي أتزوجها عليك هي عليّ كظهر أمي، فكلما تزوج امرأة فعليه كفارة، وفي كلا الموضعين قد علق الظهار بالتزويج. الفرق بينهما: أنهُ إذا قال: كلُ امرأةٍ أتزوجها عليك، فقد جمع بينهن في الظهار، فهو كما لو قال لنسائه (¬5): أنتن عليّ كظهر أمي، فليس عليه إلا كفارة واحدة لإشراكه بينهن في الظهار، وليس كذلك إذا قال: فالمرأة التي أتزوجُها عليك؛ لأنه أفرد كل واحدة بالظهار. ولم يرد الاشتراك، فيكون بمنزلة من قال لأربع نسوة: أنت (¬6) عليّ كظهر أمي [وأنت عليّ كظهر أمي] (¬7) ¬

_ (¬1) زيادة من ر، ص. (¬2) زيادة من ر، ص. (¬3) الفرق في: ر 50 أ، وفي ط - 21 ب - 22 أ. (¬4) زيادة من ر، ص. (¬5) في الأصل: النسوة، وفي ط: لنسوة، والمثبت من ر. (¬6) في الأصل: أنتن، والصواب ما أثبتناه من ط. (¬7) زيادة من ر، ط.

57

حتى أتى على آخرهن فإن عليه أربع كفارات، لأن كل واحدة انفردت بالظهار ولم يشرك بينهن (¬1) كما تقدم. 57 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬2): إذا طلق [الرجل] (¬3) امرأته، فأنفقت من ماله، قبل علمها بالطلاق، لم تُتبع. مما أنفقت، ولو أنفقت بعد موته وهي لا تعلم بموته [فإنها] (¬4) تتبع النفقة، وفي كلا الموضعين هي نفقة بعد زوال العصمة عنها (¬5). الفرق بينهما: أن في الطلاق وقع التفريط من الزوج، فلذلك [لم] (¬6) تتبع. مما أنفقت؛ لأنه كأنه أذن لها في ذلك [ورضي به] (¬7)، وليس كذلك في الموت، إذ هو غير مفرط، ولأن بالنفقة بعد الموت من مال الورثة، والزوجة لا (¬8) تستحق على الورثة [فقد كانت] (¬9) متعدية بما أنفقت، فلزمها الضمان، والجهل لا يسقط ذلك عنها، لأن التعدي على مال الغير يستوي فيه الجهل والعمد (¬10). 58 - فرق بين مسألتين: إذا أسلمت أمُ ولدِ الذمي فسيدُها أحقُ بها متى ما اسلم، كان إسلامهُ عقب إسلامها أو بعده. بمدة طويلة ما لم يحكم بعتقها أو بيعها على الاختلاف من غير حد (¬11)، وإذا أسلمت زوجتهُ كان أحق بها إن ¬

_ (¬1) الفرق في ر 50 أ، وفي: ط 22 أ. انظر عدة البروق: 304، رقم 408. (¬2) البيان والتحصيل: 5/ 375 - 376. (¬3) زيادة من ر، ط. (¬4) زيادة من عدة البروق: 335. (¬5) عبارة الأصل مضطربة، والمثبت من ر. (¬6) لم ترد في الأصل، فأثبتناها من: ر، ط، عدة البروق، والسياق يقتضيها. (¬7) زيادة من ر، ط. (¬8) في الأصل: فلا. (¬9) زيادة من عدة البروق: 335. (¬10) الفرق في: ر: 50 أ - ب، وفي ط: 22 أ - ب. وانظر عدة البروق: 335، رقم 463. (¬11) المدونة: 8/ 32.

59

اسلم قبل خروجها من العدة، فإن أسلم بعدها فلا سبيل له إليها، وكلاهما بالإسلام استفاد ذلك. الفرق بينهما: أن إسلام الزوجة فسخ للنكاح يُوجب العدة، والعدةُ تُفضى إلى البينونة، وإسلامهُ بعد إسلامها بمنزلة ارتجاع المسلم الزوجة، والرجعة واقعة (¬1) على العدة، وإسلام [أم] (¬2) الولد يوجبُ إزالة ملكه عنها، ووجوب إخراج ملك الإنسان عنه لا يوجب مدةً يوقف عندها (¬3)، كإيجاب خروج البضع عن ملك الزوج، فافترقا (¬4). 59 - فرق بين مسألتين: إذا طلق الحرُ زوجته الحرة [ثلاثًا] (¬5)، وهى حاملٌ، فعليه نفقة الحمل (¬6)، وإذا طلق العبدُ زوجته طلاقًا تامًا، وهي حامل، فلا نفقة عليه للحمل، والحملُ موجود فيهما (¬7). الفرق [بينهما] (¬8) أن النفقة إنما تلزمُ الحر؛ لأن حكم الولدِ حكمه، فلا بد أن ينفق عليه، وليس كذلك العبدُ؛ لأنه ليس حكمُ الولد حكمه؛ لأنه لا يخلو (¬9) أن تكون امرأة حرة أو أمة. فإن كانت حرة فولدُها حر، والعبدُ لا تلزمه نفقةُ ولده الحرِ، وإن كانت أمةً فالولدُ عبدٌ لمولى الأمة، ونفقة العبدِ على مولاه دون أبيه، فافترقا (¬10). ¬

_ (¬1) ر: مانعة. (¬2) زيادة من ر يقتضيها المعنى. (¬3) في الأصل: عنها، والمثبت من ر. (¬4) الفرق في: ر 51 أ - 51 ب. (¬5) زيادة من ر. (¬6) المدونة: 5/ 20. مط السعادة. (¬7) في الأصل عبارة مصفحة. (¬8) زيادة من ر. (¬9) ر: لا يخلو إما. (¬10) الفرق في: ر 51 أ.

60

60 - فرق [بين مسألتين] (¬1): قال مالك: إذا قال رجل لرجل: إن لم أقضك حقك إلى شهر فامرأته طالق [فقضاه] (¬2) ثم اطلع على زيوف بعد الشهر، فإنه يحنثُ علم بذلك أم لا. وإذا قال لامرأته: أنتِ طالق إن (¬3) لم آتك بخادم إلى شهر، فجاءها بها، ثم اطلع على عيبٍ بها بعد الشهر لم يحنث، وفي كلا الموضعين [قد وُجد] (¬4) العيب في المحلوف عليه. الفرق بينهما واضح: لأنه في الورق لم يوفه حقهُ، وعليه بدلهُ، وفي الخادم جاء الأجل والخادمُ موجودة، إذ لم يقع (¬5) اليمين على صفة بعينها فأتى بخلافها، فافترقا (¬6). 61 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬7): إذا أُعتقت الأمةُ تحت العبد فلم تختر حئ عتق سقط خيارُها، وإذا قتل أحدُ الذميين الآخر [عمدًا] (¬8) ثم أسلم القاتلُ لم يسقط القود، [وفي كلا الموضعين قد زالت العلة الموجبة للخيار والقود] (¬9). الفرق بينهما: أن الذمي متهمٌ أن يكون إنما أسلم ليدرأ عن نفسه القتل، فلم يسقط بإسلامه، وليس كذلك عتق العبد؛ لأنه لا صنع [له] (¬10) فيه، فلم توجد فيه التهمة التي تُوجدُ في القاتل، ولأن خيار الأمة إنما وجب لأجل ¬

_ (¬1) زيادة من ر، ط. وانظر المدونة: 3/ 142 - مط السعادة. (¬2) زيادة من ر، ط. (¬3) في الأصل: إذ، والمثبت من ر، ط. (¬4) زيادة من ر، ط. (¬5) في الأصل عبارة مضطربة. (¬6) الفرق في: ر 50 ب، وفي: ط 22 ب. (¬7) المدونة: 6/ 32 - مط السعادة. (¬8) زيادة من ر. (¬9) زيادة من ر. (¬10) زيادة من ر.

62

نقص الزوج، وبالعتق يزولُ (¬1)، فوجب أن يزول بزوال علته (¬2)، فيسقط خيارها، وليس كذلك الذميُ إذا أسلم؛ لأن القتل لا بد فيه من عوض، إما قتل مثله أو فى دية، وبالإسلام لا يسقط ذلك، لأن المسلم لو قتل ذميًا وجبت عليه الديةُ، والذميُ إذا قتل ذميًا مثله [عمدًا] (¬3) وجب عليه القود، لا يسقط بحال فافترقا (¬4). 62 - فرق بين مسألتين: إذا وطئت [المعتقة] (¬5) قبل علمها بالعتق لم يسقط ذلك خيارها (¬6)، وإذا وطئت بعد علمها بالعتق وجهلت أن لها الخيار سقط خيارها، وفي كلا الموصعين هي غير عالة بأن لها الخيار. الفرق بينهما: أن في عدم العلم ححي معذورةٌ، فلم يسقط ذلك خيارها، وفي الجهل هي غير معذورة، إذ هي قادرةٌ على [سؤال] (¬7) ما يجب لها، وفي عدم العلم لا تقدر على ذلك، فافترقا (¬8). 63 - فرق بين مسألتين: قال مالك: إذا قال له: بع لي هذا الثوب، فقال: قد بعته منك، فقال: لا أرضى، لم يلزمه الشراءُ، ولو قال: زوجي ابنتك (¬9)، فقال: قد زوجتك، فقال: لا أرضى، لزمه النكاح (¬10)، [والجميع عقد معاوضة] (¬11). ¬

_ (¬1) في الأصل: يلزم، لإصلاح من ر. (¬2) في الأصل: بزواله عنه، والإصلاح من ر. (¬3) زيادة من ر. (¬4) الفرق في: ر 52 أ - 52 ب. (¬5) الزيادة من: ر، ط. (¬6) انظر المسألة في المدونة: 33/ 6 مط السعادة. (¬7) الزيادة من: ر، ط. (¬8) الفرق في: ر 52 ب، وفي 23 أ. (¬9) في الأصل: أمتك، والمثبت من ر. (¬10) انظر المسألة في المدونة: 4/ 48 مط السعادة. (¬11) الزيادة من ر.

64

الفرق بينهما: أن العادة المساومة في البيوع دون النكاح؛ إذ لم تجر العادة فيه بالمساومة، ولأن الخيار له مدخلٌ في البيوع دون النكاح (¬1). 64 - فرق بين مسألتين: إذا أُعتقت الأمةُ عتقت هي وما في بطنها، وإذا أعتق الحمل لم تعتق الأم بعتقه [والعتق في الجميع إنما وقع على واحد] (¬2). الفرق بينهما: أن الحرة لا يصح أن تحمل بمملوك، فإذا أعتقت الأم عتق الحمل؛ إذ لا يصح حملُها بمملوك، وإذا أعتق الحمل لم تعتق الأمُ؛ لأن الأمة يصح أن تحمل بحر، دليله أم الولد. هذا قول القاضي، لأن الولد تابع للأُم، وليست الأم تابعة لهُ؛ إذ هو عضو منها فلهذا تعدى العتقُ إليه بعتقها، ولم يتعد إليها بعتقه فافترقا (¬3). 65 - فرق بين مسألتين: قال مالك: تعتق أم الولد من رأس المال المدبر من الثلث، وكلاهما يعتق (¬4) بالموت (¬5). الفرق بينهما: أن التدبير ليس بإيجاب عتق قاطع، بدليل أن الدين يرده، وليس كذلك أم الولد؛ لأن البطلان لا يتوجه إليها بحال فافترقا. قال القاضي: ولأن عتق أم الولد من طريق الفعل، والمدبر من طريق القول، والأصول تقتضي تأكيد الفعل على القول، ألا ترى إذا وطئ المريض جاريته فتحمل أن عتقها من رأس المال، ولو أعتقها بالقول لم تعتق إلا من الثلث، فافترق حكم أم الولد والتدبير (¬6). ¬

_ (¬1) الفرق في: ر 52 ب. (¬2) الزيادة من ر، ط. (¬3) الفرق في: ر 52 ب، وفي ط 23 أ - 23 ب. وانظر: عدة البروق 345، رقم 476. (¬4) في ر: وكلاهما عقد معلق. (¬5) قول مالك هذا في المدونة: 8/ 36. مط السعادة. (¬6) الفرق في: ر 53 أ - 53 ب.

66

66 - فرق بين مسألتين: إذا باع أم الولد فُسخ البيعُ ورُدت إليه، وإن كان المشتري قد أعتقها، وإذا باع المدبر فأعتقه (¬1) المشتري بعد البيع [نفذ البيع] (¬2) على إحدى الروايات (¬3)، وكلاهما ممنوع من بيعه. الفرق بينهما: ما ذكرنا (¬4) من تأكيد حكم أم الولد على المدبر، إذ الفسخ والبطلان لا يصلان إلى أم الولد، ولهما ذلك في المدبر (¬5). 67 - فرق بين مسألتين: [قال القاضي، رحمه الله: إذا عجل عتق أم الولد على مال تدفعه إليه، فمات السيد قبل أن يقبضه منها، فعليها دفعه إلى الورثة، وإذا كاتبها على مال فمات قبل أن تؤدي الكتابة سقط ذلك عنها، وعتقت من رأس المال، وفي كلا الموضعين فإنها أم ولد تعتق بموته. الفرق بينهما: [أنه] (¬6) إذا عجل عتقها بعوض في ذمتها فقد حصل العتق قبل [موته] (¬7)، ولم تستفد (¬8) ذلك إلا بذلك العوض، فهو دين عليها تدفعه للورثة [لأنه كدين للميت على غريم] (¬9)، وليس كذلك إذا كاتبها لأنها [لم] (¬10) تعتق في حياة السيد، وإنما تعتق بالأداء، فإن مات [السيد] (¬11) قبل أن تؤدي مات ¬

_ (¬1) في الأصل: أعتقه، والمثبت من ر. (¬2) زيادة من ر، ص. (¬3) المسألة في: المدونة: 8/ 36 - مط السعادة. (¬4) في الأصل: بما ذكرناه، والمثبت من: ر، ص. (¬5) في الأصل عبارة مضطربة، والمثبت من ر. (¬6) زيادة من: ر، ص. (¬7) سقطت من الأصل، والمثبت من: ر ص. (¬8) في الأصل، ولم تستقبل، وهو تصحيف. (¬9) زيادة من: ر، ص. (¬10) زيادة من: ر، ص. (¬11) زيادة من: ر، ص.

68

وهي على ملكه فعتقت بموته، لأن أم الولد تعتق بالموت وتسقط عنها الكتابة بحريتها، [لأنه لم يبق ما تؤدي عنه] (¬1). هذا قول القاضي (¬2). 68 - فرق بين مسألتين: إذا عجل عنق العبد تبعه ماله إلا أن يستثنيه السيد، وإذا بيع لم يتبعه مالهُ إلا أن يشترطه المشتري، والجميع انتقال ملك. الفرق بينهما: أن البيع انتقال ملك إلى مالك، وكل ملك انتقل إلى مالك فلا بد من تعيين الملك، وليس كذلك العتق؛ لأنه انقتالُ ملكٍ إلى غير مالك، فلم يفتقر إلى تعيين الملك (¬3). ولأن في البيع لم يدخل معه إلا في وجود معنى، وهو اشتراط المبتاع المال، وهو غير العبد؛ لأنه إذا اشترط المال فإنه يشترط ما لم يكن يملكه من قبل، وهذا المعنى معقول في المشتري، والعبد فلا يتصور (¬4) فيه هذا المعنى، لأنا لو قلنا: لا يتبعه في العتق. قلنا (¬5): يجوز استثناءُ العبد له، واستثناؤه لا يصح له؛ لأنه لا يملك المال من قبل. ألا ترى أن السيد يصح منه استثناؤه لهذا المعنى، وفيه نظر (¬6). 69 - فرق بين مسألتين: قال عبد الملك بن الماجشون: إذا اشترى مدبرا (¬7) من دار الحرب فأسلم سيده خدمته للمشتري، فإن مات السيد ولم يستوف [المشتري] (¬8) حقه من الخدمة اتبعه. مما بقى له بعد المحاسبة بما أخدمه، وإذا وقع ¬

_ (¬1) زيادة من: ر، ص. (¬2) الفرق في: ر 43 ب. وانظر عدة البروق، ص 380، رقم 543. (¬3) انظر: عدة البروق 345، رقم 477. (¬4) في الأصل عبارة مضطربة، والمثبت من: ر، ص. (¬5) في الأصل عبارة مضطربة، والمثبت من: ر، ص. (¬6) الفرق في: ر 53 ب - 54 أ. (¬7) في الأصل: مدبرة، والمثبت من ر. (¬8) زيادة من: ر.

70

في المقاسم فاسلم سيده خدمته، فإذا مات السيد وخرج حرًا يتبعه بشيء، [وكلاهما مدبر سلمت خدمته] (¬1). الفرق بينهما: أنه لما اشتراه من دار الحرب فقد وجب له الثمن على سيد العبد فلا (¬2) سبيل إلى إسقاطه، فإذا تعذر الأخذُ من السيد أخذ من العبد، إما من خدمته أو من ذمته إذا تعذرت الخدمةُ. [و] (¬3) ليس كذلك إذا أخذه في القسم, لأن السيد أخذه بغير عوض، وهو إذا وجده قبل القسم [أخذ بغير شيء] (¬4)، فلما افترقا في [الأصل أفترقا في] (¬5) الفرع. وأيضًا فإن أكثر ما في ذلك أن يكون اشتراه كشرائه وهو حر، والحر إذا اشتري من دار الحرب لزمه دفع ما اشترى به على كل وجه، فكان حكمه حكم الحر، وفي القسم بخلافه، فافترقا (¬6). 70 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬7): إذا أعتق عبدًا (¬8) في ظهاره كان الولاء له، وإذا اعتق عبدًا في زكاة كان الولاء للمسلمين، والجميع حق الله تعالى. الفرق بينهما: أن العتق في الظهار واجبٌ عليه وجوبًا متعينًا، [فحصل معتقًا لملك، والولاء تابع للملك] (¬9)، وفي الزكاة فليس العتق متعينًا عليه، لأن الواجب إخراجُ جزءٍ من المال، وذلك الجزءُ حقٌ للمساكين، فإذا اشترى به ¬

_ (¬1) زيادة من: ر. (¬2) في الأصل: عبارة مضطربة، وما أثبتناه من ر. (¬3) زيادة من ر، ص. (¬4) زيادة من ر. (¬5) زيادة من ر. (¬6) الفرق في ر 54 أ. (¬7) المدونة: 2525 ال 3/ 76. (¬8) في الأصل: عيد. (¬9) زيادة من ر.

71

عبدًا وأعتقه لم يكن الولاء له؛ لأن المال لغيره، فهو يعتق ملك غيره، ألا ترى لو أن رجلًا شترى من مالِ غيره عبدًا وأعتقه عنه لكان الولاء لربِ المالِ، وليس كذلك الظهار، إذ الملك فيه [له] (¬1)، والولاء تابع للملك (¬2). 71 - فرق بين مسألتين: إذا أعتق المشتري الجارية في عهد الثلاث (¬3) مضى العتق، وإذا أعتقها في الاستبراء أوقف العتق على خروجها من الاستبراء، فإن خرجت منه مضى، وإلا بطل، و [في] (¬4) كلا الموضعين فالمبيع على ملك البائع. الفرق بينهما: أن عهدة الثلاث البيع فيها لازم، وإنما يتوقع ما ينقضه، فإذا أعتق فيه لزمه العتقُ، وليس كذلك الاستبراءُ؛ لأن البيع فيه [لم] (¬5) يلزم المشتري؛ لأنه [لم] (¬6) يدخل في ملكه، وإنما يدخل فيه بالاستبراء، فلم يلزمه بانقضاء الاستبراء. 72 - فرق بين مسألتين: يجر الجدُ الولاء (¬7) دون الأخ (¬8)، ولو اجتمع جدٌ وأخٌ كان الأخ أحق بالولاء من الجدِ، وفي الجميع فهو ولاءٌ استُفيد من جهة العتق (¬9). ¬

_ (¬1) زيادة من ر. (¬2) عدة البروق: 372 - 373، رقم 527. (¬3) العهدة في الأصل: العهد وهو الإلزام والالتزام، وفي العرف: تعلق ضمان المبيع من الرقيق بالبائع في زمن معين، يكون ثلاثة أيام في عهدة الثلاث وسنة في عهد السنة، ففى العهدة الأولى يكون الرد بكل عيب حادث إلا أن يستثى عيب معين وعلى البائع فيها النفقة، وعهدة السنة يكون الرد فيها بعيوب ثلاثة معينة فقط، وتعتبر العهدة بالشرط أو العادة أو حمل السلطان الناس عليها. انظر "الشرح الصغير وحاشية الصاوي: 3/ 191 - 193". (¬4) زيادة من ر. (¬5) زيادة من ر. (¬6) زيادة من ر. (¬7) في الأصل عبارة مضطربة، والمثبت من: ر، ص. (¬8) انظر المدونة: 3/ 78. (¬9) في الأصل: العبد.

73

الفرق بينهما: أن طريقة جر الولاء طريقة الأنساب، والنسب للجد فى دون الأخ، وليس كذلك استحقاق الولاء، لأن طريقه قوةُ التعصيب، فمن كان تعصيبه قويًا كان أحق به، والأخُ أقوى تعصيبًا من الجد؛ لأن تعصيب الأخ مستفادٌ من جهةِ البنوة، وتعصيب البنوة أقوى من تعصيب الأبوة، ألا ترى أن في الميراث البنوة لا تسقط بحال، فافترقا (¬1). 73 - فرق بين المسألتين: قال مالك (¬2): إذا اجتمع جدٌ وأخٌ كان الميراثُ بينهما، والأخ أحقُ بالولاء من الجدِ، والجميع مستفاد من جهة الميت. الفرق [بينهما] (¬3) أن الميراث يستحق بتعصيب ورحم، والجد قد اجتمع (¬4) ذلك فيه فساوى الأخ، والولاء إنما يستحق بتعصيب فقط؛ لأنه لا مدخل للرحم فيه، فلما قوي تعصيبُ الأخ بالبنوة التي هي أقوى العصبات كان أولى من الجد بالولاء (¬5). 74 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬6): لا يجوز وطء المكاتبة ويجوز وطء المدبرة، والعتق في الجميع إلى أجل. الفرق بينهما: أن المكاتبة عاوضت عن نفسها بتملك نفسها دون السيد، فلم يجز له وطؤها، والمدبرة لم تعاوض عن نفسها. فكان له وطؤها. هذا قد قاله بعض أصحابنا، وفيه نظر. ¬

_ (¬1) الفرق في: ر 44 ب. انظر عدة البروق: 373، رقم 528. (¬2) المدونة: 3/ 82. (¬3) زيادة من ر. (¬4) عبارة مضطربة في الأصل، والإصلاح من عدة البروق. (¬5) الفرق في: ر 44 ب - 45 أ. وانظر عدة البروق: 373، رقم 526. (¬6) المدونة: 3/ 5، 16.

75

وأقيس منه أن المدبرة جاز وطؤها؛ لأنه لا يتعلق عتقها بوقت تحرم عليه؛ إذ عتقها بعد موت السيد، والميت لا يوصف بأنه حرم عليه شئ ولا حل؛ لأن ذلك [من] (¬1) صفات الحي، والمكاتبة عتقها متعلق بوقت يحرم وطؤها بوجوده (¬2)، مع صحة وصفه [بالتحريم] (¬3)، فلم يجز، لأن ذلك كنكاح المتعة (¬4). 75 - فرق بين مسألتين: إذا اشترى زوجته الحامل منه كانت بذلك أم الولد، وإذا اشترى جارية أبيه وهى حامل منه لم تكن بذلك أم ولد، وفي كلا الموضعين هو مشتر زوجته وهى حامل. الفرق بينهما: [أنها] (¬5) إنما تكون أم ولدٍ من جهة الابن الذي هو في جوفها، فإن كانت حرية الابن من جهة الأب كانت به أم ولد، وإن كانت من جهة غيره لم تكن بذلك أم ولد، فإذا ثبت هذا فجارية أبيه (¬6) لما اشتراها، وهى حاملٌ منه، فالولدُ قد عتق على جده، وهو أبو أبيه، فلم تكن بذلك أم ولد؛ لأن العتق من غير جهة الأب، وإذا كانت الجارية لأجنبي فبنفس الشراء يعتق الحمل على الأب، فكانت بذلك أم ولدٍ لما بيناه من كون حرية الابن من جهة الأب، وقد ثبت أن حرمة الاستيلاء لا تثبت للأم في ملك، وحرية الابن كانت سابقة لملك الأب والأم، فلم يجز أن تسري الحريةُ إلى أمه (¬7) قبل الملك، ¬

_ (¬1) زيادة من ر. (¬2) انظر عدة البروق 356، رقم 498. (¬3) زيادة من ر. (¬4) الفرق في: ر 55 أ - 55 ب. (¬5) زيادة من ر، ص. (¬6) في الأصل: ابنه، والمثبت من ر، ص. (¬7) في الأصل الجملة محرفة، الإصلاح من ر.

76

لأن ذلك يوجب تعلق الحكم لعلته، ولا بعده، لأن نسبة الحرية (¬1) لا تحصل فيه تراخ بين وجودد وبين تخييرها (¬2). هذا قول القاضي، رحمه الله تعالى. 76 - فرق بين مسألتين: لا يجوز وطء المعتقة إلى أجل، ويجوز وطء المدبرة وكلتاهما معتقة إلى أجل. الفرق بينهما: أن عتق المدبرة معلقٌ بوقت لا يحرم عنده الوطء، إذ هو معلق بالموت، والميت لا يوصف بتحليل ولا بتحريم، وإنما يوصف بذلك من يمكن ذلك منه فلذلك جاز وطؤها، والعتق إلى أجل معلق بوقت يحرم عنده [الوطء] (¬3)، وذلك غير جائز كنكاح المتعة. هذا قول القاضي، رحمه الله تعالى. وقال بعض أصحابنا: أجل التدبير غير معلوم فجاز فيه الوطء، والعتق إلى أجل (¬4)، الأجل فيه معلوم، فلم يجز فيه الوطء، وأيضًا فإن التدبير غير ملزم؛ لأنه معرض للبطلان، إما جملة بأن يستغرق الدين التركة (¬5)، أو بعضه بأن لا يخرج من الثلث، وهذا المعنى غير موجود في العتق إلى أجل، إذ البطلانُ غير متوجه إليه (¬6). 77 - فرق بين مسألتين: تدخل عهدةُ الثلاث في المواضعة (¬7)، ولا تدخل فيها عهدة السنة، والكل عهدة. ¬

_ (¬1) في الأصل: عبارة محرفة، والإصلاح من ر. (¬2) الفرق في: ر 55 أ. وانظر عدة البروق 377، رقم 536. (¬3) زيادة من ر. (¬4) في الأصل: الآخر، وهو تصحيف، والمثبت من ر. (¬5) في الأصل عبارة مضطربة، والمثبت من ر. (¬6) الفرق في: ر 55 ب. (¬7) مواضعة الأمة: استبراؤها بحيضة إن كانت من ذوات الحيض، أو بثلاثة أشهر إن كانت من غيرهن، وذلك إذا حصل ملكها أو تجدد ولم تعلم براءتها وكانت مطيقة الوطء، انظر: (2/ 701 - 703).

78

الفرق بينهما: أن الأصول مبنية على أن الأقل تابع للأكثر وأنه يدخل (¬1) فيه، فالمواضعة أكثر من الثلاث فدخلت فيها، والسنة أبعد من مدة المواضعة (¬2) وأكثر منها، فلم تدخل في الأقل، لأن ذلك خلافُ الأصول (¬3). 78 - فرق بين مسألتين: قال ابن القاسم إذا حلف بعتق عبده فباعه عليه السلطان في دين فمتى عاد إليه عادت اليمين عليه، إلا أن يعود إليه بميراث، فلا شئ عليه، [والمحلوف عليه قد عاد إليه في الجميع] (¬4). الفرق بينهما: أن الظنة تلحقه (¬5) في التفليس أن يكون أظهر الفلس ليبطل العتق، فلما لحقته الظنة عادت عليه اليمين إذا اشتراه، وكذلك لو باعه [ثم اشتراه أن التهمة تلحقه أن يكون باعه] (¬6) ليبطل عتقه، وليس كذلك إذا عاد إليه بميراث؛ لأنه لم يدخل ذلك على نفسه، فلا يتهم في ذلك، ولا تعود عليه يمين، فافترقا (¬7). 79 - فرق بن مسألتين: إذا شهد رجلان على رجل بعتق [عبد] (¬8) فردت شهادتهما لم يجز لواحد منهما أن يملك العبد، فمن ملكه منهما عتق عليه (¬9)، وإذا أعتق المفلس عبده فرد الغرماءُ عتقه، فإن اشتراه بعد ذلك لم يعتق عليه، والعتق في الجميع لم يمض. ¬

_ (¬1) في الأصل: جائز، وهو تصحيف، وما أثبتناه من: ر. (¬2) في الأصل: عبارة مضطربة، والإصلاح من ر (¬3) الفرق في ر: 56 أ. (¬4) زيادة من ر. (¬5) في الأصل: ملحقه، وما أثبتناه من ر. (¬6) زيادة من ر (¬7) الفرق في: 56 ب. وانظر: عدة البروق: 200، رقم 237. (¬8) زيادة من ر (¬9) انظر المدونة: 13/ 31 مط السعادة.

80

الفرق بينهما: أن عتق المفلس قد بطل ببيع السلطان العبد ونفذ حكمه بنقضه، فلم يلزمه فيه عتق إن عاد إليه، لأن ذلك قد بطل، والشهود لم يبطل العتق المشهود به عندهم؛ لأنهم يعتقدون أن ذلك العبد قد صار حُرًا، وأن تملكه لا يجوز، ويعتقدون أن شهادتهم جائزة، وأن ذلك من الحاكم وأمر خفي عليه فعتق عليهم لاعتقادهم أنه حر وأن تملكه لا يجوز، فافترقا. وأشهب (¬1) لم يفرق بين الشهود والمفلس، والقياس ما قاله ابن القاسم. 80 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬2)، رحمه الله: إذا دبر في مرضه جماعة من عبيده في كلمة واحدة لم يبدأ أحدهم على صاحبه، وعتق من كل واحد منهم ثلثه، إذا لم يكن له مال غيرهم، ولا يقرع بينهم أوصى وإذا بعتق عدة عبيد له (¬3) أقرع بينهم فعتق ثلثهم ورق ثلثاهم (¬4)، والكلُ عتقٌ لا ينفذ إلا بعد [الموت] (¬5). والفرق بينهما: أن التدبير ليس للمدبر إبطاله [وتغييره] (¬6)، فكان حكمه أقوى من غيره، والوصيةُ بالعتق له إبطالها وتغييرها، فكان حكمها أخفض. ولأن التدبير لا يدخله الإقراع بوجهٍ، والعتقُ يدخله، فإذا وجد الدخول لأحدهما وجد العتق، لأن العتق علقه بصفة. ألا ترى أن المريض إذا أعتق [أعدة (¬7)] عبيد ليس له مالٌ غيرهم فإنه يقرع بينهم، وكذلك الوصية بالعتق (¬8). ¬

_ (¬1) أبو عمر أشهب بن عبد العزيز، من أصحاب مالك، روى عن مالك والليث، وأخذ عنه جماعة منهم سحنون، توفي سنة 204 هـ. له ترجمة في: الانتفاء ص 51، وترتيب المدارك 3/ 262. (¬2) المدونة: 3/ 38، 4/ 278. (¬3) في عدة البروق: عبيده. (¬4) في عدة البروق: باقيهم. (¬5) ساقط من الأصل، والمثبت من ر. (¬6) زيادة من ر. (¬7) زيادة من ر. (¬8) الفرق في: ر 57 ب. وانظر عدة البروق: 356، رقم 499.

81

81 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬1): يجوز للسفيه الوصية بالعتق، ولا يجوز له أن يعتق بتلا (¬2)، والكل عتق [صدر من سفيه] (¬3). الفرق بينهما: أن السفيه إنما حجر عليه لئلا يضيع ماله ويبقى فقيرًا لا مال له، فإذا عتق بتلا أدى ذلك إلى المعنى الذي خشي عليه منه وضرب عليه الحجر من أجله، وإذا أوصى بالعتق لم يوجد المعنى الذي خشي عليه منه؛ لأنه (¬4) إنفاذ الوصية بعد الموت، وفي تلك الحال قد أمن عليه من الفقر، فلهذا افترقا. 82 - [فرق بين مسألتين] (¬5): قال مالك: إذا أقر بقتل الخطأ، ثم رجع عن إقراره قبل منه، وإن أقر بقتل العمد [ثم رجع] (¬6) لم يقبل منه، وفي الموضعين هو رجوع عن إقرار [بقتل] (¬7). الفرق بينهما: أن المستحق في قتل الخطأ الدية، والدية إنما تجب على غير المقر، وهم العصبة، فكأن إقراره إنما كان على غيره، فكان كالشاهد على الغير، وإذا رجع قبل منه؛ لأنه كالشهادة إذا رجع عنها الشاهد، وقتل العمد فيه القود، والقود إنما يستحق على القاتل، وإذا أقر به كان إقرارًا على نفسه فلم يقبل منه الرجوع؛ لأنه إقرار على نفسه، والأصول مبنيةٌ على أن من أقر على نفسه فلا يقبل منه الرجوعُ إلا أن يكون له وجهٌ في ذلك (¬8). ¬

_ (¬1) المدونة: 4/ 116. (¬2) العتق البتل: هو الحال غير المؤجل. (¬3) زيادة من ر. (¬4) الفرق في: ر 57 ب - 58 أ. ولعل الصواب: لأن، انظر عدة البروق: 345، الفرق 478. (¬5) ساقط من الأصل: أثبتناه من ر. (¬6) زيادة من ر. (¬7) زيادة من ر. (¬8) الفرق في: ر 58 ب، والتعليل في: المدونة 16/ 206، مط السعادة. انظر عدة البروق: 705، رقم 1123.

83

83 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬1): الواجب في جراح العبد الأربع (¬2) من قيمته بقدر ما في الحر من ديته، وفيما عداها من الجراح ما نقص من قيمته، وفي كلا الموضعين هي جراح العبد. الفرق بينهما: أن هذه الجراح لما كان فيها شيء مسمى في الحر وجب أن يكون ذلك فيها في العبد. وأيضًا فإنا لو لم نعتبر [ذلك بالحر] (¬3) لأدى إلى هدرها؛ لأنها تبرأ وتزول حتى كأن لم تكن، وليس كذلك ما عداها (¬4) من الجراح، لأنما لا بد أن تؤثر تأثيرًا ما وإن برئت، فافترقا (¬5). 84 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬6): الواجب في عين الأعور الدية الكاملة، والواجب في إحدى اليدين، إذا كانت الأخرى مقطوعة (¬7)، نصف الدية، وفي الجميع تجب في كل واحد من العضوين [نصف الدية] (¬8) مع (¬9) وسلامة العضو الآخر الفرق بينهما: أن منفعة العينين جميعًا توجد في العين الواحدة، فإذا أتلف عليه منفعتها فكأنه أتلف عليه المنفعة التي توجد في العينين جميعًا، وفي جميع ¬

_ (¬1) المدونة: 4/ 466. (¬2) الجراح الأربع هى: المأمومة، والجائفة، والموضحة، والمنقلة. انظر المدونة: 16/ 113 ط السعادة، المقدمات الممهدات: 3/ 297، البهجة في شرح التحفة: 2/ 363. (¬3) زيادة من ر. (¬4) في الأصل: ما عدا، والمثبت من ر. (¬5) الفرق في: ر 58 ب. وانظر عدة البروق 705، رقم 1124. (¬6) المدونة 4/ 486 - 487. (¬7) في عدة البروق: مقطوعة أو شلاء. (¬8) زيادة من ر. (¬9) في الأصل: من، والمثبت من ر.

85

المنفعة الدية، وليس كذلك في اليدين (¬1)، لأن المنفعة لا توجد بإحداهما كوجودها بهما، فلهذا لم تجب فيه إلا نصف الدية، بخلاف إحداهما (¬2)؛ لأنه لم يتلف عليه إلا نصف المنفعة، دون المنفعة الكاملة (¬3). 85 - فرق بين مسألتين: إذا وضعت الحمل منذ وجب عليها الحد فإن كانت ثيبًا رجمت ولم تؤخر، وإن كانت بكرًا لم [تحد حتى] (¬4) تخرج من نفاسها (¬5)، وكلا الموضعين حد عن زنا. الفرق بينهما: أنها إذا كانت بكرًا فحدها الجلد، وكل من كان حدهُ الجلد فلا يحد في وقت يخشى عليه فيه التلف، وذلك موجود في النفاس لأنه مرض، والثيب حدها الرجم، فلا فائدة في تأخيرها، لأن المعنى الذي أخرت (¬6) من أجل موجود، وهو التلف، لأن الرجم يأتي على ذلك، فافترقا (¬7). 86 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬8): إذا استهلك السارقُ السرقة، وهو معدم قطع ولم يتبع بشئ، وإذا غصب جارية وجب عليه الحدُ واتبع بالمهر، وإن كان معدمًا، وفي الجميع عدم وحدٌ. الفرق بينهما: أن في السرقة إنما لم يتبع؛ لأن القطع إنما وجب لأجل السرقة، فلو أتبع لاجتمع عليه عقوبتان عن سبب واحد، وذلك غير جائز، ¬

_ (¬1) العبارة مضطربة في الأصل، والإصلاح من ر ومن عدة البروق. (¬2) في الأصل: أحدهما، والإصلاح من عدة البروق. (¬3) الفرق في: ر 58 أ - 59 ب. وانظر: عدة البروق: 706، رقم 1126. (¬4) زيادة من ر. (¬5) المدونة: 16/ 42. 50 مط السعادة. (¬6) في الأصل: أخذت، وهو تصحيف، والمثبت من ر، وعدة البروق. (¬7) انظر: عدة البروق: 672، رقم 1060. (¬8) المدونة: 19/ 86 - 87.

87

والواطئ إنما وجب عليه الحد لأجل الزنى، ووجب المهر لاغتصابه (¬1)، وهو عدم المطاوعة من المرأة. ألا ترى أنها لو طاوعته لم يجب إلا الحد دون المهر، فلم يجتمع عليه عقوبتان عن سبب واحد (¬2). 87 - فرق بين مسألتين: إذا غصب رجل امرأة في مرضه فوطئها كان صداق مثلها من رأس ماله، وإن تزوج امرأة في مرضه فوطئها كان صداق مثلها في ثلثه، [والكل وطءٌ في مرض وجب لأجله صداق المثل] (¬3). الفرق بينهما: أن الزوجة دخلت على علم أنه محجور عليه إخراج ماله فيما زاد على الثلث، فكأنما اختارت ذلك، والمغصوبة لم تدخل على ذلك؛ لأنها غير راضية بذلك، وإنما ذلك جنايةٌ عليها فقوى حكمها على غيرها (¬4). 88 - فرق بين مسألتين: إذا غصب رجل دابة فركبها، ثم ردها لحالها وقد تغيرت أسواقها فلا شيء عليه (¬5)، وإذا استعار رجلٌ دابة ليركبها إلى موضع فتعدى إلى غيره [أ] واكترى دابة إلى مكان فتعداه إلى أبعد بالأيام (¬6) حتى حالت أسواقها، إلا أنها [على] حالها (¬7) لم تتغير فإن ربها مخير إن شاء أخذ كراء ما تعدى، وإن شاء ألزمه قيمة الدابة، وكذلك في المقارض إن تعدى في مال ¬

_ (¬1) في الأصل: الاغتصاب، والمثبت من ر. (¬2) الفرق في: ر 59 أ - 59 ب. (¬3) زيادة من ر. (¬4) الفرق في ر 59 أوانظر عدة البروق: 625، رقم 965. (¬5) انظر المدونة: 14/ 64 - 65، مط السعادة. (¬6) الأصل: الأيام ,والمثبت من ر. (¬7) الأصل: إلا أن حالها، والمثبت من ر، ص.

89

القراض، فاشترى غير ما أمر به، فإن رب المال مخير إن شاء ألزمه المال وإن شاء أقره على القراض، وكذلك البضع معه، وكلاهما متعدٍ. الفرق بينهما: أن هؤلاء ليس عليهم ضمان في الأصل فيما في أيديهم، وإنما هو على ما قبضوه فلم يكن لهم الخراج لسقوط الضمان، والغاصب ضامن، فكان له الخراج بالضمان، فلم يكن عليه شيء في الركوب، وأيضًا فإن هؤلاء إنما خانوا بعد أن ائتمنوا فغلظ أمرهم، والغاصب لم يكن مؤتمنًا بحال، وهذا قول شيخنا أبي بكر الأبهري (¬1). 89 - فرق بين مسألتين: قال ابن القاسم (¬2): من غصب دارًا أو أرضًا فسكن الدار وزرع الأرض، فعليه أجرُ ما انتفع به، وإذا غصب دابةً أو عبدًا فاستعمل ذلك فلا شيء عليه، وفي كلا الموضعين هو غاصب مستعمل لما غصب (¬3). الفرق بينهما: أن الحيوان لا يبقى على وجه واحد بحالة واحدة لسرعة التغير إليه فجعل فيه الخراج بالضمان [والدور والأرض لا تكاد تتغير مع القرب، فلم يكن فيها الخراج بالضمان] (¬4) إذ الغالبُ سقوط الضمان فيها (¬5). 90 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬6): إذا غصب رجل خلخالين فكسرهما فليس عليه إلا ما نقص الكسر فقط، كانا ذهبًا أو فضة، وإذا غصب دنانير أو دراهم فكسرها، فربها مخير إن شاء ألزمه مثلها، وإن شاء أخذها كذلك، ولا يلزمه ما نقص الكسر، والكلُ ذهبٌ وفضة كُسرت بتعدٍ. ¬

_ (¬1) سبقت ترجمته في الفصل الأول من المقدمة. (¬2) المدونة: 14/ 64. (¬3) في الأصل: للغصب، والمثبت من ر. (¬4) زيادة من ر. (¬5) انظر: عدة البروق: 620، رقم 958. (¬6) المدونة: 14/ 70.

91

الفرق بينهما، أن الحلي (¬1) تقتنى لأجل صنعته، ويتنافس الناس فيه، وتختلف أغراضهم فيه كاختلافهم في سائر الصنوعات، وإذا أتلف تلك الصنعة وجب عليه بدلُها ليصل ربُها إلى غرضه، وليس كذلك العينُ؛ إذ لا تتخذ لصنعتها بل لأعيانها، فإذا أتلف عليه العين كان على الجاني مثلها؛ لأنه أتلف الغرض المقصود منها. وأيضًا فإنما قيمة المتلفات وأرش الجنايات، فلم يكن لها قيمة غيرها، إذ هي في الأصل، والحلي بخلاف ذلك، وأيضًا فإن الدراهم والدنانير لها مثل، والحلي لا مثل له (¬2). 91 - فرق بن مسألتين: قال ابنُ القاسم: إذا غصب ثوباً فوهبه أو أعاره فلبسه الموهوبُ له أو المستعيرُ ثم استحقه ربهُ فإنه متى رجع على المستعير أو الموهوب له بما نقص اللبس عند عدم الغاصب لم يكن له الرجوع على الغاصب بشيء من ذلك، وإذا أجره الغاصب (¬3) فاستحقه ربه وأخذ (¬4) من الستأجر ما نقصه اللبس رجع المكتري على الغاصب بالأجرة التي دفع إليه كلها، والكلُ ليصر على إذن الغاصب. الفرق بينهما: أن الموهوب له أو المستعير [لم] (¬5) يبدلا عوضًا عن ذلك، وإنما دخلا على أنه لا شيء عليهما فلم يكن لهما الرجوعُ على الغاصب بشيء مما دفعاه إلى المستحق، والمستأجر بذل عوضًا ليعتاض في مقابلته منفعة، وإذا لم ¬

_ (¬1) في الأصل: أن الحلي صنعة، وفي ر: فراغ بعد: الحلى، وما أثبتناه مطابق لما في عدة البروق، وبه يتضح المراد. (¬2) الفرق في: ر 59 ب. وانظر عدة البروق، ص 619، رقم 957. (¬3) في الأصل: المستأخر، والمثبت من ر. (¬4) في الأصل: وإذا أخذ، والإصلاح من عدة البروق. (¬5) زيادة من ر، وعدة البروق.

92

يصل إلى المنفعة كان [له] (¬1) أخذُ ما بذله من العوض، لأن الغاصب أخذ منه العوض فيعوضه بدله المنفعة فإذا استحق ربه قيمة المنفعة فلم يوصل الغاصب [إليه] (¬2) ما أخذ العوض [عنه] (¬3)، فكان عليه ردُ ما أخذه (¬4). 92 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬5): إذا غصب دابة فعجفت عنده كان ذلك فوتًا، بخلاف إذا غصب عبدًا فعجف عنده أنه ليس بفوت، والكل عجف. الفرق بينهما: أن الدواب المرادُ منها القوةُ والحمل عليها، فإذا عجفت (¬6) [فقد عدمت القوة فذلك الغرض المقصود منها] (¬7) فكان فوتًا، والرقيق ليس ذلك الغرض فيه، وإنما المراد منه التصرف والانتفاع، وذلك موجود مع العجف، فكان ذلك ليس بفوت، ولأن الغرض منه لم يبطله الغاصب (¬8). 93 - فرق بين مسألتين: إذا أقر العبد بالزنى والسرقة قُبل إقراره ووجب عليه الحدُ وإن أكذبهُ السيد، وإذا أقر بدين لإنسان أو بغصب لم يقبل إقراره إذا أكذبه السيد، والكل إقرارٌ. ¬

_ (¬1) زيادة من ر. (¬2) زيادة من ر. (¬3) زيادة من ر. (¬4) الفرق في ر: 60 أ - 60 ب. وانظر: عدة البروق 624، رقم 964. (¬5) المدونة: 14/ 65 مط السعادة. (¬6) في الأصل: فبعجفها زال ذلك منها، والمثبت من ر، ص. والعجفُ: ذهاب السمن، والذكر أعجف والأنثى عجفاء، والجمع عجاف. (ترتيب القاموس المحيط: عجف). (¬7) الزيادة من ر، ص. (¬8) الفرق في: ر 60 ب. وانظر عدة البروق: و 619، رقم 956.

94

الفرق بينهما: أن إقرارهُ بالزنى والسرقة لم (¬1) يتهم فيه أن يكون أراد الاضرار بسيده؛ لأنها عقوبة تحل به، وليس كذلك إقراره بدين أو غصب؛ لأن الظنة تلحقه فيه أن يكون أراد إخراج شيءٍ مما في يديه عن سيده، فلم يقبل إقرارهُ بتكذيب سيده، فافترقا (¬2). 94 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬3): يقيم الرجل على عبده وأمته حدّ الزنى، ولا يقيم حد السرقة، وكلاهما حدٌ. الفرق بينهما: أن حد الزنى لا يتهم فيه إذا أقامه، وحدُ السرقة تلحقه التهمة أن يكون أراد التمثيل به فمنع بذلك، وقد قيل: لا يقيم عليه حد الزنى (¬4). 95 - فرق بين مسألتين: إذا شهد شاهدٌ على قتل الخطأ أقسم معه واستحق الدية، وإذا شهد على إقراره بالقتل لم يقسم معه، والكل شهادة على قتل (¬5). الفرق [بينهما]: [أنه] (¬6) إنما أقسم مع الشاهد على نفس القتل؛ لأنه لوث (¬7)، واللوثُ يقسم معه، والإقرار لا يقبل فيه إلا اثنان كسائر الإقرارات (¬8). ¬

_ (¬1) في الأصل: لما، والمثبت من ر. (¬2) الفرق في 60 ب - 61 أ. انظر عدة البروق: 672، رقم 1061. (¬3) المدونة: 4/ 408. (¬4) الفرق في ر: 61 أ. وانظر عدة البروق: 673، رقم 1062. (¬5) على قتل: سقطت من الأصل. (¬6) زيادة من ر. (¬7) اللوث: بفتح اللام وسكون الواو وثاء مثلتة: قرينة تقوي جانب المدعى، ويغلب على الظن صدقه، مأخوذ من اللوث وهو القوة. (العدوي على شرح الرسالة لأبي الحسن: 1/ 264. (¬8) الفرق في: ر: 61 أ.

96

96 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬1): إذا أتت الأمة بولد لم يلحق بالسيد، إلا أن يقر بالوطء، وإذا (¬2) أتت الزوجة بولد لحق به وإن لم يقر بالوطء، والوطءُ مباحٌ في كلا الموضعين. الفرق بينهما: أن الزوجة تصر بالعقد فراشًا فلحق ولدها، والأمة لا تصير فراشًا إلا بالإقرار بالوطء، إذ للإنسان (¬3) ملك من لا يطؤه كأخته من الرضاعة، ولا يجوز له أن يتزوج من لا يطؤه، فلم يلحق الولد إلا بعد ثبوت الفراش، وذلك لا يحصل إلا بالإقرار (¬4). 97 - فرق بين مسألتين: قال مالك: لا ينتفي ولدُ الحرة إلا بلعان، وينتفي ولد الأمة [بغير لعان] (¬5) والفراش في الجميع موجود. الفرق بينهما: أن الحرة أعلى رتبة من الأمة في حكمها. وأيضًا [فإن الأمة] (¬6) لما كان إليه إثبات فراشها كان له نفي ما يحدث عنه إذ الولد فرع لثبوت الفراش، ولما لم يكن إليه تثبيت فراش الحرة لم يكن له نفي ما يحدث عنه إلا بلعان (¬7). 98 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬8): لا تجوز الكفالةُ في الحد، ¬

_ (¬1) المدونة: 8/ 23. (¬2) في الأصل: فإذا، والمثبت من ر، ص. (¬3) في الأصل: إذ الإنسان، وفي: ر، ص: لأن الإنسان يملك من لا يجوز له وطؤها. (¬4) الفرق في: ر: 61 أ. (¬5) زيادة من ر - انظر: التفريع: 2/ 98 - رقم 100. (¬6) زيادة من ر. (¬7) الفرق في: 61 أ - 61 ب. انظر عدة البروق 314، رقم 428. (¬8) المدونة: 13/ 125، مط السعادة.

99

وتجو [ز] (¬1) الكفالة في الحقوق، والكل كفالة عن المكفول عنه. الفرق بينهما: أن مرجوع الكفالة إنما هو لاستيفاء الحق من الكفيل إذا تعذر [استيفاؤه من] (¬2) المكفول عنه، وفي الكفالة لا يجوز أن يؤخذ الحدُ من الكفيل في غيبة المكفول إذ لا يؤخذ الحدُ إلا من فاعله، وسائر الحقوق يجوز أخذها من الكفيل عند عدم الغريم، فافترقا (¬3). 99 - فرق بين مسألتين: إذا أوصى الرجل [لرجل] (¬4) بخدمةِ عبده مدة معلومة، وأوصى لآخر برقبته، فجئ العبدُ جنايةً، فافتكه الخدم لم يرجع بذلك على الموصى له بالرقبة، ولم يكن [له] (¬5) إلى العبد سبيل بعد الخدمة، وإذا خدم عبده رجلاً فجنى العبدُ جنايةً، فإن افتكه الولى ثبت على خدمته، وإلا قيل للمخدم: افتكه، فإن فعل رجع بذلك على السيد، فإن دفع ما افتكه به أخذه، وإلا لم يكن إليه سبيل، والكل لا يستحق إلا خدمة معلومة. الفرق [بينهما] (¬6) أن الموصى بخدمته لرجلٍ وبرقبته لآخر لا يدخل في ملك الوصى له بالرقبة إلا بعد استيفاء الخدمة، فإذا دفع المخدم جناية لم يرجع بها عليه؛ لأن وقت دخولها في ملكه ليس تتعلقُ به جنايةٌ، وليس كذلك العبد الخدم في حياة (¬7) السيد لأن الجناية التي جناها في ملك السيد فلزمه دفُعها إن ¬

_ (¬1) زيادة من ر. (¬2) زيادة من ر. (¬3) الفرق في: ر 61 ب. وانظر: عدة البروق: 582، رقم 894. (¬4) زيادة من ر. (¬5) زيادة من ر. (¬6) زيادة من ر. (¬7) في الأصل: جناية، والمثبت من ر.

100

أراد العبد (¬1) , وهذا على القول بأن نفقة الموصى بخدمته وبرقبته تكون على صاحب الخدمة (¬2). 100 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬3): تجوز الوصية للصديق الملاطف، ولا يجوز الإقرار له بالدين، وفي كلا الموضعين هو إخراجُ مالٍ عن الورثة. الفرق بينهما: أن الميت غيرُ متهم في الوصية للصديق الملاطف؛ لأنها تخرجُ من الثلث، والثلث له التصرف فيه، ولا فرق بين الصديق وغيره، لأن التهمة لا تتوجه إليه في ذلك، والإقرار بالدين المظنةُ متوجهة إليه في ذلك أن يكون أراد الاضرار بالورثة؛ لأنه يخرج من رأس المال فلم يجز (¬4). 101 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬5): الوصية لغير الأمين غير جائزة، والوديعة عند غير الأمين جائزةٌ، والمراد في الوجهين الحفظُ. الفرق بينهما: أن الوصية الحقُ للورثةِ فيها دون الموصي، فلم تجز إلى غير الأمين، لأن كل مالٍ لغير من هو في يده ليس [له] (¬6) دفعهُ إلى غير أمين إلا في الموضع الذي يجوز له دفعها، والوديعة الحق فيها للمودع، فكان له دفعها إلى من شاء، فافترقا (¬7). 102 - فرق بين مسألتين: قال مالك: لا يقبلُ قولُ وصى في دفع مال اليتيم بلا إشهاد، ويقبل قوله في النفقة، وفي الجميع هو مدع لإخراج مال عن ذمته. ¬

_ (¬1) في الأصل: إلى أن أخذه، والمثبت من ر. (¬2) الفرق في: ر: 61 ب. وانظر عدة البروق 659، رقم 1009. (¬3) المدونة: 4/ 294. (¬4) الفرق: في: ر 62 أ - 62 ب. وانظر عدة البروق: 650، رقم 1010. (¬5) المدونة: 15/ 18. (¬6) زيادة من ر. (¬7) الفرق في: ر 62 ب - 63 أ. وانظر: عدة البروق: 654، رقم 1020.

103

الفرق بينهما: أن النفقة لا يمكنه الإشهاد عليها؛ لأنه لو كلف ذلك لأضر به، فيقبل قوله فيه من غير شهود، والدفع يمكنُ الإشهاد عليه فلا مضرة تلحقهُ بخلاف النفقة. 103 - فرق بين مسألتين: إذا أمضى الحاكمُ قضية بشهادة شهودٍ، ثم بان أن الشهود عبيدٌ غرم ما أتلف بقضيته، وإذا بان أنهم من غير أهلِ العدالة لم يكن عليه غرمٌ وفي كلا الموضعين فقد تبين أن إمضاء الحاكم بتلك الشهادة لا يجوزُ، إذ الكلُ غير عدول. الفرق بينهما: أن أمر العدالة يخفى، وإنما يُتوصل إليه بالاجتهاد على ظاهر الأمر، فإذا شهد عنده من رأى أفم عدولٌ لم يلزمه غرمٌ إن ظهر أنهم بخلاف ذلك، والعبودية أمرٌ ظاهر لا تكاد تخفى، فإذا حكم بشهادتهم (¬1) فقد فرط، لأنه لو اجتهد لكان خلاف ذلك، فلزمه الغرمُ لتضييعه الاجتهاد، وأيضًا فإن العدالة والتجريح طريقهما الاجتهاد [فإذا اجتهد في عدالتهم، ثم تبين له غير ذلك، فإنما يتبين له ذلك بالاجتهاد] (¬2) مثل الأول، فلم يكن أحدُ الاجتهادين بأولى من الآخر، [وليس كذلك الرق] (¬3)؛ لأنه يوصل إليه من غير طريق الاجتهاد؛ لأنه أمر معلومٌ، فإذا حكم به، ثم تبين له خلاف ذلك، فقد توصل إلى نقض الأول (¬4) بأمر ظاهر، فكان أولى بالغرم من الأول (¬5). ¬

_ (¬1) في الأصل: بشهادة: والمثبت من ر والمقصود: بشهادة عبيد. (¬2) زيادة من ر. (¬3) زيادة من ر. (¬4) في الأصل عبارة مضطربة والثبت من ر. (¬5) الفرق في: ر: 62 ب.

104

104 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬1): لا يجوز للمودع إيداع الوديعة عند غيره (¬2) إلا لعذر، ويجوز له إيداع اللقطة من غير عذر إذا كان [في] (¬3) مثل أمانته، والكل مال الغير. الفرق بينهما: أن المودع إذا رضي بالمودع فدفع إليه ماله واختار أن يكون عنده لغرض له، فلم يكن له أن يدفعه هو إلى غيره إلا من ضرورة، وكان له ذلك في اللقطة، وإن لم يختر صاحبها ولم يرض، إذ الغرضُ منها الحفظُ، فكان له أن يدفعها إلى غيره إذا كان مثله في الأمانة، وأيضًا فإن المودع قبضها لتكون عنده ورضي بذلك، فلم يكن له أن يغير ما قبله في الأول إلا بأمر يضطره إليه، واللقطة لم يقبضها بشرط كونها عنده؛ لأنه يأخذها ليعرفها ويحفظها فكان ذلك لغيره، فافترقا (¬4). 105 - فرق بين مسألتين: قال مالك: إذا ادعى المبتاع الأجل في البيوع لم يقبل قوله، وإذا ادعى المقرض الأجل وأنكره المقترض، كان القول قول المقرض، [وفي كلا الموضعين الإمضاء في الأجل موجود] (¬5). الفرق بينهما: أن البيوع موضوعها على المناجزة، فإذا ادعى المبتاع الأجل كان مدعيًا [خلاف ما وضعت البيوع عليه] (¬6)، وكان القول قول البائع لقوله ¬

_ (¬1) المدونة: 15/ 114. مط السعادة. (¬2) في الأصل عبارة مضطربة، والمثبت من ر. (¬3) زيادة من ر. (¬4) الفرق في: ر 62 ب - 63 أ. انظر: عدة البروق 664، رقم 1046. (¬5) زيادة من ر. (¬6) زيادة من ر.

106

المتعارف (¬1)، [أما القرض فموضوع على التأجيل] والمقترض مدع خلاف موضوعه، فلذلك لم يكن القول قوله، فافترقا (¬2). 106 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬3): إذا خلَّل خمرا جاز [له] (¬4) أكلها، وإذا وطئ حائضًا في حال الحيض لم تحل بذلك للأزواج، والكل محظور يوصل إلى مباح. الفرق بينهما: أن العلة في تحريم الخمر [الشدة] (¬5) المضرة، فإذا ارتفعت ارتفع الحكم بارتفاعها (¬6)، سواء كان ارتفاعها محظورًا أو مباحاً، لأن الحكم لا يصح بقاؤه مع ارتفاع علته إلا باختلاق علة أخرى، وليس ها هنا علة أخرى فوجب ارتفاع الحكم، والعلة في [إباحة] (¬7) المرأة أن توطأ وطئًا صحيحًا مباحًا، فمتى وجد وجد الحكم، وإذا لم يوجد لم يوجد الحكم، والوطء في الحيض غير مباح، بل هو محظور (¬8)، فلم يوجد الحكم، فلم توجد على التحليل، وبيان المسألة الثانية من الأولى (¬9) أن لو كانت العلة في الإباحة الوطء فقط كالشدة المضرة في الخمر فكان (¬10) متى وجدت وجد الحكم، كما إذا ¬

_ (¬1) في الأصل عبارة مضطربة. (¬2) الفرق في: ر 64 أ. (¬3) المدونة: 16/ 64. مط السعادة. (¬4) زيادة من ر. (¬5) هذه الكلمة غير مقروءة في الأصل، وفي ر: الشربة، وما اقترحناه مناسب للسياق. (¬6) العبارة محرفة في الأصل، والمثبت من ر. (¬7) زيادة من ر. (¬8) في الأصل: بل إلى محظور. والمثبت من ر. (¬9) في الأصل: عبارة مضطربة، والمثبت، من ر. (¬10) كذا في النسخ ولعل الصواب: لكان

107

ارتفعت الشدةُ ارتفع الحكمُ وإنما العلةُ معئ زائد على الوطء، وهو كونه مباحًا، فمتى لم يوجد ذلك لم يوجد الحكم، فافترقا (¬1). 107 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬2): إذا تصادم مركبان في جريهما [فلا شئ] (¬3) على أهلهما إذا غرقا، بخلاف الفارسين إذا تصادما فماتا، فعلى عاقلة كل منهما دية الآخر، وفي كلا الموضعين فقد وجد تلف أحدهما من قبل صاحبه من غير تعد (¬4). الفرق بينهما: أن في المركبين لا صنع لأهلهما في ذلك؛ لأنه أمر لا يمكنهم دفعه، وهو الريح؛ لأنها غالبة، ولا يمكن دفعها في بعض الأحوال، فلم يلزم فيه شيء (¬5)، وليس كذلك الفارسان، فدية كل واحد منهما على عاقلة صاحبه من غير عمد (¬6)؛ لأنه يمكن كل واحد منهما أن يمسك عن صاحبه ويتأخر عنه (¬7) فوجبت الدية (¬8). 108 - فرق بين مسألتين: قال ابن القاسم (¬9): لا يجوز بدل دنانير مسكوكة بتبر أجود منها، ويجوز السمراء بالمحمولة والمحمولة بسمراء أجود منها، والفضل موجود في أحدهما. ¬

_ (¬1) الفرق في: ر 63 أ. (¬2) المدونة: 16/ 246. مط السعادة. (¬3) زيادة من ر. (¬4) في الأصل: من غير عمد، والمثبت من ر. (¬5) المثبت من ر: وفي الأصل عبارة أوجز تؤدي المعنى نفسه. (¬6) كذا في الأصل، وهذه العبارة ساقطة من ر - ولعل الصواب: لأنه قتل من غير عمد. (¬7) في الأصل: المسك عن صاحبه والتأخر عنه من ناحيته ومراده، والمثبت من: ر. (¬8) الفرق في: ر 64 ب - 65 أ. وانظر: عدة البروق 629، رقم 972. (¬9) المدونة: 8/ 137 - 138 مط السعادة.

109

الفرق بينهما: أن الدنانير المسكوكة فيها صناعةُ غير الذهب مرغوب فيها، ويتنافس الناس فيها إذا أبدلها بتبر أجود منها ذهباً أدركته التهمة في ذلك، وهو أن يكون صاحب العين رضي بطرح السكة لأخذه أجود من ذهبه، ورضي صاحب التبر بطرح جودة ذهبه لأخذه السكة التي هي أنفق من تبره فيحصل ذهب بذهب أكثر منه فلم يجز، وليس كذلك المحمولة والسمراء، لأن ارتفاع أحدهما ليس لمعنى اتهم فيه، إذ الكل طعام، ولأن الفضل من جهة، والذهب من جهتين (¬1). هذا قول أصحابنا، وفيه نظر (¬2). 109 - فرق بين مسألتين: قال مالك: - بحوز أن يحج عن غيره من لم يحج عن نفسه (¬3)، ولا - يجوز طواف من لم يطف عن نفسه أن يطوف عن غيره، وفي كلا الموضعين هو فعل عن غيره. الفرق بينهما: أن الطواف قد أخذ شبها من الصلاة لأنه لا يجوز إلا بوضوء، بخلاف سائر أفعال الحج [فما كان مختصاً بذلك من سائر أفعال الحج جاز أن يختص بهذا المعنى، بخلاف الحج] (¬4) عن الغير، ولأن الطواف أمره (¬5) ¬

_ (¬1) في الأصل: في جهتان، والمثبت من: ر، ص. (¬2) الفرق في: ر 65 ب. (¬3) قال ابن القاسم: أحب إفي إذا أوصى أن ينفذ ما أوصى به، ولا يستأجر له إلا من قد حج، وكذلك سمعت أنا منه (أي مالك)، وإن جهلوا وأستأجروا من لم يحج أجزأ ذلك عنه، (المدونة: 2/ 251 مط السعادة). وقد قال القاضي عبد الوهاب: يكره أن يحج عن غيره قبل أن يحج عن نفسه، (إرشاد السالك إلى أفعال المناسك: 2/ 512). (¬4) زيادة من ر. (¬5) في الأصل: أقره، وهو تصحيف.

110

يسهل ويقرب، فلم تجز فيه النيابة عن غيره قبل أن يفعله عن نفسه، والحج [أمره] (¬1) يطول ويشق فجاز ذلك (¬2). 110 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬3): إذا اختلطت هدايا رُفقةٍ ونحر كل واحد هدي صاحبه أجزأ ذلك عن صاحبه، وإذا اختلطت ضحايا رفقة فذبح كلُ واحدٍ ضحية صاحبه لم يجز (¬4)، والكل ذبح. الفرق بينهما: أن الهدي وجب بالتقليد (¬5) والإشعار (¬6) فأجزأ ذلك عن صاحبه، والأضحية لا تجب إلا بالذبح، فلم يجز أن يذبحها أو ينحرها عن صاحبه؛ لأنه يحتاج أن يقصد بها القرية حين الوجوب. وأيضاً فإنه لو شاء بدلها كان ذلك له، ولا يجوز ذلك في الهدي بعد التقليد، وفي الضحية خلافٌ (¬7). 111 - فرق بين مسألتين: الأفضل في الهدايا الإبل، وفي الضحايا الغنمُ، والكل قربةٌ. ¬

_ (¬1) في النسخ المعتمدة: فأمره. (¬2) الفرق في: ر 38 أ. (¬3) المدونة: 1/ 365. (¬4) انظر: إرشاد السالك إلى أفعال المناسك: 2/ 483. (¬5) التقليد: تعليق نعل في عنق الهدي، واستحب مالك التقليد بنعلين، فإن لم يجدهما قلد بشيء مما تنبته الأرض. (إرشاد السالك: 2/ 473). وفي أصل التقليد: انظر حديث أبي هريرة في صحيح البخاري، كتاب الحج، باب تقليد النعل. (¬6) الإشعار: أن تشق في سنام الهندي الأيسر بسكين أو بمبضع. (إرشاد السالك: 2/ 474). (¬7) الفرق في: ر 65 ب. وانظر عدة البروق، ص 197، رقم 232.

112

الفرق بينهما: أن المقصود من الهدايا كثرة اللحم، وكلما كان أكثر كان أفضل، والمقصود من الأضاحي طيبُ اللحم ورطوبته، فكل ما كان كذلك كان أفضل، وذلك [موجود] (¬1) في الغنم. هذا قول القاضي في مجالسه (¬2). 112 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬3): الأفضل [الصوم] (¬4) في السفر، والأفضل قصر الصلاة في السفر، وكلاهما رخصة في عبادة. الفرق بينهما: أن العبادة إذا ذهب وقتها أديت قضاء، وإذا أديت في الوقت كانت أداء، والأداء أفضل من القضاء، ووقت الصوم هو الشهر، فإذا أخذ بالرخصة فيه حصل أن يؤديه قضاء، ومراعاة الأداء أولى من مراعاة الأخذ بالرخصة، وليس كذلك الصلاة؛ لأنه قد اجتمع فيها الأمران، الأداء والأخذ بالرخصة؛ لأنها في الوقت يؤتى بها، فكان (¬5) مندوباً إلى ذلك فافترقا (¬6). 113 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬7): الدين مسقط لزكاة العين وغير مسقط لزكاة المعدن، وكلاهما عين (¬8)، والنصاب واحد؛ فما الفرق وأهلها مؤتمنون عليها؟ الفرق بينهما: أن المعدن قد أخذ شبها من الزرع؛ لأنه نبات. فإن قيل: المعدن قد أخذ شبها بالزرع كما قلت، وأخذ شبها بالعين كما ذكرت، فلم ¬

_ (¬1) زيادة من ر. (¬2) الفرق في: ر 55 ب. وانظر عدة البروق، ص 197، رقم 233. (¬3) المدونة: 2/ 201. مط السعادة. (¬4) زيادة من ر. (¬5) في الأصل: فكان فيه مندوب. (¬6) الفرق في: ر 47 ب. وانظر عدة البروق 164، رقم 154. (¬7) المدونة: 1/ 247. (¬8) في الأصل: حكم، هو خطأ، والمثبت من ر.

114

يرجحُ أحد الشبيهين (¬1) على الآخر بإيجاب الزكاة؟ قيل له: لما أخذ شبها بالزرع أوجبنا فيه الزكاة، لأن في ذلك احتياطا للمساكين، وأيضاً فإن تشبيهه بالزرع أقوى من تشبيهه بالعين؛ لأنه يستفاد كاستفادته، فلهذا رجحنا أحد الشبيهين (¬2). 114 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬3): لا زكاة في الدين حتى يقبض فيزكى سنة واحدة، وقال في القراض: إن رب المال يزكيه إذا قبضه لما مضى من السنين. الفرق بينهما: أن الدين مشتغل به ذمة المديان، وليس على ذمة ربه زكاة، وليس كذلك في القراض، إذ (¬4) المال باق على ملك ربه دون ذمة العامل، ألا ترى أنه إذا تلف لا ضمان على العامل والضمان على المديان (¬5). 115 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬6): إذا ورث غنماً تعلقت الزكاة [بها] (¬7) من يوم ورثها وإذا ورث عيناً تعلقت الزكاةُ بها من يوم يقبضها أو يقبضها وكيلهُ، والكل يزكى [ما] (¬8) ورث عن الغير. الفرق بينهما: أن زكاة الماشية [إلى الامام] (¬9) أخذها، وليس كذلك العينُ، لأنها موكلة إلى أمانة ربها، وأيضاً فإن الماشية لا يسقط الدين زكاتها، فلم يكن لعلمه بكونها على ملكه فائدةٌ في تعلق الزكاة بها، والدين يسقط زكاة العين، ¬

_ (¬1) في الأصل: التشبيهين، والمثبت من ر. (¬2) الفرق في: ر 38 أ. وانظر عدة البروق 142، رقم 110. (¬3) المدونة: 2/ 19. مط السعادة. (¬4) في الأصل: إذا. وفي ر: لأن. (¬5) الفرق في: ر 38 ب - 39 أ. (¬6) المدونة: 2/ 86 - 87. (¬7) زيادة من ر. (¬8) اقترحناها لأن السياق يقتضيها. (¬9) زيادة من ر.

116

فلو جعلنا حولها من يوم ورثها لكان ذلك إبطالاً لقولنا: إن الدين يسقط زكاة العين؛ لأنه يجوز أن يكون عليه دينٌ، فلا تجب عليه، فافترقا (¬1). 116 - فرق بين مسألتين: يجوز إعطاءُ القاتل خطأ من الصدقة، إذا كان عديماً، ولا يعطى في قتل العمد إذا قُبلت منه الدية، والجميع ديةٌ وجبت. الفرق بينهما: أن قتل العمد معصيةٌ، فلا ينبغي أن يعان بالصدفة في ذلك، لأن الغارم إنما يستحق جزءًا من الصدقة إذا كان دينه عن غير معصية، وليس كذلك قتل الخطأ إذ ليس هو بمعصية، فجاز إعطاؤه من الصدقة إذا كان خطأ (¬2). 117 - فرق بين مسألتين: لا قصاص على من قطع شيئاً من أطراف الميت، وإن زق بميتة حُد، والجميع حد. الفرق بينهما: أن حد الزنى إنما يجب بوجوب فعل الزاني، وهو انتهاك فرج محرم، وذلك موجود في الميتة كوجوده في الحية، وليس كذلك القصاص؛ لأنه متعلق بإتلاف المنافع، فإذا وجد تلف المنفعة وجب، وإن لم يوجد لم يجب، والميت قد عدمت المنفعة [في أعضائه]. ألا ترى أنه لو قطعت اليد الشلاء، وكذلك العين العوراء لا قصاص عليه؛ لأنه قد ذهب المنفعة منه، فكذلك الميت (¬3). وقد قال بعض أصحابنا: حد الزق حقُ الله تعالى يجب قيامه، والقصاصُ لآدمى يفتقر إلى مطالب، وألميتُ لا يصحُ منه المطالبةُ، فلم يجب، وهذا الفرقُ فيه نظر، لأن الورثة يقومون بذلك، والأصحُ ما قدمناه (¬4). ¬

_ (¬1) الفرق في: ر 39 أ. (¬2) الفرق في ر: 38 أ - 38 ب. وانظر عدة البروق: 146، رقم 119. (¬3) انظر عدة البروق: 672، رقم 1059. (¬4) الفرق في: رأ 3 أ.

118

118 - فرق بين مسألتين: قال ابن القاسم (¬1): يُحكى الأذانُ في النافلة دون الفريضة، وكلاهما صلاة. الفرق بينهما: أن النافلة أنقص رتبة من الفريضة، فجاز فيها ما لم يجز في الفريضة، هذا قول أصحابنا، ويمكن أن يقال: إن حكاية الأذان فضيلة، والنافلة فضيلة، فجاز دخول أحدهما على الآخر، وليس كذلك صلاة الفرض، لأن الانتقال من فرض إلى فضيلة لا يصح إذ الاشتغال (¬2) بالفرض أولى (¬3). 119 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬4): إذا اجتهد فصلى قبل الوقت فعليه الإعادة أبدا، وإذا اجتهد في القبلة فصلى إلى غيرها فلا إعادة عليه إلا في الوقت، والجميع شرط في صحة الصلاة. الفرق بينهما: أن الوقت معلوم مشاهد من غير اجتهاد؛ لأنه يتوصل إلى علم ذلك بطريق الشاهدة (¬5)، فإذا اجتهد فصلى قبله لم يجزه، وليس كذلك القبلة فإن طريق العلم بها الاجتهاد، فإذا اجتهد فقد فعل ما لزمه فأجزأه، وأيضاً فإن علمه بأنه صلى إلى غير القبلة باجتهاد أيضاً، فلم يكن هذا الاجتهاد أولى مما تقدم (¬6). ¬

_ (¬1) المدونة: 1/ 63. (¬2) في الأصل: الانتقال، وهو تصحيف. (¬3) الفرق في: ر 31 أ. وانظر عدة البروق 108، رقم 44. (¬4) المدونة: 1/ 92. (¬5) في الأصل: الاجتهاد، والمثبت من: ر. (¬6) الفرق في: ر 31 أ - 31 ب. وانظر عدة البروق 105، رقم 40.

120

120 - فرق بين مسألتين: قال ابن القاسم (¬1): إذا تكلم عمداً بطلت صلاته، وإذا تكلم سهواً لم تبطل، وإذا أحدث بطلت (¬2) صلاتهُ على كل وجه، سواء كان عمداً أو سهواً، فساوى بين حكم العمد، وفرق بين حكم السهو، والكل في الصلاة (¬3). الفرق بينهما: أن الكلام غيرُ منافِ للصلاة إذ هو أحد أركانها، فافترق حكم سهوه وعمده، والحدثُ منافٍ للصلاة فأفسدها على أي وجه كان، فلهذا افترقا (¬4). هذا قول القاضي في التدريس. 121 - فرق بين مسألتين: لا تنوبُ سُنن الصلاة عن فرضها، وتنوب سُنن الحج عن فرضه، . وكلاهما عبادة على البدن وسنةٌ نائبةٌ عن فرض. ¬

_ (¬1) المدونة: 1/ 104 - 105، مط السعادة. (¬2) في الأصل: لم تبطل، ومو خطأ، والمثبت من ر. (¬3) في الأصل: عبارة مضطربة، وما أثبتناه من ر. (¬4) الفرق في: ر 31 ب. وانظر عدة البروق 115، رقم 53.

122

الفرق بينهما: أن الحج فيه مشقةٌ شديد [ة] (¬1)، ومتى [كلف] (¬2) أن يأتي بالفرض لحقه التعبُ وكلفةٌ؛ لأنه ربما قد رجع إلى بلده أو ذكر ذلك في الطريق، فجعلت سنته تنوب عن فرضه لما فيه من الكلفة، وعظم المئونة، وليس كذلك الصلاة؛ لأنه لا مشقة في الإتيان بالفرض، فافترقا (¬3). 122 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬4): إذأ زال دم الحيض وعدمت الماء تيممت وصلت، ولا يجوز لزوجها مسُها بالتيمم، والحيض مانع لجميع ذلك. الفرق بينهما: أن التيمم طهارة [ضرورية (¬5) فجوزت لاستباحة الصلاة فقط احتياطاً لها؛ لأنها] (¬6) تفوت، وأيضاً فإن ملاقاة الختانين ينقض التيمم وتعود إلى حالتها الأولى، فلم يجز أن يُستباح (¬7) الوطء بالتيمم، فافترقا (¬8). 123 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬9): إذا انقطع دمُ الحيضِ صح صومها، ولا تخاطب بالصلاة إلا بعد اغتسالها، وكلاهما عبادة على البدن. الفرق بينهما: أن الصلاة لا تجب إلا بعد الاغتسال، فلم يتوجه الخطابُ إلا وقت صحة أدائها (¬10)، والصوم غيرُ مفتقر إلى ذلك، ألا ترى أن صوم الجنب ¬

_ (¬1) زيادة من ر. (¬2) زيادة من ر. (¬3) الفرق في: رأ 3 ب - 32 أ. (¬4) المدونة: 1/ 53. (¬5) في عدة البروق: ضرورة. (¬6) زيادة من ر. (¬7) في الأصل: يستبيح، والمثبت من ر. (¬8) الفرق في: ر 33 أ. انظر عدة البروق 102 - 103، رقم 36. (¬9) المدونة: 1/ 207. مط السعادة. (¬10) في الأصل: أدائه، والمثبت من: ر.

124

صحيح، وأيضاً فإن الخطاب بالصوم متوجهٌ إليها في حال الحيض، وإنما مُنعت منه لأجل الدم، فإذا زال المانعُ صح الصومُ، وليس كذلك الصلاةُ؛ لأنها غير مخاطبة بها في حال الحيض (¬1). 124 - فرق بين مسألتين: قال مالك (¬2): يمسح على الخفين [إذا لبسهما بعد كمال] (¬3) الطهارة بالماء لا بالتراب، والجميع طهارة تُستباح بها الصلاة. الفرق بينهما: أن التيمم طهارةٌ ضروريةٌ تُستباح بما الصلاة ولا ترفع الحدث، فلم يجز أن يمسح عليهما؛ لأنه برؤيته الماء يلزمه غسلُ رجليه، وليس كذلك الطهارةُ بالماء (¬4). 125 - فرق بين مسألتين: لا (¬5) يجوز تفريق النية على أعضاء الوضوء عند بعض أصحابنا (¬6)، ويجوز ذلك في الزكاة، وكلاهما عبادة. الفرق بينهما: أن الوضوء عبادة [يرتبط بعضها ببعض يفسد أولها بفساد اخرها، والزكاة غير] (¬7) مرتبطة بعضها ببعض، [نه] (¬8) لا يفسد أولها بفساد اخرها. وأيضاً فإن الزكاة يصحُ أن يؤديها مجتمعة ومفترقة، والنيةُ تصحب ما ¬

_ (¬1) الفرق في ر: 23 ب. (¬2) المدونة: 1/ 45. (¬3) زيادة من ر. (¬4) الفرق في: ر 34 أ. وانظر عدة البروق 98، رقم 30. (¬5) في الأصل: قال مالك: وفي ط: قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب رحمه الله، والمثبت من ر. (¬6) في هذه المسألة قولان؛ وظاهر المدونة عدم الصحة. وترجع هذه المسألة إلى قاعدة: (كل عضو غسل يرتفع حدثه أولا إلا بالكمال والفراغ). انظر: (الونشريسي: إيضاح المسالك: 180، القاعدة: 17 - المواق والحطاب على خليل: 1/ 239). (¬7) زيادة من ر. (¬8) زيادة من ر.

126

يؤدى على حسب إرادته (¬1)، والوضوء لا يجوز أن يؤتى به مفترقاً تفريقاً كثيراً فافترقا (¬2). 126 - فرق بين مسألتين: يجوز تفريقُ النية على أعضاء الوضوء عند بعض أصحابنا، ولا يجوز تفريقُ النية على أركان الصلاة، وكلاهما عبادة تبطل بالحدث. الفرق بينهما: أن الوضوء يجوز أن يتخلله ما ليس من جنسه، ولا يفسده التفريق اليسيرُ، فجاز تفريقُ النية على أركانه، وليس كذلك الصلاة؛ لأنه لا يجوز أن يتخللها ما ليس من جنسها، ولا يجوزُ تفريقها (¬3) اليسير، فلم يجز تفريق النية على أركانها (¬4). 127 - فرق بين مسألتين: قال سحنون (¬5) في المرأة الجنب تحيض ثم تطهر ثم تغتسل للحيض دون الجنابة أو الجنابة دون الحيض، فقال: إن نوت الحيض أجزأها، وإن نوت الجنابة لم يجزها، والجميع يوجب الغسل. الفرق بينهما: أن الحيض يمنع أشياء لا تمنعها الجنابة، من ذلك الوطء ووجوب الصلاة والصيام وغير ذلك، فكان حكمه أعلى (¬6) من حكم الجنابة، فإذا اغتسلت له أجزأها عن الجميع، لأن الأضعف يدخل في الأقوى، ¬

_ (¬1) ر: أدائه. (¬2) الفرق في: ر 35 أ، وفي ط: 1 ب. (¬3) في الأصل: تفريق، والمثبت من ر. (¬4) الفرق في: ر 35 أ، وفي ط: 1 ب، انظر عدة البروق 86، رقم 14. (¬5) أبو سعيد عبد السلام سحنون بن سعيد التنوخي، ولد سنة 160 هـ، أخذ العلم بالقيروان من مشائخها، ثم رحل إلى مصر فأخذ عن ابن القاسم وابن وهب وأشهب، رتب المدونة، تولى القضاء. توفي سنة 240 هـ، له ترجمة في ترتيب المدارك 4/ 45 - 88، والديباج ص 160 - 161. (¬6) ر: أغلظ، ط: أعظم.

128

كالحدث الأدنى مع الحدث الأعلى، وإذا اغتسلت للجنابة لم يجزها؛ لأنه لا يدخل الأعلى في الأدنى، وفي هذه المسألة اختلاف (¬1). انظر لو فرق بغير هذا، فقال: إن الحيض نظر على الجنابة، ولا ينظر الجنابة على الحيض، فعلى أكثر الأحوال (¬2)، فلهذا كانت أقوى (¬3). 128 - فرق بين مسألتين (¬4): إن النجاسة تزول بلا نية، والوضوء لا بد فيه من نية، وكلاهما طهارةٌ بالماء. الفرق بينهما: أن إزالة النجاسة إنما توجه إلى تركها، وما طريقته الترك لم يفتقر إلى نية، يبينُ ذلك ترك الصلاة، والوضوء إنما توجه الأمرُ [فيه] إلى إيجاب فعل، وما طريقه إيجابُ الأفعال يفتقر إلى النية، يبين ذلك الصلاة وسائرُ العبادات. * * * * * ¬

_ (¬1) في ط: 2 أ: هذه الزيادة: (اختلاف بين أخواننا من غير إيجاب والذي عليه العمل أن غسل الجنابة يجزئ في الحيض، كما يجزي غسل الحيض من الجنابة، وهو قول مالك ومذهبه في المدونة). (¬2) هذا الفرق الأخير لا يوجد في النسخ مجهولة المؤلف. (¬3) كذا وردت العبارة في الأصل. (¬4) هذا الفرق في: ر 35 ب، وفي ط 2 أ.

الخاتمة

الخاتمة كمل (¬1) جميع التأليف بحمد الله تعالى وحسن عونه، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الكريم، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً. وكان الفراغ من نسخه يوم السبت من شعبان الأكرم سنة 1299 على يد كاتبه العبد القر بالعجز والتقصير، الراجي لطف ربه الخبير، عبده وأقل عبيده المتوكل على فضل مولاه اللطيف صالح بن محمد بو غربال العسكري الشريف، لطف الله به، وغفر له ولوالديه ولمشائخه ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. أودعت هنا شهادة أن لا إله إلا الله، واشهد أن سيدنا ومولانا محمدًا رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين آمين. ¬

_ (¬1) من هنا إلى آخر الكتاب من الأصل، ولا يوجد في النسخ الأخرى. والخاتمة في ط: وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً كثيرا، تمت الفرق (كذا) بحمد الله تعالى وعونه وتوفيقه، على يد العبد الفقير إلى الله تعالى الراجى عفو ربه وغفرانه، الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى المغربي الموحد المالكي المذهب غفر الله ولوالديه ولجميع المسلمين، وكان الفراغ من تعليقه ثاني عشر من شوال سنة ....... والحمد لله رب العالمين وحسبنا الله ونعم الوكيل.

المصادر والمراجع

المصادر والمراجع المستعلمة في الدراسة والتحقيق - أ - اختصار الفروق، لابن عبد السلام محمد الربعي التونسي - مخط دار الكتب الوطنية بتونس: 14946. إرشاد السالك إلى أفعال المناسك، لابن فرحون برهان الدين إبراهيم اليعمري - تحقيق محمد أبو الأجفان - بيت الحكمة، تونس: 1989. أزهار الرياض، للمقري أبي العباس أحمد التلمساني - صندوق إحياء التراث، الرباط: 1978. الأشباه والنظائر، لابن نجيم زين الدين إبراهيم الحنفي، تحقيق محمد مطيع الحافظ - دار الفكر، دمشق: 1983. الاستغناء في الفرق والاستثناء، للبكري بدر الدين محمد بن أبي بكر المصري - تحقيق سعود الثبيتي - مركز إحياء التراث الإسلامي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة: 1988. الأشباه والنظائر، للسيوطي جلال الدين عبد الرحمن - دار الكتب العلمية، بيروت: 1983. أصول الفتيا في المذهب المالكي، لابن حارث محمد بن أسد الخشني - تحقيق محمد المجدوب ومحمد أبو الأجفان وعثمان بطيخ - الدار العربية للكتاب، تونس: 1985.

ب

الأعلام (قاموس تراجم) للزركلي خير الدين - مصر. الإمام الشيرازي: حياته وآثاره - لهيتو محمد حسن - دار الفكر، دمشق: 1980. الانتقاء في فضائل الأئمة الثلائة الفقهاء، لابن عبد البر أبي عمر يوسف النمري القرطي - دار الكتب العلمية، بيروت. أنوار البروق في أنواء الفروق - للقرافي أبي العباس أحمد - دار إحياء الكتب العربية، مصر 1344. إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك، للونشريسي أبي العباس أحمد - تحقيق: أحمد الخطابي - صندوق إحياء التراث الإسلامي، الرباك: 1980. - ب - بدائع الصنائع - للكاساني علاء الدين أبي بكر - دار الكتب العربي، بيروت 1974. البداية والنهاية، لابن كثير عماد الدين أبي الفداء إسماعيل - مكتبة المعارف، بيروت، مكتبة النصر الرياض: 1966 - 1967. بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة - للسيوطى جلال الدين عبد الرحمن - تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم - عيسى البابي الحلبي، مصر: 1964. البهجة في شرح التحفة - للتسولي علي بن عبد السلام - مطبعة الشرق - مصر: 1344 هـ. البيان والتحصيل، لابن رشد أبي الوليد محمد بن أحمد القرطبي - تحقيق جماعة من علماء المغرب، دار الغرب الإسلامي، بيروت: 1984.

ت

- ت - التاج والإكليل لمختصر خليل، للمواق أبي عبد الله محمد بن يوسف العبدري الغرناطي - السعادة - مصر: 1328. تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي - دار الفكر، بيروت. التحرير - لابن بشير أبي الطاهر إبراهيم بن عبد الصمد المهدوي - مخط مكتبة ابن عاشور، المرسى. تذكرة الحفاظ، للذهبي شمس الدين محمد - حيدر أباد الدكن: 1333 - 1334 هـ. تراجم المؤلفين التونسيين - لمحفوظ محمد - دار الغرب الإسلامي، بيروت: 1982. ترتيب القاموس المحيط، للزاوي الطاهر أحمد - الدار العربية للكتاب - ط 3 - 1880. ترتيب المدارك وتقريب المسالك، للقاضي عياض أبي الفضل موسى السبتي - وزارة الأوقاف، المغرب. التفريع، لابن الجلاب أبي القاسم عبيد الله - تحقيق حسين الدهماني= دار الغرب الإسلامي، بيروت 1987. تهذيب الفروق، للبقوري أبي عبد الله محمد بن إبراهيم - مخط دار الكتب الوطنية بتونس: 21186 و 14982.

ث

تهذيب الفروق والقواعد السنية، لابن حسين محمد علي - بهامش فروق القرافي - دار إحياء الكتب، مصر 1344. - ث - ثبت البلوي، أبىِ جعفر أحمد الوادي آشي - تحقيق عبد الله العمراني - دار الغرب الإسلامي، بيروت 1983. - ج - جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الملوك والعلماء مدينة فاس - لابن القاضي أبي العباس أحمد - دار المنصور، الرباط 1973. - ح - حاشية على الشرح الصغير على أقرب المسالك - للصاوي أحمد بن محمد، طبعت مع الشرح الصغير - دار المعارف مصر 1974. حاشية على كفاية الطالب الرباني، للعدوي على الصعيدي - تحقيق أحمد حمدي إمام - مطبعة المدني، مصر 1987. حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، للسيوطي جلال الدين عبد الرحمن، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم - دار إحياء الكتب العربية، مصر. - د - الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، لابن فرحون برهان الدين إبراهيم اليعمري المدني، تحقيق محمد الأحمدي أبو النور - دار التراث، القاهرة.

س

- س - سير أعلام النبلاء، للذهبي - تحقيق بإشراف شعيب الأرناؤوط - مؤسسة الرسالة 1406 - 1986. - ش - شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، لمخلوف محمد بن محمد - المطبعة السلفية ومكتبتها - القاهرة: 1349. شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد أبي الفلاح عبد الحي - المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت. شرح التلقين، للإمام المازري أبي عبد الله محمد - مخط دار الكتب الوطنية، تونس: 6547. الشرح الصغير، للدردير أحمد - دار العارف، مصر 1974. شرح الموطأ، للزرقاني محمد بن عبد الباقي، ط عبد الحميد الحنفي - مصر. - ص - الصحاح، للجوهري إسماعيل بن حمادة - تحقيق أحمد عبد الغفور عطار - دار الكتاب العربي، مصر 1376 هـ = 1956 م. صحيح مسلم بشرح النووي - نشره محمود توفيق الكتبي - مطبعة حجازي - القاهرة: 1349. - ط - طبقات الفقهاء، للشيرازي أبي إسحاق الشافعي، تحقيق إحسان عباس، دار الرائد العربي، بيروت: 1970.

ع

- ع - العبر في خبر من غبر، للذهبي - تحقيق صلاح المنجد وفؤاد السيد - الكويت: 1960. عدة البروق في جمع ما في المذهب من الجموع والفروف، للونشريسي أبي العباس أحمد - تحقيق حمزة أبو فارس - دار الغرب الإسلامي، بيروت: 1990. - ف - الفروف - للكرابيسي أبي المظفر أسعد بن محمد النيسابوري - تحقيق محمد طموم - وزراة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت: 1982. الفروق للكرابيسي أبي الفضل محمد بن صالح السمرقندي، مخط بمكتبة الأوقاف، بغداد: 3533. الفروق بين مسائل فقهية متشابهة، لابن يوسف أبي عبد الله محمد، مخط بمكتبة آل ابن عاشور، (المرسى) تونس، ف أ 90 - 98. الفروق في اللغة - لأبي هلال العسكري - دار الآفاف الجديدة، بيروت 1979، وطبعة أخرى بتحقيق حسام القدسي، دار الباز مكة ودار الكتب العلمية ببيروت 1981. فصول الأحكام، للباجى أبي الوليد سليمان الأندلسي - تحقيق محمد أبو الأجفان - الدار العربية للكتاب، تونس: 1985. الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي - للحجوي محمد بن الحسن الثعالبي - مطبعة النهضة، تونس. الفهرست لابن النديم

ق

- ق - القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة - للسعدي عبد الرحمن بن ناصر - مكتبة العارف، الرياض: 1985. - ك - كتاب العمر، لحسن حسني عبد الوهاب، مؤسسة بيت الحكمة تونس: 1990. كشف الظنون، لحاجي خليفة - دار الفكر: 1982. كشف القناع عن تضمين الصناع - لابن رحال أبي علي الحسن المعداني، تحقيق محمد أبو الأجفان - بيت الحكمة والدار التونسية للنشر - تونس: 1986. كفاية الطالب الرباني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني - للمنوفي أبي الحسن علي بن خلف الشاذلي المصري - تحقيق أحمد حمدي امام - مطبعة المدني - المؤسسة السعودية - بمصر 1407 هـ - 1987 م. - ل - لسان العرب، لابن منظور. - م - المحرر الوجيز، لابن عطية أبي محمد عبد الحق الأندلسي - تحقيق الرحالي الفاروقي ومن معه - طبعه الشيخ خليفة آل ثاني أمير قطر - الدوحة 1977. المدونة الكبرى، للإمام مالك رواية سحنون عن ابن القاسم - السعادة، مصر 1323 هـ. مرآة الجنان، لليافعي أبي محمد عبد الله - مؤسسة الأعلمي، بيروت. المرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا، للنباهي أبي الحسن المالقي -

تحقيق: أ. ليفى. بروفنسال - دار الكتاب المصري، القاهرة: 1948. المصباح المنير، للفيومي أحمد - المكتبة العلمية، بيروت. مطالع الدقائق في تحرير الجوامع والفوارق، للإسنوي أبي محمد عبد الرحيم ابن الحسن - مخط مكتبة الأوقاف، بغداد: 3959. معا لم الإيمان في معرفة أهل القيروان، للدباغ، بإفادات ابن ناجي - المطبعة العربية بتونس - والمكتبة العتقية بتونس. المعاياة والامتحان، اللجرجاني أبي العباس أحمد (القاضي) مخط الخزانة العامة بالرباط (المغرب) 913 د. معجم الأدباء، لياقوت الحموي شهاب الدين الرومى البغدادي - دار المستشرق، بير وت. معجم المؤلفين - لكحالة عمر رضا - مطبعة الترقي، دمشق 1957 - 1961. المعيار المعرب - للونشريسى أبي العباس أحمد - خرجه حماعة بإشراف محمد حجي - دار الغرب الإسلامي، بيروت 1981. مفتاح السعادة، لطالق كبري زادة. المقدمات الممهدات، لابن رشد أبي الوليد محمد بن أحمد تحقيق محمد حجى، وشعيد أعراب، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1988. المقدمة لابن خلدون عبد الرحمن، دار المصحف، القاهرة. المنتقى (شرح الموطأ) بى جي أبي الوليد سليمان بن خلف الأندلسي، مصر: 1332. المنثور في القواعد، للزركشي بدر الدين محمد - تحقيق تيسير فائق أحمد - 178 -

ن

محمود - وزراة الأوقاف بالكويت 1402 هـ - 1982 م. مواهب الجليل، للحطاب أبي عبد الله محمد الرعيني - السعادة، مصر 1328. الموطأ - للإمام مالك ابن أنس - طبعة إسطنبول. - ن - النهاية في غريب الحديث - لابن الأثير مجد الدين أبي السعادات المبارك الجزري - تحقيق: طاهر الزاوي ومحمود الطناجي - دار إحياء التراث العربي، بيروت - المكتبة الإسلامية. النوازل، للإمام البرزلي - مخط مكتبة جامعة الزيتونة، تونس: 76.

الفروق الفقهية للدمشقي 1 - نسيان الحاكم ما قضى به، ونسيان الشهود ما شهدوا به. 2 - نسيان الشاهد الشهادة، ونسيان المخبر الخبر. 3 - الحكم بأعدل البينتين في غير النكاح، وعدم الحكم بها في النكاح 4 - الحلف بالطلاق على عدم فعل شيء، والحلف به على فعله. 5 - لزوم الخصمين ما يحكم به الحكم الذي ارتضياه، وعدم لزومهما شهادة من ارتضياه 6 - البينة في إدعاء المأمور دفع المال، وتصديقه في ادعائه تلفه 7 - للمأمور بالبيع قبض الثمن، وليس للولي المأذون في التزويج قبض المهر. 8 - الخلاف بين الآمر والمأمور في شراء سلعة والخلاف بينهما في بيعها. 9 - بيع الفضولي متوقف على إجازة المالك، وبيع العبد متوقف على إجازة السيد إلا أن يعتقه قبل العلم بالبيع. 10 - غرم الرهن الذي يعاب عليه، وعدم غرم الوديعة. 11 - عدم إلزام المودع أخذ سلعة بدل دنانيره، وتخييره بين أخذ القيمة وبين أخذ سلعة بدل سلعته.

12 - للمودع الربح إذا تاجر بمال الوديعة متعدياً، وليس للمقارض كامل الربح إذا تعدى على مال القراض. 13 - الأمور إذا دفع دراهم عوضاً عن دينار يكون الآمر بالخيار، وإذا دفع عوضاً عن عوض الدينار، يكون على الآمر دفع الدينار. 14 - إدعاء المودع رد الوديعة لا يصدق فيه إلا إذا قبض بغير بينة وادعاؤه تلفها يصدق فيه مطلقاً. 15 - الشقص يشتري بعبد يهلك فيقوم بما قال المشتري، والرهن يضيع فيصفه المرتهن ويحلف تلزمه قيمته. 16 - سقوط الدين عن السفيه بعد فك حجره، وإتباع العبد بالدين بعد عتقه إن لم يسقط السيد. 17 - جواز الوضع من الثمن للعبد المأذون له وللمفوض، دون الوكيل غير المفوض له. 18 - تغير الأسواق فوت في البيع الفاسد، وليس بفوت في الرد بالعيب. 19 - البراءة من العيوب في الرقيق، دون غيره. 20 - إذا ولدت الأمة في أيام الخيار فهو للمشتري، وإذا وهب لها مال في هذه الأيام لم يكن له. 21 - رد أحد المشتريين سلعة بالخيار دون رد صاحبه، وعدم رد أحد الورثة ما اشتراه الميت بالخيار. 22 - انتقال الخيار إلى الورثة، وعدم نقله بالشراء.

23 - منع الخيار في النكاح، وجوازه في البيع. 24 - القول لمدعى الرد إذا اختلفا في الإمضاء والرد، والقول لمدعي الصحة إذا اختلفا في الصحة والفساد. 25 - المال يتلف عند المأمور قبل الشراء يضمنه، وإذا تلف بعد الشراء لا يضمنه. 26 - استثناء الركوب في بيع الدابة لا يجوز إلا في اليسير، واشتراطه يجوز مطلقاً. 27 - استثناء أطراف الشاة عند بيعها جائز في السفر، غير جائز في الحضر. 28 - للدليل أجرة إذا أخطأ، وليس لصاحب السفينة أجرة إذا عطبت. 29 - الإجارة بجزء من الثمرة في جذاذ النخل جائزة، وفي نفض الزيتون غير جائزة. 30 - يحكم بالمثل على ما استهلك ما يكال أو يوزن، ويحكم بالقيمة على مستهلك العروض والحيوان. 31 - العبد يستهلك لقطة قبل السنة تكون في رقبته، والحر يستهلكها فتكون في ذمته. 32 - غاصب الدار أو الدابة لا يرد الغلة، وغاصب الغنم يرد الصوف واللبن. 33 - بئر الأرض المستأجرة يصلحها ربها إذا انهارت، وفي المساقاة لا يلزم رب الحائط إصلاحهما.

34 - قبول القرض قبل أجله لازم، وفي السلم لا يلزم أخذه قبل الأجل. 35 - رد الأفضل في القرض جائز، ورد الأزيد غير جائز. 36 - المفلس لا يحل له ماله من دين، ويحل ما عليه. 37 - تراب المعدن يجوز بيعه، وتراب الصاغة لا يجوز بيعه. 38 - تراب المعادن يجوز بيعه، والضريبة لا يجوز بيعها. 39 - إجارة النساج بنصف الثوب لا تجوز، وإجازته بنصف الغزل تجوز. 40 - وضع الجوائح في الثلث فما فوقه، وكراء الدار فيها شجرة مثمرة لم يبد صلاحها جائز إذا كانت قيمتها من كراء الدار الثلث فما دونه. 41 - عفو الأب عن نصف صداق البكر بعد الطلاق جائز، وقبله غير جائز. 42 - الزواج على خمر أو خنزير يفسخ قبل البناء، والخلع بذلك يمضي ويرد ما أخذ. 43 - عقد النكاح من غير ذكر مهر يصح، وعقد البيع لا يصح إلا بذكر الثمن. 44 - نكاح المرتد يفسخ، ونكاح الكافر الذي لا يسلم يثبت. 45 - الوطء فى الحيض لا يحل للمطلقة، ويفسد الصوم والحج، ويوجب المهر والحد. 46 - العدة في الوفاة قبل الاستبراء، وفي الطلاق بعده.

47 - كناية الظهار تنصرف إلى الطلاق، وكناية الطلاق لا تنصرف إلى الظهار. 48 - من طلق كل امرأة يتزوجها لم يلزمه ذلك، ومن ظاهر من كل امرأة يتزوجها لزمه ذلك. 49 - الظهار من الأجنبية لا يلزم إلا بالتزوج، والإيلاء منها لازم متى نكحها. 50 - من طلق إحدى نسائه ولم يعينها طلقهن كلهن، ومن عتق أحد عبيده ولم يعينه خير في عتق من شاء منهم. 51 - المطلق في الحيض يجبر على الرجعة، والمطلق في طهر مس فيه لا يجبر عليها. 52 - صيام شهر قبل الزواج للتكفير عن الظهار لا يجزئ، صيامه بعده يجزئ. 53 - الظهار من الزوجة بعد طلاقها لا يلزم، والظهار منها قبله لازم. 54 - الطلاق المعلق بوقته يقع في الحال، والعتق المؤجل يوقف إلى أجله. 55 - من طلق زوجته الحامل طلاقاً معلقاً على الوضع ثم طلقها طلقة في الحال طلقت اثنتين، وإذا طلقها طلقة في الحال ثم طلقة عند الوضع طلقت واحدة.

56 - من قال لزوجته: كل امرأة أتزوجها عليك فهي عليّ كظهر أمي، فعليه كفارة واحدة، ومن قال: كل امرأة أتزوجها عليك فالمرأة التي أتزوجها عليك هي عليّ كظهر أمي، فكلما تزوج امرأة كفر. 57 - من أنفقت من مال زوجها قبل أن تعلم أنه طلقها لم تتبع بما أنفقت، ومن أنفقت بعد موته وهى لا تعلم بموته فإنها تتبع بالنفقة. 58 - إذا أسلمت أم ولد الذمي فسيدها أحقُ بها متى أسلم، وإذا أسلمت زوجته، فلا يكون أحق بها إلا إذا أسلم قبل خروجها من العدد. 59 - إذا طلقت الحرة ثلاثاً وهي حامل فلها نفقة الحمل من زوجها الحر، وإذا طلق العبد زوجته وهى حامل فلا نفقة عليه للحمل. 60 - الطلاق المعلق على أداء مال اذي زائفاً يحنث صاحبه، والمعلق على الإتيان بخادم إذا جاء بها فظهر بها عيب لم يحنث. 61 - الأمة تعتق تخط العبد فلا تبادر بالاختيار حتى يعتق سقط خيارها، والذمي يقتل الآخر ثم يسلم القاتل لم يسقط القود. 62 - المعتقة توطأ قبل علمها بالعتق لا يسقط خيارها وإذا وطئت بعد علمها بالعتق مع جهلها بحق الخيار يسقط حقها فيه. 63 - المساومة تجري في البيوع، دون النكاح. 64 - الأمة الحامل إذا عتقت تبعها حملها، والحمل إذا أعتق لم تعتق أمه بذلك. 65 - عتق أم الولد من رأس المال، وعتق المدبر من الثلث.

66 - بيع أم الولد يُفسخ وترد ولو أعتقها مشتريها، وبيع المدبر ينفذ إذا أعتقه مشتريه. 67 - تعجيل عتق أم الولد على مال تدفعه إلى الورثة إن مات سيدها قبل قبضه، وإذا كوتبت فمات قبل أن تؤدي يسقط ذلك عنها. 68 - من عجل بعتقه يتبعه ماله إلا إذا استثناه السيد، وإذا بيع لم يتبعه ماله إلا أن يشترطه المشتري. 69 - إذا اشتري مدبرٌ في دار الحرب ومات البائع قبل استيفاء المشتري حقه من الخدمة أتبعه. مما بقى له، وإذا وقع في المقاسم فمات السيد لم يتبع بشيء. 70 - العبد المعتق في كفارة ظهار يكون ولاؤه للمكفر، وإذا أعتق في زكاة كان ولاؤه للمسلمين. 71 - عتق الأمة في عهدة الثلاث يمضي، وعتقها في الاستبراء يوقف على خروجها منه. 72 - الجدُ يجر الولاء دون الأخ، وعند اجتماعهما يكون الأخ أحق بالولاء. 73 - الجد والأخُ إذا اجتمعا كان الميراث بينهما، وكان الأخ أحق بالولاء. 74 - المكاتبة يمنع مكاتبها من وطئها، والمدبرة يجوز لمديرها وطؤها. 75 - من اشترى زوجته الحامل منه تكون أم ولد، ومن اشترى جارية أبيه الحامل منه لم تكن أم ولد.

76 - المعتقة إلى أجل لا يجوز وطؤها والمدبرة يجوز وطؤها. 77 - المواضعة تدخل في عهدة الثلاث ولا تدخل فيها عهدة السنة. 78 - العبد المحلوف بعتقه إذا بيع في دين ثم عاد عادت اليمين على سيده، وأما إذا عاد إليه بميراث فلا شيء عليه. 79 - من شهد بعتق عبد وردت شهادته لا يجوز له أن يملك العبد، وأما الغريم إذا رد عتق المفلس فإن له شراءه بعد ذلك. 80 - المريض الذي لا يملك إلا عبيداً يدبر جماعة منهم يعتق الثلث من كل واحد منهم، والموصي يعتق عدة عبيد له يقرع بينهم ليعتق ثلثهم. 81 - السفيه يجوز له الوصية بالعتق، ولا يجوز له العتق بتلا. 82 - قبول الرجوع عن الإقرار بقتل الخطأ، وعدم قبول الرجوع عن الإقرار في قتل العمد. 83 - جراح العبد الأربع يجب فيها من قيمته بقدر ما في الحر من ديته، وغيرها من الجراح يجب فيها ما نقص من قيمته. 84 - الدية في عين الأعور كاملة، وفي إحدى يدي من كانت يده مقطوعة نصفها. 85 - الزانية بعد وضع حملها ترجم إذا كانت ثيباً ولا تؤخر، وإذا كانت بكراً لا تحد حتى تخرج من نفاسها. 86 - السارق المعدم إذا استهلك المسروق يقطع ولا يتبع بشيء، وإذا غصب جارية يحدُ ويتبع بالمهر.

87 - المريض إذا غصب امرأة فوطئها يكون صداقها من رأس ماله، وإذا تزوج امرأة فوطئها يكون صداق مثلها من الثلث. 88 - غاصب الدابة إذا ردها لا شيء عليه ولو تغيرت أسواقها، ومستعير الدابة إذا تعدى بها إلى غير الموضع المعين حتى حالت أسواقها يخير ربها بين كراء ما تعدى وبين قيمتها. 89 - الدار تغصب وتسكن يكون على غاصبها أجرُ ما انتفع به، والدابة تغصب وتستعمل لا شيء على غاصبها. 90 - غاصب الخالخالين يكسرهما، عليه ما نقص الكسر، وغاصب الدنانير يكسرها يكون ربها مخيراً بين أخذ مثلها أو أخذها كذلك. 91 - غاصب الثوب إذا وهبه فلبسه الموهوب له ثم استحقه ربه فرجع على الموهوب له بما نقصه، لعدم الغاصب، فإنه لا يرجع على الغاصب بشيء؛ وإذا أجره الغاصب فاستحقه ربه وأخذ ما نقصه من المستأجر فإن المكتري يرجع على الغاصب. 92 - الدابة تغصب وتعجف عند الغاصب يكون ذلك فوتاً، بخلاف عجف العبد عند من غصبه فإنه ليس بفوت. 93 - العبد الذي يقُر بالزنى يقبل إقراره ويجب عليه الحد، وإن أكذبه سيده، والذي يقر بدين لا يقبل إقراره إذا أكذبه سيده. 94 - السيد يقيم حد الزنى على عبده، ولا يقيم عليه حد السرقة. 95 - الشاهد - على قتل الخطأ يقسم معه لاستحقاق الدية، والشاهد على الإقرار بالقتل لا يقسم معه.

96 - لا يلحق ولد الأمة بسيدها إلا أن يقر بالوطء، ويلحق ولد الزوجة بزوجها وإن لم يقر بالوطء. 97 - ولد الحرة ينتفي باللعان، وولد الأمة ينتفي بغير لعان. 98 - الكفالة لا تجوز في الحد، وتجوز في الحقوق. 99 - العبد الموصى بخدمته لرجل ولآخر برقبته إذا جنى فافتكه المخدم لم يرجع على الموصى له بالرقبة، وإذا أخدم المولى عبده رجلاً فجنى العبد وافتكه المولى ثبت على خدمته. 100 - الوصية للصديق الملاطف جائزة، والإقرار له بالدين غير جائز. 101 - الوصية لغير الأمين، لا تجوز، والوديعة عند الأمين تجوز. 102 - الوصي لا يُقبل قوله في دفع مال اليتيم بدون إشهاد، ويُقبل قوله في النفقة. 103 - القاضي يمضي قضية بشهود يتبين أنهم عبيد يغرم، وأما إذا تبين أنهم ليسوا عدولًا فلا يكون عليه غرم. 104 - المودع لا يجوز له إيداع الوديعة عند غيره إلا لعذر، ويجوز له إيداع اللقطة من غير عذر. 105 - المبتاع إذا ادعى الأجل لم يقبل قوله، والمقرض إذا ادعى الأجل كان القولُ قوله. 106 - إذا خلل الرجل خمراً جاز له شربها، وإذا وطئ حائضاً لم تحل بذلك للأزواج، وكلاهما محظور يؤدي إلى مباح.

107 - المركبان يتصادمان فيغرقان لا شيء على أهلهما إذا غرق، أما الفارسان إذا تصادما فماتا فعلى عاقلة كل منهما دية الآخر. 108 - الدنانير المسكوكة لا يجوز أن تبدل بتبر أجود منها، وأما السمراء بالمحمولة الأجود منها فجائز أن تبدل. 109 - يجوز لمن لم يحج عن نفسه أن يحج عن غيره، ولا يجوز لمن لم يطف عن نفسه أو يطوف عن غيره. 110 - يجوز أن ينحر كل واحد من الرفقة هدي صاحبه إذا اختلطت الهدايا، ولا يجوز ذلك في الضحايا. 111 - الهدايا أفضلها الإبل، والضحايا أفضلها الغنم، والكل قربة. 112 - في السفر الأفضل الصوم، وفيه قصر الصلاة أفضل. 113 - الدين يسقط زكاة العين، ولا يسقط زكاة المعدن. 114 - يزكى الدين عندما يقبض سنة واحدة، ويزكى مال القراض عندما يقبض لما مضى من السنين. 115 - الغنم التي تورث تتعلق بها الزكاة من يوم ميراثها، والعين التي تورث تتعلق بها الزكاة من يوم قبضها. 116 - قاتل الخطأ يُعطى من الصدقة إذا كان عديماً، وقاتل العمد الذي قبلت منه الدية لا يعطى منها. 117 - قاطع أطراف الميت لا قصاص عليه، والزاني بميتة يحد. 118 - الأذان يحكى في صلاة نافلة، ولا يحكي في الفريضة.

119 - المجتهد في الوقت إذا صلى قبله يعيد أبداً، والمجتهد في القبلة إذا صلى إلى غيرها يعيد في الوقت. 120 - المتكلم في الصلاة تبطل في العمد دون السهو، والمحدث فيها تبطل على كل وجه. 121 - سنن الصلاة لا تنوب عن فرضها، وسنن الحج تنوب عن فرضه. 122 - الحائض إذا طهرت وهي فاقدة للماء تتيمم وتصلي، ولا يمسها زوجها بالتيمم. 123 - الحائض إذا انقطع دمها يصح صومها، ولا تصلى إلا بعد الغسل. 124 - المسح على الخفين إذا لُبسا بعد طهارة مائية، ولا يصح بعد طهارة ترابية. 125 - تفريق النية لا يجوز في الوضوء، ويجوز في الزكاة. 126 - تفريق النية في الوضوء يجوز، ولا يجوز في الصلاة. 127 - المرأة الجنب إذا طهرت من الحيض فنوت عند غسلها الحيض أجزاها، وإن نوت الجنابة لم يجزها. 128 - النجاسة تزول بلا نية، والوضوء لا بد فيه من نية. - الخاتمة

§1/1